المکاسب المجلد 2

هویة الکتاب

کِتَابُ المَکاسِب

للشیخ الأعظم الشیخ مرتضی الأنصاری قدس سره

1214ه - 1281 م

تحقیق و تعلیق : السّید محمّد کلانتر

المجلدات 17 ج

منشورات مؤسسة النور للمطبوعات - بیروت - لبنان

ص: 1

اشارة

المکاسب

نويسنده: انصاری، مرتضی بن محمدامین

محقق: کلانتر، محمد

تعداد جلد:17

زبان: عربی

ناشر: منشورات دارالنجف الدینیة - مطبعة الآداب

سال نشر:1214-1281 هجری قمری

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الإهداء

سيدي... أبا صالح

هذه جهودي بين يديك متواضعة بذلتها في سبيل خدمة الدين الحنيف في سبيل تخليد فقه (أئمة أهل البيت) و هم آباؤك و أجدادك الطاهرون عليهم الصلاة و السلام. في سبيل إحياء تراثنا العلمي الأصيل أهديها إليك... يا حافظ الشريعة. يا من يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا، فأنت أولى بها ممن سواك، و لا أراها متناسبة و ذلك المقام الرفيع.

و أراني مقصرا و قاصرا. غير أن الهدايا على مقدار مهديها.

فتفضل علي يا سيدي عجل اللّه تعالى لك الفرج بالقبول، فإنه غاية المأمول.

عبدك الراجي

ص: 5

ص: 6

هياكل العبادة

ص: 7

ص: 8

تتمة المكاسب المحرمة

النوع الثّاني مما يحرم التكسب به: ما يحرم لتحريم ما يقصد به

اشارة

النوع الثّاني (1) مما يحرم التكسب به: ما يحرم لتحريم ما يقصد به (2): و هو (3) على أقسام:

القسم الأوّل: ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص إلا الحرام

اشارة

الأوّل: ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص إلا الحرام (4) و هي امور:

++++++++++

(1) أي من الاكتساب المحرم، حيث كان النوع الأوّل: هو الاكتساب بالأعيان النجسة.

(2) مرجع الضمير: (ما الموصولة) في قوله: لتحريم ما يقصد أي الاكتساب بعمل يئول إلى فعل محرم حرام كصنع الصنم المنجر إلى العبادة الباطلة، و صنع آلات القمار و الطرب المنجر إلى اللعب بها.

(3) أي الاكتساب بعمل يئول إلى فعل محرم على أقسام.

(4) كصنع الصنم و آلات القمار و الطرب، حيث إن الأوّل لا يترتب عليه سوى العبادة الباطلة، و الثاني لا يترتب عليه إلا اللعب المحرم كما عرفت آنفا.

ص: 9

منها هياكل العبادة

منها. (1) هياكل العبادة (2) المبتدعة كالصليب و الصنم بلا خلاف ظاهر، بل الظاهر الإجماع عليه

++++++++++

(1) أي من تلك الأمور التي لا يقصد من وجودها إلا الحرام:

هياكل العبادة و هي الصور و التماثيل التي صنعت للعبادة الباطلة.

و المراد من المبتدعة: اختراعات الشيطان و بدعة التي هو السبب في صناعتها.

(2) هي الأصنام و الأوثان التي تتخذ آلهة من دون اللّه عز و جل و كانت تعبد من غير حجة و لا دليل.

كانت الأمم الغابرة و لا سيما العرب بصورة عامة عدا بني هاشم و قليل من العرب تعبد الأصنام و الأوثان و لا يزال بعض الطوائف الهندية يعبدونها

و ربما يفرق بوجه عام بين كلمة (الصنم و الوثن): بأن الصنم ما يصنع من الحجر أو الخشب أو الصفر أو النحاس أو الذهب و يصور على الورق و الجدران بالأقلام و الريش.

أي للصنم فردان: فرد مجسم و فرد مصور.

و الوثن يصنع من الخشب، أو الحجر، أو الفضة، أو الذهب غير مصور، أي للوثن فرد واحد و هو التجسيم و التمثيل، و لا يصور بالأقلام و الريش.

و قد أشرنا إلى هذا الفرق في الجزء الأوّل من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. ص 48-49.

كان لعبادة الأوثان في بداية وجودها شأن عظيم، و قد تطور الأمر على مر العصور و الأعوام حتى أصبحت عبادة الأصنام و الأوثان منتشرة -

ص: 10

..........

++++++++++

- في البلاد، عدا (بلاد فارس) فإنها كانت تعبد النيران و تقول ب: إلهين:

إله خير و إله شر.

لا نعلم بالضبط بداية عبادة هذه الأصنام و الأوثان و تحديدها تاريخيا.

و ربما يوجهها البعض: بأن الوثنية ألصقت بنفس الانسان من غيرها من أشكال العبادات.

و السبب في ذلك: أن الانسان في حالته الأولية الساذجة فطر على تجسيد ميوله و عواطفه، و تجسيم خيالاته و مدركاته فيريد أن يرمي بنظره إلى الإله الذي يتوجه إليه و يعبده، ليتقرب إليه كما قال العزيز:

«مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اَللّٰهِ زُلْفىٰ » (1) .

و هذه النظرية ذهب إليها قسم من المتصوفة بعين الدليل، فإنهم حالة الصلاة و عند قراءة (إياك نعبد) يوجهون الخطاب إلى مرشدهم المتصورة صورته في أذهانهم.

صادف في بعض أسفاري اجتماعي مع بعض هؤلاء المتصوفين و كان يقول لصاحبه: لا بد لك من توجيه الخطاب حالة الصلاة في (إياك نعبد) الى المرشد.

كان هذا القائل أحد نواب المرشد.

فقلت له: أيها الأخ المسلم إن كنت مسلما هذا كفر باللّه العظيم لأنه شرك صريح و كيف تقول به و أنت تدعي الإسلام و الإيمان باللّه و برسوله الكريم.

ثم جرى الحوار و النقاش بيننا و دام حتى انتهى السفر و هو على ضلالته.

ص: 11


1- الزمر: الآية 3.

..........

++++++++++

- عود على بدء:

و قد اتخذت الأصنام و الأوثان هياكل للعبادة بعد أن كان الساميون يعبدون الأحجار بصورة عامة.

و هذه الأحجار تعرف بالنصب و الجمع أنصاب و كان يراق عليها القرابين، و يطاف حولها، و يجعلونها رمزا من شعائر العبادة، و لم يقنعوا بذلك حتى كانوا يحملونها معهم في أسفارهم.

و أما الأصنام و الأوثان التي يعبدها العرب كانت مختلفة.

فبعضها كالتماثيل منحوتة مثل هبل و أساف و نائلة.

و هكذا شأن الأصناف الأخرى التي كانت محيطة بالكعبة المكرمة.

و كان قسم من هذه الأصنام تصنع من الخشب.

كما كان كثير منها مجرد أحجار غير منحوتة، اذ بعض العرب متى وجدوا حجرا متميزا له لون، أو حجم معجبين به أقاموه وثنا.

جاء الدين الحنيف (الاسلام) محاربا للوثنية و الأصنام، و مكافحا و مطاردا لها أين وجدها و دفع الآخذين به لمحوها من البيئة التي شاء بها بمقتضى أصوله الأولية فلم يمض عليها بضع و عشرون سنة حتى كان النصر النهائي له فأبادها عن آخرها.

و كانت القبائل العربية تختلف في أخذها الأصنام و الأوثان: فكان سواع لهذيل، و ود لكلب، و يغوث لمذحج و قبائل من اليمن، و النسر لذي كلاع بأرض حمير، و يعوق لهمدان، و اللات لثقيف، و العزى لقريش و جميع بني كنانة، و مناة للأوس و الخزرج و غسان.

كان هبل من أعظم أصنام العرب و كان في الكعبة، و أساف و نائلة كانا على الصفا و المروة. -

ص: 12

و يدل عليه مواضع من رواية تحف العقول المتقدمة في مثل قوله عليه السلام:

و كل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه.

و قوله عليه السلام: أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد.

و قوله عليه السلام: و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه.

و قوله عليه السلام: إنما حرم اللّه الصناعة التي حرام هي كلها مما يجيء منها الفساد محضا نظير المزامير و البرابط، و كل ملهوبه، و الصلبان و الأصنام إلى أن قال: فحرام تعليمه و تعلمه، و العمل به، و أخذ الأجرة عليه، و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات إلى آخر الحديث (1).

++++++++++

- و لأبي سفيان كلمته المشهورة حينما كان يحارب (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله و يحث الناس على محاربته.

أعل هبل أعل هبل.

فقال الرسول صلى اللّه عليه و آله في جوابه: اللّه أعلى و أجل.

كانت العرب في الجاهلية يصورون جدران الكعبة بأربابهم و قد ملؤها.

و خلاصة الكلام: أن أهل الأرض يوم أن قام (الرسول الأعظم) يدعوهم ليهديهم من الضلالة إلى الهدى: مللا متفرقة، و أهواء منتشرة و طوائف متشتتة بين مشبه للّه بخلقه. و بين ملحد في اسمه، أو مشير الى غيره أو عابد نيران، أو عاكف على أصنام و هم في حيرة و ضلال فجاء رسول الانسانية فجمع شمل الأمم، و هذب نفوسهم، و وحّد عبادتهم و وضع لهم من أصول العبادات ما يمنع عنهم عدوى الأمم الوثنية فأصبح عمل تلك الهياكل نحتا و تصويرا من محظورات الدين الاسلامي.

(1) أي حديث (تحف العقول) الذي مضى في ج 1، ص 23-33.

ص: 13

هذا كله مضافا (1) الى أن أكل المال في مقابل هذه الأشياء أكل له بالباطل.

و إلى قوله (2) صلى اللّه عليه و آله: إن اللّه اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه، بناء على أن تحريم هذه الأمور تحريم لمنافعها الغالبة، بل الدائمة فإن الصليب من حيث إنه خشب بهذه الهيئة لا ينتفع به إلا في الحرام و ليس (3) بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل و المحرم، و لو فرض ذلك (4) كان منفعة نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول مطلق الّذي هو المناط في تحريم الثمن.

نعم (5) لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة، و آلة

++++++++++

(1) أي و يدل على حرمة مثل الهياكل المبتدعة بالإضافة إلى ما ذكرناه من حديث تحف العقول: أن أكل المال إزاء هذه الأشياء أكل له بالباطل.

(2) أي و يدل على حرمة مثل الهياكل المبتدعة بالإضافة إلى ما ذكرناه من حديث تحف العقول: قوله صلى اللّه عليه و آله: إن اللّه اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه المشار إليه في ج 1، ص 3.

(3) أي و ليس الصليب بهيئته الخاصة موضوعا للمنافع المحرمة و المحللة حتى يراد منه كلتا المنفعتين.

(4) أى و لو فرض أن الصليب بتلك الهيئة موضوعة لما ينتفع به في المحلل و المحرم: كانت تلك المنفعة المحللة التي فرضناها للصليب منفعة نادرة لا تضر في الاطلاق الموجود في حرمة الصليب، حيث إن حرمة الانتفاع و الاكتساب من هذا الصليب بهذه الهيئة مطلقة و لو فرض أنها موضوعة لما ينتفع بها في المحلل و المحرم.

و هذا الاطلاق هو المناط و الملاك في تحريم الثمن.

(5) استدراك عما أفاده آنفا من أن الصليب من حيث إنه خشب -

ص: 14

أخرى لعمل محلل بحيث لا تعد منفعة نادرة فالأقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة كما اعترف به في المسالك.

فما (1) ذكره بعض الأساطين من أن ظاهر

++++++++++

- و بهذه الهيئة لا ينتفع به الا في الحرام، و ليس بهذه الهيئة موضوعا لما ينتفع به في المحلل و المحرم حتى يصح بذل المال بإزائه.

و خلاصة الاستدراك: أنه لو فرضنا أن هناك هيكلا خاصا مشتركا موضوعا بين هيكل العبادة، و بين هيكل آخر لعمل آخر محلل بحيث يعد هذا العمل الآخر من المنافع الكثيرة المتعارفة و المتداولة بين الناس:

فلا مانع اذا من جواز بيع هذا الهيكل بقصد تلك المنفعة المحللة الكثيرة المترتبة على ذلك الشيء.

هذا ما أفاده الشيخ في هذا الاستدراك.

و لكن لا يخفى عليك أن الكلام في صناعة الشيء المحرم، لا في بيعه و ان كان البيع أيضا محرما فما أفاده قدس سره ناظر إلى بيع هذا الهيكل المشترك بين هيكل العبادة، و آلة أخرى بحيث لا تعد الآلة الأخرى من المنافع النادرة القليلة.

(1) تفريع من (شيخنا الأنصاري) على ما أفاده من الاستدراك بقوله:

نعم لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة أخرى لعمل محلل بحيث لا تعد منفعة نادرة: فالأقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة.

و خلاصة التفريع أن بعض الأساطين و هو (الشيخ كاشف الغطاء) أفاد في هذا المقام أن ظاهر الأخبار المذكورة المشار إليها في ص 13-14 و الإجماع المشار إليه في ص 10: عدم الفرق بين قصد الجهة المحللة غير -

ص: 15

..........

++++++++++

- النادرة، و قصد الجهة غير المحللة: في عدم جواز بيع الهياكل و صناعتها، لأن نفس الهيكل بما هو هيكل مبغوض عند الشارع، سواء أ كان هناك جهة محللة غير نادرة أم جهة محرمة.

و لما كان ما أفاده (بعض الأساطين) مخالفا للاستدراك المذكور أراد (شيخنا الأنصاري) أن يعالج كلامه فقال: إنه لا بد من حمل كلامه على أحد الأمرين لا محالة.

(الاول): أن يحمل قوله: لا فرق بين الجهة المحللة و غيرها:

على المنفعة المحللة التى لا دخل للهيئة الخاصة و لا ربط لها بها أصلا و أبدا.

بمعنى أن الثمن يدفع بإزاء المادة فحسب.

و هذا الدفع و إن كان صحيحا، لصحة بيع المادة و هو الخشب مجردة عن الهيكل.

لكنه فاسد في الواقع و نفس الأمر، حيث إن المعاملة قد وقعت خارجا على نفس الهيكل بما هو هيكل مجردا عن المادة الخشبية، لا على المادة فيلزم حينئذ: أن ما وقع لم يقصد، لأن المعاملة الواقعة على المادة ليس مقصودا للمتعاملين، و ما قصد لم يقع، لأن المعاملة المقصودة على نفس الهيكل لم يقع، بل وقع على المادة، و هذا لا يجوز، لأن العقود تابعة للمقصود.

(الثاني): أن يحمل قوله: لا فرق بين الجهة المحللة و غيرها.

على المنفعة النادرة بأن يقال: إن المراد من غيرها هي المنفعة النادرة التى للهيكل دخل في بذل المال بإزائها بحيث لو لا الهيكل لم يدفع الثمن إزاء تلك المنفعة النادرة فحينئذ تكون هذه المنفعة النادرة معدومة في نظر الشارع و مبغوضة عنده فتكون المعاملة باطلة.

اذا عرفت هذا فلا يكون ما ذكره بعض الأساطين بعد الحمل -

ص: 16

الإجماع (1) و الأخبار (2) أنه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها فلعله (3) محمول على الجهة المحللة (4) التى لا دخل للهيئة فيها، أو النادرة (5) التي مما للهيئة دخل فيه.

نعم ذكر (6) أيضا وفاقا لظاهر غيره، بل الأكثر أنه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة.

++++++++++

- مخالفا لما أفاده (شيخنا الأنصاري) من الاستدراك المذكور.

(1) و هو الإجماع المشار إليه في ص 10 بقوله: بل الظاهر الإجماع عليه

(2) و هي المذكورة في ص 13 في قوله عليه السلام:

أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد.

و قوله عليه السلام: و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه.

و قوله عليه السلام: إنما حرم اللّه الصناعة التي حرام هي كلها مما يجيء منه الفساد محضا نظير المزامير و البرابط.

و قوله صلى اللّه عليه و آله: إن اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

(3) جملة (فلعله محمول) مرفوعة محلا خبر للمبتدإ في قوله: فما ذكره.

و قد عرفت الحمل المذكور في ص 16 عند قولنا: الأوّل و الثاني.

(4) هذا هو الحمل الأوّل الذي عرفته في ص 16 عند قولنا:

الأوّل أن يحمل.

(5) هذا هو الحمل الثاني الذي عرفته في ص 16 عند قولنا:

الثاني أن يحمل.

(6) أي ذكر بعض الأساطين في حرمة بيع هياكل العبادة: أنه لا فرق بين قصد المادة أو الهيئة، بمعنى أن بيع هياكل العبادة محرم على كل حال، سواء قصد من البيع المادة، أم الهيئة.

ص: 17

أقول: (1) إن أراد بقصد المادة كونها هي الباعثة على بذل المال

++++++++++

(1) من هنا أخذ الشيخ في النقاش العلمي مع الشيخ الكبير (كاشف الغطاء).

و خلاصته: أن قصد المادة على ثلاثة أقسام:

(الأوّل): أن تكون المادة التي هو الخشب أو الذهب أو الحديد أو الرخام، أو أي شيء آخر: هي الموجبة و الداعية و الباعثة لبذل المال إزاء الصنم حسب الأمر و نفس الواقع و إن كانت المعاوضة واقعة على الصنم حسب الظاهر.

(الثاني): أن يكون المبيع نفس المادة و شخصها، أي المال بذل إزاء شخص الذهب، أو الحديد، أو الرخام لا غير من دون ملاحظة الهيكل و مدخليته فيها.

(الثالث): أن تكون المادة في ضمن المبيع بأن وقع العقد على المجموع المركب الذي منه مادة هياكل العبادة، بمعنى أن المبيع ليس شخص المادة مستقلا و على حدة، بل هي مع شيء آخر كبيع وزنة حطب التي منها مادة الهياكل و الثمن بذل بإزاء المجموع.

اذا عرفت هذه الأقسام فاعلم أنه لا اشكال في بطلان القسم الأوّل و فساد المعاوضة عليه كما أفاده بعض الأساطين بقوله: من أن ظاهر الإجماع و الأخبار أنه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها لأن الباعث و السبب لبذل المال إزاء الصنم هي المادة التى يعبر عنها بالمعنون و إن كان عنوان المبيع هي الصورة و الهيكل بحسب الظاهر.

إلا أن المعنون مندك في العنوان و مضمحل فيه بحيث لا يرى العرف إلا الهيكل المتشكل بهذا الشكل فالبيع حينما يقع على شخص الهيكل و الصورة بما له من المادة و الهيئة و الأوصاف، لا على خصوص المادة مجردة عن الهيكل -

ص: 18

..........

++++++++++

- أو الصورة مجردة عن المادة، أو على كلتيهما فهذا القسم نظير وقوع المعاوضات العرفية على الأموال في وقوعها عليها بما لها من المادة و الهيئة و الأوصاف.

خذ لذلك مثالا:

إن البائع حينما يبيع الدار يبيعها بما فيها من المواد الأولية البنائية كالطابوق و الجص و السمنت و الحديد و الخشب و الزجاج و غير ذلك.

و بما لها من الهيئة البنائية و هو الوجود الخارجي.

و بما فيها من الأوصاف من الغرف و الحمام و المطبخ و المرافق الصحية و الحديقة، فكل هذه المذكورات ملحوظة حال البيع فيقع البيع على الدار بهذه، و بكل ما يتقوم به مالية الشيء من المادة و الهيئة و الأوصاف.

كذلك ما نحن فيه، حيث إن البيع وقع على الصنم، أو الصليب بما لها من المواد و الهيئة و الأوصاف من دون فرق بين هذه العناوين المحرمة و بين تلك الأموال العرفية الخارجية، فالقدر المتيقن و المسلم من الأدلة الناهية التي هو الإجماع و الأخبار المذكورين هذا الفرد لا غير فالمعاوضة عليه باطلة و فاسدة فيكون أكل المال أكلا بالباطل.

(و أما القسم الثاني): و هو كون المبيع شخص المادة و نفسها مجردة عن الصورة و الهيكل من دون أن يقع شيء من الثمن إزاء الهيكل: فالظاهر عدم فساد المعاوضة و بطلانها، لعدم شمول الإجماع و الأخبار لهذا القسم من المعاوضة التى لوحظ فيها شخص المادة من دون مدخلية الشكل و الهيكل فيه فهو نظير المعاوضة الواقعة على طن من النحاس ثم وجد فيه صنم، أو صليب أو أواني ذهبية مكسورة فليس للمشتري فيها خيار العيب، حيث إن المبيع -

ص: 19

بإزاء ذلك الشيء و ان كان عنوان المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشيء فما استظهره من الإجماع و الأخبار حسن، لأن بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص من حيث كونه مالا عرفا بذل للمال على الباطل (1).

و إن أراد بقصد المادة كون المبيع هي المادة، سواء تعلق البيع بها بالخصوص (2) كأن يقول: بعتك خشب هذا الصنم، أو في ضمن مجموع مركب (3) كما لو وزن له وزنة حطب فقال: بعتك فظهر فيه

++++++++++

- نفس المادة التى هو النحاس، لا الصنم، أو الصليب، أو الأواني الذهبية أو الفضية.

(و أما القسم الثالث): و هو كون المبيع المادة في ضمن المجموع المركب كما في طن من الحطب و فيه صنم، أو صليب: فهذا خارج أيضا عن حريم النزاع فلا يشمله الإجماع و الأخبار فلا تكون المعاوضة باطلة و فاسدة، لأن الهيكل لم يلحظ في المبيع أصلا فلا يقع شيء من الثمن إزاءه فالملحوظ هنا نفس المادة من دون مدخلية الهيكل فيها أبدا.

فالحاصل أن الملحوظ في المبيع إما نفس الهيكل بما هو هيكل و شكل خاص، أو المادة: و هي إما تلاحظ بالاستقلال أو في ضمن المجموع المركب.

لا إشكال في بطلان المعاوضة في الأوّل.

و أما الثاني و الثالث فلا يشملهما الإجماع و الأخبار المذكورين و قد عرفت شرح أقسام الثلاثة آنفا فلا نعيده عليك.

(1) هذا هو القسم الأوّل.

(2) هذا هو القسم الثاني.

(3) هذا هو القسم الثالث.

ص: 20

صنم أو صليب فالحكم ببطلان البيع في الأوّل (1)، و في مقدار الصنم في الثاني (2) مشكل، لمنع شمول الأدلة لمثل هذا الفرد، لأن المتيقن من الأدلة المتقدمة حرمة المعاوضة على هذه الأمور نظير المعاوضة على غيرها من الأموال العرفية: و هو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشيء من المادة و الهيئة و الأوصاف.

و الحاصل أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشيء من غير مدخلية الشكل ألا ترى أنه لو باعه وزنة نحاس فظهر فيها آنية مكسورة: لم يكن له خيار العيب، لأن المبيع هي المادة.

و دعوى (3) أن المال هي المادة بشرط عدم الهيئة مدفوعة (4) بما صرح به من أنه لو اتلف الغاصب لهذه الأمور ضمن موادها.

++++++++++

(1) المراد من الأوّل هو القسم الثاني الذي كان المبيع شخص المادة مستقلا و قد عرفته في الهامش 1. ص 18.

(2) المراد من الثاني هو القسم الثالث الذي كان المبيع هي المادة في ضمن المجموع المركب و قد عرفته في ص 20.

و المراد من هذا الفرد في قوله: لمثل هذا الفرد: القسم الثاني و الثالث.

(3) هذه الدعوى راجعة إلى ما أفاده الشيخ: من أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشيء من غير مدخلية الشكل.

و حاصل الدعوى: أن هذه المواد إنما تقابل بالثمن ما لم تتشكل بهذه الأشكال و الهياكل.

و أما اذا تشكلت بها فتسقط عن المالية فلا تصح المعاوضة على موادها حينئذ فالبذل بإزائها باطل.

فما افاده: من أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشيء غير مفيد.

(4) بالرفع خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: و دعوى، و جواب -

ص: 21

و حمله (1) على الاتلاف تدريجا تمحل (2).

++++++++++

- من الشيخ عن الدعوى المذكورة.

و خلاصة الجواب: أن الفقهاء صرحوا بضمان الغاصب مواد هذه الهياكل لو أتلف الصور و الهياكل فلو لم يكن لموادها المتشكلة بالهياكل الخاصة مالية لما صح التصريح بالضمان من الفقهاء، لأنه لو كان المال هي المادة بدون الهيئة كان اتلاف المادة في ضمن الهيئة غير موجب للضمان فالتصريح بالضمان دليل على أن قاعدة: (من اتلف مال الغير فهو له ضامن) تشمله.

(1) أي حمل الإتلاف على الإتلاف التدريجي.

هذا دفاع عن الدعوى المذكورة: من أن المواد انما تقابل بالمال ما لم تتشكل بالأشكال و الهياكل الخاصة فاذا تشكلت بها سقطت المواد عن المالية فلا يجوز بذل المال حينئذ.

و خلاصة الدفاع: أن تصريح الفقهاء بضمان المواد لو اتلف الغاصب هذه الهياكل إنما هو لأجل حصول الإتلاف تدريجا.

بمعنى أنه يحصل إتلاف الهيئة أولا ثم يحصل إتلاف المادة ففي الحقيقة يكون ضمان المواد بعد ذهاب الصورة و الهيكل فالضمان لم يتعلق بالمواد في ضمن الهيكل حتى يكون للهيكل دخل في ضمان المواد ثم يقال: لو اتلف الغاصب الهياكل ضمن المواد.

و الدليل على ذلك أن الغاصب لو اتلف الهيكل آنا و دفعة لم يحصل الضمان فالضمان إنما هو لأجل الإتلاف التدريجي.

(2) هذا جواب من الشيخ عن الدفاع المذكور.

و خلاصته أن الدفاع المذكور بحمل الإتلاف على الإتلاف التدريجي. -

ص: 22

و في محكي التذكرة أنه اذا كان لمكسورها (1) قيمة و باعها صحيحة لتكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته فإنه يجوز بيعها (2) على الأقوى انتهى.

و اختار ذلك (3) صاحب الكفاية و صاحب الحدائق و صاحب الرياض نافيا عنه (4) الريب.

و لعل (5) التقييد في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته:

لئلا يدخل في باب المساعدة على المحرم، فان دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي فيكون (6)

++++++++++

(1) اي لمكسور هياكل العبادة و الصليب التى هي العناوين المحرمة.

هذا تأييد جاء به الشيخ لما ذهب إليه من جواز بيع مواد هذه الأشياء بقصد المادة.

(2) و مرجع الضمير في بيعها و باعها: الهياكل و الصلبان.

(3) و هو جواز بيع الصنم و الصليب بهيئتهما اذا كان المشتري ممن يوثق بديانته.

(4) مرجع الضمير: جواز البيع، اي حال كون كل واحد من هؤلاء الأعلام نفى البأس عن جواز بيع الهياكل و الصلبان لكن بشرط أن يكسرها المشتري، أو يكون ممن يوثق بديانته.

(5) اي و لعل تقييد العلامة المشتري بقوله: ممن يوثق بديانته احتراز عن دخول الأمور المذكورة: من الصنم و الصليب في المساعدة على الحرام لو لم يكن المشتري ممن يوثق بديانته.

و قد ذكر المصنف علة دخول الأمور المذكورة في المساعدة على الحرام بقوله: فإن دفع ما يقصد به.

و المراد من المدفوع إليه المشتري.

(6) أي بيع الأمور المذكورة إلى المشتري الذي لا يوثق بديانته.

ص: 23

باطلا كما في رواية تحف العقول.

لكن فيه (1) مضافا إلى التأمل في بطلان البيع لمجرد الاعانة على الإثم:

أنه يمكن الاستغناء عن هذا القيد بكسره (2) قبل أن يقبضه إياه، فإن الهيئة غير محترمة في هذه الأمور كما صرحوا به في باب الغصب.

بل قد يقال بوجوب إتلافها فورا، و لا يبعد أن يثبت، لوجوب حسم مادة الفساد.

++++++++++

(1) أي في تقييد العلامة المشتري بمن يوثق بديانته اشكال.

و خلاصة الاشكال شيئان:

(الأوّل): عدم الالتزام بكون مجرد صدق الإعانة على الإثم في المبيع الى المشتري الذي لا يوثق بديانته موجبا لبطلان المعاوضة، اذ في أغلب البيوع يصدق الاعانة على الإثم و لا تصدق الحرمة عليها، لأن النهي فيها قد تعلق بأمر خارج عن حقيقة البيع و ماهيته، فالنهي في هذه البيوع نظير تعلق النهي بالبيع وقت النداء فكما أن النهي هناك لا يوجب البطلان لتعلقه بأمر خارج عن حقيقة المعاوضة.

كذلك النهي فيما نحن فيه لا يوجب البطلان، لوحدة الملاك.

(الثاني): أنه يمكن الاستغناء عن القيد المذكور: و هو كون المشتري ممن يوثق بديانته: بكسر الأمور المذكورة قبل أن يتسلمها المشتري فبهذا التسلم يندفع المحظور، لأن هيكل الصنم و الصلبان لا احترام لها حتى يوجب كسره الضمان.

(2) مرجع الضمير يحتمل أن يكون: المبيع الذي يراد منه الأمور المذكورة من الصنم و الصليب.

و يحتمل أن يكون المشتري فالمصدر حينئذ يكون مضافا إلى الفاعل و المفعول و هو الصنم و الصليب محذوف.

ص: 24

و في جامع المقاصد (1) بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الأشياء:

و ان أمكن الانتفاع على حالها في غير محرم: منفعة لا تقصد منها.

قال: و لا أثر، لكون رضاضها الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل و يعد مالا، لأن بذل المال في مقابلها و هي على هيئتها بذل له في المحرم الذي لا يعد مالا عند الشارع.

نعم (2) لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها و كان

++++++++++

(1) يقول (المحقق الكركي) في هذا المقام: إن بيع الصنم و الصليب ممنوع على كل حال و ان قلنا بوجود الانتفاع المحلّل لهما كجعلهما زينة في الأماكن المعدة للزينة.

أو قلنا: إن لرضاضهما بعد كسرهما نفع يمكن الانتفاع بها كما توهم ذلك و بنى المتوهم صحة المعاوضة عليهما: على تلك الرضاض و القطعات المكسورة في الواقع و نفس الأمر، لا على نفس الصورة و الهيكل حتى يقال بمنع المعاوضة و بطلانها.

و خلاصة دليل (المحقق الكركي) على المنع: أن المنفعة المحللة كجعل الصنم و الصليب زينة لا تعد منفعة منهما، بل هي في نظر الشارع من المنافع المعدومة.

و هكذا رضاض الصليب و الصنم و قطعاتهما بعد الكسر لا اثر لها في نظر الشارع و لا تعد مالا حتى يصح بذل المال بإزائهما، كما لا يصح البذل بإزائهما لو جعلا زينة، لأن المال يبذل بإزائهما بما لهما من الهيكل و الهيئة فاذا بدل المال كذلك كان بذلا ازاء الباطل فيكون اكله محرما.

(2) هذا استدراك من (المحقق الكركي) عما افاده من عدم جواز بيع الصنم و الصليب و هما على هيئتهما باعتبار رضاضهما بعد كسرهما.

و خلاصة الاستدراك أنه يجوز القول بصحة بيع رضاضهما بعد كسرهما -

ص: 25

المشتري موثوقا به و أنه يكسرها: أمكن القول بصحة البيع.

و مثله (1) باقي الأمور المحرمة كأواني النقدين و الصنم انتهى (2).

++++++++++

- و قبل أن يكسرا، و ذلك اذا كان المشتري ممن يوثق بديانته، و يعرف أنه من الذين اذا اشتراهما يكسرهما فحينئذ حاز بيعهما و هما على تلك الصورة و الحالة.

(1) اي و مثل الصنم و الصليب في عدم جواز بيعهما و ان كان لرضاضهما نفع: أواني الذهب و الفضة و ان كان لرضاضها نفع، لوحدة الملاك في الموضعين.

(2) اي ما افاده (المحقق الكركي) في هذا المقام.

ص: 26

القمار

ص: 27

ص: 28

منها القمار

و منها: (1) آلات القمار بأنواعه بلا خلاف ظاهرا.

و يدل عليه (2) جميع ما تقدم في هياكل العبادة (3).

++++++++++

(1) اي و من الأمور التي لا يقصد من وجودها على نحوها الخاص إلا الحرام: آلات القمار على اختلاف أنواعها و أقسامها، سواء أ كانت قديمة أم حديثة.

و قمار بكسر القاف مصدر باب المفاعلة من قامر يقامر مقامرة و قمارا و معناه: اللعب بالمراهنة، سواء أ كان الرهن على المال أم على العروض فكل لعب يراهن عليه يقال له: قمار و مقامرة.

و مصدر الثلاثي المجرد قمر بفتح القاف و سكون الميم.

(2) مرجع الضمير: التحريم المستفاد من المقام، و ليس مرجعه القمار، لعدم انسجام المعنى كما هو واضح، و كذا ليس مرجعه الحرمة لعدم التطابق بينه و بين الضمير، مع وجوب التطابق.

(3) في قوله عليه السلام في رواية (تحف العقول): و كل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه المشار إليه في ص 13.

و قوله عليه السلام: أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد المشار إليه في ص 13.

و قوله عليه السلام: إنما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلها مما يجيء منها الفساد محضا نظير المزامير و البرابط، و كل ملهوبة و الصلبان و الأصنام المشار إليه في ص 13.

و قوله صلى اللّه عليه و آله: إن اللّه اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه المشار إليه في ص 14.

ص: 29

و يقوى هنا (1) أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة.

و في المسالك أنه لو كان لمكسورها (2) قيمة و باعها صحيحة لتكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته ففي جواز بيعها (3) وجهان:

و قوّى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة (4)،

++++++++++

(1) أي في آلات القمار قبل أن تتغير هيئتها، و كان المشتري ممن يوثق بديانته.

الظاهر أن وجه القوة في آلات القمار: عدم وجود المبغوضية فيها إلى حد وجودها في الصنم و الصليب، حيث إنهما مبغوضان في نظر الشارع و قد اسقطهما عن المالية و ان كان لرضاضهما نفع بعد الكسر فانه لا يجوز بيعهما على تلك الحالة إلاّ و أن يكسرا قبل البيع ثم يباع رضاضهما.

بخلاف آلات القمار فإنه يجوز بيعها قبل كسرها و تغيير هيئتها اذا كان المشتري ممن يوثق بديانته كما قيد العلامة المشتري بذلك.

(2) أي لمكسور آلات القمار.

(3) أي بيع آلات القمار وجهان:

وجه للجواز. و وجه للعدم.

أما وجه الجواز فلوقوع المعاوضة على رضاضها و قطعاتها في الحقيقة و نفس الأمر فبذل المال إزاء مكسورها كما هو الفرض في المسألة، لا بإزاء هيئتها الممنوعة شرعا.

و أما وجه عدم الجواز فلوقوع البيع على المتلبس بالهيئة الباطلة شرعا و الحكم تابع للاسم فالهيئة كانت باقية إلى حين البيع فالمال بذل إزاء تلك الهيئة فيكون البذل اكلا للمال بالباطل.

(4) و هي الهيئة. أليك نص عبارته:

ما اسقط الشارع منفعته لا نفع له فيحرم بيعه كآلات الملاهي مثل -

ص: 30

و هو (1) حسن و الأكثر أطلقوا المنع (2) انتهى (3).

أقول: إن أراد (4) بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الاشكال في الجواز، و لا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة و الأكثر.

ثم إن المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض فكل ما أعدّ لها (5)

++++++++++

- العود و الزمر، و هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم، و آلات القمار كالنرد و الشطرنج ان كان رضاضها لا يعدّ مالا، و به قال الشافعي.

و إن عدّ مالا فالأقوى عندي الجواز مع زوال الصفة المحرمة.

راجع (تذكرة الفقهاء) من طبعتنا الحديثة القسم الأوّل الجزء 7 ص 21 و يحتمل أن يريد العلامة بالزوال: زوال آلة من آلات القمار بحيث ترك استعمالها في اللعب بها في القمار لمجيء نوع آخر من آلات القمار مكانها.

و يحتمل أن يريد بالزوال: الزوال بعد البيع، و تسلم المشتري المبيع.

(1) هذا كلام (الشهيد الثاني) اي ما أفاده (العلامة) في جواز بيع آلات القمار بزوال هيئتها حسن.

(2) هذا كلام (الشهيد الثاني) في المسالك، اي اكثر الفقهاء من الامامية قالوا بعدم جواز بيع آلات القمار مطلقا، سواء أريد من البيع زوال صفتها أم لا.

(3) اي ما افاده (الشهيد الثاني) في المسالك.

(4) اي العلامة.

(5) مرجع الضمير المراهنة.

و في منه: (ما الموصولة) في قوله: فكل ما اعد.

و المراد من الخصوصيات: الأشكال الهندسية و الورود، و صور ذوات الأرواح و غيرها التى ترسم في أوراق اللعب المعروفة عند أهل اللعب بالأوراق. -

ص: 31

بحيث لا يقصد منه على ما فيه من الخصوصيات غيرها حرمت المعاوضة عليه.

و أما المراهنة بغير عوض فسيجيء أنه ليس بقمار.

نعم (1) لو قلنا بحرمتها لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار مثل ما يعملونه شبه الكرة يسمى عندنا: الطوبة (2) و الصولجان.

++++++++++

- و كلمة غير في قوله: غيرها مضمومة، بناء على أنها نائب فاعل لقوله: لا يقصد.

و حاصل المعنى: أن القمار عبارة عن مطلق المراهنة بالعوض فكل شيء أعدّ للمراهنة و فيه تلك الخصوصيات من الأشكال الهندسية و النقوش و الورود، و صور ذوات الأرواح كما في الأوراق الموضوعة: تحرم المعاوضة عليه، لقوله تعالى عزّ من قائل: «إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ وَ اَلْأَنْصٰابُ وَ اَلْأَزْلاٰمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (1)

و أما وجه تسمية القمار بالميسر فلاجل تيسر اخذ المال للفائز بعد الغلبة من أحد الطرفين من دون تعب و مشقة.

(1) أي نعم لو قلنا أيضا بحرمة المراهنة بغير عوض كما قلنا في المراهنة بعوض.

و كلمة الآلة منصوبة هنا على المفعولية.

و كلمة حكم الآلات مرفوعة على الفاعلية فاعل لقوله: لحق الآلة و المعنى: أنه إن قلنا بحرمة المراهنة بغير عوض فيلحق آلاتها حكم آلات القمار على العوض: من الحرمة، و عدم صحة المعاوضة عليها.

و مرجع الضمير في لها: المراهنة بغير عوض،

(2) تسمى في اللسان الدراج (طوبة) و في غيره: الكرة.

ص: 32


1- المائدة:: الآية 90.
منها اللّهو

ص: 33

ص: 34

و منها (1): آلات اللهو على اختلاف أصنافها، بلا خلاف.

لجميع ما تقدم في المسألة السابقة (2) و الكلام في بيع المادة كما تقدم (3).

و حيث إن المراد بآلات اللهو ما أعدّ له: توقف على تعيين معنى اللهو، و حرمة مطلق اللهو، إلا أن المتيقن منه: ما كان من جنس المزامير و آلات الأغاني، و من جنس الطبول.

و سيأتي معنى اللهو و حكمه.

منها: أواني الذهب و الفضة

و منها (4): أواني الذهب و الفضة اذا قلنا بتحريم اقتنائها، و قصد المعاوضة على مجموع الهيئة و المادة لا المادة فقط.

++++++++++

(1) اي و من الامور التى لا يقصد من وجودها على نحوها الخاص إلا الحرام: آلات اللهو.

(2) و هي مسألة آلات القمار فكل ما دل على حرمة تلك المسألة من الأدلة يأتي هنا، من دون فرق بينهما.

و قد اشرنا إلى تلك الأدلة من أولها إلى آخرها في الهامش 3 من ص 29 فراجع و لا نعيدها عليك.

(3) أي من حيث جواز بيعها على هيئتها بشرط إزالة صورها اذا كان المشتري ممن يوثق بديانته فكل ما قيل هناك يأتي هنا.

(4) أي و من الأمور التي لا يقصد من وجودها على نحوها الخاص -

ص: 35

منها: الدراهم

و منها (1): الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس اذا لم يفرض على هيئتها الخاصة منفعة محللة معتد بها مثل التزيين، أو الدفع إلى الظالم الذي يريد مقدارا من المال كالعشّار (2) و نحوه،

++++++++++

- إلا الحرام: أواني الذهب و الفضة.

يقصد (الشيخ الأنصاري) من كلامه هذا: أن منشأ حرمة بيع الأواني الذهبية و الفضية شيئان: و هما: حرمة اقتنائها، و قصد المعاوضة على مجموع الهيئة و المادة معا فاذا تحقق الأمران تحققت الحرمة.

و أما اذا انتفى احدهما انتفت الحرمة كما إذا لم نقل بحرمة الاقتناء أو وقعت المعاوضة على المادة فقط: فقد انتفت الحرمة، لأن المركب و هي الحرمة ينتفي بانتفاء أحد جزئيه.

و أما استعمال نفس الأواني فهو محرم لا محالة، سواء قلنا بحرمة اقتنائها أم لم نقل.

(1) أي و من الأمور التي لا يقصد من وجودها على نحوها الخاص إلا الحرام: الدراهم الخارجة.

و المراد من الدراهم الخارجة: الدراهم المزيفة و التي ليست من العملة المتداولة المسكوكة بالسكة المقبولة عند الحكومات المحلية، بل أنما صيغت من قبل أصحابها لأجل الغش.

(2) و هو آخذ. العشر من الأموال الداخلة في البلاد، و الخارجة عنها.

و يطلق هذا الاسم على (الماكس)، و في اللهجة الدارجة يقال له:

(الكمركجي).

ص: 36

بناء على جواز ذلك (1). و عدم وجوب إتلاف مثل هذه الدراهم و لو بكسرها من باب دفع مادة الفساد كما يدل عليه (2) قوله عليه السلام في رواية الجعفي مشيرا إلى درهم: اكسر هذا، فإنه لا يحل بيعه و لا انفاقه.

++++++++++

- و المراد من غير العشار آخذ الضرائب على الأموال و الحيوانات و المزارع و الأشجار و العقار و المعادن و الأودية و الصحاري، و رءوس الجبال و الغابات و البحار و الأنهار و الشطوط و المحلات و الدور و غير ذلك الى ما شاء اللّه.

(1) أي إعطاء الدراهم المغشوشة و المزيفة إلى الظالم الذي يأخذ العشر و المكس بناء على جواز دفعه إليه. لكونه لا يستحق من الانسان شيئا

و أما بناء على أن الظالم يتعاطى بهذه الدراهم المزيفة مع الآخرين و هم يدفعونها إلى الغير و هكذا فلا يجوز الدفع إليه، لاشتغال ذمة الدافع لهم.

هذا بالإضافة إلى أن الدافع يعرض نفسه للخطر الموجب لهلاكه اذا اطلع الظالم على هذه المكيدة و الخديعة فعدم جواز الدفع إليه آكد.

هذا اذا كان المراد من الظالم الدولة، و أما اذا أريد منه السراق أو قطاع الطريق فالحكم أيضا كذلك، لوحدة الملاك في صورة تعاطيهم مع الآخرين كما تأتي الاشارة إلى ذلك من عندنا في الحديث الآتي.

(2) أي على كسر الدراهم المزيفة من باب دفع مادة الفساد و قلعها:

قوله عليه السلام: اكسر هذا فالتشبيه في قوله: كما يدل عليه لوجوب إتلاف الدراهم المغشوشة و كسرها، لا لعدم وجوب الإتلاف.

و كلمة مشيرا منصوبة على الحالية، أي حال كون الامام عليه السلام أشار إلى درهم مغشوش فقال: اكسرها.

راجع (وسائل الشيعة) الجزء 12. ص 473. الباب 10 -

ص: 37

و في رواية موسى بن بكر: قطعه بنصفين، ثم قال: ألقه في البالوعة حتى لا يباع بشيء فيه غش (1).

و تمام الكلام فيه (2) في باب الصرف ان شاء اللّه.

و لو وقعت (3) المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال،

++++++++++

- من أبواب الصرف. كتاب التجارة. الحديث 5.

و لا يخفى أن الإنفاق المحرم الوارد في قوله عليه السلام: و لا إنفاقه عام يشمل حتى إعطاء هذه الدراهم المزيفة للظالم، و السارق، و قاطع الطريق.

(1) نفس المصدر. ص 209. الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5. أليك نص الحديث:

عن موسى بن بكر قال: كنا عند (أبي الحسن) عليه السلام فاذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر إلى دينار فاخذه بيده ثم قطعه بنصفين.

ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غش.

فالحديث أيضا يدل على عدم جواز اعطاء الدراهم المزيفة إلى الظالم و السارق، و قطاع الطريق.

(2) أي في غش الدراهم.

(3) هذه مسألة فقهية متفرعة على الدراهم المغشوشة.

و خلاصتها: أن المعاوضة لو وقعت على الدراهم المزيفة، سواء وقعت ثمنا أم مثمنا جهلا بكونها دراهم مزيفة فلا تخلو المسألة من أحد الأمرين:

(الأوّل): وقوع عنوان المعاوضة على الدراهم المنصرف اطلاقها الى الدراهم المسكوكة بسكة السلطان و التي هي رائجة بين الناس فهذا لا إشكال في بطلان المعاوضة عليها، لأنها وقعت على الدراهم الرائجة بين الناس و التي هي مضروبة بسكة السلطان، ثم ظهر أنها غيرها. -

ص: 38

..........

++++++++++

- و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: بطل البيع.

و لا يخفى أن الظاهر وقوع المعاوضة على كلي الدراهم المنصرف إطلاقها إلى المسكوكة بسكة السلطان.

لكن البائع سلم إلى المشتري الدراهم المغشوشة فحينئذ اشتغلت ذمته بدراهم أخرى صحيحة يلزمه تبديلها بها، لا أن المعاوضة باطلة من رأسها

و نظير ما نحن فيه بيع الدينار الكلي، و إعطاء المشتري دينارا راجعا الى الغير مثلا، فإن المعاوضة هنا صحيحة تحتاج إلى تبديل الدينار بدينار آخر فحسب، لاشتغال ذمة البائع به.

(الثاني): وقوع عنوان المعاوضة على شخص الدراهم المزيفة مجردة عن كونها مضروبة بسكة السلطان، و من دون قصد العنوان.

و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: فالظاهر صحة البيع.

لكن للمشتري خيار العيب اذا كانت مادة الدراهم التي هي الفضة أو الذهب مغشوشة بغير الذهب و الفضة من مواد أخرى كما أفاد الشيخ بقوله: مع خيار العيب.

و أما اذا كان الغش مجرد تفاوت في السكة بأن وقعت المعاوضة على الليرة الحميدية ثم ظهر أنها مجيدية فللمشتري خيار التدليس إن اختار الارش كما أفاده الشيخ بقوله: فهو خيار التدليس.

و أما اذا اختار الفسخ فالمعاوضة باطلة، لتبعض الصفقة.

ثم لا يخفى عليك: أن الجهل بكون الدراهم، أو الدنانير مزيفة له صور ثلاث:

(الأولى): جهل البائع بالغش فيما اذا وقعت الدراهم ثمنا. -

ص: 39

لمن صارت إليه.

فان وقع عنوان المعاوضة على الدرهم المنصرف اطلاقه إلى المسكوك بسكة السلطان بطل البيع.

و ان وقعت المعاوضة على شخصه من دون عنوان فالظاهر صحة البيع مع خيار العيب ان كانت المادة مغشوشة.

و إن كان الغش مجرد تفاوت السكة فهو خيار التدليس فتأمل (1).

و هذا (2) بخلاف ما تقدم من الآلات،

++++++++++

- (الثانية): جهل المشتري بالغش فيما اذا وقعت الدراهم مثمنا.

(الثالثة): جهل كليهما بالغش فيما اذا وقعت الدراهم ثمنا، أو مثمنا.

(1) لعل الأمر بالتأمل أنه لا تدليس هنا حتى يكون له خيار، لأن التدليس عبارة عن إظهار البائع للمشتري خلاف الواقع، و فيما نحن فيه لم يظهر البائع للمشتري إلا حقيقة الأمر و الواقع، و مجرد زعم المشتري كون المبيع قسما خاصا لا يوجب خيار التدليس.

(2) دفع و هم:

حاصل الوهم: أنه ما الفرق بين هذه المعاوضة التي وقعت على الدراهم المزيفة و التى لم تكن مشيرة إلى الدرهم السلطاني و قد حكمتم بصحتها في القسم الثاني.

و بين المعاوضة التي وقعت على آلات القمار و هياكل العبادة و قد حكمتم ببطلانها في المسألة السابقة، إذ الصورة التي ألقاها الشارع ان لم تكن معتبرة أصلا بحيث لا يبذل بإزائها المال، بل المال يبذل بإزاء المادة فقط فالصحة تسري في الدراهم المغشوشة، و هياكل العبادة من دون فرق بينهما لأن ماهية الصنم كماهية الدرهم و هي المادة فيبذل بإزائها المال عرفا.

و أما ان اعتبرنا الصورة و الهيئة بأن قلنا: إن المال يبذل بإزائها: -

ص: 40

فإن (1) البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه بامضائه من جهة المادة فقط

++++++++++

- كان اللازم بطلان المعاملة في الصنم و الدراهم المغشوشة.

فكيف فرقتم بين الموضعين و قلتم بصحة المعاوضة في الدراهم في القسم الثاني و ببطلانها في هياكل العبادة.

هذه خلاصة الوهم.

(1) هذا جواب عن الوهم المذكور.

و خلاصته: أنه فرق واضح بين الموضعين، اذ المبيع في الموضع الأوّل و هو الصنم نفس المادة المجردة عن الهيئة، حيث إن المعاوضة قد وقعت عليها لا غير، من دون أن يقع شيء من الثمن إزاء الهيئة، مع أن لهيئة الصنم دخلا في المالية، و لذا يبذل بإزائها المال أكثر مما يبذل إزاء الدرهم، مع أن الذهب في الدنانير و الصنم، أو الفضة شيء واحد لا فرق بين هذا الذهب و ذاك، و لا بين هذه الفضة و تلك.

و ليست المادة و الصورة من قبيل الخل و الخمر حتى يقع جزء من الثمن في مقابل المادة، و جزء منه في قبال الهيئة فيقال بصحة ما وقع في مقابل المادة و ببطلان ما وقع بإزاء الهيئة كما كان الأمر كذلك في الخل و الخمر، حيث إنه قد وقع جزء من الثمن إزاء الخل فالمعاوضة صحيحة، و جزء منه وقع إزاء الخمر فالمعاوضة باطلة.

فلا يمكن التفكيك بين المادة و الهيئة، لأن الهيئة من قبيل القيد للمادة فهي جزء عقلي لا خارجي حتى يقابل بالمال فكما لا يجوز التفكيك بين القيد و المقيد.

كذلك لا يجوز بين الهيئة و المادة فلا يمكن للمشتري تصحيح هذه المعاوضة و إمضائها كما صح له امضاء المعاوضة على الخل و استرداد ما وقع من الثمن إزاء الخمر. -

ص: 41

و استرداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع كما لو جمع (1) بين الخل و الخمر لأن (2) كل جزء من الخل و الخمر مال لا بدّ أن يقابل في المعاوضة بجزء من المال ففساد المعاملة باعتباره (3) يوجب فساد مقابله من المال لا غير.

بخلاف المادة (4) و الهيئة، فإن الهيئة من قبيل القيد للمادة جزء عقلي لا خارجي تقابل بمال على حدة، ففساد المعاملة باعتباره (5) فساد لمعاملة المادة حقيقة و هذا الكلام مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده (6).

++++++++++

- بخلاف الصورة الأولى: و هي المعاوضة على الدراهم المغشوشة، فإن الصورة لا دخل لها اصلا في المادة فالمعاوضة قد وقعت على نفس الذهب في الدينار، و على نفس الفضة في الدرهم، كما أن المال سابقا يبذل بإزاء الفضة و الذهب الخاليين عن السكة بنفس السعر و القيمة.

(1) المراد من الجمع بين الخمر و الخل: بيعهما بصفقة واحدة.

(2) تعليل لصحة المعاوضة على ما قابل الخل، و بطلانها على ما قابل الخمر كما عرفت في الهامش 1. ص 41.

(3) أي باعتبار الجزء الفاسد: و هو وقوع قسم من الثمن مقابل الخمر كما عرفت في الهامش 1. ص 41.

(4) كما في بيع الصنم و الصليب. و قد عرفت شرحه في الهامش 1. ص 41.

(5) أي فساد هذه المعاملة باعتبار قيد الهيئة، فإن المعاوضة قد وقعت على المادة المتشكلة بالهيئة ففساد الهيئة يسري في فساد المادة كما عرفت في الهامش 1. ص 41.

(6) كما في الصنم و الصليب، و آلات القمار، حيث إن الهيئة في هذه الأمور و ما شاكلها جزء عقلي للشيء الخارجي لا يمكن التفكيك بينهما

ص: 42

القسم الثّاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة

اشارة

القسم الثّاني (1) ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة: و هو تارة على وجه يرجع الى بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة كالمعاوضة على العنب مع التزامهما أن لا يتصرف فيه إلا بالتخمير (2).

و اخرى على وجه يكون الحرام هو الداعي إلى المعاوضة لا غير كالمعاوضة على العنب مع قصدهما (3) تخميره.

++++++++++

(1) أي القسم الثاني مما يحرم التكسب به: ما يقصد به المتعاملان المنفعة المحرمة.

(2) لا يخفى أن التخمير ليس من المنافع التي تأتي من ناحية العنب و انما هو تغيير صورة العنب، فالتعبير عنه بالمنفعة لا يخلو عن إشكال و مسامحة و إن كان نفس التخمير حراما و شرطه موجبا لبطلان البيع.

نعم من لوازم التخمير: المنافع المحرمة: و هو الشرب.

و لعل اطلاق (الشيخ الأنصاري) المنفعة على التخمير مجاز بعلاقة الأوّل.

(3) في هذا التعبير مسامحة، لأن قصد التخمير من المشتري لا من البائع، لأنه لا يباشر التخمير، نعم البائع عالم بكون المشتري يأخذ العنب لذلك.

و الفرق بين الأوّل: و هو بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة كالمعاوضة على العنب مع التزامهما أن لا يتصرف فيه إلا للتخمير. -

ص: 43

و الأول (1) إما أن يكون الحرام مقصودا لا غير كبيع العنب على أن يعمله خمرا، و نحو ذلك (2).

و إما أن يكون الحرام مقصودا مع الحلال بحيث يكون بذل المال بإزائهما كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه وقوع بعضه بإزاء صفة التغني (3).

فهنا مسائل ثلاث:
اشارة

فهنا (4) مسائل ثلاث:

المسألة الأولى: بيع العنب على أن يعمل خمرا، و الخشب على أن يعمل صنما، او آلة لهو أو قمار

(الأولى): بيع العنب على أن يعمل خمرا، و الخشب على أن يعمل صنما، او آلة لهو أو قمار، و إجارة المساكن ليباع أو يحرز فيها

++++++++++

- و بين الثاني: و هو بذل المال على وجه يكون الحرام هو الداعي الى المعاوضة لا غير كالمعاوضة على العنب مع قصدهما تخميره: هو أن المشتري في الأوّل يكون ملزما أمام البائع بالتخمير، بحيث لو لم يقدم على عمل الخمر استرجع البائع عين ماله لو كانت موجودة، أو ما يماثلها قيمة لو كانت مفقودة.

و في الثاني لا يكون المشتري ملزما أمام البائع بشيء من ذلك، و لا يمكن للبائع إجراء مثل هذا الأمر ضد المشتري.

(1) و هو بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة كالمعاوضة على العنب مع التزامهما أن لا يتصرف فيه إلا للتخمير.

(2) كبيع العنب إلى المسلم مشروطا ببيعه للمحارب الكافر.

(3) بحيث لو لا صفة التغني لما دفع المشتري الزيادة.

و الفرق بين الأوّل و هو كون الحرام مقصودا لا غير.

و بين الثاني و هو كون الحرام مقصودا مع الحلال: أن الأوّل يقع ثمنه كله بإزاء المنفعة المحرمة.

و أن الثاني يقع بعض الثمن بإزاء المنفعة المحرمة و هو التغني.

(4) أي فيما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.

ص: 44

الخمر، و كذا اجارة السفن و الحمولة (1) لحملها.

و لا إشكال في فساد المعاملة فضلا عن حرمته، و لا خلاف فيه.

و يدل عليه (2) مضافا إلى كونها اعانة على الإثم، و إلى (3) أن الالزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع أكل و ايكال (4) للمال بالباطل: خبر (5) جابر.

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر.

قال: حرام أجرته (6). فإنه إما مقيد بما اذا استأجره لذلك.

++++++++++

(1) بفتح الحاء و ضم الميم و سكون الواو: ما يحمل عليها الأموال و المنقولات من الحيوانات و السيارات و القاطرات و العربات أي و كذا اجارة الحمولة لحمل الخمر، أو بيع العنب ليعمل خمرا، أو الخشب ليصنع صنما، أو صليبا، أو آلة لهو او قمار.

(2) أي على فساد المعاوضة و حرمتها بالإضافة إلى أن هذه المعاوضة

(3) أي و يدل على فساد المعاوضة بالإضافة.

(4) الأكل يكون من ناحية البائع حيث يأخذ الثمن إزاء المبيع الذي يحرم اكله.

كما أن الإيكال من جانب المشتري حيث يعطي الثمن للبائع ازاء ما يأخذه منه و يحتمل أن يكون من الجانبين.

(5) بالرفع فاعل يدل في قوله: و يدل عليه، أي و يدل على فساد المعاوضة بالإضافة إلى ما ذكرناه من الايرادات و الاشكالات: خبر جابر.

(6) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 125. الباب 39 من أبواب ما يكتسب به كتاب التجارة. الحديث 1.

و في المصدر حرام اجره. فالحديث المذكور إما مقيد بقيد الاستئجار -

ص: 45

أو يدل عليه بالفحوى، بناء على ما سيجيء من حرمة العقد مع من يعلم أنه يصرف المعقود عليه في الحرام.

نعم (1) في مصححة ابن أذينة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر سفينته، أو دابته لمن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير؟

قال: لا بأس.

لكنها (2) محمولة على ما اذا اتفق الحمل من دون أن يؤخذ ركنا

++++++++++

- لبيع الخمر في البيت أو يدل على الحرمة بالفحوى و هو مفهوم الأولوية.

و وجه الأولوية: أنه اذا كان اجارة البيت لمن يعلم أنه يعمل فيه الخمر حراما فحرمة اجارته بشرط أن يعمل فيه الخمر بطريق اولى

(1) استدراك عما افاده آنفا من حرمة بيع العنب على أن يعمل خمرا، و الخشب على أن يعمل صنما، أو آلة لهو، أو قمار، أو اجارة المساكن ليباع، أو يحرز فيها الخمر، و كذا اجارة السفن و الحمولة لحملها مستدلا بخبر جابر في قوله عليه السلام: حرام اجرته.

و خلاصة الاستدراك: أن مصححة: ابن اذينة الواردة في نفس المصدر ص 126. الحديث 2 تنفي البأس عن إجارة المذكورات في قوله عليه السلام: لا بأس.

اذا يقع التعارض بين الخبر و الصحيحة، مع أنهما وردا عن امام واحد في موضوع واحد: و هي اجارة الدار، أو السفن، أو الدابة ليباع فيها الخمر أو يحمل عليها الخنزير.

فما العلاج في هذا التضارب و التعارض.

(2) هذا جواب عن التعارض المذكور.

و خلاصة الجواب: أن كلا من خبر جابر، و صحيحة ابن اذينة له -

ص: 46

..........

++++++++++

- نص و ظاهر اذا يطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر، و يؤخذ بالمتيقن فيعمل به.

فنص خبر جابر فيما لو بيع العنب، أو آجرت الدار، أو السفينة أو الدابة على نحو الركنية و الجزئية كأن يقول البائع، أو المؤجر في متن العقد و ضمنه، أو التواطؤ الخارجي: بعتك العنب لتصنعه خمرا أو آجرتك السفينة لتحمل فيها الخمر، أو آجرتك الدابة لتحمل عليها الخمر.

أو يكون خبر جابر نصا فيما لو كان البيع، أو الاجارة على نحو الشرطية في متن العقد و ضمنه، أو التواطؤ الخارجي كأن يقول البائع أو المؤجر: بعتك العنب بشرط أن تصنعه خمرا، أو آجرتك الدار أو السفن لتحمل فيها الخمر.

و أما ظاهر خبر جابر فيما لو كان البيع، أو الاجارة على نحو الاتفاق لا في متن العقد و ضمنه، أو التواطؤ الخارجي بأن اتفق عمل التخمير أو حمل الخمر في السفينة، أو على الدابة بعد العقد.

و أما نص الصحيحة ففيما لو كان بيع العنب، أو اجارة الدار لذلك لا على نحو الشرطية و الركنية، في متن العقد، أو خارجه.

بل كانت المذكورات على نحو الاتفاق و بعد العقد.

و أما ظاهر الصحيحة ففيما لو كانت المذكورات على نحو الشرطية و الجزئية في متن العقد و ضمنه، أو التواطؤ الخارجي.

إذا عرفت النص و الظاهر من كل منهما فاعلم أن ظاهر خبر جابر يطرح بنص الصحيحة أي حرمة البيع و الاجارة المستفادة من ظهور خبر جابر تطرح بنص الصحيحة، أي لا بأس بالبيع، أو الإجارة اذا كانا على نحو الاتفاق و بعد العقد، لا على نحو الركنية و الشرطية حتى يقال بصحة -

ص: 47

أو شرطا في العقد، بناء على أن خبر جابر نص فيما نحن فيه (1)، و ظاهر في هذا (2)، عكس الصحيحة: فيطرح ظاهر كل بنص الآخر فتأمل (3).

++++++++++

- المعاوضة و الإجارات.

و ظاهر الصحيحة يطرح بنص خبر جابر، أي عدم البأس المستفاد في بيع العنب، و الإجارات المذكورة على نحو الشرطية، أو الركنية في الصحيحة يطرح بنص خبر جابر فيقال بحرمة البيع و الإجارات المذكورة على النحو المذكور.

فاذا طرحنا ظاهر كل منهما بنص الآخر نأخذ بالمتيقن: و هي حرمة البيع و الإجارات على نحو الركنية و الشرطية.

هذا طريق الجمع بين الخبرين المتعارضين. و يسمى هذا الجمع بالجمع الدلالي كما مر نظيره في الجمع بين قوله عليه السلام: ثمن العذرة سحت و قوله عليه السلام: لا بأس ببيع العذرة في ج 1. ص 72-73.

و إلى هذا الجمع أشار الشيخ بقوله: لكنها محمولة على ما لو اتفق الحمل من دون أن يؤخذ ركنا أو شرطا في العقد بناء على أن خبر جابر نص فيما نحن فيه، و ظاهر في هذا عكس الصحيحة فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر.

(1) المراد من ما نحن فيه: هو أخذ المحرم شرطا، أو ركنا في متن العقد، أو التواطؤ الخارجي كما عرفت.

(2) المراد من هذا: ما اذا اتفق المحرم بدون الشرطية و الركنية للعقد كما عرفت.

(3) و لعل وجه الأمر بالتأمل: أن الجمع الذي ذكرناه ليس جمعا عرفيا حتى يسقط التعارض، بل التعارض باق على ما كان فلا بد من إعمال المرجحات الخارجية.

ص: 48

مع أنه لو سلم التعارض (1) كفت العمومات المتقدمة.

و قد يستدل أيضا فيما نحن فيه (2) بالأخبار المسئول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا، أو صنما.

مثل مكاتبة ابن اذينة عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟

قال: لا (3).

++++++++++

(1) هذا طريق آخر لعدم التعارض بين الخبرين المذكورين.

و خلاصته: أنه لا نسلم التعارض بين الخبرين، حيث لا يوجد التكافؤ بينهما حتى يقال بالتعارض، لأن خبر ابن اذينة صحيحة، و خبر جابر ليس بصحيحة فكيف جاز لغير الصحيحة معارضة الصحيحة.

و على فرض التسليم، و القول بأنهما متكافئان، و أنه لا ترجيح للصحيحة على خبر جابر، أو أن التعارض بينهما كلي لا يمكن الجمع بينهما فيسقطان.

نقول: تكفينا العمومات الواردة في المقام: و هي رواية (تحف العقول) المتقدمة في ص 17.

و رواية دعائم الاسلام المتقدمة في ص 17.

و رواية فقه الرضا المتقدمة في ص 17.

و رواية النبوي المتقدمة في ص 17.

فبناء على هذه العمومات لا يجوز بيع العنب لمن يعلم أنه يصنعه خمرا و الخشب لمن يعلم أنه يصنعه صنما أو صليبا.

(2) و هو عدم جواز بيع العنب لمن يعمله خمرا، أو الخشب لمن يصنعه صنما أو صليبا، أو آلة لهو و لعب كالقمار، و عدم جواز اجارة السفن على أن يحمل فيها الخمر.

(3) أي لا تبع.

ص: 49

و رواية عمرو بن الحريث عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم.

قال: لا (1).

و فيه (2) أن حمل تلك الأخبار على صورة اشتراط البائع المسلم

++++++++++

- راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 127. الباب 41 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 1.

(1) أي لا تبع.

راجع نفس المصدر. الحديث 2.

و في المصدر هكذا: سألته عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب و الصنم ؟

قال: لا.

(2) أي و في الاستدلال بالخبرين و هما: مكاتبة ابن اذينة.

و رواية عمرو بن حريث على ما نحن فيه: و هو عدم جواز بيع العنب ليعمل خمرا، أو الخشب ليصنع صنما أو صليبا، و اجارة البيت ليباع فيه الخمر، و السفن ليحمل فيها الخمر و الخنزير، و الحمولة ليحمل عليها الخمر و الخنازير: نظر و اشكال.

وجه النظر: أن حمل الخبرين المذكورين على صورة اشتراط البائع المسلم الخشب ليصنعه صلبانا، أو صنما.

و اشتراط البائع المسلم التوت ليصنعه صليبا أو صنما: بعيد جدا.

حيث لا فائدة دنيوية للمسلم البائع تترتب على اشتراط بيع العنب ليعمل خمرا، و الخشب ليصنع صنما أو صليبا فغرض البائع من العنب أو الخشب بيعهما، لا جعل العنب خمرا، و الخشب صنما، فلا يحمل مكاتبة ابن اذينة، و رواية عمرو بن حريث: على صيرورة العنب خمرا و الخشب صنما.

ص: 50

على المشتري، أو تواطئهما على التزام صرف المبيع في الصنم و الصليب بعيد (1) في الغاية.

و الفرق (2) بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه، و بيع الخشب على أن يعمل صليبا أو صنما لا يكاد يخفى، فإن (3) بيع الخمر في مكان و صيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية يقع الاجارة عليها من المسلم كثيرا كما يؤجرون البيوت لسائر المحرمات.

بخلاف جعل العنب خمرا، و الخشب صليبا، فإنه لا غرض للمسلم

++++++++++

(1) و قد عرفت وجه البعد في الهامش 2. ص 50 عند قولنا: وجه النظر:

أن حمل الخبرين.

(2) دفع و هم: حاصل الوهم: أنه ما الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر، و بين بيع الخشب على أن يعمل صنما، أو صليبا، حيث لا يستبعد الجواز العرفي في الأوّل، و يستبعد في الثاني.

(3) هذا جواب عن الوهم المذكور.

حاصله: أن الفرق بينهما واضح لا يكاد يخفى، فإن في إجارة البيت لبيع الخمر و جعله محلا لذلك منفعة عرفية يترتب عليها حصول الدراهم و الدنانير.

و من الطبيعي أن الانسان يقدم على حصول ذلك، سواء أ كان مسلما أم غير مسلم.

و ما أكثر المسلمين قديما و حديثا في إقدامهم على هذه الأمور المحرمة.

بخلاف بيع العنب ليعمل خمرا، أو الخشب ليصنع صنما أو صليبا فإنه لا فائدة في اشتراط ذلك للبائع المسلم، إذ غرض البائع بيع سلعته.

اللهم إلا ان تكون نفسه شريرة تحب الشر و الفساد.

ص: 51

في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه، أو خشبه فلا يحمل عليه (1) موارد السؤال.

نعم لو قيل في المسألة الآتية (2) بحرمة بيع الخشب ممن يعلم أنه يعمله صنما، لظاهر هذه الأخبار (3): صح (4) الاستدلال بفحواها على ما نحن فيه.

++++++++++

(1) أي لا تحمل موارد السؤال التي هي مكاتبة ابن اذينة.

و رواية عمرو بن حريث: على صيرورة العنب خمرا، و الخشب صنما أو صليبا في بيع المسلم عنبه أو خشبه.

(2) و هي المسألة الثالثة الآتية قريبا، حيث إن (شيخنا الأنصاري) ذهب إلى حرمة بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا بقصد ذلك، و كذا حرمة بيع الخشب لمن يعلم أنه يصنعه صنما أو صليبا بقصد ذلك، لظهور الأخبار الآتية: و هي مكاتبة ابن اذينة، و رواية عمرو بن الحريث: في الحرمة حيث إن الامام عليه السلام يقول في جواب المكاتبة، و عمرو بن حريث بعد سؤالهما عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، و عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب، أو الصنم: (لا).

(3) و هي الآتية التي ذكرناها في الهامش 2.

(4) جواب ل: (لو الشرطية) في قوله: نعم لو قيل في المسألة الآتية.

أي لو قلنا في المسألة الآتية بحرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله، و بيع الخشب بقصد أن يعمله صنما أو صليبا لأجل ظاهر الخبرين المذكورين في الهامش 2: صح الاستدلال بمفهومهما على ما نحن فيه: و هي حرمة بيع العنب بشرط أن يجعله خمرا، و بيع الخشب بشرط أن يصنعه صنما أو صليبا.

أما وجه دلالة فحوى الخبرين على ما نحن فيه: هو أن الخبرين لما -

ص: 52

لكن ظاهر هذه الأخبار (1) معارض بمثله، أو بأصرح منه كما سيجيء.

ثم إنه يلحق بما ذكر من بيع العنب و الخشب على أن يعملا خمرا أو صليبا: بيع (2) كل ذي منفعة محللة على أن يصرف في الحرام، لأن حصر الانتفاع بالبيع في الحرام (3) يوجب كون أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل.

++++++++++

يدلان على حرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا، أو الخشب بقصد أن يصنعه صنما أو صليبا فبالأولى و الأحرى أن يدلا على حرمة بيع العنب بشرط أن يعمله خمرا في متن العقد، أو التواطؤ الخارجي.

و كذا حرمة بيع الخشب بشرط أن يصنعه صنما أو صليبا في متن العقد أو التواطؤ الخارجي.

(1) و هي مكاتبة ابن اذينة، و رواية عمرو بن حريث: يعارض بمثلهما من الروايات الآتية في المسألة الثالثة، و تلك الروايات هو خبر ابن اذينة، و رواية ابي كهمس المعبر عنها بالأخبار المستفيضة في تعبير الشيخ بقوله: منها.

(2) بالرفع فاعل لقوله: يلحق، أي يلحق بما ذكر من حرمة بيع العنب بشرط أن يعمله خمرا، و الخشب بشرط أن يصنعه صنما أو صليبا:

كل شيء له منفعة محللة مقصودة يقصد منه: المنفعة المحرمة لا غير، أي بشرط أن يصرف فيها فقط و فقط مثل بيع السكين الموضوع لاستفادة المنافع المحللة منه كرفع الحاجيات البيتية، و الضرورية لقتل انسان محقون الدم بشرط القتل، أو كبيع السيف الموضوع لمحاربة الأعداء و الكفار لمن يقتل به انسانا محقونا الدم.

(3) و هو بشرط أن يقتل بالسكين إنسانا محقون الدم لا غير، أي -

ص: 53

ثم إنه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور (1) في متن العقد.

و بين التواطؤ عليه خارج العقد، و وقوع العقد عليه (2) و لو كان فرق فإنما هو في لزوم الشرط، و عدمه (3)، لا فيما هو (4) مناط الحكم هنا.

و من ذلك (5) يظهر أنه لا يبنى فساد هذا العقد على كون الشرط الفاسد مفسدا، بل الأظهر فساده و ان لم نقل بإفساد الشرط الفاسد، لما (6) عرفت من رجوعه في الحقيقة إلى أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة.

++++++++++

- لا يبيعه الا لأجل ذلك.

(1) و هو بيع العنب بشرط أن يعمله خمرا، و الخشب بشرط أن يصنعه صنما، أو صليبا.

(2) أي على الشرط المذكور بعد التواطؤ الخارجي.

(3) حيث يكون الشرط المذكور لازما اذا كان في متن العقد، و غير لازم اذا كان في الخارج و بعد التواطؤ.

(4) أي و ليس فرق فيما هو مناط الحكم و علته، حيث إن المناط الذي هو حصر الانتفاع في المحرم كبيع العنب بشرط أن يعمله خمرا، و الخشب بشرط أن يصنعه صنما، و السكين بشرط أن يقتل به محقون الدم: واحد في الصورتين و هما: شرط الحرام في متن العقد، و شرط الحرام في خارجه.

بل الفرق انما هو في اللزوم و عدمه في الصورتين.

و المراد من الحكم: هي الحرمة و الفساد.

(5) أي و من عدم الفرق بين الشرط المحرم، سواء أ كان في متن العقد أم في خارجه من حيث مناط الحكم و علته: يظهر عدم توقف العقد المشترط بالشرط الفاسد: على أن الشرط الفاسد مفسد أم لا، بل العقد المذكور فاسد و ان لم نقل بإفساد الشرط الفاسد.

(6) تعليل لعدم توقف العقد المذكور على كون الشرط الفاسد مفسدا. -

ص: 54

و قد تقدم الحكم بفساد المعاوضة على آلات المحرم (1): مع كون موادها أموالا مشتملة على منافع محللة، مع أن الجزء (2) أقبل للتفكيك

++++++++++

- و خلاصة التعليل: أن مآل هذا العقد و رجوعه في الحقيقة إلى اكل المال في مقابل المنفعة المحرمة: و هو استعمال المبيع في المحرم فيكون الأكل اكلا للمال بالباطل فتفسد المعاوضة.

(1) كآلات القمار و اللهو على ما هي عليه من الهيئة و الهيكل، مع أن لها مواد قابلة للانتفاع المحلل و المقصود عند العقلاء كما ذكرناها في الهامش 1 ص 30، فالمعاوضة على هذه الآلات مع ما لها من المواد القابلة للانتفاع باطلة فكيف ببيع العنب بشرط أن يعمل خمرا، أو الخشب بشرط أن يصنع صنما أو صليبا، مع أنه ليس للعنب و الخشب بهذا الشرط الحرام منفعة اخرى.

(2) المراد من الجزء: الهيئة، و من الجزء الآخر: المادة.

و المراد من الشرط: الشرط الحرام، و من المشروط: المبيع المقيد بقيد الحرام.

يقصد الشيخ من هذه العبارة: (مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر من الشرط و المشروط): أن الآلات المحرمة المذكورة قابلة للتفرقة و التجزئة بين موادها و صورها و هياكلها: بأن تكسر بعد الشراء فيستفاد من موادها التي هي الأخشاب و الحديد.

بخلاف الشرط و المشروط، فإنه لا يمكن التفكيك بينهما، و مع ذلك لا يجوز الفقهاء شراء الآلات المحرمة.

و لا يخفى عليك أن اطلاق الجزء على الهيئة، خلاف ما افاده الشيخ سابقا: من أن الهيئة من قبيل القيد فكما أنه لا يمكن التفكيك بين القيد و المقيد، كذلك لا يمكن التفكيك بين الهيئة و المادة. راجع ص 42

ص: 55

بينه، و بين الجزء الآخر من الشرط و المشروط (1).

و سيجيء أيضا في المسألة الآتية (2) ما يؤيد هذا أيضا ان شاء اللّه

المسألة الثانية يحرم المعاوضة على الجارية المغنية

(المسألة الثانية) (3) يحرم المعاوضة على الجارية المغنية، و كل (4)

++++++++++

(1) و هو بيع العنب بشرط أن يعمله خمرا كما عرفت آنفا.

(2) و هي المسألة الثالثة من المسائل الثلاث، فإن في هذه المسألة ما يؤيد فساد المعاوضة من غير احتياج إلى القول بأن الشرط الفاسد مفسد للعقد.

(3) أي من المسائل الواقعة في قوله: فهنا مسائل.

(4) بالجر عطفا على مجرور (على الجارة) في قوله: يحرم المعاوضة على الجارية أي و يحرم المعاوضة على كل عين مشتمله على صفة يقصد منها الحرام.

كالغناء في الجارية، فإنها من الصفات التي لها طلاّ بها فتكون مطلوبة بالذات لاستلذاذ الطبيعة البشرية و استيناسها من الأغاني و الأناشيد بألحانها الخاصة و نغماتها الجاذبة، حيث إن الانسان خلق موسيقى الطبع، و لهذا ترى الأم الحنون حينما تروم تنويم ولدها تقرأ له بنغمتها الخاصة بعض الكلمات أو الأشعار فيأخذ الطفل في النوم فينام، فلو قصد من الجارية المغنية الصفة المحرمة و هي الغناء، و وقعت المعاوضة عليها بهذه الصفة بطلت المعاوضة لوقوع بعض الثمن إزاء الصفة المحرمة.

و أما اذا لم يقصد من الجارية تلك الصفة المحرمة فلا تبطل المعاوضة بمجرد كون العين مشتملة على تلك الصفة، لأنه يمكن أن يقصد منها الصفة المحرمة و هي الغناء. و الصفة المحللة و هو الجمال، أو الفراش أو الخدمة البيتية فبطلان المعاوضة في مثل هذه العين المشتملة على الصفة المحرمة و الصفة المحللة مشروط بشرطين.

(الأوّل): قصد احد المتبايعين، أو كليهما الصفة المحرمة. -

ص: 56

عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام اذا قصد منها ذلك، و قصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن كالعبد الماهر في القمار أو اللهو و السرقة اذا لوحظ فيه هذه الصفة، و بذل بإزائها شيء من الثمن لا ما كان على وجه الداعي.

و يدل عليه (3) ان بذل شيء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أكل للمال بالباطل.

++++++++++

- (الثاني): قصد اعتبار تلك الصفة المحرمة في البيع بمعنى أن لوجودها في العين دخلا في زيادة الثمن بحيث لولاها لم تبذل زيادة المال إزاء العين كمائة دينار علاوة على اصل قيمة الجارية المغنية، أو العبد الماهر في القمار أو اللهو أو السرقة.

بخلاف ما اذا كانت الصفة المحرمة هي الموجبة و الباعثة لشراء العين لكن لا يبذل بإزائها شيء من الثمن علاوة على اصل القيمة، لأنها لا تكون دخيلة في زيادة الثمن فحينئذ لا تبطل المعاوضة على ذلك. و هذا معنى قول الشيخ: لا ما كان على وجه الداعي.

فالحاصل: أنه اذا كانت الصفة المحرمة دخيلة في العين بحيث يبذل بإزائها الثمن زيادة على اصل قيمة العين فالمعاوضة باطلة.

و أما اذا لم تكن دخيلة في زيادة الثمن فلا تبطل المعاوضة و ان كانت هي الباعثة و الموجبة للشراء.

(3) أي على بطلان المعاوضة في الصورة الأولى: و هو كون الصفة المحرمة دخيلة في زيادة الثمن بحيث يبذل بإزائها شيء من الثمن.

و عدم بطلان المعاوضة في الصورة الثانية: و هو كون الصفة المحرمة هي الباعثة و الموجبة للشراء من دون أن تكون دخيلة في زيادة الثمن.

ص: 57

و التفكيك (1) بين القيد و المقيد: بصحة العقد في المقيد، و بطلانه في القيد بما قابله من الثمن غير معروف عرفا، لأن (2) القيد أمر معنوي

++++++++++

(1) دفع و هم:

حاصل الوهم: أنه يمكن القول بصحة المعاوضة في الصورة الأولى و عدم القول ببطلان العقد رأسا.

بيان ذلك: أن في الجارية المغنية، و العبد الماهر في القمار، أو السرقة شيئين:

القيد و هو الغناء و المهارة في القمار و السرقة.

و يعبر عن هذا القيد بالصفة المحرمة.

و المقيد: و هي الجارية المغنية و العبد الماهر في السرقة و القمار. فاذا كان للمبيع شيئان جاز التفكيك بينهما: بأن يفكك بين القيد و المقيد فالمشتري حينما يقدم على الشراء يبذل المال ازاء هذين الشيئين فما وقع من الثمن ازاء الصفة المحرمة و هو القيد بطل العقد.

و ما وقع منه ازاء المقيد و هي نفس الجارية، و نفس العبد الماهر صح العقد فللمشتري استرجاع بعض ثمنه الذي وقع ازاء الصفة المحرمة فكل مبيع مشتمل على شيئين جاز التفكيك بينهما و صح العقد.

(2) هذا جواب عن الوهم المذكور.

و حاصل الجواب: أن التفكيك بين القيد و المقيد في المبيع المشتمل على الشيئين: غير معروف عند العرف، لأن القيد أمر معنوي ليس له وجود خارجي حتى يوزع عليه شيء من الثمن ثم يقابل به فيقال بصحة العقد فيما قابل الجارية المغنية، أو العبد الماهر في القمار أو السرقة بما هما كذلك و المعبر عنه بالمقيد، من دون صفة الغناء و المقامرة و السرقة. -

ص: 58

لا يوزع عليه شيء من المال و ان كان يبذل المال بملاحظة وجوده، و غير (1) واقع شرعا على ما اشتهر: من أن الثمن لا يوزع على الشروط فتعين بطلان العقد رأسا.

و قد ورد النص بأن ثمن الجارية المغنية سحت (2)، و أنه قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا كثمن الكلب (3).

++++++++++

- و ببطلان العقد فيما قابل الصفة المحرمة: و هي الغناء و السرقة و المقامرة المعبر عنها بالقيد.

(1) بالرفع عطفا على قوله: غير معروف، أي التفكيك بين القيد و المقيد غير معروف، و غير واقع شرعا، بناء على المشهور عند الأصحاب من أن الثمن لا يوزع على الشروط.

هذا تأييد من الشيخ على ما ذهب إليه: من أن التفكيك بين القيد و المقيد غير معروف.

و خلاصة التأييد: أنك ترى أن البيوع الجائزة المشتملة على الشروط و القيود لو لم يعمل بها في الخارج لا يفرض لها جزء من الثمن اذا لم يف البائع، أو المشتري بشروطهما المقررة في المبيع.

بل لهما إما خيار الفسخ برد العقد جملة، أو قبول العقد جملة أيضا و عدم جعل شيء من الثمن إزاء الشروط المتخلفة دليل على عدم صحة التفكيك بين القيد و المقيد.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 87. الباب 16 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4-5. و الحديث هنا منقول بالمعنى.

(3) نفس المصدر. ص 88. الحديث 6. أليك بقية الحديث:

و ثمن الكلب سحت، و السحت في النار.

ص: 59

نعم (1) لو لم تلاحظ الصفة أصلا في كمية الثمن فلا اشكال في الصحة و لو لوحظت من حيث إنه صفة كمال قد تصرف إلى المحلل فيزيد لاجلها الثمن.

++++++++++

(1) استدراك عما أفاده: من أن التفكيك بين القيد و المقيد غير معروف فلا يمكن القول بصحة العقد في المقيد، و بطلانه في القيد.

و خلاصة الاستدراك: أن الصفة التي هي الغناء أو المهارة في المقامرة و السرقة المعبر عنها بالقيد لو لم تلاحظ في كمية الثمن و مقداره أصلا بمعنى عدم بذل شيء من الثمن ازاءه، و كانت المنفعة المحللة كثيرة معتدا بها:

فلا اشكال في صحة المعاوضة على مثل هذه العين المتصفة بصفة محرمة لأن العين لها صفة محللة معتد بها غير تلك الصفة المحرمة فيكون بذل المال ازاء تلك المنفعة المحللة المعتد بها فلا يكون أكلا للمال بالباطل.

و أما اذا لوحظت و كانت المنفعة المحللة نادرة بالنسبة إلى تلك المنفعة المحرمة فوجهان:

وجه بإلحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال ازاءها، لأنها نادرة بالنسبة إلى المنفعة المحرمة.

و وجه بعدم إلحاقها بالعين، لأن المقابل بالمبذول هو الموصوف و لا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة تلك المنفعة النادرة.

و الشيخ اختار الثاني، لأن أكل المال لا يعد أكلا بالباطل.

فتحصل من مجموع ما ذكرنا: أن العين المشتملة على الصفة المحرمة و المحللة: لا بد و أن تكون المنفعة المحللة منفعة معتدا بها بحيث يجوز بذل المال ازاءها، لا منفعة نادرة غير معتد بها حتى لا يجوز بذل المال ازاءها فالمنفعة المحللة مثل نفس العين في اشتراط كونها ذات منفعة محللة كثيرة معتد بها.

ص: 60

فإن كانت (1) المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها فلا اشكال في الجواز.

و ان كانت نادرة (2) بالنسبة إلى المنفعة المحرمة ففي إلحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال إلا لما اشتمل على منفعة محللة غير نادرة بالنسبة الى المنفعة المحرمة، و عدمه، لأن المقابل بالمبذول هو الموصوف، و لا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة المنفعة النادرة: وجهان (3).

أقواهما الثاني (4)، اذ لا يعد أكلا للمال بالباطل، و النص (5) بأن ثمن المغنية سحت مبني على الغالب.

المسألة الثالثة: يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله

(المسألة الثالثة) (6): يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله، و كذا بيع الخشب بقصد أن يعمله صنما أو صليبا، لأن فيه

++++++++++

(1) أشرنا إلى هذا الشق بقولنا: و كانت المنفعة المحللة كثيرة معتدا بها.

(2) أشرنا إلى هذا الشق بقولنا: و أما اذا لوحظت و كانت المنفعة المحللة نادرة غير معتد بها بالنسبة إلى تلك المنفعة المحرمة.

(3) ذكرنا الوجهين بقولنا: وجه بإلحاقها بالعين. و وجه بعدم إلحاقها بالعين.

(4) أشرنا إلى هذا الاختيار بقولنا: و الشيخ اختار الثاني.

(5) و هو الذي أشرنا إليه في الهامش 2. ص 59، حيث إن الغالب في الجارية المغنية أن تستعمل في المنافع المحرمة: و هي مجالس الرقص و الأغاني فقوله عليه السلام: ثمن الجارية المغنية سحت: اشارة إلى المعنى الذي ذكرناه الذي هو الغالب من منافع الجارية، و لو لا انصراف منافع الجارية المغنية:

الى منافعها المحرمة لما كان ثمنها حراما.

(6) أي من المسائل الواقعة في قوله: فهنا مسائل

ص: 61

اعانة على الاثم و العدوان، و لا إشكال و لا خلاف في ذلك (1).

أما لو لم يقصد ذلك (2) فالأكثر على عدم التحريم، للأخبار المستفيضة.

منها: خبر ابن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا، أو مسكرا.

فقال عليه السلام: إنما باعه حلالا في الإبّان (3) الذي يحل شربه

++++++++++

(1) أي في حرمة بيع العنب لمن يعمله خمرا، و الخشب لمن يصنعه صنما.

إن قلت: إن هذه المسألة عين المسألة الأولى التي هو بيع العنب لمن يعمله خمرا، و الخشب لمن يصنعه صنما فلما ذا أفردها و جعلها مسألة مستقلة ؟

قلنا: فرق بين المسألتين، حيث إن الأولى شرط فيها الحرام في ضمن المعاوضة و المعاملة، أي بيع العنب بشرط أن يعمل خمرا، و الخشب بشرط أن يصنع صنما، أو صليبا.

بخلاف الثانية، حيث إن الحرام كان داعيا على المعاوضة، لا أنه شرط في ضمن المعاوضة فتكون المسألة الثالثة اذا مغايرة للمسألة الأولى.

(2) أي لو لم يقصد البائع من بيعه العنب التخمير، أو من بيعه الخشب صناعة الصنم أو الصليب، بل باعه للمشتري كما يبيع العنب لغيره ممن لا يعمله خمرا، و لا يصنع الخشب صنما و الغرض من البيع انفاق تجارته و ان كان عالما بأن المشتري يصرف العنب في الخمر، و الخشب في الصنم: كانت المعاوضة صحيحة، لبناء أكثر الفقهاء على ذلك، حيث دلت الأخبار المستفيضة الآتية على صحتها.

(3) بكسر الهمزة و فتح الباء المشددة: يطلق على الشيء عند أوانه و بدايته.

ص: 62

أو أكله فلا بأس ببيعه (1).

و رواية أبي كهمس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام إلى أن قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا (2).

الى غير ذلك (3) مما هو دونهما في الظهور.

و قد تعارض تلك (4) بمكاتبة ابن اذينة عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا.

قال: لا (5).

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 169. الباب 59 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 5.

و مرجع الضمير في شربه و أكله: العنب.

و المراد من شرب العنب: شرب عصيره.

(2) نفس المصدر. الحديث 6.

و في المصدر عن ابن أبي كهمس بالسين.

(3) أي و غير هذين الحديثين من الأحاديث الواردة في المقام التي يكون ظهورها فيما نحن فيه: و هو بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا أقل من الحديثين.

راجع المصدر السابق. الحديث 1-2-3-4-7-8.

(4) أي يعارض الحديثان المذكوران بمكاتبة ابن اذينة.

و برواية عمرو بن الحريث الآتيتين.

(5) نفس المصدر. ص 127. الباب 41. الحديث 2.

وجه معارضة مكاتبة ابن اذينة، و رواية عمرو بن حريث مع خبر ابن اذينة.

و رواية أبي كهمس: أنهما صريحتان في عدم جواز -

ص: 63

و رواية عمرو بن حريث عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم ؟

قال: لا (1).

و قد يجمع (2) بينهما و بين الأخبار المجوزة بحمل المانعة: على صورة اشتراط جعل الخشب صليبا، أو صنما، أو تواطئهما عليه.

++++++++++

- بيع الشيء لمن يعلم أنه يصرفه في سبيل الحرام، حيث يقول الامام عليه السلام في جواب السائل عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا: لا.

و يقول في جواب السائل عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب، أو الصنم: لا فنستكشف من هذين الحديثين الصريحين في النهي: عدم جواز بيع العنب لمن يعلم أنه يصنعه خمرا، و الخشب لمن يصنعه صليبا، أو صنما فيكونان معارضين لخبر ابن اذينة، و رواية أبي كهمس.

(1) نفس المصدر. ص 127. الباب 42. الحديث 2.

(2) أي و يمكن الجمع بين الخبرين المانعين، و بين الحديثين السابقين الدالين على الجواز: بأن يقال: إن مكاتبة ابن اذينة، و رواية عمرو بن حريث المعبر عنهما بالأخبار المانعة التي تمنع بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا و الخشب ممن يعلم أنه يصنعه صنما: تحمل على صورة اشتراط البائع في ضمن العقد، أو خارجه يجعل العنب خمرا، و الخشب صنما.

و يقال: إن خبر ابن اذينة، و رواية أبي كهمس المشار إليهما في ص 63 المعبر عنهما بالأخبار المجوزة التي تجوز بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا و الخشب ممن يصنعه صنما: تحمل على صورة عدم اشتراط صرف المبيع في الحرام.

فبهذا الجمع تدفع المعارضة المذكورة، و المضاربة المفروضة فلا يبقى اشكال في البين.

ص: 64

و فيه (1) أن هذا في غاية البعد، إذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة الخشب صنما في متن بيعه، أو خارجه ثم يجيء و يسأل الامام عليه السلام عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته.

و هل يحتمل أن يريد الراوي بقوله: أبيع التوت ممن يصنع الصنم

++++++++++

- و لا يخفى أن الجمع المذكور لما كان غير مرضي عند (شيخنا الأنصاري) أفاد: و فيه أن هذا في غاية البعد، إذ لا داعي للمسلم في اشتراط المحرم في متن العقد، أو خارجه، لعدم وجود فائدة في الاشتراط المحرم تعود إليه.

و قد أورد قدس اللّه روحه نفس الاشكال على بيع العنب بشرط أن يعمل خمرا، و الخشب بشرط أن يصنع صنما أو صليبا عند ما استدل على حرمة بيع العنب على أن يعمل خمرا في المسألة الأولى من المسائل الثلاث:

بالحديثين المذكورين و هما: مكاتبة ابن اذينة. و رواية عمرو بن حريث.

ثم قال: لو قيل: بالفرق بين مؤاجرة البيت ليعمل فيه الخمر أو ليصنع فيه الصنم، أو الصليب ؟

فأجاب أن الفرق ظاهر، حيث إن في اجارة البيت لصنع العنب خمرا، و الخشب صنما فائدة و نفعا تعود للمالك و المؤجر. و كم لهؤلاء الملاك المسلمين نظائر في ذلك.

بخلاف بيع العنب بشرط أن يعمله خمرا، و الخشب بشرط أن يصنعه صنما، فإنه لا فائدة فيه تعود إلى البائع المسلم.

اذا تبقى التضارب و التطارد على حاله.

(1) أي و في هذا الحمل نظر و اشكال.

و قد عرفت وجه النظر آنفا بقولنا: و لا يخفى أن الجمع المذكور لما كان غير مرضي عند الشيخ.

ص: 65

و الصليب أبيعه مشترطا عليه، و ملزما في متن العقد، أو قبله: أن لا يتصرف فيه إلا بجعله صنما؟

فالأولى حمل الأخبار المانعة: على الكراهة (1)،

++++++++++

(1) معنى حمل النهي على الكراهة: هو التصرف في المعنى الذي وضع له لفظ النهي بأن يراد من النهي معناه المجازي الذي هو النهي التنزيهي الارشادي، لا معناه الحقيقي الذي هو طلب ترك الفعل مع المنع من فعل ضده المعبر عنه بالنهي المولوي الإلزامي المترتب على فعله العقاب.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الشيخ أخذ في الجمع بين الأخبار المتضاربة هنا طريقا آخر غير ما ذكره هو و شرحناه لك آنفا بقولنا: و يمكن الجمع.

و ذلك الطريق: احد الأمرين لا محالة على سبيل منع الخلو.

(الأوّل): حمل النهي الوارد في الأخبار المانعة: و هي رواية ابن اذينة، و رواية عمرو بن حريث المشار إليها في ص 63-64: على النهي التنزيهي الإرشادي المعبر عنه ب: الكراهة الذي هو المعنى المجازي له. اذ معناه الحقيقي هو النهي المولوي الإلزامي الحتمي، فصرفه عن هذا المعنى و يراد منه المعنى المجازي كما عرفت.

(الثاني): إبقاء النهي على معناه الحقيقي من دون أن يتصرف فيه، و يراد منه معناه المجازي.

لكن نلتزم بالحرمة في جانب بيع الخشب ممن يعلم أنه يصنعه صنما أو صليبا، لظهور الأخبار المانعة في هذا التحريم.

و نلتزم بجواز البيع في مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا لورود أخبار كثيرة بالجواز في قبال الأخبار المانعة.

و قد عرفت الأخبار المجوزة في ص 63.

فبهذا الحمل، أو الالتزام يرتفع الاشكال بحذافيره.

ص: 66

لشهادة (1) غير واحد من الأخبار على الكراهة كما أفتى به جماعة.

و يشهد له (2) رواية الحلبي عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا.

فقال: بيعه ممن يصنعه خلاًّ أحب إليّ ، و لا أرى به بأسا، و غيرها (3).

أو الالتزام (4) بالحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا أو صنما لظاهر تلك الأخبار، و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها: على الأخبار المجوزة.

++++++++++

- و قد أشار الشيخ إلى كليهما بقوله: فالأولى حمل الأخبار المانعة:

على الكراهة، أو الالتزام بالحرمة في بيع الخشب.

(1) تعليل لحمل الأخبار المانعة على الكراهة.

(2) أي و يشهد لحمل الأخبار المانعة على الكراهة: رواية الحلبي.

هذه أحدى الروايات الشاهدة على حمل النهي الوارد في الأخبار المانعة:

على الكراهة.

راجع المصدر السابق. ص 170. الحديث 9.

(3) أي و غير رواية الحلبي من الأخبار الواردة في المقام الدالة على كراهة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا، و بيع الخشب ممن يعلم أنه يصنعه صنما.

راجع نفس المصدر. الحديث 4-5-6-7-10 فإنك تجد الأحاديث الواردة تدل على الكراهة فتكون شاهدة على أن المراد من النهي الوارد في الأخبار المانعة: النهي التنزيهي الارشادي، لا النهي المولوي الإلزامي.

(4) هذا هو الأمر الثاني من الأمرين المذكورين و قد أشرنا إليه في الهامش 1. ص 66 بقولنا: الثاني إبقاء النهي على معناه الحقيقي.

ص: 67

و هذا الجمع (1) قول فصل لو لم يكن (2) قولا بالفصل.

++++++++++

(1) و هو حمل النهي الوارد في الأخبار المانعة: على احد الأمرين:

إما على الكراهة، أو الالتزام بالحرمة في جانب بيع الخشب، لا العنب.

و المعنى: أن هذا الحمل الذي بيناه لك، و الذي صار سببا للجمع بين الأخبار المتضاربة: هو الحل الوحيد لقطع النزاع بين الأخبار المذكورة الدال بعضها على عدم الجواز مطلقا في العنب و الخشب.

و الدال بعضها على الجواز مطلقا في الخشب و العنب كما أشرنا الى الأخبار المجوزة و المانعة في ص 62-63-64.

(2) أي ان لم يكن الجمع المذكور قولا بالفصل أي قولا ثالثا المعبر عنه بالقول بالتفصيل.

و لا يخفى أن القول بالجمع المذكور هو القول بالتفصيل، حيث يكون مفصلا بين القائلين بالجواز مطلقا في العنب و الخشب، و بين المانعين مطلقا في الخشب و العنب كما عرفت في الجمع.

ثم إنه لا مانع من القول بالفصل اذا ساعد الدليل على ذلك كما هنا حيث إن الأخبار الدالة على جواز بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا ظاهرة فيه.

و الأخبار الدالة على منع بيع الخشب لمن يعلم أنه يصنعه صليبا أو صنما ظاهرة فيه.

و لعل السر في جواز بيع العنب، و عدم جواز بيع الخشب: هي مبغوضية الشرك بكل مظاهره، و عدم اغتفاره.

بخلاف غيره من الآثام و المعاصي، فإنها تغتفر.

و إليه ينظر قوله عز من قائل: «إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ » . النساء: الآية 48. -

ص: 68

و كيف كان (1) فقد يستدل على حرمة البيع ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام: بعموم النهي على التعاون على الإثم و العدوان (2).

و قد يستشكل في صدق الإعانة، بل يمنع، حيث لم يقع القصد الى وقوع الفعل من المعان (3)، بناء على أن الإعانة هو فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله (4) منه، لا مطلقا (5).

و أوّل من أشار إلى هذا (6) المحقق الثاني في حاشية الارشاد في هذه

++++++++++

- هذا بالإضافة إلى أن الواجب علينا العمل بما كان حجة علينا و ان لم نعرف وجه ذلك، و قد ثبتت الحجة بورود التفصيل بين العنب فجاز بيعه، و بين الخشب فلا يجوز بيعه.

(1) أي طريق الجمع بين الأخبار المتضاربة، سواء أ كان بنحو الحمل على الكراهة. أو ابقاء النهي على ما كان.

(2) في قوله تعالى: وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوٰانِ . المائدة: الآية 2.

حيث إن النهي الوارد في قوله عز من قائل: عام يشمل حرمة البيع ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام، سواء أ كان المبيع خشبا أم عنبا فاذا علمنا أن المشتري يصرف الخشب في الصنم و الصلبان، و العنب في الخمر و المسكر حرم بيعه، للنهي المذكور.

(3) و هو المشتري، أي لم يقصد البائع ببيعه الخشب أو العنب:

صدور المعصية من المشتري حتى يصدق الإعانة على الإثم فيحرم بيعه.

(4) أي بقصد حصول الفعل من الغير.

(5) أي و ليست الإعانة مجرد حصول بعض مقدمات المعصية و لو من دون قصد حصول الفعل من الغير.

(6) أي إلى هذا الاشكال: و هو عدم صدق الإعانة من دون قصد البائع صدور المعصية من المشتري في مسألة بيع الخشب لمن يصنعه صنما و بيع العنب يعمله خمرا.

ص: 69

المسألة، حيث إنه بعد حكاية القول بالمنع مستندا إلى الأخبار المانعة (1) قال: و يؤيده (2) قوله تعالى: «وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ » .

و يشكل (3) بلزوم عدم جواز بيع شيء مما يعلم عادة التوصل به الى محرم لو تم هذا الاستدلال فيمنع معاملة أكثر الناس.

و الجواب (4) عن الآية المنع من كون محل النزاع معاونة،

++++++++++

(1) المشار إليها في ص 63-64.

(2) أي المحقق الثاني قال: و يؤيد المنع قوله تعالى.

(3) اشكال من (المحقق الثاني) على من استدل بالآية الكريمة على حرمة بيع العنب و الخشب ممن يعملهما خمرا و صنما من باب صدق الإعانة على الأثم عليهما و ان لم يقع الفعل من المعان في الخارج.

و خلاصة الإشكال: أن الاستدلال بالآية الشريفة على حرمة البيع لو تم لزم المنع عن معاوضة أكثر الناس في معاملاتهم المتداولة فيما بينهم طوال حياتهم، حيث إن التاجر الذي يستورد الأقمشة و الطعام و الضروريات الحياتية: يشتريها المؤمن و الكافر، و الفاسق و الشارب، و مرتكب المحرمات و الجرائم، فعلى القول بحرمة بيع العنب و الخشب لصدق الإعانة عليهما يحرم الاستيراد و أي عمل اثباتي، و لازم هذا القول وقوف سير جل الأعمال و بوقوفها تختل النظم الاجتماعية.

فكيف يمكن القول بحرمة البيع في المذكورات.

فما نحن فيه: و هو بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا، و الخشب ممن يعلم أنه يصنعه صنما لا يكون ممنوعا.

(4) هذا رد من (المحقق الثاني) على المستدل بالآية الكريمة على حرمة بيع العنب و الخشب ممن يعلم أنه يعمله خمرا و صنما.

و خلاصة الرد: أننا نمنع أن يكون بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا و الخشب ممن يصنعه صنما من مصاديق الإعانة على الاثم و أفرادها و ان كانت -

ص: 70

مع (1) أن الأصل الإباحة، و انما يظهر المعاونة مع بيعه لذلك (2) انتهى (3).

و وافقه (4) في اعتبار القصد في مفهوم الاعانة جماعة من متأخري المتأخرين كصاحب الكفاية و غيره، هذا (5).

و ربما زاد بعض المعاصرين (6) على اعتبار القصد: اعتبار وقوع

++++++++++

- الكبرى: و هي حرمة الإعانة على الاثم مسلمة، لكنها لا تنطبق على صغرياتها و منها ما نحن فيه.

(1) هذا رد ثان من (المحقق الكركي) على من استدل بحرمة بيع العنب لمن يعمله خمرا، و الخشب لمن يصنعه صنما، أي و بالإضافة الى أن ما نحن فيه ليس من أفراد الإعانة على الاثم و من مصاديقها:

أن الأصل الاولي: و هي أصالة الإباحة في الأشياء حاكمة على الأخبار المانعة التي ذكرناها لك فلا يبقى مجال للتمسك بها، و القول بحرمة بيع العنب لمن يعمله خمرا، و الخشب لمن يصنعه صنما.

(2) أي و يظهر صدق الاعانة على الإثم لو بيع العنب لأجل أن يعمله خمرا، و الخشب لأجل أن يصنعه صنما، لا مطلقا و لو لم يقصد ذلك، فمجرد البيع لمن يعلم أن المشتري يصرف المبيع في الحرام لا يصدق عليه الإعانة.

(3) أي ما افاده (المحقق الثاني) حول جوانب المسألة.

(4) أي و وافق (المحقق الثاني) جماعة.

(5) أي خذ ما ذكرناه لك في مسألتنا هذه.

(6) و هو المولى (محمد مهدي النراقي)، فإنه اعتبر في تحقق مفهوم الإعانة في الخارج شيئين:

(احدهما): قصد الإعانة.

(ثانيهما): وقوع المعان عليه في الخارج فهو بالإضافة إلى اعتبار

ص: 71

المعان عليه في تحقق مفهوم الإعانة في الخارج، و تخيل أنه لو فعل فعلا بقصد تحقق الاثم الفلاني من الغير و لم يتحقق منه لم يحرم من جهة صدق الاعانة، بل من جهة قصدها، بناء (1) على ما حرره: من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه، و أنه لو تحقق الفعل كان حراما من جهة القصد إلى المحرم، و من جهة الإعانة.

و فيه (2) تأمل، فإن حقيقة الإعانة على الشيء هو الفعل بقصد حصول الشيء، سواء حصل أم لا.

و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر عن الغير بقصد التوصل إليه فهو داخل في الاعانة على الاثم، و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب

++++++++++

- قصد الاعانة اعتبر تحقق المعان عليه في الخارج فلو لم يتحقق في الخارج لم يحرم الإعانة من ناحية صدق الإعانة، حيث إنه لم يتحقق الفعل في الخارج حتى يصدق الاعانة حتى يحرم، بل يحرم الفعل من جهة قصد الإعانة. و الفاعل في تخيل: المولى النراقي.

(1) تعليل من (الشيخ) لما افاده (المحقق النراقي): من ثبوت الحرمة في الفعل المقدمي من جهة قصد الاعانة و ان لم يتحقق الفعل المعان عليه في الخارج.

و خلاصة التعليل: أن الاشتغال بمقدمات فعل الحرام بقصد تحققه في الخارج حرام و ان لم يتحقق المعان عليه في الخارج، لكون هذا الفعل تجريا، و التجري قبيح ذاتا فتثبت الحرمة من هذه الناحية، لا من ناحية صدق الإعانة.

(2) أي و فيما أفاده (المحقق النراقي): من اعتبار وقوع المعان عليه في الخارج بالإضافة إلى اعتبار قصد الإعانة: تأمل و اشكال.

و قد أفاد وجه التأمل الشيخ بقوله: فإن حقيقة الإعانة. -

ص: 72

و ما أبعد ما بين ما ذكره المعاصر (1)، و بين ما يظهر من الأكثر من عدم اعتبار القصد (2)، فعن المبسوط الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله صلى اللّه عليه و آله: من أعان على قتل مسلم

++++++++++

- و خلاصته: أن مفهوم الإعانة، و ماهيتها عبارة عن تهيؤ مقدمات الفعل و إعدادها بقصد حصولها في الخارج، سواء حصل الفعل أم لا، و لهذا يقال: اعانه بكذا و كذا على كذا و كذا و لربما لم يتوفق الفاعل لذلك.

فهذه حقيقة الإعانة و مفهومها.

ثم إنه بناء على ما افاده (المولى النراقي) من اعتبار وقوع المعان عليه في الخارج و أنه اذا لم يتحقق لم يحرم من جهة صدق الإعانة، بل من جهة قصدها و أنه تجر: يلزم تعدد العقاب في صورة وقوع المعان عليه في الخارج، أي عقاب لقصد الإعانة. و عقاب لتحقق المعان عليه في الخارج كما افاده بقوله: (و أنه لو تحقق الفعل كان حراما من جهة القصد إلى المحرم و من جهة الإعانة) مع أنه لو تحقق الحرام في الخارج لم يتعدد العقاب.

(1) من اعتبار وقوع المعان عليه في الخارج علاوة على اعتبار قصد الإعانة.

(2) أي عدم اعتبار قصد الإعانة اصلا، فإن ابين القولين بونا بعيدا، حيث إن (المولى النراقي) يقول علاوة على اعتبار القصد:

اعتبار وقوع المعان عليه في الخارج حتى يتحقق مفهوم الإعانة.

و الأكثر يقولون بعدم اعتبار قصد الإعانة في مفهوم الإعانة كما افاده (شيخ الطائفة و العلامة و المحقق الثاني و الاردبيلي و صاحب الحدائق و صاحب الرياض): من صدق الإعانة بدون قصدها في موارد كثيرة ذكرها الشيخ بقوله: فعن المبسوط و التذكرة و الحدائق و الرياض.

ص: 73

و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة اللّه (1).

و قد استدل في التذكرة على حرمة بيع السلاح من أعداء الدين:

بأن فيه اعانة على الظلم (2).

و استدل المحقق الثاني على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله:

بأن فيه اعانة على الاثم (3).

و قد استدل المحقق الأردبيلي على ما حكي عنه من القول بالحرمة في مسألتنا (4): بأن فيه اعانة على الإثم.

و قد قرره على ذلك (5) في الحدائق فقال: إنه جيد في حد ذاته

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 19. ص 9. الباب 2 من أبواب القصاص في النفس. الحديث 4. و في المصدر كلمة مؤمن بدل مسلم.

و (سنن ابن ماجة). الجزء 2. ص 874 الحديث 2620.

و المراد بشطر كلمة بعض الكلمة. فالحديث يدل على صدق الإعانة مع أنه لم يكن هناك قصد الإعانة على قتل من ليس له طعام ليسد به رمق الحياة، بناء على ما افاده (الشيخ).

(2) فإن بيع السلاح لأعداء الدين ليس فيه قصد الإعانة معهم.

لكن يصدق الإعانة على ما افاده العلامة.

(3) فإن بائع العصير لمستحله لا يقصد الإعانة على الاثم، لكنه يصدق الاعانة على ما افاده (المحقق الكركى).

(4) و هي المسألة الثالثة من المسائل الثلاث: و هي مسألة بيع العنب ممن يعمله خمرا، و الخشب ممن يصنعه صنما، فإن البائع لا يقصد الاعانة على الاثم، لكن يصدق الاعانة على ما افاده (المحقق الاردبيلي).

(5) أي ارتضى (صاحب الحدائق) بمقالة (المحقق الاردبيلي) -

ص: 74

لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز (1).

و في الرياض بعد ذكر الأخبار السابقة الدالة على الجواز.

قال: و هذه النصوص (2) و ان كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها بل ربما كان بعضها صريحا (3).

لكن في مقابلتها (4) للأصول، و النصوص المعتضدة بالعقول اشكال انتهى (5).

و الظاهر أن مراده (6) بالأصول: قاعدة حرمة الإعانة على الاثم

++++++++++

- في صدق الاعانة على الاثم ببيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا و ان لم يقصد الاعانة.

(1) و هي الأخبار الدالة على جواز بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا و الخشب ممن يصنعه صنما، و قد اشير إليها في ص 63-64.

(2) و هي أخبار الجواز المشار إليها في ص 62-63.

(3) كخبر ابن اذينة المشار إليها في ص 63.

و رواية أبي كهمس المشار إليها في ص 63.

(4) أي مقابلة أخبار الجواز للأصول التي هي قاعدة: حرمة الاعانة على الاثم، و قاعدة: حكم العقل بوجوب التوصل إلى دفع المنكر مهما امكن: اشكال و نظر، اذ كيف يمكن لأخبار الجواز أن تقابل هذه الأصول المسلمة، و القواعد المقررة، فإن بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا أو الخشب ممن يصنعه صنما منكر يجب دفعه بحكم العقل، و على طبق هذا الحكم العقلي وردت الأخبار المانعة.

(5) اي ما أفاده صاحب الرياض.

(6) أي مراد صاحب الرياض من الأصول و العقول.

و قد عرفت الأصول و العقول آنفا.

ص: 75

و من العقول حكم العقل بوجوب التوصل إلى دفع المنكر مهما أمكن.

و يؤيد ما ذكروه من صدق الاعانة بدون القصد: اطلاقها (1) في غير واحد من الأخبار.

ففي النبوي المروي في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه (2).

و في العلوي الوارد في الطين المروي أيضا في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: فان أكلته و مت فقد أعنت على نفسك (3).

و يدل عليه (4) غير واحد مما ورد في أعوان الظلمة و سيأتي (5).

و حكي أنه سئل بعض الأكابر فقيل له: اني رجل خياط أخيط

++++++++++

(1) أي وردت الاعانة في الأخبار مطلقة من دون أن تكون مقيدة بقصد الاعانة فهذا الاطلاق دليل على عدم اعتبار قصد الاعانة في تحقق مفهوم الاعانة خارجا.

(2) هذه احدى الروايات التي ورد فيها لفظ الاعانة مطلقة من دون اعتبار قصد الاعانة.

(راجع (الكافي). الجزء 6. ص 266. الحديث 8.

(3) هذه ثانية الروايات التي ورد فيها لفظ الإعانة مطلقة من دون اعتبار قصد الاعانة.

راجع نفس المصدر. الحديث 5.

(4) أي و يدل على أن الإعانة لا يعتبر في تحقق مفهومها قصد الاعانة: الأخبار الواردة في أعوان الظلمة.

(5) أي في باب الولاية من قبل الجائر، حيث إن الأخبار هناك وردت بكثرة كلها خالية عن اعتبار قصد الإعانة في تحقق مفهومها خارجا.

ص: 76

للسلطان ثيابه فهل تراني بذلك (1) في أعوان الظلمة ؟

فقال (2) له: المعين لهم من يبيعك الإبر و الخيوط.

و أما أنت فمن الظلمة أنفسهم (3).

و قال المحقق الأردبيلي في آيات أحكامه في الكلام (4) على الآية:

الظاهر أن المراد بالاعانة على المعاصي مع القصد، أو على الوجه الذي يصدق أنها اعانة مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه إياها.

أو يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه إياه، و نحو ذلك (5) مما يعد معونة عرفا، فلا تصدق (6) على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه: أنه

++++++++++

(1) أي بخياطتي للسلطان ثيابه أعد من أعوان الظلمة.

(2) أي بعض الأكابر قال للسائل.

(3) فالاعانة صادقة هنا و ان لم يكن قصد من المعين في إعانة الظلمة

(4) أي في الاشكال على تحقق الاثم الوارد في الآية الكريمة:

وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوٰانِ : فيما اذا لم يكن هناك قصد الإعانة.

(5) كما اذا طلب الظالم شخصا من زيد ليظلمه فأتى به، فإن في هذه الموارد يصدق الإعانة عرفا، حيث يقول العرف: إن هذا العمل يعد اعانة على الظلم، لأن إعطاء العصا، و القلم و الشخص للظالم يكون ظلما حتى مع عدم قصد المعطي الاعانة على الظلم، و لا تخلو هذه الموارد عن الاعانة.

فالمحقق الاردبيلي يعتبر في صدق الإعانة في الخارج أحد الأمرين لا محالة:

إما قصد الإعانة على الاثم. أو الصدق العرفي.

(6) أي الإعانة على الاثم.

ص: 77

معاون للظالم العاشر (1) في أخذ العشور، و لا على الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما (2)، و غير ذلك (3) مما لا يحصى.

فلا (4) يعلم صدقها على بيع العنب ممن يعمله خمرا، أو الخشب

++++++++++

(1) وزان فاعل و المراد منه: الذي يأخذ العشر من أموال الناس و يقال له في العصر الحاضر: آخذ الضريبة.

(2) حيث إن التاجر غرضه من التجارة: إنفاق سلعته، و الحاج غرضه من السفر إلى (مكة المكرمة): أداء فريضته التي أوجبها اللّه عز و جل عليه، و ليسا قاصدين، بذلك إعانة الظالم في ظلمه، و ان كان لازم اخذ العشر و الضريبة من التاجر و الحاج زيادة قوة شوكة الظالم و قوته.

(3) كالبناء و النجار و القصاب و البقال و ما ضارع هذه الحرف مما يؤخذ عليها الضريبة و العشر، فإن هؤلاء من أهل الحرف لا يقصدون من عملهم هذا الاعانة على الاثم و العدوان، لأن عملهم لو كان يعد إعانة على الاثم لأجل أنه يسبب اخذ العشر و الضريبة فلازمه رفع اليد عن تلك الأعمال الضرورية المستلزمة للحياة.

و من الواضح أن رفع اليد عنها مستلزم لاختلال النظام الاجتماعي بمعنى عدم وجود من يخبز، أو يبني أو يخيط، و هكذا بقية الأعمال لترتب العقاب الأخروي عليها لو قلنا بصدق الاعانة عليها.

(4) الفاء تفريع على ما افاده آنفا من أن الاعانة لا تصدق على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه فلا يقال له: إنه معاون الظالم العاشر. الى آخر ما ذكره، أي بناء على ما ذكرناه فلا يعلم صدق الاعانة على بيع العنب ممن يعمله خمرا، أو الخشب ممن يعمله صنما مع علم البائع بذلك.

ص: 78

ممن يعمله صنما، و لذا (1) ورد في الروايات الصحيحة جوازه. و عليه (2) الأكثر و نحو ذلك (3) مما لا يخفى انتهى كلامه (4) رفع مقامه.

++++++++++

(1) أي و لاجل عدم صدق الاعانة على بيع العنب ممن يعمله خمرا أو الخشب ممن يصنعه صنما وردت أخبار كثيرة في جواز بيعه لمن هذه صفته.

(2) أي و على جواز بيع العنب أكثر الفقهاء.

(3) أي و نحو جواز بيع العنب و الخشب لمن يعلم أنه يعمل العنب خمرا، و الخشب صنما: جواز بيع بقية الأشياء كبيع الحديد لمن يعمله سيفا ليقتل به انسانا محقون الدم فكما يجوز ذلك جاز هذا.

(4) أي كلام (المحقق الاردبيلي) في آيات الأحكام.

و لما انجر بنا الكلام إلى الاعانة فلا بأس بارسال العنان بذكر تعريفها ثم بيان أقسامها.

فنقول مستعينا باللّه: أما تعريفها فهي المساعدة على الشيء.

يقال: فلان أعان فلانا على ظلمه أي ساعده على الاثم و العدوان.

و أما أقسامها فأربعة.

(الأوّل): قصد الاعانة، و وقوع المعان عليه و هي المعصية في الخارج، فهذا هو القدر المتيقن من الاعانة.

(الثاني): عدم قصد الاعانة، و عدم وقوع المعان عليه في الخارج و هذا هو القدر المتيقن من عدم صدق الاعانة.

(الثالث): قصد الاعانة، لكن مع عدم تحقق الفعل المعان عليه في الخارج كمن أعطى العصا لزيد ليضرب بها عمرا.

لكنه لم يضربه، أو باع الخشب لمن يصنعه صنما، أو العنب ليعمله خمرا، لكنه لم يصنعه و لم يعمله فالظاهر أن هذا القسم لا يصدق عليه

ص: 79

..........

++++++++++

- الاعانة، لعدم وجود اثم و معصية هناك حتى يقال: إن إعطاء العصا و بيع الخشب و العنب إعانة على الاثم.

نعم يمكن أن يقال: بقبح هذا الفعل، و صدق التجري عليه و أن الفعل هذا ناشئ عن سوء سريرته، و خبث باطنه.

و هذا هو التجري الذي نقول بقبحه.

(الرابع): وقوع الفعل في الخارج من غير قصد الاعانة كما لو أوجد شخص مقدمات في الخارج و جاء شخص آخر فاستفاد من هذه المقدمات فاوجد بها معصية في الخارج، من دون أن يقصد الشخص الأوّل من تهيئة تلك المقدمات ترتب معصية عليها.

فهذا القسم هو محل الخلاف بين الفقهاء الأعاظم.

فقال بعض بصدق الاعانة هنا و ان لم تقصد.

و قال بعض بعدم صدق الاعانة مع عدم قصد الاعانة عند ما أوجد المقدمات.

و ذهب جل من العلماء الفطاحل و منهم سيدنا الأستاذ (السيد البجنوردي) دام ظله حينما كنت أحضر معهد بحثه الخارج: الى التفصيل المذكور:

و هو الفرق بين المقدمة التي تكون من مبادي الإرادة، و قبل إرادة الآثم الاتيان لذلك الفعل المحرم.

و بين المقدمة التي تكون بعد تحقق إرادة الآثم و عزمه على الفعل المحرم، أي تكون هذه المقدمة هو الجزء الأخير و العلة التامة لوقوع الفعل في الخارج.

أما المقدمة التي تكون من المبادي الارادية، و قبل إرادة الآثم لذلك الفعل المحرم فلا تعد اعانة على الاثم.

ص: 80

و لقد دقق (1) النظر، حيث لم يعلق صدق الاعانة على القصد و لا أطلق القول بصدقه بدونه. بل علقه بالقصد، أو بالصدق العرفي و ان لم يكن قصد

++++++++++

- و أما المقدمة التي تكون بعد تحقق إرادة الآثم، و عزمه على الفعل فلا شك في صدق الاعانة عليها، سواء قصد الاعانة بها أم لم يقصد.

أما القول الثاني و هو عدم صدق الاعانة مع عدم القصد إليها فقد ذهب إليه (شيخنا الأنصاري) بقوله:

لكن أقول: لا شك في أنه اذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير إلى مقصده، و لا إلى مقدمة من مقدماته، بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل فلا يسمى اعانة كما في تجارة التاجر بالنسبة الى أخذ العشور، و مسير الحاج بالنسبة إلى أخذ المال منه ظلما.

(1) أي (المحقق الأردبيلي) قد دقق النظر في الاعانة و أمعن فيها حيث لم يعلق صدق الاعانة على قصد الاعانة فقط بحيث يكون القصد قيدا لتحقق مفهوم الاعانة، و مقوما له.

و لا اطلق القول في الاعانة بحيث يقول: إن الاعانة تصدق على كل حال و ان لم يكن هناك قصد الاعانة اصلا و ابدا، و من دون أن يكون للقصد في تحقق مفهوم الاعانة خارجا، اذ ربما يكون للقصد دخل في تحقق مفهومه في بعض الموارد كما اذا لم يكن هناك صدق عرفي.

بل علقه على القصد، أو على الصدق العرفي و ان لم يكن قصد.

فتحصل من مجموع ما افاده (المحقق الاردبيلي): أنه يعتبر في صدق الاعانة أحد الأمرين لا محالة كما عرفت في الهامش 5 ص 77.

(الأوّل): قصد الاعانة على الاثم.

(الثاني): أو الصدق العرفي و ان لم يكن قصد.

ص: 81

لكن أقول: لا شك في أنه اذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير إلى مقصده، و لا إلى مقدمة من مقدماته.

بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل فلا يسمى اعانة كما في تجارة التاجر بالنسبة إلى أخذ العشور، و مسير الحاج بالنسبة إلى أخذ المال ظلما.

و كذلك لا اشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله و دعاه إليه وصول (1) الغير إلى مطلبه الخاص: فإنه يقال: إنه اعانة على ذلك المطلب، فإن كان عدوانا مع علم المعين به صدق الاعانة على العدوان.

و إنما الاشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير إلى مقدمة مشتركة بين المعصية و غيرها (2)، مع العلم بصرف الغير اياها إلى المعصية كما اذا باعه العنب، فإن مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به فهي اعانة له بالنسبة إلى أصل تملك العنب، و لذا (3) لو فرض ورود النهي

++++++++++

- و قد أشار إلى أحد الأمرين بقوله: الظاهر أن المراد بالاعانة على المعاصي مع القصد، أو على الوجه الذي يصدق أنها اعانة.

(1) بالرفع فاعل لقوله: و دعاه، أي و لا إشكال أيضا في أن الفاعل لو قصد بفعله و دعاه وصول الغير إلى الحرام الذي هو مطلبه الخاص:

يصدق عليه الاعانة، و يقال له: إنه اعانة على الإثم و المعصية.

كما أنه لا إشكال في عدم صدق الاعانة على التاجر الذي يتجر، و الحاج الذي يسير في حجه.

(2) كما في العنب فإنه مشترك بين الحرام و هو التخمير، و بين الحلال و هو الأكل، مع علم البائع بأن المشتري يصرفه في الحرام.

(3) أي و لاجل أن شراء العنب الذي هو مشترك بين المعصية و الطاعة -

ص: 82

عن معاونة هذا المشتري الخاص في جميع أموره، أو في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا (1)، فمسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا نظير اعطاء السيف، أو العصا لمن يريد قتلا أو ضربا، حيث ان الغرض من الاعطاء: هو ثبوته (2) بيده و التمكن منه، كما أن الغرض من بيع العنب تملكه (3) له فكل من البيع و الاعطاء بالنسبة إلى أصل تملك الشخص (4) و استقراره في يده (5) اعانة، إلا أن الاشكال في أن العلم

++++++++++

- اعانة للمشتري على أصل تملك العنب، لا على أصل الحرام الواقعي الذي هو التخمير.

(1) أي سواء خمّر العنب أم لا، حيث إن تمليك العنب لمن هذه صفته إعانة على الاثم.

(2) المراد من الثبوت: استقرار السيف، أو العصا في يد الظالم و تسلطه عليهما، و الثبوت و الاستقرار شرط الحرام أي من مقدماته، فإن القتل يحصل بالسيف، و الضرب بالعصا: و هما محرمان فيكون الثبوت و الاستقرار من مقدماتهما فيحرمان.

(3) المصدر مضاف إلى الفاعل و هو المشتري، و مرجع الضمير في له: العنب أي تملك المشتري العنب هو الغرض من بيع العنب لا غير.

(4) راجع إلى قوله: فكل من البيع.

(5) راجع إلى قوله: فكل من الإعطاء أي اعطاء السيف أو العصا إلى الظالم هو الموجب لاستقرارهما في يده و تسلطه عليهما ليقتل أو يضرب.

كما أن بيع العنب لمن يعمله خمرا هو الموجب لتملك المشتري العنب ليعمله خمرا، فالتمليك و الاعطاء موجبان للإعانة على الإثم بلا شك و ريب.

ص: 83

بصرف ما حصل باعانة البائع و المعطي في الحرام هل يوجب صدق الإعانة على الحرام أم لا؟

فحاصل محل الكلام هو أن الاعانة على شرط الحرام (1) مع العلم (2) بصرفه في الحرام هل هي إعانة على الحرام أم لا؟

فظهر (3) الفرق بين بيع العنب، و بين تجارة التاجر، و مسير الحاج و أن (4) الفرق بين اعطاء السوط للظالم، و بين بيع العنب لا وجه له

++++++++++

(1) و هو تملك المشتري العنب، و استقرار العصا في يد الظالم.

(2) أي مع علم بايع العنب للخمار، و علم معطي العصا للظالم.

و مرجع الضمير في بصرفه: العنب في المبيع، و العصا في إعطائها للظالم، أي و مع علم بايع العنب أن المشتري يصرف العنب في التخمير و مع علم معطي العصا للظالم أن الظالم يصرفها في الضرب.

(3) الفاء تفريع على ما افاده بقوله: فحاصل محل الكلام أي بعد أن ثبت أن محل النزاع في الاعانة على شرط الحرام مع علم البائع بصرف المبيع في الحرام هل يعد إعانة على الاثم أم لا: ظهر. الفرق بين بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا، أو الخشب ممن يصنعه صنما.

و بين تجارة التاجر، و مسير الحاج إلى مكة المكرمة، حيث إن الأوّل يصدق عليه الاعانة على الاثم فيحرم.

و إن الثاني لا يصدق عليه الاعانة على الاثم فلا يحرم و ان استلزمت التجارة، و المسير إلى الحج إعطاء الضريبة إلى الدولة.

(4) عطف على قوله: فظهر الفرق، أي و ظهر مما ذكرنا في قولنا:

فحاصل محل الكلام: عدم الفرق أيضا بين إعطاء السوط للظالم، و بين بيع العنب لمن يعلم أنه يصنعه خمرا، من حيث إن كليهما اعانة على الاثم أو ليسا باعانة على الاثم.

ص: 84

و أن اعطاء السوط اذا كان اعانة كما اعترف به فيما تقدم من آيات الأحكام:

كان بيع العنب كذلك كما اعترف (1) به في شرح الارشاد، فاذا بنينا (2) على أن شرط الحرام حرام مع فعله توصلا إلى الحرام كما جزم به بعض:

++++++++++

- هذا رد على (المحقق الأردبيلي) حيث فرق بين إعطاء السوط للظالم، و بين بيع العنب ممن يعمله خمرا فقال بحرمة الأوّل قطعا، و بعدم حرمة الثاني.

و حاصل الرد: أنه لا فرق بين المقامين، فإن كان إعطاء السوط يعد إعانة على الاثم كما اعترف هو رحمه اللّه بقوله: و نحو ذلك مما يعد معونة: كان بيع العنب كذلك، أي يعد اعانة على الاثم كما اعترف بهذا المعنى (الشهيد الأوّل) في شرح الارشاد، و حكم بكون البيع ممن يعلم أنه يعمله خمرا إعانة على الاثم.

(1) الفاعل في اعترف الشهيد الأوّل، و مرجع الضمير في به:

الاعانة كما عرفت آنفا.

(2) أي اذا بنينا على أن ايجاد الحرام في الخارج بقصد توصل المشتري الى الحرام الواقعي الذي هو التخمير حرام: يدخل ما نحن فيه الذي هو بيع العنب ممن يعمله خمرا، و الخشب ممن يصنعه صنما في الاعانة على الاثم لأن البيع يكون حينئذ اعانة على التملك المحرم: و هو تملك المشتري العنب مع قصد البائع توصل المشتري إلى الحرام الواقعي كما جزم و قطع بدخول ما نحن فيه في الاعانة على الاثم بعض الأعلام.

و لا يخفى عليك: أن قصد البائع توصل الغير إلى الحرام الواقعي غير اشتراط البائع على مشتري العنب أن يعمله خمرا، فإن هذا قد مضى شرحه في المسألة الأولى من المسائل الثلاث.

و الفرق بينهما: أن المسألة الأولى اذا خولف شرطها يمكن أن يعاقب -

ص: 85

دخل ما نحن فيه في الاعانة على المحرم فيكون بيع العنب اعانة على تملك العنب المحرم، مع قصد التوصل به إلى التخمير و ان لم يكن اعانة على نفس التخمير، أو على شرب الخمر.

و ان شئت قلت: إن شراء العنب للتخمير حرام كغرس العنب لاجل ذلك (1) فالبائع انما يعين على الشراء المحرم.

نعم (2) لو لم يعلم أن الشراء لأجل التخمير لم يحرم و ان علم أنه سيخمّر العنب بإرادة جديدة منه.

و كذا (3) الكلام في بايع الطعام على من يرتكب المعاصي، فإنه لو علم ارادته من الطعام المبيع التقوّي به عند التملك على المعصية:

حرم البيع منه.

++++++++++

- البائع المشتري، أو يأخذ عينه المبيعة اذا كانت موجودة، و مثلها أو قيمتها ان كانت مفقودة.

بخلاف المسألة الثالثة، فإنه ليس فيها أية مسئولية لو لم يقدم المشتري على التخمير.

(1) أي لأجل التخمير فكما أن غرس العنب للتخمير حرام، كذلك بيعه لأجل التخمير حرام من غير فرق بينهما، لأن البائع يقصد بذلك توصل المشتري إلى الحرام الواقعي كما عرفت. و قد عرفت آنفا: أن شرط الحرام حرام.

(2) استدراك عما افاده: من أن بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا حرام.

و قد ذكر الاستدراك الشيخ في المتن فلا نعيده.

(3) أي و كذا يأتي الكلام في بايع الطعام لمن يتقوى به على المعصية فإن البائع لو علم أن المشتري إنما يشتريه لأجل التقوي به على المعصية -

ص: 86

و أما العلم بأنه يحصل من هذا الطعام قوة على المعصية يتوصل بها إليها فلا يوجب التحريم. هذا (1).

و لكن (2) الحكم بحرمة الاتيان بشرط الحرام توصلا إليه قد يمنع

++++++++++

- يحرم البيع عليه، لأنه اعانة على الاثم و المعصية.

و أما اذا لم يعلم ذلك حال الشراء لم يحرم بيعه على المشتري، و إن علم أنه سيحصل للمشتري بشرائه هذا الطعام التقوي على المعصية لو اكله في المستقبل.

و بعبارة أخرى أن حرمة البيع دائرة مدار العلم في الحال الحاضر فان كان موجودا حرم، و إلا فلا.

هذا في الطعام المقوي الذي يحصل بسببه قوة على المعصية.

و أما الأدوية فإنها كالطعام المقوي فاذا علم البائع بكونها موجبة للتقوي على المعصية يحرم بيعها على المشتري لذلك، و أما اذا لم يعلم فلا يحرم.

(1) أي خذ هذا المطلب الذي ذكرناه لك متمشيا مع ما افاده (المحقق الاردبيلي): من عدم توقف صدق الاعانة على قصد الاعانة و من عدم اطلاق القول بصدق الاعانة من دون احتياجه إلى قصد الاعانة بحيث لا يكون القصد دخيلا اصلا.

(2) استدراك عما افاده (شيخنا الأنصاري) رحمه اللّه: من احتمال كون تملك العنب لعاصر الخمر، و تمكن الظالم من العصا أو السيف حراما.

و خلاصة الاستدراك: أن ايجاد شرط الحرام و هو تملك العنب بشرط الحرام الواقعي الذي هو التخمير.

أو استقرار السيف، أو العصا في يد الظالم بشرط الحرام الواقعي الذي هو القتل أو الضرب ليس بحرام، بل هو مقدمة له، و مقدمة الحرام ليس بحرام على القول الأكثر.

ص: 87

إلا من حيث صدق التجري، و البيع (1) ليس اعانة عليه و ان كان اعانة على الشراء، إلا أنه في نفسه ليس تجريا، فإن (2) التجري يحصل بالفعل المتلبس بالقصد.

و توهم (3) أن الفعل مقدمة له فيحرم الاعانة.

++++++++++

(1) الواو للحال، أي و الحال أن البيع لمثل هذا المشتري المتجري الذي لم يقع بعد في الحرام ليس اعانة على التجري و ان كان اعانة على الشراء

و كذلك إعطاء السيف للظالم، و العصا له ليس اعانة على التجري و ان كان اعانة على التسلط و الاستقرار.

و المراد من التجري هنا: معناه اللغوي و هو الكشف عن سوء سريرة الفاعل، و خبث باطنه، لا التجري الاصطلاحي عند الأصوليين:

و هو الاقدام على فعل الشيء و ايجاده بزعم أنه معصية كما اذا شرب مائعا بقصد أنه خمر ثم تبين خلافه فلا عقاب على فعله هذا، بل العقاب على سوء قصده.

فالحاصل أن البيع في حد نفسه ليس تجريا، حيث إن حقيقة التجري هو الفعل المتلبس بالقصد، و البيع و ان كان فعلا من الأفعال، لكن ما لم يتلبس به إلى التوصل إلى التخمير الذي هو الحرام الواقعي: لم يتصف بالتجري فالقصد قد يوجد و قد لا يوجد فصدق الإثم دائر مدار اتصافه بالقصد، فإن اتصف صدق، و إلا فلا.

(2) تعليل لعدم كون البيع في حد نفسه تجريا و ان كان إعانة على الشراء. و قد عرفت التعليل بقولنا: حيث إن حقيقة التجري هو الفعل المتلبس بالقصد.

(3) خلاصة التوهم: أن البيع بقصد التخمير مقدمة للتجري إلى الحرام الواقعي و هو التخمير فيكون البيع مصداقا للإعانة على التجري المحرم -

ص: 88

مدفوع (1) بأنه لم يوجد قصد إلى التجري حتى يحرم، و إلا (2) لزم التسلسل. فافهم (3).

++++++++++

- فيتصف بالتجري المحرم فيحرم، لكونه إعانة على المحرم.

بعبارة اخرى أن التجري مركب من البيع، و قصد التوصل إلى الحرام الواقعي كما هو تعريف التجري: من أنه الفعل المتلبس بالقصد أي قصد الحرام الواقعي فالاثم مركب من الفعل و القصد.

و من الواضح أن الاعانة على أحد جزئي المركب اعانة على المركب لا محالة فتحرم الاعانة عليه فيحرم البيع، لأنه مصداق للإعانة.

(1) خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: و توهم.

هذا جواب عن التوهم المذكور.

و خلاصة الجواب: أنه لم يوجد من ناحية البائع قصد لتجري المشتري نحو الحرام الواقعي و هو التخمير حتى يقال بحرمة البيع لكونه مقدمة للحرام فالاعانة على أحد جزئي المركب اعانة على المركب.

(2) أي و إن قلنا بحرمة البيع بدون قصد التجري من البائع نحو هذا التجري الذي هو الشراء: لزم التسلسل في حرمة البيع، لأنه لو قلنا بحرمة بيع العنب من قبل البائع لمن يعمله خمرا لكونه تجريا على التجري الذي هو الشراء: يلزم القول بالتجري في بايع العنب لهذا البائع و ان لم يقصد التجري، و هكذا في البائع البائع البائع إلى أن يلزم التسلسل فدفعا لهذا المحذور نقول بعدم وجود التجري من دون قصد فلا يكون بيعه حراما لأنه لم يقصد ايقاع المشتري بالتجري.

(3) لعله اشارة إلى الفرق بين البائع المباشر، و البائع قبله، حيث يصدق التجري على المباشر، دون البائع قبله.

و يحتمل أن يكون اشارة إلى بطلان الملازمة المذكورة و هو لزوم -

ص: 89

نعم (1) لو ورد النهي بالخصوص (2) عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر دخل الاعانة عليه (3) في الاعانة على الاثم.

++++++++++

- التسلسل، لاحتمال أن يكون البائع هو صاحب الكرم و غارس العنب.

(1) استدراك عما أفاده آنفا من عدم حرمة بيع العنب إلى المشتري المتجري، لعدم التجري من البائع و إلا لزم التسلسل كما عرفت في الهامش 2، ص 89.

و خلاصة الاستدراك: أنه اذا ورد نهي بالخصوص عن بعض شروط الحرام كالغرس للتخمير كما ورد الحديث بلعن غارس العنب: دخل الاعانة على الغرس في الاعانة على الحرام فيكون بيع العنب من البائع للمشتري الذي يعمله خمرا حراما، لكونه تجريا على التجري، ففي الحقيقة قوله:

نعم استثناء عن الحكم الأولى: و هو عدم حرمة بيع العنب ممن يبيعه الى الخمّار.

(2) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 165. الباب 55 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 4.

أليك نص الحديث عن جابر عن (أبي جعفر عليه السلام):

قال: لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في الخمر عشرة.

غارسها. و حارسها. و عاصرها. و شاربها. و ساقيها. و حاملها. و المحمولة عليه. و بايعها. و مشتريها. و آكل ثمنها.

و المراد من الغرس غرس العنب بقرينة اضافة الغرس إلى الخمر في قوله صلى اللّه عليه و آله: غارسها، فان الخمر لا تغرس.

(3) جواب ل: (لو الشرطية) في قوله: نعم لو ورد.

و مرجع الضمير في عليه: الشرط الحرام أي دخل الاعانة على الشرط الحرام الذي هو الغرس للتخمير في الاعانة على الاثم لو ورد نهي خاص عن بعض شروط الحرام.

ص: 90

كما أنه لو استدللنا (1) بفحوى ما دل على لعن الغارس على حرمة التملك للتخمير حرم الاعانة عليه أيضا بالبيع.

فتحصل مما ذكرناه (2): أن قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين، و أن (3) محل الكلام هي الاعانة على شرط الحرام

++++++++++

(1) دليل آخر على حرمة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا، و الخشب ممن يصنعه صنما.

و خلاصة الدليل: أنه يمكن القول بأولوية حرمة تملك العنب للتخمير بفحوى حرمة غرسه: ببيان أن تملك العنب من المقدمات القريبة للتخمير و الغرس من المقدمات البعيدة له.

و لا شك في حرمة غرسه للتخمير، فاذا كان الغرس للتخمير حراما مع أنه من المقدمات البعيدة، فحرمة تملكه الذي هو من المقدمات القريبة بطريق أولى، لأن تمليكه موجب للتخمير المحرم.

(2) و هو أن الاعانة على الاثم لا تصدق ما لم يكن قصد من المشتري للحرام الواقعي الذي هو التخمير.

بعبارة اخرى أن قصد المشتري في الاقدام على الحرام دخيل في تحقق مفهوم حرمة اعانة البائع على تملك المشتري العنب بحيث اذا لم يقصد الحرام من شرائه العنب لم تتحقق الحرمة في حق البائع، فثبوت الحرمة في حقه دائر مدار قصد المشتري، فان ثبت القصد منه تحققت الحرمة في حق البائع و إلا فلا.

(3) هذه الجملة: (و أن محل الكلام) مرفوعة محلا عطفا على قوله: أن قصد الغير لفعل الحرام معتبر، أي فتحصل أيضا مما ذكرناه أن محل النزاع، و محور الكلام في كون الإعانة حراما أم لا: هي الاعانة على شرط الحرام بقصد البائع تحقق الشرط الحرام الذي هو التخمير -

ص: 91

بقصد تحقق الشرط، دون (1) المشروط، و أنها (2) هل تعد اعانة على المشروط فتحرم أم لا فلا تحرم ما لم تثبت حرمة الشرط من غير جهة التجري (3)، و أن مجرد بيع العنب ممن يعلم أنه سيجعله خمرا من دون العلم (4) بقصده ذلك من الشراء ليس محرما أصلا، لا من جهة

++++++++++

- حيث إن البيع اعانة على التملك، و التملك شرط للحرام الواقعي الذي هو التخمير، فهذا هو محل النزاع بين الفقهاء في أن مثل هذه الاعانة تعد حراما أم لا.

(1) أى و ليس محل النزاع بين الفقهاء هو قصد المعين الذي هو البائع بقصد تحقق المشروط الذي هو التخمير، فإن هذا خارج عن حريم النزاع لأنه لو قصد البائع من بيع العنب للخمار مع علمه بصرفه في التخمير الاعانة على تملك المشتري حتى يحصل التخمير في الخارج حرم البيع قطعا من دون شك.

(2) عطف على قوله: و أن محل الكلام، أي و أن محل الكلام في أن الاعانة على شرط الحرام بقصد تحقق الشرط هل تعد اعانة على المشروط المحرم حتى تحرم هذه الاعانة كما تحرم الاعانة على نفس المشروط ابتداء.

أو لا تعد اعانة على المشروط المحرم حتى لا تحرم الاعانة على شرط الحرام.

(3) أي يبقى الكلام في أن المعين على الشرط الحرام هل يصدق عليه التجري و يقال له: إنه متجر كما يصدق على المشتري الخمّار أنه متجر أو لا يصدق ؟.

فإن صدق تحرم الاعانة من ناحية التجري، حيث إن الفعل هذا كاشف عن سوء سريرة العبد و خبث باطنه.

و إن لم يصدق فلا حرمة فالحرمة دائرة مدار صدق التجري و عدمه.

(4) أي من دون علم البائع بقصد المشتري من أنه يريد الشراء للتخمير.

ص: 92

الشرط (1)، و لا من جهة المشروط (2).

و من ذلك (3) يعلم ما فيما تقدم عن حاشية الارشاد: من أنه لو كان بيع العنب ممن يعمله خمرا اعانة: لزم المنع عن معاملة أكثر الناس.

ثم إن محل الكلام فيما يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير، فما تقدم من المبسوط: من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستندا إلى قوله صلى اللّه عليه و آله: من أعان على قتل مسلم (4) الى آخر الحديث: محل تأمل (5)

++++++++++

(1) و هو تمليك البائع العنب للمشتري، التمليك الذي يكون سببا للتخمير كما عرفت آنفا.

(2) و هو التخمير الذي هو مسبب عن شراء العنب كما عرفت آنفا.

(3) أي و من أجل أن مجرد بيع العنب ممن يعلم أنه سيجعله خمرا من دون علم البائع بقصد المشتري أنه يريد العنب للتخمير ليس حراما لا من جهة الشرط، و لا من جهة المشروط: يعلم الاشكال فيما أفاده (المحقق الكركى): من أنه لو تم الاستدلال بالآية الكريمة: وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ في صدق الاعانة في بيع العنب لمن يعلم أنه سيجعله خمرا: لمنع معاملة أكثر الناس.

وجه الاشكال أن الملازمة المذكورة: و هو منع معاملة أكثر الناس لو صدق الاعانة على بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا بناء على الاستدلال بالآية المذكورة: إنما تتم اذا قصد البائع من شرط الحرام وصول المشتري الخمار إلى الحرام الواقعي الذي هو التخمير، مع أن الأمر ليس كذلك، لعدم كون معاملات أكثر الناس من باب الاعانة على الشرط الحرام لأجل الوصول الى الحرام الواقعي حتى يحرم المعاملة.

(4) و قد أشير إلى الرواية و تمامها في ص 73-74.

(5) لأن من يترك إطعام الجائع غير معين على موت الجائع، و حرمة -

ص: 93

إلا (1) أن يريد الفحوى، و لذا (2) استدل في المختلف بعد حكاية ذلك عن الشيخ بوجوب حفظ النفس مع القدرة، و عدم (3) الضرر.

ثم إنه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها بين ما ينحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم (4) كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب أحد، فإن ملكه (5) للانتفاع بها في هذا

++++++++++

- ترك الطعام إنما جاءت من ناحية عدم الاحتفاظ بحياة الجائع هذا الاحتفاظ الذي كان واجبا على كل أحد، لا من ناحية الاعانة.

و كلامنا إنما هو في الفعل الذي يعد شرطا لصدور المعصية عن الغير.

(1) أي اللهم إلا أن تقصد حرمة الاعانة بفحوى الرواية الواردة في قوله صلى اللّه عليه و آله: من أعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة.

ببيان: أن الاعانة على شطر كلمة موجبة لقتل المسلم اذا كانت حراما يجب تركها فبطريق الأولى يكون عدم إطعام المؤمن الموجب لهلاكه حراما و واجب الترك.

(2) أي و لاجل هذه الأولوية المستفادة من فحوى الرواية: استدل العلامة في المختلف بعد حكاية وجوب بذل الطعام لمن يخاف عليه التلف المستفاد من قوله صلى اللّه عليه و آله: من أعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة.

(3) بالجر عطفا على مدخول مع، أي و مع عدم توجه ضرر الى المكلف لو بذل الطعام إلى الجائع.

و أما إذا توجه ضرر نحوه فلا يجب عليه بذل الطعام.

(4) أي في تحقق المشروط المحرم.

(5) بكسر الميم مصدر مضاف إلى الفاعل: و هو الظالم، أي ملك الظالم للعصا في زماننا الذي فشا فيه الظلم و الجور ليس إلا لضرب مظلوم.

ص: 94

الزمان تنحصر فائدته عرفا في الضرب، و كذا من استعار كأسا ليشرب الخمر فيه.

و بين (1) ما لم يكن كذلك كتمليك الخمّار للعنب، فإن منفعة التمليك و فائدته غير منحصرة عرفا في الخمر حتى عند الخمّار فيعد الأوّل (2) عرفا إعانة على المشروط المحرم، بخلاف الثاني (3).

و لعل من جعل بيع السلاح من أعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة على المحرم، و جوز بيع العنب ممن يعمله خمرا كالفاضلين في الشرائع و التذكرة و غيرهما، نظر إلى ذلك (4).

و كذلك المحقق الثاني (5)، حيث منع من بيع العصير المتنجس

++++++++++

(1) هذا هو الشق الثاني من التفصيل المذكور، اذ الشق الأوّل هو قوله: بين ما تنحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم أي و بين ما لم تكن منفعته منحصرة في الحرام، حيث إنه من الممكن أن يأكله أو يهبه، أو يبيعه.

(2) و هو ما كانت منفعته منحصرة كالعصا في يد الظالم للضرب أو الكأس في يد الشارب للشرب، فإن إعطاء مثل هذا بطريق الهبة أو البيع حرام.

(3) و هو ما لم تكن منفعته منحصرة في الحرام كما مثلنا لك في الهامش 1

(4) أي إلى أن فائدة السلاح منحصرة في الحرام، حيث إنه لا يستفاد منه حالة الحرب إلا القتل فبيعه للأعداء حرام في تلك الحالة.

بخلاف العنب، فإن فائدته لا تنحصر في التخمير و لو بيع للخمار اذ من الممكن أن يأكله.

(5) أي و كذلك (المحقق الثاني) نظر إلى أن انحصار الفائدة في المحرم يوجب المنع عن البيع.

ص: 95

على مستحله، مستندا (1) الى كونه من الاعانة على الاثم، و منع من كون بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا من الاعانة، فإن تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده في الانتفاع به حال النجاسة.

بخلاف تملك العنب (2).

و كيف كان (3) فلو ثبت تميز موارد الاعانة من العرف (4) فهو، و إلا (5) فالظاهر مدخلية قصد المعين.

نعم (6) يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشيء ممن يعلم أنه يصرف

++++++++++

(1) حال للمحقق، أى حال كون (المحقق الثاني) استند في منع بيع العصير المتنجس إلى مستحله: الى أنه اعانة على الاثم، لانحصار فائدته في الشرب لا غير اذا كان المشتري ممن يستحل شربه.

(2) فإن فائدته ليست منحصرة في التخمير كما عرفت.

(3) أي سواء أ كانت فائدة الشيء منحصرة في الحرام أم لم تكن.

(4) بأن قال: هذا من الاعانة على الاثم، و هذا ليس من الاعانة على الاثم.

(5) أي و ان لم يثبت تميز موارد الاعانة على الاثم فالظاهر أن قصد المعين الذي هو البائع معتبر في صدق تحقق مفهوم الاعانة على الاثم.

(6) استدراك عما افاده: من أن بيع العنب ممن يعلم أنه يصرف في الحرام ليس حراما.

و خلاصة الاستدراك: أن بيع كل شيء يعلم صرفه في الحرام يكون محرما من باب وجوب دفع المنكر كوجوب رفعه حتى لا يتحقق في الخارج.

و ما نحن فيه و هو بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا من هذا القبيل فيمنع عن بيعه، لأن بيعه لمن هذه صفته منكر يجب دفعه.

فهنا قياس منطقي من الشكل الأوّل هكذا:

ص: 96

المبيع في الحرام بأن (1) دفع المنكر كرفعه واجب، و لا يتم إلا بترك البيع فيجب.

و إليه (2) أشار (المحقق الأردبيلي) رحمه اللّه، حيث استدل على حرمة

++++++++++

- الصغرى: ترك بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا دفع للمنكر.

الكبرى: و كل ما كان دفعا للمنكر فهو واجب.

النتيجة: فترك بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا واجب.

(1) الباء بيانية لكيفية وجوب دفع المنكر. و قد عرفت الكيفية آنفا

(2) أي و إلى وجوب دفع المنكر أشار (المحقق الأردبيلي)، حيث استدل على وجوب ترك بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا بعد أن افاد أن أدلة النهي عن الاعانة على الاثم تعم حتى بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا: بأدلة النهي عن المنكر و قال: إن بيع العنب ممن هذه صفته منكر يجب دفعه، لشمول أدلة النهي عن المنكر له.

و أما أدلة النهي عن المنكر فثلاثة: العقل، و الآيات الكريمة و الأخبار الشريفة.

(أما الأوّل) فبما أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لطف فالعقل يحكم بوجوبهما فهنا قياس منطقي من الشكل الأوّل هكذا:

(الصغرى: إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لطف.

(الكبرى: و كل ما كان لطفا وجب بحكم العقل اتيانه.

النتيجة: فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجب الاتيان عقلا.

و معنى أنهما لطف: أنهما مما يقربان الانسان إلى الطاعة، و يبعدانه عن المعصية من غير أن يبلغا حد الإلجاء، و لا ريب في ذلك.

و أما وجوب اللطف فلأنه مما يحصل به الغرض، و يلزم من عدم وجوبه عدم الغرض. -

ص: 97

..........

++++++++++

- لا يقال: إن الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر ليسا واجبين عقلا بل هما واجبين شرعا، حيث إنهما تخصصا، و لو كانا عقليين لم يتخصصا و قد نرى أنهما خصصا: لعدم وجوبهما على اللّه عز و جل، فإنه لو كانا واجبين عليه تعالى لفعلهما، و لو فعلهما لكان اللازم عدم تخلف مفعوله عن فعله البتة.

و نحن نرى بالعيان كثيرا من الناس قد تخلفوا عن الطاعة فيظهر أنه تعالى لم يفعل.

اذا ثبت أنهما واجبان شرعا على العباد بعضهم لبعض.

فإنه يقال: إن اللطف الواجب على اللّه تعالى: أن يكمل نفوس العباد، و يرشدهم إلى منافع الصلاح، و يحذرهم عن مساقط الهلكة:

ببعث الرسل، و إنزال الكتب، و تبليغ الأحكام على النحو المتعارف و لا دليل على وجوب اللطف عليه تعالى بأزيد من ذلك عقلا و لا نقلا.

أما عقلا فلأن العقل يحكم بأن الذي ينبغي عليه تعالى أن يرسل الرسل و ينزل الكتب لارشاد الناس إلى مناهج السعادة و الصلاح، و لا يحكم بأزيد من ذلك.

و أما البعث على الاطاعة خارجا، و المنع عن المعصية فهو غير واجب عليه تعالى، بل هو خلاف حكمة التكليف، لأن حكمة التبليغ بلوغ الانسان الى الدرجات العالية، و السعادات الأبدية.

و أما نقلا فلا دليل على أزيد من ذلك، لا من الآيات، و لا من الروايات. و على هذا فلا يلزم من نفي وجوب اللطف بهذا المعنى أي بمعنى البعث على الطاعة خارجا، و الزجر عن المعصية محذور أصلا.

هذا دليل العقل على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. -

ص: 98

بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي عن الاعانة: بأدلة النهي عن المنكر.

و يشهد بهذا (1) ما ورد من أنه لو لا أن بني أمية وجدوا من يجبي (2) لهم الصدقات، و يشهد جماعتهم ما سلبوا حقنا (3) دل على مذمة الناس

++++++++++

- و أما الآيات فكثيرة منها قوله تعالى: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ» .

آل عمران: الآية 104.

و أما الأحاديث الشريفة فكثيرة جدا فلو راجعها القارئ الكريم في مظانها، و اطلع عليها لارتعشت فرائصه.

راجع (الكافي. من لا يحضره الفقيه. التهذيب. الاستبصار.

وسائل الشيعة. بحار الأنوار. الوافي).

قال صلى اللّه عليه و آله: لتأمرون بالمعروف، و لتنهون عن المنكر أو ليسلطن اللّه شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.

(بحار الأنوار). الطبعة الحجرية. المجلد 21. ص 116.

راجع حول الموضوع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 2 من ص 409 إلى ص 413.

(1) أي و يشهد بما استدل به (المحقق الأردبيلي) من أن دفع المنكر واجب: بأدلة النهي عن المنكر.

(2) بفتح ياء المضارعة و سكون الجيم و كسر الباء من جبى يجبي جباية معناه جمع المال و الخراج.

يقال: فلان جبى المال أي جمعه، اسم الفاعل منه جاب. وزان عاص رام طاغ، جمعه جباة. وزان عصاة رماة طغاة.

(3) (وسائل الشيعة): الجزء 12. ص 144. الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

ص: 99

في فعل ما لو تركوه لم يتحقق المعصية من بني أمية فدل (1) على ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم يتحقق المعصية من الغير. و هذا (2) و ان دل بظاهره على حرمة بيع العنب و لو ممن يعلم أنه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك (3) حين الشراء إلا أنه لم يقم دليل على وجوب تعجيز من يعلم أنه سيهم بالمعصية، و انما الثابت من النقل و العقل القاضي بوجوب اللطف (4):

وجوب ردع من همّ بها، و أشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعلها، أو استمر عليها.

ثم إن الاستدلال المذكور (5) انما يحسن مع علم البائع بأنه لو لم يبعه لم تحصل المعصية (6)، لأنه حينئذ قادر على الردع.

++++++++++

(1) أي الحديث المذكور دل على ثبوت الذم و اللوم للناس في فعل ما لو تركوه لم تتحقق المعصية من بني أمية، لأن تحقق المعصية من بني أمية كان متوقفا على فعل الناس فحينما حبوا لهم الخراج و الضرائب تحققت المعصية فلو تركوا الجباية لم تتحقق المعصية، فبالملازمة العقلية يدل الحديث على ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم تتحقق المعصية من الغير، و من جملة ما لو ترك لم تتحقق المعصية: بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا.

(2) أي الحديث المذكور و ان دل بالدلالة الالتزامية كما عرفت آنفا

(3) أي مع عدم قصد المشتري حين إقدامه على شراء العنب:

أن يجعله خمرا.

(4) قد عرفت معنى قاعدة اللطف آنفا في الهامش 2. ص 97.

(5) و هو وجوب دفع المنكر.

(6) بأن كان العنب منحصرا عنده و لا يوجد عند غيره فهنا يحسن الاستدلال بوجوب دفع المنكر، لأن البائع حين علم بأنه لو لم يبع العنب -

ص: 100

أما لو لم يعلم (1) ذلك، أو علم بأنه يحصل منه المعصية بفعل الغير فلا يتحقق الارتداع بترك البيع كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر.

و توهم (2) أن البيع حرام على كل أحد فلا يسوغ لهذا الشخص فعله

++++++++++

- للخمار لم تحصل المعصية التي هو التخمير في الخارج فيكون قادرا على الردع فيجب من باب النهي عن المنكر.

(1) خلاصة هذا الكلام: أن البائع تارة يعلم أن المشتري يرتدع عن ايجاد المعصية في الخارج لو ترك بيع العنب له كما لو كان العنب منحصرا عنده: فقد عرفت أن هذا يجب عليه أن لا يبيع لهذا المشتري، لوجوب دفع المنكر.

و اخرى لا يعلم ذلك، أو يعلم بأن صدور المعصية يحصل في الخارج لا محالة و لو لم يبعه العنب كما اذا يبيعه شخص آخر ففي هاتين الصورتين لا يتحقق الارتداع من المشتري في الخارج لو ترك بيع العنب، فلا يجب عليه ترك بيع العنب من باب وجوب دفع المنكر، لعدم الارتداع من المشتري حتى يقال لو لم يبعه لم يحصل المنكر.

فهاتان الصورتان الأخيرتان نظير من يعلم أنه لو نهى زيدا عن ارتكاب المعصية لم يرتدع فلا يجب عليه النهي عن المنكر.

فكما أنه لا يجب على العالم بالمعصية نهي مرتكبها، كذلك لا يجب في الصورتين.

و الانتهاء مصدر المزيد فيه فهو مطاوع نهى، و معناه: الزجر و المنع إما بالفعل، أو القول.

و الارتداع مصدر المزيد فيه فهو مطاوع ردع. و معناه: الكف.

(2) خلاصة هذا التوهم: أن بيع العنب لمن يعلم أنه يعمل العنب خمرا حرام على كل حال، و على كل أحد سواء حصل الارتداع بتركه -

ص: 101

معتذرا بأنه لو تركه لفعله غيره.

مدفوع (1) بأن ذلك فيما كان محرما على كل واحد على سبيل الاستقلال فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بأن هذا الفعل واقع لا محالة و لو من غيرى فلا ينفع تركي له.

++++++++++

- بيع العنب للمشتري أم لا يحصل، و سواء انحصر البيع في شخصه أم وجد بايع آخر، فلا يجوز للبائع بيع العنب لمثل هذا المشتري الذي يعمله خمرا.

و لو باعه معتذرا بأني لو تركت البيع لباعه غيري فلا يحصل الارتداع:

فقد عصى و اثم فتشمله الآية الكريمة و لا تعاونوا على الإثم.

(1) بالرفع خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: و توهم.

و الباء في قوله: بأن ذلك بيانية لكيفية دفع التوهم المذكور.

و خلاصة الدفع أن التوهم المذكور و هي حرمة بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا: على كل احد و على كل حال: إنما يتم لو كان النهي متوجها إلى كل فرد من أفراد المكلفين بنحو الاستقلال بأن اريد من كل مكلف عدم ايجاده الفعل في الخارج فحينئذ لا يجوز لأحد من المكلفين الاعتذار بأن هذا العمل واقع في الخارج لا محالة و ان لم افعله فلا ينفع تركي له.

لكن الأمر ليس كذلك، حيث إن النهي قد توجه نحوهم مجتمعين بحيث يكون للهيئة الاجتماعية دخل في ايجاد الشيء بنحو الاجتماع فعدم تحقق التخمير في الخارج متوقف على ترك بيع العنب من جميع باعة العنب بنحو الاجتماع، و بهيئتهم الاجتماعية، لا على شخص واحد حتى يقال: إن بيع العنب حرام على كل أحد، و على كل حال، سواء وجد من يبيع العنب أم لا، و سواء ارتدع المشتري بترك البائع أم لا، فما نحن فيه نظير الأمر برفع شيء ثقيل لا يمكن رفعه منفردا، بل لا بد في رفعه من لفيف مجتمعين -

ص: 102

أما اذا وجب على جماعة شيء واحد كحمل ثقيل مثلا بحيث يراد منهم الاجتماع عليه (1)، فاذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به، و الاتفاق (2) معه في ايجاد الفعل كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا فلا يجب.

و ما نحن فيه (3) من هذا القبيل، فان عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف على تحقق ترك البيع من كل بائع فترك المجموع (4) للبيع سبب واحد لترك المعصية، كما أن بيع واحد منهم على البدل شرط لتحققها (5)

++++++++++

- فلو علم أحد المكلفين برفع الثقيل أن الباقين منهم لا يقوم بالواجب و لا يمتثل الأمر سقط التكليف الذي هو الرفع، حيث إن رفع الثقيل لا يمكن إلا بنحو الاجتماع فالهيئة الاجتماعية دخيلة في هذا الرفع فقيام الفرد للرفع يكون لغوا.

(1) مرجع الضمير في عليه: حمل ثقيل في قوله: بحمل ثقيل، كما أنها المرجع في به.

(2) بالجر عطفا على مدخول عدم، أي و اذا علم واحد من حال الباقين عدم اتفاقهم معه في رفع الشيء الثقيل سقط عنه التكليف و لا يجب عليه الرفع كما عرفت آنفا.

(3) و هو بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا من باب أن المطلوب فيه اتفاق الكل، و اجتماعهم على عدم بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا كما في رفع الشيء الثقيل، فلو وجد من يبيع العنب للخمار لا يحرم على الآخر بيعه له.

(4) أي المجموع بهيئتهم الاجتماعية سبب واحد، و علة تامة لحصول ترك المعصية في الخارج الذي هو التخمير، لا ترك واحد من باعة العنب كما عرفت.

(5) أي لتحقق المعصية في الخارج الذي هو التخمير كما عرفت.

ص: 103

فاذا علم واحد منهم (1) عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب (2) و المفروض أن قيامه منفردا لغو سقط وجوبه (3).

و أما (4) ما تقدم من الخبر في اتباع بني امية فالذم (5) فيه إنما هو على اعانتهم بالأمور المذكورة في الرواية.

++++++++++

(1) أي من باعة العنب.

(2) و هو ترك بيع العنب حتى لا يوجد التخمير في الخارج.

(3) أي وجوب ترك البيع، كما أن القيام منفردا بحمل الشيء الثقيل يسقط اذا امتنع الباقون و الآخرون عن حمله كما عرفت.

(4) هذا دفع اشكال.

و حاصل الاشكال أنه لو سلمنا أن النهي عن بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا قد توجه إلى الجميع على نحو الاجتماع بحيث يكون للهيئة الاجتماعية دخل في هذا النهي، و أنه من قبيل الأمر المتوجه نحو رفع الشيء الثقيل في كون الهيئة الاجتماعية لها دخل في الرفع.

لكن ما تقولون في الرواية المتقدمة في ص 99 في قوله عليه السلام:

لو لا أن بني امية وجدوا من يجبي لهم الصدقات، و يشهد جماعتهم ما سلبوا حقنا، حيث إن الذم متوجه إلى كل فرد فرد على حدة و مستقلا لا بنحو الاجتماع.

(5) هذا جواب الاشكال.

و حاصل الجواب: أن الذم الوارد في الرواية انما هو بالنسبة إلى اعانة الناس بني امية في الأمور المذكورة التي هي جباية الأموال و الضرائب و حضور الجماعات و المجالس، و ملازمة السفر معهم.

و مما لا شك فيه أن مثل هذه الأمور محرم فعله، و المساعدة في تحققها في الخارج، و قد وردت أخبار كثيرة في تحريم كون الرجل من أعوان الظلمة -

ص: 104

و سيأتي (1) تحريم كون الرجل من أعوان الظلمة حتى في المباحات (2) التي لا دخل لها برياستهم، فضلا عن مثل جباية الصدقات، و حضور الجماعات و شبهها مما هو من أعظم المحرمات.

و قد تلخص مما ذكرنا: أن فعل ما هو من قبيل الشرط (3) لتحقق المعصية من الغير من دون قصد توصل الغير به إلى المعصية غير محرم، لعدم

++++++++++

- حتى في الأمور المباحة التي لا دخل لها في رياستهم، فضلا عما له دخل في سلطنتهم و رياستهم، و تقوية لشوكتهم كجباية الأموال و الصدقات و الضرائب و حضور الجماعات، و ملازمة السفر معهم التي تعد هذه الأمور من أعظم المحرمات.

فالحاصل أن الذم المتوجه في الرواية إلى كل واحد واحد: إنما هو لأجل هذه الأمور بحيث لولاها لما توجه الذم فالرواية لا تكون مؤيدة لما نحن فيه: و هي حرمة بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا كما استدل بها الخصم.

(1) أي في المسألة الثانية و العشرين.

(2) كبيع الدور لهم لسكناهم، و خياطة الملابس، و الخدمات المنزلية و الشخصية التي لا مساس لها في سلطنتهم، و تقوية ملكهم و شوكتهم.

(3) كايجاد تمليك العنب للمشتري الذي يعلم أنه يعمله خمرا، من دون قصد البائع توصل المشتري بسبب هذا الشراء و البيع إلى الحرام الواقعي الذي هو التخمير فإيجاد مثل هذا التمليك، و اعداد مثل هذه المقدمات التي لا يقصد البائع منها صدور الحرام الواقعي من المشتري غير محرم، لعدم كون مثل هذه المقدمات عند العرف اعانة على الاثم، سواء أ كانت فائدة البيع منحصرة في الحرام أم مشتركة بينه و بين الحلال. كما أفاد هذا المعنى الشيخ بقوله: مطلقا.

ص: 105

كونه (1) في العرف اعانة مطلقا، أو على التفصيل الذي احتملناه أخيرا (2).

و أما ترك هذا الفعل (3) فان كان سببا يعنى علة تامة لعدم المعصية من الغير كما اذا انحصر العنب عنده وجب، لوجوب الردع عن المعصية عقلا و نقلا (4).

و أما لو لم يكن سببا، بل كان السبب تركه منضما إلى ترك غيره فان علم أو ظن، أو احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به (5) أيضا.

و ان علم أو ظن عدم قيام الغير سقط عنه (6) وجوب الترك، لأن

++++++++++

(1) تعليل لكون فعل ما هو من قبيل الشرط المجرد عن قصد توصل الغير به إلى المعصية: ليس اعانة على الاثم.

و في جميع نسخ الكتاب الموجودة عندنا (لعدم كونها) بتأنيث الضمير و الصحيح تذكيره كما أثبتناه، حيث إن مرجعه كلمة فعل في قوله:

إن فعل ما هو من قبيل الشرط. و السهو من النساخ.

(2) و هو الذي أفاده بقوله: بين ما تنحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب أحد، فان ملكه للانتفاع بها في هذا الزمان تنحصر فائدته عرفا في الضرب.

و بين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمار العنب.

(3) و هو ترك بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا.

(4) و هي أدلة الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر كما ذكرناها لك في الهامش 2. من ص 97.

(5) أي بالترك و هو ترك بيع العنب ممن يعمله خمرا كما عرفت في الهامش 1 ص 102 مفصلا عند قولنا: و خلاصة الدفع أن التوهم المذكور.

(6) أي سقط عن هذا البائع الذي علم عدم قيام الغير معه: ترك بيع العنب، لأن الهيئة الاجتماعية دخيلة في الترك.

ص: 106

تركه بنفسه ليس برادع حتى يجب.

نعم هو (1) جزء للرادع المركب من مجموع تروك أرباب العنب.

لكن يسقط وجوب الجزء اذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج.

فعلم مما ذكرناه في هذا المقام (2) أن فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير يقع على وجوه:

(أحدها): أن يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به الى الحرام (3) و هذا لا اشكال في حرمته، لكونه اعانة.

(الثاني): أن يقع منه من دون قصد لحصول الحرام، و لا لحصول ما هو مقدمة له مثل تجارة التاجر بالنسبة إلى معصية العاشر (4)، فانه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه الذي هو شرط لأخذ العشر.

و هذا لا اشكال في عدم حرمته.

(الثالث): أن يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول

++++++++++

(1) أي ترك هذا البائع بيع العنب للخمار جزء للرادع الذي هو مركب من مجموع تروك باعة العنب بيعهم العنب للخمار.

فاذا لم تحصل تلك التروك بأجمعها من الجميع سقط وجوب ترك بيع العنب عن هذا البائع الخاص المنفرد، لعدم حصول ترك التخمير من ترك بيعه العنب، لوجود الآخرين و بيعهم العنب له.

(2) و هو مقام بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا.

(3) أي الحرام الواقعي الذي هو التخمير.

(4) و هو آخذ الضرائب.

ص: 107

الحرام عن الغير (1) لا (2) لحصول نفس الحرام منه و هذا (3) قد يكون من دون قصد الغير التوصل بذلك الشرط إلى الحرام كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط لتخميره، لا نفس التخمير مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء.

و هذا أيضا لا اشكال في عدم حرمته.

و قد يكون (4) مع قصد الغير التوصل به إلى الحرام اعني التخمير حال شراء العنب.

و هذا أيضا على وجهين: أحدهما: أن يكون ترك هذا الفعل من الفاعل (5) علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير.

و الأقوى هنا وجوب الترك، و حرمة الفعل (6).

++++++++++

(1) و هو المشتري الخمار.

و لا يخفى أن الفاعل في أن يقع في الموارد الثلاثة في قوله: أحدها أن يقع، الثاني أن يقع، الثالث أن يقع: كلمة فعل في قوله: فعلم مما ذكرناه في هذا المقام: أن فعل ما هو شرط للحرام، أي يقع الفعل الذي هو شرط للحرام تارة كذا، و ثانيا كذا، و ثالثا كذا.

(2) أي و ليس غرض البائع من ايجاد مقدمات حصول الحرام:

حصول نفس الحرام الواقعي الذي هو التخمير.

(3) و هو الوجه الثالث الذي أفاده بقوله: الثالث أن يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام.

(4) أي الوجه الثالث الذي عرفته في ص 107.

(5) و هو بايع العنب.

و المراد من العلة التامة انحصار العنب عند البائع لا غير.

(6) و هو البيع.

ص: 108

و الثاني أن لا يكون كذلك (1)، بل يعلم عادة، أو يظن بحصول الحرام من الغير من غير تأثير لترك ذلك الفعل.

و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ، بناء على ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الاعانة عليه مطلقا، أو على ما احتملناه من التفصيل (2).

ثم كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة (3) فالظاهر

++++++++++

(1) أي لا يكون ترك بيع العنب علة تامة لعدم تحقق الحرام الواقعي في الخارج، كما اذا لم ينحصر العنب عنده فلا يكون واجبا على البائع ترك بيع العنب، لأنه لا بدّ من اعتبار قصد الحرام حتى يتحقق مفهوم الاعانة على الإثم، اذ لو لا القصد لم يصدق مفهوم الاعانة حينئذ.

و من الواضح أن بيع العنب اذا لم يكن منحصرا عنده لا يوجد حرام حتى يكون البيع حراما، لعدم قصد الحرام مع اعتبار القصد في تحقق مفهوم الاعانة كما أفاد الشيخ بقوله: و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ.

و المراد من الاطلاق في قوله: مطلقا: سواء انحصرت الفائدة أم لا.

(2) و هو ما ذكره من الفرق بين ما تنحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم، و بين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمار.

و قد أشرنا إلى هذا التفصيل في الهامش.

(3) أليك الموارد الخمسة.

(الأوّل): وقوع فعل ما هو شرط للحرام من الفاعل بقصد توصل الغير و هو المشتري إلى الحرام الواقعي و هو التخمير.

(الثاني): وقوع فعل ما هو شرط للحرام من الفاعل من دون قصد توصل الغير إلى الحرام الواقعي.

ص: 109

..........

++++++++++

- (الثالث): وقوع فعل ما هو شرط للحرام من الفاعل بقصد حصول ما هو من مقدمات الحرام من الغير و هو المشتري من دون قصد حصول نفس الحرام الأصلي من المشتري.

(الرابع): كون ترك بيع العنب من الفاعل علة تامة لعدم صدور المعصية في الخارج.

و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: و هذا أيضا على وجهين: أحدهما أن يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير.

(الخامس): عدم كون ترك بيع العنب من البائع علة تامة لعدم وقوع المعصية في الخارج.

و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: و الثاني أن لا يكون كذلك، بل يعلم عادة، أو يظن.

(أما الأوّل): فلا اشكال في حرمته، لكونه اعانة على الاثم لكن المعاوضة صحيحة، لتعلق النهي بأمر خارج عنها، لا نفس المعاوضة حتى يحرم.

(و أما الثاني): فلا اشكال في عدم حرمته.

(و أما الثالث): فلا اشكال في عدم حرمته أيضا.

(و أما الرابع): فلا اشكال في حرمته، و وجوب ترك الفعل لكن المعاوضة صحيحة، لتعلق النهي بأمر خارج عنها.

(و أما الخامس): فالظاهر عدم وجوب ترك الفعل، فالحرمة في القسم الأوّل و الرابع تكون تكليفية، لا وضعية حتى لا يملك البائع الثمن و المشتري المثمن، لأن النهي انما ورد على شيء خارجي: و هي حرمة الاعانة -

ص: 110

عدم فساد البيع، لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة اعني الاعانة على الاثم، أو المسامحة (1) في الردع عنه.

++++++++++

- على الاثم، و لم يرد على أركان المعاوضة: و هو البائع و المشتري، و الثمن و المثمن.

أما العوضان فلم يتعلق بهما نهي أصلا حتى يوجب النهي عن المعاوضة مع قطع النظر عن الاعانة ليسبب بطلان البيع.

و أما البائع و المشتري فالمفروض وجدان شرائط البيع فيهما: من البلوغ و العقل، و الاختيار، فليس هنا نهي يتعلق بأحد هذه الأركان حتى يوجب فساد المعاوضة.

نعم اذا كان هناك نهي تعلق بأحد الأركان الأربعة فلا اشكال في بطلان المعاوضة و فسادها كالنهي عن كون البائع و المشتري مجنونين أو صغيرين، أو محجورين، أو مكرهين، و كالنهي عن كون الثمن مزيفا مغشوشا، أو مجهولا، و كالنهي عن كون المثمن أحد الأعيان النجسة.

فلو كان البائع، أو المشتري صغيرين، أو مجنونين، أو مكرهين أو محجورين، أو كان الثمن مزيفا أو مجهولا.

أو كان المثمن أحد الأعيان النجسة بطلت المعاوضة و فسدت.

(1) هذا هو الشق الثاني لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة أي ورود النهي إما لأجل مسامحة البائع في بيعه، حيث كان الواجب و اللازم عليه أن يردع المشتري بأن لا يبيعه فبيعه له مسامحة منه فورد النهي بهذه المسامحة، فيكون متعلق النهي أمرا خارجا عن حقيقة المعاوضة، و ذاك الخارج هي المسامحة، كما أن النهي هناك كان لأجل الاعانة على الاثم.

و الحاصل: أن تعلق النهي إما لأجل الاعانة على الاثم. -

ص: 111

و يحتمل الفساد (1)، لإشعار قوله عليه السلام في رواية تحف العقول المتقدمة بعد قوله: و كل بيع ملهو به، و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه أو يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه إلى آخر حديث تحف العقول بناء (2) على أن التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية كما لا يخفى.

لكن في الدلالة (3) تأمل، و لو تمت (4) لثبت الفساد مع قصد المشترى خاصة للحرام، لأن الفساد لا يتبعض.

++++++++++

- و إما لأجل مسامحة البائع، و كلاهما خارجان عن حقيقة المعاوضة و ماهيتها.

(1) أي فساد مثل هذه المعاوضة التي تعلق النهي فيها بأمر خارج عن حقيقتها و ماهيتها، لأجل إشعار رواية (تحف العقول) المشار إليها في ج 1 من ص 23-33 في قوله عليه السلام: أو باب يوهن به الحق: على الفساد و بطلان المعاوضة التى هي الحرمة الوضعية، اذ مما لا شك فيه أن بيع العنب لمن يعلم أنه يعمله خمرا باب يوهن به الحق، و يفتح مجالا للآخرين فيسري الفساد شيئا فشيئا فيندرس الدين و أحكامه.

(2) تعليل لفساد مثل هذه المعاوضة التي تعلق النهي فيها بأمر خارج عن حقيقتها أي التحريم الوارد في رواية (تحف العقول) مسوق لبيان فساد المعاوضة و بطلانها و هي الحرمة الوضعية كما عرفت.

(3) أي في دلالة الرواية على الفساد الذي هي الحرمة الوضعية تأمل و اشكال، حيث إن فيها كلمة حرام محرم، و لا قرينة فيها على الفساد و البطلان باحدى الدلالات الثلاث.

(4) أي لو تمت الدلالة المذكورة في الرواية باحدى الدلالات الثلاث:

على البطلان لثبت الفساد مع قصد المشتري خصوص الحرام الواقعي، بخلاف -

ص: 112

القسم الثّالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا بمعنى أن من شأنه أن يقصد منه الحرام

اشارة

القسم الثّالث (1) ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا (2) بمعنى أن من شأنه أن يقصد منه الحرام.

++++++++++

- ما اذا لم يكن قصد من المشتري في التوصل إلى الحرام، فإن بطلان المعاوضة و فسادها لا يأتي في هذه الصورة و ان قصد البائع الحرام، لعدم وقوع الفساد على الثمن خاصة دون المثمن.

أو على المثمن خاصة دون الثمن. و هذا معنى قوله: لأن الفساد لا يتبعض.

و لا يخفى أن عدم البطلان في صورة عدم قصد من المشتري في التوصل الى الحرام انما يصح لو كان القصد من المشتري دخيلا في البطلان كما في مورد يوهن به الحق، أو يقوي به الكفر، حيث إن القصد معتبر من المشتري.

و أما مثل كل بيع ملهو به، أو ما يتقرب به لغير اللّه كبيع آلات القمار، و الغناء، و هياكل العبادة فليس قصد المشتري دخيلا في صحة المعاوضة و بطلانها، فإن المعاوضة على هذه الأشياء باطلة، سواء قصد المشتري التوصل بها إلى الحرام أم لا، لأن الأشياء المذكورة موضوعة للحرمة في نظر الشارع فالمعاوضة عليها فاسدة.

(1) أي القسم الثالث من النوع الثاني الذي يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد به.

(2) المراد منه: الامكان، أي يمكن أن يقصد استعماله في الحرام و ان كان يتأتى منه المنافع المحللة.

ص: 113

و تحريم هذا مقصور على النص، اذ لا يدخل ذلك (1) تحت الاعانة خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير له في الحرام كبيع السلاح من أعداء الدين، مع عدم قصد (2) تقويهم، بل و عدم العلم باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين، إلا أن المعروف بين الأصحاب حرمته (3) بل لا خلاف فيها،

و الأخبار بها مستفيضة
اشارة

و الأخبار بها (4) مستفيضة.

منها: رواية الحضرمي

منها (5): رواية الحضرمي قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له حكم السراج: ما ترى فيمن يحمل إلى الشام من السروج و أداتها؟

قال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله انتم في هدنة، فاذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج (6).

++++++++++

(1) أي لا يدخل مثل هذا القسم الذي من شأنه و امكانه أن يقصد استعماله في الحرام تحت قاعدة حرمة الاعانة على الاثم، لعدم صدق الاعانة عليه فليس من صغريات تلك الكبرى الكلية: و هي حرمة الاعانة على الاثم.

(2) أي من البائع. فلو كان البائع يقصد ذلك حرم البيع عليه.

(3) أي حرمة بيع السلاح لأعداء الدين، سواء أ كان في أيام الحرب أم في غيرها.

(4) أي الأخبار بحرمة بيع السلاح لأعداء الدين في أيام الحرب قد وردت بكثرة بلغت حد التواتر.

(5) أي من تلك الأخبار المستفيضة الدالة على عدم جواز بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب.

(6) راجع (الكافي). طبعة (طهران). عام 1382. الجزء 5 ص 112. الحديث 1.

و في المصدر: فيمن يحمل السروج إلى الشام. -

ص: 114

و منها: رواية هند السراج

و منها (1): رواية هند السراج قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

أصلحك اللّه (2): إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فابيعه منهم فلما عرّفني اللّه هذا الأمر (3) ضقت بذلك، و قلت: لا أحمل إلى أعداء اللّه.

فقال لي: احمل إليهم و بعهم فإن اللّه يدفع بهم عدونا و عدوكم يعني الروم، فاذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك (4).

++++++++++

- و المراد من المباينة معناها الأعم من حال الحرب، و حال المقاطعة:

و هو المعبر عنها في عصرنا الحاضر ب: (المقاطعة السياسية) فلا تخص حال الحرب.

فبيع السلاح لأعداء الدين اذا كانت بينهما مباينة حرام، سواء أ كانت هناك حرب أم مقاطعة سياسية، خوفا من استعدادهم و تهيؤهم للحرب مرة ثانية فتتقوى شوكتهم و صولتهم فيخشى النصر و الغلبة لهم.

(1) أي و من تلك الأخبار المستفيضة الدالة على عدم جواز بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب.

(2) هذه الجملة: أصلحك اللّه كانت شائعة في تلك العصور يخاطب بها العظماء في افتتاح خطاباتهم للتكلم معهم. و معناها: اختار اللّه عز و جل لك ما هو صلاحك.

(3) المراد محبة (أهل البيت) و ولاؤهم عليهم الصلاة و السلام.

و كلمة ضقت بصيغة المتكلم: معناها الشدة و المشقة، أي اشتد عليّ حمل السلاح إلى أعداء الدين بعد أن عرفني اللّه ولايتكم و محبتكم.

(4) نفس المصدر. الحديث 2.

ص: 115

و صريح الروايتين (1) اختصاص الحكم (2) بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين بمعنى وجود المباينة في مقابل الهدنة، و بهما (3) تقيد المطلقات جوازا، أو منعا، مع امكان دعوى ظهور بعضها في ذلك (4).

مثل مكاتبة صيقل (5): أشتري السيوف و أبيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟

++++++++++

(1) و هما: رواية الحضرمي. و رواية هند السراج.

(2) و هو عدم جواز بيع السلاح لأعداء الدين.

(3) أي و بهاتين الروايتين الدالتين على عدم جواز بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب تقيد الأخبار المطلقة الواردة في هذا المقام جوازا أو منعا بمعنى أن الأخبار الدالة على جواز بيع السلاح لأعداء الدين مطلقا حال الحرب، و حال الهدنة تقيد بهاتين الروايتين، أي يجوز حال الهدنة فقط.

و أما حال الحرب فلا يجوز بتاتا.

و الأخبار التي تدل على عدم جواز بيع السلاح لأعداء الدين مطلقا حال الحرب، و حال الهدنة تقيد بهاتين الروايتين أي لا يجوز بيع السلاح لهم حال الحرب، و أما حال الهدنة فيجوز بيع السلاح لهم.

(4) أي ظهور بعض تلك المطلقات جوازا، أو منعا في التقييد.

(5) هذه احدى الروايات المطلقة الدالة على جواز بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب، و حال الهدنة فتقيد برواية الحضرمي، و هند السراج فيراد من الجواز: الجواز حال الهدنة فقط.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 70. الباب 8 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 5.

و المراد من السلطان الوارد في الحديث إما السلطان الكافر، أو المسلم -

ص: 116

فكتب لا بأس به.

منها رواية علي بن جعفر

و رواية (1) علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة.

قال: اذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس.

منها ما في وصية النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام

و مثله (2) ما في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام:

++++++++++

- فان كان الكافر فعدم جواز بيع السلاح له حالة الحرب واضح.

و هكذا لو كان المراد منه السلطان المسلم، لأن الغرض من شراء السلاح التقوي على الظلم بمعناه الأعم. و منه القتل و هذا المعنى بعينه موجود في السلطان المسلم، لتمكنه من المسلمين، و تسلطه عليهم.

(1) نفس المصدر. الحديث 6.

هذه ثانية الروايات المطلقة الدالة على عدم جواز بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب، و حال الهدنة فتقيد برواية الحضرمي، و هند السراج فيراد من الجواز الجواز حال الهدنة فقط.

و لا يخفى عدم دلالة هذه الرواية على عدم الجواز مطلقا منطوقا بل عدم الجواز فيها يستفاد مفهوما، فإن الامام عليه السلام قال: اذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس، فمفهومه: أنه اذا حملوا سلاحا ففيه بأس، سواء أ كان الحمل حال الحرب أم حال الهدنة.

(2) المصدر السابق ص 71.

هذه ثالثة الروايات المطلقة الدالة على عدم جواز بيع السلاح للأعداء حالة الحرب، و حالة الهدنة، حيث قال صلى اللّه عليه و آله: كفر باللّه العظيم من هذه الأمة من باع السلاح من أهل الحرب فتقيد برواية الحضرمي و هند السراج فيراد منها عدم الجواز حال الحرب، لا مطلقا.

ص: 117

يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة أصناف: و عد منها بايع السلاح من أهل الحرب.

فما عن حواشي الشهيد من أن المنقول أن بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب و الصلح و الهدنة، لأن فيه تقوية الكافر على المسلم فلا يجوز على كل حال: شبه (1) الاجتهاد في مقابل النص، مع (2) ضعف دليله كما لا يخفى.

ثم إن ظاهر الروايات (3) شمول الحكم لما اذا لم يقصد البائع المعونة

++++++++++

- و لا يخفى أن المراد من أهل الحرب إما الكفار، أو الظالم و إن كان مسلما.

لكن ظهور الحديث في الكفار أولى، لأنهم أهل الحرب فهم أعداء للمسلمين يتربصون بهم الدوائر (عليهم دائرة السوء).

(1) بالرفع خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: فما عن (حواشي الشهيد) و المراد بالنص رواية حكم السراج الدالة على الجواز حالة الهدنة.

و رواية هند السراج الدالة على الجواز حالة الهدنة.

(2) أي مع أن دليل (الشهيد) بعدم الجواز حالة الحرب و حالة الهدنة: بالإضافة إلى أنه اجتهاد في مقابل النص الذي ذكرناه لك:

ضعيف، حيث إنه قال: (المنقول أن بيع السلاح حرام) و لا يعلم حال المنقول، و لا الناقل.

(3) و هي رواية الحضرمي، و رواية هند السراج، و رواية النبوي و مفهوم رواية علي بن جعفر، أي ظاهر هذه الروايات شمول حرمة بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب و ان لم يكن البائع قاصدا إعانتهم و مساعدتهم حيث لم يكن فيها قيد و شرط في جوانب حرمة البيع حتى تخص المنع بصورة دون أخرى.

ص: 118

و المساعدة أصلا، بل صريح مورد السؤال في روايتى الحكم و الهند: هي صورة عدم قصد ذلك (1)، فالقول (2) باختصاص البيع بصورة قصد المساعدة كما يظهر من بعض العبائر: ضعيف جدا.

و كذلك (3) ظاهرها الشمول لما اذا لم يعلم باستعمال أهل الحرب للمبيع في الحرب، بل يكفي مظنة ذلك (4) بحسب غلبة ذلك، مع قيام الحرب بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع.

و حينئذ (5) فالحكم مخالف للأصول صير إليه،

++++++++++

(1) أي رواية الحضرمي، و هند السراج صريحتان في عدم اعتبار قصد الاعانة و المساعدة من البائع، بالإضافة إلى الظهور المذكور.

(2) الفاء تفريع على ما أفاده: من ظهور الروايات في شمول حرمة بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب و ان لم يكن البائع قاصدا ببيعه المساعدة، أي بناء على ما ذكرناه فما أفاده بعض الأعلام: من أن عدم جواز البيع مختص بصورة قصد البائع مساعدة الأعداء، فاذا لم يقصد ذلك جاز له البيع حال الحرب: ضعيف جدا.

وجه الضعف صراحة رواية الحضرمي، و هند السراج في صورة عدم قصد المساعدة، فمع هذه الصراحة لا يبقى مجال للاختصاص المذكور.

(3) أي و كذا ظاهر الروايات المذكورة شمول عدم جواز بيع السلاح لأعداء الدين حال الحرب و ان لم يعلم البائع استعمال الأعداء السلاح في الحرب.

(4) أي الظن باستعمال الأعداء السلاح حال الحرب يكفي في عدم جواز البيع لهم و ان لم يعلم البائع استعمال الأعداء السلاح في الحرب.

(5) أي و حين أن شملت الروايات المذكورة الواردة في المقام: عدم جواز بيع السلاح للأعداء حتى صورة عدم علم البائع باستعمال الأعداء -

ص: 119

للأخبار (1) المذكورة، و عموم (2) رواية تحف العقول المتقدمة فيقتصر (3)

++++++++++

- السلاح في الحرب: يكون الحكم: و هو عدم جواز البيع مخالفا للأصول المقررة، و القواعد المسلمة، اذ هي تدل على جواز بيع كل شيء. و منها جواز بيع السلاح للأعداء حال الحرب في صورة عدم العلم باستعمالهم لها في الحرب.

لكن انما صير إلى هذه المخالفة، لوجود الأخبار المذكورة هنا و التي لم تذكر.

فهذه الأخبار، و عموم رواية (تحف العقول) في قوله عليه السلام:

أو يقوي به الكفر، أو باب يوهن به الحق سببت مخالفة تلك الأصول و القول بعدم جواز البيع.

ثم إن المراد بالأصول المسلمة قوله تعالى: «أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ » و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ » و الأصل العقلائي الأولي و هي أصالة الإباحة في الأشياء.

(1) اللام في الأخبار تعليل لوجه المصير إلى الحكم المذكور: و هي حرمة بيع السلاح للأعداء، و ان لم يعلم البائع استعمال الأعداء السلاح في الحرب.

(2) بالجر عطفا على مدخول (لام الجارة) في قوله: للأخبار المذكورة فهو تعليل ثان للمصير إلى الحكم المذكور: و هي حرمة بيع السلاح للأعداء، و ان لم يعلم البائع استعمال الأسلحة في الحرب، أي المصير إلى الحكم المذكور المخالف للأصول المسلمة: هو عموم رواية (تحف العقول) المشار إليه في الهامش 1 ص 123.

و مرجع الضمير في إليه: الحكم المذكور المخالف للأصول.

(3) الفاء تفريع على ما أفاده آنفا من أن الحكم المذكور: و هي حرمة -

ص: 120

فيه على مورد الدليل: و هو السلاح، دون ما لا يصدق عليه ذلك (1) كالمجن (2) و الدرع (3) و المغفر (4)،

++++++++++

- بيع الأسلحة للأعداء مخالف للأصول، لكن صير إليه لأجل الأخبار المذكورة، و عموم رواية (تحف العقول)، أي فبناء على أن الحكم المذكور مخالف للأصول لا بدّ من الاقتصار على مورد الدليل، و مورد الدليل الوارد في عدم جواز بيع السلاح للأعداء: هي الأسلحة المعدة للقتل، أو الجرح كالسيف و الرمح و السهم و الخنجر و المدية.

و في عصرنا الحاضر تشمل الأسلحة و البنادق، و المدافع و الصواريخ و الطائرات، و السفن الحربية، و كل آلة من الآلات القتالة، فلا يجوز التعدي من هذه الآلات الحربية التى ذكرناها: الى غيرها: من المجن و الدرع و المغفرة، لأن لسان الأخبار المانعة عن بيع السلاح الشاملة لمن لا يعلم باستعمال الأعداء السلاح في الحرب: هو لفظ السلاح.

و من الواضح أن هذه الكلمة لا تشمل المجن و الدرع و المغفرة.

بل تنحصر في الآلات الحربية القتالة الجارحة.

(1) و هو السلاح، فإن المجن و الدرع و المغفر لا يصدق عليه السلاح كما عرفت.

(2) بكسر الميم و فتح الجيم، و تشديد النون: كل شيء يقي الانسان من العدو حال الحرب، و يصونه عن أثر السلاح.

(3) بكسر الدال و سكون الراء: قميص يصنع من زرد الحديد يلبس وقاية من سلاح العدو حال الحرب: جمعه دروع.

(4) بكسر الميم و سكون الغين و فتح الفاء: زرد يلبس تحت القلنسوة وقت الحرب.

و الزرد شبه درع يجعل تحت القلنسوة و يتدلى منه خلف الرقبة.

ص: 121

و ساير ما يكن (1) وفاقا للنهاية، و ظاهر السرائر، و أكثر كتب العلامة و الشهيدين (2) و المحقق الثاني، للأصل (3)، و ما (4) استدل به في التذكرة من رواية محمد بن قيس.

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين من أهل الباطل تلتقيان أبيعهما السلاح ؟

قال: بعهما ما يكنهما: الدرع و الخفين، و نحو هذا (5).

++++++++++

(1) أي و سائر الأشياء التي تحفظ الانسان في الحرب عن اصابة السلاح له.

و كنّ و زان مدّ مضارعه يكن وزان يمد معناه الحفظ و الصيانة و الوقاية، يقال: كنّ فلان الشيء، أي ستره و حفظه.

(2) عطفا على قوله: وفاقا، أي و وفاقا للشهيدين.

(3) تعليل لخروج المجن و الدرع و المغفر، و سائر ما يكن الانسان عن الاصابة عن مورد الدليل، أي جواز بيع المذكورات للأعداء حال الحرب لأجل الأصل الموجود الذي عرفته في ص 120.

(4) مجرور محلا عطفا على مدخول (لام الجارة) في قوله: للأصل أي خروج المذكورات لأجل الأصل، و لأجل استدلال العلامة في التذكرة برواية (محمد بن قيس).

(5) راجع تذكرة العلامة من طبعتنا الحديثة. الجزء 8. ص 217.

و أما الأخبار فراجع (وسائل الشيعة): الجزء 12. ص 70.

الباب 8 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 3: فإن هذه الرواية صريحة في جواز بيع كل ما يكن الانسان و يصونه في الحرب عن الاصابة.

و المراد من نحو هذا: المجن. و المغفر و ما ضاربهما من الوسائل التي تحفظ الانسان عن الاصابة في الحرب.

ص: 122

و لكن (1) يمكن أن يقال: ان ظاهر رواية تحف العقول اناطة الحكم (2) على تقوي الكفر، و وهن الحق.

و ظاهر قوله عليه السلام في رواية هند: من حمل إلى عدونا سلاحا

++++++++++

(1) استدراك عما أفاده آنفا: من أن عدم جواز بيع السلاح للأعداء و إن لم يعلم استعماله في الحرب: مخالف للأصول المذكورة فيقتصر فيه على مورد الدليل: و هو السلاح فقط، دون ما لا يصدق عليه اسم السلاح كالمجن و المغفر، و الدرع.

كما استدل على جواز بيع غير السلاح مما يكن في الحرب (العلامة) برواية محمد بن قيس كما عرفت في ص 122.

و حاصل الاستدراك: أن حرمة بيع السلاح للأعداء في الأخبار المذكورة متوقفة و منوطة على وهن الحق، و تقوية الكفر، كما هو صريح قوله عليه السلام في رواية (تحف العقول): أو باب يوهن به الحق أو يتقوى به الكفر و قد مر في ج 1. ص 23-33.

أو على الاستعانة بالسلاح كما هو صريح رواية هند السراج في قوله عليه السلام: من حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به فهو مشرك. و قد ذكر الحديث في ص 115.

فاذا كان الملاك ما ذكرناه فهو بعينه موجود فيما يكن الذي هو الدرع و المجن و المغفر و السرج، لأنها مما يتقوى به الكفر، و يوهن به الحق، و يستعان به للحرب فيحرم حينئذ بيعه للأعداء حال الحرب أيضا بعين الملاك، و لا تختص الحرمة بالسلاح فقط.

(2) المراد من الحكم: الحرمة كما عرفت.

ص: 123

يستعينون به علينا: أن (1) الحكم منوط بالاستعانة و الكل (2) موجود فيما يكن أيضا كما لا يخفى.

مضافا (3) الى فحوى رواية الحكم المانعة عن بيع السروج.

و حملها (4) على السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية، مع

++++++++++

(1) جملة أن الحكم مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: و ظاهر قوله عليه السلام.

(2) و هو تقوي الكفر، و باب يوهن به الحق، و الاستعانة.

(3) أي و بالإضافة إلى ما ذكرناه: من وجود الملاكات الثلاث المذكورة في الهامش 2: فيما يكن: لنا دليل آخر على حرمة بيع ما يكن للأعداء حال الحرب: و هو مفهوم رواية حكم السراج المراد منها رواية الحضرمي.

بيان ذلك: أن قوله عليه السلام: حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج يدل على حرمة حمل السروج التي توضع على ظهور الخيول و البغال: و هي ما لا يكن الانسان و لا يحفظه عن اصابة السلاح في الحرب

فاذا كانت مثل هذه محرما بيعها على الأعداء فبالطريق الأولى يكون بيع ما يكن الأعداء في الحرب عن الاصابة كالمجن و الدرع و المغفر حراما.

(4) دفع و هم:

حاصل الوهم: أن المراد من السروج في رواية حكم السراج:

السيوف السريجية المنسوبة إلى رجل اسمه سريج، لا السروج التي تصنع و توضع على ظهور الخيول حتى يقال بوجود مفهوم الوصف لها، و أنه حجة.

ثم يستدل بالمفهوم على حرمة بيع ما يكن للأعداء حال الحرب.

فالرواية آبية عن السروج التي تصنع و توضع على الظهور.

فاجاب (شيخنا الأنصاري) رحمه اللّه عن هذا التوهم بما حاصله:

أن هذا التفسير للسروج لا يتلاءم و صدر الرواية، حيث إن في صدرها: -

ص: 124

كون (1) الراوي سرّاجا.

و أما رواية (2) محمد بن قيس فلا دلالة لها،

++++++++++

- السروج و أداتها، و لا شك أن الأداة الواردة في الحديث: هي لوازم السروج من الركاب، و اللجام، و الرسن، و السيوف السريجية المنسوبة الى الرجل ليس لها أداة كهذه حتى يقال: ان المراد منها: السيوف السريجية المنسوبة إلى الرجل. فتعين أن المقصود من السروج: ما يوضع على ظهر الخيل.

و لا يخفى: أن للسيوف السريجية أداة و هي الغمد، و الحمائل و المقبض.

اذا يمكن أن يراد من السروج: السيوف السريجية.

فلا مفهوم لهذه الرواية حتى يستدل به على حرمة كل شيء يكن الانسان عن أثر السلاح في الحرب بطريق أولى.

نعم يمكن أن يقال: بمنافاة التفسير لذيل الرواية و هو قوله عليه السلام أن تحملوا إليهم السروج و السلاح، حيث إن لفظ السلاح يشمل السيوف أيضا، سواء أ كانت سريجية أم غيرها.

اذا فالذيل ينافي تفسير السروج بالسيوف السريجية فقد يفهم من فحوى الرواية حرمة بيع ما يكن للأعداء أيضا.

(1) مقصود (الشيخ): أن مقتضى هذه المهنة و هي صناعة السروج:

تفسير السروج بمعناها اللغوي الأولي، لا حملها على السيوف المنسوبة الى رجل اسمه سريج، أو سرج.

(2) هذا رد على العلامة، حيث استدل برواية محمد بن قيس على خروج ما يكن و يقي الانسان عن الاصابة في الحرب عن الروايات الدالة على حرمة بيع السلاح للأعداء حال الحرب التى اشير إليها في الهامش 5 ص 122. -

ص: 125

على المطلوب (1)، لأن مدلولها بمقتضى أن التفصيل (2) قاطع للشركة:

الجواز (3) فيما يكن، و التحريم في غيره، مع كون الفئتين من أهل الباطل فلا بد من حملها (4) على فريقين محقوني الدماء، اذ لو كان كلاهما

++++++++++

- و خلاصة الرد: أن سياق رواية محمد بن قيس غير سياق تلك الروايات فإن مورد هذه الرواية فئتان من أهل الباطل، و مورد تلك الروايات محاربة الكفار مع المسلمين فاحدى الطائفتين على الحق، و الاخرى على الباطل

فمورد رواية محمد بن قيس هو الذي أوجب عدم اشتراكها مع الروايات المذكورة و عدم اتحادها مع تلك في الحكم: و هو جواز بيع ما يكن للأعداء حال الحرب.

اذا فلا مجال للاستدلال برواية محمد بن قيس على التفصيل المذكور:

و هو جواز بيع ما يكن للأعداء، و عدم جواز بيع السلاح لهم فيما نحن فيه لخروج ما نحن فيه عن الرواية موضوعا، إذ موضوع هذه الرواية كما عرفت فئتان من أهل الباطل، و موضوع تلك فئتان احداهما مسلمة، و الأخرى كافرة فيختلف حكمهما فيبقى ما نحن فيه على عدم جواز البيع للأعداء حال الحرب مطلقا في السلاح، و فيما يكن.

(1) و هو جواز بيع ما يكن للأعداء حال الحرب كما عرفت آنفا.

(2) و هو جواز بيع ما يكن، و عدم جواز بيع السلاح في قوله عليه السلام: بعهما ما يكنهما: الدرع و الخفين و نحو هذا كما عرفت.

(3) بالرفع خبر لاسم إن في قوله: لأن مدلولها بمقتضى أن التفصيل أي مدلول هذه الرواية الجواز، و مدلول تلك الروايات عدم الجواز لاختلاف الموضوع فيهما كما عرفت.

(4) مقصود الشيخ من هذه الجملة: فلا بد من حملها: أنه بعد أن قلنا بعدم المجال للاستدلال برواية محمد بن قيس على ما نحن فيه: و هو -

ص: 126

أو أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح على صاحبه.

فالمقصود (1) من بيع ما يكن منهما: تحفظ كل منهما عن صاحبه

++++++++++

- جواز بيع ما يكن، و عدم جواز بيع السلاح للأعداء حال الحرب، لخروج ما نحن فيه عن موضوع الرواية: فلا بد من حمل الرواية اذا اريد الاستدلال بها لا محالة: على فئتين محقونتي الدماء حتى يصح عدم جواز بيع السلاح لهم حال الحرب، اذ لو لا هذا الحمل لما كان لعدم جواز بيع السلاح للأعداء وجه إذا كانت الفئتان من أهل الباطل مهدوري الدم، أو احداهما.

هذا ما أفاده الشيخ من لزوم الحمل على فئتين محقونتي الدماء لو أريد الاستدلال بالرواية على جواز بيع ما يكن للأعداء حال الحرب.

و لا يخفى أنه بعد صراحة الرواية في كون الفئتين من أهل الباطل لا مجال للحمل المذكور، بالإضافة إلى عدم وجود قرينة حالية، أو مقالية على الحمل.

(1) الفاء تفريع على ما أفاده الشيخ من أن موضوع رواية محمد بن قيس تختلف عن موضوع تلك الروايات كما عرفت، أي فبناء على ما ذكرنا يكون المقصود من الرواية جواز بيع ما يكن إلى الفئتين اللتين من أهل الباطل، ليتحفظ كل منهما عن صاحبه.

ثم إن في المسألة صورا ثلاثة:

(الأولى): كون الطائفتين محقوني الدم.

(الثانية): كونهما مهدوري الدم.

(الثالثة): إحداهما محقونة الدم، و الأخرى مهدورة الدم.

أما الصورة الأولى فلا اشكال في عدم جواز بيع السلاح لهما..

لكن يجوز بيع ما يكن لهما.

(و أما الصورة الثانية): فيجوز بيع السلاح لكلا الفريقين. -

ص: 127

و تترسه (1) بما يكن. و هذا (2) غير مقصود فيما نحن فيه، بل تحفظ أعداء الدين عن بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع.

فالتعدي عن مورد الرواية إلى ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق (3).

و لعله لما ذكر (4) قيّد الشهيد فيما حكي عن حواشيه على القواعد:

++++++++++

- (و أما الصورة الثالثة): فيجوز بيع السلاح لمحقون الدم.

و أما المهدور الدم فلا يجوز بيع السلاح له.

(1) بفتح التائين المنقوطتين مصدر باب التفعل من تترّس يتترس تترسا يقال: تترّس فلان أي اتخذ الوقاية و التحفظ عن الضرر.

(2) أي جواز بيع ما يكن للفئتين من أهل الباطل غير مقصود ممّا نحن بصدده: و هو أنه هل يجوز بيع ما يكن للكفار المحاربين مع المسلمين أم لا يجوز؟ فالشارع لا يجوّز بيع ما يكن للأعداء حال الحرب، لكون البيع موجبا لتحفظهم و تقويتهم على المسلمين. و هذا خلاف مقصوده اذ مقصود الشارع خذلانهم أمام المسلمين، فلا يجوز التعدي عن مورد الرواية: و هو جواز بيع ما يكن للفئتين من أهل الباطل إلى الكفار، بل يقتصر على موردها: و هما: الفئتان من أهل الباطل، و قد عرفت التفصيل.

(3) اذ لا جامع بين مورد الرواية، و بين ما نحن فيه، لاختلاف موضوعهما، اذ موضوع الرواية فئتان من أهل الباطل، و موضوع ما نحن فيه احدى الفئتين مسلمة، و الأخرى كافرة فليس هناك قدر جامع بينهما كما عرفت فيكون قياسا مع الفارق.

(4) و هو اختلاف مورد الرواية مع ما نحن فيه، و عدم وجود قدر جامع بينهما.

ص: 128

اطلاق (1) العلامة جواز بيع ما يكن بصورة (2) الهدنة، و عدم قيام الحرب.

ثم إن مقتضى (3) الاقتصار على مورد النص عدم التعدي إلى غير أعداء الدين كقطاع الطريق، إلا (4) أن المستفاد من رواية تحف العقول:

++++++++++

(1) مصدر منصوب على المفعولية لقوله: قيّد.

و كلمة جواز منصوبة على أنها مفعول للمصدر و هو اطلاق، أي و لاجل اختلاف مورد الرواية، مع ما نحن فيه قيد (الشهيد الأوّل) قدس سره الإطلاق الوارد في كلام العلامة في جواز بيع ما يكن للأعداء: بصورة الهدنة، لا مطلقا، فإن العلامة اطلق القول بجواز بيع ما يكن و لم يقيده بصورة الهدنة.

راجع (تذكرة الفقهاء) من طبعتنا الحديثة. الجزء 8. ص 217 عند قوله: و يجوز بيع ما يكن من النبل لأعداء الدين.

(2) الجار و المجرور متعلق بقوله: قيد، أي قيد الشهيد اطلاق الجواز الوارد في كلام العلامة بصورة الهدنة كما عرفت.

(3) أي مقتضى الروايات المذكورة الواردة في عدم جواز بيع السلاح للأعداء حال الحرب: عدم التعدي منهم إلى غيرهم: من قطاع الطريق فيجوز بيع السلاح لهم، حيث إن رواية الحضرمي و هند السراج و علي بن جعفر، و مكاتبة صيقل تصرح بعدم جواز بيع السلاح لأعداء المسلمين حتى لا ينصروا على الاسلام و المسلمين فتقوى شوكتهم.

و أما قطاع الطريق فخارجون عن مورد الروايات.

(4) استدراك عما أفاده آنفا من عدم التعدي عن مورد الروايات الى قطاع الطريق.

و خلاصة الاستدراك: أن الملاك الموجود في رواية (تحف العقول) المشار إليها في ج 1 ص 23-33: و هو قوله عليه السلام: أو يقوى به الكفر -

ص: 129

اناطة الحكم بتقوى: الباطل، و وهن الحق فلعله يشمل ذلك (1).

و فيه (2) تأمل.

ثم إن النهي في هذه الأخبار (3) لا يدل على الفساد فلا مستند

++++++++++

- أو باب يوهن به الحق بعينه موجود في بيع السلاح لقطاع الطريق، لأن البيع لهم يكون سببا لتقوية الكفر، و توهين الحق فعليه يمكن أن تشمل الروايات المذكورة قطاع الطريق فلا يجوز بيع السلاح لهم.

(1) أي قطاع الطريق كما عرفت.

(2) أي و في شمول رواية (تحف العقول) قطاع الطريق بملاحظة وحدة الملاك المذكور: تأمل، حيث إن بيع السلاح على القطاع لا يكون فيه وهن للحق، و لا قوة للباطل بذلك المعنى الموجود في الأعداء.

نعم يمكن القول بتعدي الحكم من الأعداء: و هو عدم جواز بيع السلاح إلى القطاع من باب أن البيع لهم اعانة على الإثم، و على الفساد فيشمله قوله تعالى: وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوٰانِ .

و قوله عليه السلام في رواية (تحف العقول): أو وجه من وجوه الفساد، و لا شك أن بيع السلاح للقطاع فيه فساد عظيم، و أي فساد أعظم من إراقة الدماء، و نهب الأموال، و هتك النواميس و الأعراض، و إيجاد القلق و الاضطراب و الإرهاب في المسلمين.

(3) و هي رواية الحضرمي المشار إليها في ص 114، و رواية هند السراج المشار إليها في ص 115، و مكاتبة صيقل المشار إليها في ص 116، و رواية (علي بن جعفر) المشار إليها في ص 117 و وصية النبي لعلي صلوات اللّه و سلامه عليهما المشار إليها في ص 118.

و هذه الروايات لا تدل على فساد المعاوضة و بطلانها الذي هو الحكم الوضعي، بل يدل على الحكم التكليفي فقط، لتعلق النهي بأمر خارج: -

ص: 130

له (1) سوى ظاهر خبر تحف العقول الواردة في بيان المكاسب الصحيحة و الفاسدة و اللّه العالم.

النوع الثّالث مما يحرم الاكتساب به: ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء

النوع الثّالث مما يحرم الاكتساب به: ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء و التحريم في هذا القسم (2) ليس إلا من حيث فساد المعاملة، و عدم تملك الثمن، و ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير.

و الدليل على الفساد في هذا القسم (3) على ما صرح به في الايضاح:

كون أكل المال بإزائه أكلا بالباطل.

++++++++++

- و هو تقوي الكفر، و وهن الحق. و هذا أمر خارج عن حقيقة المعاوضة و ماهيتها فلم يتعلق النهي الوارد في الأخبار المذكورة بذات المعاوضة حتى يدل على فسادها.

(1) أي لفساد المعاوضة المذكورة سوى ظاهر رواية (تحف العقول) في قوله عليه السلام: و كل منهي عنه، أو وجه من وجوه الفساد.

(2) و هو الذي يحرم الاكتساب به، لعدم وجود المنفعة المحللة المقصودة فيه، أي الحرمة الواردة في هذا النوع حرمة وضعية تدل على فساد المعاوضة فقط، و ليس فيها حرمة تكليفية. كما يوجد الحكمان: الوضعي و التكليفي في بيع الخمر و الخنزير و ما ضاربهما.

(3) و هو النوع الثالث، أي الدليل على فساد المعاوضة فيه: هو -

ص: 131

و فيه (1) تأمل، لأن منافع كثيرة من الأشياء التى ذكروها في المقام يقابل عرفا بمال و لو قليلا بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه سفها. فالعمدة (2) ما يستفاد من الفتاوى و النصوص: من عدم اعتبار الشارع المنافع النادرة، و كونها في نظره كالمعدومة.

قال (3) في المبسوط: إن الحيوان الطاهر على ضربين:

++++++++++

أكل المال بالباطل، لعدم وجود منفعة محللة مقصودة فيه حتى يبذل بإزائها المال ففي الحقيقة بذل المال ازاء اللاشيء، فتملك البائع الثمن يكون من دون مملك شرعي.

(1) أي في منشأ فساد المعاوضة في النوع الثالث: و هو كون أكل المال أكلا بالباطل تأمل.

و خلاصة وجه التأمل: أن الأمثلة التي ذكرها الفقهاء للنوع الثالث لها منافع كثيرة تقابل بالمال، و يبذل المال بإزائها عرفا و لو كان الذي يقابل بالمال قليلا فلا يكون المال أكلا بالباطل لو بذل ازاء المذكورات.

(2) أي العمدة و المنشأ في حرمة الاكتساب بالمذكورات، و فساد المعاوضة عليها: هي النصوص الواردة في المقام: و الفتاوى الصادرة من الأصحاب الدالتين على عدم اعتبار الشارع هذه المنافع الموجودة في المذكورات التي تعد منافع نادرة، لأن هذه المنافع في نظره كالمعدومة فاذا ثبت من النصوص و الفتاوى عدم اعتبار الشارع مثل هذه المنافع: ثبت أن بذل المال ازاءها يكون بذلا للباطل فيكون أكله حراما.

راجع حول النصوص الواردة في المقام (وسائل الشيعة). الجزء 12 ص 61. الباب 5 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 1-2-5 6 - 7 - 8 - 9 - 12.

(3) هذا تأييد لما أفاده الشيخ من أن المستفاد من الفتاوى و النصوص: -

ص: 132

ضرب ينتفع به. و الآخر لا ينتفع به إلى أن قال: و إن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد و الذئب، و سائر الحشرات مثل الحيات و العقارب، و الفأر و الخنافس و الجعلان (1)، و الحداءة (2) و الرخمة (3)، و النسر (4) و بغاث (5) الطير، و كذلك الغربان (6) انتهى.

++++++++++

- أن المنافع النادرة الموجودة في الأسود و النسور و السباع و ما ضاربها غير معتبرة في نظر الشارع، و أنها ملغاة عن المالية رأسا.

(1) بكسر الجيم و سكون العين: جمع جعل بضم الجيم و فتح العين وزان صرر: نوع من الخنافس يجمع الجعر اليابس و يدخره في بيته

(2) بكسر الحاء و فتح الدال و الهمزة: جمعه حدا بكسر الحاء:

طائر خبيث من جوارح الطيور. و له جمعان آخران: (حدآء) بالمد.

و (حدان) بالنون.

(3) بفتح الراء و الخاء: طائر من طيور الجوارح الكبيرة و هي وحشية الطباع: جمعه رخم بضم الراء و سكون الخاء.

(4) مثلثة النون، و الفتح أشهر و أفصح: طائر من طيور الجوارح حاد البصر، و من أشد الطيور و أرفعها طيرانا، و أقواها جناحا، تخافه كل الجوارح، و هو أعظم من العقاب، له منقار منعقف في طرفه، و له أظفار، لكنه لا يقدر على جمعها.

له كنى مخصوصة: أبو الأبرد، أبو الاصبع، أبو مالك، أبو المنهال أبو يحيى، و الأنثى يقال لها: أم أقشم: يجمع على نسور و أنسر و نسار.

(5) مثلثة الباء: جمع بغاثة مثلثة الباء: طائر أبيض، بطيء الطيران أصغر من الحداءة: يطلق على كل طائر عظيم ليس له مخلب و منقار منعقف.

(6) بكسر الغين و سكون الراء: جمع غراب بضم الغين.

و الغراب أربعة أنواع: -

ص: 133

و ظاهر الغنية الإجماع على ذلك (1) أيضا.

و يشعر به (2) عبارة التذكرة، حيث استدل على ذلك بخسّة تلك الأشياء، و عدم نظر الشارع إلى مثلها في التقويم، و لا يثبت يد لأحد عليها.

++++++++++

- (أسود): يسكن الجبال و الخربات.

(أبقع): و هو المشتمل على البياض و السواد مثل الأبلق في الحيوان (زاغ) و هو أصغر من الغراب ريش بطنه و ظهره أبيض.

(غداف) بضم الغين و فتح الدال: غراب كبير ضخم الجناحين أصغر من غراب الزرع: جمعه غدفان بكسر الغين و سكون الدال.

راجع حول هذه الحيوانات (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة الجزء 7. من ص 373-375.

(1) أي على أن ما لا منفعة فيه لا يجوز بيعه، فالجواز و العدم عنده دائران مدار وجود الانتفاع و عدمه، فان وجد جاز البيع، و إلا فلا.

(2) أي بهذا الاجماع المذكور في الغنية.

و خلاصة الاستدلال على عدم جواز بيع الأعيان المذكورة: أنها خسيسة، و ما كانت خسيسة لا يهتم الشارع بها فلا مالية لها عنده حتى تتقوم و يبذل بإزائها المال فيكون أكل المال أكلا بالباطل.

ثم أفاد العلامة في المقام: أنه لا تثبت يد لأحد على هذه الأعيان لو وضعت عليها و صارت في تصرفاته، لعدم ماليتها.

ثم قال: إن الخواص الموجودة فيها، و التى سببت كونها منافع لا تعد مالا، و إن عدت هذه الخواص منافع فلا يجوز بذل المال ازاءها.

ثم قال: و كذا عند (الشافعي)، أي لا يجوز بيع هذه الأشياء عند الشافعي أيضا، فقوله: عند الشافعي دليل على أن المسألة اجماعية عند (الشيعة الامامية) و متفق عليها.

ص: 134

قال: و لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأنها لا تعد مع ذلك مالا، و كذا عند الشافعي انتهى (1).

و ظاهره (2) اتفاقنا عليه.

و ما ذكره (3) من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا اشكال فيه.

++++++++++

(1) راجع (تذكرة الفقهاء) من طبعتنا الحديثة. الجزء 17.

ص 20-21.

و المراد من قوله في المصدر: لا تعد مع ذلك مالا: أن هذه الأشياء مع تلك الخواص الموجودة فيها لا تعد أموالا.

(2) أي ظاهر قول (العلامة) في المصدر المذكور: و كذا عند الشافعي يعطي اتفاق (الامامية) على ذلك، لأن معنى و كذا عند الشافعي أن الامامية متفقة على ذلك كما عرفت.

(3) من هنا كلام (الشيخ) يريد النقاش مع العلامة فيما استدل به على عدم جواز بيع الأعيان المذكورة، لكونها خسيسة لا فائدة فيها يبذل بإزائها المال.

و خلاصة النقاش: أن الكلام تارة فيما لا مالية له عند العقلاء.

و أخرى فيما عدوه من مصاديق ما لا مالية له و من صغرياته.

(أما الأوّل): فلا كلام و لا اشكال عند أحد من الفقهاء في عدم جواز بيعه اذا ثبت أنه لا مالية له، لأن بذل المال ازاءه بذل للمال ازاء اللاشيء فيكون أكله أكلا بالباطل، لأن المبذول ليس له مالية مقصودة عند العقلاء حتى يبذل بإزائه المال، فما يأخذه البائع لا يصير ملكا له.

(و أما الثاني) فهو محل الكلام و الحوار بين الفقهاء، إذ جعل الأشياء المذكورة من صغريات تلك الكبرى الكلية المسلمة: و هو عدم -

ص: 135

و انما الكلام فيما عدوه من هذا (1).

قال (2) في محكي إيضاح النافع. و نعم ما قال: جرت عادة الأصحاب بعنوان هذا الباب (3)، و ذكر (4) أشياء معينة على سبيل المثال.

فإن كان ذلك (5) لأن عدم النفع مفروض فيها فلا نزاع.

و ان كان (6) لأن ما مثّل به لا يصح بيعه، لأنه محكوم بعدم

++++++++++

- جواز بيع ما لا مالية له: محل الخلاف، فبعض أفاد كونها من صغريات المسألة و بعض أفاد عكس ما أفاده هذا.

إذا يكون النزاع صغرويا، لا كبرويا.

(1) أي من صغريات تلك الكبرى الكلية كما عرفت آنفا.

(2) من هنا أخذ الشيخ في نقل كلمات الأعلام فيما ادعاه: من أنه لا نزاع في الكبرى الكلية، بل النزاع في جعل الأشياء المذكورة من مصاديقها و صغرياتها.

(3) و هو باب ما لا منفعة له الذي صيغ النوع الثالث له.

(4) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: بعنوان هذا الباب، أي و جرت عادة الأصحاب في النوع الثالث بذكر أشياء معينة على سبيل المثال.

و المراد من الأشياء: الأسود و النسور، و الغربان و الجعلان، و الذئاب و الحشرات، و الديدان، و الحيات و العقارب.

(5) أي عدم جواز بيع الأشياء المذكورة.

هذا راجع إلى أن الكبرى التى ذكرناها مسلمة لا نزاع فيها، اي إن كان منع بيع المذكورات لأجل عدم وجود منفعة فيها فعدم جواز بذل المال مما لا اشكال و لا نزاع فيه، حيث إن بذل المال ازاءه بذل ازاء اللاشيء

(6) اسم كان يرجع إلى عدم جواز بيع الأشياء المذكورة. هذا راجع -

ص: 136

الانتفاع فالمنع متوجه في أشياء كثيرة انتهى.

و بالجملة فكون الحيوان من المسوخ، أو السباع، أو الحشرات لا دليل على كونه كالنجاسة مانعا.

فالمتعين فيما اشتمل منها (1) على منفعة مقصودة للعقلاء: جواز البيع

++++++++++

- الى منع كون الأشياء المذكورة من صغريات تلك الكبرى الكلية و من مصاديقها.

و خلاصته: أن منع بيع المذكورات ان كان لأجل عدم الانتفاع بها فهو أوّل الكلام، اذ مجرد كون حيوان من المسوخ، أو من الحشرات لا دليل على أنها مثل الأعيان النجسة في عدم جواز بيعها، لأن هذه الحيوانات و الحشرات إن كان لها منافع محللة مقصودة عند العقلاء فلا شك في جواز بيعها، و المعاوضة عليها، و بذل المال ازاءها.

و من الواضح أن لهذه الحيوانات و الحشرات منافع مقصودة عند العقلاء و هي لا تحصى.

خذ لذلك مثالا:

إن العقارب اذا اجتمعت في مكان كالقارورة مثلا، و بقيت هناك مدة من الزمن إلى أن يؤخذ منها دهن، فهذا الدهن يستفاد به للقروح و الجروح، و لدغ العقارب كما هو المعروف.

و كذلك النسر، فإنه يؤخذ و يعلّم و يدرّب على الصيد فيصطاد به الغزلان.

و هكذا بقية الحيوانات، فإن لها قابلية للتعلّم و التدرب فمع وجود هذه المنافع كيف يمكن أن يقال بعدم وجود مالية لهذه الحيوانات و الحشرات و أنها ليست قابلة لبذل المال ازاءها.

(1) أي من هذه الحيوانات و الحشرات المشتملة على منفعة مقصودة عند العقلاء.

ص: 137

فكل ما (1) جازت الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء فينبغي جواز بيعه إلا ما دل الدليل على المنع فيه تعبدا.

و قد صرح (2) في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل و الاسد، و غيرهما من المسوخ و الموذيات، و ان منعنا عن بيعها.

و ظاهر هذا الكلام (3) أن المنع من بيعها على القول به للتعبد لا لعدم المالية.

ثم إن ما تقدم منه (4) قدس سره: من أنه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأنها لا تعد مالا مع ذلك: يشكل بأنه اذا

++++++++++

(1) يريد الشيخ أن يستدل بجواز الوصية بالحيوانات و الحشرات:

على جواز بيعهما، بالإضافة إلى ما أفاده قبلا من الأدلة.

و خلاصة ما أفاده: أن الفقهاء صرحوا بجواز الوصية بالحيوانات و الحشرات، لكونهما مشتملتين على منافع مقصودة عند العقلاء.

و من الواضح أن هذه المنافع موجودة فيهما لو بيعتا فيجوز بيعهما لوحدة الملاك.

(2) هذه احدى تصريحات الفقهاء على جواز الوصية بالحيوانات و الحشرات جاء بها الشيخ تأييدا لمذهبه من جواز بيع الحيوانات و الحشرات

راجع (تذكرة الفقهاء). الطبعة الحجرية. كتاب الوصية. الفصل الرابع في الموصى به. المطلب الأوّل في الوصية بالمال.

(3) أي ظاهر كلام العلامة بقوله: و ان منعنا عن بيعه: أن منشأ عدم جواز بيع مثل الفيل و الأسد و غيرهما هو التعبد المحض ليس إلا و لو لا التعبد لسرى الجواز في بيعها، لوحدة الملاك في الوصية و البيع؛ و هو وجود المنافع المحللة المقصودة فيها، و ليس وجه المنع عدم وجود مالية فيها.

(4) أي من العلامة في قوله: و لا اعتبار بما ورد في الخواص -

ص: 138

اطلع العرف على خاصية في احدى الحشرات معلومة بالتجربة، أو غيرها فأي فرق بينها، و بين نبات من الأدوية علم فيه تلك الخاصية ؟

و حينئذ (1) فعدم جواز بيعها، و اخذ (2) المال في مقابلها بملاحظة

++++++++++

- من منافعها، لأنها لا تعد مع ذلك مالا. و قد مضت هذه العبارة في ص 135.

يقصد الشيخ بقوله: ثم إن ما تقدم منه: الاشكال على العلامة.

و خلاصة الاشكال: أن العرف اذا اطلع على خواص مهمة في الحشرات و الحيوانات بأي طريق كان، سواء أ كان بواسطة التجربة أم بواسطة المبادي العلمية الاكتشافية كما في عصرنا الحاضر: فلما ذا لم تكن هذه الخواص منشأ لمالية الحيوانات و الحشرات.

كما صارت هذه الخواص المكتشفة في النباتات المتخذة منها الأدوية و العقاقير منشأ لمالية الأدوية. و قد تبذل الملايين من النقود ازاءها كل يوم و شهر و عام، لأنها الوحيدة المستعملة في معالجة الأمراض و العاهات.

فهل هناك فرق بين هذه الخواص و تلك الخواص فيجوز بذل المال ازاء خواص النباتات الموجودة في الأدوية، و لا يجوز بذل المال ازاء الخواص الموجودة في الحيوانات و الحشرات ؟ تلك اذا قسمة ضيزى.

(1) أي و حين أن اطلع العرف على خاصية معينة لإحدى الحشرات كاطلاعه على خاصية معينة للأدوية و العقاقير فعدم جواز بيع هذا الشيء الذي أصبح ذا خاصية معينة: يحتاج إلى دليل خاص، لأنه لا مبرر لخروجه عن الجواز بعد أن كان الملاك فيه، و في العقاقير و الأدوية واحدا.

(2) بالجر عطفا على مدخول (جواز) أي و عدم جواز أخذ المال في مقابل هذا الشيء الذي له خاصية معينة يحتاج إلى دليل خاص. -

ص: 139

تلك الخاصية يحتاج إلى دليل، لأنه حينئذ (1) ليس أكلا للمال بالباطل.

و يؤيد ذلك (2) ما تقدم في رواية التحف: من أن كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه إلى آخر الحديث.

و قد أجاد في الدروس حيث قال (3): ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء كالخشار (4) و فضلات الانسان.

++++++++++

- و مرجع الضمير في بيعها. و مقابلها: احدى الحشرات التي لها خاصية معينة كما عرفت في الهامش 4 من ص 138-139.

(1) أي لأنه حين أن صارت احدى الحشرات ذات خاصية معينة لا يكون أكل المال بإزائها أكلا للمال بالباطل، بل هو أكل للمال في مقابلة منفعة محللة مقصودة عقلائية، و فائدة ثابتة كالمنفعة الثابتة في الأدوية و العقاقير.

(2) أي و يؤيد أن المال هنا ليس أكلا للمال بالباطل: عموم قوله عليه السلام في رواية (تحف العقول): (كل شيء يكون فيه الصلاح من جهة من الجهات)، و لا شك أن احدى الحشرات، أو الأشياء المذكورة التي وجدت فيها خاصية معينة تكون ذات مصلحة فيشملها العموم المذكور، لأن كلمة (شيء) في الرواية جنس الأجناس يشمل حتى الحشرات.

(3) أي قال في موضوع ما لا يصح بيعه باعتبار عدم مالية ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء. فمفهومه أن الذي فيه نفع مقصود للعقلاء، جاز بيعه، فأناط الجواز و العدم مدار الانتفاع و عدمه.

(4) بضم الخاء الردي من كل شيء.

و في بعض نسخ الكتاب بالحاء المهملة.

و جملة: ما لا نفع فيه في قول صاحب الدروس: مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم المذكور في الدروس

ص: 140

و عن التنقيح ما (1) لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس و الديدان

و مما ذكرنا (2) يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة من الإشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص (3) الدم،

++++++++++

(1) كلمة (ما الموصولة) مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم في قول صاحب التنقيح و هو الفاضل المقداد.

(2) أي عن (الدروس و التنقيح): يظهر الاشكال على ما أورده العلامة في التذكرة: على جواز بيع العلق و الديدان ببيان أنهما قليلا الانتفاع فيشبهان بما لا منفعة فيه فلا يجوز بذل المال ازاءهما، لكونه بذلا ازاء الباطل فيشملهما عموم قوله تعالى: «وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ » البقرة: الآية 188.

و أما وجه نظر الشيخ على ما أورده العلامة على العلق و الديدان:

أن العلق له فائدة تامة عقلائية مقصودة: و هو امتصاص الدم الزائد من الانسان احتفاظا عن السكتة القلبية، و عن فساد الدم حتى لا يبتلى بالأمراض الجلدية، فليست هذه فائدة نادرة لا تعد عند العقلاء من الفوائد و أما ديدان القز فلها فائدتان:

(احداهما) قبل موتها: و هو خروج الابريسم من فمها.

(و ثانيتهما) بعد موتها: و هو اصطياد السمك بها اذا جعلت في شص فالفوائد المترتبة على العلق و الديدان فوائد عامة مقصودة للعقلاء ليست بنادرة حتى لا يصح بيعهما فهما خارجتان عما لا نفع فيه.

اذا يشملهما جواز البيع في كلام صاحب الدروس و التنقيح.

و لا يخفى أن هذا الجواز بعينه جار في ذباب النحل.

(3) هذا وجه نظر الشيخ على العلامة في اشكاله على جواز بيع العلق و الديدان. -

ص: 141

و ديدان (1) القز التي يصاد بها السمك، ثم استقرب (2) المنع فقال، لندور الانتفاع فيشبه ما لا منفعة فيه، اذ (3) كل شيء فله نفع ما انتهى.

أقول: و لا مانع من التزام جواز بيع كل ما له نفع ما.

و لو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الأشياء (4) المستلزم

++++++++++

- و قد عرفته آنفا بقولنا: و أما العلق فله فائدة تامة.

و أما ديدان القز فلها فائدتان.

(1) بالجر عطفا على كلمة البيع الواقعة في قوله: في جواز بيع العلق، أي و مما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره العلامة في التذكرة من الاشكال على جواز بيع الديدان.

(2) أي العلامة في التذكرة استقرب منع بيع الديدان و العلق.

ببيان أن المنفعة الموجودة فيهما نادرة لا توجب ماليتهما حتى يبذل بإزائها المال فيشبهان ما لا منفعة فيه من حيث عدم جواز بيعهما، لكون أكل المال فيهما أكلا للمال بالباطل.

(3) تعليل من العلامة لكون المنفعة النادرة في لعلق و الديدان لا توجب ماليتهما و خلاصته: أنه لو كانت المنفعة النادرة فيهما موجبة لماليتهما ليصح بذل المال ازاءهما: لأصبح كل شيء في العالم له مالية يصح بذل المال ازاءه لأن له منفعة نادرة فتكون موجبة لماليته.

(4) و هي الأشياء التي لها المنافع النادرة.

و كلمة المستلزم مرفوعة صفة للشك في قوله: و لو فرض الشك.

و حاصل ما أفاده الشيخ في عدم المانع من جواز بيع كل ما له منفعة نادرة: أن الشك في مالية الأشياء التي فيها المنافع النادرة مستلزم للشك في كونها من أفراد البيع و مصاديقها فتكون الشبهة مصداقية فلا يمكن إلحاقها بالكبرى الكلية: و هو عموم قوله تعالى: «أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ » و جعلها -

ص: 142

للشك في صدق البيع: أمكن (1) الحكم بصحة المعاوضة عليها، لعمومات (2)

++++++++++

- من مصاديقها، بل لا بد في صحة معاوضة هذه الأشياء من ادراجها تحت قاعدة كلية أخرى غير هذه الكبرى الكلية كما هو الحكم في الشبهات المصداقية.

خذ للشبهات المصداقية مثالا:

اذا اشتبه المتولد من طاهر و نجس العين كالشاة و الكلب بحيث لا يصدق اسم احدهما عليه عرفا، فإنه حينئذ لا يمكن إلحاقه بالكلب من حيث النجاسة حتى يعامل معه معاملة الكلب من حيث الأكل و الشرب و الاستعمال للاشتباه في كونه مصداقا للكلب.

و لا يمكن إلحاقه بالشاة من حيث الطهارة حتى يعامل معه معاملة الشاة من حيث الأكل و الشرب و الاستعمال، للاشتباه في كونه من مصاديق الشاة.

ففيما نحن فيه بعد الشك في صدق المالية على هذه الأشياء التى منافعها نادرة نشك في كونها من أفراد البيع فلا يمكن إلحاقها بأفراد البيع و القول بأنها داخلة تحت تلك الكبرى الكلية «أحلّ اللّه البيع» فلا يصح التمسك في حلية بيعها بهذه القاعدة الكلية، للاشتباه في كونها من مصاديقها.

اذا نرجع في صحة معاوضة هذه الأشياء و حليتها: الى عمومات أخرى نتمسك بها في المقام التي لم يعتبر في تحققها خارجا صدق البيع.

و قد أشار الشيخ إلى تلك العمومات بأسرها، و نحن نشير إلى كل واحد منها برقم خاص عند ما يذكرها.

(1) جواب ل: (لو الشرطية) في قوله: و لو فرض الشك أي لو فرض الشك في صدق كون الأشياء من أفراد البيع أمكن دخول هذه الأشياء تحت عمومات أخرى غير عموم أحل اللّه البيع.

(2) هذه بداية الشروع في ذكر العمومات التي أفادها الشيخ، و يقصد -

ص: 143

التجارة و الصلح (1) و العقود (2)،

++++++++++

- من ذكرها الحاق الأشياء التي لها منافع نادرة بها حتى تصح المعاوضة عليها.

فمن تلك العمومات: عموم التجارة في قوله تعالى: «إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ » .

كيفية الاستدلال: أن المعاوضة على هذه الأشياء التي فيها منافع نادرة نوع تجارة فتشملها الآية الكريمة، لأن جميع شرائط التجارة المعتبرة في المتعاقدين موجودة في هذه المعاوضة، سوى صدق المالية عليها و هي غير معتبرة فيها، لأنها ليست كالبيع المعتبر في تحقق مفهومه خارجا المالية حيث قال صاحب المصباح المنير في تعريف البيع: إنه مبادلة مال بمال.

(1) هذا ثاني العمومات التي يقصد الشيخ من ذكرها لتصح المعاوضة على ما له منفعة نادرة.

و العموم في الصلح قوله صلى اللّه عليه و آله: و الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا.

و قوله عليه السلام: الصلح جائز بين المسلمين.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 13. ص 164. الباب 3. من أحكام الصلح. الحديث 2-1.

فإن المعاوضة على ما له منفعة نادرة اذا وقعت بعنوان الصلح يشمله ذاك العموم.

(2) هذا ثالث العمومات التي يقصد الشيخ من ذكرها ليلحق ما له منفعة نادرة يشك في ماليته بهذا العموم، لتصح المعاوضة عليه، أي و يشمل ما نحن فيه عموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، حيث إن المعاوضة على ماله منفعة نادرة يشك في ماليته: عقد من العقود الواقعة في الخارج، و جميع -

ص: 144

و الهبة (1) المعوضة، و غيرها (2)، و عدم (3) المانع، لأنه ليس إلا أكل المال بالباطل، و المفروض عدم تحققه هنا.

++++++++++

- مقتضيات العقد من شرائط المتعاقدين موجود فيه، و المانع مفقود، سوى المالية في المعوض و هو غير معتبر في مفهوم العقد.

(1) هذا رابع العمومات التي يقصد الشيخ من ذكرها ليلحق ما له منفعة نادرة يشك في ماليته بها، لتصح المعاوضة عليه أي و يشمل ما نحن فيه عموم قول (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام في الهبة المعوضة:

من وهب هبة يريد بها عوضا كان له الرجوع فيها إن لم يعوض، فمفهوم الرواية: أن من عوّض في الهبة ليس له الرجوع فيها.

و كذلك قوله عليه الصلاة و السلام: و الهبة جائزة حيزت أو لم تحز إلا لذوي القرابة، و للذي يثاب في هبة.

و مراده عليه السلام من و للذي يثاب: الواهب الذي يعوض عن هبة.

راجع نفس المصدر. ص 341. الباب 9 من أحكام الهبات. الحديث 1 فهذان الحديثان يشملان ما نحن فيه لو وقعت المعاوضة على ما لا منفعة فيه بأن يهبه ما لا نفع فيه بشرط أن يهبه الآخر شيئا من المال.

(2) بالجر عطفا على مجرور (لام الجارة) في قوله: لعمومات التجارة، أي و لغير عمومات التجارة من العمومات الاخرى الدالة على صحة معاوضة هذه الأشياء المذكورة التي لها نفع نادر.

(3) بالجر عطفا على مجرور (لام الجارة) في قوله: لعمومات التجارة، أي و نحكم بصحة المعاوضة على هذه الأشياء التي لها نفع نادر لعدم وجود مانع من ذلك، لأن المانع المتصور: هو أكل المال بالباطل حيث إن النفع فيها نادر و قليل جدا فلا يوجب بذل المال بإزائها.

و قد علمت أن المفروض الالتزام بمالية هذه الأشياء و ان كان نفعها -

ص: 145

فالعمدة (1) في المسألة: الاجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة:

و هو (2) الظاهر من التأمل في الأخبار أيضا مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة، مع اشتماله على منفعة نادرة محللة. مثل قوله صلى اللّه عليه و آله: (لعن اللّه اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها) (3) بناء على أن للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود، لأن (4) ظاهر تحريمها

++++++++++

- قليلا فلا يكون المال أكلا بالباطل، فالمقتضي لبذل المال بإزائها موجود و هي العمومات المذكورة و المانع عن صحة المعاوضة عليها مفقود.

(1) أي العمدة و الأساس في مسألة حرمة الاكتساب بما لا نفع فيه الذي هو المقصود من النوع الثالث: هو الاجماع على عدم الاعتبار و الاعتناء بالمنفعة النادرة القليلة، لا الآيات المذكورة، و لا الأخبار الواردة التي تمسك بها الخصم، فإن الإجماع قائم على أن المنفعة النادرة لا توجب بذل المال ازاء الشيء الخسيس القليل.

(2) أي عدم الاعتناء و الاهتمام بالمنافع النادرة الخسيسة هو ظاهر الأخبار الواردة عن (أئمة أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام أيضا لمن تأمل و تعمق في هذه الأخبار.

(3) (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 2. ص 427. الحديث 1 و بقية الحديث: إن اللّه اذا حرم على قوم أكل شيء حرم ثمنه.

هذا أحد الأحاديث الدالة على عدم اعتناء الشارع بالمنفعة النادرة لأنها معدومة عنده ليست قابلة لبذل المال ازاءها.

ثم لا يخفى عليك أن الاستدلال بالحديث على المدعى: و هو عدم اعتناء الشارع بالمنفعة النادرة مبني على أن للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود كتصبينها، و لو لا البناء المذكور لما صح الاستدلال به على المدعى.

(4) تعليل لأن للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود. -

ص: 146

عليهم تحريم أكلها، أو سائر منافعها المتعارفة فلو لا أن النادر (1) في نظر الشارع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع عن البيع (2) كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف و الاعتداد، إلا أن يقال:

المنع فيها (3) تعبد، للنجاسة، لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة. فتأمل (4).

++++++++++

- و خلاصة التعليل: أن منشأ تحريم الشحوم على اليهود: أحد الأمرين:

إما الأكل، لأنه المناسب له.

و إما سائر المنافع المتعارفة عندهم، لا جميعها حتى النادرة كمنفعة التصبين مثلا.

(1) أي المنفعة النادرة كالتصبين، و لو لا انها كانت في نظر الشارع معدومة و غير معتبرة لم يكن هناك دليل لمنع بيع الشحوم.

(2) و هي المنافع الكثيرة المتعارفة.

(3) أي اللهم إلا أن يقال:

استدراك عما أفاده من أن منشأ تحريم الشحوم على اليهود أحد الأمرين:

و خلاصة الاستدراك: أنه يمكن أن يقال: إن علة التحريم و منشأه هو التعبد المحض و هي النجاسة، لا عدم مالية المنفعة النادرة التى لم يعتبرها الشارع.

(4) لعل وجه التأمل: أن النجاسة لا تكون مانعة عن البيع، إذ كثير من الأشياء النجسة يباح بيعها، فالمانع عن البيع هو عدم مالية المنفعة النادرة في الشحوم.

و قد تقدم من الشيخ التصريح بجواز بيع النجس.

راجع الجزء الأوّل من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة ص 263. عند قوله: و لكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد في مقابل أصالة الاباحة:

على شيء مما ذكر.

ص: 147

و أوضح من ذلك (1) قوله عليه السلام في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به: و كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه إلى آخر حديث تحف العقول إذ لا يراد منه مجرد المنفعة، و إلا (2) يعم الأشياء كلها.

و قوله (3) في آخره: إنما حرم اللّه الصناعة التي يجيء منها الفساد

++++++++++

(1) أي و أوضح من الحديث النبوي الدال على أن المنفعة النادرة لا تعد منفعة، و أنها في نظر الشارع معدومة: قوله عليه السلام في رواية (تحف العقول): يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات.

وجه الأوضحية أنه لا يراد من كلمة الصلاح مجرد المنفعة النادرة القليلة حتى يصح بذل المال ازاءه، بل المراد منها المنافع المتعارفة المتداولة فإن هذه فيها الصلاح للعباد يصح لهم بذل المال ازاءها، و لو كانت المنفعة النادرة هو المراد من الصلاح لعم الصلاح كل الأشياء، إذ ما من شيء إلا و له منفعة نادرة، فعليه يصح بذل المال ازاء كل شيء له منفعة نادرة و ليس الأمر كذلك.

ثم لا يخفى أنه يمكن أن يقال بعدم أوضحية رواية (تحف العقول) على المطلوب من الحديث النبوي، لأن التنوين في كلمة جهة تنوين تنكير و هو يشمل حتى المنفعة النادرة القليلة.

(2) أي و ان اريد من الصلاح المنفعة النادرة لعم الصلاح الأشياء كلها كما عرفت في الهامش 1.

(3) عطف على قوله: و أوضح من ذلك، أي و أوضح من الحديث النبوي الدال على أن المنفعة النادرة لا اعتبار لها عند الشارع: قول الامام عليه السلام في آخر حديث (تحف العقول) الذي ذكرناه في الجزء الأوّل من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. ص 23-33.

ص: 148

محضا نظير كذا و كذا إلى آخر ما ذكره، فإن كثيرا من الأمثلة المذكورة هناك لها منافع محللة، فإن الأشربة المحرمة كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدّواب، بل المرضى فجعلها (1) مما يجيء منه الفساد محضا: باعتبار (2) عدم الاعتناء بهذه المصالح، لندرتها (3)، إلا أن الاشكال في تعيين المنفعة النادرة، و تميزها عن غيرها (4) فالواجب الرجوع في مقام الشك إلى أدلة التجارة (5)، و نحوها (6) مما ذكر.

++++++++++

(1) مرجع الضمير: الأشربة المحرمة.

(2) الجار و المجرور مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله:

فجعلها أي جعل الأشربة المحرمة من الأشياء التي يجيء منها الفساد محضا:

باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح، لأنها نادرة في نظر الشارع لا يلتفت إليها فلا مالية لها حتى يبذل بإزائها المال.

(3) تعليل لعدم الاعتناء بهذه المصالح التى كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب و المرضى، أي عدم الاعتناء بهذه المصالح لأجل ندرتها.

(4) و هي المنافع المتعارفة غير النادرة.

(5) و هو قوله تعالى: «إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ » و قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» .

(6) أي و نحو أدلة التجارة، و أدلة العقود: العمومات الواردة في الصلح و الهبة المعوضة التى ذكرناها في الهامش 1-2. ص 144. و قلنا، إنه عند الشك في كون المنفعة النادرة من مصاديق البيع يرجع إلى هذه العمومات المذكورة، لا إلى قاعدة أحل اللّه البيع، لكونها شبهة مصداقية.

و لا يخفى أننا لم نعرف لحد الآن المقصود من المنفعة النادرة هل المراد منها التافهة، أو المهمة، إذ قد تكون المنفعة النادرة مهمة جدا كما اذا استعملت في معالجة المريض، و الأمثلة التي ذكرها (شيخنا الأنصاري) -

ص: 149

و منه (1) يظهر أن الأقوى جواز بيع السباع، بناء على وقوع التذكية عليها (2)، للانتفاع البين بجلودها، و قد نص في الرواية على بعضها (3) و كذا (4) شحومها و عظامها.

++++++++++

- تعم كلا الطرفين: المنفعة النادرة التافهة. و المنفعة النادرة المهمة، و ان كان الأقوى و القدر المتيقن منها: المنافع النادرة التافهة.

(1) أي و مما ذكرنا سابقا من أن الشك في كون المنفعة النادرة من مصاديق البيع موجب للرجوع إلى عمومات التجارة و العقود، و إلى عمومات الصلح و الهبة، لا إلى عموم أحل اللّه البيع، لأنها شبهة مصداقية.

(2) لا يخفى أنه بناء على وقوع التذكية على السباع تكون المنفعة كثيرة فيها، لا نادرة فحينئذ تخرج عن الشبهة المصداقية، و تدخل في أفراد البيع فتشملها أدلته: و هو قوله تعالى: أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ .

(3) أى على بعض هذه المنافع.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 16. ص 388. الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة. الحديث 4.

أليك نص الحديث:

قال: سألته عن لحوم السباع و جلودها.

فقال: أما لحوم السباع، و السباع من الطير و الدواب فإننا نكرهها.

و أما جلودها فاركبوا عليها، و لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه.

و لا يخفى أن عدم جواز الصلاة في جلود السباع، و السباع من الطير لأجل أنها جلود ما لا يؤكل لحمه.

و المراد من بعضها بعض المنافع: و هو الركوب على جلود السباع و افتراشها و النوم عليها، و لبسها في غير حالة الصلاة.

(4) أي و كذا شحوم السباع و عظامها فلها فوائد يرجع في حلية بيعها -

ص: 150

و أما لحومها فالمصرح به في التذكرة عدم الجواز (1)، معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه (2) كاطعام الكلاب المحترمة، و جوارح الطير.

و يظهر (3) أيضا جواز بيع الهرة: و هو (4) المنصوص في غير واحد من الروايات، و نسبه (5) في موضع من التذكرة إلى علمائنا، بخلاف القرد، لأن المصلحة المقصودة منه: و هو حفظ المتاع نادر.

++++++++++

- الى العمومات المذكورة: من التجارة و الصلح و الهبة المعوضة، و غيرها كما عرفت.

(1) أي عدم جواز بيعها.

(2) أي من لحم السباع، و المراد من الكلاب المحترمة: كلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط فإطعام لحوم السباع لهذه الكلاب منفعة نادرة.

و كذا اطعامها لجوارح الطير اذا كانت محترمة بأن كانت معلّمة.

(3) أي مما ذكرنا من أن الشك في كون المنفعة النادرة من مصاديق البيع، و أن المرجع هي العمومات المذكورة: يظهر جواز بيع الهرة.

و المنفعة النادرة في الهرة: هو أخذها في البيت لقتل الحيات و العقارب و سائر الهوام و الفأرة.

(4) أي جواز بيع الهرة هو المنصوص في الأخبار الواردة.

راجع نفس المصدر. الجزء 12. ص 83. الباب 14 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 3. أليك نص الحديث.

عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ثم قال: لا بأس بثمن الهرة.

(5) أي جواز بيع الهرة.

راجع (تذكرة الفقهاء) من طبعتنا الحديثة. الجزء 7. ص 17 عند قوله: الخامس لا بأس ببيع الهرة عند علمائنا.

ص: 151

ثم اعلم أن عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة إلى خسة الشيء (1) كما ذكر من الأمثلة في عبارة المبسوط. (راجع ص 132)

و أخرى إلى قتله كجزء يسير من المال لا يبذل في مقابله مال كحبة حنطة.

و الفرق أن الاول (2) لا يملك و لا يدخل تحت اليد كما عرفت من التذكرة (3)، بخلاف الثاني (4) فانه يملك، و لو غصبه غاصب كان عليه مثله إن كان مثليا (5)، خلافا للتذكرة فلم يوجب شيئا (6) كغير المثلي.

++++++++++

(1) بأن تكون المنافع تافهة لا فائدة فيها.

(2) و هي المنافع الخسيسة التافهة التي لا فائدة فيها، فإنها لا تكون ملكا لأحد لو وضعت اليد عليها، لا بالحيازة و لا بغيرها.

(3) راجع نفس المصدر. ص 21 عند قوله: لخستها، و عدم التفات نظر الشرع إلى مثلها في التقويم، و لا تثبت الملكية لأحد عليها.

(4) و هي المنافع القليلة كجزء يسير من المال كحب حنطة.

(5) لأن الضمان بالمثل و المثلي متوفر.

(6) أي قال بعدم الضمان في الشيء القليل اليسير لو غصبه غاصب ثم تلف، سواء أ كان المغصوب مثليا أم قيميا.

كما أن الجزء الصغير اليسير القيمي اذا غصب و تلف لا ضمان له:

لعدم قيمة له حتى يضمن.

راجع نفس المصدر. ص 20 عند قوله: فإن اخذت وجب الرد فإن تلفت فلا ضمان، لأنه لا مالية لها.

ص: 152

و ضعّفه (1) بعض بأن اللازم حينئذ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا.

و يمكن (2) ان يلتزم فيه كما يلتزم في غير المثلي. فافهم (3).

++++++++++

(1) أي ضعّف بعض الفقهاء ما ذهب إليه العلامة: من عدم الضمان في المثلي القليل، كما ذهب إلى عدم الضمان في القيمي القليل.

و الباء في قوله: بأن اللازم بيان لوجه الضعف.

و خلاصة وجه الضعف: أن لازم قول العلامة من عدم الضمان في المثلي القليل كحب حنطة: أن الانسان لو غصب صبرة من طعام أو شيئا آخر تدريجا ثم أتلفه: عدم ضمان لهذه الصبرة المغصوبة شيئا فشيئا ثم التالفة، مع أنه لم يقل أحد بذلك حتى العلامة نفسه.

(2) دفاع من (شيخنا الأنصاري) عن (العلامة) في الاشكال الوارد عليه من بعض الفقهاء، حيث ضعّف دليله.

و خلاصة الدفاع: امكان الالتزام بضمان هذا المثلي الذي غصب شيئا فشيئا و تدريجا بما التزمناه: من ضمان القيمي القليل لو غصبه شيئا فشيئا فاجتمع عنده حتى صدق أنه مال

فكما أن هذا المقدار من القيمي القليل الذي اجتمع عند الغاصب شيئا فشيئا حتى صار مالا يصدق عليه اسم المالية، و اصبح الغاصب ضامنا له.

كذلك من غصب شيئا مثليا من صبرة تدريجا حتى اجتمعت عنده يكون ضامنا لهذا المثلي الذي سرق و غصب تدريجا ثم تلف فهو مثل القيمي القليل الذي اجتمع شيئا فشيئا ثم تلف.

(3) لعله اشارة إلى أن هذا الدفاع لا يكون ردا على المضعف، حيث إنه يقول: إن لازم قول العلامة عدم الضمان في المغصوب تدريجا مهما بلغ

ص: 153

ثم إن منع حق الاختصاص في القسم الأوّل (1) مشكل، مع عموم قوله صلى اللّه عليه و آله: من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحق به (2)، مع عد (3) أخذه قهرا ظلما عرفا.

++++++++++

(1) و هو عدم جواز بذل المال في مقابل الشيء الذي لا منفعة فيه لخسته، لعدم تعلق الغرض العقلائي و الرغبة العقلائية فيه.

(2) (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 3. ص 149. الباب 41 الحديث 4، فالحديث عام يشمل ما لا مالية فيه، سواء أ كان قليلا أم خسيسا فيثبت حق الاختصاص، و يتفرع عليه حق الضمان.

(3) هذه الجملة: مع عد اخذه قهرا ظلما عرفا من العبارات المحتاجة إلى التفسير إعرابا و معنى.

أليك التفسير إعرابا: كلمة مع منصوبة على الظرفية و قيد لقوله:

مشكل، و مضافة إلى كلمة عد، و هي مضافة إلى الضمير، و مرجع الضمير في أخذه: القسم الأوّل: و هو ما لا مالية فيه لخسته.

و كلمة قهرا منصوبة على أنها مفعول مطلق لقوله: أخذه، و كلمة ظلما منصوبة على أنها مفعول ثان لقوله: أخذه، و كلمة عرفا منصوبة على الظرفية، أي في العرف.

و أما معنى العبارة فهكذا: أي منع حق الاختصاص في القسم الأوّل و هو ما لا مالية فيه لخسته مشكل، لأن العرف يرى أن أخذ هذا الشيء الخسيس من صاحبه بالقهر يعد من الظلم.

ص: 154

النوع الرّابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه

اشارة

النوع الرّابع (1) ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه (2)، و هذا النوع و ان كانت أفراده هي جميع الأعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة و الجعالة و غيرهما (3)، إلا أنه جرت عادة الأصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات، بل و لغير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به كالغيبة و الكذب (4) و نحوهما.

و كيف كان (5) فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتها إن شاء اللّه.

++++++++++

(1) أي النوع الرابع من الاكتساب المحرم.

(2) أي لا تكون حرمته لاجل ترتب شيء آخر عليه و من باب المقدمة، بل حرمته نفسية ذاتية.

(3) من الصلح و البيع و الهبة المعوضة، و غيرها من المعاوضات المالية.

(4) فإن الغيبة و الكذب، و نحوهما من النميمة و التشبيب مما لم يتعارف الاكتساب بها، و لم توضع للاكتساب.

(5) أي سواء جرت العادة في الاكتساب بالأشياء المذكورة في النوع الرابع أم لم تجر العادة بالاكتساب بها فنحن نقتفي آثارهم، و نقتدي بهم، و نذكر ما ذكروه بعنوان المكاسب المحرمة و ان كان قسم منها غير -

ص: 155

..........

++++++++++

- موضوعة للاكتساب بها كالنميمة و التشبيب، و الكذب و الغيبة، و السحر و الشعوذة و نذكر كل واحد من هذه المواضع في مسألة مستقلة حسب أوائل عنواناتها مثلا نذكر الغيبة في حرف الغين، و التميمة في حرف النون، و السحر في حرف السين، و التنجيم في حرف التاء. و هكذا.

ص: 156

تدليس الماشطة

ص: 157

ص: 158

المسألة الأولى تدليس الماشطة

المسألة الأولى تدليس الماشطة (1) المرأة التي يراد تزويجها، أو الأمة التي يراد بيعها حرام (2) بلا خلاف كما عن الرياض.

و عن مجمع الفائدة (3) الاجماع عليه، و كذا (4) فعل المرأة ذلك بنفسها.

قال في المقنعة: و كسب المواشط (5) حلال اذا لم يغششن، و لم يدلسن

++++++++++

(1) بصيغة المؤنث اسم فاعل من باب المفاعلة من ماشط يماشط مماشطة.

و معناه: احتراف المرأة المشاطة، أي تزيين الماشطة المرأة التي يقصد زواجها حينما تخطب، ليرغب في تزوجها.

أو تتزين هي، لتحصل الرغبة في تزوجها.

و كذلك الامة تتزين، ليرغب في شرائها.

(2) خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: تدليس الماشطة، أي تدليس الماشطة حرام.

(3) كتاب في الفقه للمولى (المقدس الأردبيلي).

(4) أي تدلسن نفسها بيديها عند ما تخطب، ليرغب إليها من يخطبها أو تدلس حتى يرغب إليها و ان لم تخطب فهذا العمل حرام أيضا، لأنه تدليس، اذ هذه العملية لا تختص بالماشطة.

(5) جمع ماشطة وزان كواعب كوارث جمع كاعبة كارثة.

ص: 159

في عملهن فيصلن (1) شعور النساء بشعور غيرهن من الناس، و يشمن (2) الخدود، و يستعملن ما لا يجوز في شريعة الاسلام، فإن وصلن شعرهن بشعر غير الناس لم يكن بذلك بأس انتهى.

و نحوه بعينه عبارة النهاية.

و قال في السرائر في عداد المحرمات: و عمل المواشط بالتدليس: بأن يشمن الخدود و يحمرنها (3)، و ينقشن بالأيدي و الأرجل، و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن، و ما جرى مجرى ذلك (4) انتهى.

و حكي نحوه عن الدروس و حاشية الارشاد.

++++++++++

(1) هذه الجملة: فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن: تفسير للتدليس و الغش من النساء اللاتي يردن الزواج، ليرغب إليهن الرجال.

(2) فعل مضارع اسند إلى نون النسوة من وشم يشم وشما وزان وعد يعد وعدا أعلّ مضارعه إعلال يعد، إذ اصله يوشم.

و معناه: تغريز البدن بالإبرة مع وضع غبار عليه ليكتسب البدن به لونا خاصا يشبه الخضرة ليتراءى زينة حسب بعض الأذواق كما هي العادة عند نساء القرى و الأرياف، و بئست الأذواق هذه.

نعم لو كانت الوشمة الصناعية على بعض أماكن البدن كالخد و الشفتين و الذقن و المنحر: لكانت مما يحسن المرأة، و لها طلابها.

(3) فعل مضارع اسند إلى نون النسوة من باب الإفعال.

و كذلك ينقشن فعل مضارع اسند إلى نون النسوة من باب التفعيل.

(4) أي و ما جرى مجرى تحمير الوجه، و تلوينه، و تنقيشه، و ايصال الشعر من العمليات التي تخص النساء، و توجب تجميلهن و تزيينهن.

ص: 160

و في عد و شم الخدود من جملة التدليس تأمل (1)، لأن الوشم في نفسه زينة.

++++++++++

(1) مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر خبره قوله: و في عد وشم الخدود و وجه التأمل: أن وشم الخد عبارة عن ايجاد خال صناعي في احد الخدين و من المعلوم أن هذه العملية مما يوجب حسنا و جمالا و بداعة في معاني المرأة و ملامحها المطلوبة فيها كثرة التحسنات و التجملات. فاذا أوجد الوشم خالا صناعيا فيها فقد حدث فيها بسببه جمال صناعي، و حسن صوري: بالإضافة الى ملامحها الطبعية.

و كم للشعراء من أهل الذوق و العرفان غزليات حول هذه الوشمة الطبيعية اذا كانت موجودة في الانسان.

قال شاعرنا الكبير المرحوم (السيد رضا الهندي) أعلى اللّه مقامه في قصيدته الرائية الشهيرة ب: (الكوثرية) في مدح (الامام أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام:

أ مفلّج ثغرك أم جوهر *** و رحيق رضا بك أم سكّر

قد قال لثغرك صانعه: *** إنّا أعطيناك الكوثر

***

و الخال بخدّك أم مسك *** نقّطت به الورد الأحمر

أم ذاك الخال بذاك الخد *** فتيت الند على مجمر

***

عجبا من جمرته تذكو *** و بها لا يحترق العنبر

فمثل هذا الخال الصناعي، سواء أ كان من عمل الماشطة أم من فعل المرأة بنفسها لنفسها.

و سواء أ كان على الخد أم على الشفة أم على المنحر أم على الذقن: -

ص: 161

و كذا التأمل (1) في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الانسان، و وصله

++++++++++

- لا يكون تدليسا و غشا، حيث إنه من الأمور الظاهرة التي تتراءى، و لا يكون مخفيا على أحد و لا سيما لونه يختلف مع لون الخال الطبيعي، فالمرأة التي تقصد خطبتها مثل هذه المرأة ترى الخال على خدها و ليست بعمياء حتى يكون هذا العمل تدليسا و غشا، و قد عرفت أن الخفاء و الإخفاء هو المأخوذ في مفهوم لفظ الغش و التدليس.

ثم إن هذا الخال بعد وجوده يكون من الأمور الثابتة في خد المرأة أو في أي مكان آخر من أماكن تحسينها و تجميلها حتى الموت، و ليس يذهب بعد الزواج و الخطبة حتى يكون تدليسا و غشا.

هذا بالإضافة إلى أن الوشم بنفسه من الأمور المحسنة في المرأة كما عرفت، و لذا اعترف (شيخنا الأعظم الأنصاري) قدس اللّه سره بذوقه الطبيعي بقوله: لأن الوشمة بنفسه زينة.

و هذا أمر طبيعي لا ينكره كل من كان من أهل الذوق.

اللهم إلا أن يكون من أهل العناد و اللجاج.

نعم هناك نقوش تحصل بواسطة الوشم في بدن المرأة على صدرها و ظهرها و بطنها و يديها من المنكب إلى رءوس الأصابع، و رجليها يستعملها نساء البوادي و القرى حسب عقولهن القاصرة. اعتقادا منهن أنها زينة و جمال لهنّ مع أنها تشوه منظرهن الطبيعي.

و لا يخفى أن هذا النوع من الوشم لا يعد غشا و تدليسا أيضا، لأنه غير خفي على المرأة التي تخطب مثل هذه المرأة المستوشمة، لظهوره في بدنها

و قد عرفت أن الخفاء و الإخفاء مأخوذ في مفهوم الغش و التدليس.

(1) أي و كذا يأتي التأمل في التفصيل بين وصل شعر الانسان بشعر المرأة في كونه تدليسا. -

ص: 162

بشعر غيره، فإن ذلك لا مدخل له في التدليس و عدمه.

إلا أن يوجه الأوّل (1) بأنه قد يكون الغرض من الوشم حدوث نقطة خضراء في البدن حتى يتراءى بياض سائر البدن و صفاؤه أكثر مما كان يرى لو لا هذه النقطة.

و يوجه الثاني (2) بأن شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الأصلي للمرأة فلا يحصل التدليس به، بخلاف شعر المرأة (3).

و كيف كان (4) يظهر من بعض الأخبار المنع عن الوشم، و وصل الشعر بشعر الغير.

و ظاهرها المنع و لو في غير مقام التدليس ففي مرسلة ابن أبي عمير عن رجل عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام قال: دخلت ماشطة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال لها: هل تركت عملك، أو أقمت عليه ؟

++++++++++

- و بين وصل شعر غير الانسان من الحيوانات المذكورة بشعر المرأة في كونه ليس تدليسا.

(1) و هو وشم الخدود بتغريز الإبرة في بدن المرأة.

(2) و هو التفصيل بين وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخرى فتدليس.

و بين وصل شعر غير الانسان من الحيوانات بشعر المرأة فلا يكون تدليسا.

(3) حيث إن وصل شعر امرأة بشعر امرأة أخرى يحصل به التدليس لشباهته بشعر المرأة نفسها.

(4) أي سواء أ كان المراد من وصل الشعر: وصل شعر المرأة أم غيرها، و سواء أ كان يعد هذا الوصل تدليسا أم لا: فظاهر بعض الأخبار الآتية المنع عن هذا الوشم، و عن وصل هذا الشعر و ان لم يكن في مقام التدليس و الغش.

ص: 163

فقالت: يا رسول اللّه أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه فانتهي عنه.

فقال: افعلي فاذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة، فإنها تذهب بماء الوجه، و لا تصلي شعر المرأة بشعر امرأة غيرها.

و أما شعر المعز فلا بأس به بأن يوصل بشعر المرأة (1).

و في مرسلة الفقيه: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط، و قبلت ما تعطى، و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها.

و أما شعر المعز فلا بأس بأن يوصله بشعر المرأة (2).

و عن معاني الأخبار بسنده عن علي بن غراب عن (جعفر بن محمد) عن آبائه عليهم السلام قال: لعن (رسول اللّه) صلى اللّه عليه و آله النامصة و المنتمصة، و الواشرة و الموتشرة، و الواصلة و المستوصلة، و الواشمة و المستوشمة.

قال الصدوق: قال علي بن غراب: النامصة التي تنتف (3) الشعر

++++++++++

(1) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 94. الباب 19 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 2.

و لا يخفى أن الحديث في المصدر، و في الكافي. الجزء 5. ص 119 الحديث 2، و في التهذيب. الجزء 6. ص 359-360. الحديث 152 ليس فيه جملة: و أما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة.

نعم إنها موجودة في مرسلة الفقيه، فلعل التكرار من اشتباه نساخ المكاسب.

(2) راجع (من لا يحضره الفقيه). الجزء 3 ص 98. الحديث 26

(3) من باب ضرب يضرب، و معناه: النزع، يقال: نتف شعره أو ريشه أي نزعه.

ص: 164

و المنتمصة التي يفعل ذلك بها، و الواشرة التي تشمر أسنان المرأة و تفلجها (1) و تحددها، و الموتشرة التي يفعل ذلك بها، و الواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، و المستوصلة التي يفعل ذلك بها، و الواشمة التي تشم و شما في يد المرأة، أو في شيء من بدنها: و هو أن تغرز بدنها، أو ظهر كفها (2) بإبرة حتى تؤثر فيه ثم تحشوها بالكحل، أو شيء من النورة

++++++++++

(1) من باب منع يمنع، و معناه: التباعد.

يقال: فلجت أسنانه، أي تباعدت.

و المقصود من الواشرة: أنها تصنع بأسنان المرأة عملية توجب رفع الاتصالات الموجودة بينها، و بهذه العملية تزيد حسنا و كمالا في ملامحها الطبيعية حسب نظرياتها.

و حيث إن هذه العملية المذكورة تسبب رفع الغلاف المعبر عنه (بالميناء) الذي هو فوق الأسنان، و بهذا الرفع تتوقف عملية المضغ و تحدث تلفا في الأسنان: نهى (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله:

عن الاقدام عليها.

(2) و لا يخفى أن الوشم على ظهر الكف، أو مكان آخر من البدن عدا الخدين و الشفة، و المنحر و الذقن موجب للتشويه في البدن، و كراهة المنظر، بالإضافة إلى الأذى الذي يلحق المرأة في العملية هذه كما عرفت

و من المحتمل أن الغبار الذي يوضع على البدن و يدخل فيه بسبب الإبرة يوجب تسمما في الدم، أو تضررا فيه فيجري هذا الدم المتسمم في العروق فيحدث أضرارا فيه.

و لعل من جملة علة التحريم هذا.

و كم لهذه الأحكام من العلل قد خفيت علينا و لم تبلغها عقولنا القاصرة -

ص: 165

فتخضر، و المستوشمة التي يفعل بها ذلك (1).

و ظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل و لو بشعر غير المرأة مثل ما عن عبد اللّه بن الحسن قال: سألته عن القرامل.

قال: و ما القرامل ؟

قلت صوف تجعله النساء في رءوسهن.

قال: ان كان صوفا فلا بأس، و ان كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و المستوصلة (2).

و ظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقا (3) ففي رواية سعد الإسكاف قال: سئل (أبو جعفر) عليه السلام عن القرامل التي تضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهن.

قال: لا بأس على المرأة بما (4) تزينت به لزوجها.

++++++++++

- و لعل الأجيال القادمة تكتشف لنا أسرارها.

و في هذا الحديث الشريف من الحكم و الأسرار التي هي من أعلام النبوة و دلائلها الواضحة: ما لا يخفى على القارئ النبيل.

(1) (معاني الأخبار). الطبعة الحروفية (بطهران) عام 1379 ص 249-250.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 95. الباب 19 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 5. فجملة: لا خير فيه في قوله عليه السلام:

دالة على الكراهة.

(3) أي سواء أ كان شعر المرأة أم غيرها.

(4) فكلمة (ما الموصولة) تدل على العموم، أي سواء أ كان ما تتزين بها صوفا أم شعرا.

ص: 166

قال: فقلت له: بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لعن الواصلة و المستوصلة.

فقال: ليس هناك (1) انما لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الواصلة التى تزني في شبابها فاذا كبرت قادت النساء إلى الرجال فتلك الواصلة (2).

و يمكن الجمع بين الأخبار (3) بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر كما

++++++++++

(1) اي ليس مقصوده صلى اللّه عليه و آله كما ذهب وهمك:

من أن الواصلة هي المرأة التي تصل شعر المرأة، أو شعر غيرها بشعر امرأة اخرى.

بل المراد من الواصلة: المرأة الزانية في شبابها، و القوادة في كبرها بأن تقود النساء للرجال اذا كبرت.

(2) نفس المصدر. ص 94. الحديث 3.

(3) اي الجمع بين هذه الأخبار الدال بعضها على جواز وصل شعر المرأة بشعر امرأة اخرى، كما في رواية سعد الإسكاف في قوله عليه السلام:

لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها.

و بين الأخبار الدال بعضها على المنع، سواء أ كان المنع بصورة التحريم كما في مرسلة ابن أبي عمير في قوله صلى اللّه عليه و آله: و لا تصلي شعر المرأة بشعر امرأة غيرها.

أم كان المنع بصورة الكراهة كما في رواية عبد اللّه بن الحسن في قوله عليه السلام: و ان كان شعرا فلا خير فيه: من الواصلة و المستوصلة.

و طريق الجمع بين هذه الأخبار الواردة في موضوع واحد: أن نحكم بكراهة وصل مطلق الشعر، سواء أ كان من المرأة أم من غيرها كما في رواية عبد اللّه بن الحسن، فإن كلمة شعرا في قوله عليه السلام: و ان كان شعرا فلا خير -

ص: 167

في رواية عبد اللّه بن الحسن، و شدة (1) الكراهة في الوصل بشعر المرأة

و عن الخلاف و المنتهى الاجماع على أنه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان (2)، أو امرأة.

و أما ما (3) عدا الوصل مما ذكر في رواية،

++++++++++

- فيه تدل على مطلق الشعر، سواء أ كان الشعر شعر المرأة أم شعر غيرها.

و نحكم بشدة الكراهة في وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخرى كما في مرسلة ابن ابي عمير في قوله صلى اللّه عليه و آله: و لا تصلي شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، فلا يراد من النهي معناه الحقيقي الذي هو طلب ترك ايجاد الفعل مع المنع من الفعل.

اذا لا منافاة بهذا الجمع بين هذه الأخبار الدال بعضها على الجواز و بعضها على المنع كما عرفت.

(1) بالجر عطفا على مدخول (باء الجارة) في قوله: بكراهة أي و بالحكم بشدة الكراهة في وصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها كما عرفت آنفا

(2) اسم كان يرجع إلى (غير) في قوله: وصل شعرها بشعر غيرها، أي يكره وصل شعر المرأة بشعر غيرها، سواء أ كان الغير رجلا أم امرأة.

(3) دفع وهم. حاصل الوهم: أنه في الجمع بين هذه الأخبار الدال بعضها على الجواز، و بعضها على المنع: حكمتم بكراهة وصل مطلق الشعر كما في رواية عبد اللّه بن الحسن.

و بشدة الكراهة كما في مرسلة ابن ابي عمير: بمعنى أن الأخبار المانعة تحمل على الكراهة.

فما تحكمون في رواية معاني الأخبار في قوله عليه السلام: لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله النامصة و الواشرة، و الواشمة، و الواصلة، حيث -

ص: 168

معاني الأخبار فيمكن (1) حملها أيضا على الكراهة، لثبوت (2) الرخصة

++++++++++

- إن الرواية المذكورة تدل على حرمة الأمور الأربعة التي منها الواصلة:

و هي المرأة التي تصل شعر امرأة بشعر امرأة اخرى، لشمول اللعن هذه الأمور الأربعة.

اذا يبقى التضارب بين الأخبار الواردة في المقام على حاله.

(1) هذا جواب عن الوهم المذكور:

و حاصله: أنه يمكن حمل ما عدا الوصل و هو النمص و الوشر و الوشم على الكراهة أيضا كما حملنا رواية معاني الأخبار على الكراهة.

و الدليل على ذلك: ثبوت جواز هذه الأشياء في رواية (سعد الإسكاف) في قوله عليه السلام: لا بأس على المرأة بما تزينت لزوجها، بناء على افادة كلمة ما الموصولة العموم، فيكون هذا العموم موجبا لحمل ما عدا الوصل على الكراهة أيضا.

و الخلاصة: أن نظم الكلام في الجميع من النامصة و الواشرة و الواشمة و الواصلة واحد، فإن كان الحكم في الواصلة الكراهة ففي الجميع الكراهة و ان لم يكن كذلك فظاهره حرمة الجميع، لمكان اللعن، و اللعن بغير مرتكب الحرام لا يليق. و مرجع الضمير في حملها: (ما الموصولة) في قوله: ما عدا الوصل، و التأنيث باعتبار معنى ما الموصولة، أي و يمكن حمل ما عدا الوصل: و هو النمص و الوشم و الوشر على الكراهة كما عرفت.

(2) اللام تعليل لامكان حمل ما عدا الوصل على الكراهة، أي الدليل على إمكان حمل المذكور: ثبوت جواز مطلق الزينة، سواء أ كانت وصلا أم نمصا أم و شرا أم و شما: للمرأة لزوجها كما عرفت فمن نفي البأس عن مطلق الزينة للمتزوجة نستكشف الكراهة فيما عدا الوصل من الأمور -

ص: 169

من رواية سعد الإسكاف في مطلق الزينة، خصوصا مع صرف الامام (1) للنبوي الوارد في الواصلة عن ظاهرها المتحد سياقا (2) مع سائر ما ذكر

++++++++++

- الثلاثة المذكورة في الحديث النبوي المشار إليه في الهامش 3 ص 168، فيحمل اللعن هنا على غير الطرد و الابعاد: و هي الكراهة.

(1) هذه العبارة: (خصوصا مع صرف الامام) لتأكيد الحمل المذكور، أي و يكون الحمل على الكراهة مؤكدا خصوصا مع صرف الامام كلمة الواصلة الواردة في الحديث النبوي: عن معناها الظاهري.

ببيان: أن السائل يسأل الامام عن القرامل التي يضعها النساء في رءوسهن فيقول الامام عليه السلام: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، ثم يقول السائل في مقام الاستغراب و الاستعجاب من جواب الامام: بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لعن الواصلة و المستوصلة.

فأجاب الامام عليه السلام: ليس هناك إنما لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الواصلة التي تزني في شبابها، فاذا كبرت قادت النساء إلى الرجال فصرف الامام عليه السلام كلمة الواصلة عن معناها الظاهري الذي هو وصل شعر امرأة بشعر امرأة اخرى، و حملها على معناها الغير الظاهري التي هو زناء المرأة في شبابها، و قيادتها النساء إلى الرجال اذا كبرت:

قرينة على الحمل المذكور: و هو الحمل على الكراهة كما عرفت.

(2) و قد عرفت معنى اتحاد السياق في الهامش 1. ص 169 عند قولنا:

و الخلاصة أن نظم الكلام في الجميع من النامصة و الواشمة، و الواشرة و الواصلة واحد.

ص: 170

و لعله (1) أولى من تخصيص الرخصة بهذه الأمور (2)، مع أنه (3)

++++++++++

(1) أي و لعل حمل ما عدا الواصلة و هو النمص و الوشم و الوشر على الكراهة: أولى من ارتكاب التخصيص في عموم الرخصة و الجواز المستفاد من كلمة (ما الموصولة) في قوله عليه السلام: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، فاذا لم نحمل ما عدا الواصلة على الكراهة نضطر الى تخصيص العام، و رفع اليد عن عمومه، و القول بعدم جواز تزيين المرأة لزوجها بالمذكورات.

و قد قيل قديما و حديثا: إنه اذا دار الأمر بين التخصيص و غيره فعدم التخصيص أولى، ففيما نحن فيه الحمل على الكراهة أولى من التخصيص المذكور، لأن التخصيص موجب لصرف العام عن عمومه، و استعماله في الخصوص فيكون مجازا.

ثم لا يخفى أن هذا الحمل يكون بالنسبة إلى الثلاثة المذكورة و هو النمص و الوشم و الوشر.

و أما بالنسبة إلى الواصلة فقد عرفت أن الامام عليه السلام قد صرفها عن ظاهرها، و أراد منها خلاف معناها الظاهري، و لو لا الصرف المذكور لكانت تحمل على الكراهة أيضا، و لا سيما أنها متحدة سياقا مع زميلاتها كما عرفت في الهامش 1 من ص 169.

(2) و هو النمص و الوشم و الوشر و الوصل كما عرفت آنفا.

(3) هذا تنازل من الشيخ.

و خلاصة التنازل: أنه لو لم نحمل ما عدا الواصلة على الكراهة و نغض النظر عن صرف الواصلة عن ظاهرها، و خصصنا عموم جواز تزيين المرأة لزوجها بالأمور الأربعة المذكورة بأن قلنا: إنه يجوز للمرأة أن تتزين لزوجها بما شاءت و شاء، عدا تزيينها بالأمور الأربعة: النامصة و الواشمة -

ص: 171

لو لا الصرف لكان الواجب إما تخصيص الشعر بشعر المرأة، أو تقييده (1) بما اذا كان هو، أو إحدى أخواته (2) في مقام التدليس فلا دليل على تحريمها (3) في غير مقام التدليس كفعل (4) المرأة المزوجة ذلك لزوجها، خصوصا (5) بملاحظة ما في رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام

++++++++++

- و الواشرة، و الواصلة، و قلنا: إن المراد من الواصلة هو معناها الظاهري و هو وصل شعر المرأة بشعر امرأة اخرى: فلا بد لنا من القول بأحد الأمرين لا محالة على سبيل منع الخلو:

إما تخصيص حرمة وصل الشعر بوصل شعر امرأة اخرى.

و إما تقييد الوصل و احدى زميلاته الأخرى الواردة في الرواية:

بالوصل الذي تكون المرأة في مقام الغش و التدليس لا مطلقا حتى و إن لم تكن في مقام الغش و التدليس.

(1) أي تقييد الشعر المراد منه حرمة وصله بامرأة اخرى كما عرفت آنفا.

(2) أي أخوات الواصلة: و هو النمص و الوشم و الوشر.

(3) أي على تحريم الأمور الأربعة المذكورة بنحو مطلق و لو لم تكن المرأة في مقام الغش و التدليس.

(4) مثال للمنفي و هو أن المرأة اذا لم تكن في مقام التدليس و الغش لم يحرم عليها ما ذكر من الأمور الأربعة كالمرأة المتزوجة، فإن كل ما تصنعه من الزينة لزوجها حلال كما عرفت في الهامش 1 ص 169 و الهامش 1 ص 171.

و كذلك المرأة غير المتزوجة اذا لم تكن في مقام التدليس لا يحرم عليها ما ذكر، حيث إن الملاك و المناط في التحريم: هو الغش و التدليس في مقام التزويج.

(5) هذه العبارة: (خصوصا بملاحظة رواية علي بن جعفر) عن أخيه عليهما السلام: جاء بها الشيخ تأكيدا لمدعاه: و هو عدم وجود -

ص: 172

عن المرأة تحف (1) الشعر عن وجهها.

قال: لا بأس (2)، و هذه (3) أيضا قرينة على صرف اطلاق لعن

++++++++++

- دليل على تحريم الأمور الأربعة المذكورة بنحو مطلق.

و خلاصة التأكيد: أن جواب الامام عليه السلام للسائل عن المرأة تحف عن وجهها الشعر: (لا بأس) كما في الرواية المشار إليها في الهامش 2 يدل على عدم تحريم ما تفعله المرأة من الأمور الأربعة المذكورة اذا لم تكن في مقام التدليس فتحمل الأمور المذكورة على الكراهة.

(1) بصيغة المعلوم من حفّ يحف حفا. وزان مدّ يمد مدا.

و معناه: ازالة الشعر عن وجه المرأة بأي نحو كان سواء أ كان بنحو النتف أم بنحو آخر كوضع طوز خاص، أو معجون خاص على الوجه ليأخذ كل ما في الوجه ليجعله حسنا ليزداد في جمال المرأة كما في عصرنا الحاضر.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 95. الباب 19 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 8.

(3) أي حديث (علي بن جعفر) عليهما السلام قرينة على صرف اطلاق لعن النامصة عن ظاهره في النبوي: بإرادة المرأة المدلسة و الغشّاشة منها، لا مطلق النامصة، فاللعن الوارد هناك راجع إلى مثل هذه المرأة التي كانت في مقام الغش و التدليس، لا من تصل شعر امرأة بشعر امرأة اخرى.

كما أن رواية سعد الإسكاف قرينة على أن المراد من الواصلة الواردة فى الحديث النبوي المشار إليه في ص 164: المرأة الزانية في شبابها، و القائدة للنساء إلى الرجال في كبرها.

ص: 173

النامصة في النبوي عن ظاهره: بإرادة (1) التدليس، و الحمل (2) على الكراهة.

نعم قد يشكل الأمر (3) في وشم الأطفال من حيث إنه ايذاء لهم بغير مصلحة، بناء على أن لا مصلحة فيه لغير المرأة المتزوجة إلا (4)

++++++++++

(1) الباء في بإرادة التدليس بيانية لكيفية صرف اطلاق اللعن عن ظاهره كما عرفت.

(2) هذا هو الشق الثاني للنامصة، اذ شقها الأوّل صرف اللعن الوارد فيها: الى أن المرأة اذا كانت في مقام الغش و التدليس، لا مطلقا.

و المعنى: أنه اذا لم نقصد الصرف المذكور من اطلاق كلمة اللعن الوارد في النامصة عن ظاهره: بحمله على المدلسة و الغشّاشة فلا بد من حمل النامصة على الكراهة.

(3) و هو الحكم بكراهة الوشم في بدن الأطفال، لأنه ايذاء لهم فيكون حراما: بالإضافة إلى عدم وجود مصلحة في هذه العملية للأطفال.

بخلاف المرأة، فانها اذا كانت مزوجة و أرادت التزيين لزوجها بالوشم جاز لها ذلك، لوجود المصلحة في هذه العملية لها: و هو إيجاد الروعة الموجب لازدياد الجمال فيها الذي هو أمر مستحسن مطلوب، و لا سيما اذا كان الزوج ممن يرغب إلى هذه الأمور.

و إلى المعنى الذي ذكرناه اشار الشيخ بقوله: بناء على أن لا مصلحة فيه لغير الزوجة المزوجة.

(4) هذا الاستثناء راجع إلى الوشم، و ليس متعلقا بالمرأة المتزوجة فان التدليس لا يتصور في حقها بعد الزواج، حيث إنها تقدم على العملية لزوجها، لا لأجل انها تدلس.

و المعنى أنه لا مصلحة للوشم في المرأة غير المتزوجة إلا اذا كانت في مقام -

ص: 174

التدليس بإظهار شدة بياض البدن و صفائه بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن.

لكن الانصاف أن كون ذلك (1) تدليسا مشكل، بل ممنوع، بل هو (2) تزيين للمرأة من حيث خبط البياض بالخضرة، فهو تزيين، لا موهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء.

نعم مثل نقش الأيدي و الأرجل بالسواد يمكن أن يكون الغالب فيه إرادة ايهام بياض البدن و صفائه (3).

و مثله (4) الخط الأسود فوق الحاجبين، أو وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما.

++++++++++

- الغش و التدليس، لأنها بهذه العملية تقصد اظهار شدة بياض بدنها و صفائه ليرغب إليها حتى تخطب.

(1) أي الوشم بذاك المعنى: و هو تغريز البدن، أو الوجه بالإبرة لإظهار شدة البياض في البدن و صفائه بواسطة تلك النقط الخضراء التي توجد من تغريز الإبرة بعد ذر النيل، و بثه على البدن.

(2) أي الوشم بالمعنى الذي ذكرناه لك مفصلا.

(3) فتكون العملية هذه تدليسا.

(4) أي و مثل نقش الأيدي و الأرجل: نقش الحواجب بالسواد لترى المرأة أنها ذات حاجب، حيث إن بعض النساء حواجبهن قليلة جدا فهذه العملية تسبب خطا هلاليا تشبه الحواجب الطبيعية فتكون موجبة للتدليس و غشا فتحرم.

ثم إن المراد من فوق الشعر: نفس الحاجبين، لا الفوق بمعناه الحقيقي: و هو أعلى الحاجبين، لأن تسويد فوق الحاجبين بهذا المعنى مشوه لمنظر المرأة فتنتج عكس المطلوب.

ص: 175

ثم إن التدليس بما ذكرنا (1) انما يحصل بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري و ان علما أن هذا البياض و الصفاء ليس واقعيا، بل حدث بواسطة هذه الأمور فلا (2) يقال: إنها ليست بتدليس،

++++++++++

(1) و هو الوصل و النمص و الوشم و الوشر.

خلاصة هذا الكلام: أن التدليس بهذه الأمور انما يحصل بمجرد رغبة الخاطب: و هو الرجل الذي يريد أن يتزوج امرأة.

أو المشتري الذي يريد أن يشتري أمة و ان كان الخاطب و المشتري عالمين بأن البياض و الصفاء الذين في بدن المرأة ليسا واقعيين، بل حصلا بواسطة الأمور المذكورة.

و لكن مع ذلك يصدق التدليس، لأن الملاك هو حصول الرغبة بالمرأة، أو الأمة و قد حصلت بهذه الأمور المذكورة.

(2) الفاء تفريع على ما أفاده الشيخ: من أن التدليس يحصل بمجرد رغبة الخاطب، أو المشتري من أثر وجود الأمور المذكورة في المرأة أو الأمة و ان كان الخاطب و المشتري عالمين بمنشإ البياض و الصفاء.

و خلاصة التفريع: أنه بعد القول بحصول التدليس بمجرد الرغبة بالمرأة المخطوبة، أو الأمة المشتراة: لا مجال لأن يقال: إن البياض و الصفاء كانا ظاهرين على الخاطب و المشتري، غير خفيين عليهما فلا يصدق الغش و التدليس، لأن موردهما الجهل، و هنا كان الخاطب، و المشتري عالمين بهما.

فإنه يقال: إنك قد عرفت أن الغش و التدليس يحصلان بمجرد الرغبة و الميل إلى المرأة، أو الأمة و ان كان منشؤهما ظاهرين و معلومين، فالعلم و الجهل لا مدخل لهما في صدق التدليس و عدمه، لأن الملاك حصول الرغبة و الميل إلى المرأة و الأمة و قد حصلت.

و لا يخفى فيما أفاده الشيخ، حيث ان التدليس هو كتمان العيب -

ص: 176

لعدم (1) خفاء اثرها على الناظر، و حينئذ (2) فينبغي ان يعد من التدليس لبس المرأة، أو الأمة الثياب الحمر أو الخضر الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه و اللّه العالم.

ثم إن المرسلة المتقدمة عن الفقيه (3) دلت على كراهة كسب الماشطة

++++++++++

- و اخفاؤه كما عرّف في اللغة بقولهم: دلّس البائع أي كتم عيب ما يبيعه على المشتري، فاذا كان الكتمان و الإخفاء مأخوذا في مفهومه فكيف يمكن أن يقال بصدق التدليس فيما اذا كان الخاطب، أو المشتري عالمين بالأمور المذكورة.

(1) اللام تعليل لقوله: فلا يقال: إنها ليست بتدليس.

و قد علمت خلاصة التعليل بقولنا: لا مجال لأن يقال: إن البياض و الصفاء كانا ظاهرين.

(2) أي و حين أن قلنا: إن الملاك في تحقق مفهوم التدليس هو مجرد الرغبة و الميل إلى المرأة، أو الأمة و ان كان الخاطب و المشتري عالمين بمنشإ حصول البياض و الصفاء.

و لا يخفى أن لبس المرأة الثياب الخضر و الحمر لا يكون من التدليس اذ التدليس كما عرفت هو كتمان العيب و رفعه بالأمور المذكورة ليتراءى للخاطب، أو المشتري خلاف ذلك، و مجرد لبس الثياب المذكورة كيف يكون تدليسا و لذا قال قدس سره: و اللّه العالم.

اللهم إلا ان يقال: إن نفس النتيجة المترتبة على الوشم و النمص و الوصل و الوشر: و هو ظهور البياض و الصفاء في البدن لتحصل الرغبة للخاطب، أو المشتري: تترتب على لبس الثياب الخضر و الحمر.

(3) في قوله عليه السلام: لا بأس بكسب الماشطة اذا لم تشارط -

ص: 177

مع شرط الاجرة المعينة و حكي الفتوى به (1) عن المقنع و غيره.

و المراد بقوله عليه السلام: اذا قبلت ما تعطى (2): البناء على ذلك

++++++++++

- و قبلت ما تعطى و قد أشير إليها في الهامش 2. ص 164.

(1) أي بكراهة كسب الماشطة اذا شرطت اجرة معينة.

(2) أي هذه الجملة: (اذا قبلت ما تعطى) الواردة في مرسلة الفقيه التي اشرنا إليها في الهامش 2 ص 164: يراد منها بناء المرأة الماشطة من أوّل الأمر و قبل الشروع في العمل: على ان تقبل و ترضى بكل ما يعطى لها حتى انتهاء العمل، من دون ان يحصل لها تبدل رأي في الأثناء.

و لا يخفى ان هنا صورا أربعة:

(الأولى): اشتراط الماشطة الاجرة المعينة حين الشروع في العمل و تبقى ثابتة على ذلك حتى انتهاء العمل.

(الثانية): عدم اشتراط الماشطة حين العمل، و قبولها ما يعطى لها بعد انتهاء العمل.

(الثالثة): اشتراطها حين العمل و قبولها ما يعطى لها بعد العمل.

(الرابعة): بناء الماشطة على قبولها ما يعطى لها حين العمل.

لكنها تعدل عن ذلك بعد العمل.

(أما الصورة الأولى): فتلحقها الكراهة قطعا.

(و أما الصورة الثانية): فلا تلحقها الكراهة قطعا.

(و أما الصورة الثالثة): فيمكن لحوق الكراهة بها و ان قبلت ما يعطى لها. لأنها شارطت الاجرة المعينة.

و يمكن عدم لحوق الكراهة بها، لأنها خلاف الأصل، لكون الكراهة مقيدة بقيدين: الاشتراط. و عدم قبول ما يعطى لها.

و فيما نحن فيه تقبل ما يعطى لها فانتفى أحد القيدين: و هو عدم قبول -

ص: 178

حين العمل، و إلا (1) فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته.

ثم إن أولوية (2) قبول ما يعطى، و عدم مطالبة الزائد: إما لأن

++++++++++

- ما يعطى لها فبانتفاء احد القيدين تنتفي الكراهة.

(و أما الصورة الرابعة): و هو عدم اشتراط الماشطة الاجرة المعينة حين العمل، و مطالبتها الاجرة المعينة بعد العمل فلا كراهة فيها أيضا لوقوع الفعل ابتداء من غير كراهة فلا يأتي بعد الوقوع ما يوجب كراهة الفعل.

(1) أي و ان تكن بانية بعد العمل فلا كراهة من بداية العمل.

(2) و هي المفهومة من مرسلة الفقيه في قوله عليه السلام: و قبلت ما تعطى، لأن قبول الماشطة ما يعطى لها، و عدم مطالبة الأزيد من ذلك يكون أولى من مطالبتها الزائد.

ثم إن منشأ الأولوية احد الأمرين:

إما لأن الغالب عند عامة الناس عدم نقص اجور الماشطة و الختّان و الحجّام عن اجرة المثل المتداولة عند اغلب الناس، لأنهم يتوقعون أزيد مما يستحقون، و لا سيما من أهل الثروة و المروءة و الجاه فلا معنى لإعطائهم اقل مما هو المتعارف و المتداول، اذ ربما يبادرون إلى هتك العرض لو اعطوا قليلا و أقل من اجرة المثل.

و إما لأجل ان المشارطة و المعاملة و المماكسة في هذه الأمور لا يناسب شأن عامة الناس فضلا عمن له شأن في المجتمع الانساني، فعليه يعطى لهؤلاء الأصناف اجورهم الواقعية التي لا تقل عن اجرة المثل.

و قد أشار إلى الأمر الأوّل (شيخنا الأنصاري) بقوله: إما لأن الغالب عدم نقص ما يعطى لهم.

و إلى الأمر الثاني بقوله: و إما لأن المشارطة في مثل هذه الأمور لا يليق بشأن كثير من الأشخاص.

ص: 179

الغالب عدم نقص ما تعطى عن اجرة مثل العمل، إلا أن مثل الماشطة و الحجام و الختان و نحوهم كثيرا ما يتوقعون أزيد مما يستحقون خصوصا من أولى المروءة (1) و الثروة (2).

و ربما يبادرون (3) الى هتك العرض اذا منعوا.

و (4) لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة أو بعضه، إلا استحياء و صيانة للعرض.

و هذا لا يخلو عن شبهة فأمروا في الشريعة الاسلامية بالقناعة بما يعطون

++++++++++

(1) و هم ذوو الوجاهة و الشرف و ان لم يكونوا أثرياء بالفعل.

(2) و ان لم يكونوا من أهل الشرف و الوجاهة و البيوتات الرفيعة.

(3) اي يسابق الحجام، و الختّان، و الماشطة في هتك الأعراض اذا لم يعطوا اكثر مما يتوقعون من حقهم فكيف يعطون أقل من اجرة المثل

و منعوا بصيغة المجهول و نائب فاعله واو الجمع المراد منهم الأصناف الثلاثة المذكورة.

(4) الواو استئنافية و ليست بعاطفة، و الفعل مجهول و نائب فاعله:

واو الجمع.

أي الحجّام و الختّان و الماشطة لا يعطون الزائد إلا استحياء من المعطي، و حفظا لكرامته و شرفه، و خوفا من هتك عرضه فيكون الزائد غصبا و حراما، و أكلا بالباطل، و قد أشار الشيخ إلى أن أكل المال يكون باطلا في هذه الصورة بقوله: و هذا لا يخلو عن شبهة.

و المراد من العرض هنا: معناه الأعم: و هو كل شيء تمس به كرامة الرجل و شخصيته، أو تمس كرامته البيتية و العائلية.

و ليس المراد من العرض الزوجة، او الأخت او الأم او البنت فقط، فإن هذه يعبر عنها: ب: (الناموس) تارة، و بالعرض اخرى.

ص: 180

و ترك (1) مطالبة الزائد فلا (2) ينافي ذلك جواز مطالبة الزائد، و الامتناع عن قبول ما يعطى اذا اتفق كونه دون اجرة المثل.

و إما (3) لأن المشارطة في مثل هذه الأمور لا يليق بشأن كثير

++++++++++

(1) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: بالقناعة أي فأمروا في الشريعة الاسلامية بترك مطالبة الزائد من أهل الشرف و الوجاهة.

(2) الفاء تفريع على قوله: فأمروا.

هذا دفع وهم: حاصل الوهم: أن الأصناف المذكورين من الحجام و الختان و الماشطة لو كانوا مأمورين من قبل الشريعة الاسلامية بالقناعة بما يعطون، و بترك اخذ الزائد من أهل الشرف و المروءة فكيف يجوز لهم اخذ الزائد و مطالبته فهذا تناف بين الأمرين و تهافت.

فاجاب الشيخ عن الوهم المذكور بقوله: اذا اتفق كونه دون اجرة المثل.

و خلاصة الجواب: أنه لا منافاة بين ورود الأمر بالقناعة في الشريعة الاسلامية في حق الأصناف المذكورين، و أخذهم بما اعطوا.

و بين مطالبة الزائد و اخذه، حيث إن القناعة بما اعطوا فيما اذا كان مطابقا لاجرة المثل.

و مطالبة الزائد فيما اذا كان ما اعطوا أقل من اجرة المثل فهنا يطلب حقه المقرر، دون الزائد عنه.

و كلمة و الامتناع: مجرورة عطفا على المضاف إليه في قوله: جواز مطالبة الزائد، أي و لا ينافي الأمر بالشريعة في حق هؤلاء جواز الاقتناع عن اخذ الزائد كما عرفت.

(3) هذا هو الأمر الثاني لمنشإ أولوية قبول ما تعطى الماشطة و الأمر الأوّل هو عدم نقص ما تعطى الماشطة من اجرة المثل. و قد عرفت الأمرين -

ص: 181

من الأشخاص، لأن المماكسة (1) فيها خلاف المروءة، و المسامحة (2) فيها قد لا تكون مصلحة، لكثرة طمع هذه الأصناف فأمروا (3) بترك المشارطة و الاقدام على العمل بأقل ما يعطى، و قبوله.

++++++++++

- في الهامش 2. ص 179 عند قولنا: إما لأن الغالب، و إما لأجل.

(1) مصدر باب المفاعلة من ماكس يماكس مماكسة.

و معناه: استحطاط الثمن، و استنقاصه من المشتري.

يقال: ماكس الرجل أي استحط الثمن و استنقصه و طلب أهل الشرف و الرفعة حط الثمن و نقصه من أهل هذه الحرف و المهن في الأمور المذكورة: خلاف شرفهم و مروءتهم، لأنه منقصة في حقهم فلا يقدمون على ذلك فلا ينقصون حق أهل الحرف المذكورة.

(2) أي و مسامحة أهل الشرف و الرفعة في اجرة هذه الأمور مع أهل الحرف المذكورة بأن لا يعاملونهم و لا يقاطعونهم قد لا تكون مصلحة لهم حيث إن اطماعهم كثيرة لا حد لها فلربما ينجر ترك المقاطعة معهم إلى هتكهم و الاساءة إليهم من قبل اهل الحرف، لانحطاط نفسية اهل هذه الحرف.

و المراد من المسامحة المسامحة الموجبة لازدياد اطماعهم، و إلا فنفس المسامحة في حد ذاتها مطلوبة من الانسان، لأنها خلق انساني يستحسنها العقلاء، و لا سيما من أهل الشرف و الرفعة.

(3) الفاء تفريع و نتيجة على ما أفاده الشيخ من أن المسامحة و ترك المقاطعة مع أهل الحرف المذكورة قد لا تكون مصلحة لهم.

و كلمة و الإقدام مجرورة عطفا على مدخول (باء الجارة) في قوله: بترك المشارطة.

و هنا يقدر فعل مجهول نظير الفعل المجهول الأوّل و هو امروا.

ص: 182

و ترك (1) مطالبة الزائد مستحب للعامل و ان وجب على من (2) عمل له إيفاء تمام ما يستحقه من اجرة المثل فهو (3) مكلف وجوبا

++++++++++

- و المعنى: أن أهل الشرف و الرفعة امروا بترك المشارطة و المماكسة مع أهل الحرف المذكورة من قبل الشارع.

كما أن أهل الحرف المذكورة امروا من قبل الشارع بالإقدام على اعمالهم المذكورة عند ما تتطلب الحاجة، و أخذهم المال القليل قبال عملهم. هذا من دون ان يتكلموا شيئا، أو يطالبوا زائدا على ما اعطوا.

(1) الواو استئنافية لا عاطفة. و كلمة ترك مرفوعة على الابتدائية خبرها قوله: مستحب، أي و ترك مطالبة اهل الحرف المذكورة زيادة الاجرة و اكثر مما اعطوا من الذين يعطون الاجرة: أمر مستحب مطلوب مرغوب قد حث عليه الشرع.

(2) المراد من من الموصولة: الأعم من أهل الشرف و الوجاهة و غيرهم، و لا اختصاص له باهل الشرف، إذ الاختصاص بالمذكورين يتنافى و الشريعة الاسلامية: إنّ اكرمكم عند اللّه اتقاكم. و الشيخ أجل من ان يقصد ذلك.

و عمل بصيغة المجهول نائب فاعله الضمير المستتر العائد إلى من الموصولة

(3) مرجع الضمير: (من الموصولة) في قوله: و ان وجب على من عمل له، أي الذين عملت لهم العملية المذكورة يجب عليهم أداء حق اهل الحرف، و ايفاؤهم ما يستحقون من اجرة المثل، لأن فعل المسلم محترم فاشتغلت ذمتهم بالعمل الذي قام به اهل الحرف لهم، فلا تبرأ إلا بالأداء و الايفاء.

ص: 183

بالايفاء، و العامل (1) مكلف ندبا بالسكوت، و ترك (2) المطالبة، خصوصا على ما يعتاده هؤلاء (3) من سوء الاقتضاء.

أو (4) لأن الأولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل، و قبول ما يعطى على وجه التبرع (5)،

++++++++++

(1) و هم اهل الحرف الثلاثة، أي يستحب لهم السكوت عما اعطوا و لم يطالبوا بالزائد.

(2) بالجر عطفا على مدخول (باء الجارة) في قوله: بالسكوت، أي العامل مكلف بترك مطالبة الزائد عما اعطي عن اجرة المثل اذا كانت اجرة المثل مساوية لما اعطي كما عرفت ذلك في الهامش 2. ص 181.

(3) و هم اهل الحرف الثلاث.

و المراد من سوء الاقتضاء: سوء التصرف من هؤلاء عند مطالبة حقهم، حيث انهم متعودون على الكلمات الخشنة البذية التى لا يناسب صدورها لصاحب العمل، و لا سيما اذا كان من أهل الشرف و الرفعة و المروءة.

(4) هذا وجه آخر لأمر الشارع أهل الحرف الثلاثة المذكورة حين إقدامهم على الأمور المذكورة: بسكوتهم عن مشارطة الأجرة و عدم مطالبتهم الزائد من اجرة المثل.

و قد ذكر الشيخ الوجه في المتن فلا حاجة إلى ذكره.

(5) يحتمل أن يراد من التبرع الثاني: التبرع من قبل صاحب العمل الذي هو عامة الناس، سواء أ كانوا من أهل الشرف أم لا. أي و لأن الأولى في حق صاحب العمل ان يقصد التبرع أيضا في اعطائه المال لأهل الحرف الثلاثة المذكورة، و لا يقصد من الإعطاء عوضية المال عن عمل اهل الحرف المذكورة، كما ان اهل الحرف يقصدون التبرع في عملهم. -

ص: 184

أيضا فلا (1) ينافي ذلك ما ورد من قوله عليه السلام: لا تستعملن أجيرا حتى تقاطعه (2).

++++++++++

- و يحتمل أن يراد به: العامل بدليل كلمة أيضا، أي كما أن الأولى من العامل قصد التبرع في العمل، كذلك الأولى منه قبول ما يعطى له و اخذه على وجه التبرع، لا على وجه ان المال في قبال عمله.

لكن الاحتمال الأوّل أولى كما لا يخفى على المتأمل الخبير.

(1) دفع و هم: حاصل الوهم: أنه كيف يمكن الجمع بين قصد التبرع من أهل الحرف الثلاث، و بين قوله عليه السلام: لا تستعملن أجيرا حتى تقاطعه، حيث إن الامام عليه السلام امر بمقاطعة اجرته حين إرادة استئجاره و استعماله في العمل، فكيف يمكن الجمع بين التبرع، و الحديث الشريف.

فاجاب رحمه اللّه عن الوهم المذكور ما حاصله: أنه ليس فيما نحن فيه اجير حتى يصدق عليه الحديث الشريف، ليتنافى جمعه مع قصد التبرع، حيث إن العامل يقصد التبرع من العمل من بداية العمل إلى نهايته، و صاحب العمل الذي هم الناس من اهل الشرف و الرفعة و الثروة و غيرهم يقصد التبرع في الإعطاء لهم، لا أنه يقصد الأخذ تجاه العمل و بإزائه فليس هنا اجير و مستأجر حتى يصدق الحديث فيمتنع جمعه مع التبرع، بل كلاهما قاصدان التبرع، و الحديث انما ورد في مقام الاجارة.

(2) (وسائل الشيعة): الجزء 13. ص 245. الباب الثالث من أحكام الاجارة. الحديث 1.

و في المصدر: حتى يقاطعوه.

و الحديث طويل. أليك نصه:

عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: كنت مع الرضا عليه السلام -

ص: 185

..........

++++++++++

- في بعض الحاجة فأردت ان انصرف إلى منزلي.

فقال لي: انصرف معي فبت عندي الليلة فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المغيب(1) فنظر إلى غلمانه يعملون في الطين، اواري(2) الدواب و غير ذلك و اذا معهم أسود ليس منهم.

فقال: ما هذا الرجل ؟

قالوا: يعاوننا و نعطيه شيئا.

قال: قاطعتموه على اجرته ؟

قالوا: لا، هو يرضى منا بما نعطيه، فاقبل عليهم يضربهم بالسوط و غضب لذلك غضبا شديدا فقلت: جعلت فداك لم تدخل على نفسك(3)؟ -

ص: 186


1- المراد منه: غياب الشمس و غروبها، أي الامام عليه السلام دخل داره عند غياب الشمس و غروبها. و في بعض مصادر كتب الحديث الذي عرضنا عليه الحديث المذكور كلمة (المعتب) بدل المغيب فعليه يحتمل ان يكون علما لشخص كان خادما للامام عليه السلام: أي دخل مع خادمه الدار.
2- راجعنا جميع كتب اللغة التى بأيدينا: القاموس. تاج العروس مجمع البحرين. لسان العرب. نهاية ابن الأثير. مادة اور و أر فما وجدنا معنى مناسبا لهذه الكلمة المستعملة هنا، ثم راجعنا بعض أهل القرى و الأرياف من عرب العراق من أهالي (الفرات الأوسط) فسألناه عن معناه فاجاب هكذا: أوارى اناء يصنع من الطين ثم يفخر عليه النار ليتصلب و يصير خزفا فيحلب فيه ألبان الجاموس و البقر و بقية الدواب و لا سيما الجاموس. فالكلمة إما بفتح الهمزة، أو بكسرها، أو بضمها بعد ان لم يكن لها مصدر.
3- أي لم تؤذي نفسك بعدم مقاطعة العامل.

المسألة الثانية تزين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب حرام

المسألة الثانية (1) تزين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب حرام لما ثبت

++++++++++

- فقال: إني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة ان يعمل معهم أحد حتى يقاطعوه على اجرته.

و اعلم أنه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على اجرته إلا ظن انك قد نقصته اجرته، و اذا قاطعته ثم اعطيته اجرته حمدك على الوفاء.

فإن زدته حبة عرف ذلك لك، و رأى انك قد زدته.

و انما ذكرنا الحديث عن آخره لنضعه بين يدي القارئ النبيل ليعلم مدى اهتمام الدين الاسلامي الحنيف بالعامل، و انه المدافع الوحيد عن حقوقه و المعترف بقيمته الانسانية، و إن له كرامته في المجتمع الانساني.

و ليس العامل كإحدى الأدوات المستعملة لقضاء الحاجات، و الآلات المنتجة لضروريات الحياة، بالإضافة إلى انه آلة وحيدة الانتاج، و لا فرق بينه، و بينها في الاستعمال و الاستثمار سوى انه آلة ناطقة، و تلك آلات و أدوات صامتات كما يقوله بعض المبادي: الانسان اكبر رأسمال.

و معنى قوله هذا: الانسان مادة و آلة مادية: انه وضع للانتاج فقط و ليس له أية كرامة و قيم انسانية.

ثم إن عدم تطبيق القوانين الاسلامية ليس نقصا في الاسلام حتى يحمل العابثون حملاتهم الشنيعة على الاسلام و انما هو من ناحية المسلمين، فالاسلام شيء و المسلمون شيء آخر يجب ان لا يخلط احدهما بالآخر، فان كثيرا من التعاليم الاسلامية لم يلتزم بها المسلمون.

(1) أي المسألة الثانية من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به -

ص: 187

في محله (1) من حرمتها على الرجال، و ما (2) يختص بالنساء من اللباس كالسوار (3)، و الخلخال، و الثياب المختصة بهن في العادات (4) على ما ذكره في المسالك.

و كذا العكس اعني تزين المرأة بما يخص الرجال كالمنطقة (5) و العمامة

++++++++++

- لكونه عملا محرما في نفسه: تزين الرجل.

و في نسخ (المكاسب) الموجودة عندنا: تزيين الرجل، و الصحيح ما اثبتناه، حيث إن التزيين مصدر باب التفعيل و هو متعد و معناه: صدور الزينة بفعل شخص في حق شخص آخر.

و التزين مصدر باب التفعل و هو لازم، و معناه: صدور الزينة من الانسان لنفسه: و هو المعنى هنا.

و لعل السهو من النساخ.

(1) أي في كتب الصلاة من الكتب الفقهية و متونها.

(2) مجرور محلا عطفا على مدخول (باء الجارة) في قوله: بما يحرم أي و تزين الرجل بما يختص بالنساء حرام أيضا.

(3) بكسر السين و ضمها: جمعه سور و أسورة و أساور: و هي حلية كالطوق تلبسها المرأة في زندها، أو معصمها.

و الخلخال بفتح الخاء و سكون اللام: شيء يصنع من الذهب، أو الفضة تلبسه نساء العرب، و لا سيما أهل القرى و الأرياف يجعلنه في أسفل ساقهن.

(4) إما من حيث اللون، أو من حيث تفصيل الثوب للخياطة.

(5) بكسر الميم و سكون النون: ما يشد به الوسط. و يقال لها:

النطاق بكسر النون: و هو الحزام.

و لا يخفى عدم اختصاص الحزام بالنساء في ذلك الزمان.

ص: 188

و يختلف (1) باختلاف العادات.

و اعترف غير واحد بعدم العثور على دليل لهذا الحكم (2) عدا النبوي المشهور المحكي عن الكافي و العلل لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال (3).

و في دلالته (4) قصور، لأن الظاهر من التشبه تأنث الذكر، و تذكر الأنثى، لا مجرد لبس احدهما لباس الآخر، مع عدم قصد التشبه.

و يؤيده (5) المحكي عن العلل أن عليا عليه السلام رأى رجلا به

++++++++++

(1) أي تزين الرجال بما يختص بالنساء، و تزين المرأة بما يختص بالرجال حسب العادات باختلاف الزمان و المكان.

(2) و هي حرمة لبس الرجال ما يخص النساء، و حرمة لبس النساء ما يخص الرجال.

(3) (الكافي). الجزء 8. ص 69. الحديث 27.

و لا يخفى عدم احتياج هذا إلى دليل، لأن النفوس السليمة تستقبحه.

(4) أي و في دلالة الحديث النبوي على الحكم المذكور: و هي حرمة تزين الرجال بما يختص بالنساء، و تزين النساء بما يختص بالرجال: قصور حيث إن المراد من التشبه تأنث الذكر بأن يؤتى به كما يؤتى بالنساء، و تذكر الانثى: بأن تدلك امرأة فرجها بفرج امرأة حتى ينزل ماؤهما.

و يقال لهذه العملية: المساحقة.

و ليس المراد من التشبه، التشبه باللبس: بأن تلبس المرأة لباس الرجل، و يلبس الرجل لباس المرأة.

(5) أي و يؤيد ما قلناه: من أن المراد من المتشبهين و المتشبهات:

هو تأنث الذكر، و تذكر الانثى بالمعنى الذي ذكرناه، لا مجرد التشبه بلبس كل منهما ما يختص بالآخر: الحديث الآتي.

ص: 189

تأنث في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال له: اخرج من مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: لعن اللّه إلى آخر الحديث (1).

و في رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة إن فيهن قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لعن اللّه المتشبهات بالرجال من النساء إلى آخر الحديث (2).

و في رواية ابي خديجة عن ابي عبد اللّه عليه السلام لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال و هم المخنثون، و اللائي ينكحن بعضهن بعضا (3).

نعم في رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: عن رجل يجر ثيابه قال: إني لأكره أن يتشبه بالنساء (4).

و عنه عن آبائه عليهم السلام كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء. و ينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها (5)

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 211. الباب 87 من أبواب تحريم تشبه الرجال بالنساء. الحديث 2.

(2) نفس المصدر. الجزء 14. ص 262. الباب 24 من أبواب النكاح المحرم. الحديث 5. أليك بقية الحديث: و لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء.

(3) نفس المصدر. الحديث 6.

(4) نفس المصدر. الجزء 3. ص 354. الباب 13 من ابواب أحكام الملابس. كتاب الصلاة. الحديث 1.

(5) نفس المصدر. ص 355. الحديث 2.

ص: 190

و فيهما (1) خصوصا الأولى بقرينة المورد ظهور في الكراهة، فالحكم (2) المذكور لا يخلو عن اشكال.

ثم الخنثى يجب عليها ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة كما صرح به جماعة، لأنها يحرم عليها لباس مخالفه في الذكورة و الأنوثة (3) و هو (4) مردد بين اللبسين فيجتنب عنهما مقدمة، لأنهما له من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة احدهما.

++++++++++

(1) أي رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

و رواية أبي عبد اللّه عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليهم أجمعين ظاهرتان في كراهة تشبه الرجال بالنساء، و النساء بالرجال في لبس كل منهما ما يختص بالآخر، و ليس فيهما ما يدل على أن التشبه باللباس حرام و لا سيما الرواية الأولى: و هي رواية سماعة. حيث إن موردها في سؤال الراوي جر الثياب.

و من الواضح أن جر الثياب الذي هو من جملة التشبه بالنساء و خصائصهن ليس حراما قال الشاعر:

كتب القتل و القتال علينا *** و على الراقصات جر الذيول

فيستفاد من كراهة جر الثياب كراهة تشبه احدهما بما يختص بالآخر.

و كلمة ظهور مرفوعة بالابتداء خبره قوله: و فيهما، أي و في الروايتين ظهور في الكراهة كما عرفت.

(2) و هي حرمة تشبه الرجال بالنساء، و النساء بالرجال في الملابس لأن الروايتين ظاهرتان في الكراهة كما عرفت.

(3) فان كان انثى يحرم عليها لبس ما يختص بالرجال.

و ان كان ذكرا يحرم عليه لبس ما يختص بالنساء.

(4) أي و الحال ان الخنثى مردد بين اللبسين، لأنه مشكل يجب عليه -

ص: 191

و يشكل (1) بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبه: بأن الظاهر من التشبه صورة علم المتشبه.

++++++++++

- الاجتناب عن كلا اللبسين من باب المقدمة، اذ اللباسان من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة احدهما كالاناءين المشتبهين المعلوم نجاسة احدها بالاجمال فلا يجوز ارتكاب احدهما، للأمر بإهراقهما في الأخبار كما عرفت في الجزء الأوّل من المكاسب من طبعتنا الحديثة في الهامش 4 من ص 227-228.

فكذلك الخنثى المشكل يجب عليها الاجتناب عن اللباسين، و لا يجوز له لبس احدهما، للعلم الاجمالي بأنه إما ذكر فيحرم عليه لباس الانثى و إما انثى فيحرم عليها لباس الذكر.

هذا اذا لم يلزم العسر و الحرج عليه.

و أما اذا لزم ذلك فلا يجب عليه الاجتناب عنهما.

(1) أي و يشكل وجوب ترك اللباسين عليه اذا كان مدرك وجوب الاجتناب هي حرمة تشبه الرجال بالمرأة بما يختص بها، و حرمة تشبه المرأة بالرجال بما يختص بهم، لأن الظاهر من التشبه المحرم هو علم المتشبه علما تفصيليا، و الخنثى لا علم له تفصيلا في هذا المقام حتى يجب عليه الاجتناب عن اللباسين، لأنه خنثى مشكل.

و من هنا يعلم ان العلم الاجمالي لا يكون مؤثرا.

ص: 192

التّشبيب

ص: 193

ص: 194

المسألة الثالثة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة

المسألة الثالثة (1) التشبيب بالمرأة المعروفة (2) المؤمنة (3) المحترمة (4): و هو كما في جامع المقاصد ذكر محاسنها، و اظهار شدة حبها بالشعر (5)،

++++++++++

(1) أي (المسألة الثالثة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: التشبيب و هو مصدر باب التفعيل من شبّب يشبّب.

و معناه لغة: ذكر محاسن المرأة و أوصافها و ملامحها في الشعر كما هو المعروف عن الأدباء عند ذكرهم التشبيب، حيث إنهم يذكرون محاسن المرأة التي تعلق عشقهم بها في الشعر، سواء أ كانت المرأة مؤمنة أم لا و سواء أ كانت معروفة أم لا، و سواء أ كانت متزوجة أم لا.

و شرعا كما أفاده الشيخ في المتن نقلا عن جامع المقاصد.

(2) المراد منها: المشهورة بأن يعرفها السامع عند ما يتشبب الشاعر بها أنها زوجة فلان، أو بنت فلان، أو اخت فلان.

(3) المراد منها: المؤمنة باللّه الكريم، و برسوله العظيم، و بما جاء به صلى اللّه عليه و آله.

(4) المراد منها: من لا تكون زانية، و لا معروفة بالعمل المنافي للعفة، أو التي لا تكون خفيفة غير مبالية بسترها.

(5) الجار و المجرور متعلقان بقوله: ذكر محاسنها، أي ذكر محاسنها بالشعر.

و انما قيد صاحب (جامع المقاصد) التشبيب بالشعر، لأن التشبيب -

ص: 195

حرام (1) على ما عن المبسوط و جماعة.

كالفاضلين (2) و الشهيدين و المحقق الثاني.

و استدل عليه (3) بلزوم،

++++++++++

- في عرف الأدباء: هو ذكر محاسن المحبوب، و إظهار الشوق إليه بالشعر لا غير.

و إلا فالتشبيب في النثر امر ممكن أيضا، لترتب تلك الأمور المذكورة في الشعر: على التشبيب في النثر، فالملاك واحد فلا وجه لاختصاص الحرمة في الشعر.

و لعل وجه الاختصاص: أن القدر المتيقن من حرمة التشبيب هي حرمته في الشعر كما عرفت في اصطلاح الادباء.

ثم إنه يمكن القول بعدم اختصاص التشبيب بالمرأة، بل يشمل التشبيب بالغلام أيضا، لترتب تلك المفاسد المذكورة في التشبيب بالمرأة على التشبيب بالغلام من دون فرق بينهما فنفس الدليل جار هنا فيلحقه ما يلحق التشبيب بالمرأة، لوحدة الملاك.

و من هنا يعلم أن الدليل اعم من المدعى الذي هي حرمة التشبيب بالمرأة.

(1) بالرفع خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: التشبيب.

(2) و هما: (المحقق. و العلامة).

(3) أي على أن التشبيب حرام بأمور خمسة.

(الأوّل): أنه موجب لفضحها و اشتهارها بين المجتمع الانساني

(الثاني): أنه موجب لهتك حرمتها عند المجتمع الانساني.

(الثالث): أنه موجب لإيذائها.

(الرابع): أنه موجب لاغراء الفساق بها. و ميلهم إليها. -

ص: 196

تفضيحها (1)، و هتك حرمتها، و ايذائها، و اغراء الفساق بها، و ادخال النقص (2) عليها و على أهلها، و لذا (3) لا ترضى النفوس الأبية ذوات

++++++++++

- (الخامس): أنه موجب لادخال النقص عليها و على اسرتها.

فكل واحد من هذه الأمور موجب لحرمة التشبب فكيف اذا اجتمعت الأمور كلها، أو أكثرها.

و قد ذكر الأمور الخمسة الشيخ بقوله: بلزوم تفضيحها، و هتك حرمتها، و ايذائها، و اغراء الفساق بها، و ادخال النقص عليها.

(1) مصدر باب التفعيل: الظاهر عدم اتيان هذا المصدر بمعنى كشف المساوئ و العيوب الذي هو المقصود هنا.

نعم جاء فضح و افتضح بهذا المعنى و يقال فضحه فضحا، أي كشف مساوئه، و يقال: افتضح الرجل أي انكشفت مساوئه. فعليه كان اللازم أن يقال: بلزوم فضحها، أو افتضاحها.

(2) المراد منه: الوهن المستلزم لعدم رغبة أهل الشرف و الحمية و الغيرة على الاقدام على التزوج بها ان كانت غير متزوجة.

و ان كانت متزوجة يوجب التشبيب تنفر زوجها عنها، و التفرقة بينهما و ربما يوجب تعبيرها.

(3) أي و لأجل أن التشبيب مستلزم للأمور المذكورة لا ترضى النفوس الأبية من ذوات الغيرة و الحمية: أن يصف واصف بالشعر، أو النثر بنحو المعاشقة احدى بناتها، أو أخواتها، أو محارمها.

و كلمة غيرة بفتح الغين و سكون الياء و فتح الراء مصدر غار يغار و زان عاف يعاف: أجوف يائي.

و على الألسن بكسر الغين: و هو غلط مشهور.

ص: 197

الغيرة و الحمية أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم و أخواتهم، بل البعيدات (1) من قراباتهم.

و الانصاف أن هذه الوجوه (2) لا تنهض لاثبات التحريم، مع كونه (3) أخص من المدعى، إذ قد لا يتحقق شيء من المذكورات

++++++++++

(1) أي اهل الغيرة و الحمية لا يرضى بذكر البعيدات من أقاربه و أرحامه بالتشبيب، فضلا عن القريبات منهن.

(2) و هو الفضح و الهتك و الإيذاء و الاغراء و إدخال النقص عليها أي الأمور المذكورة لا تقوم دليلا على حرمة التشبيب.

و لا يخفى أنه بعد تحقق الأمور المذكورة لا وجه للحكم بعدم حرمة التشبيب، لبداهة حرمة كل واحد من الأمور المذكورة شرعا.

نعم لو قلنا بعدم التسليم بحرمة ما ذكر من الأمور المذكورة: توجه عدم حرمة التشبيب.

أو قلنا بعدم إحداث التشبيب أحد هذه الأمور.

لكن أنى لنا بذلك، مع أن كل واحد من الأمور المذكورة سبب مستقل للتحريم شرعا، و أن التشبيب موجب لحدوث الأمور المذكورة.

(3) اشكال ثان من الشيخ على أن الأمور المذكورة لا تنهض دليلا على حرمة التشبيب.

و خلاصة الاشكال: أن الدليل الذي هي الأمور الخمسة المذكورة أخص من المدعى الذي هي حرمة التشبيب بالمرأة المؤمنة المعروفة المحترمة لأنه قد لا يتحقق شيء من المذكورات في التشبيب أصلا كما اذا شبب بالمرأة المذكورة بينه و بين نفسه بحيث لا يطلع عليه أحد، فلا يترتب هنا أي شيء من المذكورات فيصدق التشبيب، دون المذكورات فصار الدليل أخص من المدعى، فلا ملازمة بين وجود التشبيب و وجود المذكورات.

ص: 198

في التشبيب، بل (1) و أعم منه من وجه، فإن (2) التشبيب بالزوجة قد يوجب اكثر المذكورات.

و يمكن أن يستدل عليه (3) بما سيجيء من عمومات حرمة اللهو و الباطل

++++++++++

(1) أي بل النسبة بين الدليل المذكور الذي هي الأمور الخمسة و بين المدعى و هي حرمة التشبيب: عموم و خصوص من وجه، أي لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما مادة الاجتماع فكما في تشبيب الرجل بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة، فإن الأدلة و التشبيب مجتمعتان.

و أما مادة الافتراق من جانب التشبيب بأن تكون الأدلة موجودة و التشبيب غير موجود فكما في تشبيب الرجل بزوجته، فإن مقتضى الأدلة أنه حرام، لكن الفقهاء أفتوا بالجواز.

و أما مادة الافتراق من جانب الأدلة بأن يكون التشبيب موجودا و الأدلة غير موجودة فكما في تشبيب الرجل بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة بينه و بين نفسه من غير أن يطلع عليه احد، فالتشبيب موجود، و الأدلة غير موجودة.

(2) تعليل لكون النسبة بين الأدلة و التشبيب عموما و خصوصا من وجه و قد عرفت النسبة آنفا.

(3) أي على تحريم التشبيب: العمومات الواردة في الأحاديث الدالة على حرمة اللهو و الباطل: و هو قوله عليه السلام: و اجتنب الملاهي.

و قوله عليه السلام: و كل ما ألهى عن ذكر اللّه فهو الميسر.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 234-235. الباب 100 من أبواب تحريم استعمال الملاهي. الحديث 9-15-8.

فإن هذه العمومات تشمل التشبيب بالأمور المذكورة، حيث إن ذكر -

ص: 199

و ما (1) دل على حرمة الفحشاء.

++++++++++

- محاسن المرأة المؤمنة المعروفة المحترمة و ملامحها بالشعر يكون من اللهو بالباطل و مما يلهي عن ذكر اللّه عز و جل.

فهنا قياس منطقي من الشكل الأوّل هكذا:

الصغرى: إن التشبيب بالمرأة المؤمنة من اللهو بالباطل و مما يلهي عن ذكر اللّه.

الكبرى: و كل ما كان من اللهو بالباطل و يلهي عن ذكر اللّه فهو حرام.

النتيجة: إن التشبيب حرام.

(1) بالجر محلا عطفا على مدخول (باء الجارة) في قوله: بما سيجيء.

أي و يمكن الاستدلال على تحريم التشبيب بما دل على حرمة الفحشاء بقوله تعالى: «وَ يَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ » (1).

كيفية الاستدلال: أن التعرض بالمرأة المؤمنة بذكر ملامحها و محاسنها بالشعر سبب لتأذيها و فضحها، و اغراء الفساق بها، و ادخال النقص عليها.

و من الواضح أن الامور المذكورة كلها من أقسام الفحشاء و المنكر و الظلم و أفرادها فيشملها ما يشمل الفحشاء و المنكر و الظلم.

و كذلك يمكن الاستدلال على التحريم بقوله عليه السلام: سلاح اللئام قبيح الكلام، اي الأفراد اللئيمة سلاحهم الكلمات القبيحة البذيئة، و لا شك أن التشبيب بالكيفية المذكورة من الكلمات القبيحة المستهجنة.

راجع الحديث (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 78.

ص 185. الحديث 14.

و كذلك يمكن الاستدلال على تحريم التشبيب بقوله صلى اللّه عليه و آله: -

ص: 200


1- النحل: الآية 90.

و منافاته (1) للعفاف المأخوذ في العدالة، و فحوى (2) ما دل على حرمة ما يوجب و لو بعيدا تهييج القوة الشهوية بالنسبة إلى غير الحليلة

++++++++++

- إن اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء، لا يبالي بما قال و لا بما قيل له.

(أصول الكافي). طبعة (طهران). الجزء 2 ص 323. الحديث 3.

كيفية الاستدلال: أن التشبيب بالمرأة المؤمنة بالكيفية المذكورة نوع من الفحش فيشمله قوله صلى اللّه عليه و آله: إن اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذي.

ثم لا يخفى أنه ليس المراد من تحريم الجنة على من كانت هذه صفاته:

التحريم الأبدي، بل المراد: التحريم الموقت إلى وقت محدود معين بعد أن طهر من الذنوب.

(1) عطف على مجرور (باء الجارة) في قوله: بما سيجيء فهو مجرور محلا.

هذا دليل آخر على حرمة التشبيب، أي و يمكن الاستدلال على حرمة التشبيب بالكيفية المذكورة: بأن التشبيب ينافي العفاف المطلوب في العدالة و المشروط فيها بمعنى أنه مسقط للعدالة.

(2) عطف على مجرور (باء الجارة) في قوله: (بما سيجيء) فهو مجرور محلا.

هذا دليل آخر على حرمة التشبيب، أي و يمكن الاستدلال على حرمة التشبيب بالكيفية المذكورة: بفحوى ما دل على حرمة أي شيء يوجب إثارة الشهوة بالنسبة إلى غير زوجته.

و مما لا شك فيه: أن التشبيب بذكر ملامح المرأة المؤمنة المعروفة -

ص: 201

مثل ما دل عن المنع عن النظر، لأنه سهم من سهام ابليس (1)، و المنع (2)

++++++++++

- و ذكر أوصافها مما يوجب إثارة القوة الشهوية نحوها، و إثارة القوة الشهوية حرام فالتشبيب حرام أيضا.

فهنا يشكل قياس منطقي من الشكل الأوّل هكذا:

الصغرى: التشبيب بالكيفية المذكورة مثير للشهوة و مهيج لها.

الكبرى: و كل شيء يكون مثيرا للشهوة و مهيجا لها فهو حرام.

النتيجة: فالتشبيب حرام.

ثم المراد من الفحوى: الأولوية المستفادة من الأحاديث الشريفة و الآيات الكريمة الآتيتين.

(1) في قوله عليه السلام: النظرة سهم من سهام ابليس مسموم و كم من نظرة أورثت حسرة طويلة.

و قوله عليه السلام: النظرة سهم من سهام ابليس مسموم، من تركها للّه عز و جل لا لغيره اعقبها اللّه أمنا و ايمانا يجد طعمه.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 14. ص 138. الباب 104.

كتاب النكاح أبواب مقدماته و آدابه. الحديث 1. و ص 139. الحديث 5.

فهذان الحديثان من الأحاديث الدالة على حرمة التشبيب بالفحوى و هي الأولوية.

كيفية الأولوية: أن المناط في حرمة النظر إلى الأجنبية: إثارة الشهوة، و تهييجها نحوها، و هذا بعينه مع الزيادة موجود في التشبيب بالمرأة المؤمنة بالكيفية المذكورة، اذ ذكر محاسن المرأة الأجنبية و ملامحها مما يثير الشهوة أكثر و أكثر من النظر إليها بطريق أولى.

(2) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: بما سيجيء -

ص: 202

عن الخلوة بالأجنبية، لأن ثالثهما الشيطان، و كراهة (1) جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد المكان. و برجحان (2) التستر عن نساء أهل الذمة

++++++++++

- فهو دليل آخر على حرمة التشبيب، أي و يمكن الاستدلال على حرمة التشبيب بفحوى الأخبار المانعة عن الخلوة بالأجنبية.

راجع نفس المصدر. ص 133. الباب 99. كتاب النكاح و مقدماته الأحاديث. أليك نص الحديث الأوّل:

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: مما اخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله البيعة على النساء أن لا يحتبين، و لا يقعدن مع الرجال في الخلاء

كيفية الاستدلال: أن المناط في حرمة الخلاء مع الأجنبية إثارة الشهوة و تهييجها. و هذا بعينه موجود في التشبيب بالأجنبية بالكيفية المخصوصة و أكثر، و بطريق أولى.

(1) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: بما سيجيء فهو دليل آخر على حرمة التشبيب، أي و يمكن الاستدلال على حرمة التشبيب بفحوى الأخبار الواردة في كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة قبل أن يبرد.

راجع نفس المصدر. ص 185. الباب 145. الحديث 1.

كيفية الاستدلال بعينها في الهامش 2. ص 202-203.

(2) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: (بما سيجيء) فهو دليل آخر على حرمة التشبيب، أي و يمكن الاستدلال على حرمة التشبيب بفحوى الأخبار الواردة في رجحان تستر النساء المسلمات عن نساء أهل الذمة.

راجع نفس المصدر. ص 133. الباب 98. الحديث 1.

كيفية الاستدلال: أن المناط في كراهة كشف المرأة المسلمة محاسنها -

ص: 203

لأنهن يصفن لأزواجهن، و التستر (1) عن الصبي المميز الذي يصف ما يرى و النهي (2) في الكتاب العزيز بقوله تعالى: فَلاٰ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (3)، و عن (4) أن يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ

++++++++++

- و ملامحها بين يدي اليهودية و النصرانية: إثارة الشهوة لرجالهن حينما يصفن تلك الملامح لهم فهذا بعينه موجود في التشبيب بالمرأة المحترمة بالكيفية المذكورة بنحو أكثر.

(1) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: بما سيجيء فهو دليل آخر، على حرمة التشبيب، أي و يمكن الاستدلال على حرمة التشبيب بفحوى الأخبار الواردة في تستر المرأة عن الصبي المميز الذي يصف ما يرى. بمعنى أنه يدرك الحسن و القبح و الجمال و الملامح فيصفها لهم.

راجع نفس المصدر. ص 172. الباب 130. الحديث 2.

كيفية الاستدلال كما في الاستدلال بالأخبار المذكورة في الهامش 1-2 ص 203.

(2) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: بما سيجيء فهو دليل آخر على حرمة التشبيب، اي و يمكن الاستدلال على حرمة التشبيب بالآية الكريمة.

كيفية الاستدلال بالآية: أن المناط في حرمة ترقيق المرأة صوتها في الألفاظ التي تتكلم بها مع الأجنبي: هي اثارة شهوته و تهييجها نحوها و هذا الملاك بعينه موجود في التشبيب بالمرأة المؤمنة المعروفة العفيفة بالكيفية الخاصة بنحو أشد و أكثر.

(3) الأحزاب: الآية 32.

(4) أي و استدل أيضا على حرمة التشبيب بالآية الناهية عن ضرب النساء أرجلهن على الأرض لتسمع قعقعة الخلخال الذي في أرجلهن.

كيفية الاستدلال: أن ضرب الأرجل بالأرض لإسماع الرجال قعقعة -

ص: 204

مِنْ زِينَتِهِنَّ (1) الى غير ذلك (2) من المحرمات و المكروهات التي يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها خصوصا (3) ذات البعل التي لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقوله: ربّ راغب فيك.

++++++++++

- الخلخال موجب لاثارة الشهوة و تهييجها من الرجل نحو المرأة الضاربة برجلها على الأرض، و هذا الملاك بنحو أشد و أكثر موجود في التشبيب بالمرأة المؤمنة المعروفة بالكيفية الخاصة.

(1) النور: الآية 31.

(2) اي و غير هذه الآيات الكريمة، و الأحاديث الشريفة التي يدل بعضها على الحرمة كما في أخبار النظر إلى الأجنبية المشار إليها في الهامش 1 ص 202.

و بعضها على الكراهة كما في الأخبار المشار إليها في الهامش 1 ص 203.

(3) اي و تتأكد حرمة التشبيب بالمرأة اذا كانت ذات بعل التي لم يرض الشارع أن يقال لها: ربّ راغب فيك، حيث إن الكلمة هذه تثير الشهوة فيها كما تثير في الرجل.

فكيف بالتشبيب بالكيفية المذكورة التي تثير الشهوة أكثر و أكثر.

هذه خلاصة ما أفاده (الشيخ) حول تحريم التشبيب من الآيات الكريمة، و الأحاديث الشريفة التي تلوناها عليك واحدة تلو الأخرى و قد اشبعنا الكلام فيها و للّه الحمد.

و من المحتمل أنه يريد أن يعطينا دراسا كاملا، و قاعدة كلية حول التشبيب: و هو أن كل ما يكون مثيرا للشهوة، و موجبا لتهييجها نحو المرأة الأجنبية فهو حرام.

و من البديهي أن التشبيب بالمرأة الأجنبية بالكيفية المذكورة أشد إثارة للقوة الشهوية، و أكثر تهييجا لها فهو حرام لا ريب فيه.

ص: 205

نعم (1) لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد، بل مطلق من يراد تزوجها: لم يكن (2) بعيدا، لعدم جريان اكثر ما ذكر (3) فيها، و المسألة (4) غير صافية عن الاشتباه و الاشكال.

ثم إن المحكي عن المبسوط و جماعة جواز التشبيب بالحليلة بزيادة الكراهة عن المبسوط، و ظاهر الكل جواز التشبيب بالمرأة المبهمة: بأن يتخيل امرأة و يتشبب بها.

++++++++++

(1) استدراك عما أفاده: من أن التشبيب بالكيفية المذكورة حرام.

و خلاصة الاستدراك: أن التشبيب اذا كان من الخطيب الذي خطب الفتاة المعينة و قبلت خطبته في حق الخطيبة: لم يكن حراما، لعدم جريان ما ذكر من الأدلة في حرمة التشبيب: من الايذاء، و الاغراء، و ادخال النقص عليها، و هتك الحرمة و الفضح فحالها كحال زوجة الرجل في جواز التشبيب بها، بناء على ما أفاده الفقهاء.

و قد عرفت أن الفقهاء صرحوا بجواز التشبيب بها، مع أن مقتضى الأدلة المذكورة عدم جوازه، لجريانها في حقها بتمامها.

(2) جواب ل (لو الشرطية) اي لم يكن جواز التشبيب بعيدا كما عرفت.

(3) و هي الاغراء و الايذاء و الهتك، و ادخال النقص عليها، و الفضح في الخطيبة كما عرفت.

لكن بناء على ما أفاده الشيخ في ذكر الآيات الكريمة، و الأحاديث الشريفة حول تحريم التشبيب: من أنه اثارة الشهوة و تهييجها: يكون التشبيب في الخطيبة و الزوجة حراما، لوحدة الملاك في الكل.

(4) اي مسألة التشبيب بالكيفية المذكورة في المرأة الأجنبية، لأن تشخيص موارد الحلال و الحرام منه مشكل.

ص: 206

و أما المعروفة عند القائل دون السامع، سواء علم السامع اجمالا أنه (1) يقصد معينة أم لا: ففيه اشكال (2).

و في جامع المقاصد كما عن الحواشي (3) الحرمة في الصورة الأولى (4)

و فيه (5) اشكال من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم.

++++++++++

(1) اي القائل و هو المشبّب.

(2) لأنه اذا كان الملاك في تحريم التشبيب إثارة الشهوة نحو الأجنبية سواء أ كانت في جانب القائل أم السامع: فالظاهر حرمته.

و اذا كان الملاك إثارة الشهوة نحو الأجنبية في جانب القائل و هو المشبّب فقط فالظاهر أيضا حرمة التشبيب في جانب القائل فقط.

و أما السامع فلا، لعدم معرفته بها حتى يجري في حقه ما ذكر من وجوه التحريم.

(3) اي حواشي (الشهيد الأوّل) على الارشاد.

(4) و هو علم السامع علما اجماليا بأن القائل يقصد امرأة معينة.

لكن هو لا يعرفها.

و الصورة الثانية هو عدم علم السامع اجمالا بأن القائل يقصد امرأة معينة.

و ليس المراد من الصورة الأولى المرأة المعروفة عند القائل، بل المراد كما عرفت هو علم السامع اجمالا بأن المشبّب يقصد امرأة معينة مجهولة عنده كما قال الشيخ: سواء علم السامع اجمالا أنه يقصد معينة أم لا.

(5) أي و في جريان الحرمة في الصورة الأولى كما أفاده صاحب (جامع المقاصد) نقلا عن حواشي الشهيد، اشكال.

وجه الاشكال: أن منشأ تحريم التشبيب إن كان ما ذكره الفقهاء: -

ص: 207

و كذا (1) اذا لم يكن هنا سامع.

و أما اعتبار الإيمان (2) فاختاره في القواعد و التذكرة، و تبعه بعض الأساطين (3)، لعدم احترام غير المؤمنة.

و في جامع المقاصد كما عن غيره حرمة التشبيب بنساء أهل الذمة (4)

++++++++++

- من الأدلة المذكورة فلا موجب لحرمة هذا التشبيب، لعدم معرفة السامع بالمرأة المشبّب بها حتى تصدق الأمور المذكورة في حقها.

و ان كان منشأ التشبيب ما ذكره الشيخ: من اثارة الشهوة و تهييجها نحو السامع، أو القائل كما استفاد هذا المعنى من الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة: فلا اشكال في حرمة التشبيب.

فالحاصل أنه لما لم يكن منشأ التحريم في التشبيب معلوما يشكل الحكم بالحرمة.

(1) أي و كذا يأتي الاشكال في حرمة التشبيب اذا كان المشبّب وحده، و ليس هناك احد يسمع التشبيب حتى يترتب عليه شيء مما ذكر في وجه التحريم.

فعلى ما ذهب إليه الأصحاب في ذكر أدلة حرمة التشبيب لا يكون التشبيب هنا حراما، لعدم وجود سامع هنا يسمع حتى يترتب عليه أحد الأمور المذكورة.

و على ما أفاده الشيخ من أنه موجب لإثارة الشهوة يكون حراما و ان لم يكن هناك سامع.

(2) و هو الاعتراف بذاته المقدسة، و برسوله الأعظم، و بما جاء به صلى اللّه عليه و آله.

(3) و هو (الشيخ الكبير صاحب كشف الغطاء).

(4) و هم أهل الكتاب الخاضعون لأحكام الاسلام، طبقا للشروط -

ص: 208

لفحوى حرمة النظر إليهن، و نقض (1) بحرمة النظر إلى نساء أهل الحرب، مع أنه صرح بجواز التشبيب بهن.

و المسألة (2) مشكلة من جهة الاشتباه،

++++++++++

- المقررة في كتاب الجهاد في الكتب الفقهية في حقهم.

أو كونهم تحت حماية الحكومات الاسلامية فتشترط عليهم الحكومات شروطا خاصة، سوى تقيدهم بالأنظمة الاسلامية و قوانينها، و يؤخذ عليهم عدم إخلالهم بالأمن العام، و عدم تجسسهم عن أحوال المسلمين.

ثم إن هذه الأمور غير محتاجة إلى الاشتراط، لخروجهم عن ذمة الاسلام اذا أخلوا بها، أو تجسسوا عن أحوال المسلمين.

و الدليل على حرمة التشبيب بنساء أهل الذمة: هي الفحوى المراد منها الأولوية، فإن حرمة النظر إليهن اذا كانت لأجل أنهن في ذمة الاسلام و حماه فحرمة التشبيب المثير للشهوة نحوهن أولى، لكونهن في حمى الاسلام و ذمته فالملاك هنا أقوى.

(1) أي نقضت الأولوية المذكورة المعبر عنها بالفحوى: بحرمة النظر الى نساء أهل الحرب و هم الكفار المحاربون، مع أنه يجوز التشبيب بنسائهم فاذا كان الملاك في حرمة التشبيب بنساء أهل الذمة هي حرمة النظر فلما ذا لم يكن التشبيب بنساء أهل الحرب حراما مع حرمة النظر إليهن فنفس الأولوية المذكورة موجودة.

(2) أي مسألة حرمة التشبيب مشكلة، من حيث عدم العلم بمنشإ الحرمة، حيث إن منشأها كما عرفت محل الخلاف عند الفقهاء، و عند الشيخ.

فإن كان الملاك هي الأمور الخمسة المذكورة من الايذاء، و الاغراء و ادخال النقص عليهن و الهتك بها، و الفضح فلا اشكال في عدم صدق الحرمة، لعدم صدق أكثرها، فلا احترام لنساء أهل الحرب فتتوسع -

ص: 209

في مدرك (1) أصل الحكم

و كيف كان (2) فاذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة (3) لم يحرم عليه الاستماع كما صرح به في جامع المقاصد.

و أما التشبيب بالغلام (4) فهو محرم على كل حال (5) كما عن الشهيدين و المحقق الثاني، و كاشف اللثام، لأنه فحش محض فيشتمل على الإغراء بالقبيح (6).

و عن المفاتيح أن في اطلاق الحكم (7) نظرا و اللّه العالم.

++++++++++

- دائرة التشبيب من حيث الحلية فلا تدخل نساء أهل الحرب في مفهوم التشبيب، لخروجهن موضوعا عنه.

و ان كان الملاك ما ذكره الشيخ من اثارة الشهوة و تهييجها فلا اشكال في صدق الحرمة، فتدخل نساء أهل الحرب في موضوع التشبيب و مفهومه فتضيق دائرته فتكون نساء أهل الحرب، و النساء المؤمنات المعروفات المحترمات على حد سواء، لوحدة الملاك في الجانبين.

(1) المراد من المدرك: دليل حرمة التشبيب.

و المراد من الحكم: حرمة التشبيب.

(2) أي سواء قلنا: إن مدرك حرمة التشبيب ما أفاده الفقهاء:

من الأمور الخمسة المذكورة أم ما أفاده الشيخ: من إثارة الشهوة و تهييجها.

(3) و هي أسباب الحرمة أيا كانت.

(4) أي بالغلام المعين المعروف.

(5) سواء أ كان مؤمنا أم لا، و سواء أ كان عفيفا أم لا. و سواء أ كان نقي الثوب أم لا.

(6) لأنه موجب للاتصال معه، و التردد عليه، و لربما أدى التشبيب بالغلام إلى مقدمات محرمة تترتب عليها معاصي كبيرة كثيرة عظيمة، بالإضافة الى تلك الأمور المترتبة على التشبيب بالمرأة فيكون التشبيب بالغلام أقبح.

(7) أي أفاد صاحب المفاتيح أن الحكم بحرمة التشبيب بالغلام بنحو مطلق و بأي حال مشكل.

ص: 210

التّصوير

ص: 211

ص: 212

المسألة الرابعة تصوير ذوات الأرواح حرام اذا كانت الصورة مجسمة

المسألة الرابعة (1) تصوير (2) ذوات الأرواح حرام اذا كانت الصورة مجسمة بلا خلاف فتوى و نصا (3).

و كذا مع عدم التجسم وفاقا لظاهر النهاية، و صريح السرائر، و المحكي عن حواشي الشهيد، و الميسية (4)، و المسالك،

++++++++++

(1) أي من النوع الرابع الّذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه.

(2) المراد منه: تصوير الشكل و الهيئة ممن له الروح، أو مما له الروح.

ثم إن التصوير على قسمين: مجسم و هي التماثيل التي تمثل الانسان أو الحيوان.

و غير مجسم و هي التي تنقش على الأحجار و الأوراق و الأخشاب، و تري هيئة الأشياء كما هي عليها.

(3) تأتي الاشارة إليها قريبا.

(4) كتاب في الفقه (للشيخ عبد العالي الكركي) الميسي. نسب الكتاب الى مدينة المؤلف (ميس) بفتح الميم: و هي من بلاد (جبل عامل) من بلاد (لبنان) الواقعة في المنطقة الجنوبية عدد سكانها 4000 آلاف نسمة تقريبا كلهم شيعة اثنا عشرية تبعد عن (بيروت) 160 كيلومتر.

ص: 213

و إيضاح النافع (1)، و الكفاية، و مجمع البرهان (2) و غيرهم (3)، للروايات المستفيضة، مثل قوله عليه السلام: نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم (4).

و قوله (5) عليه السلام: و ينهى عن تزويق البيوت.

قلت: و ما تزويق البيوت ؟.

قال: تصاوير التماثيل.

و المتقدم (6) عن (تحف العقول): و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني.

++++++++++

(1) في (شرح الشرائع) للعلامة (الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيعي).

(2) (للمحقق الأردبيلي).

(3) أي و غير هؤلاء الأعلام من أساطين العلم.

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 322. الباب 46 من أبواب لباس المصلي. كتاب الصلاة. الحديث 2.

(5) بالجر عطفا على المضاف إليه في قوله: مثل قوله، أي و مثل قوله عليه السلام: و ينهى عن تزويق البيوت.

راجع نفس المصدر. ص 560. الباب 3 من أحكام المساجد.

الحديث 1.

(6) بالجر عطفا على المضاف إليه في قوله: أي و مثل ما تقدم في رواية (تحف العقول) التي ذكرناها في الجزء الأوّل من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة من ص 23-33.

ثم إن المراد من الروحاني في قوله عليه السلام: مثال الروحاني:

تصاوير ذوات الأرواح كالانسان و الحيوان و الحشرات.

و لا يخفى عليك أنه يمكن أن يراد من التصاوير في الرواية: التصاوير -

ص: 214

و قوله (1) عليه السلام في عدة أخبار: من صوّر صورة كلّفه اللّه يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ.

و قد يستظهر اختصاصها (2) بالمجسمة، من حيث إن النفخ في الروح

++++++++++

- المجسمة التي تصنع من الأحجار و الفلزات، و عدم اختصاصها بالصور المتخذة بالأقلام التي يعبر عنها في عصرنا الحاضر ب: (الريش)، أو التصاوير المتخذة بالأدوات الموجودة حاليا.

و القرينة على ذلك كلمة و صنعة صنوف، حيث إن هذه الكلمة تستعمل في صناعة الجسميات، لا في التصاوير المتخذة بالريش و الأقلام فعليه لا تختص حلية التصاوير بالتصاوير المنقوشة.

(1) بالجر عطفا على المضاف إليه في قوله: مثل قوله، أي و مثل قوله عليه السلام: في عدة أخبار: من صوّر صورة.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 220. الباب 94 من أبواب تحريم عمل الصور. الحديث 6.

(2) أي اختصاص الرواية الأخيرة بتصوير المجسمات.

و كلمة من بيانية لوجه الظهور. و قد ذكر الشيخ وجه ظهور اختصاص الرواية الأخيرة بتصوير المجسمات من ذوات الأرواح.

و حاصل الاستظهار: أن المراد من النفخ في قوله عليه السلام:

أن ينفخ فيها: ايجاد الروح في الصورة التي صورها الانسان.

و من المعلوم أن ايجاد الروح إنما يتصور في الجسميات التي لها وجودات خارجية كالمنحوت من الرخام، أو الأحجار، أو الصخور، أو التي تصاغ في قوالب كالتماثيل الصنيعة في عصرنا الحاضر.

و ليس المراد من النفخ ايجاد الروح في الصور المنقوشة على الأوراق و الجدران و الحيطان و الصخور، حيث إنها لا قابلية للنفخ فيها حتى يؤمر به.

ص: 215

لا يكون إلا في المجسمة، و إرادة (1) تجسم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه: خلاف الظاهر.

و فيه (2): أن النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله،

++++++++++

(1) دفع و هم من المستظهر القائل باختصاص الرواية الأخيرة في التصوير بالجسميات من ذوات الأرواح.

حاصل الوهم: أنه من الامكان أن يأمر اللّه تعالى يوم القيامة المصور الذي صور بالقلم، و الريش على الأوراق، أو الأحجار، أو الحيطان تلك الصور: تجسيم الصور أولا، ثم نفخ الروح في تلك الأجسام فتجسيم الصور مقدمة لنفخ الروح فيها.

اذا لا تكون الرواية مختصة بنفخ الروح في التصوير بالجسميات فما استظهره القائل بالاختصاص غير ظاهر.

فاجاب المستظهر ما حاصله: أن التوهم المذكور خلاف ظاهر لفظ النفخ، حيث إنه موضوع لايجاد الروح فاستعماله في تجسيم الصور المنقوشة على الأوراق و الحيطان أولا، ثم نفخ الروح فيها ثانيا مجاز، و هو خلاف وضع اللفظ.

و لا يخفى عليك أن هذه الرواية قرينة على ما ادعيناه آنفا: من أنه يمكن أن يراد من التصاوير الواردة في (تحف العقول): التصاوير الجسميات و عدم اختصاصها بالنقوش بالأقلام و الريش، و بالأدوات المستحدثة.

(2) هذا اشكال من الشيخ على الاستظهار المذكور، أي و في هذا الاستظهار نظر و اشكال.

وجه النظر: أن نفخ الروح في الآخرة في الصور المنقوشة على الأوراق و الحيطان بالقلم و الريش امر ممكن باعتبار محل الصور المنقوشة، حيث -

ص: 216

بل (1) بدونها كما في أمر الامام عليه السلام الأسد المنقوش على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة (2)،

++++++++++

- إن محلها قابل للنفخ فلا مانع من تعلق الأمر به في الآخرة فيقال للمصور:

انفخ فيها بهذا اللحاظ.

اذا لا تختص الرواية بالتصوير في الجسميات من ذوات الأرواح، بل تعم حتى المنقوشة بالريش و القلم على الأوراق و الجدران.

هذه خلاصة وجه النظر.

و مرجع الضمير في محله: النقش.

(1) هذا ترق من الشيخ عما أفاده من امكان نفخ الروح في الصور المنقوشة باعتبار محله.

و خلاصة الترقي: أننا و إن قلنا بإمكان نفخ الروح باعتبار محله، لكننا نقول بذلك حتى بدون واسطة المحل كما في أمر الامام عليه السلام الأسد المنقوش على الستر باخذه الساحر.

(2) إليك خلاصة الحادث.

كل أحد يعلم عداء (العباسيين) (للأئمة من أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام كزملائهم (آل أمية) فكانوا يستعملون شتى الأساليب للقضاء عليهم حتى الموت ليستريحوا منهم.

و من (أئمة أهل البيت الامام موسى بن جعفر) عليهما الصلاة و السلام كان في عصر الخليفة العباسي (هارون الرشيد) و كان عليه السلام معذبا من قبله فجاء به من (المدينة المنورة) الى (بغداد) فسجنه في سجن لا يميز بين ليله و نهاره، و هو مقيد بالقيود و السلاسل.

ما كانت هذه الأعمال الهمجية تشفي غليل الخليفة فكان دوما يتربص الدوائر لمس كرامته عليه السلام.

ص: 217

..........

++++++++++

- فمن جملة ما ارتكبه للقضاء على الامام عليه السلام: أنه أمر أحد رجال حاشيته أن يأتوا له برجل يعمل عملا يبطل بواسطة تلك العملية أمر الامامة التي كانت منصبا إلهيا (لأئمة أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام ليخجل الامام عليه السلام أمام المجتمع و السذج من الناس، ليحط من كرامته و ليفند دعوى الامام للامامة حسب زعمه الباطل، و نحن نذكر لك الحادث بتمامه.

أليك نص الحديث.

عن ابن الوليد عن الصفار و سعد معا عن ابن عيسى عن الحسن عن أخيه عن أبيه عن (علي بن يقطين).

قال: استدعى (هارون الرشيد) رجلا يبطل(1) به أمر (أبي الحسن موسى بن جعفر) عليهما السلام، و يخجله في المجلس فانتدب له رجل معزّم(2) فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا(3) على الخبز فكلما

ص: 218


1- الفاعل في يبطل (هارون الرشيد). و الباء في به سببية، أي يبطل هارون الرشيد بسبب الرجل الساحر الذي يعمل السحر ليخجل الامام موسى بن جعفر) عليهما السلام امام المجتمع.
2- بصيغة الفاعل من عزّم يعزم تعزيما من باب التفعيل. يقال: عزم الراقي أي قرأ العزائم، و الراقي اسم فاعل من رقى يرقي رقيا و رقيا و رقية، جمعه: رقى و رقيات و رقيات بالتشديد. و معناه الاستعانة بالأسباب غير العادية التي تفوق قوى الطبيعة للحصول على أمر يوجب نفعا، أو إضرارا للطرف الآخر، فالمعزم هو الذي يقرأ الأوراد المتداولة بين السحرة المعبر عنها بالأسباب غير العادية التي تفوق القوى الطبيعية حتى يتمكن من الإضرار بالطرف الآخر، أو نفعه.
3- المراد منه المكر و الخديعة.

أو بملاحظة (1) لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء لطيفة من الصبغ.

++++++++++

- رام(1) خادم (أبي الحسن) عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه فاستفز(2) هارون الفرح و الضحك لذلك(3).

فلم يلبث (أبو الحسن) عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور(4).

فقال له: يا أسد اللّه خذ عدو اللّه.

قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المعزم فخر (هارون) و ندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم، و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه. فلما أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون:

أسألك بحقي عليك لما سألت أن ترد الرجل.

فقال: إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيّهم فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل. فكان ذلك أعمل الأشياء في افاقة نفسه(5).

(1) عطف على قوله: إن النفخ يمكن تصوره في النقش، أي و يمكن تصور النفخ أيضا بملاحظة لون النقش، حيث إنه ذو أجزاء لطيفة حاصلة من نقش الصبغ تشكل جسما لطيفا قابلا لنفخ الروح فيها.

ص: 219


1- من رام يروم روما فهو أجوف واوى و زان قال يقول.
2- معناه حدوث الانبساط و النشاط في الانسان بسبب الفرح و الضحك.
3- أي لأجل الخجل و الاستهانة الواردين على الامام عليه السلام بواسطة عملية الساحر و هو طيران الرغيف من يد خادم الامام.
4- جمع ستر و يجمع على أستار أيضا.
5- راجع (بحار الأنوار) الطبعة الحجرية طباعة الكمباني (امين الضرب). الجزء 11. ص 242. آخر الصحيفة.

و الحاصل: أن مثل هذا (1) لا يعد قرينة عرفا على تخصيص الصورة بالمجسم.

و أظهر من الكل (2): صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان، فإن ذكر الشمس و القمر قرينة على إرادة مجرد النقش.

و مثل قوله عليه السلام: من جدد قبرا، أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام (3)، فإن (4) المثال و التصوير مترادفان على ما حكاه

++++++++++

(1) و هو الأمر بنفخ الروح في الصورة في قوله عليه السلام: كلفه اللّه يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ.

(2) أي و أظهر من جميع الروايات المذكورة في شمولها للصور المجسمات و غيرها: صحيحة محمد بن مسلم.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 220. الباب 94 من أبواب ما يكتسب به، كتاب التجارة. الحديث 3. فإن ذكر الشمس و القمر قرينة على إرادة مجرد النقش من دون المجسمات: فكيف يمكن القول باختصاص الصورة في الرواية بالمجسمات ذوات الأرواح.

(3) نفس المصدر. الجزء 3. ص 562. الباب 3. الحديث 10

فالحديث هذا يدل على إرادة النقوش من التصوير. و ليس له اختصاص بالمجسمات.

(4) هذا دفع و هم.

حاصل الوهم: أن كلامنا في الصور و النقوش، و الحديث مشتمل على كلمة مثّل و هو يختص بالمجسمات و التماثيل فلا يكون دليلا على تحريم الصور من النقوش.

فاجاب الشيخ عن الوهم ما حاصله: أن المثال و الصور مترادفان بمعنى -

ص: 220

كاشف اللثام عن أهل اللغة، مع (1) أن الشائع من التصوير و المطلوب منه: هي الصور المنقوشة على أشكال الرجال و النساء، و الطيور و السباع دون الأجسام المصنوعة على تلك الأشكال (2).

و يؤيده (3) أن الظاهر: أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق

++++++++++

- أنه لا فرق بينهما، لاطلاق كل واحد منهما على الآخر فالمثال في قوله صلى اللّه عليه و آله: من مثل مثالا يشمل الصور و النقوش فيحرم تصويرها لعدم اختصاص المثال بالأجسام المصنوعة، أو المنحوتة على أشكال الرجال و النساء.

(1) هذا ترق من الشيخ.

و حاصله: أنه بالإضافة إلى ما أفاده (كاشف اللثام) من أن الصور و المثال مترادفان كل يصدق على الآخر، من دون اختصاص المثال بالمجسمات:

أن الشائع في الصور و النقوش، و المطلوب فيها خارجا: هي الصور المنقوشة على أشكال الرجال و النساء، و الطيور و السباع، دون الأجسام المصنوعة من الأشكال المذكورة.

فعليه لا مجال لشمول كلمة مثالا في قوله صلى اللّه عليه و آله:

من مثل مثالا: الأجسام المصنوعة، أو المنحوتة، بل يخص الصور و النقوش

(2) و هي أشكال الرجال و النساء، و الطيور و السباع.

(3) أي و يؤيد أن المراد من تصوير ذوات الأرواح هي الصور و النقوش، لا التماثيل و المجسمات: ظاهر حكمة تحريم تصوير ذوات الأرواح فتلك الحكمة بعينها موجودة في نفس الصور و النقوش.

و خلاصة التأييد: أن السر و الحكمة في التحريم: هو عدم تشبه الانسان بالخالق في صنيعته و خليقته بذاته المقدسة، هذه الخليقة التي خلقها على أحسن صورة، و أجمل منظر، و أبدع هيكل، ركب فيه الأعضاء -

ص: 221

..........

++++++++++

- و الجوارح فجعلها في مستقرها و مكانها، ثم خلق فيه الملامح و المعاني كلا بحسبه.

و إلى هذه الصنيعة و الخليقة العجيبة أشار بقوله عز من قائل:

فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ ، المؤمنون: الآية 14.

فلو صور المصور مثل صنيعة الباري و خليقته من ذوات الأرواح بالتجسيم و أتى بمثلها في الإبداع بما لها من الأعضاء و الأشكال و الجوارح: المعجبة للناظر مناظرها، و التي تعجز الآخرين عن الاتيان بمثلها، و التي يقبلها الذوق السليم، و الطبع الرقيق الخفيف: فقد حصل التشبه بذاته المقدسة في الخلق.

و كذا لو صور و نقش و أتى بما يعجب الناظر في صنيعة الباري في الإبداع و الإعجاز فقد حصل التشبه بذاته المقدسة جلت عظمته و آلاؤه

و من الواضح أن المادة لا دخل لها في تصوير الانسان و الحيوان فالتشبه يحصل في ضمن أي شيء كان، سواء أ كان في ضمن النقوش أم في ضمن التجسيم و التماثيل، لأن تعجب الناظر بالصور و التماثيل لم يأت من قبل المواد، حتى يقال باختصاصه بالمجسمات، بل جاء من قبل البداعة و الفن و الاختراع التي استعملها المصور في صنيعته بما لها من الأعضاء و الأشكال اللطيفة الرقيقة التي جاءت وفقا للذوق السليم، و الطبع الرقيق فعليه يثبت التحريم في النقوش أيضا.

هذه خلاصة ما افيد في سر حكمة التحريم.

و لا يخفى: أن الحكمة المذكورة غير مسلمة، لأن لازمها أن الشارع إنما حرم تصوير ذوات الأرواح بالتجسيم حتى لا يتمكن أحد من اتيان مثل صنيعته و خليقته فيحصل التشبه به لو أتى مثلها. -

ص: 222

في إبداع الحيوانات، و أعضائها على الأشكال المطبوعة (1) التي يعجز

++++++++++

- و معنى هذا: أن العبد قادر على الاتيان بمثل صنيعته و خليقته، لكن يعجزه الباري عز و جل عن الاتيان بمثلها بواسطة التحريم الشرعي، لئلا يحصل التشبه به، مع أن المخلوق أضعف من أن يقابل الخالق في اتيان مثل خليقته و أعجز من أن يصنع مثل صنيعته، و كيف يتمكن من ذلك، و أنّى له التشبه بمن هو خالق الكائنات و السماوات بغير عمد نراها.

بل صنيعته هذه تري عظمة الخالق الذي اعطي صانعها هذا الدماغ و هذه الفكرية الجبارة التي أمكنت المصور في أن يصنع هذه الصنيعة، و يأتي مثلها على نحو يعجب منظرها الناظر.

فالحكمة في تحريم صور ذوات الأرواح غير ما أفاده الشيخ ظاهرا.

و إن أبيت و قلت: إن السر في التحريم: هو ما ذكره الشيخ لا غير.

قلنا: فما رأي الفقهاء في تصوير الأشجار و الأودية و الصحاري و الشمس و القمر، و النجوم و الجبال، و السحاب و الأنهار التي يصورها المصورون على أحسن شكل، و أبدع منظر و هي تشبه صنيع الباري عز و جل من تمام الجهات، سوى الحركة و الحياة، و لو أمعنت النظر في هذه التصاوير لرأيت أن الفنانين في العصر الحاضر قد بلغوا في الاعجاز قمته.

ثم إن الأخبار الواردة عن (أئمة أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام في جواز تصوير الأشياء المذكورة كثيرة.

و قد تقدم بعضها في ص 220: و هي صحيحة محمد بن مسلم.

و دعوى اختصاص حرمة التشبه بتصوير ذوات الأرواح: بالصور المجسمة بعيدة جدا.

(1) و هي التي تكون وفقا للذوق السليم، و الطبع الرقيق الخفيف.

ص: 223

البشر عن نقشها (1) على ما هي عليه، فضلا عن اختراعها، و لذا (2) منع بعض الأساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك.

و من المعلوم أن المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات (3) العجيبة فالتشبه انما يحصل بالنقش و التشكيل لا غير (4).

و من هنا (5) يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح،

++++++++++

(1) مرجع الضمير: الحيوانات و الأعضاء في قوله:

كما و أنهما المرجع في اختراعها في ابداع الحيوانات و اعضائها.

(2) أي و لأجل أن اختراع هذه الصورة موجبة للتشبه بالخالق من حيث الابداع منع (شيخنا الكبير) عن تهيئة أسباب التصوير لغير المكلف.

و الاختراع مصدر باب الافتعال و معناه الابداع في الشيء و ايجاده بنحو يعجب الناظر منظره.

(3) و هو تصوير الانسان و الحيوان و الشجر، و بقية المخلوقات على نحو يعجب الناظر إليها، فإن المادة لا دخل للإعجاب بها حتى ينحصر التشبه في صنيعة المجسمات و التماثيل كما عرفت آنفا في ص 222 عند قولنا:

و من الواضح.

(4) الظاهر زيادة كلمة لا غير، حيث إن التشبه غير منحصر في النقوش، بل يحصل في المجسمات أيضا، بالإضافة إلى أن كلامه في التشبه بالمجسمات، و منها يريد أن يستدل على حصول التشبه بالصور و النقوش.

اللهم إلا أن يقال: إن المراد من الأشكال التماثيل و المجسمات.

(5) أي و من أنه قلنا: إن السر في حكمة تحريم التصوير هو التشبه بالخالق، و التشبه انما يحصل بالنقوش و الأشكال: يمكن أن يقال باختصاص الحكم و هي حرمة التصوير: بذوات الأرواح من الانسان و الحيوان، و عدم شموله للأشجار و الصحاري و الأودية و البوادي و الجبال.

ص: 224

فإن (1) صور غيرها كثيرا ما يحصل بفعل الانسان للدواعي الأخر غير قصد التصوير، و لا يحصل به تشبه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه، بل كل ما يصنعه الانسان من التصرف في الأجسام فيقع (2) على شكل واحد من مخلوقات اللّه تعالى، و لذا (3) قال كاشف اللثام (4) على ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل (5) أنه لو عمت الكراهة لتماثيل ذي الروح و غيرها: كرهت (6) الثياب ذوات الأعلام

++++++++++

(1) تعليل لاختصاص الحرمة بذوات الأرواح لا غير من دون تعميمها الى المذكورات.

و خلاصة التعليل: أن تصوير غير ذوات الأرواح من المذكورات انما يحصل لدواعي أخرى مثل جعلها زينة في البيوت، و الأماكن العامة و المتاحف الدولية، و ليس داعي المصور من ايجادها التشبه بحضرة الخالق جل جلاله حتى يحرم تصويرها.

(2) الظاهر زيادة الفاء في كلمة فيقع، حيث إنها ليست تفريعا على شيء. و جملة يقع مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: فكل ما.

و في أغلب النسخ الموجودة عندنا توجد الفاء.

(3) أي و لأجل أن كل ما يفعله الانسان لا يخلو من أن يقع على شكل من مخلوقات الباري عز و جل.

(4) شرح (لقواعد العلامة) كان فقيه العصر (الشيخ صاحب الجواهر) قدس سره يعتمد عليه اعتمادا بالغا.

(5) و هي الصور و النقوش التي تمثل في الخارج أحد مخلوقات الباري عز و جل.

(6) جواب ل: (لو الشرطية) في قوله: لو عمت الكراهة.

و خلاصة ما أفاده صاحب (كشف اللثام): أنه لو عمت الكراهة -

ص: 225

لشبه الأعلام بالأخشاب و القصبات و نحوها، و الثياب (1) المحشوة، لشبه طرائقها المخيطة بها، بل الثياب (2) قاطبة، لشبه خيوطها بالأخشاب

++++++++++

- الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل، سواء أ كانت التماثيل من ذوات الأرواح أم من غيرها: لكرهت الثياب المشتملة على الأعلام التي هي نقوش و رسوم تطرز، أو تطبع على الأقمشة الحريرية و الصوفية المختصة بالنساء، و الستائر قديما و حديثا، لشبه هذه الأعلام بالأخشاب و القصبات التي هي من صنع الباري عز و جل فيحصل التشبه بالخالق من حيث الابداع و الاعجاز بتلك الخصوصيات اللطيفة الدقيقة في الأخشاب و القصبات.

و المراد بالأخشاب: أبدان الأشجار و أغصانها، و بالقصبات: ما تنبت في الآجام و المستنقعات.

(1) بالرفع عطفا على فاعل كرهت و هي الثياب في قوله: كرهت الثياب، أي لو عممنا التماثيل و قلنا: إن المراد منها ذوات الأرواح و غيرها لكرهت الثياب المحشوة التي تجعل بينها و بين بطانتها مقدار من القطن أو الصوف، أو الخرق، لشباهة طرائق هذه الثياب المحشوة المخيطة بتلك الأخشاب و القصبات التي هي مخلوقات الباري عز و جل فيحصل التشبه بالخالق عز و جل من حيث الإبداع و الإعجاب فيها.

و طرائق جمع طريقة. و المراد منها: هي الدروب المعوجة التي يوجدها الخياط في الثياب توسط الخيط، أو الابريسم فحينئذ تشبه هذه الاعوجاجات و الدروب أبدان الأشجار فيحصل التشبه بالخالق كما عرفت.

و مرجع الضمير في طرائقها: الثياب.

(2) برفع الثياب عطفا على فاعل كرهت و هي الثياب في قوله:

كرهت الثياب، أي لو عممنا التماثيل و قلنا: إن المراد منها اعم من ذوات الأرواح و غيرها لكرهت الثياب قاطبة و ان لم تكن مشتملة على طرائق و دروب معوجة كثياب النساء، فإن نفس الخيوط في الثياب تشبه الأخشاب -

ص: 226

و نحوها انتهى (1).

و ان كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجيء هذا (2).

و لكن (3) العمدة في اختصاص الحكم بذوات الأرواح: أصالة

++++++++++

- و القصبات و ان لم تكن الثياب مشتملة على التطريز و الاعوجاجات فيحصل حينئذ التشبه بالخالق من حيث الابداع و الاعجاز بتلك الأشكال اللطيفة البديعة الرقيقة.

و كلمة قاطبة منصوبة على الحالية و معناها: الجميع أي لو عممنا التماثيل لكرهت الثياب جمعاء، من دون اختصاصها بثياب النساء كما عرفت.

و مرجع الضمير في خيوطها: الثياب في قوله: بل الثياب قاطبة و مرجع الضمير في نحوها: الأخشاب.

و المراد من نحوها: القصبات و جميع ما خلق اللّه عز و جل.

(1) أي ما أفاده صاحب (كشف اللثام) حول التصوير و التماثيل.

(2) أي خذ ما ذكرناه عن صاحب (كشف اللثام) و ما أفاده في هذا المقام.

(3) و حيث كان الاستظهار المذكور في قوله: و من هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم: غير مرضي عنده أفاد أن العمدة في اختصاص الحكم المذكور و هي الحرمة بتصاوير ذوات الأرواح: هي أصالة الاباحة في الأشياء خرج منها تصوير ذوات الأرواح، للأخبار الكثيرة التى ذكرناها لك الدالة على حرمته، و بقي غيرها تحت حكم أصالة الاباحة، فالعمدة و الأساس في الاختصاص هو هذا لا غير فعند الشك في شمول تلك المطلقات الواردة التي أشير إليها في ص 212-213 لغير ذوات الأرواح: نجري أصالة الاباحة في الأشياء في غير ذوات الأرواح، للاقتصار على القدر المتيقن منها: و هي حرمة تصوير ذوات الأرواح، سواء أ كانت في الصلاة أم في غيرها.

ص: 227

الإباحة، مضافا (1) الى ما دل على الرخصة. مثل صحيحة محمد بن مسلم السابقة.

و رواية (2) التحف المتقدمة.

و ما (3) ورد في تفسير قوله تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ

++++++++++

(1) أي بالإضافة إلى إن لنا دليلا آخر على عدم حرمة تصوير غير ذوات الأرواح: و هي الأخبار المجوزة مثل صحيحة (ابن مسلم) التي أشير إليها في ص 220.

فخلاصة الكلام: أن لنا دليلين في اختصاص حرمة التصوير بذوات الأرواح، و عدم شمول المطلقات المذكورة لغير ذوات الأرواح.

(أحدهما): أصالة الاباحة في الأشياء عند الشك في الحرمة.

(ثانيهما): الأخبار المجوزة مثل صحيحة ابن مسلم الواردة في رخصة تصوير غير ذوات الأرواح من الأشجار و الجبال و الصحاري و الأودية و السحاب في قوله عليه السلام: ما لم يكن شيئا من الحيوان، فإن قوله هذا: صريح في اختصاص الحرمة بذوات الأرواح.

(2) أي و مثل رواية (تحف العقول) المشار إليها في الجزء الأوّل من المكاسب ص 23-33 في قوله عليه السلام: ما لم يكن مثل الروحاني فإن قوله عليه السلام صريح في اختصاص حرمة التصوير بذوات الأرواح.

(3) أي و مثل تفسير الامام عليه السلام قوله تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ » ، حيث فسره: أنه ليس المراد من التماثيل هنا تماثيل الرجال و النساء.

لكنها تماثيل الشجر و شبهه، فإن تفسيره التماثيل بتماثيل الشجر و شبهه صريح في جواز تصوير غير ذوات الأرواح، لأنه لو كانت هذه أيضا حراما لكان الامام عليه السلام يبين الحرمة فيها، حيث إنه في مقام البيان -

ص: 228

مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ » في قوله عليه السلام: و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء، و لكنها تماثيل الشجر و شبهه (1)، و الظاهر شمولها (2) للجسم و غيره، فيها (3) يقيد بعض ما مر من الاطلاق، خلافا لظاهر جماعة، حيث

++++++++++

- و لا يجوز تأخيره عن وقته كما ثبت في علم الأصول.

و المراد من شبهه: تصوير الصحاري و الأودية و السحاب و الجبال و كل ما خلق اللّه عز و جل.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 219. الباب 94 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 1.

(2) أي شمول هذه الأخبار المجوزة الدالة على جواز التصوير:

التصاوير المجسمة من غير ذوات الأرواح كالأشجار و الأنهار و الجبال و الأودية و الصحاري.

و التصاوير غير المجسمة من النقوش و الريش.

(3) أي و بهذه الأخبار المجوزة تقيد تلك المطلقات الدالة على عدم جواز التصوير مطلقا، سواء أ كان من المجسمات أم من غيرها، من ذوات الأرواح أم من غيرها.

و قد عرفت الأخبار المجوزة: و هي صحيحة ابن مسلم، و رواية تحف العقول، و ما ورد في تفسير الامام عليه السلام الآية الكريمة.

و قد عرفت الأخبار المطلقة في ص 214 في قوله عليه السلام في جواب السائل عن تزويق البيوت: تصاوير التماثيل، حيث إن تصاوير التماثيل مطلقة تشمل ذوات الأرواح و غيرها، المجسمات و غيرها.

و في قوله صلى اللّه عليه و آله: من جدّد قبرا، أو مثل مثالا المشار إليه في ص 220، فإنه يشمل ذوات الأرواح و غيرها. المجسمات -

ص: 229

إنهم بين من يحكى عنه تعميمه الحكم (1) لغير ذي الروح، و لو لم يكن مجسما، لبعض الاطلاقات اللازم (2) تقييدها بما تقدم.

مثل قوله عليه السلام: و ينهى عن تزويق البيوت (3).

و قوله (4) عليه السلام: من مثّل مثالا إلى آخر الحديث.

و بين (5) من عبر بالتماثيل المجسمة، بناء على شمول التمثال لغير

++++++++++

- و غيرها، لكنه يقيد بالأخبار المجوزة التي ذكرناها لك فيرفع اليد عن اطلاقها.

(1) و هي حرمة التصاوير لذوي الأرواح و غيرها، سواء أ كانت مجسمة أم غيرها.

و هذا التعميم لأجل وجود بعض الأخبار المطلقة التي أشير إليها آنفا كما أفاده القائل بقوله: لبعض الاطلاقات، فاللام في لبعض تعليل من القائل بتعميم الحرمة.

(2) هذه الجملة: (اللازم تقييدها بما تقدم) من كلمات (الشيخ الأنصاري) يقصد بها تقييد هذه المطلقات بما تقدم من الأخبار المجوزة التي أشرنا إليها آنفا.

(3) هذه احدى الروايات المطلقة و قد اشير إليها في ص 214.

(4) هذه ثانية الروايات المطلقة التي أشير إليها في الهامش ص 220.

(5) هذا هو القول الثاني المخالف لمن خص حرمة التصوير بذوات الأرواح. اذ القول الأوّل هو تعميم الحرمة بذوات الأرواح و غيرها و بالمجسمات و غيرها في قول الشيخ: خلافا لظاهر جماعة، حيث إنهم بين من يحكى عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح و لو لم يكن مجسما.

بخلاف القول الثاني، فإنه خص تحريم التصوير بالمجسمات فقط، سواء أ كانت حيوانا أم غيره كما أفاده الشيخ بقوله: فخص الحكم.

ص: 230

الحيوان كما هو كذلك (1) فخص الحكم بالمجسم، لأن (2) المتيقن من المقيدات للاطلاقات، و الظاهر (3) منها بحكم غلبة الاستعمال و الوجود:

النقوش لا غير.

++++++++++

(1) هذه الجملة: كما هو كذلك (للشيخ الأنصاري) يؤيد القول الثاني، أي أن كلمة تمثال الواردة في الحديث تشمل الحيوان و غيره من المجسمات.

(2) تعليل لاختصاص حرمة التصوير بالتماثيل المجسمة فقط، سواء أ كانت حيوانا أم غيره.

و المقيدات بصيغة الفاعل و المراد منها الأحاديث المجوزة المرخصة التي ترخص تصوير غير ذوات الأرواح التي أشير إليها في ص 220 أي القدر المسلم و المتيقن من هذه الأخبار المجوزة المعبر عنها بالمقيدات: هو جواز تصوير النقوش بالقلم و الريش.

(3) بالنصب عطفا على اسم إن و هو قوله: لأن المتيقن.

و مرجع الضمير في منها: المقيدات فهو دليل ثان لاختصاص حرمة التصوير بالمجسمات، سواء أ كانت حيوانا أم غيره.

و خلاصة هذا التعليل: أن الظاهر من هذه المقيدات: هو جواز تصوير النقوش بالريش و القلم.

و منشأ هذا الظهور شيئان: غلبة الاستعمال. و غلبة الوجود، أي كثرة استعمال التصاوير في النقوش، و قلة استعمالها في البعض الآخر، و غلبة الوجود في الخارج لبعض المصاديق، و قلة الوجود بالقياس إلى بعضها الآخر.

و قد عرفت معنى غلبة الوجود، و كثرة الاستعمال في الجزء الأوّل من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. ص 139-140 فراجع فلا نعيده عليك.

ص: 231

و فيه (1) أن هذا الظهور لو اعتبر لسقط الاطلاقات عن نهوضها لإثبات حرمة المجسم فتعين (2) حملها على الكراهة، دون التخصيص بالمجسمة.

++++++++++

(1) أي و في استظهار أن المراد من المقيدات المذكورة في ص 220 هي النقوش لا غير بحكم غلبة الاستعمال، و غلبة الوجود نظر.

وجه النظر: أنه لو قلنا بصحة هذا الاستظهار الناشئ عن غلبة الاستعمال، و غلبة الوجود، و حكمنا بكون المراد من المقيدات هى النقوش لا غير: يلزم عين ذلك في المطلقات المذكورة في ص 214-220 الدالة على حرمة التصاوير و التماثيل بقول مطلق في النقوش و غيرها، في المجسمات و غيرها. بمعنى أنه لا بدّ من حمل المطلقات على النقوش لا غير كما حملنا المقيدات عليها، لوحدة الملاك فيها: و هي غلبة الاستعمال، و غلبة الوجود فتسقط حينئذ هذه المطلقات عن اطلاقها فلا تنهض لإثبات حرمة المجسمات فيقع التعارض بين المقيدات المذكورة الدالة على جواز التصوير في النقوش بالقلم و الريش.

و بين هذه المطلقات الساقطة عن قيامها على الحرمة في المجسمات و اختصاصها بالنقوش، فبحكم التعارض تحمل هذه الاطلاقات على الكراهة في النقوش.

اذا فلم يرد حكم للمجسمات في الأحاديث الواردة فتخرج المجسمات عن الحرمة، مع أن القائل باختصاص حرمة التصوير بالمجسمات، و جوازه في النقوش بحكم تلك الأخبار المقيدة لا يقول بذلك، و لا يلتزم به.

(2) عرفت وجه التعين في الحمل على الكراهة آنفا: و هو وقوع التعارض بين الأخبار المجوزة، و الأخبار المطلقات الساقطة عن النهوض و القيام لاثبات حرمة التصوير في المجسمات.

ص: 232

و بالجملة (1) التمثال في الاطلاقات المانعة مثل قوله صلى اللّه عليه و آله:

++++++++++

(1) هذا أيضا رد على الاستظهار المذكور: و هو حمل المقيدات التي هي الأخبار المجوزة و المرخصة: على النقوش فقط، و تخصيص المطلقات الواردة في الحرمة: على المجسمات، دون غيرها.

و خلاصة هذا الاجمال: أن التماثيل الواردة في الاطلاقات المذكورة في ص 214 في قوله عليه السلام: تصاوير التماثيل.

و في ص 220 في قوله صلى اللّه عليه و آله: من مثل مثالا و التي تمنع عن عمل التصاوير و التماثيل إن كانت ظاهرة في شمول الحكم و هي الحرمة للمجسمات فقط دون النقوش: كان الأمر كذلك في الأدلة المرخصة الدالة على جواز عمل التصاوير و التماثيل اذا لم تكن حيوانا، فإنها تدل على جواز العمل في المجسمات أيضا.

فمثل قوله عليه السلام: و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني.

و قوله عليه السلام في صحيحة ابن مسلم المشار إليها في ص 220:

لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان.

و قوله عليه السلام في تفسير الآية الكريمة المشار إليها في ص 228:

و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء، و لكنها تماثيل الشجر و شبهه:

دال على جواز عمل التصاوير و التماثيل في المجسمات اذا لم تكن حيوانا. من دون اختصاصها بالنقوش كما كانت تلك المطلقات الواردة في الحرمة تدل على حرمة عمل التصاوير و التماثيل في المجسمات فقط، من دون فرق بين هذه المطلقات، و بين تلك المرخصات في حمل كل منهما على المجسمات لا حمل الأخبار المرخصة المذكورة على النقوش فقط، و حمل المطلقات الواردة في الحرمة على المجسمات، و غيرها.

ص: 233

(من مثّل مثالا، إن كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم: كان كذلك في الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان كرواية تحف العقول، و صحيحة محمد ابن مسلم، و ما في تفسير الآية.

فدعوى (1) ظهور الاطلاقات المانعة: في العموم، و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش: تحكم.

ثم إنه لو عممنا الحكم (2) بغير الحيوان مطلقا، أو (3) مع التجسم

++++++++++

(1) الفاء تفريع على قوله: و بالجملة التمثال.

و قد عرفت معنى هذا الاجمال آنفا.

و أما معنى التفريع فخلاصته كما عرفت آنفا، أن الاستظهار المذكور الموجب لحمل المقيدات: على النقوش هو الموجب لحمل المطلقات المذكورة على النقوش أيضا فدعوى ظهور المطلقات في الأعم من النقوش و المجسمات تحكم و تعسف لوحدة الملاك فيها: و هي غلبة الاستعمال، و غلبة الوجود.

(2) أي لو عممنا تحريم التصوير بغير الحيوان أيضا بأن شاركنا غير الحيوان في تحريم تصويره بالحيوان، سواء أ كان التصوير الذي يحكي غير الحيوان مجسما أم نقشا كما أفاده الشيخ بقوله: حيث إنهم بين من يحكى عنه تعميم الحكم لغير ذي الروح و لو لم يكن مجسما، و بين من عبر بالتماثيل المجسمة.

(3) أي لو عممنا الحكم الذي هو التحريم بغير الحيوان أيضا، لكن خصصناه بالمجسم، دون النقوش فعلى كلتا الحالتين يكون المراد من غير الحيوان، سواء أ كان مجسما أم لا، أم مجسما فقط: مخلوق الباري عز و جل على هيئة خاصة معجبة للناظر.

و مرجع الضمير في به في قوله: إن المراد به: غير الحيوان.

ص: 234

فالظاهر أن المراد به: ما كان مخلوقا للّه سبحانه على هيئة خاصة معجبة للناظر على وجه تميل النفس إلى مشاهدة صورتها (1) المجردة عن المادة أو معها.

++++++++++

- و كلمة معجبة بصيغة الفاعل مجرورة على أنها صفة للهيئة، أي الهيئة المعجبة.

ثم لا يخفى أن في مسألة تصوير ذوات الأرواح صورا أربعة:

(الأولى): التحريم مطلقا: المجسمات و النقوش من ذوات الأرواح و غيرها.

(الثانية): الجواز مطلقا: المجسمات و النقوش، سواء أ كانت من ذوات الأرواح أم من غيرها.

(الثالثة): التفصيل بين التجسم فحرام مطلقا، سواء أ كان ذا روح أم لا.

و بين النقوش فحلال مطلقا، سواء أ كانت من ذوات الأرواح أم لا.

(الرابعة): التفصيل بين ذوي الروح فحرام مطلقا، سواء أ كان مجسما أم منقوشا.

و بين غير ذي الروح فحلال مطلقا، سواء أ كان مجسما أم منقوشا.

(1) أي صورة تلك الهيئة الخاصة المعجبة التي تعجب الناظر إليها بحيث تميل النفس إلى مشاهدة صورتها.

ثم إن ميلان النفس إلى الصورة تارة يكون مع المادة بمعنى أن النفس تميل إلى الصورة بما لها من المواد كما في تماثيل الأشجار و الحيوانات المنحوتة من الصخور و الرخام و مواد أخرى تصاغ منها التماثيل.

و أخرى بلا مادة أي تميل النفس إلى الصورة فقط كما في النقوش الحاكية عن المخلوقات.

ص: 235

فمثل (1) تمثال السيف و الرمح، و القصور و الأبنية و السفن مما هو مصنوع للعباد و إن كانت في هيئة حسنة معجبة: خارج.

و كذا (2) مثل تمثال القصبات و الأخشاب، و الجبال و الشطوط

++++++++++

(1) الفاء تفريع على ما أفاده (شيخنا الأنصاري) آنفا: من أن المراد من غير الحيوان في صورة تعميم الحرمة: ما كان مخلوقا للّه تعالى أي بناء على ذلك فالأشياء المذكورة خارجة عن حريم النزاع فلا يشملها الحكم و هي الحرمة، لأنها ليست مخلوقة للّه عز و جل على هيئة خاصة معجبة بحيث تعجب الناظر إليها، و تميل النفس إلى تلك الصورة بما لها من المادة أو مجردة.

(2) أي و كذا مثل هذه الأشياء خارجة عن حريم النزاع.

و القصبات بفتح القاف و الصاد جمع: قصبة بفتح القاف و الصاد أيضا تنبت في الآجام، و الأخشاب تنبت في الغابات.

و الشطوط جمع شط و هو شاطئ النهر، و شاطئ البحر.

لكن الشيخ أراد منها الأنهار العريضة.

و المعنى أن تصوير آجام القصبات، و غابات الأخشاب، و شواطئ الأنهار و البحار و الجبال خارج عن محل النزاع و حريمه، لأن الملاك في الحرمة ما كان مخلوقا للّه على هيئة خاصة بحيث يعجب الناظر إليها فلا تشمل أدلة التحريم هذه و إن كانت مخلوقة للّه تعالى، حيث إنها ليست على هيئة معجبة للناظر إليها بحيث تميل النفس و ترغب إلى مشاهدتها، بخلاف المخلوقات الأخرى، فإنها تتصور على هيئة خاصة تعجب الناظر إليها، و تميل النفس الى النظر إليها.

ص: 236

مما خلق اللّه، لا على هيئة معجبة للناظر بحيث تميل النفس إلى مشاهدتها و لو بالصور الحاكية لها، لعدم شمول الأدلة (1) لذلك كله.

هذا كله (2) مع قصد الحكاية و التمثيل، فلو دعت الحاجة إلى عمل شيء يكون شبيها بشيء من خلق اللّه و لو كان حيوانا من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا.

و منه (3) يظهر النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام.

++++++++++

(1) أي أدلة حرمة التصوير من الآيات و الأخبار لما ذكرناه من تمثال القصبات و الأخشاب و الجبال و الشطوط.

(2) أي ما قلناه من حرمة تصوير ذوات الأرواح من المجسمات اذا كان المصور في مقام قصد الحكاية و التمثيل عما هو في الخارج: بأن يقصد المصور من عمله هذا كونه ممثلا لما هو في الخارج، و حاكيا عنه كما هو عليه خارجا.

(3) أي و من اشتراط قصد التمثيل و الحكاية عما هو في الخارج يظهر الاشكال فيما أفاده صاحب (كشف اللثام) في قوله في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل: إنه لو عممت الكراهة لتماثيل ذي الروح و غيرها: كرهت الثياب ذوات الأعلام، الى آخر ما نقله عنه الشيخ.

وجه ظهور الاشكال: أنه لم يكن قصد الحكاية من حياكة الثياب المتصفة بالأعلام موجودا عند الحياكة، فبناء على اعتبار القصد في الحكاية و التمثيل فما استشكله صاحب (كشف اللثام) بقوله: لو عمت الكراهة لتماثيل ذي الروح و غيرها كرهت الثياب ذوات الأعلام: غير وارد.

ص: 237

ثم إن المرجع (1) في الصورة إلى العرف فلا (2) يقدح في الحرمة نقص بعض الأعضاء، و ليس فيما ورد (3) من رجحان تغير الصورة بقلع عينها، أو كسر رأسها: دلالة على جواز تصوير الناقص.

++++++++++

(1) أي المرجع و المناط في أن هذه الصورة صورة حيوان، أو بعض حيوان. أو أنها مجسمة حيوان، أو مجسمة بعض حيوان: هو العرف فهو الحاكم في ذلك فقط.

فإن حكم العرف أنها صورة حيوان حرمت، سواء أ كانت الصورة بالنقش أم بالتجسيم على كلا القولين.

و إن لم يحكم عليه أنه صورة حيوان و لو كان بعضه فلا حرمة فيه سواء أ كانت الصورة نقشا أم مجسمة على كلا القولين أيضا.

(2) الفاء تفريع على ما أفاده من أن المناط و المرجع في كون الصورة صورة حيوان، أو بعض حيوان هو العرف.

أي بناء على المناط المذكور فلا يضر في حرمة التصوير نقص بعض الأعضاء في الصورة كالأنف أو اليد أو العين أو الأذنين، لحكم العرف ببقاء اسم الصورة على هذا الناقص فالحرمة ثابتة على كل حال و لا محالة.

(3) أي في الأحاديث الواردة عن أئمة (أهل البيت) عليهم السلام حول جواز إبقاء التصاوير في البيوت: ما يدل على جواز تصوير الناقص كتصوير انسان ليس له يد، أو رجل، أو عين، أو رأس.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 564. الباب 4 من أبواب أحكام المساكن. كتاب الصلاة. الحديث 3.

أليك نص الحديث:

عن (أبي جعفر) عليه السلام قال: لا بأس بأن يكون التماثيل -

ص: 238

و لو صور بعض أجزاء الحيوان (1) ففي حرمته نظر، بل منع و عليه (2) فلو صور نصف الحيوان من رأسه إلى وسطه، فإن قدّر الباقي موجودا بأن فرضه إنسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه حرم.

و إن قصد النصف (3) لا غير لم يحرم، إلا مع صدق الحيوان على هذا النصف.

و لو بدا له (4) في إتمامه حرم الاتمام، لصدق التصوير بإكمال الصورة لأنه (5) ايجاد لها، و لو اشتغل،

++++++++++

- في البيوت اذا غيرت رءوسها منها، و ترك ما سوى ذلك.

راجع نفس المصدر. الحديث 7.

(1) كاليد، أو الرجل، أو الرأس مثلا.

(2) أي و على أن تصوير بعض الحيوان غير محرم.

(3) المراد من النصف هنا: النصف الفوقاني بقرينة قوله: إلا مع صدق الحيوان. فهذه القرينة لا تشمل النصف التحتاني، فإن قصد تصوير النصف الفوقاني، ثم صوره و صدق أن هذا انسان. أو أسد أو فيل، أو فرس، أو ثور و ما شابه ذلك فقد حرم، و مع عدم الصدق لا حرمة له.

(4) بدا هنا بمعنى التصميم، لا بمعنى الظهور، أي لو صمم بعد اتمام عمل النصف أن يكمل الصورة إلى آخرها، أو صمم أن يعمل شيئا يري أن نصفه الباقي مفروض الوجود: حرم الاكمال في الصورة الأولى، و هذه العملية في الصورة الثانية.

(5) تعليل لحرمة الاتمام، أي لأن إكمال الصورة، أو تصميم عملية تري نصفه الباقي مفروض الوجود: ايجاد للصورة بتمامها فيحرم الاكمال أو تصميم العملية المذكورة.

ص: 239

بتصوير حيوان (1) فعل حراما حتى (2) لو بدا له في اتمامه.

و هل (3) يكون ما فعل حراما من حيث التصوير، أولا يحرم

++++++++++

(1) أي حيوان كامل الخلقة: كان العمل حراما من بدايته.

(2) حتى هنا للترقي، و بدا بمعنى الصرف و العدول و كلمة في بمعنى عن، أي نفس الاشتغال بتصوير حيوان حرام حتى لو صرف و عدل عن اتمام ذلك التصوير.

بيان ذلك: أن المصور لو اشتغل بتصوير حيوان تام الخلقة و وصل الى نصفه، ثم عدل و انصرف عن الاتمام، فعدوله عن الاتمام لا يوجب رفع الحرمة عن العملية المذكورة التي شرع فيها، فالحرمة ثابتة في حقه و إن عدل عن الإكمال، حيث إن العملية المذكورة كانت محرمة من البداية فالعدول لا يؤثر في رفع الحرمة.

(3) هذا من متممات قوله: حتى و لو بدا له في إتمامه.

و خلاصة هذا الكلام أنه بعد القول بثبوت الحرمة في الفرض المذكور:

و ان عدل و انصرف عن العملية المذكورة، حيث كانت العملية محرمة بداية: هل منشأ ثبوت الحرمة المذكورة نفس التصوير و ان عدل عن إكماله و إتمامه.

أو نفس التجري وجهان ؟:

وجه بأن المنشأ في الحرمة نفس التصوير و ان لم يكمل الصورة و عدل عن إتمامها، لأن معنى حرمة الفعل عرفا ليس إلا الاشتغال به و قد اشتغل المصور به عامدا قاصدا فلا تتعلق الحرمة بالإكمال، و لا عدم الحرمة بعدم الإكمال.

و وجه: أن المنشأ في حرمة مثل هذا التصوير الذي بني على إكماله ابتداء مع العدول عنها في الأثناء بعد أن أكمل النصف: هي نفس التجري -

ص: 240

إلا من حيث التجري وجهان ؟: من (1) أنه لم يقع إلا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه، و من (2) أن معنى حرمة الفعل عرفا ليس إلا حرمة الاشتغال به عمدا (3) فلا تراعى الحرمة (4) بإتمام العمل.

و الفرق (5) بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب على إتمامه.

++++++++++

- دون العمل، لأنه لم يقع من المصور سوى بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه في الخارج و لم يقع كله، و هذا البعض لم يكن حراما، فالحرمة إنما جاءت من ناحية التجري. بمعنى أن العمل هذا كاشف عن سوء سريرة المكلف و خبثه، سواء أكمله أم عدل عن الإكمال، لأنك عرفت أن التجري هو الفعل المتلبس بالقصد أي قصد الحرام، و فيما نحن فيه كان المصور من بداية العمل قاصدا للحرام و ان بدا له الإتمام.

(1) دليل لكون الحرمة في هذا العمل الناقص هو التجري كما عرفت آنفا.

(2) دليل لكون الحرمة في هذا العمل الناقص هي نفس العمل و إن لم يكمل كما عرفت.

(3) أي عامدا قاصدا.

(4) أي حرمة عمل التصوير لا يتوقف على إتمام العمل و إكماله، فنفس التصوير بمجرد الشروع فيه محرم و ان لم يكمل و يتم.

(5) دفع و هم حاصل الوهم: أن الفقهاء في الواجبات يقولون بتوقف الثواب على إكمالها و إتمامها كالصلاة، و الصوم، و الحج بحيث لو لم تكمل و لم تتم لا يثاب المكلف عليها، لكنهم في المحرمات يقولون بترتب العقاب عليها بمجرد الشروع فيها و ان لم تكمل، فما هذا الفرق ؟

ص: 241

و بين الحرام: هو (1) قضاء العرف، فتأمل (2).

بقي الكلام في جواز اقتناء (3) ما حرم عمله من الصور،

++++++++++

(1) جواب عن الوهم المذكور حاصله: أن الفارق بين الواجبات و المحرمات في ترتب العقاب على المحرمات بمجرد الشروع، و بتوقف حصول الثواب في الواجبات على الإكمال و الإتمام: هو العرف، فإنه قاض بأن الثواب لا يحصل في الخارج إلا بعد اتيان آخر جزء منه.

و كلمة هو ضمير فصل جيء به للتأكيد، و ليس بمبتدإ ثان حتى تكون الجملة مرفوعة محلا خبر للمبتدإ الأوّل و هو قوله: و الفرق كما يتوهمه البعض.

(2) لعل وجه التأمل: المناقشة في قضاء العرف و حكمه بالفرق.

نعم مما لا شك فيه أن الواجبات لا يتحقق وجودها في الخارج إلا بعد إكمالها و إتمامها، و به يحصل الامتثال.

لكن هل جاء هذا من قبل الشارع أم من قبل العرف ؟

و إن كان هناك واجبات قد نص الشارع على إكمالها و إتمامها كالصلاة و الصوم و الحج حتى يثاب المكلف عليها.

(3) مصدر باب الافتعال من اقتنأ يقتنئ و معناه: الاحتفاظ، أي بقي الكلام في احتفاظ هذه الصورة المحرم فعلها، سواء أ كانت مجسمة أم غيرها كالنقوش بشرط قصد الحكاية و التمثيل عن ذوات الأرواح كما عرفت في الهامش 2 من ص 237.

و المجسمة أعم من أن تكون لذوات الأرواح أم لغيرها فالمحكي عن شرح الارشاد (للمحقق الأردبيلي) أن المستفاد من الأخبار الصحيحة عدم حرمة اقتناء الصور و احتفاظها.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 317. الباب 45 من أبواب لباس المصلي. كتاب الصلاة. الحديث 1.

ص: 242

و عدمه (1) فالمحكي عن شرح الارشاد للمحقق الأردبيلي: أن المستفاد من الأخبار الصحيحة، و أقوال الأصحاب: عدم حرمة إبقاء الصور انتهى. و قرره (2) الحاكي على هذه الاستفادة.

و ممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة (3) المحقق الثاني في جامع المقاصد مفرعا على ذلك (4) جواز بيع الصور المعمولة، و عدم لحوقها بآلات اللهو و القمار، و أواني النقدين.

و صرح في حاشية الارشاد بجواز النظر إليها.

++++++++++

- أليك نصه:

عن محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن التماثيل في البيت.

فقال: لا بأس اذا كانت عن يمينك و عن شمالك و عن خلفك أو تحت رجليك.

و ان كانت في القبلة فألق عليها ثوبا.

فالرواية هذه صريحة في جواز اقتناء الصور أيّا كانت.

و راجع نفس المصدر. ص 318. الحديث 5-6-8-10-11 12-17، حيث إنها مثل الحديث المذكور في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور.

(1) أي و عدم جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور.

(2) أي و أمضى و أثبت عدم حرمة اقتناء ما يحرم عمله من الصور من حكى هذه الاستفادة من الأخبار الصحيحة التى أشير إليها آنفا.

و من أقوال العلماء و الأصحاب: عن شرح الارشاد.

(3) أي عدم حرمة اقتناء الصور.

(4) أي حال كون المحقق الثاني فرّع على عدم حرمة اقتناء الصور

ص: 243

لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل و ابتياعها (1).

ففي المقنعة (2) بعد أن ذكر فيما يحرم الاكتساب به الخمر و صناعتها و بيعها.

قال: و عمل الأصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة و الشطرنج و النرد و ما أشبه ذلك حرام، و بيعه و ابتياعه حرام انتهى.

و في النهاية و عمل الأصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة و الصور و الشطرنج و النرد، و ساير أنواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز، و التجارة فيها و التصرف فيها، و التكسب بها محظور (3) انتهى، و نحوها (4) ظاهر السراير.

و يمكن أن يستدل للحرمة (5) مضافا إلى أن الظاهر من تحريم عمل الشيء مبغوضية وجود المعمول ابتداء و استدامة: بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله عليه السلام: لا بأس ما لم يكن حيوانا (6) بناء

++++++++++

(1) أي و حرمة شرائها.

(2) (لشيخنا المفيد) قدس سره.

(3) أي ممنوع في الأحاديث الواردة عن (أئمة أهل البيت) عليهم السلام.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 119. الباب 35 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة، الأحاديث. أليك نص الحديث السادس.

عن السكوني عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام.

قال: كان ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار: أن يؤكل و قال: هو سحت.

(4) أي و مثل النهاية ظاهر السرائر.

(5) أي حرمة اقتناء ما حرم عمله من الصور.

(6) مرت الاشارة إليها في ص 220.

ص: 244

على أن الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها (1) العام البلوى: و هو الاقتناء.

و أما نفس الايجاد (2) فهو عمل مختص بالنقاش ألا ترى أنه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة، أو عن العصير فأجاب بالإباحة انصرف (3)

++++++++++

- وجه الاستدلال بالصحيحة على تحريم اقتناء الصور اعم من أن تكون نقوشا، أو مجسمات: أن السائل لم يخصص مورد السؤال عن التماثيل في قوله: سألت (أبا عبد اللّه) عليه السلام عن تماثيل الشجر و القمر بيعها، أو شرائها، أو اقتنائها، أو صنعتها، أو النظر إليها، بل عمم في السؤال. فجوابه أيضا عام يشمل صنعها، و اقتناءها، و بيعها و شراءها و النظر إليها.

فقوله عليه السلام: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان: يشمل جميع ما ذكرناه.

و يمكن أن يناقش في دلالة الصحيحة المذكورة على حرمة الاقتناء:

باحتمال أن الراوي إنما يسأل عن التماثيل حالة الصلاة، لا عن مطلق الحالات.

(1) مرجع الضمير: التماثيل كما عرفت.

(2) و هي صناعة التماثيل و إيجادها في الخارج.

(3) و لا يخفى أن الانصراف المذكور في الخمر و العصير لأجل وجود القرينة: و هو أنهما من المائعات، و من المعلوم أن المائعات موضوعة للشرب كما هي الحال في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ » ، حيث إن المراد من تحريم الميتة هو أكلها، فالأكل مستفاد هنا من القرائن الحالية و المقامية، و الكلام في المجرد عن القرينة: بمعنى أن الانصراف لا بدّ أن يستفاد من نفس الكلام.

ص: 245

الذهن إلى شربهما، دون صنعتهما، بل ما نحن فيه (1) أولى بالانصراف لأن صنعة العصير، و الخمر يقع من كل أحد (2)، بخلاف صنعة التماثيل (3).

و بما (4) تقدم من الحصر في قوله عليه السلام في رواية تحف العقول:

إنما حرم اللّه الصناعة التي يجيء فيها الفساد محضا، و لا يكون منه و فيه شيء من وجوه الصلاح إلى قوله عليه السلام: يحرم جميع التقلب فيه فإن ظاهره (5) أن كل ما يحرم صنعته: و منها التصاوير يجيء منها الفساد

++++++++++

(1) و هو انصراف السؤال عن التماثيل إلى اقتنائها، أي انصراف السؤال عن التماثيل إلى اقتنائها أولى من انصراف الخمر و العصير إلى شربهما حيث إنه من المحتمل أن يكون السؤال عنهما سؤالا عن صناعتهما و شربهما.

بخلاف السؤال عن التماثيل فلا يحتمل سوى السؤال عن الاقتناء.

(2) أي من الشارب و غيره.

(3) فإنه لا يتمكن على صناعتها إلا أفراد يعدون من مهرة الفن.

(4) عطف على قوله: و يمكن أن يستدل للحرمة. أي و يمكن أن يستدل على حرمة اقتناء التماثيل بما تقدم من الحصر في قوله عليه السلام: إنما حرّم اللّه الصناعة التي يجيء فيها الفساد محضا، و لا يكون منه و فيه شيء من وجوه الصلاح، و جميع التقلب فيه.

وجه الاستدلال: أن الإمام عليه السلام حصر الحرمة في الصناعة التي يأتي منها الفساد محضا، و حرم جميع الاستعمالات و التعاطي التي تترتب على هذه الصناعة التى منها اقتناء صور ذوات الأرواح، لأن ظاهر هذا الحصر: أن كل ما يحرم صنعته يحرم جميع التعاطي و الاستعمالات فيه: و منها الاقتناء.

(5) مرجع الضمير: الحصر المذكور في قوله عليه السلام: إنما حرم اللّه كما عرفت.

ص: 246

محضا: يحرم (1) جميع التقلب فيه بمقتضى ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة (2).

و بالنبوي (3) لا تدع صورة الا محوتها، و لا كلبا الا قتلته، بناء

++++++++++

(1) جملة الفعل و الفاعل مرفوعة محلا خبر لاسم أن في قوله: أن كل ما يحرم، و جملة: أن كل ما يحرم مرفوعة محلا خبر لأن في قوله:

إن ظاهره.

(2) بكسر الفاء و سكون القاف و فتح الراء و زان سدرة احدى خرز الظهر. جمعها: فقر. فقرات. فقرات.

و المراد منها في اصطلاح الكتّاب و المؤلفين: قطعة من كلام يراد منها الاشارة إلى بعضه.

فيقال: الفقرة الأولى، الفقرة الثانية، الفقرة الثالثة، و هكذا تشبيها للكلام الواحد بفقرات الظهر من حيث التماسك، و الاتصال و الوحدة بعضها ببعض.

(3) عطف على قوله: و يمكن أن يستدل أي و يكن أن يستدل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل: بالحديث النبوى في قوله صلى اللّه عليه و آله:

يا علي لا تدع صورة إلا محوتها، و لا كلبا إلا قتلته.

وسائل الشيعة. الجزء 3. ص 562. الباب 3 من أبواب أحكام المساكن. كتاب الصلاة. الحديث 8.

كيفية الاستدلال: أن كلمة الصورة الواردة في الحديث مطلقة تشمل النقوش و المجسمات، و ذوات الأرواح و غيرها، و الاقتناء و غيره، فالأمر بمحو الصورة أيا كانت دليل على حرمة الاقتناء، لأن وجوب محو الصورة لا يتلاءم مع جواز اقتنائها.

ص: 247

على إرادة الكلب الهراش (1) المؤذي الذي يحرم اقتناؤه.

و ما عن (2) قرب الأسناد بسنده عن علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟ قال: لا.

و بما (3) ورد في إنكار أن المعمول لسليمان على نبينا و آله و عليه

++++++++++

(1) أي قتل الكلب الوارد في الحديث يراد منه: كلب الهراش حيث إن ما عداه من الكلاب الأربعة لا يجب قتلها، بل ربما يكون قتلها حراما اذا كانت مما تملك، و كانت القتل بدون رضا صاحبها فيوجب قتل بعضها الدية.

راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 10. ص 323-325.

(2) عطف على قوله: و يمكن أن يستدل، أي و يمكن أن يستدل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل: بما ورد في (قرب الأسناد) عن (علي بن جعفر) عن أخيه عليهما السلام قال: سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟

قال: لا.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12 ص 221 الباب 94. من أبواب ما يكتسب به. الحديث 10.

وجه الاستدلال: أن اللعب هنا مطلق يشمل الاقتناء أيضا، بناء على أن الاقتناء نوع من اللعب فدل الحديث على حرمة اقتناء الصور و التماثيل.

(3) عطف على قوله: و يمكن أن يستدل للحرمة، أي و يمكن أن يستدل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل: بالحديث الوارد في (وسائل الشيعة) الجزء 3. ص 561. الباب 3. من أبواب أحكام المساكن. كتاب الصلاة -

ص: 248

السلام هي تماثيل الرجال و النساء، فإن الانكار إنما يرجع (1) الى مشية سليمان للمعمول كما هو ظاهر الآية، دون (2) أصل العمل فدل (3) على كون مشيّة وجود التمثال من المنكرات التي لا يليق بمنصب النبوة.

++++++++++

- الحديث 4-6 في قوله عليه السلام: و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها تماثيل الشجر و شبهه.

كيفية الاستدلال: أن السائل لما سأل عن قوله عز و جل: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ » كأنما استفاد أن (سليمان بن داود) على نبينا و آله و عليه السلام شاء و أراد من الجن صناعة تماثيل الرجال و النساء. فأراد الامام عليه السلام أن يزيل هذا الاشتباه عن السائل، و يبين له أن إشاءة سليمان ما كانت ذلك، بل شاء تماثيل الشجر، لأن تماثيل الرجال و النساء مما لا يليق بمقام النبوة، و منصب الرسالة فأنكر الامام عليه السلام ذلك، و فسر التماثيل بتماثيل الشجر.

(1) أي رجوع انكار الامام عليه السلام إلى اشاءة سليمان و أنه ما أراد من التماثيل تماثيل الرجال و النساء كما توهمه السائل: هو ظاهر الآية الكريمة في قوله تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ )

(2) أي ليس إنكار الامام عليه السلام إلى أصل العمل الذي هو اشاءة سليمان عليه السلام، فان أصل الإشاءة مما لا ينكر، لأنه عليه السلام شاء من الجن محاريب و تماثيل.

لكنه لم يشأ تماثيل الرجال و النساء، حيث إنه مما لا يليق بمقام النبوة و الرسالة، و إنما شاء تماثيل الأشجار، فهذه الإشاءة مما لا ينكر.

(3) أي قول الامام عليه السلام دل على أن إشاءة سليمان بتماثيل الرجال و النساء عمل منكر لا يليق و مقام الرسالة و النبوة.

ص: 249

و بمفهوم (1) صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها، و ترك ما سوى ذلك.

و رواية (2) المثنى عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن عليا عليه السلام

++++++++++

(1) عطف على قوله: و يمكن أن يستدل، أي و يمكن الاستدلال على حرمة اقتناء الصور و التماثيل بمفهوم ما ورد في نفس المصدر. ص 564 الحديث 3 في قوله عليه السلام: لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها بأن كسرت، أو فقئت: احدى عينيها، و نحو ذلك، فمفهوم اذا غيرت رءوسها: أنه اذا لم تتغير رءوسها بالعملية المذكورة بأن لم تكسر، أو لم تفقأ: لم يجز اقتناؤها في البيوت، لأن في الاقتناء من دون التغيير بأسا، بناء على حمل البأس على الحرمة.

و يحتمل أن يراد من البأس معناه الأعم من الحرمة و الكراهة، إذا لا دلالة لمفهوم الحديث على حرمة الاقتناء.

(2) عطف على قوله: و يمكن الاستدلال أي و يمكن أن يستدل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل: بالحديث الوارد في المصدر نفسه ص 561 الباب 3 من أبواب أحكام الصلاة. كتاب الصلاة. الحديث 3 في قوله عليه السلام: إن عليا عليه السلام كره الصور في البيوت. بضميمة الحديث الوارد في الوسائل الجزء 12. ص 447. الباب 15. من أبواب الرباء. الحديث 1 من أن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال.

و كيفية الاستدلال: أن الكراهة الواردة في قوله عليه السلام:

إن عليا عليه السلام كره الصور في البيوت محمولة على الحرمة بقرينة قوله عليه السلام: إن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال، فاقتناء الصور في البيوت لو كان حلالا لما كان عليه السلام يكرهها فكراهته للصور: معناها تحريمه لها، لا أنه يراد من الكراهة معناها الحقيقي و هي -

ص: 250

يكره الصور في البيوت.

بضميمة ما ورد في رواية أخرى مروية في باب الرباء أن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال.

و رواية (1) الحلبي المحكية عن مكارم الأخلاق عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أهديت إليّ طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فامرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر.

++++++++++

- المرجوحية، لوجود القرينة الصارفة عن ذلك و هو قوله عليه السلام: إن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال.

(1) عطف على قوله: و يمكن أن يستدل، أي و يمكن أن يستدل لحرمة اقتناء الصور: بالحديث الوارد في نفس المصدر ص 565، الباب 4 من أبواب أحكام المساكن. كتاب الصلاة. الحديث 7 عند قوله عليه السلام اهديت إليّ طنفسة(1) من الشام عليها تماثيل طائر، فامرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر.

كيفية الاستدلال: أن الامام عليه السلام امر بتغيير الصورة التي كانت في القطيفة، مع أنها ليست من المجسمات، بل كانت من النقوش من ذوات الأرواح، فأمره عليه السلام بتغيير الصورة يدل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل في البيت، سواء أ كانت من المجسمات أم من غيرها.

هذه خلاصة الأدلة التي اقيمت على حرمة اقتناء الصور و التماثيل في البيوت و غيرها من ذوات الأرواح، سواء أ كانت مجسمة أم لا.

و هي تسعة.

ص: 251


1- بفتح الطاء و سكون النون و ضم الفاء و فتحها، و بكسر الطاء و سكون النون و كسر الفاء. من طنفس يطنفس طنفاسا و هي البساط، و الحصير، و الثوب.

هذا (1) و في الجميع (2) نظر: أما الأوّل (3) فلأن الممنوع هو ايجاد الصورة، و ليس وجودها مبغوضا حتى يجب رفعه.

++++++++++

- (الأوّل): مبغوضية وجود هذا العمل ابتداء و استدامة.

(الثاني): صحيحة محمد بن مسلم المشار إليها في ص 220.

(الثالث): كلمة الحصر الوارد في رواية (تحف العقول) المشار إليها في ص 246 في قوله عليه السلام: إنما حرم اللّه الصناعة.

(الرابع): النبوي المتقدم المشار إليه في ص 247.

(الخامس): رواية قرب الأسناد المشار إليها في ص 248.

(السادس): حديث مشيئة (سليمان بن داود) عليهما السلام المشار إليه في ص 248.

(السابع): مفهوم صحيحة زرارة المشار إليه في ص 250.

(الثامن): رواية المثنى المشار إليها في ص 250.

(التاسع): رواية الحلبي المشار إليها في ص 251.

(1) أي خذ هذه الأدلة و كيفية الاستدلال بها على حرمة اقتناء الصور من ذوات الأرواح.

(2) أي و في جميع ما استدل بها على حرمة الاقتناء من الأخبار المذكورة في ص 220-247-248-250-251.

و حتى في قول الشيخ في ص 244: مضافا إلى أن الظاهر من تحريم عمل الشيء مبغوضية وجود الشيء ابتداء و استدامة: نظر.

و قد ذكر الشيخ وجه النظر في جميع ما افيد في هذا المقام بقوله:

أما الأوّل.

(3) هذا هو النظر على أوّل دليل اقيم على حرمة اقتناء الصور -

ص: 252

نعم (1) قد يفهم الملازمة من سياق الدليل، أو من خارج،

++++++++++

- و التماثيل: و هو قوله: مضافا إلى أن الظاهر من تحريم عمل الشيء مبغوضية وجود المعمول ابتداء و استدامة.

وجه النظر: أن كل شيء اذا كان ايجاده ممنوعا بداية: لازمه أن يكون إخراجه إلى عالم الوجود و انشاؤه في الخارج مبغوضا أيضا بداية لا أن يكون وجوده و اقتناؤه مبغوضا بعد صنعه و إيجاده، اذ لا ملازمة بين مبغوضية أصل الايجاد ابتداء.

و بين مبغوضية الوجود و هو الإبقاء، فبناء على عدم الملازمة بين ذاك و هذا فلا دليل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل: من أن الظاهر من تحريم عمل الشيء مبغوضيته ابتداء و استدامة.

(1) استدراك عما افاده آنفا: من عدم ظهور تحريم عمل الشيء في مبغوضيته ابتداء و استدامة.

و خلاصة الاستدراك: أن الملازمة العقلية بين مبغوضية عمل الشيء اذا كانت صناعته حراما ابتداء.

و بين اقتناء الشيء استدامة: موجودة لا محالة، سواء استفدنا الملازمة العقلية من سياق الدليل و لفظه و هي حرمة صناعة عمل الشيء أم من الخارج.

الظاهر عدم وجود الملازمة العقلية بين مبغوضية عمل الشيء اذا كان ايجاده حراما ابتداء، و بين حرمة وجوده بعد العمل حتى يقال بوجوب رفعه، بل ربما كان الايجاد حراما، إلا أنه بعد الايجاد تنتفي الحرمة.

نعم لو دل الدليل من الخارج، أو الداخل على وجود الملازمة ثبتت الملازمة المذكورة بالعرض.

و المراد من الدليل الداخلي سياق الدليل الدال على الحرمة ابتداء و استدامة.

ص: 253

كما (1) أن حرمة ايجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه المستلزم لوجوب رفعها.

و أما الروايات (2) فالصحيحة الأولى غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء لأن عمل الصور مما هو مركوز في الأذهان حتى أن السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها، اذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله (3).

++++++++++

(1) تنظير لفهم الملازمة بين حرمة ايجاد الشيء ابتداء.

و بين مبغوضية الشيء المعمول استدامة من دليل خارجي، فإن حرمة ايجاد النجاسة في المسجد ملازمة لحرمة وجودها فيه، و هذه الملازمة موجبة لوجوب رفع النجاسة عن المسجد لو وجدت فيه بالدليل الخاص الخارجي و هو وجوب ازالة النجاسة عن المسجد.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 504. الباب 24 من أبواب أحكام المساجد. الحديث 1-2.

(2) هذه بداية الشروع في الرد على الأحاديث التي اقيمت على حرمة اقتناء الصور و التماثيل من ذوات الأرواح.

و خلاصة الرد: أن صحيحة محمد بن مسلم المشار إليها في ص 220 ليس لها ظهور في السؤال عن اقتناء الصور كما ادعى الخصم حتى يقال:

إن مفهوم قوله عليه السلام: لا بأس ما لم يكن حيوانا: أنه اذا كان التمثال حيوانا من ذوات الأرواح ففي اقتنائه بأس.

بل لما كان عمل التصاوير و صناعتها مركوزا في الأذهان، و متعارفا عند الناس فالسؤال يكون عن أصل صناعة هذه الصور و التماثيل، لا عن الاقتناء، لأن السؤال عن حكم اقتناء الصور بعد أن عرف المكلف أن عملها و صناعتها حرام، فاذا عرف ذلك فحينئذ يقدم على السؤال عن اقتنائها.

(3) مرجع الضمير: (ما الموصولة) في قوله: ما لا يحرم عمله -

ص: 254

و أما الحصر (1) في رواية تحف العقول فهو بقرينة الفقرة السابقة منه الواردة في تقسيم الصناعات إلى ما يترتب عليه الحلال و الحرام، و ما لا يترتب عليه إلا الحرام: اضافي (2) بالنسبة إلى هذين،

++++++++++

- أي لا معنى للسؤال عن جواز اقتناء التماثيل ما لم يسأل عن أصل عمل التصاوير من حيث الحرمة و الحلية، فالسؤال عن الاقتناء متفرع على السؤال عن أصل العمل كما عرفت آنفا.

(1) اي في قوله عليه السلام: إنما حرم اللّه الصناعة التي يجيء الفساد محضا.

هذا رد على من استدل برواية (تحف العقول): على تحريم اقتناء الصور و التماثيل.

و خلاصة الرد: أن الامام عليه السلام لما قسم الصناعات إلى ما يستعمل في الحلال و الحرام.

و إلى ما لا يستعمل إلا في الحرام: اراد أن يبين أن القسم الثاني هو المعنى و المقصود من الحصر لا غير، لا القسم الأوّل، حيث إنه خارج عن تحت الحصر المذكور في الرواية، فالحصر إنما وقع على الصناعة التي ليس لها إلا جهة الحرام فقط فيكون معناه: أن صناعة هذا الشيء حرام لا حرمة جميع التقلبات و الاستعمالات فيه حتى الاقتناء، فحينئذ لا يصح الاستدلال بحرمة اقتناء الصور بهذه الرواية.

بالإضافة إلى أن القدر المتيقن من الحرمة الواردة هو صنع الصور و التماثيل، لا اقتناؤها.

(2) بالرفع خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: و أما الحصر، اي الحصر المذكور في رواية تحف العقول اضافي بالنسبة إلى هذين القسمين: و هما الصناعات المترتبة عليها الحلال و الحرام. و الصناعات المترتبة عليها الحرام فقط.

ص: 255

القسمين (1) يعني لم يحرم من القسمين إلا ما ينحصر فائدته في الحرام و لا يترتب عليه إلا الفساد.

نعم (2) يمكن أن يقال: إن الحصر وارد في مساق التعليل و إعطاء (3) الضابطة للفرق بين الصنائع،

++++++++++

(1) و هما القسمان المذكوران آنفا بقولنا: و هما الصناعات المترتبة

(2) استدراك عما افاده آنفا من أن كلمة إنما في رواية (تحف العقول) واردة في سياق الحصر الإضافي.

و خلاصة الاستدراك: أنه يمكن أن يقال: إن كلمة إنما ليست مساقة للحصر اصلا، لا الاضافي و لا الحقيقي، بل إنما سيقت للتعليل و إعطاء ضابطة كلية، و قاعدة عامة للصنائع المحرمة، و ليست بيانا لحرمة خصوص القسم المذكور و هي حرمة الصناعات التي تستعمل في الحرام فقط

و تلك الضابطة و القاعدة: أن كل ما كان من الصنائع فيه جهة صلاح فقط، أو جهة حلال و حرام: فهو حلال صنعه، و جميع التقلبات و الاستعمالات فيه، و من تلك التقلبات و الاستعمالات اقتناؤه.

و كل ما كان من الصنائع فيه جهة حرام فقط فهو حرام صنعه، و جميع التقلبات و الاستعمالات فيه: و منها اقتناؤه، فيظهر من هذه الضابطة الكلية و القاعدة العامة: أن اقتناء الصور و التماثيل حرام، لعدم جهة صلاح فيه ابدا، لأنه لو كان فيه جهة صلاح لما حكم الشارع بحرمة التصاوير و التماثيل فمن هذا الحكم نستظهر إنيّا إلى حرمة الاقتناء، اي ننتقل من العلة التي هي عمل التصاوير و التماثيل إلى المعلول و هي حرمة الاقتناء.

(3) بالجر عطفا على مجرور (في الجارة) في قوله: في مساق التعليل اي أن الحصر المذكور في رواية تحف العقول مساق لإعطاء ضابطة كلية، و قاعدة عامة كما عرفت آنفا.

ص: 256

لا لبيان (1) حرمة خصوص القسم المذكور.

و أما (2) النبوي فسياقه ظاهر في الكراهة كما يدل عليه عموم الأمر بقتل الكلاب.

و قوله (3) عليه السلام في بعض هذه الروايات: و لا قبرا إلا سويته

++++++++++

(1) اي و ليس الامام عليه السلام في مقام أن يفيد أن كلمة إنما للحصر حتى يقال: ان الحصر هنا اضافي و ليس حقيقيا، اي إنما الحرمة الواردة في الرواية بالنسبة إلى الصناعة التي لا يترتب عليها سوى الحرمة لا الصناعة التى يترتب عليها الحلال و الحرام فليس الامام عليه السلام في مقام بيان خصوص القسم الثاني حتى نحتاج إلى التمحل المذكور.

(2) هذا رد على من استدل على حرمة اقتناء الصور بالحديث النبوي في قوله صلى اللّه عليه و آله: يا علي لا تدع صورة الا محوتها، و لا كلبا إلا قتلته.

و خلاصة الرد: أن النهي الوارد في الحديث مسوق في الكراهة ظاهرا، و لا دلالة فيه على حرمة الاقتناء كما ادعاها الخصم من الأمر بمحو صورة الكلاب.

و القرينة على ذلك قوله صلى اللّه عليه و آله: و لا كلبا الا قتلته حيث إن قتل الكلاب مطلقا و فيها كلب الزرع و الماشية و الحائط و البستان ليس يواجب حتى يأمر صلى اللّه عليه و آله بقتلها، فالحديث المذكور سياقه سياق الكراهة، لا الحرمة.

و مرجع الضمير في قوله: كما يدل عليه: فسياقه ظاهر في الكراهة.

(3) بالرفع عطفا على قوله: و يدل، أي و يدل على كون سياق الحديث ظاهرا في الكراهة، لا الحرمة: قوله صلى اللّه عليه و آله أيضا في بعض هذه الروايات الواردة في محو الصور و التماثيل، و قتل الكلاب: و لا قبرا -

ص: 257

و أما رواية (1) علي بن جعفر فلا تدل إلا على كراهة اللعب بالصورة و لا نمنعها، بل (2) و لا الحرمة اذا كان اللعب على وجه اللهو.

و أما (3) ما في تفسير الآية فظاهره رجوع الانكار إلى مشيّة سليمان

++++++++++

- إلا سويته، فإن تسوية القبور ليس بواجب فارتفاعها يكون مكروها.

فكذلك حفظ الصورة الكلاب يكون مكروها، فلا دلالة للحديث المذكور على حرمة اقتناء الصور و التماثيل بهاتين القرينتين: و هما الأمر بقتل الكلاب.

و الأمر بتسوية القبور.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 562. الباب 3 من أبواب أحكام المساكن من كتاب الصلاة. الحديث 8.

(1) المشار إليها في ص 248.

هذا رد على المستدل بالرواية المذكورة على حرمة اقتناء الصور بقوله عليه السلام جوابا للسائل عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها: لا.

و حاصل الرد: أن الرواية أجنبية عن الاقتناء، و لا ربط لها به لأن الراوي في مقام السؤال عن اللعب بالصور، لا عن اقتنائها و الامام عليه السلام اجابه طبقا لسؤاله فقال: لا و النهي يدل على كراهة اللعب بالصور و نحن لا نمنع هذه الكراهة، و نعترف بها.

(2) هذا اضراب و ترق عما أفاده حول دلالة النهي على الكراهة.

و حاصله: أنا لا نمنع دلالة النهي هنا على حرمة اللعب بالصور أيضا اذا كان اللعب بها على وجه اللهوى فضلا على الكراهة.

لكن هذا خارج عما نحن فيه، حيث إن الكلام في الاقتناء للصور لا في اللعب بها، بل الرواية تدل على جواز اقتناء الصور، لأن السؤال عن اللعب بها بعد الفراغ عن جواز الاقتناء.

(3) أي الآية الكريمة و هي: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ -

ص: 258

على نبينا و آله و عليه السلام لعملهم. بمعنى اذنه فيه، أو إلى تقريره (1) لهم في العمل.

و أما الصحيحة (2) فالبأس فيها محمول على الكراهة لأجل الصلاة

++++++++++

- مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ » .

هذا رد على من استدل بتفسير الامام عليه السلام الآية: على حرمة اقتناء الصور و التماثيل.

و حاصل الرد: أن ظاهر تفسير الامام عليه السلام الآية الكريمة يرجع إلى إنكاره لمشية سليمان عليه السلام و ارادته تماثيل الرجال و النساء من الجن، حيث إن الناس كانوا يزعمون أن سليمان أمر الجن بصناعة تماثيل الرجال و النساء فأراد الامام عليه السلام أن يبطل زعم هؤلاء فأنكر ذلك و بيّن للسائل أن سليمان ما أراد من الجن ذلك، و لا أذن لهم، بل أراد منهم تماثيل الشجر و نحوه فتفسير الامام عليه السلام لا يدل على حرمة الاقتناء حتى يستدل به، فإنكاره راجع إلى هذا، لا إلى الاقتناء.

(1) أي انكار الامام عليه السلام إما إلى مشية سليمان، أو إلى تقرير سليمان و إمضائه عمل الجن.

فالخلاصة أن انكار الامام عليه السلام لا ربط له بالاقتناء أصلا فهو إما راجع إلى مشية سليمان ذلك من الجن، أو إلى تقريره لهم.

(2) أي صحيحة زرارة المشار إليها في ص 250 في قوله عليه السلام:

لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها، و ترك ما سوى ذلك في جواب السائل عن التماثيل.

هذا رد على من استدل بمفهوم هذه الصحيحة: على حرمة اقتناء الصور و التماثيل: و هو البأس اذا لم تتغير رءوس التماثيل.

و خلاصة الرد: أن البأس المستفاد من الرواية مفهوما كما استدل به -

ص: 259

أو مطلقا، مع دلالته (1) على جواز الاقتناء، و عدم (2) وجوب المحو.

و أما (3) ما ورد من أن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال فمحمول

++++++++++

- الخصم: محمول على الكراهة، لا على الحرمة، لأن البأس أعم من التحريم.

فالمعنى أنه لا كراهة في اقتناء الصور و التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها، و تركت ما سوى ذلك.

بخلاف ما اذا لم تتغير و بقيت على حالتها، فإن في بقائها و اقتنائها كراهة، و هذه الكراهة إما لأجل حالة الصلاة، أو مطلقا في الصلاة و غيرها

فليس في الصحيحة ما يدل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل في البيوت كما ادعاه الخصم.

(1) هذا ترق من الشيخ و خلاصته: أنه و ان قلنا: إن البأس المذكور في الصحيحة يدل على الكراهة.

لكن نقول: إنه يدل على الجواز، اذ كل مكروه جائز.

(2) بالجر عطفا على مدخول (على الجارة) أي و مع دلالة البأس المنفي في الحديث على عدم وجوب محو الصور، لدلالته على الكراهة الدالة على الجواز كما عرفت الحديث في ص 250.

(3) هذا رد على من استدل على حرمة اقتناء الصور: برواية المثنى المروية عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله: إن عليا عليه السلام كره الصورة في البيوت.

مع ضميمة قوله عليه السلام: إن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال كما عرفت في وجه الاستدلال في الهامش 2. ص 250.

و حاصل الرد: أن الحلال هنا محمول على المباح الذي هو المتساوي طرفاه: و هو الفعل و العدم المعبر عنه بالمباح بالمعنى الأخص، لأنه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا، و لا يراد من الحلال معناه الحقيقي و هو الأعم -

ص: 260

على المباح المتساوي طرفاه، لأنه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا.

و أما رواية (1) الحلبي فلا دلالة لها على الوجوب أصلا.

و لو سلم (2) الظهور في الجميع فهي معارضة بما هو أظهر و أكثر

++++++++++

- من المباح و الكراهة حتى يقال: إن قوله عليه السلام: يكره الصورة في البيوت: يدل على الحرمة.

(1) المشار إليها في ص 251.

هذا رد على من استدل على حرمة اقتناء الصور و التماثيل برواية الحلبي المروية عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام في قوله: أهديت إليّ طنفسة من الشام عليها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر.

و خلاصة الرد كما أفاده الشيخ: أن الأمر الوارد في الرواية في قوله عليه السلام: فأمرت به فغير رأسه ليس فيه دلالة على الوجوب أصلا.

و لا يخفى أن الأصوليين بأجمعهم قالوا في الأوامر: إن مادة (أمر) أي الألف و الميم و الراء، و كل فعل مشتق من هذه المادة يدل على الوجوب لا محالة و لا كلام فيه، و إنما الكلام في صيغة افعل و ما في معناها هل أنها تدل على الوجوب أم لا؟

و العجب أن الشيخ أفاد بعدم دلالة الأمر الذي هو بصيغة امرت هنا:

على الوجوب، مع أن المأمور استفاد منه الوجوب، و لذا قال عليه السلام:

فغير رأسه، و معنى أمرته: أوجبته عليه.

و لعل الشيخ أراد من عدم دلالته على الوجوب: عدم وجوبه على غير من أمره الامام من سائر المكلفين، فعليه لا يبقى مجال للاستدلال بالرواية على حرمة اقتناء الصور و التماثيل.

(2) هذا تنازل من الشيخ بعد أن أفاد بعدم دلالة الأخبار المذكورة على حرمة الاقتناء. -

ص: 261

مثل صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ربما قمت أصلي و بين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا.

++++++++++

- و خلاصة التنازل: أنه لو سلمنا ظهور الأخبار المذكورة في ص 244 و 246-247-248-250-251 على حرمة اقتناء الصور و التماثيل.

لكنها معارضة بأخبار أخرى أظهر منها.

و كلمة معارضة بصيغة المفعول، أي الأخبار المذكورة تعارضها أخبار أخرى ظهورها في جواز اقتناء الصور و التماثيل أكثر و أشد من ظهور تلك في الحرمة.

(1) هذه احدى الروايات الواردة في جواز الاقتناء التي هي أظهر من تلك الروايات الدالة على حرمة الاقتناء.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 461. الباب 32 من أبواب مكان المصلي. كتاب الصلاة. الحديث 2.

كيفية كون الصحيحة أظهر من تلك الروايات: أن الامام عليه السلام قال: فجعلت عليها ثوبا. أي حالة الصلاة فلو لا جواز الاقتناء لما كان الامام عليه السلام يجعل الثوب على الصور و التماثيل حالة الصلاة، بل كان عليه أن لا يدخلها في داره، مع العلم بأنه عليه السلام لم يقدم على المكروه فكيف بالحرام.

و هل جعل الثوب من قبل الامام عليه السلام على الصور و التماثيل حالة الصلاة لرفع الكراهة في تلك الحالة ؟.

بقي الكلام في أن جعل الامام الثوب على التماثيل حالة الصلاة هل كان على نحو الاستحباب، أو الوجوب ؟

أما الصحيحة فساكتة عن ذلك، و ليس فيها ما يدل على وجوب الستر في تلك الحالة، بل غاية ما هناك أنها تدل على رفع الكراهة. -

ص: 262

و رواية (1) علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير، أو سبع أ يصلى فيه ؟

قال: لا بأس.

و عنه (2) عليه السلام عن اخيه عن البيت فيه صورة سمكة، أو طير يعبث به اهل البيت هل يصلى فيه ؟

قال: لا حتى يقطع رأسه و يفسد.

و رواية (3) ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الوسادة

++++++++++

- و أما فعله عليه السلام: و هو جعل الثوب على التمثال فلا يدل على وجوبه على المكلف حالة الصلاة، لأن فعله أعم من الوجوب و الاستحباب.

أو لأن وجود الصورة أمام المصلي مكروه ففعله هذا يدل على الاستحباب في حقنا.

(1) هذه ثانية الروايات التي هي أظهر على جواز اقتناء الصور و التماثيل من دلالة زميلاتها على الحرمة.

راجع المصدر. ص 464. الباب 32 من أبواب لباس المصلي.

الحديث 13.

(2) هذه ثالثة الروايات التي هي أظهر على جواز اقتناء الصور و التماثيل من زميلاتها الدالة على الحرمة. راجع المصدر. ص 464 الحديث 12.

و الرواية منقولة عن (علي بن جعفر).

و لا يخفى أن كلمة يعبث به أهل البيت دالة على أن المراد من الصور:

التمثال و المجسمة بقرينة قوله عليه السلام حتى يقطع رأسه، ثم إن الحديث منقول بالمعنى.

(3) هذه رابعة الأحاديث التي هي أظهر على جواز اقتناء الصور -

ص: 263

و البساط يكون فيه التماثيل.

قال: لا بأس به يكون في البيت.

قلت: ما التماثيل ؟

فقال: كل شيء يوطأ فلا بأس به.

و سياق (1) السؤال مع عموم الجواب يأبى عن تقييد الحكم بما يجوز عمله كما لا يخفى.

++++++++++

- و التماثيل من زميلاتها الدالة على الحرمة.

راجع المصدر. ص 564. الباب 4 من أبواب أحكام المساكن.

الحديث 2.

و جملة: يكون في قوله عليه السلام: (لا بأس به يكون في البيت) منصوبة بأن المقدرة.

(1) دفع و هم:

حاصل الوهم: أن السؤال في الرواية يدل على جواز اقتناء الصور المنقوشة على الوسادة و البساط فقط، من غير دلالتها على جواز اقتناء التماثيل من ذوات الأرواح كما هو المدعى.

و القرينة على الاختصاص المذكور قول السائل: سألت (أبا عبد اللّه) عليه السلام عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل.

و من الواضح أن الوسادة و البساط لا تكون فيهما إلا الصور المنقوشة بالقلم و الريش، و أما التماثيل فخارجة.

فاجاب (الشيخ) عن الوهم المذكور: ما حاصله: أن سياق السؤال في الرواية عام يشمل حتى صور ذوات الأرواح، من دون اختصاصه بنقش غير ذوات الأرواح، و الجواب الّذي هو نفي البأس عن وجود التماثيل في البيت أيضا يكون عاما يشمل حتى ذوات الأرواح، من دون -

ص: 264

و رواية (1) اخرى لأبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

إنّا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفرشها.

++++++++++

- اختصاص جواز الاقتناء بالنقوش بالقلم و الريش فقط فسياق السؤال و الجواب آبيان عن اختصاص جواز الاقتناء بالصور المنقوشة بالقلم و الريش.

و أما استفادة العموم من جواب الامام عليه السلام فمن كلمة (كل) الواردة في قوله عليه السلام: كل شيء يوطأ فلا بأس، حيث انها موضوعة للعموم.

ثم إن الظاهر من كلمة يوطأ في قول الامام عليه السلام: كل شيء يوطأ: خروج تماثيل المجسمات، لأنها لا يمكن وضعها تحت الأقدام في البيوت و غيرها لتوطأ، و لا سيما اذا كانت من القطع الكبار، فإنها توضع في أماكن مخصوصة للزينة كما هو المتعارف و المشاهد في القصور و الدور الراقية، و المتاحف و الوزارات، و غيرها.

فمن الصعب جدا أن تجعل هذه التماثيل التي تبذل عليها المبالغ الباهظة في أماكن مبذولة يوطأ عليها.

اللهم إلا أن يراد من التجسيم معنى عاما وسيعا: و هو ما كانت الصورة بارزة و ان كان بروزها قليلا فحينئذ يشملها فلا مجال للاشكال.

(1) هذه خامسة الأحاديث التي هي أظهر على جواز الاقتناء من تلك الأخبار الدالة على حرمة اقتناء الصور و التماثيل.

راجع المصدر. الجزء 12. ص 220. الباب 94. الحديث 4.

أما كيفية أظهريتها فقوله عليه السلام: (لا بأس بما يبسط منها و يفترش و يوطأ) في جواب السائل عن البساط تفرش في البيت و فيها التماثيل فإن نفي البأس عن هذه التماثيل من الامام عليه السلام صريح في جواز اقتنائها و الاحتفاظ بها.

ص: 265

قال: لا بأس بما يبسط و يفرش و يوطأ، و انما يكره منها ما نصب على الحائط و على السرير.

و عن قرب الأسناد (1) عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال:

سألته عن رجل كان في بيته تماثيل، أو في ستر و لم يعلم بها و هو يصلي في ذلك البيت، ثم علم ما عليه ؟ قال عليه السلام: ليس عليه فيما لم يعلم شيء (2) فاذا علم فلينزع الستر، و ليكسر رءوس التماثيل: فإن ظاهره أن الأمر بالكسر لأجل كون البيت مما يصلى فيه، و لذلك (3) لم يأمر عليه السلام بتغيير ما على الستر و اكتفى بنزعه.

++++++++++

- و قوله عليه السلام في هذه الرواية: و إنما يكره منها ما نصب على الحائط و السرير: يقصد المجسمات من ذوات الأرواح و غيرها التي تصنع من الحجر أو الخشب، أو فلز آخر.

(1) هذه سادسة الأحاديث التي هي أظهر على جواز اقتناء الصور و التماثيل من زميلاتها الدالة على حرمة الاقتناء.

راجع نفس المصدر. الجزء 3. ص 321. الباب 45 من أبواب لباس المصلي. كتاب الصلاة. الحديث 20.

و أما وجه أظهرية الرواية على جواز اقتناء الصور من تلك الأخبار الدالة على حرمة اقتناء الصور: أمر الامام عليه السلام بنزع الستر عن محله و بكسر رءوس التماثيل بعد علم المصلي بوجود الستر و التماثيل في محل الصلاة و لم يأمره بتغيير ما على الستر و انما اكتفى بنزعه فقط، فلو كان الاقتناء حراما لم يكتف بذلك، بل أمره بإعدامه و محوه عن الوجود مطلقا حال الصلاة و غيرها.

(2) بالرفع اسم ليس، أي ليس شيء عليه فيما لم يعلم.

(3) أي و لأجل أن البيت كان مما يصلى فيه، و أن الأمر بنزع الستر كان لأجل الصلاة: أمر الامام عليه السلام بنزعه فقط، من دون أن يأمر بشيء آخر.

ص: 266

و منه (1) يظهر أن ثبوت البأس في صحيحة زرارة السابقة، مع عدم تغيير الرءوس انما هو لاجل الصلاة.

و كيف كان (2) فالمستفاد من جميع ما ورد من الأخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الذي فيه التماثيل الا اذا غيرت، أو كانت بعين واحدة، أو القي عليها ثوب: جواز (3) اتخاذها.

و عمومها (4) يشمل المجسمة و غيرها.

و يؤيد (5) الكراهة: الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت

++++++++++

(1) أي و من أجل أن الامام عليه السلام لم يأمر بتغيير الستر، بل بنزعه فقط: يظهر في صحيحة زرارة المشار إليها في ص 250 المستدل بمفهومها على حرمة اقتناء الصور: أن ثبوت البأس اذا لم تتغير رءوسها انما هو لأجل الصلاة في ذلك المكان الذي فيه التماثيل، و لو لا الصلاة لم يكره ذلك.

(2) أي سواء أ كان تغيير رءوس التماثيل لأجل الصلاة أم للعموم.

(3) بالرفع خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: فالمستفاد، أي فالمستفاد من جميع الأخبار الواردة المذكورة في كراهة الصلاة في البيت الذي فيه التماثيل اذا لم تتغير رءوسها: جواز اتخاذ الصور و التماثيل الذي هو الاقتناء في البيوت.

و مرجع الضمير في اتخاذها: التماثيل.

(4) أي عموم تلك الأخبار المشار إليها في ص 262-263-264-265 و 266 الواردة في كراهة الصلاة في البيوت التي فيها التصاوير: يشمل المجسمة و غيرها من ذوات الأرواح و غيرها.

(5) أي و يؤيد كراهة اقتناء الصور و التماثيل في البيوت، لا حرمته:

الجمع بين الصورة، و البول، و الكلب في الرواية في قول (أئمة أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام: انا لا ندخل.

وجه التأييد: أنه لا كلام في كراهة اقتناء الكلب، و اجتماع البول -

ص: 267

و اقتناء الكلب، و الإناء المجتمع فيه البول في الأخبار الكثيرة مثل ما روي عنهم عليهم السلام مستفيضا عن جبرئيل على نبينا و آله و عليه السلام أنّنا لا ندخل بيتا فيه صورة انسان، و لا بيتا يبال فيه، و لا بيتا فيه كلب (1).

و في بعض (2) الأخبار اضافة الجنب إليها. و اللّه العالم بأحكامه.

++++++++++

- في الإناء في البيت، لورود الأخبار الكثيرة بذلك المعبر عنها بالأخبار المستفيضة.

و من الواضح: أنه ذكر اقتناء التماثيل و الصور في سياق ذكر البول و الكلب الذين كان اقتناؤهما مكروها فيكون اقتناء الصور مكروها أيضا لوحدة لسياق، من دون فرق بينه، و بين البول و الكلب.

و القول بحرمة اقتناء الصور، و كراهة اقتناء الكلب و البول: يتنافى و وحدة السياق، ثم إن اقتناء ذوات الأرواح من الكلاب و غيرها في البيوت لا يكون حراما فكيف يكون اقتناء صورها في البيوت حراما.

و الظاهر: أن الحكمة في حرمة اقتناء التماثيل و الصور من ذوات الأرواح: كون الاقتناء يشبه عبادة الأصنام و الأوثان التي تعبد من دون اللّه جل جلاله، فإن الانسان اذا اقتنى التماثيل مالت نفسه إلى العناية البالغة بها و بصيانتها، فتكون هذه الأهمية البالغة نوع عبادة.

و المراد من المستفيضة: الأخبار الواردة في مورد واحد، لكنها لم تبلغ حد التواتر.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 465. الباب 33 من أبواب مكان المصلي، كتاب الصلاة. الحديث 3.

(2) أي إلى هذه الثلاثة: و هي كراهة اقتناء الكلب و البول و التماثيل في البيوت: اضيفت الجنابة إليها، أي أن جبرئيل عليه السلام لا يدخل بيتا فيه كلب، أو إناء جمع فيه بول، أو الصور و التماثيل، أو الذي يكون جنبا.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 3. ص 465. الباب 33 من أبواب كراهة الصلاة. الحديث 6.

ص: 268

التطفيف

ص: 269

ص: 270

المسألة الخامسة التطفيف حرام

المسألة الخامسة (1) التطفيف حرام ذكره في القواعد في المكاسب (2)، و لعله (3) استطرادا، و المراد (4) اتخاذه كسبا بأن ينصب نفسه كيّالا، أو وزّانا فيطفف للبائع، و كيف (5) كان فلا اشكال في حرمته.

و يدل عليه (6) الأدلة الأربعة.

++++++++++

(1) أي المسألة الخامسة من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: التطفيف.

و هو مصدر باب التفعيل من طفّف يطفف تطفيفا.

و المراد به هنا: عدم ايفاء الكيل و الوزن من البائع و المشتري. بمعنى أن البائع يعطي للمشتري أقل مما يستحقه من المبيع.

و المشتري يعطي للبائع أقل مما يستحقه البائع.

(2) أي في المكاسب المحرمة.

(3) أي و لعل ذكر التطفيف إنما هو من باب الاستطراد.

(4) أي المراد من التطفيف أخذه كسبا و شغلا.

(5) أي سواء أ كان ذكر التطفيف من باب الاستطراد أم لكونه اتخذ كسبا أم اتخذ الكيل و الوزن كسبا.

(6) مرجع الضمير: الحرمة، و كان اللازم تأنيثه، لوجوب التطابق.

و يحتمل أن يكون المرجع: عدم الاشكال، أو التطفيف حرام.

و المراد من الأدلة الأربعة: الكتاب و السنة و الاجماع و العقل.

أما الكتاب فقوله تعالى: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ اَلَّذِينَ إِذَا اِكْتٰالُوا عَلَى اَلنّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ » (1).

ص: 271


1- المطففين: الآية 1-2-3.

ثم إن البخس في العدّ (1) و الذرع يلحق به حكما و إن خرج عن موضوعه.

++++++++++

- و أما الأحاديث فإليك نصّ بعضها:

عن سعد بن سعد عن (أبي الحسن) عليه السلام قال: سألته عن قوم يصغرون القفيز إن يبيعون بها.

قال: أولئك الذين يبخسون الناس أشيائهم.

هذا اشارة إلى قوله تعالى: «وَ لاٰ تَبْخَسُوا اَلنّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ » (1).

و عن الحلبي عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام.

قال: لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر.

و المراد من المصر: المدينة التي يكتال فيها، لا بلاد مصر المعروفة الواقعة في شمال قارة إفريقيا.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 258. الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروعه. الحديث 1-2.

و أما الإجماع فمن الأمة الاسلامية كافة.

و أما العقل فحكمه بقبح ذلك، لأنه ظلم و الظلم قبيح عقلا.

(1) كالجوز و البيض و البرتقال في بعض البلدان.

و كذلك الذراع الذي يقع على النسيج، سواء أ كان من الحرير أم من الصوف.

و كذلك الأراضي التي تقاس بالذراع و الهكتار و الدونم و المشارة و الجريب.

ثم لا يخفى أن هذين يلحقان بالتطفيف حكما و هي الحرمة، لا من حيث الموضوع، فإنهما خارجان عنه، لعدم صدق المكيل و الموزون المفسر بهما التطفيف في الآية الكريمة.

ص: 272


1- الأعراف: الآية 85.

و لو وازن الربوي (1) بجنسه فطفّف في أحدهما، فإن جرت المعاوضة

++++++++++

- و إلى هذا المعنى أشار المصنف بقوله: و إن خرج العد و الذرع عن موضوع التطفيف.

(1) المراد من الربوي كل شيء يوزن أو يكال كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و غيرها بقرينة قول الشيخ: و لو وازن الربوي بجنسه.

و طفف بصيغة المعلوم من باب التفعيل و هو متعد في نفسه غير محتاج الى حرف الجر و قد عدي بحرف الجر هنا، و السهو من النساخ.

و المراد من التطفيف هنا إعطاء شيء موزون في مقابل شيء موزون من جنسه، أو إعطاء شيء مكيل في قبال شيء مكيل من جنسه ناقصا عما أخذه من المكيل أو الموزون.

ففي هذه الصورة و هو اعطاء الناقص و الأخذ زيادة عما أعطى: لا تخلو المعاوضة فيها من أحد الأقسام الثلاثة:

(الأوّل): وقوعها على وزن معلوم كلي كأن يقول البائع: بعتك وزنة عنبر بوزنة رز نعيمة، أو بعتك الصبرة المعلومة الوزن بصبرة معلومة الوزن، ثم دفع البائع الموزون ناقصا عن المقدار المعين الذي وقعت المعاوضة عليه.

ففي هذه الصورة تقع المعاوضة صحيحة، لأنها وقعت على الكلي لا على الشخصي حتى تكون باطلة.

لكن تبقى ذمة البائع مشغولة للمشتري بمقدار الناقص، و هذا نظير ما لو باع دينارا ثم ظهر أنه مغشوش، فإن البيع صحيح، لكن الذمة تبقى مشغولة بدفع دينار آخر، بخلاف ما لو باع دينارا شخصيا، فإن البيع باطل، لوقوع المعاوضة على شخص الدينار.

و إلى هذا القسم أشار الشيخ بقوله: اشتغلت ذمته بما نقص. -

ص: 273

..........

++++++++++

- (الثاني): وقوعها على عين معينة شخصية بأن قال البائع: بعتك هذه الصبرة المعينة التي وزنها الف طن ازاء تلك الصبرة المعينة التي وزنها ألف طن، ثم دفع البائع الموزون المعين إلى المشتري على أنه ذلك الموزون المعين الذي تعاقدا عليه، لكنه كان ناقصا عن الوزن المعين و تسلم المشتري الموزون باعتقاده أنه ذلك الوزن المعين.

ففي هذه الصورة فسدت المعاوضة في الطرفين: في طرف البائع.

و في طرف المشتري، للزوم الرباء، لكون المعاوضة شخصية وقعت على شخص الوزن المعين الذي ظهر ناقصا.

و هذا نظير وقوع المعاوضة على شخص الدينار المعين الخارجي.

و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: فسدت المعاوضة في الجميع، للزوم الرباء.

(الثالث): وقوع المعاوضة على الشخص المعنون بكونه مقدارا معينا بأن يقول البائع: بعتك هذه الصبرة من الحنطة التى مقدارها من بهذه الصبرة من الحنطة التي مقدارها من، ثم بعد الدفع إلى المشتري ظهر أن المشار إليه ليس مساويا لذلك المقدار الذي تعاقدا عليه.

ففي هذه الصورة لا يبعد القول بصحة المعاوضة، لكلية العنوان الذي هو الف كيلو، لكنه دفع ناقصا فتبقى ذمته مشغولة إلى حين الأداء.

و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: لم يبعد الصحة.

و وجهها: أن المعاوضة وقعت على الكلي، دون الشخصي بمعنى أن المعتبر حينئذ هو العنوان الذي هو كلي المبيع الذي هو المقصود في البيع فعند عدم مطابقة شخص المدفوع للعنوان لا يوجب عدم الوفاء بالمبيع.

لكن تبقى ذمة الدافع مشغولة بالناقص كما كان كذلك في القسم الأوّل نعم لو قلنا: إن الاعتبار في هذه الصورة بالشخص المشار إليه، و أنه -

ص: 274

على الوزن المعلوم الكلي (1) فيدفع الموزون على أنه بذلك الوزن اشتغلت

++++++++++

- هو المقصود بالبيع: فلا شك في بطلان المعاوضة و فسادها، للزومها الرباء فيكون كالقسم الثاني.

ثم إن للشيخ في هذا القسم رأيا آخر أفاده بقوله: و يمكن ابتناؤه على أن لاشتراط المقدار إلى آخر ما ذكره.

و خلاصة ما أفاده: أن صحة المعاوضة في القسم الثالث الذي وقعت على شخص المعنون المشار إليه، ثم ظهر أن المشار إليه ليس مساويا للمقدار المعين الذي تعاقد المتعاملان عليه: مبتنية على القول بثبوت قسط من العوض ازاء المقدار الناقص من المقدار المعين.

كما أن بطلان المعاوضة مبتن على القول بعدم ثبوت قسط من العوض إزاء المقدار الناقص.

بعبارة أخرى أنه إن قلنا: إن لشرط المقدار المعين في المبيع قسطا من العوض بحيث لو تخلف الشرط سقط من العوض بمقدار ما كان المقدار المعين ناقصا: صحت المعاوضة، و إلا بطلت.

خذ لذلك مثالا:

لو باع زيد عشرة كيلوات من الحنطة بعشرة كيلوات من الحنطة الموجودة عند عمرو، ثم بعد التسليم تبين أن حنطة زيد ناقصة كيلوا عن المقدار المعين.

فعلى القول بثبوت قسط من العوض ازاء هذا الناقص صحت المعاوضة لأنه ينقص من العوض الذي هو الثمن بمقدار هذا الناقص.

و على القول بعدم ثبوت قسط من العوض ازاء هذا الناقص بطلت المعاوضة.

(1) و قد عرفت معنى الوزن المعلوم الكلي في القسم الأوّل عند قولنا: -

ص: 275

ذمته بما نقص، و إن جرت على الموزون المعين باعتقاد المشتري أنه بذلك الوزن فسدت المعاوضة في الجميع، للزوم الربا.

و لو جرت عليه على أنه بذلك الوزن يجعل ذلك عنوانا للعوض فحصل الاختلاف بين العنوان و المشار إليه: لم يبعد الصحة.

و يمكن ابتناؤه (1) على أن لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض أم لا فعلى الأوّل (2) يصح، دون الثاني (3).

++++++++++

- كأن يقول البائع: بعتك وزنة رز عنبر بوزنة رز نعيمة إلى آخر ما ذكرنا.

(1) أي ابتناء القسم الثالث.

و قد عرفت معنى الابتناء مشروحا في القسم الثالث عند قولنا: ثم إن للشيخ في هذا القسم رأيا آخر.

و مرجع الضمير في تخلفه: المقدار المعين الذي تعاقد عليه المتعاقدان.

(2) و هو أن لتخلف الشرط مقدارا و قسطا من العوض.

و قد عرفت شرح هذا في القسم الثالث عند قولنا: بعبارة أخرى أنه إن قلنا.

(3) و هو عدم ثبوت قسط من العوض لتخلف الشرط.

و قد عرفت شرح البطلان عند قولنا: كما أن بطلان المعاوضة.

ص: 276

التّنجيم

ص: 277

ص: 278

المسألة السادسة التنجيم حرام

اشارة

المسألة السادسة (1) التنجيم حرام و هو كما في جامع المقاصد الإخبار (2) عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية، و الاتصالات الكوكبية.

++++++++++

(1) أي المسألة السادسة من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: التنجيم و هو مصدر باب التفعيل من نجّم ينجم تنجيما: و معناه لغة كما يزعمون: معرفة حظوظ الناس، و مصيرهم بحسب حركات النجوم و سيرها.

يقال: نجّم فلان أي نظر في حظوظ الناس و مصيرهم بحسب حركات النجوم و سيرها، و كل من يفعل ذلك يقال له: المنجم.

(2) بل هو في الواقع: النظر في الحركات الفلكية، و الاتصالات الكوكبية لمعرفة أحكام النجوم: من اقتضاء حركاتها الوقائع الكونية، و الأمور الأرضية فيكون الإخبار بذلك بعد النظر في النجوم.

و المراد من الحركات الفلكية: حركات السيارات السبع: من القمر و الشمس و المشتري و زحل و عطارد و الزهرة و المريخ، بناء على مذهب القدماء حيث قالوا: ان مركز العالم: هي الأرض، و أن الأجرام و الكواكب كلها تدور حول الأرض.

و أما عند المتأخرين و الاكتشافات الجديدة فهي تسعة بإضافة (أورانوس. و نبتون) و الأرض بدلا عن الشمس.

و مركز الكل: الشمس، و الكل يدور حول الشمس، و هذا الدوران يسبب وجود الليل و النهار، و الفصول الأربعة، و السنة الشمسية و القمرية.

ص: 279

و توضيح المطلب يتوقف على الكلام في مقامات:
اشارة

و توضيح المطلب (1) يتوقف على الكلام في مقامات:

المقام الأوّل: الظاهر أنه لا يحرم الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية على سير الكواكب

(الأوّل) (2): الظاهر أنه لا يحرم الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية على سير الكواكب كالخسوف الناشئ عن حيلولة الأرض بين النيرين (3)، و الكسوف (4) الناشئ عن حيلولة القمر، أو غيره (5)

++++++++++

- و يعبر عن هذه المجموعة ب (المجموعة الشمسية).

و المراد من الاتصالات الكوكبية: هو اقتراب الكواكب بعضها من بعض.

أو ابتعاد بعضها من بعض، و دورانها حول الشمس.

و يحتمل أن يراد من الاتصالات الكوكبية: ما يرى متصلا منها على الكرة الأرضية، مع أنها ليست متصلة، حيث ان بينها تباعدا كثيرا يقدر بمئات من السنين الضوئية، أو الألوف.

و لكل من الاقتراب و الابعاد حكم خاص عند المنجمين.

(1) أي توضيح التنجيم و أحكامه.

(2) أي المقام الأوّل من المقامات.

(3) و هما: الشمس و القمر بأن تحول الأرض بينهما فتنتج هذه الحيلولة خسوفا في القمر بوقوع ظل من الأرض عليه فلا يرى نوره.

(4) بالجر عطفا على مجرور (كاف الجارة) في قوله: كالخسوف أي و كالكسوف الناشئ عن حيلولة القمر بين الأرض و الشمس فيكون جرم القمر مانعا عن رؤية الشمس، أو جرمها كلا، كما في الكسوف الكلي، أو بعضا كما في الكسوف الجزئي.

(5) أي غير الكسوف و الخسوف: من الأوضاع الفلكية.

أو المقصود حيلولة غير القمر من الكواكب بين الأرض و الشمس.

ص: 280

بل يجوز الإخبار بذلك (1) اما جزما اذا استند إلى ما يعتقده برهانا، أو ظنا اذا استند إلى الامارات و قد اعترف بذلك (2) جملة ممن أنكر التنجيم:

منهم السيد المرتضى، و الشيخ أبو الفتح الكراجكي فيما حكي عنهما في رد الاستدلال على اصابتهم في الأحكام بإصابتهم في الأوضاع ما حاصله:

إن (3) الكسوفات، و اقتران الكواكب، و انفصالها من باب الحساب، و سير الكواكب، و له أصول صحيحة، و قواعد سديدة.

و ليس (4) كذلك ما يدعونه عن تأثير الكواكب في الخير و الشر

++++++++++

(1) أي بالأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية اما بنحو القطع و اليقين كما اذا كان الإخبار مستندا إلى دليل قطعي.

و إما بنحو الظن كما اذا كان مستندا إلى أمارات صحيحة، و قواعد سديدة.

(2) أي و قد اعترف بالأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية (السيد المرتضى و الشيخ الكراجكي) اذا كان مستند الإخبار بها دليلا قطعيا، أو ظنيا كالإمارات الصحيحة، و القواعد السديدة.

مع أنهما ينكران إصابة المنجمين في إخبارهم عن الأحكام النجومية كموت زيد، أو مجيء عمرو.

(3) هذا دليل (السيد المرتضى و الشيخ الكراجكي) على إصابة المنجمين في إخبارهم عن الأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية.

و خلاصة الاستدلال: أن إخبارهم بذلك مبتن على قواعد سديدة و أمارات صحيحة، و حسابات دقيقة فخطأهم في ذلك قليل جدا.

(4) هذا رد من (السيد و الشيخ الكراجكي) على المنجمين في عدم إصابة إخبارهم عن الأحكام النجومية.

ص: 281

و النفع و الضرر، و لو لم يكن الفرق بين الأمرين (1) إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات، و ما يجري مجراها (2) فلا يكاد يبين فيها خطأ

++++++++++

- و خلاصة الرد: أن ما يدعيه المنجمون في الإخبار عن الأحكام النجومية كموت زيد، و مجيء عمرو، و غناء جعفر، و فقر صادق ليس مبتنيا على قواعد سديدة، و أمارات صحيحة، و حسابات دقيقة حتى لا يخطأون في ذلك، بل إصابتهم في ذلك قليل جدا بحيث لا يتفق ذلك، و لو اتفقت الإصابة في واقعة من الوقائع فقد يتفق أكثر منه من المخمن الذي يخبر عن الأشياء بالحدس و الظن، من دون أن يكون إخباره بذلك مبتنيا على أصول صحيحة، و قواعد سديدة، و حسابات دقيقة.

فهذا هو الفارق بين تصديق المنجمين في إخبارهم عن الأوضاع الفلكية.

و بين عدم تصديقهم في إخبارهم عن الأحكام النجومية.

(1) و هما: إصابة المنجمين في إخبارهم عن الأوضاع الفلكية.

و عدم إصابتهم في إخبارهم عن الأحكام النجومية.

(2) مرجع الضمير في مجراها: الكسوفات.

أى و ما يجري مجرى الكسوفات كإخبارهم عن الأمطار الغزيرة و البرد القارص، و الحر الهجير الخارجين عن الاعتدال الطبيعي.

و يعبر عن هذه الإخبارات في عصرنا الحاضر ب: (الأنواء الجوية) فإن الإخبار عن الكسوفات، و الأنواء الجوية لا يوجد فيه الخطأ، لابتنائه على قواعد سديدة، و أصول صحيحة، و حسابات دقيقة كما عرفت.

و إنما عبر (السيد المرتضى) بكلمة و لا يكاد، لأن إصابتهم في الأوضاع الفلكية لا تكون دائمية، بل غالبية بمعنى أنها بالمائة تسعون، بخلاف الإخبار عن الأحكام النجومية فخطأهم بالمائة مائة كما نرى في التقاويم المتعارفة -

ص: 282

و أن الخطأ الدائم المعهود إنما هو في الأحكام حتى أن الصواب فيها (1) عزيز، و ما يتفق فيها من الاصابة قد يتفق من المخمن أكثر منه، فحمل (2) أحد الأمرين على الآخر بهت و قلة دين و حياء انتهى المحكي من كلام السيد رحمه اللّه.

و قد أشار إلى جواز ذلك (3) في جامع المقاصد مؤيدا ذلك بما ورد من كراهة السفر، و التزويج في برج العقرب.

++++++++++

- الدارجة في عصرنا الحاضر: من الإخبار و التنبؤات بما سيقع من وقوع حادثة في صقع من الأصقاع و هي لا تقع.

و لو اتفق الإصابة في ذلك فإنه قليل جدا قد يتفق مثلها أكثر من المخمن الذي يقول في الأشياء بالحدس و الظن من دون أن يكون ما يقوله مبتنيا على أصول صحيحة، و قواعد سديدة، و حسابات دقيقة.

و كلمة مخمن بصيغة الفاعل من باب التفعيل من خمن يخمن تخمينا.

و في بعض نسخ (المكاسب) منجمين بدل مخمنين و هو غلط و الصحيح ما أثبتناه و السهو من النساخ، لعدم مناسبته لذكر المنجمين، حيث إن البحث فيهم.

(1) مرجع الضمير: الأحكام.

(2) المراد من الحمل هنا: القياس، و من الأمرين: إصابة إخبار المنجمين عن الأوضاع الفلكية، و عدم إصابة إخبارهم عن الأحكام النجومية أي قياس إصابة أقوالهم في إخباراتهم عن الأحكام النجومية: بإصابة أقوالهم عن الأوضاع الفلكية خروج عن الدين، و جرأة على اللّه و على الرسول و دليل على قلة دين القائس، و قلة حيائه.

(3) أي إلى جواز الإخبار عن الأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية.

و كلمة مؤيدا حال للمحقق الكركي، أي حال كون (المحقق الكركي) -

ص: 283

..........

++++++++++

- أيد جوار الإخبار عن الأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية بالأخبار الواردة في كراهة السفر، و التزوج اذا كان القمر في برج العقرب.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 266. الباب 11 من أبواب آداب السفر إلى الحج. الحديث 1، أليك نصه:

عن محمد بن حمران عن أبيه عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام قال:

من سافر، أو تزوج و القمر في العقرب (أي في برج العقرب) لم ير الحسنى.

فالحديث صريح في تأثير الكواكب في الخير و الشر على نحو الموجبة الجزئية.

و قد ذكرنا في (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة في الجزء الخامس ص 89. في الهامش 3: شرحا مفصلا حول تأثير الكواكب عند البحث عن موضوع النكاح و الزواج، و أنه لا يناسب وقوعه و القمر في برج العقرب.

و هنا نعيد ما ذكرناه هناك تتميما للفائدة.

فنقول: قد تصور القدماء في السماء صورا و أشكالا: بعضها تامة، و بعضها ناقصة، و خصصوا بكل شكل عدة من الكواكب المرصودة البالغ عددها (102).

أو (1022) اذا تركنا الثلاثة التي تركها (بطليموس)، لغاية صغرها، و التي أدرجها: (الخواجا عبد الرحمن الصوفي)، و وزعوا من هذه الكواكب (917) كوكبا داخلة في هذه الصور، أي تحوي عليها الخطوط الموهومة على أطراف هذه الصور، و الباقي و هو (105) كوكبا خارجة عنها، و واقعة قريبة من أطرافها.

و يقال للقسم الأوّل: داخلة الصور. -

ص: 284

..........

++++++++++

- و للقسم الثاني: خارجة الصور.

و إنما فعلوا ذلك لغرض تعيين مواقع تلك الكواكب عند الحساب فاذا أخبروا عن كوكب قالوا: الكوكب الواقع على رأس الصورة الفلانية أو على ذنبها. أو على قلبها، تشخيصا للكوكب. و موقعيته من السماء.

هذا اذا كانت داخلة الصورة.

و أما اذا كانت خارجة الصورة فقالوا: الكوكب الواقع قريبا من رأس الصورة، أو رجلها، و هكذا.

و هذه الصور مجموعة تبلغ (48) صورة منها: واحدة و عشرون صورة واقعة على شمال منطقة البروج.

و خمس عشرة صورة على جنوب المنطقة.

و اثنتا عشرة على نفس المنطقة.

و تفصيل هذه الصور و الكواكب الواقعة فيها، أو قريبة منها خارج عن نطاق هذه التعليقة.

و الذي يهمنا هي الاشارة إلى الصور الواقعة على منطقة البروج التي هو المناط لدورة الشمس و القمر و مدارهما.

(الأولى): خلال سنة. أي 365 يوما و ربع.

(الثانية): خلال شهر. أي سبعة و عشرون يوما و سبع ساعات و 43 دقيقة.

و لكن حيث إن الشمس تتزحزح في هذه المدة عن مكانها الأوّل عند اقترانها مع القمر في أوّل الشهر القمري فتتقدم شيئا قليلا، فلا بد للقمر أن يسير حتى يلتقي مع الشمس ثانية لينتهي شهرا كاملا، و بذلك

ص: 285

..........

++++++++++

- يتم الشهر القمري في (29 يوما) و (12 ساعة) و (44 دقيقة).

و أليك التفصيل:

(منطقة البروج): مدار و همي مائل عن دائرة معدل النهار أو عن المدار الاستوائي نحوا من 23/5 درجة.

و قسموا هذا المدار إلى اثني عشر جزء، كل جزء برج، و خصصوا لكل فصل من الفصول الأربعة ثلاثة بروج.

(الأوّل): (برج الحمل). و فيه (13 كوكبا) و الخارجة 5.

(الثاني): (برج الثور) و فيه (32 كوكبا) و الخارجة 11.

(الثالث): (برج الجوزاء). و فيه (18 كوكبا) و الخارجة 8.

(الرابع): (برج السرطان). و فيه (9 كواكب) و الخارجة 4.

(الخامس): (برج الأسد) و فيه (27 كوكبا) و الخارجة 8.

(السادس): (برج السنبلة) و فيه (26 كوكبا) و الخارجة 6.

(السابع): (برج الميزان) و فيه (8 كواكب) و الخارجة 9.

(الثامن): (برج العقرب) و فيه (21 كوكبا) و الخارجة 3.

(التاسع): (برج القوس) و فيه (31 كوكبا).

(العاشر): (برج الجدي) و فيه (28 كوكبا).

(الحادي عشر): (برج الدلو) و فيه (42 كوكبا) و الخارجة 3.

(الثاني عشر) (برج الحوت) و فيه (34 كوكبا) و الخارجة 4.

هذه هي البروج الاثنا عشر يقطعها القمر في شهر، كل يوم (13 درجة) و (3 دقائق) و (54 ثانية)، و لذلك يتم دورته. أي الأبراج الاثنا عشر كلها في (27 يوما) و (7 ساعات) و (43 دقيقة). -

ص: 286

..........

++++++++++

- و بما أن كل برج ثلاثون درجة فيحل القمر في كل برج ضيفا أقل من ثلاثة أيام. أي يومين و ربع تقريبا.

*** و قد ذكر المنجمون القدامى لحلول القمر في كل برج آثارا خاصة لا يزالون معتقدين بها، و لا يمكننا - نحن - إنكارها رأسا اذا كان اللّه عز و جل قد جعل ذلك علامة، أو مؤثرا باذنه تعالى.

كما لا يمكن لأحد إنكار ما للآثار الجوية من تأثيرات في مزاج العناصر السفلية: من معادن و نبات. و حيوان.

فهذه الشمس الوهاجة لها تأثيرها الكبير في عالمنا السفلي من تحويلات في المناخ و النفوس، و الأحوال و الأوضاع، و التكوين. و الفساد:

ما لا يمكن حصره.

كما أن لطلوع بعض الكواكب مثل (السهيل) و نورها تأثيرا على نضج بعض الفواكه، أو تلوينها.

كما كان للقمر و سيره الشهري تأثير في الطبيعة: من جزر و مدّ و تأثير في مزاج الانسان في عادة النساء الشهرية المرتبطة بالأشهر القمرية كمال الارتباط.

اذن فلا مجال لإنكار ما لهذه التحولات الجوية من التأثير في العالم السفلي: عالم الانسان و الحيوان، و النبات و الجماد.

فذكروا لانتقال القمر إلى برج العقرب آثارا منها: ازدحام الهموم على قلوب الناس. و وقوع الفتن و المنازعات، و كثرة السرقات، و عدم انسجام الأمور، و التأخر في الأعمال، و وفور الأمراض.

لكن تكثر المياه و لا سيما الأمطار، و لعلها تضر بالمزروعات. -

ص: 287

لكن ما ذكره السيد رحمه اللّه عن الاصابة الدائمة في الاخبار عن الأوضاع (1)، محل نظر، لأن خطأهم في الحساب في غاية الكثرة

++++++++++

- راجع في ذلك: التنبيهات المظفرية - (محمد قاسم بن مظفر) ص 213.

هذه خلاصة القول في تأثير الكواكب في الخير و الشر في الجملة على نحو الموجبة الجزئية.

فلو لم يكن لها تأثير في الأوضاع السفلية لم يكن مجال لذم (الامام الصادق) عليه السلام: السفر و الزواج في تلك الحالة: و هو كون القمر في برج العقرب.

(1) أي في الأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية بقوله: و لو لم يكن إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات، و ما يجري مجراها فلا يكاد يبين فيها الخطأ: محل نظر و اشكال.

و أما وجه النظر: فهو أن خطأ المنجمين في إخباراتهم عن الأوضاع الفلكية كثيرة بحيث يكون إصابتهم في ذلك قليلا جدا فلا يجوز الاعتماد و الاتكال على أقوال العدول منهم في الأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية فضلا عن الفساق منهم، لأن حساباتهم في الأوضاع الفلكية مبتنية على أمور نظرية اكتسابية غير حسية بديهية، و هذه الأمور النظرية الاكتسابية أيضا مبتنية على أمور اكتسابية نظرية أخرى فكيف يمكن الاعتماد على أقوالهم ؟

نعم لو كانت حساباتهم مبتنية على أمور بديهية ضرورية جاز الاعتماد على أقوالهم في ذلك.

هذا ما أفاده الشيخ من وجه النظر على ما أفاده (السيد المرتضى) لكن يمكن أن يقال: إن رأي (السيد المرتضى) في إصابة المنجمين في إخباراتهم عن الأوضاع الفلكية راجع إلى المنجمين الحذاق الذين كانوا -

ص: 288

و لذلك (1) لا يجوز الاعتماد في ذلك على عدولهم، فضلا عن فساقهم لأن حساباتهم (2) مبتنية على أمور نظرية (3) مبتنية على نظريات أخرى إلا (4) فيما هو كالبديهي مثل إخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب، و انتقال الشمس عن برج إلى برج في هذا اليوم، و إن كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع إلى تفاوت يسير.

++++++++++

- من مهرة الفن، و نوابغ عصره الذين لهم اليد الطولى في موضوع النجوم بحيث لا يحصل لهم الخطأ في الأوضاع الفلكية.

(1) أي و لأجل أن خطأ المنجمين في الحساب عن الأوضاع الفلكية كثير جدا.

و قد عرفت معنى ذلك آنفا.

(2) في جميع نسخ (المكاسب) حسابهم و الصحيح حساباتهم كما أثبتناه، ليصح اتيان الخبر مؤنثا كما هنا في قوله: مبتنية.

و السهو من النساخ.

(3) أي اكتسابية غير حسية كما عرفت في الهامش 3 ص 281.

(4) هذا استثناء من (السيد المرتضى) يقصد بذلك صحة أقوال المنجمين و إصابتهم في إخباراتهم عن الأوضاع الفلكية، و الاتصالات الكوكبية اذا كانت مبتنية على أمور بديهية ضرورية، ثم مثل (السيد المرتضى) لذلك بإخبارهم عن أن القمر في اليوم الفلاني في برج العقرب، و أن الشمس في اليوم الفلاني تنتقل من برج إلى برج آخر، فإن هذه الاخبارات صحيحة لا يقع فيها الخطأ. و إن كان فيها اختلاف يسير فيما بين المنجمين، كأن يقول أحدهم: إن القمر يدخل في برج العقرب في الليلة الفلانية في الساعة الثالثة، و الآخر يقول بنفس الليلة، لكن في الساعة الرابعة.

ثم أفاد (السيد المرتضى) في جواز الاعتماد على أقوالهم في الأوضاع -

ص: 289

و يمكن الاعتماد في مثل ذلك على شهادة عدلين منهم اذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين، أو نحوه (1).

المقام الثاني يجوز الاخبار بحدوث الأحكام عن الاتصالات و الحركات المذكورة

الثاني (2) يجوز الاخبار بحدوث الأحكام عن الاتصالات و الحركات المذكورة: بأن يحكم بوجود كذا في المستقبل عند الوضع المعين: من القرب و البعد و المقابلة، و الاقتران بين الكوكبين اذا كان على وجه الظن المستند الى تجربة محصلة، أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة اللّه عند الوضع الخاص (3) من دون اعتقاد ربط بينهما (4) أصلا، بل (5) الظاهر

++++++++++

- الفلكية، و الاتصالات الكوكبية بشهادة عدلين منهم اذا احتاج الحاكم الشرعي في تعيين أجل دين بقوله: و يمكن الاعتماد في ذلك.

(1) مثل حلول أمد مضروب.

(2) أي المقام الثاني من المقامات التي أشار إليها (شيخنا الأنصاري) بقوله: و توضيح المطلب يتوقف على الكلام في مقامات: جواز الإخبار بحدوث الأحكام.

(3) المراد من الوضع الخاص هو اقتران الكواكب و النجوم بعضها من بعض، و ابتعاد بعضها عن بعض، و مقابلة بعضها مع بعض.

لكن من دون اعتقاد ربط بين هذا الوضع الخاص، و بين الحادثة الفلانية التي ستقع في المستقبل، بمعنى أن الوضع الخاص الذي ذكرناه ليس له أي تأثير في الحوادث الواقعة، بل التأثير يكون من اللّه عز و جل

(4) أي بين الوضع الخاص الذي ذكرناه، و بين وقوع الحوادث في المستقبل كما عرفت آنفا.

(5) هذا ترق عما أفاده (شيخنا الأنصاري): من جواز الإخبار بحدوث الأحكام عن الاتصالات و الحركات الفلكية عند الوضع الخاص في المستقبل على وجه الظن. -

ص: 290

حينئذ جواز الاخبار على وجه القطع اذا استند إلى تجربة قطعية، إذ لا حرج على من حكم قطعا بالمطر في هذه الليلة، نظرا إلى ما جربه من نزول كلبه عن السطح إلى داخل البيت مثلا كما حكي أنه اتفق ذلك لمروج هذا العلم، بل محييه نصير الملّة و الدين (1)، حيث نزل في بعض أسفاره على طحّان له طاحونة خارج البلد فلما دخل منزله صعد السطح، لحرارة الهواء فقال له صاحب المنزل: أنزل و نم في البيت، تحفظا من المطر فنظر المحقق إلى الأوضاع الفلكية فلم ير شيئا فيما هي مظنة للتأثير في المطر.

فقال صاحب المنزل: إن لي كلبا ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها الى البيت فلم يقبل منه المحقق ذلك و بات فوق السطح فجاءه المطر في الليل و تعجب المحقق.

ثم إن (2) ما سيجيء في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير

++++++++++

- و خلاصة الترقي أنه يجوز الاخبار بذلك على وجه القطع و اليقين أيضا اذا كان مستند الاخبار هي التجربة القطعية بشرط أن لا يكون هناك اعتقاد ربط و تأثير بين الوضع الخاص، و وقوع الحوادث، لا بنحو العلة التامة، و لا بنحو الاقتضاء.

(1) يأتي شرح حياة هذا العملاق العظيم في (أعلام المكاسب).

(2) يقصد الشيخ من قوله: ثم إن ما سيجيء: دفع و هم.

و حاصل الوهم: أنكم قلتم بجواز الاخبار في الأحكام عن الاتصالات الكوكبية، و الحركات الفلكية بوقوع كذا في المستقبل بنحو القطع و الجزم اذا كان مستند الاخبار التجربة القطعية فما تقولون فيما يأتي قريبا: من عدم جواز تصديق المنجم مطلقا لا بنحو الظن و لا بنحو القطع.

فأجاب الشيخ عن الوهم المذكور: ما حاصله: أن عدم جواز -

ص: 291

هذا (1). أو ينصرف (2) الى غيره، لما عرفت من معنى التنجيم.

المقام الثالث: الاخبار عن الحادثات، و الحكم بها مستندا إلى تأثير الاتصالات المذكورة فيها بالاستقلال، أو بالمدخلية

الثالث (3): الاخبار عن الحادثات، و الحكم بها مستندا إلى تأثير

++++++++++

- تصديق قول المنجم مطلقا يراد به أحد الأمرين: إما الاخبار الذي ليس مستنده التجربة القطعية.

و إما الاخبار الذي يكون على نحو الربط و التأثير بنحو العلة التامة أو الاقتضاء.

و أما اذا كان منشأ الاخبار هي التجربة القطعية، أو عدم ربط و تأثير للوضع الخاص الذي ذكرناه في الحوادث العلوية: فلا إشكال في تصديق المنجم حينئذ بالكيفية المذكورة.

(1) أي غير التجربة القطعية هذا هو الأمر الأوّل.

(2) هذا هو الأمر الثاني الذي أشرنا إليه بقولنا: و اما الاخبار الذي يكون على نحو الربط و التأثير.

(3) أي المقام الثالث من المقامات التي أشار إليها (شيخنا الأنصاري) بقوله: و توضيح المطلب يتوقف على الكلام في مقامات: هو الاخبار عن وقوع الحوادث في المستقبل عند الوضع المعين الذي هو اقتران النجوم أو ابتعادها، أو اقترانها.

و يكون منشأ هذا الإخبار هو الربط و التأثير إما بنحو الاستقلال الذي هي العلة التامة، أو بنحو المدخلية التي هو الاقتضاء.

و مثل هذا الحكم يعبر عنه في عرف المنجمين ب: (التنجيم) فهو حرام نصا و فتوى.

و كلمة مستندا في قوله: مستندا إلى تأثير الاتصالات منصوبة على الحالية لكلمة و الحكم، أي حال كون الاخبار المذكور مستندا إلى تأثير الاتصالات كما عرفت.

ص: 292

الاتصالات المذكورة فيها بالاستقلال، أو بالمدخلية و هو المصطلح عليه بالتنجيم: فظاهر الفتاوى و النصوص حرمته مؤكدة فقد أرسل المحقق في المعتبر عن النبي صلى اللّه عليه و آله أنه من صدّق منجّما أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اللّه عليه و آله (1): و هو يدل على حرمة حكم المنجم بأبلغ وجه.

و في رواية نصر بن قابوس عن الصادق عليه السلام أن المنجم ملعون و الكاهن ملعون، و الساحر ملعون (2).

و في نهج البلاغة أنه عليه السلام لمّا أراد المسير إلى بعض أسفاره فقال له بعض أصحابه: إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.

فقال عليه السلام له: أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة التى من سار

++++++++++

(1) هذه احدى الروايات الدالة على حرمة الاخبار عن وقوع الحوادث في المستقبل عند الوضع الخاص بنحو العلة، أو الاقتضاء.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 104. الباب 24 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 11.

فالحديث هذا يدل بالملازمة على حرمة حكم المنجم، إذ لو لم يكن حكمه حراما لم يكن تصديقه حراما فمن حرمة التصديق نحكم بحرمة حكم المنجم فدلالة الحديث على الحرمة تكون أبلغ وجه.

(2) هذه ثانية الروايات الدالة على حرمة إخبار المنجم عن وقوع الحوادث في المستقبل عند الوضع الخاص.

إما بنحو الاستقلال المعبر عنه بالعلة التامة.

أو بنحو المدخلية المعبر عنها بنحو الاقتضاء.

راجع نفس المصدر. ص 103. الحديث 7.

ص: 293

فيها صرف عنه السوء، و تخوّف من الساعة التى من سار فيها حاق به الضر فمن صدّق بهذا (1) فقد كذّب القرآن، و استغنى (2) عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب، و دفع المكروه.

الى أن قال عليه السلام: أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعو إلى الكهانة، و المنجم كالكاهن، و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر، و الكافر في النار، سيروا على اسم اللّه (3).

++++++++++

(1) و هو أن المنجم يهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، لأن لازم تصديق قوله: تكذيب القرآن، لأن اللّه عز و جل يقول: «يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتٰابِ » (1)

فلو كان للكواكب و النجوم تأثير بالاستقلال، أو بنحو المدخلية و الاقتضاء في الأوضاع العلوية و السفلية لكان اللازم تكذيب القرآن.

(2) تعليل ثان لعدم تأثير الكواكب و النجوم في الأوضاع العلوية اذ التعليل الأوّل تكذيب القرآن.

أي لو كان للكواكب و النجوم تأثير بالاستقلال، أو بنحو الاقتضاء لكان اللازم الاستغناء عن اللّه عز و جل في الوصول إلى ما يحبه الانسان و في الدفع عما يكرهه، و هذا هو الكفر باللّه تعالى.

(3) (نهج البلاغة). الجزء 1. ص 124-125. طباعة مصر شرح الاستاذ محمد عبده. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.

و شرح (ابن أبي الحديد). الجزء 6. ص 199. طباعة دار احياء الكتب العربية. مصر، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

ص: 294


1- الرعد: الآية 39.

و قريب منه (1) ما وقع بعينه بينه، و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا.

فقال عليه السلام له: أ تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى.

قال: إن حسبت علمت.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: من صدّقك على هذا القول (2) فقد كذّب القرآن، قال اللّه: إنّ اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ما ذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت، إنّ اللّه عليم خبير (3).

ما كان محمد صلى اللّه عليه و آله يدّعي ما أدعيت (4)، أ تزعم أنك

++++++++++

(1) أي و قريب من كلام الامام عليه السلام الذي أشرنا إليه آنفا في ص 294.

(2) و هو علم المنجم بما في بطن الدابة التي هي حامل لو حسب لأن لازم تصديق دعوى المنجم تكذيب قوله تعالى: «وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْأَرْحٰامِ » لأنه عز اسمه خص معرفة هذا العلم بذاته المقدسة و لم يعلم عليه أحدا فكيف يعقل معرفة المنجم بذلك.

و في عصرنا الحاضر مع هذه الاكتشافات العجيبة، و الاشعات الكهربائية لم يتمكنوا من الوصول إلى معرفة ما في الأرحام أ هو ذكر أم أنثى.

(3) لقمان: الآية 34.

(4) مقصود (الامام أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام:

أن (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله مع غض النظر عن درجة الرسالة، و مرتبة النبوة لا يدعي علم ما في الأرحام.

نعم يمكنه علم ذلك من قبل ربه الجليل بواسطة الالهام، أو إخبار -

ص: 295

تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من سار فيها حاق (1) به الضر، من صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة

++++++++++

- جبرائيل، و ليس ذلك على اللّه جل جلاله بعزيز، و قد قال عز شأنه:

«تِلْكَ مِنْ أَنْبٰاءِ اَلْغَيْبِ نُوحِيهٰا إِلَيْكَ » (1) .

و قوله جل شأنه: «عٰالِمُ اَلْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّٰ مَنِ اِرْتَضىٰ مِنْ رَسُولٍ » (2).

ثم إن (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله يطلع خلفاءه المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين على ما أتاه جبرائيل من الأنباء الغيبية.

و لا يخفى أن استشهاد مولانا (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام بالآية الكريمة: و عنده علم الساعة: يدل على أن الألف و اللام في الساعة في قوله للجنس، لا للعهد الذهني الدالة على الساعة المعروفة في الأذهان و هو يوم القيامة، و يوم الحشر. لأنه عليه السلام قال: أ تزعم أنك تهدي الى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، و أن الساعة التي لو سار فيها حاق به الضر، فإن اللّه عز و جل كما يعلم علم الساعة أي قيامها يعلم كل ساعة و ما يحدث فيها، فعلى هذا البناء فمن صدّق المنجم بما يقول فقد كذّب القرآن، لأنه نسب إلى المنجم علم ما يحدث في ساعات الدنيا بمقتضى علم النجوم.

مع أن ظاهر القرآن يخص علم ذلك باللّه عز و جل.

(1) فعل ماض معلوم من حاق يحيق حيقا و زان باع يبيع بيعا.

أجوف يائي. معناه هنا: الإحاطة. أي أحاط به الضر. -

ص: 296


1- هود: الآية 49.
2- الجن: الآية 26-27.

باللّه في ذلك الوجه، و أحوج إلى الرغبة أليك في دفع المكروه عنه (1).

و في رواية عبد الملك بن أعين المروية عن الفقيه قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة، فاذا نظرت إلى الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها.

و اذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة.

فقال لي: تقضي ؟

قلت: نعم.

قال: احرق كتبك (2).

++++++++++

- و كلمة: أحوج في قوله عليه السلام: و أحوج إلى الرغبة فغل ماض معناها: الاحتياج و الافتقار.

و كلمة (الرغبة): معناها: الابتهال و التضرع.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 269-270. الباب 14 من أبواب آداب السفر إلى الحج و غيره، الحديث 4.

(2) نفس المصدر. ص 268-269. الحديث 1.

و لا يخفى أن الأمر بإحراق الكتب لا يدل على حرمة النظر في الطالع.

نعم يدل على مرجوحية ذلك: و هي أعم من الحرمة و الكراهة.

ثم إن النظر في الطالع لدفع الشر عن نفسه يتنافى و التوكل على اللّه تعالى، لأنه عز و جل يقول في كتابه العزيز: «وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اَللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اَللّٰهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً» (1).

فاللّه تعالى هو يقي المتوكل عليه من السوء و الضرر، و هو يصرف عنه المكروه.

ص: 297


1- الطلاق: الآية 3.

و في رواية مفضل بن عمرو المروية عن معاني الأخبار في قوله تعالى:

وَ إِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ (1).

قال: و أما الكلمات فمنها: ما ذكرناه.

و منها: المعرفة بقدم بارئه و توحيده و تنزيهه عن التشبيه حتى النظر الى الكواكب و القمر و الشمس و استدل بأفول (2) كل واحد منها على حدوثه و بحدوثه على محدثه، ثم اعلمه عز و جل أن الحكم بالنجوم خطأ (3).

++++++++++

- بخلاف الاعتماد على الطالع فإن اللّه يكله عليه، و لربما أخطأ المنجم و الناظر في علم النجوم.

و كلمة (تقضي): يأتي فيها احتمالان:

(الأوّل): كونه فعل مضارع معلوم بتقدير همزة الاستفهام.

و معناه: الحكومة و القضاوة. أي أ تحكم بين الناس في حوائجهم في طالع الخير و الشر بعلمك هذا؟

(الثاني) كونه فعل مضارع معلوم أيضا و معناه: الجزم و الاعتقاد أي أ تعتقد بعلمك في طالع الخير و الشر.

(1) البقرة: الآية 124.

(2) بضم الهمزة و الفاء و زان فعول من أفل يأفل افولا اسم فاعله آفل. و معناه: الغياب.

يقال: أفل النجم أفل فلان أي غاب، و منه قوله تعالى: «فَلَمّٰا أَفَلَ قٰالَ لاٰ أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ » (1)، أي الغائبين.

(3) (معاني الأخبار). طبعة طهران سنة 1379. ص 127.

و في المصدر: بأفول كل منها على حدثه، و بحدثه على محدثه.

ص: 298


1- الأنعام: الآية 76.

ثم إن مقتضى الاستفصال (1) في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء بالنجوم بعد النظر، و عدمه (2): أنه لا بأس بالنظر اذا لم يقض به بل أريد به (3) مجرد التفاؤل إن فهم الخير، و التحذر بالصدقة إن فهم الشر

كما يدل عليه (4) ما عن المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمرو ابن اذينة عن سفيان بن عمر قال: كنت أنظر في النجوم و أعرفها، و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك (5) شيء فشكوت ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام

فقال: اذا وقع في نفسك شيء فتصدق على أوّل مسكين ثم امض فإن اللّه عز و جل يدفع عنك (6).

++++++++++

(1) و هو قوله عليه السلام: (تقضي) بتقدير همزة الاستفهام فإن التفصيل بين ما اذا كان يحكم بعلمه فحرام و يجب إحراق كتبه.

و بين ما اذا لم يحكم بعلمه فليس بحرام، و لا يجب احراق كتبه.

(2) بالجر عطفا على المضاف إليه بين: أي و بين عدم القضاء و الحكم بعلمه، فإنه ليس بحرام، و لا يجب إحراق كتبه.

و جملة (أنه لا بأس بالنظر) مرفوعة محلا خبر لقوله: إن مقتضى الاستفصال.

(3) أي بالنظر إلى النجوم: مجرد التفاؤل بالخير ان أريد به الخير

(4) أي كما يدل على معنى التفاؤل بالخير ان أريد بالنظر الخير.

و على معنى التحذر إن أريد بالنظر الشر فيدفعه بالصدقة: ما ورد في المحاسن عن الامام عليه السلام.

(5) أي يدخل في قلبي من علم النجوم حينما اعمل به شيء من القلق و الترديد و التشكيك في عقيدتي الدينية.

(6) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 273. الباب 15 من أبواب آداب السفر إلى الحج و غيره. الحديث 3.

ص: 299

و لو حكم بالنجوم على جهة أن مقتضى الاتصال الفلاني، و الحركة الفلانية: الحادثة الواقعية و إن كان اللّه يمحو ما يشاء و يثبت: لم يدخل أيضا في الأخبار الناهية (1)، لأنها ظاهرة في الحكم على سبيل البت كما يظهر من قوله عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة باللّه في دفع المكروه (بالصدقة و الدعاء، و غيرهما من الأسباب (2) نظير

++++++++++

(1) أي الناهية عن تعلم علم النجوم، لأن هذه الأخبار ظاهرة في الحرمة لو حكم على سبيل القطع و الجزم بأن قال: إن الحادثة الفلانية ستقع قطعا.

كما يظهر هذا المعنى من قول (الامام أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام الذي مضت الاشارة إليه في ص 294 في قوله: فمن صدّقك بهذا فقد استغنى عن الاعانة باللّه.

و يحتمل أن يراد من الحكم في قول (شيخنا الأنصاري): لأنها ظاهرة في الحكم: ما يقابل الوضع، أي ما يرجع إلى الأحكام الفلكية دون الأوضاع الفلكية، و قد سبق الفرق بينهما في الهامش 3-4 ص 281.

(2) هذه الجملة: (بالصدقة و الدعاء و غيرهما من الأسباب) من كلمات (شيخنا الأنصاري)، لا من كلمات الامام عليه السلام، و لذا جعلناها بين القوسين في المتن.

و مرجع الضمير في غيرهما: الصدقة و الدعاء، أي غير هذين: و هي الصلاة لدفع المكروه، فإنه يستحب لدفع المكروه ركعتان من الصلاة كما أن الصلوات على (الرسول الأعظم و أهل بيته الكرام) صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين يدفع المكروه.

ص: 300

تأثير نحوسة الأيام الواردة في الروايات (1)، ورد نحوستها بالصدقة، إلا أن جوازها (2) مبني على جواز اعتقاد الاقتضاء في العلويات للحوادث السفلية، و سيجيء انكار المشهور لذلك (3) و ان كان يظهر ذلك من المحدث الكاشاني.

++++++++++

(1) راجع المصدر السابق. ص 272. الباب 15 من أبواب استحباب افتتاح السفر بالصدقة.

أليك الحديث الأوّل: عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال (أبو عبد اللّه) عليه السلام: تصدق و اخرج أيّ يوم شئت.

و مرجع الضمير في نحوستها: الأيام.

(2) مرجع الضمير: نحوسة الأيام، و المراد من الجواز الإمكان.

يقصد الشيخ من هذه العبارة: (إلا أن جوازها): كيفية إمكان نحوسة الأيام، مع أن الأيام عبارة عن الزمان المعين الذي هي أربعة و عشرون ساعة المتولد هذا المقدار من دوران الأجرام و الكواكب حول الشمس:

فقال: إن نحوسة الأيام مبنية و متوقفة على القول بتأثير الأسباب العلوية في الحوادث السفلية بنحو المدخلية المعبر عنها بالاقتضاء، إذ ليس في هذا التولد أية نحوسة حتى يقال بنحوسة الأيام، فعلى هذا المبنى تدفع نحوسة الأيام بالصدقة الواردة في الأخبار.

فالاعتقاد بهذا المقدار من التأثير في الكواكب مما أنكره المشهور.

(3) أى لتأثير الكواكب و النجوم في الحوادث السفلية على نحو المدخلية و الاقتضاء كما عرفت آنفا.

لكن يظهر من (المحدث الكاشاني) امكان تأثير الكواكب و النجوم في الحوادث السفلية على نحو الاقتضاء.

ص: 301

و لو اخبر (1) بالحوادث بطريق جريان العادة على وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها أصلا فهو أسلم.

قال في الدروس (2): و لو اخبر بأن اللّه تعالى يفعل كذا عند كذا (3) لم يحرم، و ان كره. انتهى.

++++++++++

- و إلى ذهاب (المحدث الكاشاني) بذلك أشار (شيخنا الأنصاري) بقوله: و ان كان يظهر ذلك.

(1) أي المنجم و الناظر في الكواكب و النجوم لو اخبر بوقوع الحوادث السفلية عند الحركة الفلانية كاقتران النجوم، أو ابتعادها، أو تقابلها:

على نحو الصدفة و جريان العادة، من دون أن يقول بمدخلية الكواكب و النجوم في وقوع الحوادث السفلية: كان اعتقاده هذا أسلم إلى النجاة من أن يقول بنحو الاقتضاء.

(2) هذا استشهاد من (شيخنا الأنصاري) على دعواه: من أن الناظر في الكواكب لو اخبر بوقوع الحوادث السفلية عند الحركة الفلانية على نحو الصدفة، و جريان العادة: أسلم إلى النجاة.

و خلاصة ما أفاده (الشهيد في الدروس): أن الناظر في النجوم انما يخبر بوقوع الحادثة الفلانية عند الحركة الفلانية التي هو اقتران النجوم أو ابتعادها، أو تقابلها مستندا وقوعها إلى جعل اللّه عز و جل، لا بتأثير من الكواكب: فحينئذ لم يحرم هذا النوع من الإخبار في الشريعة الاسلامية حيث لم يسند نسبة وقوع الحوادث السفلية إلى تأثير الكواكب العلوية فيها بنحو الاقتضاء و المدخلية، و ان كره ذلك شرعا.

و لا يخفى عليك عدم وجه للكراهة بعد أن لم يسند الحوادث الواقعة الى غير اللّه عز و جل.

(3) المراد من كذا: الوضع الخاص و هو اقتران النجوم، أو ابتعادها أو تقابلها كما عرفت آنفا.

ص: 302

المقام الرابع: اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات و الربط يتصور على وجوه:
اشارة

الرابع (1): اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات و الربط يتصور على وجوه:

++++++++++

(1) أي المقام الرابع من المقامات التي أشار إليها (شيخنا الأنصاري) بقوله: و توضيح المطلب يتوقف على الكلام في مقامات: هو اعتقاد ربط الحركات العلوية بالكائنات التي هي الموجودات في جميع العوالم.

بمعنى أن الموجودات في جميع العوالم تكون متأثرة بالحركات الفلكية و أنها هي المؤثرة في سير الموجودات و حوادثها.

و هذا النوع من التأثير على وجوه.

(الأوّل): القول باستقلال الحركات العلوية بالكائنات على نحو العلية التامة التي هو امتناع تخلف المعلول عن العلة عقلا. بمعنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول.

ففيما نحن فيه تكون الحركات الفلكية مؤثرة في الكائنات الموجودة بنحو العلة و المعلول.

و القائل بهذا النوع من الربط كافر كما أفاده (شيخنا الأنصاري).

و قد أخذ الشيخ في نقل الكلمات الدالة على كفر القائل بهذا النوع من الربط الواردة عن الأعلام.

فقال: قال السيد المرتضى فيما حكي عنه: و كيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام التنجيم و قد أجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين.

و لا يخفى أن مراد (السيد المرتضى) من قوله: بطلان أحكام التنجيم: هو اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات على نحو الاستقلال الذي هي العلة و المعلول: من امتناع تخلف المعلول عن العلة، فإن مثل هذا الاعتقاد باطل قطعا، لأن معناه أن المؤثر هي الحركات الفلكية لا غير و أن اللّه عز و جل ليس له أية مدخلية في التأثير، لا بنحو العلة -

ص: 303

الأوّل: الاستقلال في التأثير

الأوّل: الاستقلال في التأثير بحيث يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية، و ظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا.

قال السيد المرتضى رحمه اللّه فيما حكي عنه: و كيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام التنجيم و قد أجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذهبهم، و بطلان أحكامهم.

و معلوم من دين الرسول ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون و الازراء (1) عليهم، و التعجيز لهم.

و في الروايات عنه صلى اللّه عليه و آله ما لا يحصى كثرة (2).

++++++++++

- و لا بنحو الاقتضاء، فمثل هذا الاعتقاد كفر باللّه العظيم، و ثبت في الشريعة الاسلامية تكذيب ما يدعيه المنجمون، و وجوب الإهانة بهم و الشهادة بفساد مذهبهم.

(1) مصدر باب الإفعال من أزرى يزرى إزراء. و معناه الإهانة و العيب. يقال: فلان أزرى بفلان أي أهانه و عابه بذكر معايبه كما عرفت آنفا.

(2) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 104. الباب 24 من أبواب ما يكتسب به. الأحاديث.

أليك نص الحديث 11.

عن جعفر بن الحسن المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة. و الشهيدين قالوا:

قال (النبي) صلى اللّه عليه و آله: من صدّق كاهنا، أو منجما فهو كافر بما انزل على محمد صلى اللّه عليه و آله.

و أليك نص الحديث 9:

عن (أبي جعفر) عليه السلام عن آبائه عن (النبي) صلى اللّه عليه و آله -

ص: 304

و كذا عن علماء أهل بيته (1) و خيار أصحابه.

و ما اشتهر بهذه الشهرة (2) في دين الاسلام كيف يفتي بخلافه منتسب الى الملة، و مصل إلى القبلة، انتهى (3).

و قال العلامة (4) في المنتهى بعد ما أفتى بتحريم التنجيم: و تعلم النجوم

++++++++++

- أنه نهى عن عدة خصال: منها النظر في النجوم.

(1) المراد بهم: (الأئمة الاثنا عشر المعصومون) صلوات اللّه عليهم.

راجع المصدر السابق. ص 103. الأحاديث.

أليك نص الحديث السابع:

عن نصر بن قابوس قال: سمعت (أبا عبد اللّه) عليه السلام يقول:

المنجم ملعون، و الكاهن ملعون، و الساحر ملعون، و المغنية ملعونة، و من آواها ملعون، و آكل كسبها ملعون.

(2) و هو أن المنجم ملعون، و أن مذهبه باطل.

و خلاصة ما أفاده (السيد المرتضى) في هذا المقام: أن المنجمين بعد أن وردت في حقهم تلك الأخبار الصادرة عن (الرسول الأعظم و علماء أهل بيته) صلى اللّه عليهم أجمعين: في تكذيب ما يدعونه، و إدخال النقص عليهم، و ابطال أحكامهم في الحركات العلوية، و الاتصالات الكوكبية و نسبة العجز إليهم، و أنهم أصغر من ذلك، و أنهم كذّابون: كيف يجوز لمن يصلي إلى القبلة، و ينسب نفسه إلى الملة المسلمة: أن يفتي خلاف ذلك بأن يقول: بصدق دعواهم و مقالتهم، و صحة أحكامهم.

(3) أي ما أفاده (السيد المرتضى) في هذا المقام.

(4) هذا استشهاد ثان من الشيخ في نقل الكلمات الدالة على كفر القائل بهذا النوع من الربط في النجوم من الأعلام.

و قد ذكر الشيخ ما أفاده العلامة فلا نعيده.

ص: 305

مع اعتقاد أنها مؤثرة، أو أن لها مدخلا في التأثير في النفع و الضر:

و بالجملة كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية، و الاتصالات الكوكبية كافر. انتهى (1).

و قال الشهيد 2 رحمه اللّه في قواعده: كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم، و موجدة له فلا ريب أنه كافر.

و قال (3) في جامع المقاصد: و اعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم

++++++++++

- و المراد من قول العلامة: و إنها مؤثرة: الاستقلال في التأثير على نحو العلة و المعلول بحيث يمتنع تخلف المعلول عن العلة متى وجدت العلة فيكون تأثير الكواكب في اصطلاح المنجمين بهذا النحو من الربط.

و المراد من قوله: أو أن لها مدخلا: الاقتضاء.

و المراد من قوله: الحركات النفسانية: الحركات التي تعرض على الانسان باختياره كالزواج و السفر و الانتقال إلى دار جديدة، و الزراعة و البناء و الخياطة، و ما شاكلها.

و المراد من الحركات غير الاختيارية: الحركات العارضة للانسان كالصحة و المرض، و اليقظة و النوم، و الحياة و الموت.

(1) أى ما أفاده العلامة في هذا المقام.

(2) استشهاد ثالث من الشيخ في نقل الكلمات الدالة على كفر القائل بهذا النوع من الربط في النجوم: من الأعلام. و قد ذكر الشيخ ما أفاده (الشهيد الأوّل).

(3) استشهاد رابع من الشيخ في نقل الكلمات الدالة على كفر القائل بهذا النوع من الربط في النجوم: من الأعلام. و قد ذكر الشيخ ما أفاده صاحب (جامع المقاصد).

ص: 306

تأثيرا في الموجودات السفلية و لو على جهة المدخلية (1) حرام.

و كذا تعلم النجوم على هذا النحو (2)، بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر نعوذ باللّه. انتهى (3).

و قال (4) شيخنا البهائي: ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية: إن زعموا أنها هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال، أو أنها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده، و علم النجوم المبتني على هذا كفر.

و على هذا (5) حمل ما ورد في الحديث عن التحذير من علم النجوم

++++++++++

(1) أي و لو على جهة الاقتضاء و المدخلية المعبر عنها بجزء العلة.

(2) و هو القسم الحرام من علم النجوم بأن يتعلم منها متى تكون تأثيراتها و أيها لها الاستقلال في التأثير، و أيها لها المدخلية فيه على نحو الاقتضاء و أي شيء يمنع عن تأثير الكواكب، فان هذا النحو من الاعتقاد في النجوم كفر باللّه العظيم و قد أمرنا بالاستعاذة منه.

(3) أي ما أفاده صاحب جامع المقاصد في هذا المقام.

(4) استشهاد خامس من الشيخ في نقل الكلمات الدالة على كفر القائل بهذا النوع من الربط في النجوم من الأعلام.

و خلاصة ما أفاده (شيخنا البهائي) في هذا المقام: أن المنجمين لو يقولون بارتباط ما يحدث في الكرة الأرضية: من الخصب و الرخاء و الرخص و الغلاء، و الشدة و الفرج، و السعة و الضيق، و العمار و الخراب و العدل و الظلم، و الظفر و الهزيمة: بالأجرام العلوية. و الكواكب السماوية على نحو العلية و المعلول، أو على نحو الاقتضاء و المدخلية فهو كفر باللّه العظيم، و شرك له.

(5) أي و على نحو العلة و المعلول، و الاقتضاء و المدخلية في ارتباط -

ص: 307

و النهي عن اعتقاد صحته. انتهى.

و قال في البحار (1): لا نزاع بين الأمة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم و الخالقة لما فيه من الحوادث و الخير و الشر فإنه يكون كافرا على الاطلاق (2)، انتهى (3).

و عنه (4) في موضع آخر أن القول بأنها علة فاعلية بالارادة (5)

++++++++++

- الحوادث السفلية بالحوادث العلوية ورد النهي عن اعتقاد الصحة في النجوم في الأحاديث الشريفة.

راجع (بحار الأنوار). الجزء 58. ص 291-292.

(1) هذا استشهاد سادس من الشيخ في نقل الكلمات الدالة على كفر القائل بهذا النوع من الربط في النجوم من الأعلام.

(2) المراد من الاطلاق هنا: هو الكفر المطلق بمعنى أن يكون الانسان كافرا بكل الشرائع و الأديان، و بتمام الأحكام، لا أنه كافر ببعضها كمن أنكر نبوة «الرسول الأعظم» صلى اللّه عليه و آله فمثل هذا لا يقال له الكافر المطلق و ان كان حكمه من حيث النجاسة، و بعض الأحكام الأخرى حكم الكافر المطلق، لكنه لا يسمى كافرا مطلقا من تمام الجهات.

(3) أي ما أفاده «العلامة المجلسي» في كتابه «بحار الأنوار» المصدر المذكور.

(4) أي عن «العلامة المجلسي» في موضع آخر من كتابه.

(5) الظاهر من تقييد العلة الفاعلية بالارادة الاختيارية: لإخراج المنجم الذي لا يعتقد بما ذكر، بل اعتقد أن اللّه عز و جل خلق الكواكب و جعل لها خواصا تكون منشأ للحوادث السفلية.

كما أنه جعل في الأدوية و العقاقير، و الأدعية و الأذكار خواصا تترتب عليها الآثار عند استعمالها و قراءتها.

ص: 308

و الاختيار و إن توقف تأثيرها على شرائط أخرى (1) كفر، و مخالفة لضرورة الدين (2).

بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة الدين على بطلان التنجيم، و القول بكفر معتقده إلى جميع علمائنا، حيث قال: قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم، و العمل بها، و بكفر من اعتقد تأثيرها، أو مدخليتها في التأثير

++++++++++

- و أعتقد أن الكواكب كالآلة الصماء بزيادة شعور و ادراك.

(1) المراد من توقف تأثير الحركات الكوكبية على شرائط اخرى: أن الحوادث السفلية المتولدة من الحركات الفلكية التي هو اقتران بعض النجوم ببعض، أو افتراق بعضها عن بعض، أو صعود بعضها، أو نزول بعضها أو تحول بعضها من برج إلى برج آخر: و إن توقفت على شرائط أخرى مثل وقوع الحوادث السفلية في الساعة الفلانية من الأسبوع الفلاني، أو وقوعها في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني، أو وقوعها في الشهر الفلاني من السنة الفلانية.

فمن يقول بأن الكواكب علة فاعلية بالارادة و الاختيار فقد كفر باللّه العظيم.

(2) القول بأن الكواكب حية مريدة مختارة مؤثرة في العالم الأرضي خطأ، لكنه لا يوجب الكفر.

اللهم إلا أن يعتقد أن الكواكب واجبة الوجود بالذات، و ليس فوقها مؤثر، أو اعتقد ان اللّه عز و جل لا يقدر على منعها من التأثير.

فمن ذهب إلى مثل هذه المقالة فهو كافر لا شك في كفره.

و الدليل على أن من اعتقد أن الكواكب حية مختارة مريدة مؤثرة لا يكون كافرا و مخالفا لضرورة الدين: أن «الشهيد الأوّل» قدس سره قال في القواعد كما حكى عنه المؤلف بقوله:

ص: 309

و ذكروا أن بطلان ذلك من ضروريات الدين، انتهى (1).

++++++++++

- و ان اعتقد أن الكواكب تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم كما يقوله أهل العدل فهو مخطئ، اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي، أو نقلي.

فالخلاصة: أن القول بكون القائل بالكيفية المذكورة مخالف لضرورة الدين كما ترى.

و لما انجر الكلام إلى هنا لا بأس بذكر أقسام العلل:

فنقول: إن العلل الموجودة في الخارج أربعة:

«الأولى»: العلة الفاعلية: و هي التي توجد الأشياء و تصنعها في الخارج كالنجار و البناء و الخياط، و بقية أرباب الحرف و الصناعات الذين هم العلة في ايجاد الكراسي و الأبواب، و الدور و الملابس مثلا بواسطة أدوات النجارة و البناية و الخياطة.

«الثانية»: العلة المادية: و هي عبارة عن مواد الأشياء الأولية التي تتركب منها الأشياء كالخشب و الطابوق، و الجص و المسمار، و الخيط و الابرة، و الحديد و السمنت و الأقمشة، و غيرها من المواد.

«الثالثة»: العلة الصورية و هي عبارة عن هيئة الأشياء التي صنعت من تلك المواد كصورة الدار و هيئتها، و هيئة الكرسي، و هيئة الملابس مثلا.

«الرابعة»: العلة الغائية: و هي عبارة عن الغاية التى صنعت لأجلها تلك الأشياء كالسكنى في الدار، و الجلوس على الكرسي، و لبس الملابس.

فهذه هي العلل الأربعة التي بوجودها توجد الأشياء في الخارج.

(1) راجع «وسائل الشيعة». الجزء 12. ص 101. الباب 24 من أبواب ما يكتسب به. في هامش عنوان الباب المشار إليه بالنجمة. -

ص: 310

بل يظهر من المحكى عن ابن أبى الحديد: (1) أن الحكم كذلك عند

++++++++++

- أليك نص عبارة صاحب الوسائل.

قد صرح علماؤنا بتحريم تعلم علم النجوم، و العمل به، و صرحوا بكفر من اعتقد بتأثير النجوم، أو مدخليتها في التأثير، و ذكروا أن بطلان ذلك من ضروريات الدين، و نقلوا الاجماع على ذلك.

فممن صرح بما ذكرناه: (الشيخ المفيد و المرتضى) في الدرر و الغرر (و الشيخ الشهيد في قواعده و دروسه، (و العلامة) في التذكرة و المنتهى و القواعد و التحرير، (و الشيخ علي) في شرح القواعد، (و الشهيد الثاني) في شرح الشرائع (و المحقق) في المعتبر (و الكراجكي) في كنز الفوائد و غيرهم، و لا يظهر منهم مخالف في ذلك على ما يحضرني. انتهى ما أفاده هناك.

(1) راجع شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد). الطبعة المصرية طباعة دار إحياء الكتب العربية. عيسى البابي الحلبي و شركاؤه. تحقيق أبو الفضل ابراهيم. الجزء السادس. ص 212-213. أليك نص عبارته:

و أما الأمور الكلية الحادثة لا بإرادة الحيوان و اختياره فقد يكون لكلامهم فيه وجه من الطريق الذي ذكرها: و هي تعلق كثير من الأحداث بحركة الشمس و القمر، إلا أن المعلوم ضرورة من دين رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إبطال حكم النجوم، و تحريم الاعتقاد بها، و النهي و الزجر عن تصديق المنجمين، و هذا معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل:

فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن، و استغنى عن الاعانة باللّه.

ثم أردف ذلك و آكده بقوله: كان يجب أن يحمد المنجم دون الباري تعالى، لأن المنجم هو الذي هدى الانسان إلى الساعة التي ينجح فيها -

ص: 311

علماء العامة أيضا، حيث قال في شرح نهج البلاغة: إن المعلوم ضرورة من الدين ابطال حكم النجوم، و تحريم الاعتقاد بها، و النهي و الزجر عن تصديق المنجمين، و هذا معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، و استغنى عن الاستعانة باللّه، انتهى.

ثم لا فرق في أكثر العبارات المذكورة (1) بين رجوع الاعتقاد المذكور إلى انكار الصانع (2) جل ذكره كما هو مذهب بعض المنجمين.

و بين تعطيله (3) تعالى عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الأجرام العلوية على وجه تتحرك على النحو المخصوص (4)، سواء قيل

++++++++++

- و صدّه عن الساعة التي يخفق و يكدي فيها فهو المحسن إليه إذا، و المحسن يستحق الحمد و الشكر.

و ليس للباري سبحانه إلى الانسان في هذا: الاحسان المخصوص شيء فوجب ألا يستحق الحمد على ظفر الانسان بطلبه.

لكن القول بذلك و التزامه كفر محض.

انتهى ما قاله (ابن أبي الحديد) في المصدر المذكور.

(1) أي عن (السيد المرتضى و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و شيخنا البهائي و صاحب الوسائل و ابن أبي الحديد) في تأثير الكواكب بنحو العلة، أو الاقتضاء.

(2) هذه هي (الفرقة الأولى) الذين هم من أشد الكفرة.

(3) هذه هي (الفرقة الثانية) الذين هم من أشد الكفرة.

لكن الفرق بينهما: أن الأولى منكرة للصانع رأسا، دون الثانية حيث إنها مقرة بوجود الصانع.

لكن مع تعطيل وجوده عن كل شيء.

(4) المراد من النحو المخصوص: دوران الأفلاك بعضها فوق بعض -

ص: 312

بقدمها (1) كما هو مذهب بعض آخر أم قيل بحدوثها (2)، و تفويض التدبير إليها كما هو المحكي عن ثالث منهم.

و بين (3) ان لا يرجع إلى شيء من ذلك: بأن يعتقد أن حركة

++++++++++

- و اقتران بعضها ببعض، و افتراق بعضها عن بعض، و صعودها و نزولها كما عرفت.

(1) أي بقدم الأجرام العلوية بمعنى أنها قديمة كوجود الخالق عز و جل.

(2) أي بحدوث هذه الأجرام، و تفويض الأمر و النهي إليها، لكن مع القول بوجود الصانع.

هذه هي (الفرقة الثالثة) الذين هم من أشد الكفرة.

(3) هذا هو الشق الثاني لعدم الفرق، أي و لا فرق أيضا في أكثر العبارات المذكورة عن علمائنا الامامية و علماء السنة كابن أبي الحديد المعتزلي في أن الاعتقاد المذكور بتأثير الكواكب لا يكون ناشئا عن إنكار الصانع بل مستلزم لوجوده فهو كافر أيضا.

لكن كفره ليس بدرجة كفر الفرق الثلاث الأوّل الذين ذكرناهم في الهامش 2-3 ص 212، و الهامش 2 من هذه الصفحة.

ثم لا يخفى عدم وجود ما أفاده الشيخ: من عدم الفرق في كفر المنجمين بين أن يرجع إلى اعتقادهم بتأثير الكواكب العلوية في الحوادث السفلية إلى انكار الصانع.

و بين عدم رجوع اعتقادهم بذلك إلى إنكاره: في عبارات العلماء التي ذكرها الشيخ في ص 304-305-306-307-308-309-312.

بل كل من صرح بكفرهم يقول: لو كان المنجم يعتقد تأثير النجوم و الكواكب العلوية في الحوادث السفلية بنحو العلة التامة، أو بنحو المدخلية فهو كافر.

ص: 313

الأفلاك تابعة لإرادة الخالق تعالى، و مجبولة على الحركة على طبق اختيار الصانع جل ذكره كالآلة (1).

أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين اختياره (2) تعالى عما يقول الظالمون.

لكن (3) ما تقدم في بعض الأخبار: من أن المنجم بمنزلة الكاهن

++++++++++

و أما اذا لم يعتقد ذلك، بل اعتقد أنها كالآلة تتحرك بحركة من هي بيده يديرها كيف شاء و متى أراد، ليس لها أي تأثير في الحوادث السفلية لا بنحو العلة التامة، و لا بنحو المدخلية و الاقتضاء، سوى زيادة الشعور و الادراك: فليس بكافر كما عرفت عند ذكر الشيخ عبارات العلماء في ص 304 و 305-306-307-308-309-312.

(1) هذه هي (الفرقة الرابعة) التي حكم بكفرها، بناء على عدم الفرق بين عبارات العلماء التي ذكرها الشيخ في كفر الفرق الثلاث الأوّل و هذه الفرقة.

و قد عرفت خلاف ذلك في ص 313 عند قولنا: و لا يخفى.

(2) هذه هي (الفرقة الخامسة) التي حكم بكفرها، بناء على عدم الفرق بين عبارات العلماء التي ذكرها الشيخ في كفر الفرق الثلاث الأوّل و هذه الفرقة.

و قد عرفت خلاف ذلك في ص 313 عند قولنا: و لا يخفى.

و جملة: تعالى عما يقول الظالمون راجعة إلى الفرق الثلاث الأوّل التى أشرنا إليها في الهامش 2-3. ص 312، و الهامش 2 ص 313.

و إلى الفرقة الرابعة و الخامسة التي أشرنا إليهما في الهامش 1-2 من هذه الصفحة

و ليست مختصة بالفرق الثلاث الاول، حيث إن الفرق الخمس بأجمعهم كافرة على ما أفاده الشيخ، إلا أن الفرقة الرابعة و الخامسة من الدرجة النازلة في الكفر.

(3) استدراك عما أفاده الشيخ في كفر المنجمين بصورة مطلقة، سواء أ كانوا من الفرق الثلاث الأوّل أم من الفرقة الرابعة و الخامسة. -

ص: 314

الذي هو بمنزلة الساحر الذي هو بمنزلة الكافر: من (1) عدا الفرق

++++++++++

- و خلاصة الاستدراك: أنه و إن قلنا بعدم الفرق في كفر المنجمين بين الفرق بأجمعهم.

لكن قول الامام (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام في (نهج البلاغة) المذكور في ص 294: و المنجم كالكاهن، و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار يخص الفرقة الرابعة و الخامسة المشار إليهما في الهامش 1-2 ص 314 دون الفرق الثلاث الأوّل، فان هذه الفرق الثلاث من أشد الكفرة، لا أنهم بمنزلة الكفرة فمن كلمة بمنزلة يستفاد الاختصاص المذكور.

و لا يخفى أن الحديث المذكور عن نهج البلاغة كما اشير إليه ورد بلفظ كالكاهن، كالساحر، كالكافر، أي بكاف التشبيه و هنا ذكره الشيخ بلفظ بمنزلة الكافر، بمنزلة الساحر فهو منقول بالمعنى.

(1) بفتح الميم موصولة و مرفوعة، بناء على أنه خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: لكن ظاهر بعض الأخبار، أي ظاهر بعض الأخبار الواردة في كفر المنجمين كما في «نهج البلاغة»: اختصاصه بالفرقة الرابعة و الخامسة كما عرفت.

و كلمة «أول»: بضم الهمزة و فتح الواو، و سكون اللام جمع أوّل بفتح الهمزة و الواو المشددة و هم الفرق الثلاث المذكورة. أليك أسماءهم:

«الفرقة الأولى»: المنجمون المنكرون لوجود الصانع الذين يقولون:

إن المؤثر في الكون هي الكواكب و النجوم لا غير بنحو العلة التامة.

«الفرقة الثانية»: المنجمون القائلون بوجود الصانع، لكنهم يقولون بتعطيل وجوده عز اسمه، و أنه لا يتصرف في الحوادث السفلية و الأوضاع الفلكية، و أنها المدبرة للأشياء، و أن الكواكب و النجوم قديمة بقدم وجوده

«الفرقة الثالثة»: المنجمون القائلون بوجود الصانع وجودا عاطلا كالفرقة الثانية، لكنهم يقولون: إن الأجرام العلوية من الكواكب و النجوم مستحدثة و ليست بقديمة كما هو قول الفرقة الثانية.

ص: 315

الثلاث الأوّل، اذ الظاهر عدم الاشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفار، لا بمنزلتهم.

و منه (1) يظهر أن ما رتبه عليه السلام على تصديق المنجم: من كونه

++++++++++

(1) أي و مما ذكرناه في الاستدراك المذكور بقولنا: لكن ما تقدم: من أن الحديث المروي في «نهج البلاغة» مختص بكفر الفرقة الرابعة و الخامسة المشار إليهما في الهامش 1-2، ص 314، لوجود كلمة بمنزلة، و لا يشمل الفرق الثلاث الأوّل، لأنهم من أشد الكفرة، لا بمنزلة الكفرة:

يظهر أنه يراد من الملازمة المذكورة في قوله عليه السلام: فمن صدقك بهذا القول فقد كذب القرآن و استغنى عن الاعانة باللّه: إبطال قول المنجمين لأن لازم تصديق قول المنجم بما يخبر تكذيب القرآن، و موجب للاستغناء عن اللّه عز و جل في جلب الخير، و دفع الشر، و التالي و هو تكذيب القرآن باطل و كذا المقدم: و هو تصديق المنجم.

فهنا قياس منطقي مركب من المقدم و التالي هكذا:

المقدم: تصديق المنجم في مقالته تكذيب القرآن، و استغناء عن اللّه

التالي: و كل تكذيب القرآن، أو الاستغناء عن اللّه باطل.

النتيجة: فتصديق المنجم في مقالته باطل.

و هذا الاستدلال و هو بطلان التالي مستلزم لبطلان المقدم: طريقة يستعمل في المحاورات العلمية لكل من يستدل على انهاء بطلان التالي إلى شيء يكون بديهي البطلان.

و هذا الشيء البديهي البطلان منشأه:

«تارة»: العقل. بمعنى أن بداهة بطلانه حكم العقل. -

ص: 316

..........

++++++++++

- «و ثانية»: الشرع. بمعنى أن بداهة بطلانه حكم الشرع.

«و ثالثة»: الحس. بمعنى أن بداهة بطلانه حكم الحس.

«و رابعة»: العادة. بمعنى أن بداهة بطلانه حكم العادة.

أما العقل فكما في قولك:

المقدم: لو لم يكن الصانع واجب الوجود لتوقف وجوده على صانع آخر، و هلم جرا فيلزم الدور، أو التسلسل.

التالي: و كل دور و تسلسل باطل بديهي البطلان.

النتيجة: فعدم كون وجود الصانع واجب الوجود باطل.

فمنشأ الحكم ببطلان عدم كون وجود الصانع واجب الوجود: العقل لانتهائه إلى ما هو بديهي البطلان و هو الدور، أو التسلسل المستلزم لبطلان المقدم.

فكما أن العقل يحكم ببطلان اجتماع النقيضين، و ارتفاعهما.

كذلك يحكم ببطلان الدور و التسلسل.

و أما الشرع فكما عرفت في قولك:

المقدم: تصديق المنجم في مقالته تكذيب للقرآن، و استغناء عن اللّه

التالي: و كل تكذيب للقرآن باطل.

النتيجة: فتصديق المنجم باطل، لانتهاء بطلان التالي إلى بطلان المقدم فالشرع يحكم هنا ببطلان التالي و هو تكذيب القرآن المستلزم لبطلان المقدم و هو تصديق قول المنجم.

و أما الحس فكما في قولك:

ص: 317

تكذيبا للقرآن، و كونه (1) موجبا للاستغناء عن الاستعانة باللّه في جلب

++++++++++

- المقدم: تصديق القائل: إن الظلام ينتشر عند بزوغ الشمس مكذب للحس، حيث إن الحس يحكم بانتشار النور عند بزوغ الشمس

التالي: و كل مكذب للحس باطل بديهي البطلان.

النتيجة: فتصديق القائل بتلك المقالة باطل.

فمنشأ الحكم ببطلان التالي الذي هو تكذيب الحس المستلزم لبطلان المقدم: و هو انتشار الظلام عند بزوغ الشمس: هو الحس، حيث إنه نرى بالحس و الوجدان أن النور ينتشر عند بزوغ الشمس، لا الظلام.

و أما العادة فكما في قولك:

المقدم: لو تحرك زيد من (كربلاء) في الساعة الخامسة من النهار لكان في (النجف الأشرف) في الساعة السابعة.

التالي: و حيث لم يكن في الساعة المقررة في (النجف الأشرف): تبين أنه لم يتحرك من كربلاء في الساعة الخامسة.

النتيجة: فعدم كونه في (النجف الأشرف) دليل على عدم تحركه من (كربلاء).

فمنشأ الحكم ببطلان التالي الذي عدم كونه في (النجف الأشرف) المستلزم لبطلان المقدم الذي هو عدم تحرك زيد من كربلاء: هي العادة المعبر عنها بالملازمة العادية.

فالخلاصة ان الحكم ببطلان التالي المستلزم لبطلان المقدم في الأمثلة الاربعة بسبب انهاء التالي إلى ما هو بديهي البطلان منشأه إما العقل، أو الشرع، أو الحس أو العادة.

و إلى هذا المنشأ أشار الشيخ بقوله: كما هي طريقة كل مستدل من انهاء بطلان التالي إلى ما هو بديهي البطلان.

(1) بالجر عطفا على مدخول (من الجارة) في قوله: من كونه -

ص: 318

الخير، و دفع الشر: يراد (1) منه ابطال قوله بكونه مستلزما لما هو في الواقع مخالف للضرورة: من تكذيب القرآن، و الاستغناء عن اللّه، كما هي طريقة كل مستدل من انهاء بطلان التالي إلى ما هو بديهي البطلان عقلا (2) أو شرعا، أو حسا، أو عادة، و لا يلزم (3) من مجرد ذلك الكفر و إنما يلزم ممن التفت إلى الملازمة و اعترف باللازم، و إلا (4) فكل من أفتى بما هو مخالف لقول اللّه واقعا إما لعدم تفطنه لقول اللّه، أو لدلالته يكون مكذبا للقرآن.

++++++++++

- تكذيبا للقرآن، أي و من كون تصديق المنجم موجبا للاستغناء عن اللّه عز و جل كما عرفت.

(1) فعل مضارع مجهول مرفوعة محلا خبر لاسم إن في قوله:

إن ما رتبه الامام، أي ما رتبه الامام من الملازمة المذكورة التي ذكرناها لك في الهامش 1 ص 316 يراد منه ابطال قول المنجم كما عرفت آنفا.

(2) و قد عرفت معنى انهاء بطلان التالي إلى شيء بديهي البطلان عقلا أو شرعا، أو حسا، أو عادة في الهامش 1 ص 316-317-318.

(3) أي و لا يلزم من مجرد تصديق المسلم المنجم: كفر المصدق لأن التصديق بما هو تصديق مجرد عن ترتب تكذيب القرآن عليه لا يكون موجبا للكفر.

نعم تصديقه للمنجم موجب للكفر لو كان المصدق بالكسر ملتفتا الى التالي الذي هو تكذيب القرآن و معترفا به.

(4) أي و إن كان مجرد تصديق المنجم موجبا لكفر المصدق من دون أن يكون المصدق ملتفتا إلى الملازمة المذكورة، و معترفا باللازم الذي هو تكذيب القرآن: يلزم أن يكون كل من أفتى بما هو مخالف لقول اللّه عز و جل في الواقع و نفس الأمر من دون أن يكون المفتي ملتفتا إلى ذلك -

ص: 319

و أما قوله صلى اللّه عليه و آله: فمن صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد صلى اللّه عليه و آله (1) فلا يدل أيضا على كفر المنجم و انما يدل على كذبه فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب (2) له.

و يدل عليه (3) عطف، أو كاهن عليه.

++++++++++

- مكذبا للقرآن. و موجبا لكفره، مع أن الأمر ليس كذلك.

اللهم إلا أن يكون المفتي ملتفتا إلى ذلك، أو يلتزم به، أي يفتي و لو كانت فتواه مخالفة لقول اللّه عز و جل.

ثم لا يخفى عليك: أن منشأ مخالفة فتوى الفقيه لقول اللّه عز و جل أحد الأمرين:

إما عدم تفطنه بذلك.

و إما عدم دلالة قول اللّه عز و جل على خلاف ما أفتى به.

و قد أفاد الأمرين الشيخ بقوله: إما لعدم تفطنه لقول اللّه، أو لدلالته و كلمة أو لدلالته معطوفة على المضاف إليه في قوله: إما لعدم تفطنه أي و إما لعدم تفطن الفقيه لدلالة قول اللّه عز و جل على خلاف ما أفتى به.

و جملة يكون في قوله: يكون مكذبا للقرآن مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: و إلا فكل من أفتى.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 104. الباب 24 من أبواب ما يكتسب به، كتاب التجارة. الحديث 11.

(2) بصيغة الفاعل و بالجر صفة للشارع. أي أن الشارع يكذب المنجم بعد تكذيب المنجم للشارع لو صدق فيما يقوله.

(3) أي و يدل على أن مجرد تصديق المنجم لا يدل على كفر المنجم و انما يدل على كذبه المستلزم هذا التصديق لتكذيب الشارع الأعظم صلى اللّه عليه و آله: عطف الكاهن على المنجم في قوله: من صدق منجما -

ص: 320

و بالجملة فلم يظهر من الروايات (1) تكفير المنجم بالمعنى الذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة (2) كفرا حقيقيا، فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجم إلى ملاحظة مطابقته لأحد موجبات الكفر من (3) انكار الصانع، أو غيره مما علم من الدين بديهة.

و لعله (4) لذا اقتصر الشهيد فيما تقدم من القواعد في تكفير المنجم على من يعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم، و موجدة له، و لم يكفر

++++++++++

- أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد صلى اللّه عليه و آله، حيث إن الكاهن ليس بكافر، إذ رب كاهن يكون مؤمنا كالكاهن الذي اخبر بمقدم (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله. فحكم المعطوف عليه و هو المنجم حكم المعطوف و هو الكاهن.

(1) المشار إليها في ص 293 إلى 299.

(2) أي في المقام الرابع من مسألة التنجيم في قوله: الرابع اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات.

و الربط يتصور على وجوه:

الأوّل: الاستقلال في التأثير.

(3) من بيانية لاحد موجبات الكفر.

أي موجبات الكفر عبارة عن انكار الصانع، أو غير ذلك.

كما لو أنكر ضروريا من ضروريات الدين.

(4) أي و لعل لأجل أن الواجب علينا في المنجم: الرجوع إلى ما يعتقده فان كان ما يعتقده موجبا لانكار الصانع، أو ضروري من ضروريات الدين فكافر، و إلا فلا: اقتصر (الشهيد الاول) في قواعده في تكفير المنجم: على من يعتقد أن الكواكب مدبّر لهذا العالم بقوله: كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له فلا ريب أنه كافر.

ص: 321

غير هذا الصنف كما سيجيء تتمة كلامه السابق (1).

و لا شك (2) أن هذا الاعتقاد انكار اما للصانع، و إما لما هو ضروري الدين من فعله تعالى: و هو ايجاد العالم و تدبيره.

بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم في الأوّل (3).

قال السيد (4) شارح النخبة: إن المنجم من يقول بقدم الافلاك و النجوم، و لا يقولون بمفلك (5)، و لا خالق، و هم فرقة من الطبيعيين

++++++++++

(1) في قوله الآتي في ص 331: و ان اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم فهو مخطئ، اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي أو نقلي.

(2) هذا كلام (شيخنا الانصاري) أي و لا شك في أن من اعتقد أن المدبر لهذا العالم هي الكواكب منكر للصانع، أو لضروري من ضروريات الدين و إن كان يقر و يعترف بوجود الصانع و انه الخالق للكون إلا أن المؤثر في الاوضاع السفلية هي الكواكب فهذا الاعتقاد مخالف للضرورة.

(3) أي التنجيم صار علما في اصطلاح بعض الفقهاء في الاول:

و هو انكار الصانع فاذا قيل: المنجم يراد منه منكر الصانع.

(4) و المراد به «السيد عبد اللّه» حفيد المحدث «السيد نعمة اللّه الجزائري» رحمهما اللّه يأتي شرح حياته في أعلام المكاسب.

و النخبة للمحدث الجليل «المولى فيض الكاشاني» يأتي شرح حياته في أعلام المكاسب.

(5) بضم الميم و فتح الفاء. و كسر اللام المشددة على صيغة الفاعل و زان معلم مدرس: هو صانع الفلك، أي لا يعترفون بوجود صانع لهذه الافلاك و العوالم.

ص: 322

يستمطرون بالأنواء (1)، معدودون من فرق الكفر،

++++++++++

(1) بفتح الهمزة و سكون النون: جمع نوء بفتح النون و سكون الواو و هي النجوم هنا، أي يطلبون المطر من النجوم التي لها تأثير في الأوضاع السفلية حسب زعمهم و اعتقادهم.

قال (شيخنا الصدوق): أخبرني محمد بن هارون الزنجاني عن علي ابن عبد العزيز عن أبي عبيد أنه قال: سمعت من عدة من أهل العلم يقولون: إن الأنواء ثمانية و عشرون نجما معروفة المطالع في السنة كلها:

من الصيف و الشتاء، و الربيع و الخريف يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، و مطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته و كلاهما معلوم مسمى.

و انقضاء هذه الثمانية و العشرين كلها مع انقضاء السنة، ثم يرجع الأمر إلى النجم الأوّل مع استيناف السنة المقابلة.

و كانت العرب في الجاهلية اذا سقط منها نجم و طلع آخر قالوا:

لا بد أن يكون عند ذلك رياح و مطر فينسبون كل غيث إلى ذلك النجم الذي يسقط فحينئذ يقولون: مطرنا بنوء الثريا و الدّبران(1) و السماك(2)و ما كان من هذه النجوم فهذه هي الأنواء واحدها نوء.

و إنما سمي نوء، لأنه اذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق بالطلوع و هو ينوء نوء، و ذلك النهوض هو النوء فسمي النجم به.

و كذلك كل ناهض ينتقل بابطاء فانه ينوء عند نهوضه.

قال اللّه تعالى: «لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي اَلْقُوَّةِ » (3). -

ص: 323


1- بفتح الدال و الباء: منزل للقمر و هو يشتمل على خمسة كواكب في برج الثور
2- بكسر السين علم لكوكب نير يقال له: سماك الرامح، لان امامه كوكبا صغيرا يقال له: راية السماك و رمحه.
3- القصص: الآية 75.

في مسفورات (1) الخاصة و العامة، يعتقدون في الانسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا فاذا مات بطل و اضمحل، و ينكرون جميع الأصول الخمسة (2)، انتهى (3).

ثم قال (4) رحمه اللّه: و أما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع (5) السيارات، و ربما يتخرصون عليها باحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الأقدمين، مع صحة عقائدهم الاسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد، انتهى (6).

أقول (7) فيه مضافا إلى عدم انحصار الكفار من المنجمين فيمن ذكر، بل هم على فرق ثلاث كما أشرنا إليه.

++++++++++

راجع سفينة البحار. الجزء 2. ص 614. عند كلمة نوء.

(1) بصيغة المفعول جمع سفر بكسر السين و سكون الفاء.

و هي الكتب. يقال: مسفور مكتوب أي كتاب مكتوب.

(2) و هو التوحيد و العدل و النبوة و الامامة و المعاد.

(3) أي ما أفاده (السيد عبد اللّه الجزائري) في هذا المقام.

(4) أي (السيد عبد اللّه الجزائري).

(5) أي بعض أوضاع الكواكب السيارة كحركاتها و اتصالاتها و صعودها و نزولها، و اقترانها و انفصالها.

(6) أي ما أفاده (السيد عبد اللّه الجزائري) في هذا المقام ثانيا.

(7) من هنا بداية ايراد الشيخ على مقالة السيد عبد اللّه الجزائري و خلاصة الايراد: أن الكفار من المنجمين ليسوا منحصرين في القسم الّذي ذكره بقوله: إن المنجم من يقول بقدم الأفلاك و النجوم، و لا يقولون بمفلك، و لا خالق و هم فرقة من الطبيعيين إلى آخر قوله.

بل الكفار منهم هم الفرق الثلاث الذين ذكرناهم و أشرنا إليهم -

ص: 324

و سيجيء التصريح به (1) من البحار في مسألة السحر: أن النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم، و بطلانه: هو المعنى الذي ذكره أخيرا (2).

و كما عرفت في جامع المقاصد (3).

++++++++++

- في الهامش 2-3 ص 312، و الهامش 2 ص 313 فالقسم الأوّل لا شك في كفرهم و لا شك في خروجهم عن محل النزاع و حريمه.

بل النزاع بين الفقهاء في القسم الثاني من المنجمين الذين ذكرهم السيد عبد اللّه الجزائري بقوله:

و أما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات، و ربما يتخرصون عليها بأحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الأقدمين، مع صحة عقائدهم الاسلامية إلى آخر ما ذكره، فإن هذا القسم من المنجمين الذين تصح عقائدهم الاسلامية وقع محل النزاع، و معركة الآراء بين فقهاء المسلمين في أنهم كفار أم لا، لا القسم الأوّل.

و قد صرح (العلامة المجلسي) كما في البحار بان الكفار من المنجمين ليسوا منحصرين في القسم الأوّل، بل هم فرق ثلاث كما ذكرناهم في الهامش 2-3 ص 312، و الهامش 2 ص 313.

(1) أي بعدم انحصار كفار المنجمين في القسم الذي ذكره (السيد عبد اللّه الجزائري).

(2) أي ذكره (السيد عبد اللّه الجزائري) أخيرا بقوله: و أما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات إلى آخر ما ذكره و ليس محل النزاع الفرق الثلاث الأوّل، فانهم خارجون عن حريم النزاع، لأنهم من أشد الكفرة.

(3) أي عرفت في قول جامع المقاصد: من أن الكفار غير منحصرين -

ص: 325

و المطاعن الواردة في الأخبار المتقدمة (1)، و غيرها كلها أو جلها على هؤلاء (2)، دون المنجم بالمعنى الذي ذكره أولا (3).

و ملخص الكلام أن ما ورد فيهم من المطاعن (4) لا صراحة فيها بكفرهم، بل ظاهر ما عرفت خلافه (5).

++++++++++

- في القسم الذي ذكره (السيد عبد اللّه الجزائري).

أليك نص عبارته كما نقلها عنه الشيخ في ص 307.

و أعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية و لو على جهة المدخلية حرام. (أي على جهة الاقتضاء و جزء العلة).

و كذا تعلم النجوم على هذا النحو، بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر نعوذ باللّه.

فعبارة جامع المقاصد صريحة في عدم انحصار كفار المنجمين بالقسم الأوّل في كلام (السيد عبد اللّه الجزائري).

(1) و هي المشار إليها في ص 293 إلى 299.

(2) و هم المنجمون من القسم الثاني الذي ذكره السيد عبد اللّه الجزائري بقوله: و أما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات إلى آخر قوله.

(3) أي ذكره (السيد عبد اللّه الجزائري) أولا بقوله: إن المنجم من يقول بقدم الأفلاك و النجوم، و لا يقولون بمفلك إلى آخره، فان هذا خارج عن محل النزاع و حريمه.

(4) أي ما ورد في الأخبار المشار إليها في ص 293 إلى 299:

من المطاعن في حق المنجمين هو القسم الثاني في قول (السيد عبد اللّه الجزائري) لا القسم الأوّل، حيث إن القسم الاول من أشد الكفرة.

(5) عند قول (شيخنا الأنصاري) في ص 321: (و بالجملة فلم يظهر -

ص: 326

و يؤيده ما رواه في البحار عن محمد و هارون ابني سهل (1) النوبختي أنهما كتبا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام نحن ولد (2) نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا أليك هل يحل النظر فيها (3)؟ فكتب نعم و المنجمون (4)

++++++++++

- من الروايات): تكفير المنجم بالمعنى الذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة حيث إن مولانا (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام قال:

فانها تدعو إلى الكهانة، و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر، و الكافر في النار، و لم يقل عليه السلام: المنجم كافر.

و كذا قول (الامام الصادق) عليه السلام: إن المنجم ملعون عام لا يدل على كفره كفرا حقيقيا.

و قد أشرنا إلى الحديث في ص 293.

(1) و لا يخفى أن المذكور في كتب الرجال و الأحاديث (أبو سهل ابن نوبخت) و كل من ذكر الرجل ذكره مصدرا بالكنية. و كأنه سقطت هنا كلمة أبي عن سهل في الكتب الموجودة بايدينا.

(2) بضم الواو و سكون اللام جمع ولد بفتح الواو و اللام، و هو أعم من الذكر و الأنثى، لأن المراد منه: المولود.

و كلمة ولد هنا مرفوعة على الخبرية للمبتدإ المتقدم و هو نحن.

و (نوبخت) كلمة فارسية بحتة مركبة من كلمتين. و هما:

(نو) بمعنى الجديد.

(و بخت) بمعنى الحظ، أي الحظ الجديد. و يأتي شرح حياة (بني نوبخت) في (أعلام المكاسب).

(3) أي في النجوم المتصيد من كلمة المنجم في قول (محمد و هارون ابني نوبخت): نحن ولد نوبخت المنجم.

(4) هذه الجملة: و المنجمون يختلفون ليست من قول الامام عليه السلام

ص: 327

يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقولون: إن الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر إلى ان قال (1): فكتب عليه السلام: نعم ما لم يخرج من التوحيد،

الثاني أنها تفعل الآثار، المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم

الثاني (2) أنها تفعل الآثار،

++++++++++

- بل هي من كلام ابني نوبخت، و الواو في و المنجمون حالية و الجملة في محل النصب على أن تكون حالية، أي و الحال أن المنجمين مختلفون في تفسير الأفلاك.

(1) أي (العلامة المجلسي) قال:

فكتب عليه السلام: نعم يجوز للانسان تعلم علم النجوم اذا لم يكن تعلمه موجبا لخروجه عن الدين.

راجع (بحار الأنوار). الطبعة الحديثة. الجزء 58. ص 250 الحديث 36.

و للحديث صلة أليك نصها:

معلق بالسماء و هو دون السماء، و هو الذي يدور بالنجوم و الشمس و القمر و السماء، فانها لا تتحرك و لا تدور، و يقولون: دوران الفلك تحت الأرض، و أن الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض، و تغيب في المغرب تحت الأرض، و تطلع بالغداة من المشرق.

ثم إن المراد من الخروج عن التوحيد: هو القول بأن الأفلاك و النجوم علة تامة للآثار و الحوادث، أو لها مدخلية بنحو الاقتضاء، بناء على أنها جزء العلة.

(2) أي الوجه الثاني من الوجوه المتصورة في اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات: أن النجوم.

ص: 328

المنسوبة إليها (1) و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم كما يقوله بعضهم على ما ذكره العلامة و غيره.

قال العلامة في محكي شرح فص الياقوت: اختلف قول المنجمين على قولين:

أحدهما: قول من يقول: انها حية مختارة.

الثاني: قول من يقول: انها موجبة (2). و القولان باطلان.

و قد تقدم عن المجلسي رحمه اللّه أن القول بكونها فاعلة بالارادة و الاختيار و إن توقف تأثيرها على شرائط أخر (3) كفر و هو (4) ظاهر

++++++++++

- خلاصة هذا الوجه: أن للنجوم اختيارا و إرادة عين إرادة اللّه و اختياره و أنها فاعلة باشاءته و كلما تصدر منها فهي صادرة عن أمره، فهي كالآلة الا أنها ذات شعور، و ان الآثار من الكسوف و الخسوف، و الرخاء و الغلاء، و الحر و البرد، و غير ذلك من فعلها.

لكن بإرادة من اللّه عز و جل و اشاءته فهو المعطي لهذه النجوم و الافلاك هذه القوة و الفعالية و هو المؤثر الأعظم.

و ليس المعنى أن النجوم و الأفلاك لها المدخلية بنحو العلة الناقصة في التأثير حتى تكون شريكة مع اللّه كما يمكن أن يستفاد هذا المعنى من قول شيخنا الشهيد: و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم، حيث إن كلمة الأعظم أفعل تفضيل.

(1) مرجع الضمير: النجوم كما أنها المرجع في قوله: أنها.

و الواو في و اللّه الأعظم حالية.

(2) أي مقتضية لوجود تلك الآثار.

(3) مضى شرح كلام (شيخنا العلامة المجلسي) في ص 308-309.

(4) أي الكفر المذكور بهذه الكيفية: و هو أن الكواكب فاعلة -

ص: 329

أكثر العبارات المتقدمة.

و لعل وجهه (1) أن نسبة الأفعال التي دلت على ضرورة الدين على استنادها الى اللّه تعالى كالخلق و الرزق، و الاحياء و الاماتة، و غيرها (2) الى غيره تعالى: مخالف لضرورة الدين.

لكن ظاهر (3) شيخنا الشهيد في القواعد العدم، فانه بعد ما ذكر الكلام الذي نقلناه منه سابقا.

++++++++++

- بالارادة و الاختيار من عندها: ظاهر أكثر العبارات المتقدمة عن (السيد المرتضى و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و شيخنا البهائي) أعلى اللّه مقامهم.

(1) أي و لعل وجه كفر من اعتقد بالاعتقاد الذي ذكره (شيخنا العلامة المجلسي).

(2) أي و استناد غير الافعال التي دلت ضرورة الدين على استنادها الى اللّه تعالى: الى غيره تعالى.

(3) استدراك عما أفاده الشيخ آنفا نقلا عن (العلامة المجلسي) من كفر من اعتقد أن الكواكب علة فاعلية بالارادة و الاختيار و ان توقف تأثيرها على شرائط أخرى.

و خلاصة الاستدراك: أن (الشهيد الأوّل) بعد أن قال: كل من اعتقد في الكواكب انها مدبرة لهذا العالم، و موجدة له فلا ريب أنه كافر: أفاد ثانيا أن الانسان لو اعتقد ان الكواكب تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم فهو مخطئ، اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي، أو نقلي.

فظاهر هذا الكلام عدم القول بكفر هؤلاء الذين ينسبون الآثار الواقعة في الخارج إلى الكواكب.

مع قولهم: إن المؤثر الاعظم هو اللّه سبحانه و تعالى، و ان كانوا -

ص: 330

قال: و ان اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم فهو مخطئ، إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي أو نقلي. انتهى.

و ظاهره (1) أن عدم القول بذلك، لعدم المقتضي له و هو الدليل، لا لوجود المانع منه: و هو انعقاد الضرورة على خلافه فهو ممكن غير معلوم الوقوع.

و لعل وجهه (2) أن الضروري عدم نسبة تلك الأفعال إلى فاعل

++++++++++

- مخطئين في مقالتهم هذه، حيث لا حياة لهذه الكواكب ثابتة، لعدم دليل عقلي، أو نقلي على ذلك.

(1) أي و ظاهر كلام (الشهيد الاول) في قوله: و ان اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه هو المؤثر الاعظم إلى آخر قوله: أن عدم القول بثبوت حياة للكواكب، و أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم: لأجل عدم المقتضي الذي هو الدليل الخارجي على ذلك ليس إلا، لا لأجل وجود المانع على ذلك: و هو قيام الضرورة و انعقادها على خلاف ذلك: بأن يقال: قامت الضرورة و انعقدت على أن الكواكب ليس لها أي تأثير في الأوضاع السفلية، اذ القول بكون الكواكب تفعل الآثار المنسوبة إليها، و أنها ذات حياة و اختيار، و أن اللّه تعالى هو المؤثر الأعظم أمر ممكن ذاتا، لكن غير معلوم الوقوع.

(2) أي و لعل وجه إمكان هذا القول و هي نسبة وقوع الآثار الى الكواكب مع القول بأن اللّه تعالى هو المؤثر الأعظم: أن الثابت و من الضروري عدم نسبة تلك الآثار و الأفعال إلى فاعل مختار بالاختيار الاستقلالي المغاير لاختيار اللّه تعالى.

و بعبارة أخرى أن الضرورة قائمة على بطلان نسبة الافعال إلى فاعل -

ص: 331

مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار اللّه كما هو (1) ظاهر قول المفوضة.

++++++++++

- مستقل بالاختيار يغاير اختيار اللّه عز و جل كما هو مذهب المفوضة من اليهود و من يقول بمقالتهم، حيث يقولون: إن اللّه فوض تدبير خلقه إلى مخلوقه و سلب القدرة عن نفسه و أعطاها لغيره. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

و أما نسبة الآثار الواقعة في الحوادث السفلية إلى فاعل مختار غير مستقل في اختياره لا يخالف اختيار اللّه عز و جل، و ان حكم هذا الفاعل المختار الذي هي الكواكب حكم الآلة الصامتة، لكن بالإضافة إلى زيادة الشعور و قيام الاختبار به، حيث ان الآلة ليست لها هذه الزيادة، بخلاف الكواكب فلها هذه الزيادة: فلم تقم الضرورة على خلافها، و لا على بطلانها فان من ينسب وقوع الآثار إلى الكواكب الحية المختارة لا يقول باستقلالها في اختيارها و ارادتها.

بل يقول: إن اختيارها عين اختيار اللّه عز و جل و مشيته و ارادته بحيث يصدق أن ما يقع في الخارج فعل الكواكب و فعل اللّه تعالى.

(1) أي نسبة الأفعال و الآثار إلى فاعل مختار مستقل بالارادة هو مذهب المفوضة.

و قد عرفت شرح هذه العبارة عند قولنا: كما هو مذهب المفوضة من اليهود و من يقول بمقالتهم.

ثم لا يخفى أن تشبيه الكواكب و النجوم بالآلة في قوله: حتى يكون كالآلة ليس من تمام الجهات حتى من ناحية عدم اختيار و إرادة للكواكب من نفسها.

بل التشبيه من بعض الجهات، و هو عدم الاستقلال و الاختيار للكواكب.

و أما الاختيار و الإرادة بإرادة اللّه و اختياره عز و جل فثابت للكواكب. -

ص: 332

أما استنادها (1) الى الفاعل بإرادة اللّه المختار (2) بعين مشيّته و اختياره حتى يكون كالآلة بزيادة الشعور (3) و قيام الاختيار به بحيث

++++++++++

- إذا فلا مانع من استناد تلك الآثار إلى الكواكب مع أن المؤثر الأعظم هو اللّه تعالى، كما تسند الأفعال الصادرة من الانسان إليه، مع أن مصدر الأفعال هو اللّه تعالى شأنه.

فيصح أن يقال: إن هذه الآثار في الحوادث السفلية من فعل الكواكب، لأنها قائمة بها، و من فعل اللّه تعالى، لأنه المصدر الحقيقي لها و الفاعل في ايجادها كما عرفت في ص 332 عند قولنا: و أما نسبة الآثار الواقعة في الحوادث السفلية إلى فاعل مختار غير مستقل.

(1) أي استناده هذه الآثار و نسبتها إلى الفاعل المختار.

و قد عرفت شرح هذه العبارة عند قولنا: و أما نسبة الآثار الواقعة في الحوادث السفلية في ص 332.

ثم لا يخفى عليك أن المعجزات الصادرة عن (الأنبياء و الأئمة الهداة المعصومين) صلوات اللّه عليهم أجمعين من هذا القبيل، فان ما يختارونه في بعض المقامات بالمناسبات و الاقتضاءات الوقتية و الزمنية: عين اختيار اللّه عز و جل و ارادته و مشيته، و لا يكون اختيارهم مغايرا لاختيار اللّه تعالى، أو بدون ارادته و اشاءته.

و كيف يمكن القول بذلك و هم صنائع اللّه و عباده لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون، الا انهم عباد مكرمون.

(2) بالجر صفة لكلمة الفاعل في قوله: أما استنادها إلى الفاعل و ليست صفة لكلمة اللّه في قوله: بإرادة اللّه.

(3) هذان القيدان: بزيادة الشعور. و قيام الاختيار به راجعان -

ص: 333

يصدق أنه فعله و فعل اللّه: فلا (1)، إذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل إلى اللّه تعالى على وجه الحقيقة، لا (2) اثباته لغيره أيضا بحيث يصدق أنه فعله.

نعم ما ذكره الشهيد رحمه اللّه من عدم الدليل (3) عليه حق، فالقول به (4) تخرص، و نسبة فعل اللّه إلى غيره بلا دليل و هو قبيح.

++++++++++

- الى الفاعل المختار المراد به الكواكب في قوله: أما استنادها إلى الفاعل بإرادة اللّه المختار.

(1) جواب لقوله: و أما استنادها إلى الفاعل المختار، أي استناد الآثار الواقعة في الحوادث السفلية إلى الكواكب بالمعنى الذي ذكرناه لها آنفا لا مانع لهذا الاستناد و النسبة، لعدم وجود مانع هنا كما عرفت في ص 332.

(2) أي و ليس اثبات الفعل لغير اللّه مع اثباته للباري، و أنه المؤثر الأعظم مخالفا لضروري الدين، فالمخالف للضرورة كما عرفت في الهامش 2 ص 331-332 هي نسبة الفعل إلى الغير فقط من دون نسبته إلى اللّه تعالى.

(3) أي ما ذكره (الشهيد الأوّل) من عدم وجود الدليل العقلي و النقلي على وجود اختيار و إرادة للكواكب و النجوم، مع أن المؤثر الحقيقى هو اللّه عز و جل كما عرفت في ص 331 عند قوله: و ان اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها.

(4) أي القول بان الكواكب هي التي توجد الحوادث السفلية بأمر اللّه تعالى، لكن اللّه هو المؤثر الأعظم: تخرص بالغيب، أو لازمه نسبة هذا الأثر الذي هو فعل اللّه عز و جل إلى الغير: و هي النجوم و الكواكب مع أنه ليس لهذا القول، و لهذه النسبة دليل عقلي أو نقلي.

و كلمة تخرص مصدر من باب التفعل من تخرص يتخرص تخرصا. -

ص: 334

و ما ذكره قدس سره كان مأخذه ما في الاحتجاج (1) عن هشام ابن الحكم قال: سأل الزنديق أبا عبد الله عليه السلام فقال: ما تقول فيمن يزعم ان هذا التدبير الّذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة (2)

قال عليه السلام: يحتاجون (3) الي دليل أن هذا العالم الأكبر

++++++++++

- معناه: الافتراء الرجم بالغيب و خلاف الواقع

راجع مصادر اللغة مادة (خرص)

(1) راجع الاحتجاج طباعة (النجف الأشرف) مطبعة النعمان عام الطباعة 1384. الجزء 2. من ص 72 إلى ص 100.

و الحديث طويل مشتمل على فوائد جمة يسأل الزنديق المصرى عن (الامام الصادق) عليه السلام عن أشياء كثيرة و الامام عليه السلام يجيب عنها:

و من جملة الاسئلة: ما ذكره (شيخنا الأعظم) في هذين السطرين مع اختلاف يسير في بعض الكلمات مع المصدر تركنا ذكره و أوكلنا أمره الى القارئ النبيل.

(2) و هي الشمس و القمر، و زحل و المريخ و المشترى و عطارد و الزهرة بناء على رأى القدماء.

(3) الفاعل في يحتاجون كلمة (من الموصولة) في قول السائل:

ما تقول فيمن يزعم، و هي موضوعة للعموم، أى هؤلاء الذين يزعمون أن تدبير العالم تدبير النجوم: يحتاجون إلى دليل لأنهم في مقام الإثبات

و جملة أن مع اسمها و خبرها في محل الجر، بناء على أنها مضاف إليه لكلمة دليل.

و المراد من العالم الاكبر: العالم العلوي بما فيه من ألوف العوالم كما قال (الامام الباقر) عليه السلام: -

ص: 335

و العالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك (1)، و تدور حيث دارت متبعة (2) لا تفتر، و سائرة لا تقف.

++++++++++

- «لعلك ترى أن اللّه عز و جل إنما خلق هذا العالم الواحد، و ترى أن اللّه عز و جل لم يخلق بشرا غيركم، بل و اللّه لقد خلق تبارك و تعالى ألف ألف عالم، و ألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم، و أولئك الآدميين».

راجع خصال (الشيخ الصدوق). ص 615. الحديث 54. طباعة (النجف الأشرف). منشورات المطبعة الحيدرية. عام 1391.

و المراد من ألف ألف عالم مليون عالم.

كما ان المراد من ألف ألف آدم مليون آدم.

أيها القارئ الكريم، و المثقف النبيل المفتخر باكتشاف الغربيين حيث تقول: إن الغربيين قد اكتشفوا بحفرياتهم و أجهزتهم العلمية الأخيرة:

أن هناك جماجم من البشر، و عظاما من الحيوانات تدل على أنها ترجع الى ملايين من السنين، و أن هناك عوالم غير هذا العالم المرئي.

هذا إمامنا الخامس عليه السلام من (أئمة أهل البيت) عليهم السلام قد أخبر عن تلك العوالم، و عن أولئك الآدميين قبل ثلاثة عشر قرنا و قبل أن يشرف علماء الغرب ساحة الوجود!!.

و كم (لأئمة أهل البيت) عليهم السلام من هذه التنبؤات في أحاديثهم الشريفة المروية عنهم في كتب الأحاديث فراجع كي تستفيد من هذه الكنوز و التراث الخالد.

(1) بضم الفاء و سكون اللام جمع ملك بفتح الفاء و اللام: و هي المدارات حول الشمس.

(2) في المصدر متعبة بتقديم التاء على العين فهي بصيغة المفعول -

ص: 336

ثم قال: و ان كل نجم منها موكّل (1) مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال (2) الى آخر الخبر.

++++++++++

- من أتعب يتعب إتعابا من باب الافعال، أي الكواكب تكون في تعب دائم، و مع ذلك لا تفتر عن دورانها و سيرها.

و اطلاق التعب على الكواكب مجاز، لانها لا تحس بالالم حتى تتعب و التعب فرع الاحساس إلا على القول بأنها حية.

و في بعض (نسخ المكاسب) متبعة بتقديم الباء على العين و هي بصيغة المفعول أيضا من اتبع يتبع اتباعا، بمعنى الاتباع، أي يتبع الباري عز و جل بعضها ببعض.

و في أغلب نسخ المكاسب (سبعة).

و كلمة تفتر فعل مضارع من فتر يفتر فتورا وزان قعد يقعد قعودا و جلس يجلس جلوسا.

أي لا تضعف، و لا تكل هذه الكواكب من الحركة، و السير و الدوران. فسبحان الخالق لها.

(1) بصيغة المفعول.

و المدبر بصيغة الفاعل، و المعنى: أن هذه الأفلاك و الأنجم التي أودع اللّه العزيز فيها القوى القاهرة الجبارة موكّلة من قبله جل و علا لتدبر شئون هذه العوالم العلوية و السفلية، أي لكل نجم من النجوم قوى قاهرة و كلّها اللّه عز و جل فيها.

و يمكن أن يكون المراد من الموكل و المدبر: الملائكة المستحفظين لهذه العوالم.

(2) أي لا تدور و لا تسير من برج إلى برج. -

ص: 337

و الظاهر أن قوله: بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين يعني في حركاتهم لا أنهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم (1) فهي مدبرة (2) باختياره المنبعث عن أمر اللّه تعالى.

نعم (3) ذكر المحدث الكاشاني في الوافي،

++++++++++

يقصد الامام عليه السلام بذلك أن الحادث لا يمكن أن يكون مدبرا للكون، لأنه مخلوق و المدبر لا بدّ و أن يكون أزليا، و تغير الكواكب من حال إلى حال، و من برج إلى برج يمنع أزليتها فهو دليل على حدوثها

(1) كما قالت المفوضة من اليهود: إن اللّه عز و جل فوض تدبير الكون إلى الكواكب، و سلب القدرة عن نفسه و أعطاها لها.

(2) بصيغة الفاعل. و الفاء هنا تفسير للمنفي و هو تدبير العالم، لا للنفي و هو قوله: لا انهم مأمورون: و المعنى: أنه ليست الكواكب التي هي بمنزلة العبيد مأمورين في تدبير العالم باختيارهم المنبعث ذلك التدبير عن أمر اللّه تعالى

و يحتمل أن تكون الفاء تفريعا على النفي و هو قوله: لا أنهم مأمورون و المعنى: أن هذه الكواكب مع أنها ليست مدبرة للعالم فهي التي تدبر باختيار اللّه تعالى.

و كلمة المنبعث في قوله: فهي مدبرة باختيارها المنبعث صفة للتدبير أي التدبير المنعوت بأمر اللّه.

(3) استدراك عما أفاده (الشيخ الأنصاري) من نفي الاختيار و التدبير للكواكب لا بنحو الاستقلال، و لا بنحو الآلية.

و خلاصته: أن الشيخ (الفيض الكاشاني) قائل بنوع من التدبير و الاختيار للكواكب لا بالاستقلال.

و ليس (الشيخ الأنصاري) هو القائل بذلك حتى يكون استدراكه عن نفي التدبير و الاختيار للكواكب.

ص: 338

في توجيه البداء (1) كلاما.

++++++++++

(1) لقد سجل (شيخنا الأنصاري) كلمة (البداء) و هو يبحث عن موضوع التنجيم عارضا مذهب (المحقق الكاشاني) في البداء: و هو ثبوت الحياة و العلم و الإرادة في النجوم و الأفلاك و الكرات.

راجع الجزء الأوّل من المجلد الأوّل من الكافي. ص 112.

و قد اكتفى (شيخنا الأنصاري) بتسجيل لفظ البداء دون أن يفسرها نظرا لخروجها عن موضوع بحثه: و هي مسألة التنجيم.

و لما كان موضوع البداء موردا للنقض و النقد على (الطائفة الامامية) القائلين به، لذلك كان يلزمنا الإلمام به، درء للحملات. العنيفة القاسية التي شنتها و لا تزال الأقلام على (الشيعة الامامية) في موضوع البداء.

و قد كتبنا حول البداء من شتى جوانبه و أسهبنا الكلام فيه.

لكن ذكره في هذه التعليقة موجب للخروج عن الموضوع، فلذلك أفردناه في رسالة مستقلة عرضناها للطبع و ستقف عليها إن شاء اللّه.

فنذكر هنا موجز القول فيه:

فنقول: بداء بالمد مصدر لفعل ثلاثي مجرد: و هو بدا مضارعه يبدو.

و معناه: الظهور و الابانة يقال: بدا لزيد الأمر الفلاني أي ظهر له و بان بعد أن كان مستورا و مجهولا.

و منه قوله تعالى: «وَ بَدٰا لَهُمْ سَيِّئٰاتُ مٰا كَسَبُوا» أي ظهر لهم جزاء كسبهم.

و قوله تعالى: «وَ بَدٰا لَهُمْ مِنَ اَللّٰهِ مٰا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ » أي ظهر لهم من أفعال اللّه تعالى ما لم يكن في حسبانهم.

و منه قول الشاعر:

بدا لي منها معصم حين جمّرت *** و كف خضيب زينت ببنان

-

ص: 339

..........

++++++++++

- فالبداء في الانسان أن يبدو له رأي في الشيء بعد أن لم يكن له ذلك الرأي سابقا، و ذلك بان يتبدل عزمه في العمل الذي يريد القيام به و يقدم عليه، حيث يحدث له رأي جديد بغير رأيه السابق و علمه به فيبدو له تركه بعد أن كان بانيا على فعله و ايجاده.

أو يبدو له فعله بعد أن يريد تركه، و ذلك لجهله بالمصالح و المفاسد التي وصل إليهما بعدا.

و البداء بهذا المعنى يستحيل في ذاته المقدسة، و لا طريق إلى وجوده المقدس تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

و (الشيعة الامامية) تتبرأ من القول بالبداء بهذا المعنى كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.

و هكذا ائمتهم (أئمة أهل البيت) عليهم السلام يتبرءون منه، لتعلق علم اللّه جل اسمه بالأشياء كلها منذ الأزل، و أن الأشياء برمتها يكون لها تعين علمي في علم اللّه الأزلي، لأن اللّه تبارك و تعالى عالم بذاته المقدسة التي هي علة العلل، و مادة المواد، و العلم بالعلة مستلزم للعلم بالمعلول و هي الموجودات بأسرها.

و على هذا البناء تصح مقالة الفيلسوف الخالد (المحقق الطوسي) قدس سره حيث قال: إن صفحة الأعيان بالنسبة إلى اللّه تعالى كصفحة الأذهان بالنسبة إلى النفس الناطقة.

فكما أن النفس الناطقة عالمة بجميع الصور الذهنية، لأنها مخلوقات لها.

كذلك صفحة الأعيان بالنسبة إلى اللّه تعالى فهي مخلوقة له، و لهذا يكون علمه تعالى بالموجودات حضوريا، لا حصوليا.

و العلم الحضوري عبارة عن انكشاف الشيء لدى العالم بحقيقته و ذاته -

ص: 340

..........

++++++++++

- لا بصورته و نفسه، فاللّه تبارك و تعالى عالم بجميع الأشياء.

و هذا هو المعنى و المقصود بقوله تعالى: «لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ علمه مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ » .

فالبداء بالمعنى المذكور تتبرأ منه (الشيعة الامامية).

و كذا أئمتهم (أئمة أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام.

قال (إمامنا الصادق) عليه السلام: من زعم ان اللّه تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر باللّه العظيم(1).

و قال عليه السلام: من زعم أن اللّه عز و جل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرءوا منه(2).

و قال عليه السلام: ما بدا للّه في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له(3).

فالبداء الواقع هو البداء المتعلق بالتكوينيات كالنسخ المتعلق بالتشريعيات.

فكما أن النسخ جائز، كذلك البداء، فهذا في أفق التكوين، و ذاك في افق التشريع، فالبداء يقع في القضاء غير المحتوم المعبر عنه ب: (لوح المحو و الاثبات).

و أما المحتوم فلا يقع فيه.

و البداء يقع في صفات الفعل، لا في صفات الذات، لأن البداء قابل للتجدد و التغير، و لو كان من صفات الذات و هو متغير: لزم -

ص: 341


1- عقائد الشيعة للمرحوم الشيخ محمد رضا المظفر ص 22.
2- (بحار الأنوار). الطبعة الحديدة. الجزء 4. ص 106.
3- (أصول الكافي). الجزء 1. ص 148. الحديث 9. منشور (مكتبة الصدوق). عام الطباعة 1381.

ربما يظهر منه مخالفة المشهور (1) حيث قال (2):

++++++++++

- أن تكون الذات قابلة للتجدد و التغير و هو ممتنع في حقه تعالى.

كما أن البداء لا يتعلق بالفعل بعد تحققه و وقوعه في الخارج، لأنه مع وقوعه كيف يمكن أن يتصور فيه التغير و التجدد.

بل البداء يتعلق بالفعل قبل تحققه و وقوعه في الخارج.

و الفرق بين صفات الذات، و صفات الفعل: أن الأولى التي هو العلم و القدرة و الحياة و السمع و البصر: لا يصح سلبها عن اللّه تعالى مطلقا فلا يقال: إن اللّه عالم و ليس بعالم، و ان اللّه قادر و ليس بقادر، و ان اللّه حي و ليس بحي، و ان اللّه سميع و ليس بسميع، و ان اللّه بصير و ليس ببصير.

بخلاف الثانية، فانها يصح سلبها من الباري عز و جل فيقال: إن اللّه يرزق زيدا، و لا يرزق عمرا، إن اللّه اراد لهذا العلم، و لم يرد لذلك العلم، و غير ذلك من صفات الأفعال.

ثم البداء بالمعنى الذي قلناه: و هو تعلقه بالقضاء غير المحتوم: هو النسخ التكويني كما يقال للنسخ: البداء التشريعي، و لا فرق بينهما سوى تعلق الأوّل في التكوينيات، و الثاني بالتشريعيات.

كما قال الحكيم الإلهي و الفيلسوف الخالد (المحقق الداماد) قدس سره البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع.

هذا موجز القول في البداء، راجع ما كتبناه عنه في رسالتنا المستقلة (البداء) و لا تغفل، فانه يفيدك جدا، لأنها مشتملة على فوائد جمة.

(1) فان المشهور قائل بعدم اختيار و إرادة للكواكب في تأثيرها في الحوادث السفلية، و لا علم لها بما حدث و يحدث في العوالم.

(2) أي المحقق الفيض الكاشاني.

من هنا بداية نقل الشيخ كلام (المحقق الكاشاني) الدال على مخالفته للمشهور.

ص: 342

فاعلم ان القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة، لعدم تناهي تلك الأمور، بل انما تنقش فيها الحوادث شيئا فشيئا و جملة فجملة مع اسبابها و عللها على نهج مستمر و نظام مستقر فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد انما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخرة للّه، و نتائج بركاتها فهي تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا. انتهى موضع الحاجة (1).

و ظاهره (2) أنها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث.

و بالجملة فكفر المعتقد بالربط على هذا الوجه الثاني (3) لم يظهر من الأخبار (4)، و مخالفتها (5) لضرورة الدين لم يثبت أيضا، إذ ليس المراد (6) العلية التامة. فكيف و قد حاول (المحدث الكاشاني) بهذه

++++++++++

(1) راجع (الوافي). الجزء الأوّل من المجلد الأوّل: ص 112 فكلامه المنقول عن المصدر صريح في أن الكواكب لها علم بما حدث و يحدث، و أنها فاعلة بالاختيار، و لها إرادة.

(2) أي و ظاهر كلام (المحقق الكاشاني) حيث يقول: فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد انما هو من لوازم حركات الأفلاك، و نتائج بركاتها

(3) و هو أن الأفلاك مختارة في حركاتها، و أنها ذات إرادة.

لكن اختيارها و ارادتها عين إرادة اللّه عز و جل و اختياره، و أن اللّه هو المؤثر الأعظم.

(4) المشار إليها في ص 293 إلى ص 299.

(5) أي و مخالفة هذا النوع من الاعتقاد بالنجوم.

(6) أي ليس مراد القائل بأن للكواكب اختيارا و إرادة، و أن ما يحدث في عالم الكون و الفساد انما هو من لوازم حركات الأفلاك: أن الكواكب علة تامة للحوادث بحيث كلما وجدت العلة وجد المعلول.

ص: 343

المقدمات اثبات البداء (1).

الثالث استناد الأفعال إليها كاسناد الاحراق إلى النار

الثالث (2) استناد الأفعال إليها كاسناد الاحراق إلى النار.

و ظاهر كلمات كثير ممن تقدم (3) كون هذا الاعتقاد كفرا، إلا أنه قال شيخنا المتقدم (4) في قواعده بعد الوجهين الأولين:

و أما (5) ما يقال: من استناد الأفعال إليها كاستناد الاحراق إلى النار

++++++++++

(1) أي بمعناه الثلاثي المجرد الذي يقول به (الشيعة الامامية)

(2) أي الوجه الثالث من وجوه ربط الحركات الفلكية بالكائنات:

استناد الأفعال و الآثار إلى الكواكب العلوية.

(3) (كالسيد المرتضى، و العلامة، و الشهيدين، و المحقق الثاني و شيخنا البهائي، و ابن أبى الحديد) في اطلاقاتهم المذكورة هنا.

راجع ما ذكره (شيخنا الأعظم) عنهم في عنوان هذه المسألة و أثنائها من ص 304 إلى ص 311.

(4) و هو (الشهيد الأوّل) حيث قال بعد ذكره الوجهين و هما:

اعتقاد أن الكواكب مدبرة لهذا العالم، و موجدة له.

و اعتقاد أن الكواكب تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه هو المؤثر الأعظم

(5) هذه الجملة: و أما ما يقال من استناد الأفعال مقول قول الشهيد الأوّل بعد ذكره الوجهين.

و الغرض من هذا القيل: أن اسناد ما يقع من الحوادث السفلية الى الحركات العلوية: اسناد مجازي، و أن ربطها بها يكون ربطا عاديا لا ربطا عقليا حقيقيا الذي هو ربط المعلول بالعلة بحيث كلما وجدت العلة وجد المعلول.

فهو من قبيل استناد الإحراق إلى النار، و نمو الأشجار إلى الماء و الهواء، و الشفاء و الصحة و المرض و العافية إلى خواص الأدوية و العقاقير: -

ص: 344

و غيرها من العاديات بمعنى ان اللّه تعالى أجرى عادته انها اذا كانت على شكل

++++++++++

- في كونه ربطا عاديا فقط، و ليست الآثار و الخواص المذكورة من لوازمها الطبيعية، و من نوع العلة و المعلول.

فما يقع في العالم السفلي: من رخاء أو غلاء، أو حرب أو موت أو سلم، أو غير ذلك من الحوادث ثم تنسب إلى الكواكب العلوية عند ما تكون الكواكب على هيئة خاصة: تكون النسبة و الربط مجازا و ربطا عاديا لأن اللّه تعالى هو الموجد لهذه الآثار في النجوم و الكواكب، و هو المعطي تلك الخواص للأدوية و العقاقير، و النار و الماء و الهواء، أي أجرى اللّه تعالى عادته في الكواكب بأن تكون لها تلك الآثار عند ما تكون على هيئة خاصة، و شكل مخصوص، و وضع خاص فتنسب إليها.

كما أجرى عادته في النار و الماء و الهواء، و الأدوية و العقاقير بأن تكون لها تلك الخواص و الآثار فتنسب إليها و تسمى تلك الآثار و الخواص:

ب: (المسببات)، و الكواكب و الماء و الهواء و الأدوية و العقاقير ب: الأسباب.

فالحاصل أن الاسناد المذكور يكون اسنادا مجازيا كإسناد المؤمن الإنبات إلى الربيع في قوله: (أنبت الربيع البقل)، و الربط يكون ربطا عاديا ليس بلازم لها ملازمة طبيعية عقلية حقيقية كالعلة و المعلول.

ثم لا يخفى أن ما أفاده القيل: من أن اسناد الأفعال و الآثار الى الكواكب و النجوم كاسناد الاحراق إلى النار، و غيرها: من الأمور العاديات، و قرر الشهيد ما أفاده القيل: لازمه نفي الاقتضاء من النار و الماء، و الأدوية و العقاقير من العاديات.

و من المعروف أن اللّه عز و جل أودع في المذكورات قوة و خاصية توجد مفعولاتها، و لا مانع من الالتزام بما هو المعروف.

ص: 345

مخصوص، أو وضع مخصوص يفعل (1) ما ينسب إليها، و يكون ربط المسببات (2) بها كربط مسببات (3) الأدوية و الأغذية بها مجازا: باعتبار الربط العادي، لا الربط العقلي الحقيقي (4) فهذا لا يكفر معتقده (5)

لكنه مخطئ و ان كان أقل خطأ من الأوّل، لأن (6) وقوع هذه

++++++++++

(1) بصيغة المعلوم الفاعل فيها: اللّه عز و جل.

(2) المراد بها الحوادث الواقعة في العالم السفلي.

و مرجع الضمير في بها: الكواكب.

(3) المراد من المسببات الصحة و الشفاء.

و مرجع الضمير في بها: الادوية.

و المعنى كما عرفت آنفا: أن ربط الآثار و الحوادث السفلية بالكواكب كربط الشفاء و الصحة بالادوية و العقاقير: من أن الربط ربط عادي، و ليس ربطا عقليا حقيقيا، و يعبر عن الشفاء و الصحة في الادوية و العقاقير بالمسببات و عن الادوية و العقاقير بالاسباب.

و كذلك عن الآثار و الحوادث السفلية بالمسببات، و عن الكواكب بالاسباب.

(4) و هي العلية و المعلول كما عرفت.

(5) أي معتقد الربط العادي و ان كان مخطأ، لكن خطؤه أقل من الاول و هو القول بأن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم على نحو العلية و المعلول.

(6) تعليل لكون المعتقد بالربط العادي مخطأ.

و خلاصة التعليل: أن وقوع الآثار و الحوادث السفلية من الكواكب ليس ملازما لها دائما، و لا أكثري الملازمة، اذ كثيرا ما يخطئ المنجم فعدم الملازمة بين وقوع الآثار و الحوادث و بين الكواكب عند وضعها -

ص: 346

الآثار عندها ليس بدائم، و لا اكثري. انتهى (1).

و غرضه (2) من التعليل المذكور: الاشارة إلى عدم ثبوت الربط العادي، لعدم ثبوته بالحس كالحرارة (3) الحاصلة بسبب النار و الشمس و برودة القمر (4)، و لا بالعادة (5) الدائمة، و لا الغالبة (6)،

++++++++++

- الخاص: من التقارب و التباعد و الصعود و النزول عند ما يخبر المنجم بوقوع الحوادث عن هذه الاتصالات الخاصة: دليل على أن الربط ربط عادي لا ربط عقلي حقيقي.

و لو كان ربطا عقليا حقيقيا لما وقع الخطأ، لاستحالة تخلف المعلول عن العلة.

(1) أي ما أفاده (الشهيد الأوّل) في هذا المقام.

(2) أي و غرض (الشهيد الأوّل) من التعليل المذكور في قوله:

لأن وقوع هذه الأشياء ليس بلازم، و لا بأكثري.

(3) مثال لما ثبت ربطه بالحس، فان الحرارة الحاصلة من النار أو الشمس محسوسة.

(4) مثال آخر لما ثبت ربطه بالحس، فان البرودة الحاصلة للقمر محسوسة في الليالي المقمرة.

و حاصل ما أفاده الشهيد: أن ربط الحوادث السفلية بالكواكب العلوية ليس ربطا عاديا محسوسا، لأنه لو كان الربط ربطا عاديا محسوسا لكان دائميا، أو أكثريا، لكنه ليس كذلك.

(5) أي و ليس ربط الحوادث السفلية بالكواكب ربطا دائميا المعبر عنه باللازم كما عرفت آنفا.

(6) أي و ليس ربط الحوادث السفلية بالكواكب العلوية ربطا أغلبيا المعبر عنه بالأكثرية كما عرفت آنفا.

ص: 347

لعدم (1) العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتى يحصل العلم أو الظن، ثم على تقديره (2) فليس فيه دلالة على تأثير تلك الحركات في الحوادث فلعل الأمر بالعكس، أو كلتاهما (3) مستندتان إلى مؤثر ثالث فيكونان من المتلازمين في الوجود.

و بالجملة فمقتضى ما ورد من أنه أبى اللّه أن يجري الأشياء إلا

++++++++++

(1) تعليل لعدم كون ربط الحوادث السفلية بالكواكب ربطا دائميا و لا ربطا أكثريا، و لا ربطا حسيا.

و خلاصته: أنا لا نعلم بتكرر وقوع الحوادث و كثرتها، و كذا لا نظن بتكرر وقوعها و كثرتها.

ثم على فرض العلم، أو الظن بتكرر وقوع الحوادث و كثرتها فليس في هذه التكررات و الكثرة دليل على تأثير تلك الحركات الخاصة في النجوم و الكواكب: على الحوادث السفلية، بل يمكن أن يكون الأمر بالعكس بأن تكون الحوادث السفلية قد أثرت في الكواكب العلوية.

(2) أي على تقدير العلم، أو الظن بتكرر الدفعات و كثرتها كما عرفت آنفا.

(3) و هما: حركات الكواكب العلوية، و الحوادث السفلية.

بمعنى انهما معلولتان لعلة ثالثة، لا حركات الكواكب العلوية علة للحوادث السفلية، و لا الحوادث السفلية علة للحركات الكوكبية.

بل العلة في الحوادث شيء ثالث فليكن ذلك هو اللّه عز و جل، فعدم انفكاك الحركات الكوكبية عن الحوادث السفلية في الخارج ليس لأجل علية الحركات للحوادث، بل من باب أنهما متلازمان في الوجود لذلك المؤثر الأعظم. بمعنى أنهما يوجدان في آن واحد.

ص: 348

بأسبابها (1): كون كل حادث مسببا (2).

و أما أن السبب هي الحركة الفلكية أو غيرها فلم يثبت، و لم يثبت أيضا كونه (3) مخالفا لضرورة الدين.

بل في بعض الأخبار ما يدل بظاهره على ثبوت التأثير للكواكب مثل ما في الاحتجاج عن أبان بن تغلب في حديث اليماني الذي دخل على أبي عبد اللّه عليه السلام و سماه باسمه الذي لم يعلمه أحد و هو سعد.

فقال له: يا سعد و ما صناعتك ؟

قال: إنا من أهل بيت ننظر في النجوم إلى أن قال عليه السلام: ما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت الابل فقال: ما أدري.

قال: صدقت.

قال: ما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت البقر، قال: ما أدري قال: صدقت.

فقال: ما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت الكلاب ؟

قال: ما أدري.

++++++++++

(1) راجع (أصول الكافي). الجزء 1. ص 183. الحديث 7 الباب معرفة الامام و الرد إليه. أليك نص الحديث:

عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام أنه قال: أبى اللّه أن يجري الأشياء إلا بأسباب فجعل لكل شيء سببا، و جعل لكل سبب شرحا، و جعل لكل شرح علما، و جعل لكل علم بابا ناطقا: عرفه من عرفه، و جهله من جهله ذاك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و نحن.

(2) أي له سبب خاص.

(3) أي و لم يثبت أيضا أن القول بكون منشأ الحوادث السفلية هي الحركات الكوكبية.

ص: 349

قال: صدقت.

فقال: ما زحل عندكم ؟

فقال سعد: نجم نحس.

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تقل هذا، فانه نجم امير المؤمنين و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الذي قال اللّه تعالى: النجم الثاقب (1).

و في رواية المدائني المروية عن الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن اللّه خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد، و خلق ساير النجوم الجاريات من ماء حار و هو نجم الأوصياء و الأنبياء و هو نجم أمير المؤمنين يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها، و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن، و لباس الخشن، و أكل الجشب، و ما خلق اللّه نجما أقرب الى اللّه تعالى منه، الى آخر الخبر (2).

و الظاهر (3) ان امر النجم بما ذكر من المحاسن كناية عن اقتضائه لها.

الرابع أن يكون ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف و المكشوف

الرابع (4) أن يكون ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف

++++++++++

(1) راجع (الاحتجاج) طباعة مطبعة النعمان (النجف الأشرف) عام 1386. الجزء 2. ص 100.

(2) (بحار الأنوار). الجزء 58. ص 248. الحديث 29.

و روضة الكافي. الجزء 8. ص 257. الحديث 369.

(3) أي الظاهر من قوله عليه السلام: نجم يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها، و يأمر بافتراش التراب إلى آخر الحديث: كناية عن أن النجم له هذه الاقتضاءات.

(4) أي الوجه الرابع من أقسام وجوه ربط الحوادث السفلية بالكواكب العلوية.

ص: 350

و المكشوف (1).

و الظاهر أن هذا الاعتقاد لم يقل أحد بكونه كفرا.

قال شيخنا البهائي رحمه اللّه بعد كلامه المتقدم (2): الظاهر في تكفير من قال بتأثير الكواكب، أو مدخليتها: ما هذا لفظه:

و ان قالوا: إن اتصالات تلك الأجرام و ما يعرض لها من الأوضاع علامات (3) على بعض حوادث هذا العالم (4) مما يوجده اللّه سبحانه بقدرته و ارادته كما أن حركات النبض و اختلافات اوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن: من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه.

و كما يستدل باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة فهذا لا مانع منه، و لا حرج في اعتقاده.

و ما روي في صحة علم النجوم و جواز تعلمه (5) محمول على هذا المعنى (6). انتهى.

++++++++++

(1) بمعنى أن الحركات العلوية تكشف عن الحوادث السفلية، أي أنها تقع بأسباب أخرى.

لكن الحركات العلوية تدلنا عليها.

(2) في قوله: ما زعمه المنجمون: من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية إلى آخره.

(3) أي دلالات و اشارات.

(4) و هو العالم السفلي.

(5) (بحار الأنوار). ص 250. الحديث 35-36.

و ص 275 الحديث 66-67-69.

(6) و هو ان تلك الحركات علامات على الحوادث السفلية كدقات النبض على الصحة و المرض.

ص: 351

و ممن يظهر منه خروج هذا (1) عن مورد طعن العلماء على المنجمين ما تقدم من قول العلامة رحمه اللّه: إن المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة.

و بين من قال: إنها موجبة (2).

و يظهر ذلك (3) من السيد رحمه اللّه، حيث قال بعد اطالة الكلام في التشنيع عليهم ما هذا لفظه المحكي: و ما فيهم أحد يذهب إلى أن اللّه تعالى أجرى العادة: بان يفعل عند قرب بعضها من بعض، أو بعده:

أفعالا من غير أن يكون للكواكب انفسها تأثير في ذلك.

قال: و من ادعى منهم هذا المذهب (4) الآن فهو قائل بخلاف

++++++++++

(1) أي خروج القول بأن الكواكب علامات و اشارات على الحوادث الأرضية، و ليست هي الفاعلة و المختارة.

بل هي كحركات النبض يستدل بها الطبيب على ما يعرض على البدن:

من قرب الصحة، أو اشتداد المرض.

(2) أي أسباب فقط من دون أن تكون فعالة مختارة.

و الشاهد في كلام العلامة، حيث إنه لم يذكر القسم الرابع: و هو أن الكواكب علامات و اشارات من أقسام المنجمين، و لو كانوا منهم لذكرهم و ذكر أقوال الفقهاء فيهم.

(3) أي خروج القسم الرابع من أقسام ربط الحوادث السفلية بالكواكب العلوية عن مورد طعن العلماء.

وجه الظهور: أن قوله: ما فيهم أحد يذهب إلى آخره دليل على الخروج.

(4) و هو عدم تأثير للكواكب نفسها في الحوادث السفلية.

ص: 352

ما ذهب إليه القدماء و منتحل (1) بهذا المذهب عند اهل الاسلام انتهى (2)

لكن ظاهر المحكي عن ابن طاوس، انكار السيد رحمه اللّه لذلك (3) حيث ذكر (4) أن للنجوم علامات و دلالات على الحادثات، لكن يجوز للقادر الحكيم تعالى أن يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء، و غير ذلك من الأسباب (5)، و جوّز تعلم علم النجوم، و النظر فيه، و العمل به

++++++++++

(1) من انتحل ينتحل انتحالا. من باب الانفعال.

و معناه هنا: الانتساب. يقال: انتحل زيد الإسلام. أي انتسب إليه، أي و من ادعى من المنجمين خلاف ما يدعيه القدماء منهم: من تأثير الكواكب في الحوادث السفلية بنحو العلة التامة، أو المدخلية: يريد نسبة نفسه إلى الاسلام و المسلمين في مقالتهم: من عدم تأثير للكواكب في الحوادث السفلية، و يقصد المماشاة و المجاملة مع المسلمين، و إلا فليس من المنجمين من يذهب إلى هذا المذهب.

و في بعض نسخ (المكاسب): و متجمل فهو من تجمل يتجمل تجملا من باب التفعل.

و معناه: أن هذا المنجم الذي يقول في الكواكب خلاف ما ذهب إليها القدماء منهم: يقصد تحسين نفسه و تجميلها و تزيينها عند المسلمين كي ينال بذلك تقربه إليهم.

(2) أي ما أفاده (السيد المرتضى علم الهدى) في هذا المقام.

(3) و هو ان اللّه تعالى أجرى العادة بأن يفعل عند قرب بعض الكواكب، أو بعدها أفعالا من غير تأثير للكواكب نفسها، فان (السيد المرتضى) أنكر هذا المقدار من التأثير أيضا.

(4) أي (السيد ابن طاوس).

(5) كصلة الرحم، و زيارة مرقد (الرسول الأعظم و الأئمة -

ص: 353

اذا لم يعتقد أنها مؤثرة، و حمل (1) أخبار النهي على ما اذا اعتقد انها كذلك.

ثم أنكر (2) على علم الهدى تحريم ذلك، ثم ذكر (3) لتأييد ذلك أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به. انتهى (4).

و ما ذكره (5) رحمه اللّه حق، إلا أن مجرد كون النجوم دلالات

++++++++++

- من أهل البيت) صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، و اطعام الفقراء و اكسائهم، و بناية الدور لهم، و المساجد و الرباط، و المستشفيات، و المرافق الصحية، و تزويج العزاب منهم، و غير ذلك من الوجوه البرية.

(1) أي (السيد ابن طاوس) حمل الأخبار الناهية عن تعلم علم النجوم و النظر إليه المشار إليها في ص 393 إلى ص 399: على ما اذا اعتقد المنجم استناد الأفعال إلى الكواكب بنحو العلة و المعلول بحيث يمتنع تخلف المعلول عن العلة متى وجدت العلة.

(2) أي (السيد ابن طاوس) على (السيد المرتضى) تحريم علم النجوم بالمعنى الذي ذكره هو: من أنها علامات و دلالات صرفة، و ليس لها تأثير في الحوادث السفلية.

(3) أي (السيد ابن طاوس) ذكر تأييدا لما ذهب إليه: من أن النجوم علامات و دلالات على الحوادث السفلية: أسماء جماعة من أعلام (الشيعة الامامية) القائلين بكون النجوم علامات و دلالات على الحوادث السفلية، دون أن يكون لها تأثير في الأوضاع السفلية.

(4) أي ما أفاده (السيد ابن طاوس) رحمه اللّه في هذا المقام.

(5) أي (السيد ابن طاوس).

من هنا يأخذ الشيخ في النقاش مع السيد (ابن طاوس) فيما أورده على (السيد المرتضى).

و خلاصة النقاش: ان الذهاب إلى كون النجوم علامات و دلالات -

ص: 354

و علامات لا يجدي مع عدم الإحاطة بتلك العلامات و معارضاتها، و الحكم (1) مع عدم الاحاطة لا يكون قطعيا، بل و لا ظنيا.

و السيد علم الهدى انما أنكر من المنجمين أمرين:

أحدهما: اعتقاد التأثير، و قد اعترف به (2) ابن طاوس.

و الثاني: غلبة الإصابة في أحكامهم كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة (3)، و هذا (4) أمر معلوم بعد فرض عدم الاحاطة بالعلامات و معارضاتها.

و لقد أجاد شيخنا البهائي أيضا حيث أنكر الأمرين (5) و قال بعد

++++++++++

- على الحوادث السفلية: لا يفيد في المقام، مع عدم احاطة المنجمين بتلك العلامات و الدلالات، مع معارضة بعضها مع بعض، لأن حكمهم بوقوع الحادثة الفلانية في اليوم الفلاني من السنة الفلانية مع عدم الإحاطة لا يكون قطعيا، بل و لا ظنيا.

و (السيد المرتضى) أنكر على المنجمين الأمرين المذكورين و هما:

اعتقاد التأثير. و غلبة الإصابة في أحكامهم.

و (السيد ابن طاوس) موافق مع (السيد المرتضى) في عدم تأثير الكواكب في الحوادث السفلية.

(1) أي حكم المنجمين بوقوع الحوادث السفلية.

(2) أي (السيد ابن طاوس) قد اعترف بالأمر الأوّل: و هو انكار اعتقاد التأثير للكواكب في الحوادث السفلية.

(3) أي في صدر عنوان المسألة في ص 281 عند قوله: إن الكسوفات و اقتران الكواكب فراجع.

(4) أي انكار غلبة الإصابة في الأحكام بعد فرض عدم احاطة المنجمين بتلك العلامات و الدلالات: معلوم.

(5) و هما: اعتقاد التأثير للكواكب في الحوادث السفلية. و غلبة -

ص: 355

كلامه المتقدم في انكار التأثير، و الاعتراف بالامارة و العلامة.

اعلم أن الأمور التي يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية أقسام لها أصول، بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي سلام اللّه عليهم.

و بعضها يدعون لها التجربة.

و بعضها مبتن على امور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها، و الاحاطة بها كما يؤمئ إليه (1) قول الصادق عليه السلام: كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتفع به، و لذلك (2) وجد الاختلاف في كلامهم، و تطرق الخطأ الى بعض أحكامهم، و من اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه، و صدقت احكامه لا محالة، كما نطق به الامام الصادق عليه السلام (3)

و لكن هذا (4) أمر عزيز المنال لا يظفر به الا القليل، و اللّه الهادي

++++++++++

- اصابة المنجمين في الحوادث السفلية.

(1) أي إلى أن الأمور التي يحكم بها المنجمون على أقسام:

بعضها مبتن على التجربة و الحس.

و بعضها مبتن على أمور متشعبة: قول (الامام الصادق) عليه السلام كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتفع به.

راجع (وسائل الشيعة): الجزء 12. ص 102. الباب 24 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 1.

(2) أي و لأجل أن علم النجوم مبتن على أمور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها، و الإحاطة بها: وجد الاختلاف الكثير في كلام المنجمين فيما يخبرون عنها.

(3) في قوله عليه السلام: كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتفع به.

(4) و هو الجري على الأصول الصحيحة، و القواعد الرصينة.

ص: 356

الى سواء السبيل. انتهى (1).

و ما أفاده رحمه اللّه أولا (2) من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية أمارات و علامات، و آخرا (3): من عدم النفع في علم النجوم إلا مع الإحاطة التامة: هو (4) الذي صرح به الامام الصادق عليه السلام في رواية هشام الآتية بقوله: إن أصل الحساب حق، و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق (5).

و يدل أيضا على كل من الأمرين (6) الأخبار المتكثرة.

فما يدل على الأوّل: و هو ثبوت الدلالة و العلامة في الجملة، مضافا الى ما تقدم من رواية سعد المنجم (7) المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها الدال (8)

++++++++++

(1) أي ما أفاده (شيخنا البهائي) رحمه اللّه في هذا المقام.

(2) أي (شيخنا البهائي) في قوله في ص 351: و ان قالوا:

إن اتصالات تلك الأجرام.

(3) أي و ما أفاده (شيخنا البهائي) أخيرا عند قوله في ص 356:

اعلم أن الأمور.

(4) خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: و ما أفاده، أي ما أفاده شيخنا البهائي صريح قول الامام الصادق عليه السلام: كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتفع به.

(5) نفس المصدر. ص 102. الحديث 2.

(6) و هما: أن النجوم علامات و دلالات. و أن الخطأ في علم النجوم كثير، إلا مع الاحاطة التامة الكاملة.

(7) المشار إليها في ص 349.

(8) بالجر صفة لكلمة: الظاهر.

ص: 357

على سببية طلوع الكواكب لهيجان الابل و البقر و الكلاب: على كونه (1) أمارة و علامة عليه: المروي (2) في الاحتجاج عن رواية الدهقان (3) المنجم الذي استقبل أمير المؤمنين حين خروجه إلى النهروان (4)،

++++++++++

(1) الجار و المجرور متعلق بقوله: المحمولة.

و مرجع الضمير في كونه: الطلوع، و في عليه: الهيجان.

و معنى العبارة: أن الذي يدل على أن النجوم علامات و دلالات:

الحديث المروي في الاحتجاج عن الدهقان، بالإضافة إلى دلالة حديث سعد المنجم بعد صرفه عن ظاهرها الدال على أن طلوع الكواكب سبب للهيجان: و حمله على أن طلوع النجم علامة للهيجان، لا سبب له.

(2) بالرفع فاعل لقوله: فما يدل على الأوّل، أي الحديث المروي في الاحتجاج يدل على ثبوت العلامة و الدلالة.

(3) اسم فارسي معرب و مركب من كلمتين و هما: (ده) بمعنى القرية. و (گان) بالكاف الفارسية بمعنى الرئيس الأمير، أي رئيس القرية و أميرها.

(4) بفتح النون و العامة تكسرها هو اسم فارسى معرب، مركب من كلمتين: و هما: جوب بمعنى النهر. و روان بمعنى الجاري، أي النهر الجاري.

و هي كورة واسعة بين (بغداد و واسط) من الجانب الشرقي.

حدها الأعلى متصل ببغداد، و فيها عدة بلاد.

منها: إسكاف، و جرجرايا، و الصافية، و ديرقنيّ (1).

و في هذه المدينة كانت وقعة الخوارج المارقين عن الدين لعنهم اللّه

ص: 358


1- (معجم الأدباء). الجزء الخامس. ص 325. طباعة دار صادر دار بيروت.

فقال له (1) يومك هذا يوم صعب قد انقلب منه كوكب، و انقدح من برجك النيران و ليس لك الحرب بمكان.

فقال عليه السلام له: ايها الدهقان المنبئ عن الآثار (2) المحذر عن الأقدار (3).

ثم سأله عن مسائل كثيرة من النجوم فاعترف الدهقان بجهلها إلى ان قال عليه السلام له:

أما قولك: انقدح (4) من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم به لي، لا عليّ .

++++++++++

الذين خرجوا على (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام، و كانوا اثني عشر الف فرجع منهم ثمانية آلاف و تابوا، و بقيت أربعة آلاف قتلوا عن آخرهم و نجا منهم تسعة كما أخبر عليه السلام بذلك في قوله: نقتلهم و لا يقتل منا عشرة، و لا يسلم منهم عشرة(1).

(1) أي قال دهقان المنجم (لأمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام:

يومك هذا الذي خرجت فيه إلى قتال الخوارج.

(2) جمع أثر و هي الحوادث السفلية التي تقع في الأرض المرتبطة بالأوضاع الفلكية و النجومية.

(3) جمع قدر، و المراد منه ما يقدره اللّه عز و جل لعباده، و يقضي لهم، و يحكم ما يريد.

(4) من باب الانفعال مطاوع قدح، و معناه هنا الخروج، أي خرج من برجك النيران.

ص: 359


1- (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة). الجزء 4. ص 137 طباعة طهران.

أما نوره و ضياؤه فعندي، و أما حريقه و لهبه فذهب عني فهذه مسألة عميقة فاحسبها إن كنت حاسبا (1).

و في رواية اخرى أنه عليه السلام قال له: احسبها ان كنت عالما بالأكوار (2) و الأدوار.

قال (3): لو علمت هذا لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة (4).

++++++++++

(1) (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 58. ص 221 الحديث 2.

(2) بفتح الهمزة و سكون الكاف جمع كور بفتح الكاف و سكون الواو كما أن أدوار جمع دور بنفس الوزن في المفرد و الجمع.

و المراد بهما هنا: النجوم و الكواكب، أي لو كنت ايها الدهقان عالما بالنجوم فأخبر عما اسألك.

(3) أي الدهقان المنجم (لأمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام.

و كلمة علمت في الموضعين بصيغة المتكلم

لا أن الأوّل بصيغة الخطاب، و الثاني بصيغة التكلم كما افاده الشيخ الشهيدي طاب ثراه في تعليقته على المكاسب، لأنه لا معنى لأن يقول المنجم الدهقان للامام عليه السلام مخاطبا له: لو علمت أنت لعلمت أنك تحصي، حيث إن السؤال متوجه إلى الدهقان.

بل المعنى أني لو كنت عالما بما تسأله عني لكنت اعلم أنك تحيط بعدد العقد الموجودة في قصب هذه الآجام، و ما فيها من آحاد القصب

(4) راجع نفس المصدر. ص 231-232، ذيل الحديث 13.

و أجمة بفتح الهمزة و كسر الجيم و فتح الميم مفرد: جمعه آجام. و هو المكان النابت فيه القصب.

ص: 360

و في الرواية الآتية لعبد الرحمن بن سيابة هذا حساب اذا حسبه الرجل و وقف عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة، و عدد ما عن يمينها، و عدد ما عن يسارها، و عدد ما خلفها، و عدد ما امامها حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة (1).

و في البحار وجد في كتاب عتيق عن عطاء قال: قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: هل كان للنجوم أصل ؟

قال: نعم نبي من الأنبياء قال له قومه: إنا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق و آجالهم فأوحى اللّه عز و جل إلى غمامة (2) فامطرتهم و استنقع حول الجبل ماء صاف (3).

ثم اوحى اللّه عز و جل إلى الشمس و القمر و النجوم أن تجري في ذلك الماء.

ثم أوحى اللّه عز و جل إلى ذلك النبي أن يرتقي هو و قومه على الجبل فقاموا على الماء.

حتى عرفوا بدء الخلق و آجاله، بمجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار، و كان أحدهم يعرف متى يموت، و متى يمرض و من ذا الذي يولد له، و من ذا الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم.

++++++++++

(1) (الكافي). الجزء 8. ص 195. الحديث 233 طباعة طهران. عام 1377.

(2) بفتح الغين جمعها: غمائم. و معناها: السحاب.

(3) بصيغة الفاعل من صفا يصفو صفوا. وزان دعا يدعو.

و هو زان رام باغ قاض، و تنوينه تنوين عوض عن الياء كما هي القاعدة في الناقصات.

ص: 361

ثم إن داود قاتلهم على الكفر فاخرجوا على داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله، و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء أحد.

فقال داود: رب اقاتل على طاعتك، و يقاتل هؤلاء على معصيتك يقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى اللّه عز و جل إليه: إني علمتهم بدء الخلق و آجالهم، و انما أخرجوا أليك من لم يحضره أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثمّ يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد.

قال داود عليه السلام: رب على ما ذا علمتهم ؟

قال: على مجاري الشمس و القمر و النجوم، و ساعات الليل و النهار.

قال: فدعا اللّه عز و جل فحبس الشمس عليهم فزاد النهار و لم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم.

قال علي عليه السلام: فمن ثم كره النظر في علم النجوم (1).

++++++++++

(1) (بحار الأنوار)، الجزء 58. ص 236، الحديث 17 الطبعة الجديدة.

و في المصدر اختلاف يسير.

و الحديث هذا من المراسيل و اردئها، حيث وجد في كتاب قديم لم يذكر اسمه، بالإضافة إلى عدم الاحتياج إلى ذكره تماما. و قد ذكرت أحاديث كثيرة هنا في باب النجوم.

و العجب من (شيخنا الأنصاري) أنه كيف ذكره في كتابه هذا و هو العالم الفذ النحرير خريت هذه الصناعة.

و أما نقل (شيخنا العلامة المجلسي) اعلى اللّه مقامه الحديث و أمثاله في كتابه (بحار الأنوار) فعلى مبناه من جمعه الأحاديث مهما كانت صفتها: -

ص: 362

و في البحار أيضا عن الوافي بالاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن النجوم، فقال: لا يعلمها الا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند (1).

و بالإسناد عن محمد بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام.

قوم يقولون: النجوم أصح من الرؤيا و ذلك كانت صحيحة حين لم ترد الشمس على يوشع بن نون، و أمير المؤمنين عليه السلام فلما رد اللّه الشمس

++++++++++

- صحيحة كانت أم سقيمة، حفظا من الضياع و التلف، و لذا سمى كتابه ب: (بحار الأنوار) حيث ان في البحر يوجد الغث و السمين.

و ليس غرضه من تدوين الأحاديث تدوين الصحيح منها لا غير

ثم إن هناك رايا اذهب إليه: و هو أن اللجنة المقررة لجمع الأحاديث و تدوينها في هذه الموسوعة العظيمة الجبارة لم تعرض الأحاديث على (شيخنا العلامة المجلسي) حتى يلاحظها و يقرر مصيرها.

و عدم العرض عليه إما لكثرة مشاغل (شيخنا المجلسي) و هو الحق كما لا يخفى على من طالع حياة هذا العملاق العظيم و قد ذكرناها في (اعلام المكاسب).

أو لحسن ظن (شيخنا العلامة المجلسي) بالهيئة المشرفة على الموسوعة فإن رجال اللجنة المشرفة كانوا من الصلحاء البسطاء لا يحتملون الكذب و الجعل و الافتعال في نقلة الأحاديث، و لا سيما اذا كان احد سلسلة الرواة من الثقات و العدول فهنا كان يوقف عزمهم من التعرض لصحة الحديث و سقمه فمن هنا و هناك كان (شيخنا المجلسي) يعتمد على اللجان المقررة لموسوعته هذه.

(1) نفس المصدر. ص 243، الحديث 23.

ص: 363

عليهما ضل فيها علوم علماء النجوم (1).

و خبر يونس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك اخبرني عن علم النجوم ما هو؟ قال: هو علم من علوم الأنبياء.

قال: فقلت: كان علي بن أبي طالب عليه السلام: يعلمه قال:

كان أعلم الناس به (2).

و خبر ريان بن الصلت قال: حضر عند ابى الحسن الرضا عليه السلام الصباح بن نصر الهندي و سأله عن النجوم فقال: هو علم في أصل صحيح ذكروا أن اوّل من تكلم في النجوم ادريس عليه السلام، و كان ذو القرنين بها ماهرا، و أصل هذا العلم من عند اللّه عز و جل (3).

و عن معلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم احق هي ؟

فقال: نعم إن اللّه عز و جل بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فاخذ رجلا من العجم فعلمه فلم يستكملوا ذلك، فاتى بلد الهند فعلم رجلا منهم

++++++++++

(1) نفس المصدر، ص 242، الحديث 22.

كان اللازم على (شيخنا الأعظم الأنصاري) ذكر هذا الحديث و ما قبله و ما بعده في الأمر الثاني: و هي كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين كما يصرح بعيد هذا بقوله: و أما ما دل على كثرة الخطأ، لا ذكر الحديث و ما قبله و ما بعده في الأمر الأوّل: و هو اثبات أن النجوم دلالات و علامات للحوادث.

(2) نفس المصدر. ص 235. الحديث 15.

(3) نفس المصدر. ص 245. الحديث 26.

و فيه فشابوا الحق بالكذب.

ص: 364

فمن هناك صار علم النجوم بها (1).

و قد قال (2) قوم: هو علم من علوم الأنبياء خصوا به لأسباب شتى فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها فشاب (3) الحق بالكذب، الى غير ذلك (4) مما يدل على صحة علم النجوم في نفسه.

و أما ما دل على كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين
اشارة

و أما ما دل (5) على كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين فهي كثيرة

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 271. الحديث 58.

(2) من هنا إلى قوله: شاب الحق بالكذب من حديث (ريان بن الصلت) المشار إليه في ص 364. و ليس من حديث معلي بن خنيس المشار إليه في ص 364.

(3) من شاب يشوب، و زان قال يقول اجوف واوي معناه الخلط يقال: شاب الشيء أي خلطه. و المراد هنا: أن علم النجوم صحيح و قد أعطي الأنبياء لكن المنجمين لم يصلوا إلى اصله و حقيقته و تمامه، بل اخذوا منه شيئا يسيرا فخلطوا الحق بالكذب.

(4) أي إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على صحة علم النجوم.

و لا يخفى عليك ان نقاش (شيخنا الأنصاري) مع (السيد ابن طاوس) كان حول ثبوت الدلالة و العلامة للنجوم و الكواكب، حيث قال: و ما يدل على الاول: و هو ثبوت الدلالة و العلامة.

و ليس حول الأخبار الدالة على صحة علم النجوم حتى يقول:

الى غير ذلك مما يدل على صحة علم النجوم.

(5) أي و أما الأخبار الدالة على أن الخطأ في علم النجوم كثير إلا مع الإحاطة التامة الكاملة الواسعة.

هذا هو الامر الثاني الذي افاده الشيخ بقوله: و يدل على كل من الأمرين.

ص: 365

منها ما تقدم في الروايات السابقة

منها (1) ما تقدم في الروايات السابقة مثل قوله عليه السلام في الرواية الأخيرة: فشابوا الحق بالكذب (2).

و قوله (3) عليه السلام: ضل فيها علماء النجوم.

و قوله (4) عليه السلام في تخطئة ما ادعاه المنجم من أن زحل عندنا كوكب نحس: إنه كوكب امير المؤمنين عليه السلام و الأوصياء، و تخطئة امير المؤمنين عليه السلام للدهقان الذي حكم بالنجوم بنحوسة اليوم الذي خرج فيه أمير المؤمنين عليه السلام.

و منها خبر عبد الرحمن بن سيابة

و منها (5) خبر عبد الرحمن بن سيابة قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك ان الناس يقولون: ان النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني، فان كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني و ان كانت لا تضر بديني فو اللّه إني لاشتهيها و اشتهي النظر فيها.

++++++++++

(1) أي و من تلك الأخبار الدالة على أن الخطأ في علم النجوم كثير إلا مع الإحاطة التامة: الرواية السابقة: و هي رواية معلى بن خنيس.

(2) و قد عرفت أن هذه الجملة من رواية ريان بن الصلت المشار إليه في ص 364.

(3) بالجر عطفا على قوله: مثل قوله عليه السلام: أي و من تلك الأخبار الدالة على أن الخطأ في علم النجوم كثير مثل قوله عليه السلام:

(راجع (بحار الأنوار)، الجزء 58. ص 242-243.

الحديث 22.

(4) بالجر عطفا على قوله: مثل قوله، أي و من تلك الأخبار الدالة على أن الخطأ في علم النجوم كثير مثل قوله عليه السلام.

راجع نفس المصدر، ص 221. الحديث 2.

(5) أي و من تلك الأخبار الدالة على أن الخطأ في علم النجوم كثير.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 101-102. الحديث 1.

ص: 366

فقال: ليس كما يقولون لا يضر بدينك.

ثم قال: إنكم تنظرون في شيء كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتفع به الى آخر الخبر.

و منها خبر هشام

و منها (1) خبر هشام قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: كيف بصرك بالنجوم ؟ قلت: ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم مني.

ثم سأله عن أشياء لم يعرفها.

ثم قال: فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، و يحسب هذا لصاحبه بالظفر فيلتقيان فيهزم احدهما الآخر فأين كانت النجوم ؟

قال: فقلت: لا و اللّه لا اعلم ذلك.

قال: فقال عليه السلام: صدقت إن اصل الحساب حق، و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم.

منها المروي في الاحتجاج

و منها (2) المروي في الاحتجاج عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث أن زنديقا قال له: ما تقول في علم النجوم ؟

++++++++++

(1) أي و من تلك الأخبار الدالة على أن الخطأ في علم النجوم كثير.

راجع نفس المصدر. ص 102. الحديث 2.

(2) أي و من تلك الأخبار الدالة على أن الخطأ في علم النجوم كثير راجع (الاحتجاج). الجزء 2. ص 95. السطر 4-5.

و لا يخفى عليك أنا طبقنا الأحاديث كلها على مصادرها المذكورة هنا فوجدنا الاختلاف فيها يسيرا.

و بعضها منقول بالمعنى، فمن اراد تطبيقها حرفيا فليراجع تلك المصادر.

لكن الأحاديث جلها مراسيل لا فائدة في نقلها، و قد ذكر (شيخنا الأنصاري) -

ص: 367

قال عليه السلام: هو علم قلّت منافعه، و كثرت مضاره لأنه لا يدفع به المقدور، و لا يتقى به المحذور إن اخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز عن القضاء، و ان اخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه، و المنجم يضاد اللّه في علمه بزعمه انه يرد قضاء اللّه عن خلقه الى آخر الخبر، الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان ما وصل إليه المنجمون اقل بقليل من أمارات الحوادث من دون وصول إلى معارضاتها.

و من تتبع هذه الاخبار (1) لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة منها، فضلا عن القطع.

نعم (2) قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف الظن، بل

++++++++++

- في صدر عنوان البحث أخبارا راجعة إلى الموضوع تشفي العليل، و تروي الغليل، فلما ذا عاد على بدء؟

و لعل السر في نقله قدس اللّه روحه هذه الأخبار كما أورد الطائفة الأولى قبل هذه: تثبيتا للامرين و هما: ثبوت الدلالة و العلامة و ثبوت كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين فرام قدس سره بالطائفة الأولى تثبيت الأمر الأوّل، و بالثانية تثبيت الأمر الثاني.

(1) و هي التي ذكرناها لك آنفا، و التي لم نذكرها لك فهي موجودة في نفس المصادر فراجع.

(2) استدراك عما افاده من عدم حصول الظن بالأحكام المستخرجة من الكواكب و النجوم فضلا عن القطع في قوله: و من تتبع هذه الأخبار.

و خلاصة الاستدراك أنه يمكن ندرة و قلة حصول الظن من التجاريب المنقولة عن السلف السابق عند اقتران الكواكب بعضها مع بعض -

ص: 368

أو العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الأوضاع الفلكية.

فالأولى: التجنب عن الحكم بها (1)، و مع الارتكاب (2) فالأولى:

الحكم على سبيل التقريب، و أنه لا يبعد أن يقع كذا عند كذا (3) و اللّه المسدد (4).

++++++++++

- صعودها، أو نزولها: بوقوع الحادثة الفلانية على نحو الموجبة الجزئية لا الكلية.

(1) أي عن إسناد الحوادث الواقعة إلى النجوم و الكواكب عند وضعها الخاص: من الاقتران و الصعود و النزول.

(2) أي و لو اسند وقوع الحوادث إلى النجوم و الكواكب فالأولى أن ينسب إليها على نحو التقريب بأن يقول المنجم: إنه ليس ببعيد أن تقع الحادثة الكذائية عند وضع خاص للنجوم، لا أن يسندها إليها على نحو الجزم و القطع: بأن تكون الحوادث وليدة لها على نحو العلية و المعلول أو المدخلية.

(3) كناية عن الأوضاع الفلكية و هي اتصالاتها و صعودها، و نزولها و قربها و بعدها.

كما أن كذا الأولى كناية عن الحوادث السفلية.

(4) هذه الجملة يقصد بها الهداية إلى الصواب، و إلى طريق الحق

ص: 369

ص: 370

حفظ كتب الضّلال

ص: 371

ص: 372

المسألة السابعة حفظ كتب الضلال حرام في الجملة

المسألة السابعة (1) حفظ كتب الضلال حرام في الجملة (2) بلا خلاف كما في التذكرة و المنتهى (3)

و يدل عليه (4) مضافا إلى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد و الذم (5) المستفاد من قوله تعالى: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ

++++++++++

(1) أي (المسألة السابعة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: حفظ كتب الضلال.

(2) أي لا على نحو الموجبة الكلية، و في جميع الحالات حتى في حالة الرد على تلك الكتب، أو عدم تأثيرها على المطالع، أو شرائها للتقية فإن في جميع هذه الحالات لا يحرم احتفاظها.

(3) أي و كما عن المنتهى أن حفظ كتب الضلال حرام في الجملة.

(4) أي على تحريم حفظ كتب الضلال.

(5) بالجر عطفا على مجرور (الى) في قوله: مضافا إلى حكم العقل أي و مضافا إلى الذم المستفاد من قوله تعالى: (وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ ) لقمان: الآية 6.

كيفية الاستدلال: أن اللّه تعالى ذم مشتري لهو الحديث الذي هو الكلام بالباطل، و الذم يدل على التحريم، اذ لو لاه لما كان للذم معنى و من المعلوم: أن كتب الضلال من قبيل لهو الحديث، لكونه مشتملا على الكلام الباطل فيكون شراؤها و بيعها و اقتناؤها حراما.

فهنا قياس منطقي من الشكل الأوّل هكذا:

ص: 373

الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه، و الأمر (1) بالاجتناب عن قول الزور: قوله (2) عليه السلام فيما تقدم من رواية تحف العقول: إنما حرم اللّه تعالى الصناعة التي يجيء منها الفساد محضا إلى آخر الحديث.

++++++++++

- الصغرى: كتب الضلال من لهو الحديث:

الكبرى: و كل ما كان من لهو الحديث فهو حرام.

النتيجة: فكتب الضلال حرام بيعها و شراؤها و اقتناؤها.

(1) بالجر عطفا على مجرور (الى) في قوله: مضافا إلى حكم العقل، أي و مضافا إلى الأمر بالاجتناب من الزور في قوله تعالى:

(وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ) الحج: الآية 30.

كيفية الاستدلال: أن اللّه سبحانه و تعالى يأمر بالاجتناب عن قول الزور وجوبا، بناء على أن صيغة افعل و ما في معناها للوجوب، و من الواضح أن كتب الضلال مشتملة على الزور و البهتان فيجب الاجتناب عنها بكل ما يحقق مصداق الاجتناب في الخارج: من البيع و الشراء و الاحتفاظ.

فهنا قياس منطقي من الشكل الأوّل هكذا:

الصغرى: كتب الضلال من الزور.

الكبرى: و كل ما كان من الزور يجب الاجتناب عنه و لو بعدم الاحتفاظ به.

النتيجة: فكتب الضلال يجب الاجتناب عنها و لو بعدم الاحتفاظ بها.

(2) بالرفع فاعل يدل في قوله: و يدل عليه، أي و يدل على حرمة احتفاظ كتب الضلال مضافا إلى ما ذكرناه: من حكم العقل، و من ذم المستفاد من قوله تعالى، و من الامر بالاجتناب عن قول الزور في قوله تعالى: قول الامام عليه السلام في رواية (تحف العقول): إنما حرم اللّه تعالى الصناعة التي يجيء منها الفساد محضا.

كيفية الاستدلال: أن الصناعة الواردة في الحديث يراد منها: التقلب -

ص: 374

بل (1) قوله عليه السلام قبل ذلك: أو ما يقوى به الكفر في جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق إلى آخره.

و قوله (2) عليه السلام في رواية عبد الملك المتقدمة، حيث شكا الى الامام الصادق عليه السلام أني ابتليت بالنظر في النجوم: أ تقضي ؟ قال: نعم.

++++++++++

- بجميع شئونه التي منها تجليد كتب الضلال، و طباعتها، و كتابتها و تصحيحها و الاحتفاظ بها، و تعليمها، و تعلمها، و قراءتها فالحديث يشمل الاحتفاظ بكتب الضلال الذي هو نوع من التقلب المراد من الصناعة.

ثم لا يخفى ان البيع و الاهداء ليسا من أقسام الصناعة فلا يشملهما الحديث.

لكن الحرمة فيهما ثابتة من ناحية قوله عليه السلام: أو ما يقوى به الكفر، و لا شك أن الاحتفاظ بها، و بيعها مما يقوى بها الكفر.

و كذلك من ناحية قوله عليه السلام: أو باب يوهن به الحق و لا شك ان الاحتفاظ بكتب الضلال، و بيعها مما يوهن بها الحق.

(1) بل هنا للترقي، أي بل يدل على حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال قوله عليه السلام قبل هذه الجملة: أو ما يقوى به الكفر، و مما لا شك فيه: أن الاحتفاظ بكتب الضلال لمن ليس له عقيدة راسخة ثابتة في الدين موجب لاضلاله، و باعث لخروجه عن السداد و طريق الحق.

(2) بالرفع عطفا على فاعل قوله: و يدل، أي و يدل على حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال مضافا إلى ما ذكرناه: من حكم العقل و الذم و الاجتناب المستفادين من الآيات الكريمة، و مضافا إلى قول الامام عليه السلام في رواية (تحف العقول): قوله عليه السلام في رواية عبد الملك: -

ص: 375

قال: احرق كتبك (1)، بناء على أن الأمر للوجوب دون الارشاد للخلاص (2) من الابتلاء بالحكم بالنجوم.

و مقتضى (3) الاستفصال في هذه الرواية: أنه اذا لم يترتب على إبقاء كتب الضلال مفسدة لم يحرم.

++++++++++

- أحرق كتبك، بناء على أن الأمر بالإحراق للخلاص منها، حيث كان يعمل بها و يحكم طبق الموجود فيها فتكون موجبة لإضلاله و إفساده، فكتب الضلال من هذا القبيل، حيث انها موجبة للإضلال و الإفساد.

(1) مرت الاشارة إلى الحديث في ص 297.

(2) تعليل لإحراق الكتب، أي احراق كتب التنجيم لأجل الخلاص من الحكم بالنجوم حتى لا يحكمون بها،

(3) من هنا يريد الشيخ يخصص حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال فيما اذا كانت مضلة و مفسدة، لا مطلقا و لو لم يترتب عليها الاضلال و الإفساد أي و مقتضى التفصيل المذكور الذي هي حرمة علم النجوم لو حكم بها و قضى.

و عدم الحرمة لو لم يحكم بها و لم يقض في رواية عبد الملك في قوله عليه السلام: أ تقضي فقال: نعم.

فقال عليه السلام: أحرق كتبك: أنه اذا لم يترتب على احتفاظ كتب الضلال إضلال و مفسدة لم يكن الاحتفاظ بها حراما، لعين الملاك الموجود في كتب التنجم، حيث إن حرمة كتب التنجيم كانت مترتبة على الحكم بها، لا مطلقا حتى و لو لم يقض بها.

و كلمة: و مقتضى مبتدأ خبره: أنه اذا لم يترتب.

ص: 376

و هذا (1) أيضا مقتضى ما تقدم من اناطة التحريم بما يجيء منه الفساد محضا.

نعم (2) المصلحة الموهومة، أو المحققة النادرة لا اعتبار بها فلا يجوز الابقاء (3) بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك، مع كون الغالب ترتب المفسدة.

و كذلك (4) المصلحة النادرة غير المعتد بها.

++++++++++

(1) و هو عدم حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال اذا لم يترتب عليها إضلال و مفسدة: مقتضى الحديث المتقدم عن (تحف العقول)، حيث إنه عليه السلام اناط حرمة الصناعة على الصناعة التي يجيء منها الفساد محضا، لا مطلقا و لو لم يأت منها الفساد، فكما أن الحرمة هناك منوطة على الفساد محضا.

كذلك حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال متوقفة على الإضلال و الإفساد فإن صدق الإضلال و الإفساد صدقت الحرمة، و إلا فلا.

(2) استدراك عما افاده آنفا من إناطة التحريم و توقفه على الفساد المحض.

و خلاصة الاستدراك: أن الفساد المحض يمكن أن يأتي منه في بعض الأحيان مصلحة نادرة.

فاجاب الشيخ رحمه اللّه: أن المصلحة النادرة التي تعد قليلة جدا أو المصلحة الموهومة لا اعتبار بها اصلا، و لا تعد مصلحة في عالم الاعتبار فهذه المصلحة لا تكون موجبة و باعثة للاحتفاظ بكتب الضلال و إبقائها.

(3) أي إبقاء كتب الضلال و الاحتفاظ بها كما عرفت آنفا.

(4) أي و كذلك لا اعتبار بالمصلحة النادرة التي لا يعتد بها.

ص: 377

و قد تحصل من ذلك (1) أن حفظ كتب الضلال لا يحرم إلا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا، أو احتمالا قريبا.

فان لم يكن كذلك (2)، أو كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة

++++++++++

(1) مقصود الشيخ: أن كتب الضلال بما هي كتب ضلال دون أن يترتب عليها الإضلال و الإفساد لا يكون احتفاظها حراما كما عرفت:

أن الملاك في الحرمة هو الإفساد و الإضلال.

فاذا تحقق الاضلال و الافساد ثبتت الحرمة، و إلا فلا.

ثم إن لعدم ترتب الإضلال و الإفساد صورا أربعة.

(الأولى): أن لا يكون في الاحتفاظ إضلال و إفساد اصلا و ابدا.

(الثانية): ان تكون المفسدة الموجودة في الاحتفاظ معارضة بمصلحة أقوى كالمطالعة فيها للرد عليها، فمصلحة الرد أقوى من مفسدة الاحتفاظ.

(الثالثة): أن تكون المفسدة المتوقعة و محتملة الوقوع معارضة بمصلحة متوقعة أقوى كوقوع هذه الكتب في يد شخص يحتمل أن يطالعها فيرد عليها.

و يحتمل أن تقع في يد شخص تضله فمفسدة الاحتفاظ المتوقعة معارضة بمصلحة متوقعة أقوى فتكون مقدمة على تلك المفسدة.

(الرابعة): أن تكون المفسدة المتوقعة معارضة بمصلحة متوقعة أقرب وقوعا من المفسدة المتوقعة.

ففي جميع هذه الصور لا يحرم الاحتفاظ بكتب الضلال.

(2) أي لم يترتب على الاحتفاظ اضلال و مفسدة اصلا.

هذه هي الصورة الأولى.

ص: 378

أقوى (1) أو عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة أقوى (2)، أو أقرب (3) وقوعا منها فلا دليل على الحرمة إلا (4) أن يثبت اجماع، أو يلزم بإطلاق عنوان معقد نفي الخلاف الذي لا يقصر عن نقل الإجماع، و حينئذ (5)

++++++++++

(1) هذه هي الصورة الثانية.

(2): هذه هي الصورة الثالثة.

(3): هذه هي الصورة الرابعة.

(4) هذا استثناء مما افاده آنفا: من عدم حرمة حفظ كتب الضلال في الصور الأربعة.

و خلاصة الاستثناء: أنه اذا ثبت اجماع على حرمة حفظ كتب الضلال و ان لم يترتب عليها الإضلال و الإفساد.

أو التزمنا بإطلاق معقد نفي الخلاف الذي ذكره (شيخنا الأنصاري) في صدر العنوان بقوله: حفظ كتب الضلال حرام في الجملة بلا خلاف:

بأن قلنا هكذا: حفظ كتب الضلال محرم بلا خلاف، فإن هذا الإطلاق يشمل حرمة احتفاظ كتب الضلال و ان لم يترتب عليها الإضلال و الإفساد ففي هذين الموردين و هما: ثبوت الإجماع على حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال.

أو الالتزام بإطلاق معقد نفي الخلاف الذي لا يقل عن نقل الإجماع:

نحكم بحرمة الاحتفاظ بها في الصور الأربعة المذكورة.

(5) أي و حين ثبوت الإجماع، أو الالتزام بإطلاق معقد نفي الخلاف كما عرفت آنفا.

مقصود الشيخ: أنه بعد ثبوت الاجماع، أو الالتزام بالإطلاق لا بد من تنقيح عنوان مسألة الاحتفاظ بالكتب، أي نستكشف عن ملاك الحرمة فيها، و نستفهم أن المناط أي شيء في ذلك.

ص: 379

فلا بد من تنقيح هذا العنوان، و ان المراد بالضلال ما يكون باطلا في نفسه فالمراد (1) الكتب المشتملة على المطالب الباطلة، أو أن المراد به مقابل الهداية فيحتمل أن يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال، و ان يراد ما أوجب الضلال و ان كانت مطالبها حقة كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة على ظواهر منكرة يدعون أن المراد غير ظاهرها فهذه أيضا كتب ضلال على تقدير حقيتها.

++++++++++

- فإن قلنا: ان الملاك في تحريم حفظ كتب الضلال نفس الكتب بما هي كتب ضلال، سواء ترتب عليها الإضلال و الافساد أم لا:

فيكون الاحتفاظ محرما مطلقا و في جميع الموارد حتى الصور الأربعة.

و إن قلنا: إن الملاك في التحريم هو ترتب الإضلال و الإفساد بمعنى أنه إذا أضلت الكتب و أفسدت القارئ و المطالع فيها فيحرم احتفاظها حينئذ بخلاف ما ذا لم تضل و لم تفسد فلا يكون الاحتفاظ بها حراما، فالحرمة و عدمها تدور مدار الإضلال و عدمه، فإن ثبت الإضلال ثبتت الحرمة، و إلا فلا فالحاصل أنه إن نقحنا عنوان مسألة حفظ كتب الضلال باحدى الكيفيتين ثبت أحد الحكمين المذكورين: من الحرمة المطلقة و إن لم يترتب على الاحتفاظ إضلال و إفساد. أو الحلية في صورة عدم ترتب الإضلال و الإفساد.

(1) الفاء تفريع على ما افاده الشيخ في تحرير محل هذه المسألة و تنقيحها. أي بعد أن علمت ما ذكرناها في تنقيح المسألة و تحريرها:

فالمراد من الكتب إما كتب الضلال بما هي كتب ضلال فيحرم اقتناؤها حينئذ و ان لم يترتب عليها الإضلال و الإفساد.

أو يراد من الضلال ما قابل الهداية فحينئذ له احتمالان.

(الأوّل): أن يراد من الكتب الضلال: الكتب التي وضعت

ص: 380

ثم الكتب السماوية المنسوخة غير المحرفة لا تدخل في كتب الضلال (1)

و أما المحرفة كالتوراة و الإنجيل على ما صرح به جماعة فهي داخلة في كتب الضلال بالمعنى الأوّل (2) بالنسبة إلينا، حيث انها لا توجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة.

نعم توجب الضلالة لليهود و النصارى قبل نسخ دينهما، فالأدلة المتقدمة لا تدل على حرمة حفظهما.

قال رحمه اللّه في المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد: فان كان في المغنم كتب نظر فيها، فان كانت مباحة يجوز اقرار اليد عليها مثل كتب

++++++++++

- لحصول الضلال لقرائها من بداية التأليف، بمعنى أنها ألفت لهذه الغاية.

(الثاني): الكتب التي توجب الاضلال و الإفساد و ان لم تكن مؤلفة لهذه الغاية من بداية التأليف و إن كانت مطالبها حقة إلا أنها موجبة للإضلال لمن طالعها، أو قرأها ككتب العرفاء و الفلاسفة المشتملة على ظواهر منكرة يدعون أن المراد منها غير ظاهرها.

و إلى هذين الاحتمالين من الشق الثاني افاد (شيخنا الأنصاري) بقوله: فيحتمل أن يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال، و أن يراد ما اوجب الضلال و إن كانت مطالبها حقة.

(1) لأنها كتب آلهية سماوية كالقرآن الكريم.

(2) و هو ما كان باطلا في نفسه و ان لم يترتب عليه الإضلال و الإفساد بالنسبة إلينا، فهذه الكتب لا يكون اقتناؤها محرما، لعدم شمول الأدلة المتقدمة: و هي الآيات الكريمة، و الأحاديث الشريفة التي ذكرناهما واحدة تلو أخرى، و حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد.

و إلى هذا اشار الشيخ بقوله: فالأدلة المتقدمة لا تدل على حرمة حفظها.

ص: 381

الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات (1) فجميع ذلك غنيمة.

و كذلك المصاحف، و علوم الشريعة كالفقه و الحديث و نحوه، لأن هذا مال يباع و يشترى كالثياب.

و ان كانت كتبا لا يحل إمساكها كالكفر و الزندقة و ما أشبه ذلك فكل ذلك لا يجوز بيعه و ينظر فيه.

فان كان مما ينتفع بأوعيته كالجلود و نحوها، فانها غنيمة.

و ان كان مما لا ينتفع بأوعيته (2) كالكاغد فانها تمزّق و تحرق

++++++++++

(1) و هي الكتب المؤلفة لإنشاء الرسائل إلى الأهل و الأصحاب و الأصدقاء و الملوك و الأمراء.

أو المراد منها الكتب المشتملة على رسائل بعض الشخصيات كرسائل (الصاحب بن عباد الطالقاني و ابن العميد) رحمهما اللّه برحمته الواسعة.

(2) بفتح الهمزة و سكون الواو جمع وعاء بكسر الواو: و هي الظروف التي كانت تصنع من الجلود و غيرها لأجل حفاظة القرآن الكريم، و كتب الحديث و الدراسة في العصور الغابرة حتى عصرنا و هي تشبه (الأغلفة النايلونية) التي تصنع في عصرنا الحاضر.

و المعنى: أنه كما لا يستفاد من نفس أوراق الكتب في الغنيمة، كذلك لا يستفاد من هذه الأوعية و الأغلفة فحينئذ تمزق أو تحرق: لأن الأوعية صنعت من غير الجلود.

بخلاف الصورة الأولى التي كانت الأوعية من الجلود فإنها لا تحرق لإمكان الاستفادة منها كما يستفاد من الجلود كما افاده الشيخ بقوله: فان كان مما ينتفع بأوعيته كالجلود و نحوها فانها غنيمة.

و لا يخفى أن الأوعية اذا كانت من جلود الميتة و علم أنها منها يأتي فيها ما تقدم في أجزاء الميتة.

ص: 382

اذ (1) ما من كاغد إلا و له قيمة، و حكم التوراة و الإنجيل هكذا كالكاغد فانه يمزق، لأنه كتاب مغيّر مبدّل. انتهى (2).

و كيف كان (3) فلم يظهر من معقد نفي الخلاف إلا حرمة ما كان موجبا للضلال: و هو الذي دل عليه الأدلة المتقدمة.

نعم ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه من دون أن يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الأموال فلا يقابل بالمال، لعدم المنفعة المحللة المقصودة فيه.

++++++++++

- راجع الجزء الأوّل من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. ص 91 إلى ص 103

(1) دفع وهم.

حاصل الوهم: أن هذه الكتب التي لا يستفاد بأوعيتها و أغلفتها لأنها ليست بجلود: مشتملة على الأوراق و هي قابلة الانتفاع، و لا أقل من جعلها ظروفا يوضع فيها الرز و البقول و الحبوب و ما شابهها فحينئذ يصح بذل المال إزائها، لوجود تلك المنفعة المحللة.

فأجاب الشيخ عن هذا الوهم ما حاصله:

أن الكلام في المنفعة المحللة المعتد بها، لا في المنفعة النادرة غير المعتدة و إلا فلا شك في الانتفاع بكل ورق يوجد في العالم من دون اختصاص بورق هذه الكتب.

(2) أي ما افاده (شيخ الطائفة) في هذا المقام.

راجع المبسوط. الجزء 2. ص 30، السطر 11-14 طباعة (طهران)

(3) أي سواء قلنا: إن المراد من كتب الضلال: الكتب التي في حد ذاتها كتب ضلال و ان لم يترتب عليها الإضلال و الافساد.

أم الكتب التي يترتب عليها الإضلال و الإفساد ففي كلا الحالين لم يظهر من معقد نفي الخلاف الذي ذكره (شيخنا الأنصاري) بقوله: -

ص: 383

مضافا (1) الى آيتي لهو الحديث، و قول الزور أما وجوب اتلافها فلا دليل عليه (2).

و مما ذكرنا (3) ظهر حكم تصانيف المخالفين في الأصول و الفروع و الحديث و التفسير و أصول الفقه و ما دونها من العلوم (4)، فان المناط في وجوب الاتلاف جريان الأدلة المتقدمة، فان الظاهر عدم جريانها في حفظ

++++++++++

- حفظ كتب الضلال حرام في الجملة بلا خلاف، إلا حرمة اقتناء الكتب التي موجبة للإضلال و الإفساد، لأنها القدر المتيقن من الأدلة المتقدمة من الآيات و الأخبار، و حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد فالتي ليست كذلك تخرج عن دائرة الحرمة فلا تشملها الأدلة المذكورة.

(1) أي بالإضافة إلى أن مثل هذه الكتب التي جامعة في حد نفسها للباطل لا تدخل تحت الأموال حتى يبذل بإزائها المال: أن آيتي لهو الحديث و قول الزور المشار إليهما في ص 373-374 تشملانها.

(2) أي وجوب إتلاف كتب الضلال.

(3) من أن المناط في حرمة كتب الضلال من حيث البيع و الشراء و الاقتناء: هو الإضلال و الإفساد.

فالكتب المؤلفة من قبل غير الطائفة الامامية في شتى العلوم لا تشملها الأدلة المتقدمة الدالة على حرمة الاقتناء، لعدم وجود الإضلال و الإفساد فيها

(4) كالكتب المؤلفة في كرامات المتصوّفة و العرفاء و رؤسائهم، و التي ألفت في فضائل (بني امية و بني العباس)، فإنها لا توجب الإضلال لعلم كل احد بكذبها، و أنها من وضع القصاصين، و أعداء الدين فالأدلة المتقدمة من الكتاب و الأخبار، و دليل العقل لا تشملها.

فالحاصل أن حرمة الاقتناء و عدمها دائرة مدار جريان الأدلة و عدم الجريان، فان جرت تأتي الحرمة، و إلا فلا.

ص: 384

شيء من تلك الكتب، إلا القليل مما ألّف في خصوص اثبات الجبر (1) و نحوه (2) و اثبات تفضيل الخلفاء (3)، أو فضائلهم،

++++++++++

(1) فإن الكتب المؤلفة في الجبر من الكتب المضلة المترتب عليها الإضلال و الافساد، اذ لازم ذلك بطلان العقاب و الثواب.

(2) كالكتب المؤلفة في الاختيار المطلق كما ذهب إليه اليهود و من يقول بمقالتهم في التفويض، فإنها موجبة للإضلال.

(3) على سيدنا (امير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام، لأنها توجب إضلال السذج و البسطاء من سواد الناس، لعدم علمهم بواقع الحال.

و من الواضح و البديهي في دين الاسلام: أن (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام أفضل الصحابة أجمع دينا و علما و عبادة و زهدا و شرفا و شجاعة و كرما و تقوى و حنانا و عطفا و عفوا فهو موسوعة الصفات الكاملة الانسانية التي يتجلى بها الانسان و مرآتها.

بالإضافة إلى سابقيته في الاسلام فهو أوّل الناس اسلاما و ايمانا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فلم يعبد صنما قط منذ نعومة أظفاره، و هو الوليد في البيت، و الشهيد فيه فمبدؤه فيه، و منتهاه إليه، و هو الوليد على الفطرة، أي على العصمة.

و لو لاه لما استقام الاسلام في الوجود.

قال صلى اللّه عليه و آله في (حرب الخندق) حينما تقابل الشرك و الايمان و حينما كان يعين مصيرهما: إما الشرك و هو الذل و الخزي و الهوان للإسلام و إما الايمان و هو النصر و الفتح النهائي للإسلام و قد فعل اللّه العزيز هذا النصر النهائي على يد من أحبه و أحبه رسوله و هو يحبهما:

اللهم قد برز الايمان كله إلى الشرك كله.

فبهذه و تلك يفضل (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام على الامة -

ص: 385

و شبه ذلك (1).

و مما ذكرنا (2) أيضا يعرف وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج على أهلها، أو للاطلاع على مطالبهم، ليحصل به التقية أو غير ذلك (3).

و لقد أحسن جامع المقاصد حيث قال: إن فوائد الحفظ كثيرة.

و مما ذكرنا (4) يعرف أيضا حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال، فان الواجب رفعه (5) و لو بمحو جميع الكتاب، إلا أن يزاحم

++++++++++

- جمعاء مدا (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله، فلا مجال لتفضيل الصحابة عليه.

و هذا من ضروريات مذهبنا نحن (الشيعة الامامية).

(1) كالكتب المؤلفة في التشنيع على (الشيعة الإمامية) أو في التشنيع على القول بوجود (الحجة المنتظر) عجل اللّه تعالى فرجه.

(2) من ان المناط في حرمة كتب الضلال: الإضلال و الإفساد:

تعرف وجه استثناء الفقهاء اقتناء كتب الضلال للرد عليها، أو للاحتجاج بها على مؤلفيها، أو للاطلاع على محتوياتها ليكون بصيرا بها، ليلزم جانب التقية قولا و عملا عند الخوف على النفس، أو المال، أو العرض.

ففي جميع هذه الحالات لا يحرم اقتناؤها، بل يجب حفظها لتلك الغايات.

(3) من المصالح التي يعرفها البصير حسب ظروفه، و بيئته التي يعيش فيها.

(4) من أن المناط في حرمة بيع كتب الضلال و شرائها و اقتناءها:

هو الاضلال و الافساد.

(5) أي رفع هذا البعض الموجب للإضلال.

ص: 386

مصلحة وجوده لمفسدة وجود الضلال (1).

و لو كان باطلا في نفسه كان خارجا عن المالية (2). فلو (3) قوبل بجزء من العوض المبذول يبطل المعاوضة بالنسبة إليه.

ثم ان الحفظ المحرم (4) يراد منه الأعم من الحفظ بظهر القلب و النسخ، و المذاكرة، و جميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلة.

++++++++++

(1) فإنه حينئذ لا يمحى البعض، بل يبقى في ضمن الكل، حيث ان مصلحة بقاء الكل أقوى من مصلحة إتلاف البعض.

(2) أي لا يبذل بإزائها المال، لعدم عده من الأموال حتى يبذل بإزائها المال.

(3) الفاء تفريع على ما افاده من خروج الكتاب عن المالية لو كان الكتاب باطلا في نفسه.

و خلاصة التفريع: أنه في صورة خروج الكتاب عن المالية فلو وقع الكتاب في قبال جزء من الثمن بأن باع زيد شيئا مع الكتاب مجتمعا بصفقة واحدة لوقع جزء من الثمن إزاء هذا الكتاب الذي هو أحد جزئي المبيع:

فحينئذ يبطل البيع بالنسبة إلى هذا الجزء الذي قوبل بالثمن، و صح الباقي.

(4) الوارد في كتب الضلال يراد منه معناه الأعم من الحفظ في الصدر، أو استنساخ الكتاب، أو مذاكرته ببيان مطالبه: أو أي شيء يكون سببا في إبقاء الكتاب، و ليس المراد من الحفظ اقتناء الكتاب فقط حتى يخرج ما ذكرناه من بقية ماله دخل في بقاء الكتاب عن مفهوم الاحتفاظ فيحل ابقاؤه.

ص: 387

ص: 388

الرّشوة

ص: 389

ص: 390

المسألة الثامنة الرشوة حرام.

اشارة

المسألة الثامنة (1) الرشوة حرام.

و في جامع المقاصد و المسالك: أن على تحريمها اجماع المسلمين.

و يدل عليه الكتاب و السنة (2).

++++++++++

(1) أي (المسألة الثامنة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: الرشوة.

و الرشوة مثلثة الراء و سكون الشين و فتح الواو من رشا يرشو رشوا وزان دعا يدعو دعوا فهو ناقص واوي.

و معناه لغة: إعطاء الحاكم، أو غيره ممن بيده الرتق و الفتق، و الحكم و الفصل شيئا من المال المعبر عنه بالجعل بضم العين، جمعه: رشى بضم الراء و كسرها، يقال: رشا زيد عمروا اي أعطاه شيئا من المال بإزاء عمل ما.

و في الاصطلاح: الرشوة: إعطاء الجعل للقاضي ليحكم له، سواء أ كان المعطي على حق أم على باطل.

(2) أما الكتاب فقوله تعالى: «وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى اَلْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ اَلنّٰاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » .

البقرة: الآية (188).

و أما الأحاديث الدالة على حرمة الرشوة فتأتي الإشارة إليها قريبا.

ص: 391

و في المستفيضة (1) أنه كفر باللّه العظيم، أو شرك.

ففي رواية الأصبغ بن نباته عن (أمير المؤمنين) عليه السلام قال:

أيما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه و ان أخذ هدية كان غلولا (2)، و ان أخذ الرشوة،

++++++++++

(1) أي و في الأحاديث المستفيضة التي لم تبلغ حد التواتر.

راجع (وسائل الشيعة) ج 18. ص 162 الباب 8 من أبواب آداب القاضي. الحديث 3-8.

(2) بضم الغين و زان فعول مصدر غلّ يغلّ : و هي الخيانة و السرقة.

و الفرق بين المصدر و هو غلول بضم الغين و اللام، و بين الغلول بفتح الغين: أن الأوّل نفس العمل، و الثاني: الشيء الذي يقام به العمل

و معناه: اخذ الشين خيانة و سرقة.

و اسم كان يرجع إلى الأخذ المتصيد من قوله: و إن اخذ.

و لا يخفى أنه قد تكرر ذكر الغلول في الحديث و المراد منه الخيانة في المغنم و السرقة من الغنيمة قبل القسمة.

يقال: غلّ من المغنم يغل غلولا فهو غال، و كل من خان في شيء خفية فقد غلّ ، و سميت غلولا، لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة كأنما قد جعلت فيها غل.

و الغل هي الحديدة التي تجعل في يد الأسير و تجمعها إلى عنقه.

و يقال لها: جامعة أيضا، و منه حديث (صلح الحديبية) لا إغلال و لا إسلال، و الإغلال هي الخيانة، أو السرقة الخفية.

راجع (نهاية ابن الأثير). الجزء 3. ص 380 طباعة دار إحياء الكتب العربية) عام 1383. مادة غلّ . -

ص: 392

فهو مشرك (1).

و عن الخصال (2) في الصحيح عن عمار بن مروان قال: كل شيء غلّ من الامام فهو سحت و السحت أنواع كثيرة:

منها: ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة.

و منها: أجور القضاة، و أجور الفواجر، و ثمن الخمر، و النبيذ المسكر، و الربا بعد البينة.

فأما الرشى يا عمار في الأحكام فان ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله

و مثلها: رواية سماعة عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام (3).

و في رواية يوسف بن جابر لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له، و رجلا خان أخاه في امرأته، و رجلا

++++++++++

- و الفرق بين الهدية و الرشوة: أن الأولى إعطاء الشيء للحاكم و القاضي دون أن يشترط عليه أن يحكم له.

و الثانية: هو إعطاء الشيء للحاكم و القاضي بشرط الحكم له.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 63. الباب 5 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 10.

(2) (الخصال). ص 300. الحديث 26.

و لا يخفى أن جملة كل شيء غلّ من الامام فهو سحت لا يوجد في المصدر و الخصال مؤلف شريف نفيس في الأحاديث الشريفة المروية عن (العترة الطاهرة لشيخنا الصدوق) اعلى اللّه مقامه.

جمع (المصنف) في الكتاب الخصال المحمودة و المذمومة.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 18 ص 162. الباب 8 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 3.

ص: 393

احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة (1).

و ظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه فتكون ظاهرة في حرمة أخذ الرشوة للحكم بالحق، أو للنظر (2) في أمر المترافعين ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من غير أجرة.

و هذا المعنى (3) هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل.

و إليه (4) نظر المحقق الثاني، حيث فسر في حاشية الارشاد الرشوة بما يبذله المتحاكمان.

و ذكر في جامع المقاصد: أن الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 163. الحديث 5.

و المراد من قوله عليه السلام: احتاج الناس إليه لفقهه: احتياجهم الى الحكام و القضاة للحكم فيما بينهم.

(2) أي يأخذ الرشوة للنظر في دفاترهم و أوراقهم.

و استشعار أن الحق في أي جانب، لا أنه يأخذ الرشوة للحكم، بل يأخذها لمقدمات الحكم، و يعبر عمن ينظر في امر المتحاكمين ب: (حاكم التحقيق) أو المحقق في عصرنا الحاضر.

و عن النظر نفسه: التحقيق فاخذ الرشوة لهذا النظر و التحقيق حرام أيضا.

(3) و هو اخذ المال بإزاء النظر إلى المسألة ظاهر القاموس.

راجع (القاموس المحيط). الجزء 4. ص 334.

طباعة مطبعة السعادة بمصر. سنة 1332 مادة رشا عند قوله:

و الرشوة مثلثة: الجعل.

(4) أي إلى هذا المعنى المذكور للرشوة في القاموس، و إلى أنه مطلق الجعل.

ص: 394

و هو صريح الحلي أيضا في مسألة تحريم أخذ الرشوة مطلقا (1) و إعطائها إلا اذا كان على إجراء حكم صحيح فلا يحرم على المعطي هذا (2).

و لكن عن مجمع البحرين: قلّما تستعمل الرشوة إلا فيما يتوصل به الى ابطال حق، أو تمشية باطل (3).

و عن المصباح (4): هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد.

و عن النهاية (5): أنها الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، و الراشي الذي يعطي ما يعينه على الباطل، و المرتشي الآخذ، و الرائش هو الذي يسعى بينهما ليزيد لهذا، أو ينقص لهذا.

و مما يدل على عدم عموم الرشى لمطلق الجعل على الحكم: ما تقدم في رواية عمار بن مروان من جعل الرشاء في الحكم مقابلا لأجور القضاة (6)

++++++++++

(1) سواء أ كانت على الحق أم على الباطل.

(2) أي خذ ما تلوناه عليك حول الرشوة.

(3) راجع (مجمع البحرين) طبعة (مطبعة الآداب) في النجف الأشرف. الجزء 1. ص 184 عند قوله: و الرشوة بالكسر ما يعطيه الشخص للحاكم و غيره.

(4) أي (المصباح المنير) في غريب الشرح الكبير.

(5) أي (نهاية ابن الأثير). طباعة (مصر)، عام 1306.

الجزء 2. ص 87 عند قوله: و الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة.

(6) حيث إن الامام عليه السلام عدّ الرشوة من الكفر في قوله:

(فأما الرشى في الأحكام يا عمار فإن ذلك الكفر باللّه العظيم، و لم يعد أجور القضاء من الرشوة.

بل عدها من السحت في قوله عليه السلام: و السحت أنواع، منها -

ص: 395

خصوصا (1) بكلمة أما.

نعم لا يختص بما يبذل على خصوص الباطل، بل يعم ما يبذل لحصول غرضه: و هو الحكم له حقا كان أو باطلا.

و هو (2) ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية.

و يمكن حمل رواية يوسف بن جابر (3): على سؤال الرشوة للحكم للراشي حقا أو باطلا.

أو يقال (4): إن المراد الجعل فاطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة

++++++++++

- اجور القضاة، فقوله عليه السلام: و منها اجور القضاة على عدم عموم الرشى لمطلق الجعل على الحكم.

(1) أي خصوصا كلمة أما في قوله عليه السلام: فأما الرشى في الأحكام فإنها تدل على عدم عموم الرشى لمطلق الجعل على الحكم حيث إنها تؤكد المغايرة بين أجور القضاة و الرشوة.

(2) أي العموم، المذكور: و هو سواء أ كان ما يبذل له باطلا أم حقا: ظاهر تعريف (المصباح المنير) المشار إليه في ص 395.

و ظاهر النهاية المشار إليه في ص 395.

(3) و هو المشار إليه في ص 393 في قوله عليه السلام: فسألهم الرشوة. أي و يمكن حمل الرواية على سؤال الرشوة لخصوص الحكم فقط للراشي، سواء أ كان الحكم المرتشى عليه حقا أم باطلا.

فحرمة اخذ الرشوة من جهة الحكم لا غير، و لولاها لم تحرم.

(4) هذا هو الشق الثاني لحرمة اخذ الرشوة، أي و يمكن أن يقال:

إن المراد من الرشى في قوله عليه السلام: (فأما الرشى في الأحكام يا عمار): هو الجعل الذي يعبر عنه بحق السعي. -

ص: 396

و منه (1) يظهر حرمة أخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين، مع تعين الحكومة عليه كما يدل عليه قوله عليه السلام: احتاج الناس إليه لفقهه.

و المشهور المنع مطلقا (2)، بل في جامع المقاصد دعوى النص و الإجماع

++++++++++

- و أما إطلاق الرشوة عليه في قوله عليه السلام: فأما الرشى في الأحكام فهو من باب تاكيد الحرمة، و تغليظ الحكم، و تقبيح الفعل، و لو لا هذه الجهات لم يطلق عليه الرشوة.

(1) أي و من حديث يوسف بن جابر يظهر حرمة اخذ الحاكم الجعل من المتحاكمين في صورة تعين الحكم عليه، و عدم وجود آخر للحكم بين المتحاكمين.

وجه الظهور: أن الامام عليه السلام علق الحكم و هي حرمة اخذ الرشوة على تعين الحكم على الحاكم في قوله عليه السلام: و رجلا أحتاج الناس إليه لفقهه، بناء على أن الاحتياج دليل تفرد القاضي في الحكم و عدم وجود قاض آخر.

فمن هذا التعليق تستظهر حرمة اخذ الجعل للحكم اذا كانت القضاء منحصرا فيه.

و مرجع الضمير في عليه في قوله كما يدل عليه: الظهور.

(2) أي المشهور قائل بعدم جواز اخذ الجعل للحاكم مطلقا، سواء أ كان الحاكم منحصرا أم متعددا.

و المراد من النص: رواية يوسف بن جابر المشار إليه في ص 393.

و رواية عمار بن مروان المشار إليها في ص 393.

و المراد من الاجماع: الاجماع المدعى في قوله: و في جامع المقاصد أن على تحريمه اجماع المسلمين. -

ص: 397

و لعله (1) لحمل الاحتياج في الرواية على الاحتياج إلى نوعه و لاطلاق (2) ما تقدم في رواية عمار بن مروان: من جعل أجور القضاة

++++++++++

- و سنشير في الهامش 1 إلى كيفية دلالتهما على ما ذهب إليه صاحب (جامع المقاصد): من حرمة اخذ الجعل مطلقا، سواء أ كان الحاكم منفردا أم متعددا.

(1) أي و لعل صاحب جامع المقاصد انما ذهب إلى حرمة أخذ الجعل مطلقا لأجل حمله الاحتياج الوارد في رواية يوسف بن جابر المشار إليها في ص 393: على الاحتياج إلى نوع الفقيه، لا إلى شخصه في قوله عليه السلام: و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه، فاذا اريد من الفقيه نوعه و هو الذي يحكم لهم في الخصومات فيحرم عليه اخذ الجعل و ان كان الحاكم متعددا.

(2) هذا دليل ثان من (الشيخ الأنصاري) لما ذهب إليه صاحب (جامع المقاصد): من حرمة أخذ الجعل مطلقا، سواء أ كان الحاكم متعددا أم منفردا فهو عطف على الدليل الأوّل، أي و لعل صاحب (جامع المقاصد) إنما ذهب إلى حرمة أخذ الجعل مطلقا لأجل اطلاق رواية (عمار بن مروان).

كيفية الاستدلال: ان قوله عليه السلام: فأما الرشى في الأحكام يا عمار فهو الكفر باللّه العظيم: مطلق يشمل الحاكم المتعين عليه الحكم كما اذا كان منحصرا في شخصه.

و المتعدد و هو الذي لم يتعين الحكم عليه كما اذا كان الحكام متعددين ففي الرواية لم يقيد عليه السلام الرشوة في الأحكام بحاكم مخصوص.

بل اطلق و قال: فأما الرشى في الأحكام، فمن هذا الاطلاق نستكشف حرمة أخذ الجعل مطلقا، سواء أ كان الحاكم منفردا -

ص: 398

من السحت، بناء على أن الأجر في العرف يشمل الجعل و ان كان بينهما فرق عند المتشرعة (1).

++++++++++

- أم متعددا.

و كلمة من في قوله: من جعل أجور القضاة بيان لقوله: ما تقدم أي ما تقدم عبارة من جعل أجور القضاة من السحت.

(1) أي و ان كان بين الجعل و الأجر فرق عند الفقهاء، حيث إن الأجر يقع إزاء العمل المستأجر، و عمل المتبرع.

بخلاف الجعل، حيث إنه لا يقع في قبال العمل المتبرع به، و ان كان وقوعه غير لازم في الخارج كقول القائل: من رد علي ضالتي فله علي كذا، أو من اخذ حقي من خصمي فله علي كذا، أو اذا قيل لرجل معين:

لو رددت ضالتي فلك عندي دينار.

فعلى هذا تكون النسبة بين الأجر و الجعل العموم و الخصوص المطلق أي كلما صدق الجعل صدق الأجر.

و ليس كلما صدق الأجر صدق الجعل. فالأخص من جانب الجعل.

ثم إن الجعل بالفتح مصدر. و بالضم اسم مصدر.

يقال: جعلت كذا جعلا و جعلا.

و الجعل بالضم الذي هو اسم المصدر عبارة عما تقرر إعطاؤه على العمل.

و قال في (مجمع البحرين) في مادة جعل: الجعل بضم الجيم و إسكان العين: ما يجعل للإنسان على عمل يعمله.

و كذلك الجعالة بفتح الجيم و العين.

و قيل: هي بالكسر.

و تعريفه في اللغة: أن الجعل ما يجعل للانسان على عمل. -

ص: 399

و ربما يستدل على المنع (1) بصحيحة ابن سنان قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قاض بين قريتين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان.

قال عليه السلام: ذلك السحت (2).

و فيه (3) ان ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل السلطان الظاهر، بل الصريح في سلطان الجور، اذ ما يؤخذ من العادل لا يكون سحتا قطعا، و لا شك ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه.

و لو فرض كونه (4) قابلا للقضاء لم يكن رزقه من بيت المال أو من جائزة السلطان محرما قطعا فيجب اخراجه عن العموم.

++++++++++

- و في الشرع على ما قرره الفقهاء و اهل العلم: صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض، مع عدم اشتراط العلم بالعوض و العمل.

(1) أي على منع أخذ القاضي الجعل.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 18. ص 161-162، الباب 8 من أبواب آداب القاضي. الحديث 1.

(3) أي و في الاستدلال بالصحيحة المذكورة على منع أخذ القاضي الجعل إزاء الحكم: نظر و اشكال، اذ الظاهر من الصحيحة، بل صراحتها:

أن المراد من السلطان في قول السائل: يأخذ على القضاء الرزق من السلطان: هو السلطان الجائر، فالمنصوب من قبله غير قابل للحكم و الإفتاء، لسقوط عدالته بقبوله هذا المنصب من قبله حيث ان الشارع لم يعتبر هذا المنصب المتلقى من السلطان الجائر، فما يأخذه يكون سحتا.

(4) أي لو فرض كون هذا القاضي المنصوب من قبل السلطان الجائر قابلا للقضاء و الافتاء: بأن استأذن من الامام العادل عليه السلام -

ص: 400

إلا (1) أن يقال: إن المراد الرزق من غير بيت المال.

و جعله على القضاء بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض.

و كيف كان فالأولى في الاستدلال على المنع ما ذكرناه.

++++++++++

- في تصديه لهذا المنصب: فلا يكون ارتزاقه من بيت المال، أو اخذه الجوائز من هذا السلطان محرما، لخروج هذا القاضي المنصوب من قبل الجائر بسبب استيذانه من الامام عليه السلام عن تحت العمومات الواردة في عدم جواز اخذ القاضي الأجر على القضاء في قوله عليه السلام: فأما الرشى في الأحكام يا عمار فان ذلك الكفر باللّه العظيم المشار إليه في ص 393.

و في قوله عليه السلام: ذلك السحت في جواب السائل عن قاض بين قريتين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان المشار إليه في ص 400.

و في قوله عليه السلام: لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من نظر الى فرج امرأة لا تحل له، و رجلا خان أخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس لفقهه فسألهم الرشوة المشار إليه في ص 393 فمثل هذا القاضي خارج عن تحت تلك الكبرى الكلية، و ليست من صغرياتها.

(1) هذا استثناء عما افاده من أن ما يأخذه القاضي المنصوب من قبل السلطان الجائر يمكن أن يكون جائرا و لا يكون سحتا بفرض كونه مستأذنا في ذلك عن المعصوم عليه السلام.

و خلاصة الاستثناء: أنه لو قلنا: إن المراد من الرزق الوارد في قوله عليه السلام: يأخذ على القضاء الرزق من السلطان: الرزق من غير بيت المال بأن يأخذه من المتحاكمين تجاه حكمه لهما: اتجهت الحرمة لكون ما يأخذه حينئذ سحتا لا مبرر له.

و القرينة على أن المراد من الرزق الرزق الذي يأخذه من المتحاكمين تجاه حكمه:.

ص: 401

خلافا لظاهر الغنية، و المحكي عن القاضي الجواز (1).

++++++++++

- جعل الامام عليه السلام الرزق في قبال الحكم و القضاء أي ما يأخذه عوض عن الحكم الذي عليه.

كما افاد هذا المعنى الشيخ بقوله: و جعله على القضاء بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض.

أي سواء قلنا: إن المراد من الرزق الرزق من بيت المال أم الرزق الذي يأخذه عوضا عن الحكم بين المتحاكمين:

فالأولى في الاستدلال على منع اخذ الرشوة على الحكم: ما ذكرناه من الروايات المتقدمة.

و هي رواية اصبغ بن نباتة المشار إليها في ص 392 في قوله عليه السلام:

و ان اخذ رشوة فهو مشرك.

و رواية عمار بن مروان المشار إليها في الهامش في قوله عليه السلام:

فأما الرشى في الأحكام يا عمار فان ذلك الكفر باللّه العظيم.

و رواية سماعة المشار إليها في ص 393.

و رواية يوسف بن جابر المشار إليها في ص 393 في قوله عليه السلام:

و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه، بناء على حمل الاحتياج على الاحتياج النوعي، لا الاحتياج الشخصي.

هذا بناء على أن المراد من قوله: ما ذكرناه الأخبار.

و يحتمل أن يكون المراد من ما ذكرناه التفصيل المتقدم في قوله:

ان كان القاضي منصوبا من قبل السلطان الجائر فلا يجوز له اخذ المال.

و إن كان منصوبا من قبله، لكنه استأذن عن الامام المعصوم عليه السلام فيجوز له الأخذ من بيت المال، أو من جوائز السلطان.

(1) أي جواز اخذ الحاكم الجعل على الحكم. -

ص: 402

و لعله (1) للأصل، و ظاهر (2) رواية حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من استأكل (3) بعلمه افتقر.

فقلت: إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم، و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون (4) منهم البر و الصلة و الإكرام.

فقال عليه السلام: ليس أولئك بمستأكلين إنما ذاك (5) الذي يفتي بغير علم، و لا هدى من اللّه، ليبطل به الحقوق، طمعا في حطام الدنيا الى آخر الخبر (6).

++++++++++

- و كلمة الجواز مرفوعة على أنها نائب فاعل لقوله: المحكي.

(1) أي و لعل جواز اخذ الجعل الذي ذهب إليه صاحب المقنعة و القاضي ابن البراج لاجل أصالة الاباحة في الأشياء، حيث إن العقلاء يبنون على الاباحة في كل الأشياء ما لم يرد نهي من الشارع.

(2) بالجر عطفا على مدخول (لام الجارة) في قوله: للأصل أي و لعل جواز اخذ الجعل الذي ذهب إليه صاحب المقنعة و القاضي للأصل، و لظاهر رواية حمزة بن حمران.

(3) من باب الاستفعال من استأكل يستأكل استئكالا و زان استخرج يستخرج استخراجا: معناه طلب الأكل و المقصود منه هنا: الاسترزاق أي من استرزق بعلمه.

(4) فعل مضارع معلوم من عدم يعدم و زان علم يعلم، معناه وصول الشيء القليل إلى الانسان، أي لا يصل لهؤلاء الذين يبثون علوم (الأئمة من أهل البيت) صلوات اللّه عليهم في الشيعة إلا الشيء القليل.

(5) أي المستأكل هو القاضي الذي يفتي بغير علم.

(6) (وسائل الشيعة). الجزء 18. ص 102-103. الباب 11 من أبواب آداب القاضي. الحديث 12.

ص: 403

و اللام في قوله: ليبطل به الحقوق إما للغاية (1) أو للعاقبة (2).

و على الأوّل (3) فيدل على حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل

++++++++++

(1) لام الغاية: ما كان مدخولها مقصودا للانسان كقولك: جئت (النجف الأشرف) للدراسة الدينية فالدراسة التي هو مدخول اللام هي الغاية المقصودة للانسان.

فمعنى كون اللام في الحديث في قوله عليه السلام: ليبطل به الحقوق للغاية: أن المقصود من الافتاء بغير علم: هو إبطال حقوق الآخرين ليأخذ المال، و حطام الدنيا في مقابل هذه الفتوى التي تبطل حقوق الآخرين.

(2) لام العاقبة: ما كان مدخولها غير مقصود للانسان، بل المدخول نتيجة للسابق في الكلام كما في قوله تعالى: «فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً» . القصص: الآية 8.

فكون وجود موسى عليه السلام عدوا لآل فرعون و حزنا لهم الذي هو مدخول اللام ليس مقصودا لآل فرعون من اخذه، بل المقصود من أخذه أن يكون لهم ولدا و عونا.

لكن عاقبة الالتقاط اصبحت ذلك، فالمدخول نتيجة لهذا الالتقاط الذي سبق في الكلام.

فمعنى لام العاقبة في الحديث: أن عاقبة الفتوى بغير علم: هو إبطال حقوق الآخرين، مع أن هذا ليس مقصودا.

(3) و هو كون اللام للغاية أي بناء على ذلك فالحديث يدل على حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل، حيث إن الامام عليه السلام في مقام الذم.

ص: 404

و على الثاني (1) فيدل على حرمة الانتصاب للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا.

و على كل تقدير (2) فظاهرها حصر الاستيكال المذموم فيما كان لأجل الحكم بالباطل، و مع عدم معرفة الحق فيجوز الاستيكال مع الحكم بالحق

و دعوى (3) كون الحصر اضافيا بالنسبة إلى الفرد الذي ذكره على حرمة

++++++++++

(1) و هو كون اللام للعاقبة: أي بناء على ذلك فالحديث يدل على حرمة انتصاب القاضي للفتوى من غير علم.

(2) أي سواء أ كانت اللام للغاية، أم للعاقبة فظاهر الرواية المشار إليها في ص 403.

(3) دفع و هم حاصل الوهم: أن الحصر في قوله عليه السلام:

إنما ذاك الذي يفتي بغير علم اضافي، و أنه من باب حصر الصفة على الموصوف.

و قبل الخوض في ذكر الوهم و حاصله لا بأس بالاشارة الاجمالية الى أقسام الحصر، لارتباطه بالمقام، ثم الشروع في الوهم و الجواب عنه

فنقول: الحصر إما حصر الصفة على الموصوف، أو حصر الموصوف على الصفة.

و كل واحد منهما إما حصر حقيقي، أو إضافي فهذه أربعة أقسام.

(الأوّل): حصر الصفة على الموصوف كقولك: و ما خاتم النبيين إلا محمد صلى اللّه عليه و آله، أو و ما شاعر إلا زيد، فإن حصر الخاتمية في (الرسول الأعظم). و الشاعرية في زيد حصر الصفة على الموصوف.

(الثاني): حصر الموصوف على الصفة كقوله تعالى:

«وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ » (1) .

و ما زيد إلا شاعر. -

ص: 405


1- آل عمران: الآية 144.

السائل (1) فلا يدل إلا على عدم الذم،

++++++++++

- فحصر محمد صلى اللّه عليه و آله في الرسالة، و زيد في الشاعرية حصر الموصوف في الصفة.

(الثالث): و هو الحصر الحقيقي كالمثال الأوّل.

(الرابع): الحصر الاضافي كالمثال الثاني، فان للرسول الأعظم صلى اللّه عليه و آله صفات غير الرسالة. لا تنحصر فيها، لكن القوم لما أرادوا منه صلى اللّه عليه و آله أشياء على خلاف نواميس الطبيعة البشرية فأنزل اللّه سبحانه و تعالى: وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ .

و كذلك زيد لا تنحصر صفاته في الشاعرية، اذ من الممكن أن يكون له الكرم و الشجاعة و البلاغة، و هكذا.

اذا عرفت هذا فاعلم أن هنا وهما حاصله: أن الحصر في قوله عليه السلام: إنما ذاك الذي يفتي بغير علم من باب حصر الصفة على الموصوف، و أن الحصر إضافي فلا يقتضي رفع الذم عن غيرهم: و هم الذين يفتون بعلم و عدل و هدى.

بل يختص رفع الذم بالذين يبثون علوم: (أئمة أهل البيت) عليهم السلام فقط، فالامام عليه السلام إنما حصر الذم بالذين يفتون بغير علم، و رفع الذم عن الذين يبثون علوم (أهل البيت).

و أما الذين يفتون بعلم و عدل، و يحكمون بالحق فيجوز لهم الاستيكال كما افاده الشيخ بقوله: و يجوز لهم الاستيكال.

و يمكن شمول الرواية لمثل هذا القاضي الذي يحكم بالعلم و العدل اذا كان منصوبا من قبل السلطان الظالم فيحرم عليه الأخذ حينئذ فحكمه حكم القاضي الذي يحكم بغير علم و عدل

(1) و هو الذي يتحمل علوم (الأئمة) عليهم السلام ليبثها في شيعتهم كما عرفت في الهامش آنفا.

ص: 406

على هذا الفرد (1)، دون كل من كان غير المحصور فيه (2)، خلاف (3) الظاهر.

و فصل في المختلف فجوز أخذ الجعل و الأجرة مع حاجة القاضي و عدم تعيين القضاء عليه، و منعه (4) مع غناه.

++++++++++

(1) و هو الذي يبث علوم (الأئمة) في الشيعة كما عرفت في الهامش

(2) و هم الذين يفتون بغير علم، أي عدم الذم متوجه إلى الذين يبثون علوم (الأئمة) في الشيعة، لا إلى الذين يفتون بغير علم، فإن هؤلاء يتوجه نحوهم الذم في قوله عليه السلام: انما ذاك الذي يفتي بغير علم: أى إنما المستأكل هو الذي افتى بغير علم، لا الذي افتى بعلم، و قضى بالحق و الهدى.

(3) بالرفع خبر للمبتدإ المقدم في قوله: و دعوى.

هذا جواب عن الوهم المذكور. و خلاصته:

أن دعوى الحصر الاضافي هنا خلاف الظاهر، لأن كلمة إنما موضوعة للحصر الحقيقي، لا الحصر الاضافي حتى يقال: إن عدم الذم منحصر بالنسبة إلى الذين يبثون علوم الأئمة في شيعتهم، و الذم منحصر في الذين يفتون بغير علم.

و أما القضاة الذين مع الحق فالرواية ساكتة عنهم.

فقول الامام عليه السلام في جواب السائل: إنما ذاك الذي يفتي بغير علم يحصر الاستيكال في القضاة الذين يفتون بغير علم فقط.

و أما غيرهم من الذين يفتون بعلم و هدى و عدل فغير مذمومين فلا تشملهم الرواية في عدم جواز الأكل من بيت المال، بل يجور لهم الأكل و الاستيكال.

(4) أي منع العلامة جواز أخذ القاضي الأجر اذا كان غنيا فجواز أخذ الأجر عند العلامة مقيد بقيدين:

ص: 407

أو عدم (1) الغنى عنه.

و لعل اعتبار عدم تعين القضاء، لما تقرر عندهم من حرمة الأجرة على الواجبات العينية، و حاجته لا تسوغ أخذ الأجرة عليها (2)، و إنما

++++++++++

- (الأوّل): احتياجه إلى الارتزاق بحيث لا يكون له مورد غير ذلك.

(الثاني): عدم تعين القضاء عليه، فمفهوم القيد الأوّل: يفيد عدم جواز أخذ القاضي الجعل لو كان غنيا و ان كان القضاء عليه غير متعين.

و مفهوم القيد الثاني: يفيد عدم جواز أخذ القاضي الجعل و ان كان فقيرا.

كما أنه قيد عدم جواز الأخذ بقيدين أيضا: غنى القاضي بعدم احتياجه إلى المال. و انحصار القضاء فيه.

و لا يخفى أن عدم جواز أخذ القاضي الجعل في هذه الصورة مبني على وجود بيت مال للمسلمين حتى يرتزق منه.

أو وجوب اعانته على المسلمين، أو هناك طريق آخر للارتزاق.

و إما اذا لم يكن احد المذكورات موجودا، و ليس له مورد يعيش به.

فالحكم بعدم جواز أخذه الجعل مشكل، إذ معناه أنه يضحي بحياته و حياة عائلته في سبيل ذلك.

لكن الجواب عن هذا واضح، حيث ان الضرورات تبيح المحظورات فاذا بلغ الأمر إلى هذا الحد جاز له أخذ الجعل للتعيش، لا للحكم، فإن الأخذ للحكم لا يجوز على كل حال.

(1) هذا هو الفرد الثاني من فردي عدم جواز اخذ القاضي الأجر من بيت المال. و قد عرفته آنفا.

(2) أي على الواجبات العينية.

ص: 408

يجب على القاضي و غيره رفع حاجته من وجوه اخر (1).

و أما اعتبار الحاجة (2) فلظهور اختصاص أدلة المنع (3) بصورة الاستغناء كما يظهر (4) بالتأمل في روايتي يوسف و عمار المتقدمتين، و لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه الكفائي كما هو أحد الأقوال في المسألة الآتية في محلها ان شاء اللّه.

و أما الارتزاق من بيت المال فلا اشكال في جوازه للقاضي مع حاجته

++++++++++

(1) كما شرحناه لك في الهامش ص 408.

و لا يخفى أن القضاء ليس امرا عباديا متوقفا على قصد القربة حتى لا يجوز أخذ الاجرة عليه، بل هو من الواجبات التوصلية.

لكن عدم الجواز فيه لأجل الأخبار الواردة في ذلك المنصرفة الى الرشوة، ليكون الحكم في صالح أحد المتحاكمين.

أو في ضرر احدهما، ما لم يحكم خلاف الحق.

(2) و هو احتياج القاضي إلى الارتزاق، و عدم وجود مورد له ذلك

(3) و هي الأخبار الواردة في ذلك، و قد اشير إليها في ص 392-394.

(4) أي يظهر اختصاص أدلة المنع بصورة استغناء القاضي عن المال من روايتي يوسف و عمار المشار إليهما في ص 393.

و لا يخفى عدم ظهور الروايتين في اختصاص المنع بصورة الاستغناء لمن تأملهما دقيقا، حيث يقول صلى اللّه عليه و آله في رواية يوسف بن جابر: و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة، فالسؤال هنا عام سواء أ كان في صورة الاحتياج أم في صورة الاستغناء.

و أما رواية عمار فقوله عليه الصلاة و السلام:

فأما الرشى في الأحكام فان ذلك الكفر باللّه. فهو عام أيضا ليس فيها أي اشارة إلى اختصاص المنع بصورة الاستغناء.

ص: 409

بل مطلقا (1) اذا رأى الامام المصلحة فيه، لما سيجيء من الأخبار الواردة.

في مصارف الأراضي الخراجية.

و يدل عليه ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر (2) من قوله عليه السلام: و أفسح له، أي للقاضي بالبذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته إلى الناس (3).

و لا فرق (4) بين أن يأخذ الرزق من السلطان العادل، أو من الجائر لما سيجيء من حلية بيت المال لأهله و لو خرج من يد الجائر.

و أما ما تقدم في صحيحة ابن سنان (5) من المنع من أخذ الرزق من السلطان فقد عرفت الحال (6) فيه.

++++++++++

(1) أي سواء أ كان محتاجا أم لا اذا رأى الامام عليه السلام المصلحة في ارتزاق القاضي الغني من بيت المال.

(2) يأتي شرح حياته في اعلام المكاسب.

(3) راجع (نهج البلاغة) شرح الشيخ محمد عبده. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. طبع مصر. الجزء 3. ص 105 عند قوله عليه السلام: و افسح له في البذل ما يزيل علته و تقل معه حاجته إلى الناس.

و شرح (ابن أبي الحديد) الجزء 4. ص 58. طباعة دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان.

(4) أي في حالة القضاء، و جواز اخذ الرزق من بيت المال.

(5) المشار إليها في ص 400 عند قوله عليه السلام في جواب السؤال عن القاضي أنه يأخذ الرزق من السلطان: ذلك السحت.

(6) من أن القاضي المنصوب من قبل السلطان الجائر غير قابل للقضاء بين الناس، لأنه بقبوله هذا المنصب من قبل الجائر يخرج عن العدالة و لا يليق لهذا المنصب.

ص: 410

و أما الهدية و هي ما يبذله على وجه الهبة (1) ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان أو باطلا و إن لم يقصد المبذول (2) له الحكم الا بالحق اذا عرف و لو من القرائن أن الباذل قصد الحكم له على كل تقدير فيكون الفرق بينها (3)، و بين الرشوة: أن الرشوة تبذل لأجل الحكم، و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له على الحكم على وفق مطلبه فالظاهر حرمتها (4) لأنها رشوة، أو بحكمها بتنقيح المناط.

و عليه (5) يحمل ما تقدم من قول أمير المؤمنين عليه السلام: و إن أخذ «يعني الوالي» هدية كان غلولا (6)، و ما ورد من أن هدايا العمال

++++++++++

(1) من دون أن يشترط الحكم له، أو على خصمه.

(2) و هو الحاكم فإنه و ان لم يقصد الحكم للباذل و المهدي، بل يقصد الحكم طبق الحق، سواء أ كان له أم عليه.

لكن مع ذلك يحرم على الحاكم أخذ الهدية.

(3) أي بين الهدية.

(4) أي حرمة مثل هذه الهدية لأنها رشوة، أو بحكمها، بناء على وحدة الملاك و تنقيح المناط، حيث إن الرشوة إنما تعطى لأجل أن الحاكم يحكم للراشي و يصالحه و ان كان محقا، خوفا من أنه لو لم يعط للقاضي لعله يرتشى من خصمه.

و هذا الملاك بعينه موجود في الهدية، لأنها تعطى لايجاد المحبة في الموهوب له، و لازم ايجاد المحبة في الموهوب له أن يحكم الحاكم لصالح الواهب لا محالة

(5) أي و على جلب المحبة للحكم في الهدية.

أو و على تنقيح المناط.

(6) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 63-64. الباب 5 من أبواب تحريم أجر الفاجرة. الحديث 10. -

ص: 411

غلول (1)، و في آخر سحت (2).

و عن عيون الأخبار عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالى: أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ قال: هو الرجل يقضي لأخيه حاجته، ثم يقبل هديته (3).

و للرواية (4) توجيهات تكون الرواية على بعضها محمولة على ظاهرها

++++++++++

- و جملة: (يعني الوالي) التي جعلناها بين القوسين في المتن ليست من الحديث، بل جملة تفسيرية جاء بها الشيخ لتفسير فاعل أخذ.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 18. ص 163. الحديث 6.

و في المصدر هدية الأمراء.

(2) (وسائل الشيعة) الجزء 12. ص 62. الحديث 2-5. و ص 63. الحديث 9.

(3) نفس المصدر. ص 64، الحديث 11.

(4) و هي رواية (عيون الأخبار) أي هذه الرواية تحتاج إلى توجيهات.

أما وجه احتياجها إلى توجيهات فلأن ظاهر تفسير الامام عليه السلام آية أكاّلون للسحت: بمن يأخذ الهدية عن أخيه بعد أن انجز له حاجته: يرينى ؟؟؟ امرا عجيبا، اذ كيف يمكن أن يعد آخذ الهدية بمجرد أخذها من الأكّالين للسحت، مع أننا نرى بالعيان كثيرا من الناس يعطون الهبات و الهدايا بكل طيب و إخلاص لمن يقضي لهم الحاجات و قد جرت سيرة الناس و ديدنهم على ذلك، فتعبير الامام عليه السلام عن الهدية بالسحت، و عن آكلها بأكال السحت ظاهرة عجيبة تحتاج الى التوجيه و التأويل، لعدم وجود مبرر لذلك.

و قد ذكر الشيخ توجيهين لذلك على سبيل منع الخلو في المتن.

أليك خلاصتهما.

(الأوّل): أن يقال: إن عد مثل هذه الهدية التي تؤخذ بعد قضاء -

ص: 412

من التحريم (1).

و على بعضها محمولة على المبالغة (2) في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من أهل الحاجة إليه، لئلا يقع (3) في الرشوة يوما.

++++++++++

- الحاجة لأخيه: من السحت، و آكلها من الأكالين للسحت اذا كان على وجه الاشتراط بأن يشترط من يقضي الحاجة لأخيه معه: أن لي كذا من المال لو قضيته لك فحينئذ لا شك في حرمة مثل هذا الاشتراط و حرمة هذه الهدية و أنها من السحت، و آكلها من الأكالين للسحت.

(الثاني): أن يكون تعبيره عليه السلام عن مثل هذه الهدية بالسحت و عن آكلها بأكال السحت، لحث الناس عن الاجتناب البالغ عن أكل مثل هذه الهدايا في قبال الحاجة التي تقضى، و لئلا يتورطوا في الحرام شيئا فشيئا حتى لا يشاب عمل قاضي الحاجة بما يحبط أجره عند اللّه عز و جل و أنه لا ينبغي للمسلم بما هو مسلم من اخيه المسلم تجاه عمل يقوم له، اذ مقتضى الأخوة الاسلامية أن لا يأخذ من أخيه شيئا حتى تتوثق عراها اكثر و أشد من سابقها، و ان كان يستحب لصاحب الحاجة إعطاء شيء لمن قضى حاجة.

فالحاصل أن التعبير عن مثل هذه الهدية بالسحت، و عن آكلها بأكال السحت محمول على أحد الأمرين المذكورين لا محالة.

(1) هذا هو التوجيه الأوّل الذي ذكرناه بقولنا: الأوّل أن يقال

(2) هذا هو التوجيه الثاني الذي ذكرناه بقولنا: الثاني أن يكون تعبيره.

(3) أي آخذ الهدية بعد قضاء الحاجة لأخيه المؤمن.

و كلمة من في قول الشيخ: من التحريم بيانية لكلمة توجيهات في قوله: و للرواية توجيهات -

ص: 413

و هل تحرم الرشوة في غير الحكم ؟ بناء على صدقها (1) كما يظهر مما تقدم عن المصباح (2) و النهاية (3) كأن يبذل له مالا على أن يصلح أمره عند الأمير (4)، فان كان أمره (5) منحصرا في المحرم، أو مشتركا بينه و بين المحلل (6) لكن بذل على اصلاحه حراما، أو حلالا فالظاهر (7)

++++++++++

- و اللام في قوله: لئلا يقع تعليل للمبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهداية.

أي لئلا يقع القاضي في الرشوة يوما ما بسبب أخذه الهدية كما ورد عن المعصوم عليه السلام من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

(1) أي بناء على صدق الرشوة في غير الحكم أيضا.

و أما بناء على عدم الصدق فلا يحرم أخذها.

(2) في قوله: الرشوة: ما يعطيه الشخص للحاكم، أو غيره في ص 395 و لا يخفى ان الذي يفيد في المقام هو الصدق العرفي، لا التعريف اللغوي و الصدق العرفي ممنوع.

(3) في قوله: إنها الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة في ص 395.

(4) مثال للرشوة في غير الحكم.

(5) أي أمر معطي الرشوة لغير الحكم كان منحصرا عند الأمير.

(6) كأن كان هناك مال مشترك بينه و بين شخص آخر فيروم الاستيلاء عليها فيعطي المال لزيد ليستخلصها له، سواء أ كان هذا الذي يبذله لزيد مالا حراما أم حلالا.

(7) أي الظاهر حرمة هذا الشيء الذي يعطيه للشخص في سبيل اصلاح امره الذي كان عند الأمير و كان محرما لا غير، أو مشتركا بين الحلال و الحرام، لأنه من باب الأكل بالباطل، لا من باب أن المأخوذ رشوة، لعدم الدليل على كون الرشوة في غير الحكم حراما، سوى بعض الاطلاقات المتقدمة: -

ص: 414

حرمته لا لأجل الرشوة، لعدم (1) الدليل عليها، عدا بعض الإطلاقات المنصرف إلى الرشى في الحكم، بل (2) لأنه أكل للمال بالباطل فتكون الحرمة هنا لأجل الفساد (3) فلا يحرم القبض في نفسه، و انما يحرم التصرف لأنه باق على ملك الغير.

++++++++++

- و هي رواية أصبغ بن نباتة المشار إليها في ص 392 عند قوله عليه السلام:

و إن اخذ رشوة فهو مشرك، حيث إن كلمة رشوة هنا مطلقة تشمل الرشوة المبذولة في سبيل الحكم، و الرشوة المبذولة في سبيل اصلاح الأمر عند الأمير.

لكننا نقول: إن الاطلاق المذكور منصرف إلى الرشوة المبذولة في سبيل الحكم فقط، و لا تشمل الرشوة المبذولة في سبيل اصلاح الأمر فلا تكون حرمة مثل هذا المبذول من باب الرشوة، بل من باب أكل المال بالباطل. كما أفاده (شيخنا الأنصاري) بقوله: بل لأنه أكل للمال بالباطل.

(1) أي لعدم الدليل على الرشوة.

تعليل لكون المبذول في سبيل اصلاح الأمر ليس رشوة.

أي ليس لنا دليل على ذلك سوى بعض الاطلاقات.

و قد عرفت بعض الاطلاقات و الجواب عنه آنفا.

(2) أي بل الدليل على حرمة مثل هذه الرشوة: أنه من باب اكل المال بالباطل كما عرفت.

(3) المراد من الفساد هنا: استيلاء الآخذ على مال الغير بدون مملك شرعي فحرمة هذا المال لأجل ذلك لا غير، و لذا يبقى المال على ملك -

ص: 415

نعم (1) يمكن أن يستدل على حرمته بفحوى اطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال.

و أما بذل المال على وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة فلا حظر فيه كما يدل عليه ما ورد في أن الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله فيسكنه.

قال: لا بأس به (2).

++++++++++

- مالكه يجب على القابض رده إليه، و عدم جواز التصرف فيه فيبقى عنده أمانة شرعية، لأن مثل هذا النوع من القبض لا يكون مملكا للعين.

و أما قبضه المال ابتداء فلا يحرم عليه شرعا، لأن القبض بأمر من المعطي

(1) استدراك عما افاده آنفا من عدم حرمة بذل هذا المال في نفسه لعدم الدليل على حرمته.

و خلاصة الاستدراك: أنه يمكن الاستدلال بحرمة هذا المال بفحوى اطلاق ما تقدم في هدية الولاة في قوله عليه السلام: و ان اخذ يعنى الوالي هدية كان غلولا.

و بفحوى إطلاق هدية العمال في قوله عليه السلام: إن هدايا العمال غلول، و قد اشير إلى الحديث الأوّل في ص 392، و إلى الحديث الثاني في ص 411 ففحوى الحديثين يدل على حرمة أخذ مثل هذه الهدية التي تبذل في غير الحكم الشرعي من باب مفهوم الأولوية.

(2) (وسائل الشيعة) الجزء 12. ص 207. الباب 85 من أبواب ما يكتسب به. كتاب التجارة. الحديث 2.

و في المصدر: على أن يتحول من منزله بدل ليتحرك.

أليك نص الحديث:

عن (محمد بن مسلم) قال: سألت (أبا عبد اللّه عليه السلام) عن الرجل يرشو الرجل الرشوة على أن يتحول من منزله فيسكنه. -

ص: 416

..........

++++++++++

- قال: لا بأس به.

و مرجع الضمير في منزله: الرجل الباذل كما أن فاعل يسكنه في قوله:

ليسكنه: الرجل الباذل.

و يحتمل أن يكون مرجع الضمير في منزله: الرجل المبذول له.

ثم لا يخفى أن اطلاق الرشوة على إعطاء شيء لشخص ليحمله على ما يريد صحيح و قد نص عليه (صاحب المصباح) بقوله:

هي ما يعطيه الشخص للحاكم، أو غيره ليحكم له، أو يحمله على ما يريد، فعليه يحتمل أن تكون الرشوة هنا كالأجر فيعطي الباذل المبلغ للنازل في المنزل ليتحول عنه: و ذلك بأن يأتي شخص إلى ساكن الدار أو المحل فيغريه بمال ليخرج حتى يحل محله.

ثم إن (شيخنا الأنصاري) حمل المنزل على المنزل المشترك بين المسلمين كالمدرسة و المسجد و السوق و غيرها من الأماكن العامة.

و كأن الشيخ استفاد هذا الحمل من صاحب (وسائل الشيعة)، حيث قال في المصدر نفسه: الظاهر أن المراد من المنزل: المنزل المشترك بين المسلمين كالأرض المفتوحة عنوة، أو الموقوفة على طائفة خاصة.

لكن الظاهر عدم اختصاص المنزل الوارد في الرواية بما ذكره (شيخنا الأنصاري) تبعا (لصاحب الوسائل)، حيث إن كلمة المنزل عامة تشمل كل ما يصلح للنزول و السكنى فيه، سواء أ كان دارا أم حانوتا أم رباطا أم مدرسة، أم شيئا آخر، و لا اختصاص له بما ذكر، و سواء أ كان خصوصيا أم عموميا.

ثم إنه من المحتمل قويا استفادة جواز أخذ (السرقفلي) الذي هو إعطاء مبلغ إلى النازل في المنزل و الساكن فيه حتى يرفع اليد عن ذلك -

ص: 417

..........

++++++++++

- و عن حق سكناه الشرعي: من الحديث الشريف حيث إن الحديث يصرح بجواز دفع المكلف مبلغا إلى الساكن في المنزل ليفرغه و يرفع اليد عنه حتى يسكنه هو، فعليه يجوز دفع مبلغ أيضا إلى النازل في الحانوت، أو المعمل أو أي مكان آخر ليسكنه هو، بناء على أن المراد من المنزل معناه الأعم و هو مكان النزول و محله، سواء أ كان دارا أم حانوتا أم مدرسة أم رباطا و لا اختصاص له بالمدرسة، أو الرباط، أو الحسينيات، أو الأمكنة العامة.

و ليس في الحديث ما يدل على الاختصاص المذكور المستفاد من كلام الشيخ تبعا لصاحب (وسائل الشيعة).

و في العصور الغابرة يعبر عن ذلك المبلغ (بالرشوة).

و في عصرنا الحاضر (بالسرقفلي).

ثم إن الساكن ان رفع اليد عن المنزل بمعناه الأعم و افرغه للدافع فهو المطلوب، و إلا استرجع ما دفعه إليه.

ثم لو بقيت للساكن في المنزل مدة دفع الباذل مبلغا آخر للساكن عوضا عن تلك المدة الباقية إما بعنوان مال الاجارة ان كان للساكن حق الاجارة و إما بعنوان المصالحة.

و لو لم يكن للساكن حق الاجارة فالمتعين المصالحة.

هذا ما يمكن استفادته من الحديث الشريف حول اصل جواز أخذ (السرقفلي).

بالإضافة إلى إمكان القول: بأن دفع مبلغ إلى الساكن في المنزل أو الحانوت ليرفع اليد عنه: يكون تجاه حق السبق المعبر عنه (بحق الاختصاص)، حيث إن الساكن قد أوجد فيه كيانا خلال مدة سكناه فيه حتى صارت له شهرة محلية يقصد إليه من كل أنحاء المدينة، و لربما بلغت -

ص: 418

..........

++++++++++

- الشهرة إلى حد يقصدون المحل من أنحاء البلاد فبهذه الشهرة يثبت له حق الاختصاص، و اذا ثبت حق الاختصاص جاز بذل المال ازائه مهما كلف الأمر كما يبذل المال في كثير من الموارد التي تثبت فيها حق الاختصاص

و قد مضى من الشيخ في الجزء الأوّل من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. ص 290 إلى 293: التصريح بجواز بذل المال للشخص على أن يرفع اليد عما في تصرفه من الأمكنة المشتركة: من المسجد و المدرسة و السوق لثبوت حق الاختصاص في تلك.

و كذا في هذا الجزء ص 154 عند قوله: ثم إن منع حق الاختصاص.

فالحاصل: أنه جرت سيرة العقلاء و ديدنهم قديما و حديثا في سبيل تمشية أمورهم، و جلب المنافع لهم: بصرف أموال طائلة، و مبالغ باهظة

و من الموارد التي تصرف عليها الأموال: المحلات و المعامل و البنايات.

و أما كيفية أخذ السرقفلي فقد ذكرها الأعلام من الفقهاء العظام و منهم سيدنا الشريف آية اللّه (السيد الميلاني) دام ظله في رسالته: (أحكام خصم الكمبيالات) من ص 23 إلى ص 29 فراجع هناك تستفيد مطالب هامة

ثم إن (صاحب الوافي) أفاد في المقام في كتابه (الوافي). الجزء من المجلد 2. ص. الباب، الحديث: أن الساكن كان غاصبا و عاصيا فلم يخرج من المنزل الا بدفع الرشوة إليه.

لكن ما افاده قدس سره يأباه لحن الحديث ظاهرا، فإن المتبادر الى الذهن أن الباذل له رغبة في النزول في المنزل، و يرى أن ليس له المنازعة إلا أن يعطيه شيئا حتى يرفع اليد عن ذلك، فليس في الحديث ما يشعر على ما افاده صاحب الوافي.

فعلى ضوء ما ذكرنا يمكن القول بحلية أخذ (السرقفلي) من هذا الحديث الشريف.

ص: 419

و المراد المنزل المشترك (1) كالمدرسة و المسجد و السوق، و نحوها (2).

و مما يدل على التفصيل في الرشوة بين الحاجة المحرمة و غيرها (3):

رواية الصيرفي قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام و سأله حفص الأعور فقال: إن عمال السلطان يشترون منّا القرب و الاداوة (4) فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا فنرشوه حتى لا يظلمنا (5).

فقال: لا بأس بما تصلح به مالك، ثم سكت ساعة ثم قال: اذا انت رشوته يأخذ منك أقل من الشرط (6)؟

قلت: نعم.

++++++++++

(1) أي المشترك بين المسلمين كما عرفت في ص 417.

(2) من الرباط و الحسينيات، و المجالس المعدة للارشاد و الوعظ و التبليغ، و المحلات و المعامل و البنايات.

(3) فلا يجوز في الأوّل، و يجوز في الثاني.

(4) بكسر الهمزة مفرد: جمعه أداوى و زان فتاوى: و هي المطهرة تصنع من الجلود.

و قرب بكسر القاف، و فتح الراء جمع قربة بكسر القاف و سكون الراء:

و هي آلة يستسقى بها و هي معروفة.

و لا يخفى أنه يظهر من العبارة: أن عمال السلطان كانوا يدفعون ثمن القرب و الأداوى سلفا: على مقدار معلوم، و عدد معلوم، و حجم معلوم.

(5) أي حتى لا يأخذ منا اكثر من المقرر كما أو كيفا بأن يقول:

إن هذه القرب و الأداوي ليست بالصفات المذكورة في المقاولة، و أشباه هذه الإيرادات و الاشكالات.

(6) خذ لذلك مثالا.

عامل قائد الجيش مع أحد الخياطين المعروفين: خياطة ملابس -

ص: 420

قال: فسدت رشوتك (1).

++++++++++

- معلومة كما و كيفا و عددا لجنوده: بأن ذكر في المقاولة الأوصاف المقررة فيما بينهما: بأن تخيط بالخياطة (الرومية) و هي التي تكون ذات (درزين).

أو بالخياطة (الفارسية) و هي التي تكون ذات (درز) واحد.

أو تفصل الملابس من نوع خاص من الأقمشة، و غير ذلك من المواصفات المقررة، و بعد ذلك تسلم عامل قائد الجيش من الخياط خلاف المقرر فيما بينهما كما و كيفا.

(1) (وسائل الشيعة): الجزء 12. ص 409-410. الباب 37 من أبواب أحكام العقود. الحديث 1.

أي كانت رشوتك فاسدة فما تعطيه له حرام، و ما يأخذه منك بهذا العنوان فهو حرام لا يملكه، لوقوع الرشوة ازاء العمل الذي هو اقل من المواصفات المقررة في المقاولة المتفق عليها.

ثم إن من الممكن أن يستفاد من هذه الرواية التي سندها قوي لكونه متصلا إلى طريق (شيخ الطائفة) المتصل طريقه إلى (الحسن بن محمد بن سماعة)(1): تملك الدولة الأموال، و صحة معاملاتها في الخارج مع الناس، و صحة معاملة الناس معها: على نحو الموجبة الجزئية، لأن الامام عليه السلام سأل الرجل عن كيفية دفعه الرشوة إلى عمال السلطان بقوله: اذا انت رشوته يأخذ منك أقل من الشرط.

فأجاب الرجل السائل: نعم، أي إنما نرشو عمال السلطان لأجل أن يأخذوا منا القرب و الأداوى بأقل من الشروط المقررة فيما بيننا.

فقال الامام عليه السلام: فسدت رشوتك، فحكم الامام بفساد الرشوة في قبال العمل الذي يعمله صانعي القرب و الأداوي: من إعطاء -

ص: 421


1- راجع جامع الرواة. الجزء 1. ص 225. حرف الحاء.

و مما يعد من الرشوة، أو يلحق بها: المعاملة المشتملة على المحاباة (1)

++++++++++

- القرب و الأداوى لعمال السلطان أفل من المواصفات المقررة فيما بينهم:

دليل على تملك الدولة الأموال، و صحة معاملتها مع الناس، و معاملة الناس معها، لأنه لو كانت لا تملك لا مجال للحكم بفساد الرشوة، و وجوب إعطاء المقرر و دفعه إلى عمال السلطان بعد أن قال عليه السلام أولا في جواب السائل: لا بأس بما تصلح به مالك.

نعم لا يصح أن يقال بصحة معاملاتها بنحو الموجبة الكلية، اذ للدولة أموالى غصبية، و معاملات فاسدة كاخذها الضرائب من الخمور و المومسات و الربا، و ما شابه هذه.

(1) بضم الميم مصدر باب المفاعلة من حابى يحابي محاباة و زان كافى يكافي مكافاة، ناجى يناجي مناجاة.

و اصل حابى حبوا من الحبوة بمعنى العطية قلبت واوه الفا طبقا للقاعدة المشهورة: من أن الواو اذا كانت حرف علة قلبت الفا.

و معناه: إعطاء المبيع إلى المشتري بأقل من ثمنه المتعارف في السوق:

بأن يبيعه بدرهم و قيمته في السوق عشرة دراهم و يباع كذلك.

و إنما يبيعه بدرهم من القاضي للغاية التي قصدها و هو الحكم له بحيث لولاه لم يبعه بدرهم، و هذا نوع تمحل للفرار عن الرشوة.

ثم إن لهذه المعاملة المحاباتي صورا ثلاثة.

(الاولى): أن يقصد المحابي من المعاملة المحاباة فقط أي لا يقصد من هذه المعاملة التي تكون المحاباة في ضمنها سوى المحاباة.

لا شك في فساد هذه المعاملة، لأن المحابي لا يقصد من إعطاء السلعة بأقل من سعرها المقرر الا لأجل حكم القاضي له، و لو لاه لم يقدم على ذلك ابدا. -

ص: 422

كبيعه من القاضي ما يساوي عشرة دراهم بدرهم، فإن لم يقصد من المعاملة إلا المحاباة التي في ضمنها (1)، أو قصد (2) المعاملة لكن جعل المحاباة لأجل الحكم له: بأن كان الحكم له من قبيل ما تواطئا عليه من الشروط غير المصرح بها في العقد فهي الرشوة.

و إن قصد أصل المعاملة (3) و حابى فيها لجلب قلب القاضي فهو

++++++++++

- (الثانية) أن يقصد المحابي من إعطاء السلعة للقاضي بأقل من سعرها المقرر: المعاملة بدوا، لكنه جعل النقص الذي هي المحاباة لأجل أن يحكم القاضي له.

لا شك في فساد هذه المعاملة أيضا، لنفس الملاك الذي ذكرناه في الصورة الأولى.

و قد اشار الشيخ بفساد الصورتين بقوله: فهي الرشوة.

(الثالثة): أن يقصد المحابي من إعطائه السلعة إلى القاضي بأقل من سعرها المقرر: أصل المعاملة، لكنه انما يعطيه انقص من السعر المقرر لأجل جلب توجه القاضي و قلبه نحوه، من دون أن يقصد ذلك في ضمن المعاملة كما في الصورة الأولى، أو لأجل الحكم له كما في الصورة الثانية.

أفاد الشيخ أن هذه الصورة هدية ملحقة بالرشوة ففساد المعاملة فيها وجه قوي بقوله: و في فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي.

(1) هذه هي الصورة الأولى، أي المحاباة تكون في ضمن المعاملة.

و قد عرفت شرح هذه العبارة في الصورة الأولى.

(2) هذه هي الصورة الثانية، أي المحاباة يكون لأجل حكم القاضي له و قد عرفت شرح هذه العبارة في الصورة الثانية.

(3) هذه هي الصورة الثالثة، أي يكون المقصود من هذه النقيصة -

ص: 423

كالهدية ملحقة بالرشوة.

و في فساد المعاملة المحاباة فيها وجه قوي.

ثم إن كل ما حكم بحرمة أخذه (1)،

++++++++++

- المعاملة فقط، دون مدخلية للمحاباة فيها ابدا.

و قد عرفت شرح هذه العبارة في الصورة الثالثة.

(1) مرجع الضمير: (ما الموصولة) في قوله: ثم إن كل ما حكم و خلاصة هذا الكلام: أنه في كل مورد حكمنا بحرمة أخذ الشيء كما في الجعالة الباطلة، و الأجر الباطل فيما اذا قال شخص: كل من سرق مال زيد فله عندي جعالة قدرها دينار.

أو قال لزيد: لو ضربت فلانا لكان لك عندي أجر قدره دينار واحد فان آخذ الدينار في الموردين يجب عليه رده إلى صاحبه إن كان الدينار موجودا.

أو وجب عليه رد مثله، أو قيمته لو كان تالفا.

و كذلك الأمر في الرشوة التي تعطى للقاضي في مقابل الحكم الذي يحكمه للراشي، فانه يجب على القاضي رد عين الشيء المأخوذ لو كانت موجودة، أو مثلها، أو قيمتها لو كانت تالفة، لأن هذه الرشوة في الحقيقة هي الجعالة الباطلة، فكما انه يجب على آخذ الجعالة الباطلة رد عينها أو مثلها، أو قيمتها إلى صاحبها.

كذلك في الرشوة.

هذا اذا كانت الرشوة في مقابل الحكم بأن قصد الراشي إعطاءه للقاضي لأجل أن يحكم له، أي كانت الغاية ذلك كما في الصورة الأولى و الثانية، و هكذا في الصورة الثالثة كما أفاد الفساد و البطلان الشيخ فيها بقوله: و في فساد المعاملة المحاباة فيها وجه قوي.

ص: 424

وجب على الآخذ رده (1) و ردّ بدله مع التلف اذا قصد مقابلته بالحكم كالجعل و الأجرة حيث حكم بتحريمها.

و كذا الرشوة، لأنها حقيقة جعل على الباطل، و لذا (2) فسره في القاموس بالجعل.

و لو لم يقصد بها (3) المقابلة، بل أعطى مجانا ليكون داعيا على الحكم و هو المسمى بالهدية: فالظاهر عدم ضمانه، لأن (4) مرجعه إلى هبة مجانية فاسدة، اذ (5) الداعي لا يعد عوضا، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

++++++++++

(1) الواو هنا بمعنى أو، أي أورد مثلها او قيمتها كما عرفت.

هذا اذا قصد من اعطاء الرشوة للقاضي مقابلتها للحكم الذي يحكمه له القاضي: بأن كانت الغاية من الإعطاء هو ذلك كما في الصورة الأولى و الثانية.

(2) تعليل لأن الرشوة في الحقيقة جعل، أي و لأجل أن الرشوة جعل فسر صاحب القاموس الرشوة بالجعل.

(3) أي و لو لم يقصد الراشي بالرشوة مقابلتها للحكم، بل أعطاها مجانا ليكون داعيا على الحكم.

(4) تعليل لعدم ضمان مثل هذه الرشوة التي لم تكن في قبال الحكم بل كانت هدية.

و خلاصة التعليل: أن مآل هذا الإعطاء إلى هبة مجانية فاسدة لا غير فلا يضمن الآخذ لو تلفت، لا بالمثل و لا بالقيمة.

(5) دفع و هم حاصل الوهم: أنه كيف يمكن القول بعدم الضمان مع أن المعطي انما أعطى للقاضي ليكون ما أعطاه له في قبال حكم القاضي له، و داعيا له على الحكم فقصد الداعي كان ملحوظا من بداية الأمر فيكون الداعي عوضا عن الهبة ففي الواقع وقع الداعي في قبال الحكم له فيثبت الضمان.

ص: 425

و كونها (1) من السحت إنما يدل على حرمة الأخذ، لا على الضمان.

و عموم (2) على اليد مختص بغير اليد المتفرعة على التسليط المجاني

++++++++++

- فاجاب الشيخ عن الوهم: ما حاصله: أنه كيف يمكن جعل الداعي عوضا عن الهبة، لأنه يلزم اتحاد العوض و المعوض فعليه لا يعد الداعي عوضا فثبت أن مرجع هذه الهبة إلى الهبة الفاسدة مجانا، و قد حقق في محله:

أن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده كالبيع، و ان كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده كالهبة غير المعوضة، فان صحيحها لا يضمن فكذلك فاسدها.

(1) دفع و هم حاصل الوهم: أن الهدية فسرت بالسحت كما في تفسير (مولانا أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام قوله تعالى: «أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ » حيث قال عليه السلام: هو الرجل يقضي لأخيه حاجته ثم يقبل هديته فاذا كانت الهدية هو السحت فلازمه بقاؤها على ملكية صاحبها فيجب ردها إليه فهي في يده امانة شرعية كما عرفت في ص 412 حول توجيهات الرواية.

فأجاب الشيخ رحمه اللّه عن الوهم ما حاصله: أن الهدية في هذه الموارد و هي الهدية المجانية و إن كانت سحتا كما في تفسير الامام عليه الصلاة و السلام و يحرم أخذها، بناء على التوجيه المذكور للرواية في ص 412-413.

لكنها ليست موجبة للضمان. لإعراض صاحب المال عنها، و تسليطه الموهوب له عليها.

(2) دفع و هم ثان حاصل الوهم: أنه سلمنا أن هذه الهدية هدية مجانية و بلا عوض.

لكن في عين الحال لا يكون الموهوب له مالكا لها، لوجوب ردها بمقتضى عموم قاعدة: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي): الى صاحبها فيضمنها -

ص: 426

و لذا (1) لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام.

و في كلام بعض المعاصرين أن احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا (2) غير بعيد، معللا بتسليط المالك عليها (3) مجانا، و لأنها (4) تشبه المعاوضة، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

++++++++++

- لو تلفت في يده و تحت تصرفه.

فاجاب (الشيخ) رحمه اللّه عن الوهم المذكور: ما حاصله:

ان الاستدلال بعموم قاعدة (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) على الضمان مخدوش، لأنها مختصة بغير التسليط المجاني، و هنا قد سلط الواهب الموهوب له على المال من دون عوض و مقابل، و لذا لا يضمن، لأن صحيح الهبة لا يضمن ففاسدها كذلك.

(1) أي و لأجل أن الواهب قد سلط الموهوب له على ماله مجانا و بلا عوض لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير مقام الرشوة، كما لو وهب شخص ماله لآخر رجاء أن يقوم له ببعض الأعمال المحرمة و لم يشترط عليه ذلك حين الإعطاء فالموهوب له لا يضمن هذا المال لو تلف عنده، سواء قام بالعمل المحرم أم لم يقم.

(2) أي سواء أ كانت الرشوة بعنوان الجعل أم بعنوان الهدية، و سواء أ كانت الهدية مشروطة أم لا.

(3) أي على الرشوة.

تعليل من بعض المعاصرين لاحتماله عدم الضمان في الرشوة. في المقامات المذكورة.

و خلاصة التعليل: أن مالك الرشوة الذي دفعها إلى الشخص فقد سلطه عليها تسليطا مجانا و بلا عوض فلا ضمان على القابض عند التلف.

(4) أي و لأن الرشوة.

ص: 427

و لا يخفى ما بين تعليله (1) من التنافي،

++++++++++

- تعليل ثان من بعض المعاصرين لاحتماله عدم الضمان في الرشوة المبذولة في المقامات المذكورة.

و خلاصة التعليل: أن الرشوة في مثل هذه المقامات شبيهة بالمعاوضات الخارجية في كونها موجبة للضمان، فان إعطاء رشوة لزيد مثلا لانجاز عمل في الخارج بعد نوع معاوضة فتضمن.

لكن لما كانت الرشوة باطلة فاسدة فلا تكون مضمونة، لأنك قد عرفت أن الضمان و عدمه في المعاوضات دائر مدار كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و فيما نحن فيه: و هو اعطاء الرشوة لانجاز العمل فاسد من أصله، فلا يضمن.

(1) هذه العبارة: و لا يخفى ما بين تعليله من التنافي قد ذكرت في نسخ (المكاسب) مختلفة.

ففي بعضها هكذا: و لا يخفى ما بين تعليله من التنافي كما هنا.

و في بعضها: و لا يخفى ما بين تعليله من التنافي.

و في بعضها: و لا يخفى ما في تعليله من التنافي.

فعلى القراءة الأولى: و هو تعليليه: يكون المراد من تعليليه: التعليل الأوّل لبعض المعاصرين في قوله: تسليط المالك عليها مجانا.

و التعليل الثاني في قوله: لأنها تشبه المعاوضة، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و أما وجه التنافي بين التعليلين: ان التعليل الأوّل فرض فيه الرشوة مجانا و بلا عوض شيء في قبالها فلا ضمان فيها.

و أن التعليل الثاني شبه الرشوة بالمعاوضة، و من المعلوم أن المعاوضة من شأنها أن لا تكون مجانية ففيها الضمان، فإذا يحصل التنافي بين التعليلين. -

ص: 428

لأن (1) تشبيهه الرشوة بالمعاوضة يستلزم الضمان، لأن المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كل منهما (2) ما وصل إليه بعوضه الذي دفعه فيكون مع

++++++++++

- و أما على القراءة الثانية: و هو ما بين تعليله: يكون المراد أن صدر التعليل: و هو قوله: بتسليط المالك مجانا: يتنافى و ذيل التعليل: و هو قوله: و لأنها تشبه المعاوضة، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده لأن معنى تسليط المالك عليها مجانا: أن الرشوة ليست معاوضة، و ليست بإزاء شيء فلا ضمان فيها.

و معنى أنها تشبه المعاوضة: ان الرشوة معاوضة، و وقعت بإزاء شيء فتكون عوضا فيثبت الضمان فيها.

فاذا يحصل التنافي بين صدر التعليل و ذيله كما عرفت.

و أما على القراءة الثالثة: و هو لا يخفى ما في تعليله من التنافي:

يكون المعنى أنه بين المدعى: و هو عدم الضمان في الرشوة مطلقا كما في قوله: إن احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد.

و بين التعليل بقوله: و لأنها تشبه المعاوضة، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده: تناف و تنافر، حيث إن المدعى يصرح بعدم الضمان في الرشوة مطلقا، سواء أ كانت بعنوان الجعل أم بعنوان الهدية.

و التعليل يصرح بالضمان، فهو معنى التنافي.

ثم إن الأولى في عبارة الشيخ أن تكون هكذا: و لا يخفى ما في تعليله من التنافي.

(1) تعليل لوجه التنافي بين تعليليه، أي لأن تشبيه بعض المعاصرين الرشوة بالمعاوضة. و قد عرفت وجه التنافي آنفا.

(2) معنى هذه العبارة: أن كل واحد من المتعاملين في المعاوضة الصحيحة يضمن عوض ما وصل إليه.

فلو وصل الثمن من المشتري إلى البائع قبل أن يوصل إليه المثمن فقد -

ص: 429

الفساد (1) مضمونا بعوضه الواقعي: و هو المثل، أو القيمة، و ليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه حتى لا يضمن بفاسده.

نعم (2) قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات بالنسبة إلى غير العوض كما أن العين المستأجرة غير مضمونة في يد المستأجر بالاجارة فربما يدعى أنها غير مضمونة اذا قبض بالاجارة الفاسدة.

لكن (3) هذا كلام آخر و الكلام في ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة.

++++++++++

- ضمن البائع المثمن للمشتري.

و هكذا لو وصل المثمن من البائع إلى المشتري قبل أن يوصل إليه الثمن فقد ضمن المشتري الثمن للبائع.

(1) أي مع فساد المعاوضة بأن لم تكن شرائطها موجودة فيها.

(2) استدراك عما أفاده آنفا: من أن كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

و خلاصة الاستدراك: أنه يمكن ادعاء أن بعض المعاوضات الصحيحة لا تضمن أعيانها كما في الاجارة، فان العين المستأجرة لو تلفت في يد المستأجر بلا تفريط و تعد منه لا يكون ضامنا لها.

كذلك فاسد الاجارة، فانه لو تلفت العين فيها بلا تفريط و تعد من المستأجر لا يكون ضامنا لها كما لو استأجر مسجدا، أو حسينية و هو لا يعلم بوقفيتهما، أو استأجر دارا مجهولة المدة، فان العين في الصور المذكورة لا تكون مضمونة، لعدم الضمان في صحيحها.

(3) هذا جواب عن الاستدراك المذكور، أي عدم ضمان العين المستأجرة في الاجارة الصحيحة و الفاسدة لو تلفت عند المستأجر: خارج عما نحن فيه، لأن الكلام في ضمان العوض، لا في أمر آخر بمعنى أن كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يأتي في العوض لا في أمر آخر، و الاجارة قد تعلقت بالمنفعة التي هو المعوض، لا بالعين حتى تجري القاعدة المذكورة فيها.

ص: 430

و التحقيق (1) أن كونها معاوضة، أو شبيهة بها وجه لضمان العوض فيها، لا لعدم الضمان.

فروع في اختلاف الدافع و القابض.

فروع (2) في اختلاف الدافع و القابض.

لو ادعى (3) الدافع أنها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد و الحرمة و ادعى القابض (4) انها هبة صحيحة لداعي القربة، أو غيرها (5):

++++++++++

(1) من هنا يريد الشيخ أن يرد على ما أفاده بعض المعاصرين:

من عدم الضمان في الرشوة مطلقا في قوله: و في كلام بعض المعاصرين:

ان احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد: أي الحق في المقام أن الرشوة اذا كانت شبيهة بالمعاوضة كما أفاده بعض المعاصرين بقوله:

لأنها تشبه المعاوضة: فهو دليل لضمان العوض فيها، لأن المعاوضات توجب الضمان و الرشوة منها كما أفادها المعاصر فتضمن لو تلفت.

(2) هذه الفروع متفرعة على قبض القاضي المال من الدافع.

(3) هذا هو الفرع الأوّل، أي لو ادعى الدافع أن الذي دفعته للقاضي و ان كانت بعنوان الهدية، لكن المقصود منها الرشوة.

و انما يدعي هذه الدعوى ليترتب عليها شيئان:

الحكم الوضعي و هو الفساد الموجب لرد المال إلى صاحبه.

و الحكم التكليفي و هي الحرمة الموجبة لعدم جواز تصرف القاضي في هذا المال.

(4) و هو القاضي، فانه يدعي هذه الدعوى حتى لا يضمن المال لو تلف عنده.

(5) من الدواعي الصحيحة التي لا يترتب عليها الفساد عند قبض المال عليها.

ص: 431

احتمل تقديم الأوّل (1)، لأن الدافع أعرف بنيته، و لأصالة الضمان في اليد اذا كانت الدعوى بعد التلف (2).

و الأقوى تقديم الثاني (3)، لأنه يدعي الصحة.

و لو ادعى (4) الدافع انها رشوة: أو أجرة على المحرم (5) و ادعى القابض كونها هبة صحيحة احتمل أنه كذلك (6)، لأن الأمر يدور بين الهبة الصحيحة، و الاجارة الفاسدة.

و يحتمل العدم (7)، اذ لا عقد مشترك هنا اختلفا في صحته و فساده (8)

++++++++++

(1) و هو الدافع الذي يدعي أن المدفوع إلى القاضي و ان كان بعنوان الهبة، لكنها كان في الواقع رشوة.

(2) كما هو المفروض في المسألة.

(3) و هو قول من يدعي أنها هبة صحيحة، لتقديم مدعي الصحة على مدعي الفساد.

(4) هذا هو الفرع الثاني.

(5) كدفع الأجرة لقتل شخص محقون الدم، أو لضربه كذلك أو اهانته.

(6) أي يحتمل تقديم قول الثاني: و هو دعواه أنها هبة صحيحة لأنه يدعي الصحة، و ذاك يدعي الفساد، و مدعي الصحة مقدم على مدعي الفساد، لحمل أفعال المسلم على الصحة.

(7) أي عدم تقديم قول الثاني الذي يدعي الصحة.

(8) حيث إن أحدهما يدعي الاجارة، و الثاني يدعي الهبة، فبين الاجارة و الهبة تباين لا جامع بينهما حتى يقال بتقديم قول مدعي الصحة على من يدعي الفساد.

ص: 432

فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض (1)، لا لصحته (2) فيحلف على عدم وقوعه، و ليس هذا (3) من مورد التداعي كما لا يخفى.

++++++++++

(1) حيث يدعي القابض انها هبة، و الدافع ينكر أصل العقد.

(2) أي و ليس الدافع منكرا لصحة العقد الذي يدعيه القابض ليكون مدعيا للفساد حتى يقدم قول القابض الّذي يدعي الصحة، ثم تتوجة يمين نحو الدافع، طبقا للقاعدة المقررة: اليمين على من أنكر

بل الدافع منكر أصل هذا العقد الذي يدعيه الآخذ فيحلف على عدم وقوع العقد.

و الفاء في قوله: فيحلف بمعنى حتى، أي حتى يحلف الدافع كما عرفت

(3) أي الفرع الثاني ليس من مورد التداعي، حتى تتوجه اليمين عليهما ثم تسقط الدعوى، حيث ان التداعي فيما اذا اختلف زيد و عمرو في العين المبيعة: بأن قال البائع: بعتك هذا الثوب، و قال المشتري:

بعتني ذاك الثوب فكل واحد منهما يدعي غير ما يدعيه الآخر، و ينكر كل منهما ما ادعاه الآخر فحينئذ يحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر أي نفي بيع الآخر له فيرجع كل شيء إلى صاحبه: الثمن للمشتري، و المبيع للبائع

و هذا الفرع خارج عنه موضوعا.

و الظاهر أن خروجه عنه لأجل أن احدى الدعويين لا تكون مشتملة على أمر شرعي كما هو الملاك في باب التداعي: و هي دعوى الدافع أن المبذول للقابض رشوة، أو أجرة على محرم، فان هذه الدعوى لو كانت ذات أثر شرعي لكان هو الضمان، و المفروض أن الضمان يأتي بعد بطلان -

ص: 433

و لو ادعى (1) أنها رشوة. و القابض أنها هدية فاسدة لدفع الغرم عن نفسه (2)، بناء على ما سبق: من أن الهدية المحرمة لا توجب الضمان ففي تقديم الأوّل (3)، لأصالة الضمان في اليد، أو الآخر (4) لأصالة عدم سبب الضمان، و منع أصالة الضمان وجهان:

++++++++++

- دعوى القابض بحلف الدافع لانكاره الهبة فلا يبقى مجال لإسناد الضمان الى دعوى القابض.

و لا يمكن أن يأتي الضمان من كلتا الدعويين على نحو الاستقلال، لعدم جواز اجتماع سبين تامين على مسبب واحد.

و لا يمكن أن يقال: إن كلا من الدعويين يؤلفان سببا واحدا للضمان

و لا يخفى أن ما أفاده الشيخ من خروج الفرع المذكور عن باب التداعي مبني على اشتراط وجود أثر شرعي في كل من الدعويين كما عرفت.

لكن الاشتراط المذكور ممنوع، فيصح أن يكون المورد من باب التداعي فحينئذ يحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر فيرجع المبذول الى الباذل.

(1) هذا هو الفرع الثالث.

(2) حيث إن الهدية الصحيحة لا ضمان فيها، و الفاسدة كذلك، بناء على أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

(3) و هو مدعي الرشوة الذي هو الدافع، لأصالة الضمان في اليد لأن الدافع و القابض متفقان على أن المال كان للدافع، ثم صار إلى القابض فتستصحب ملكية الدافع فتشمل الضمان قاعدة: على اليد ما أخذت حتى تؤدي.

(4) أي و في تقديم قول الآخر و هو القابض الذي يدعي كونها هدية فاسدة، لأصالة عدم وجود سبب للضمان، اذ المدعي يدعي أن المدفوع -

ص: 434

أقواهما الأوّل (1)، لأن عموم خبر على اليد يقضي بالضمان، إلا (2) مع تسليط المالك مجانا. و الأصل (3) عدم تحققه.

و هذا (4)،

++++++++++

- رشوة حتى يثبت سبب الضمان، و الأصل عدم كونه رشوة فلا يثبت سبب الضمان.

و لا يخفى أنه في صورة جريان الاستصحاب على الفرض الأوّل و هو تقديم قول الدافع لم يبق مجال لجريان هذا الأصل، لأنه عند تعارض الأصل و الاستصحاب يقدم الاستصحاب، حيث إنه من الأصول المحرزة المقدمة على هذا الأصل، فهو برزخ بين الأصل و الإمارة.

(1) و هو الضمان، لأنه كما عرفت أن المتسالم بين الدافع و القابض:

أن المال للدافع فحينئذ تأتي قاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي.

(2) هذا اشكال على عموم على اليد ما أخذت.

و خلاصة الاشكال أن الدافع سلط القاضي على ماله تسليطا مجانيا فليس هنا تصرف من تلقاء نفسه حتى اذا تلف يكون ضامنا، فلا مجال لجريان قاعدة عموم على اليد ما اخذت حتى تؤدي.

(3) هذا جواب عن الاشكال.

و خلاصة الجواب: أن الأصل الأولي العقلائي: و هو بناء العقلاء على أن الانسان حينما يدفع مالا إلى الآخر: لا يدفعه مجانا و بلا عوض بل يكون ازاء شيء آخر فحينئذ لا مجال للقول بأن الدافع سلط القاضي على ماله مجانا و بلا عوض.

(4) هذا دفع و هم.

حاصل الوهم: أنه بناء على هذا الأصل الأولى الذي مقتضاه الضمان -

ص: 435

حاكم على أصالة عدم سبب الضمان فافهم (1).

++++++++++

- يقع التعارض بينه، و بين أصالة عدم سبب الضمان الذي مقتضاه عدم الضمان

و قد أشار إلى هذا الأصل الشيخ بقوله: لأصالة عدم سبب الضمان فحينئذ يتساقطان فلا مجال لاثبات الضمان بالأصل العقلائي.

فأجاب الشيخ عن الوهم المذكور بأن الأصل العقلائي حاكم على أصالة عدم سبب الضمان فيثبت الضمان على كل حال.

(1) اشارة على أن المطلب دقيق فتعمق فيه، و دقق النظر.

ص: 436

الفهارس

اشارة

1 - الأبحاث

2 - التعليقات

3 - الآيات الكريمة

4 - الأحاديث النبوية الشريفة

5 - الأعلام

6 - الأمكنة و البقاع

7 - الشعر

8 - الكتب

9 - الخاتمة

ص: 437

ص: 438

1 - فهرس الأبحاث

ص الموضوع

5 الإهداء

19 هياكل العبادة

11 الأصنام و الأوثان

17 ما أفاده (الشيخ كاشف الغطاء)

18 تحقيق حول قصد المادة

21 الملحوظ حالة البيع

23 ما أفاده (العلامة) حول مكسور الهياكل

25 ما افاده (المحقق الكركي) حول الأصنام و الصلبان

29 آلات القمار

31 مناقشة الشيخ مع العلامة

35 آلات اللهو

35 أواني الذهب و الفضة

36 الدراهم المغشوشة

39 أقسام المعاوضة على الدراهم المزيفة

41 و هم و الجواب عنه

43 في المعاوضة على العنب

45 بيع العنب على ان يعمل خمرا

ص الموضوع

47 في الخبرين المتعارضين

49 الاستدلال بالأحاديث

51 في الفرق بين مؤاجرة البيت و بيع الخشب

53 في إلحاق ماله منفعة ببيع العنب

55 عدم توقف فساد العقد على كون الشرط الفاسد مفسدا

57 حرمة المعاوضة على الجارية المغنية

59 التفكيك بين القيد و المقيد غير معروف

61 في أقسام الصفة الملحوظة في المبيع

63 في الأخبار المتعارضة

65 في الإشكال على الجمع المذكور

67 في الأخبار المجوزة

69 الإشكال في صدق الإعانة

71 في اعتبار قصد الاعانة و عدمه

73 البون البعيد بين ما ذكره النراقي و الاكثر

75 معارضة الأخبار المجوزة للأصول و حكم العقل

ص: 439

ص الموضوع

77 ما افاده المحقق (الاردبيلي) حول الاعانة

81 تأييد من الشيخ لما افاده (المحقق الاردبيلي)

83 بيع العنب للخمار نظير اعطاء السيف للقاتل

85 البناء على أن الشرط الحرام حرام

87 العلم بحصول القوة من الطعام على المعصية لا يوجب تحريم بيعه

89 بيع العنب لو كان مقدمة للحرام لزم التسلسل

91 اعتبار قصد الغير لفعل الحرام

93 لزوم منع المعاملة مع اكثر الناس لو كان بيع العنب للخمار حراما

95 التفصيل في الشروط المعان عليها

97 تشكيل الصغرى و الكبرى

99 الاستدلال بأدلة النهي عن المنكر

101 علم البائع بارتداع المشتري و عدم علمه

103 فيما اذا كانت الهيئة الاجتماعية دخيلة في إيجاد الشيء و عدمه

ص الموضوع

105 في أعوان الظلمة

107 أقسام ما هو شرط للحرام

111 تعلق النهي بامر خارج

113 ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا

115 الكلام في بيع السلاح للأعداء

119 عدم اعتبار قصد المساعدة في حرمة بيع السلاح

121 الكلام حول ما يصدق عليه السلاح

123 في إناطة الحكم على تقوي الكفر

125 في رد الاستدلال برواية محمد بن قيس

127 المقصود من بيع ما يكن

129 مقتضى الاقتصار عدم التعدي الى قطاع الطريق

131 حرمة بيع ما لا منفعة فيه

133 الحيوان الطاهر على ضربين

135 نقاش الشيخ مع العلامة

141 ايراد الشيخ على ما ذكره العلامة في التذكرة.

143 عمومات أدلة التجارة و الصلح و العقود

ص: 440

ص الموضوع

145 العمومات الدالة على صحة المعاوضة

147 المنفعة النادرة كالمعدومة عند الشارع

149 الاشكال في تعيين المنفعة النادرة

151 جواز بيع الهرة دون القرد

154 اشكال بعض الفقهاء على ما افاده العلامة

155 اقتداء الخلف بالسلف في ذكر الاكتساب المحرم

159 تدليس الماشطة

161 التأمل في عد و شم الخدود من الغش

163 توجيه التفصيل الوارد في الحديث

165 حديث معاني الأخبار

167 تفسير الواصلة الواردة في النبوي

169 حمل ما عدا الوصل على الكراهة

171 الحمل على الكراهة أولى من التخصيص

173 رواية علي بن جعفر قرينة على الصرف

175 الإشكال في كون تغريز البدن بالإبرة من الغش

177 دلالة المرسلة على كراهة كسب الماشطة

ص الموضوع

179 الملاك في أولوية قبول ما يعطى للماشطة

181 عدم المنافاة بين ترك مطالبة الزائد و مطالبة الزائد

183 استحباب ترك مطالبة الزائد

185 توجيه الحديث الشريف

187 تزين كل من الرجل و المرأة بما يخص الآخر

189 تفسير المتشبهين من الرجال و النساء

191 في تكليف خنثى المشكل

195 التشبيب

197 أدلة حرمة التشبيب

199 النسب بين التشبيب و الأدلة

203 الاستدلال بفحوى الحديث بحرمة التشبيب

205 لا يجوز أن يقال لذات البعل:

ربّ راغب فيك

207 ما افاده المحقق الكركي حول التشبيب

209 الإشكال في التشبيب من حيث المدرك

213 تصوير ذوات الأرواح

215 الأحاديث الواردة في حرمة التصوير

ص: 441

ص الموضوع

217 امر الامام الاسد المنقوش باخذ عدو اللّه

219 امكان الأمر بالنفخ باعتبار محله

221 في حكمة حرمة تصوير ذوات الأرواح

223 تأييد لكون السر في حرمة التصوير التشبه بالخالق

225 اختصاص حرمة التصوير بذوات الأرواح

227 اصالة الاباحة هي العمدة في حرمة غير ذوات الأرواح

229 الأدلة المرخصة

231 القدر المسلم من المقيدات

233 الرد على الاستظهار المذكور

235 المراد من الحديث الشريف

237 مناقشة الشيخ مع صاحب كشف اللثام

239 في تصوير بعض أجزاء الحيوان

241 الفرق بين فعل الواجب و بين الحرام

243 دلالة الأخبار و اقوال الفقهاء على عدم حرمة الاقتناء

ص الموضوع

245 الاستدلال على الحرمة بصحيحة محمد بن مسلم

247 الاستدلال على الحرمة بالحديث النبوي

249 الاستدلال على الحرمة بتفسير الامام

251 الاستدلال على الحرمة برواية الحلبي

253 امكان استفادة الملازمة من سياق الدليل أو الخارج

255 مناقشة الشيخ في الاستدلال بالأحاديث

263 وجود أحاديث تدل على جواز اقتناء الصور

267 المستفاد من مجموع الروايات جواز اتخاذ الصور

271 التطفيف

273 لو وازن الربوي بجنسه فطفف

275 أقسام المعاوضة على الربوي

279 في التنجيم

281 في الإخبار عن الأوضاع الفلكية

283 خطأ المنجمين في إخبارهم عن الأحكام

ص: 442

ص الموضوع

285 تأثير الكواكب في العوالم السفلية

287 منطقة البروج

289 كثرة خطأ المنجمين

291 المقام الثاني في كيفية الإخبار عن الحوادث

293 المقام الثالث في كيفية الإخبار عن الحوادث

295 محاورة الامام عليه السلام مع منجم عصره

297 سؤال الامام الصادق عليه السلام المنجم عن كيفية حكمه بالنجوم

299 دفع الشر بالصدقة

301 رد نحوسة الأيام بالصدقة

303 المقام الرابع في كيفية ربط الحركات الفلكية بالكائنات

305 ما افاده السيد المرتضى في المنجمين

307 ما افاده شيخنا البهائي في المنجمين

309 ما افاده صاحب وسائل الشيعة في المنجمين

311 ما افاده ابن ابي الحديد المعتزلي في المنجمين

313 ما افاده الشيخ حول عبارات الأعلام

ص الموضوع

315 استدراك من الشيخ عما افاده حول عبارات الأعلام

317 منشأ الشيء الذي يكون بديهي البطلان

321 لا ظهور للروايات المتقدمة في كفر المنجمين

323 كلام شارح النخبة في المنجم

325 ما افاده (العلامة المجلسي) في البحار في التنجيم

327 تأييد من الروايات في عدم صراحتها في كفر المنجمين

329 ما أفاده الأعلام في التنجيم

331 كلام (الشهيد الأوّل) في النجوم

333 استناد الآثار بعين مشية اللّه و ارادته

335 خبر الاحتجاج مأخذ كلام الشهيد الأوّل

337 محاورة الامام الصادق عليه السلام مع الزنديق المصري

339 تحقيق حول البداء

343 ما افاده المحقق الكاشاني حول النجوم و الكواكب

ص: 443

ص الموضوع

345 بيان كيفية استناد الآثار إلى الكواكب

347 عدم ثبوت الربط العادي للكواكب

349 دلالة بعض الأحاديث على ثبوت التأثير للكواكب

351 ما افاده شيخنا البهائي حول النجوم

353 ما افاده السيد ابن طاوس حول النجوم

355 نقاش الشيخ مع السيد ابن طاوس

357 ما افاده شيخنا البهائي صريح قول الامام

359 محاورة امير المؤمنين مع الدهقان المنجم

361 الأحاديث الدالة على صحة النجوم

365 ما افاده الامام عليه السلام في اصل النجوم

367 استدراك من الشيخ عما افاده حول عبارات الأعلام

369 رأى الشيخ حول الحكم بالنجوم

373 الاحتفاظ بكتب الضلال

375 في الاستدلال بالأحاديث

377 في المصلحة الموهومة و النادرة

379 التعارض بين المفسدة المتوقعة و مصلحة اقوى

381 الكتب السماوية غير المنسوخة لا تدخل في كتب الضلال

ص الموضوع

383 في الكلام حول أوعية كتب الضلال و أغلفتها

385 في الكتب المؤلفة في اثبات الجبر

387 في حكم الكتاب لو كان بعضه موجبا للإضلال

391 في الرشوة

393 في الأحاديث الواردة في الرشوة

395 تصريح العلماء بحرمة اخذ الرشوة

397 حرمة أخذ الجعل من المتحاكمين

399 تحقيق حول رواية عمار بن مروان

401 تحقيق حول أخذ الرزق من السلطان

403 في مدرك صحة اخذ الجعل

405 دلالة الحديث على حصر الاستيكال المذموم في الأكل بالباطل

407 تفصيل من العلامة في جواز أخذ الجعل

409 تحقيق حول جواز اخذ القاضي الأجر

411 تحقيق حول الهدية و الفرق بينها و بين الرشوة

413 توجيهات حول الحديث

415 تحقيق حول بذل الرشوة في غير الحكم

ص: 444

ص الموضوع

417 استفادة جواز أخذ السرقفلي من الحديث الشريف

421 في دلالة الحديث على تملك الدولة للأموال

422 فيما لو قصد من الرشوة المحاباة

425 لو لم يقصد من الرشوة مقابلتها للحكم

ص الموضوع

427 ما أفاده بعض المعاصرين في عدم الضمان للرشوة

429 ما أورده الشيخ على عبارة بعض المعاصرين

431 فروع ثلاثة

433 في اختلاف الدافع و القابض

ص: 445

2 - فهرس التعليقات

ص الموضوع

10 تحقيق حول الأصنام و الأوثان و الفرق بينهما

15 ما افاده الشيخ كاشف الغطاء في الأصنام

18 نقاش علمي من الشيخ فيما افاده الشيخ كاشف الغطاء و صور قصد المادة

24 منشأ الاشكال على ما أفاده العلامة

25 ما أفاده المحقق الكركي حول رضاض الأصنام و الصليب

29 ما أفاده العلامة في آلات الملاهي

32 تحقيق حول القمار

36 فيما افاده الشيخ حول أواني الذهب و الفضة

38 المسألة الفقهية المتفرعة على الدراهم المغشوشة

38 في صور الجهل بالدراهم المغشوشة

40 دفع و هم

41 الجواب عن الوهم المذكور

43 المسامحة في التعبير

ص الموضوع

46 في وقوع التعارض بين الخبر و الصحيحة

46 الجواب عن التعارض

50 النظر في الاستدلال بالخبرين

51 دفع و هم و الجواب عنه

55 فيما أفاده الشيخ في الفرق بين الجزء و الشرط

56 العين اذا كانت مشتملة على صفة

56 في اشتراط الصفة المحرمة بشرطين

58 دفع و هم و الجواب عنه

59 تأييد من الشيخ فيما ذهب إليه

60 استدراك عما أفاده الشيخ في التفكيك

62 في الاشكال و الجواب عنه

63 معارضة المكاتبة و الرواية، مع خبر ابن اذينة و الرواية

64 الجواب عن المعارضة

65 الاشكال على بيع العنب و الخشب و الجواب عنه

66 معنى حمل النهي على الكراهة

ص: 446

ص الموضوع

68 في الجمع بين الأخبار المتعارضة

70 إشكال المحقق الثاني على الاستدلال بالآية

70 رد من المحقق الثاني على ما استشكله

71 رد من المحقق الثاني على المستدل بحرمة بيع العنب

71 ما اعتبره المحقق النراقي في نحقق مفهوم الاعانة

72 الاشكال على ما أفاده المحقق النراقي

78 في عدم صدق الإعانة على الحرام في استيراد التجار

81 أقسام الإعانة

84 في ظهور الفرق بين بيع العنب و بيع الخشب

84 في ظهور الفرق بين إعطاء السوط و بين بيع العنب

85 في الرد على ما افاده المحقق الاردبيلي

85 في الفرق بين المسألة الأولى و الثالثة

88 المراد من معنى التجري

88 خلاصة التوهم

ص الموضوع

89 جواب التوهم

89 المراد من قوله: فافهم

90 استدراك من الشيخ عما أفاده

91 التمسك بالأولوية في حرمة بيع العنب

92 تعيين محل النزاع بين الفقهاء

93 الاشكال على ما أفاده المحقق الكركي

96 استدراك من الشيخ عما افاده

96 تشكيل قياس منطقي من الشكل الأوّل

97 أدلة النهي عن المنكر

98 في القيل و دفعه

101 خلاصة التوهم

102 خلاصة دفع التوهم

104 الاشكال و الجواب عنه

109 الموارد الخمسة

115 المراد من المباينة في الرواية

116 تقييد الأخبار المطلقة بالمقيدة

116 المراد من السلطان الوارد في الرواية

119 عمومية الأحاديث الواردة في حرمة بيع السلاح

120 المراد بالأصول المسلمة

ص: 447

ص الموضوع

121 شموا السلاح في عصرنا الحاضر الأسلحة المستحدثة

123 استدراك من الشيخ عما افاده

124 دليل آخر على حرمة بيع ما يكن

124 دفع و هم

124 الجواب عن الوهم

125 رد على العلامة في استدلاله برواية محمد بن قيس

126 مقصود الشيخ من جملة: فلا بد من حملها

127 للمسألة صور ثلاث

129 استدراك من الشيخ عما افاده

130 التأمل في شمول رواية تحف العقول

132 التأمل في منشأ فساد المعاوضة

134 في استدلال العلامة على عدم جواز بيع الأعيان المذكورة

135 نقاش الشيخ مع العلامة فيما افاده

137 منع كون الأعيان المذكورة من صغريات الكبرى الكلية

139 اشكال من الشيخ على العلامة فيما افاده

ص الموضوع

141 اشكال من الشيخ على ما استشكله العلامة على العلق و الديدان

142 ما افاده الشيخ في عدم المانع من بيع كل ماله منفعة نادرة

143 في الشبهات المصداقية

143 في العمومات الواردة

147 استدراك من الشيخ عما افاده في منشأ تحريم الشحوم

148 وجه أوضحية حديث تحف العقول

149 التمسك بالعمومات الواردة في الصلح و الهبة المعوضة

150 الحديث الوارد في لحوم السباع و جلودها

153 وجه تضعيف العلماء ما ذهب إليه العلامة

153 دفاع من الشيخ الأنصاري عن العلامة

153 الإشارة إلى وجه فافهم

154 تفسير جملة قهرا ظلما عرفا اعرابا و معنى

161 ابيات من القصيدة الكوثرية

ص: 448

ص الموضوع

161 تحقيق حول الخال الصناعي

162 التأمل في التفصيل بين وصل شعر الانسان بشعر المرأة و وصله بشعر غيرها

165 تحقيق حول فلج الاسنان

165 تحقيق حول الوشم على ظهر الكف

167 في الجمع بين الأحاديث المتضاربة

168 و هم

169 جواب الوهم

170 تحقيق حول جملة: خصوصا مع صرف الامام

171 تحقيق حول دوران الأمر بين التخصيص و غيره

171 تنازل من الشيخ

172 تأكيد من الشيخ لمدعاه

173 رواية على بن جعفر قرينة على صرف اطلاق النامصة عن ظاهره

174 الشق الثاني للنامصة

176 تحقيق حول التدليس بالوشم و الوشر و النمص و الوصل

176 خلاصة التفريع

ص الموضوع

178 الصور الأربعة

179 منشأ الأولوية احد الأمرين

180 المراد من العرض

181 و هم و الجواب عنه

182 في معنى مسامحة اهل الشرف و الرفعة

184 المراد من التبرع

185 و هم و الجواب عنه

185 الحديث الوارد في الاجير

186 تحقيق حول لفظة أداوى

187 تحقيق حول الاجير

195 في معنى التشبيب لغة و شرعا

196 سر وجه اختصاص التشبيب بالشعر

196 الأمور الخمسة

198 اشكال من الشيخ في عدم نهوض الأمور الخمسة للحرمة

199 النسبة بين المدعى و الدليل

200 تشكيل قياس منطقي من الشكل الأوّل

200 الاستدلال على حرمة التشبيب بآية النهي عن الفحشاء

200 الاستدلال على حرمة التشبيب بالحديث النبوى

ص: 449

ص الموضوع

201 الاستدلال على حرمة التشبيب بمنافاته للعفاف

201 الاستدلال على حرمة التشبيب بفحوى الأخبار

202 تشكيل قياس منطقي من الشكل الأوّل

204 الاستدلال على حرمة التشبيب بآية النهي عن الترقيق

204 الاستدلال على حرمة التشبيب بآية النهي عن ضرب الأرجل

205 اعطاء الشيخ درسا كاملا و قاعدة كلية حول التشبيب

206 استدراك من الشيخ عما افاده

207 اشكال من الشيخ على ما افاده صاحب جامع المقاصد

208 الاشكال في حرمة التشبيب اذا لم يكن سامعا

208 المراد من اهل الذمة

209 نقض الأولوية

209 تشخيص مسألة التشبيب مشكل

213 مدينة ميس

214 المراد من التصاوير

ص الموضوع

215 الاستظهار من الرواية في اختصاص الحرمة بتصوير المجسمات

216 و هم و الجواب عنه

216 اشكال من الشيخ على الاستظهار المذكور

217 ترق من الشيخ عما افاده في امكان نفخ الروح

217 أمر الامام عليه السلام باخذ الاسد عدو اللّه و خلاصة الحادثة

220 و هم و الجواب عنه

221 ترق من الشيخ

221 سر الحكمة في تحريم تصوير ذوات الأرواح

222 في الإشكال على السر و الحكمة المذكورة

225 تعليل لاختصاص تحريم التصوير بذوات الأرواح

226 خلاصة ما افاده صاحب اللثام في الثياب المشتملة على التصاوير

227 أصالة الإباحة و الأخبار الواردة هما الاساس و العمدة في التحريم

230 الأحاديث المطلقة الدالة على حرمة التصوير

ص: 450

ص الموضوع

23 تعليل لاختصاص تحريم التصوير بالمجسمات فقط

231 تعليل ثان للاختصاص المذكور بالاستظهار

232 اشكال من الشيخ على الاستظهار المذكور

233 رد ثان على الاستظهار المذكور

235 الصور الأربعة في مسألة تصوير ذوات الأرواح

236 تفريع على ما أفاده شيخنا الأنصاري

236 خروج آجام القصب و غابات الاخشاب عن محل النزاع

237 اشكال من الشيخ ما أفاده صاحب كشف اللثام

240 منشأ ثبوت الحرمة

241 و هم

242 الجواب عن الوهم

245 وجه الاستدلال بالصحيحة

245 وجود القرينة على انصراف الخمر و العصير إلى الشرب

246 الاستدلال بحديث تحف العقول على حرمة اقتناء الصور

ص الموضوع

247 تحقيق حول لفظة الفقرة

247 الاستدلال بالحديث النبوي على حرمة اقتناء الصور

248 الاستدلال بحديث علي بن جعفر على حرمة اقتناء الصور

248 الاستدلال بتفسير الامام عليه السلام آية و يعملون له ما يشاء على حرمة اقتناء الصور

250 الاستدلال بمفهوم الحديث على حرمة اقتناء الصور

250 الاستدلال بمفهوم الحديث على حرمة اقتناء الصور

251 الاستدلال بالحديث الوارد على حرمة اقتناء الصور

252 الأدلة القائمة على حرمة الاقتناء

252 اشكال من الشيخ على أوّل دليل من الأدلة المذكورة

253 استدراك من الشيخ عما أفاده

254 اشكال من الشيخ على الصحيحة

255 اشكال من الشيخ على حديث تحف العقول

256 استدراك من الشيخ عما أفاده

ص: 451

ص الموضوع

257 رد من الشيخ على المستدل بالحديث النبوي على حرمة الاقتناء

258 رد من الشيخ على المستدل بالحديث على حرمة الاقتناء

258 اضراب و ترق من الشيخ

259 رد من الشيخ على المستدل بتفسير الامام على حرمة الاقتناء

259 رد من الشيخ على المستدل بالصحيحة على حرمة الاقتناء

260 ترق من الشيخ

261 رد من الشيخ على المستدل برواية الحلبي

261 في الاشكال على الشيخ فيما أفاده في الأمر

261 في الدفاع عن الاشكال

261 تنازل من الشيخ

262 الروايات الواردة في جواز اقتناء الصور

264 و هم و الجواب عنه

265 استفادة العموم من كلمة كل

265 استظهار من الرواية في خروج تماثيل المجسمات عن الرواية

ص الموضوع

265 الحديث الخامس الدال على جواز الاقتناء

266 الحديث السادس الدال على جواز الاقتناء

266 وجه أظهرية الرواية على جواز الاقتناء

267 تأييد من الشيخ على كراهة اقتناء الصور و وجه التأييد

271 تحقيق في معنى التطفيف

271 دلالة الأدلة الأربعة على حرمة التطفيف

271 الآيات

272 الأحاديث. الإجماع. العقل

273 المراد من الربوي

273 المعاوضة الربوية على أقسام ثلاث

273 القسم الأوّل

274 القسم الثاني و الثالث

275 رأي آخر للشيخ في القسم الثالث

279 تعريف التنجيم

279 المراد من الحركات الفلكية عند القدماء و عند المتأخرين

ص: 452

ص الموضوع

281 خلاصة دليل السيد المرتضى و الشيخ الكراجكي على اصابة المنجمين في إخبارهم

281 رد السيد المرتضى و الشيخ الكراجكي على المنجمين في ادعائهم إصابة إخبارهم عن الأحكام

282 في الأنواء الجوية

283 المراد من الحمل: القياس

284 تصوير القدماء في السماء صورا و أشكالا

285 خارجة الصور

286 منطقة البروج

287 الآثار الخاصة لكل برج

288 اشكال من الشيخ على السيد المرتضى فيما أفاده مع وجه النظر

289 فيما أفاده السيد المرتضى عن الأوضاع الفلكية

290 المراد من الوضع الخاص

290 ترق من الشيخ عما أفاده

291 و هم و الجواب عنه

292 المقام الثالث من المقامات المشار إليها

293 الروايات الدالة على حرمة الإخبار عن وقوع الحوادث

ص الموضوع

294 تعليل ثان لعدم تأثير الكواكب

295 مقصود أمير المؤمنين عليه السلام من أن محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم لا يدعي علم الغيب

296 في المراد من استشهاد الامام عليه السلام بالآية الكريمة

297 عدم دلالة الأمر بالاحراق على حرمة النظر في الطالع

298 تحقيق حول كلمة تقضي

301 تحقيق حول نحوسة الأيام

302 استشهاد من الشيخ الأنصاري على دعواه من كلام الشهيد

303 المقام الرابع من المقامات المشار إليها

303 أقسام تأثير ربط الحركات العلوية بالكائنات

305 خلاصة ما افاده السيد المرتضى في التنجيم

306 المراد من قول العلامة: إن الكواكب مؤثرة.

307 استشهاد خامس من الشيخ بكلام الشيخ البهائى

308 استشهاد سادس من الشيخ

ص: 453

ص الموضوع

308 المراد من الكفر المطلق

309 المراد من توقف تأثير الحركات الكوكبية

309 القول بحياة الكواكب لا يوجب الكفر

310 أقسام العلل

311 نص عبارة صاحب الوسائل

311 نص عبارة ابن أبي الحديد

312 الفرقة الأولى و الثانية من الكفار الذين هم من أشد الكفرة

313 الفرقة الثالثة من الكفار الذين هم من أشد الكفرة

313 عدم الفرق بين عبارات العلماء في تكفير المنجمين

314 الفرقة الرابعة و الخامسة من المنجمين

314 استدراك من الشيخ عما أفاده

315 الفرق الثلاث

316 ما يظهر من الاستدراك المذكور

316 تشكيل قياس منطقي مركب من المقدم و التالي

316 منشأ بطلان الشيء البديهي أحد الأمور الأربعة إما العقل أو الشرع أو الحس، أو العادة

ص الموضوع

317 تشكيل قياس منطقي من المقدم و التالي من حكم العقل

317 تشكيل قياس منطقي من المقدم و التالي من حكم الشرع

318 تشكيل قياس منطقي من المقدم و التالي من حكم الحس

318 تشكيل قياس منطقي من المقدم و التالي من حكم العادة

320 منشأ مخالفة فتوى الفقيه أحد الأمرين

321 موجبات الكفر

323 تحقيق حول الأنواء

324 ما أفاده السيد عبد اللّه الجزائري

324 ايراد الشيخ على ما أفاده السيد عبد اللّه الجزائري

327 عدم ظهور من الروايات المتقدمة في تكفير المنجمين بالمعنى المتقدم

327 تفسير لفظة نوبخت

328 خلاصة الوجه الثاني من الوجوه المتصورة في الربط

330 استدراك من الشيخ عما أفاده نقلا عن العلامة المجلسي

ص: 454

ص الموضوع

331 ظاهر كلام الشهيد الأوّل

331 بيان وجه امكان نسبة وقوع الآثار الى الكواكب

331 بعبارة اخرى

335 سؤال الزنديق المصري عن الامام الصادق عليه السلام

335 الحديث المنقول

335 اخبار الامام الباقر عليه السلام عن العوالم و الآدميين

335 كلمة مع القارئ الكريم

337 تفسير الحديث الشريف

338 مراد الامام عليه السلام عن عدم التغير في النجوم

338 استدراك من الشيخ عما افاده

339 تحقيق حول البداء

344 تحقيق حول عبارة الشهيد

345 ما يقع في العالم السفلي

347 ما أفاده الشهيد الأوّل في الربط

353 ما أفاده السيد ابن طاوس

353 تحقيق حول كلمة انتحل

358 تحقيق حول لفظة دهقان

358 تحقيق حول لفظة النهروان

ص الموضوع

362 تحقيق حول الحديث

362 كلام مع الشيخ الأنصاري

362 دفاع عن شيخنا العلامة المجلسي

367 كلمة حول الأحاديث الواردة

368 استدراك من الشيخ عما أفاده

373 الاستدلال بالآيات على حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال

374 تشكيل قياس منطقي من الشكل الأوّل

374 الاستدلال بآية فاجتنبوا على حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال

374 تشكيل قياس منطقي من الشكل الأوّل

374 الاستدلال برواية تحف العقول على حرمة الاحتفاظ

375 الاستدلال بحديث احرق كتبك على حرمة الاحتفاظ

376 تخصيص الشيخ حرمة الاحتفاظ بكتب الضلال فيما اذا كانت مضلة

377 استدراك من الشيخ عما أفاده

378 صور أربعة لعدم ترتب الاضلال

379 استثناء من الشيخ عما أفاده

ص: 455

ص الموضوع

379 في تنقيح الملاك و المناط في حرمة الاحتفاظ

380 تفريع من الشيخ عما افاده

381 المراد من الكتب السماوية

382 المراد من المكاتبات

382 المراد من الأدعية

383 و هم و الجواب عنه

384 الكتب المؤلفة في كرامات المتصوفة

385 كلمة حول الكتب المؤلفة في الجبر و الاختبار

385 كلمة حول الامام أمير المؤمنين عليه السلام

387 تفريع من الشيخ على ما أفاده

391 تحقيق في الرشوة لغة و اصطلاحا

391 دلالة الأدلة الأربعة على حرمة الرشوة: الكتاب، الأحاديث

392 تحقيق حول لفظة غلّ

398 توجيه لما ذهب إليه صاحب جامع المقاصد

398 دليل ثان من الشيخ الأنصاري لما ذهب إليه جامع المقاصد

400 الاشكال في الاستدلال بالصحيحة

ص الموضوع

400 فيما لو كان القاضي المنصوب من قبل السلطان مستأذنا من الامام

401 استثناء من الشيخ عما افاده

402 الأولى في الاستدلال على المنع بالروايات المتقدمة

404 تحقيق حول لام الغاية، و لام العاقبة

405 و هم

405 تحقيق حول أقسام الحصر

407 الجواب عن الوهم المذكور

407 عدم جواز أخذ القاضي الأجر مقيد بقيدين عند العلامة

412 توجيهات للرواية

417 في نص صاحب المصباح حول الرشوة

417 في حمل (الشيخ الأنصاري) المنزل على المنزل المشترك بين المسلمين

417 كلام حول عدم تمامية الحمل المذكور

417 استفادة جواز أخذ السرقفلي من الحديث

418 استفادة جواز أخذ السرقفلي

ص: 456

ص الموضوع

من حق الاختصاص

419 ما افاده الأعلام من الفقهاء حول السرقفلي

419 ما افاده صاحب الوافي حول الساكن في الدار

419 عدم تمامية ما افاده صاحب الوافي

420 تمثيل حول مقاولة عمال السلطان مع أهل الحرف

422 في معاملة المحاباتي

422 الصور الثلاثة لمعاملة المحاباتي

422 في بطلان الصور الثلاثة

424 في ضمان ما دفع في الصور الثلاثة

424 في وجوب رد عين ما دفع في الصور الثلاثة، أو مثله أو قيمته لو كانت تالفة

424 تعليل لعزم الضمان في الرشوة اذا بذلت في غير الحكم

425 و هم

426 الجواب عن الوهم

426 و هم و الجواب عنه

426 و هم

427 الجواب عن الوهم

ص الموضوع

427 تعليل لعدم الضمان في مثل هذه الرشوة

427 ما افاده بعض المعاصرين في عدم الضمان

428 تحقيق حول عبارة بعض المعاصرين في لزومها التنافي

429 تحقيق حول عبارة الشيخ

430 استدراك من الشيخ عما أفاده

430 الجواب عن الاستدراك

431 رد من الشيخ على ما أفاده بعض المعاصرين

431 الفروع الثلاثة المترتبة على قبض القاضي الرشوة

434 في خروج الفروع الثلاثة عن باب التداعي

435 في جريان الاستصحاب

435 في الاشكال على جريان اصل آخر

435 الاشكال على قاعدة: و على اليد

435 الجواب عن الاشكال

435 و هم

436 الجواب عن الوهم

ص: 457

3 - فهرس الآيات الكريمة

- أ - أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ 12، 142، 143، 150

أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ 412، 426

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ 183

إِنَّ اَللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلسّٰاعَةِ وَ يُنَزِّلُ اَلْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْأَرْحٰامِ وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ مٰا ذٰا تَكْسِبُ غَداً وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اَللّٰهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 295

إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ 68

إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ وَ اَلْأَنْصٰابُ وَ اَلْأَزْلاٰمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 32

ت - تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ 120

تِلْكَ مِنْ أَنْبٰاءِ اَلْغَيْبِ نُوحِيهٰا إِلَيْكَ 296

- ح - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ 245

ع - عٰالِمُ اَلْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّٰ مَنِ اِرْتَضىٰ مِنْ رَسُولٍ 286

ف - فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً 404

فَلاٰ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ 204

فَلَمّٰا أَفَلَ قٰالَ لاٰ أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ 298

ل - لاٰ يَعْزُبُ عن علمه مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ 341

لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي اَلْقُوَّةِ 323

ص: 458

- م - مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اَللّٰهِ زُلْفىٰ 11

ن - اَلنَّجْمُ اَلثّٰاقِبُ 350

و - وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ 374

وَ إِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ 298

وَ بَدٰا لَهُمْ سَيِّئٰاتُ مٰا كَسَبُوا 339

وَ بَدٰا لَهُمْ مِنَ اَللّٰهِ مٰا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ 339

و عن أن يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ 205

وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ 141

وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى اَلْحُكّٰامِ 391

وَ لاٰ تَبْخَسُوا اَلنّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ 272

وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوٰانِ 69، 70 77، 92، 102

ص الموضوع

وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ 99

وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ 405، 406

وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ 374

وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اَللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اَللّٰهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً 297

وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْأَرْحٰامِ 295

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ اَلَّذِينَ إِذَا اِكْتٰالُوا عَلَى اَلنّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ 371

وَ يَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ 200

ي - يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ 228، 229، 249، 259

يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتٰابِ 294

ص: 459

4 - فهرس الاحاديث النبوية الشريفة

- أ - إن اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه 17

إن اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء، لا يبالي بما قال و لا بما قيل له 201

ر - ربّ راغب فيك 205

ل - لا تدع صورة إلا محوتها و لا كلبا إلاّ قتلته 247

ص الموضوع

لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو ليسلطن اللّه شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم 99

لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها 146

م - من جدّد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام 220، 229، 234

من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما انزل على محمد 304

و - و لا كلبا إلا قتلته 257، 249، 252

ص: 460

5 - فهرس الأعلام

- أ -

آل عمران 405

آل فرعون 404

الأعور: حفص 420

أبان بن تغلب 349

ابن الأثير 391، 395

ابن أبي الحديد 294، 311-313 344، 410

ابنا نوبخت (محمد و هارون) 327 328

ابن البراج: القاضي 402، 403

ابن طاوس 353، 354

ابن العميد 382

ابن عيسى 218

ابن الوليد 218

أبو بصير 263، 265

أبو خديجة 190

أبو سفيان 13

أبو سهل بن نوبخت 327

أبو الفضل ابراهيم: محمد 294، 311

أبو كهمس 53، 63، 64، 75

ادريس عليه السلام 364

اذينة: عمرو بن اذينة، أو أبو أذينة 46

49، 50، 52، 53، 62-66، 75 299

الأردبيلي: المقدس 73، 74، 79 81، 85، 87، 97، 99، 159 214، 242، 243

إساف (صنم) 12

الأشتر: مالك 410

أعين: عبد الملك بن اعين 297، 298

امين الضرب 219

أوس (قبيلة) 12

الأئمة، أهل البيت عليهم السلام 115

146، 217، 218، 223، 238، 244 267، 296، 300، 304، 305

ص: 461

333، 336، 340، 341، 354 393، 403، 406، 407

- ب -

البابي الحلبي: عيسى 311

الباقر: الامام ابو جعفر عليه السلام 90 115، 335، 166-171، 238 243، 246، 249، 250، 304

البجنوردي: السيد 80

بطليموس 284

بكر: موسى بن بكر 38

بنو أمية - آل أمية 99، 100، 104 217، 384

بنو العباس 384

بنو كنانة (قبيلة) 12

البهائي 307، 312، 330، 344 351، 355، 357

- ث -

ثقيف (قبيلة) 12

- ج -

جابر: يوسف بن جابر 393، 396 398، 402، 409

جبرائيل 268، 296

الجزائري: عبد اللّه 322، 324-326

الجزائري: نعمة اللّه 322

جعفر: علي بن جعفر 117، 118 129، 130، 172، 173، 248 258، 263، 266

جعفر: يعقوب بن جعفر 190

الجعفري: سليمان بن جعفر 185

الجعفي: جابر 37، 46-49، 90

- ح -

الحجاج: عبد الرحمن بن الحجاج 301

الحجة عليه السلام 386

الحريث: عمرو بن الحريث 50، 52 53، 63-66

الحسن 218

الحسن: عبد اللّه بن الحسن 166-168

ص: 462

الحضرمي 114، 116، 117، 119 124، 129، 130

الحلبي 67، 251، 252، 261 262، 272

الحلي: العلامة 23، 24، 30، 31 73، 122، 123، 125، 129 134، 135، 138، 139، 141 142، 153، 225، 304-306 311، 312، 329، 330، 344 352، 395، 407

حمدان: محمد بن حمدان 284

حمران: حمزة بن حمران 403

حمير 12

- خ -

خزرج (قبيلة) 12

خنيس: معلى بن خنيس 364-366

- د -

الداماد: المحقق 342

داود عليه السلام 362

داود: سليمان بن داود عليهما السلام 248 249، 252، 258، 259

- ذ -

ذو القرنين 364

ذو كلاع (قبيلة) 12

- ر -

الرسول الاعظم - ص - 13، 14، 17 29، 73، 93، 114، 117، 144 146، 154، 163-165، 167 168، 170، 190، 200، 203، 214 229، 233، 247، 257، 293 295، 300، 304، 305، 308 311، 320، 322، 349، 385 386، 393، 401، 405، 406، 409

الرشيد: هارون 217، 218، 219

الرضا: الامام ابي الحسن - ع - 185 364، 412

- ز -

زرارة: 250، 252، 259، 267

ص: 463

الزنجاني: محمد بن هارون 321

زين العابدين: الامام علي بن الحسين عليه السلام 144

- س -

سالم: محمد بن سالم 363

السراج: حكم 118، 119، 124

السراج: هند 115-119، 123 129، 132

سعد 218

سعد الاسكاف 167، 169، 170 173

سعد بن سعد 272

السكوني 244

سماعة 393، 402

سماعة: الحسن بن محمد بن سماعة 421

سواع (صنم) 12

سيابة: عبد الرحمن بن سيابة 361

- ش -

الشافعي 134، 135

الشهيدان (محمد بن مكي العاملي و زين الدين الجبعي) 122، 196، 210، 304 312، 330، 344

الشهيد الاول (محمد بن مكي العاملي) 85 118، 128، 129، 207، 302 321، 329، 330، 331، 334 344، 345، 347

الشهيد الثاني (زين الدين الجبعي) 31، 311 الشهيدي: الشيخ 360

شيخ الطائفة: الطوسي 73، 381 383، 421

الشيطان 10

- ص -

صاحب التنقيح 141

صاحب جامع المقاصد 306، 307

صاحب الجواهر 225

صاحب الحدائق 23، 73، 74

صاحب الدروس 140، 141

صاحب الرياض 23، 73، 75

صاحب القاموس 425

صاحب كشف اللثام 227، 237

ص: 464

صاحب الكفاية 23، 71

صاحب المصباح 417

صاحب المفاتيح 210

صاحب الوافي 419

صاحب وسائل الشيعة 417، 418

الصادق: الامام أبي عبد اللّه عليه السلام 13، 17، 29، 37، 39، 45 46، 48، 52، 62-65، 76 120، 123-126، 131، 148 151، 163، 177، 178، 190 191، 203، 214، 215، 220 228، 230، 233، 243-246 249، 251، 252، 254 255، 257، 259-266، 272 284، 288، 293، 297، 301 305، 327، 328، 335، 336 338، 341، 349، 350، 356 357، 363، 366-368، 375 393-400، 403، 416

الصدوق 164، 323، 336، 393

الصفار 218

الصوفي: الخواجا عبد الرحمن 284

الصلت: ريان بن الصلت 364، 365 366

الصيرفي 420

صيقل 116، 129، 130

- ط -

الطالقاني: الصاحب بن عباد 382

الطوسي: الخواجا نصير الدين 291 340

- ع -

عبد الحميد: محمد محيي الدين عبد الحميد 294، 410

عبد العزيز: علي بن عبد العزيز 323

عبد الملك 375، 376

عبده: محمد عبده 410

العزى (صنم) 12

علي: امير المؤمنين عليه السلام 117 145، 161، 189، 202، 250، 251 260، 261، 292، 295، 296 300، 311، 312، 315، 316

ص: 465

319، 320، 327، 350، 358 359، 360، 362، 363، 364 366، 385، 410، 411، 412 426

علي: الشيخ 311

عمر: سفيان بن عمر 299

عمير: ابن ابى عمير 163، 167 168، 299

عمرو: مفضل بن عمر 298

- غ -

غراب: علي بن غراب 164

غسان (قبيلة) 12

- ف -

الفاضلان (المحقق الاول و العلامة) 95، 196

- ق -

قابوس: نصر بن قابوس 293، 305

قريش (قبيلة) 12

القطيفي: ابراهيم بن سليمان 214

قيس: محمد بن قيس 122، 123 125، 127

- ك -

الكاشاني: المحدث 301، 302، 322 338، 339، 342، 343

كاشف الغطاء: جعفر 18

الكاظم: الامام ابو الحسن عليه السلام 38، 172، 217، 218، 219 248، 258، 263، 267، 272 299، 420-422

الكراجكي: أبو الفتح 281، 311

الكركي: المحقق الثاني 25، 26 69-71، 73، 74، 93، 95، 96 122، 196، 210، 243، 283 312، 313، 330، 344، 394 كلب (قبيلة) 12

- ل -

اللات (صنم) 12

ص: 466

- م -

المجلسي: العلامة 308، 325، 328 329، 330، 362، 363

المحقق الأوّل (أبو القاسم جعفر بن حسن) 293، 304، 311

محمد: جعفر بن محمد 164

المدائني 350

مذحج (قبيلة) 12

المرتضى: السيد 281-283، 288 289، 303-305، 311، 312 330، 344، 352-355

مروان: عمار بن مروان 393، 395 396-398، 401، 402، 409

مسلم: محمد بن مسلم 220، 223 228، 229، 233، 234، 243 244، 252، 254، 416

المظفر: محمد الرضا 341

مظفر: محمد بن قاسم مظفر 288

المفيد 244، 311

مناة (صنم) 12

المنجم: سعد 357، 358

المنجم: الدهقان 358-360

موسى عليه السلام 404

الميلاني: السيد 419

- ن -

نائلة (صنم) 12

نباتة: اصبغ بن نباتة 402، 415

النراقي: المولى محمد مهدي 71-73

النسر (صنم) 12

نون: يوشع بن نون 363

- و -

ود (صنم) 12

- ه -

هبل (صنم) 12، 13

هذيل (قبيلة) 12

هشام 357، 367

الهندي: سيد رضا 161

الهندي: الصباح بن نصر 364

ص: 467

- ي -

يعوق (صنم) 12

يغوث (صنم) 12

يقطين: علي بن يقطين 218

يوسف عليه السلام 340

يوشع عليه السلام 364

اليهود 147، 332، 338، 381 385

ص: 468

6 - الأمكنة و البقاع

- أ -

إسكاف 358

ب -

بغداد 217، 358

بيروت 213، 410

ج -

جبل عامل 213

جرجرايا 358

د -

دير متىّ 358

ش -

الشام 114

- ص -

الصافية 358

الصفا 12

ط -

طهران 114، 201، 298، 361 383

ع -

العراق 186، 367

ف -

فارس 10

الفرات الاوسط 186

ك -

الكعبة 12، 23

ص: 469

- ل -

لبنان 213

م -

المدينة المنورة 217

المروة 12

مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله 190

مصر 294، 394، 395، 410

مكة المكرمة 78

ميس 213

- ن -

النجف الأشرف 318، 335، 336

404

النهروان 358

و -

واسط 358

ه -

همدان 12

الهند 363، 364

ي -

اليمن 12

ص: 470

7 - الشعر

- ر -

أ مفلج ثغرك أم جوهر *** و رحيق رضا بك أم سكر

قد قال لثغرك صانعه *** إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ اَلْكَوْثَرَ

و الخال بخدك أم مسك *** نقطت به الورد الأحمر

أم ذاك الخال بذاك الخد *** فتيت الند على مجمر

161

- ل -

(كتب القتل و القتال علينا) *** (و على الراقصات جر الذيول)

191

ن -

بدا لي منها معصم حين جمرت *** و كف خضيب زينت ببنان

339

ص: 471

8 - الكتب

- أ -

الاستبصار 99

الاحتجاج 350:349، 367

الإنجيل 381، 383

ب -

بحار الأنوار 99، 200، 219، 308 325، 328، 341، 350، 351 360-363

ت -

التحرير 311

تحف العقول 13، 14، 24، 29 49، 112، 120، 121، 123 129-131، 140، 148، 214 216، 228، 246، 252، 255 256، 374، 375، 377

التذكرة 13، 31، 73، 74، 95 122، 129، 135، 138، 141 142، 151، 208، 304، 311 373

التنبيهات المظفرية 288

التنقيح 41

التوراة 381، 383

التهذيب 99، 164

ج -

جامع الرواة 421

جامع المقاصد 25، 195، 207، 210 243، 283، 306، 325، 326، 386 391، 397، 398

ح -

حاشية الارشاد 69، 243، 394

ص: 472

الحدائق 73، 74

الحواشي 207، 213

خ -

الخصال 336، 393

د -

الدروس 140، 141، 302

دعائم الاسلام 49

ر -

الرياض 73، 75

س -

السرائر 122، 160، 213، 244

سنن ابن ماجة 74

ش -

الشرائع 95

شرح الإرشاد 242، 243

شرح الشرائع 214، 311

شرح القواعد 311

ع -

علل الشرائع 189

عيون الأخبار 412

غ -

الغنية 134، 402

ف -

فص الياقوت 329، 402

فقه الرضا عليه السلام 49

ق -

القاموس المحيط 394، 425

القرآن الكريم 294-296، 311

312، 316-320، 381، 382

ص: 473

قرب الاسناد 266، 248، 252

القواعد 208، 225، 271، 311

قواعد الشهيد 306، 309، 311، 321 330، 344

ك -

الكافي 76، 99، 114، 164، 189 201، 339، 341، 349، 350 361

كاشف اللثام 210، 221، 225، 237

الكفاية 214

كنز القواعد 311

الكوثرية 161

ل -

اللمعة الدمشقية 99، 134، 248، 284

م -

المبسوط 73، 93، 132، 196 206، 381، 383

مجمع البحرين 395، 399

المحاسن 299

المسالك 213، 391

مستدرك وسائل الشيعة 146، 154

المصباح 395، 396، 414

معاني الأخبار 166، 168، 298

المعتبر 304، 311

معجم الادباء 358

المقنعة 403

مكارم الأخلاق 251

منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 359

المنتهى 305، 311، 373، 374

من لا يحضره الفقيه 99، 264

الميسية 213

ن -

النافع 214

النخبة 322

النهاية 122، 213، 244، 391 395، 396، 414

نهج البلاغة 294، 311، 312، 315 316، 410

ص: 474

- و -

الوافي 99، 338، 343، 363، 419

وسائل الشيعة 37، 38، 45، 50 59، 63، 64، 74، 90، 99 112، 116، 132، 150، 164 166، 173، 190، 199، 202 214، 215، 220، 229، 238 242، 244، 247، 248، 250 258، 262، 268، 272، 284 293، 297، 299، 304، 309 310، 311، 320، 356، 366 392، 393، 400، 403، 411 412، 416، 421

ص: 475

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

يا من دلّ على ذاته بذاته، و تنزّه عن مجانسة مخلوقاته، و جلّ عن ملائمة كيفياته.

يا من قرب من خطرات الظنون، و بعد عن لحظات العيون، و علم بما كان قبل أن يكون.

يا من أرقدني في مهاد أمنه و أمانه، و أيقظني إلى ما منحني من مننه و إحسانه.

لقد تم بحمد اللّه تعالى و له الشكر على ما أنعم الجزء الثاني من المكاسب في ليلة الأحد العاشر من شعبان المعظم عام 1393 في غرفة ادارة (جامعة النجف الدينية) العامرة حتى (ظهور الحجة البالغة) عجل اللّه تعالى له الفرج بعد عناء كثير مقابلة و تصحيحا و تعليقا حسب الحاجة و اللزوم بقدر الوسع و الإمكان، و بعد سهر ليالي و أيام بذلت في إخراج هذا التراث الخالد: فقه (أئمة أهل البيت) صلوات اللّه و سلامه عليهم.

و كان الشروع فيه يوم الأحد الأوّل من شهر صفر المظفر 1393.

و قد خرج بحمد اللّه تبارك و تعالى على طراز حسن جميل، و أسلوب رائع بديع، و يتلوه الجزء الثالث إن شاء اللّه تعالى أوله: سب المؤمنين.

و اني لأرى هذه الإفاضات كلها من بركات صاحب هذا القبر (المقدس العلوي) على من حل فيه آلاف التحية و الثناء.

فشكرا لك يا إلهي على هذه النعم الجسيمة الجزيلة، و نسألك التوفيق لإتمام بقية الأجزاء من الكتاب، و المشروعات الخيرية الدينية النافعة للأمة الاسلامية جمعاء، إنك ولي ذلك، و القادر عليه.

عبدك السيد محمد كلانتر

ص: 476

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.