دروس استدلالية في العقيدة المهدوية المجلد 1

هویة الکتاب

دروس استدلالية في العقيدة المهدوية (الحلقة الأولى)

تألیف: حميد عبد الجليل الوائلي

تقدیم : مَرکَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّیَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَی فَرَجَهُ الشَّریف

رقم الإصدار: 253

الطبعة: الأولی 1442ه

عدد النسخ: 1000

جمیع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمرکز

العراق - النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

مَرکَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّیَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَی فَرَجَهُ الشَّریف

اسم الکتاب: دروس استدلالية في العقيدة المهدوية (الحلقة الأولى)

تألیف: حميد عبد الجليل الوائلي

تقدیم : مَرکَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّیَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَی فَرَجَهُ الشَّریف

رقم الإصدار: 253

الطبعة: الأولی 1442ه

عدد النسخ: 1000

جمیع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمرکز

العراق - النجف الأشرف

هاتف: 07809744474

wwwm-mahdi.com

info@m-mahdi.com

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:

تختلف طُرُق إيصال المعلومة إلىٰ الآخر تبعاً لاختلاف المعلومة نفسها ومدىٰ أهمّيَّتها وضرورتها، وفي ذلك يعمل الكاتب علىٰ أنْ يتوخَّىٰ الطريقة المثلىٰ لإيصال مقصوده بقالب لفظي يتناسب مع ذلك.

القضيَّة المهدويَّة لها من الأهمّيَّة القصوىٰ ما لا توازيها قضيَّة أُخرىٰ، كونها ممَّا اشتركت في الإيمان بكبرياتها جميع الديانات السماويَّة، بل والوضعيَّة، وكونها مثاراً للنقاشات الحادَّة، بالإضافة إلىٰ أهمّيَّتها التراثيَّة والمعاصرة والمستقبليَّة.

من هنا نجد أنَّ الطُّرُق اختلفت وتعدَّدت في طرح مفاهيمها المتعدِّدة، فبينا تجد طريقة السرد الروائي لها، تجد طريقة أُخرىٰ تميل إلىٰ التحليل الموضوعي لمفاهيمها، إلىٰ ثالثة تهتمُّ بالإجابة عن الإشكالات المطروحة أو المتوقَّعة، ورابعة تعمل علىٰ الجمع الموضوعي لما له ارتباط بها.

اختلاف هذه الطُّرُق في الوقت الذي يكشف عن أهمّيَّتها، هو يكشف عن حيويَّتها وحركتها المستمرَّة، الأمر الذي تطلَّب من الباحثين العمل علىٰ ملئ فراغاتها في مختلف الجوانب.

ومن تلك الطُّرُق هي طريقة طرح القضيَّة المهدويَّة علىٰ شكل دروس متسلسلة يعالج كلُّ درس منها موضوعاً من موضوعاتها، وقد كثرت طلبات الإخوة المؤمنين المنتظرين من مركزنا لإصدار كتابمهدوي بهذه الطريقة؛ واستجابةً لهم، ولأهمّيَّة هذه الطريقة، فقد عملنا علىٰ اختيار كتاب يملأ هذا

ص: 3

الجانب، فوقع الاختيار أوَّلاً علىٰ كتاب سماحة أُستاذ بحث الخارج في الحوزة العلميَّة السيِّد رياض الحكيم، وقد تمَّ إصدار كتابه الموسوم (الثقافة المهدويَّة - دروس منهجيَّة) عن مركزنا، والكتاب الذي بين يديك هو الإصدار الثاني في هذا المجال، وهو لسماحة الشيخ الفاضل حميد الوائلي، أحد أعضاء مركزنا ورئيس تحرير مجلَّة الموعود العلميَّة الصادرة من مركزنا أيضاً، حيث أخذ في كتابه هذا ببيان جوانب متعدِّدة في القضيَّة المهدويَّة وبطريقة الدروس العلميَّة المنهجيَّة، وقد عالج الكثير من تلك الجوانب، ليكون كتاباً نافعاً في هذا المجال.

ونحن في الوقت الذي نُثمِّن جهود المؤلِّف، ندعو جميع المؤلِّفين والباحثين إلىٰ الكتابة في الشأن المهدوي ورفد المكتبة الإسلاميَّة بالنتاج المهدوي، ومركزنا مستعدٌّ دوماً لتحقيق المؤلَّفات المهدويَّة وطباعتها، رفداً للمكتبة الشيعيَّة عموماً والمهدويَّة خصوصاً.

نسأل الله تعالىٰ أنْ يجعلنا وإيَّاكم من الممهِّدين لدولة أهل البيت (علیهم السلام) والسائرين علىٰ نهجهم القويم، وأنْ يُدركنا بعصر ظهور قائمهم علىٰ سلامة من ديننا، إنَّه سميع مجيب.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

19/ ذو الحجَّة/ 1441ه_

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدّمة:

الإيمان بالإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وأنَّه الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت (علیهم السلام) فرع علىٰ الإيمان بالله تعالىٰ وتوحيده، وأنَّه حكيم في أفعاله، ومن حكمته أرسل رُسُله وأنبياءه وحُجَجه إلىٰ الناس لهدايتهم، وهؤلاء الهداة بين الخالق والخلق وجودهم ضرورة منذ خلقهم إلىٰ يوم القيامة.

وبعد وفاة النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) كان أمير المؤمنين (علیه السلام) هو الواسطة، ثمّ كانت في ولده إلىٰ الإمام الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه).

قال أمير المؤمنين (علیه السلام): «اللَّهُمَّ بَلَىٰ لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُه»(1).

قال الشيخ الصدوق (رحمة الله): يجب أنْ يُعتَقد أنَّ الإمامة حقٌّ كما اعتقادنا أنَّ النبوَّة حقٌّ، ويُعتَقد أنَّ الله (عزوجل) الذي جعل النبيَّ (صلی الله علیه و آله) نبيًّا هو الذي جعل إماماً، وأنَّ نصب الإمام وإقامتهواختياره إلىٰ الله (عزوجل)، وأنَّ فضله منه، ويجب أنْ يُعتَقد أنَّه يلزمنا من طاعة الإمام ما يلزمنا من طاعة النبيِّ (صلی الله علیه و آله)، وأنَّ كلَّ فضل آتاه الله (عزوجل) نبيَّه فقد آتاه الإمام إلَّا النبوَّة، ويُعتَقد أنَّ المنكر للإمامة كالمنكر للنبوَّة والمنكر للنبوَّة كالمنكر للتوحيد، ويُعتَقد أنَّ الله لا يقبل من عامل عمله إلَّا

ص: 5


1- نهج البلاغة (ص 497/ ح 147).

بالإقرار بأنبيائه ورُسُله وكُتُبه جملةً، وبالإقرار بنبيِّنا محمّد (صلی الله علیه و آله) والأئمَّة (علیهم السلام) تفصيلاً، أنَّه واجب علينا أنْ نعرف النبيَّ (صلی الله علیه و آله) والأئمَّة بعده (علیهم السلام) بأسمائهم وأعيانهم، وذلك فريضة لازمة لنا، واجبة علينا، لا يقبل الله (عزوجل) عذر جاهل بها، أو مقصِّر فيها، ولا يلزمنا للأنبياء الذين كانوا قبل نبيِّنا (صلی الله علیه و آله) إلَّا الإقرار بجملتهم، وأنَّهم جاؤوا بالحقِّ من عند الحقِّ، وأنَّ من تبعهم نجا ومن خالفهم ضلَّ وهلك، وقد قال الله (عزوجل) لنبيِّه (صلی الله علیه و آله):«وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» [النساء: 164]، ويجب أنْ يُعتَقد أنَّ المنكر لواحد منهم كالمنكر لجماعتهم(1).

وأهمّيَّة هذا الإيمان يحثُّنا أنْ نجعل من مسائله في متناول أيدي المنتظرين وخصوصاً روَّاد العلم، فجاءت هذه الحلقات الدرسيَّة لبيان أُمَّهات مسائل هذه العقيدة وجملة من تفصيلاتها بالاستدلال والإيضاح ودفع الإثارات حولها، وهذه الحلقة الأُولىٰ من حلقات ثلاث تختلف كلُّ واحدة منها عن الأُخريات كمًّا وكيفاً.

والله تعالىٰ وليُّ التوفيق.

تمَّ الفراغ منها يوم

(28/ شهر رمضان/ 1441ه_)

ولله الحمد والمنَّة

ص: 6


1- الهداية (ص 25 - 29).

الإهداء

سيِّدي يا حجَّة الله تعالىٰ..

هذه بضاعة مزجاة..

فتصدَّق علينا..

وأوفِ لنا الكيل..

وأنت خير المتصدِّقين..

* * *

ص: 7

ص: 8

الدرس الأوَّل: أهمّيَّة الإمامة وموقعها في الدِّين

اشارة

تعتقد الإماميَّة أنَّ الإمامة تكون قبل الخلق، وأنَّ الله تعالىٰ دلَّ علىٰ ذلك في محكم كتابه، قال تعالىٰ:«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً» (البقرة: 30)، فأوَّل خلق بدأ الله تعالىٰ به هو الخليفة، لهداية المكلَّفين، قال العلَّامة (رحمة الله): إنَّ الإمامة ونصب الإمام واجب علىٰ الله تعالىٰ، لأنَّ الإمام لطف واللطف واجب(1).

ولو فُرِضَ وجود الخلق قبل الخليفة والإمام لكان هؤلاء المخلوقون في معرض الضلال، وهو قبيح علىٰ الحكيم، ونقض للغرض في الهداية.

روىٰ الشيخ الكليني (رحمة الله) بسند معتبر عن أبي عبد الله (علیه السلام): «الحجَّة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق»(2).

العصمة:

ويُشتَرط في الحجَّة أن يكون معصوماً من الذنوب، بل من الخطأ والاشتباه والنسيان، ويُستَدلُّ علىٰ عصمته بعدَّة أدلَّة، نذكر منها اثنين:

1 - الدليل العقلي:

أنَّ الغرض من الإمام هداية الأُمَّة، فلو كان يُخطئ فهو يحتاج إلىٰ من

ص: 9


1- راجع: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (ص 490).
2- الكافي (ج 1/ ص 177/ باب أنَّ الحجَّة لا تقوم لله علىٰ خلقه إلَّا بالإمام/ ح 4).

يُصوِّبه ويهديه، وهذا خلف الفرض، لذلك قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): وإنَّ من شرط الرئيس أنْ يكون مقطوعاً علىٰ عصمته(1)، ويقصد من الرئيس الإمام، بقرينة قوله قبل ذلك: إذا ثبت وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ، وأنَّ الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أنْ يخلو من رئيس في وقت من الأوقات(2).

2 - الدليل النقلي:

قوله تعالىٰ:«أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (النساء: 59)، والطاعة مطلقة، فلا بدَّ أنْ يكون المطاع معصوماً.

وجوب طاعة الإمام (علیه السلام):

إنَّنا نعلم أنَّ الشريعة الإسلاميَّة هي خاتمة الشرائع،«وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ» (الأحزاب: 40)، وأنَّ الشريعة عبارة عن التكاليف من الوجوب والحرمة وغيرها، وأنَّ هذه التكاليف تحتاج إلىٰ من يحافظ عليها ويُبيِّنها ويوصلها إلىٰ الناس كافَّة بعد رحيل النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله)، مع أنَّه (صلی الله علیه و آله) رسول إلىٰ الناس كافَّة، قال تعالىٰ:«وَمَا أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً» (سبأ: 28)، فضرورة إيصال الأحكام لهداية الناس تقتضي بقاء شخص تصل به هذه الأحكام، وأنْ تكون طاعته واجبة، وإلَّا انتفىٰ الغرض من جعله.

روىٰ الشيخ الكليني (رحمة الله) بسند صحيح عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالىٰ الطاعة للإمام بعد معرفته»، ثمّ قال: «إنَّ الله تبارك وتعالىٰيقول:«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً 80» [النساء: 80]» (3).

ص: 10


1- الغيبة للطوسي (ص 3).
2- المصدر السابق.
3- الكافي (ج 1/ ص 185 و186/ باب فرض طاعة الأئمَّة/ ح 1).

الدليل على إمامة الاثني عشر:

وممَّا استُدِلَّ به علىٰ إمامة اثني عشر إماماً روايات عديدة، منها:

حديث الثقلين: عن النبيِّ (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «إنِّي أُوشك أنْ أُدعىٰ فأُجيب، وإنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله (عزوجل) وعترتي، كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّ اللطيف الخبير أخبرني أنَّهما لن يفترقا حتَّىٰ يردا عليَّ الحوض، فانظروا بماذا تخلفوني فيهما»(1)، وهو من الأحاديث المتواترة، وله طُرُق عديدة، وروي بألفاظ مختلفة.

تقريب الدلالة:

إنَّ هذا الحديث فرض وجود شخص من العترة مع القرآن الكريم إلىٰ يوم الحوض، فلا يمكن أنْ نجد الكتاب الكريم ولا يوجد إلىٰ جانبه شخص من العترة الطاهرة.

وقد نصَّت الأخبار علىٰ أسماء هذه العترة الطاهرة، وأنَّهم الأئمَّة الاثنا عشر، أوَّلهم عليٌّ (علیه السلام) وآخرهم المهدي (عجل الله فرجه)، وممَّا ورد في ذلك:

ما روي عن سُلَيم بن قيس في حديث طويل يتضمَّن عدَّة أسئلة وُجِّهت للنبيِّ (صلی الله علیه و آله) عن الخليفة والإمام بعده، وعن تفسير بعض الآيات، وكان الذي يسأله سلمان (رحمة الله)، إلىٰ أنْ يقول: فقام أبو بكر وعمر فقالا: يارسول الله، هذه الآيات خاصَّة لعليٍّ؟ قال: «بلىٰ فيه وفي أوصيائي إلىٰ يوم القيامة»، قالا: يا رسول الله، بيِّنهم لنا، قال: «عليٌّ أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أُمَّتي ووليُّ كلِّ مؤمن بعدي، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتَّىٰ يردوا عليَّ حوضي...»(2).

* * *

ص: 11


1- كمال الدِّين (ص 235/ باب 22/ ح 46).
2- كمال الدِّين (ص 274 - 279/ باب 24/ ح 25).

ص: 12

الدرس الثاني: أدلَّة إمامة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اشارة

ثبت لدينا أنَّ الأئمَّة بعد النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) هم: الإمام عليٌّ (علیه السلام)، ثمّ ولده الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ السجَّاد، ثمّ الباقر، ثمّ الصادق، ثمّ الكاظم، ثمّ الرضا، ثمّ الجواد، ثمّ الهادي، ثمّ العسكري، ثمّ الحجَّة بن الحسن (علیهم السلام)، علىٰ نحو المجموع.

نتحدَّث الآن عن أدلَّة إمامة الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه)، وممَّا استُدِلَّ به علىٰ إمامته أدلَّة عامَّة وخاصَّة:

الأدلَّة العامَّة: الانحصار بالأئمَّة الاثني عشر (علیهم السلام):

دلَّت الروايات علىٰ حصر الأئمَّة باثني عشر إماماً، وأنَّ المهدي (عجل الله فرجه) منهم، قال الشيخ المفيد (رحمة الله): ... الدليل علىٰ ذلك أنَّ النبيَّ (صلی الله علیه و آله) نصَّ عليهم نصًّا متواتراً بالخلافة، مثل قوله (علیه السلام): «ابني هذا الحسين إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمَّة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً»(1).

وقال الشيخ الصدوق (رحمة الله): اعتقادنا أنَّ حُجَج الله تعالىٰ علىٰ خلقه بعد نبيِّه محمّد (صلی الله علیه و آله) الأئمَّة الاثنا عشر...، ونعتقد أنَّحجَّة الله في أرضه وخليفته علىٰ عباده في زماننا هذا هو القائم المنتظر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسىٰ بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، وأنَّه هو

ص: 13


1- النكت الاعتقاديَّة (ص 43).

الذي أخبر به النبيُّ (صلی الله علیه و آله) عن الله (عزوجل) باسمه ونسبه...، ونعتقد أنَّه لا يجوز أنْ يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي في غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره، لأنَّ النبيَّ (صلی الله علیه و آله) والأئمَّة (علیهم السلام) دلُّوا عليه باسمه ونسبه، وبه نصُّوا، وبه بشَّروا (صلوات الله عليه)(1).

وممَّا دلَّ علىٰ هذا الانحصار من الروايات:

1 - قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «يا بن مسعود، عليُّ بن أبي طالب إمامكم بعدي، وخليفتي عليكم، فإذا مضىٰ فابني الحسن إمامكم بعده وخليفتي عليكم، فإذا مضىٰ فابني الحسين إمامكم بعده وخليفتي عليكم، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمَّتكم وخلفائي عليكم، تاسعهم قائم أُمَّتي، يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً...»(2).

2 - عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام)، قال: «إنَّ الله تعالىٰ أرسل محمّداً (صلی الله علیه و آله) إلىٰ الجنِّ والإنس عامَّة، وكان من بعده اثنا عشر وصيًّا، منهم من سبقنا ومنهم من بقي، وكلُّ وصيٍّ جرت به السُّنَّة، والأوصياء الذين من بعد محمّد (صلی الله علیه و آله) علىٰ سنة أوصياء عيسىٰ إلىٰ محمّد (صلی الله علیه و آله)، وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين (علیه السلام)علىٰ سُنَّة المسيح»(3).

3 - عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) - في حديث له -: «إنَّ الله اختار من الناس الأنبياء، [واختار من الأنبياء] الرُّسُل، واختارني من الرُّسُل، واختار منِّي عليًّا، واختار من عليٍّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وباطنهم»(4).

ص: 14


1- الاعتقادات في دين الإماميَّة (ص 93 - 95).
2- كمال الدِّين (ص 261 و262/ باب 24/ ح 8).
3- الغيبة للطوسي (ص 141/ ح 105).
4- الغيبة للطوسي (ص 142 و143/ ح 107).

الدليل الأوَّل: الغيبة دليل إمامة الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه):

دلَّت الروايات علىٰ أنَّ غيبة ستقع في شخص من ذرّيَّة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأنَّه آخر الأئمَّة الاثني عشر من ولد عليٍّ وفاطمة (علیهما السلام) من أبناء الحسين (علیه السلام)، وصارت مورداً لحديث الخاصِّ والعامِّ قبل ولادته، فلو لم تصدق هذه الغيبة بوقوعها لاستلزم تكذيب الرسول الأكرم والأئمَّة (علیهم السلام).

فلا بدَّ أنْ تكون الغيبة المخبَر بها قبل وقوعها دليلاً علىٰ إمامته.

قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): ويدلُّ أيضاً علىٰ إمامة ابن الحسن (علیه السلام) وصحَّة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه (علیهم السلام) قبل هذه الأوقات بزمان طويل من أنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، وصفة غيبته وما يجري فيه من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وأنَّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأُخرىٰ، وأنَّ الأُولىٰ يُعرَف فيها خبره، والثانية لا يُعرَف فيها أخباره، فوافق ذلك علىٰما تضمَّنته الأخبار، ولولا صحَّتها وصحَّة إمامته لما وافق ذلك، لأنَّ ذلك لا يكون إلَّا بإعلام الله تعالىٰ علىٰ لسان نبيِّه (صلی الله علیه و آله)، وهذه أيضاً طريقة معتمدة اعتمدها الشيوخ قديماً(1).

الدليل الثاني: شهادة ووفاة الإمام العسكري (علیه السلام) دليل على إمامة الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه):

الضرورة علىٰ وجود إمام في كلِّ زمان، وأنَّه لا يخلو زمان من إمام، ممَّا لا شكَّ ولا خلاف فيها، كما ودلَّت عليها بعض الوجوه ممَّا تقدَّم في الدرس الأوَّل، فراجع.

كما وتقدَّم نقل المصادر التي روت أحاديث أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً.

ص: 15


1- الغيبة للطوسي (157 و158)، عنه منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (ج 2/ الفصل 10 و11)، وفيه ما يقرب من 325 حديثاً.

فإذا ثبت لدينا أنَّ الأئمَّة من أمير المؤمنين (علیه السلام) إلىٰ الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) قد ماتوا، وأنَّ الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) قد دلَّت الأدلَّة الواضحة علىٰ موته، فينتج عن مجموع هذه الأُمور ضرورة وجود إمامٍ يقوم في الأُمَّة، وليس هو إلَّا ما نصَّت عليه الروايات من أنَّه الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه).

وممَّا دلَّ علىٰ وفاة الإمام العسكري (علیه السلام) أُمور عديدة، منها:

1 - أقوال من ذكر الوفاة، ومنهم: الشيخ الكليني (رحمة الله)، قال: وقُبِضَ - أي الإمام العسكري (علیه السلام) - يوم الجمعة لثمان ليال خلونمن شهر ربيع الأوَّل سنة ستِّين ومائتين(1).

وممَّن ذكر ذلك الشيخ الطوسي(2) والعلَّامة الحلِّي <(3)، ومن أبناء العامَّة الذهبي تلميذ ابن تيميَّة، ونصُّ عبارته: وكان موت الحسن سنة ستِّين ومائتين(4)، وقاله أيضاً ابن الأثير(5).

2 - التواتر الذي يحكي حصول الوفاة، وممَّن نقله:

الشيخ الصدوق (رحمة الله) بسند صحيح عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا من حضر موت الحسن بن عليِّ بن محمّد العسكري (علیهم السلام) ودفنه ممَّن لا يُوقَف علىٰ إحصاء عددهم، ولا يجوز علىٰ مثلهم التواطؤ بالكذب...(6).

3 - الروايات، وهي كثيرة، ومنها:

ما رواه الشيخ الطوسي (رحمة الله) بسنده إلىٰ أبي عبد الله (علیه السلام): «... وأختم

ص: 16


1- الكافي (ج 1/ ص 503/ باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام)).
2- تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 92).
3- تحرير الأحكام (ج 2/ ص 126/ الرقم 2660).
4- تاريخ الإسلام (ج 20/ ص 161)، وسير أعلام النبلاء (ج 13/ ص 121).
5- الكامل في التاريخ (ج 7/ ص 274).
6- كمال الدِّين (ص 40).

بالسعادة لابنه عليٍّ وليِّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني علىٰ وحيي، أُخرج منه الداعي إلىٰ سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، ثمّ أُكمل ذلك بابنه رحمةً للعالمين، عليه كمال موسىٰ، وبهاء عيسىٰ، وصبر أيُّوب...»(1).

* * *

ص: 17


1- الغيبة للطوسي (ص 146/ ح 108).

ص: 18

الدرس الثالث: التشكيك بإمامة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اشارة

أُثيرت حول إمامته (عجل الله فرجه) عدَّة من الإثارات، منها:

1 - انقطاع السلسلة والاعتقاد بغيبة غير الإمام المهدي (عجل الله فرجه):

إنَّ اعتقادنا بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) إماماً للأُمَّة متفرِّع علىٰ كونه الإمام الثاني عشر من أهل البيت (علیهم السلام)، فلو أنَّ مدَّعياً ادَّعىٰ أنَّ سلسلة الأئمَّة والإمامة منقطعة وأنَّ هناك توقُّف، فإنَّ الأدلَّة التي تقدَّمت في إثبات إمامته كافية في إثباتها، لكن مع ذلك فإنَّ هؤلاء قد أقرُّوا بلزوم الإمامة وخالفوا في الانطباق، إذ قالوا بإمامة غيره، فلا بدَّ من إثبات بطلان مدَّعاهم.

فمن قال بإمامة ابن الحنفيَّة كالكيسانيَّة، أو القائلون بإمامة الإمام الصادق (علیه السلام) كالناووسيَّة، يرد عليهم:

1 - أنَّ موت الإمام الصادق (علیه السلام) أو محمّد بن الحنفيَّة ممَّا اشتهر وذاع، فلا يصحُّ معه ادِّعاء غيبته.

2 - أنَّ ما دلَّ علىٰ أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً يُبطِل هذا الادِّعاء، وما دلَّ علىٰ إمامة الإمام اللَّاحق بوصيَّة من الإمام السابق عليه يُبطِله أيضاً.قال الشيخ الصدوق (رحمة الله): نحن لم نشاهد موت أحد من السلف، وإنَّما

ص: 19

صحَّ موتهم عندنا بالخبر، فإنْ وقف واقف علىٰ بعضهم سألناه الفصل(1) بينه وبين من وقف علىٰ سائرهم، وهذا ما لا حيلة لهم فيه(2).

2 - الوقف على الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام):

قال الشيخ النوبختي (رحمة الله): وقالت الفرقة الثانية: إنَّ موسىٰ بن جعفر لم يمت وإنَّه حيٌّ ولا يموت حتَّىٰ يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلَّها عدلاً كما مُلِئَت جوراً، وإنَّه القائم المهدي...، وإنَّه غاب عن الناس واختفىٰ، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمّد (علیهما السلام) أنَّه قال: «هو القائم المهدي فإنْ يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تُصدِّقوا فإنَّه القائم»(3).

والجواب عنها:

1 - أنَّ موت الإمام موسىٰ بن جعفر (علیه السلام) ظاهر مشتهر مستفيض كما اشتهر موت من تقدَّمه من آبائه (علیهم السلام).

ولو شككنا في موته لتطرَّق الشكُّ إلىٰ موت جميع من تقدَّمه، بل إنَّ موته أشهر ممَّن تقدَّمه.

2 - روىٰ الشيخ الطوسي (رحمة الله) عدَّة روايات تنصُّ علىٰ موته، منها: ما رواه يونس بن عبد الرحمن، قال: حضر الحسين بن عليٍّالرواسي جنازة أبي إبراهيم (علیه السلام)، فما وُضِعَ علىٰ شفير القبر إذا رسول من سندي بن شاهك قد أتىٰ أبا المضا خليفته - وكان مع الجنازة - أنْ اكشف وجهه للناس قبل أنْ تدفنه

ص: 20


1- الفرق.
2- كمال الدِّين (ص 105).
3- فِرَق الشيعة (ص 80).

حتَّىٰ يروه صحيحاً لم يحدث به حدث، قال: وكشف عن وجه مولاي حتَّىٰ رأيته وعرفته، ثمّ غُطِّي وجهه وأُدخِلَ في قبره (صلَّىٰ الله عليه)(1).

3 - القائلون بإمامة محمّد بن عليٍّ الهادي ويُسَمَّون بالمحمّديَّة:

قال الشيخ النوبختي (رحمة الله): فلمَّا تُوفّي عليُّ [الهادي] بن محمّد بن عليِّ بن موسىٰ الرضا (صلوات الله عليهم) قالت فرقة من أصحابه بإمامة ابنه محمّد [سبع الدجيل]، وقد كان تُوفّي في حياة أبيه بسُرَّ من رأىٰ، وزعموا أنَّه حيٌّ لم يمت، واعتلوا في ذلك بأنَّ أباه أشار إليه وأعلمهم أنَّه الإمام من بعده، والإمام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز البداء فيه، فهو وإنْ كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة، ولكن أباه خاف عليه فغيَّبه، وهو القائم المهدي...(2).

والجواب عنها:

1 - أنَّ انقراض هؤلاء كاشف عن كونهم ليسوا بحقٍّ، إذ إنَّ الحقَّ لا ينقرض.

إنْ قلت: هل كلُّ من بقي فهو حقٌّ؟

قلت: الحقُّ لا ينقرض لو كان في جماعة، أمَّا جميع الموجودين هم علىٰ حقٍّ فلا نقول به.2 - أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري (علیه السلام) مات في حياة أبيه موتاً ظاهراً، والأخبار في ذلك ظاهرة معروفة، فمن دفع موته كان كمن دفع موت من تقدَّمه من آبائه (علیهم السلام).

روىٰ الشيخ الطوسي (رحمة الله) عن محمّد بن أبي الصهبان القمّي الثقة بواسطة

ص: 21


1- الغيبة للطوسي (ص 23 و24/ ح 2).
2- فِرَق الشيعة (ص 94).

واحدة أنَّه قال: ل_مَّا مات أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسىٰ (علیهم السلام) وُضِعَ لأبي الحسن عليِّ بن محمّد (علیهما السلام) كرسي، فجلس عليه، وكان أبو محمّد الحسن بن عليٍّ قائماً في ناحية، فلمَّا فرغ من غُسل (أبي جعفر) التفت أبو الحسن إلىٰ أبي محمّد (علیهما السلام)، فقال: «يا بنيَّ، أحدث لله شكراً، فقد أحدث فيك أمراً»(1).

ثمّ ذكر عدَّة روايات في موت محمّد في حياة أبيه (علیه السلام).

3 - أنَّ هذا القول باطل لما دلَّنا علىٰ إمامة أخيه الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام)، ومنها: ما ورد عن عليِّ بن عمر النوفلي، قال: كنت مع أبي الحسن العسكري (علیه السلام) في داره، فمرَّ عليه أبو جعفر، فقلت له: هذا صاحبنا؟ فقال: «لا، صاحبكم الحسن»(2)، وهناك عدَّة روايات تدلُّ علىٰ ذلك ذكرها شيخ الطائفة (رحمة الله)، فراجع.

* * *

ص: 22


1- الغيبة للطوسي (ص 203/ ح 170).
2- الغيبة للطوسي (ص 198 و199/ ح 163).

الدرس الرابع: ولادة الإمام (عجل الله فرجه) وتواتر النقل

اشارة

تبيَّن لنا:

1 - ضرورة وجود الإمام (علیه السلام) مع الخلق دائماً، ولا بدَّ أنْ يكون معصوماً، وأنَّ الأئمَّة (علیهم السلام) اثنا عشر إماماً، ممَّا يعني بطلان كلِّ الفِرَق التي لم تؤمن بهم أو وقفت علىٰ بعضهم.

2 - تقدَّمت بعض الأدلَّة الدالَّة علىٰ إمامة الإمام الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه) بالخصوص.

وقبل الشروع في أدلَّة الولادة نطلُّ علىٰ الأجواء التي كانت محيطة بزمان ولادته (عجل الله فرجه).

من أصعب الظروف ما عاشه أهل البيت (علیهم السلام) بعد النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) من شدَّة واضطهاد وتنكيل وقتل وتشريد لهم ولأتباعهم، حتَّىٰ صارت مشايعتهم جريمة يُحاسِب عليها أصحاب السلطة في زمانهم، وكانت رواية الحديث عنهم جريمة تصل عقوبتها في بعض الحُقَب الموت، في مثل هذه الأجواء يَعِدُ أهل البيت (علیهم السلام) الأُمَّة الإسلاميَّة ومن قِبَل كلِّ إمام منهم بالحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه) الذي يقوم بتخليص الناس من الظلم والجور، ترىٰ كيف سيتسنَّىٰ للرواة نقل هذه الأخبار؟

مع هذه الشدَّة نُقِلَت أخبار ولادته (عجل الله فرجه)، وأنَّه خفيُّ المولد، وممَّا روي بهذا الصدد:

1 - عن أيُّوب بن نوح، قال: قلت للرضا (علیه السلام): إنَّا لنرجو أنْ تكون صاحب

ص: 23

هذا الأمر، وأنْ يردَّه الله (عزوجل) إليك من غير سيف، فقد بويع لك، وضُرِبَت الدراهم باسمك، فقال [(علیه السلام)]: «ما منَّا أحد اختلفت إليه الكُتُب، وسُئِلَ عن المسائل، وأشارت إليه الأصابع، وحُمِلَت إليه الأموال، إلَّا اغتيل أو مات علىٰ فراشه، حتَّىٰ يبعث الله (عزوجل) لهذا الأمر رجلاً خفيَّ المولد والمنشأ، غير خفيٍّ في نسبه»(1).

2 - روىٰ الشيخ الطوسي (رحمة الله)، قال: روىٰ محمّد بن يعقوب الكليني رفعه، قال: قال أبو محمّد (علیه السلام) - حين وُلِدَ الحجَّة (علیه السلام) -: «زعم الظلمة أنَّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله؟»، وسمَّاه المؤمَّل(2).

وأمَّا ما رواه الشيخ الكليني (رحمة الله) ولعلَّه المعنيُّ به في كلام شيخ الطائفة (رحمة الله)، فهو روايته عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلَّىٰ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، قال: خرج عن أبي محمّد (علیه السلام) حين قُتِلَ الزبيري: «هذا جزاء من افترىٰ علىٰ الله في أوليائه، زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأىٰ قدرة الله؟»، ووُلِدَ له ولد سمَّاه (م ح م د) سنة ستّ وخمسين ومائتين(3).

الأقوال في الولادة:

1 - قال الشيخ المفيد (رحمة الله): فإنْ قيل: مَنْ الإمام بعد عليٍّ(علیه السلام)؟

فالجواب: ولده الحسن (علیه السلام)، ثمّ الحسين...، ثمّ الخلف القائم المهدي (صلوات الله عليهم أجمعين).

فإنْ قيل: ما الدليل علىٰ إمامة كلِّ واحدٍ من هؤلاء المذكورين؟

فالجواب: الدليل علىٰ ذلك أنَّ النبيَّ (صلی الله علیه و آله) نصَّ عليهم نصًّا متواتراً بالخلافة...(4).

ص: 24


1- كمال الدِّين (ص 370/ باب 35/ ح 1)، والرواية صحيحة سنداً.
2- الغيبة للطوسي (ص 223/ ح 186).
3- الكافي (ج 1/ ص 514/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 1).
4- النكت الاعتقاديَّة (ص 42 و43).

2 - قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): والخبر بولادة ابن الحسن (علیه السلام) وارد من جهات أكثر ممَّا يثبت به الأنساب في الشرع(1).

تواتر الغيبة:

الغيبة فرع الوجود، فلا بدَّ أنْ يكون مَنْ تواترت غيبته مولوداً، إذ لا معنىٰ لتواتر القول بغيبة غير الموجود.

قال الشيخ الصدوق (رحمة الله): ... فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن (علیه السلام) علىٰ ما شرحت، وأنَّه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة، فإنَّها جاءت مشهورة متواترة، وكانت الشيعة تتوقَّعها وتترجَّاها(2).

وقال الشيخ الطوسي (رحمة الله): علىٰ أنَّ هذه الأخبار [الغيبة] متواتر بها لفظاً ومعنىً، فأمَّا اللفظ فإنَّ الشيعة تواترت بكلِّ خبر منه...(3).

وقال الشيخ أبو الفتح الكراجكي الطرابلسي (رحمة الله): ... وكذلكالغيبة نفسها فرع عن صحَّة الوجود، إذ كان لا يصحُّ غيبة مَنْ ليس بموجود، فمن جحد وجود الإمام فلا يصحُّ كلامه في ما بعد ذلك من هذه الأحوال، فقد بان أنَّه لا بدَّ من تسليم الوجود والإمامة(4).

وقال الشيخ الطبرسي (رحمة الله): ... وأمَّا غيبته (صلوات الله عليه) فقد تواترت الأخبار بها قبل ولادته(5).

* * *

ص: 25


1- الغيبة للطوسي (ص 106).
2- كمال الدِّين (ص 94).
3- الغيبة للطوسي (ص 173 و174).
4- كنز الفوائد (ص 172).
5- تاج المواليد (ص 65).

ص: 26

الدرس الخامس: الدليل الكلامي والعددي على الولادة

اشارة

وتقريره ضمن مقدّمات:

1 - حاجة الناس إلىٰ الهداية في كلِّ زمان تقتضي وجود إمام في كلِّ زمان، وتقدَّم بحثه مفصَّلاً في الاستدلال علىٰ إمامة الإمام (عجل الله فرجه) والأئمَّة من آبائه (علیهم السلام) فيما تقدَّم من دروس.

2 - وقد دلَّت الأدلَّة علىٰ أنَّ مَنْ هذا شأنهم في الأُمَّة هم اثنا عشر إماماً، وقد مضىٰ منهم أحد عشر إماماً، فلا بدَّ من إمامة الثاني عشر، لتكتمل عدَّة الاثني عشر إماماً.

فيلزم أنْ نعتقد بالثاني عشر وإنْ لم يدلّنا دليل خاصٌّ علىٰ وجوده أو ولادته.

قال الشيخ أبو الصلاح الحلبي (رحمة الله): برهان العقل علىٰ إمامته: فأمَّا برهان العقل، فعلمنا به وجوب الرئاسة وعصمة الرئيس وفضله علىٰ الرعيَّة في الظاهر والباطن وكونه أعلمهم بما هو رئيس فيه، وكلُّ من قال بذلك قال بإمامة الحجَّة بن الحسن (علیه السلام)، وكونه الرئيس ذا الصفات الواجبة، دون سائر الخلق، من وفاة أبيه إلىٰ أنْ يظهر...(1).

وقال الشيخ الطبرسي (رحمة الله): إذا ثبت بالدليل العقلي وجوبالإمامة، واستحالة أنْ يُخلي الحكيم سبحانه عباده المكلَّفين وقتاً من الأوقات من وجود

ص: 27


1- تقريب المعارف (ص 415).

إمام معصوم من القبائح، كامل غني عن رعاياه في العلوم، ليكونوا بوجوده أقرب إلىٰ الصلاح وأبعد من الفساد، وثبت وجوب النصِّ علىٰ من هذه صفته من الأنام، أو ظهور المعجز الدالِّ عليه المميِّز له عمَّن سواه، وعدم هذه الصفات من كلِّ أحد بعد وفاة أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري ممَّن ادُّعيت الإمامة له في تلك الحال، سوىٰ من أثبت إمامته أصحابه (علیه السلام) من ولده، القائم مقامه، ثبت إمامته (علیه السلام)...، علىٰ أنَّه سبق النصُّ عليه من النبيِّ (صلی الله علیه و آله)، ثمّ من أمير المؤمنين (علیه السلام)، ثمّ من الأئمَّة (علیهم السلام) واحداً بعد واحد إلىٰ أبيه (علیه السلام)، وإخبارهم (علیهم السلام) بغيبته قبل وجوده، وبدولته بعد غيبته(1).

وهو دالٌّ علىٰ ما تقدَّم ذكره وزيادة في الدلالة علىٰ الولادة.

دلالة العدد على الولادة:

ذكرت جملة من الروايات أنَّ الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه) من ذرّيَّة رسول الله (صلی الله علیه و آله) من أبناء فاطمة وعليٍّ (علیهما السلام) من ذرّيَّة الحسين (علیه السلام)، وأنَّه الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه).

كما ودلَّت جملة أُخرىٰ من الروايات أنَّه مذكور بعدد محدَّد من آبائه (علیهم السلام).

ومن هذه النصوص:

1 - أنَّه (عجل الله فرجه) التاسع من وُلد الحسين (علیه السلام): فعنرسول الله (صلی الله علیه و آله): «لا تذهب الدنيا حتَّىٰ يقوم بأمر أُمَّتي رجل من صلب الحسين يملأها عدلاً كما مُلِئَت جوراً»، قلنا: من هو يا رسول الله؟ قال: «الإمام التاسع من صلب الحسين (علیه السلام)»(2).

2 - أنَّه (عجل الله فرجه) السابع من وُلد الباقر (علیه السلام): فعنه (علیه السلام): «من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شكَّ فيما أقول لقي الله سبحانه وهو به كافر

ص: 28


1- إعلام الورىٰ (ج 2/ ص 225).
2- كفاية الأثر (ص 97).

وله جاحد»، ثمّ قال: «بأبي وأُمِّي المسمَّىٰ باسمي، والمكنَّىٰ بكنيتي، السابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً...»(1).

3 - أنَّه (عجل الله فرجه) السادس من وُلد الصادق (علیه السلام): فعنه (علیه السلام): «إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمَّة الهداة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، أوَّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحقِّ بقيَّة الله في الأرض وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتَّىٰ يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(2).

4 - أنَّه (عجل الله فرجه) الخامس من وُلد السابع موسىٰ بن جعفر (علیه السلام): فعنه (علیه السلام): «إذا فُقِدَ الخامس من وُلد السابع فالله الله في أديانكم»(3).

5 - أنَّه (عجل الله فرجه) الرابع من ولد الإمام الرضا (علیهالسلام): سُئِلَ (علیه السلام): ... يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: «الرابع من ولدي، ابن سيِّدة الإماء، يُطهِّر الله به الأرض من كلِّ جور، ويُقدِّسها من كلِّ ظلم...»(4).

6 - أنَّه (عجل الله فرجه) من ولد الإمام الهادي (علیه السلام): فعنه (علیه السلام): «إنَّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(5).

فالنصوص المتقدِّمة تفيد وجود معدود محدَّد، وإلَّا لزم اللغو من ذكر العدد.

* * *

ص: 29


1- الغيبة للنعماني (ص 88 و89/ باب 4/ ح 17).
2- كمال الدِّين (ص 342/ باب 33/ ح 23).
3- الكافي (ج 1/ ص 336/ باب في الغيبة/ ح 2).
4- كمال الدِّين (ص 371 و372/ باب 35/ ح 5).
5- كمال الدِّين (ص 383/ باب 37/ ح 10).

ص: 30

الدرس السادس: الإجماع والروايات والأقوال من أدلَّة الولادة

1 - الإجماع يدلُّ على الولادة:

بتقريب: أنَّ الولادة وإنْ كانت من القضايا الحسّيَّة، والإجماع من القضايا الحدسيَّة، إلَّا أنَّ من ينقل إجماع الطائفة عليها إنَّما ينقله تبعاً لما توفَّرت لديه من أدلَّة وأقوال لمن سبقه في إثباتها.

وكيفما كان فقد نُقِلَ الإجماع علىٰ الولادة، وممَّن نقله:

الشيخ الطوسي (رحمة الله)، قال: ... ومن خالف في إمامتهم لا يعتبر هذا العدد، فالقول - مع اعتبار العدد -: إنَّ المراد غيرهم خروج عن الإجماع، وما أدَّىٰ إلىٰ ذلك وجب القول بفساده(1)، فمخالفة ما ثبت في إمامة الأئمَّة (علیهم السلام)، وأنَّ عددهم محدَّد باثني عشر إماماً، هذا مخالف للإجماع.

2 - الروايات تدلُّ على الولادة:

دلَّت الروايات علىٰ الولادة بنحوين:

1 - دلالة عامَّة:

وممَّا دلَّ عليها بهذا النحو نصوص عديدة، منها:أ - لو أنَّ الإمام رُفِعَ من الأرض ساعة لساخت بأهلها، وورد بعدَّة ألسن(2).

ص: 31


1- الغيبة للطوسي (ص 157).
2- راجع: الغيبة للنعماني (ص 139 و140/ باب ما روي في أنَّ الله لا يُخلي أرضه بغير حجَّة/ ح 8 - 11).

وتقريب دلالته علىٰ وجود الإمام (عجل الله فرجه) وضرورة ولادته، أنَّ الأرض لم تسخ بأهلها، ولا زالت موجودة، فلا بدَّ أنْ يكون الإمام (عجل الله فرجه) موجوداً مولوداً كي لا تسيخ.

ب - حديث الثقلين المتواتر، وممَّا ورد فيه عن رسوله (صلی الله علیه و آله): «إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألَا وهما الخليفتان من بعدي، ولن يفترقا حتَّىٰ يردا عليَّ الحوض»(1).

والقرآن في زماننا موجود، فلا بدَّ من وجود قرين له، ولم يدلّ دليل علىٰ هذا القرين سوىٰ ما يدَّعيه الشيعة الإماميَّة الاثنا عشريَّة من وجود الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه).

2 - دلالة خاصَّة:

وممَّا دلَّ عليها بهذا النحو عدَّة نصوص، منها:

أ - الخبر الصحيح الذي رواه الشيخ الكليني (رحمة الله) بسنده عن أحمد بن محمّد، قال: خرج عن أبي محمّد (علیه السلام) حين قُتِلَ الزبيري: «هذا جزاء من افترىٰ علىٰ الله في أوليائه، زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأىٰ قدرة الله؟»، ووُلِدَ له ولد سمَّاه (م ح م د) سنة ستّ وخمسين ومائتين(2).ب - الخبر الصحيح الذي رواه الشيخ الصدوق (رحمة الله)، عن شيخه ابن المتوكِّل، عن الحميري، عن العمري، قال: سمعته يقول: والله إنَّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلَّ سنة، فيرىٰ الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(3).

ص: 32


1- كمال الدِّين (ص 236/ باب 22/ ح 52).
2- الكافي (ج 1/ ص 514/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)/ ح 1).
3- كمال الدِّين (ص 440/ باب 43/ ح 80).

3 - الأقوال تدلُّ على الولادة:

ذكر علماء النسب والتاريخ والحديث ما يدلُّ علىٰ ولادة الإمام (عجل الله فرجه)، ومن هذه الأقوال:

1 - أقوال علماء الإماميَّة:

ومنها:

أ - الشيخ الكليني (رحمة الله)، قال: وُلِدَ (علیه السلام) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين(1).

ب - الشيخ الصدوق (رحمة الله)، قال: ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجَّة الله ابن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسىٰ بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)(2)، ثمّ ذكر الروايات الدالَّة علىٰ الولادة.

ج - الشيخ الطوسي (رحمة الله)، قال: فأمَّا الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحَّتها، فأشياء اعتباريَّة، وأشياء إخباريَّة(3)، ثم فصَّل ذلك.

2 - أقوال علماء العامَّة:

ومنها:أ - أبو الفداء، قال: ... والحسن العسكري المذكور هو والد محمّد المنتظر صاحب السرداب، ومحمّد المنتظر المذكور هو ثاني عشر الأئمَّة الاثني عشر علىٰ رأي الإماميَّة، ويقال له: القائم والمهدي والحجَّة، ووُلِدَ المنتظر المذكور في سنة خمس وخمسين ومائتين(4).

ص: 33


1- الكافي (ج 1/ ص 514/ باب مولد الصاحب (علیه السلام)).
2- كمال الدِّين (ص 424 - 434/ باب 42/ ح 1 - 16).
3- الغيبة للطوسي (ص 229).
4- المختصر في أخبار البشر (ج 2/ ص 45).

ب - الذهبي، قال: الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا بن موسىٰ بن جعفر الصادق، أبو محمّد الهاشمي الحسيني، أحد أئمَّة الشيعة الذين تدَّعي الشيعة عصمتهم، ويقال له: الحسن العسكري، لكونه سكن سامرَّاء، فإنَّها يقال لها: العسكر، وهو والد منتظر الرافضة، تُوفّي إلىٰ رضوان الله بسامرَّاء في ثامن ربيع الأوَّل سنة ستِّين، وله تسع وعشرون سنة، ودُفِنَ إلىٰ جانب والده، وأُمُّه أَمَة، وأمَّا ابنه محمّد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجَّة، فوُلِدَ سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ستّ وخمسين...(1).

* * *

ص: 34


1- تاريخ الإسلام (ج 19/ ص 113).

الدرس السابع: إشكالات على ولادة الإمام (عجل الله فرجه)(1)

اشارة

أُثيرت حول ولادة الإمام الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه) عدَّة شُبُهات تهدف إلىٰ حجب الحقيقة الواضحة التي تمَّ الاستدلال عليها من خلال الأدلَّة المتقدِّمة وغيرها، والإيحاء إلىٰ أنَّ ولادته (عجل الله فرجه) لم تقع، وإنَّما أصل وجود هذه القضيَّة وهمٌ، وما إلىٰ ذلك، ومن بين تلكم الشُّبُهات:

الشُّبهة الأولى: المهدي (عجل الله فرجه) غير مولود وهو شخصيَّة وهميَّة:

يقول بعض من ليس له بصيرة بالأخبار والآثار: إنَّ آخر إمام للشيعة لا وجود له إلَّا في أذهان الشيعة، وإنَّ هذه الخرافة من الأساطير التي لا دليل عليها من الكتاب والسُّنَّة(1).

والجواب عنها:

1 - الفرق بين الخرافة والحقيقة أنَّ الأُولىٰ لا دليل عليها، والثانية عليها دليل، ودلائل ولادة الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه) عديدة، ومنها ما تقدَّم آنفاً.

2 - من القرآن الكريم توجد العديد من الآيات التي فُسِّرت بالإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وأنَّه يغيب بعد ولادته ثمّ يظهر، ومنها: ما وردفي تفسير قوله تعالىٰ:«فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ 15 الْجَوَارِ الْكُنَّسِ 16» (التكوير: 15 و16)، حيث

ص: 35


1- بروتكولات آيات قم (ص 13).

ذكرت الرواية أنَّه: «إمام يخنس سنة ستِّين ومائتين، ثمّ يظهر كالشهاب يتوقَّد في الليلة الظلماء»(1).

3 - ممَّا يدعو للإيمان بولادة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) نصوص متواترة(2) من قبيل حديث الثقلين الذي قرن وجود القرآن بوجود ثقل آخر من أهل البيت (علیهم السلام)، ونصَّت أدلَّة أُخرىٰ علىٰ تشخيص هويَّة هذا الثقل، وأنَّه الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه)(3).

الشُّبهة الثانية: لو كان للإمام العسكري (علیه السلام) ولد لما جاز أنْ يقع الخلاف فيه:

نقل الشيخ الطوسي (رحمة الله) هذا القول عن بعضهم قائلاً: إنَّا نعلم أنَّه لم يكن للحسن بن عليٍّ ابن كما نعلم أنَّه لم يكن له عشرة بنين، وكما نعلم أنَّه لم يكن للنبيِّ (صلی الله علیه و آله) ابن لصلبه عاش بعد موته. فإنْ قلتم: لو علمنا أحدهما كما نعلم الآخر لما جاز أنْ يقع فيه خلاف كما لا يجوز أنْ يقع الخلاف في الآخر...، إلىٰ آخر كلامه(4).

ومحصَّل كلامه أنَّه لو كان للإمام الحسن (علیه السلام) ولد لما جاز أنْ يقع فيه خلاف علىٰ أنَّ القائل بهذه الشُّبهة ينفي العلم بالولادة، بل يدَّعي العلم بعدم الولادة، كما أنَّ لديه علماً بعدم وجود أبناء عشرة للنبيِّ الأكرم(صلی الله علیه و آله)، فالشُّبهة تنحلُّ إلىٰ مدَّعيات ثلاثة:

1 - أنَّنا لا نعلم بالولادة.

2 - بل نعلم بالعدم.

3 - لو سلَّمنا وقوعها لما جاز أنْ يقع فيها الخلاف.

ص: 36


1- الكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 22)، والرواية مرويَّة عن الإمام الباقر (علیه السلام).
2- كمال الدِّين (ص 94).
3- راجع كلمات الأعلام في الدرس السادس.
4- الغيبة للطوسي (ص 76).

والجواب عنها:

1 - لا يوجد علم بعدم الولادة، إذ من أين يأتي القطع بعدم ولادة ولد للحسن بن عليٍّ (علیهما السلام)، مع رواية آبائه (علیهم السلام) في ولده أنَّه تخفىٰ علىٰ الناس ولادته علىٰ ما تقدَّم(1)، فادِّعاء تحصيل العلم والقطع بعدم الولادة أمر في غاية المجازفة، وعهدة هذه الدعوىٰ علىٰ مدَّعيها، إذ لا أثر منها ولا عين، بل الأدلَّة المتقدِّمة تُعطي العلم بها.

2 - أمَّا دعوىٰ عدم العلم بها، فهي لا تساوق عدم حصولها، إذ عدم العلم بشيء ليس دليلاً علىٰ العدم، علىٰ أنَّ أدلَّة إثبات الولادة تنفي هذه الدعوىٰ من أصل.

3 - أمَّا الدعوىٰ الثالثة فالجواب عنها بأنَّ وقوع الخلاف في الولد لدواعٍ عقلائيَّة أمر واقع، وعليه شهادة الوجدان، فإنَّ العقلاء قد تدعوهم عدَّة دواعٍ لكتمان ولادة أولادهم لأغراض مختلفة، كيف والإمام (عجل الله فرجه) قد دلَّت الأخبار علىٰ أنَّه يقال فيه: لم يُولَد، ومنها:

أ - ما روي عن الإمام الباقر (علیه السلام): «... انظروا من خفيت ولادته، فيقول قوم: وُلِدَ، ويقول قوم: ما وُلِدَ، فهو صاحبكم»(2).

ب - وعن الإمام الرضا (علیه السلام): «إنَّكم ستُبتَلون بما هو أشدّوأكبر، تُبتَلون بالجنين في بطن أُمِّه، والرضيع، حتَّىٰ يقال: غاب ومات، ويقولون: لا إمام...»(3).

ج - وروىٰ الشيخ الكليني (رحمة الله)، عن عليِّ بن إبراهيم، عن الحسن بن

ص: 37


1- تقدَّم في الدرس الخامس.
2- رسائل في الغيبة (ج 2/ ص 13).
3- الغيبة للنعماني (ص 185/ باب 10/ فصل 4/ ح 27).

موسىٰ الخشَّاب، عن عبد الله بن موسىٰ، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة - والسند تامٌّ علىٰ بعض المباني -، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: «إنَّ للغلام غيبة قبل أنْ يقوم»، قال: قلت: ولِ_مَ؟ قال: «يخاف - وأومأ بيده إلىٰ بطنه -»، ثمّ قال: «يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يُشَكُّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنَّه وُلِدَ قبل موت أبيه بسنتين...»(1).

فإنَّ دلالة الأحاديث علىٰ خفاء مولده (عجل الله فرجه) واضحة، فكيف يُدَّعىٰ بعدها أنَّ وقوع الخلاف في ولادته (عجل الله فرجه) يكشف عن عدم وقوعها، بل العكس هو الصحيح، فإنَّه لو لم يقع خلاف في ولادته (عجل الله فرجه) لما صحَّت، لأنَّ الأخبار المتقدِّمة وغيرها ممَّا يوجب الاطمئنان بصدورها توجب الإذعان بأنَّ من لا تخفىٰ ولادته ليس هو الحجَّة، فيكون الإخبار بهذا النحو نوعاً من الإعجاز في الإخبار عنه وعن خفاء مولده (عجل الله فرجه) الذي تحقَّق.

* * *

ص: 38


1- الكافي (ج 1/ ص 337/ باب في الغيبة/ ح 5).

الدرس الثامن: إشكالات على ولادة الإمام (عجل الله فرجه) (2)

الشُّبهة الثالثة: إنكار جعفر:

قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): وأمَّا إنكار جعفر بن عليٍّ - عمّ صاحب الزمان (علیه السلام) - شهادة الإماميَّة بولد لأخيه الحسن بن عليٍّ، وُلِدَ في حياته، ودفعه بذلك وجوده بعده، وأخذته تركته، وحوزه ميراثه، وما كان منه في حمل سلطان الوقت علىٰ حبس جواري الحسن (علیه السلام) واستبدالهنَّ بالاستبراء لهنَّ من الحمل، ليتأكَّد نفيه لولد أخيه، وإباحته دماء شيعتهم بدعواهم خلفاً له بعده كان أحقّ بمقامه(1).

والجواب عنها:

1 - ما أجاب به الشيخ الطوسي (رحمة الله) في معرض استعراضها حيث قال: وأمَّا إنكار جعفر... فليس بشبهة يعتمد علىٰ مثلها أحد المحصِّلين، لاتِّفاق الكلِّ علىٰ أنَّ جعفراً لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء، فيمتنع عليه لذلك إنكار حقٍّ ودعوىٰ باطل، بل الخطأ جائز عليه، والغلط غير ممتنع منه(2).2 - ويواصل شيخ الطائفة (رحمة الله) الإجابة علىٰ هذه الشُّبهة، تنزُّلاً منه - مع أنَّها ليست بشبهة يُعتَمد عليها - بقوله: وقد نطق القرآن بما كان من ولد يعقوب (علیه السلام) مع أخيهم يوسف (علیه السلام) وطرحهم إيَّاه في الجُبِّ، وبيعهم إيَّاه بالثمن البخس، وهم أولاد

ص: 39


1- الغيبة للطوسي (ص 106و107).
2- المصدر السابق.

الأنبياء، وفي الناس من يقول: كانوا أنبياء، فإذا جاز منهم مثل ذلك مع عظم الخطأ فيهم، فلِمَ لا يجوز مثله من جعفر بن عليٍّ مع ابن أخيه(1)؟

3 - قال الشيخ الصدوق (رحمة الله): ومن الدليل علىٰ فساد أمره(2) استعانته بمن استعان في طلب الميراث من أُمِّ الحسن J وقد أجمعت الشيعة أنَّ آباءه (علیهم السلام) أجمعوا أنَّ الأخ لا يرث مع الأُمِّ. ومن الدليل علىٰ فساد أمره قوله: إنِّي إمام بعد أخي محمّد، فليت شعري متىٰ ثبتت إمامة أخيه وقد مات قبل أبيه حتَّىٰ تثبت إمامة خليفته(3)؟

الشُّبهة الرابعة: الحسن بن عليٍّ (علیه السلام) لم ينصّ على ولادة مولود له:

قال الشيخ الصدوق (رحمة الله): وأمَّا قول المعتزلة: إنَّا قد علمنا يقيناً أنَّ الحسن ابن عليٍّ (علیهما السلام) مضىٰ ولم ينصّ(4).

والجواب عنها:

الشيخ الصدوق (رحمة الله) أجاب بنفسه عن هذه الشُّبهة بعدَّة وجوه، نجعل مضامين كلامه في نقاط:

1 - أنَّ هذه الدعوىٰ تحتاج إلىٰ الاستدلال عليها، وعلىٰ المعتزلةومن يدَّعيها أنْ يُثبِت صحَّتها، حيث قال: وهم محتاجون إلىٰ أنْ يدلُّوا علىٰ صحَّتها وبأيِّ شيء ينفصلون - يفصلون - ممَّن زعم من مخالفيهم أنَّهم قد علموا من ذلك ضدَّ ما ادَّعوا أنَّهم علموه(5).

ص: 40


1- الغيبة للطوسي (ص 107).
2- أي جعفر الكذَّاب.
3- كمال الدِّين (ص 58).
4- كمال الدِّين (ص 60).
5- المصدر السابق.

2 - أنَّ الإمام الحسن (علیه السلام) نصَّ علىٰ إمامة الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه)، وأنَّه أوصىٰ إليه، وأنَّ الشيعة نقلت هذه النصوص، وادِّعاء عدم النصِّ لا وجه له ولا مجال لتصديقه.

قال الشيخ الصدوق (رحمة الله) في معرض ردِّ هذه الشُّبهة في كلام طويل منه: ومن الدليل علىٰ أنَّ الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام) قد نصَّ ثبات إمامته، وصحَّة النصِّ من النبيِّ (صلی الله علیه و آله)، وفساد الاختيار، ونقل التشيُّع عمَّن قد أوجبوا بالأدلَّة تصديقه أنَّ الإمام لا يمضي أو ينصُّ علىٰ إمام كما فعل رسول الله (صلی الله علیه و آله)، إذ كان الناس محتاجين في كلِّ عصر إلىٰ من يكون خبره لا يختلف ولا يتكاذب كما اختلفت أخبار الأُمَّة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت...، فإنْ قالت المعتزلة: هذه دعاوي تحتاجون إلىٰ أنْ تدلُّوا علىٰ صحَّتها، قلنا: أجل لا بدَّ من الدلائل علىٰ صحَّة ما ادَّعيناه من ذلك، وأنتم، فإنَّما سألتم عن فرع، والفرع لا يُدَلُّ عليه دون أنْ يُدَلُّ علىٰ صحَّة أصله، ودلائلنا في كُتُبنا موجودة علىٰ صحَّة هذه الأُصول ونظير ذلك...، ثمّ ذكر في مفصَّل كلامه الأُصول وكيفيَّة الاستدلال عليها من كُتُبنا(1).

3 - تقدَّم في أدلَّة ولادته (عجل الله فرجه) النصُّ عليها، وفي أدلَّةإمامته (عجل الله فرجه) النصُّ عليه من آبائه (علیهم السلام)، وسيأتي في الحلقة القادمة زيادة في النصوص عليه كمًّا وكيفاً.

الشُّبهة الخامسة: لو كان للإمام العسكري (علیه السلام) ولد فإنَّه قد مات:

هؤلاء يعترفون بولادة الإمام (عجل الله فرجه) إلَّا أنَّهم يقولون بموته.

قال الذهبي في (تاريخ الإسلام): عاش بعد أبيه سنتين، ثمّ عُدِمَ، ولم يُعلَم

ص: 41


1- كمال الدِّين (ص 61).

كيف مات(1)، ونقلها الشيخ الطوسي (رحمة الله) في غيبته عن جماعة قائلاً: وكالذين قالوا: إنَّه مات ثمّ يعيش(2).

والجواب عنها:

1 - عهدة هذه الدعوىٰ علىٰ مدَّعيها.

2 - لازم هذا القول خلو الزمان من حجَّة لله تعالىٰ، والوقوع في الميتة الجاهليَّة، وعدم وجود قرين للقرآن الوارد في حديث الثقلين.

* * *

ص: 42


1- تاريخ الإسلام (ج 19/ ص 113).
2- الغيبة للطوسي (ص 82).

الدرس التاسع: إشكالات على ولادة الإمام (عجل الله فرجه) (3)

الشُّبهة السادسة: أنَّ المهدي (عجل الله فرجه) هو عيسى (علیه السلام):

ومرجع هذه الشُّبهة إلىٰ رواية رواها ابن ماجة، عن أنس بن مالك، أنَّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: «لا المهدي إلَّا عيسىٰ بن مريم»(1)، وعلىٰ هذا الغرار ألَّف بعضهم كتاباً في تأصيل هذه الشُّبهة(2).

والجواب عنها:

1 - أنَّ هذه الأحاديث حتَّىٰ لو صحَّت فإنَّها ليست حجَّة عندنا، لأنَّ الحجَّة عندنا هو ما صحَّ عن النبيِّ (صلی الله علیه و آله) عن طريق أهل البيت (علیهم السلام)، علىٰ أنَّهم ضعَّفوا هذا الحديث، حتَّىٰ قيل(3): إنَّ كلمة محدِّثيهم تتَّفق علىٰ تضعيفه، فإذا كان حاله عندهم هكذا، فكيف يصحُّ أنْ يُستَند إليه؟

2 - أنَّ لازم هذا الحديث تكذيب ما تواتر عن النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) من وجود المهدي (عجل الله فرجه)، وأنَّه في آخر هذه الأُمَّة، وقدنقل هذا التواتر جملة من أهل الحديث(4).

ص: 43


1- سُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1340 و1341/ ح 4039).
2- وهو عبد الله بن زيد آل حمود الذي ألَّف كتاب (لا مهدي يُنتَظر بعد الرسول محمّد خير البشر)، أنكر فيه أحاديث الإمام المهدي ¨، وقد ردَّ عليه جملة من أهل الحديث ذلك.
3- القائل هو محمّد صالح المنجد، نقل كلمات من ضعَّف الحديث، وقال في موقعه الرسمي: وتكاد تتَّفق كلمة المحدِّثين علىٰ تضعيف هذا الحديث.
4- ممَّن نقل تواتر أحاديث الإمام المهدي ¨: القرطبي، والآبري، والمزّي، وابن حجر، وابن القيِّم، وغيرهم، راجع: كتاب المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة لعبد العليم عبد العظيم البستوي (ص 40 - 46).

3 - أنَّ هذا يتنافىٰ والأحاديث الدالَّة علىٰ إمامة الأئمَّة الاثني عشر، وأنَّ آخرهم المهدي (عجل الله فرجه)، وقد تقدَّم جملة من هذه الأخبار في الدرسين الأوَّل والثاني، فراجع.

4 - أنَّ عيسىٰ (علیه السلام) سوف ينزل ويُصلِّي خلف الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، قال السيوطي: صلاة عيسىٰ خلف المهدي ثابتة في عدَّة أحاديث صحيحة بأخبار رسول الله (صلی الله علیه و آله)(1)، ونقل ابن حجر تواتر الأحاديث حول صلاة عيسىٰ خلف الإمام المهدي (عجل الله فرجه)(2).

الشُّبهة السابعة: المهدي (عجل الله فرجه) ابن عبد الله لا ابن الحسن (علیه السلام):

ذكرت جملة من الروايات أنَّ المهدي (عجل الله فرجه) الذي يظهر في آخر الزمان هو المهدي الذي يواطئ اسمه اسم النبيِّ واسم أبيه، وهو مرويٌّ عند الفريقين، فكيف تقولون: إنَّ المهدي (عجل الله فرجه) هو الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه)؟

والجواب عنها:

1 - أنَّ الكُتُب التي روت هذه الرواية من طُرُقنا لا تُشكِّل إيماناً بأنَّالراوي لها يعتقد بها وبمضمونها، وإنَّما هو أمانة ممَّن رواها في أنَّ المخالفين قد رووا في كُتُبهم عن المهدي (عجل الله فرجه)، وممَّا رووه أحاديث فيها: «واسم أبيه اسم أبي»، فهذا النصُّ منقول عن كُتُب أبناء العامَّة، ولا يلازمه الإيمان بمضمونه، بل كاشف عن أمانة علماء الطائفة في النقل.

2 - ممَّن روىٰ هذا النصَّ «يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي» من

ص: 44


1- الحاوي للفتاوي (ج 2/ ص 202).
2- الصواعق المحرقة (ص 167).

أبناء العامَّة: الطبراني(1)، والحاكم(2)، وابن أبي شيبة(3). ومن طُرُقنا رواه الشيخ الطوسي(رحمة الله) بسنده عن عبد الله بن مسعود(4)، والعلَّامة المجلسي (رحمة الله) نقلاً عن الأربلي الذي نقله عن ابن حمَّاد(5)، ومصادر هذا النصِّ وغيره تلتقي أغلبها وأهمّها عند عاصم بن أبي النجود الذي روىٰ هذه الزيادة، فيكون عدم رواية كبار الحُفَّاظ وأهل الحديث لهذه الزيادة مع روايتهم لأخبار المهدي (عجل الله فرجه) قادحاً فيها، علىٰ أنَّ في بعض أسانيده زائدة وقيل: إنَّه هو من زادها، أمَّا الأسانيد الأُخرىٰ فهي مضعَّفة عند القوم علىٰ تفصيل يُطلَب من محلِّه، ولو تنزَّلنا وسلَّمنا أنَّ الحديث صحيح فهو ليس صحيحاً عندهم، بل عند بعضهم وقد ضعَّفه آخرون فيتعارض التصحيح مع التضعيف ويسقط عن الاعتبار.علىٰ أنَّ الروايات التي رويت من طُرُقنا والتي هي الحجَّة علينا في أنَّ الإمام (عجل الله فرجه) هو ابن الحسن العسكري (علیه السلام)، وأنَّه ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله)، أصحّ سنداً وأصرح دلالةً، فلو تنزَّلنا وقبلنا ما روي مع هذه الزيادة - وهو لا يُقبَل بأيِّ حالٍ لما تقدَّم -، فإنَّه لا بدَّ من تأويلها من أنَّه تصحيف عن نبيِّ أو ابني، أي واسم أبيه اسم ابني، أي اسم الحسن (علیه السلام)، أو لأنَّ المهدوية قد ادُّعيت من قِبَل شخصين هما: محمّد بن عبد الله المنصور المعروف بالمهدي العبَّاسي، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن المثنَّىٰ، فوضع أصحابهما الأحاديث في ذلك.

وعلىٰ أيِّ حالٍ فأحاديث أنَّ المهدي (عجل الله فرجه) من ولد الحسن العسكري (علیه السلام) ممَّا لا يصلح أنْ يعارضه غيره.

ص: 45


1- المعجم الكبير (ج 10/ ص 133 و135/ ح 10213 و10222 و10224).
2- مستدرك الحاكم (ج 4/ ص 464).
3- المصنَّف (ج 8/ ص 678/ ح 193).
4- الغيبة للطوسي (ص 180 - 182/ ح 140).
5- بحار الأنوار (ج 51/ ص 82/ ح 37)، عن كشف الغمَّة (ج 3/ ص 271/ ح 21)، عن الأربعين لابن حمَّاد، ورواه في الفتن (ص 226 و227).

الشُّبهة الثامنة: أنَّ الإمام بعد الحسن العسكري (علیه السلام) ليس المهدي (عجل الله فرجه)،

بل جعفر، وهو قد صرَّح أنَّه الإمام بعد أخيه محمّد ابن الإمام الهادي (علیه السلام):

والجواب عنها:

1 - تقدَّم أنَّ الإمامة مشروطة بالعصمة ولم تثبت لجعفر، بل دلَّت جملة من النصوص علىٰ انتفائها عنه، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

2 - أنَّ إمامة جعفر باطلة، لإمامة أخيه الإمام العسكري (علیه السلام)، وهي قد تقدَّمت، والإمامة في عمود الأئمَّة (علیهم السلام) لا تعود في أخوين بعد الحسن والحسين (علیهما السلام).

3 - ومن الدليل علىٰ فساد أمره استعانته بمن استعان بهم في طلب الميراث من أُمِّ الحسن J، وقد أجمعت الشيعة أنَّ آباءه (علیهم السلام)أجمعوا أنَّ الأخ لا يرث مع الأُمِّ(1).

4 - قال الشيخ الصدوق (رحمة الله): ومن الدليل علىٰ فساد أمره قوله: إنِّي إمام بعد أخي محمّد، فليت شعري متىٰ ثبتت إمامة أخيه وقد مات قبل أبيه حتَّىٰ تثبت إمامة خليفته؟ ويا عجباً إذا كان محمّد - أي ابن الإمام الهادي (علیه السلام) - يستخلف ويقيم إماماً بعده وأبوه حيٌّ قائم وهو الحجَّة والإمام، فما يصنع أبوه؟ ومتىٰ جرت هذه السُّنَّة في الأئمَّة وأولادهم حتَّىٰ نقبلها منكم؟ فدلُّونا علىٰ ما يوجب إمامة محمّد حتَّىٰ إذا ثبتت قبلنا إمامة خليفته، والحمد لله الذي جعل الحقَّ مؤيَّداً والباطل مهتوكاً ضعيفاً زاهقاً(2).

* * *

ص: 46


1- كمال الدِّين (ص 58).
2- المصدر السابق.

الدرس العاشر: الغيبة أسبابها وأدلَّتها

اشارة

بعد ما تقدَّم من أدلَّة أثبتنا من خلالها ولادة الإمام (عجل الله فرجه) ووجوده في هذه الدنيا، وأنَّه آخر الحُجَج الطاهرة.

دلَّت الأدلَّة أيضاً علىٰ غيبته، وأنَّ هناك أسباباً عديدة ألجأته إلىٰ الغيبة.

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «والذي بعثني بالحقِّ بشيراً ليغيبنَّ القائم من ولدي بعهد معهود إليه منِّي حتَّىٰ يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمّد حاجة، ويشكُّ آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسَّك بدينه»(1).

قسَّمت الروايات الغيبة إلىٰ قسمين، إحداهما أطول من الأُخرىٰ.

قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): وأنَّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأُخرىٰ، وأنَّ الأُولىٰ يُعرَف فيها خبره، والثانية لا يُعرَف فيها أخباره، فوافق ذلك علىٰ ما تضمَّنته الأخبار، ولولا صحَّتها وصحَّة إمامته لما وافق ذلك، لأنَّ ذلك لا يكون إلَّا بإعلام الله تعالىٰ علىٰ لسان نبيِّه (صلی الله علیه و آله)(2).والغيبة الصغرىٰ ممتدَّة إلىٰ وفاة السفير الرابع سنة (329ه_)، أمَّا الغيبة الكبرىٰ فهي التي بدأت فيها إلىٰ زمان ظهوره.

ص: 47


1- كمال الدِّين (ص 51).
2- الغيبة للطوسي (ص 157 و158).

أسباب الغيبة:

ذكرت العديد من الروايات أسباباً للغيبة، منها:

1 - الخوف من القتل:

وممَّا ورد في ذكر هذا السبب ما رواه زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام): «لا بدَّ للغلام من غيبة»، قلت: ولِ_مَ؟ قال: «يخاف - وأومأ بيده إلىٰ بطنه -»(1)، وفي رواية أُخرىٰ عن أبي عبد الله (علیه السلام): «يخاف علىٰ نفسه الذبح»(2)، وفي ثالثة عن الإمام موسىٰ بن جعفر (علیه السلام): «خوفاً علىٰ نفسه»(3)، وغيرها.

2 - أنْ لا تقع في عنقه بيعة لظالم:

وممَّا ورد في ذكر هذا السبب من الروايات ما روي عن الإمام زين العابدين (علیه السلام): «القائم منَّا تخفىٰ ولادته علىٰ الناس حتَّىٰ يقولوا: لم يُولَد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة»(4).

3 - استيفاء غيبات الأنبياء (علیهم السلام):

وممَّا ورد في ذكر هذا السبب من الروايات: عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: «إنَّ للقائم منَّا غيبة يطول أمدها»، فقلت له: يا بن رسول الله، ولِ_مَ ذلك؟ قال: «لأنَّ الله (عزوجل) أبىٰ إلَّا أنْتجري فيه سُنَن الأنبياء (علیهم السلام) في غيباتهم، وأنَّه لا بدَّ له يا سدير من استيفاء مُدَد غيباتهم، قال الله تعالىٰ:«لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ 19» [الانشقاق: 19]، أي سُنَن من كان قبلكم»(5)، وغيرها.

ص: 48


1- الكافي (ج 1/ ص 342/ باب في الغيبة/ ح 29).
2- كمال الدِّين (ص 481/ باب 44/ ح 10).
3- كمال الدِّين (ص 361/ باب 34/ ح 5).
4- كمال الدِّين (ص 322 و323/ باب 31/ ح 7).
5- كمال الدِّين (ص 480 و481/ باب 44/ ح 6).

4 - استيفاء ودائع الإيمان:

وممَّا ورد في ذكر هذا السبب من الروايات: عن محمّد بن أبي عمير، عمَّن ذكره، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنين (علیه السلام) لم يقاتل فلاناً وفلاناً وفلاناً؟ قال: لآية في كتاب الله (عزوجل):«لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً 25» [الفتح: 25]، قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين، وكذلك القائم (علیه السلام) لن يظهر أبداً حتَّىٰ تخرج ودائع الله تعالىٰ، فإذا خرجت ظهر علىٰ من ظهر من أعداء الله فقتلهم»(1).

5 - سرٌّ من الأسرار:

ومن الروايات الدالَّة علىٰ هذا السبب - إنْ صحَّ تسميته بالسبب - ما روي عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت علىٰ أبي محمّد الحسن بن عليٍّ [العسكري] (علیهما السلام) وأنا أُريد أنْ أسأله عن الخلف [من] بعده، فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالىٰ لم يخل الأرض منذ خلق آدم (علیه السلام) ولا يخليها إلىٰ أنْ تقوم الساعة من حجَّة لله علىٰ خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزِّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض»، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (علیه السلام) مسرعاً، فدخل البيت، ثمّ خرجوعلىٰ عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين، فقال: «يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك علىٰ الله (عزوجل) وعلىٰ حُجَجه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميُّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكنيِّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً. يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأُمَّة مثل الخضر (علیه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلَّا من ثبَّته الله (عزوجل) علىٰ القول بإمامته ووفَّقه للدعاء بتعجيل فرجه...»، إلىٰ أنْ

ص: 49


1- علل الشرائع (ص 147/ باب 122/ ح 2).

قال: قلت: يا بن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟ قال: «إي وربِّي حتَّىٰ يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقىٰ إلَّا من أخذ الله (عزوجل) عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان وأيَّده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في علّيِّين»(1).

والظاهر من النصوص المتقدِّمة وغيرها أنَّ ما ذُكِرَ من كونه عللاً وأسباباً تامَّة لوحدها للغيبة، ليست كذلك، وإنَّما هي حِكَم، لأنَّ معنىٰ العلَّة هي التي لا تختلف ولا تتخلَّف، فإذا فرضنا زوال الخوف نهائيًّا فلا بدَّ أنْ يظهر، مع أنَّه بمقتضىٰ سبب آخر لم يتمّ بعد لا يظهر، كما لو لم تستوفِ الودائع بعدُ، وهذا يكشف عن كونها ليست عللاً حقيقةً.

أدلَّة الغيبة:

ذُكِرَت عدَّة أدلَّة لإثبات وقوع الغيبة في الإمام الثاني عشر (عجل الله فرجه)، منها:

1 - تواتر القول بالغيبة:

الغيبة التي وقعت في الإمام (عجل الله فرجه) متواترة، وممَّن قال بتواترها:

أ - الشيخ النعماني (رحمة الله)، قال: هذه الروايات التي جاءت متواترة تشهد بصحَّة الغيبة(2).

ب - الشيخ الصدوق (رحمة الله)، قال: وأنَّه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة، فإنَّها جاءت مشهورة متواترة(3).

ص: 50


1- كمال الدِّين (ص 384 و385/ باب 38/ ح 1).
2- الغيبة للنعماني (ص 163).
3- كمال الدِّين (ص 94).

ج - الشيخ الطوسي (رحمة الله)، قال: هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنىً(1).

2 - الروايات الدالَّة علىٰ الغيبة:

ومنها:

أ - عن أبي عبد الله (علیه السلام): «للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأُخرىٰ طويلة، الغيبة الأُولىٰ لا يعلم بمكانه فيها إلَّا خاصَّة شيعته، والأُخرىٰ لا يعلم بمكانه فيها إلَّا خاصَّة مواليه»(2).

ب - عن الإمام موسىٰ بن جعفر (علیه السلام): «إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع من الأئمَّة فالله الله في أديانكم، فإنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها حتَّىٰ يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، يا بنيَّ، إنَّما هي محنة من الله امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ منهذا الدِّين لاتَّبعوه...»(3).

ج - عن الإمام زين العابدين (علیه السلام): «... إنَّ أهل زمان غيبته، القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره، أفضل من أهل كلِّ زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالىٰ أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالسيف، أُولئك المخلصون حقًّا وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلىٰ دين الله (عزوجل) سرًّا وجهراً»(4).

* * *

ص: 51


1- الغيبة للطوسي (ص 174).
2- الكافي (ج 1/ ص 340/ باب في الغيبة/ ح 19).
3- الغيبة للطوسي (ص 166 و167/ ح 128).
4- كمال الدِّين (ص 319 و320/ باب 31/ ح 2).

ص: 52

الدرس الحادي عشر: إثارات حول الغيبة

اشارة

أُثيرت حول غيبة الإمام (عجل الله فرجه) عدَّة من الإشكالات، منها:

1 - لا فرق بين الغيبة والعدم:

ادُّعي أنَّه لا فرق بين الإمام حال غيبته، وبين كونه معدوماً وغير موجود أصلاً، فكلا الحالتين لا يمكن الوصول إليه والاستفادة منه(1).

والجواب عنها:

1 - لا نُسلِّم أنَّه لا يصل إليه (عجل الله فرجه) أحد، أمَّا في زمن غيبته الصغرىٰ فكان له (عجل الله فرجه) نوَّاب أربعة يتواصلون معه، وكذلك غيرهم، أمَّا في الغيبة الكبرىٰ أثبت من لا يصحُّ تكذيبهم أنَّهم شاهدوه (عجل الله فرجه).

2 - لو سلَّمنا عدم وجود لقاء معه (عجل الله فرجه)، فهذا لا يعني الاستواء بين الغيبة والعدم، فإنَّ وظائف الإمام (علیه السلام) ليست منحصرة بالهداية الظاهريَّة له (علیه السلام).

3 - علىٰ أنَّه يكفينا علمنا بإمامته (عجل الله فرجه) الداعي للقول بضرورة وجوده، وإنْ لم نعلم بذلك تفصيلاً، ويكفينا هذا العلم بوجود سبب راجح لغيبته (عجل الله فرجه) عنَّا.

2 - لا نرى حكمة تدعو للغيبة، فأين وجه الحكمة منها؟

وقد ذكر الشُّبهة الشيخ الطوسي (رحمة الله)(2)، نقلاً عن بعضهم.

ص: 53


1- نقل هذا الإشكال عن بعضهم السيِّد المرتضىٰ (رحمة الله) في رسائله (ج 2/ ص 297).
2- الغيبة للطوسي (ص 86).

والجواب عنها:

1 - لقد ذكرنا في الدرس السابق وجوهاً عديدةً من الحكمة في الغيبة، فالقول بعدم وجود حكمة من الغيبة لا وجه له.

2 - أنَّ هذا يلزم أنْ يُنقَض به علىٰ غيبات الأنبياء السابقين (علیهم السلام)، إذ لا يتَّضح وجه الحكمة منها.

3 - أنَّ الغيبة فرع أُصول تقدَّم إثباتها كالإمامة والعصمة، فلا يصحُّ السؤال علىٰ ما يتفرَّع عنها دون الإيمان بها.

3 - الغيبة والرفع إلى السماء واحد:

ادُّعي أنَّه لا فرق بين وجوده مع عدم وصول أتباعه ومواليه إليه وبين رفعه إلىٰ السماء.

والجواب عنها:

1 - دلَّت الأخبار علىٰ أنَّه (عجل الله فرجه) مع غيبته هو في الأرض، ويحضر الموسم كلَّ سنة، يرىٰ الناس ويرونه ولكن لا يعرفونه، فهو غائب غيبة لا تمنعه من أداء بعض وظائفه بما ينسجم مع الغيبة.

2 - مضافاً إلىٰ أنَّه لا فرق في وجوده بين أنْ يكون في السماء أو الأرض، المدار علىٰ أنْ يُؤدِّي ما هو مناط به (عجل الله فرجه)، وليس تكليفنا بعد صحَّة إمامته (عجل الله فرجه) وثبوت غيبته في زمان إمامتهأنْ نعرف كيف يُؤدِّي وظيفته ويقوم بمهامِّه.

4 - بغيبته تعطَّلت الحدود وضاع الحقُّ:

إنَّ مع الغيبة ستتعطَّل الحدود، مع أنَّ وظيفة الإمام (عجل الله فرجه) إقامة الحدود، فالغيبة وإقامة الحدود متنافيان.

والجواب عنها:

ص: 54

1 - أنَّ إقامة الحدود ليس منوطاً بوجود الإمام (علیه السلام) لكي تُشكِّل غيبته مانعاً، بل منوط ببسط يده.

2 - أنَّ الحقَّ الذي غاب والحدَّ الذي تعطَّل هو في رقبة من تسبَّب به وبغيبة الإمام (علیه السلام)، كما هو في رقبة من تسبَّب في عدم بسط يد آبائه (علیهم السلام).

5 - الغيبة خارج عن العادة:

إنَّ غيبة الإمام (عجل الله فرجه) منذ (255ه_) إلىٰ يومنا هذا خارج عن المألوف والعادة، إذ ليس من المعتاد أنْ يغيب شخص كلَّ هذه الفترة.

والجواب عنها:

1 - أمَّا في الغيبة الصغرىٰ فليست خارجة عن العادة، كما قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): (ليس الأمر علىٰ ما قلتم - إنَّه خارج العادة -، لأنَّ الإماميَّة تقول: إنَّ جماعة من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام) قد شاهدوا وجوده في حياته، وكانوا أصحابه وخاصَّته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته معروفون...، ينقلون إلىٰ شيعته معالمالدِّين، ويُخرجون إليهم أجوبته في مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه(1).

2 - وأمَّا في غيبته الكبرىٰ ف_ :

إنْ قلت: وهل يُعقَل أنْ يطول عمر شخص إلىٰ هذا الحدِّ؟

قلت: كيف لا يُعقَل والخضر موجود بيننا منذ زمان موسىٰ (علیه السلام)، بل قبله، وليس القرآن الكريم ببعيد عنَّا، وآياته تُصرِّح في أمر نوح (علیه السلام):«فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً» (العنكبوت: 14) هذه فقط سنين دعوته.

ص: 55


1- الغيبة للطوسي (ص 108 و109).

وقد ذكر شيخ الطائفة (رحمة الله) جواباً مفصَّلاً وعدَّة أمثلة لدفع استبعاد طول عمر الإمام (عجل الله فرجه)، فراجع(1).

وأجاب (رحمة الله) عنها أيضاً بقوله: وقد سبق الخبر عن آبائه (علیهم السلام) بأنَّ القائم (علیه السلام) له غيبتان، أخراهما أطول من الأُولىٰ...، فأمَّا خروج ذلك عن العادات فليس الأمر علىٰ ما قالوه، ولو صحَّ لجاز أنْ ينقض الله تعالىٰ العادة في ستر شخص، ويُخفي أمره لضرب من المصلحة وحسن التدبير، لما يعرف من المانع من ظهوره...، ثمّ ذكر شيخ الطائفة (رحمة الله) تفصيلاً في أمثلة كون غيبته ليست خروجاً عن العادة(2).

* * *

ص: 56


1- الغيبة للطوسي (ص 109 وما بعدها).
2- الغيبة للطوسي (ص 109 - 113).

الدرس الثاني عشر: النيابة في عصر الغيبة

اشارة

يُشكِّل نظام النيابة في تحصيل الأحكام أفضل طريق لسدِّ النقص الحاصل بغيبة الإمام (عجل الله فرجه)، وفقدان الاتِّصال المباشر به بعد وقوع الغيبة فيه.

المؤمنون في زمان آبائه (علیهم السلام) كان بإمكانهم الاتِّصال بإمام زمانهم - رغم الصعوبات - في أوقات الأئمَّة (علیهم السلام) ممَّن سبق الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه)، إلَّا أنَّ الحال اختلف بعد الإمام العسكري (علیه السلام).

أقسام الغيبة:

انقسام الغيبة إلىٰ القصيرة والطويلة تقسيم روائي، وأثبته الواقع.

روىٰ الشيخ الصدوق (رحمة الله) عن الشيخ العمري وجماعة أنَّ الإمام العسكري (علیه السلام) عرض عليهم ولده الحجَّة، وقال لهم: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي في أديانكم، أمَا إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا»، قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلَّا أيَّام قلائل حتَّىٰ مضىٰ أبو محمّد (علیه السلام)(1).

الحوادث بعد الاستشهاد:

روىٰ الشيخ الصدوق (رحمة الله) عن الحسن بن وجناء، عن أبيه، عن جدِّه أنَّه كان في دار الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام)، فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن عليٍّ الكذَّاب،

ص: 57


1- كمال الدِّين (ص 435/ باب 43/ ح 2).

واشتغلوا بالنهب والغارة، وكانت همَّتي في مولاي القائم (علیه السلام)، قال: فإذا أنا به (علیه السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه، وهو (علیه السلام) ابن ستّ سنين، فلم يرَه أحد حتَّىٰ غاب(1).

حادث تفتيش الدار وحوادث أُخرى:

وروىٰ الشيخ الصدوق (رحمة الله) أيضاً: ... حتَّىٰ تُوفِّي [الحسن بن عليٍّ العسكري] (علیه السلام) لأيَّام مضت من شهر ربيع الأوَّل من سنة ستِّين ومائتين، فصارت سُرَّ من رأىٰ ضجَّة واحدة - مات ابن الرضا -، وبعث السلطان إلىٰ داره من يُفتِّشها ويُفتِّش حُجَرها، وختم علىٰ جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاؤوا بنساء يعرفن بالحبل... فلمَّا دُفِنَ وتفرَّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور...(2).

يقول الشيخ المفيد (رحمة الله): ... وجرىٰ علىٰ مخلفي أبي محمّد (علیه السلام) بسبب ذلك كلُّ عظيمة، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلٍّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل، وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمّد (علیه السلام)، واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقده فيه، فصار إلىٰ سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه،وبذل مالاً جليلاً، وتقرَّب بكلِّ ما ظنَّ أنَّه يُتقرَّب به، فلم ينتفع بشيء من ذلك...(3).

نقل دار الوكالة إلى بغداد:

في نصٍّ رواه الشيخ الصدوق (رحمة الله) يأمر فيه الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه) وفداً من الشيعة بأنَّ دار الوكالة ستُنتَقل من سامرَّاء إلىٰ بغداد: ... وأمرنا القائم (علیه السلام) أنْ

ص: 58


1- كمال الدِّين (ص 473/ باب 43/ ح 25).
2- كمال الدِّين (ص 43).
3- الإرشاد (ص 336 و337).

لا نحمل إلىٰ سُرَّ من رأىٰ بعدها شيئاً من المال، فإنَّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات. قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع إلىٰ أبي العبّاس محمّد بن جعفر القمّي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: «أعظم الله أجرك في نفسك»، قال: فما بلغ أبو العبَّاس عقبة همدان حتَّىٰ تُوفّي (رحمة الله). وكنَّا بعد ذلك نحمل الأموال إلىٰ بغداد إلىٰ النوَّاب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات(1).

وقد رأىٰ الإمام (عجل الله فرجه) جملة كثيرة من فقهاء الطائفة ومشايخها وغيرهم، وممَّا روي في هذا الشأن أخبار عديدة، منها:

صحيح الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمة الله) عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أنْ أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو، إنِّي أُريد أنْ أسألك عن شيء وما أنا بشاكٍّ فيما أُريد أنْ أسألك عنه...، وقد أخبرني أبو عليٍّ أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (علیه السلام)، قال: سألته وقلت: من أُعامل، أو عمَّن آخذ، وقول من أقبل؟ فقالله: «العمري ثقتي، فما أدَّىٰ إليك عنِّي فعنِّي يُؤدِّي، وما قال لك عنِّي فعنِّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون»، وأخبرني أبو عليٍّ أنَّه سأل أبا محمّد (علیه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: «العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك عنِّي فعنِّي يُؤدِّيان، وما قالا لك فعنِّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنَّهما الثقتان المأمونان»، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكىٰ، ثمّ قال: سَلْ حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد (علیه السلام)؟ فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده -...(2).

ص: 59


1- كمال الدِّين (ص 478 و479/ باب 43/ ح 26).
2- الكافي (ج 1/ ص 329 و330/ باب في تسمية من رآه (علیه السلام)/ ح 1).

قال أبو العبَّاس الحميري: فكنَّا كثيراً ما نتذاكر هذا القول، ونتواصف جلالة محلِّ أبي عمرو(1).

وفي صحيح الصدوق (رحمة الله) عن الحميري، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري 2، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: «اللَّهُمَّ أنجز لي ما وعدتني»(2).

وممَّن رآه (عجل الله فرجه) أو وقف علىٰ بعض معجزاته من الوكلاء، فقد عُدَّ منهم من بغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطَّار، ومن الكوفة: العاصمي، ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق، ومن أهل همدان: محمّد بنصالح، وغيرهم من الوكلاء(3).

* * *

ص: 60


1- الغيبة للطوسي (ص 354 و355/ ح 315).
2- كمال الدِّين (ص 440/ باب 43/ ح 9).
3- كمال الدِّين (ص 442/ باب 43/ ح 16).

الدرس الثالث عشر: النيابة الخاصَّة في الغيبة

اشارة

بعد نقل دار الوكالة إلىٰ بغداد لإدارة شؤون الشيعة نصب الإمام (عجل الله فرجه) لهذه المهمَّة ما عُرِفَ بعد ذلك بالسفراء أو النوَّاب الخاصِّين، وهم أربعة:

السفير الأوَّل: عثمان بن سعيد العمري (رحمة الله):

قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): فأمَّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأوَّلهم من نصبه أبو الحسن عليُّ بن محمّد العسكري وأبو محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد ابنه (علیهم السلام)، وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمة الله)(1).

وممَّا دلَّ علىٰ سفارته عن الإمام (علیه السلام) نصوص عديدة ذُكِرَت في محلِّها، منها التوقيع الصادر من الناحية المقدَّسة لولده محمّد عند تعزيته بوفاة والده - عثمان بن سعيد العمري -، جاء فيه: «أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزئت ورُزئنا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أنْ رزقه الله تعالىٰ ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحَّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإنَّالأنفس طيِّبة بمكانك، وما جعله الله (عزوجل) فيك وعندك، أعانك الله وقوَّاك وعضدك ووفَّقك، وكان لك وليًّا وحافظاً وراعياً وكافياً»(2).

ص: 61


1- الغيبة للطوسي (ص 353).
2- الغيبة للطوسي (ص 361/ ح 323).

قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): وكانت توقيعات صاحب الأمر (علیه السلام) تخرج علىٰ يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان إلىٰ شيعته وخواصِّ أبيه أبي محمّد (علیه السلام) بالأمر والنهي والأجوبة عمَّا يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلىٰ السؤال فيه، بالخطِّ الذي كان يخرج في حياة الحسن (علیه السلام)، فلم تزل الشيعة مقيمة علىٰ عدالتهما إلىٰ أنْ تُوفِّي عثمان بن سعيد (رحمه الله ورضي عنه)، وغسَّله ابنه أبو جعفر، وتولَّىٰ القيام به، وحصل الأمر كلُّه مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة علىٰ عدالته وثقته وأمانته - أي الابن -، لما تقدَّم له من النصِّ عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (علیه السلام) وبعد موته وفي حياة أبيه عثمان (رحمة الله عليه)(1).

كانت سفارته عن الإمام (عجل الله فرجه) قرابة (5) سنوات، تُوفِّي في حدود سنة (265ه_)، ولم تذكر المصادر تاريخ ولادته، إلَّا أنَّ بعض من ترجم له قال: إنَّه عاصر الإمام الجواد (علیه السلام) وتشرَّف بخدمته(2).

قبره في مدينة بغداد معروف مشهور، قرب شارع المتنبِّي.

السفير الثاني: محمّد بن عثمان بن سعيد (رحمة الله):قال الشيخ الصدوق (رحمة الله): وخرج التوقيع إلىٰ الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري في التعزية بأبيه T في فصل من الكتاب: «أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزئت ورُزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أنْ رزقه الله (عزوجل) ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحَّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإنَّ الأنفس طيِّبة بمكانك وما

ص: 62


1- الغيبة للطوسي (ص 356 و357/ ح 318).
2- خلاصة الأقوال (ص 220/ الباب 18/ الرقم 2).

جعله الله (عزوجل) فيك وعندك، أعانك الله وقوَّاك وعضدك ووفَّقك، وكان الله لك وليًّا وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً»(1).

مات العمري في سنة (304 أو 305ه_)، وكان يتولَّىٰ أمر النيابة ما يزيد علىٰ (40) سنة.

وقبره مزار معروف في مدينة بغداد في منطقة تُسمَّىٰ باسمه (ساحة الخلَّاني).

السفير الثالث: الحسين بن روح النوبختي (رحمة الله):

عن عليِّ بن محمّد بن متيل، عن عمِّه جعفر بن أحمد بن متيل، قال: ل_مَّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري ݤ الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأُحدِّثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه، فالتفت إليَّ ثمّ قال: أُمرت أنْ أُوصي إلىٰ أبي القاسم الحسين بن روح، قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوَّلت إلىٰ عند رجليه(2).قال الشيخ الطوسي (رحمة الله): وأخبرني الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبَّاس أحمد بن عليِّ بن نوح...، قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح ݤ في شعبان سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة(3).

وقبره معروف الآن في بغداد في منطقة الشورجة.

السفير الرابع: أبو الحسن عليُّ بن محمّد السمري (رحمة الله):

وهو آخر السفراء الأربعة المنصوبون عن الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه) في الغيبة الصغرىٰ، واستمرَّت نيابته ثلاث سنوات، وممَّا دلَّ علىٰ نيابته ما نقله الشيخ

ص: 63


1- كمال الدِّين (ص 510/ باب 45/ ح 41).
2- الغيبة للطوسي (ص 370/ ح 339).
3- الغيبة للطوسي (ص 386 و387/ ح 350).

الطوسي (رحمة الله): وأوصىٰ أبو القاسم إلىٰ أبي الحسن عليِّ بن محمّد السمري 2(1).

ول_مَّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده، وسألته عن الموكَّل بعده ولمن يقوم مقامه، فقال: إنَّه لم يُؤمَر أنْ يوصي إلىٰ أحدٍ بعده.

روىٰ الشيخ الصدوق (رحمة الله)، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي تُوفِّي فيها الشيخ عليِّ بن محمّد السمري (قدَّس الله روحه)، فحضرته قبل وفاته بأيَّام، فأخرج إلىٰ الناس توقيعاً نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليَّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستَّة أيَّام، فاجمع أمرك ولا تُوصي إلىٰ أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلَّا بعد إذن الله (عزوجل)، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمنادَّعىٰ المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم»، قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيُّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، ومضىٰ ݤ، فهذا آخر كلام سُمِعَ منه(2).

ولم يصل إلينا تاريخ ولادته كالسفراء المتقدِّمين، وتُوفِّي (رحمة الله) سنة (329ه_)، وقبره معروف مشهور في مدينة بغداد في شارع النهر قرب قبر الشيخ الكليني (رحمة الله).

* * *

ص: 64


1- الغيبة للطوسي (ص 393/ ح 362).
2- كمال الدِّين (ص 516/ باب 45/ ح 44).

الدرس الرابع عشر: أدلَّة النيابة في الغيبتين

أدلَّة النيابة في الغيبة الصغرى:

ممَّا استُدِلَّ به علىٰ نيابة السفراء الأربعة في الغيبة الصغرىٰ عدَّة أدلَّة، منها:

1 - النصوص الدالَّة علىٰ نيابة كلِّ واحد منهم، وتقدَّم منها ما يدلُّ علىٰ سفارتهم.

2 - المعجزة، وفي بيانها قال الشيخ الطبرسي (رحمة الله): ... وكان مدَّة غيبة الأُولىٰ - وهي زمان السفارة - أربعاً وسبعين سنة، منها خمس سنين مع أبيه (علیه السلام)، وتسع وستُّون بعد أبيه، قد كان يُعرَف فيها أخباره، ويُقتفىٰ آثاره، ويُهتدىٰ إليه بوجود سفير بينه وبينهم، وباب قد دلَّ الدليل القاطع علىٰ صدقه وصحَّة بابيَّته وسفارته، وهي المعجزة التي كانت تظهر علىٰ يد كلِّ واحدٍ من الأبواب، وعدد الأبواب وهم السفراء أربعة(1).

أدلَّة النيابة في الغيبة الكبرى:

ثبت بالأدلَّة التي ذُكِرَت في محلِّها أنَّ للشارع المقدَّس ولاية علىٰ الناس، تفرَّع عنها ولاية النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله)، وتفرَّع عنهاولاية الأئمَّة من أهل البيت (علیهم السلام)، ومن ولاية الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه) تفرَّعت ولاية النوَّاب الأربعة ݑ، علىٰ ما تقدَّم، وبانتهاء مدَّتهم تنتهي ولايتهم، وقد دلَّت الأدلَّة الآتية علىٰ أنَّ

ص: 65


1- تاج المواليد (ص 65 و66).

الولاية في زمان الغيبة الكبرىٰ للفقهاء، علىٰ تفصيل مذكور في محلِّه في مقدار هذه الولاية سعةً وضيقاً.

وممَّا دلَّ علىٰ نيابة الفقهاء عن الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه):

1 - السيرة العقلائيَّة:

فإنَّها قائمة علىٰ رجوع الجاهل للعالم، حيث استقرَّت سيرتهم في جميع الأعصار والأمصار من جميع الأُمَم والمذاهب علىٰ ذلك، فهم يرجعون للخبير المختصِّ الموثوق الأمين.

وهذه السيرة أمضاها الشارع المقدَّس ولم يردع عنها.

ودلالتها في الرجوع إلىٰ الفقهاء في زمن الغيبة الكبرىٰ علىٰ غرار دلالتها في الرجوع إليهم في الصغرىٰ وما قبلها.

2 - روايات الإرجاع إلىٰ بعض الفقهاء في زمن الأئمَّة (علیهم السلام):

وهي عديدة، ومنها:

أ - عن الرضا (علیه السلام)، قال: «خذ عن يونس بن عبد الرحمن»(1)، فإنَّ الأمر بالأخذ به مطلق، فما دام ثقةً مأموناً وكان المكلَّف غير مؤهَّل، فله أنْ يأخذ منه في ما يرتبط بمعرفة أحكامه.

ب - وما ورد في أبان بن تغلب، وقول الإمام الباقر (علیه السلام)له: «اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس، فإنِّي أُحِبُّ أنْ يُرىٰ في شيعتي مثلك»(2).

فمع حضور الإمام (علیه السلام) في المدينة ووجوده فيها، أرجع الناس إلىٰ أبان، فكيف والحال في زمان غيبة الإمام (عجل الله فرجه)؟

ص: 66


1- وسائل الشيعة (ج 27/ ص 148/ ح 33449/34).
2- رجال النجاشي (ص 10/ الرقم 7).

3 - مقبولة عمر بن حنظلة:

عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، وجاء فيها: «... ينظران [إلىٰ] من كان منكم ممَّن قد روىٰ حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حَكَماً، فإنِّي قد جعلته عليكم حاكماً...»(1).

بتقريب: أنَّ الإمام (علیه السلام) قد جعل الفقيه حاكماً، سواء أكان في زمن الحضور أم الغيبة.

4 - توقيع إسحاق بن يعقوب:

عن العمري، عن الناحية المقدَّسة: «... وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلىٰ رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم، وأنا حجَّة الله عليهم»(2).

فإنَّ المراد من الرواة ليس صرف نقلة الحديث، فلا معنىٰ للرجوع إليهم وإعطائهم الحجّيَّة التي للإمام (علیه السلام) لمجرَّد سماع الحديث ونقله.فإنَّ الإمام (عجل الله فرجه) قد عبَّر: «هم حجَّتي»، ولم يقل: رواياتهم حجَّة عليكم.

5 - الارتكاز:

فإنَّ من المركوز في الذهنيَّة المتشرِّعيَّة من زمان الأئمَّة (علیهم السلام) رجوع الناس في مسائلهم الشرعيَّة إلىٰ الفقهاء في زمان حضورهم (علیهم السلام)، والبلدان التي يتواجدون فيها، علىٰ ما يأتي من الروايات الدالَّة علىٰ ذلك، ولا تحتمل الخصوصيَّة لذلك الزمان.

* * *

ص: 67


1- الكافي (ج 1/ ص 67/ باب اختلاف الحديث/ ح 10).
2- كمال الدِّين (ص 484/ باب 45/ ح 4).

ص: 68

الدرس الخامس عشر: آثار وجود الإمام (عجل الله فرجه) في عصر الغيبة

اشارة

ذكرت الروايات الشريفة أنَّ آثار الإمام (عجل الله فرجه) موجودة وإنْ غاب، وأنَّ جملة وظائفه باقية إلَّا ما تمنعه الغيبة، وممَّا دلَّ علىٰ تلك الآثار الباقية التي لا تمنعها الغيبة:

1 - معرفته (عجل الله فرجه) شرط في قبول الأعمال:

فعن أبي عبد الله (علیه السلام) في قول الله (عزوجل):«وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا» [الأعراف: 180]، قال: «نحن والله الأسماء الحسنىٰ التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلَّا بمعرفتنا»(1).

وعن الإمام الرضا (علیه السلام): «... بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجِّ والجهاد...»(2).

2 - وجوده (عجل الله فرجه) للشهادة على أعمال الناس:

فعن أبي جعفر (علیه السلام): «... ونحن الشهداء علىٰ الناس، فمن صدَّق صدَّقناه يوم القيامة، ومن كذَّب كذَّبناه يوم القيامة»(3).

3 - وجوده (عجل الله فرجه) لأجل هداية الناس:

فعن أبي عبد الله (علیه السلام): «كلُّ إمام هادٍ للقرن الذي هوفيهم»(4)، ولو بنحو الهداية التكوينيَّة للإمام (علیه السلام).

ص: 69


1- الكافي (ج 1/ ص 143 و144/ باب النوادر/ ح 4).
2- معاني الأخبار (ص 97 و98/ باب معنىٰ الإمام المبين/ ح 2).
3- الكافي (ج 1/ ص 190/ باب في أنَّ الأئمَّة شهداء الله (عزوجل) علىٰ خلقه/ ح 2).
4- الكافي (ج 1/ ص 191/ باب أنَّ الأئمَّة ¨ هم الهداة/ ح 1).

4 - وجوده (عجل الله فرجه) لدفع البلاء وخروج البركات:

فعن أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام): «يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالىٰ لم يخل الأرض منذ خلق آدم (علیه السلام)، ولا يخليها إلىٰ أنْ تقوم الساعة من حجَّة لله علىٰ خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزل الغيث، وبه يُخرج بركات الأرض»(1).

وظيفة المكلَّفين تجاه الإمام (عجل الله فرجه) في عصر الغيبة:

إنَّ وظيفة المكلَّفين تجاه الأنبياء والأئمَّة (علیهم السلام) هي هي في زمن الحضور أو الغيبة، ومن هذه الوظائف:

1 - ضرورة معرفة الإمام (علیه السلام) في كلِّ زمان:

وممَّا دلَّ عليه ما رواه زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: «اعرف إمامك فإنَّك إذا عرفت لم يضرّك تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر»(2).

2 - الطاعة للإمام (علیه السلام) بعد معرفته:

وممَّا دلَّ عليه ما ورد عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالىٰ، الطاعة للإمام بعد معرفته»، ثمّ قال: «إنَّ الله تبارك وتعالىٰ يقول:«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً 80»[النساء: 80]»(3).

3 - الثبات علىٰ القول بإمامته (عجل الله فرجه):

وممَّا دلَّ عليه ما روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «إنَّ عليَّ بن أبي طالب (علیه السلام) إمام أُمَّتي، وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر

ص: 70


1- كمال الدِّين (ص 384/ باب 38/ ح 1).
2- الكافي (ج 1/ ص 371/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 1).
3- الكافي (ج 1/ ص 185 و186/ باب فرض طاعة الأئمَّة/ ح 1).

الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقِّ بشيراً، إنَّ الثابتين علىٰ القول به في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر»، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: «إي وربِّي،«وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 141» [آل عمران: 141]. يا جابر، إنَّ هذا الأمر (أمر) من أمر الله وسرٌّ من سرِّ الله، مطويٌّ عن عباد الله، فإيَّاك والشكَّ فيه فإنَّ الشكَّ في أمر الله (عزوجل) كفر»(1).

4 - انتظاره (عجل الله فرجه):

وممَّا دلَّ عليه ما روي عن الإمام الرضا (علیه السلام): «... فينتظر خروجه المخلصون، ويُنكِره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلِّمون»(2).

5 - الدعاء له (عجل الله فرجه):

وممَّا دلَّ عليه ما ورد في التوقيع الصادر عنه (عجل الله فرجه) إلىٰإسحاق بن يعقوب: «... وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم»(3).

6 - تكذيب الموقِّتين لظهوره (عجل الله فرجه) في زمان غيبته الكبرىٰ:

وما ورد في التوقيت ما قاله أبو عبد الله (علیه السلام): «من أخبرك عنَّا توقيتاً فلا تهابنَّ أنْ تُكذِّبه، فإنَّا لا نُوقِّت لأحدٍ وقتاً»(4).

وهناك الكثير من الآداب التي ينبغي القيام بها كوظائف تجاه الإمام (عجل الله فرجه) فصَّلتها الكُتُب.

ص: 71


1- كمال الدِّين (ص 288/ باب 25/ ح 7).
2- كمال الدِّين (ص 378/ باب 36/ ح 3).
3- كمال الدِّين (ص 485/ باب 45/ ح 4).
4- الغيبة للنعماني (ص 300/ باب 16/ ح 3).

وممَّا ذُكِرَ كأدب مهمٍّ في هذا الصدد هو عدم ذكر اسمه الشريف، وهذه مسألة فقهيَّة، فمنهم من قال بالجواز ومنهم من قال بالحرمة ومنهم من فصَّل، فيما توقَّف آخرون.

وهذه من مسائل الرجوع إلىٰ الفقيه وأخذ الحكم فيها منه.

وممَّا دلَّ علىٰ ذلك:

عن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد (علیهما السلام) أنَّه قال: «من أقرَّ بجميع الأئمَّة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلی الله علیه و آله) نبوَّته، فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلُّ لكم تسميته»(1).

وعن الإمام موسىٰ بن جعفر (علیه السلام): «... تخفىٰ علىٰ الناسولادته، ولا يحلُّ لهم تسميته حتَّىٰ يُظهِره الله، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(2).

ومن الآداب القيام عند ذكره (عجل الله فرجه)، والتصدُّق لحفظه (عجل الله فرجه)، والإتيان بأعمال الخير والبرِّ نيابةً عنه (عجل الله فرجه)(3).

* * *

ص: 72


1- كمال الدِّين (ص 333/ باب 33/ ح 1).
2- كمال الدِّين (ص 369/ باب 34/ ح 6).
3- راجع: وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (علیه السلام) (ص 10 - 20/ مقدّمة المؤلِّف).

الدرس السادس عشر : علامات الظهور

اشارة

لمعرفة ظهور الإمام (عجل الله فرجه) جعل أهل البيت (علیهم السلام) عدَّة علامات، وقد قُسِّمت في الروايات إلىٰ عدَّة تقسيمات، من أهمّها تقسيمها إلىٰ ما هو حتمي وغير حتمي، وممَّا دلَّ علىٰ ذلك:

عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ (علیه السلام) في قوله تعالىٰ:«ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» [الأنعام: 2]، فقال: «إنَّهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف»، فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال: «الذي لله فيه المشيئة...»، قال حمران: إنِّي لأرجو أنْ يكون أجل السفياني من الموقوف، فقال أبو جعفر (علیه السلام): «لا والله إنَّه لمن المحتوم»(1).

المحتوم من العلامات:

أغلب الروايات ذكرت خمس علامات محتومة، وهناك بعض الروايات ذكر أكثر من ذلك:

1 - عن أبي عبد الله (علیه السلام): «للقائم خمس علامات: ظهور السفياني، واليماني، والصيحة من السماء، وقتل النفس الزكيَّة، والخسفبالبيداء»(2).

2 - وعنه (علیه السلام): «النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من

ص: 73


1- الغيبة للنعماني (ص 312 و313/ باب 18/ ح 5).
2- الغيبة للنعماني (ص 261/ باب 14/ ح 9).

المحتوم، وقتل النفس الزكيَّة من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم»، قال: «وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتُخرج الفتاة من خدرها»(1).

غير المحتوم من العلامات:

والمراد من غير الحتمي من العلامات هو ما يمكن أنْ يقع وما يمكن أنْ لا يقع، بخلاف الحتمي الذي لا بدَّ منه.

1 - روىٰ الشيخ النعماني بسندٍ تامٍّ عن الإمام الباقر (علیه السلام) في حديث طويل ذكر فيه العلامات، جاء فيه: «... أوَّلها اختلاف بني العباس...، ومنادٍ ينادي من السماء...، فأوَّل أرض تخرب أرض الشام، ثمّ يختلفون عند ذلك علىٰ ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون، فيقتله السفياني ومن تبعه، ثمّ يقتل الأصهب، ثمّ لا يكون له همَّة إلَّا الإقبال نحو العراق، ويمرُّ جيشه بقرقيسياء فيقتلون بها، فيقتل بها من الجبَّارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلىٰ الكوفة...، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان...، ومعهم نفر من أصحاب القائم...، ويبعث السفياني بعثاً إلىٰ المدينة، فينفر المهدي منها إلىٰ مكَّة...، حتَّىٰ يدخل مكَّة خائفاً يترقَّب علىٰ سُنَّة موسىٰ بن عمران (علیه السلام)...،فينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيُخسَف بهم...»، إلىٰ أنْ يقول: «... والقائم يومئذٍ بمكَّة...، فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً...»(2).

ص: 74


1- الغيبة للنعماني (ص 262/ باب 14/ ح 11).
2- الغيبة للنعماني (ص 288 - 291/ باب 14/ ح 67).

والنصُّ كما لا يخفىٰ قد ذكر بعضاً ممَّا هو محتوم من العلامات.

2 - وفي غيبة النعماني عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ (علیه السلام): «... الصيحة لا تكون إلَّا في شهر رمضان...، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلىٰ هذا الخلق...، ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (علیه السلام)، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقىٰ راقد إلَّا استيقظ، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام علىٰ رجليه فزعاً من ذلك الصوت...، الصوت الأوَّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين (علیه السلام)...، يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكُّوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس اللعين ينادي: ألَا إنَّ فلاناً قُتِلَ مظلوماً، ليُشكِّك الناس ويفتنهم...، لا يقوم القائم (علیه السلام) إلَّا علىٰ خوف شديد، وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس، وتشتُّت في دينهم، وتغيير من حالهم، حتَّىٰ يتمنَّىٰ المتمنِّي الموت صباحاً ومساءً من عظم ما يرىٰ من كلب الناس وأكلهم بعضهم بعضاً...، حتَّىٰ يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلىٰ الكوفة كفرسي رهان...، خروج السفياني واليمانيوالخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً...، وليس في الرايات راية أهدىٰ من اليماني، هي راية هدىٰ...»(1).

3 - وسُئِلَ الأئمَّة (علیهم السلام) أنَّ الصيحة إذا كانت متعدِّدة وإحداهما صائبة والأُخرىٰ باطلة، فكيف نعرف ونُميِّز؟ فكان الجواب منهم (علیهم السلام):

عن أبي عبد الله (علیه السلام): «... يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون:

ص: 75


1- الغيبة للنعماني (ص 262 - 265/ باب 14/ ح 13).

إنَّه يكون قبل أنْ يكون، ويعلمون أنَّهم هم المحقُّون الصادقون»(1)، وفي بعض النصوص: «... فإنَّ الصوت الأوَّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين (علیه السلام)...»(2).

4 - وعن أبي جعفر (علیه السلام): «كأنِّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقَّ فلا يُعطَونه، ثمّ يطلبونه فلا يُعطَونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم علىٰ عواتقهم فيُعطَون ما سألوه، فلا يقبلونه حتَّىٰ يقوموا، ولا يدفعونها إلَّا إلىٰ صاحبكم، قتلاهم شهداء، أمَا إنِّي لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(3).

وفيها دلالة علىٰ إبقاء النفس - حتَّىٰ مع وجود الحقِّ - لصاحب الأمر (عجل الله فرجه)، وهذه طريقة من أهل البيت (علیهم السلام) للتعامل مع الشخصيَّات في عصر الظهور وترجيح العمل، وأنَّ المكلفينبغي أنْ يُقدِّم الأرجح دائماً حتَّىٰ مع كون الأمرين صحيحين.

* * *

ص: 76


1- الغيبة للنعماني (ص 272 و273/ باب 14/ ح 28).
2- الغيبة للنعماني (ص 263/ باب 14/ ح 13).
3- الغيبة للنعماني (ص 281 و282/ باب 14/ ح 50).

الدرس السابع عشر: المنع من التوقيت والتطبيق

التوقيت:

هو ذكر وقت محدَّد بيوم أو شهر من سنة معيَّنة أو غيرهما من الألفاظ الدالَّة عليهما، كالعقد والقرن، أو ما يفهم العرف أنَّه تحديد.

التطبيق:

وأمَّا التطبيق فهو تطبيق شخصيَّات عصر الظهور من اليماني والصيحة وغيرها علىٰ مصاديق محدَّدة يتنافىٰ وما ذكرته الروايات الواردة عن أهل البيت (علیهم السلام)، فعن أبي عبد الله (علیه السلام): «يا مهزم، كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون»(1).

وعن أبي خالد الكابلي يسأل الإمام الباقر (علیه السلام) عن التوقيت، فيُجيبه (علیه السلام): «... سألتني والله - يا أبا خالد - عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدِّثاً به أحد، ولو كنت محدِّثاً به أحد لحدَّثتك...»(2).

وفي نصٍّ آخر: «... من أخبرك عنَّا توقيتاً فلا تهابنَّ أنْ تُكذِّبه، فإنَّا لا نُوقِّت لأحدٍ وقتاً»(3).

ص: 77


1- الكافي (ج 1/ ص 368/ باب كراهيَّة التوقيت/ ح 2).
2- الغيبة للنعماني (ص 299 و300/ باب 16/ ح 2).
3- الغيبة للنعماني (ص 300/ باب 16/ ح 3).

وعندما سُئِلَ الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه) عن ذلك، أجاب (عجل الله فرجه) في توقيع إسحاق بن يعقوب: «... وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلىٰ الله تعالىٰ ذكره، وكذب الوقَّاتون»(1).

وما يمكن أنْ يُستَدلَّ به علىٰ بطلان التوقيت من وجوه من غير ما روي أعلاه أُمور، منها:

1 - الأصل في معرفة المستقبل علىٰ نحو الجزم واليقين ممنوعة، لأنَّه من الغيب، والاطِّلاع عليه ليس متيسِّراً لكلِّ أحد، قال تعالىٰ:«يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً 63» (الأحزاب: 63)، وقال تعالىٰ:«إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» (لقمان: 34).

وفي خصوص الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه) وظهوره، فقد روي في أنَّه (عجل الله فرجه) من الغيب، وأنَّه (عجل الله فرجه) كالساعة، فعن الإمام الرضا (علیه السلام): «... وأمَّا متىٰ، فإخبار عن الوقت، فقد حدَّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (علیهم السلام)، أنَّ النبيَّ (صلی الله علیه و آله) قيل له: يا رسول الله، متىٰ يخرج القائم من ذرّيَّتك؟ فقال (صلی الله علیه و آله): مثله مثل الساعة التي«لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً» [الأعراف: 187]»(2).

2 - أنَّ الوقت كان معلوماً عند أهل البيت (علیهم السلام)، ولكن الناس أشاعته وكشفته فرفعه الله تعالىٰ، وممَّا دلَّ علىٰ أنَّه كان موجوداً عندهم عدَّة نصوص، منها:أ - عن إسحاق بن عمَّار الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: «قد كان لهذا الأمر وقت، وكان في سنة أربعين ومائة، فحدَّثتم به وأذعتموه، فأخَّره الله (عزوجل)»(3).

ص: 78


1- كمال الدِّين (ص 483 - 485/ باب 45/ ح 4).
2- كمال الدِّين (ص 372 و373/ باب 35/ ح 6).
3- الغيبة للنعماني (ص 303/ باب 16/ ح 8).

ب - عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال: «بلىٰ، ولكنَّكم أذعتم، فأخَّره الله»(1).

ج - عن أبي حمزة، قال: سمعت الباقر (علیه السلام): «يا ثابت، إنَّ الله تعالىٰ قد كان وقَّت هذا الأمر في سنة السبعين، فلمَّا قُتِلَ الحسين (علیه السلام) اشتدَّ غضب الله فأخَّره إلىٰ أربعين ومائة، فحدَّثناكم بذلك، فأذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك وقتاً عندنا،«يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ 39» [الرعد: 39]»(2).

3 - ما دلَّ علىٰ أنَّه لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله تعالىٰ ذلك اليوم حتَّىٰ يخرج المهدي (عجل الله فرجه)، وهو يدلُّ علىٰ تعذُّر التوقيت له (عجل الله فرجه).

وممَّا روي في ذلك ما نقله الشيخ الصدوق (رحمة الله) في باب الوصيَّة من لدن آدم (علیه السلام) حيث قال: ... وقد وردت الأخبار الصحيحة بالأسانيد القويَّة أنَّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) أوصىٰ بأمر الله تعالىٰ...، إلىٰ أنْ يقول: وأوصىٰ الحسن بن عليٍّ إلىٰ ابنه حجَّة الله القائم بالحقِّ الذي لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يومواحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّىٰ يخرج فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً(3).

فكونه (عجل الله فرجه) يخرج حتماً ولو في آخر يوم كاشف أيضاً عن عدم القدرة علىٰ تحديد هذا اليوم بنحو الجزم والعلم.

وقد ادَّعىٰ الانطباق جماعة، ظنًّا منهم أنَّ التطابق في الأسماء أو الصفات أو الألقاب كاليماني أو الخراساني أو غيرهما كافٍ في إثبات ذلك،

ص: 79


1- الغيبة للنعماني (ص 299/ باب 16/ ح 1).
2- الغيبة للنعماني (ص 303 و304/ باب 16/ ح 10).
3- من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 177/ ح 5402).

فإنَّ المشابهة في الاسم أو اللقب أو بعض الصفات الجسديَّة غير كافية، إذ يوجد في زمانٍ واحدٍ منها المئات بل أكثر، فيكون الجزم بها لبعضهم دون غيرهم ترجيح بلا مرجِّح.

* * *

ص: 80

الدرس الثامن عشر: ادِّعاء النيابة الخاصَّة والردُّ عليها

ادُّعيت النيابة الخاصَّة عن الإمام (عجل الله فرجه) مبكّراً، ولا زالت إلىٰ يومنا، وممَّا يستند إليه الأدعياء جملة أُمور، منها:

1 - الرؤىٰ والأحلام: وهو من أهمّ أدلَّتهم، وفي مقام تقريبهم لحجّيَّتها يقولون: إنَّ القرآن الكريم دلَّ علىٰ حجّيَّة الرؤيا كرؤيا إبراهيم (علیه السلام)، قال تعالىٰ:«إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَا ذَا تَرَىٰ» (الصافَّات: 102)، وكرؤيا يوسف (علیه السلام)، قال تعالىٰ:«إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً» (يوسف: 4)، وكرؤيا المَلِك، قال تعالىٰ:«إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ» (يوسف: 43).

ويردُّها: أنَّ هذه الرؤىٰ خاصَّة بالمعصومين من الأنبياء والأئمَّة (علیهم السلام)، أو مفسَّرة من قِبَلهم، فلا تشمل غيرهم.

ولعلَّ بعضهم يدَّعي أنَّ الملاك في حجّيَّة الرؤيا ذات الرؤيا لا الرائي.

إلَّا أنَّ هذا الكلام مردود، لأنَّ الملاك في الحجّيَّة هو العصمة، وهي التي اقتضت حجّيَّة تلك الرؤىٰ.

ونحن في هذا المقام لا نريد إنكار أصل وجود الرؤيا بل إنكار حجّيَّتها، ومن يدَّعي أنَّها حجَّة هو المطالب بإقامة الدليل، فالحجّيَّة الذاتيَّة فقط للعلم، أو لما قام عليه الدليل وأُثبت أنَّه حجَّة، والرؤيا لا تفيد العلم كماهو ظاهر وواضح لكلِّ أحد، فلا بدَّ في إثبات حجّيَّتها من دليل، وما لم يتمّ الدليل يبقىٰ تحت عنوان عدم الحجّيَّة.

ص: 81

ومدَّعي الحجّيَّة إنْ كان يدَّعيها أنَّها حجة في فروع الدِّين من أحكام الصلاة والصوم والحجِّ وغيرها، فهذا مخالف للضرورة الدِّينيَّة، فإنَّه لم تثبت الأحكام الشرعيَّة وتفاصيلها بالرؤىٰ والأحلام.

وإنْ كان يدَّعيها في أُصول الدِّين، فعدمها أولىٰ، لأنَّ الأُصول تحتاج إلىٰ العلم واليقين حتَّىٰ تُثبِتها، وتقدَّم آنفاً أنَّ الرؤيا لا تفيد علماً.

علىٰ أنَّ الرؤىٰ عند الجميع تنقسم إلىٰ صادقة وكاذبة، وجميعها تحتاج إلىٰ تفسير، فكيف نجزم أنَّها من الصادقة، وأنَّ التفسير الكذائي هو المطابق للواقع دون التفسير الآخر؟

وقد ورد في جملة من الروايات ذمُّ الاعتماد في الدِّين علىٰ الرؤيا، ومنها:

1 - ما رواه الشيخ الكليني (رحمة الله)، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (علیه السلام): «... كذبوا، فإنَّ دين الله (عزوجل) أعزّ من أنْ يُرىٰ في النوم»(1).

2 - في حديث المفضَّل مع الإمام الصادق (علیه السلام): «... فكِّر يا مفضَّل في الأحلام كيف دبَّر الأمر فيها فمزج صادقها بكاذبها، فإنَّها لو كانت كلُّها تصدق لكان الناس كلُّهم أنبياء، ولو كانت كلُّها تكذب لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنىٰ له، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس في مصلحة يُهتدىٰ لها أو مضرَّة يُتحذَّر منها، وتكذب كثيراً لئلَّا يُعتَمد عليها كلُّالاعتماد...»(2).

وقال الشيخ الحرُّ (رحمة الله) بعد ذكره رواية المفضَّل: وتواترت الروايات بأنَّ

ص: 82


1- الكافي (ج 3/ ص 482/ باب النوادر/ ح 1).
2- التوحيد للمفضَّل (ص 43 و44).

بعض الرؤيا صادق وبعضها كاذب، وتواترت أيضاً بوجوب الرجوع في جميع الأحكام الشرعيَّة إلىٰ أهل العصمة (علیهم السلام)(1).

2 - ادِّعاء المعرفة بالعلوم الخاصَّة، كعلم التوسُّم، وعلم الحروف، والجفر، وغيرها من العلوم الغريبة.

ويردُّها: أنَّ هذه العلوم لا تتوفَّر أدواتها بأيدينا كي نُميِّز الكاذب من الصادق، وكلُّ علم لا نمتلك أدواته فادِّعاء امتلاكه من قِبَل أفراد أو جماعة لا يعدو كونه صرف دعوىٰ عهدتها علىٰ مدَّعيها، وكذلك يجري مجرىٰ ردِّ مثل هكذا دعاوىٰ ادِّعاء امتلاك العلم الحقيقي، والارتباط بالعوالم الأُخرىٰ من عوالم الملائكة والجنِّ، أو التمكُّن من علم النجوم، وغيرها.

3 - ادِّعاء إقامة المعجزات والإتيان ببعض الخوارق والكرامات، وأنَّ لديهم الاتِّصال المباشر بالإمام (عجل الله فرجه)، وامتلاك نور المعرفة، وأنَّهم مؤيَّدون بالملائكة وجبرائيل وميكائيل.

ويردُّها: أنَّ هذه الدعاوىٰ الكبيرة لو كان قد صدَّقها الواقع لبانت مع طول فترة الادِّعاء وكثرة المدَّعين قديماً وحديثاً، فهم لا يتمكَّنون من تدبير أبسط أُمورهم الدِّينيَّة أو الدنيويَّة، فكيف يمكن تصديقهم في مثل هكذا ادِّعاءات؟!

4 - أمَّا دعوىٰ بعضهم أنَّهم مسدَّدون ومؤيَّدون، فإنَّ هذه الدعوىٰ لاتختصُّ بزمان دون زمان ولا بأشخاصٍ محدَّدين، وهذا لا يصلح أنْ يكون وجهاً لإثبات النيابة عن الإمام (عجل الله فرجه) في عصر الغيبة.

بل ربَّما يقال: إنَّ كلَّ المؤمنين مسدَّدون من قِبَل الله تعالىٰ وإنْ اختلفت درجات التسديد.

* * *

ص: 83


1- الفصول المهمَّة (ج 1/ ص 690/ ذيل الحديث 1094/4).

ص: 84

الدرس التاسع عشر: أدعياء النيابة عن الإمام (عجل الله فرجه)

1 - أدعياء النيابة قديماً:

ادَّعىٰ النيابة عن الإمام (عجل الله فرجه) قديماً عدَّة أشخاص، منهم:

1 - الحسن الشريعي:

أوَّل المدَّعين الحسن الشريعي، ويُكنَّىٰ بأبي محمّد...، وكان من أصحاب أبي الحسن عليِّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ بعده (علیهما السلام)، وهو أوَّل من ادَّعىٰ مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب علىٰ الله تعالىٰ وعلىٰ حُجَجه (علیهم السلام)، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرَّأت منه، وخرج توقيع الإمام (علیه السلام) بلعنه والبراءة منه(1).

2 - محمّد بن عليٍّ الشلمغاني:

كان مستقيماً فقيهاً متقدِّماً في أصحابنا، إلَّا أنَّ الحسد لأبي القاسم الحسين ابن روح (رحمة الله) حمله علىٰ ترك المذهب، فخرجت توقيعات في ذمِّه، ومنها: «... ارتدَّ عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله وادَّعىٰ ما كفر معه بالخالق (جلَّ وتعالىٰ) وافترىٰ كذباً وزوراً...، ولعنَّاه، عليه لعائنالله... وعلىٰ من شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول منَّا وأقام علىٰ تولِّيه بعده...»(2).

ص: 85


1- الغيبة للطوسي (ص 397/ ح 368).
2- الغيبة للطوسي (ص 411/ ح 384).

3 - أحمد بن هلال الكرخي:

من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (علیهما السلام)، حجَّ أربعاً وخمسين حجَّة، عشرون منها علىٰ قدميه، ولشدَّة تأثيره في الأصحاب ل_مَّا خرج توقيع في ذمِّه أنكروا ذلك، فحملوا الوكيل القاسم بن العلاء علىٰ المراجعة في أمره، فخرج إليه: «قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنِّع ابن هلال (لا رحمه الله) بما قد علمت، لم يزل (لا غفر الله له ذنبه ولا أقاله عثرته) يداخل في أمرنا، بلا إذن منَّا ولا رضا...»(1).

4 - الحسين بن منصور الحلَّاج:

ادَّعىٰ أنَّه وكيل صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وكان يُغرِّر بالجُهَّال والبسطاء من الشيعة، وممَّن كان يصانعهم ويراسلهم أبا سهل إسماعيل بن عليٍّ النوبختي ݤ ليستميل الناس بذلك، فقال له أبو سهل: إنِّي أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك - يريد بذلك أنَّ ما تدَّعيه عظيم وما سأطلبه سهل -...، وتجعل لحيتي سوداء، فإنِّي طوع أمرك...، فلمَّا سمع ذلك الحلَّاج من قوله وجوابه علم أنَّه قد أخطأ في مراسلته...، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفر الجماعة عنه(2).

ثمّ إنَّه صار إلىٰ قم، وكاتب جماعة، منهم فقيه زمانه ابن بابويه،فاجتمعوا في السوق، وكان لابن بابويه غلام، فقال له: يا غلام برجله وبقفاه، فخرج من الدار العدوُّ لله ولرسوله، ثمّ قال له: أتدَّعي المعجزات عليك لعنة الله؟ ولم يُرَ بعدها بقم(3).

ص: 86


1- اختيار معرفة الرجال (ج 2/ ص 816/ 1020).
2- الغيبة للطوسي (ص 401 و402/ ح 376).
3- راجع: الغيبة للطوسي (ص 402 و403/ ح 377).

2 - أدعياء النيابة حديثاً:

وممَّن ادَّعىٰ النيابة في زماننا جماعات، منهم:

المولويَّة، وهم جماعة برزت في العراق وبعض الدول يدَّعون الاتِّصال المباشر بالإمام (عجل الله فرجه)، ومنهم جماعة باب المولىٰ أو السفارة في البحرين، حيث ادَّعىٰ شخص أنَّه يتَّصل بالإمام (عجل الله فرجه) وأنَّه سفير الإمام (عجل الله فرجه) - لذلك تُسمَّىٰ بجماعة السفارة أيضاً -، وهو عبد الوهَّاب حسن أحمد البحراني، وادَّعىٰ أنَّه يلتقي به (عجل الله فرجه) عن طريق الرؤىٰ، ويتلقَّىٰ منه (عجل الله فرجه) الأوامر والنواهي.

ومنهم القحطاني، والمدعو حيدر مشتَّت يدَّعي أنَّه اليماني، وأنَّه وزير الإمام (عجل الله فرجه)، قُتِلَ في بغداد سنة (2006م)، كان في بداية أمره يُشكِّل مع المدَّعي أحمد إسماعيل گاطع مجموعة واحدة، ولكنَّه انشقَّ عنه، فاتَّهمته الجماعة بالارتداد، وحصل بينهما تنازع شديد وتقاذف، إذ إنَّ كلًّا منهما كان يدَّعي أنَّه اليماني.

ومنهم أحمد إسماعيل صالح السلمي المعروف ب_ (ابن گاطع)، له عدَّة دعاوي، منها أنَّه ابن الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، ووزيره، واليماني الموعود، والقائم قبل القائم، وأوَّل المهديِّين الاثني عشر، ووصيّورسول الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلىٰ الناس.

وممَّا يحتجُّ به علىٰ دعاواه رغم كثرتها، عدَّة روايات عمدتها رواية الوصيَّة، والمهديِّين الاثني عشر، وبعض الأدعية التي ذكرت أبناء المهدي (عجل الله فرجه)، والرؤيا، والاستخارة، وغيرها، وقد تعرَّضنا إلىٰ إبطال دلالة الرؤيا علىٰ أمثال هكذا مدَّعيات، ويأتي في الحلقة القادمة الردُّ علىٰ مدَّعياته الأُخرىٰ، وبيان وجوه المغالطات، وسقم الاستدلال فيها.

* * *

ص: 87

ص: 88

الدرس العشرون: ظهور الإمام (عجل الله فرجه) وأحداث البيعة في مكَّة

كيف يعرف الإمام (عجل الله فرجه) أنَّ وقت الظهور قد حان؟

1 - يعرف الإمام (عجل الله فرجه) أنَّ ظهوره قد حان عندما يُؤمَر بذلك، حيث ورد عن أبي عبد الله (علیه السلام): «يُنادىٰ باسم القائم: يا فلان بن فلان، قم»(1).

2 - أنَّ الله تعالىٰ ينقر في قلبه، كما جاء في تفسير قوله تعالىٰ:«فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ 8» (المدَّثِّر: 8)، إذ ورد عن أبي عبد الله (علیه السلام): «... إنَّ منَّا إماماً مظفَّراً مستتراً، فإذا أراد الله (عزَّ ذكره) إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة، فظهر فقام بأمر الله تبارك وتعالىٰ»(2).

3 - أنْ يُؤتىٰ إليه بالراية، وممَّا دلَّ علىٰ ذلك عدَّة نصوص، منها ما ورد عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (علیه السلام): «... يُؤتىٰ بها»، قلت: ومن يأتيه بها؟ قال: «جبرئيل (علیه السلام)»(3).

4 - نداء السيف وانتشار العَلَم، عن الإمام الصادق (علیه السلام): «... وهكذا يكون سبيل القائم (علیه السلام)، له عَلَم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العَلَم من نفسه، وأنطقه الله (عزوجل)، فناداه: اخرج يا وليَّالله، فاقتل أعداء الله، وله سيف مغمد إذا حان وقت خروجه اقتُلِعَ ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله (عزوجل)، فناداه

ص: 89


1- الغيبة للنعماني (ص 287/ باب 14/ ح 64).
2- الكافي (ج 1/ ص 343/ باب في الغيبة/ ح 30).
3- الغيبة للنعماني (ص 321/ باب 20/ ح 3).

السيف: اخرج يا وليَّ الله، فلا يحلُّ لك أنْ تقعد عن أعداء الله، فيخرج (علیه السلام)...»(1).

علىٰ أنَّه لو لم يكن بيدنا نصٌّ يدلُّ علىٰ كيفيَّة معرفته (عجل الله فرجه) لظهوره وزمان خروجه، فإنَّا نجزم بمقتضىٰ عصمته وإمامته واتِّصاله بالغيب أنَّه سيعلم بزمان خروجه إذا حان الموعد.

كيف نعرف الإمام (عجل الله فرجه) إذا خرج؟

من خلال إقامة المعجزة الدالَّة علىٰ أنَّه هو الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه)، وكذلك عند تحقُّق العلامات بالنحو الذي يكشف عن ظهوره لا علىٰ نحو التخمين والظنِّ.

أحداث البيعة:

بعد خروج الإمام (عجل الله فرجه) من المدينة إلىٰ مكَّة، وبعث السفياني جيشاً في إثر الإمام (عجل الله فرجه)، تقول الروايات كما فيما روي عن أبي عبد الله (علیه السلام): «... ظهر السفياني، وأقبل اليماني، وتحرَّك الحسني، خرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلىٰ مكَّة بتراث رسول الله (صلی الله علیه و آله)»، فقيل له: وما تراث رسول الله (صلی الله علیه و آله)؟ فقال: «سيفه، ودرعه، وعمامته، وبرده، ورايته، وقضيبه، وفرسه، ولامته، وسرجه»(2).

وفي نصٍّ آخر: «... حتَّىٰ ينزل بأعلىٰ مكَّة، فيُخرج السيف منغمده، ويلبس الدرع، وينشر الراية والبردة، ويعتمُّ بالعمامة، ويتناول القضيب بيده، ويستأذن الله في ظهوره...»(3).

ص: 90


1- كمال الدِّين (ص 155 و156/ باب 7/ ح 17).
2- الغيبة للنعماني (ص 278/ باب 14/ ح 42).
3- الغيبة للنعماني (ص 279/ باب 14/ ح 43).

وفي نفس المصدر: «... إنَّ القائم يهبط من ثنية ذي طوىٰ في عدَّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً حتَّىٰ يسند ظهره إلىٰ الحجر الأسود...»(1).

وعن الإمام الباقر (علیه السلام): «... فيقوم القائم بين الركن والمقام فيُصلِّي وينصرف ومعه وزيره...، ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكَّة علىٰ غير ميعاد، قزعاً كقزع الخريف، يتبع بعضهم بعضاً...، يبايعونه بين الركن والمقام...»(2).

أحداث مكَّة وما بعدها:

عن الإمام الباقر (علیه السلام): «يُبايَع القائم بمكَّة علىٰ كتاب الله وسُنَّة رسوله، ويستعمل علىٰ مكَّة، ثمّ يسير نحو المدينة، فيبلغه أنَّ عامله قُتِلَ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة، ولا يزيد علىٰ ذلك، ثمّ ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلىٰ كتاب الله وسُنَّة رسوله والولاية لعليِّ بن أبي طالب والبراءة من عدوِّه...»(3).

وفي خبر آخر: «... يخرج إلىٰ المدينة فيقيم بها ما شاء، ثمّ يخرج إلىٰ الكوفة ويستعمل عليها رجلاً من أصحابه، فإذا نزل الشفرة جاءهم كتاب السفياني: إنْ لم تقتلوه لأقتلنَّ مقاتليكم ولأسبينَّ ذراريكم، فيقبلونعلىٰ عامله فيقتلونه، فيأتيه الخبر، فيرجع إليهم فيقتلهم...، ثمّ يخرج إلىٰ الكوفة...»(4).

وفي خبر ثالث: «إذا خرج القائم من مكَّة ينادي مناديه: ألَا لا يحملنَّ أحد طعاماً ولا شراباً، ويحمل معه حجر موسىٰ بن عمران وهو وقر بعير، فلا ينزل

ص: 91


1- الغيبة للنعماني (ص 329/ باب 20/ ح 9).
2- تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 65/ ح 117).
3- بحار الأنوار (ج 52/ ص 308/ ح 83)، عن سرور أهل الإيمان (ص 98 و99).
4- المصدر السابق.

منزلاً إلَّا نبعت منه عيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي، ودوابُّهم، حتَّىٰ ينزلوا النجف من ظهر الكوفة»(1).

وفي غيبة النعماني: «... كأنِّي بقائم أهل بيتي قد أشرف علىٰ نجفكم...»(2).

وفي (دلائل الإمامة): «... كأنَّني به قد عبر من وادي السلام إلىٰ مسجد السهلة»(3).

نزول عيسى (علیه السلام) وما يحصل بعده:

وممَّا دلَّ علىٰ نزول عيسىٰ (علیه السلام) ما ورد عن رسول الله (صلی الله علیه و آله): «... فينزل روح الله عيسىٰ بن مريم فيُصلِّي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(4).

وممَّا دلَّ علىٰ فتح العالم:

1 - عن الإمام الصادق، عن أبيه (علیهما السلام): «إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كلِّ إقليم رجلاً، يقول: عهدك في كفِّك، فإذا وردعليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلىٰ كفِّك واعمل بما فيها»، قال: «ويبعث جنداً إلىٰ القسطنطينيَّة، فإذا بلغوا الخليج كتبوا علىٰ أقدامهم شيئاً ومشوا علىٰ الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون علىٰ الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون علىٰ الماء، فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها، فيحكمون فيها ما يريدون»(5).

ص: 92


1- الغيبة للنعماني (ص 244/ باب 13/ ح 29).
2- الغيبة للنعماني (ص 321/ باب 20/ ح 3).
3- دلائل الإمامة (ص 458/ ح 438/42).
4- كمال الدِّين (ص 280/ باب 24/ ح 27).
5- الغيبة للنعماني (ص 334 و335/ باب 21/ ح 8).

2 - عن رسول الله (صلی الله علیه و آله): «... وإنَّ الله تبارك وتعالىٰ سيجري سُنَّته(1) في القائم من ولدي، فيبلغه شرق الأرض وغربها حتَّىٰ لا يبقىٰ منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلَّا وطئه، ويُظهِر الله (عزوجل) له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(2).

* * *

ص: 93


1- سُنَّة ذي القرنين.
2- كمال الدِّين (ص 394/ باب 38/ ح 4).

ص: 94

الدرس الحادي والعشرون: إثارات وشُبُهات

الشُّبهة الأولى:

ادَّعىٰ البعض(1) أنَّ مهدي الشيعة (عجل الله فرجه) سيسفك الكثير من الدماء عندما يظهر، وهو ما يتنافىٰ مع مبادئ الدِّين الإسلامي وإقامته للعدل.

والجواب عنها:

1 - أنَّ حدود الحرب وعدد القتلىٰ مقارنة مع فتح العالم كلِّه إذا ما تمَّ قياسه لأيِّ حرب سابقة عليه من حيث قصر الفترة الزمنيَّة التي لا تتجاوز (8) أشهر، ومن حيث عدد الضحايا، فإنَّه قياس مع الفارق جدًّا، فلو قُدِّر لشخص أنْ يفتح العالم ويقيم العدل فيه، ماذا تراه سيواجه من مجاميع الظلم والطغيان؟ هل تراهم يفسحون له المجال للقيام بمهمَّته؟ وهل كان ذلك للأنبياء والرُّسُل والمصلحين علىٰ مرِّ الزمان؟ فلم نسمع أنَّ الطغاة والظلمة أتاحوا للأنبياء أو الصلحاء ذلك.

2 - من هؤلاء ممَّن يعتقدون بمنقذ، وينتظرون مهديًّا، ونحن نسألهم: ماذا سيفعل إذا خرج مع المعاندين له؟ فما يُجيبون به نُجيب به نحن.

علىٰ أنَّ في مجاميع هؤلاء الروائيَّة أضعاف مضاعفة ممَّا سيقوم به.3 - أنَّ الإمام (عجل الله فرجه) عندما يقوم بمكَّة يخطب بالناس، ويُبيِّن لهم صلته بالله تعالىٰ وبالأنبياء، وأنَّه جاء لأجل دفع الظلم عن الناس وإقامة الحقِّ، ويقيم علىٰ

ص: 95


1- وهو ناصر القفاري في كتابه أُصول مذهب الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة (ج 2/ ص 876).

ذلك الحجَّة والبرهان القاطع في أنَّه يُمثِّل السماء، فماذا عساه يفعل مع من يعاند الحقَّ بعد وضوحه ويبقىٰ يكيد الدسائس لدولة العدل الإلهي؟ فهوكالغدَّة السرطانيَّة لا بدَّ من اقتلاعها لكي يسلم الجسد.

الشُّبهة الثانية:

وأثار نفسه إثارة أُخرىٰ أخصّ من تلك، حيث قال: ... ولم يكتفِ منتظرهم بهذا، بل إنَّه يقوم بقتلٍ عامٍّ شاملٍ للجنس العربي واستئصال وجوده، ولذلك فإنَّ أخبارهم تعد العرب بملحمة علىٰ يد غائبهم...، ما بقي بيننا وبين العرب إلَّا الذبح...، ولا يخفىٰ تغلغل الاتِّجاه الشعوبي لدىٰ واضعي هذه الروايات، وهي تُبيِّن مدىٰ العداوة للجنس العربي لدىٰ مؤسِّسي الرفض...(1).

والجواب عنها:

1 - ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الحجَّة المهدي (عجل الله فرجه) عربي، وأنَّ جملة من قادة جيشه وجنوده من العرب، وبعضاً من أبرز قادته من العرب كاليماني وشعيب بن صالح وغيرهم، ومن قادة جيشه وخصوص ال_ (313) أبدال الشام، ونجباء مصر، وأخيار العراق.

2 - أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) عندما يخرج يقتفي أثر رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وإذا رجعنا إلىٰ طريقة النبيِّ (صلی اللهعلیه و آله) في تعامله مع أعدائه نجد أنَّ أكثر حروبه مع قريش والعرب، وليس ذلك تشفّياً وإنَّما لعنادهم الحقَّ وعصيانهم وجحودهم، فهل يصحُّ من أمثال هؤلاء أنْ يذمُّوا - والعياذ بالله - النبيَّ الأكرم (صلی الله علیه و آله)

وفق منهجهم؟ مع أنَّ الآيات الكريمة تُصرِّح ب_«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ» (الحجرات: 13)، فكلُّ الولاءات تذوب أمام ولاء الدِّين والعقيدة.

ص: 96


1- المصدر السابق.

3 - ما هو حال العرب عند ظهور الإمام (عجل الله فرجه) بحسب روايات هؤلاء؟ نلاحظ بعضاً منها:

أ - ما رواه البخاري ومسلم من قول النبيِّ (صلی الله علیه و آله): «ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب»(1).

ب - في مسند أحمد - في عدَّة مواضع -: «... يبايع لرجل ما بين الركن والمقام، ولن يستحلَّ البيت إلَّا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب»(2).

وغيرها من النصوص التي تتحدَّث عن هروب العرب وتركهم لمكَّة والمدينة، مع أنَّ النبيَّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) جعلها آمنة حتَّىٰ من فتنة الدجَّال، وحسب رواياتهم.

* * *

ص: 97


1- صحيح البخاري (ج 4/ ص 109 و176، وج 8/ ص 88 و104)، وصحيح مسلم (ج 8/ ص 165 و166).
2- مسند أحمد (ج 2/ ص 291 و312 و328 و351).

ص: 98

الدرس الثاني والعشرون: بناء الدولة وأهدافها ومعالمها

اشارة

بعد أو في أثناء الحرب تبدأ مرحلة بناء الدولة المهدويَّة المرتقبة، ودلَّت الأخبار علىٰ معالمها والآثار والأحكام التي ستتضمَّنها، ومنها:

1 - العدل، والقسمة بالسويَّة، والحكم بين جميع الأديان بكُتُبهم:

فعن الإمام الباقر (علیه السلام): «... إذا قام قائم أهل البيت قسَّم بالسويَّة، وعدل في الرعيَّة، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصىٰ الله، وإنَّما سُمّي المهدي مهديًّا لأنَّه يهدي إلىٰ أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كُتُب الله (عزوجل) من غار بأنطاكيَّة، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن...»(1).

علىٰ أنَّ الحكم بين هؤلاء بكُتُبهم يكون في البداية دونما بعد ذلك.

2 - العطاء فيها لم يسبق أنْ كان:

فعن الإمام الباقر (علیه السلام) في تتمَّة الحديث السابق: «... وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالَوا إلىٰ ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرَّم الله (عزوجل)،فيُعطي شيئاً لم يُعطِه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً وشرًّا»(2).

ص: 99


1- الغيبة للنعماني (ص 242 و243/ باب 13/ ح 26).
2- المصدر السابق.

3 - اجتماع العقول، واكتمال الأحلام:

فعن الإمام الباقر (علیه السلام): «إذا قام قائمنا وضع الله يده علىٰ رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم»(1).

وهو دالٌّ علىٰ الرقيِّ العلمي والفكري، وسعة الأُفُق والحكمة التي سيكون عليها الناس في زمانه (عجل الله فرجه).

4 - إخراج الأرض بركاتها، ودخول أهل الأديان في الإسلام:

روىٰ الشيخ المفيد (رحمة الله) عمَّن رواه: «إذا قام القائم (علیه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيَّامه الجور، وأمنت به السُّبُل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردَّ كلَّ حقٍّ إلىٰ أهله، ولم يبقَ أهل دين حتَّىٰ يُظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان...»(2).

5 - استغناء الناس عن الزكاة، وطول العمر:

فعن أبي عبد الله (علیه السلام): «إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها، واستغنىٰ الناس عن ضوء الشمس، وذهب الظلمة، ويُعمِّر الرجل في ملكه حتَّىٰ يُولَد له ألف ذَكَر لا يولد فيهم أُنثىٰ، وتُظهِر الأرض كنوزها حتَّىٰ يراها الناس علىٰ وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداًيقبل منه ذلك، استغنىٰ الناس بما رزقهم الله من فضله»(3).

وهذه النصوص واضحة في مضامينها حتَّىٰ إنَّها لا تحتاج إلىٰ شرح.

ص: 100


1- الكافي (ج 1/ ص 25/ كتاب العقل والجهل/ ح 21).
2- الإرشاد (ج 2/ ص 384).
3- الإرشاد (ج 2/ ص 381).

6 - تعليم الناس القرآن كما نزل:

فعن أبي جعفر (علیه السلام): «إذا قام قائم آل محمّد (علیه السلام) ضرب فساطيط لمن يُعلِّم الناس القرآن علىٰ ما أنزل الله Y»(1).

وهو صريح بما للقرآن الكريم من أهمّيَّة في دولة الإمام (عجل الله فرجه)، وإزالة التحريف والفهم الخاطئ عنه.

7 - خروج جميع العلم:

فعن أبي عبد الله (علیه السلام): «العلم سبعة وعشرون جزءاً، فجميع ما جاءت به الرُّسُل جزءان، فلم يعرف الناس حتَّىٰ اليوم غير الجزءين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثَّها في الناس، وضمَّ إليها الجزءين، حتَّىٰ يبثَّها سبعة وعشرين جزءاً»(2).

8 - انفتاح دولة الإمام (عجل الله فرجه) على العوالم الأخرى ومجالسة المؤمنين للملائكة، ويكون بعضهم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة:

فعن الإمام الرضا (علیه السلام): «إذا قام القائم، يأمر الله الملائكة بالسلام علىٰ المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أنْ يحمله، فيحمله المَلَك حتَّىٰ يأتي القائم، فيقضي حاجته، ثمّيردُّه، ومن المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع الملائكة، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً، ومنهم من يسبق الملائكة، ومنهم من تتحاكم الملائكة إليه، والمؤمنون أكرم علىٰ الله من الملائكة، ومنهم من يُصيِّره القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة»(3).

ص: 101


1- الإرشاد (ج 2/ ص 386).
2- الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 841/ ح 59).
3- دلائل الإمامة (ص 454 و455/ ح 434/38).

وهناك الكثير من التفاصيل التي تناولتها الروايات من أحكامه (عجل الله فرجه) في دولته، سنتطرَّق إليها في الحلقة القادمة إنْ شاء الله تعالىٰ.

* * *

ص: 102

الدرس الثالث والعشرون: إثارات وشُبُهات حول دولة الإمام (عجل الله فرجه) (1)

اشارة

أُثيرت حول نصوص دولة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وقيامه عدَّة إثارات وإشكالات، من بينها:

1 - إذا خرج هل سيهدم الكعبة؟

يقول بعضهم(1): ... فيقوم بعمليَّة هدم وتخريب في الحرمين الشريفين، حيث تنصُّ أخبارهم «أنَّ القائم يهدم المسجد الحرام حتَّىٰ يردَّه إلىٰ أساسه، ومسجد الرسول (صلی الله علیه و آله) إلىٰ أساسه، ويردَّ البيت إلىٰ موضعه وإقامته علىٰ أساسه»، ولا يخفىٰ أنَّ هذه الوعود بصنائع المنتظر... إنَّما تنمُّ عن دخائل نفوسهم وما تكنُّه صدورهم في مناوأة لدين الإسلام... .

والجواب عنها:

1 - أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو خليفة الله حتَّىٰ في نصوص هؤلاء(2)، فهو أدرىٰ بما يقوم به من وظيفة، وليس الهدم للانتقاص منها، ولا تضعيف مكانتها في قلوب المسلمين كما يدَّعي هؤلاء،إنَّما هو لأجل إرجاعها إلىٰ أساسها الذي بُنيت عليه، وهو يسير بسيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) بذلك، فقد رووا هم بأنفسهم عن النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) في أصحّ الكُتُب عندهم أنَّه كان يريد أنْ يُرجِع الكعبة إلىٰ

ص: 103


1- وهو ناصر القفاري في أُصول مذهب الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة (ج 2/ ص 875 و876).
2- مسند أحمد بن حنبل (ج 5/ ص 277).

أساس إبراهيم (علیه السلام)، لكنَّه كان يخشىٰ حداثة القوم بالإسلام، فلاحظ ما ينقله البخاري عن عائشة أنَّها قالت: قال لي رسول الله (صلی الله علیه و آله): «لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت، ثمّ لبنيته علىٰ أساس إبراهيم (عليه الصلاة والسلام)، فإنَّ قريشاً استقصرت بناءه، وجعلت له خلفاً»(1).

فالنبيُّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) بمقتضىٰ هذا النصِّ أراد الهدم والإرجاع إلىٰ أساس إبراهيم (علیه السلام) لولا التقيَّة من القوم، وهذا ما سيفعله الإمام المهدي (عجل الله فرجه) خليفة الله Y، كما هو النصُّ الذي نقله صاحب الشُّبهة حيث جاء فيه: «حتَّىٰ يردَّه إلىٰ أساسه».

فليس هذا الهدم بدافع انتقامي أو مناوأة للدِّين الإسلامي، بل هو اتِّباع لسُنَّة رسول الله (صلی الله علیه و آله).

2 - المهدي (عجل الله فرجه) يحكم بالديانة العالميَّة، وهي فكرة إلحاديَّة:

نفس هذا البعض يقول(2): تقوم دولة المنتظر علىٰ الحكم لأهل كلِّ دين بكتابهم...، وهذا القانون الذي يطمح إلىٰ تطبيقه واضعو هذه الروايات، ويعدون بتنفيذه علىٰ يد المنتظر هو شبيه - إلىٰ حدٍّ كبير - بفكرةالديانة العالميَّة التي ترفع شعارها الماسونيَّة، وهي فكرة إلحادية تقوم أساساً علىٰ إنكار الأديان السماويَّة تحت دعوىٰ حرّيَّة الفكر والعقيدة.

والجواب عنها:

1 - لا شكَّ أنَّ الإمام (عجل الله فرجه) سوف يُظهِر الديانة العالميَّة، وهي ديانة الإسلام التي تستوعب جميع الأديان، وليس كونه ديناً عالميًّا أنَّه ماسوني، ولا

ص: 104


1- صحيح البخاري (ج 2/ ص 155).
2- وهو ناصر القفاري في كتابه أُصول مذهب الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة (ج 2/ ص 873).

ندري كيف فهم صاحب الشُّبهة من كونها عالميَّة أنَّها ماسونيَّة، وأنَّه إنكار للأديان الإلهيَّة؟!

2 - بالنسبة للأديان السماويَّة الأُخرىٰ في بداية الظهور لا بدَّ أنْ تُحاكَم حسب كُتُبها وقوانينها إلىٰ أنْ يستتبَّ الوضع للإمام (عجل الله فرجه) ويعرف الناس أنَّه هو الحقُّ، وأنَّ ما أتىٰ به هو العدل والقسط، فيقبل الناس علىٰ الإيمان بالإسلام إلىٰ أنْ ينتشر في ربوع الأرض، حاله في ذلك حال رسول الله (صلی الله علیه و آله) عندما ظهر وأسَّس دولته.

3 - يأتي بدين جديد:

يدَّعي البعض أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) يأتي بدين جديد، وأمرٍ جديد، وقضاء جديد، استناداً إلىٰ رواية رواها الشيخ النعماني (رحمة الله) عن الإمام الباقر(علیه السلام)، جاء فيها: «يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، علىٰ العرب شديد»(1)، فحاول البعض التشنيع من خلالها علىٰ أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الذي يعتقد به الشيعة عندما يظهر سوف يأتي بدين جديد وقرآن جديد...

والجواب عنها:1 - أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) عند هؤلاء استناداً إلىٰ رواياتهم سوف يُخرج الإسلام من غربته بعد أنْ لا يبقىٰ له إلَّا الاسم، فقد ورد في رواياتهم: «بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً»(2).

2 - الشيء الجديد الذي سيأتي به الإمام المهدي (عجل الله فرجه) - رغم أنَّ الرواية لم تقل: دين - هو جديد علىٰ من لم يسمع به، وهذا ليس ابتداعاً في الدِّين، فإنَّ

ص: 105


1- الغيبة للنعماني (ص 238/ باب 13/ ح 19).
2- صحيح مسلم (ج 1/ ص 90).

الإمام المهدي (عجل الله فرجه) يتبع سُنَّة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وينشر تعاليمه، فما يأتي به هو ما جاء به رسول الله (صلی الله علیه و آله)، ولكن الناس تركوه ولم يُطبِّقوه، فأصله موجود في القرآن الكريم، وهو (عجل الله فرجه) عِدل القرآن.

* * *

ص: 106

الدرس الرابع والعشرون: إثارات وشُبُهات حول دولة الإمام (عجل الله فرجه) (2)

5 - مهديُّهم أفضل من النبيِّ محمّد (صلی الله علیه و آله) والأنبياء الآخرين (علیهم السلام):

تقول الشُّبهة: إنَّ القائم (عجل الله فرجه) أكمل من خاتم النبيِّين، وأقدر علىٰ تحقيق دين الله ممَّن أُرسل قدوةً للعالمين...(1).

والجواب عنها:

1 - روت مصادر الحديث عندنا أخبار تفضيل النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) علىٰ الخلق طُرًّا، سواء الأئمَّة أو الأنبياء (علیهم السلام) أو غيرهم، ومنها: ما رواه الشيخ الكليني (رحمة الله) بسند صحيح عن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام):«قُلْ كَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ 43» [الرعد: 43]، قال: «إيَّانا عنىٰ، وعليٌّ أوَّلنا، وأفضلنا، وخيرنا بعد النبيِّ (صلی الله علیه و آله)»(2).

وروىٰ الشيخ الصدوق (رحمة الله) بسنده، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «ما خلق الله خلقاً أفضل منِّي، ولا أكرم عليه منِّي»(3).

2 - لا ملازمة بين تحقيق العدالة في الكون علىٰ يد الإمام المهدي(عجل الله فرجه) والتي يعترف بها جميع من يؤمن بالإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وبين كونه أفضل وأكمل من رسول الله (صلی الله علیه و آله).

ص: 107


1- أُصول مذهب الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة (ج 2/ ص 518).
2- الكافي (ج 1/ ص 229/ باب أنَّه لم يجمع القرآن كلُّه إلَّا عند الأئمَّة G.../ ح 6).
3- كمال الدِّين (ص 254/ باب 23/ ح 4).

6 - المهدي (عجل الله فرجه) يحكم بغير شريعة الإسلام:

تقول الشُّبهة: ... إنَّ الحكم والقضاء في دولة المنتظر يقام علىٰ غير شريعة المصطفىٰ...، حَكَمَ بحكم داود وسليمان...(1).

والجواب عنها:

1 - ممَّا أجمع عليه المسلمون أنَّ القاضي له أنْ يحكم بعلمه، وممَّا ورد في ذلك من طُرُقهم:

أ - قال ابن رشد: إنَّ العلماء أجمعوا علىٰ أنَّ القاضي يقضي بعلمه(2).

ب - قال ابن عبد البرِّ: ... ففي هذا الخبر قضاء عمر بعلمه فيما قد علمه قبل ولايته(3).

فإذا جاز في القاضي أنْ يحكم بعلمه، فلِمَ لا يجوز لخليفة الله المهدي (عجل الله فرجه) أنْ يحكم أيضاً بعلمه؟

2 - أنَّ الروايات التي ذكرت أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إنَّما يحكم كما حكم داود (علیه السلام) لأنَّه كان يحكم بعلمه، فوجه الشبه ذلك، فهو كان لا يسأل الناس بيِّنةً وكذلك الإمام (عجل الله فرجه).

روىٰ الشيخ الكليني (رحمة الله) بسنده عن أبي عبد الله (علیه السلام): «لا تذهب الدنيا حتَّىٰ يخرج رجل منِّي يحكم بحكومة آل داود ولا يسأل بيِّنة،يُعطي كلَّ نفس حقَّها»(4).

والتعليل في الرواية يفيد أنَّ الوجه في ذلك لأنَّه لا يسأل البيِّنة، لأنَّه يريد أنْ يُعطي كلَّ نفس حقَّها.

* * *

ص: 108


1- أُصول مذهب الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة: (ج 2/ ص 872).
2- بداية المجتهد ونهاية المقتصد (ج 2/ ص 385).
3- الاستذكار (ج 7/ ص 95).
4- الكافي (ج 1/ ص 397 و398/ باب في الأئمَّة G أنَّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود.../ ح 2).

الدرس الخامس والعشرون: الرجعة من معتقدات الإماميَّة

اشارة

دلَّت نصوص عديدة علىٰ رجعة جميع الأئمَّة (علیهم السلام)، وأنَّ دولتهم آخر الدول، وأنَّهم يحكمون فيها بأجمعهم، فعن أبي عبد الله (علیه السلام): «... وقوله:«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» [غافر: 51]، وهو في الرجعة إذا رجع رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمَّة (علیهم السلام)»(1).

بل ورجوع الأنبياء لنصرة النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله)، ففي تفسير قوله تعالىٰ:«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (غافر: 51)، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «... ذلك والله في الرجعة، أمَا علمتَ أنَّ أنبياء كثيرة لم يُنصَروا في الدنيا وقُتلوا والأئمَّة بعدهم قُتلوا ولم يُنصَروا؟ ...»(2).

بل إنَّ الله تعالىٰ أخذ الميثاق علىٰ الأنبياء (علیهم السلام) بنصرة نبيِّه، وأنْ يُخبروا أُمَمهم وينصرونه، فقد نصروه بالقول، وأمروا أُمَمهم بذلك، وسيرجع رسول الله (صلی الله علیه و آله)، ويرجعون وينصرونه في الدنيا(3)، وهو صريح في رجعتهم إلىٰ الدنيا لنصرة رسول الله (صلیالله علیه و آله).

بل إنَّ بعض النصوص دلَّت علىٰ تعدُّد رجعات بعضهم كأمير المؤمنين (علیه السلام)، فعن أبي عبد الله (علیه السلام): «إنَّ لعليٍّ (علیه السلام) في الأرض كرَّة مع الحسين

ص: 109


1- تفسير القمّي (ج 2/ ص 258).
2- تفسير القمّي (ج 2/ ص 259).
3- تفسير القمّي (ج 1/ ص 106).

ابنه (صلوات الله عليهما)...، ثمّ كرَّة أُخرىٰ مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتَّىٰ يكون خليفته في الأرض، وتكون الأئمَّة (علیهم السلام) عُمَّاله...، يُعطي الله نبيَّه (صلی الله علیه و آله) مُلك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الله الدنيا إلىٰ يوم يُفنيها»(1)، وهي دالَّة علىٰ تعدُّد الكرَّات وطول فترة الحكم في كلِّ كرَّة.

وعن أبي جعفر (علیه السلام)، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): «... وإنَّ لي الكرَّة بعد الكرَّة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرَّات»(2).

إنْ قلتَ: إذا كانت الغاية من الرجعة هي إبراز عدالة الله تعالىٰ في الدنيا من خلال إراءة المظلوم أنَّه ينتصر من ظالمه، فلِمَ لا يكون ظهور الإمام (عجل الله فرجه) وإظهاره للعدل محقِّقاً للفائدة من الرجعة، فلِمَ لا يُستعاض بظهوره عنها؟

قلتُ:

1 - الحكمة الإلهيَّة كما اقتضت أنْ يكون السير في عالم الكمال من خلال التكليف، كذلك اقتضت أنْ تكون العوالم بهذه الكيفيَّة، فلو كان ثَمَّة لغويَّة في البين لامتنع علىٰ الحكيم العليم القيام بها.2 - طبيعة الحياة الدنيا أنَّها مملوءة بالمزاحمات، فالرجعة فرصة ثانية لكي يُحقِّق الإنسان - وهو في عالم الدنيا - كماله اللَّائق به قبل الانتقال إلىٰ الآخرة.

الرجعة ليست مختصَّة بأُمَّة محمّد (صلی الله علیه و آله) فقد وقعت في الأُمَم السابقة:

قال تعالىٰ:«أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ» (البقرة: 243)، فهذه الآية من دلائل وقوع الرجعة في الأُمَم السابقة، فقد روىٰ الشيخ الكليني (رحمة الله) بسنده عن أبي

ص: 110


1- مختصر بصائر الدرجات (ص 29).
2- مختصر بصائر الدرجات (ص 33).

جعفر (علیه السلام): «... وكانوا سبعين ألف بيت، وكان الطاعون يقع فيهم في كلِّ أوان...، ثمّ إنَّهم مرُّوا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون، فنزلوا بها، فلمَّا حطُّوا رحالهم واطمأنُّوا بها قال الله (عزوجل): موتوا جميعاً، فماتوا من ساعتهم، وصاروا رميماً...، وكانوا علىٰ طريق المارَّة، فكنستهم المارَّة فنحَّوهم وجمعوهم في موضع، فمرَّ بهم نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له: (حزقيل)، فلمَّا رأىٰ تلك العظام بكىٰ واستعبر، وقال: يا ربِّ، لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتَّهم، فعمروا بلادك، وولدوا عبادك، وعبدوك مع من يعبدك...، فأوحىٰ الله تعالىٰ إليه: أفتُحِبّ ذلك؟ قال: نعم...، فعادوا أحياءً ينظر بعضهم إلىٰ بعض...»(1)، وهي دالَّة علىٰ وقوع الرجعة في عالم الدنيا، وفي الأُمَم السابقة.

إنْ قلتَ: نُسلِّم وقوعها في الأُمَم السابقة دون وقوعها في أُمَّتنا، إذ لم نسمع برجعة من رجع منها.قلتُ:

1 - ورد عن النبيِّ الأكرم (صلی الله علیه و آله): «كلُّ ما كان في الأُمَم السالفة يكون في هذه الأُمَّة مثله حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة»(2)، فهي تقع فينا حتماً.

2 - ما تقدَّم من أخبار دالَّة علىٰ وقوعها في هذه الأُمَّة، وأنَّ أقواماً سيرجعون بعد ظهور الإمام (عجل الله فرجه)، بل جميع الأنبياء والأئمَّة (علیهم السلام).

والرجعة التي ستكون في عالم الدنيا مادّيَّة لا روحيَّة كما يدَّعيه البعض، فإنَّها ستكون كما كانت في الأُمَم السابقة وهي مادّيَّة، بل بعض النصوص عن النبيِّ (صلی الله علیه و آله) ورد فيها، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «يا عليُّ، سألت ربِّي فيك خمس

ص: 111


1- الكافي (ج 8/ ص 198 و199/ ح 237).
2- كمال الدِّين (ص 530 و576).

خصال فأعطاني، أمَّا أوَّلها فسألت ربِّي أنْ أكون أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض وأنفض التراب عن رأسي وأنت معي، فأعطاني...»(1).

علىٰ أنَّ المتبادر منها هو هذا، وغيره يحتاج إلىٰ قرينة.

* * *

ص: 112


1- الخصال (ص 314/ ح 93)، والحديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) يُخبر عليًّا (علیه السلام) برجعته.

المصادر والمراجع

1 - القرآن الكريم.

2 - اختيار معرفة الرجال: الشيخ الطوسي/ 1404ه_/ مؤسَّسة آل البيت (علیهم السلام)/ مطبعة بعثت/ قم.

3 - الإرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (علیهم السلام)/ ط 2/ 1414ه_/ دار المفيد/ بيروت.

4 - الاستذكار: ابن عبد البرِّ/ تحقيق: سالم محمّد عطا ومحمّد عليّ معوض/ ط 1/ 2000م/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.

5 - أُصول مذهب الشيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة: ناصر القفاري.

6 - الاعتقادات في دين الإماميَّة: الشيخ الصدوق/ تحقيق: عصام عبد السيِّد/ ط 2/ 1414ه_/ دار المفيد/ بيروت.

7 - إعلام الورىٰ: الطبرسي/ ط 1/ 1417ه_/ مؤسَّسة آل البيت (علیهم السلام) / مطبعة ستاره/ قم.

8 - بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي/ ط 2 المصحَّحة/ 1403ه_/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.

9 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ابن رشد/ تحقيق: خالد العطَّار/ 1415ه_/ دار الفكر/ بيروت.

10 - بروتكولات آيات قم: ناصر القفاري.

11 - تاج المواليد: الشيخ الطبرسي/ 1406ه_/ مكتبة آية المرعشي/ مطبعة الصدر/ قم.

ص: 113

12 - تاريخ الإسلام: الذهبي/ تحقيق: تدمري/ ط 1/ 1407ه_/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

13 - تحرير الأحكام: العلَّامة الحلّي/ تحقيق: إبراهيم البهادري/ ط 1/ 1420ه_/ مؤسَّسة الإمام الصادق (علیه السلام)/ مطبعة اعتماد.

14 - تفسير العيَّاشي: العيَّاشي/ تحقيق: هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلميَّة الإسلاميَّة/ طهران.

15 - تفسير القمّي: عليُّ بن إبراهيم القمّي/ تحقيق: طيِّب الجزائري/ ط 3/ 1404ه_/ مؤسَّسة دار الكتاب/ قم.

16 - تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي/ تحقيق: فارس الحسُّون/ ط 1417ه_.

17 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق: حسن الخرسان/ ط 3/ 1364ش/ مطبعة خورشيد/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.

18 - التوحيد: المفضَّل بن عمر/ تحقيق: كاظم المظفَّر/ ط 2/ 1404ه_/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.

19 - الحاوي للفتاوي: جلال الدِّين السيوطي.

20 - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ ط 1 كاملة محقَّقة/ 1409ه_/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)/ قم.

21 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تحقيق: علي أكبر الغفاري/ 1403ه_/ جماعة المدرِّسين/ قم.

22 - خلاصة الأقوال: العلَّامة الحلّي/ ط 1/ 1417ه_/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.

23 - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري (الشيعي)/ ط 1/ 1413ه_/ مؤسَّسة البعثة/ قم.

ص: 114

24 - رجال النجاشي: النجاشي/ ط 5/ 1416ه_/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.

25 - رسائل في الغيبة: الشيخ المفيد/ تحقيق: علاء آل جعفر/ 1414ه_/ دار المفيد/ بيروت.

26 - الرسائل: الشريف المرتضىٰ/ تحقيق: السيِّد أحمد الحسيني/ 1405ه_/ دار القرآن الكريم/ مطبعة سيِّد الشهداء/ قم.

27 - سُنَن ابن ماجة: ابن ماجة القزويني/ تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر/ بيروت.

28 - سير أعلام النبلاء: الذهبي/ تحقيق: حسين الأسد/ ط 9/ 1413ه_/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.

29 - صحيح البخاري: البخاري/ 1401ه_/ دار الفكر/ بيروت.

30 - صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.

31 - الصواعق المحرقة: ابن حجر الهيتمي/ ط 1/ 1997م/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.

32 - علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ تحقيق: محمّد صادق بحر العلوم/ 1385ه_/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.

33 - الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق: عبد الله الطهراني وعليّ أحمد ناصح/ ط 1/ 1411ه_/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ مطبعة بهمن/ قم.

34 - الغيبة: النعماني/ تحقيق: فارس حسُّون كريم/ ط 1/ 1422ه_/ أنوار الهدىٰ/ مطبعة مهر.

35 - الفتن: نعيم بن حمَّاد المروزي/ تحقيق: سهيل زكار/ 1414ه_/ دار الفكر/ بيروت.

ص: 115

36 - فِرَق الشيعة: الحسن بن موسىٰ النوبختي.

37 - الفصول المهمَّة في أُصول الأئمَّة: الحرُّ العاملي/ تحقيق: محمّد القائيني/ ط 1/ 1418ه_/ مؤسَّسة معارف إسلامي إمام رضا (علیه السلام)/ مطبعة نگين/ قم.

38 - الكافي: الشيخ الكليني/ تحقيق: علي أكبر الغفاري/ ط 5/ 1363ش/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ مطبعة حيدري/ طهران.

39 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير/ 1386ه_/ دار الصادر/ بيروت.

40 - كشف الغمَّة: ابن أبي الفتح الأربلي/ ط 2/ 1405ه_/ دار الأضواء/ بيروت.

41 - كشف المراد: العلَّامة الحلّي/ تحقيق: إبراهيم الموسوي الزنجاني/ ط 4/ 1373ش/ انتشارات شكوري/ مطبعة إسماعيليَّان/ قم.

42 - كفاية الأثر: الخزَّاز القمّي/ تحقيق: عبد اللطيف الكوهكمري الخوئي/ 1401ه_/ انتشارات بيدار/ مطبعة الخيَّام.

43 - كمال الدِّين: الشيخ الصدوق/ تحقيق: علي أكبر الغفاري/ 1405ه_/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.

44 - كنز الفوائد: أبو الفتح الكراجكي/ ط 2/ 1369ش/ مكتبة المصطفوي/ مطبعة غدير/ قم.

45 - مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط 1/ 1370ه_/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.

46 - المختصر في أخبار البشر: أبو الفداء/ دار المعرفة/ بيروت.

47 - المستدرك: الحاكم النيسابوري/ إشراف: يوسف عبد الرحمنالمرعشلي.

ص: 116

48 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار الصادر/ بيروت.

49 - المصنَّف: ابن أبي شيبة/ تحقيق: سعيد اللحَّام/ ط 1/ 1409ه_/ دار الفكر/ بيروت.

50 - معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ تحقيق: علي أكبر الغفاري/ 1379ه_/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.

51 - المعجم الكبير: الطبراني/ تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 2 مزيَّدة ومنقَّحة/ دار إحياء التراث العربي.

52 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تحقيق: علي أكبر الغفاري/ ط 2/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.

53 - المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة: عبد العليم عبد العظيم البستوي/ ط 1/ 1420ه_/ المكتبة المكّيَّة/ مكَّة المكرَّمة، دار ابن حزم/ بيروت.

54 - النكت الاعتقاديَّة: الشيخ المفيد/ تحقيق: رضا المختاري/ ط 2/ 1414ه_/ دار المفيد/ بيروت.

55 - الهداية: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1418ه_/ مؤسَّسة الإمام الهادي (علیه السلام)/ مطبعة اعتماد.

56 - وسائل الشيعة: الحرُّ العاملي/ ط 2/ 1414ه_/ مؤسَّسة آل البيت (علیهم السلام)/ مطبعة مهر/ قم.

57 - وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (علیه السلام): ميرزا محمّد تقي الموسوي الأصفهاني/ ط 1/ 1425ه_/ مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجل الله فرجه)/ النجف الأشرف.

* * *

ص: 117

ص: 118

الفهرس

مقدّمة المركز.... 3

مقدّمة 5

الإهداء. 7

الدرس الأوَّل: أهمّيَّة الإمامة وموقعها في الدِّين. 9

العصمة/ 1 - الدليل العقلي. 9

2 - الدليل النقلي/ وجوب طاعة الإمام (علیه السلام) 10

الدليل علىٰ إمامة الاثني عشر. 11

الدرس الثاني: أدلَّة إمامة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) 13

الأدلَّة العامَّة: الانحصار بالأئمَّة الاثني عشر (علیهم السلام) 13

الدليل الأوَّل: الغيبة دليل إمامة الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه)/ الدليل الثاني: شهادة ووفاة الإمام العسكري (علیه السلام) دليل علىٰ إمامة الحجَّة بن الحسن (عجل الله فرجه) 15

الدرس الثالث: التشكيك بإمامة الإمام المهدي (عجل الله فرجه). 19

1 - انقطاع السلسلة والاعتقاد بغيبة غير الإمام المهدي (عجل الله فرجه) 19

2 - الوقف علىٰ الإمام موسىٰ بن جعفر (علیه السلام): 20

3 - القائلون بإمامة محمّد بن عليٍّ الهادي ويُسَمَّون بالمحمّديَّة 21

الدرس الرابع: ولادة الإمام (عجل الله فرجه) وتواتر النقل. 23

الأقوال في الولادة 24

تواتر الغيبة 25

الدرس الخامس: الدليل الكلامي والعددي علىٰ الولادة 27

دلالة العدد علىٰ الولادة 28

ص: 119

الدرس السادس: الإجماع والروايات والأقوال من أدلَّة الولادة 31

1 - الإجماع يدلُّ علىٰ الولادة/ 2 - الروايات تدلُّ علىٰ الولادة/ 1 - دلالة عامَّة 31

2 - دلالة خاصَّة 32

3 - الأقوال تدلُّ علىٰ الولادة/ 1 - أقوال علماء الإماميَّة/ 2 - أقوال علماء العامَّة 33

الدرس السابع: إشكالات علىٰ ولادة الإمام (عجل الله فرجه) (1) 35

الشُّبهة الأُولىٰ: المهدي (عجل الله فرجه) غير مولود وهو شخصيَّة وهميَّة 35

الشُّبهة الثانية: لو كان للإمام العسكري (علیه السلام) ولد لما جاز أنْ يقع الخلاف فيه 36

الدرس الثامن: إشكالات علىٰ ولادة الإمام (عجل الله فرجه) (2) 39

الشُّبهة الثالثة: إنكار جعفر. 39

الشُّبهة الرابعة: الحسن بن عليٍّ (علیه السلام) لم ينصّ علىٰ ولادة مولود له 40

الشُّبهة الخامسة: لو كان للإمام العسكري (علیه السلام) ولد فإنَّه قد مات. 41

الدرس التاسع: إشكالات علىٰ ولادة الإمام (عجل الله فرجه) (3) 43

الشُّبهة السادسة: أنَّ المهدي (عجل الله فرجه) هو عيسىٰ (علیه السلام) 43

الشُّبهة السابعة: المهدي (عجل الله فرجه) ابن عبد الله لا ابن الحسن (علیه السلام) 44

الشُّبهة

الثامنة: أنَّ الإمام بعد الحسن العسكري (علیه السلام) ليس المهدي (عجل الله فرجه)، بل جعفر، وهو قد صرَّح أنَّه الإمام بعد أخيه محمّد ابن الإمام الهادي (علیه السلام) 46

الدرس العاشر: الغيبة أسبابها وأدلَّتها 47

أسباب الغيبة/ 1 - الخوف من القتل/ 2 - أنْ لا تقع في عنقه بيعة لظالم/ 3 - استيفاء غيبات الأنبياء (علیهم السلام) 48

4 - استيفاء ودائع الإيمان/ 5 - سرٌّ من الأسرار. 49

أدلَّة الغيبة/ 1 - تواتر القول بالغيبة 50

2 - الروايات الدالَّة علىٰ الغيبة 51

الدرس الحادي عشر: إثارات حول الغيبة 53

1 - لا فرق بين الغيبة والعدم/ 2 - لا نرىٰ حكمة تدعو للغيبة، فأين وجه الحكمة منها؟ 53

ص: 120

3 - الغيبة والرفع إلىٰ السماء واحد/ 4 - بغيبته تعطَّلت الحدود وضاع الحقُّ. 54

5 - الغيبة خارج عن العادة 55

الدرس الثاني عشر: النيابة في عصر الغيبة 57

أقسام الغيبة/ الحوادث بعد الاستشهاد 57

حادث تفتيش الدار وحوادث أُخرىٰ/ نقل دار الوكالة إلىٰ بغداد 58

الدرس الثالث عشر: النيابة الخاصَّة في الغيبة 61

السفير الأوَّل: عثمان بن سعيد العمري (رحمة الله) 61

السفير الثاني: محمّد بن عثمان بن سعيد (رحمة الله) 62

السفير الثالث: الحسين بن روح النوبختي (رحمة الله)/ السفير الرابع: أبو الحسن عليُّ ابن محمّد السمري (رحمة الله) 63

الدرس الرابع عشر: أدلَّة النيابة في الغيبتين. 65

أدلَّة النيابة في الغيبة الصغرىٰ/ أدلَّة النيابة في الغيبة الكبرىٰ. 65

1 - السيرة العقلائيَّة/

2 - روايات الإرجاع إلىٰ بعض الفقهاء في زمن الأئمَّة (علیهم السلام) 66

3 - مقبولة عمر بن حنظلة/

4 - توقيع إسحاق بن يعقوب/ 5 - الارتكاز. 67

الدرس الخامس عشر: آثار وجود الإمام (عجل الله فرجه) في عصر الغيبة 69

1 - معرفته (عجل الله فرجه) شرط في قبول الأعمال/ 2 - وجوده (عجل الله فرجه) للشهادة علىٰ أعمال الناس/ 3 - وجوده (عجل الله فرجه) لأجل هداية الناس.. 69

4 - وجوده (عجل الله فرجه) لدفع البلاء وخروج البركات/ وظيفة المكلَّفين تجاه الإمام (عجل الله فرجه) في عصر الغيبة/ 1 - ضرورة معرفة الإمام (علیه السلام) في كلِّ زمان/ 2 - الطاعة للإمام (علیه السلام) بعد معرفته/ 3 - الثبات علىٰ القول بإمامته (عجل الله فرجه) 70

4 - انتظاره (عجل الله فرجه)/ 5 - الدعاء له (عجل الله فرجه)/ 6 - تكذيب الموقِّتين لظهوره (عجل الله فرجه) في زمان غيبته الكبرىٰ. 71

الدرس السادس عشر: علامات الظهور 73

المحتوم من العلامات. 73

ص: 121

غير المحتوم من العلامات. 74

الدرس السابع عشر: المنع من التوقيت والتطبيق. 77

التوقيت/ التطبيق. 77

الدرس الثامن عشر: ادِّعاء النيابة الخاصَّة والردُّ عليها 81

الدرس التاسع عشر: أدعياء النيابة عن الإمام (عجل الله فرجه) 85

1 - أدعياء النيابة قديماً/ 1 - الحسن الشريعي/ 2 - محمّد بن عليٍّ الشلمغاني. 85

3 - أحمد بن هلال الكرخي/ 4 - الحسين بن منصور الحلَّاج. 86

2 - أدعياء النيابة حديثاً 87

الدرس العشرون: ظهور الإمام (عجل الله فرجه) وأحداث البيعة في مكَّة 89

كيف يعرف الإمام (عجل الله فرجه) أنَّ وقت الظهور قد حان؟ 89

كيف نعرف الإمام (عجل الله فرجه) إذا خرج؟/ أحداث البيعة 90

أحداث مكَّة وما بعدها 91

نزول عيسىٰ (علیه السلام) وما يحصل بعده 92

الدرس الحادي والعشرون: إثارات وشُبُهات. 95

الشُّبهة الأُولىٰ. 95

الشُّبهة الثانية 96

الدرس الثاني والعشرون: بناء الدولة وأهدافها ومعالمها 99

1 - العدل، والقسمة بالسويَّة، والحكم بين جميع الأديان بكُتُبهم/ 2 - العطاء فيها لم يسبق أنْ كان. 99

3 - اجتماع العقول، واكتمال الأحلام/ 4 - إخراج الأرض بركاتها، ودخول أهل الأديان في الإسلام/ 5 - استغناء الناس عن الزكاة، وطول العمر. 100

6 - تعليم الناس القرآن كما نزل/ 7 - خروج جميع العلم/ 8 - انفتاح دولة الإمام (عجل الله فرجه) علىٰ العوالم الأخرىٰ ومجالسة المؤمنين للملائكة، ويكون بعضهم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة 101

الدرس الثالث والعشرون: إثارات وشُبُهات حول دولة الإمام (عجل الله فرجه) (1) 103

ص: 122

1 - إذا خرج هل سيهدم الكعبة؟ 103

2 - المهدي (عجل الله فرجه) يحكم بالديانة العالميَّة، وهي فكرة إلحاديَّة: 104

3 - يأتي بدين جديد 105

الدرس الرابع والعشرون: إثارات وشُبُهات حول دولة الإمام (عجل الله فرجه) (2) 107

5 - مهديُّهم أفضل من النبيِّ محمّد (صلی الله علیه و آله) والأنبياء الآخرين (علیهم السلام) 107

6 - المهدي (عجل الله فرجه) يحكم بغير شريعة الإسلام 108

الدرس الخامس والعشرون: الرجعة من معتقدات الإماميَّة 109

الرجعة ليست مختصَّة بأُمَّة محمّد (صلی الله علیه و آله) فقد وقعت في الأُمَم السابقة 110

المصادر والمراجع. 113

الفهرس.. 119

* * *

ص: 123

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.