من حياة المعصومين عليهم السلام المجلد 14

هوية الكتاب

من حياة المعصومين عليهم السلام

الجزء الرابع عشر

الإمام المهدي عجل اللّه تعالی فرجه الشريف

المرجع الديني الراحل

السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

الشجرة الطيبة

1443 ه 2022 م

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی للناشر

1443 ه 2022 م

مؤسسة الشجرة الطيبة النجف الأشرف

تهميش

مؤسسة المجتبی للتحقيق والنشر

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

أما بعد، فهذا هو الجزء الرابع عشر من سلسلة (من حياة المعصومين) صلوات اللّه عليهم أجمعين، ويتضمن جوانب من حياة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام وعجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

أسأل اللّه تعالى التوفيق والقبول إنه سميع مجيب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1410ه

ص: 5

ص: 6

النسب الشريف

اسمه المبارك

هو الإمام: محمد المهدي، ابن الحسن العسكري، ابن علي الهادي، ابن محمد الجواد، ابن علي الرضا، ابن موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمد الباقر، ابن علي السجاد، ابن الحسين الشهيد، ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) .

وهو الثاني عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) ، الذين بشَّر بهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونص عليهم، وجعلهم بأمره تعالى أئمة وخلفاء وأوصياء من بعده.

وما ورد من النهي عن تسميته، فقد حمله العلماء على صورة الخوف عليه(1).

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(2).

ص: 7


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص520، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب الأول، الأول في ذكر اسمه وكنيته ولقبه (عليه السلام) .
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص471، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .

وعن حذيفة، قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - وذكر المهدي - فقال: «إنه يبايع بين الركن والمقام اسمه أحمد وعبد اللّه والمهدي فهذه أسماؤه ثلاثتها»(1).

كنيته

أبو القاسم، فهو كجده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الاسم والكنية.

ومن كناه - أيضاً -: أبو جعفر، أبو صالح، أبو عبد اللّه.

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث اللّه فيه رجلاً اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكنى أبا عبد اللّه»(2).

ألقابه

ألقابه كثيرة، منها:

صاحب الزمان، والمهدي، والمنتظر، والقائم، والحجة، والخلف الصالح، والطريد، والشريد، والغريب، والغائب، والمؤمل، والمنصور، وأحمد، والفقيد، والفريد، والوحيد، والطاهر والمطهر.

وكان يلقبه بعض المؤمنين بالغريم، بمعنى الدائن(3)، وبالحضرة، وبالناحية.

عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، قال: «الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي وهو صاحب الزمان وهو المهدي»(4).

ص: 8


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص470، الفصل 8.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص224، الباب الثاني والثلاثون، الفصل الثاني، ح27.
3- الغريم من الأضداد، يأتي بمعنى المديون والدائن.
4- بحار الأنوار: ج51 ص43، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب4 من أبواب ولادته، ح32.

وعن الثمالي، قال: سألت الباقر (صلوات اللّه عليه): يا ابن رسول اللّه، أ لستم كلكم قائمين بالحق؟. قال: «بلى». قلت: فلم سُمِّي القائم قائماً؟. قال: «لما قُتل جدي الحسين (صلى اللّه عليه) ضجت الملائكة إلى اللّه عز وجل بالبكاء والنحيب. وقالوا: إلهنا وسيدنا، أ تغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك!. فأوحى اللّه عز وجل إليهم: قروا ملائكتي. فو عزتي وجلالي، لأنتقمن منهم ولو بعد حين.

ثم كشف اللّه عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام) للملائكة، فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي. فقال اللّه تعالى: بذلك القائم أنتقم منهم»(1).

وروي: إنما سُمِّي المهدي؛ لأنه (عليه السلام) يهدي لأمر خفي(2).

وروي أنه: سُمِّي القائم (عليه السلام) قائماً؛ لأنه يقوم بعد موت ذكره(3).

وفي رواية: سُمِّي القائم؛ لأنه (عليه السلام) يقوم بأمر عظيم(4).

وروي: إنما سُمِّي القائم (عليه السلام) مهدياً؛ لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه. وسُمِّي القائم؛ لقيامه (عليه السلام) بالحق(5).

وسُئل الإمام الجواد (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه، ولِمَ سُمِّي القائم؟. قال: «لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته». فقلت له: ولِمَ سُمِّي

ص: 9


1- دلائل الإمامة: ص451-452، الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) ، معرفة وجوب القائم (عليه السلام) ، ح427/31.
2- علل الشرائع: ج1 ص161،باب 129، ح3.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص436، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص471، الفصل 8.
5- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص464-465، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .

المنتظر؟. قال: «لأن له غيبةً تكثر أيامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكثر فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلِّمون»(1).

وقيل للإمام الحسين (عليه السلام) : أنت صاحب هذا الأمر؟. قال: «لا، ولكن صاحب هذا الأمر الطريد الشريد»(2).

وعن داود بن كثير، قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر؟. قال: «هو الطريد الوحيد الغريب، الغائب عن أهله، الموتور بأبيه»(3).

وفي رواية: «سمَّى اللّه المهدي: المنصور»(4).

وعن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: «الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف».

قلت: ولِمَ جعلني اللّه فداك؟!. فقال: «لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه». قلت: فكيف نذكره؟. فقال: «قولوا: الحجة من آل محمد صلوات اللّه عليه وسلامه»(5).

ص: 10


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص378، الباب36 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح3.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص80، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح122.
3- بحار الأنوار: ج51 ص151، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب7 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح4.
4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص194، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الحادي والأربعون، ح665.
5- كتاب الغيبة للطوسي: ص202، الفصل 1، الكلام على الواقفة.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «لما دخل سلمان (رضي اللّه عنه) الكوفة ونظر إليها، ذكر ما يكون من بلائها، حتى ذكر ملك بني أمية والذين من بعدهم - ثم قال - فإذا كان ذلك، فالزموا أحلاس بيوتكم حتى يظهر الطاهر بن الطاهر المطهر، ذو الغيبة الشريد الطريد»(1).

والده

الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) .

ولم يخلف أبوه ولداً غيره، وخلفه غائباً مستتراً، وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه اللّه فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه اللّه الحكمة كما آتاها يحيى (عليه السلام) صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة، كما جعل عيسى ابن مريم (عليه السلام) في المهد نبياً.

والدته

السيدة نرجس (عليها السلام) ، واسمها الأصلي: مليكة، وهي بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وهي من ذراري شمعون وصي المسيح (عليه السلام) .

وتسمى أيضاً: صقيل، وسوسن، وريحانة، وحكيمة، ومريم.

روي عن بشر بن سليمان النخاس - وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري، وأحد موالي الإمام أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري وجارهما بسر من رأى - قال: كان مولاي أبو الحسن الهادي (عليه السلام) فقهني في علم الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه،

ص: 11


1- بحار الأنوار: ج52 ص126-127، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح19.

وأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام. فأتاني ليلة كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك. فأتيته فقال لي: «يا بشر، إنك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وأني مشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة، بسر أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة». فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي، ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأعطاني مائتين وعشرين ديناراً. فقال: «خذها وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زوارق السبايا، فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس، وشرذمة من فتيان العرب، فأشرف من البعد على عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك، إلى أن تبرز جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من العرض، ولمس المعترض، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق، فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه. فيقول بعض المبتاعين: عليَّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة. فتقول له بالعربية: لو برزت في زي سليمان بن داود، وعلى شبه ملكه، ما بدت فيك رغبة، فاشفق على مالك. فيقول النخاس: فما الحيلة ولابد من بيعك. فتقول الجارية: وما العجلة، لابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، وإلى وفائه وأمانته. فعند ذلك قل له: إن معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف بلغة رومية، ووصف فيه كرمه، ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها».

قال بشر: فامتثلت جميع ما حد لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) ، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت له: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة والمغلظة، إنه متى امتنع عن بيعها منه قتلت نفسها. فما زلت أشاحه في

ص: 12

ثمنها حتى استقر الأمر على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير، فاستوفاه وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا من جبينها، وهي تلثمه وتطبقه على جفنها، وتضعه على خدها، وتمسحه على بدنها. فقلت: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟!.

فقالت: أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين، تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك بالعجب. إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، وأنا بنت ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، ومن أمراء الأجناد وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهي ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر، ورفعه فوق أربعين مرقاة. فلما صعد ابن أخيه، وأحدقت الصلب، وقامت الأساقفة عكفاً، ونشرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعلى، فلصقت بالأرض، وتقوضت أعمدة العرش، وخر الصاعد إلى العرش مغشياً عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدي: اعفنا أيها الملك من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين. فتطير جدي من ذلك تطيراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وأرفعوا الصلبان، وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده؛ لأزوجه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده. ولما فعلوا ذلك، حدث على الثاني مثل ما حدث على الأول، وتفرق الناس، وقام جدي مغتماً. ورأيت في

ص: 13

تلك الليلة، كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين، قد اجتمعوا في قصر جدي، ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علواً، في الموضع الذي كان نصب جدي فيه عرشه، ودخل عليه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وختنه ووصيه، وعدة من أنبيائه. فتقدم المسيح (عليه السلام) إليه فاعتنقه، فيقول له محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا روح اللّه، إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لأبني هذا»، وأوما بيده إلى أبي محمد (عليه السلام) ابن صاحب هذا الكتاب. فنظر المسيح إلى شمعون، وقال له: «أتاك الشرف، فصل رحمك برحم آل محمد». قال: «قد فعلت». فصعد محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذلك المنبر، فخطب وزوَّجني من ابنه، وشهد المسيح، وشهد أبناء محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والحواريون. فلما استيقظت، أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي؛ مخافة القتل، وضرب صدري بمحبة أبي محمد (عليه السلام) ، حتى امتنعت من الطعام والشراب، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي، فلما برح به اليأس. قال: يا قرة عيني، هل تشتهين شيئاً؟. فقلت: يا جدي، لو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين، وتصدقت عليهم، رجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية. ففعل ذلك، فتجلدت في إظهار الصحة، وتناولت يسيراً من الطعام. فسر بذلك، وأقبل على إكرام الأسارى، فأريت أيضاً بعد أربع عشرة ليلة، كأن سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) قد زارتني، ومعها مريم بنت عمران (عليها السلام) ، وألف من وصائف الجنان. فتقول لي مريم: «هذه سيدة النساء، أم زوجكِ أبي محمد». فأتعلق بها وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي. فقالت: «إن ابني لا يزورك وأنت مشركة باللّه، وهذه أختي مريم تبرأ إلى اللّه من دينك. فقولي: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن أبي محمداً رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». فلما قلت ذلك، ضمتني إلى صدرها، وطيبت نفسي، وقالت: «الآن

ص: 14

توقعي زيارة أبي محمد». فلما كان في الليلة القابلة، رأيت أبا محمد وكأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبك. فقال: «ما كان تأخري عنك إلا لشرككِ، وإذ قد أسلمتِ، فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان». فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعتِ في الأسارى؟. فقالت: أخبرني أبو محمد (عليه السلام) ليلة من الليالي، أن جدك سيسير جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، فعليكِ باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم من طريق كذا، ففعلت. فوقعت علينا طلائع المسلمين، فكان من أمري ما رأيت، وما شعر بأني ابنة ملك الروم أحد سواك، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته وقلت: نرجس. فقال: اسم الجواري. قلت: العجب إنكِ رومية ولسانك عربي!. قلت: بلغ من لوع جدي، وحمله إياي على تعلم الآداب، أن أوعز إلى امرأة ترجمان له بالاختلاف إليَّ وتعليمي العربية.

قال بشر: فلما دخلت على مولاي أبي الحسن (عليه السلام) . قال لها: «كيف أراكِ اللّه عز الإسلام، وشرف محمد وأهل بيته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟». قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به مني. قال: «فإني أحب أن أكرمكِ، فأيما أحب إليكِ عشرة آلاف درهم، أم بشرى لك بشرف الأبد؟». قالت: بل الشرف. قال: «فابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملؤ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً». قالت: ممن؟. قال: «ممن خطبكِ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) له، وهل تعرفينه؟». قالت: وهل خلت ليلة لم يزرني فيها، منذ أسلمتُ على يد سيدة النساء (عليها السلام) . فقال: «يا كافور، أدع أختي حكيمة». فلما دخلت، قال لها: «ها هيه». فاعتنقتها طويلاً، وسرت بها. فقال لها أبو الحسن (عليه السلام) : «يا بنت رسول

ص: 15

اللّه، خذيها إلى منزلكِ، وعلميها الفرائض والسنن؛ فإنها زوجة أبي محمد، وأم القائم (عليهما السلام) »(1).

سفراؤه الخاصون

الشيخ عثمان بن سعيد، ثم ابنه الشيخ محمد بن عثمان، ثم الشيخ الحسين بن روح، ثم الشيخ علي بن محمد السمري.

نوابه العامون

هم الفقهاء الجامعون للشرائط.

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : «فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ، مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ، فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا جَمِيعَهُمْ»(2).

نقش خاتمه

روي أن نقش خاتم الإمام المهدي (عليه السلام) هو: «أنا حجة اللّه وخاصته»(3).

ص: 16


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص208-214، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص458، احتجاج أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) في أنواع شتى من علوم الدين.
3- أعيان الشيعة: ج2 ص44، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، نقش خاتمه.

2

الولادة المباركة

اشارة

وُلد الإمام المهدي (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان المعظم، سنة خمس وخمسين ومائتين، في سامراء، أيام المعتمد العباسي، وفي بعض الروايات: كانت ولادته (عليه السلام) يوم الجمعة(1).

قطرة من ماء الجنة

في رواية عن أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام) ، قالا: «إن اللّه عز وجل إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنة في المزن، فتسقط في ثمرة من ثمار الجنة، فيأكلها الحجة في الزمان (عليه السلام) ، فإذا استقرت فيه، فيمضي له أربعون يوماً سمع الصوت، فإذا آنت له أربعة أشهر وقد حمل، كتب على عضده الأيمن: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ}(2). فإذا ولد قام بأمر اللّه، ورفع له عمود من نور في كل مكان، ينظر فيه إلى الخلائق وأعمالهم، وينزل أمر اللّه إليه في ذلك العمود، والعمود نصب عينه، حيث تولى ونظر»(3).

ص: 17


1- الدروس الشرعية في فقه الإمامية - الشهيد الأول: ج2 ص16، كتاب المزار.
2- سورة الأنعام: 115.
3- بحار الأنوار: ج51 ص25، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب ولادته، ضمن ح37.

يا عمة سيولد الحجة هذه الليلة

روي أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعث إلى عمته حكيمة بنت الإمام الجواد (عليها السلام) . فقال: «يا عمة، اجعلي إفطارك الليلة عندنا؛ فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن اللّه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه». فقالت: ومن أُمه؟. قال: «نرجس». قالت له: واللّه - جعلني اللّه فداك - ما بها أثر!. فقال: «هو ما أقول لكِ». قالت: فجئت، فلما سلمت وجلست، جاءت تنزع خفي. وقالت لي: يا سيدتي، كيف أمسيتِ؟. فقلت: بل أنتِ سيدتي وسيدة أهلي. فأنكرت قولي، وقالت: ما هذا يا عمة!. فقلت: يا بنية، إن اللّه سيهب لكِ في ليلتكِ هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة. فجلست واستحيت.

ثم قال لي أبو محمد (عليه السلام) : «إذا كان وقت الفجر يظهر لكِ بها الحبل؛ لأن مثلها مثل أم موسى، لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها؛ لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى، وهذا نظير موسى (عليه السلام) ». قالت حكيمة: فلما فرغت من صلاة العشاء الآخرة، أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلما كان في جوف الليل، قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي، وهي نائمة ليس بها حادث، ثم جلست معقبة، ثم انتبهت وهي راقدة، ثم قامت فصلت، فدخلتني الشكوك. فصاح أبو محمد (عليه السلام) من المجلس: «لا تعجلي يا عمة؛ فإن الأمر قد قرب». فقرأت: ألم السجدة، ويس. فبينما أنا كذلك، إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها، فقلت: اسم اللّه عليكِ - ثم قلت - تحسين شيئاً؟. قالت: نعم. فقلت لها: اجمعي نفسكِ، واجمعي قلبكِ. ثم أخذتني فترة، وأخذتها فترة، فانتبهت بحس سيدي، فكشفت الثوب عنه، فإذا به ساجد يتلقى

ص: 18

الأرض بمساجده، فضممته إليَّ فإذا به نظيف منظف.

فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) : «هلمي إليَّ ابني يا عمة». فجئت به إليه، فوضع يده تحت إليتيه وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه، وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: «تكلم يا بني». فقال: «أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »، ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة، إلى أن وقف على أبيه، ثم أحجم.

فلما أصبحت، جئت لأسلم على أبي محمد، فافتقدت سيدي فلم أره. فقلت: جعلت فداك، ما فعل سيدي؟. فقال: «استودعناه الذي استودعته أم موسى».

فلما كان اليوم السابع جئت. فقال: «هلمي إليَّ ابني». ففعل به كالأول، ثم أدلى لسانه في فيه، كأنه يغذيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: «تكلم يا بني». فقال: «أشهد أن لا إله إلا اللّه - وثنى بالصلاة على محمد، وعلى أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) ، حتى وقف على أبيه - ثم تلا هذه الآية: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(1)»(2).

وفي رواية عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا، قالت: بعث إليَّ أبو محمد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان، وقال: «يا عمة، اجعلي الليلة إفطارك عندي؛ فإن اللّه عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه، خليفتي من بعدي». قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد،

ص: 19


1- سورة القصص: 5-6.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص424-426، الباب42 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.

وأخذت ثيابي عليَّ، وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) ، وهو جالس في صحن داره، وجواريه حوله. فقلت: جعلت فداك يا سيدي، الخلف ممن هو؟!. قال: «من سوسن». فأدرت طرفي فيهن، فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن. قالت حكيمة: فلما أن صليت المغرب والعشاء الآخرة، أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن، وبايتها في بيت واحد، فغفوت غفوةً، ثم استيقظت، فلم أزل مفكرةً فيما وعدني أبو محمد (عليه السلام) من أمر ولي اللّه (عليه السلام) . فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعةً، وخرجت وأسبغت الوضوء، ثم عادت فصلت صلاة الليل، وبلغت إلى الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب، فقمت لأنظر، فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) . فناداني من حجرته: «لا تشكي، وكأنكِ بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء اللّه».

قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد (عليه السلام) ، ومما وقع في قلبي، ورجعت إلى البيت وأنا خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة، وخرجت فزعةً، فلقيتها على باب البيت. فقلت: بأبي أنتِ وأمي، هل تحسين شيئاً؟. قالت: «نعم يا عمة، إني لأجد أمراً شديداً. قلت: لا خوف عليكِ إن شاء اللّه. وأخذت وسادةً فألقيتها في وسط البيت، وأجلستها عليها، وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي، وغمزت غمزةً شديدةً، ثم أنََّت أنَّةً وتشهدت، ونظرت تحتها، فإذا أنا بولي اللّه (صلوات اللّه عليه) متلقياً الأرض بمساجده، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري، وإذا هو نظيف مفروغ منه.

فناداني أبو محمد (عليه السلام) : «يا عمة، هلمي فأتيني بابني». فأتيته به، فتناوله وأخرج لسانه، فمسحه على عينيه ففتحها، ثم أدخله في فيه فحنكه، ثم أدخله في أذنيه،

ص: 20

وأجلسه في راحته اليسرى، فاستوى ولي اللّه جالساً، فمسح يده على رأسه. وقال له: يا بني، انطق بقدرة اللّه». فاستعاذ ولي اللّه (عليه السلام) من الشيطان الرجيم، واستفتح: بسم اللّه الرحمن الرحيم {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(1)، وصلّى على رسول اللّه، وعلى أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) واحداً واحداً، حتى انتهى إلى أبيه. فناولنيه أبو محمد (عليه السلام) وقال: «يا عمة، رديه إلى أمه حتى {تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ}(2)، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(3). فرددته إلى أُمه، وقد انفجر الفجر الثاني، فصليت الفريضة، وعقبت إلى أن طلعت الشمس، ثم ودعت أبا محمد (عليه السلام) ، وانصرفت إلى منزلي.

فلما كان بعد ثلاث اشتقت إلى ولي اللّه، فصرت إليهم، فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها، فلم أرَ أثراً، ولا سمعت ذكراً. فكرهت أن أسأل، فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) ، فاستحييت أن أبدأه بالسؤال فبدأني. فقال: «يا عمة، في كنف اللّه وحرزه وستره وعينه، حتى يأذن اللّه له، فإذا غيَّب اللّه شخصي وتوفاني، ورأيتِ شيعتي قد اختلفوا، فأخبري الثقات منهم، وليكن عندك وعندهم مكتوماً؛ فإن ولي اللّه يُغيِّبه اللّه عن خلقه، ويحجبه عن عباده، فلا يراه أحد حتى يقدِّم له جبرئيل (عليه السلام) فرسه، {لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}(4)»(5).

ص: 21


1- سورة القصص: 5-6.
2- سورة القصص: 13.
3- سورة الأعراف: 187 ومواضع آخرى من القرآن.
4- سورة الأنفال: 42 و44.
5- كتاب الغيبة للطوسي: ص234-237، الفصل 2.

الملائكة تتبرك به

روي عن جارية للإمام العسكري (عليه السلام) ، أنه لما ولد الإمام المهدي (عليه السلام) ، رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه، وبلغ أفق السماء، ورأت طيوراً بيضاً تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير. تقول: فأخبرنا أبا محمد (عليه السلام) بذلك فضحك، ثم قال: «تلك ملائكة السماء نزلت؛ للتبرك به، وهي أنصاره إذا خرج»(1).

قصة الولادة الشريفة

عن محمد بن عبد اللّه الطهوي، قال: قصدت حكيمة بنت محمد (عليه السلام) بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) ، أسألها عن الحجة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي فيها. فقالت لي: اجلس. فجلست، ثم قالت لي: يا محمد، إن اللّه تبارك وتعالى لا يخلِّي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين؛ تفضيلاً للحسن والحسين (عليهما السلام) ، وتمييزاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلا أن اللّه تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن، كما خص ولد هارون على ولد موسى، وإن كان موسى حجةً على هارون، والفضل لولده إلى يوم القيامة، ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون، ويخلص فيها المحقون، كي لا يكون للخلق على اللّه حجة، وإن الحيرة لابد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن (عليه السلام) . فقلت: يا مولاتي، هل كان للحسن (عليه السلام) ولد؟. فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن (عليه السلام) عقب، فمن الحجة من بعده!، وقد

ص: 22


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص296، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح36.

أخبرتك أن الإمامة لا تكون لأخوين بعد الحسن والحسين (عليه السلام) .

فقلت: يا سيدتي، حدثيني بولادة مولاي وغيبته (عليه السلام) ؟. قال: قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها: نرجس. فزارني ابن أخي (عليه السلام) ، وأقبل يحد النظر إليها. فقلت له: يا سيدي، لعلك هويتها فأرسلها إليك؟!. فقال: «لا يا عمة، لكني أتعجب منها». فقلت: وما أعجبك؟. فقال (عليه السلام) : «سيخرج منها ولد كريم على اللّه عز وجل، الذي يملأ اللّه به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً». فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟. فقال: «استأذني في ذلك أبي».

قالت: فلبست ثيابي، وأتيت منزل أبي الحسن، فسلَّمت وجلست. فبدأني (عليه السلام) وقال: «يا حكيمة، ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمد». قالت: فقلت: يا سيدي، على هذا قصدتك، أن أستأذنك في ذلك. فقال: «يا مباركة، إن اللّه تبارك وتعالى أحب أن يشرككِ في الأجر، ويجعل لكِ في الخير نصيباً». قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي، وزينتها ووهبتها لأبي محمد، وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياماً، ثم مضى إلى والده، ووجهت بها معه. قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن (عليه السلام) ، وجلس أبو محمد (عليه السلام) مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده. فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي، وقالت: يا مولاتي، ناولني خفكِ. فقلت: بل أنتِ سيدتي ومولاتي، واللّهِ لا دفعت إليكِ خفي لتخلعيه، ولا خدمتيني بل أخدمكِ على بصري، فسمع أبو محمد (عليه السلام) ذلك. فقال: «جزاكِ اللّه خيراً يا عمة». فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس، فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف. فقال (عليه السلام) : «يا عمتاه، بيتي الليلة عندنا؛ فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على اللّه عز وجل، الذي يحيي اللّه عز وجل به الأرض بعد موتها».

ص: 23

قلت: ممن يا سيدي! ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحمل. فقال: «من نرجس لا من غيرها». قالت: فوثبت إلى نرجس، فقلبتها ظهراً لبطن، فلم أر بها أثراً من حبل. فعدت إليه فأخبرته بما فعلت،

فتبسم ثم قال لي: «إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل؛ لأن مثلها مثل أم موسى، لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها؛ لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى، وهذا نظير موسى (عليه السلام) ». قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر، وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب، حتى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر، وثبت فزعةً فضممتها إلى صدري، وسمَّيت عليها. فصاح أبو محمد (عليه السلام) ، وقال: «اقرئي عليها {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ}(1)». فأقبلت أقرأ عليها، وقلت لها: ما حالكِ؟. قالت: ظهر الأمر الذي أخبركِ به مولاي. فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها، يقرأ كما أقرأ وسلَّم عليَّ.

قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) : «لا تعجبي من أمر اللّه عز وجل؛ إن اللّه تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجةً في أرضه كباراً».

فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس فلم أرها، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمد (عليه السلام) وأنا صارخة. فقال لي: «ارجعي يا عمة؛ فإنكِ ستجديها في مكانها». قالت: فرجعت، فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا أنا بالصبي (عليه السلام)

ص: 24


1- أي سورة القدر.

ساجداً على وجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابتيه نحو السماء، وهو يقول:

«أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، وأن جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأن أبي أمير المؤمنين - ثم عد إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه، فقال (عليه السلام) - اللّهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، وثبت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً».

فصاح أبو محمد الحسن (عليه السلام) فقال: «يا عمة، تناوليه فهاتيه». فتناولته وأتيت به نحوه، فلما مثلت بين يدي أبيه، وهو على يديَّ سلَّم على أبيه، فتناوله الحسن (عليه السلام) ، والطير ترفرف على رأسه، فصاح بطير منها، فقال له: «احمله واحفظه، ورده إلينا في كل أربعين يوماً». فتناوله الطائر وطار به في جو السماء، وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمد يقول: «أستودعك الذي استودعته أم موسى».

فبكت نرجس، فقال لها: «اسكتي؛ فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديكِ، وسيعاد إليكِ كما رد موسى إلى أمه، وذلك قوله عز وجل: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ}(1)».

قالت حكيمة: فقلت: وما هذا الطير؟!. قال: «هذا روح القدس الموكل بالأئمة (عليهم السلام) ، يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم». قالت حكيمة: فلما أن كان بعد أربعين يوماً رد الغلام، ووجه إليَّ ابن أخي (عليه السلام) فدعاني. فدخلت عليه، فإذا أنا بصبي متحرك يمشي بين يديه. فقلت: سيدي، هذا ابن سنتين!. فتبسم (عليه السلام) ، ثم قال: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمةً ينشئون بخلاف ما ينشأ

ص: 25


1- سورة القصص: 13.

غيرهم، وإن الصبي منا إذا أتى عليه شهر، كان كمن يأتي عليه سنة. وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه، ويقرأ القرآن، ويعبد ربه عز وجل، وعند الرضاع تطيعه الملائكة، وتنزل عليه كل صباح ومساء».

قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يوماً، إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمد (عليه السلام) بأيّام قلائل، فلم أعرفه. فقلت لأبي محمد (عليه السلام) : من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟!. فقال: «ابن نرجس، وهو خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني، فاسمعي له وأطيعي».

قالت حكيمة: فمضى أبو محمد (عليه السلام) بأيام قلائل، وافترق الناس كما ترى. وواللّهِ، إني لأراه صباحاً ومساءً، وإنه لينبئني عما تسألوني عنه فأخبركم. وواللّهِ، إني لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، وإنه ليرد عليَّ الأمر، فيخرج إليَّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليَّ، وأمرني أن أخبرك بالحق. قال محمد بن عبد اللّه: فو اللّهِ، لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا اللّه عز وجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من اللّه عز وجل، وأن اللّه عز وجل قد اطلعه على ما لم يطلع عليه أحداً من خلقه»(1).

وُلِد الحجة

عن الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال: جاءني يوماً. فقال لي: البشارة، وُلِدَ البارحة في الدار مولود لأبي محمد (عليه السلام) ، وأمر بكتمانه. قلت: وما

ص: 26


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص426-432، الباب42 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح2.

اسمه؟. قال: سُمِّي بمحمد وكُنِّي بجعفر(1).

وُلد المولود

عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي، قال: لما وُلِدَ الخلف الصالح (عليه السلام) ، ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي على جدي أحمد بن إسحاق كتاب، وإذا فيه مكتوب بخط يده (عليه السلام) - الذي كان يرد به التوقيعات عليه -: «وُلِدَ المولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً؛ فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته، والمولى لولايته، أحببنا إعلامك؛ ليسرك اللّه به كما سرنا، والسلام»(2).

العقيقة والإطعام

عن إبراهيم صاحب أبي محمد (عليه السلام) ، أنه قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو الحسن (عليه السلام) بأربعة أكبش، وكتب إليَّ: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، عقَّ هذه عن ابني محمد المهدي، وكل هنأك اللّه، وأطعم من وجدت من شيعتنا»(3).

وعن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: حدثني محمد بن إبراهيم الكوفي، أن أبا محمد العسكري (عليه السلام) بعث إلى بعض من سمَّاه لي بشاة مذبوحة، قال: «هذه من عقيقة ابني محمد»(4).

ص: 27


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص100، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح198.
2- بحار الأنوار: ج51 ص16، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب ولادته، ح21.
3- بحار الأنوار: ج51 ص28، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب ولادته، ضمن ح37.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص432، الباب42 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح10.

وروي: أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في ولادة ولده المهدي (عليه السلام) ، أمر أن يُشترى عشرة آلاف رطل خبزاً، وعشرة آلاف رطل لحماً ويفرق، وعق عنه بكذا وكذا شاة(1).

وعن أبي جعفر العَمْري، قال: لما ولد السيد (عليه السلام) . قال أبو محمد (عليه السلام) : «ابعثوا إلى أبي عمرو». فبعث إليه فصار إليه، فقال: «اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً، وعشرة آلاف رطل لحماً، وفرّقه - أحسبه قال: على بني هاشم - وعق عنه بكذا وكذا شاة»(2).

وقد عرف بعض الشيعة بولادة الإمام، فكانوا يدخلون على الإمام العسكري (عليه السلام) ويهنئونه بمولوده الشريف. عن الحسن بن الحسين العلوي، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسر من رأى، فهنأته بولادة ابنه القائم (عليه السلام) (3). وفي رواية: فهنأته بسيدنا صاحب الزمان (عليه السلام) لما وُلِد(4).

صفاته الخَلقية

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - في وصف الإمام المهدي (عليه السلام) -: «إنه يشبه نبيكم في الخَلق والخُلُق، على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري»(5).

ص: 28


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص100، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح194.
2- بحار الأنوار: ج51 ص5، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب ولادته، ح9.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص434، ذكر من هنأ أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بولادة ابنه القائم (عليه السلام) ، ح1.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص230، الفصل 2.
5- أعيان الشيعة: ج2 ص44، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، صفته في خلقه وحليته.

وفي الروايات: «وجهه كوكب دري، وفي خده الأيمن خال أسود، وإنه أفرق الثنايا وأجلى الجبهة»(1).

وفي بعض الروايات: «أجلى الجبين»(2). أي عالي الجبهة، والمنحسر شعره عن جبهته.

وروي أنه (عليه السلام) : «شاب مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، أفلج الثنايا، يسيل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه»(3).

و عن الإمام الباقر (عليه السلام) : «مشوب حمرة، غائر العينين، مشرف الحاجبين، عريض ما بين المنكبين»(4).

وقيل: «إنه شاب أكحل العينين، أزج الحاجبين، أقنى الأنف، كث اللحية، على خده الأيمن خال، وعلى يده اليمنى خال»(5).

ويظهر من بعض الروايات أنه (عليه السلام) عند ما يظهر بإذن اللّه يكون شيخ السن، شاب المنظر، يحسبه الناظر ابن أربعين سنة أو دونها.

ص: 29


1- أعيان الشيعة: ج2 ص44، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، صفته في خلقه وحليته.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص215، الباب 13، ح2.
3- أعيان الشيعة: ج2 ص44، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، صفته في خلقه وحليته.
4- أعيان الشيعة: ج2 ص44، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، صفته في خلقه وحليته.
5- أعيان الشيعة: ج2 ص44، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، صفته في خلقه وحليته.

وفي رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض مشرب حمرةً، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . له اسمان: اسم يخفى، واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد»(1).

وفي رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: «هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء»(2).

وعن حمران، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك،... سألتك بقرابتك من رسول اللّه أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟. قال: «لا». قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي؟. فقال: «ذاك المشرب حمرةً، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر رحم اللّه موسى»(3).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدري»(4).

وعن حذيفة، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي رجل من ولدي، لونه لون عربي، وجسمه جسم إسرائيلي، على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري، يملأ

ص: 30


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص465، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الرابع، الفصل الرابع.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص382، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في بيان صفة الإمام المهدي (عليه السلام) وحليته.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص215، الباب 13، ح3.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص469، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) ، الثامن في صفة وجه المهدي.

الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى في خلافته أهل الأرض، وأهل السماء، والطير في الجو»(1).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي منا، أجلى الجبين، أقنى الأنف»(2).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أنه قال: «المهدي منا أهل البيت، رجل من أمتي أشم الأنف، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»(3).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي (عليه السلام) من ولدي ابن أربعين سنةً، كأن وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطريتان، كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك»(4).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ليبعثن اللّه من عترتي رجلاً أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلاً، يفيض المال فيضاً»(5).

وعن علي بن مهزيار - عند تشرفه في قصة مفصلة رواها العلامة المجلسي (رحمه اللّه) - قال: «لمحته، فرأيت وجهاً مثل فلقة قمر، لا بالخرق ولا بالنزق، ولا بالطويل

ص: 31


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص469، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) ، التاسع في صفة لونه وجسمه.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص223، الباب الثاني والثلاثون، الفصل الثاني، ح17.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص469-470، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) ، الحادي عشر في صفة أنفه.
4- بحار الأنوار: ج51 ص80، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح37.
5- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص223-224، الباب الثاني والثلاثون، الفصل الثاني، ح20.

الشامخ، ولا بالقصير اللاصق، ممدود القامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أدعج العينين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خده الأيمن خال، فلما أنا بصرت به حار عقلي في نعته وصفته»(1).

إقرار العامة بولادته

هذا وقد أقر العديد من علماء العامة بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) : قال ابن خلكان في «تاريخه»: (هو ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم أمه خمط، وقيل: نرجس)(2).

وذكر ابن الأزرق في «تاريخ ميافارقين»: (أن الحجة المذكور وُلِدَ تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل: في ثامن شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصح. وإنه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين، وقيل: خمس سنين، وقيل: إنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين، وعمره سبع عشرة سنة، واللّه أعلم)(3).

وقال ابن حجر في «الصواعق المحرمة»: (أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن أتاه اللّه فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر)(4).

ص: 32


1- بحار الأنوار: ج52 ص45، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح32.
2- وفيات الأعيان لابن خلكان: ج4 ص176، ترجمة رقم 562 أبو القاسم المنتظر.
3- وفيات الأعيان لابن خلكان: ج4 ص176، ترجمة رقم 562 أبو القاسم المنتظر.
4- الصواعق المحرقة لابن حجر: ص208، الباب الحادي عشر، الفصل الثالث.

وقال القندوزي في «ينابيع المودة»: (فالخبر المعلوم المحقق عند الثقات، أن ولادة القائم (عليه السلام) كانت ليلة الخامس عشر من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، في بلدة سامراء، عند القران الأصغر الذي كان في القوس، وهو رابع القران الأكبر الذي كان في القوس، وكان الطالع الدرجة الخامسة والعشرين من السرطان)(1).

وذكر محمد خواجة بارساي البخاري في «فصل الخطاب»: (ويروى أن حكيمة بنت محمد الجواد كانت عمة أبي محمد الحسن العسكري (رضي اللّه عنهما) تحبه، وتدعو له، وتتضرع إلى اللّه تعالى أن يرى ولده. فلما كانت ليلة النصف من شعبان، سنة خامس وخمسين ومائتين، دخلت حكيمة عند الحسن. فقال لها: «يا عمتي، كوني الليلة عندنا لأمر». فأقامت، فلما كان وقت الفجر اضطربت نرجس، فقامت إليها حكيمة، فوضعت المولود المبارك، فلما رأته حكيمة أتت به الحسن (رضي اللّه عنهم) وهو مختون. فأخذه ومسح بيده على ظهره وعينيه، وأدخل لسانه في فيه، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في الأخرى. ثم قال: «يا عمة، اذهبي به إلى أُمه». فردته إلى أُمه، قالت حكيمة: ثم جئت من بيتي إلى أبي محمد الحسن، فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر، وعليه من البهاء والنور، أخذ حبه مجامع قلبي. فقلت: يا سيدي، هل عندك من علم في هذا المولود المبارك؟. فقال: «يا عمة، هذا المنتظر الذي بشرنا به». فخررت لله ساجدة شكراً على ذلك، ثم كنت أتردد إلى الحسن فلا أرى المولود. فقلت: يا مولاي، ما فعل سيدنا المنتظر؟. قال: «استودعناه اللّه الذي استودعته أم موسى (عليهما السلام) ابنها».

ص: 33


1- ينابيع المودة لذوي القربى: ج3 ص306، الباب التاسع والسبعون.

وقالوا: آتاه اللّه تبارك وتعالى الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، كما قال: {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(1)، وقال تعالى: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}(2)، وطوَّل اللّه تبارك وتعالى عمره كما طوَّل عمر الخضر وإلياس (عليهما السلام) )(3).

وذكر كمال الدين محمد بن طلحة الشامي الشافعي في «مطالب السؤول»، قال: (الإمام أبي القاسم المهدي (عليه السلام) ، محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى بن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر، عليهم السلام ورحمة اللّه وبركاته) إلى أن قال: (فأما مولده فبسر من رأى في ثالث وعشرين شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة)(4).

وذكر علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ في «الفصول المهمة»، قال: (وُلِدَ أبو القاسم محمد بن الحسن الخالص بسر من رأى، ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة)(5).

وذكر الشيخ شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي الحنفي في «الشذورات الذهبية» في تراجم الأئمة الاثني عشرية، قال: (ثاني عشرهم ابنه - أي

ص: 34


1- سورة مريم: 12.
2- سورة مريم: 29.
3- ينابيع المودة لذوي القربى: ج3 ص171-172، الباب الخامس والستون.
4- مطالب السؤول مناقب آل الرسول: ص480، الباب الثاني عشر.
5- الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ص1102، الفصل الثاني عشر.

العسكري (عليه السلام) - محمد بن الحسن، وهو أبو القاسم محمد بن الحسن بن علي الهادي إلى آخر الأئمة الاثني عشرية، وكانت ولادته (رضي اللّه عنه) يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره (رضي اللّه عنهما) كان عمره خمس سنين)(1).

وذكر الشيخ عثمان العثماني في «تاريخ الإسلام والرجال»، قال: (الثاني عشر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضي، يكنى أبا القاسم، وتلقبه الإمامية بالحجة والقائم والمنتظر وصاحب الزمان - إلى أن قال - وُلِدَ في سر من رأى في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين)(2).

وذكر الحمزواي في «مشارق الأنوار»، قال: (قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر: المهدي من ولد الإمام الحسن العسكري، ومولده ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين. وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام) )(3).

وذكر عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر باعلوي مفتي الديار الحضرمية في كتابه «بغية المسترشدين»، قال: (نقل السيوطي عن شيخه العراقي، أن المهدي ولد سنة 255، قال: ووافقه الشيخ علي الخواص، فيكون عمره في وقتنا سنة

ص: 35


1- شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل - السيد المرعشي: ج13 ص88، المهدي (عليه السلام) ، تاريخ ولادته (عليه السلام) .
2- شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل - السيد المرعشي: ج13 ص92، المهدي (عليه السلام) ، تاريخ ولادته (عليه السلام) .
3- شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل - السيد المرعشي: ج13 ص92، المهدي (عليه السلام) ، تاريخ ولادته (عليه السلام) .

958، 703 سنة)(1).

وذكر الشيخ عبد اللّه بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي المصري في كتابه «الإتحاف بحب الأشراف»، قال: (وُلِدَ الإمام محمد الحجة ابن الإمام الحسن الخالص (رضي اللّه عنه) بسر من رأى، ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، قبل موت أبيه بخمس سنين، وكان أبوه قد أخفاه حين وُلِد، وستر أمره لصعوبة الوقت، وخوفه من الخلفاء؛ فإنهم كانوا في ذلك الوقت يتطلبون الهاشميين، ويقصدونهم بالحبس والقتل ويريدون إعدامهم)(2).

وذكر البدخشي في «مفتاح النجا»، قال: (وأما عمره؛ فإنه خاف على نفسه في زمن المعتمد، فاختفى في سنة خمس وستين ومائتين. قيل: بل اختفى حين مات أبوه، وقال بعضهم: اختفى حين وُلِد، ولم يسمع بمولده إلا خاصة أبيه، ولم يزل مختفياً حياً باقياً حتى يُؤمر بالخروج، فيخرج ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. ولا استحالة في طول حياته؛ فإنه قد عمَّر كثير من الناس حتى جاوزوا الألف كنوح، ولقمان، والخضر، سلام اللّه على نبينا وعليهم)(3).

وذكر نور الدين عبد الرحمن الدشتي الجامي الحنفي في «شواهد النبوة»، قال:

(روي عن حكيمة - عمة أبي محمد الزكي (عليه السلام) - أنها قالت: كنت يوماً عند أبي

ص: 36


1- شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل - السيد المرعشي: ج13 ص92، المهدي (عليه السلام) ، تاريخ ولادته (عليه السلام) .
2- شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل - السيد المرعشي: ج13 ص93، المهدي (عليه السلام) ، تاريخ ولادته (عليه السلام) .
3- شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل - السيد المرعشي: ج13 ص95، المهدي (عليه السلام) .

محمد (عليه السلام) . فقال: «يا عمة، باتي الليلة عندنا؛ فإن اللّه تعالى يعطينا خلفاً». فقلت: يا ولدي ممن؛ فإني لا أرى في نرجس أثر حمل أبداً. فقال: «يا عمة، مثل نرجس مثل أم موسى، لا يظهر حملها إلا في وقت الولادة». فبت عنده، فلما انتصف الليل، قمت فتهجدت، وقامت نرجس وتهجدت، وقلت في نفسي: قرب الفجر ولم يظهر ما قاله أبو محمد (عليه السلام) . فنادى أبو محمد (عليه السلام) من مقامه: «لا تعجلي يا عمة». فرجعت إلى بيت كانت فيه نرجس، فرأيتها وهي ترتعد، فضممتها إلى صدري، وقرأت عليها: {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ}(1)، و{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}(2)، وآية الكرسي(3). فسمعت صوتاً من بطنها يقرأ ما قرأت، ثم أضاء البيت، فرأيت الولد على الأرض ساجداً فأخذته. فناداني أبو محمد من حجرته: «يا عمة، ائتني بولدي». فأتيته به، فأجلسه في حجره، ووضع لسانه في فمه، وقال: «تكلم يا ولدي بإذن اللّه تعالى». فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}(4)(5).

ص: 37


1- أي سورة الإخلاص.
2- أي سورة القدر.
3- سورة البقرة: 255.
4- سورة القصص: 5.
5- شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل - السيد المرعشي: ج13 ص95-96، المهدي (عليه السلام) ، تاريخ ولادته (عليه السلام) .

3

النصوص المهدوية

اشارة

روايات الفريقين متواترة في النص على الإمام المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، وهي مروية عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسائر المعصومين (عليهم السلام) .

قال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) : (وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من نبي الهدى (عليه السلام) ، ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ونص عليه الأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد إلى أبيه الحسن (عليه السلام) ، ونص أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته، وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده وبدولته مستفيضاً قبل غيبته)(1).

عن معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح، ومحمد بن عثمان العمري (رضوان اللّه عليه)، قالوا: (عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ابنه ونحن في منزله، وكنا أربعين رجلاً. فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا. أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا». قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد (عليه السلام) )(2).

ص: 38


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص339-340، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في النص على إمامة الحجة بن الحسن المهدي (عليه السلام) .
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص435، الباب43 ح2.

أحاديث قدسية

عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما عرج بي إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل جلاله: يا محمد، أنت عبدي وأنا ربك، فلي فاخضع، وإياي فاعبد، وعليَّ فتوكل، وبي فثق؛ فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً، وبأخيك علي خليفةً وباباً، فهو حجتي على عبادي، وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني، وتحفظ حدودي، وتنفذ أحكامي، وبك وبه بالأئمة من ولدك أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي، وتهليلي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي، وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، به أحيي بلادي وعبادي بعلمي، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري، وإعلان ديني، ذلك وليي حقاً، ومهدي عبادي صدقاً»(1).

وعن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما عرج بي ربي جلَّ جلاله. أتاني النداء: يا محمد. قلت: لبيك رب العظمة لبيك. فأوحى اللّه عز وجل إليَّ: يا محمد،... وأعطيتك أن أخرج من صلبه - أي صلب علي (عليه السلام) - أحد عشر مهدياً، كلهم من ذريتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى ابن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، أنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة، وأبرئ به الأعمى، وأشفي به المريض. فقلت: إلهي وسيدي، متى

ص: 39


1- الأمالي للصدوق: ص631-632، المجلس الثاني والتسعون، ح4.

يكون ذلك؟. فأوحى اللّه عز وجل: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر القتل، وقل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتخذ أمتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أمتك به، ونهى عن المعروف، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصار الأمراء كفرةً، وأولياؤهم فجرةً، وأعوانهم ظلمةً، وذوو الرأي منهم فسقةً، وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي، وظهور الدجال، يخرج من المشرق من سجستان، وظهور السفياني»(1).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لما كان من أمر الحسين بن علي (عليه السلام) ما كان، ضجت الملائكة إلى اللّه تعالى، وقالت: يا رب، يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك!. - قال: - فأقام اللّه لهم ظل القائم (عليه السلام) وقال: بهذا أنتقم له من ظالميه»(2).

وروي أنه: «نظر موسى بن عمران (عليه السلام) في السفر الأول بما يعطى قائم آل محمد. قال موسى: رب اجعلني قائم آل محمد. فقيل له: إن ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني، فوجد فيه مثل ذلك. فقال مثله، فقيل له مثل ذلك. ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله، فقيل له مثله»(3).

وفي خبر اللوح: «ثم أكمل ذلك بابنه رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى،

ص: 40


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص250-252، الباب23 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.
2- الأمالي للطوسي: ص418، المجلس الرابع عشر، ح941/89.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص240، الباب 13، ح34.

وبهاء عيسى، وصبر أيوب، ستذل أوليائي في زمانه، ويتهادون رءوسهم كما تهادى رءوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض من دمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع عنهم الآصار والأغلال، {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(1)»(2).

وفي الإنجيل - غير المحرف - قال تعالى لعيسى: «أرفعك إليَّ ثم أهبطك في آخر الزمان؛ لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجال. أهبطك في وقت الصلاة؛ لتصلي معهم، إنهم أمة مرحومة»(3).

وعن الهروي، عن الرضا (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما عُرج بي إلى السماء نوديت: يا محمد. فقلت: لبيك ربي وسعديك، تباركت وتعاليت. فنوديت: يا محمد، أنت عبدي وأنا ربك، فإياي فاعبد، وعليَّ فتوكّل؛ فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي. فقلت: يا رب، ومن أوصيائي؟. فنوديت: يا محمد، أوصياؤك المكتوبون إلى ساق عرشي. فنظرت - وأنا بين يدي ربي جلَّ جلاله - إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كل نور سطر أخضر، عليه

ص: 41


1- سورة البقرة: 157.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص310-311، الباب28 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.
3- الأمالي للصدوق: ص272-273، المجلس السادس والأربعون، ح8.

اسم وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتي. فقلت: يا رب، هؤلاء أوصيائي بعدي؟. فنوديت: يا محمد، هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي، وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك، وخير خلقي بعدك. وعزتي وجلالي، لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي، حتى يعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة»(1).

وعن محمد بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، عن أبيه (عليه السلام) - في حديث اللوح -: «محمد يخرج في آخر الزمان، على رأسه غمامة بيضاء، تظله من الشمس، تنادي بلسان فصيح، يسمعه الثقلين والخافقين: هو المهدي من آل محمد، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»(2).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «لما أُسري بي أوحى إليَّ ربي جلَّ جلاله - وساق الحديث إلى أن قال - فرفعت رأسي، فإذا أنا بأنوار: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن، القائم في وسطهم كأنه كوكب دري. قلت: يا رب، من هؤلاء؟. قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم الذي يحل حلالي، ويحرم حرامي،

ص: 42


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص264، الباب 26، ح22.
2- بحار الأنوار: ج52 ص378، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب23 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح183.

وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشد من فتنة العجل والسامري»(1).

وروي أنه في صحف إدريس النبي (عليه السلام) - عند ذكر سؤال إبليس وجواب اللّه له - قال: «ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال: لا، ولكنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم؛ فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي، وانتخبت لذلك الوقت عباداً لي، امتحنت قلوبهم للإيمان، وحشوتها بالورع والإخلاص، واليقين والتقوى، والخشوع والصدق، والحلم والصبر، والوقار والتقى، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عندي، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر، وأستخلفهم في الأرض، وأمكن لهم دينهم الذي ارتضيته لهم، ثم يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، يقيمون الصلاة لوقتها، ويؤتون الزكاة لحينها، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وألقي في تلك الزمان الأمانة على الأرض، فلا يضر شيء شيئاً، ولا يخاف شيء من شيء، ثم تكون الهوام والمواشي بين الناس، فلا يؤذي بعضهم بعضاً، وأنزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها، وأذهب سم كل ما يلدغ، وأنزل بركات من السماء والأرض، وتزهر الأرض بحسن نباتها، وتخرج كل ثمارها، وأنواع طيبها، وألقي الرأفة والرحمة بينهم، فيتواسون ويقتسمون بالسوية، فيستغني الفقير، ولا يعلو بعضهم بعضاً، ويرحم الكبير الصغير، ويوقر الصغير الكبير، ويدينون بالحق وبه يعدلون ويحكمون، أولئك أوليائي، اخترت لهم نبياً مصطفى، وأميناً مرتضى،

ص: 43


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص58، الباب 6، ح27.

فجعلته لهم نبياً ورسولاً، وجعلتهم له أولياء وأنصاراً، تلك أمة اخترتها لنبيي المصطفى، وأميني المرتضى، ذلك وقت حجبته في علم غيبي، ولابد أنه واقع، ليبيدك يومئذٍ، وخيلك ورجلك وجنودك أجمعين، فاذهب فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم»(1).

روايات نبوية

عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي، يقال له: المهدي»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم، الذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها»(3).

وعن أم سلمة، قالت: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»(4).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: رسول اللّه، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والمهدي (عليه السلام) »(5).

ص: 44


1- سعد السعود: ص34-35، الباب الأول، فيما نذكره من صحائف إدريس (عليه السلام) ، فصل في خلق الجن وإبليس.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص182، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
3- الأمالي للصدوق: ص111، المجلس الثالث والعشرون، ح9.
4- تفسير نور الثقلين: ج3 ص465، سورة الأنبياء: الآيات 104 إلى 112، ح195.
5- الأمالي للصدوق: ص475-476، المجلس الثاني والسبعون، ح15.

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني»(1).

وعن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي اثنا عشر، أولهم أخي وآخرهم ولدي.

وقيل: يا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن أخوك؟.

قال: «علي بن أبي طالب».

قيل: فمن ولدك؟.

قال: «المهدي يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) : «يا بنية، إنا أُعطينا أهل البيت سبعاً لم يعطها أحد قبلنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوكِ، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلكِ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيكِ حمزة، ومنا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة وهو ابن عمكِ جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناكِ الحسن والحسين، ومنا - واللّهِ الذي لا إله إلا هو - مهدي هذه الأمة، الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم». ثم ضرب بيده على منكب الحسين (عليه السلام) ، فقال: «من هذا» ثلاثاً(3).

وعن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي طاوس أهل الجنة»(4).

وروي: أنه دفع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ففتح

ص: 45


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص412، الباب39 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح8.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج2 ص83-84، الباب التاسع، الفصل السادس، ح230.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص191، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص481، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب الثامن.

اللّه عليه، ثم ذكر نصبه (عليه السلام) يوم الغدير، وبعض ما ذكر فيه من فضائله (عليه السلام) ، إلى أن قال: ثم بكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقيل: مم بكاؤك يا رسول اللّه؟!.

قال: «أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه، ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده. وأخبرني جبرئيل (عليه السلام) عن اللّه عز وجل أن ذلك يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأُمة على محبتهم، وكان الشانئ لهم قليلاً، والكاره لهم ذليلاً، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغير البلاد، وضعف العباد، والإياس من الفرج، وعند ذلك يظهر القائم فيهم»(1).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا، وذلك حين يأذن اللّه عز وجل له، ومن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك. اللّه، اللّه عباد اللّه، فأتوه ولو على الثلج؛ فإنه خليفة اللّه عز وجل وخليفتي»(2).

وعن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي يخرج في آخر الزمان»(3).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل، من أطاعه أطاعني، ومن عصاه عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني»(4).

ص: 46


1- الأمالي للطوسي: ص351، المجلس الثاني عشر، ح726/66.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص59-60، الباب 31، ح230.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص120، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الثاني عشر، ح290.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص411، الباب39 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح6.

وعن جابر الأنصاري، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب، يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(1).

وعن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) في مرضه: «والذي نفسي بيده لابد لهذه الأمة من مهدي، وهو واللّه من ولدكِ»(2).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمتي رجل من ولد الحسين (عليه السلام) ، يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً»(3).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أنه قال لعلي (عليه السلام) : «أ لا أبشرك، أ لا أخبرك. قال: بلى يا رسول اللّه. فقال: كان عندي جبرائيل (عليه السلام) آنفاً، وأخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً من ذريتك، من ولد الحسين»(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «خرج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم، وهو مستبشر يضحك سروراً. فقال له الناس: أضحك اللّه سنك يا رسول اللّه، وزادك سروراً. فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من اللّه، أ لا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، إن جبرئيل (عليه السلام)

ص: 47


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص424، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
2- الأمالي للطوسي: ص155، المجلس السادس، ح256/8.
3- دلائل الإمامة: ص453، الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) ، معرفة وجوب القائم (عليه السلام) ، ح429/33.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص247، الباب 14، ح1.

أتاني فأقرأني من ربي السلام، وقال: يا محمد، إن اللّه عز وجل اختار من بني هاشم سبعةً، لم يخلق مثلهم فيمن مضى، ولا يخلق مثلهم فيمن بقي: أنت يا رسول اللّه سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين، والحسن والحسين سبطاك سيدا الأسباط، وحمزة عمك سيد الشهداء، وجعفر ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء، ومنكم القائم يصلي عيسى ابن مريم خلفه إذا أهبطه اللّه إلى الأرض، من ذرية علي وفاطمة، ومن ولد الحسين (عليه السلام) »(1).

ثم إن الوارد عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قوله: «اسمه اسمي»، أما ما ذكره بعض العامة: (واسم أبيه اسم أبي)، فهو زائد وتحريف، وقد أقر بذلك علماؤهم.

قال الكنجي: (وقد ذكر الترمذي الحديث في جامعه، ولم يذكر (واسم أبيه اسم أبي) وذكره أبو داود، وفي معظم روايات الحفاظ والثقات من نقلة الأخبار: «اسمه اسمي» فقط، والذي روى (واسم أبيه اسم أبي) فهو: زائدة)(2).

عن ابن عباس، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة، وحيرة مضلة، فيعلن أمر اللّه، ويظهر دين اللّه جل وعز، ويؤيد بنصر اللّه، وينصر بملائكة اللّه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(3).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - بعد عد الأئمة (عليهم السلام) -: «ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء

ص: 48


1- الكافي: ج8 ص49-50، كتاب الروضة، حديث موسى (عليه السلام) ، ح10.
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص476، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب الأول.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص257-258، الباب24 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح2.

اللّه، ويكون له غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى - ثم التفت إلينا رسول اللّه فقال رافعاً صوته - الحذر، إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي: فقلت: يا رسول اللّه، فما يكون حاله عند غيبته؟. قال: يصبر حتى يأذن اللّه له بالخروج، فيخرج من اليمن، من قرية يقال لها: كرعة. على رأسه عمامتي، متدرع بدرعي، متقلد بسيفي ذي الفقار، ومنادٍ ينادي: هذا المهدي خليفة اللّه فاتبعوه. يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وذلك عند ما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً، ويغار بعضهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير، ولا القوي يرحم الضعيف، فحينئذٍ يأذن اللّه له بالخروج»(1).

روايات علوية

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنه قال لابن عباس: «إن ليلة القدر في كل سنة، وأنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة من بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». فقال له ابن عباس: من هم؟. قال: «أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون»(2).

وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، أنه قال: «صاحب هذا الأمر من ولدي، هو الذي يقال: مات أو هلك، لا بل في أي واد سلك»(3).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنه قال للحسين (عليه السلام) : «التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، والباسط للعدل. قال الحسين (عليه السلام) : فقلت له: يا

ص: 49


1- بحار الأنوار: ج52 ص379-380، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح189.
2- الكافي: ج1 ص532-533، كتاب الحجة،أبواب التاريخ، باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) ، ح11.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص156، الباب 10، ح18.

أمير المؤمنين، وإن ذلك لكائن؟!. فقال (عليه السلام) : إي والذي بعث محمداً بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، يثبت فيها على دينه إلا المخلصون، المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ اللّه عز وجل ميثاقهم بولايتنا، و{كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}(1)»(2).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: «للغائب منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، أ لا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة - ثم قال - إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته، ويغيب شخصه»(3).

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «سأل عمر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المهدي. قال: يا ابن أبي طالب، أخبرني عن المهدي ما اسمه؟. قال: أما اسمه فلا، إن حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا أحدِّث باسمه حتى يبعثه اللّه عز وجل، وهو مما استودع اللّه عز وجل رسوله في علمه»(4).

وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لما التقى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البصرة، نشر الراية - راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - فزلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتى قالوا: آمِنَّا يا ابن أبي طالب. فعند ذلك قال: لا تقتلوا الأسراء،

ص: 50


1- سورة المجادلة: 22.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص304، الباب26 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح16.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص426، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
4- بحار الأنوار: ج51 ص33-34، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب3 من أبواب ولادته، ح13.

ولا تجهزوا الجرحى، ولا تتبعوا مولياً، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. ولما كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم، فتحملوا عليه بالحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار بن ياسر (رضوان اللّه عليه). فقال للحسن: يا بني، إن للقوم مدةً يبلغونها، وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلا القائم (صلوات اللّه عليه)»(1).

وعن حبة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحيرة. فقال: «لتصلن هذه بهذه - وأومى بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجداً له خمسمائة باب، يصلي فيه خليفة القائم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)؛ لأن مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً». قلت: يا أمير المؤمنين، ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذٍ؟. قال: «تبنى له أربع مساجد: مسجد الكوفة أصغرها، وهذا، ومسجدان في طرفي الكوفة، من هذا الجانب وهذا الجانب»، وأومى بيده نحو نهر البصريين والغريين(2).

روايات فاطمية

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها. فعددت اثني عشر اسماً، آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي(3).

ص: 51


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص307، الباب 19، ح1.
2- تهذيب الأحكام: ج3 ص253-254، كتاب الصلاة، الباب 25، ح699/19.
3- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص346، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في نص الأئمة (عليهم السلام) على إمامة المهدي (عليه السلام) .

روايات حسنية

عن الإمام الحسن بن علي (صلوات اللّه عليهما)، قال: «ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلي روح اللّه عيسى ابن مريم (عليه السلام) خلفه؛ فإن اللّه عز وجل يخفي ولادته، ويغيِّب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة الإماء، يطيل اللّه عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنةً، ذلك ليعلم {أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(1)»(2).

وروي: أنه لما صالح الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان، دخل عليه الناس، فلامه بعضهم على بيعته. فقال (عليه السلام) : «ويحكم ما تدرون ما عملت، واللّهِ الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت. ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليَّ». قالوا: بلى. قال: «أ ما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران (عليه السلام) ؛ إذ خفي عليه وجه الحكمة فيه، وكان ذلك عند اللّه تعالى ذكره حكمةً وصواباً. أ ما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلي روح اللّه عيسى ابن مريم خلفه؛ فإن اللّه عز وجل يخفي ولادته، ويغيِّب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذاك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة الإماء، يطيل اللّه عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون

ص: 52


1- سورة البقرة: 106 و259، سورة الطلاق: 12.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص316، الباب29 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح2.

أربعين سنةً، ذلك ليعلم {أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(1)»(2).

وعن الحسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه (صلوات اللّه عليهما)، قال: «يبعث اللّه رجلاً في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس، يؤيده اللّه بملائكته، ويعصم أنصاره، وينصره بآياته، ويظهره على الأرض، حتى يدينوا طوعاً أو كرهاً، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها، لايبقى كافر إلا آمن، ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيامه، وسمع كلامه»(3).

روايات حسينية

قال الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) : «في التاسع من ولدي سنة من يوسف، وسنة من موسى بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح اللّه تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة»(4).

وعن رجل من همدان، قال: سمعت الحسين بن علي (عليه السلام) يقول: «قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسم ميراثه وهو

ص: 53


1- سورة البقرة: 106 و259، سورة الطلاق: 12.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص426-427، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
3- بحار الأنوار: ج52 ص280، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح6.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص316-317، الباب30 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.

حي»(1).

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل اللّه ذلك اليوم، حتى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول»(2).

وقال الحسين بن علي (صلوات اللّه عليهما): «منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي اللّه به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذون ويقال لهم: {مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(3). أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهدين بالسيف بين يدي رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(4).

روايات سجادية

عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال: «القائم منا يخفى ولادته على الناس، حتى يقولوا: لم يولد بعد. ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة»(5).

وعن الثمالي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، أنه قال: «فينا نزلت هذه الآية:

ص: 54


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص80، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح120.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص427، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
3- سورة يونس: 48، وخمسة مواضع أخرى من القرآن.
4- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص232، باب ما جاء عن الحسين (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار.
5- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص522، الباب الثاني من الركن الرابع، الفصل الثاني.

{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}(1)، والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى يوم القيامة، وإن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى: أما الأولى فستة أيام وستة أشهر وست سنين. وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه، وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا، وسلَّم لنا أهل البيت»(2).

وعن أبي خالد الكابلي، قال: قال لي علي بن الحسين (عليه السلام) : «يا با خالد، لتأتين فتن كقطع الليل المظلم، لا ينجو إلا من أخذ اللّه ميثاقه، أولئك مصابيح الهدى، وينابيع العلم، ينجيهم اللّه من كل فتنة مظلمة، كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وإسرافيل أمامه، معه راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلا أهلكهم اللّه عز وجل»(3).

وعن سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال: «المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدَّة أهل بدر، فيصبحون بمكة، وهو قول اللّه عز وجل: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(4)، وهم أصحاب القائم (عليه السلام) »(5).

ص: 55


1- سورة الزخرف: 28.
2- بحار الأنوار: ج51 ص134، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب4 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح1.
3- الأمالي للمفيد: ص45، المجلس السادس، ح5.
4- سورة البقرة: 148.
5- الخرائج والجرائح: ج3 ص1156، الباب العشرون، باب العلامات الكائنة قبل خروج المهدي ومعه (عليه السلام) ، ضمن ح61.

روايات باقرية

عن الإمام الباقر (عليه السلام) : «يكون بعد الحسين (عليه السلام) تسعة أئمة، تاسعهم قائمهم»(1).

وعن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلما تفرق من كان عنده. قال لي: «يا أبا حمزة، من المحتوم الذي حتمه اللّه قيام قائمنا، فمن شك فيما أقول لقي اللّه وهو به كافر - ثم قال - بأبي وأمي المسمى باسمي، والمكنى بكنيتي - أي بأبي جعفر - السابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. يا با حمزة، من أدركه فيسلِّم له ما سلَّم لمحمد وعلي فقد وجبت له الجنة، ومن لم يسلِّم فقد حرم اللّه عليه الجنة، ومأواه النار، وبئس مثوى الظالمين»(2).

وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال لي: «يا أبا الجارود، إذا دار الفلك وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأي واد سلك. وقال الطالب: أنى يكون ذلك، وقد بليت عظامه. فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به، فأتوه ولو سعياً على الثلج»(3).

وعن أم هانئ الثقفية، قالت: غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر (عليه السلام) . فقلت له: يا سيدي، آية في كتاب اللّه عز وجل عرضت بقلبي أقلقتني وأسهرتني. قال: «فاسألي يا أم هانئ». قالت: قلت: قول اللّه عز وجل: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *

ص: 56


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص347، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في نص الأئمة (عليهم السلام) على إمامة المهدي (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج51 ص139-140، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح13.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص82-83، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح130.

الْجَوَارِ الكُنَّسِ}(1)؟. قال: «نعم المسألة سألتني يا أم هانئ. هذا مولود في آخر الزمان، هو المهدي من هذه العترة، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها أقوام. فيا طوبى لكِ إن أدركته، ويا طوبى من أدركه»(2).

وقال الباقر (عليه السلام) : «الثاني عشر الذي يصلي عيسى ابن مريم (عليه السلام) خلفه، عليك بسنته والقرآن الكريم»(3).

وعن عبد اللّه بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن شيعتك بالعراق كثيرة. وواللّهِ ما في بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟!.

فقال: «يا عبد اللّه بن عطاء، قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى. أي واللّهِ ما أنا بصاحبكم». قلت: فمن صاحبنا؟. فقال: «انظروا من غُيِّبَتْ عن الناس ولادته، فذلك صاحبكم»(4).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «كل مؤمن شهيد، وإن مات على فراشه فهو شهيد، وهو كمن مات في عسكر القائم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) - ثم قال - أيحبس نفسه على اللّه ثم لا يدخله الجنة»(5).

وعن بريد العجلي، قال: قيل لأبي جعفر (عليه السلام) : إن أصحابنا بالكوفة جماعة كثيرة، فلو أمرتهم لأطاعوك واتبعوك. فقال: «يجيء أحدهم إلى كيس أخيه

ص: 57


1- سورة التكوير: 15-16.
2- بحار الأنوار: ج51 ص137، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح4.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص332، الباب32 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح17.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص167، الباب 10، ح7.
5- الأمالي للطوسي: ص676، المجلس السابع والثلاثون، ح1426/5.

فيأخذ منه حاجته؟». فقال: لا. قال: «فهم بدمائهم أبخل - ثم قال - إن الناس في هدنة، نناكحهم ونوارثهم، ونقيم عليهم الحدود، ونؤدي أماناتهم، حتى إذ قام القائم جاءت المزاملة، ويأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه»(1).

وعن الباقر (عليه السلام) ، قال: «إذا ظهر قائمنا أهل البيت (عليه السلام) قال: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا}(2)، خفتكم على نفسي، وجئتكم لما أذن لي ربي، وأصلح لي أمري»(3).

روايات صادقية

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية: محمد وعلي والحسن، فالرابع القائم (عليه السلام) »(4).

وعن خلاد بن قصار، قال: سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) : هل وُلِدَ القائم؟. قال: «لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي»(5).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «أيام اللّه ثلاثة: يوم يقوم القائم (عليه السلام) ، ويوم الكرة، ويوم القيامة»(6).

ص: 58


1- الاختصاص: ص24، طائفة من أقوال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) .
2- سورة الشعراء: 21.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص212-213، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل التاسع والخمسون، ح776.
4- بحار الأنوار: ج51 ص143، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب6 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح5.
5- كتاب الغيبة للنعماني: ص245، الباب 13، في صفة جنوده وخيله (عليه السلام) ، ح46.
6- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص185، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس والثلاثون، ح623.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله «قد قامت الصلاة»: «إنما يعني به قيام القائم (عليه السلام) »(1).

وعن الصادق (عليه السلام) : «من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي، كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نبوته». فقيل له: يا ابن رسول اللّه، فمن المهدي من ولدكِ؟. قال: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لكم تسميته»(2).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قال: «اللّه أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل». قال: قلت له: جعلت فداك، فأخبرني بما أستريح إليه؟. قال: «يا أبا محمد، ليس يرى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم، أتاح اللّه لأمة محمد برجل منا أهل البيت، يشير بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا. واللّهِ، إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين، القائد العادل، الحافظ لما استودع، يملأها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً»(3).

وعن المفضل بن عمر، قال: دخلت على سيدي جعفر بن محمد (عليه السلام) . فقلت: يا سيدي، لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك؟. فقال لي: «يا مفضل، الإمام

ص: 59


1- بحار الأنوار: ج51 ص149، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب6 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح24.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص333، الباب23 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.
3- إقبال الأعمال: ج2 ص599-600، الباب الرابع، فصل.

من بعدي ابني موسى، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى»(1).

وقال الصادق (عليه السلام) : «إن اللّه تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا». فقيل له: يا ابن رسول اللّه، ومن الأربعة عشر؟. فقال: «محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجال، ويطهر الأرض من كل جور وظلم»(2).

وقال (عليه السلام) : «هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره اللّه عز وجل، فيفتح على يديه مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح اللّه عيسى ابن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ولا يبقى في الأرض بقعة عُبِدَ فيها غير اللّه عز وجل إلا عُبِدَ اللّه فيها، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون»(3).

وعن أبي إبراهيم الكوفي، قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فكنت عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو غلام، فقمت إليه وقبَّلت رأسه وجلست. فقال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يا با إبراهيم، أما إنه صاحبك من بعدي. أما ليهلكن فيه أقوام ويسعد آخرون، فلعن اللّه قاتله، وضاعف على روحه

ص: 60


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص334، الباب23 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص408-409، الركن الرابع، القسم الأول، الفصل الثاني.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص88، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح151.

العذاب. أما ليخرجن اللّه من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، بعد عجائب تمر به حسداً له، ولكن اللّه بالغ أمره ولو كره المشركون. يخرج اللّه تبارك وتعالى من صلبه تكملة اثني عشر إماماً مهدياً، اختصهم اللّه بكرامته، وأحلهم دار قدسه. المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذب عنه».

فدخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام، وعدت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) خمس عشرة مرةً أريد استتمام الكلام، فما قدرت على ذلك، فلما كان من قابل دخلت عليه وهو جالس. فقال لي: «يا أبا إبراهيم، هو المفرِّج للكرب عن شيعته، بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجور. فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، وحسبك يا أبا إبراهيم». قال أبو إبراهيم: فما رجعت بشيء أسرَّ إليَّ من هذا، ولا أفرح لقلبي منه(1).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال ذات يوم: «أ لا أخبركم بما لا يقبل اللّه عز وجل من العباد عملاً إلا به؟». فقلت: بلى. فقال: «شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر اللّه، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا يعني الأئمة خاصةً، والتسليم لهم، والورع والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم (عليه السلام) - ثم قال - إن لنا دولة يجيء اللّه بها إذا شاء»، الحديث(2).

وعن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، عن خاله الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال: قلت له: إن كان كون ولا أراني اللّه يومك، فبمن أئتم؟. فأومأ إلى موسى (عليه السلام) ، فقلت له: فإن مضى فإلى من؟.

ص: 61


1- بحار الأنوار: ج52 ص129، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح24.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص200، الباب 11، ح16.

قال: «فإلى ولده». قلت: فإن مضى ولده وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً، فبمن أئتم؟. قال: «بولده، ثم هكذا أبداً». فقلت: فإن أنا لم أعرفه، ولم أعرف موضعه، فما أصنع؟. قال: «تقول: اللّهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي؛ فإن ذلك يجزيك»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: إنَّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في اللّه، قلنا: صدق اللّه، وقالوا: كذب اللّه. قاتل أبو سفيان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي (عليه السلام) ، والسفياني يقاتل القائم (عليه السلام) »(2).

روايات كاظمية

عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع، فاللّه اللّه في أديانكم، لا يزيلكم أحد عنها. يا بنيَّ، إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من اللّه عز وجل امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه». فقلت: يا سيدي، من الخامس من ولد السابع؟. قال: «يا بنيَّ، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه»(3).

ص: 62


1- بحار الأنوار: ج52 ص148، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح72.
2- معاني الأخبار: ص346، باب معنى قول الصادق (عليه السلام) إنَّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في اللّه عز وجل، ح1.
3- علل الشرائع: ج1 ص244-245، باب 179، ح4.

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) - في حديث - قيل له: ويكون في الأئمة من يغيب؟. قال: «نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، ذاك ابن سيدة الإماء، الذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته، حتى يظهره عز وجل، فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(1).

وعن الكاظم (عليه السلام) ، أنه قيل له: يا ابن رسول اللّه، أنت القائم بالحق؟. فقال: «أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء اللّه، ويملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها؛ خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام، ويثبت فيها آخرون»(2).

روايات رضوية

عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، أنه قال: «كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنِّعم، يطلبون المرعى فلا يجدونه».

قلت له: ولِمَ ذاك يا ابن رسول اللّه؟!.

قال: «لأن إمامهم يغيب عنهم». فقلت: ولِمَ؟. قالك «لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف»(3).

وروي: أنه بكى الإمام الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً، عند ما أنشده دعبل الخزاعي

ص: 63


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص368-369، الباب34 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح6.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص92، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح167.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص480، الباب44 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4.

أبياتاً، قال فيها:

خروج إمام لا محالة خارج***يقوم على اسم اللّه والبركات

يميز فينا كل حق وباطل***ويجزي على النعماء والنقمات

ثم رفع رأسه إليَّ. فقال لي: «يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام، ومتى يقوم؟».

فقلت: لا يا مولاي، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد، ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً.

فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوَّل اللّه ذلك اليوم، حتى يخرج فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وأما متى فإخبار عن الوقت. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) ، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قيل له: يا رسول اللّه، متى يخرج القائم من ذريتك؟. فقال: مثله مثل الساعة {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}(1)»(2).

والأخبار عنه (عليه السلام) في ذلك كثيرة.

وعن الريان بن الصلت، قال: سُئل الرضا (عليه السلام) عن القائم؟. فقال: «لا يرى جسمه، ولا يسمى باسمه»(3).

ص: 64


1- سورة الأعراف: 187.
2- بحار الأنوار: ج51 ص154، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب8 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح6.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص107، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح226.

وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال: قال لي: «لابد من فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه السماء وأهل الأرض، وكل حرى وحران، وكل حزين لهفان - ثم قال - بأبي وأمي سمي جدي، وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام) ، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس، كم من حرى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسف، حيران حزين عند فقدان الماء المعين، كأني بهم آيس ما كانوا، نودوا نداءً يسمع من بُعد، كما يسمع من قرب، يكون رحمةً على المؤمنين، وعذاباً على الكافرين»(1).

وعن أيوب بن نوح، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : إنا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يرده اللّه عز وجل إليك من غير سيف، فقد بويع لك، وضربت الدراهم باسمك. فقال: «ما منا أحد اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل، وأشارت إليه الأصابع، وحملت إليه الأموال، إلا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث اللّه عز وجل لهذا الأمر رجلاً خفي المولد والمنشأ، غير خفي في نسبه»(2).

قوله: «مات على فراشه»، أي بالسم.

روايات جوادية

عن عبد العظيم الحسني، قال: دخلت على سيدي محمد بن علي (عليه السلام) ، وأنا أريد أن أسأله عن القائم، أ هو المهدي أو غيره، فابتدأني. فقال: «يا أبا القاسم،

ص: 65


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص6-7، الباب 30، ح14.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص370، الباب35 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.

إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي. والذي بعث محمداً بالنبوة وخصنا بالإمامة، إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوَّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإن اللّه تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً، فرجع وهو نبي مرسل - ثم قال (عليه السلام) - أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج»(1).

وعن الإمام الجواد (عليه السلام) ، قال: «الإمام بعدي: ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي»، وذكر في ابنه الحسن مثل ذلك وسكت. فقيل له: يا ابن رسول اللّه، فمن الإمام بعد الحسن؟. فبكى بكاءً شديداً، ثم قال: «إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر». فقيل: ولِمَ سمي القائم؟. قال: «لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته». قيل: ولِمَ سمي المنتظر؟. قال: «إن له غيبة تكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ به الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون»(2).

وعن عبد العظيم الحسني، قال: قلت لمحمد بن علي - الجواد - (عليه السلام) : إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فقال (عليه السلام) : «يا أبا القاسم، ما منا إلا قائم بأمر اللّه عز وجل،

ص: 66


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص280-281، باب ما جاء عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) .
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص378، الباب36 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح3.

وهادٍ إلى دينه، ولكن القائم منا هو الذي يطهر اللّه الأرض به من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً، هو الذي يخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، يجتمع إليه أصحابه عدد أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول اللّه عز وجل: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(1)، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر أمره، وإذا أكمل له العقد، وهو عشرة آلاف رجل بإذن اللّه عز وجل، فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه تبارك وتعالى». فقلت له: يا سيدي، وكيف يعلم أن اللّه قد رضي؟. قال: «يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما»(2).

روايات هادوية

عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: «الخلف من بعدي: ابني الحسن. فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف». فقلت: ولِمَ جعلني اللّه فداك؟!. فقال: «لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه». قلت: فكيف نذكره؟. قال: «قولوا: الحجة من آل محمد (صلوات اللّه عليه)»(3).

ص: 67


1- سورة البقرة: 148.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص435-436، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
3- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص289، باب ما جاء عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) .

وعن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن الفرج؟. فكتب: «إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج»(1).

وعن الإمام علي الهادي (عليه السلام) ، قال: «صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد بعد»(2).

روايات عسكرية

عن الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) ، قال: «إن ابني هو القائم من بعدي، وهو الذي يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) بالتعمير والغيبة، حتى تقسو قلوب لطول الأمد، ولا يثبت على القول به إلا من كتب اللّه عز وجل في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه»(3).

وعن الكليني، عن علان الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا، أنه لما حملت جارية أبي محمد (عليه السلام) ، قال: «ستحملين ذكراً، واسمه محمد، وهو القائم من بعدي»(4).

وعن موسى بن جعفر البغدادي، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) يقول: «كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني، أما إن المقر بالأئمة بعد

ص: 68


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص95، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح176.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص439، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص524، الباب46 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4.
4- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص294، باب ما جاء عن أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار.

رسول اللّه المنكر لولدي، كمن أقر بجميع أنبياء اللّه ورسله ثم أنكر نبوة محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والمنكر لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، كمن أنكر جميع الأنبياء؛ لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا. أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه اللّه عز وجل»(1).

وعن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر، قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) ، قالت: بعث إليَّ أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) . فقال: «يا عمة، اجعلي إفطاركِ الليلة عندنا؛ فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن اللّه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه». قالت: فقلت له: من أُمه؟. قال: «نرجس». فقلت: واللّهِ يا سيدي ما بها أثر». فقال: «هو ما أقول لكِ»، الحديث(2).

وعن أبي غانم الخادم، قال: ولد لأبي محمد (عليه السلام) ولد، فسمَّاه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: «هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً، خرج فملأها قسطاً وعدلاً»(3).

وعن موسى بن جعفر البغدادي، قال: خرج من أبي محمد (عليه السلام) توقيع:

ص: 69


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص442، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثالث.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص20، الباب الحادي والثلاثون، الفصل الأول، ح37.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص431، الباب42 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح8.

«زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا نسلي، وقد كذَّب اللّه قولهم، والحمد لله»(1).

وعن أحمد بن إسحاق، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول: «الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خَلقاً وخُلقاً، يحفظه اللّه تبارك وتعالى في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(2).

وعن أحمد بن إسحاق، أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر، فأشار بيده أي إنه حي غليظ الرقبة(3).

وعن عيسى بن صبيح، قال: دخل الحسن العسكري (عليه السلام) علينا الحبس، وكنت به عارفاً. فقال لي: «لك خمس وستون سنة وشهر ويومان». وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي، وإني نظرت فيه فكان كما قال... قلت: يا مولاي، أ لك ولد؟. قال: «إي واللّهِ سيكون لي ولد، يملأ الأرض قسطاً، فأما الآن فلا»(4).

وعن علي بن عبد الغفار، قال: لما مات أبو جعفر الثاني (عليه السلام) ، كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يسألونه عن الأمر. فكتب (عليه السلام) : «الأمر لي ما دمت حياً، فإذا نزلت بي مقادير اللّه تبارك وتعالى أتاكم الخلف مني، فأنى لكم

ص: 70


1- بحار الأنوار: ج51 ص160-161، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب10 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح8.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص408-409، الباب38 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح7.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص251، الفصل 2.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص503، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب الخامس والعشرون.

بالخلف من بعد الخلف»(1).

وعن أبي علي بن همام، قال: سمعت محمد بن عثمان العمري (قدَّس اللّه روحه) يقول: سمعت أبي يقول: سُئِلَ أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) - وأنا عنده - عن الخبر الذي رُوي عن آبائه (عليه السلام) : أن الأرض لا تخلو من حجة اللّه على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً؟. فقال (عليه السلام) : «إن هذا حق كما أن النهار حق». فقيل له: يا ابن رسول اللّه، فمن الحجة والإمام بعدك؟. فقال: «ابني محمد، وهو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتةً جاهليةً. أما إن له غيبةً يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة»(2).

وعن جماعة من الشيعة، منهم: علي بن بلال، وأحمد بن هلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح - في خبر طويل مشهور - قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) نسأله عن الحجة من بعده، وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون رجلاً. فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، فقال له: يا ابن رسول اللّه، أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني. فقال له: «اجلس يا عثمان». فقام مغضباً ليخرج. فقال: «لا يخرجن أحد». فلم يخرج منا أحد، إلى أن كان بعد ساعة، فصاح (عليه السلام) بعثمان، فقام على قدميه. فقال:

ص: 71


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص438-439، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
2- بحار الأنوار: ج51 ص160، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب10 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح7.

«أخبركم بما جئتم». قالوا: نعم يا ابن رسول اللّه. قال: «جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي». قالوا: نعم. فإذا غلام كأنه قطع قمر، أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام) . فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا، حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم، والأمر إليه»(1).

روايات مهدوية

قال الإمام المهدي (عليه السلام) - في حديث -: «أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع اللّه البلاء عن أهلي وشيعتي»(2).

وعن علي بن مهزيار - عند تشرفه - قال: فقال الإمام المهدي (عليه السلام) لي: «يا ابن مهزيار، كيف خلَّفت إخوانك في العراق؟». قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان. فقال: «{قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(3)، كأني بالقوم وقد قتلوا في ديارهم، وأخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً».

فقلت: متى يكون ذلك يا ابن رسول اللّه؟. فقال: «إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لا خلاق لهم، واللّه ورسوله منهم براء، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً، فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نوراً، ويخرج السروسي من إرمينية وآذربيجان، يريد وراء الري الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر لزيق جبال

ص: 72


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص357، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، الأول أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص246، الفصل 2.
3- سورة التوبة: 30، سورة المنافقون: 4.

طالقان، فتكون بينه وبين المروزي وقعة صيلمانية، يشيب فيها الصغير، ويهرم منها الكبير، ويظهر القتل بينهما، فعندها توقعوا خروجه إلى الزوراء، فلا يلبث بها حتى يوافي باهات، ثم يوافي واسط العراق، فيقيم بها سنةً أو دونها، ثم يخرج إلى كوفان، فتكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغري، وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون بوار الفئتين, وعلى اللّه حصاد الباقين - ثم تلا قوله تعالى -: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}(1)». فقلت: سيدي يا ابن رسول اللّه ما الأمر؟. قال: «نحن أمر اللّه عز وجل وجنوده». قلت: سيدي يا ابن رسول اللّه حان الوقت؟. قال: «{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ}(2)»(3).

ص: 73


1- سورة يونس: 24.
2- سورة القمر: 1.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص469-470، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح22.

4

آيات قرآنية حول الإمام المهدي (عليه السلام)

هناك عشرات الآيات القرآنية مفسرة أو مؤولة بالإمام المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).

عن يحيى بن أبي القاسم، قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قول اللّه عز وجل: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}(1)؟. فقال: «المتقون شيعة علي (عليه السلام) ، والغيب فهو الحجة الغائب، وشاهد ذلك قول اللّه عز وجل: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}(2)، فأخبر عز وجل أن الآية هي الغيب، والغيب هو الحجة، وتصديق ذلك قول اللّه عز وجل: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً}(3) يعني حجةً»(4).

وعنه (عليه السلام) - في قوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(5) -

ص: 74


1- سورة البقرة: 1-3.
2- سورة يونس: 20.
3- سورة المؤمنون: 50.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص18، بحوث في الإمامة والعصمة، السر في أمره تعالى الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) .
5- سورة البقرة: 148.

قال: «نزلت في القائم وأصحابه، يجتمعون على غير ميعاد»(1).

وعن الصادق (عليه السلام) - في معنى قوله عز وجل: {وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(2) - قال: «نزلت في القائم وأصحابه»(3).

وعنه (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(4) - قال: «هي في القائم (عليه السلام) وأصحابه»(5).

وعن جابر الأنصاري، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «يغيب عنهم الحجة، لا يُسمى حتى يظهره اللّه، فإذا عجَّل اللّه خروجه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً».

ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجتهم، أولئك وصفهم اللّه في كتابه فقال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}(6)، وقال: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(7)»(8).

ص: 75


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص241، الباب 13، ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن، ح37.
2- سورة النور: 55.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص240، الباب 13، ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن، ح35.
4- سورة الحج: 39.
5- بحار الأنوار: ج51 ص58، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح53.
6- سورة البقرة: 3.
7- سورة المجادلة: 22.
8- بحار الأنوار: ج52 ص143، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح60.

وفي تفسير القمي: ({وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ}(1) يعني القائم (عليه السلام) ، {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}(2))(3).

وعن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: سمعته يقول: «{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} يعني القائم وأصحابه {فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}(4)، والقائم إذا قام انتصر من بني أمية ومن المكذبين والنصاب هو وأصحابه، وهو قول اللّه: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(5)»(6).

وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ}(7) -: «إنما هي طاعة الإمام، فطلبوا القتال، فلما كتب عليهم مع الحسين (عليه السلام) ، قالوا: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}(8)، أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام) »(9).

وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «الزم الأرض لا تحركن يدك

ص: 76


1- سورة العنكبوت: 10.
2- سورة العنكبوت: 10.
3- تفسير القمي: ج2 ص149، سورة العنكبوت، الآيات 10 إلى 24.
4- سورة الشورى: 41.
5- سورة الشورى: 42.
6- تفسير القمي: ج2 ص278، سورة الشورى، الآيات 39 إلى 53.
7- سورة النساء: 77.
8- سورة إبراهيم: 44.
9- بحار الأنوار: ج52 ص132، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح35.

ولا رجلك أبداً، حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة، وترى منادياً ينادي بدمشق، وخسف بقرية من قراها، ويسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها، فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة، وأقبلت الروم حتى نزلت الرملة، وهي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب، وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب، والأبقع، والسفياني، مع بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار، حتى يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قط، ويحضر رجل بدمشق، فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شيء قط، وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآية التي يقول اللّه تبارك وتعالى: {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(1)»(2).

وعن الحارث، عن علي (عليه السلام) ، أنه قال: «المهدي أقبل جعد، بخده خال، يكون مبدؤه من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني، فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام، إلا طوائف من المقيمين على الحق، يعصمهم اللّه من الخروج معه، ويأتي المدينة بجيش جرار، حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف اللّه به، وذلك قول اللّه عز وجل في كتابه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}(3)»(4).

وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لابد أن يكون قدَّام القائم سنة

ص: 77


1- سورة مريم: 37.
2- تفسير العياشي: ج1 ص64، سورة البقرة، آية 148، ح117.
3- سورة سبأ: 51.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص304-305، الباب 18، ح14.

يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوف شديد من القتل، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب اللّه لبيِّن - ثم تلا هذه الآية -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(1)»(2).

وعن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) عن قول اللّه تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}(3)؟. فقال: «يا جابر، ذلك خاص وعام. فأما الخاص من الجوع بالكوفة، يخص اللّه به أعداء آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيهلكهم اللّه، وأما العام فبالشام يصيبهم خوف وجوع ما أصابهم مثله قط. وأما الجوع فقبل قيام القائم (عليه السلام) ، وأما الخوف فبعد قيام القائم (عليه السلام) »(4).

وعن محمد بن زياد الأزدي، قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول اللّه عز وجل: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(5)؟. فقال: «النعمة الظاهرة: الإمام الظاهر، والباطنة: الإمام الغائب». قال: فقلت له: فيكون في الأئمة من يغيب؟. قال: «نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، هو الثاني عشر منا، يسهل اللّه تعالى له كل عسر، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرب عليه كل بعيد، ويذل به كل

ص: 78


1- سورة البقرة: 155.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص250-251، الباب 14، ح6.
3- سورة البقرة: 155.
4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص363، الباب الرابع والثلاثون، الفصل التاسع، ح94.
5- سورة لقمان: 20.

جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي يخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره اللّه عز وجل، فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(1).

وعن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام) ، قوله عز وجل: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(2)، إنهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه». قال: فقلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيماناً؟. قال: «الذي يسير في السحاب نهاراً»(3).

وعن يحيى بن ميسرة الخثعمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: سمعته يقول: {حم * عسق}(4) أعداد سني القائم، و{ق}(5) جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر، فخضرة السماء من ذلك الجبل، وعلم كل شيء في {عسق}»(6).

وعن أبي بصير، قال: سئل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) عن تفسير قول اللّه عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(7)؟. قال:

ص: 79


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص270-271، باب ما جاء عن موسى بن جعفر (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار.
2- سورة البقرة: 148.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص672، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح24.
4- سورة الشورى: 1-2.
5- سورة ق: 1.
6- تفسير القمي: ج2 ص268، سورة الشورى، الآيات 1 إلى 5.
7- سورة فصلت: 53.

«يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة اللّه في أنفسهم وفي الآفاق، فقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} يعني بذلك خروج القائم هو الحق من اللّه عز وجل، يراه هذا الخلق لابد منه»(1).

وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : قوله عز وجل: {عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(2) وفي الآخرة، ما هو عذاب خزي الدنيا؟. قال: «وأي خزي أخزى - يا أبا بصير - من أن يكون الرجل في بيته وحجاله، وعلى إخوانه وسط عياله، إذ شق أهله الجيوب عليه وصرخوا، فيقول الناس: ما هذا!. فيقال: مسخ فلان الساعة». فقلت: قبل قيام القائم (عليه السلام) أو بعده؟. قال: لا، بل قبله»(3).

وفي التوقيع الشريف: «أما يقرؤون قول اللّه عز وجل: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً}(4)، ونحن واللّهِ القرى التي بارك اللّه فيها، وأنتم القرى الظاهرة»(5).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا}(6) - قال: «كادوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكادوا علياً (عليه السلام) ، وكادوا فاطمة (عليها السلام) . فقال اللّه: يا محمد {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ} يا محمد {أَمْهِلْهُمْ

ص: 80


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص269، الباب 14، ح40.
2- سورة يونس: 98، سورة فصلت: 16.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص269، الباب 14، ح41.
4- سورة سبأ: 18.
5- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص453، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثالث، الفصل الثالث.
6- سورة الطارق: 15.

رُوَيْدًا}(1)، لوقت بعث القائم (عليه السلام) فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش، وبني أمية، وسائر الناس»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله عز وجل: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}(3) - قال: «يعني يوم خروج القائم (عليه السلام) »(4).

وعن ابن بكير، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}(5)؟. قال: «أنزلت في القائم (عليه السلام) ، إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحَّد اللّه». قلت له: جعلت فداك، إن الخلق أكثر من ذلك؟. فقال: «إن اللّه إذا أراد أمراً قلَّل الكثير وكثَّر القليل»(6).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}(7) - فقال: «يا معاوية، ما يقولون في هذا؟». قلت: يزعمون أن اللّه تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة، فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم فيلقون في النار. فقال لي: «وكيف يحتاج الجبار تبارك

ص: 81


1- سورة الطارق: 15-17.
2- تفسير القمي: ج2 ص416، سورة الطارق، الآيات 5 إلى 17.
3- سورة المعارج: 44.
4- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص701، سورة المعارج، الآيات 43 إلى 44.
5- سورة آل عمران: 83.
6- تفسير العياشي: ج1 ص183-184، سورة آل عمران، آية 83، ح82.
7- سورة الرحمن: 41.

وتعالى إلى معرفة خلق أنشأهم وهم خلقه!». فقلت: جعلت فداك، وما ذلك؟. قال: «لو قام قائمنا أعطاه اللّه السيماء، فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثم يخبط بالسيف خبطاً»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(2) - قال: «خسف ومسخ وقذف». قال: قلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ}؟. قال: «دع ذا، ذاك قيام القائم»(3).

وعن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن قدام القائم علامات تكون من اللّه عز وجل للمؤمنين». قلت: وما هي جعلني اللّه فداك؟. قال: «قول اللّه عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام) {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(4) - قال - نبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم، ونقص من الأموال - قال - كساد التجارات، وقلّة الفضل، ونقص من الأنفس - قال - موت ذريع، ونقص من الثمرات - قال - قلة ريع ما يزرع، وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام) ». ثم قال لي: «يا محمد، هذا تأويله. إن اللّه تعالى يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ}(5)»(6).

ص: 82


1- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلى اللّه عليهم: ج1 ص359، الباب 17، ح17.
2- سورة فصلت: 53.
3- الكافي: ج8 ص166، كتاب الروضة، حديث الناس يوم القيامة، ح181.
4- سورة البقرة: 155.
5- سورة آل عمران: 7.
6- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص649-650، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح3.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}(1) - قال: «هو أمرنا، أمر اللّه عز وجل أن لا تستعجل به، حتى يؤيده اللّه بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنين، والرعب. وخروجه (عليه السلام) كخروج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وذلك قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}(2)»(3).

وعن بعض أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: دخل عليه أبو حنيفة.

فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) : أخبرني عن قول اللّه عز وجل: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ}(4)، أين ذلك من الأرض؟». قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة. فالتفت أبو عبد اللّه (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: «أ تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة، فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون». قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة. فقال: «يا با حنيفة، أخبرني عن قول اللّه عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا}(5)، أين ذلك من الأرض؟». قال: الكعبة. قال: «أ فتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله، كان آمناً فيها». قال: فسكت، فلما خرج. قال أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك، الجواب في المسألتين؟. فقال: «يا با بكر {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ} - فقال - مع قائمنا أهل البيت. وأمّا قوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا}، فمن بايعه، ودخل معه، ومسح

ص: 83


1- سورة النحل: 1.
2- سورة الأنفال: 5.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص198، الباب 11، ح9.
4- سورة سبأ: 18.
5- سورة آل عمران: 97.

على يده، ودخل في عقد أصحابه، كان آمناً»(1).

وعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، عن أبيه (عليه السلام) ، أنه قال: «إذا قام القائم قال: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}(2)»(3).

وروي في قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}(4)، قال (عليه السلام) : «خروج القائم (عليه السلام) »(5).

وعن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}(6) - قال: «يعني يوم خروج القائم المنتظر منا». ثم قال (عليه السلام) : «يا أبا بصير، طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء اللّه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(7).

وعن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}(8) - قال: «نزلت في القائم (عليه السلام) ، وكان

ص: 84


1- علل الشرائع: ج1ص90-91، باب 81، ح5.
2- سورة الشعراء: 21.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص328-329، الباب32 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح10.
4- سورة القمر: 1.
5- تفسير القمي: ج2 ص340، سورة القمر، الآيات 1 إلى 2.
6- سورة الأنعام: 158.
7- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص357، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح54.
8- سورة النمل: 62.

جبرئيل (عليه السلام) على الميزاب في صورة طير أبيض، فيكون أول خلق اللّه مبايعة له - أعني جبرئيل - ويبايعه الناس الثلاثمائة وثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فقد من فراشه، وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : المفقودون من فرشهم، وهو قول اللّه عز وجل: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(1) - قال - الخيرات: الولاية لنا أهل البيت»(2).

وعن أبي خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(3) - قال: «الخيرات: الولاية. وقوله تبارك وتعالى: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا} يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً - قال - وهم واللّهِ الأمة المعدودة - قال - يجتمعون واللّهِ في ساعة واحدة، قزع كقزع الخريف»(4).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ}(5)، وهم واللّهِ أصحاب القائم (عليه السلام) ، يجتمعون واللّهِ إليه في ساعة واحدة، فإذا جاء إلى البيداء، يخرج إليه جيش السفياني، فيأمر اللّه الأرض فتأخذ أقدامهم، وهو قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ}، يعني القائم من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} إلى قوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}، يعني ألا يعذبوا {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} يعني من كان

ص: 85


1- سورة البقرة: 148.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص314، الباب 20، ح6.
3- سورة البقرة: 148.
4- الكافي: ج8 ص313، كتاب الروضة، حديث الفقهاء والعلماء، ح487.
5- سورة هود: 8.

قبلهم من المكذبين هلكوا {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}(1)»(2).

وعن مولًى لأبي الحسن (عليه السلام) ، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(3)؟. قال: «وذلك واللّهِ أن لو قد قام قائمنا، يجمع اللّه إليه شيعتنا من جميع البلدان»(4).

وقال سعيد بن جبير - في تفسير قوله عز وجل: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(5) - قال: (هو المهدي من عترة فاطمة)(6).

وتفسير القمي: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ}(7)، قال: (بالقائم من آل محمد (صلوات اللّه عليهم)- إذا خرج يظهره اللّه على الدين كله حتى لا يعبد غير اللّه، وهو قوله: يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(8).

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول - في قوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(9) - قال: «سيفعل اللّه ذلك

ص: 86


1- سورة سبأ: 51-54.
2- تفسير القمي: ج2 ص205، سورة سبأ، الآيات 51 إلى 54.
3- سورة البقرة: 148.
4- تفسير العياشي: ج1 ص66، سورة البقرة، آية 148، ح117.
5- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.
6- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص490، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب الخامس والعشرون.
7- سورة الصف: 8.
8- تفسير القمي: ج2 ص365، سورة الصف، الآيات 8 إلى 14.
9- سورة الشعراء: 4.

بهم». قلت: من هم؟. قال: «بنو أمية وشيعتهم». قال: قلت: وما الآية؟. قال: «ركود الشمس من بين زوال الشمس إلى وقت العصر، وخروج صدر ووجه في عين الشمس يُعرف بحسبه ونسبه، وذلك في زمان السفياني، وعندها يكون بواره وبوار قومه»(1).

وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(2) - فقال: «واللّهِ ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام) ، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر باللّه العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه، حتى أن لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني واقتله»(3).

وهذا في الكافر المعاند وهم قلة، وإلا فأغلب الكفار يسلمون عند رؤية المعاجز، كما في الروايات.

وعن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن تفسير جابر؟. فقال: «لا تحدِّث به السفلة فيذيعونه، أما تقرأ كتاب اللّه: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}(4). إن منا إماماً مستتراً، فإذا أراد اللّه إظهار أمره، نكت في قلبه نكتةً فظهر، فقام بأمر اللّه»(5).

ص: 87


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص372، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في ذكر علامات الإمام المهدي (عليه السلام) .
2- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص670، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح16.
4- سورة المدثر: 8.
5- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص119، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الثاني عشر، ح284.

وعن ابن عباس - في قوله عز وجل: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(1) - قال: (هذه نزلت فينا وفي بني أمية، تكون لنا دولة تذل أعناقهم لنا بعد صعوبة، وهوان بعد عز)(2).

وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ}(3) - قال: «من الصوت، وذلك الصوت من السماء». وقوله: {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}(4) - قال: «من تحت أقدامهم خسف بهم»(5).

وقال أبو حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) ، والحسن بن الحسن بن علي (عليهم السلام) يقولان: «هو جيش البيداء، يؤخذون من تحت أقدامهم»(6).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً}(7): «وسيريكم في آخر الزمان آيات، منها: دابة في الأرض، والدجال، ونزول عيسى ابن مريم (عليه السلام) ، وطلوع الشمس من مغربها»(8).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} - قال: «هو الدخان والصيحة. {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} وهو الخسف. {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} وهو اختلاف في الدين، وطعن بعضكم على بعض. {وَيُذِيقَ

ص: 88


1- سورة الشعراء: 4.
2- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص383، سورة الشعراء، آية 4.
3- سورة سبأ: 51.
4- سورة سبأ: 51.
5- تفسير القمي: ج2 ص205-206، سورة سبأ، الآيات 51 إلى 54.
6- مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي: ج8 ص228، سورة سبأ، الآيات 51 إلى 54.
7- سورة الأنعام: 37.
8- تفسير القمي: ج1 ص198، سورة الأنعام، الآيات 1 إلى 44.

بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}(1) وهو أن يقتل بعضكم بعضاً»(2).

وفي تفسير القمي: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}(3)، يعني في الدنيا بفتح القائم (عليه السلام) (4).

وعن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: سألته عن قول اللّه عز وجل: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ}(5) الآية؟. قال: «نزلت في قائم آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، يُنادى باسمه من السماء»(6).

وعن الحسن بن زياد الصيقل، قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: «إن القائم لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء، تسمع الفتاة في خدرها، ويسمع أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الآية: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(7)»(8).

وعن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «يخرج القائم، فيسير حتى يمر بمر، فيبلغه أن عامله قد قتل، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة، ولا يزيد على ذلك شيئاً. ثم ينطلق فيدعو الناس، حتى ينتهي إلى البيداء، فيخرج جيشان للسفياني، فيأمر اللّه عز وجل الأرض أن تأخذ بأقدامهم، وهو قوله عز وجل:

ص: 89


1- سورة الأنعام: 65.
2- تفسير القمي: ج1 ص204، سورة الأنعام، الآيات 52 إلى 73.
3- سورة الصف: 13.
4- تفسير القمي: ج2 ص366، سورة الصف، الآيات 8 إلى 14.
5- سورة الشعراء: 4.
6- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص384، سورة الشعراء، آية 4.
7- سورة الشعراء: 4.
8- كتاب الغيبة للطوسي: ص177، الفصل 1، الكلام على الواقفة.

{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ} يعني بقيام القائم، {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} يعني بقيام آل محمد (صلى اللّه عليهم)، {وَيَقْذِفُونَ بِالغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ - إلى قوله - فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}(1)»(2).

وفي تفسير القمي: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}(3)، قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن معنى هذا؟. فقال: «نار تخرج من المغرب، وملك يسوقها من خلفها، حتى يأتي من جهة دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا تدع داراً فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها، وذلك المهدي (عليه السلام) »، أي من علاماته(4).

وعن الصالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) - في قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}(5) - فقال: «تأويلها يأتي عذاب يقع في الثوية - يعني ناراً - حتى ينتهي إلى الكناسة، كناسة بني أسد، حتى تمر بثقيف لا يدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته، وذلك قبل خروج القائم (عليه السلام) »(6).

وفي تفسير القمي: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ}، قال: القائم وأمير المؤمنين (عليهما السلام) ، {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا}(7)»(8).

ص: 90


1- سورة سبأ: 51-54.
2- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص467، سورة سبأ، آية 51.
3- سورة المعارج: 1.
4- تفسير القمي: ج2 ص385، سورة المعارج، الآيات 1 إلى 8.
5- سورة المعارج: 1.
6- كتاب الغيبة للنعماني: ص272، الباب 14، ح48.
7- سورة الجن: 24.
8- تفسير القمي: ج2 ص391، سورة الجن، الآيات 6 إلى 28.

وعن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول اللّه: ... {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}(1)؟. قال: «النهار: هو القائم منا أهل البيت (عليه السلام) ، إذا قام غلب دولة الباطل، والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس، وخاطب نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) به ونحن نعلمه، فليس يعلمه غيرنا»(2).

وفي تفسير القمي: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}(3)، قال: «أرأيتم إن أصبح إمامكم غائباً، فمن يأتيكم بإمام مثله»(4).

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: - في قول اللّه عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}(5) - فقال: «هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم، لا تدرون أين هو، فمن يأتيكم بإمام ظاهر، يأتيكم بأخبار السماء والأرض، وحلال اللّه جل وعز وحرامه - ثم قال - واللّهِ ما جاء تأويل الآية، ولابد أن يجيء تأويلها»(6).

وعن محمد بن سليمان، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ}(7)؟. قال: «يغشاهم القائم بالسيف». قال: قلت: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ

ص: 91


1- سورة الليل: 2.
2- بحار الأنوار: ج51 ص49، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح20.
3- سورة الملك: 30.
4- تفسير القمي: ج2 ص379، سورة الملك، الآيات 10 إلى 30.
5- سورة الملك: 30.
6- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص325-326، الباب32 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح3.
7- سورة الغاشية: 1.

خَاشِعَةٌ}(1)؟. قال: «خاضعة لا تطيق الامتناع». قال: قلت: {عَامِلَةٌ}؟. قال: «عملت بغير ما أنزل اللّه عز وجل». قال: قلت: {نَاصِبَةٌ}(2)؟. قال: «نصبت غير ولاة الأمر». قال: قلت: {تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}(3)؟. قال: «تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم، وفي الآخرة نار جهنم»(4).

وفي تفسير القمي: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(5)، فإنها نزلت في القائم من آل محمد (عليه السلام) ، وهو الإمام الذي يظهره اللّه على الدين كله، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(6).

وعن ابن رئاب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال - في قول اللّه عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}(7) - فقال: «الآيات: هم الأئمة، والآية المنتظرة: القائم (عليه السلام) ، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه (عليه السلام) »(8).

ص: 92


1- سورة الغاشية: 2.
2- سورة الغاشية: 3.
3- سورة الغاشية: 4.
4- الكافي: ج8 ص50، كتاب الروضة، حديث موسى (عليه السلام) ، ح13.
5- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.
6- تفسير القمي: ج1 ص289، سورة التوبة، الآيات 33 إلى 36. وتفسير القمي: ج2 ص317، سورة الفتح.
7- سورة الأنعام: 158.
8- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص336، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح8.

وعن أم هانئ، قالت: لقيت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، فسألته عن هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الكُنَّسِ}(1)؟. فقال: «إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستين ومائتين، ثم يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل، فإن أدركتِ ذلك قرَّت عيناكِ»(2).

وعن داود الرقي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}(3) - قال: «من أقر بقيام القائم (عليه السلام) أنه حق»(4).

وعن ابن عباس - في قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}(5) - قال: (هو خروج المهدي (عليه السلام) )(6).

وعن ابن عباس - في قول اللّه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}(7) - قال: (قيام القائم (عليه السلام) ). ومثله: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(8) - قال: (أصحاب القائم يجمعهم اللّه في يوم واحد)(9).

وعن إسحاق بن عبد اللّه بن علي بن الحسين - في هذه الآية: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ

ص: 93


1- سورة التكوير: 15-16.
2- الإمامة والتبصرة من الحيرة: ص119، حول إمامة القائم (عليه السلام) ، الباب33، ح113.
3- سورة البقرة: 3.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص340، الباب33 ح19.
5- سورة الذاريات: 22.
6- كتاب الغيبة للطوسي: ص175، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
7- سورة الذاريات: 22-23.
8- سورة البقرة: 148.
9- كتاب الغيبة للطوسي: ص176، الفصل 1، الكلام على الواقفة.

وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}(1) - قال: (قيام القائم من آل محمد)(2).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله عز وجل: {وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَايُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(3) - قال: «نزلت في القائم وأصحابه»(4).

في رواية: «نزلت في المهدي (عليه السلام) »(5).

وعن علي (عليه السلام) - في قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}(6) - قال: «هم آل محمد، يبعث اللّه مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم»(7).

وعن ابن عباس، في قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}(8): (يعني يصلح الأرض بقائم آل محمد من بعد موتها، يعني من بعد جور أهل مملكتها، {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ} بقائم آل محمد {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ})(9).

ص: 94


1- سورة الذاريات: 23.
2- بحار الأنوار: ج51 ص53-54، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح34.
3- سورة النور: 55.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص240، الباب 13، ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن، ح35.
5- كتاب الغيبة للطوسي: ص177، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
6- سورة القصص: 5.
7- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص122، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الثاني عشر، ح298.
8- سورة الحديد: 17.
9- بحار الأنوار: ج51 ص53، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح32.

وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}(1) - قال: «يحييها اللّه عز وجل بالقائم (عليه السلام) بعد موتها، يعني بموتها كفر أهلها، والكافر ميت»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «نزلت هذه الآية في القائم (عليه السلام) {وَلَايَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(3)»(4).

وعن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}(5) - قال: «ما زال مذ خلق اللّه آدم دولة لله ودولة لإبليس، فأين دولة اللّه أما هو إلا قائم واحد»(6).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) - في هذه الآية: {اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}(7) -: «يوم يقوم القائم (عليه السلام) يئس بنو أمية، فهم الذين كفروا يئسوا من آل محمد (عليهم السلام) »(8).

وعن جابر، عن جعفر بن محمد، وأبي جعفر (عليهما السلام) - في قول اللّه: {وَأَذَانٌ مِنَ اللّهِ

ص: 95


1- سورة الحديد: 17.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص668، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح13.
3- سورة الحديد: 16.
4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص109، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح236.
5- سورة آل عمران: 140.
6- تفسير العياشي: ج1 ص199، سورة آلعمران، آية 140، ح145.
7- سورة المائدة: 3.
8- تفسير العياشي: ج1 ص292، سورة المائدة، آية 3، ح19.

وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ}(1) - قال: «خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ}(3) - قال: «هو القائم وأصحابه»(4).

وعن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: كان يقرأ: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}(5) - ثم قال: «وهو القائم وأصحابه أولي بأس شديد»(6).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ}(7) - قال: «العذاب خروج القائم (عليه السلام) ، والأمة المعدودة عدة أهل بدر وأصحابه»(8).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(9) - قال: «هي في القائم (عليه السلام) وأصحابه»(10).

ص: 96


1- سورة التوبة: 3.
2- بحار الأنوار: ج51 ص55، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح40.
3- سورة هود: 8.
4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص174، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الثامن والعشرون، ح562.
5- سورة الإسراء: 5.
6- تفسير العياشي: ج2 ص281، سورة الإسراء، الآيات 4 إلى 6، ح21.
7- سورة هود: 8.
8- كتاب الغيبة للنعماني: ص241، الباب 13،ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن، ح36.
9- سورة الحج: 39.
10- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص334، سورة الحج، آية 39.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}(1) - قال: «اللّه يعرفهم، ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم، فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً»(2).

وعن مفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عز وجل: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ}(3)؟. قال: «الأدنى غلاء السعر، والأكبر المهدي بالسيف»(4).

عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) ، قال: سألته عن هذه الآية، قلت: {وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ}؟. قال: «{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، {وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ}(5) الإمامة؛ لقوله عز وجل: {فَآَمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا}(6)، والنور هو الإمام».

قلت له: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}(7)؟. قال: «هو الذي أمر اللّه رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق».

قلت: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(8)؟. قال: «على جميع الأديان عند قيام

ص: 97


1- سورة الرحمن: 41.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص242، الباب 13،ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن، ح39.
3- سورة السجدة: 21.
4- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص437، سورة السجدة، آية 21.
5- سورة الصف: 8.
6- سورة التغابن: 8.
7- سورة التوبة: 33، سورة الفتح: 28، سورة الصف: 9.
8- سورة التوبة: 33، سورة الفتح: 28، سورة الصف: 9.

القائم؛ لقول اللّه تعالى: {وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} بولاية القائم، {وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}(1) بولاية علي». قلت: هذا تنزيل؟. قال: «نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}(3) - قال: «يعني تكذيبه بالقائم (عليه السلام) ، إذ يقول له: لسنا نعرفك، ولست من ولد فاطمة (عليها السلام) ، كما قال المشركون لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(4).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في قول اللّه تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ}(5) - قال: «نحن وشيعتنا». وقال أبو جعفر: «هم شيعتنا أهل البيت {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}(6)، يعني لم يكونوا من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) . {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}(7)، فذاك يوم القائم (عليه السلام) ، وهو يوم الدين. {حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ}(8)، أيام القائم (عليه السلام) . {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}(9)، فما ينفعهم شفاعة لمخلوق، ولن يشفع لهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 98


1- سورة الصف: 8.
2- بحار الأنوار: ج51 ص59-60، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح57.
3- سورة القلم: 15، سورة المطففين: 13.
4- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص748، سورة المطففين، آية 13.
5- سورة المدثر: 38-39.
6- سورة المدثر: 40-43.
7- سورة المدثر: 44-46.
8- سورة المدثر: 47.
9- سورة المدثر: 48.

يوم القيامة»(1).

وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله عز وجل: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}(2) - قال: «هو أمير المؤمنين (عليه السلام) ». {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}(3) قال: «عند خروج القائم (عليه السلام) »(4).

وروي في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}(5)، قال: «بخروج القائم (عليه السلام) »(6).

وفي قوله عز وجل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ}(7)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل»(8).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: سألته عن قول اللّه عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(9)؟. قال: «يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة اللّه عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق». قلت له: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}؟. قال: «خروج القائم هو الحق من عند اللّه عز وجل، يراه هذا الخلق لابد منه»(10).

ص: 99


1- تفسير فرات الكوفي: ص513-514، سورة المدثر، الآيات 38 إلى 48، ح670-673.
2- سورة ص: 86-87.
3- سورة ص: 88.
4- الكافي: ج8 ص287، كتاب الروضة، حديث نوح (عليه السلام) يوم القيامة، ح432.
5- سورة المعارج: 26.
6- الكافي: ج8 ص287، كتاب الروضة، حديث نوح (عليه السلام) يوم القيامة، ح432.
7- سورة الإسراء: 81.
8- الكافي: ج8 ص287، كتاب الروضة، حديث نوح (عليه السلام) يوم القيامة، ح432.
9- سورة فصلت: 53.
10- الكافي: ج8 ص381، كتاب الروضة، خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، ح575.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا}(1) - قال: «أما قوله: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ}، فهو خروج القائم وهو الساعة، {فَسَيَعْلَمُونَ} ذلك اليوم ما نزل بهم من اللّه على يدي قائمه، فذلك قوله: {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} يعني عند القائم {وَأَضْعَفُ جُنْدًا}»(2).

وفي رواية: قلت: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ}؟. قال: «معرفة أمير المؤمنين والأئمة (عليه السلام) ». {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}(3)؟. قال: «نزيده منها». {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}؟. قال: «يستوفي نصيبه من دولتهم». {وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}(4)؟. قال: «ليس له في دولة الحق مع القائم نصيب»(5).

وعن موسى بن جعفر (عليه السلام) - في قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(6) - قال: «النعمة الظاهرة: الإمام الظاهر، والباطنة: الإمام الغائب، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرِّب عليه كل بعيد»(7).

ص: 100


1- سورة مريم: 75.
2- بحار الأنوار: ج51 ص63، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح64.
3- سورة الشورى: 20.
4- سورة الشورى: 20.
5- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج2ص23، الباب التاسع، ح67.
6- سورة لقمان: 20.
7- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص270، باب ما جاء عن موسى بن جعفر (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار.

وفي تفسير القمي: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ}(1). قال: (إن متعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم (عليه السلام) ، فنردهم ونعذبهم. {لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ}، أي يقولون: أما لا يقوم القائم ولا يخرج، على حد الاستهزاء، فقال اللّه: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}(2))(3).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}(4) -: «قال الحسين (عليه السلام) : {فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} - قال - سمَّى اللّه المهدي: منصوراً، كما سمَّى أحمد ومحمداً: محموداً، وكما سمَّى عيسى: المسيح (عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام ورحمة اللّه وبركاته)»(5).

وفي تفسير القمي: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ}(6)، قال: (أيام اللّه ثلاثة: يوم القائم (صلوات اللّه عليه)، ويوم الموت، ويوم القيامة)(7).

وفي تفسير القمي: ({وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الكِتَابِ}، أي أعلمناهم، ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل، وخاطب أمة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} يعني فلاناً وفلاناً وأصحابهما، ونقضهم العهد، {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} يعني

ص: 101


1- سورة هود: 8.
2- سورة هود: 8.
3- تفسير القمي: ج1 ص322-323، سورة هود، الآيات 1 إلى 11.
4- سورة الإسراء: 33.
5- تفسير فرات الكوفي: ص240، سورة الإسراء، آية 33.
6- سورة إبراهيم: 5.
7- تفسير القمي: ج1 ص367، سورة إبراهيم، الآيات 1 إلى 15.

ما ادَّعوه من الخلافة، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} يعني يوم الجمل، {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) وأصحابه، {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} أي طلبوكم وقتلوكم، {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا}، يعني يتم ويكون، {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} يعني بني أمية على آل محمد، {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} من الحسن والحسين ابنا علي وأصحابهما، فقتلوا الحسين بن علي، وسبوا نساء آل محمد، {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآَخِرَةِ} يعني القائم (عليه السلام) وأصحابه، {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} يعني يسودون وجوههم، {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأصحابه، وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه، {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}، أي يعلو عليكم فيقتلوكم، ثم عطف على آل محمد (عليه السلام) ، فقال: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} أي ينصركم على عدوكم، ثم خاطب بني أمية، فقال: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}(1)، يعني إن عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد (صلوات اللّه عليه)(2).

وعن زيد بن علي (عليه السلام) ، يقول: «هذا المنتظر من ولد الحسين بن علي، في ذرية الحسين وفي عقب الحسين (عليه السلام) ، وهو المظلوم الذي قال اللّه تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ} - قال - وليه رجل من ذريته من عقبه - ثم قرأ - {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}(3)، {سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ}(4) - قال - سلطانه في حجته على جميع من خلق اللّه تعالى، حتى يكون له الحجة على الناس، ولا يكون لأحد

ص: 102


1- سورة الإسراء: 4-8.
2- تفسير القمي: ج2 ص14، سورة الإسراء، الآيات 4 إلى 11.
3- سورة الزخرف: 28.
4- سورة الإسراء: 33.

عليه حجة»(1).

وفي تفسير القمي: ({وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}(2) قال: الكتب كلها ذكر، {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} قال: القائم (عليه السلام) وأصحابه)(3).

وعن الكابلي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال: «يقتل القائم (عليه السلام) من أهل المدينة حتى ينتهي إلى الأجفر، ويصيبهم مجاعة شديدة - قال - فيضجون وقد نبتت لهم ثمرة، يأكلون منها ويتزودون منها، وهو قوله تعالى شأنه: {وَآَيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}(4)، ثم يسير حتى ينتهي إلى القادسية، وقد اجتمع الناس بالكوفة وبايعوا السفياني»(5).

وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}(6) - قال: «هذه نزلت في القائم (عليه السلام) ، إذا خرج تعمم وصلى عند المقام، وتضرع إلى ربه فلا ترد له راية أبداً»(7).

وتفسير القمي: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ}(8). عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «نزلت في القائم من آل محمد (عليه السلام) ، هو واللّه المضطر، إذا صلى في المقام ركعتين ودعا اللّه فأجابه، {وَيَكْشِفُ السُّوءَ}

ص: 103


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص189، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
2- سورة الأنبياء: 105.
3- تفسير القمي: ج2 ص77، سورة الأنبياء، آية 105.
4- سورة يس: 33.
5- بحار الأنوار: ج52 ص387، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 ح204.
6- سورة النمل: 62.
7- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص399، سورة النمل، آية 62.
8- سورة النمل: 62.

ويجعله خليفة في الأرض»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(2) - قال: «إن العامة يقولون: نزلت في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لما أخرجته قريش من مكة، وإنما هو القائم (عليه السلام) ، إذا خرج يطلب بدم الحسين (عليه السلام) ، وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب الترة»(3).

وفي تفسير القمي: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(4). عن هشام، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «تخضع رقابهم يعني بني أمية، وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر (عليه السلام) »(5).

وفي تفسير القمي: ({وَمَنْ عَاقَبَ} يعني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} يعني حسيناً أرادوا أن يقتلوه {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ}(6)، بالقائم من ولده)(7).

وعن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين أو محمد بن علي (عليهم السلام) ، أنه قال: «الفقداء: قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة، وهو قول اللّه عز وجل: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(8)، وهم أصحاب القائم (عليه السلام) »(9).

ص: 104


1- تفسير القمي: ج2 ص129، سورة النمل، الآيات 52 إلى 93.
2- سورة الحج: 39.
3- بحار الأنوار: ج51 ص47، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح7.
4- سورة الشعراء: 4.
5- تفسير القمي: ج2 ص118، سورة الشعراء، الآيات 3 إلى 4.
6- سورة الحج: 60.
7- تفسير القمي: ج2 ص87، سورة الحج، آية 60.
8- سورة البقرة: 148.
9- كتاب الغيبة للنعماني: ص313، الباب 20، ح4.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - قوله تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا - إلى قوله - حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}(1)، أربع عشرة آيةً - قال: «هم الأوصياء، يمشون على الأرض هوناً، فإذا قام القائم (عليه السلام) عرضوا كل ناصب عليه، فإن أقر بالإسلام وهي الولاية وإلا ضربت عنقه، أو أقر بالجزية فأداها كما يؤدي أهل الذمة»(2).

وقد مر أن المخالفين يؤمنون بالولاية عندما يرون المعاجز من الإمام المهدي (عليه السلام) ، وأن المعاندين منهم قلة وهم يُقتلون.

وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ}(3) -: «فهذه لآل محمد (صلى اللّه عليهم) إلى آخر الآية، والمهدي وأصحابه يملكهم اللّه مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين، ويميت اللّه به وبأصحابه البدع والباطل، كما أمات الشقاة الحق، حتى لا يرى أين الظلم، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر»(4).

وعن رفاعة بن موسى، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}(5)، قال:

«إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه»(6).

ص: 105


1- سورة الفرقان: 63-76.
2- بحار الأنوار: ج52 ص373، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27، ح167.
3- سورة الحج: 41.
4- تفسير نور الثقلين: ج3 ص506، سورة الحج، الآيات 41 إلى 51، ح161.
5- سورة آل عمران: 83.
6- تفسير العياشي: ج1 ص183، سورة آلعمران، آية 83، ح81.

وكذلك الشهادة الثالثة بولاية علي (عليه السلام) والأئمة من بعده.

وفي تفسير العياشي: عن سعد بن عمر، عن غير واحد ممن حضر أبا عبد اللّه (عليه السلام) ، ورجل يقول: قد ثبت دار صالح، ودار عيسى بن علي - وذكر دور العباسيين - فقال رجل: أراناها اللّه خراباً، أو خربها بأيدينا. فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لا تقل هكذا، بل يكون مساكن القائم وأصحابه، أما سمعت اللّه يقول: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}(1)»(2).

وعن بدر بن الخليل الأسدي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول - في قوله عز وجل: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}(3) - قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) ، وبعث إلى بني أمية بالشام، فهربوا إلى الروم. فيقول لهم الروم: لا ندخلنكم حتى تتنصروا. فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم. فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم (عليه السلام) طلبوا الأمان والصلح، فيقول أصحاب القائم (عليه السلام) : لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا - قال - فيدفعونهم إليهم، فذلك قوله تعالى: {لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} - قال - يسألهم الكنوز وهو أعلم بها - قال - فيقولون: {يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}(4) بالسيف»(5).

ص: 106


1- سورة إبراهيم: 45.
2- تفسير العياشي: ج2 ص235، سورة إبراهيم، آية 45، ح49.
3- سورة الأنبياء: 12-13.
4- سورة الأنبياء: 14-15.
5- الكافي: ج8 ص51-52، كتاب الروضة، حديث موسى (عليه السلام) ، ح15.

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى اللّه له بأصحابه، وهم الذين قال اللّه عز وجل: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}(1)، وهم الذين قال اللّه فيهم: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ}(2)»(3).

وعن زيد بن علي، قال: «إذا قام القائم من آل محمد يقول: أيها الناس، نحن الذين وعدكم اللّه تعالى في كتابه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}(4)»(5).

وعن المفضل بن عمر، قال: سألت سيدي الصادق (عليه السلام) : هل للمأمور المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟. فقال: «حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا».

قلت: يا سيدي، ولِمَ ذاك؟. قال: «لأنه هو الساعة التي قال اللّه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(6) الآية، وهو الساعة التي قال اللّه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}(7)، وقال: {عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}(8)، ولم يقل إنها عند أحد،

ص: 107


1- سورة الأنعام: 89.
2- سورة المائدة: 54.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص316، الباب 20، ح12.
4- سورة الحج: 41.
5- تفسير فرات الكوفي: ص274، سورة الحج، آية 41، ح371.
6- سورة الأعراف: 187.
7- سورة النازعات: 42.
8- سورة لقمان: 34.

وقال: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}(1) الآية، وقال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ}(2)، وقال: {مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}(3)، {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}(4)».

قلت: فما معنى يمارون؟. قال: «يقولون: متى وُلد، ومن رأى، وأين يكون، ومتى يظهر؟. وكل ذلك استعجالاً لأمر اللّه، وشكاً في قضائه، ودخولاً في قدرته، أولئك الذين خسروا الدنيا، وإن للكافرين لشر مآب».

قلت: أفلا يوقت له وقت؟. فقال: «يا مفضل، لا أوقت له وقتاً، ولا يوقت له وقت. إن من وقت لمهدينا وقتاً فقد شارك اللّه تعالى في علمه، وادعى أنه ظهر على سره، وما لله من سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس الضال عن اللّه، الراغب عن أولياء اللّه، وما لله من خبر إلا وهم أخص به لسره وهو عندهم، وإنما ألقى اللّه إليهم ليكون حجةً عليهم»(5).

وعن إسحاق بن عمار، قال: سألته عن إنظار اللّه تعالى إبليس وقتاً معلوماً ذكره في كتابه، فقال: {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الوَقْتِ الْمَعْلُومِ}(6)؟. قال: «الوقت المعلوم: يوم قيام القائم، فإذا بعثه اللّه كان في مسجد الكوفة، وجاء

ص: 108


1- سورة محمد: 8.
2- سورة القمر: 1.
3- سورة الأحزاب: 63.
4- سورة الشورى: 18.
5- بحار الأنوار: ج53 ص1-3، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28.
6- سورة الحجر: 37-38.

إبليس حتى يجثو على ركبتيه، فيقول: يا ويلاه من هذا اليوم. فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم منتهى أجله»(1).

إلى غيرها من الآيات الكثيرة المفسرة أو المؤولة بالإمام المهدي (عليه السلام وعجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

ص: 109


1- منتخب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام) : ص203، الفصل الثاني عشر.

5

علم الإمام (عليه السلام)

اشارة

الإمام المهدي (عليه السلام) كآبائه الطاهرين المعصومين (عليهم السلام) ، عالم بالعلم اللدني الذي منحه اللّه تعالى، فهو يعلم بإذن اللّه بما كان، وما يكون، وما هو كائن.

والبعض استثنى من ذلك علمه بوقت ظهوره، والظاهر أن ذلك أيضاً مشمول؛ لعموم علم الإمام (صلوات اللّه عليه) واللّه العالم.

في بحار الأنوار: (إن اللّه أعلمه على لسان نبيه، وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة، وزمان زوال الخوف عنه، فهو يتبع في ذلك ما شرع له وأوقف عليه، وإنما أخفي ذلك عنا لما فيه من المصلحة، فأما هو فعالم به لا يرجع إلى الظن)(1).

قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إن العلم بكتاب اللّه عز وجل وسنة نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لينبت في قلب مهدينا، كما ينبت الزرع على أحسن نباته»(2).

وعن أبي بصير، قال: قلت لأحدهما، أي لأبي عبد اللّه أو لأبي جعفر (عليهما السلام) :

ص: 110


1- بحار الأنوار: ج52 ص100، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب20 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص653، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح18.

أيكون أن يفضى هذا الأمر إلى من لم يبلغ؟. قال: «سيكون ذلك». قلت: فما يصنع؟. قال: «يورثه علماً وكتباً، ولا يكله إلى نفسه»(1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في صفة المهدي (عليه السلام) -: «أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً»(2).

وعن فضالة بن أيوب، قال: سئل الرضا (صلوات اللّه عليه) عن قول اللّه عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}(3)؟. فقال (عليه السلام) : «ماؤكم: أبوابكم، أي الأئمة (عليهم السلام) ، والأئمة أبواب اللّه بينه وبين خلقه. {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} يعني بعلم الإمام»(4).

علم الغيب

عن أبي علي النيلي، قال: جاءني أبو جعفر، فمضى بي إلى العباسية، وأدخلني إلى خربة، وأخرج كتاباً - أي من الإمام المهدي (عليه السلام) - فقرأه عليَّ، فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار، وفيه: أن فلانة - يعني أم عبد اللّه - تؤخذ بشعرها، وتخرج من الدار، ويحدر بها إلى بغداد، فتقعد بين يدي السلطان، وأشياء مما يحدث، ثم قال لي: احفظ. ثم مزق الكتاب، وذلك من قبل أن يحدث ما حدث بمدة(5).

ص: 111


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص322-323، الباب 23، ح2.
2- بحار الأنوار: ج51 ص115، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب2 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح14.
3- سورة الملك: 30.
4- تفسير القمي: ج2 ص379، سورة الملك، الآيات 10 إلى 30.
5- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص498، الباب45، ح20.

كوامن العلوم

قال الإمام المهدي (عليه السلام) لابن مهزيار: «وكان أبي (صلوات اللّه عليه) أنبط لي من خزائن الحِكَم وكوامن العلوم، ما إن أشعت إليك منه جزءاً أغناك عن الجملة»(1).

مع سعد القمي

عن سعد بن عبد اللّه القمي، قال: كنت امرأً لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها، كلفاً باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحاً على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، متعصباً لمذهب الإمامية، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم، معيباً للفرق ذوي الخلاف، كاشفاً عن مثالب أئمتهم، هتَّاكاً لحجب قادتهم، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعةً، وأطولهم مخاصمةً، وأكثرهم جدلاً، وأشنعهم سؤالاً، وأثبتهم على الباطل قدماً. فقال ذات يوم - وأنا أناظره -: تباً لك ولأصحابك - يا سعد - إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولايتهما وإمامتهما، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علماً منه بأن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد لأمر التأويل، والملقى إليه أزمة الأمة، وعليه المعول في شعب الصدع، ولم الشعث، وسد الخلل، وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش

ص: 112


1- بحار الأنوار: ج52 ص35، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح28.

لفتح بلاد الشرك، فكما أشفق على نبوته، أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري، أن يروم الهارب من الشيء مساعدةً إلى مكان يستخفي فيه، ولما رأينا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) متوجهاً إلى الانجحار، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد، استبان لنا قصد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها، وإنما أبات علياً (عليه السلام) على فراشه، لما لم يكن ليكترث له، ولم يحفل به، ولاستثقاله له، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه، للخطوب التي كان يصلح لها.

قال سعد: فأوردت عليه أجوبةً شتى، فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد عليَّ - ثم قال - يا سعد، دونكها أخرى بمثلها تخطف آناف الروافض، أ لستم تزعمون أن الصديق المبرى من دنس الشكوك، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام، كانا يسران النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق والفاروق، أسلما طوعاً أو كرهاً؟. قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفاً من الإلزام، وحذراً من أني إن أقررت لهما بطواعيتهما للإسلام، احتج بأن بدء النفاق ونشوه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه، نحو قول اللّه عز وجل: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}(1)، وإن قلت: أسلما كرهاً كان يقصدني بالطعن، إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهما البأس. قال سعد: فصدرت عنه مزوراً، قد انتفخت أحشائي من الغضب، وتقطع كبدي من الكرب، وكنت قد اتخذت

ص: 113


1- سورة غافر: 84-85.

طوماراً، وأثبت فيه نيفاً وأربعين مسألةً من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً، على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السلام) ، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسر من رأى، فلحقته في بعض المناهل، فلما تصافحنا. قال: لخير لحاقك بي!. قلت: الشوق، ثم العادة في الأسئلة. قال: قد تكافأنا على هذه - أي الخصلة الواحدة - فقد برح بي القرم إلى لقاء مولانا أبي محمد (عليه السلام) ، وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل، ومشاكل في التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة؛ فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه، ولا تفنى غرائبه، وهو إمامنا.

فوردنا سر من رأى، فانتهينا منها إلى باب سيدنا (عليه السلام) فاستأذنا، فخرج إلينا الإذن بالدخول عليه، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب، قد غطاه بكساء طبري، فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم، على كل صرة منها ختم صاحبها. قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد (عليه السلام) حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، وعلى رأسه فرق بين وفرتين، كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية، تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض، قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا (عليه السلام) يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها؛ لئلا يصده عن كتبة ما أراد.

فسلمنا عليه، فألطف في الجواب، وأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه. فنظر الهادي (عليه السلام) إلى الغلام، وقال له: «يا بني، فض الخاتم عن هدايا

ص: 114

شيعتك ومواليك». فقال: «يا مولاي، أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا نجسة، وأموال رجسة، قد شيب أحلها بأحرمها». فقال مولاي (عليه السلام) : «يا ابن إسحاق، استخرج ما في الجراب؛ ليميز ما بين الأحل والأحرم منها». فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها، فقال الغلام: «هذه لفلان بن فلان، من محلة كذا بقم، تشتمل على اثنين وستين ديناراً، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها، وكانت إرثاً له من أخيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير».

فقال مولانا (عليه السلام) : «صدقت يا بني، دل الرجل على الحرام منها». فقال (عليه السلام) : «فتش عن دينار رازي السكة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضة آملية وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة، وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل مناً وربع من، فأتت على ذلك مدة قيض في انتهائها لذلك الغزل سارقاً، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه، واسترد منه بدل ذلك مناً ونصف من غزلاً أدق مما كان دفعه إليه، واتخذ من ذلك ثوباً، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه».

فلمّا فتح رأس الصرة، صادف رقعةً في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه، وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثم أخرج صرةً أخرى، فقال الغلام (عليه السلام) : «هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحل لنا مسها». قال: «وكيف ذاك؟». قال: «لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل وافٍ، وكال ما خص الأكار بكيل بخس». فقال مولانا (عليه السلام) : «صدقت يا بني».

ص: 115

ثم قال: «يا ابن إسحاق، احملها بأجمعها لتردها، أو توصي بردها على أربابها، فلا حاجة لنا في شيء منها، وائتنا بثوب العجوز». قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته. فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب، نظر إليَّ مولانا أبو محمد (عليه السلام) ، فقال: «ما جاء بك يا سعد؟». فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا. قال: «فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها». قلت: على حالها يا مولاي. قال: «فسل قرة عيني - وأومأ إلى الغلام - عما بدا لك منها».

فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنا روينا عنكم أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنكِ قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتكِ، وأوردتِ بنيكِ حياض الهلاك بجهلكِ، فإن كففتِ عني غربكِ وإلا طلقتكِ، ونساء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد كان طلقهن وفاته. قال: «ما الطلاق؟». قلت: تخلية السبيل. قال: «وإذا كان وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد خلى لهن السبيل، فلم لا يحل لهن الأزواج؟». قلت: لأن اللّه تبارك وتعالى حرَّم الأزواج عليهن. قال: «وكيف وقد خلى الموت سبيلهن؟». قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوَّض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟. قال: «إن اللّه تبارك وتعالى عظَّم شأن نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أبا الحسن، إن هذا الشرف باقٍ لهن ما دمن لله على الطاعة، فأيتهن عصت اللّه بعدي بالخروج عليك، فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين».

قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبينة، التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته؟. قال: «الفاحشة المبينة: هي السحق دون الزنا؛ فإن

ص: 116

المرأة إذا زنت، وأقيم عليها الحد، ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي، ومن قد أمر اللّه عز وجل برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه».

قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه عن أمر اللّه تبارك وتعالى لنبيه موسى (عليه السلام) : {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}(1)، فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة؟. فقال (عليه السلام) : «من قال ذلك فقد افترى على موسى، واستجهله في نبوته؛ لأنه ما خلا الأمر فيها من خطبين، إما أن تكون صلاة موسى فيها جائزةً أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزةً جاز له لبسهما في تلك البقعة إذ لم تكن مقدسةً، وإن كانت مقدسةً مطهرةً فليس بأقدس وأطهر من الصلاة، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما، فقد أوجب على موسى (عليه السلام) أنه لم يعرف الحلال من الحرام، ولم يعلم ما جاز فيه الصلاة وما لم تجز، وهذا كفر».

قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما؟. قال: «إن موسى (عليه السلام) ناجى ربه بالواد المقدس. فقال: يا رب، إني قد أخلصت لك المحبة مني، وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لأهله. فقال اللّه تبارك وتعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} أي: انزع حب أهلك من قلبك، إن كانت محبتك لي خالصةً، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً».

قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه عن تأويل {كهيعص}(2)؟.

ص: 117


1- سورة طه: 12.
2- سورة مريم: 1.

قال: «هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليها عبده زكريا (عليه السلام) ، ثم قصها على محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وذلك أن زكريا (عليه السلام) سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن سري عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة. فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني، وتثور زفرتي. فأنبأه اللّه تبارك وتعالى عن قصته، وقال: {كهيعص}. فالكاف: اسم كربلاء، والهاء: هلاك العترة، والياء: يزيد وهو ظالم الحسين، والعين: عطشه، والصاد: صبره. فلما سمع ذلك زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته: إلهي، أ تفجع خير خلقك بولده، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه. إلهي، أ تلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة. إلهي، أ تحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما - ثم كان يقول - إلهي، ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر، واجعله وارثاً وصياً، واجعل محله محل الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنِّي بحبه، ثم أفجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده. فرزقه اللّه يحيى (عليه السلام) وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك»، وله قصة طويلة.

قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟. قال: «مصلح أو مفسد». قلت: مصلح. قال: «فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد». قلت: بلى. قال: «فهي العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك. أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه، وأنزل الكتب عليهم، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام

ص: 118

الأمم، وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل: موسى وعيسى، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما، إذا همَّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق، وهما يظنان أنه مؤمن؟». قلت: لا. فقال: «هذا موسى كليم اللّه، مع وفور عقله وكمال علمه، ونزول الوحي عليه، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال اللّه عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا}(1) إلى قوله: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً}(2)، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}(3)، فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكن الضمائر، ويتصرف عليه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار، بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح».

ثم قال مولانا (عليه السلام) : «يا سعد، وحين ادعى خصمك أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار، إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد أمور التأويل، والملقى إليه أزمة الأمة، المعول عليه في لم الشعث، وسد الخلل، وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري، أن يروم الهارب من البشر مساعدةً من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث له، ولا يحفل به، ولاستثقاله إياه، وعلمه بأنه إن قتل

ص: 119


1- سورة الأعراف: 155.
2- سورة البقرة: 55.
3- سورة النساء: 153.

لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها، فهلا نقضت عليه دعواه بقولك: أليس قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الخلافة بعدي ثلاثون سنةً، فجعل هذه موقوفةً على أعمار الأربعة، الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، وكان لا يجد بداً من قوله لك: بلى. فكنت تقول له حينئذٍ: أ ليس كما علم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن الخلافة بعده لأبي بكر، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر، ومن بعد عمر لعثمان، ومن بعد عثمان لعلي، فكان أيضاً لا يجد بداً من قوله لك: نعم. ثم كنت تقول له: فكان الواجب على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يخرجهم جميعاً على الترتيب إلى الغار، ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم، وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.

ولما قال: أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً، لِمَ لم تقل له: بل أسلما طمعاً؛ لأنهما كانا يجالسان اليهود، ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وسائر الكتب المتقدمة، الناطقة بالملاحم من حال إلى حال، من قصة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومن عواقب أمره، فكانت اليهود تذكر أن محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يُسلَّط على العرب، كما كان بخت نصَّر سُلِّط على بني إسرائيل، ولابد له من الظفر بالعرب، كما ظفر بخت نصَّر ببني إسرائيل، غير أنه كاذب في دعواه، فأتيا محمداً فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلا اللّه، وبايعاه طمعاً في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد، إذا استقامت أموره، واستتبت أحواله.

فلما أيسا من ذلك، تلثما وصعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه، فدفع اللّه كيدهم، وردهم {بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}(1)، كما أتى طلحة

ص: 120


1- سورة الأحزاب: 25.

والزبير علياً (عليه السلام) فبايعاه، وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع اللّه كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين».

قال سعد: ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) إلى الصلاة مع الغلام، فانصرفت عنهما، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق، فاستقبلني باكياً. فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟!. قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره. فقلت: لا عليك، فأخبره. فدخل عليه، وانصرف من عنده متبسماً، وهو يصلي على محمد وآل محمد. فقلت: ما الخبر؟. قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا (عليه السلام) يصلي عليه.

قال سعد: فحمدنا اللّه جل ذكره على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا (عليه السلام) أياماً، فلا نرى الغلام بين يديه. فلما كان يوم الوداع، دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أرضنا، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً، وقال: يا ابن رسول اللّه، قد دنت الرحلة، واشتدت المحنة، ونحن نسأل اللّه أن يصلي على المصطفى جدك، وعلي المرتضى أبيك، وعلى سيدة النساء أمك، وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك، وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلي عليك وعلى ولدك، ونرغب إلى اللّه أن يعلي كعبك، ويكبت عدوك، ولا جعل اللّه هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال: فلما قال هذه الكلمة، استعبر مولانا (عليه السلام) حتى استهلت دموعه، وتقاطرت عبراته، ثم قال: «يا ابن إسحاق، لا تكلف في دعائك شططاً؛ فإنك ملاق اللّه في صدرك هذا». فخر أحمد مغشياً عليه، فلما أفاق قال: سألتك باللّه وبحرمة جدك، إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفناً. فأدخل مولانا (عليه السلام) يده تحت البساط، فأخرج ثلاثة

ص: 121

عشر درهماً، فقال: «خذها، ولا تنفق على نفسك غيرها؛ فإنك لن تعدم ما سألت، وإن اللّه تبارك وتعالى لا يضيع {أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}(1)».

قال سعد: فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (عليه السلام) من حلوان على ثلاثة فراسخ، حم أحمد بن إسحاق، وصارت عليه علة صعبة، أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان، ونزلنا في بعض الخانات، دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي. فانصرفنا عنه، ورجع كل واحد منا إلى مرقده، قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة، ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد (عليه السلام) ، وهو يقول: أحسن اللّه بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم وتكفينه، فقوموا لدفنه؛ فإنه من أكرمكم محلاً عند سيدكم. ثم غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه، وفرغنا من أمره (رحمه اللّه) (2).

فقهيات

من التوقيعات الشريفة المشتملة على أجوبة المسائل الفقهية:

* سُئل (عليه السلام) عن المصلي إذا قام من التشهد الأول للركعة الثالثة، هل يجب عليه أن يكبر، فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول اللّه وقوته أقوم وأقعد؟.

ص: 122


1- سورة الكهف: 30.
2- بحار الأنوار: ج52 ص78-88، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب19 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح1.

الجواب: «قال: إن فيه حديثين، أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه تكبير، وأما الآخر فإنه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية، فكبر ثم جلس ثم قام، فليس عليه للقيام بعد القعود تكبير، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى، وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صواباً»(1).

* وعن الفص الخُماهَن، هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟.

الجواب: «فيه كراهية أن يصلي فيه، وفيه إطلاق والعمل على الكراهة»(2).

* وعن رجل اشترى هدياً لرجل غائب عنه، وسأله أن ينحر عنه هدياً بمنى، فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي، ثم ذكره بعد ذلك، أ يجزئ عن الرجل أم لا؟.

الجواب: «لا بأس بذلك، وقد أجزأ عن صاحبه»(3).

* وعندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة، ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟.

الجواب: «لا بأس بالصلاة فيها»(4).

* وعن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة، ويضع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة، هل يعتد بهذه

ص: 123


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص378-379، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص483-484، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
3- بحار الأنوار: ج53 ص155، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31، ح2.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص379، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.

السجدة أم لا يعتد بها؟.

الجواب: «ما لم يستو جالساً، فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة»(1).

* وعن المحرم يرفع الظلال، هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسة ويرفع الجناحين أم لا؟.

الجواب: «لا شيء عليه في تركه وجميع الخشب»(2).

* وعن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟.

الجواب: «إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه، فعليه دم»(3).

* والرجل يحج عن أحد، هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا، وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟.

الجواب: «قد يجزيه هدي واحد، وإن لم يفصل فلا بأس»(4).

* وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا؟.

الجواب: «لا بأس بذلك، وقد فعله قوم صالحون»(5).

ص: 124


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص484، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
2- بحار الأنوار: ج53 ص156، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ح2.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص380، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
4- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص484، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
5- بحار الأنوار: ج53 ص156، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح2.

* وهل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجله بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟.

الجواب: «جائز»(1).

* ويصلي الرجل ومعه في كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك؟.

الجواب: «جائز»(2).

* وعن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ومتصلاً بهم، يحج ويأخذ على الجادة، ولا يحرمون هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة، أم لا يجوز أن يحرم إلا من المسلخ؟.

الجواب: «يحرم من ميقاته، ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر»(3).

* وعن لبس النعل المعطون، فإن بعض أصحابنا يذكر أن لبسه كريه؟.

الجواب: «جائز ذلك ولا بأس به»(4).

* وعن الرجل من وكلاء الوقف مستحلاً لما في يده، لا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته وهو فيها، أو أدخل منزله، وقد حضر طعامه، فيدعوني إليه،

ص: 125


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص381، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص484، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
3- بحار الأنوار: ج53 ص157، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح2.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص382، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.

فإن لم آكل من طعامه عاداني، وقال: فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه، وأتصدق بصدقة، وكم مقدار الصدقة؟. وإن أهدى هذا الوكيل هديةً إلى رجل آخر، فأحضر فيدعوني إلى أن أنال منها، وأنا أعلم أن الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده، فهل عليَّ فيه شيء إن أنا نلت منها؟.

الجواب: «إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده، فكل طعامه واقبل بره، وإلا فلا»(1).

* وعن الرجل يقول بالحق، ويرى المتعة، ويقول بالرجعة، إلا أن له أهلاً موافقةً له في جميع أمره، وقد عاهدها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى، وقد فعل هذا منذ بضع عشرة سنةً ووفى بقوله، فربما غاب عن منزله الأشهر، فلا يتمتع ولا يتحرك نفسه أيضاً لذلك، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم، ويحب المقام على ما هو عليه، محبةً لأهله وميلاً إليها، وصيانةً لها ولنفسه، لا يحرِّم المتعة بل يدين اللّه بها، فهل عليه في تركه ذلك مأثم أم لا؟.

الجواب في ذلك: «يستحب له أن يطيع اللّه تعالى، ليزول عنه الحلف في المعصية، ولو مرةً واحدةً»(2).

استفتاءات

هناك استفتاءات عديدة كان يسألها الموالون عبر الوسائط، ويخرج التوقيع

ص: 126


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص485، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
2- بحار الأنوار: ج53 ص158، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح2.

الشريف بالجواب عنها، نذكر بعضها:

* سأل الراوي عن رجل يكون في محمله، والثلج كثير بقامة رجل، فيتخوف إن نزل الغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال، ولا يستوي له أن يلبد شيئاً عنه لكثرته وتهافته، هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة فقد فعلنا ذلك أياماً؟ فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟.

فأجاب (عليه السلام) : «لا بأس به عند الضرورة والشدة»(1).

* وسأل عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع، فيركع معه ويحتسب تلك الركعة، فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع، فليس له أن يعتد بتلك الركعة؟.

فأجاب (عليه السلام) : «إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحةً واحدةً، اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع»(2).

* وسأل عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر، فلما أن صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟.

فأجاب (عليه السلام) : «إن كان أحدث بين الصلاتين حادثةً يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، وإذا لم يكن أحدث حادثةً جعل الركعتين الأخيرتين تتمةً لصلاة الظهر، وصلى العصر بعد ذلك»(3).

ص: 127


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص488، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) ...
2- بحار الأنوار: ج53 ص163، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح4.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص488، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.

* وسأل عن أهل الجنة، هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟.

فأجاب (عليه السلام) : «إن الجنة لا حمل فيها للنساء، ولا ولادة، ولا طمث، ولا نفاس، ولا شقاء بالطفولية، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين كما قال سبحانه، فإذا اشتهى المؤمن ولداً خلقه اللّه عز وجل بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد، كما خلق آدم (عليه السلام) عبرةً»(1).

* وسأل عن رجل تزوج امرأةً بشيء معلوم إلى وقت معلوم، وبقي له عليها وقت، فجعلها في حل مما بقي له عليها، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة أيام، أ يجوز أن يتزوجها رجل آخر بشيء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة، أو يستقبل بها حيضةً أخرى؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يستقبل حيضةً غير تلك الحيضة؛ لأن أقل تلك العدة حيضة وطهارة تامة»(2).

* وسأل هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته؟.

فأجاب (عليه السلام) : «إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن لم تكن ربيت في حجره، وكانت أمها في غير عياله، فقد روي أنه جائز»(3).

* وسأل هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدتها بعد ذلك أم لا؟.

ص: 128


1- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص405، الغصن الخامس، الفرع التاسع، الخامسة عشرة من التوقيعات.
2- بحار الأنوار: ج53 ص163-164، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح4.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص489، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.

فأجاب (عليه السلام) : «قد نهي عن ذلك»(1).

* وسأل عن طين القبر - أي قبر الحسين (عليه السلام) - يوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يوضع مع الميت في قبره، ويخلط بحنوطه إن شاء اللّه»(2).

* وسأل فقال: روي لنا عن الصادق (عليه السلام) ، أنه كتب على إزار ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا اللّه، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يجوز ذلك»(3).

* وسأل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يسبح به، فما من شيء من السبح أفضل منه، ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة، فيكتب له التسبيح»(4).

* وسأل عن السجدة على لوح من طين القبر، وهل فيه فضل؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يجوز ذلك، وفيه الفضل»(5).

ص: 129


1- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص406، الغصن الخامس، الفرع التاسع، الخامسة عشرة من التوقيعات.
2- بحار الأنوار: ج53 ص165، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح4.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص489، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
4- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص406، الغصن الخامس، الفرع التاسع، الخامسة عشرة من التوقيعات.
5- بحار الأنوار: ج53 ص165، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح4.

* وسأل عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) ، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم (عليهم السلام) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلةً أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟.

فأجاب (عليه السلام) : «أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيادة، والذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه، ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره؛ لأن الإمام (عليه السلام) لا يتقدم عليه ولا يساوى»(1).

* وسأل عن الرجل تعرض له حاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين، فيكتب في أحدهما: نعم افعل، وفي الآخر: لا تفعل. فيستخير اللّه مراراً ثم يرى فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له أ هو يجوز مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟.

فأجاب (عليه السلام) : «الذي سنَّه العالم (عليه السلام) في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة»(2).

* وسأل عن صلاة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) في أي أوقاتها أفضل أن تصلى فيه؟ وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أي ركعة منها؟.

فأجاب (عليه السلام) : «أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثم في أي الأيام شئت، وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز، والقنوت مرتان في الثانية

ص: 130


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص490، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
2- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص408، الغصن الخامس، الفرع التاسع، الخامسة عشرة من التوقيعات.

قبل الركوع والرابعة»(1).

* وسأل عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله، وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه، ثم يجد في أقربائه محتاجاً، أ يصرف ذلك عمن نواه له إلى قرابته؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلى قول العالم (عليه السلام) : لا يقبل اللّه الصدقة وذو رحم محتاج، فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله»(2).

* وسأل عن المسح على الرجلين بأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يمسح عليهما جميعاً معاً، فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا باليمين»(3).

* وسأل عن صلاة جعفر في السفر، هل يجوز أن تصلى أم لا؟.

فأجاب (عليه السلام) : «يجوز ذلك»(4).

* وسأل عن تسبيح فاطمة (عليها السلام) ، من سها فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين، هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبح تمام سبعة وستين، هل يرجع

ص: 131


1- بحار الأنوار: ج53 ص168، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح4.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص491، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
3- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص409، الغصن الخامس، الفرع التاسع، الخامسة عشرة من التوقيعات.
4- بحار الأنوار: ج53 ص170، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح4.

إلى ستة وستين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلك؟.

فأجاب (عليه السلام) : «إذا سها في التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين عاد إلى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحةً عاد إلى ستة وستين وبنى عليها، فإذا جاوز التحميد مائةً فلا شيء عليه»(1).

ص: 132


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص492، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.

6

معاجز وكرامات

حجة اللّه البالغة

روي أنه لما خرج صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أمه، سقط جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابته نحو السماء، ثم عطس فقال: «الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّى اللّه عَلَى مُحمَّدٍ وَآلِهِ، عَبْداً دَاخِراً غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ».

ثم قال: «زعمت الظلمة أن حجة اللّه داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشك»(1).

نطق المولود

في الرواية، أن الإمام المهدي (عليه السلام) عند ولادته نطق بإذن اللّه تعالى، فاستعاذ من الشيطان الرجيم واستفتح: «بِسْمِ اللّه الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(2)». وصلى على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والأئمة (عليهم السلام) واحداً واحداً، حتى انتهى إلى أبيه (عليه السلام) (3).

ص: 133


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص244-245، الفصل 2.
2- سورة القصص: 5-6.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص236، الفصل 2.

الشهادة الثالثة

عن السيدة حكيمة (عليها السلام) ، قالت: إنه كان ليلة النصف من شعبان - وساقت الحديث إلى قولها - فإذا أنا بحس سيدي... فكشفت عن سيدي فإذا هو ساجد، متلقياً الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}(1)، فضممته إليَّ، فوجدته مفروغاً منه، فلففته في ثوب وحملته إلى أبي محمد (عليه السلام) ... فقال المولود: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمداً رسول اللّه، وأن علياً أمير المؤمنين ولي اللّه، ثم لم يزل يعدِّد السادة الأئمة (عليهم السلام) إلى أن بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه بالفرج على يده(2).

الحمل والولادة

وُلد الإمام المهدي (عليه السلام) ولم يكن بأمه السيدة نرجس (عليها السلام) أثر الحمل(3).

وروي أنه وُلد السيد (عليه السلام) مختوناً(4).

وقالت السيدة حكيمة (عليها السلام) : لم ير بأمه دم في نفاسها، وهذا سبيل أمهات الأئمة (صلوات اللّه عليهم)(5).

ص: 134


1- سورة الإسراء: 81.
2- بحار الأنوار: ج51 ص26، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب ولادته، ضمن ح37.
3- الهداية الكبرى للخصيبي: ص355، الباب الرابع عشر باب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) .
4- إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب - المسعودي: ص259، قيام صاحب الزمان.
5- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص433، الباب42 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح14.

العروج به

تقول السيدة حكيمة (عليها السلام) - في رواية ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) -: ثم وقع بيني وبين أبي محمد (عليه السلام) كالحجاب، فلم أرَ سيدي. فقلت للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : يا سيدي، أين مولانا؟. فقال: «أخذه من هو أحق به منكِ، فإذا كان اليوم السابع فأتينا»(1).

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : «لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة، أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش، حتى وقفا به بين يدي اللّه عز وجل. فقال له: مرحباً بك عبدي لنصرة ديني، وإظهار أمري، ومهدي عبادي، آليت أني بك آخذ وبك أُعطي، وبك أغفر وبك أعذب. اردداه أيها الملكان، رداه رداه على أبيه رداً رفيقاً، وأبلغاه فإنه في ضماني وكنفي وبعيني إلى أن أحق به الحق، وأزهق به الباطل، ويكون الدين لي واصباً»(2).

في اليوم السابع

قالت السيدة حكيمة (عليها السلام) : فلما جاء في اليوم السابع، أتيت وسلمت وجلست. فقال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : «هلمي ابني»... ثم قال: «تكلم يا بني». فقال المهدي (عليه السلام) : «أشهد أن لا إله إلا اللّه»، وأثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والأئمة، حتى وقف على أبيه (عليه السلام) ثم قرأ: «{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ

ص: 135


1- الهداية الكبرى للخصيبي: ص356، الباب الرابع عشر باب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج51 ص27، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب ولادته، ضمن ح37.

وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(1)». ثم قال: «اقرأ يا بني مما أنزل اللّه على أنبيائه ورسله». فابتدأ بصحف شيث وإبراهيم قرأها بالسريانية، وصحف إدريس، ونوح، وهود، وصالح، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وقرآن جده رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وعليهم أجمعين)، ثم قص قصص الأنبياء والمرسلين إلى عهده(2).

بشارة العطاس

عن نسيم خادمة أبي محمد (عليه السلام) ، قالت: قال لي صاحب الزمان (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده، فقال لي: «يرحمكِ اللّه». قالت نسيم: ففرحت بذلك. فقال لي (عليه السلام) : «أ لا أبشركِ في العطاس». فقلت: بلى يا مولاي. قال: «هو أمان من الموت ثلاثة أيام»(3).

وفي رواية: دخلت على صاحب الزمان بعد مولده بعشر ليال(4).

وربما تكررت القصة وحدثت مرتين.

النور الساطع

روي أنه لما ولد الخلف المهدي (صلوات اللّه عليه)، سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجداً لربه تعالى ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول: «{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

ص: 136


1- سورة القصص: 5-6.
2- الهداية الكبرى للخصيبي: ص356، الباب الرابع عشر باب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) .
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص430، الباب42 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ضمن ح5.
4- منتخب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام) : ص160، الفصل العاشر.

الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلَامُ}(1)»(2).

وبعد أربعين يوماً

قالت السيدة حكيمة (عليها السلام) : ... فلما كان بعد أربعين يوماً، دخلت على أبي محمد (عليه السلام) ، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته. فقال أبو محمد (عليه السلام) : «هذا المولود الكريم على اللّه عز وجل». فقلت: سيدي، أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً!. فتبسم وقال: «يا عمتي، أما علمت أنا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة». فقمت فقبَّلت رأسه وانصرفت، ثم عدت وتفقدته فلم أره. فقلت لأبي محمد (عليه السلام) : ما فعل مولانا؟. فقال: «يا عمة، استودعناه الذي استودعت أم موسى»(3).

ولادة المؤمنين

عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: «إن الليلة التي يُولد فيها القائم (عليه السلام) لا يُولد فيها مولود إلا كان مؤمناً، وإن وُلد في أرض الشرك نقله اللّه إلى الإيمان؛ ببركة الإمام (عليه السلام) »(4).

ميل الكحل المبارك

قال محمد بن عيسى بن أحمد البزرجي: رأيت بسر من رأى رجلاً شاباً في

ص: 137


1- سورة آل عمران: 18-19.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص296، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح37.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص239، الفصل 2.
4- بحار الأنوار: ج51 ص28، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب ولادته، ضمن ح37.

المسجد المعروف بمسجد زبيدة، وذكر أنه هاشمي من ولد موسى بن عيسى، فلما كلَّمني صاح بجارية، وقال: يا غزال أو يا زلال. فإذا أنا بجارية مسنة، فقال لها: يا جارية، حدِّثي مولاكِ بحديث الميل والمولود. فقالت: كان لنا طفل وجع. فقالت لي مولاتي: ادخلي إلى دار الحسن بن علي (عليه السلام) فقولي لحكيمة تعطينا شيئاً نستشفي به مولودنا. فدخلت عليها وسألتها ذلك، فقالت حكيمة: ائتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة، يعني ابن الحسن بن علي (عليه السلام) ، فأتيت بالميل فدفعته إليَّ، وحملته إلى مولاتي، فكحلت المولود، فعوفي وبقي عندنا، وكنا نستشفي به ثم فقدناه(1).

عند هجوم بني العباس

عن أبي الحسن بن وجناء يقول: حدَّثنا أبي، عن جده، أنه كان في دار الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) . قال: فكبستنا الخيل، وفيهم جعفر بن علي بن محمد، واشتغلوا بالنهب والغارة، وكانت همتي في مولاي القائم (عليه السلام) - قال - وإذا به (عليه السلام) قد أقبل خارجاً عليهم من الباب - وأنا أنظر إليه - وهو (عليه السلام) ابن ست سنين، فلم يره أحد حتى غاب(2).

وفي رواية: ثم بعثوا عسكراً أكثر، فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن، فاجتمعوا على بابه، وحفظوه حتى لا يصعد ولا يخرج، وأميرهم قائم حتى يصل العسكر كلهم، فخرج من السكة التي على باب السرداب ومرَّ

ص: 138


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص518، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح46.
2- منتخب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام) : ص159، الفصل العاشر.

عليهم، فلما غاب قال الأمير: انزلوا عليه. فقالوا: أ ليس هو مرَّ عليك. فقال ما رأيت. قال: ولِمَ تركتموه!. قالوا: إنا حسبنا أنك تراه(1).

حصير على الماء

عن رشيق صاحب المادراني، قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب كل واحد منا فرساً ونجنب آخر، ونخرج مختفين لا يكون معنا قليل ولا كثير، إلا على السرج مصلًّى، وقال لنا: الحقوا بسامراء - ووصف لنا محلةً وداراً - وقال: إذا أتيتموها تجدوا على الباب خادماً أسود، فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه. يقول: فوافينا سامراء، فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود، وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها. فقال: صاحبها. فو اللّهِ ما التفت إلينا، وقلَّ اكتراثه بنا.

فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا داراً سريةً، ومقابل الدار ستر ما نظرت قط إلى أنبل منه، كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحراً فيه، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئةً قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا، ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطى البيت، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه، فخلصته وأخرجته، وغشي عليه وبقي ساعةً، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً. فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى اللّه وإليك، فو اللّهِ ما علمت كيف الخبر، ولا إلى من أجيء، وأنا تائب إلى اللّه. فما التفت إلى شيء مما قلنا، وما

ص: 139


1- بحار الأنوار: ج52 ص52-53، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح37.

انفتل عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم إلى الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا. فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي، أو جرى منكم إلى أحد سبب أو قول؟. قلنا: لا. فقال: أنا نفي من جدي - وحلف بأشد أيمان له - أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربن أعناقنا، فما جسرنا أن نحدِّث به إلا بعد موته(1).

عصا موسى وتابوت آدم

عن محمد بن علي (عليه السلام) ، قال: «كان عصا موسى (عليه السلام) لآدم، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران (عليه السلام) ، وإنها لعندنا، وإن عهدي بها آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها، وإنها لتنطق إذا استنطقت، أُعدِّت لقائمنا (عليه السلام) ؛ ليصنع كما كان موسى (عليه السلام) يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون، وتصنع كما تؤمر، وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون، تفتح لها شفتان إحداهما في الأرض والأخرى في السقف، وبينهما أربعون ذراعاً، وتلقف ما يأفكون بلسانها»(2).

وعن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «كانت عصا موسى (عليه السلام) قضيب آس من غرس الجنة، أتاه بها جبرئيل (عليه السلام) لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتغيرا، حتى يخرجها

ص: 140


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص311-312، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الثاني، ح92.
2- بحار الأنوار: ج52 ص318، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح19.

القائم (عليه السلام) إذا قام»(1).

ركوب السحاب الصعب

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن اللّه خيَّر ذا القرنين السحابين: الذلول والصعب، فاختار الذلول وهو ما ليس فيه برق ولا رعد، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك؛ لأن اللّه ادخره للقائم (عليه السلام) »(2).

وعن سورة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «أما إن ذا القرنين قد خُيِّر السحابتين، فاختار الذلول، وذخر لصاحبكم الصعب». قال: قلت: وما الصعب؟. قال: «ما كان من سحاب فيه رعد أو صاعقة أو برق، فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب، ويرقى في الأسباب، أسباب السماوات السبع والأرضين السبع، خمس عوامر واثنتان خرابان»(3).

شاب المنظر

عن الهروي، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : ما علامة القائم (عليه السلام) منكم إذا خرج؟. قال: «علامته أن يكون شيخ السن، شاب المنظر، حتى إن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنةً أو دونها، وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتيه أجله»(4).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «لو خرج القائم لقد أنكره

ص: 141


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص238، الباب 13، حكمه (عليه السلام) ، ح27.
2- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى اللّه عليهم): ج1 ص409،الباب 15، ح4.
3- الاختصاص: ص199، ما روي في أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ، فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) .
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص652، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح12.

الناس، يرجع إليهم شاباً موفقاً، فلا يلبث عليه إلا كل مؤمن أخذ اللّه ميثاقه في الذر الأول»(1).

طي الأرض وعدم الظل

قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام) : «لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له. إن أكرمكم عند اللّه عز وجل أعملكم بالتقية قبل خروج قائمنا، فمن تركها قبل خروج قائمنا فليس منا». فقيل له: يا ابن رسول اللّه، ومن القائم منكم أهل البيت؟. قال: «الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهر اللّه به الأرض من كل جور، ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربها، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحد أحداً، وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل، وهو الذي ينادي منادٍ من السماء باسمه، يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه، يقول: ألا إن حجة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فاتبعوه، فإن الحق معه وفيه، وهو قول اللّه عز وجل: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(2)»(3).

خلاص المحبوس

عن محمد بن صالح، قال: كتبت أسأل الدعاء لبادا شاله وقد حبسه ابن عبد العزيز، واستأذن في جارية لي أستولدها. فخرج: «استولدها ويفعل اللّه ما يشاء،

ص: 142


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص420، الفصل 7، ذكر عمر الإمام المهدي (عليه السلام) .
2- سورة الشعراء: 4.
3- بحار الأنوار: ج52 ص321-322، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح29.

والمحبوس يخلصه اللّه». فاستولدت الجارية فولدت فماتت، وخلي عن المحبوس يوم خرج إليَّ التوقيع(1).

ما عرفنا لهذا دواءً

عن محمد بن يوسف الشاشي، قال: خرج بي ناسور، فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالاً، فلم يصنع الدواء فيه شيئاً، فكتبت رقعةً أسأل الدعاء. فوقع لي: «ألبسك اللّه العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة». فما أتت عليَّ الجمعة حتى عوفيت، وصار الموضع مثل راحتي، فدعوت طبيباً من أصحابنا وأريته إياه. فقال: ما عرفنا لهذا دواءً، وما جاءتك العافية إلا من قبل اللّه بغير احتساب(2).

قلع الشجرة

عن الريان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : أنت صاحب هذا الأمر؟. فقال: «أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذاك على ما ترى من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشباب، قوياً في بدنه، حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى (عليه السلام) وخاتم سليمان (عليه السلام) ، ذاك الرابع من ولدي، يغيِّبه اللّه في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما

ص: 143


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص489، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح12.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص357-358، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل شذرات من معاجز الإمام المهدي ودلائله.

ملئت جوراً وظلماً»(1).

نبع الماء وإخبار بالغيب

كان بالكوفة شيخ قصَّار، وكان موسوماً بالزهد، منخرطاً في سلك السياحة، متبتلاً للعبادة، مقتضياً للآثار الصالحة... قال: كنت ذات ليلة بمسجد جعفي، وهو مسجد قديم في ظاهر الكوفة، وقد انتصف الليل وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة، إذا أقبل عليَّ ثلاثة أشخاص، فدخلوا المسجد، فلما توسطوا صرحته، جلس أحدهم ثم مسح الأرض بيده يمنةً ويسرةً، فحصحص الماء ونبع، فأسبغ الوضوء منه، ثم أشار إلى الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء، فتوضئا ثم تقدم فصلى بهما إماماً، فصليت معهم مؤتماً به، فلما سلم وقضى صلاته، بهرني حاله، واستعظمت فعله من إنباع الماء، فسألت الشخص الذي كان منهما إلى يميني عن الرجل. فقلت له: من هذا؟. فقال لي: هذا صاحب الأمر، ولد الحسن (عليه السلام) .

فدنوت منه وقبلت يديه. وقلت له: يا ابن رسول اللّه، ما تقول في الشريف عمر بن حمزة، هل هو على الحق؟. فقال: «لا، وربما اهتدى، إلا أنه ما يموت حتى يراني». فاستطرفنا هذا الحديث، فمضت برهة طويلة، فتوفي الشريف، ولم يشع أنه لقيه، فلما اجتمعت بالشيخ الزاهد ابن نادية، أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها. وقلت له - مثل الراد عليه -: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف لا يموت حتى يرى صاحب الأمر الذي أشرت إليه؟. فقال لي: ومن أين علمت لك أنه لم يره!. ثم إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب، ولد الشريف عمر بن

ص: 144


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص524، الباب الثاني من الركن الرابع، الفصل الثاني.

حمزة وتفاوضنا أحاديث والده. فقال: إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي، وهو في مرضه الذي مات فيه، وقد سقطت قوته بواحدة وخفت موته، والأبواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه، واستطرفنا دخوله، وذهلنا عن سؤاله، فجلس إلى جنب والدي، وجعل يحدثه ملياً ووالدي يبكي، ثم نهض، فلما غاب عن أعيننا تحامل والدي. وقال: أجلسوني. فأجلسناه، وفتح عينيه وقال: أين الشخص الذي كان عندي؟. فقلنا: خرج من حيث أتى. فقال: اطلبوه. فذهبنا في أثره، فوجدنا الأبواب مغلقةً، ولم نجد له أثراً، فعدنا إليه فأخبرناه بحاله، وأنا لم نجده، وسألناه عنه. فقال: هذا صاحب الأمر. ثم عاد إلى ثقله في المرض، وأغمي عليه(1).

ابنا بابويه

روي أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه، فلم يرزق منها ولداً. فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضوان اللّه عليه) أن يسأل الحضرة (عليه السلام) أن يدعو اللّه أن يرزقه أولاداً فقهاء. فجاء الجواب: «إنك لا ترزق من هذه، وستملك جاريةً ديلميةً، وترزق منها ولدين فقيهين».

قال أبو عبد اللّه بن سورة: ولأبي الحسن بن بابويه ثلاثة أولاد: محمد والحسين فقيهان ماهران في الحفظ، يحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل قم، ولهما أخ اسمه الحسن - وهو الأوسط - مشتغل بالعبادة والزهد، لا يختلط بالناس ولا فقه له.

ص: 145


1- مجموعة ورام: ج2 ص303-305، باب ذكر جمل من مناهي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

قال ابن سورة كلما روى أبو جعفر وأبو عبد اللّه ابنا علي بن الحسين شيئاً، يتعجب الناس من حفظهما، ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام (عليه السلام) لكما، وهذا أمر مستفيض في أهل قم(1).

وفي رواية: اجتمع علي بن الحسين بن بابويه مع أبي القاسم الحسين بن روح، وسأله مسائل، ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعةً إلى الصاحب (عليه السلام) ، ويسأله فيها الولد. فكتب إليه: «قد دعونا اللّه لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيِّرين». فولد له أبو جعفر وأبو عبد اللّه من أم ولد، وكان أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه يقول: سمعت أبا جعفر يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر (عليه السلام) ، ويفتخر بذلك(2).

وقال أبو عبد اللّه بن بابويه: عقدت المجلس ولي دون العشرين سنةً، فربما كان يحضر مجلسي أبو جعفر محمد بن علي الأسود، فإذا نظر إلى إسراعي في الأجوبة في الحلال والحرام، يكثر التعجب لصغر سني، ثم يقول: لا عجب؛ لأنك ولدت بدعاء الإمام (عليه السلام) (3).

سيخلف عليك

حدَّث أبو جعفر(4)، قال: وُلد لي مولود، فكتبتُ أستأذن في تطهيره يوم

ص: 146


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص308-309، الفصل 4.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص331-332، الباب 33، الفصل الثالث عشر، ح149.
3- بحار الأنوار: ج51 ص336، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح61.
4- هو: الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العَمري الأسدي، السفير الثاني للإمام (عليه السلام) في عهد الغيبة الصغرى.

السابع أو الثامن، فلم يكتب شيئاً، فمات المولود يوم الثامن، ثم كتبت أخبر بموته. فورد: «سيخلف عليك غيره وغيره، فسمه أحمد وبعد أحمد جعفراً». فجاء ما قال (عليه السلام) .

قال: وتزوجت بامرأة سراً، فلما وطئتها علقت، وجاءت بابنة. فاغتممت وضاق صدري، فكتبت أشكو ذلك. فورد: «ستكفاها». فعاشت أربع سنين ثم ماتت، فورد: «اللّه ذو أناة وأنتم تستعجلون». قال: ولما ورد نعي ابن هلال (لعنه اللّه) جاءني الشيخ. فقال لي: أخرج الكيس الذي عندك، فأخرجته، فأخرج إليَّ رقعةً فيها: «وأما ما ذكرت من أمر الصوفي المتصنع - يعني الهلالي - بتر اللّه عمره». ثم خرج من بعد موته: «فقد قصدنا فصبرنا عليه، فبتر اللّه عمره بدعوتنا»(1).

إنك ستحج هذه السنة

عن الحسن بن الفضل اليماني، قال: ضاق صدري ببغداد في مقامي. فقلت في نفسي: أخاف أن لا أحج في هذه السنة، ولا أنصرف إلى منزلي. وقصدت أبا جعفر أقتضيه جواب رقعة كنت كتبتها. فقال: صر إلى المسجد الذي في مكان كذا وكذا؛ فإنه يجيئك رجل يخبرك بما تحتاج إليه. فقصدت المسجد، وبينا أنا فيه إذ دخل عليَّ رجل، فلما نظر إليَّ سلَّم وضحك، وقال لي: أبشر فإنك ستحج في هذه السنة، وتنصرف إلى أهلك سالماً إن شاء اللّه(2).

ص: 147


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص489، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ضمن ح12.
2- بحار الأنوار: ج51 ص329، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح52.

لا تخرج معهم

عن علي بن محمد الشمشاطي - رسول جعفر بن إبراهيم اليماني - قال: كنت مقيماً ببغداد، وتهيأت قافلة اليمانيين للخروج. فكتبت أستأذن في الخروج معها، فخرج: «لا تخرج معها، فما لك في الخروج خيرة، وأقم بالكوفة». وخرجت القافلة، فخرج عليها بنو حنظلة واجتاحوها.

قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء، فخرج: «لا تفعل». فما خرجت سفينة في تلك السنة، إلا خرج عليها البوارج فقطعوا عليها(1).

بعد ثلاثين سنة

عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: لما وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحج، وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همي من ينصب الحجر؛ لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه، وأنه إنما ينصبه في مكانه الحجة (عليه السلام) في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه واستقر. فاعتللت علةً صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدته، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعةً مختومةً، أسأل فيها عن مدة عمري، وهل يكون الموتة في هذه العلة أم لا، وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه، وإنما أندبك لهذا.

قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة، وعزم على إعادة الحجر، بذلت لسدنة البيت جملةً، تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في

ص: 148


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص491، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح14.

مكانه. فأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات. فانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عني يميناً وشمالاً، حتى ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع الشد خلفه، وهو يمشي على تؤدة السير ولا أدركه، فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليَّ. فقال: «هات ما معك». فناولته الرقعة، فقال - من غير أن ينظر فيها -: «قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنةً». قال: فوقع عليَّ الزمع حتى لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف. ومات ابن قولويه بعد ثلاثين سنة من ذلك(1).

أنت فلان

عن علي بن محمد الشمشاطي - رسول جعفر بن إبراهيم اليماني - قال: خرجت زائراً إلى العسكر، فأنا في المسجد مع المغرب، إذ دخل عليَّ غلام. فقال لي: قم. فقلت: من أنا، وإلى أين أقوم؟.

قال لي: أنت علي بن محمد - رسول جعفر بن إبراهيم اليماني - قم إلى المنزل. قال: وما كان علم أحد من أصحابنا بموافاتي. قال: فقمت إلى منزله، واستأذنت في أن أزور من داخل، فأذن لي(2).

ص: 149


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص502، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب الخامس والعشرون.
2- بحار الأنوار: ج51 ص330، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح53.

نبع الماء

روى العلامة المجلسي (رحمه اللّه) - في قصة - أن أبا سورة تشرف بلقاء الإمام المهدي (عليه السلام) ، فسأله عن حاله. قال أبو سورة: فأخبرته بضيقتي وبعيلتي، فلم يزل يماشيني حتى انتهيت إلى النواويس في السحر، فجلسنا ثم حفر بيده فإذا الماء قد خرج، فتوضأ ثم صلى ثلاث عشرة ركعةً. ثم قال لي: «امض إلى أبي الحسن علي بن يحيى، فاقرأ عليه السلام، وقل له: يقول لك الرجل ادفع إلى أبي سورة من السبعمائة دينار التي مدفونة في موضع كذا وكذا مائة دينار». وإني مضيت من ساعتي إلى منزله، فدققت الباب. فقال: من هذا؟. فقلت: قولي لأبي الحسن: هذا أبو سورة. فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة!. ثم خرج إليَّ، فسلَّمت عليه وقصصت عليه الخبر، فدخل وأخرج إليَّ مائة دينار فقبضتها. فقال لي: صافحته؟. فقلت: نعم. فأخذ يدي، فوضعها على عينيه، ومسح بها وجهه(1).

آجرك اللّه

عن أبي رجاء البصري، قال: كتب رجلان من أهل مصر في ولدين لهما، فورد - عن الناحية المقدسة -: «أما أنت يا فلان فآجرك اللّه». ودعا للآخر، فمات ابن المعزى(2).

لا سبيل إلى ذلك

قال أبو جعفر محمد بن علي الأسود: وسألته (عليه السلام) في أمر نفسي أن يدعو اللّه

ص: 150


1- بحار الأنوار: ج52 ص15، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح12.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص492، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح15.

لي أن أرزق ولداً ذكراً، فلم يجبني إليه، وقال: «ليس إلى هذا سبيل»، فلم يولد لي(1).

منديل مبارك

أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي - ابن أخي طاهر - ببغداد طرف سوق القطن في داره، قال: قدم أبو الحسن علي بن أحمد بن علي العقيقي ببغداد في سنة ثمان وتسعين ومائتين إلى علي بن عيسى بن الجراح - وهو يومئذ وزير - في أمر ضيعة له فسأله. فقال له: إن أهل بيتك في هذا البلد كثير، فإن ذهبنا نعطي كلما سألونا طال ذلك أو كما قال. فقال له العقيقي: فإني أسأل من في يده قضاء حاجتي. فقال له علي بن عيسى: من هو ذلك؟. فقال: اللّه جل ذكره. فخرج مغضباً، قال: فخرجت وأنا أقول: في اللّه عزاء من كل هالك، ودرك من كل مصيبة - قال - فانصرفت، فجاءني الرسول من عند الحسين بن روح (رضوان اللّه عليه) فشكوت إليه، فذهب من عندي فأبلغه. فجاءني الرسول بمائة درهم عدداً ووزناً، ومنديل، وشيء من حنوط، وأكفان. وقال لي: «مولاك يقرئك السلام، ويقول لك: إذا همك أمر أو غم فامسح بهذا المنديل وجهك؛ فإنه منديل مولاك، وخذ هذه الدراهم، وهذا الحنوط، وهذه الأكفان، وستقضى حاجتك في ليلتك هذه، فإذا قدمت إلى مصر، مات محمد بن إسماعيل من قبلك بعشرة أيام، ثم مت بعده، فيكون هذا كفنك، وهذا حنوطك، وهذا جهازك». فكان كما قال(2).

ص: 151


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص306، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح77.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص317-318، الفصل 4.

نصف الثوب فقط

عن إسحاق بن حامد الكاتب، قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن، وله شريك مرجئ، فوقع بينهما ثوب نفيس. فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي. فقال شريكه: لست أعرف مولاك، ولكن افعل بالثوب ما تحب. فلما وصل الثوب شقه (عليه السلام) بنصفين طولاً، فأخذ نصفه ورد النصف وقال: «لا حاجة لنا في مال المرجئ»(1).

أبو راجح الحمامي الحلي

روي أنه كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير، رفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة. فأحضره وأمر بضربه، فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه، حتى إنه ضرب على وجهه، فسقطت ثناياه، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلةً من الحديد، وخرق أنفه، ووضع فيه شركةً من الشعر، وشد فيها حبلا وسلَّمه إلى جماعة من أصحابه، وأمرهم أن يدوروا به أزقة الحلة، والضرب يأخذه من جميع جوانبه، حتى سقط إلى الأرض وعاين الهلاك. فأخبر الحاكم بذلك فأمر بقتله، فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميت لما به، فاتركه وهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلد بدمه. وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته، وقد انتفخ وجهه ولسانه، فنعاه أهله بالموت، ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته. فلما كان من الغد غدا عليه الناس، فإذا هو قائم يصلي على أتم ما في حال صحته، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت،

ص: 152


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص510، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح40.

واندملت جراحاته، ولم يبق لها أثر، والشجة قد زالت من وجهه. فعجبوا من حاله، وساءلوه عن أمره، فقال: إني لما عاينت الموت، ولم يبق لي لسان أسأل اللّه تعالى به، فكنت أسأله بقلبي، واستغثت إلى مولاي سيدي محمد بن الحسن القائم (عليه السلام) ، فلما جنَّ عليَّ الليل، فإذا بالدار قد امتلأت نوراً، وإذا مولاي قد أمرَّ يده الشريفة على وجهي، وقال لي: «اخرج وكد على عيالك، فقد عافاك اللّه تعالى»، فأصبحت كما ترون(1).

سلِّم الحوانيت

عن محمد بن هارون، قال: كان للغريم (عليه السلام) عليَّ خمسمائة دينار. فأنا ليلةً ببغداد، وقد كان لها ريح وظلمة، وقد فزعت فزعاً شديداً، وفكرت فيما عليَّ ولي، وقلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين ديناراً، وقد جعلتها للغريم (عليه السلام) بخمسمائة دينار. فجاءني من يتسلم مني الحوانيت، وما كتبت إليه في شيء من ذلك، من قبل أن أنطق بلساني، ولا أخبرت به أحداً(2).

من كان في حاجة اللّه

عن أبي القاسم بن أبي حابس، قال: كنت أزور الحسين (عليه السلام) في النصف من شعبان، فلما كان سنةً من السنين وردت العسكر قبل شعبان، وهممت أن لا أزور في شعبان، فلما دخل شعبان. قلت: لا أدع زيارةً كنت أزورها. فخرجت زائراً، وكنت إذا وردت العسكر أعلمتهم برقعة أو رسالة، فلما كان في هذه

ص: 153


1- السلطان المفرج عن أهل الإيمان: ص37-39، قصة أبي راجح الحمامي.
2- بحار الأنوار: ج51 ص331، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح55.

الدفعة قلت لأبي القاسم الحسن بن أبي أحمد الوكيل: لا تعلمهم بقدومي؛ فإني أريد أن أجعلها زورةً خالصةً. فجاءني أبو القاسم وهو يتبسم، وقال: بعث إليَّ بهذين الدينارين، وقيل لي: ادفعهما إلى الحابسي، وقل له: من كان في حاجة اللّه، كان اللّه في حاجته»(1).

شفاء الفالج

روي أن الفقيه القارئ نجم الدين جعفر بن الزهدري كان به فالج، فعالجته جدته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ. فأشير عليها بأطباء بغداد فأحضرتهم له، فعالجوه زماناً طويلًا فلم يبرأ، فقيل لها: ألا أبتيه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان (عليه السلام) لعل اللّه تعالى يعافيه ويبرئه. ففعلت وأباتته تحتها، وإن صاحب الزمان (عليه السلام) أقامه وأزال عنه الفالج.

يقول: إني كنت مفلوجاً، وعجز الأطباء عني - وحكى ما كان مستفاضاً في الحلة من قضيته - وأن الحجة صاحب الزمان (عليه السلام) قال لي - وقد أنامتني جدتي تحت القبة -: «قم». فقلت: إني لا أقدر على القيام منذ سنين. فقال: «قم بإذن اللّه تعالى». وأعانني على القيام، فقمت وزال عني الفالج، وانطبق عليَّ الناس حتى كادوا يقتلوني، وأخذوا ما كان عليَّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبركون لذلك، وكساني الناس من ثيابهم، ورحت إلى البيت، وليس فيَّ أثر الفالج، وبعثت إلى الناس ثيابهم(2).

ص: 154


1- بحار الأنوار: ج51 ص331، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح56.
2- السلطان المفرج عن أهل الإيمان: ص45-46، القصة الثالثة.

صر إليهم

عن أبي القاسم بن أبي حابس، قال: مات لي غريم، فكتبت أستأذن في الخروج إلى ورثته بواسط، وقلت: أصير إليهم حدثان موته لعلِّي أصل إلى حقي، فلم يؤذن لي، ثم كتبت أستأذن ثانياً فلم يؤذن لي، فلما كان بعد سنتين كتب إليَّ ابتداءً: «صر إليهم». فخرجت إليهم، فوصلت إلى حقي(1).

كتاب بغير مداد

كتب هارون بن موسى بن الفرات في أشياء، وخطَّ بالقلم بغير مداد، يسأل الدعاء لابني أخيه، وكانا محبوسين. فورد عليه جواب كتابه، وفيه دعاء المحبوسين باسمهما(2).

ستلد أنثى

كتب رجل من ربض حميد، يسأل الدعاء في حمل له. فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربعة أشهر وستلد أنثى، فجاء كما قال (عليه السلام) (3).

بنات وحج ومال

كتب محمد بن محمد القصري، يسأل الدعاء أن يكفى أمر بناته، وأن يرزق الحج، ويرد عليه ماله. فورد عليه الجواب بما سأل، فحج سنته، ومات من بناته

ص: 155


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص493، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح18.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص302، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح57.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص494، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح18.

أربع، وكان له ستة، ورد عليه ماله(1).

بيع الدار وتقسيط الثمن

عن علي بن محمد بن إسحاق الأشعري، قال: كانت لي زوجة من الموالي، قد كنت هجرتها دهراً. فجاءتني فقالت: إن كنت قد طلقتني فأعلمني. فقلت لها: لم أطلقكِ، ونلت منها في ذلك اليوم. فكتبت إليَّ بعد أشهر تدعي أنها حملت، فكتبت في أمرها، وفي دار كان صهري أوصى بها للقائم (عليه السلام) ، أسأل أن تباع مني، وينجم عليَّ ثمنها. فورد الجواب في الدار: «قد أعطيت ما سألت، وكفَّ عن ذكر المرأة والحمل». فكتبت إليَّ المرأة بعد ذلك تعلمني أنها كتبت باطلاً، وأن الحمل لا أصل له(2).

ومَن أبى الاستئذان

عن جعفر بن عمرو، قال: خرجت إلى العسكر، وأم أبي محمد (عليه السلام) في الحياة، ومعي جماعة، فوافينا العسكر. فكتب أصحابي يستأذنون في الزيارة من داخل باسم رجل رجل. فقلت لهم: لا تثبتوا اسمي؛ فإني لا أستأذن. فتركوا اسمي، فخرج الإذن: «ادخلوا ومَنْ أبى أن يستأذن»(3).

مات الولد

قال أبو الحسن جعفر بن أحمد: كتب إبراهيم بن محمد بن الفرج الرخجي في

ص: 156


1- بحار الأنوار: ج51 ص332، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح56.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص303-304، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح65.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص498، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح21.

أشياء، وكتب في مولود وُلد له يسأل أن يسمى، فخرج إليه الجواب فيما سأل، ولم يكتب إليه في المولود شيء، فمات الولد(1).

حوار المجلس

قال أبو الحسن جعفر بن أحمد: جرى بين قوم من أصحابنا مجتمعين كلام في مجلس. فكتب (عليه السلام) إلى رجل منهم شرح ما جرى في المجلس(2).

اخرج إلى الحائر

عن أبي عبد اللّه بن سورة القمي يقول: سمعت سروراً، وكان رجلاً عابداً مجتهداً لقيته بالأهواز، غير أني نسيت نسبه يقول: كنت أخرس لا أتكلم، فحملني أبي وعمي في صبائي - وسني إذ ذاك ثلاث عشرة أو أربع عشرة - إلى الشيخ أبي القاسم بن روح (رضوان اللّه عليه)، فسألاه أن يسأل الحضرة أن يفتح اللّه لساني. فذكر الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح: «أنكم أمرتم بالخروج إلى الحائر». قال سرور: فخرجنا أنا وأبي وعمي إلى الحائر، فاغتسلنا وزرنا - قال - فصاح بي أبي وعمي: يا سرور. فقلت بلسان فصيح: لبيك. فقالا لي: ويحك تكلمت. فقلت: نعم. قال أبو عبد اللّه بن سورة: وكان سرور هذا رجلاً ليس بجهوري الصوت(3).

لا تخرج في هذه السنة

عن الحسين بن علي بن بابويه، قال: حدثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين، كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة على الحاج، وهي سنة تناثر

ص: 157


1- بحار الأنوار: ج51 ص334، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح58.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص304، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح69.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص309-310، الفصل 4.

الكواكب، أن والدي (رضوان اللّه عليه) كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدَّس اللّه روحه) يستأذن في الخروج إلى الحج. فخرج في الجواب: «لا تخرج في هذه السنة». فأعاد وقال: هو نذر واجب، أ فيجوز لي القعود عنه؟. فخرج في الجواب: «إن كان لابد فكن في القافلة الأخيرة». وكان في القافلة الأخيرة فسلم بنفسه، وقُتل من تقدمه في القوافل الأخر(1).

آجرك اللّه في صاحبك

عن الحسن بن عيسى العريضي، قال: لما مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ، ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر (عليه السلام) ، فاختلف عليه. وقال بعض الناس: إن أبا محمد (عليه السلام) قد مضى من غير خلف. وقال آخرون: الخلف من بعده جعفر. وقال آخرون: الخلف من بعده ولده. فبعث رجلاً يكنى أبو طالب إلى العسكر، يبحث عن الأمر وصحته، ومعه كتاب. فصار الرجل إلى جعفر، وسأله عن برهان. فقال له جعفر: لا يتهيأ لي في هذا الوقت. فصار الرجل إلى الباب، وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا المرسومين بالسفارة، فخرج إليه: «آجرك اللّه في صاحبك، فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يحب». وأجيب عن كتابه، وكان الأمر كما قيل له(2).

ستخلف غيره

عن علي بن محمد، قال: حدثني بعض أصحابنا. قال: وُلد لي ولد، فكتبت

ص: 158


1- بحار الأنوار: ج51 ص293، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح1.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص364، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل شذرات من معاجز الإمام المهدي ودلائله.

أستأذن في تطهيره يوم السابع. فورد: «لا تفعل». فمات يوم السابع أو الثامن، ثم كتبت بموته. فورد: «سيخلف غيره وغيره، فسم الأول أحمد، ومن بعد أحمد جعفراً». فجاء كما قال (عليه السلام) (1).

ستحج من قابل

عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت، قال: عزمت على الحج وتأهبت، فورد عليَّ: «نحن لذلك كارهون». فضاق صدري واغتممت، وكتبت: أنا مقيم بالسمع والطاعة، غير أني مغتم بتخلفي عن الحج. فوقَّع: «لا يضيقن صدرك؛ فإنك تحج من قابل». فلما كان من قابل استأذنت، فورد الجواب. فكتبت: أني عادلت محمد بن العباس، وأنا واثق بديانته وصيانته. فورد الجواب: «الأسدي نِعْمَ العديل، فإن قدم فلا تختر عليه». قال: فقدم الأسدي فعادلته(2).

جواب الثالث

عن الحسن بن الفضل بن زيد اليماني، قال: كتبت في معنيين، وأردت أن أكتب في الثالث، وامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك. فورد جواب المعنيين، والثالث الذي طويت مفسراً(3).

القاسم بن العلاء وصاحبه الناصبي

عن محمد بن أحمد الصفواني، قال: رأيت القاسم بن العلاء، وقد عمَّر مائة

ص: 159


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص455، ذكر الإمام الثاني عشر، باب طرف من دلائل صاحب الزمان (عليه السلام) وبيناته وآياته.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص416، الفصل 6، ذكر بعض الممدوحين في زمن سفراء المهدي (عليه السلام) ، منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رحمه اللّه) .
3- الكافي: ج1 ص521، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد الصاحب (عليه السلام) ، ح13.

سنة وسبع عشرة سنةً، منها ثمانين سنةً صحيح العينين، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمد العسكريين (عليهما السلام) ، وحجب بعد الثمانين، وردت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام؛ وذلك أني كنت مقيماً عنده بمدينة الران من أرض آذربيجان، وكان لا ينقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، وبعده على يد أبي القاسم الحسين بن روح (قدَّس اللّه أرواحهما)، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، فغلق (رحمه اللّه) لذلك. فبينا نحن عنده نأكل، إذ دخل البواب مستبشراً، فقال له: فيج العراق لا يسمى بغيره. فاستبشر القاسم، وحوَّل وجهه إلى القبلة فسجد. ودخل كهل قصير، يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبة مضرَّبة، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفه مخلاة. فقام القاسم فعانقه، ووضع المخلاة عن عنقه، ودعا بطست وماء فغسل يده، وأجلسه إلى جانبه. فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل، فأخرج كتاباً أفضل من النصف المدرج، فناوله القاسم، فأخذه وقبَّله ودفعه إلى كاتب له يقال له: ابن أبي سلمة. فأخذه أبو عبد اللّه ففضه وقرأه، حتى أحس القاسم بنكاية. فقال: يا با عبد اللّه خير. فقال: خير. فقال: ويحك خرج فيَّ شيء!. فقال أبو عبد اللّه: ما تكره فلا. قال القاسم: فما هو؟. قال: نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وقد حمل إليه سبعة أثواب.

فقال القاسم: في سلامة من ديني؟.

فقال: في سلامة من دينك. فضحك (رحمه اللّه) ، فقال: ما أؤمل بعد هذا العمر.

فقال الرجل الوارد: فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرةً يمانيةً حمراء، وعمامةً، وثوبين، ومنديلاً. فأخذه القاسم، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن (عليه السلام) ، وكان له صديق يقال له: عبد الرحمن بن محمد

ص: 160

السنيزي، وكان شديد النصب، وكان بينه وبين القاسم (نضَّر اللّه وجهه) مودة في أمور الدنيا شديدة، وكان القاسم يوده، وقد كان عبد الرحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني وبين ختنه ابن القاسم. فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه، أحدهما يقال له: أبو حامد عمران بن المفلس، والآخر: أبو علي بن جحدر: أن أقرئا هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمد؛ فإني أحب هدايته، وأرجو أن يهديه اللّه بقراءة هذا الكتاب.

إلى أن قال: ودخل عبد الرحمن بن محمد وسلَّم عليه، فأخرج القاسم الكتاب. فقال له: اقرأ هذا الكتاب، وانظر لنفسك.

فقرأ عبد الرحمن الكتاب، فلما بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده، وقال للقاسم: يا با محمد، اتق اللّه؛ فإنك رجل فاضل في دينك، متمكن من عقلك، واللّه عز وجل يقول: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}(1)، وقال: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}(2). فضحك القاسم، وقال له: أتم الآية: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}(3)، ومولاي (عليه السلام) هو المرتضى من الرسول - وقال - قد علمت أنك تقول هذا، ولكن أرخ اليوم؛ فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المورخ في هذا الكتاب، فاعلم أني لست على شيء، وإن أنا مت فانظر لنفسك. فورخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحمَّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب، واشتدت به في ذلك اليوم العلة، واستند في فراشه إلى الحائط... فلما كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم (رحمه اللّه) . فوافاه عبد

ص: 161


1- سورة لقمان: 34.
2- سورة الجن: 26.
3- سورة الجن: 27.

الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً، وهو يصيح: وا سيداه. فاستعظم الناس ذلك منه، وجعل الناس يقولون: ما الذي تفعل بذلك!. فقال: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروه. وتشيَّع ورجع عما كان عليه، ووقف الكثير من ضياعه(1).

قد أجيبت دعوتك

عن محمد بن علي العلوي الحسيني - وكان يسكن بمصر - قال: دهمني أمر عظيم وهم شديد من قبل صاحب مصر، فخشيته على نفسي، وكان قد سعى بي إلى أحمد بن طولون. فخرجت من مصر حاجاً، وسرت من الحجاز إلى العراق، فقصدت مشهد مولاي أبي عبد اللّه الحسين بن علي (صلوات اللّه عليهما)؛ عائذاً به، ولائذاً بقبره، ومستجيراً به من سطوة من كنت أخافه. فأقمت بالحائر خمسة عشر يوماً أدعو وأتضرع ليلي ونهاري، فتراءى لي قيم الزمان وولي الرحمن (عليه السلام) ، وأنا بين النائم واليقظان. فقال لي: «يقول لك الحسين: يا بني، خفت فلاناً؟. فقلت: نعم، أراد هلاكي، فلجأت إلى سيدي (عليه السلام) وأشكو إليه عظيم ما أراد بي. فقال: هلا دعوت اللّه ربك ورب آبائك بالأدعية التي دعا بها من سلف من الأنبياء (عليهم السلام) ، فقد كانوا في شدة، فكشف اللّه عنهم ذلك. قلت: وماذا أدعوه؟. فقال: إذا كان ليلة الجمعة، فاغتسل وصل صلاة الليل، فإذا سجدت سجدة الشكر، دعوت بهذا الدعاء، وأنت بارك على ركبتيك». فذكر لي دعاءً، قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت يأتيني، وأنا بين النائم واليقظان - قال - وكان يأتيني خمس ليال متواليات، يكرر عليَّ هذا القول

ص: 162


1- بحار الأنوار: ج51 ص313-316، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح37.

والدعاء حتى حفظته، وانقطع عني مجيئه ليلة الجمعة. فاغتسلت وغيرت ثيابي، وتطيبت، وصليت صلاة الليل، وسجدت سجدة الشكر، وجثوت على ركبتي، ودعوت اللّه جل وتعالى بهذا الدعاء، فأتاني (عليه السلام) ليلة السبت. فقال لي: «قد أجيبت دعوتك يا محمد، وقُتل عدوك عند فراغك من الدعاء عند من وشى بك إليه». قال: فلما أصبحت ودعت سيدي، وخرجت متوجهاً إلى مصر، فلما بلغت الأردن - وأنا متوجه إلى مصر - رأيت رجلاً من جيراني بمصر، وكان مؤمناً، فحدثني أن خصمك قبض عليه أحمد بن طولون، فأمر به فأصبح مذبوحاً من قفاه - قال - وذلك في ليلة الجمعة، وأمر به فطرح في النيل، وكان ذلك فيما أخبرني جماعة من أهلها وإخواننا الشيعة، أن ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء، كما أخبرني مولاي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).

اللّهم ارزقه ولداً

عن القاسم بن العلاء، قال: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) ثلاثة كتب في حوائج لي، وأعلمته أنني رجل قد كبر سني، وأنه لا ولد لي، فأجابني عن الحوائج، ولم يجبني في الولد بشيء. فكتبت إليه في الرابعة كتاباً، وسألته أن يدعو إلى اللّه أن يرزقني ولداً، فأجابني وكتب بحوائجي. وكتب: «اللّهم ارزقه ولداً ذكراً تقر به عينه، واجعل هذا الحمل الذي له وارثاً». فورد الكتاب، وأنا لا أعلم أن لي حملاً، فدخلت إلى جاريتي فسألتها عن ذلك، فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت، فولدت غلاماً(2).

ص: 163


1- مهج الدعوات ومنهج العبادات: ص279-280، ذكر ما نختاره من أدعية مولانا الحسن بن علي العسكري (صلوات اللّه عليه)، فصل.
2- دلائل الإمامة: ص525، الامام صاحب الزمان (عليه السلام) ، معرفة شيوخ الطائفة الذين عرفوا صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه).

أين أنت عن دعاء الفرج

عن أبي الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال: تقلدت عملاً من أبي منصور بن صالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري، فطلبني وأخافني، فمكثت مستتراً خائفاً، ثم قصدت مقابر قريش - أي الكاظمية المقدسة - ليلة الجمعة، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب، وأن يجتهد في خلوة الموضع؛ لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان مما لم آمنه، وخفت من لقائي له. ففعل وقفل الأبواب، وانتصف الليل، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، ومكثت أدعو وأزور وأصلي، فبينا أنا كذلك، إذ سمعت وطئاً عند مولانا موسى (عليه السلام) ، وإذا رجل يزور، فسلَّم على آدم وأولي العزم (عليهم السلام) ، ثم الأئمة واحداً واحداً، إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (عليه السلام) فلم يذكره. فعجبت من ذلك، وقلت له: لعله نسي، أو لم يعرف، أو هذا مذهب لهذا الرجل. فلما فرغ من زيارته، صلى ركعتين وأقبل إليَّ عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام) ، فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام، وصلى ركعتين، وأنا خائف منه، إذ لم أعرفه، ورأيته شاباً تاماً من الرجال، عليه ثياب بيض، وعمامة محنك وذؤابة، ورداء على كتفه مسبل. فقال: «يا أبا الحسين بن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج». فقلت: وما هو يا سيدي؟. فقال: «تصلي ركعتين، وتقول:

يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ الْمَنِّ، يَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ،

ص: 164

يَا بَاسِطَ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَى كُلِّ نَجْوَى، وَيَا غَايَةَ كُلِّ شَكْوَى، يَا عَوْنَ كُلِّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبَّاهْ - عشر مرات - يَا سَيِّدَاهْ - عشر مرات - يَا مَوْلَيَاهْ - عشر مرات - يَا غَايَتَاهْ - عشر مرات - يَا مُنْتَهَى غَايَةِ رَغْبَتَاهْ - عشر مرات - أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (عليهم السلام) إِلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبِي، وَنَفَّسْتَ هَمِّي، وَفَرَّجْتَ غَمِّي، وَأَصْلَحْتَ حَالِي.

وتدعو بعد ذلك ما شئت، وتسأل حاجتك، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض، وتقول مائة مرة في سجودك:

يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ.

وتضع خدك الأيسر على الأرض، وتقول مائة مرة: أَدْرِكْنِي، وتكررها كثيراً. وتقول: الْغَوْثَ، الغَوْثَ، الغَوْثَ، حتى ينقطع النفس، وترفع رأسك، فإن اللّه بكرمه يقضي حاجتك إن شاء اللّه».

فلما شغلت بالصلاة والدعاء خرج، فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل، وكيف دخل، فرأيت الأبواب على حالها مغلقةً مقفلةً، فعجبت من ذلك، وقلت: لعله بات ها هنا ولم أعلم. فانتهيت إلى أبي جعفر القيم، فخرج إليَّ عندي من بيت الزيت، فسألته عن الرجل ودخوله.

فقال: الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها. فحدثته بالحديث، فقال: هذا مولانا صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه)، وقد شاهدته مراراً في مثل هذه الليلة عند خلوها من الناس. فتأسفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر، وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه، فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي، ويسألون عني أصدقائي، ومعهم أمان

ص: 165

من الوزير، ورقعة بخطه فيها كل جميل. فحضرته مع ثقة من أصدقائي عنده، فقام والتزمني، وعاملني بما لم أعهده منه. وقال: انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه). فقلت: قد كان مني دعاء ومسألة. فقال: ويحك! رأيت البارحة مولاي صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه) في النوم - يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكل جميل، ويجفو عليَّ في ذلك جفوةً خفتها. فقلت: لا إله إلا اللّه، أشهد أنهم الحق ومنتهى الحق، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى، وبلغت منه غاية ما لم أظنه ببركة مولانا صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه)(1).

في سنة ثمانين

عن أبي عقيل عيسى بن نصر، قال: كتب علي بن زياد الصيمري يلتمس كفناً. فكتب (عليه السلام) إليه: «إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين». فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(2).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : «في سنة ثمانين»، أي من عمره، أو المراد سنة ثمانين بعد المائتين(3).

وورد أنه: كتب علي بن محمد السمري يسأل كفناً. فورد: «إنك تحتاج إليه

ص: 166


1- بحار الأنوار: ج51 ص304-306، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح19.
2- الكافي: ج1 ص524، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد الصاحب (عليه السلام) ، ح27.
3- بحار الأنوار: ج51 ص312، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، بيان ح35.

سنة ثمانين». فمات في هذا الوقت الذي حده، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهرين(1).

وعن علي بن محمد الكليني، قال: كتب محمد بن زياد المصيري يسأل صاحب الزمان (عليه السلام) كفناً يتيمن بما يكون من عنده. فورد: «إنك تحتاج إليه سنةً إحدى وثمانين». فمات (رحمه اللّه) في الوقت الذي حده، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر(2).

ثوب الموت

عن الحسين بن روح القمي: أن أحمد بن إسحاق كتب إليه (عليه السلام) يستأذنه في الحج. فأذن له، وبعث إليه بثوب - أي كفن - فقال أحمد بن إسحاق: نعى إليَّ نفسي. فانصرف من الحج، فمات بحلوان(3).

غمامة على رأسه وملك ينادي

في الرواية أنه عندما يظهر الإمام (عليه السلام) ، تكون على رأسه غمامة تظله من الشمس، تدور معه حيثما دار، ينادى بصوت فصيح: هذا المهدي(4).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يخرج المهدي (عليه السلام) وعلى رأسه غمامة، فيها منادٍ ينادي: هذا المهدي خليفة اللّه فاتبعوه»(5).

ص: 167


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص331، الباب 33، الفصل الحادي عشر، ح147.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص297-298، الفصل 4.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص331، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الثاني عشر، ح148.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص475، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .
5- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص470، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: هذا المهدي فاتبعوه»(1).

ضوء الراية

روي أن الإمام المهدي (عليه السلام) عند ظهوره: «إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رءوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه اللّه تعالى قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وفي قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم (صلوات اللّه عليه)»(2).

طاعة معروفة

عن عبد اللّه بن عجلان، قال: ذكرنا خروج القائم (عليه السلام) عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) . فقلت له: كيف لنا بعلم ذلك؟. فقال: «يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعة معروفة»(3).

مع أصحاب الكهف

عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أن المهدي (عليه السلام) يسلم على أصحاب الكهف، ويحييهم اللّه عز وجل له، ثم يرجعون إلى رقدتهم، فلا يقومون إلى يوم القيامة»(4).

وفي بعض الروايات: إنهم يخرجون معه لنصرته.

ص: 168


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص471، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص653، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح17.
3- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص66، اليوم 15، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .
4- بحار الأنوار: ج51 ص105، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح40.

حجر النبي موسى

عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إذا خرج القائم (عليه السلام) من مكة، ينادي مناديه: ألا لا يحملن أحد طعاماً ولا شراباً. ويحمل (عليه السلام) معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام) وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلاً إلا نبعت منه عيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي، ورويت دوابهم، حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة»(1).

وفي رواية: «إذا ظهر القائم (عليه السلام) ، ظهر براية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وخاتم سليمان (عليه السلام) ، وحجر موسى (عليه السلام) وعصاه. ثم يأمر مناديه فينادي: أ لا لا يحمل رجل منكم: طعاماً، ولا شراباً، ولا علفاً. فيقول أصحابه: إنه يريد أن يقتلنا ويقتل دوابنا من الجوع والعطش. فيسير ويسيرون معه، فأول منزل ينزله يضرب الحجر، فينبع منه طعام وشراب وعلف، فيأكلون ويشربون ودوابهم حتى ينزلوا النجف بظهر الكوفة»(2).

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) ، قال: «إذا قام القائم بمكة، وأراد أن يتوجه إلى الكوفة، نادى مناد: ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام) ، الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلا نصبه فانبعثت منه العيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآن روي، فيكون زادهم حتى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان عطشاناً

ص: 169


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص238، الباب 13، آياته وفعله (عليه السلام) ، ح29.
2- بحار الأنوار: ج52 ص351، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح105.

روي»(1).

صالح أم طالح

عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إذا قام القائم (عليه السلام) ، لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه، صالح هو أم طالح، لأن فيه آية للمتوسمين، وهي بسبيل مقيم»(2).

الدنيا بمنزلة راحة كفه

عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر، رفع اللّه تعالى له كل منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع منها، حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم إذا كانت في راحته شعرة لم يبصرها»(3).

مد الأسماع والأبصار

عن أبي الربيع الشامي، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن قائمنا إذا قام مد اللّه لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم، فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه»(4).

ص: 170


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص690، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) ، ح1.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص671، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح20.
3- منتخب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام) : ص199، الفصل الثاني عشر.
4- بحار الأنوار: ج52 ص336، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح72.

عند المسجد الحرام

عن البطائني، قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) : «بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام، إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد، فيصبحون بمكة»(1).

ص: 171


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص316، الباب 20، ح11.

7

أخلاقيات

سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخُلُقه

إن الإمام المهدي (عليه السلام) في أخلاقياته وسيرته يشبه جده رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيسير على سيرته، ويتحلى بخُلُقه الكريمة.

قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هو رجل مني، اسمه كاسمي، يحفظني اللّه فيه، ويعمل بسنتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً»(1).

وعن أبي وائل، قال: نظر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام) ، فقال: «إن ابني هذا سيد، كما سماه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سيداً. وسيخرج اللّه من صلبه رجلاً باسم نبيكم، يشبهه في الخَلق والخُلق، يخرج على حين غفلة من الناس وإماتة للحق، وإظهار للجور»(2).

وفي رواية: «إنه (عليه السلام) يعمل في الناس بسنة نبيهم»(3).

وعن عبد اللّه بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أخبرني عن القائم (عليه السلام) ؟. فقال: «واللّهِ ما هو أنا، ولا الذي تمدون إليه أعناقكم، ولا يعرف ولادته».

ص: 172


1- علل الشرائع: ج1 ص161، باب 129، ح3.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص214، الباب 13، ح2.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص479، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب السادس.

قلت: بما يسير؟. قال: «بما سار به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، هدر ما قبله واستقبل»(1).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «وأما سنته من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيهتدي بهداه، ويسير بسيرته»(2).

التقسيم بالسوية والعدل في البرية

روي: «إذا قام قائمنا، فإنه يقسم بالسوية، ويعدل في خلق الرحمن، البر منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع اللّه، ومن عصاه فقد عصى اللّه»(3).

حسن التعامل مع الأقليات

روي أن الإمام المهدي (عليه السلام) : «يستخرج التوراة وسائر كتب اللّه عز وجل من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن..»(4).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، قال: «وإنما سُمِّي المهدي؛ لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب اللّه عز وجل من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وأهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن»(5).

ص: 173


1- بحار الأنوار: ج51 ص138-139، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح9.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص351، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح46.
3- علل الشرائع: ج1 ص161، باب 129، ح3.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص237، الباب 13، حكمه (عليه السلام) ، ح26.
5- بحار الأنوار: ج52 ص351، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27، ح103.

ثم الظاهر أن وجود الكفار في عهد الإمام المهدي (عليه السلام) هو في بدو ظهوره الشريف، وإلا فعامة اليهود والنصارى وغيرهما من الأديان يسلمون طوعاً، ويؤمنون بالإمام المهدي (صلوات اللّه عليه)، إلا بعض المعاندين منهم.

عن زرارة، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «سُئِل أبي عن قول اللّه: {قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}(1)، {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ}(2) - ثم قال - إنه لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما بلغ الليل، حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال اللّه»(3).

وعن مجاهد، عن ابن عباس - في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(4) - قال: (لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا دخل في الإسلام، حتى تأمن الشاة والذئب، والبقرة والأسد، والإنسان والحية، وحتى لا تقرض فأرة جراباً، وحتى توضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وهو قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، وذلك يكون عند قيام القائم (عليه السلام) )(5).

كثرة العطاء

الإمام الحجة (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) جواد كريم كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) .

ص: 174


1- سورة التوبة: 36.
2- سورة الأنفال: 39.
3- تفسير العياشي: ج2 ص56، سورة الأنفال، آية 39، ح48.
4- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.
5- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص663، سورة الصف، الآيات 8 إلى 9.

عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، قال: «ويجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرَّم اللّه عز وجل. فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً»(1).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف غيرها حتى يملأ الأرض جوراً، فلا يقدر أحد يقول اللّه، ثم يبعث اللّه عز وجل رجلاَ مني ومن عترتي، فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها، ويحثو المال حثواً، ولا يعده عداً، وذلك حتى يضرب الإسلام بجرانه»(2). أي يقر قراره ويستقيم.

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يكون عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن، رجل يقال له: المهدي، يكون عطاؤه هنيئاً»(3).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: «فيجيء الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني. فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله»(4).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد»(5).

ص: 175


1- بحار الأنوار: ج52 ص351، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح103.
2- الأمالي للطوسي: ص512-513، المجلس الثامن عشر، ح1121/28.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص472، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .
4- بحار الأنوار: ج51 ص104، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح39.
5- حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار (عليهم السلام) : ج6 ص450، المنهج الثالث عشر، الباب الثالث والخمسون، ح31.

وفي رواية حول الظهور الشريف، قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «تنعم فيه أمتي نعمةً لم ينعموه مثلها قط، تؤتي الأرض أُكُلها، ولا تدخر منهم شيئاً، والمال يومئذٍ كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خذ خذه»(1).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً»(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبشركم بالمهدي... يملأ اللّه قلوب أمة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غنى، ويسعهم عدله، حتى يأمر منادياً ينادي يقول: من له في المال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل واحد. فيقول: أنا. فيقول: ائتِ السدان - يعني الخازن - فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً. فيقول له: احث. حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نفساً، أعجز عما وسعهم، فيرده ولا يقبل منه، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه»(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ليبعثن اللّه من عترتي رجلاً أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلاً، ويفيض المال فيضاً»(4).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «آخرهم اسمه اسمي، يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت

ص: 176


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص479، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب السادس.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص231، الباب الثاني والثلاثون، الفصل الثاني، ح70.
3- بحار الأنوار: ج51 ص92، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح14.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص470، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .

جوراً وظلماً، يأتيه الرجل والمال كدس، فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خذ»(1).

الدعوة إلى الإسلام

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) ، دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثر، فضل عنه الجمهور»(2).

قوله: «جديداً»، أي دعاهم من جديد، أو لأن الناس غيروا الإسلام، فلما يدعو الإمام (عليه السلام) إلى الإسلام الصحيح يكون جديداً عليهم.

وعن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) جاء بأمر غير الذي كان»(3).

وفي رواية قال (عليه السلام) : «إذا قام القائم (عليه السلام) جاء بأمر جديد، كما دعا رسول اللّه في بدو الإسلام إلى أمر جديد»(4).

رضا جميع الناس

من ميزات حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) ، أنه يرضى عنه جميع أهل الأرض، فلا أحد يشكو من شيء، بل يتنعم الجميع بما يمكن التنعم به في هذه الدنيا.

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - في حديث حول المهدي (عليه السلام) -: «يرضى في خلافته أهل

ص: 177


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص93، الباب 4، ح23.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص383، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص473، الفصل 8.
4- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص384، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .

الأرض وأهل السماء، والطير في الجو»(1).

وفي رواية أخرى: «يرضى عنه ساكن السماء، وساكن الأرض»(2).

وفي رواية: «يرضى بخلافته أهل السماوات وأهل الأرض»(3).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يرضى عنه ساكن السماء والأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنى الأحياء للأموات تعيش في ذلك»(4).

صلة الرحم

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في صفة الإمام المهدي (عليه السلام) -: «أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً»(5).

تلبية الحاجات

عن علي بن محمد بن إسحاق الأشعري، قال: كتبت في دار، كان صهري أوصى بها للقائم (عليه السلام) ، أسأل أن تباع مني، وينجم عليَّ ثمنها. فورد الجواب في الدار: «قد أعطيت ما سألت»(6).

ص: 178


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص469، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص178، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
3- بحار الأنوار: ج51 ص91، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح14.
4- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج1 ص155، الغصن الثالث، الفرع الأول.
5- بحار الأنوار: ج51 ص115، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب2 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح14.
6- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص303-304، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح65.

الزهد الشخصي

عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «ما تستعجلون بخروج القائم! فو اللّهِ ما لباسه إلا الغليظ، ولا طعامه إلا الجشب، وما هو إلا السيف، والموت تحت ظل السيف»(1).

ص: 179


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص233، الباب 13، سيرته (عليه السلام) ، ح20.

8

عبادات

الحج ماشياً

عن بعض أهل المدائن، قال: كنت مع رفيق لي حاجاً قبل الأيام، فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، فقومناهما مائةً وخمسين ديناراً، وفي رجله نعل صفراء، ما عليها غبار ولا أثر السفر. فدنا منه سائل، فتناول من الأرض شيئاً فأعطاه، فأكثر له السائل الدعاء، وقام الشاب وذهب وغاب. فدنونا من السائل فقلنا: ما أعطاك؟. فأرانا حصاةً من ذهب، قدرناها عشرين مثقالاً، فقلت لصاحبي: مولانا معنا ولا نعرفه! اذهب بنا في طلبه. فطلبنا الموقف كله، فلم نقدر عليه، ثم رجعنا فسألنا عنه من كان حوله. فقالوا: شاب علوي من المدينة يحج في كل سنة ماشياً(1).

دعاء في الأسحار

في مهج الدعوات: كنت أنا بسر من رأى، فسمعت سحراً دعاء القائم (عليه السلام) ، فحفظت منه (عليه السلام) من الدعاء لمن ذكره الأحياء والأموات: «وأبقهم - أو قال -

ص: 180


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص694-695، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) ، ح8.

وأحيهم في عزنا وملكنا، وسلطاننا ودولتنا»(1).

من أدعية الحجة (عليه السلام)

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «كأنني به قد (عليه السلام) عبر من وادي السلام إلى مسيل السهلة على فرس محجل، له شمراخ يزهر، يدعو ويقول في دعائه:

«لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه حَقّاً حَقّاً، لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه إِيمَاناً وصِدْقاً، لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه تَعَبُّداً ورِقّاً. اللَّهُمَّ مُعِزَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَحِيدٍ، ومُذِلَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، أَنْتَ كَنَفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ، وتَضِيقُ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ. اللَّهُمَّ خَلَقْتَنِي وكُنْتَ غَنِيّاً عَنْ خَلْقِي، ولَوْلَا نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ. يَا مُنْشِرَ الرَّحْمَةِ مِنْ مَوَاضِعِهَا، ومُخْرِجَ الْبَرَكَاتِ مِنْ مَعَادِنِهَا، ويَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِشُمُوخِ الرِّفْعَةِ، فَأَوْلِيَاؤُهُ بِعِزِّهِ يَتَعَزَّزُونَ، يَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ خَائِفُونَ. أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي فَطَرْتَ بِهِ خَلْقَكَ فَكُلٌّ لَكَ مُذْعِنُونَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تُنْجِزَ لِي أَمْرِي، وتُعَجِّلَ لِي فِي الْفَرَجِ، وتَكْفِيَنِي وتُعَافِيَنِي، وتَقْضِيَ حَوَائِجِي، السَّاعَةَ، السَّاعَةَ، اللَّيْلَةَ، اللَّيْلَةَ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(2).

دعاء الإمام لشيعته

عن ابن طاوس (رحمه اللّه) أنه سمع سحراً في السرداب، عن صاحب الأمر (عليه السلام) ، أنه يقول:

ص: 181


1- مهج الدعوات ومنهج العبادات: ص296، ذكر ما نختاره في الحجب المروية عن النبي والأئمة (عليه السلام) ، فصل.
2- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص75، اليوم 15، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .

«اللَّهُمَّ إِنَّ شِيعَتَنَا خُلِقَتْ مِنْ شُعَاعِ أَنْوَارِنَا، وَبَقِيَّةِ طِينَتِنَا، وَقَدْ فَعَلُوا ذُنُوباً كَثِيرَةًاتِّكَالًا عَلَى حُبِّنَا وَوَلَايَتِنَا، فَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَاصْفَحْ عَنْهُمْ فَقَدْ رَضِينَا، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَأَصْلِحْ بَيْنَهُمْ وَقَاصَّ بِهَا عَنْ خُمُسِنَا، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ وَزَحْزِحْهُمْ عَنِ النَّارِ، وَلَا تَجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِنَا فِي سَخَطِكَ».

وفي بعض النسخ:

«اللَّهُمَّ إِنَّ شِيعَتَنَا مِنَّا، خُلِقُوا مِنْ فَاضِلِ طِينَتِنَا، وُعُجِنُوا بِمَاءِ وَلَايَتِنَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ مَا فَعَلُوهُ اِتْكَالًا عَلَى حُبِّنَا وَوَلَائِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا تُؤَاخِذْهُمْ بِمَا اقْتَرَفُوهُ مِنَ السَّيئَاتِ إِكْرَامًا لَنَا، وَلَا تُقَاصِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُقَابِلَ أَعْدَائِنَا، فَإِنْ خَفْفَّتَ مَوَازِينَهُمْ، فَثَقِّلْهَا بِفَاضِلِ حَسَنَاتِنَا»(1).

ص: 182


1- بحار الأنوار: ج53 ص302-303، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة (عليه السلام) ، الحكاية الخامسة والخمسون.

9

الشبه بالأنبياء (عليهم السلام)

اشارة

في الإمام المهدي (عليه السلام) شبه بكثير من الأنبياء (عليهم السلام) ، فهو يشبه جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في خَلقه وخُلقه وسيرته، ويشبه النبي آدم، والنبي نوح، والنبي إبراهيم، والنبي موسى، والنبي عيسى، والنبي يوسف، والنبي صالح، والنبي أيوب، والنبي يونس، وغيرهم من الأنبياء (عليهم السلام) .

عن سدير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن للقائم (عليه السلام) منا غيبةً يطول أمدها». فقلت له: ولِمَ ذاك يا ابن رسول اللّه؟. قال: «إن اللّه عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء (عليه السلام) في غيباتهم، وإنه لابد له - يا سدير - من استيفاء مدد غيباتهم، قال اللّه عز وجل: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}(1)، أي سنناً على سنن من كان قبلكم»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - في حديث - حول الإمام المهدي (عليه السلام) : «بأبي وأمي سَمِيِّي وشبيهي، وشبيه موسى بن عمران، عليه جبوب النور»(3).

ص: 183


1- سورة الانشقاق: 19.
2- علل الشرائع: ج1 ص245، باب 179، ح7.
3- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص158-159، باب ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) .

وعن أبي وائل، قال: نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ابنه الحسين (عليه السلام) ، فقال: «إن ابني هذا سيد كما سماه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سيداً، وسيخرج اللّه من صلبه رجلاً باسم نبيكم، فيشبهه في الخَلق والخُلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة من الحق، وإظهار من الجور»(1).

وعن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: «إن صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف (عليه السلام) ... يصلح اللّه له أمره في ليلة»(2).

قيل: والشبه من يوسف (عليه السلام) في غيبته.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) - في خطبة له -: «ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون»(3).

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : «في التاسع من ولدي سنة من يوسف، وسنة من موسى بن عمران»(4).

وعن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد اللّه الصادق (عليه السلام) يقول: «إن في صاحب هذا الأمر لشبهاً من يوسف». فقلت: فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة؟. فقال: «ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك. إن إخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء، أسباطاً أولاد أنبياء، دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه، وتاجروه وراودوه، وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتى عرَّفهم نفسه وقال لهم:

ص: 184


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص214، الباب 13، ح2.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص163، الباب 10، فصل، ح3.
3- البرهان في تفسير القرآن: ج4 ص585،المستدرك، سورة يس، آية 30.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص316-317، الباب30 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.

أنا يوسف، فعرفوه حينئذٍ. فما ينكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون اللّه جل وعز يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك. واللّهِ لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يكون اللّه يفعل بحجته ما فعل بيوسف، أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه، صاحب هذا الأمر، يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه، حتى يأذن اللّه له أن يعرِّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ}(1)»(2).

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن سنن الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات، حادثة في القائم منا أهل البيت، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة»(3).

وعن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «في القائم سنة من موسى بن عمران (عليه السلام) ». فقلت: وما سنة موسى بن عمران؟. قال: «خفاء مولده، وغيبته عن قومه». فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟. قال: «ثماني وعشرين سنةً»(4).

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «في صاحب هذا الأمر

ص: 185


1- سورة يوسف: 90.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص163-164، الباب 10، فصل، ح4.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص345، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح31.
4- الإمامة والتبصرة من الحيرة: ص109، حول إمامة القائم (عليه السلام) ، الباب 28، ح95.

أربع سنن من أربعة أنبياء (عليه السلام) : سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلوات اللّه عليهم). فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من يوسف فالحبس، وأما من عيسى فيقال: إنه مات ولم يمت، وأما من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فالسيف»(1).

وفي رواية قال (عليه السلام) : «في صاحب هذا الأمر شبه من أربعة أنبياء: شبه من موسى، وشبه من عيسى، وشبه من يوسف، وشبه من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »، الحديث(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كأني بالقائم (عليه السلام) على ذي طوًى، قائماً على رجليه، خائفاً يرتقب على سنة موسى (عليه السلام) ، حتى يأتي المقام، فيدعو»(3).

وعن سعيد بن جبير، قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: «في القائم منا سنن من سنن الأنبياء (عليهم السلام) : سنة من آدم، وسنة من نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فأما من آدم ومن نوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى فالخوف والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فالخروج بالسيف»(4).

ص: 186


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص326-327، الباب32 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح6.
2- بحار الأنوار: ج52 ص347، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح97.
3- سرور أهل الإيمان في علامات ظهور صاحب الزمان: ص60، علامات ظهور القائم (عليه السلام) .
4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص80-81، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح123.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً، وكان يوم غاب عنهم كهلاً، مدبّح البطن، حسن الجسم، وافر اللحية، خميص البطن، خفيف العارضين، مجتمعاً، ربعةً من الرجال. فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات، طبقة جاحدة لا ترجع أبداً، وأخرى شاكة فيه، وأخرى على يقين.... وإنما مثل علي والقائم مثل صالح (عليه السلام) »(1).

وعن محمد بن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ، وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقال لي مبتدئاً: «يا محمد بن مسلم، إن في القائم من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد (صلوات اللّه عليهم). فأما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن، وأما شبهه من يوسف بن يعقوب (عليه السلام) فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب (عليه السلام) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته، وأما شبهه من موسى (عليه السلام) فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته وتعب شيعته من بعده بما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن اللّه عز وجل في ظهوره ونصره وأيده على عدوه، وأما شبهه من عيسى (عليه السلام) فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتل وصُلب، وأما شبهه من جده المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخروجه بالسيف وقتله أعداء اللّه وأعداء رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والجبارين والطواغيت، وأنه يُنصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية. وأن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني، وصيحةً من السماء في

ص: 187


1- بحار الأنوار: ج51 ص215-216، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب13، ح1.

شهر رمضان، ومنادٍ ينادي باسمه واسم أبيه»(1).

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «في صاحب الأمر: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما من يوسف فالسجن والغيبة، وأما من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فالقيام بسيرته وتبيين آثاره. ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر، فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه». قلت: وكيف يعلم أن اللّه عز وجل قد رضي؟. قال: «يلقي اللّه عز وجل في قلبه الرحمة»(2).

وعن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) - إلى أن قال (عليه السلام) -: «إن اللّه تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثةً أدارها في ثلاثة من الرسل: قدَّر مولده تقدير مولد موسى (عليه السلام) ، وقدَّر غيبته تقدير غيبة عيسى (عليه السلام) ، وقدَّر إبطاءه تقدير إبطاء نوح (عليه السلام) ، وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعني الخضر دليلاً على عمره».

فقلت: اكشف لنا يا ابن رسول اللّه عن وجوه هذه المعاني؟. قال: «أما مولد موسى، فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده، أمر بإحضار الكهنة، فدلوه على نسبه، وأنه يكون من بني إسرائيل، ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتى قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولود، وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى؛ لحفظ اللّه تبارك وتعالى إياه، كذلك بنو

ص: 188


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص327-328، الباب32، ح7.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص83-84، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح133.

أمية وبنو العباس، لما وقفوا على أن زوال ملكهم والأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم (عليه السلام) ، ويأبى اللّه أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلى أن يتم نوره... ولو كره المشركون.

وأما غيبة عيسى (عليه السلام) ، فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قُتل، وكذبهم اللّه عز وجل بقوله: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}(1)، كذلك غيبة القائم (عليه السلام) ، فإن الأمة تنكرها لطولها، فمن قائل بغير هدًى بأنه لم يولد، وقائل يقول إنه ولد ومات، وقائل يكفر بقوله إن حادي عشرنا كان عقيماً، وقائل يمرق بقوله إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعداً، وقائل يعصي اللّه عز وجل بقوله: إن روح القائم (عليه السلام) ينطق في هيكل غيره.

وأما إبطاء نوح (عليه السلام) ، فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء، بعث اللّه عز وجل جبرئيل الروح الأمين بسبعة نويات. فقال: يا نبي اللّه، إن اللّه تبارك وتعالى يقول لك: إن هؤلاء خلائقي وعبادي، ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي، إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك، فإني مثيبك عليه، واغرس هذا النوى، فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين، فلما نبتت الأشجار، وتأزرت وتسوقت وتغصنت، وأثمرت وزها الثمر عليها بعد زمن طويل، استنجز من اللّه سبحانه وتعالى العدة، فأمره اللّه تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار، ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكد الحجة على قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي

ص: 189


1- سورة النساء: 157.

آمنت به، فارتد منهم ثلاث مائة رجل، وقالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقّاً لما وقع في وعد ربه خلف. ثم إن اللّه تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارةً بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلاً.

فأوحى اللّه عز وجل عند ذلك إليه، وقال: يا نوح، الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك، حين صرح الحق عن محضه، وصفا الأمر للإيمان من الكدر، بارتداد كل من كانت طينته خبيثةً، فلو أني أهلكت الكفار، وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك، لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين، الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوتك، بأن أستخلفهم في الأرض، وأمكن لهم دينهم، وأبدل خوفهم بالأمن، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن مني لهم، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا، وخبث طينتهم، وسوء سرائرهم، التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة، فلو أنهم تسنموا مني من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف، إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، وتأبد حبال ضلالة قلوبهم، وكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة والتفرد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين، وانتشار الأمر في المؤمنين، مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، كلا ف- {اصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}(1)».

قال الصادق (عليه السلام) : «وكذلك القائم (عليه السلام) تمتد أيام غيبته؛ ليصرح الحق عن

ص: 190


1- سورة هود: 37، سورة المؤمنون: 27.

محضه، ويصفو الإيمان من الكدر، بارتداد كل من كانت طينته خبيثةً من الشيعة، الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم (عليه السلام) ».

قال المفضل: فقلت: يا ابن رسول اللّه، إن النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟. قال: «لا يهد اللّه قلوب الناصبة، متى كان الدين الذي ارتضاه اللّه ورسوله متمكناً بانتشار الأمن في الأمة، وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشك من صدورها، في عهد أحد من هؤلاء، وفي عهد علي (عليه السلام) مع ارتداد المسلمين، والفتن التي كانت تثور في أيامهم، والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم - ثم تلا الصادق (عليه السلام) - {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}(1).

وأما العبد الصالح الخضر (عليه السلام) ، فإن اللّه تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوة قدرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبلها من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى إن اللّه تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم (عليه السلام) في أيام غيبته ما يقدر، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك، إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم (عليه السلام) ، وليقطع بذلك حجة المعاندين {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ}(2)»(3).

ص: 191


1- سورة يوسف: 110.
2- سورة النساء: 165.
3- بحار الأنوار: ج51 ص220-223، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب13 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح9.

وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء: سنةً من موسى بن عمران، وسنةً من عيسى، وسنةً من يوسف، وسنةً من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فأما سنته من موسى فخائف يترقّب، وأما سنته من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما سنته من يوسف فالستر جعل اللّه بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه، وأما سنته من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيهتدي بهداه ويسير بسيرته»(1).

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «في القائم شبه من يوسف». قلت: وما هو؟. قال: «الحيرة والغيبة»(2).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) - وقد ذكر القائم (عليه السلام) -: «ليغيبن عنهم حتى يقول الجاهل ما لله في آل محمد حاجة»(3).

وفي رواية: «إن القائم المهدي (عليه السلام) من نسل علي (عليه السلام) أشبه الناس بعيسى ابن مريم خلقاً وخلقاً وسمتاً وهيئةً، يعطيه اللّه جل وعز ما أعطى الأنبياء ويزيده ويفضله. إن القائم من ولد علي (عليه السلام) له غيبة كغيبة يوسف، ورجعة كرجعة عيسى ابن مريم»(4).

وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في رواية -: «ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة، ويقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء -

ص: 192


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص350-351، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح46.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص163-164، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص340-341، الفصل 5.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص146-147، الباب 10، ح4.

وهو جيش الهملات - خسف بهم، فلا يفلت منهم إلا مخبر»(1).

وعن جابر الأنصاري، قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً، جعله اللّه عز وجل حجةً على عباده، فدعا قومه إلى اللّه عز وجل وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه، فغاب عنهم زماناً حتى قيل: مات أو هلك، بأي واد سلك. ثم ظهر ورجع إلى قومه، فضربوه على قرنه الآخر. وفيكم من هو على سنته، وإن اللّه عز وجل مكَّن لذي القرنين في الأرض، وجعل له من كل شيء سبباً، وبلغ المشرق والمغرب. وإن اللّه تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي، فيبلغه شرق الأرض وغربها، حتى لا يبقى منهل، ولا موضع من سهل، ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، ويظهر اللّه عز وجل له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(2).

وحي لا وحي نبوة

عن أبي الجارود، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جُعلت فداك، أخبرني عن صاحب هذا الأمر؟. قال: «يمسي من أخوف الناس، ويصبح من آمن الناس، يوحى إليه هذا الأمر ليله ونهاره». قال: قلت: يوحى إليه يا با جعفر!. قال: «يا با جارود، إنه ليس وحي نبوة، ولكنه يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران، وإلى أم موسى، وإلى النحل. يا با الجارود، إن قائم آل محمد لأكرم عند اللّه من مريم بنت عمران، وأم موسى، والنحل»(3).

ص: 193


1- تفسير العياشي: ج1 ص64-65، سورة البقرة، آية 148، ح117.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص394، الباب38 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4.
3- بحار الأنوار: ج52 ص389، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح209.

مواريث الأنبياء

عن المفضل الجعفي، عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) ، قال: سمعته يقول: «أ تدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام) ؟». قال: قلت: لا. قال: «إن إبراهيم (عليه السلام) لما أوقدوا النار له، أتاه جبرئيل من ثياب الجنة فألبسه إياه، فلم يضره معه حر ولا برد. فلما حضر إبراهيم الموت، جعله في تميمة، وعلقه على إسحاق (عليه السلام) ، وعلق إسحاق على يعقوب (عليه السلام) . فلما وُلد ليعقوب يوسف (عليه السلام) علقه عليه، وكان في عضده، حتى كان من أمره ما كان. فلما أخرج يوسف (عليه السلام) القميص من التميمة، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله عز وجل: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}(1)، فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة». قلت: جعلت فداك، فإلى من صار هذا القميص؟. فقال: «إلى أهله»، - وفي رواية: وهو مع قائمنا إذا خرج - ثم قال: كل نبي ورث علماً أو غيره، فقد انتهى إلى محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «أول ما يبدأ القائم (عليه السلام) بأنطاكية، فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصا موسى وخاتم سليمان»(3).

ص: 194


1- سورة يوسف: 94.
2- تفسير العياشي: ج2 ص193-194، سورة يوسف، الآيات 87 إلى 97، ح71.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص214، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل التاسع والخمسون، ح785.

10

الغيبة الصغرى

اشارة

للإمام المهدي (عليه السلام) غيبتان: الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، ونحن لا زلنا في الكبرى، نسأل اللّه عز وجل أن يعجل في فرجه الشريف، ويجعلنا من أعوانه وأنصاره، والمستشهدين بين يديه.

عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات. ويقول بعضهم: قُتل. ويقول بعضهم: ذهب. حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره»(1).

وعن عبد الأعلى - مولى آل سام - عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في حديث - قال: «أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة والأخرى طويلة»(2).

وعن حازم بن حبيب، قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يا حازم، إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، يظهر في الثانية، إن جاءك من يقول: إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه»(3).

ص: 195


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص162، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص163، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص172، الباب 10، فصل، ح6.

وعن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: «للقائم غيبتان: إحداهما طويلة والأخرى قصيرة. فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه»(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إن للقائم غيبتين، يقال له في إحداهما: هلك، ولا يدرى في أي واد سلك»(2).

وعن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن للقائم غيبتين، يرجع في إحداهما، والأخرى لا يدرى أين هو، يشهد المواسم، يرى الناس ولا يرونه»(3). قوله (عليه السلام) : «يرجع» أي إلى خواص شيعته، أو سفرائه ووصول خبره إليهم.

وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: «لقائم آل محمد غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى». فقال: «نعم، ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، يلجئون فيه إلى حرم اللّه وحرم رسوله»(4).

متى بدأت الغيبة الصغرى

ثم إن الغيبة الصغرى بدأت من مولده الشريف إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وكانت أربعاً وسبعين سنة.

ص: 196


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص156، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل السابع والعشرون، ح474.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص173، الباب 10، فصل، ح8.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص175، الباب 10، فصل، ح15.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص172-173، الباب 10، فصل، ح7.

وقد جعل العباسيون العيون والجواسيس في بيت الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، حتى يخبروهم إذا رأوا الإمام المهدي (صلوات اللّه عليه) ليعتقلوه ويقتلوه، ولما علموا بوجود الإمام (عليه السلام) حين صلى على جنازة أبيه العسكري (عليه السلام) ، هجموا بخيولهم على دار الإمام، ولكن اللّه عز وجل أغابه عن أعينهم وعن أعين الناس، لكي لا تخلو الأرض من حجة، وليملأها قسطاً وعدلاً حين ظهوره الشريف بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

عن أبي الحسن بن وجناء، يقول: حدثنا أبي عن جده، أنه كان في دار الحسن بن علي (عليه السلام) - قال - فكبستنا الخيل... واشتغلوا بالنهب والغارة، وكانت همتي في مولاي القائم (عليه السلام) - قال - فإذا أنا به (عليه السلام) قد أقبل، وخرج عليهم من الباب، وأنا أنظر إليه، وهو (عليه السلام) ابن ست سنين، فلم يره أحد حتى غاب»(1).

وعن زرارة بن أعين، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: «إن للغلام غيبةً قبل أن يقوم». قلت: ولِمَ ذاك؟!. قال: «يخاف». وأشار بيده إلى بطنه وعنقه - يعني القتل - ثم قال: «وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته. فمنهم من يقول: إذا مات أبوه، مات ولا عقب له. ومنهم من يقول: قد وُلد قبل وفاة أبيه بسنتين؛ لأن اللّه عز وجل يحب أن يمتحن خلقه، فعند ذلك يرتاب المبطلون»(2).

وعن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - في حديث حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: «لابد للغلام من

ص: 197


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص473، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح24.
2- بحار الأنوار: ج52 ص95، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب20، ح10.

غيبة. فقيل له: ولِمَ يا رسول اللّه؟. قال: يخاف القتل»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «للغلام غيبة قبل قيامه». قلت: ولِمَ؟. قال: «يخاف على نفسه الذبح»(2).

وعن زرارة، قال: «إن للقائم غيبةً قبل ظهوره». قلت: لِمَ؟. قال: «يخاف القتل»(3).

وعن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبةً لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل». فقلت له: ولِمَ جعلت فداك؟!. قال: «لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم». قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟. فقال: «وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج اللّه تعالى ذكره. إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) ، إلا وقت افتراقهما. يا ابن الفضل، إن هذا الأمر أمر من أمر اللّه، وسر من اللّه، وغيب من غيب اللّه، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم، صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا»(4).

ص: 198


1- علل الشرائع: ج1 ص243، الباب 179، ح1.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص481، الباب44 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح10.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص332، الفصل 5.
4- بحار الأنوار: ج52 ص91، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب20 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح4.

وعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، قال: «كأني بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي، يطلبون المرعى فلا يجدونه». قلت له: ولِمَ ذلك يا ابن رسول اللّه؟!. قال: «لأن إمامهم يغيب عنهم». فقلت: ولِمَ؟. قال: «لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف»(1).

ص: 199


1- علل الشرائع: ج1 ص245، الباب 179، ح6.

11

الفائدة زمن الغيبة

اشارة

أصل وجود الإمام والحجة سبب للفيض الإلهي، وبقاء الدنيا، وثبات الأرض والسماء، ورزق الورى، وإن كان غائباً.

وفي الدعاء: «ثُمَّ الْحُجَّةُ الْخَلَفُ الصَّالِحُ، الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ، الْمَهْدِيُّ الْمُرْجَى، الَّذِي بِبَقَائِهِ بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَبِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرَى، وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَبِهِ يَمْلَأُ اللّهُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا بَعْدَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(1).

وعن الأعمش، عن الصادق (عليه السلام) ، قال: «لم تخلُ الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد اللّه». قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام) : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟. قال: «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب»(2).

عن إسحاق بن يعقوب، أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان: «وأما علة ما وقع من الغيبة؛ فإن اللّه عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا

ص: 200


1- زاد المعاد - مفتاح الجنان: ص423، دعاء العديلة الكبير.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص207، ثلاثة بحوث حول الإمامة والوصية، الباب 21، ح22.

لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}(1)، إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء»(2).

وعن جابر الجعفي، عن جابر الأنصاري، أنه سأل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب»(3).

كلام العلامة المجلسي (رحمه اللّه)

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يومي إلى أمور:

* الأول: إن نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسطه (عليه السلام) ، إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}(4)،

ص: 201


1- سورة المائدة: 101.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص292، الفصل 4.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص253، الباب23 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح3.
4- سورة الأنفال: 33.

ولقد جربنا مراراً لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل والبعد عن جناب الحق تعالى وانسداد أبواب الفيض لما استشفعنا بهم وتوسلنا بأنوارهم فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تنكشف تلك الأمور الصعبة، وهذا معاين لمن أكحل اللّه عين قلبه بنور الإيمان، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.

* الثاني: كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها، ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها؛ ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته (عليه السلام) ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان ولا ييأسون منه.

* الثالث: إن منكر وجوده (عليه السلام) مع وفور ظهور آثاره، كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار.

* الرابع: إن الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته (عليه السلام) أصلح لهم في تلك الأزمان، فلذا غاب عنهم.

* الخامس: إن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدسة ربما يكون ظهوره أضر لبصائرهم، ويكون سبباً لعماهم عن الحق، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولايتضرر بذلك.

* السادس: إن الشمس قد يخرج من السحاب وينظر إليه واحد دون واحد، فكذلك يمكن أن يظهر (عليه السلام) في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.

ص: 202

* السابع: إنهم (عليه السلام) كالشمس في عموم النفع، وإنما لا ينتفع بهم من كان أعمى، كما فسر به في الأخبار قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}(1).

* الثامن: إن الشمس كما أن شعاعها تدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق إنما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية والعلائق الجسمانية، وبقدر ما يدفعون من قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية، إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب(2).

ص: 203


1- سورة الإسراء: 72.
2- بحار الأنوار: ج52 ص93-94، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب20 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، بيان ح8.

12

السفراء الخاصون

اشارة

في زمن الغيبة الصغرى، كان هناك سفراء خاصون يتشرفون بمحضر الإمام (عليه السلام) ويرونه، وتخرج على أيديهم توقيعات شريفة منه (عليه السلام) إلى الشيعة في أجوبة مسائل شرعية وأمور أخرى.

وكان السفراء أربعة: الشيخ عثمان بن سعيد العَمْري، والشيخ محمد بن عثمان العَمْري، والشيخ حسين بن روح النوبختي، والشيخ علي بن محمد السمري (رضوان اللّه عليهم)، وكانوا في بغداد، وماتوا بها ودفنوا فيها، ومزاراتهم معروفة.

في كتاب الاحتجاج: (أما الأبواب المرضيون، والسفراء الممدوحون في زمن الغيبة، فأولهم: الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العَمْري، نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) ، ثم ابنه أبو محمد الحسن (عليه السلام) ، فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما (عليهما السلام) ، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان (عليه السلام) ، وكان توقيعاته وجوابات المسائل تخرج على يديه. فلما مضى لسبيله قام ابنه: أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه، وناب منابه في جميع ذلك، فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت، فلما مضى هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري. ولم يقم أحد منهم بذلك، إلا بنص عليه من قبل

ص: 204

صاحب الأمر (عليه السلام) ، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم، إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السلام) ، تدل على صدق مقالتهم، وصحة نيابتهم)(1).

ويظهر من بعض الروايات، أنه كان للسفراء الأربع وكلاء، بينهم وبين الناس، وخاصة في البلاد النائية، ففي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : (قد كان في زمان السفراء المحمودين، أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة،

منهم: أبو الحسين محمد بن جعفر العربي الأسدي (رحمه اللّه) ، خرج التوقيع الشريف في مدحه، وأنه ثقة. قال (عليه السلام) : «محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه؛ فإنه من ثقاتنا».

ومنهم: أحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة، خرج التوقيع في مدحهم. روي عن أبي محمد الرازي، قال: كنت وأحمد بن أبي عبد اللّه بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرجل، فقال: «أحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع، ثقات»)(2).

ومنهم: السيدة حكيمة (عليها السلام) . عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) سنة اثنتين وستين ومائتين، فكلمتها من وراء حجاب، وسألتها عن دينها، فسمَّت لي من تأتم بهم، قالت: فلان ابن الحسن،

ص: 205


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص477-478، احتجاج الحجة القائم المنتظر المهدي صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين).
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص415-417، الفصل 6، ذكر بعض الممدوحين في زمن سفراء المهدي (عليه السلام) .

فسمَّته. فقلت لها: جعلني اللّه فداك، معاينةً أو خبراً؟. فقالت: خبراً عن أبي محمد (عليه السلام) كتب به إلى أمه. قلت لها: فأين الولد؟. قالت: مستور. فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟. قالت: إلى الجدة أم أبي محمد (عليه السلام) . فقلت: أقتدي بمن وصيته إلى امرأة؟. فقالت: اقتد بالحسين بن علي (عليه السلام) ، أوصى إلى أخته زينب بنت علي (عليها السلام) في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين (عليه السلام) من علم ينسب إلى زينب؛ ستراً على علي بن الحسين (عليه السلام) - ثم قالت - إنكم قوم أصحاب أخبار، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي (عليه السلام) يقسم ميراثه، وهو في الحياة(1).

ومنهم: إبراهيم بن مهزيار، وابنه محمد. عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار، قال: شككت عند مُضِيِّ أبي محمد - العسكري - (عليه السلام) ، وكان اجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيعاً له، فوعك وعكاً شديداً. فقال: يا بني، ردني فهو الموت، واتقِ اللّه في هذا المال، وأوصى إليَّ ومات. فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق، وأكتري داراً على الشط، ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء كوضوحه أيام أبي محمد (عليه السلام) أنفذته، وإلا تصدقت به. فقدمت العراق واكتريت داراً على الشط، وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة، فيها: «يا محمد، معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا»، حتى قصَّ عليَّ جميع ما معي مما لم أحط به علماً، فسلَّمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً لا يرفع بي رأس، فاغتممت، فخرج إليَّ: «قد أقمناك مقام أبيك، فاحمد اللّه»(2).

ص: 206


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص230، الفصل 2.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص280-281، الفصل 4.

ومنهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وعمر الأهوازي، وأبو محمد الوجنائي، وغيرهم.

1: الشيخ أبو عَمرو عثمان بن سعيد بن عَمرو العَمْري الأسدي

وكان الشيخ يلقب بالعسكري، حيث كان سكنه في حي العسكر بسامراء، ويلقب أيضاً بالسمان؛ لأنه كان يتجر بالسمن تغطية للأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى الحسن العسكري (عليه السلام) ما يجب عليهم من المال جعله أبو عمرو في زقاق السمن وحمله إليه تقيةً وخوفاً.

وكان من العلماء الثقات والأتقياء الصلحاء، وقد كان وكيلاً للإمام علي الهادي (عليه السلام) ، ثم وكيلاً للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، ثم سفيراً للإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).

قال الإمام الهادي (عليه السلام) في حقه: «هذا أبو عَمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، وما أداه إليكم فعني يؤديه»(1).

وسأله (عليه السلام) بعض أصحابه: لمن أعامل، وعمن آخذ، وقول من أقبل؟. فقال (عليه السلام) : «العَمْري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع؛ فإنه الثقة المأمون»(2).

وعن أحمد بن إسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (صلوات اللّه عليه) في يوم من الأيام. فقلت: يا سيدي، أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك، إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل، وأمر من نمتثل؟. فقال لي (صلوات اللّه عليه): «هذا أبو عَمْرو الثقة الأمين، ما

ص: 207


1- بحار الأنوار: ج51 ص344، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16، ضمن ح1.
2- الكافي: ج1 ص330، كتاب الحجة، باب في تسمية من رآه (عليه السلام) ، ح1.

قاله لكم فعني يقوله، وما أداه إليكم فعني يؤديه». فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام) ، وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن - صاحب العسكر (عليه السلام) - ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه. فقال لي: «هذا أبو عَمْرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في الحياة والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه»(1).

وعن عبد اللّه بن جعفر، قال: حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) ، فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام، فرأيت أبا عَمرو عنده. فقلت: إن هذا الشيخ - وأشرت إلى أحمد بن إسحاق - وهو عندنا الثقة المرضي، حدثنا فيك بكيت وكيت، واقتصصت عليه ما تقدم، يعني ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحله، وقلت: أنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه، فأسألك بحق اللّه، وبحق الإمامين اللذين وثقاك، هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان (عليه السلام) ؟. فبكى، ثم قال: على أن لا تخبر بذلك أحداً وأنا حي. قلت: نعم. قال: قد رأيته (عليه السلام) ، وعنقه هكذا. يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً. قلت: فالاسم؟. قال: نهيتم عن هذا(2).

وعن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد اللّه الحسنيين، قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسر من رأى، وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته، حتى دخل عليه بدر خادمه. فقال: يا مولاي، بالباب قوم شعث غبر. فقال لهم: «هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن»، في حديث طويل يسوقانه... إلى أن قال الحسن (عليه السلام) لبدر: «فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العَمري». فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل

ص: 208


1- بحار الأنوار: ج51 ص344، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 ضمن ح1.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص355، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، الأول أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.

عثمان. فقال له سيدنا أبو محمد (عليه السلام) : «امض - يا عثمان - فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال اللّه، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال - ثم ساق الحديث إلى أن قالا - ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا، واللّهِ إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وإنه وكيلك وثقتك على مال اللّه. قال: «نعم، واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العَمري وكيلي، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم»(1).

وروي، أنه جاء أربعون رجلاً من أصحاب أبي محمد العسكري (عليه السلام) ، يسألون الإمام عن الحجة من بعده، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد. فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي، فتهلكوا في أديانكم. ألا وأنكم لا ترونه بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر. فأقبلوا من عثمان بن سعيد ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، وأقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم، والأمر إليه»(2).

وقد حضر الشيخ العَمري تغسيل الإمام العسكري (عليه السلام) ، وتولى أموره بحسب الظاهر في تكفينه وتحنيطه ودفنه، وكان الإمام المهدي (عليه السلام) هو الذي يباشر تجهيز والده (عليهما السلام) .

مات الشيخ العَمري في بغداد فيها حيث مزاره الآن.

2: الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العَمري الأسدي

لما مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد، قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه،

ص: 209


1- بحار الأنوار: ج51 ص345، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 ضمن ح1.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص357، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، الأول أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.

بنص أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) ، ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم (عليه السلام) .

وكان من ثقات العلماء الصلحاء الأتقياء، له بعض الكتب في الفقه، وكانت التوقيعات الشريفة تخرج على يده إلى الشيعة، وبالخط الذي كانت تخرج به في حياة أبيه عثمان.

قال الإمام العسكري (عليه السلام) : «اشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العَمْري وكيلي، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم»(1).

وقال (عليه السلام) لبعض أصحابه: «العَمْري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك عني فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما؛ فإنهما الثقتان المأمونان»(2).

وعن محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عَمرو: «والابن - وقاه اللّه - لم يزل ثقتنا في حياة الأب (رضي اللّه عنه وأرضاه، ونضَّر وجهه) يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن، وبه يعمل، تولاه اللّه، فانته إلى قوله، وعرِّف معاملتنا ذلك»(3).

وعن إسحاق بن يعقوب، قال سألت محمد بن عثمان العمري (رحمه اللّه) أن يوصل لي كتاباً، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ. فوقع التوقيع بخط مولانا صاحب الدار (عليه السلام) : «وأما محمد بن عثمان العمري (فرضي اللّه تعالى عنه وعن

ص: 210


1- بحار الأنوار: ج51 ص345، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح1.
2- الكافي: ج1 ص330، كتاب الحجة، باب في تسمية من رآه (عليه السلام) ، ح1.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص362، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه.

أبيه من قبل)؛ فإنه ثقتي، وكتابه كتابي»(1).

من مؤلفاته: كتب في الفقه مما سمعه من أبي محمد الحسن (عليه السلام) ، ومن الصاحب (عليه السلام) ، ومن أبيه عثمان عن أبي محمد العسكري، وعن أبيه علي بن محمد الهادي، منها: كتاب الأشربة.

وروي عنه، أنه قال: «واللّهِ أن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه»(2).

وقيل له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟. قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، وهو يقول: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي»(3).

توفي الشيخ محمد العَمْري آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة في بغداد، ودُفن فيها بجوار والدته بمنطقة الخلاني (رضوان اللّه عليهما).

عن علي بن أحمد الدلال القمي، قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان (رضوان اللّه عليه) يوماً لأسلم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها، ويكتب آياً من القرآن، وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها. فقلت له: يا سيدي، ما هذه الساجة؟. فقال لي: هذه لقبري، تكون فيه أوضع عليها - أو قال - أسند إليها، وقد عرفت منه، وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءاً من القرآن فأصعد - وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه - فإذا كان يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا، صرت إلى اللّه عز وجل ودُفنت فيه، وهذه

ص: 211


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص362، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة.
2- من لا يحضره الفقيه: ج2 ص520، كتاب الحج، باب نوادر الحج، ضمن ح3115.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص440، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح9.

الساجة معي. فلما خرجت من عنده، أثبت ما ذكره، ولم أزل مترقباً به ذلك، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره، من الشهر الذي قاله، من السنة التي ذكرها، ودُفن فيه(1).

وعن محمد بن علي بن الأسود القمي: أن أبا جعفر العمري (قدس اللّه روحه) حفر لنفسه قبراً، وسواه بالساج. فسألته عن ذلك؟. فقال: للناس أسباب. ثم سألته عن ذلك؟. فقال: قد أُمرت أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين (رضي اللّه عنه وأرضاه)(2).

وقال الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) في كتابه الغيبة: أن أبا جعفر العمري (رحمه اللّه) مات في سنة أربع وثلاثمائة، وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنةً، فيحمل الناس إليه أموالهم، ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام) إليهم، بالمهمات في أمر الدين والدنيا، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة (رضي اللّه عنه وأرضاه)(3).

3: الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي

روي عن جمع من وجوه الشيعة: أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس اللّه روحه) جمعنا قبل موته، وكنا وجوه الشيعة وشيوخها. فقال لنا: (إن حدث عليَّ حدث الموت، فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد

ص: 212


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص365، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه.
2- بحار الأنوار: ج51 ص351-352، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16، ضمن ح3.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص366، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه.

أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه)(1).

وعن جعفر بن أحمد النوبختي، قال: قال لي أبي أحمد بن إبراهيم، وعمي أبو جعفر عبد اللّه بن إبراهيم، وجماعة من أهلنا - يعني بني نوبخت -: أن أبا جعفر العَمْري لما اشتدت حاله، اجتمع جماعة من وجوه الشيعة، منهم: أبو علي بن همام، وأبو عبد اللّه بن محمد الكاتب، وأبو عبد اللّه الباقطاني، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد اللّه بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه والأكابر. فدخلوا على أبي جعفر (رضوان اللّه عليه)، فقالوا له: إن حدث أمر، فمن يكون مكانك؟. فقال لهم: (هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام) ، والوكيل له، والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أُمرت، وقد بلَّغت)(2).

عن جعفر بن محمد بن متيل، قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان (رضي اللّه عنه) الوفاة، كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه. فالتفت إليَّ ثم قال لي: (قد أُمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح). قال: فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم، وأجلسته في مكاني، وتحولت إلى عند رجليه(3).

ص: 213


1- بحار الأنوار: ج51 ص355، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح6.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص371-372، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص503، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح33.

وقال الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) في كتاب الغيبة: (كان أبو القاسم (رحمه اللّه) من أعقل الناس عند المخالف والموافق، ويستعمل التقية.

قيل: بلغ الشيخ أبو القاسم (رضوان اللّه عليه) أن بوَّاباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته، وذلك للتقية)(1).

وسُئل أبو سهل النوبختي، فقيل له: كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟!. فقال: هم (عليهم السلام) أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة، لعلي كنت أدل على مكانه، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله، وقرض بالمقاريض، ما كشف الذيل عنه(2).

توفي الشيخ الحسين بن روح (رضوان اللّه عليه) في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة في بغداد، ودفن فيها حيث مزاره الآن في منطقة الشورجة ببغداد.

4: الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري

هو السفير الرابع والأخير، وقد أوصى إليه الشيخ الحسين بن روح بأمر الإمام المهدي (عليه السلام) ، فقام بما كان إليه.

روى الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) في كتاب الغيبة، عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ (رحمهم اللّه)، فقال الشيخ أبو الحسن علي محمد السمري (قدس سره) ابتداءً منه: (رحم اللّه علي بن الحسين بن بابويه القمي) - وهو

ص: 214


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص384-386، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
2- بحار الأنوار: ج51 ص359، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16، ضمن ح6.

والد الصدوق - قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم(1).

وفي رواية: أنه قال لأصحابه يوماً: (آجركم اللّه في علي بن الحسين بن بابويه، فقد قُبض في هذه الساعة). فأثبتوا التأريخ، فلما كان بعد سبعة عشر يوماً، ورد الخبر بوفاته في تلك الساعة(2).

وعن أبي عبد اللّه أحمد بن محمد الصفواني، قال: أوصى الشيخ أبو القاسم (رضي اللّه عنه) إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري (رضي اللّه عنه)، فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلما حضرته الوفاة، حضرت الشيعة عنده، وسألته عن الموكل بعده، ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذه الشأن(3).

وعن الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قدس اللّه روحه)، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد السمري، أعظم اللّه أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فأجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد، فيقوم مقامك بعد وفاتك؛ فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن اللّه تعالى ذكره، وذلك: بعد طول الأمد،

ص: 215


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص394، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص321، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الثاني، ح113.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص394، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري.

وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، أ لا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم».

قال: فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه، وهو يجود بنفسه. فقيل له: من وصيك من بعدك؟.

فقال: (لله أمر هو بالغه)، وقضى فهذا آخر كلام سمع منه (رضي اللّه عنه وأرضاه)(1).

وكانت وفاة الشيخ السمري في النصف من شعبان سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين في بغداد ودفن فيها، حيث مزاره الآن في شارع النهر قرب جسر الشهداء من جانب الرصافة، وانتهت بوفاته السفارة الخاصة، حيث لم يَنصب الإمام (عليه السلام) شخصاً آخر للسفارة عنه، وبدأت الغيبة الكبرى إلى أن يأذن اللّه له بالظهور المبارك إن شاء اللّه.

ص: 216


1- بحار الأنوار: ج51 ص360-361، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16، ح7.

13

النهي عن التسمية

جاء في بعض الأخبار النهي عن تسمية الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) باسمه الخاص.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: «المهدي من ولدي، الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لكم تسميته»(1).

وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال: «يخفى على الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته، حتى يظهره اللّه عز وجل، فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(2).

وعن عبد العظيم الحسني، عن محمد بن علي (عليه السلام) ، قال: «القائم هو الذي يخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكنيه»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا

ص: 217


1- بحار الأنوار: ج51 ص32، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب3 من أبواب ولادته، ح4.
2- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص271، باب ما جاء عن موسى بن جعفر (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار.
3- بحار الأنوار: ج51 ص32-33، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب3 من أبواب ولادته، ح6.

كافر»(1).

وعن علي بن عاصم الكوفي، قال: خرج في توقيعات صاحب الزمان (عليه السلام) : «ملعون ملعون، من سماني في محفل من الناس»(2).

وعن محمد بن همام، يقول: سمعت محمد بن عثمان العَمْري (قدس اللّه روحه) يقول: خرج توقيع بخط أعرفه: «من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة اللّه»(3).

وفي رواية: «لا يحل لكم ذكره باسمه»(4).

وقال (عليه السلام) : «لا يُرى جسمه، ولا يُسمى باسمه»(5).

وسئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن اسمه؟. فقال: «أما اسمه فلا. إن حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه اللّه عز وجل، وهو مما استودع اللّه عز وجل رسوله في علمه»(6).

وعن عبد العظيم الحسني، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) ، أنه قال - في القائم (عليه السلام) -: «لا يحل ذكره باسمه حتى يخرج، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً

ص: 218


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص648، الباب56 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.
2- رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار: ج3 ص26-27، الفصل الأول، ح27.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص483، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح3.
4- الكافي: ج1 ص333، كتاب الحجة، باب في النهي عن الاسم، ح1.
5- الإمامة والتبصرة من الحيرة: ص117، حول إمامة القائم (عليه السلام) ، الباب32، ح110.
6- بحار الأنوار: ج51 ص33-34، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب3 من أبواب ولادته، ح13.

وجوراً»(1).

وقد خص بعض العلماء الحرمة بزمان الغيبة الصغرى، وخص بعضهم ذلك بصورة الخوف على الإمام (عليه السلام) ، أو على شيعته، وحمل البعض حرمة التسمية على الكراهة، واحتمل البعض أن النهي عن التسمية إجلال له.

ويدل على عدم إطلاق الحرمة، ما ورد من التصريح باسمه في بعض الأحاديث، كحديث اللوح الذي دفعه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى فاطمة (عليه السلام) (2)، وغيره.

و لأجل ذلك كان (عليه السلام) يُلقب ويكنى بدل أن يسمى في الأخبار الشريفة، وكلمات العلماء، وعموم الشيعة: بالصاحب، والقائم، وصاحب الزمان، والناحية المقدسة، وغيرها.

ومما يؤيد حمل الحرمة على صورة الخوف عليه: ما عن السفير الخاص عثمان بن سعيد العَمْري حين قيل له: فالاسم؟. قال: «إياك أن تبحث عن هذا؛ فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع»(3).

وقوله أيضاً لما سُئل عن الاسم: «محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (عليه السلام) ؛ فان الأمر عند السلطان أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولم يخلف ولداً، وقسَّم ميراثه، وأخذه من لا حق له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم، أو ينيلهم

ص: 219


1- الأمالي للصدوق: ص339، المجلس الرابع والخمسون، ح24.
2- الكافي: ج1 ص527-528، كتاب الحجة،أبواب التاريخ، باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) ، ح3.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص442، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح14.

شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا اللّه وأمسكوا عن ذلك»(1).

وما في التوقيع الشريف: «إن دللتهم على الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه»(2).

وخرج إلى محمد بن عثمان العمري (رضوان اللّه عليه) ابتداءً من غير مسألة: «ليخبر الذين يسألون عن الاسم: إما السكوت والجنة، وإما الكلام والنار؛ فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه»(3).

هذا وقد يقال بكراهة التسمية مطلقاً، ربما تعظيماً لمقامه الشريف، أو لحكمة أخرى رآها اللّه عز وجل.

ص: 220


1- الكافي: ج1 ص330، كتاب الحجة، باب في تسمية من رآه (عليه السلام) ، ح1.
2- الكافي: ج1 ص333، كتاب الحجة، باب في النهي عن الاسم، ح2
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص364، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه.

14

الحقوق الشرعية

اشارة

كانت الشيعة ملتزمة في عصور الأئمة (عليهم السلام) بدفع الخمس وإيصاله للإمام (صلوات اللّه عليه)، على رغم الصعوبات والأخطار وظروف التقية، وكذلك سائر الحقوق الشرعية، وهكذا سرت سيرتهم حتى في زمن الغيبة الصغرى، حيث كانوا يجمعون تلك الحقوق الشرعية ويوصلونها لنواب الإمام (صلوات اللّه عليه)، ويخرج الوصل الشريف من الناحية المقدسة بوصولها.

وفي عصر الغيبة الكبرى، تم إيكال الأمور إلى النواب العامين، وهم الفقهاء العدول الجامعون للشرائط، حيث لا نيابة خاصة، ولا سفارة إلى أن يظهر الإمام إن شاء اللّه.

وقد خرج عن الناحية المقدسة (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) توقيعاً فيه: «وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة اللّه عليهم»(1).

أخرج الأربعمائة

عن إسحاق بن يعقوب، قال: سمعت الشيخ العَمْري يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد، ومعه مال للغريم (عليه السلام) فأنفذه. فرد عليه وقيل له: «أخرج حق

ص: 221


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص484، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4.

ابن عمك منه، وهو أربعمائة درهم». فبقي الرجل باهتاً متعجباً، ونظر في حساب المال، وكانت في يده ضيعة لولد عمه، قد كان رد عليهم بعضها، وزوى عنهم بعضها، فإذا الذي نض لهم من ذلك المال أربعمائة درهم، كما قال (عليه السلام) ، فأخرجه وأنفذ الباقي فقبل(1).

ألف دينار للناحية المقدسة

عن نصر بن الصباح البلخي، قال: كان بمرو كاتب، كان للخوزستاني سماه لي نصر. واجتمع عنده ألف دينار للناحية، فاستشارني فقلت: ابعث بها إلى الحاجزي. فقال: هو في عنقك إن سألني اللّه عز وجل عنه يوم القيامة. فقلت: نعم. قال نصر: ففارقته على ذلك، ثم انصرفت إليه بعد سنتين، فلقيته فسألته عن المال، فذكر أنه بعث من المال بمائتي دينار إلى الحاجزي، فورد عليه وصولها والدعاء له، وكتب إليه: «كان المال ألف دينار، فبعثت بمائتي دينار، فإن أحببت أن تعامل أحداً فعامل الأسدي بالري». قال نصر: وورد عليَّ نعي حاجز، فجزعت من ذلك جزعاً شديداً، واغتممت له، فقلت له: ولِمَ تغتم وتجزع، وقد منَّ اللّه عليك بدلالتين، قد أخبرك بمبلغ المال، وقد نعى إليك حاجزاً مبتدئاً(2).

وصولات شريفة

عن نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز،

ص: 222


1- بحار الأنوار: ج51 ص326، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح45.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص488، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح9.

وكتب رقعةً غيَّر فيها اسمه. فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه والدعاء له(1).

من مال الغريم

عن محمد بن صالح، قال: لما مات أبي، وصار الأمر إليَّ، كان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم، يعني صاحب الأمر (عليه السلام) - قال الشيخ المفيد: وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها، ويكون خطابها عليه للتقية - قال: فكتبت إليه أعلمه. فكتب إليَّ: «طالبهم واستقص عليهم». فقضاني الناس إلا رجل واحد، وكانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار، فجئت إليه أطلبه، فمطلني واستخف بي ابنه وسفه عليَّ، فشكوته إلى أبيه. فقال: وكان ما ذا؟. فقبضت على لحيته، وأخذت برجله، وسحبته إلى وسط الدار، وركلته ركلاً كثيراً. فخرج ابنه مستغيثاً بأهل بغداد، يقول: قمي رافضي، قد قتل والدي. فاجتمع عليَّ منهم خلق كثير، فركبت دابتي وقلت: أحسنتم يا أهل بغداد، تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم. أنا رجل من أهل همذان من أهل السنة، وهذا ينسبني إلى قم، ويرميني بالرفض؛ ليذهب بحقي ومالي. قال: فمالوا عليه، وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتى سكنتهم، وطلب إليَّ صاحب السفتجة أن آخذ ما فيها، وحلف بالطلاق أنه يوفيني مالي في الحال، فاستوفيت منه(2).

اقبض الحوانيت

عن محمد بن هارون الهمداني، قال: كان عليَّ خمسمائة دينار، وضقت بها

ص: 223


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص301، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح47.
2- بحار الأنوار: ج51 ص297-298، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح15.

ذرعاً، ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين ديناراً، قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار. ولا واللّهِ ما نطقت بذلك ولا قلت، فكتب (عليه السلام) إلى محمد بن جعفر: «اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه»(1).

أموال البلخي

عن محمد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال، ورقعة ليس فيها كتابة، وقد خط فيها بإصبعه كما تدور من غير كتابة، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أخبرك بقصته، وأجاب عن الرقعة، فأوصل إليه المال. فصار الرجل إلى العسكر، وقصد جعفراً وأخبره الخبر، فقال له جعفر: تقر بالبداء؟. قال الرجل: نعم. قال: فإن صاحبك قد بدا له، وقد أمرك أن تعطيني هذا المال. فقال له الرسول: لا يقنعني هذا الجواب. فخرج من عنده، وجعل يدور أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: «هذا مال كان قد غدر به، كان فوق صندوق، فدخل اللصوص البيت، فأخذوا ما كان في الصندوق وسلم المال». وردت عليه الرقعة وقد كتب فيها: «كما تدور، وسألت الدعاء فعل اللّه بك وفعل»(2).

هات ما معك

روى محمد بن الحسين، أن التميمي حدثني عن رجل من أهل أسدآباد، قال: صرت إلى العسكر، ومعي ثلاثون ديناراً في خرقة، منها دينار شامي، فوافيت الباب، وإني لقاعد إذ خرج إليَّ جارية أو غلام، الشك مني، قال: «هات ما

ص: 224


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص449، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثالث، الفصل الثاني.
2- بحار الأنوار: ج51 ص327، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح50.

معك». قلت: ما معي شيء. فدخل ثم خرج وقال: «معك ثلاثون ديناراً في خرقة لونها أخضر، منها دينار شامي». ومعه خاتم كنت تمنيته، فأوصلته ما كان معي، وأخذت الخاتم(1).

الكيس المختوم

روي عن أحمد بن أبي روح، قال: وجهت إليَّ امرأة من أهل دينور فأتيتها. فقالت: يا ابن أبي روح، أنت أوثق من في ناحيتنا ديناً وورعاً، وإني أريد أن أودعك أمانةً أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها. فقلت: أفعل إن شاء اللّه تعالى. فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحله ولا تنظر فيه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبات يساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها. فقلت: وما الحاجة؟. قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي، لا أدري ممن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها. قال: فقلت في نفسي: وكيف أقول لجعفر بن علي. فقلت: هذه المحنة بيني وبين جعفر بن علي. فحملت المال، وخرجت حتى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلمت عليه وجلست. قال: أ لك حاجة؟. قلت: هذا مال دفع إليَّ، لا أدفعه إليك حتى تخبرني كم هو، ومن دفعه إليَّ، فإن أخبرتني دفعته إليك. قال: يا أحمد بن أبي روح، توجه به إلى سر من رأى. فقلت: لا إله إلا اللّه، لهذا أجل شيء أردته. فخرجت ووافيت سر من رأى. فقلت: أبدأ

ص: 225


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص696-697، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) ، ح11.

بجعفر، ثم تفكرت، فقلت: أبدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم، وإلا مضيت

إلى جعفر. فدنوت من دار أبي محمد (عليه السلام) ، فخرج إليَّ خادم. فقال: أنت أحمد بن أبي روح. قلت: نعم. قال: هذه الرقعة اقرأها. فإذا فيها مكتوب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. يا ابن أبي روح، أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظن، وقد أديت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس، ولم تدر ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً، ومعك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير، صدقت مع الفصين اللذين فيه، وفيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها عشرة دنانير وتساوي أكثر، فادفع ذلك إلى خادمتنا إلى فلانة، فإنا قد وهبناه لها، وصر إلى بغداد، وادفع المال إلى الحاجز، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك. وأما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن، هي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبية، فتحرجت أن تعطيها، وأحبت أن تقسمها في أخواتها، فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها في ضعفاء أخواتها. ولا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له، وارجع إلى منزلك؛ فإن عمك قد مات، وقد رزقك اللّه أهله وماله». فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون ديناراً، فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أمرت بدفعها إليك لنفقتك. فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، وقد جاءني من يخبرني أن عمي قد مات، وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم. فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار، ومائة ألف درهم(1).

ص: 226


1- بحار الأنوار: ج51 ص295-296، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح11.

أموال لصاحب الأمر

عن الحسن العريضي، قال: لما مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ، ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر (عليه السلام) ، فاختلف عليه. وقال بعض الناس: إن أبا محمد (عليه السلام) قد مضى من غير خلف. وقال آخرون: الخلف من بعده جعفر. وقال آخرون: الخلف من بعده ولده. فبعث رجلاً يكنى أبو طالب إلى العسكر، يبحث عن الأمر وصحته، ومعه كتاب. فصار الرجل إلى جعفر، وسأله عن برهان. فقال له جعفر: لا يتهيأ لي في هذا الوقت. فصار الرجل إلى الباب، وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا المرسومين بالسفارة، فخرج إليه: «آجرك اللّه في صاحبك، فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يحب، وأجيب عن كتابه». وكان الأمر كما قيل له(1).

بقي شيء لم تدفعه

عن أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان (رضوان اللّه عليه)، أنه حمل إلى أبي جعفر (رضوان اللّه عليه) في وقت من الأوقات ما ينفذه إلى صاحب الأمر (عليه السلام) من قم ونواحيها. فلما وصل الرسول إلى بغداد، ودخل إلى أبي جعفر، وأوصل إليه ما دفع إليه وودعه، وجاء لينصرف. قال له أبو جعفر: «قد بقي شيء مما استودعته، فأين هو؟». فقال له الرجل: لم يبق شيء يا سيدي في يدي إلا وقد سلمته. فقال له أبو جعفر: «بلى قد بقي شيء، فارجع إلى ما معك وفتشه، وتذكر ما دفع إليك». فمضى الرجل، فبقي أياماً يتذكر،

ص: 227


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص364-365، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل شذرات من معاجز الإمام المهدي ودلائله.

ويبحث ويفكر، فلم يذكر شيئاً، ولا أخبره من كان في جملته، ورجع إلى أبي جعفر. فقال له: لم يبق شيء في يدي مما سلِّم إليَّ إلا وقد حملت إلى حضرتك.

فقال أبو جعفر: «فإنه يقال لك: الثوبان السردانيان اللذان دفعهما إليك فلان بن فلان ما فعلا؟». فقال له الرجل: إي واللّهِ يا سيدي، لقد نسيتهما حتى ذهبا عن قلبي، ولست أدري الآن أين وضعتهما. فمضى الرجل فلم يبق شيء كان معه إلا فتشه وحله، وسأل من حمل إليه شيئاً من المتاع أن يفتش ذلك، فلم يقف لهما على خبر، فرجع إلى أبي جعفر (رحمه اللّه) فأخبره. فقال له أبو جعفر: «يقال لك: امض إلى فلان بن فلان القطان الذي حملت إليه العدلين القطن في دار القطن، فافتق أحدهما وهو الذي عليه مكتوب كذا وكذا، فإنهما في جانبه». فتحير الرجل مما أخبر به أبو جعفر، ومضى لوجهه إلى الموضع، ففتق العدل الذي قال له افتقه، فإذا الثوبان في جانبه، قد اندسا مع القطن، فأخذهما وجاء بهما إلى أبي جعفر، فسلمهما إليه وقال له: لقد أنسيتهما؛ لأني لما شددت المتاع بقيا، فجعلتهما في جانب العدل؛ ليكون ذلك أحفظ لهما. وتحدث الرجل بما رآه، وأخبره به أبو جعفر من عجيب الأمر، الذي لا يقف عليه إلا نبي، أو إمام من قبل اللّه، الذي يعلم السرائر وما تخفي الصدور، ولم يكن هذا الرجل يعرف أبا جعفر، وإنما أنفذ على يده، كما ينفذ التجار إلى أصحابهم على يد من يثقون به، ولا كان معه تذكرة سلمها إلى أبي جعفر ولا كتاب؛ لأن الأمر كان حاداً في زمان المعتضد، والسيف يقطر دماً كما يقال، ولكان سراً بين الخاص من أهل هذا الشأن، وكان ما يحمل به إلى أبي جعفر، لا يقف من يحمله على خبره ولا حاله، وإنما يقال: امض إلى موضع كذا وكذا، فسلم ما معك من غير أن يشعر بشيء،

ص: 228

ولا يدفع إليه كتاب؛ لئلا يوقف على ما يحمله منه(1).

قصة الدينوري

عن أحمد الدينوري السراج، قال: انصرفت من أردبيل إلى دينور أريد أن أحج، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة. فاستبشر أهل دينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي. فقالوا: اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن نحملها معك، وتسلمها بحيث يجب تسليمها.

قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت. قال: فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال؛ لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاعمل على أن لا تخرجه من يديك إلا بحجة. قال: فحمل إليَّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلما وافيت قرميسين، كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلماً، فلما لقيني استبشر بي، ثم أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب ألوان معكمة، لم أعرف ما فيها، ثم قال لي: احمل هذا معك، ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة.

قال: فقبضت المال، والتخوت بما فيها من الثياب، فلما وردت بغداد، لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة. فقيل لي: إن ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي النيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العَمري يدعي بالنيابة. قال: فبدأت بالباقطاني وصرت إليه،

ص: 229


1- بحار الأنوار: ج51 ص316-317، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح38.

فوجدته شيخاً مهيباً، له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع الناس عنده يتناظرون. قال: فدخلت إليه، وسلمت عليه. فرحب وقرب وسر وبر. قال: فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس، قال: فسألني عن ديني، فعرفته أني رجل من أهل دينور، وافيت ومعي شيء من المال أحتاج أن أسلمه. فقال لي: احمله. قال: فقلت: أريد حجةً. قال: تعود إليَّ في غد، قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأتِ بحجة، وعدت إليه في اليوم الثالث، فلم يأتِ بحجة.

قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر، فوجدته شاباً نظيفاً، منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمع عند الباقطاني. قال: فدخلت وسلمت، فرحب وقرب. قال: فصبرت إلى أن خف الناس. قال: فسألني عن حاجتي. فقلت له كما قلت للباقطاني، وعدت إليه ثلاثة أيام، فلم يأتِ بحجة.

قال: فصرت إلى أبي جعفر العَمري، فوجدته شيخاً متواضعاً، عليه مبطنة بيضاء، قاعد على لبد في بيت صغير، ليس له غلمان، ولا من المروءة والفرس ما وجدت لغيره. قال: فسلمت، فرد الجواب وأدناني، وبسط مني، ثم سألني عن حالي، فعرفته أني وافيت من الجبل، وحملت مالاً. قال: فقال: «إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه، تخرج إلى سر من رأى، وتسأل دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوكيل، وكانت دار ابن الرضا عامرةً بأهلها، فإنك تجد هناك ما تريد». قال: فخرجت من عنده، ومضيت نحو سر من رأى، وصرت إلى دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار، وأنه يخرج آنفاً، فقعدت على الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلمت عليه، وأخذ بيدي إلى بيت كان له، وسألني عن حالي، وما

ص: 230

وردت له، فعرفته أني حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن أسلمه بحجة. قال: فقال: نعم. ثم قدَّم إليَّ طعاماً، وقال لي: تغد بهذا واسترح؛ فإنك تعبت، فإن بيننا وبين صلاة الأولى ساعةً، فإني أحمل إليك ما تريد. قال: فأكلت ونمت، فلما كان وقت الصلاة، نهضت وصليت، وذهبت إلى المشرعة، فاغتسلت ونضرت، وانصرفت إلى بيت الرجل وسكنت، إلى أن مضى من الليل ربعه، فجاءني بعد أن مضى من الليل ربعه ومعه درج، فيه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، وافى أحمد بن محمد الدينوري، وحمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرةً، فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، إلى أن عدد الصرر كلها، وصرة فلان بن فلان الذراع ستة عشر ديناراً. قال: فوسوس إليَّ الشيطان. فقلت: إن سيدي أعلم بهذا مني. فما زلت أقرأ ذكره صرةً صرةً وذكر صاحبها، حتى أتيت عليها عند آخرها، ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف كيس فيه ألف دينار، وكذا وكذا تختاً من الثياب، منها ثوب فلان، وثوب لونه كذا، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها.

قال: فحمدت اللّه وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشك عن قلبي، فأمر بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرني أبو جعفر العَمري، قال: فانصرفت إلى بغداد، وصرت إلى أبي جعفر العَمري، قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام. قال: فلما بصر بي أبو جعفر (رحمه اللّه) ، قال: «لِمَ لم تخرج؟». فقلت: يا سيدي، من سر من رأى انصرفت - قال - فأنا أحدِّث أبا جعفر بهذا، إذ وردت رقعة إلى أبي جعفر العَمري من مولانا صاحب الأمر (صلوات اللّه عليه)، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي فيه ذكر المال والثياب، وأمر أن يسلم

ص: 231

جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي. فلبس أبو جعفر العَمري ثيابه، وقال لي: «احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي». قال: فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان، وسلمتها إليه وخرجت إلى الحج. فلما رجعت إلى دينور، اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (صلوات اللّه عليه) إليَّ، وقرأته على القوم، فلما سمع بذكر الصرة باسم الذراع سقط مغشياً عليه، وما زلنا نعلله حتى أفاق، فلما أفاق سجد شكراً لله عز وجل، وقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية. الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها واللّهِ إليَّ هذا الذراع، لم يقف على ذلك إلا اللّه عز وجل. قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك أبا الحسن المادرائي، وعرفته الخبر، وقرأت عليه الدرج. فقال: يا سبحان اللّه، ما شككت في شيء، فلا تشك في أن اللّه عز وجل لا يخلي أرضه من حجته، الخبر(1).

لا تأخذوا شيئاً

قال الحسين بن الحسن العلوي: كان رجل من ندماء روزحسني وآخر معه. فقال له: هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء، وسموا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيد اللّه بن سليمان الوزير، فهم الوزير بالقبض عليهم. فقال السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل؛ فإن هذا أمر غليظ. فقال عبيد اللّه بن سليمان: نقبض على الوكلاء؟. فقال السلطان: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون

ص: 232


1- بحار الأنوار: ج51 ص300-303، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح19.

بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه. قال: فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء، أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن يمتنعوا من ذلك، ويتجاهلوا الأمر. فاندس بمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه، وخلا به. فقال: معي مال أريد أن أوصله. فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً. فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم(1).

صرة الدنانير التي عند السرير

عن ابن أبي سورة، قال: كنت بالحائر زائراً عشية عرفة، فخرجت متوجهاً على طريق البر، فلما انتهيت إلى المسناة، جلست إليها مستريحاً، ثم قمت أمشي، وإذا رجل على ظهر الطريق. فقال لي: هل لك في الرفقة. فقلت: نعم. فمشينا معاً يحدثني وأحدثه، وسألني عن حالي، فأعلمته أني مضيق لا شيء معي وفي يدي. فالتفت إليَّ فقال لي: إذا دخلت الكوفة، فأتِ أبا طاهر الزراري، فاقرع عليه بابه، فإنه سيخرج إليك وفي يده دم الأضحية. فقل له يقال لك: «أعط هذا الرجل الصرة الدنانير التي عند رجل السرير». فتعجبت من هذا، ثم فارقني ومضى لوجهه، لا أدري أين سلك، ودخلت الكوفة، وقصدت أبا طاهر محمد بن سليمان الزراري، فقرعت عليه بابه كما قال لي، وخرج إليَّ وفي يده دم الأضحية. فقلت له: يقال لك: أعطِ هذا الرجل الصرة الدنانير التي عند رجل السرير. فقال: سمعاً وطاعةً. ودخل فأخرج إليَّ الصرة، فسلمها إليَّ، فأخذتها وانصرفت(2).

ص: 233


1- الكافي: ج1 ص525، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد الصاحب (عليه السلام) ، ح30.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص298-299، الفصل 4.

وجه السبعمائة دينار

عن بدر غلام أحمد بن الحسن، عنه، قال: وردت الجبل، وأنا لا أقول بالإمامة، أحبهم جملةً، إلى أن مات يزيد بن عبد الملك، فأوصى إليَّ في علته أن يدفع الشهري(1) السمند، وسيفه، ومنطقته إلى مولاه. فخفت إن لم أدفع الشهري إلى إذكوتكين نالني منه استخفاف، فقوَّمت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي، ولم أطلع عليه أحداً. فإذا الكتاب قد ورد عليَّ من العراق: أن وجه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري السمند والسيف والمنطقة(2).

السيف الذي نسيته

عن علي بن محمد، قال: حمل رجل من أهل آبه شيئاً يوصله، ونسي سيفاً كان أراد حمله، فلما وصل الشيء كتب إليه بوصوله، وقيل في الكتاب: «ما خبر السيف الذي أنسيته»(3).

أين ثوب المرأة

قال محمد بن علي الأسود: دفعت إليَّ امرأة سنةً من السّنين ثوباً، وقالت: احمله إلى العمري (رحمه اللّه) . فحملته مع ثياب كثيرة، فلما وافيت بغداد، أمرني بتسليم ذلك كله إلى محمد بن العباس القمي، فسلمت ذلك كله ما خلا ثوب المرأة. فوجه إليَّ العمري (رضوان اللّه عليه) وقال: «ثوب المرأة سلمه إليه». فذكرت بعد ذلك

ص: 234


1- الشهرية بالكسر: ضرب من البراذين.
2- بحار الأنوار: ج51 ص311، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح34.
3- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص365، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل شذرات من معاجز الإمام المهدي ودلائله.

أن امرأةً سلمت إليَّ ثوباً، فطلبته فلم أجده. فقال لي: «لا تغتم؛ فإنك ستجده». فوجدته بعد ذلك، ولم يكن مع العَمري (رضي اللّه عنه) نسخة ما كان معي(1).

معك كذا وكذا

قال محمد بن إبراهيم بن مهزيار: شككت عند مضي أبي محمد (عليه السلام) ، وكان اجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب في السفينة، وخرجت معه مشيعاً له، فوعك وعكاً شديداً. فقال: يا بني، ردني فهو الموت، واتق اللّه في هذا المال. وأوصى إليَّ ومات، فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق، وأكتري داراً على الشط، ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء كوضوحه أيام أبي محمد (عليه السلام) أنفذته، وإلا تصدقت به. فقدمت العراق، واكتريت داراً على الشط، وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: «يا محمد، معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا». حتى قص عليَّ جميع ما معي مما لم أحط به علماً، فسلمت المال إلى الرسول(2).

عشرة دنانير

قال أبو القاسم: وأوصل ابن رئيس، عشرة دنانير إلى حاجز، فنسيها حاجز أن يوصلها. فكتب (عليه السلام) إليه: «تبعث بدنانير ابن رئيس»(3).

إرسال الأموال

قال محمد بن يزداد: وأنفذت أيضاً دنانير لقوم مؤمنين، وأعطاني رجل يقال

ص: 235


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص502، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح30.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص280-281، الفصل 4.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص302، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح56.

له: محمد بن سعيد دنانير، فأنفذتها باسم أبيه متعمداً، ولم يكن من دين اللّه على شيء، فخرج الوصول باسم من غيرت اسمه محمد.

قال: وحملت في هذه السنة التي ظهرت لي فيها هذه الدلالة ألف دينار، بعث بها أبو جعفر، ومعي أبو الحسين محمد بن محمد بن خلف، وإسحاق بن الجنيد. فحمل أبو الحسين الخرج إلى الدور، واكترينا ثلاثة أحمرة، فلما بلغنا القاطول لم نجد حميراً. فقلت لأبي الحسين: احمل الخرج الذي فيه المال، واخرج مع القافلة حتى أتخلف في طلب حمار لإسحاق بن الجنيد يركبه؛ فإنه شيخ. فاكتريت له حماراً، ولحقت بأبي الحسين في الحير، حير سر من رأى، فأنا أسامره وأقول له: احمد اللّه على ما أنت عليه. فقال: وددت أن هذا العمل دام لي.

فوافيت سر من رأى، وأوصلت ما معنا، فأخذه الوكيل بحضرتي، ووضعه في منديل، وبعث به مع غلام أسود. فلما كان العصر، جاءني برزيمة خفيفة، ولما أصبحنا خلا بي أبو القاسم، وتقدم أبو الحسين وإسحاق. فقال أبو القاسم: الغلام الذي حمل الرزيمة، جاءني بهذه الدراهم، وقال لي: ادفعها إلى الرسول الذي حمل الرزيمة.

فأخذتها منه، فلما خرجت من باب الدار، قال لي أبو الحسين: من قبل أن أنطق، أو يعلم أن معي شيئاً: لما كنت معك في الحير تمنيت أن يجيئني منه دراهم أتبرك بها، وكذلك عام أول حيث كنت معك بالعسكر. فقلت له: خذها، فقد أتاك اللّه بها، والحمد لله رب العالمين(1).

ص: 236


1- بحار الأنوار: ج51 ص332-333، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح56.

أوصل ما معك

قال أبو الحسن جعفر بن أحمد: حدثني العاصمي، أن رجلاً تفكر في رجل يوصل له ما وجب للغريم (عليه السلام) ، وضاق به صدره، فسمع هاتفاً يهتف به: «أوصل ما معك إلى حاجز».

قال: وخرج أبو محمد السروي إلى سر من رأى، ومعه مال. فخرج إليه ابتداءً: «فليس فينا شك، ولا فيمن يقوم مقامنا، ورد ما معك إلى حاجز»(1).

ثياب وأموال

عن محمد بن علي بن متيل، قال: قال عمي جعفر بن محمد بن متيل: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان السمان المعروف بالعَمري، وأخرج إليَّ ثويبات معلمةً، وصرةً فيها دراهم. فقال لي: «تحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعت إليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط». قال: فتداخلني من ذلك غم شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الأمر، ويحمل هذا الشيء الوتح. قال: فخرجت إلى واسط، وصعدت من المركب، فأول رجل تلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني، وكيل الوقف بواسط. فقال: أنا هو، من أنت؟. فقلت: أنا جعفر بن محمد بن متيل. قال: فعرفني باسمي، وسلَّم عليَّ وسلَّمت عليه، وتعانقنا. فقلت له: أبو جعفر العَمري يقرأ عليك السلام، ودفع إليَّ هذه الثويبات وهذه الصرة لأسلمها إليك. فقال: الحمد لله، فإن محمد بن عبد اللّه العامري قد مات، وخرجت

ص: 237


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص498-499، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح23.

لأصلح كفنه، فحل الثياب، فإذا بها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور، وفي الصرة كرى الحمالين والحفار. قال: فشيعنا جنازته وانصرفت(1).

ثلاثمائة دينار

عن محمد بن علي بن متيل، قال: كانت امرأة يقال لها: زينب، من أهل آبه، وكانت امرأة محمد بن عبديل الآبي، معها ثلاث مائة دينار، فصارت إلى عمي جعفر بن محمد بن متيل، وقالت: أحب أن يسلم هذا المال من يدي إلى يد أبي القاسم بن روح. قال: فأنفذني معها أترجم عنها. فلما دخلت على أبي القاسم (رحمه اللّه) ، أقبل عليها بلسان آبي فصيح. فقال لها: زينب جونا جون بدا كوليه جونسته. ومعناه: كيف أنت، وكيف كنت، وما خبر صبيانك؟. قال: فاستغنت من الترجمة، وسلمت المال ورجعت(2).

من هو الوكيل؟

قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام، امرأةً تسألني عن وكيل مولانا (عليه السلام) من هو. فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح، وأشار لها إليَّ، فدخلت عليه وأنا عنده. فقالت له: أيها الشيخ أي شيء معي؟. فقال: «ما معكِ فألقيه في دجلة، ثم ائتيني حتى أخبركِ». قال: فذهبت المرأة، وحملت ما كان معها، فألقته في دجلة، ثم رجعت، ودخلت إلى أبي القاسم الروحي (قدس اللّه روحه). فقال

ص: 238


1- بحار الأنوار: ج51 ص336-337، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح63.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص321، الفصل 4.

أبو القاسم (رضوان اللّه عليه) لمملوكة له: «أخرجي إليَّ الحقة». فقالت للمرأة: «هذه الحقة التي كانت معكِ، ورميتِ بها في دجلة، أخبرك بما فيها أو تخبريني؟». فقالت له: بل أخبرني. فقال: «في هذه الحقة زوج سوار ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهر، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق». وكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً، ثم فتح الحقة، فعرض عليَّ ما فيها، ونظرت المرأة إليه. فقالت: هذا الذي حملته بعينه، ورميت به في دجلة. فغشي عليَّ وعلى المرأة، فرحاً بما شاهدنا من صدق الدلالة.

ثم قال الحسين لي - من بعد ما حدثني بهذا الحديث -: أشهد باللّه تعالى أن هذا الحديث كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمة الاثني عشر (صلوات اللّه عليهم)، لقد صدق فيما حدث به، ما زاد فيه ولا نقص منه(1).

وصلت الأموال، وذكر أصحابها

عن محمد بن شاذان بن نعيم الشاذاني، قال: اجتمعت عندي خمسمائة درهم تنقص عشرين درهماً، فوزنت من عندي عشرين درهماً، ودفعتها إلى أبي الحسين الأسدي (رضوان اللّه عليه)، ولم أعرفه أمر العشرين، فورد الجواب: «قد وصلت الخمسمائة درهم التي لك فيها عشرون درهماً».

قال محمد بن شاذان: وأنفذت بعد ذلك مالاً، ولم أفسر لمن هو. فورد الجواب: «وصل كذا وكذا، منه لفلان كذا، ولفلان كذا»(2).

ص: 239


1- بحار الأنوار: ج51 ص342، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح69.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص509، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح38.

احمل ما معك

قال أبو العباس الكوفي: حمل رجل مالاً ليوصله، وأحب أن يقف على الدلالة. فوقع (عليه السلام) : «إن استرشدت أرشدت، وإن طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك». قال الرجل: فأخرجت مما معي ستة دنانير بلا وزن، وحملت الباقي. فخرج في التوقيع: «يا فلان، رد الستة التي أخرجتها بلا وزن، وزنها ستة دنانير وخمسة دوانيق وحبة ونصف». قال الرجل: فوزنت، فإذا بها كما قال (عليه السلام) (1).

أين السبيكة؟

عن محمد بن الحسن الصيرفي المقيم بأرض بلخ، قال: أردت الخروج إلى الحج، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان من فضة نقراً، وقد كان قد دفع ذلك المال إليَّ لأسلمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس اللّه روحه). قال: فلما نزلت سرخس، ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، وجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك مني، وغاضت في الرمل، وأنا لا أعلم - قال - فلما دخلت همذان، ميزت تلك السبائك والنقر مرةً أخرى؛ اهتماماً مني بحفظها، ففقدت منها سبيكةً وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل - أو قال - ثلاثة وتسعون مثقالاً. قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكةً، وجعلتها بين السبائك.

فلما وردت مدينة السلام، قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح (قدس اللّه روحه)، وسلمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمد يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلاً مما ضاع مني، فرمى بها

ص: 240


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص307، الباب الثالث والثلاثون، الفصل الأول، ح82.

إليَّ وقال لي: «ليست هذه السبيكة لنا، سبيكتنا ضيعتها بسرخس، حيث ضربت خيمتك في الرمل، فارجع إلى مكانك، وانزل حيث نزلت، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل، فإنك ستجدها وتعود إلى هاهنا فلا تراني».

قال: فرجعت إلى سرخس، ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة، وانصرفت إلى بلدي، فلما كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة، فدخلت مدينة السلام، وقد كان الشيخ أبو القاسم بن روح (رضوان اللّه عليه) مضى، ولقيت أبا الحسن السمري (رضوان اللّه عليه) فسلمت إليه السبيكة(1).

وفي رواية: حدثنا الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي، قال: كنت ببخارا، فدفع إليَّ المعروف بابن جاوشير عشرة سبائك ذهباً، وأمرني أن أسلمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس اللّه روحه)، فحملتها معي. فلما بلغت آمويه ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتى دخلت مدينة السلام، فأخرجت السبائك لأسلمها، فوجدتها ناقصةً واحدة منها، فاشتريت سبيكةً مكانها بوزنها، وأضفتها إلى التسع سبائك، ثم دخلت على الشيخ أبي القاسم الروحي (قدس اللّه روحه)، ووضعت السبائك بين يديه. فقال لي: «خذ لك تلك السبيكة التي اشتريتها - وأشار إليها بيده - فإن السبيكة التي ضيعتها قد وصلت إلينا، وهو ذا هي». ثم أخرج إليَّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني بآمويه، فنظرت إليها وعرفتها(2).

ص: 241


1- بحار الأنوار: ج51 ص340-341، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح68.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص518-519، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح47.

الشيخ السمان

ورد أن الشيخ عثمان بن سعيد العَمري، كان يقال له: السمان؛ لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد (عليه السلام) ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو، فيجعله في جراب السمن وزقاقه، ويحمله إلى أبي محمد (عليه السلام) تقيةً وخوفاً(1).

مع السفير الثاني

عن جعفر بن محمد المدائني المعروف بابن قزدا في مقابر قريش، قال: كان من رسمي إذا حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس اللّه روحه)، أن أقول له ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام (عليه السلام) . فيقول لي: «نعم دعه». فأراجعه فأقول له: تقول لي إنه للإمام. فيقول: «نعم للإمام (عليه السلام) ». فيقبضه، فصرت إليه آخر عهدي به (قدس اللّه روحه) ومعي أربعمائة دينار، فقلت له على رسمي. فقال لي: «امض بها إلى الحسين بن روح». فتوقفت فقلت: تقبضها أنت مني على الرسم. فردَّ عليَّ كالمنكر لقولي، قال: «قم عافاك اللّه، فادفعها إلى الحسين بن روح». فلما رأيت في وجهه غضباً، خرجت وركبت دابتي، فلما بلغت بعض الطريق، رجعت كالشاك، فدققت الباب فخرج إليَّ الخادم. فقال: من هذا؟. فقلت: أنا فلان، فاستأذن لي. فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي. فقلت له: أدخل، فاستأذن لي؛ فإنه لابد من لقائه. فدخل فعرَّفه خبر رجوعي، وكان قد دخل إلى

ص: 242


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص354، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، الأول أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.

دار النساء، فخرج وجلس على سرير ورجلاه في الأرض، وفيهما نعلان نصف حسنهما وحسن رجليه. فقال لي: «ما الذي جرَّأك على الرجوع، ولِمَ لم تمتثل ما قلته لك». فقلت: لم أجسر على ما رسمته لي. فقال لي وهو مغضب: «قم عافاك اللّه، فقد أقمت أبا القاسم الحسين بن روح مقامي، ونصبته منصبي». فقلت: بأمر الإمام؟. فقال: «قم عافاك اللّه كما أقول لك». فلم يكن عندي غير المبادرة، فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة، فعرَّفته ما جرى، فسر به وشكر اللّه عز وجل، ودفعت إليه الدنانير، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك(1).

فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا

عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: «بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه؛ فإنه من ثقاتنا»(2).

إصدار الوصولات

عن محمد بن الحسن الكاتب المروزي، قال: وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار، وكتبت إلى الغريم (عليه السلام) بذلك، فخرج الوصول، وذكر أنه كان له قبلي ألف دينار، وأني وجهت إليه مائتي دينار، وقال: «إن أردت أن تعامل أحداً،

ص: 243


1- بحار الأنوار: ج51 ص352-353، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه...
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص415، الفصل 6، ذكر بعض الممدوحين في زمن سفراء المهدي (عليه السلام) ، منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رحمه اللّه) .

فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري»(1).

أموال شيعة قم

عن علي بن سنان الموصلي، عن أبيه، قال: لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) ، وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاته (عليه السلام) ، فلما أن وصلوا إلى سر من رأى، سألوا عن سيدنا الحسن بن علي (عليه السلام) . فقيل لهم: إنه قد فقد. قالوا: فمن وارثه؟. قالوا: أخوه جعفر بن علي. فسألوا عنه فقيل لهم: قد خرج متنزهاً، وركب زورقاً في الدجلة. قال: فتشاور القوم، وقالوا: ليست هذه صفات الإمام. وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا لنرد هذه الأموال على أصحابها. فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره على الصحة.

قال: فلما انصرف، دخلوا عليه فسلموا عليه. وقالوا: يا سيدنا، نحن قوم من أهل قم، ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) الأموال. فقال: وأين هي؟. قالوا: معنا. قال: احملوها إليَّ. قالوا: إن لهذه الأموال خبراً طريفاً. فقال: وما هو؟. قالوا: إن هذه الأموال تجمع، ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنا إذا وردنا بالمال، قال سيدنا أبو محمد (عليه السلام) : «جملة المال كذا وكذا ديناراً، من فلان كذا، ومن فلان كذا»، حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ويقول ما على الخواتيم من نقش. فقال جعفر: كذبتم، تقولون

ص: 244


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص415-416، الفصل 6، ذكر بعض الممدوحين في زمن سفراء المهدي (عليه السلام) ، منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رحمه اللّه) .

على أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب. قال: فلما سمع القوم كلام جعفر، جعل ينظر بعضهم إلى بعض. فقال لهم: احملوا هذا المال إليَّ. فقالوا: إنا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال، ولا نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم... فلما أن خرجوا من البلد، خرج عليهم غلام، أحسن الناس وجهاً، كأنه خادم. فنادى: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم. قال: فقالوا له: أنت مولانا؟. قال: معاذ اللّه أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه. قالوا: فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) ، فإذا ولده القائم (عليه السلام) قاعد على سرير كأنه فلقة القمر، عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه فرد علينا السلام، ثم قال: «جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا وفلان كذا». ولم يزل يصف حتى وصف الجميع، ثم وصف ثيابنا ورحالنا، وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجداً لله عز وجل؛ شكراً لما عرفنا، وقبلنا الأرض بين يديه، ثم سألناه عما أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً؛ فإنه ينصب لنا ببغداد رجلاً نحمل إليه الأموال، ويخرج من عنده التوقيعات. قال: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن، وقال له: «أعظم اللّه أجرك في نفسك». قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همذان حتى توفي (رحمه اللّه) ، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد إلى النواب المنصوبين، ويخرج من عندهم التوقيعات(1).

ص: 245


1- بحار الأنوار: ج52 ص47-49، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح34.

فائدة

يستفاد من مجموع هذه الروايات وغيرها شدة التزام الشيعة بدفع الحقوق الشرعية مما هو حق الإمام (عليه السلام) وإيصالها، ولو عبر الوكلاء والنواب حتى في زمن الغيبة، وحتى في ظروف التقية، وأنه (عليه السلام) كان يأخذها، ويسلّم الوصولات عبر السفراء والوكلاء، بل كان أحياناً يطالب بتلك الحقوق ممن نسيها أو لم يدفعها.

ص: 246

15

الغيبة الكبرى

بدأت الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) بعد وفاة السفير الرابع، وهو الشيخ السمري عام 329ه، وهي مستمرة إلى يومنا هذا، نسأل اللّه عز وجل أن يعجل لمولانا صاحب العصر والزمان (صلوات اللّه عليه) الظهور والفرج.

عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: «لآل محمد غيبتان: واحدة طويلة والأخرى قصيرة». قال: فقال لي: «نعم - يا أبا بصير - إحداهما أطول من الأخرى، ثم لا يكون ذلك - يعني ظهوره (عليه السلام) - حتى يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة، وتظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجئون منه إلى حرم اللّه تعالى وحرم رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

وعن جابر الأنصاري، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيه الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً

ص: 247


1- بحار الأنوار: ج51 ص365، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين بن روح (رضي اللّه عنهما) مقامه بعده بأمر الإمام (صلوات اللّه عليه)، ضمن ح13.

وظلماً»(1).

وقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه، فيزيله عن ملتي، ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن اللّه عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون»(2).

وعن ابن عباس، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام أمتي، وخليفتي عليها بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ اللّه عز وجل به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. والذي بعثني بالحق بشيراً، إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر». فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري، فقال: يا رسول اللّه، وللقائم من ولدك غيبة؟. فقال: «إي وربي، ويمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرين. يا جابر، إن هذا أمر من أمر اللّه، وسر من سر اللّه علته مطوية عن عباد اللّه. فإياك والشك! فإن الشك في أمر اللّه كفر»(3).

وعن داود الرقي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : جُعلت فداك، قد طال هذا الأمر علينا حتى ضاقت قلوبنا ومتنا كمداً؟. فقال: «إن هذا الأمر آيس ما يكون

ص: 248


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص67، باب ما جاء عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) .
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص51، بيان بعض الاعتراضات والشبهات حول الغيبة، الشبهة حول إدعاء الإمام في هذا الوقت الإمامة أم لا.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص424-425، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.

منه وأشده غماً. ينادي منادٍ من السماء باسم القائم واسم أبيه». فقلت: جعلت فداك، ما اسمه؟. قال: «اسمه اسم نبي، واسم أبيه اسم وصي»(1).

وعن ابن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فوجدته مفكراً ينكت في الأرض. فقلت له: ما لي أراك مفكراً تنكت في الأرض، أ رغبةً فيها؟!. قال: «لا واللّهِ ما رغبت فيها، ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون». فقلت: يا أمير المؤمنين، وإن هذا لكائن؟!. فقال: «نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بالعلم بهذا الأمر - يا أصبغ - أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة». قلت: وما يكون بعد ذلك؟. قال: «يفعل اللّه ما يشاء، فإن له إرادات وغايات»(2).

وعن ابن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنه ذكر القائم (عليه السلام) ، فقال: «أما ليغيبن حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد حاجة»(3).

وفي رواية: سأل أبو بصير الإمام الصادق (عليه السلام) ، وقال: يا ابن رسول اللّه، ومن القائم منكم أهل البيت؟. فقال: «يا با بصير، هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبةً يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره اللّه عز وجل،

ص: 249


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص181، الباب 10، فصل، ح29.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص76، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح107.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص302، الباب26 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح9.

فيفتح على يديه مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح اللّه عيسى ابن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ولا تبقى في الأرض بقعة عُبِدَ فيها غير اللّه عز وجل إلا عُبِدَ اللّه فيها، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون»(1).

وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها»(2).

وعن المفضل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) في مجلسه ومعي غيري. فقال لنا: «إياكم والتنويه». يعني باسم القائم (عليه السلام) ، وكنت أراه يريد غيري. فقال لي: «يا با عبد اللّه، إياكم والتنويه! واللّهِ ليغيبن سبتاً من الدهر، وليخملن حتى يقال: مات هلك، بأي واد سلك، ولتفيضن عليه أعين المؤمنين، وليكفأن كتكفؤ السفينة في أمواج البحر، حتى لا ينجو إلا من أخذ اللّه ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيده بروح منه، ولترفعن اثنتا عشرة رايةً مشتبهةً، لا يعرف أي من أي». قال: فبكيت. فقال لي: «ما يبكيك؟». قلت: جعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشرة رايةً مشتبهةً، لا يعرف أي من أي. قال: فنظر إلى كوة في البيت التي تطلع فيها الشمس في مجلسه. فقال (عليه السلام) : «أ هذه الشمس مضيئة؟». قلت: نعم. قال: «واللّهِ لأمرنا أضوأ منها»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن القائم إذا قام يقول الناس: أنى ذلك وقد بليت عظامه»(4).

ص: 250


1- بحار الأنوار: ج51 ص146، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب6، ح15.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص161، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص151-152، الباب 10، ح9.
4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص155، الفصل 27، ح465.

وفي رواية: ذكر القائم عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فقال: «أ ما إنه لو قد قام لقال الناس: أنى يكون هذا وقد بليت عظامه مذ كذا وكذا»(1).

وعن أحمد بن إسحاق، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده. فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن إسحاق، إن اللّه تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجة اللّه على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض». قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه، فمن الإمام والخليفة بعدك؟. فنهض (عليه السلام) فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام، كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين. فقال: «يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على اللّه وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام) ، ومثله كمثل ذي القرنين، واللّه ليغيبن غيبةً لا ينجو فيها من التهلكة إلا من يثبته اللّه على القول بإمامته، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه».

قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟. فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح، فقال: «أنا بقية اللّه في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق». قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلما كان من الغد عدت إليه. فقلت له: يا ابن رسول اللّه، لقد عظم سروري بما أنعمت عليَّ، فما السنة الجارية فيه من

ص: 251


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص155، الباب 10، فصل، ح14.

الخضر وذي القرنين؟. فقال: «طول الغيبة يا أحمد». فقلت له: يا ابن رسول اللّه، وإن غيبته لتطول؟!. قال: «إي وربي، حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلا من أخذ اللّه عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر اللّه، وسر من سر اللّه، وغيب من غيب اللّه، فخذ ما آتيتك واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن غداً في عليين»(1).

وعن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال: «تمتد الغيبة بولي اللّه الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة بعده. يا أبا خالد، إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان؛ لأن اللّه تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين اللّه سراً وجهراً - وقال (عليه السلام) - انتظار الفرج من أعظم الفرج»(2).

ص: 252


1- بحار الأنوار: ج52 ص23-24، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح16.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص318، احتجاجه (عليه السلام) في أشياء شتى من علوم الدين وذكر طرف من مواعظه البليغة.

16

طول العمر

تواترت الروايات عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) ، بطول عمر الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته. فهو حي منذ ولادته وإلى يومنا هذا، وإلى أن يأمر اللّه له بالظهور، ولا امتناع في بقائه حياً في هذه المدة الطويلة وأكثر منها؛ فإن كل ذلك بإرادة اللّه تعالى، وقد قال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(1)، وقال تعالى: {كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}(2).

مضافاً إلى وجود نظائر له، حيث بقاء عيسى والخضر وإلياس (عليهم السلام) من أولياء اللّه تعالى، وبقاء الدجال وإبليس اللعين من أعداء اللّه تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة.

على أن بقاء الإمام المهدي (عليه السلام) وغيره من الباقين كعيسى (عليه السلام) ، لايخلو إما أن يكون بقاؤه في مقدور اللّه تعالى أو لا يكون، ومن المستحيل أن يخرج ذلك عن مقدور اللّه، فمن بدأ الخلق من غير شيء وأفناه ثم يعيده بعد الفناء، لابد أن يكون البقاء في مقدوره عز وجل.

وكيف يستبعد طول عمر الإمام (عليه السلام) من يصدق بقصة أصحاب الكهف؛ لأنه

ص: 253


1- سورة البقرة: 20 و109 و148، ومواضع أخرى من القرآن.
2- سورة آل عمران: 40.

مضى لهم فيما تضمنه القرآن ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، وهم أحياء كالنيام بغير طعام وشراب، وبقوا إلى زمن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، حيث بعث الصحابة ليسلموا عليهم.

عن محمد بن الحنفية، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أنه قال: «يا علي، أنت مني وأنا منك، وأنت أخي ووزيري، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وستكون بعدي فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان الشيعة الخامس من ولد السابع من ولدك، تحزن لفقده أهل الأرض والسماء، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده - ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه وقال - بأبي وأمي سميي وشبيهي، وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور - أو قال - جلابيب النور، تتوقد من شعاع القدس، كأني بهم آيس ما كانوا، نودوا بنداء يسمع من البعد، كما يسمع من القرب، يكون رحمةً على المؤمنين، وعذاباً على المنافقين». قلت: وما ذلك النداء؟. قال: «ثلاثة أصوات، في رجب الأول: أ لا لعنة اللّه على الظالمين. الثاني: أزفت الآزفة. الثالث - يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس ينادي -: ألا إن اللّه قد بعث فلان بن فلان - حتى ينسبه إلى علي (عليه السلام) - فيه هلاك الظالمين. فعند ذلك يأتي الفرج، ويشفي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دورهم، ويذهب غيظ قلوبهم». قلت: يا رسول اللّه، فكم يكون بعدي من الأئمة؟. قال: «بعد الحسين تسعة، والتاسع قائمهم»(1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: «للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة

ص: 254


1- بحار الأنوار: ج51 ص108-109، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح42.

يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه. ألا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه؛ لطول أمد غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة - ثم قال (عليه السلام) - إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته، ويغيب شخصه»(1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنه قال للحسين (عليه السلام) : «التاسع من ولدك - يا حسين - هو القائم بالحق، المظهر للدين، الباسط للعدل». قال الحسين (عليه السلام) : فقلت: يا أمير المؤمنين، وإن ذلك لكائن؟. فقال (عليه السلام) : «إي والذي بعث محمداً بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، لا يثبت فيهما على دينه إلا المخلصون، المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ اللّه ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه»(2).

وعن جعفر بن محمد، قال: «زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فركب هو وابناه الحسن والحسين (عليه السلام) فمر بثقيف. فقالوا: قد جاء علي يرد الماء. فقال علي (عليه السلام) : أ ما واللّهِ لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن اللّه رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة، حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة»(3).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة: «... اعلموا أن الأرض لا تخلو من

ص: 255


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص303، الباب26 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح14.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص426، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص141، الباب 10، ح1.

حجة لله، ولكن اللّه سيعمي خلقه منها؛ بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم. ولو خلت الأرض ساعةً واحدةً من حجة لله لساخت بأهلها، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف (عليه السلام) يعرف الناس وهم له منكرون ثم تلا: {يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}(1)»(2).

وعن سعيد بن جبير، قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: «في القائم سنة من نوح، وهو طول العمر»(3).

هذا وقد ذكر العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في البحار أخبار المعمرين؛ لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا القائم (صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين)(4).

وفي الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، قال: «إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم علينا، فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر الموسم كل سنة، فيقضي جميع المناسك، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس اللّه به وحشة قائمنا (عليه السلام) في غيبته، ويصل به وحدته»(5).

ص: 256


1- سورة يس: 30.
2- البرهان في تفسير القرآن: ج4 ص585،المستدرك، سورة يس، آية 30.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص322، الباب31 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4 و5.
4- بحار الأنوار: ج51 ص225-293، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب14.
5- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص390-391، الباب38، ح4.

17

نفي الرؤية

في الروايات الشريفة والتوقيعات المباركة: نفي الرؤية في زمن الغيبة الكبرى، وأنه لا يرى أحدٌ الإمامَ المهدي (عليه السلام) ، ومن ادعى الرؤية فهو كذاب.

وكان ذلك سداً لباب ادعاء السفارة والنيابة الخاصة وما أشبه، وحتى لا يفتح الباب أمام كل من سولت له نفسه ليدعي الرؤية، وهذا لا ينافي حصول الرؤية نادراً ولبعض المؤمنين في قضاء بعض الحوائج وما أشبه.

وربما تحمل بعض تلك الروايات على نفي الحجية، فمن ادعى المشاهدة ونقل شيئاً عنه (عليه السلام) لا حجية في نقله.

وإلا فإن البعض من المؤمنين قد شاهدوا الإمام (عليه السلام) بعد ولادته، وعدداً منهم في غيبته الصغرى، وغير قليل منهم في غيبته الكبرى.

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) - في روايات تكذيب مدعي المشاهدة -: (لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة على مثال السفراء؛ لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه (عليه السلام) ، واللّه يعلم)(1).

ص: 257


1- بحار الأنوار: ج52 ص151، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب23 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، بيان ح1.

وفي رواية رواها العلامة المجلسي (رحمه اللّه) عن السيد شمس الدين العالم، حيث سئل أنه: يا سيدي، قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر (عليه السلام) ، أنه قال - لما أمر بالغيبة الكبرى -: «من رآني بعد غيبتي فقد كذب»، فكيف فيكم من يراه؟. فقال السيد شمس الدين: «صدقت، إنه (عليه السلام) إنما قال ذلك في ذلك الزمان؛ لكثرة أعدائه من أهل بيته، وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى إن الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة، وأيس منه الأعداء، وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم، وببركته (عليه السلام) لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا»(1).

هذا وفي بعض الروايات أن الإمام (عليه السلام) يحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه، أو لا يرونه أصلاً. فعن عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه»(2).

وعن محمد بن عثمان العَمري، قال: «واللّهِ، إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه»(3).

وفي التوقيع الشريف: «فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن اللّه تعالى ذكره؛ وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً.

ص: 258


1- بحار الأنوار: ج52 ص171-172، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب24 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- الكافي: ج1 ص337-338، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح6.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص440، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح8.

وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، أ لا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم»(1).

وعن الحميري، قال: كنت مع أحمد بن إسحاق عند العَمْري (رضوان اللّه عليه) وهو سفير الإمام (صلوات اللّه عليه). فقلت للعَمري: إني أسألك عن مسألة كما قال اللّه عز وجل في قصة إبراهيم: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}(2)، هل رأيت صاحبي؟.

فقال لي: «نعم، وله عنق مثل ذي» وأومأ بيديه جميعاً إلى عنقه.

قال: قلت: فالاسم؟.

قال: «إياك أن تبحث عن هذا؛ فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع»(3).

ص: 259


1- بحار الأنوار: ج51 ص361، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح7.
2- سورة البقرة: 260.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص441-442، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح14.

18

رايات قبل راية الإمام (عليه السلام)

ثم إن بعض الروايات الشريفة أخبرت أن الرايات قبل قيام القائم (عليه السلام) لاتكون صحيحة، فهي إما باطلة في أساسها، وإما مشوبة بالباطل، وإما غير مؤثرة في الإصلاح إلا قليلاً، فلا تكون حكومة العدل بمعنى الكلمة، والتي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً، إلاّ في عهد الإمام المهدي (عليه السلام) .

وهذا لا يعني ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا عدم المطالبة بالحقوق المشروعة، ولا ترك الظالم يفعل ما يشاء، بل لابد من فضح الظالم، والسعي للصد عن ظلمه بالطرق الممكنة المشروعة.

فعبر الطرق السلمية، ونشر الثقافة والوعي، وفضح الظلم، والتعددية، والاستشارية، يمكن الصد عن الاستبداد ولو نسبياً، كما يمكن بذلك أن يتصدى من هو الأقل ظلماً على العباد والبلاد.

عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال: «واللّهِ لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم، إلا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به»(1).

ص: 260


1- الكافي: ج8 ص264، كتاب الروضة، حديث القباب، ح382.

وعن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ، قال: «مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم، مثل فرخ طار فوقع من وكره، فتلاعبت به الصبيان»(1).

وعن سدير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يا سدير، الزم بيتك، وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج، فارحل إلينا ولو على رجلك»(2).

وعن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «خمس علامات قبل قيام القائم (عليه السلام) : الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكية، واليماني». فقلت: جعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟. قال: «لا»(3).

وعن عيص بن القاسم، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «عليكم بتقوى اللّه وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم. فو اللّهِ إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها، يخرجه ويجيء بذلك الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها. واللّهِ لو كانت لأحدكم نفسان، يقاتل بواحدة يجرب بها، ثم كانت الأخرى باقيةً، فعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة، إذا ذهبت فقد واللّه ذهبت التوبة. فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم إن أتاكم آتٍ منا، فانظروا على أي شيء تخرجون، ولا تقولوا: خرج زيد؛ فإن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى

ص: 261


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص199، الباب 11، ح14.
2- الكافي: ج8 ص264-265، كتاب الروضة، حديث القباب، ح383.
3- الكافي: ج8 ص310، كتاب الروضة، حديث الفقهاء والعلماء، ح483.

الرضا من آل محمد، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه. إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمد، فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم، وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه. فو اللّهِ ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم اللّه عز وجل، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم، فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامةً»(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا؛ لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول اللّه عز وجل: {وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(2)»(3).

وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «ما يكون هذا الأمر، حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوا على الناس؛ حتى لا يقول قائل: إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل»(4).

وفي رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) - قال المفضل: يا سيدي، فبغير سنة القائم (عليه السلام) بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه؟. فقال (عليه السلام) : «يا مفضل، كل بيعة قبل ظهور القائم (عليه السلام) ، فبيعته كفر ونفاق وخديعة،

ص: 262


1- بحار الأنوار: ج52 ص301-302، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26، ح67.
2- سورة الأعراف: 128، سورة القصص: 83.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص472-473، الفصل 8.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص274، الباب 14، ح53.

لعن اللّه المبايع لها والمبايع له»(1).

وعن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، أنه قال: «اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض، أي لا تخرجوا على أحد؛ فإن أمركم ليس به خفاء، ألا إنها آية من اللّه عز وجل ليست من الناس، ألا إنها أضوأ من الشمس، لا تخفى على بر ولا فاجر. أتعرفون الصبح؛ فإنها كالصبح ليس به خفاء»(2).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كل راية ترفع قبل قيام القائم (عليه السلام) ، فصاحبها طاغوت يعبد من دون اللّه عز وجل»(3).

وعن عمار بن ياسر (رضوان اللّه عليه)، أنه قال: «دعوة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان، فالزموا الأرض، وكفوا حتى تروا قادتها، فإذا خالف الترك الروم، وكثرت الحروب في الأرض، وينادي منادٍ على سور دمشق: ويل لازم من شر قد اقترب، ويخرب حائط مسجدها»(4).

وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً، حتى ترى علامات أذكرها لك، وما أراك تدرك اختلاف بني فلان، ومنادٍ ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، وخسف قرية من قرى الشام تسمى: الجابية، وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة،

ص: 263


1- بحار الأنوار: ج53 ص8، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص200-201، الباب 11، ح17.
3- الكافي: ج8 ص295، كتاب الروضة، حديث نوح (عليه السلام) يوم القيامة، ح452.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص441، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .

وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرمل، فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل الأرض من ناحية المغرب، فأول أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني»(1).

ص: 264


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص441-442، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .

19

أحوال الإمام (عليه السلام) في الغيبة

اشارة

هناك روايات تشير إلى بعض أحوال الإمام المهدي (عليه السلام) في زمن غيبته الكبرى، نشير إلى بعضها:

عن علي أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابد له في غيبته من عزلة، ونِعْمَ المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة»(1).

وطيبة: المدينة المنورة، وربما يكون (عليه السلام) غالباً فيها أو في حواليها، أو في بعض أوقاته، وربما يكون معه ثلاثين من خواصه، إن مات أحدهم قام آخر مقامه.

وعن المفضل، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن لصاحب الأمر بيتاً يقال له: بيت الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم وُلِدَ إلى يوم يقوم بالسيف لا يطفى»(2).

ومن أحواله (عليه السلام) عرض الأعمال عليه، ودعاؤه للمؤمنين، وحزنه على مصائبهم، وقضاؤه لبعض حوائجهم، ودعاؤه لفرجه الشريف، ومشاركته في الحج، وزيارته لمشاهد آبائه المعصومين (عليهم السلام) ، وكثرة البكاء على جده الإمام

ص: 265


1- الكافي: ج1 ص340، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح16.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص239، الباب 13، آياته وفعله (عليه السلام) ، ح31.

الحسين (عليه السلام) ، وزيارته، والمشاركة في شعائره.

ففي زيارة الناحية المقدسة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ، سَلَامَ الْعَارِفِ بِحُرْمَتِكَ، الْمُخْلِصِ فِي وَلَايَتِكَ، الْمُتَقَرِّبِ إِلَى اللّه بِمَحَبَّتِكَ، الْبَرِيءِ مِنْ أَعْدَائِكَ، سَلَامَ مَنْ قَلْبُهُ بِمُصَابِكَ مَقْرُوحٌ، ودَمْعُهُ عِنْدَ ذِكْرِكَ مَسْفُوحٌ، سَلَامَ الْمَفْجُوعِ الْمَحْزُونِ، الْوَالِهِ الْمُسْتَكِينِ، سَلَامَ مَنْ لَوْ كَانَ مَعَكَ بِالطُّفُوفِ لَوَقَاكَ بِنَفْسِهِ حَدَّ السُّيُوفِ، وبَذَلَ حُشَاشَتَهُ دُونَكَ لِلْحُتُوفِ، وجَاهَدَ بَيْنَ يَدَيْكَ، ونَصَرَكَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْكَ، وفَدَاكَ بِرُوحِهِ وجَسَدِهِ، ومَالِهِ ووُلْدِهِ، ورُوحُهُ لِرُوحِكَ فِدَاءٌ، وأَهْلُهُ لِأَهْلِكَ وِقَاءٌ، فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِي الدُّهُورُ، وعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ الْمَقْدُورُ، ولَمْ أَكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً، ولِمَنْ نَصَبَ لَكَ الْعَدَاوَةَ مُنَاصِباً، فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً ومَسَاءً، ولَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيْكَ، وتَأَسُّفاً عَلَى مَا دَهَاكَ وتَلَهُّفاً، حَتَّى أَمُوتَ بِلَوْعَةِ الْمُصَابِ، وغُصَّةِ الِاكْتِيَابِ»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم، فيراهم ولا يرونه»(2).

وفيما رواه العلامة المجلسي (رحمه اللّه) عن الشيخ علي بن فاضل المازندراني، عن السيد شمس الدين العالم...، قال: فقلت له: يا سيدي، هل يحج الإمام (عليه السلام) في كل مدة بعد مدة؟. قال لي - السيد شمس الدين -: «يا ابن فاضل، الدنيا خطوة مؤمن، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده ووجود آبائه (عليهم السلام) . نعم، يحج في كل عام، ويزور آباءه في المدينة والعراق وطوس (على مشرفيها السلام)،

ص: 266


1- المزار الكبير لابن للمشهدي: ص500-501، القسم الرابع، الباب 18، زيارة أخرى في يوم عاشوراء لأبي عبد اللّه الحسين بن علي (صلوات اللّه عليه).
2- الكافي: ج1 ص337-338، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح6.

ويرجع إلى أرضنا هذه»(1).

زيارة الحسين (عليه السلام) أمان من النار

ورد في قصة تشرف أحد المؤمنين، أنه سأل الإمام المهدي (عليه السلام) : يا سيدنا، قراء تعزية الحسين (عليه السلام) يقرءون حديثاً أن رجلاً رأى في المنام هودجاً بين السماء والأرض، فسأل عمن فيه؟. فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى. فقال: إلى أين يريدون؟. فقيل: زيارة الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة ليلة الجمعة. ورأى رقاعاً تتساقط من الهودج مكتوب فيها: أمان من النار لزوار الحسين (عليه السلام) في ليلة الجمعة، هذا الحديث صحيح؟. فقال (عليه السلام) : «نعم، زيارة الحسين (عليه السلام) في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة»(2).

قصة المقدس الأردبيلي

عن السيد أمير علام، قال: كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري (على مشرفها السلام)، وقد ذهب كثير من الليل، فبينا أنا أجول فيها، إذ رأيت شخصا مقبلاً نحو الروضة المقدسة، فأقبلت إليه، فلما قربت منه، عرفت أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الذكي مولانا أحمد الأردبيلي (قدس اللّه روحه).

فأخفيت نفسي عنه، حتى أتى الباب، وكان مغلقاً، فانفتح له عند وصوله إليه، ودخل الروضة، فسمعته يكلم، كأنه يناجي أحداً، ثم خرج وأغلق الباب،

ص: 267


1- بحار الأنوار: ج52 ص173، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب24 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- بحار الأنوار: ج53 ص315، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة (عليه السلام) ، الحكاية التاسعة والخمسون.

فمشيت خلفه حتى خرج من الغري، وتوجه نحو مسجد الكوفة. فكنت خلفه بحيث لا يراني، حتى دخل المسجد، وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) عنده، ومكث طويلاً، ثم رجع وخرج من المسجد، وأقبل نحو الغري. فكنت خلفه حتى قرب من الحنانة، فأخذني سعال لم أقدر على دفعه، فالتفت إليَّ فعرفني، وقال: أنت مير علام؟. قلت: نعم. قال: ما تصنع ها هنا؟. قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن، وأقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية؟.

فقال: أخبرك على أن لا تخبر به أحداً ما دمت حياً، فلما توثق ذلك مني. قال: كنت أفكر في بعض المسائل، وقد أغلقت عليَّ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأسأله عن ذلك، فلما وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت، فدخلت الروضة، وابتهلت إلى اللّه تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك، فسمعت صوتاً من القبر: أن ائتِ مسجد الكوفة، وسل عن القائم (عليه السلام) ، فإنه إمام زمانك. فأتيت عند المحراب، وسألته عنها، وأُجبت وها أنا أرجع إلى بيتي(1).

قصة الحاج الاسترابادي

روى العلامة المجلسي (رحمه اللّه) ، عن أبيه، قال: أخبرني والدي (رحمه اللّه) ، قال: كان في زماننا رجل شريف صالح، كان يقال له: أمير إسحاق الأسترآبادي، وكان قد حج أربعين حجة ماشياً، وكان قد اشتهر بين الناس أنه تطوى له الأرض، فورد في بعض السنين بلدة أصفهان، فأتيته وسألته عما اشتهر فيه؟. فقال: كان سبب

ص: 268


1- بحار الأنوار: ج52 ص174-175، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب24 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

ذلك، أني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين إلى بيت اللّه الحرام، فلما وصلنا إلى موضع كان بيننا وبين مكة سبعة منازل أو تسعة، تأخرت عن القافلة لبعض الأسباب، حتى غابت عني وضللت عن الطريق وتحيرت، وغلبني العطش حتى أيست من الحياة. فناديت: يا صالح، يا أبا صالح، أرشدونا إلى الطريق يرحمكم اللّه. فتراءى لي في منتهى البادية شبح، فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير، فرأيته شاباً حسن الوجه، نقي الثياب، أسمر على هيئة الشرفاء، راكباً على جمل، ومعه إداوة. فسلمت عليه، فرد عليَّ السلام. وقال: «أنت عطشان؟». قلت: نعم. فأعطاني الإداوة فشربت، ثم قال: «تريد أن تلحق القافلة؟». قلت: نعم. فأردفني خلفه، وتوجه نحو مكة. وكان من عادتي قراءة الحرز اليماني في كل يوم، فأخذت في قراءته. فقال (عليه السلام) في بعض المواضع: «اقرأ هكذا». قال: فما مضى إلا زمان يسير حتى قال لي: «تعرف هذا الموضع؟». فنظرت فإذا أنا بالأبطح. فقال: «انزل». فلما نزلت رجعت وغاب عني. فعند ذلك عرفت أنه القائم (عليه السلام) ، فندمت وتأسفت على مفارقته، وعدم معرفته، فلما كان بعد سبعة أيام أتت القافلة، فرأوني في مكة بعد ما أيسوا من حياتي، فلذا اشتهرت بطي الأرض(1).

ص: 269


1- بحار الأنوار: ج52 ص175-176، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب24 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

20

وظائف الأنام

اشارة

هناك وظائف عديدة على الناس في زمن غيبة الإمام (عليه السلام) ، وهي بين الواجب والمستحب.

منها: الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) ، والاعتقاد به، وانتظار الفرج، والعبادة، وحسن الأخلاق، والصبر على الأذى والتكذيب، والدعاء لتعجيل الفرج، والالتزام بالأوامر الشرعية، والتمسك بالدين، ورعاية المؤمنين، وقضاء حوائجهم، والثبات على الولاية، والبراءة، وتقليد الفقهاء العدول، والرجوع إليهم في الحوادث الواقعة، وعدم تصديق من يدعي السفارة، والنيابة الخاصة، والصلاة والسلام على الإمام، وقراءة زيارته، والبكاء والحزن على غيبته.

الاعتقاد بالإمام (عليه السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته فمات، فقد مات ميتة جاهلية»(1).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «اعرف إمامك؛ فإنك إذا عرفته لم يضرك تقدم هذا

ص: 270


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص412-413، الباب39 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح12.

الأمر أو تأخر»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}(2) - قال: «من أقرَّ بقيام القائم أنه حق»(3).

وعن أبي بصير، قال: قال الصادق (عليه السلام) : «طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا، فلم يزغ قلبه بعد الهداية». فقلت له: جعلت فداك، وما طوبى؟. قال: «شجرة في الجنة، أصلها في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول اللّه عز وجل: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ}(4)»(5).

وعن الصادق (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «يا علي، واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً، قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، وحجبتهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض»(6).

وعن مالك بن أعين، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن الميت منكم على هذا الأمر، بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل اللّه»(7).

ص: 271


1- الكافي: ج1 ص371، كتاب الحجة، باب أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر، ح1.
2- سورة البقرة: 2-3.
3- بحار الأنوار: ج52 ص124، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح9.
4- سورة الرعد: 29.
5- معاني الأخبار: ص112، باب معنى طوبى، ح1.
6- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص288، الباب25 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح8.
7- بحار الأنوار: ج52 ص126، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح17.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «من عرف هذا الأمر، ثم مات قبل أن يقوم القائم (عليه السلام) ، كان له مثل أجر من قتل معه»(1).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «من سرّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة»(2).

وعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «أقرب ما يكون العباد من اللّه جلَّ ذكره، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجة اللّه جلَّ وعزَّ، ولم يظهر لهم، ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة اللّه جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإن أشد ما يكون غضب اللّه على أعدائه إذا افتقدوا حجته، ولم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيَّب حجته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس»(3).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، في حديث: «إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر... ثم قال: «فإياك والشك! فإن الشك في أمر اللّه كفر»(4).

ص: 272


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص460، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص200، الباب 11، ح16.
3- الكافي: ج1 ص333، كتاب الحجة، باب نادر في حال الغيبة، ح1.
4- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص424-425، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.

الصبر على الأذى

قال الإمام الحسين (عليه السلام) : «أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجل، واستعينوا باللّه واصبروا، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم»(2).

وعن عمار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : العبادة مع الإمام منكم المستتر في السر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟. فقال: «يا عمار، الصدقة في السر واللّهِ أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل؛ لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة، ممن يعبد اللّه في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق. اعلموا أن من صلى منكم صلاةً فريضةً وحداناً مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب اللّه عز وجل له بها خمساً وعشرين صلاةً فريضةً وحدانيةً. ومن صلى منكم صلاةً نافلةً في وقتها فأتمها، كتب اللّه عز وجل له بها عشر صلوات نوافل. ومن عمل منكم حسنةً، كتب اللّه له بها عشرين حسنةً، ويضاعف اللّه تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله،

ص: 273


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص68، الباب 6، ح36.
2- الخصال: ج2 ص622، علَّم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، ح10.

ودان اللّه بالتقية على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفةً كثيرةً، إن اللّه عز وجل كريم»(1).

التقوى والتدين

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن لصاحب هذا الأمر غيبةً، المتمسك فيها بدينه كالخارط لشوك القتاد بيده - ثم أومأ أبو عبد اللّه (عليه السلام) بيده هكذا، قال - فأيكم تمسك شوك القتاد بيده - ثم أطرق ملياً ثم قال - إن لصاحب هذا الأمر غيبةً؛ فليتق اللّه عبد عند غيبته، وليتمسك بدينه»(2).

وعن البزنطي، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن مسألة للرؤيا؟. فأمسك، ثم قال: «إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم، وأُخِذَ برقبة صاحب هذا الأمر». قال: وقال: «وأنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أُمهل لهم. فعليكم بتقوى اللّه، ولا تغرنكم الدنيا، ولا تغتروا بمن أُمهل له، فكأن الأمر قد وصل إليكم»(3).

وعن الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قلت له: إنا نروي بأن صاحب هذا الأمر يُفقد زماناً، فكيف نصنع عند ذلك؟. قال: «تمسكوا بالأمر الأول الذي أنتم عليه حتى يبين لكم»(4).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (أي تمسكوا في أصول دينكم وفروعه بما وصل

ص: 274


1- بحار الأنوار: ج52 ص127، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22، ح20.
2- بحار الأنوار: ج52 ص135، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح39.
3- بحار الأنوار: ج52 ص110، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21، ح16.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص159، الباب 10، فصل، ح5.

إليكم من أئمتكم، ولا تتركوا العمل، ولا ترتدوا، حتى يظهر إمامكم)(1).

وعن زرارة، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم». فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟. قال: «يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم»(2).

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان. إن أدنى ما يكون لهم من الثواب، أن يناديهم البارئ جلَّ جلاله، فيقول: عبادي وإمائي آمنتم بسري، وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني، فأنتم عبادي وإمائي حقاً، منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي». قال جابر: فقلت: يا ابن رسول اللّه، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟. قال: «حفظ اللسان، ولزوم البيت»(3).

رعاية المؤمنين

عن جابر، قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) - ونحن جماعة - بعد ما قضينا نسكنا، فودعناه وقلنا له: أوصنا يا ابن رسول اللّه؟. فقال: «ليُعِن قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصحه

ص: 275


1- بحار الأنوار: ج52 ص133، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22، بيان.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص350، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح44.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص330، الباب32 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح15.

لنفسه. واكتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا؛ فإن وجدتموه في القرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوا موافقاً فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا، حتى نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا. وإذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا، كان شهيداً، ومن أدرك منكم قائمنا فقُتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قَتل بين يديه عدواً لنا كان له أجر عشرين شهيداً»(1).

الولاية والبراءة

قال الإمام الكاظم (عليه السلام) : «طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة فرضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم لهم، هم واللّهِ معنا في درجتنا يوم القيامة»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه، ويتولى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذاك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمتي عليَّ يوم القيامة»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو مقتد به قبل قيامه، يأتم به وبأئمة الهدى من قبله، ويبرأ إلى اللّه من

ص: 276


1- الأمالي للطوسي: ص232، المجلس التاسع، ح410/2.
2- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص269-270، باب ما جاء عن موسى بن جعفر (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص75، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح103.

عدوهم، أولئك رفقائي وأكرم أمتي عليَّ»(1).

وقال سيد العابدين (عليه السلام) : «من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا، أعطاه اللّه أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا أصبحت وأمسيت لا ترى إماماً تأتم به، فأحبب من كنت تحب، وأبغض من كنت تبغض، حتى يظهره اللّه عز وجل»(3).

انتظار الفرج

قال الإمام الجواد (عليه السلام) : «أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج»(4).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) : «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أ ما سمعت قول العبد الصالح: {وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ}(5)، و{فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}(6). فعليكم بالصبر؛ فإنه إنما يجيء الفرج على اليأس، وقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم»(7).

ص: 277


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص86-87، الباب التاسع، الفصل السادس، ح241.
2- بحار الأنوار: ج52 ص125، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح13.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص348، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح37.
4- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص435، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الثاني، الفصل الثاني.
5- سورة هود: 93.
6- سورة الأعراف: 71، سورة يونس: 20 و102.
7- بحار الأنوار: ج52 ص110، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21، ح17.

وقال الصادق (عليه السلام) : «من دين الأئمة: الورع، والعفة، والصدق، والصلاح - إلى قوله - وانتظار الفرج بالصبر»(1).

وعن الرضا (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أفضل أعمال أمتي انتظار فرج اللّه عز وجل»(2).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «انتظار الفرج عبادة»(3).

وقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «انتظار الفرج بالصبر عبادة»(4).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح اللّه؛ فإن أحب الأعمال إلى اللّه عز وجل انتظار الفرج»(5).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه»(6).

وعن السندي، عن جده، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟. قال: «هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه - ثم سكت هنيئةً ثم قال - هو كمن كان مع رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(7).

ص: 278


1- الخصال: ج2 ص479، أبواب الاثني عشر، الخلفاء والأئمة بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اثنا عشر (عليهم السلام) ، ح46.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص36، الباب 31، ح87.
3- الأمالي للطوسي: ص405، المجلس الرابع عشر، ح907/55.
4- الدعوات للراوندي: ص41، الباب الأول، الفصل الثاني، ح101.
5- الخصال: ج2 ص616، علَّم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، ح10.
6- الخصال: ج2 ص625، علَّم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، ح10.
7- بحار الأنوار: ج52 ص125، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح14.

وعن علاء بن سيابة، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له، كان كمن كان في فسطاط القائم (عليه السلام) »(1).

وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : جعلت فداك، متى الفرج؟. فقال: «يا أبا بصير، وأنت ممن يريد الدنيا. من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه بانتظاره»(2).

الثبات في شدة الفتن

عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة، فاللّه اللّه في أديانكم، لا يزيلنكم عنها أحد. يا بني، إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من اللّه، امتحن اللّه تعالى بها خلقه»(3).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «لتمخضن يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد كمخيض الكحل في العين؛ لأن صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين، ولا يعلم متى يذهب، فيصبح أحدكم وهو يرى أنه على شريعة من أمرنا، فيمسي وقد خرج منها، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا، فيصبح وقد خرج منها»(4).

وعن منصور، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يا منصور، إن هذا الأمر لايأتيكم إلا بعد إياس. ولا واللّهِ حتى تميزوا، ولا واللّهِ حتى تمحصوا، ولا واللّهِ حتى

ص: 279


1- المحاسن: ج1 ص173، كتاب الصفوة والنور والرحمة، الباب 38، ح147.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص330، الباب 25، ح3.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص337، الفصل 5.
4- بحار الأنوار: ج52 ص101، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح2.

يشقى من يشقى ويسعد من يسعد»(1).

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: «واللّهِ لتميزن، واللّهِ لتمحصن، واللّهِ لتغربلن كما يغربل الزؤان من القمح»(2).

وعن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه سمعه يقول: «ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب». قلت: جعلت فداك، كم مع القائم من العرب؟. قال: «شيء يسير». فقلت: واللّهِ إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير!. فقال: «لابد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير»(3).

وقال أبو الحسن (عليه السلام) : «أ ما واللّهِ لا يكون الذي تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا أو تمحصوا، حتى لا يبقى منكم إلا الأندر - ثم تلا - {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}(4)»(5).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن لصاحب هذا الأمر غيبةً المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد»(6).

وعن ابن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنه قال: «كونوا كالنحل في الطير، ليس

ص: 280


1- الكافي: ج1 ص370، كتاب الحجة، باب التمحيص والامتحان، ح3.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص205، الباب 12، ح8.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص159، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل السابع والعشرون، ح489.
4- سورة آل عمران: 142.
5- كتاب الغيبة للطوسي: ص336-337، الفصل 5.
6- الكافي: ج1 ص335، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح1.

شيء من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعل بها ذلك. خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم. فو الذي نفسي بيده، ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم - أو قال من شيعتي - إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً، وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه، ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء اللّه، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس، فأخرجه ونقاه وطيبه، ثم أعاده إلى البيت، فتركه ما شاء اللّه ثم عاد إليه، فإذا هو قد أصاب طائفةً منه السوس، فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر، لا يضره السوس شيئاً، وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً»(1).

عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) : «إنما مثل شيعتنا مثل أندر، يعني بيدراً فيه طعام، فأصابه آكل فنقي، ثم أصابه آكل فنقي، حتى بقي منه ما لا يضره الآكل، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحصون حتى يبقى منهم عصابة لا تضرها الفتنة»(2).

وعن جابر الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : متى يكون فرجكم؟. فقال: «هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا، ثم تغربلوا، ثم تغربلوا - يقولها ثلاثاً - حتى يذهب اللّه تعالى الكدر ويبقي الصفو»(3).

وعن إبراهيم بن هليل، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : جُعلت فداك، مات

ص: 281


1- بحار الأنوار: ج52 ص115-116، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21، ح37.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص210-211، الباب 12، ح18.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص339، الفصل 5.

أبي على هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء. فقال: «يا أبا إسحاق، أنت تعجل». فقلت: إي واللّهِ أعجل، وما لي لا أعجل وقد بلغت من السن ما ترى. فقال: «أما واللّهِ - يا أبا إسحاق - ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل»، ثم صعر كفه(1).

وعن صفوان بن يحيى، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام) : «واللّهِ لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا وتميزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر»(2).

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه -: «اللّهمَّ لَقِّني إِخْوانِي، مرتين. فقال من حوله من أصحابه: أ ما نحن إخوانك يا رسول اللّه!. فقال: لا إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا ولم يروني. لقد عرفنيهم اللّه بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقيةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم اللّه من كل فتنة غبراء مظلمة»(3).

البكاء والحزن

عن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) ، فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله

ص: 282


1- بحار الأنوار: ج52 ص113-114، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح29.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص208، الباب 12، ح15.
3- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلى اللّه عليهم: ج1 ص84، الباب 14، ح4.

الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول: «سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيقت عليَّ مهادي، وأسرت مني راحة فؤادي. سيدي، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني، وأنين يفتر من صدري، عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا، إلا مثل لعيني عن عوائر أعظمها وأفظعها، وتراقي أشدها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك».

قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدعت قلوبنا جزعاً، عن ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة، أو حلت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى اللّه - يا ابن خير الورى - عينيك، من أي حادثة تستنزف دمعتك، وتستمطر عبرتك، وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟!.

قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرةً انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه، وقال: «ويكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خص اللّه تقدس اسمه به محمداً والأئمة من بعده (عليه وعليهم السلام)، وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته، وإبطاءه وطول عمره، وبلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم، التي قال اللّه تقدس ذكره: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}(1) يعني الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت عليَّ

ص: 283


1- سورة الإسراء: 13.

الأحزان»، الحديث(1).

وفعل المعصوم (عليه السلام) حجة وهو أسوة، ومنه يستفاد استحباب البكاء والحزن في غيبة الإمام المهدي (صلوات اللّه عليه).

كثرة الدعاء

عن إسحاق بن يعقوب، أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان: «فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج؛ فإن ذلك فرجكم»(2).

وعن الفضل بن أبي قرة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «أوحى اللّه إلى إبراهيم أنه سيولد لك، فقال لسارة. فقالت: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ}(3)!. فأوحى اللّه إليه أنّها ستلد، ويعذب أولادها أربعمائة سنة؛ بردها الكلام عليَّ - قال - فلما طال على بني إسرائيل العذاب، ضجوا وبكوا إلى اللّه أربعين صباحاً. فأوحى اللّه إلى موسى وهارون أن يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومائة سنة». قال: وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «هكذا أنتم لو فعلتم لفرج اللّه عنا، فأما إذ لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه»(4).

عن عبد اللّه بن سنان، قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فقال: «كيف أنتم إذا صرتم في حال لا يكون فيها إمام هدى، ولا عَلَم يُرى، فلا ينجو

ص: 284


1- بحار الأنوار: ج51 ص219-220، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب13 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح9.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص292-293، الفصل 4.
3- سورة هود: 72.
4- تفسير العياشي: ج2 ص154، سورة هود، الآيات 69 إلى 76، ح49.

من تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الحريق»(1). فقال أبي: هذا واللّه البلاء، فكيف نصنع جعلت فداك حينئذٍ؟. قال: «إذا كان ذلك ولن تدركه، فتمسكوا بما في أيديكم حتى يصح لكم الأمر»(2).

وعن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم...». قال زرارة: قلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟. قال: «يا زرارة، إذا أدركت هذا الزمان، فادع بهذا الدعاء: اللّهمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ. اللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ. اللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي»(3).

دعاء العَمْري في زمن الغيبة

روي أن السفير الشيخ أبا عَمْرو العَمْري، أملى هذا الدعاء، وأمر أن يدعى به في غيبة القائم من آل محمد (عليه السلام) :

«اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلِلْتُ عَنْ دِينِي. اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي. اللَّهُمَّ فَكَمَا هَدَيْتَنِي لِوَلَايَةِ مَنْ فَرَضْتَ عَلَيَّ

ص: 285


1- راجع المصباح للكفعمي: ص72، الفصل الرابع عشر، دعاء الحريق، وأوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ، وَكَفَى بِكَ شَهِيداً...».
2- بحار الأنوار: ج52 ص133، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب22 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح37.
3- الكافي: ج1 ص337، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح5.

طَاعَتَهُ، مِنْ وَلَايَةِ وُلَاةِ أَمْرِكَ بَعْدَ رَسُولِكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وآلِهِ)، حَتَّى وَالَيْتَ وُلَاةَ أَمْرِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَجَعْفَراً وَمُوسَى وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُجَّةَ الْقَائِمَ الْمَهْدِيَّ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ).

اللَّهُمَّ فَثَبِّتْنِي عَلَى دِينِكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ، وَلَيِّنْ قَلْبِي لِوَلِيِّ أَمْرِكَ، وَعَافِنِي مِمَّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَكَ، وَثَبِّتْنِي عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ أَمْرِكَ، الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقِكَ، فَبِإِذْنِكَ غَابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ، وَأَمْرُكَ يَنْتَظِرُ، وَأَنْتَ الْعَالِمُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ بِالْوَقْتِ، الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ، فِي الْإِذْنِ لَهُ بِإِظْهَارِ أَمْرِهِ، وَكَشْفِ سِرِّهِ، فَصَبِّرْنِي عَلَى ذَلِكَ؛ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَلَا أَكْشِفَ مَا سَتَرْتَ، وَلَا أَبْحَثَ عَمَّا كَتَمْتَ، وَلَا أُنَازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ، وَلَا أَقُولَ لِمَ وَكَيْفَ، وَمَا بَالُ وَلِيِّ الْأَمْرِ لَا يَظْهَرُ، وَقَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ، وَأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إِلَيْكَ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنِي وَلِيَّ الْأَمْرِ ظَاهِراً، نَافِذَ الْأَمْرِ، مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ لَكَ السُّلْطَانَ وَالْقُدْرَةِ وَالْبُرْهَانَ وَالْحُجَّةَ وَالْمَشِيَّةَ وَالْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ، فَافْعَلْ ذَلِكَ بِي وَبِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى وَلِيِّكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ) ظَاهِرَ الْمَقَالَةِ، وَاضِحَ الدَّلَالَةِ، هَادِياً مِنَ الضَّلَالَةِ، شَافِياً مِنَ الْجَهَالَةِ. أَبْرِزْ يَا رَبِّ مُشَاهَدَتَهُ، وَثَبِّتْ قَوَاعِدَهُ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تُقِرُّ عَيْنَهُ بِرُؤْيَتِهِ، وَأَقِمْنَا بِخِدْمَتِهِ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ. اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأَتْ، وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ، وَمِنْ تَحْتِهِ، بِحِفْظِكَ الَّذِي لَا يُضَيَّعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَوَصِيَّ رَسُولِكَ (عليهم السلام) .

ص: 286

اللَّهُمَّ وَمُدَّ فِي عُمُرِهِ، وَزِدْ فِي أَجَلِهِ، وَأَعِنْهُ عَلَى مَا وَلَّيْتَهُ وَاسْتَرْعَيْتَهُ، وَزِدْ فِي كَرَامَتِكَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ، وَالْقَائِمُ الْمُهْتَدِي، وَالطَّاهِرُ التَّقِيُّ الزَّكِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ الْمَرْضِيُّ، الصَّابِرُ الشَّكُورُ الْمُجْتَهِدُ. اللَّهُمَّ وَلَا تَسْلُبْنَا الْيَقِينَ لِطُولِ الْأَمَدِ فِي غَيْبَتِهِ، وَانْقِطَاعِ خَبَرِهِ عَنَّا، وَلَا تُنْسِنَا ذِكْرَهُ، وَانْتِظَارَهُ وَالْإِيمَانَ بِهِ، وَقُوَّةَ الْيَقِينِ فِي ظُهُورِهِ، وَالدُّعَاءَ لَهُ، وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يُقَنِّطَنَا طُولَ غَيْبَتِهِ مِنْ قِيَامِهِ، وَيَكُونَ يَقِينُنَا فِي ذَلِكَ كَيَقِينِنَا فِي قِيَامِ رَسُولِكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وآلِهِ)، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَتَنْزِيلِكَ.

اللَّهُمَّ وَقَوِّ قُلُوبَنَا عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ، حَتَّى تَسْلُكَ بِنَا عَلَى يَدِهِ مِنْهَاجَ الْهُدَى، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَى، وَالطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى، وَقَوِّنَا عَلَى طَاعَتِهِ، وَثَبِّتْنَا عَلَى مُشَايَعَتِهِ، وَاجْعَلْنَا فِي حِزْبِهِ وَأَعْوَانِهِ وَأَنْصَارِهِ، وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ، وَلَا تَسْلُبْنَا ذَلِكَ فِي حَيَاتِنَا، وَلَا عِنْدَ وَفَاتِنَا، حَتَّى تَتَوَفَّانَا وَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ لَا شَاكِّينَ، وَلَا نَاكِثِينَ، وَلَا مُرْتَابِينَ، وَلَا مُكَذِّبِينَ.

اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْر، وَانْصُرْ نَاصِرِيهِ، وَاخْذُلْ خَاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ عَلَى مَنْ نَصَبَ لَهُ، وَكَذِّبْ بِهِ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْحَقَّ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَاسْتَنْقِذْ بِهِ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الذُّلِّ، وَانْعَشْ بِهِ الْبِلَادَ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبَابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْصِمْ بِهِ رُءُوسَ الضَّلَالَةِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ وَالْكَافِرِينَ، وأَبِرْ بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ، وَجَمِيعَ الْمُخَالِفِينَ وَالْمُلْحِدِينَ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا، وَسَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، حَتَّى لَا تَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً، وَلَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثَاراً. طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلَادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ صُدُورَ عِبَادِكَ، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحَى مِنْ دِينِكَ، وَأَصْلِحْ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ، وَغُيِّرَ مِنْ سُنَّتِكَ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ، غَضّاً جَدِيداً صَحِيحاً، لَا عِوَجَ فِيهِ، وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، حَتَّى تُطْفِئَ بِعَدْلِهِ نِيرَانَ الْكَافِرِينَ؛ فَإِنَّهُ

ص: 287

عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَارْتَضَيْتَهُ لِنُصْرَةِ دِينِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ بِعِلْمِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَأَطْلَعْتَهُ عَلَى الْغُيُوبِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَنَقَّيْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ.

اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِ، وَعَلَى آبَائِهِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى شِيعَتِهِ الْمُنْتَجَبِينَ، وَبَلِّغْهُمْ مِنْ آمَالِهِمْ مَا يَأْمُلُونَ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ مِنَّا خَالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ، وَرِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّى لَا نُرِيدَ بِهِ غَيْرَكَ، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلَّا وَجْهَكَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنَا، وَشِدَّةَ الزَّمَانِ عَلَيْنَا، وَوُقُوعَ الْفِتَنِ، وَتَظَاهُرَ الْأَعْدَاءِ، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَقِلَّةَ عَدَدِنَا. اللَّهُمَّ فَافْرُجْ ذَلِكَ عَنَّا، بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَنَصْرٍ مِنْكَ تُعِزُّهُ، وَإِمَامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ، إِلَهَ الْحَقِّ آمِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّكَ فِي إِظْهَارِ عَدْلِكَ فِي بِلَادِكَ، وَقَتْلِ أَعْدَائِكَ فِي بِلَادِكَ، حَتَّى لَا تَدَعَ لِلْجَوْرِ يَا رَبِّ دِعَامَةً إِلَّا قَصَمَتْهَا، وَلَا بَقِيَّةً إِلَّا أَفْنَيْتَهَا، وَلَا قُوَّةً إِلَّا أَوْهَنْتَهَا، وَلَا رُكْناً إِلَّا هَدَمْتَهُ، وَلَا حَدّاً إِلَّا فَلَلْتَهُ، وَلَا سِلَاحاً إِلَّا أَكْلَلْتَهُ، وَلَا رَايَةً إِلَّا نَكَّسْتَهَا، وَلَا شُجَاعاً إِلَّا قَتَلْتَهُ، وَلَا جَيْشاً إِلَّا خَذَلْتَهُ. وَارْمِهِمْ يَا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ، وَاضْرِبْهُمْ بِسَيْفِكَ الْقَاطِعِ، وَبَأْسِكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَعَذِّبْ أَعْدَاءَكَ، وَأَعْدَاءَ وَلِيِّكَ، وَأَعْدَاءَ رَسُولِكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وآلِهِ) بِيَدِ وَلِيِّكَ، وَأَيْدِي عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ.

اللَّهُمَّ اكْفِ وَلِيَّكَ، وَحُجَّتَكَ فِي أَرْضِكَ، هَوْلَ عَدُوِّهِ، وَكِدْ مَنْ كَادَهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ، وَاجْعَلْ دَائِرَةَ السُّوءِ عَلَى مَنْ أَرَادَ بِهِ سُوءاً، وَاقْطَعْ عَنْهُ مَادَّتَهُمْ، وَأَرْعِبْ لَهُ قُلُوبَهُمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَخُذْهُمْ جَهْرَةً وَبَغْتَةً، وَشَدِّدْ عَلَيْهِمْ عَذَابَكَ، وَأَخْزِهِمْ فِي عِبَادِكَ، وَالْعَنْهُمْ فِي بِلَادِكَ، وَأَسْكِنْهُمْ أَسْفَلَ نَارِكَ، وَأَحِطْ بِهِمْ أَشَدَّ عَذَابِكَ، وَأَصْلِهِمْ نَاراً، وَاحْشُ قُبُورَ مَوْتَاهُمْ نَاراً، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ

ص: 288

نَارِكَ؛ فَإِنَّهُمْ أَضٰاعُوا الصَّلٰاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَوٰاتِ، وَأَضَلُّوا عِبَادَكَ.

اللَّهُمَّ فَأَحْيِ بِوَلِيِّكَ الْقُرْآنَ، وَأَرِنَا نُورَهُ سَرْمَداً لَا لَيْلَ فِيهِ، وَأَحْيِ بِهِ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ، وَاشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الْوَغِرَةَ، وَاجْمَعْ بِهِ الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى الْحَقِّ، وَأَقِمْ بِهِ الْحُدُودَ الْمُعَطَّلَةَ، وَالْأَحْكَامَ الْمُهْمَلَةَ، حَتَّى لَا يَبْقَى حَقٌّ إِلَّا ظَهَرَ، وَلَا عَدْلٌ إِلَّا زَهَرَ. وَاجْعَلْنَا يَا رَبِّ مِنْ أَعْوَانِهِ، وَمُقَوِّيَةِ سُلْطَانِهِ، وَالْمُؤْتَمِرِينَ لِأَمْرِهِ، وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ، وَالْمُسَلِّمِينَ لِأَحْكَامِهِ، وَمِمَّنْ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ مِنْ خَلْقِكَ. أَنْتَ يَا رَبِّ الَّذِي تَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاكَ، وَتُنَجِّي مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، فَاكْشِفِ الضُّرَّ عَنْ وَلِيِّكَ، وَاجْعَلْهُ خَلِيفَةً فِي أَرْضِكَ كَمَا ضَمِنْتَ لَهُ.

اللَّهُمَّ وَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ خُصَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) ، وَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) ، وَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْحَنَقِ وَالْغَيْظِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) ؛ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ذَلِكَ فَأَعِذْنِي، وَأَسْتَجِيرُ بِكَ فَأَجِرْنِي. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْنِي بِهِمْ فَائِزاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيٰا وَالْآخِرَةِ، وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ»(1).

الاستعداد الدائم

عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «ليُعِدَّن أحدكم لخروج القائم ولو سهماً؛ فإن اللّه تعالى إذا علم ذلك من نيته، رجوت لأن ينسئ في عمره حتى يدركه، ويكون من أعوانه وأنصاره»(2).

ص: 289


1- بحار الأنوار: ج53 ص187-190، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح18.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص320، الباب 21، ح10.

التحية والزيارة والسلام عليه

عن أحمد بن إبراهيم، قال: شكوت إلى أبي جعفر محمد بن عثمان شوقي إلى رؤية مولانا (عليه السلام) . فقال لي: «مع الشوق تشتهي أن تراه». فقلت له: نعم. فقال لي: «شكر اللّه لك شوقك، وأراك وجهه في يسر وعافية. لا تلتمس يا أبا عبد اللّه أن تراه؛ فإن أيام الغيبة تشتاق إليه، ولا تسأل الاجتماع معه؛ إنها عزائم اللّه، والتسليم لها أولى، ولكن توجه إليه بالزيارة»(1).

وروي في التسليم على القائم (عليه السلام) ، أن يقال: «السلام عليك يا بقية اللّه في أرضه»(2).

سلام على آل يس

وعن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، أنه قال: خرج توقيع من الناحية المقدسة (حرسها اللّه تعالى) بعد المسائل: «بسم اللّه الرحمن الرحيم... إذا أردتم التوجه بنا إلى اللّه تعالى وإلينا، فقولوا كما قال اللّه تعالى: {سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ}.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ اللّهِ وَرَبَّانِيَّ آيَاتِهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللّهِ وَدَيَّانَ دِينِهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اللّهِ وَنَاصِرَ حَقِّهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّهِ وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللّهِ وَتَرْجُمَانَهُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللّهِ فِي أَرْضِهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مِيثَاقَ اللّهِ الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَعْدَ اللّهِ الَّذِي ضَمِنَهُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَلَمُ

ص: 290


1- المزار الكبير لابن للمشهدي: ص585، القسم الخامس، الباب 9، باب التوجه إلى الحجة صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه).
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص653، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ضمن ح18.

الْمَنْصُوبُ، وَالْعِلْمُ الْمَصْبُوبُ، وَالْغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الْوَاسِعَةُ، وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.

السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّي وَتَقْنُتُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تَسْتَغْفِرُ وَتَحْمَدُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُكَبِّرُ وَتُهَلِّلُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي.

السَّلَامُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ، وَالنَّهٰارِ إِذٰا تَجَلّٰى. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِمَامُ الْمَأْمُونُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُقَدَّمُ الْمَأْمُولُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ بِجَوَامِعِ السَّلَامِ.

أُشْهِدُكَ يَا مَوْلَايَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، لَا حَبِيبَ إِلَّا هُوَ وَأَهْلُهُ، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّتُهُ، وَالْحَسَنَ حُجَّتُهُ، وَالْحُسَيْنَ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَمُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ مُوسَى حُجَّتُهُ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَعَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ حُجَّتُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللّه.

أَنْتُمُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَأَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهَا، يَوْمَ لٰا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمٰانِهٰا خَيْراً، وَأَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ، وَأَنَّ نَاكِراً وَنَكِيراً حَقٌّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ النَّشْرَ وَالْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَالْمِيزَانَ وَالْحِسَابَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ والنَّارَ حَقٌّ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ بِهِمَا حَقٌّ.

يَا مَوْلَايَ شَقِيَ مَنْ خَالَفَكُمْ، وَسَعِدَ مَنْ أَطَاعَكُمْ، فَاشْهَدْ عَلَى مَا أَشْهَدْتُكَ عَلَيْهِ، وَأَنَا وَلِيٌّ لَكَ، بَرِيءٌ مِنْ عَدُوِّكَ، فَالْحَقُّ مَا رَضِيتُمُوهُ، وَالْبَاطِلُ مَا سَخِطْتُمُوهُ، وَالْمَعْرُوفُ مَا أَمَرْتُمْ بِهِ، وَالْمُنْكَرُ مَا نَهَيْتُمْ عَنْهُ.

ص: 291

فَنَفْسِي مُؤْمِنَةٌ بِاللّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِرَسُولِهِ، وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِكُمْ يَا مَوْلَايَ أَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ، وَنُصْرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُمْ، وَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُمْ، آمِينَ آمِينَ».

الدعاء عقيب هذا القول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحْمَتِكَ، وَكَلِمَةِ نُورِكَ، وَأَنْ تَمْلَأَ قَلْبِي نُورَ الْيَقِينِ، وَصَدْرِي نُورَ الْإِيمَانِ، وَفِكْرِي نُورَ النِّيَّاتِ، وَعَزْمِي نُورَ الْعِلْمِ، وَقُوَّتِي نُورَ الْعَمَلِ، وَلِسَانِي نُورَ الصِّدْقِ، وَدِينِي نُورَ الْبَصَائِرِ مِنْ عِنْدِكَ، وَبَصَرِي نُورَ الضِّيَاءِ، وَسَمْعِي نُورَ الْحِكْمَةِ، وَمَوَدَّتِي نُورَ الْمُوَالاةِ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ (عليهم السلام) ، حَتَّى أَلْقَاكَ وَقَدْ وَفَيْتُ بِعَهْدِكَ وَمِيثَاقِكَ، فَتَسَعَنِي رَحْمَتُكَ يَا وَلِيُّ يَا حَمِيدُ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ حُجَّتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي بِلَادِكَ، وَالدَّاعِي إِلَى سَبِيلِكَ، وَالْقَائِمِ بِقِسْطِكَ، وَالثَّائِرِ بِأَمْرِكَ، وَلِيِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَوَارِ الْكَافِرِينَ، وَمُجَلِّي الظُلْمَةِ، وَمُنِيرِ الْحَقِّ، وَالنَّاطِقِ بِالْحِكْمَةِ وَالصِّدْقِ، وَكَلِمَتِكَ التَّامَّةِ فِي أَرْضِكَ، الْمُرْتَقِبِ الْخَائِفِ، وَالْوَلِيِّ النَّاصِحِ، سَفِينَةِ النَّجَاةِ، وَعَلَمِ الْهُدَى، وَنُورِ أَبْصَارِ الْوَرَى، وَخَيْرِ مَنْ تَقَمَّصَ وَارْتَدَى، وَمُجَلِّي الْغَمَاءِ، الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ وَابْنِ أَوْلِيَائِكَ، الَّذِينَ فَرَضْتَ طَاعَتَهُمْ، وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ، وَأَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً. اللَّهُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدِينِكَ، وَانْصُرْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَأَوْلِيَاءَهُ، وَشِيعَتَهُ وَأَنْصَارَهُ، وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ.

اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ بَاغٍ وَطَاغٍ، وَمِنْ شَرِّ جَمِيعِ خَلْقِكَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ مِنْ أَنْ يُوصَلَ إِلَيْهِ بِسُوءٍ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَآلَ رَسُولِكَ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ،

ص: 292

وَانْصُرْ نَاصِرِيهِ، وَاخْذُلْ خَاذِلِيهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبَابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ، حَيْثُ كَانُوا مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، بَرِّهَا وَبَحْرِهَا، وَامْلَأْ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَأَظْهِرْ بِهِ دِينَ نَبِيِّكَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وَاجْعَلْنِي اللَّهُمَّ مِنْ أَنْصَارِهِ، وَأَعْوَانِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ، وَأَرِنِي فِي آلِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَا يَأْمُلُونَ، وَفِي عَدُوِّهِمْ مَا يَحْذَرُونَ، إِلَهَ الْحَقِّ آمِينَ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

ص: 293


1- بحار الأنوار: ج53 ص171-173، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح5.

21

من علامات الظهور

اشارة

علائم الظهور كثيرة، وهي تسبق الظهور الشريف بفترة قليلة أو كثيرة، وبعضها مقارن له، وهذه العلائم بين حتمية وغير حتمية، وكلها خاضعة لقوله تعالى: {يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ}(1).

فربما تقع العلامة ويتأخر الظهور، وربما تمحى العلامة أو تتغير، واللّه العالم.

ثم إنه كم سيكون بين العلامة وبين الظهور من الزمان، إنه من الغيب الذي لانعلمه، ولا يعلمه إلا اللّه والراسخون في العلم، فقد تكون العلامة قبل الظهور بأكثر من ألف سنة، كما أن انشقاق القمر من علائم الساعة، حيث قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ}(2).

ومن علائم الظهور اختلاف بني أمية وزوال ملكهم، واختلاف بني العباس وزوال ملكهم، وهذه مما حصل قبل مئات السنين.

ثم إنه ليس من الصحيح - لغير المعصوم (عليه السلام) - الحتم في تعيين المصاديق للعلائم المذكورة في الروايات وتشخيصها، بأن فلاناً هو المقصود، وأن الحادثة الكذائية بتشخصها الخارجي هي المرادة، فمن أين الحتم ونحن لا نعلم الغيب، ومجرد

ص: 294


1- سورة الرعد: 39.
2- سورة القمر: 1.

بعض القرائن أو انطباق بعض الصفات لا يعني أنه المصداق الذي أراده المعصوم (عليه السلام) ، من هنا ترى كثرة وقوع الخطأ في تطبيق بعض هذه العلائم على بعض المصاديق.

وكان علماؤنا إذا احتملوا بعض المصاديق ذكروا ذلك بعنوان (لعل) و(ربما) و(من المحتمل) و(لا يبعد) وما أشبه، ولم يجزموا بذلك، يقول العلامة المجلسي (رضوان اللّه عليه) في الرواية التالية:

عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(1).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (بيان: لا يبعد أن يكون إشارة إلى الدولة الصفوية (شيدها اللّه تعالى)، ووصلها بدولة القائم (عليه السلام) )(2).

وعن يزيد بن حازم، قال: خرجت من الكوفة، فلما قدمت المدينة، دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فسلمت عليه. فسألني: «هل صاحبك أحد؟». فقلت: نعم، صحبني رجل من المعتزلة. قال: «فيما كان يقول؟». قلت: كان يزعم محمد ابن عبد اللّه بن الحسن يرجى هو القائم، والدليل على ذلك أن اسمه اسم النبي، واسم أبيه اسم أبي النبي. فقلت له في الجواب: إن كنت تأخذ بالأسماء،

ص: 295


1- بحار الأنوار: ج52 ص243، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 ح116.
2- بحار الأنوار: ج52 ص243، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، بيان ح116.

فهو ذا في ولد الحسين محمد بن عبد اللّه بن علي(1).

وهذه الرواية تدل على عدم صحة تعيين المصاديق؛ فإنها متشابهة.

هذا مضافاً إلى إمكان تكرر بعض العلامات، فإذا كان من العلائم خراب بلدة، فربما يقع الخراب قبل الظهور عدة مرات، وهكذا، فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

من هنا لا حجية في قول من رأى بعض العلائم أو بعض مصاديقها، فقال: إن هذه أدلة على أن الظهور سيقع قريباً، أو في الوقت المعين دقةً أو تخميناً، حيث ورد: «كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نُوَقّت فيما يستقبل»(2).

وورد: «من روى لكم عنا توقيتاً، فلا تهابوا أن تكذبوه، كائناً من كان؛ فإنا لا نوقت»(3).

وعن محمد بن مسلم، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يا محمد، من أخبرك عنا توقيتاً، فلا تهابن أن تكذبه؛ فإنا لا نوقت لأحد وقتاً»(4).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: سألته عن القائم؟. فقال: «كذب الوقاتون، إنا أهل بيت لا نوقت - ثم قال - أبى اللّه إلا أن يخالف وقت الموقتين»(5).

فتعيين المصداق يكون مجرد تخمين لا أكثر، ولا حجية فيه، إذ من أين ثبت تمصدقها في هذا الفرد المعين دون غيره، ومن أين أن اللّه عز وجل لم يمحُ تلك

ص: 296


1- بحار الأنوار: ج51 ص42، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب4 من أبواب ولادته، ح27.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص426، الفصل 7، ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص282، الباب 14.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص289، الباب 16، ح3.
5- الكافي: ج1 ص368، كتاب الحجة، باب كراهية التوقيت، ح3 و4.

العلامة بغيرها، ومن أين أنه تعالى لم يقدم الظهور أو يؤخرها، والأمر كله بيده.

نعم، سيكون الظهور قريباً بإذن اللّه حسب المعنى الشرعي للقرب، فإنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً، أما القرب العرفي واللغوي فلا يُعلم بذلك، بل وقت ظهوره الشريف من الغيب. وسنذكر هنا بعض العلائم الواردة في الروايات الشريفة، وبعضها محتومة، وبعضها مشروطة، مع ملاحظة ما سبق من كونها مجرد علامات، ولا تدل على توقيت الظهور.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «واللّهِ لولا آية في كتاب اللّه لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة: {يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ}(1)»(2).

وعن معلى بن خنيس، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «من الأمر محتوم، ومنه ما ليس بمحتوم»(3).

عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) - في قوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}(4) - قال: «إنهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف». قال له حمران: ما المحتوم؟. قال: «الذي لا يكون غيره». قال: وما الموقوف؟. قال: «هو الذي لله فيه المشية». قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف. فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «لا واللّهِ إنه من المحتوم»(5).

ص: 297


1- سورة الرعد: 39.
2- قرب الإسناد: ص353-354، باب قرب الإسناد عن الرضا (عليه السلام) ، أحاديث متفرقة، ح1266.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص300، الباب 18، ح2.
4- سورة الأنعام: 2.
5- بحار الأنوار: ج52 ص249، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح133.

وعن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن من الأمور: أموراً موقوفة، وأموراً محتومةً. وإن السفياني من المحتوم الذي لابد منه»(1).

وعن داود بن أبي القاسم، قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) ، فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم. فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : هل يبدو لله في المحتوم؟. قال: «نعم». قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم؟. قال: «القائم من الميعاد، واللّه لا يخلف الميعاد»(2).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (لعل للمحتوم معانٍ يمكن البداء في بعضها، وقوله: «من الميعاد»، إشارة إلى أنه لا يمكن البداء فيه؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}(3). والحاصل أن هذا شيء وعد اللّه رسوله وأهل بيته؛ لصبرهم على المكاره التي وصلت إليهم من المخالفين، واللّه لا يخلف وعده. ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم البداء في خصوصياته لا في أصل وقوعه، كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس، ونحو ذلك)(4).

عن الثمالي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم؟.

فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية

ص: 298


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص301، الباب 18، ح6.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص167، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل السابع والعشرون، ح530.
3- سورة آل عمران: 9، سورة الرعد: 31.
4- بحار الأنوار: ج52 ص251، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25، بيان ح138.

من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم».

قلت: وكيف يكون النداء؟.

قال: «ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم: ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إن الحق في عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون»(1).

من العلامات المأثورة

شق القمر، واختلاف بني أمية فيما بينهم، واختلاف بني العباس في الملك، وزوال ملكهما، وخروج السفياني، وخروج اليماني، والصيحة السماوية، وخسف البيداء، وقتل النفس الزكية وسبعين معه، وخروج الدجال، وخسف بالمشرق، قيل: إنه يكون في بغداد، وقيل: في البصرة، وخسف بالمغرب، قيل: هو في الشام، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم سور الكوفة وحائط مسجدها، وطلوع الشمس من المغرب، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر، وظهور حمرة في السماء وانتشارها في الآفاق، وظهور نار بالمشرق طولاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخروج العرب عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج كذابين يدعون النبوة، وظهور كذابين يدعون الإمامة، وعقد الجسر مما يلي الكرخ في بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها أول النهار، وزلزلة عظيمة ينخسف بها كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق

ص: 299


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص435، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .

وبغداد، وموت ذريع، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ قوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.

ومن العلائم أيضاً: كثرة الحروب في الأرض، واختلاف شديد في الدين، وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وكشف الهيكل، وتلون الشمس، وخروج نار عظيمة من قبل المشرق، وسعة الكوفة كثيراً حتى تتصل بكربلاء، وخروج رايات من شرقي الأرض مع رجل من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وخروج رجل من نجران يستجيب للإمام (عليه السلام) ، ونداء من جهة المشرق: يا أهل الهدى اجتمعوا، ومن جهة المغرب: يا أهل الباطل اجتمعوا.

ومن العلائم أيضاً: تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفاء الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركوب ذوات الفروج السروج، وقبول شهادات الزور، ورد شهادات العدل، واستخفاف الناس بالدماء، وكثرة الزنا، وشيوع الربا، واتقاء الأشرار مخافة ألسنتهم، وتصديق الكاذب، وتكذيب الصادق، والجوع والخوف والقحط والقتل، والموت الأحمر والأبيض، حتى يذهب ثلثا الناس، وقيل أكثر، وظهور الجراد في أوانه وغير أوانه، وكثرة الزلازل والفتن، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات.

هذا ويظهر من كلمات بعض العلماء أن كثيراً من هذه العلائم قد تحققت، يقول الشيخ علي بن يوسف الحلي (رحمه اللّه) (1) في كتابه: (العُدد القوية لدفع المخاوف

ص: 300


1- الشيخ رضي الدين علي بن يوسف بن المطهر الحلي (ت 703 ه)، وهو أخ العلامة الحلي.

اليومية): (قد ظهر من العلامات عدة كثيرة، مثل خراب حائط مسجد الكوفة، وقتل أهل مصر أميرهم، وزوال ملك بني العباس على يد رجل خرج عليهم من حيث بدأ ملكهم، وموت عبد اللّه آخر ملوك بني العباس، وخراب الشامات، ومد الجسر مما يلي الكرخ ببغداد، كل ذلك في مدة يسيرة، وانشقاق الفرات وسيصل الماء إن شاء اللّه إلى أزقة الكوفة)(1).

ولكن كما سبق، قد يكون بين العلائم والظهور فاصل زمني كبير، وقد تظهر مثل تلك العلائم أيضاً فيما بعد، فإن تحديد العلائم بمصداق خارجي مجرد احتمال قد يصل إلى الظن وقد لا يصل، فلا حجية فيه.

هذا وربما يكون من أسباب الاختلاف في العلائم أو إجمالها وعدم وضوحها، حفظ الغموض في مسألة الظهور، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) في الفقه والمواقيت: «أنا خالفت بينهم»(2).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في البحار: (ثم اعلم أن هذه العلامات لا يلزم كونها مقارنة لظهوره (عليه السلام) ، إذ الغرض بيان أن قبل ظهوره (عليه السلام) يكون هذه الحوادث، كما أن كثيراً من أشراط الساعة التي روتها العامة والخاصة ظهرت قبل ذلك بدهور وأعوام)(3).

ص: 301


1- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص77، اليوم الخامس عشر، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .
2- العدة في أصول الفقه للطوسي: ج1 ص130، الفصل 4.
3- بحار الأنوار: ج51 ص71، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

روايات العلائم

اشارة

عن الحسين بن علي (عليه السلام) ، قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) . فقال له: يا أمير المؤمنين، نبئنا بمهديكم هذا؟. فقال: إذا درج الدارجون، وقل المؤمنون، وذهب المجلبون فهناك هناك. فقال: يا أمير المؤمنين، ممن الرجل؟. فقال: من بني هاشم»(1).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : «إذا اختلف بنو العباس فيما بينهم، فعند ذلك فانتظروا الفرج»(2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إذا اختلف ولد العباس، وخلعت العرب أعنتها، ورفع كل ذي صيصية صيصيته، وظهر السفياني، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، خرج صاحب هذا الأمر»(3).

وقال (عليه السلام) : «وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان بخروج القائم»(4).

ص: 302


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص212، الباب 13، ح1.
2- بحار الأنوار: ج52 ص231، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح96.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص270، الباب 14، ح42.
4- بحار الأنوار: ج52 ص231، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح96.

وعن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : متى فرج شيعتكم؟. قال: فقال: «إذا اختلف ولد العباس، ووهى سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنتها، ورفع كل ذي صيصية صيصيته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». فقلت: ما تراث رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟. قال: «سيف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ودرعه، وعمامته، وبرده، وقضيبه، ورايته، ولامته، وسرجه، حتى ينزل مكة، فيخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع، وينشر الراية والبردة والعمامة، ويتناول القضيب بيده، ويستأذن اللّه في ظهوره، فيطلع على ذلك بعض مواليه، فيأتي الحسني فيخبره الخبر، فيبتدر الحسني إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه، ويبعثون برأسه إلى الشام، فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر، فيبايعه الناس ويتبعونه، ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلى المدينة، فيهلكهم اللّه عز وجل دونها، ويهرب يومئذٍ من كان بالمدينة من ولد علي (عليه السلام) إلى مكة، فيلحقون بصاحب هذا الأمر، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشاً إلى المدينة، فيأمن أهلها ويرجعون إليها»(1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: «يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان»(2).

ص: 303


1- بحار الأنوار: ج52 ص301، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح66.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص651، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح9.

وفي رواية: «أنه يخرج من وادي اليابس، حتى يأتي دمشق فيستوي على منبرها»(1).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) : «السفياني أحمر أشقر أزرق، لم يعبد اللّه قط، ولم ير مكة ولا المدينة قط»(2).

وعن الصادق (عليه السلام) : «إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين، فتوقعوا عند ذلك الفرج». قلت: يملك تسعة أشهر؟. قال: «لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً»(3).

وعن الصادق (عليه السلام) ، أنه: «من أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس، ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً»(4).

وفي رواية: «عندما يهجم السفياني على المدينة، يهرب منها بعض أولاد علي (عليه السلام) إلى مكة، فيلحقون بصاحب الأمر (عليه السلام) ، فيبلغ ذلك أمير جيش السفياني، فيبعث جيشاً على إثره فلا يدركه، وينزل الجيش البيداء - بين مكة والمدينة - فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، بيدي بالقوم. فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا مخبر»(5).

ص: 304


1- أعيان الشيعة: ج2 ص73، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، في علامات ظهور المهدي، السادس.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص306، الباب 18، ح18.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص350، الباب الرابع والثلاثون، الفصل الرابع، ح28.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص300، الباب 18، ح1.
5- أعيان الشيعة: ج2 ص74، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، في علامات ظهور المهدي، السادس.

وقال عبد الملك بن أعين: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) ، فجرى ذكر القائم. فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً، ولا يكون سفياني. فقال: «لا واللّهِ، إنه لمن المحتوم الذي لابد منه»(1).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) : «السفياني والقائم في سنة واحدة»(2).

وعن ميمون البان، عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) ، قال: «خمس قبل قيام القائم (عليه السلام) : اليماني، والسفياني، والمنادي ينادي من السماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية»(3).

وعن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «قبل قيام القائم (عليه السلام) خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء»(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن أمر السفياني من الأمر المحتوم، وخروجه في رجب»(5).

وعن ابن أُذينة، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : قال أبي (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه): «يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل

ص: 305


1- بحار الأنوار: ج52 ص249، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح132.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص267، الباب 14، ح36.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص649، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح1.
4- بحار الأنوار: ج52 ص204، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح34.
5- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص349، الباب الرابع والثلاثون، الفصل الرابع، ح22.

ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان، حتى يأتي أرض قرار ومعين فيستوي على منبرها»(1).

وروي عن حذيفة بن اليمان، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذكر فتنةً تكون بين أهل المشرق والمغرب، قال: «فبينا هم كذلك، يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشين: جيشاً إلى المشرق، وآخر إلى المدينة، حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة يعني بغداد، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف، ويفضحون أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة، فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام، فتخرج راية هدى من الكوفة، فتلحق ذلك الجيش، فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم، ويحل الجيش الثاني بالمدينة، فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث اللّه جبرئيل. فيقول: يا جبرئيل، اذهب فأبدهم. فيضربها برجله ضربةً يخسف اللّه بهم عندها، ولا يفلت منها إلا رجلان من جهينة، فلذلك جاء القول: وعند جهينة الخبر اليقين، فذلك قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا}(2) إلى آخرها»(3).

ص: 306


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص651، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح9.
2- سورة سبأ: 51.
3- بحار الأنوار: ج52 ص186-187، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح11.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «الصيحة التي في شهر رمضان، تكون ليلة الجمعة، لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان»(1).

وعن ميمون البان، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) في فسطاطه، فرفع جانب الفسطاط، فقال: «إن أمرنا لو قد كان لكان أبين من هذه الشمس - ثم قال - ينادي منادٍ من السماء: إن فلان بن فلان هو الإمام باسمه، وينادي إبليس من الأرض، كما نادى برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلة العقبة»(2).

وعن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «ينادي منادٍ باسم القائم (عليه السلام) ». قلت: خاص أو عام؟. قال: «عام يسمع كل قوم بلسانهم». قلت: فمن يخالف القائم (عليه السلام) وقد نودي باسمه؟!. قال: «لا يدعهم إبليس حتى ينادي في آخر الليل، ويشكك الناس»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «صوت جبرئيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض، فاتبعوا الصوت الأول، وإياكم والأخير أن تفتنوا به»(4).

وعن الثمالي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟. قال لي: «نعم، واختلاف ولد العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم (عليه السلام) من المحتوم». فقلت

ص: 307


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص650، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح6.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص348-349، الباب الرابع والثلاثون، الفصل الرابع، ح21.
3- الإمامة والتبصرة من الحيرة: ص129-130، حول إمامة القائم (عليه السلام) ، الباب35، ح133.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص652، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح13.

له: وكيف يكون النداء؟. قال: ينادي منادٍ من السماء أول النهار: ألا إن الحق مع علي وشيعته، ثم ينادي إبليس في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون»(1).

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهروي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعةً، فتوقعوا فرج آل محمد (عليه السلام) إن شاء اللّه عز وجل، إن اللّه عزيز حكيم - ثم قال - الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان شهر اللّه، وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخلق - ثم قال - ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (عليه السلام) ، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه، فزعاً من ذلك الصوت. فرحم اللّه من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين». وقال (عليه السلام) : «الصوت في شهر رمضان، في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين ينادي: أ لا إن فلاناً قُتل مظلوماً؛ ليشكك الناس ويفتنهم، فكم ذلك اليوم من شاك متحير قد هوى في النار، وإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان، فلا تشكوا أنه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه، حتى تسمعه العذراء في خدرها، فتحرض أباها وأخاها على الخروج». وقال (عليه السلام) : «لابد من هذين الصوتين قبل خروج القائم (عليه السلام) ، صوت من السماء وهو صوت جبرئيل، وصوت من الأرض فهو صوت إبليس اللعين، ينادي باسم فلان أنه قُتل مظلوماً؛ يريد الفتنة، فاتبعوا الصوت الأول، وإياكم والأخير أن

ص: 308


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص350، الباب الرابع والثلاثون، الفصل الرابع، ح31.

تفتتنوا به»(1).

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «يا جابر، لا يظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة، يطلبون المخرج منها فلا يجدونه، ويكون قتل بين الكوفة والحيرة، قتلاهم على سواء(2)، وينادي منادٍ من السماء»(3).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «توقعوا الصوت، يأتيكم بغتةً من قبل دمشق، فيه لكم فرج عظيم»(4).

وعن داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «العام الذي فيه الصيحة، قبله الآية في رجب». قلت: وما هي؟. قال: «وجه يطلع في القمر، ويد بارزة»(5).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «آيتان بين يدي هذا الأمر، خسوف القمر لخمس، وكسوف الشمس لخمس عشرة، لم يكن ذلك منذ هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين»(6).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إذا اختلف الرمحان بالشام، لم تنجل إلا عن آية من

ص: 309


1- بحار الأنوار: ج52 ص230-231، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح96.
2- أي في وسط الطريق.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص279، الباب 14، ح65.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص279، الباب 14، ح66.
5- بحار الأنوار: ج52 ص233، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح97.
6- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص66، اليوم الخامس عشر، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .

آيات اللّه تعالى». قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟. قال: «رجفة تكون بالشام، يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها اللّه رحمة للمؤمنين، وعذاباً على الكافرين. فإذا كان ذلك، فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة، والرايات الصفر، تقبل من المغرب حتى تحل بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر. فإذا كان ذلك، فانظروا خسف قرية من دمشق، يقال لها: حرستا. فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، حتى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي (عليه السلام) »(1).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: «يا زرارة، لابد من قتل غلام بالمدينة». قلت: جعلت فداك، أليس يقتله جيش السفياني؟. قال: «لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان، يجيء حتى يدخل المدينة، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً، لا يمهلون، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء اللّه»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «انتظروا الفرج من ثلاث - وعد منها -: الرايات السود من خراسان»(3).

وقال (عليه السلام) : «إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي، فعندها فرج الناس، وهي قدام القائم بقليل»(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم، يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك

ص: 310


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص305-306، الباب 18، ح16.
2- الكافي: ج1 ص337، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح5.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص251، الباب 14، ح8.
4- بحار الأنوار: ج52 ص240، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25، ح107.

اختلاف السيفين، وإمارة من أول النهار، وقتل وخلع من آخر النهار»(1).

وعن محمد بن مسلم وأبي بصير، قالا: سمعنا أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس». فقلنا: إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى!. فقال: «أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي»(2).

وعن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «قدَّام القائم (عليه السلام) موتان: موت أحمر، وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة. الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون»(3).

وعن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسن بن علي (عليه السلام) يقول: «لايكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض». قلت: ما في ذلك خير؟. قال: «الخير كله في ذلك، عند ذلك يقوم قائمنا، فيرفع ذلك كله»(4).

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس، وزلزال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض»(5).

ص: 311


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص347-348، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح36.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص339، الفصل 5.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص351-352، الباب الرابع والثلاثون، الفصل الرابع، ح36.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص438، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
5- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص471، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبشروا بالمهدي - قال ثلاثاً - يخرج على حين اختلاف من الناس، وزلزال شديد، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملأ قلوب عباده عبادةً، ويسعهم عدله»(1).

وعن يحيى بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «صاحب هذا الأمر أصغرنا سناً، وأخملنا شخصاً». قلت: متى يكون؟. قال: «إذا سارت الركبان ببيعة الغلام، فعند ذلك يرفع كل ذي صيصية لواءً»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «يزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار»(3).

وعن عبد الكريم، قال: ذُكر عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) القائم. فقال: «أنَّى يكون ذلك، ولم يستدر الفلك، حتى يقال: مات أو هلك، في أي واد سلك». فقلت: وما استدارة الفلك؟. فقال: «اختلاف الشيعة بينهم»(4).

وقال سلمان الفارسي (رضوان اللّه عليه): أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) خالياً. فقلت: يا أمير المؤمنين، متى القائم من ولدك؟. فتنفس الصعداء، وقال: «لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان، وتضيّع حقوق الرحمن، ويتغنى بالقرآن.

ص: 312


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص179، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص184، الباب 10، فصل، ح35.
3- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص378، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في ذكر علامات الإمام المهدي (عليه السلام) .
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص157، الباب 10، فصل، ح20.

فإذا قتلت ملوك بني العباس، أولي العمى والالتباس، أصحاب الرمي عن الأقواس، بوجوه كالتراس، وخربت البصرة، هناك يقوم القائم من ولد الحسين (عليه السلام) »(1).

وعن الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، أنه قال: «لابد أن يملك بنو العباس، فإذا ملكوا واختلفوا، وتشتت أمرهم، خرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هاهنا، وهذا من هاهنا، حتى يكون هلاكهم على أيديهما، أما إنهما لا يبقون منهم أحداً أبداً»(2).

وعن محمد بن الصامت، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟. فقال: «بلى». قلت: ما هي؟. قال: «هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء». فقلت: جعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر؟. فقال: «لا، إنما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً»(3).

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «يقوم القائم (عليه السلام) في وتر من السنين، تسع واحدة ثلاث خمس - وقال - إذا اختلفت بنو أمية وذهب ملكهم، ثم يملك بنو العباس، فلا يزالون في عنفوان من الملك، وغضارة من العيش، حتى يختلفوا فيما بينهم، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم، واختلف أهل المشرق وأهل

ص: 313


1- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص75-76، اليوم الخامس عشر، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص259، الباب 14، ح18.
3- بحار الأنوار: ج52 ص235، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25، ح102.

المغرب، نعم وأهل القبلة، ويلقى الناس جهد شديد مما يمر بهم من الخوف، فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي منادٍ من السماء، فإذا نادى فالنفير النفير. فو اللّهِ لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام، يبايع الناس بأمر جديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء، أما إنه لا يرد له راية أبداً حتى يموت»(1).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «سيأتي على أمتي زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ومن الإسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود»(2).

أقول: ربما يكون ذلك إشارة إلى فقهاء المخالفين.

وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : «لا يقوم القائم إلا على خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة، وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتيت في دينهم، وتغيير في حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءً؛ من عظم ما يرى من كَلَبِ الناس، وأكل بعضهم بعضاً. فخروجه (عليه السلام) إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن ناواه وخالفه وخالف أمره، وكان من أعدائه»(3).

وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «القائم منصور

ص: 314


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص262، الباب 14، ح22.
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص253، كتاب عقاب الأعمال، عقاب المعاصي.
3- بحار الأنوار: ج52 ص231، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح96.

بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر اللّه عز وجل به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عُمِرَ، وينزل روح اللّه عيسى ابن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه». فقلت له: يا ابن رسول اللّه، متى يخرج قائمكم؟. قال: «إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، ورُدت شهادات العدل، واستخف الناس بالدماء، وارتكاب الزناء، وأكل الربا، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين الركن والمقام اسمه: محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا. فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأول ما ينطق به هذه الآية: {بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(1)، ثم يقول: أنا بقية اللّه في أرضه. فإذا اجتمع إليه العقد، وهو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقى في الأرض معبود دون اللّه عز وجل من صنم وغيره إلا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة؛ ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب ويؤمن به»(2).

وعن النزال بن سبرة، قال: خطبنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: «سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني»، ثلاثاً. فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجال؟. فقال له علي (عليه السلام) : «اقعد،

ص: 315


1- سورة هود: 86.
2- بحار الأنوار: ج52 ص191-192، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح24.

فقد سمع اللّه كلامك، وعلم ما أردت، واللّه ما المسئول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات، يتبع بعضها بعضاً، كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها». قال: نعم يا أمير المؤمنين. فقال (عليه السلام) : «احفظ، فإن علامة ذلك: إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الأمراء فجرةً، والوزراء ظلمةً، والعرفاء خونةً، والقراء فسقةً، وظهرت شهادات الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والإثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنار، وأكرم الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت الأهواء، ونقضت العقود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصاً على الدنيا، وعلت أصوات الفساق، واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شره، وصُدق الكاذب، واؤتمن الخائن، واتخذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد شاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاءً لذمام بغير حق عرفه، وتفقه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف، وأمر من الصبر، فعند ذلك الوحا الوحا، العجل العجل، خير المساكن يومئذٍ بيت المقدس، ليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه».

فقام إليه الأصبغ بن نباتة، فقال: يا أمير المؤمنين، من الدجال؟. فقال: «ألا إن الدجال صائد بن الصيد، فالشقي من صدقه، والسعيد من كذبه، يخرج من

ص: 316

بلدة يقال لها: أصبهان، من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة، والأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب: كافر، يقرأه كل كاتب وأمي، يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض، يرى الناس أنه طعام، يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوى له الأرض منهلاً منهلاً، ولا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته، يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أنا ربكم الأعلى، وكذب عدو اللّه، إنه الأعور، يطعم الطعام، ويمشي في الأسواق، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، ولا يطعم، ولا يمشي، ولا يزول، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً، أ لا وإن أكثر أشياعه يومئذٍ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله اللّه عز وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق، لثلاث ساعات من يوم الجمعة، على يدي من يصلي المسيح عيسى ابن مريم خلفه، ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى».

قلنا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟. قال: «خروج دابة من الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان وعصا موسى، تضع الخاتم على وجه كل مؤمن، فيطبع فيه: هذا مؤمن حقاً، وتضعه على وجه كل كافر، فيكتب فيه: هذا كافر حقاً، حتى إن المؤمن لينادي: الويل لك يا كافر، وإن الكافر ينادي: طوبى لك يا مؤمن، وددت أني اليوم مثلك فأفوز فوزاً، ثم ترفع الدابة رأسها، فيراها من بين الخافقين بإذن اللّه عز وجل بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تُقبل، ولا عمل يُرفع، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً».

ص: 317

ثم قال (عليه السلام) : «لا تسألوني عما يكون بعد ذلك؛ فإنه عهد إليَّ حبيبي (عليه السلام) أن لا أخبر به غير عترتي».

فقال النزال بن سبرة لصعصعة: ما عنى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا القول؟. فقال صعصعة: «يا ابن سبرة، إن الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي، وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الركن والمقام، يطهر الأرض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم أحد أحداً، فأخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أن حبيبه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عهد إليه ألا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمة (صلوات اللّه عليهم أجمعين)»(1).

وعن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «كيف أنتم إذا وقعت السبطة بين المسجدين، فيأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة بينهم، وسمى بعضهم بعضاً كذابين، ويتفل بعضهم في وجوه بعض». فقلت: ما عند ذلك من خير؟. قال: «الخير كله عند ذلك»، يقوله ثلاثاً، يريد قرب الفرج(2).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: قال لي أبي (عليه السلام) : «لابد لنار من آذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم، وألبدوا ما ألبدنا، فإذا تحرك متحركنا، فاسعوا إليه ولو حبواً. واللّهِ لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام، يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد - وقال - ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب»(3).

ص: 318


1- بحار الأنوار: ج52 ص192-195، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح26.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص159، الباب 10، فصل، ح7.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص194، الباب 11، ح1.

وعن الحسن بن علي (عليه السلام) : «لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون، حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض». قلت: ما في ذلك خير؟. قال: «الخير كله في ذلك، عند ذلك يقوم قائمنا، فيرفع ذلك كله»(1).

وعن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «عشر قبل الساعة لابد منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام) ، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر»(2).

وعن جابر، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : متى يكون هذا الأمر؟. فقال: «أنى يكون ذلك يا جابر، ولما تكثر القتلى بين الحيرة والكوفة»(3).

وعن البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «إن من علامات الفرج حدثاً يكون بين الحرمين». قلت: وأي شيء يكون الحدث؟. فقال: «عصبية تكون بين الحرمين، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً»(4).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي (عليه السلام) من ولدي، ولا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذاباً كلهم يقول: أنا نبي»(5).

ص: 319


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص438، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص354، الباب الرابع والثلاثون، الفصل السادس، ح45.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص460، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص448، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
5- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص371، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في ذكر علامات الإمام المهدي (عليه السلام) .

وعن علي بن هلال، عن أبيه، قال: دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهو في الحالة التي قبض فيها، فإذا فاطمة (عليها السلام) عند رأسه. فبكت حتّى ارتفع صوتها، فرفع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليها رأسه، فقال: «حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟!...

ثم قال: «يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إن منهما - الحسن والحسين (عليهما السلام) - مهدي هذه الأمة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وانقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً. فيبعث اللّه عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً»(1).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قلت له: جعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام) ؟. فقال: «يا با محمد، إنا أهل البيت لا نوقت، وقد قال محمد (عليه السلام) : كذب الوقاتون. يا با محمد، إن قدَّام هذا الأمر خمس علامات: أولهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء - ثم قال - يا با محمد، إنه لابد أن يكون قدَّام ذلك الطاعونان: الطاعون الأبيض، والطاعون الأحمر». قلت: جعلت فداك، أي شيء الطاعون الأبيض، وأي شيء الطاعون الأحمر؟. قال: «الطاعون الأبيض الموت الجاذف، والطاعون الأحمر السيف. ولا يخرج القائم حتى ينادى

ص: 320


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص468-469، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .

باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة». قلت: بم ينادى؟. قال: «باسمه واسم أبيه: ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد، فاسمعوا له وأطيعوه. فلا يبقى شيء خلق اللّه فيه الروح إلا سمع الصيحة، فتوقظ النائم، ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم مما يسمع، وهي صيحة جبرئيل (عليه السلام) »(1).

وعن حمران، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) - في حديث -: «أ لا تعلم أن من انتظر أمرنا، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، هو غداً في زمرتنا. فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خُلق وأحدث فيه ما ليس فيه، ووجه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء، ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهراً لا ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله، ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة، ورأيت النساء يتزوجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة اللّه، فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوذ باللّه مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن مرحاً لما يرى في

ص: 321


1- بحار الأنوار: ج52 ص119، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح48.

الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانيةً، ويجتمع عليها من لا يخاف اللّه عز وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيما لا يحب اللّه قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحقرون ويحتقر من يحبهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً، وسبيل الشر مسلوكاً، ورأيت بيت اللّه قد عُطِّل ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله، ورأيت الرجال يتسمنون للرجال، والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال، ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، وأظهروا الخضاب، وأمشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم، وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال، وكان صاحب المال أعز من المؤمن، وكان الربا ظاهراً لا يعير، وكان الزنا تمتدح به النساء، ورأيت المرأة تصانع زوجها إلى نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً، ورأيت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلل، ورأيت الحلال يحرم، ورأيت الدين بالرأي، وعُطِّل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على اللّه، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط اللّه عز وجل، ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالةً لمن زاد، ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهن، ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة، ويتغاير على الرجل الذكر، فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها، وتعمل ما لا يشتهي، وتنفق على

ص: 322

زوجها، ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته، ويرضى بالدني من الطعام والشراب، ورأيت الأيمان باللّه عز وجل كثيرةً على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت، يمر بها لا يمنعها أحد أحداً، ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذله الذي يخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبنا يزور ولا يقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه، ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، وخف على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، ورأيت الحدود قد عُطِّلت، وعمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشر قد ظهر، والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تستملح، ويبشر بها الناس بعضهم بعضاً، ورأيت الحج والجهاد لغير اللّه، ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن، ورأيت الخراب قد أديل من العمران، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخف بها، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا، ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى، وتسند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استخف بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكه منذ ملكه، ورأيت الميت ينشر من قبره، ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر، ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران، لا يهتم بما يقول الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست، وجمدت أعينهم، وثقل الذكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر بتنافس فيه،

ص: 323

ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين، يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يذم ويعير، وطالب الحرام يمدح ويعظم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب اللّه، لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد، ورأيت المعازف ظاهرةً في الحرمين، ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه، فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورأيت كل عام يحدث فيه من البدعة والشر أكثر مما كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به، ويرحم لغير وجه اللّه، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم، لا ينكر أحد منكراً تخوفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة اللّه، ويمنع اليسير في طاعة اللّه، ورأيت العقوق قد ظهر، واستخف بالوالدين، وكانا من أسوء الناس حالاً عند الولد، ويفرح بأن يفتري عليهما، ورأيت النساء قد غلبن على الملك، وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه، ويدعو على والديه، ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيباً حزيناً، يحسب أن ذلك اليوم عليه، وضيعة من عمره، ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور، ويتقامر بها ويشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها، وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا

ص: 324

في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك التدين به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمةً، ورياح أهل الحق لا تحرك، ورأيت الأذان بالأجر، والصلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشيةً ممن لا يخاف اللّه، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق، ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلي بالناس، فهو لا يعقل ولا يشان بالسكر، وإذا سكر أكرم واتقي، وخيف وترك، لا يعاقب ويعذر بسكره، ورأيت من أكل أموال اليتامى يحدث بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر اللّه، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على اللّه يأخذون منها، ويخلونهم وما يشتهون، ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر، ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة، لا يراد بها وجه اللّه، وتعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلةً عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست، فكن على حذر واطلب من اللّه عز وجل النجاة. واعلم أن الناس في سخط اللّه عز وجل، وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم، فكن مترقباً واجتهد، ليراك اللّه عز وجل في خلاف ما هم عليه، فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عُجِّلت إلى رحمة اللّه، وإن أخرت ابتلوا، وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على اللّه عز وجل. واعلم أن اللّه لا يضيع أجر المحسنين، وأن رحمت اللّه قريب من المحسنين»(1).

وروى جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: حججت مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حجة

ص: 325


1- بحار الأنوار: ج52 ص256-260، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح147.

الوداع، فلما قضى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما افترض عليه من الحج، أتى مودع الكعبة، فلزم حلقة الباب، ونادى برفع صوته: «أيها الناس». فاجتمع أهل المسجد وأهل السوق، فقال: «اسمعوا إني قائل ما هو بعدي كائن، فليبلغ شاهدكم غائبكم»،... ثم بكى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقام إليه سلمان الفارسي وقال: يا رسول اللّه، أخبرنا متى يكون ذلك؟. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا سلمان، إذا قلت علماؤكم، وذهبت قراؤكم، وقطعتم زكاتكم، وأظهرتم منكراتكم، وعلت أصواتكم في مساجدكم، وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم، والعلم تحت أقدامكم، والكذب حديثكم، والغيبة فاكهتكم، والحرام غنيمتكم، ولا يرحم كبيركم صغيركم، ولا يوقر صغيركم كبيركم، فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم، ويجعل بأسكم بينكم، وبقي الدين بينكم لفظاً بألسنتكم، فإذا أوتيتم هذه الخصال، توقعوا الريح الحمراء أو مسخاً أو قذفاً بالحجارة، وتصديق ذلك في كتاب اللّه عز وجل: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}(1)».

فقام إليه جماعة من الصحابة. فقالوا: يا رسول اللّه، أخبرنا متى يكون ذلك؟. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «عند تأخير الصلوات، واتباع الشهوات، وشرب القهوات، وشتم الآباء والأمهات، حتى ترون الحرام مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وجفا جاره، وقطع رحمه، وذهب رحمة الأكابر، وقل حياء الأصاغر، وشيدوا البنيان، وظلموا العبيد والإماء، وشهدوا بالهوى، وحكموا بالجور، ويسب الرجل أباه، ويحسد الرجل أخاه، ويعامل الشركاء بالخيانة،

ص: 326


1- سورة الأنعام: 65.

وقل الوفاء، وشاع الزنا، وتزين الرجال بثياب النساء، وسلب عنهن قناع الحياء، ودب الكبر في القلوب كدبيب السم في الأبدان، وقل المعروف، وظهرت الجرائم، وهونت العظائم، وطلبوا المدح بالمال، وأنفقوا المال للغناء، وشغلوا بالدنيا عن الآخرة، وقل الورع، وكثر الطمع، والهرج والمرج، وأصبح المؤمن ذليلاً، والمنافق عزيزاً، مساجدهم معمورة بالأذان، وقلوبهم خالية من الإيمان، واستخفوا بالقرآن، وبلغ المؤمن عنهم كل هوان، فعند ذلك ترى وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كلامهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الحنظل، فهم ذئاب وعليهم ثياب، ما من يوم إلا يقول اللّه تبارك وتعالى: أ فبي تغترون، أم عليَّ تجترءون، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}(1). فو عزتي وجلالي، لولا من يعبدني مخلصاً ما أمهلت من يعصيني طرفة عين، ولولا ورع الورعين من عبادي لما أنزلت من السماء قطرةً، ولا أنبت ورقةً خضراء. فوا عجباه لقوم آلهتهم أموالهم، وطالت آمالهم، وقصرت آجالهم، وهم يطمعون في مجاورة مولاهم، ولا يصلون إلى ذلك إلا بالعمل، ولا يتم العمل إلا بالعقل»(2).

وعن علقمة بن قيس، قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة، فقال فيما قال في آخرها: «ألا وإني ظاعن عن قريب، ومنطلق إلى المغيب، فارتقبوا الفتنة الأموية، والمملكة الكسروية، وإماتة ما أحياه اللّه، وإحياء ما أماته اللّه، واتخذوا صوامعكم بيوتكم، وعضوا على مثل جمر الغضا،

ص: 327


1- سورة المؤمنون: 115.
2- بحار الأنوار: ج52 ص262-264، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح148.

واذكروا اللّه كثيراً، فذكره أكبر لو كنتم تعلمون - ثم قال - وتبنى مدينة يقال لها: الزوراء، بين دجلة ودجيل والفرات، فلو رأيتموها مشيدةً بالجص والآجر، مزخرفةً بالذهب والفضة واللازورد والمرمر والرخام وأبواب العاج والخيم والقباب والستارات، وقد عليت بالساج والعرعر والصنوبر والشب، وشيدت بالقصور، وتوالت عليها ملك بني شيصبان، أربعة وعشرون ملكاً، فيهم: السفاح، والمقلاص، والجموح، والخدوع، والمظفر، والمؤنث، والنظار، والكبش، والمهتور، والعثار، والمصطلم، والمستصعب، والعلام، والرهباني، والخليع، والسيار، والمترف، والكديد، والأكتب، والمسرف، والأكلب، والوسيم، والصيلام، والعينوق. وتعمل القبة الغبراء، ذات الفلاة الحمراء، وفي عقبها قائم الحق، يسفر عن وجهه بين الأقاليم، كالقمر المضيء بين الكواكب الدرية. ألا وإن لخروجه علامات عشرةً: أولها طلوع الكوكب ذي الذنب، ويقارب من الحادي، ويقع فيه هرج ومرج وشغب، وتلك علامات الخصب، ومن العلامة إلى العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات العشرة إذ ذاك، يظهر القمر الأزهر، وتمت كلمة الإخلاص لله على التوحيد»(1).

وعن عمار بن ياسر، أنه قال: (إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض وكفوا حتى تجيء أماراتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك، وجهزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، واستخلف بعده رجل صحيح، فيخلع بعد سنين من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ، ويتخالف الترك والروم، وتكثر الحروب في الأرض، وينادي منادٍ

ص: 328


1- بحار الأنوار: ج52 ص267-268، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح155.

عن سور دمشق: ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان. يخرج في كلب، ويحضر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد (عليهم السلام) . وتنزل الترك الحيرة، وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد اللّه حتى يلتقي جنودهما بقرقيسا على النهر، ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال، ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس، حتى ينزل الجزيرة السفياني، فيسبق اليماني، ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة، فيقتل أعوان آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ويقتل رجلاً من مسماهم، ثم يخرج المهدي (عليه السلام) على لوائه شعيب بن صالح، فإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان التحقوا بمكة، فعند ذلك يقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعةً، فينادي منادٍ من السماء: أيها الناس، إن أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إن بين يدي القائم (عليه السلام) سنين خداعة، يُكذب فيها الصادق، ويُصدق فيها الكاذب، ويقرب فيها الماحل»(2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «لابد أن يكون قدام القائم (عليه السلام) سنة يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوف شديد من القتل، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وإن ذلك في كتاب اللّه لبين، ثم تلا هذه الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ

ص: 329


1- بحار الأنوار: ج52 ص207-208، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح45.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص278، الباب 14، ح62.

الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(1)»(2).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «بين يدي القائم (عليه السلام) موت أحمر، وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد في غير حينه، أحمر كألوان الدم»(3).

وفي رواية: «حتى يذهب ثلثا الناس»(4).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس»(5). وذلك بسبب الأمراض، والأعراض، والزلازل، والحروب، والفتن، وما أشبه.

وعن الباقر (عليه السلام) : «لا يقوم القائم إلا على خوف شديد، وفتنة، وبلاء وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس، وتشتت في دينهم، وتغير من حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كَلَبِ الناس، وأكل بعضهم بعضاً، فخروجه إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً»(6).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «إذا اشتدت الحاجة والفاقة، وأنكر الناس بعضهم بعضاً، فعند ذلك توقعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً». فقيل: الحاجة والفاقة قد عرفناهما، فما إنكار الناس بعضهم بعضاً؟. قال: «يأتي الرجل أخاه في حاجة،

ص: 330


1- سورة البقرة: 155.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص363، الباب الرابع والثلاثون، الفصل التاسع، ح93.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص438، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص339، الفصل 5.
5- كتاب الغيبة للنعماني: ص274، الباب 14، ح54.
6- أعيان الشيعة: ج2 ص79، في علامات ظهور المهدي، التاسع والأربعون.

فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه، ويكلمه بغير الكلام الذي كان يكلمه»(1).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) ، قال: «لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا، فلا يبقى منكم إلا القليل - ثم قرأ -: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}(2)»(3).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «ما يكون هذا الأمر، حتى لا يبقى صنف من الناس إلا قد ولوا، حتى لا يقول قائل: إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل»(4).

وعن محمد بن بشر، عن محمد بن الحنفية، قال: قلت له: قد طال هذا الأمر حتى متى؟. قال: فحرك رأسه، ثم قال: «أنى يكون ذلك ولم يعض الزمان، أنى يكون ذلك ولم يجفوا الإخوان، أنى يكون ذلك ولم يظلم السلطان، أنى يكون ذلك ولم يقم الزنديق من قزوين، فيهتك ستورها، ويكفر صدورها، ويغير سورها، ويذهب بهجتها، من فر منه أدركه، ومن حاربه قتله، ومن اعتزله افتقر، ومن تابعه كفر، حتى يقوم باكيان: باكٍ يبكي على دينه، وباكٍ يبكي على دنياه»(5).

وروى حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام) : صف لي خروج المهدي (عليه السلام) وعرفني دلائله وعلاماته؟. فقال: «يكون قبل خروجه خروج رجل

ص: 331


1- تفسير القمي: ج1 ص311، سورة يونس، الآيات 24 إلى 26.
2- سورة العنكبوت: 1-2.
3- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص375، فصل في ذكر علامات الإمام المهدي (عليه السلام) .
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص274، الباب 14، ح53.
5- كتاب الغيبة للطوسي: ص441، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .

يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق. ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي، ثم يخرج بعد ذلك»(1).

وعن الحسن بن الجهم، قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج. فقال لي: «ما تريد، الإكثار أو أجمل لك؟». فقلت: أريد تجمله لي. فقال: «إذا تحركت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان، أو ذكر غير كندة»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن قدَّام القائم لسنةً غيداقةً، تفسد الثمر في النخل، فلا تشكوا في ذلك»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني، قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه: من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم. فيثب الجار على جاره، ويقول: هذا منهم. فيضرب عنقه، ويأخذ ألف درهم. أما إن إمارتكم يومئذٍ لا يكون إلا لأولاد البغايا، وكأني أنظر إلى صاحب البرقع». قلت: ومن صاحب البرقع؟. فقال: «رجل منكم، يقول بقولكم، يلبس البرقع فيحوشكم، فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلاً

ص: 332


1- بحار الأنوار: ج52 ص213، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح65.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص448-449، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
3- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص458، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الرابع، الفصل الأول.

رجلاً، أما إنه لا يكون إلا ابن بغي»(1).

وعن سفيان بن إبراهيم الجريري، أنه سمع أباه يقول: (النفس الزكية غلام من آل محمد، اسمه: محمد بن الحسن. يُقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث اللّه قائم آل محمد (عليه السلام) في عصبة لهم، أدق في أعين الناس من الكحل، إذا خرجوا بكى لهم الناس، لا يرون إلا أنهم يختطفون، يفتح اللّه لهم مشارق الأرض ومغاربها، أ لا وهم المؤمنون حقاً، أ لا إن خير الجهاد في آخر الزمان)(2).

وعن علي بن عبد اللّه بن عباس، قال: (لا يخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية)(3).

وعن سعيد بن جبير، قال: (السنة التي يقوم فيها المهدي تمطر أربعاً وعشرين مطرةً، يرى أثرها وبركتها)(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) حدَّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم. فقال الحسين (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين، متى يطهر اللّه الأرض من الظالمين؟. قال: لا يطهر اللّه الأرض من الظالمين، حتى يسفك الدم الحرام - ثم

ص: 333


1- بحار الأنوار: ج52 ص215، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح72.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص464-465، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
3- بحار الأنوار: ج52 ص217، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح79.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص443، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .

ذكر أمر بني أمية وبني العباس في حديث طويل وقال - إذا قام القائم(1) بخراسان، وغلب على أرض كوفان والملتان، وجاز جزيرة بني كاوان، وقام منا قائم بجيلان، وأجابته الآبر والديلم، وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات، وكانوا بين هنات وهنات، إذا خربت البصرة، وقام أمير الإمرة... فحكى (عليه السلام) حكايةً طويلةً، ثم قال: إذا جهزت الألوف، وصفت الصفوف، وقتل الكبش الخروف، هناك يقوم الآخر، ويثور الثائر، ويهلك الكافر، ثم يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول، له الشرف والفضل، وهو من ولدك يا حسين، لا ابن مثله، يظهر بين الركنين في دريسين باليين، يظهر على الثقلين، ولايترك في الأرض الأدنين، طوبى لمن أدرك زمانه، ولحق أوانه، وشهد أيامه»(2).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (وقيام القائم (عليه السلام) بعد ذلك لا يلزم أن يكون بلا واسطة)(3).

وعن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «يا جابر، الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً، حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدِّث به من بعدي عني، ومنادٍ ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، وتخسف قرية من قرى الشام

ص: 334


1- المراد به المعنى اللغوي، أي: من يقوم ويحكم، وليس القائم بمعنى المهدي (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج52 ص235-236، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح104.
3- بحار الأنوار: ج52 ص237، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، بيان ح104.

تسمى: الجابية، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها هرج الروم، وسيقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة، فتلك السنة - يا جابر - اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول أرض المغرب أرض الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني. فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون، ويقتله السفياني ومن معه، ويقتل الأصهب، ثم لا يكون له همة إلا الإقبال نحو العراق، ويمر جيشه بقرقيسا فيقتتلون بها، فيقتل من الجبارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة، وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان، تطوي المنازل طياً حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم.

ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء، فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة، فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه، حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران.

قال: وينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، أبيدي القوم. فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول اللّه وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}(1) الآية.

قال: والقائم (عليه السلام) يومئذٍ بمكة، وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به

ص: 335


1- سورة النساء: 47.

ينادي: يا أيها الناس، إنا نستنصر اللّه ومن أجابنا من الناس، وإنا أهل بيت نبيكم محمد، ونحن أولى الناس باللّه وبمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين.

أليس اللّه يقول في محكم كتابه: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1)، فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . ألا ومن حاجني في كتاب اللّه فأنا أولى الناس بكتاب اللّه، أ لا ومن حاجني في سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأنا أولى الناس بسنة رسول اللّه، فأنشد اللّه من سمع كلامي اليوم لما بلَّغ الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحق اللّه ورسوله وبحقي؛ فإن لي عليكم حق القربى من رسول اللّه، إلا أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أُخفنا وظُلمنا وطُردنا من ديارنا وأبنائنا، وبُغي علينا، ودُفعنا عن حقنا، فافترى أهل الباطل علينا، فاللّه اللّه فينا، لاتخذلونا وانصرونا ينصركم اللّه».

قال: «فيجمع اللّه عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ويجمعهم اللّه على غير ميعاد، قزعاً كقزع الخريف، وهي - يا جابر - الآية التي ذكرها اللّه في كتابه: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(2)، فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد توارثته الأبناء عن الآباء.

ص: 336


1- سورة آل عمران: 33-34.
2- سورة البقرة: 148.

والقائم رجل من ولد الحسين، يصلح اللّه له أمره في ليلة، فما أشكل على الناس من ذلك - يا جابر - فلا يشكل عليهم ولادته من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ووراثته العلماء، عالماً بعد عالم، فإن أشكل هذا كله عليهم، فإن الصوت من السماء لايشكل عليهم، إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمه»(1).

وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، أنه قال: «السفياني والقائم في سنة واحدة»(2).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «بينا الناس وقوفاً بعرفات، إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة، عند موته فرج آل محمد (عليه السلام) ، وفرج النّاس جميعاً». وقال (عليه السلام) : «إذا رأيتم علامةً في السماء، ناراً عظيمةً من قبل المشرق تطلع ليالي، فعندها فرج الناس، وهي قدَّام القائم بقليل»(3).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «علامة خروج المهدي (عليه السلام) ، كسوف الشمس في شهر رمضان، في ثلاث عشرة، وأربع عشرة منه»(4).

وعن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : النداء حق؟. قال: «إي واللّهِ، حتى يسمعه كل قوم بلسانهم»(5).

ص: 337


1- بحار الأنوار: ج52 ص237-238، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25، ح105.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص267، الباب 14، ح36.
3- بحار الأنوار: ج52 ص240، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح107.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص272، الباب 14، ح47.
5- بحار الأنوار: ج52 ص244، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح120.

وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك، وكان خادم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: لما رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتال أهل النهروان، نزل براثا، وكان بها راهب في قلايته، وكان اسمه الحباب. فلما سمع الراهب الصيحة والعسكر، أشرف من قلايته إلى الأرض، فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فاستفظع ذلك ونزل مبادراً. فقال: من هذا، ومن رئيس هذا العسكر؟. فقيل له: هذا أمير المؤمنين، وقد رجع من قتال أهل النهروان. فجاء الحباب مبادراً يتخطّى الناس، حتى وقف على أمير المؤمنين (عليه السلام) . فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين حقاً حقاً. فقال له: «وما علمك بأني أمير المؤمنين حقاً حقاً؟». قال له: بذلك أخبرنا علماؤنا وأحبارنا. فقال له: «يا حباب». فقال له الراهب: وما علمك باسمي؟. فقال: «أعلمني بذلك حبيبي رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». فقال له الحباب: مد يدك،فأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وأنك علي بن أبي طالب وصيه. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : «وأين تأوي؟». فقال: أكون في قلاية لي هاهنا.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : «بعد يومك هذا لاتسكن فيها، ولكن ابنِ هاهنا مسجداً، وسمه باسم بانيه». فبناه رجل اسمه براثا، فسمى المسجد ببراثا، باسم الباني له.

ثم قال: «ومن أين تشرب يا حباب؟». فقال: يا أمير المؤمنين، من دجلة هاهنا. قال: «فلِمَ لا تحفر هاهنا عيناً أو بئراً». فقال له: يا أمير المؤمنين، كلما حفرنا بئراً، وجدناها مالحةً غير عذبة.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : «احفر هاهنا بئراً». فحفر، فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها، فقلعها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فانقلعت عن عين أحلى من

ص: 338

الشهد، وألذ من الزبد. فقال له: «يا حباب، يكون شربك من هذه العين. أما إنه - يا حباب - ستبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة، وتكثر الجبابرة فيها، وتعظم البلاء، حتى إنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام، فإذا عظم بلاؤهم، شدوا على مسجدك بقنطرة، ثم وابنه مرتين، ثم وابنه لا يهدمه إلا كافر ثم بيتاً، فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين، واحترقت خضرهم، وسلط اللّه عليهم رجلاً من أهل السفح، لا يدخل بلداً إلا أهلكه وأهلك أهله، ثم ليعد ليعود عليهم مرةً أخرى، ثم يأخذهم القحط والغلاء ثلاث سنين، حتى يبلغ بهم الجهد، ثم يعود عليهم، ثم يدخل البصرة، فلا يدع فيها قائمةً إلا سخطها، وأهلكها وأسخط أهلها، وذلك إذا عمرت الخربة، وبني فيها مسجد جامع، فعند ذلك يكون هلاك البصرة، ثم يدخل مدينةً بناها الحجاج يقال لها: واسط، فيفعل مثل ذلك، ثم يتوجه نحو بغداد فيدخلها عفواً، ثم يلتجئ الناس إلى الكوفة، ولا يكون بلد من الكوفة إلا تشوش الأمر له، ثم يخرج هو والذي أدخله بغداد نحو قبري لينبشه، فيتلقاهما السفياني، فيهزمهما ثم يقتلهما، ويوجه جيشاً نحو الكوفة، فيستعبد بعض أهلها، ويجيء رجل من أهل الكوفة، فيلجئهم إلى سور، فمن لجأ إليها أمن، ويدخل جيش السفياني إلى الكوفة، فلا يدعون أحداً إلا قتلوه، وإن الرجل منهم ليمر بالدرة المطروحة العظيمة فلا يتعرض لها، ويرى الصبي الصغير فيلحقه فيقتله، فعند ذلك - يا حباب - يتوقع، بعدها هيهات هيهات، وأمور عظام، وفتن كقطع الليل المظلم، فاحفظ عني ما أقول لك يا حباب»(1).

ص: 339


1- بحار الأنوار: ج52 ص217-219، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح80.

ها هنا كانت الزوراء

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: يا سيدي، كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟.

قال: «في لعنة اللّه وسخطه، تخربها الفتن وتتركها جماء، فالويل لها ولمن بها، كل الويل من الرايات الصفر، ورايات المغرب، ومن يجلب الجزيرة، ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد. واللّهِ لينزلن بها من صنوف العذاب، ما نزل بسائر الأمم المتمردة من أول الدهر إلى آخره. ولينزلن بها من العذاب، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف، فالويل لمن اتخذ بها مسكناً؛ فإن المقيم بها يبقى لشقائه، والخارج منها برحمة اللّه. واللّهِ ليبقى من أهلها في الدنيا حتى يقال: إنها هي الدنيا، وإن دورها وقصورها هي الجنة، وإن بناتها هن الحور العين، وإن ولدانها هم الولدان، وليظنن أن اللّه لم يقسم رزق العباد إلا بها، وليظهرن فيها من الأمراء على اللّه وعلى رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والحكم بغير كتابه، ومن شهادات الزور، وشرب الخمور، وإتيان الفجور، وأكل السحت، وسفك الدماء، ما لا يكون في الدنيا كلها إلا دونه، ثم ليخربها اللّه بتلك الفتن، وتلك الرايات، حتى ليمر عليها المار فيقول: هاهنا كانت الزوراء»(1).

ص: 340


1- بحار الأنوار: ج53 ص14-15، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

23

لا للتوقيت

ورد في كثير من الروايات الشريفة: تكذيب التوقيت والموقتين، فلا يحق تعيين وقت الظهور وتحديده بالوقت؛ لأن وقت الظهور من الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه عز وجل، والمعصوم (صلوات اللّه عليه) بتعليم اللّه له.

مضافاً إلى أن الظهور قابل للتقديم والتأخير بإذن اللّه تعالى، وحصول البداء في الوقت والعلائم.

فعن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) - في حديث حول ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) -: أفلا توقت له وقت؟. فقال: «يا مفضل، لا أوقت له وقتاً، ولا يوقت له وقت. إن من وقت لمهدينا وقتاً، فقد شارك اللّه تعالى في علمه، وادعى أنه ظهر على سره»(1).

وعن الحضرمي، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إنا لا نوقت هذا الأمر»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «إن هذا الأمر ليس يجيء على ما تريد الناس، إنما هو

ص: 341


1- حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار (عليهم السلام) : ج6 ص372-373، المنهج الثالث عشر، الباب السادس والأربعون، ح1.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص289، الباب 16، ح5.

أمر اللّه تبارك وتعالى وقضاؤه والصبر، وإنما يعجل من يخاف الفوت»(1).

وعن الفضيل، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) : هل لهذا الأمر وقت؟. فقال: «كذب الوقّاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يستقبل»(3).

وعن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، إذ دخل عليه مهزم الأسدي. فقال: أخبرني - جعلت فداك - متى هذا الأمر الذي تنتظرونه فقد طال؟. فقال: «يا مهزم، كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون»(4).

وعن الناحية المقدسة (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف): «وأما ظهور الفرج، فإنه إلى اللّه تعالى ذكره، وكذب الوقاتون»(5).

وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من وقت لك من الناس

ص: 342


1- بحار الأنوار: ج52 ص111، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح17.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص426، الفصل 7، ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه.
3- بحار الأنوار: ج52 ص103، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح6.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص426، الفصل 7، ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه.
5- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص484، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4.

شيئاً فلا تهابن أن تكذبه، فلسنا نوقت لأحد وقتاً»(1).

وعن محمد بن الحنفية - في رواية -: (إن لبني فلان ملكاً مؤجلاً، حتى إذا أمنوا واطمأنوا، وظنوا أن ملكهم لا يزول، صيح فيهم صيحة، فلم يبق لهم راع يجمعهم، ولا واع يسمعهم، وذلك قول اللّه عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(2)).

قال الراوي: جعلت فداك، هل لذلك وقت؟.

قال: (لا؛ لأن علم اللّه غلب علم الموقتين. إن اللّه تعالى وعد موسى ثلاثين ليلة، وأتمها بعشر لم يعلمها موسى، ولم يعلمها بنو إسرائيل، فلما جاوز الوقت قالوا: غرنا موسى. فعبدوا العجل، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة في الناس، وأنكر بعضهم بعضاً، فعند ذلك توقعوا أمر اللّه صباحا ومساء)(3).

وعن محمد بن بشير، قال: سمعت محمد بن الحنفية (رحمه اللّه) يقول: (إن قبل راياتنا رايةً لآل جعفر، وأخرى لآل مرداس...). فقلت: جعلت فداك، لقد حدثتني عن هؤلاء بأمر عظيم، فمتى يهلكون؟. فقال: (ويحك - يا محمد - إن اللّه خالف علمه وقت الموقتين. إن موسى (عليه السلام) وعد قومه ثلاثين يوماً، وكان في علم اللّه عز وجل زيادة عشرة أيّام لم يخبر بها موسى، فكفر قومه واتخذوا العجل من بعده لما

ص: 343


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص426، الفصل 7، ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه.
2- سورة يونس: 24.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص427، الفصل 7، ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه.

جاز عنهم الوقت، وإن يونس وعد قومه العذاب، وكان في علم اللّه أن يعفو عنهم، وكان من أمره ما قد علمت»(1).

وعن المفضل بن عمر، قال: سألت سيدي الصادق (عليه السلام) : هل للمأمور المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟. فقال: «حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا». قلت: يا سيدي، ولِمَ ذاك؟. قال: «لأنه هو الساعة التي قال اللّه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(2) الآية»(3).

وعن أبي بصير، قال: قلت له: ألهذا الأمر أمد نريح إليه أبداننا وننتهي إليه؟. قال: «بلى، ولكنكم أذعتم فزاد اللّه فيه»(4).

وفي رواية: «ولكنكم أذعتم فأخره اللّه»(5).

وعن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يا إسحاق، إن هذا الأمر قد أخر مرتين»(6).

وعن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن علياً (عليه السلام) كان يقول:

ص: 344


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص290-292، الباب 16، ح7.
2- سورة الأعراف: 187.
3- بحار الأنوار: ج53 ص1، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص427-428، الفصل 7، ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه.
5- كتاب الغيبة للنعماني: ص288، الباب 16، ح1.
6- بحار الأنوار: ج52 ص117، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب21 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح43.

إلى السبعين بلاء، وكان يقول: بعد البلاء رخاء، وقد مضت السبعون ولم نرَ رخاءً؟. فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «يا ثابت، إن اللّه تعالى كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب اللّه على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السر، فأخره اللّه، ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً، و{يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ}(1)». قال أبو حمزة: وقلت ذلك لأبي عبد اللّه (عليه السلام) . فقال: «قد كان ذاك»(2).

من هنا ثبت أن وقت ظهور الإمام (عليه السلام) من الغيب، فلا يصح القول بأن الإمام (عليه السلام) سيظهر في اليوم الفلاني، أو السنة الكذائية ولو تخميناً، وهذا لاينافي البيان المجمل بأنه سيظهر في الوتر من السنين، فإنه ليس من تعيين الوقت كما لا يخفى.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «لا يخرج القائم (عليه السلام) إلا في وتر من السنين، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع»(3).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) : «يقوم القائم (عليه السلام) في وتر من السنين، تسع واحدة ثلاث خمس»(4).

وعن الصادق (عليه السلام) : «ينادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين (أي من

ص: 345


1- سورة الرعد: 39.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص428، الفصل 7، ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه.
3- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص379، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في ذكر اليوم والسنة التي يقوم فيها الإمام المهدي (عليه السلام) .
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص262، الباب 14، ح22.

شهر رمضان كما في الروايات الأُخر)، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام) ، لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل (عليه السلام) عن يده اليمنى، ينادي: البيعة لله. فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض، تطوى لهم طياً حتى يبايعوه، فيملأ اللّه به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(1).

وعن الصادق (عليه السلام) : «يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة»(2).

وفي رواية: «يوم السبت»(3).

وعن الصادق (عليه السلام) : «يوم النيروز، هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر، ويظفره اللّه تعالى بالدجال، فيصلبه على كناسة الكوفة»(4).

وعن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «يوم النيروز، هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر، ويظفره اللّه تعالى بالدجال، فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج؛ لأنه من أيامنا حفظته الفرس وضيعتموه»(5).

ص: 346


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص379، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في ذكر اليوم والسنة التي يقوم فيها الإمام المهدي.
2- الخصال: ج2 ص394، باب السبعة، ما جاء في يوم السبت، ح101.
3- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص65، اليوم الخامس عشر، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .
4- بحار الأنوار: ج52 ص276، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح171.
5- بحار الأنوار: ج52 ص308، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح84.

وعن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء، اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) »(1).

وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن القائم (صلوات اللّه عليه) ينادى اسمه ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، يوم قتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام) »(2).

وعن علي بن مهزيار، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت، قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل (عليه السلام) ، ينادي: البيعة لله. فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(3).

أقول: هذا كله على نحو المقتضي، ومن الممكن أن يتغير ذلك بتقديم أو تأخير.

وقد جمع البعض اختلاف هذه الروايات، بأن ابتداء خروجه (عليه السلام) يكون يوم الجمعة، وظهوره بين الركن والمقام ومبايعته يوم السبت.

ولكن ربما كان اختلاف الإخبار والأخبار لتغير ذلك وحصول البداء، بتقديم الوقت أو تأخيره.

وفي تفسير القمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «... وقول اللّه: {حَتَّى إِذَا

ص: 347


1- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص65، اليوم الخامس عشر، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص452، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
3- بحار الأنوار: ج52 ص290، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح30.

أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ}(1)، الآية». قلت: جعلت فداك، فمتى يكون ذلك؟. قال: «أما إنه لم يوقت لنا فيه وقت، ولكن إذا حدثناكم بشيء فكان كما نقول، فقولوا: صدق اللّه ورسوله. وإن كان بخلاف ذلك، فقولوا: صدق اللّه ورسوله. تؤجروا مرتين، ولكن إذا اشتدت الحاجة والفاقة، وأنكر الناس بعضهم بعضاً، فعند ذلك توقعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً». فقلت: جعلت فداك، الحاجة والفاقة قد عرفناهما، فما إنكار الناس بعضهم بعضاً؟. قال: «يأتي الرجل أخاه في حاجة، فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه، ويكلمه بغير الكلام الذي كان يكلمه»(2).

ص: 348


1- سورة يونس: 24.
2- تفسير القمي: ج1 ص310-311، سورة يونس، الآيات 24 إلى 26.

24

الظهور المبارك

اشارة

عن ابن عباس، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «والذي بعثني بالحق نبياً، لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد، لطوَّل اللّه ذلك اليوم؛ حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح اللّه عيسى ابن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(1).

وعن علي (عليه السلام) ، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم، لبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً»(2).

وفي رواية رواها العلامة المجلسي (رحمه اللّه) ، عن السيد شمس الدين: قلت: يا سيدي، ومتى يكون الفرج؟. قال السيد شمس الدين: «يا أخي، إنما العلم عند اللّه، والأمر متعلق بمشيته سبحانه وتعالى، حتى إنه ربما كان الإمام (عليه السلام) لايعرف ذلك، بل له علامات وأمارات تدل على خروجه. من جملتها: أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه، ويتكلم بلسان عربي مبين: قم يا ولي اللّه على اسم

ص: 349


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص280، الباب24 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح27.
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص437-438، ذكر الإمام الثاني عشر، وأما ما ورد عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المهدي من الأحاديث الصحيحة.

اللّه، فاقتل بي أعداء اللّه. ومنها: ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم، الصوت الأول: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والصوت الثاني: ألا لعنة اللّه على الظالمين لآل محمد (عليه السلام) ، والثالث: بدن يظهر فيرى في قرن الشمس، يقول: إن اللّه بعث صاحب الأمر محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) ، فاسمعوا له وأطيعوا»(1).

المنقذ العالمي

البشر بأجمعه ينتظر ظهور المنقذ الحقيقي، وعليه سائر الأديان والمذاهب، وهكذا اتفق جميع المسلمين حتى المخالفين على خروج الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، وأنه من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) ، وأن اسمه كاسم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وروايات الفريقين في ذلك متواترة(2).

وفي الروايات الشريفة: إن اللّه يصلح أمر الإمام المهدي (عليه السلام) في ليلة، ويأذن له بالخروج بعد غيبة طويلة، فيخرج وعلى رأسه غمامة، فيها ملك ينادي: هذا المهدي خليفة اللّه فاتبعوه. فيذعن له الناس ويشربون حبه، يمده اللّه بثلاثة آلاف من الملائكة، جبرئيل على مقدمته، وميكائيل على ساقته، أنصاره بعدة أهل بدر، وأهل الكهف منهم، يخرج بالسيف ليدافع عن نفسه، ولا يقتل كثيراً، بل القتلى قلة جداً كما كانت الحروب في زمن جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ويستخرج الإمام المهدي (عليه السلام) تابوت السكينة من غار أنطاكية، وأسفار التوراة من جبل بالشام، ويصلي النبي عيسى (عليه السلام) خلفه، وبذلك يؤمن به عامة اليهود

ص: 350


1- بحار الأنوار: ج52 ص171، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب24 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- للتفصيل انظر: كتاب «المهدي (عليه السلام) في القرآن»، وكتاب «المهدي في السنة»، للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله).

والنصارى، وتظهر المعاجز الكثيرة على يديه، فيؤمن به عامة الناس في شرق الأرض وغربها، كما يؤمن به المخالفون حينما يرون أنه يحاكم الرجلين.

فلا حاجة حينئذٍ إلى حروب عديدة، وإراقة دماء كثيرة. نعم، يحاربه البعض من المعاندين والمخالفين، فيدافع عن الحق بسيفه، وينصره اللّه عليهم فيقتلهم.

هذا وفي الروايات، أن كثيراً من الناس قبل ظهور الإمام يموتون بالموت الأبيض والموت الأحمر، حتى يذهب الثلثان، وقيل: أكثر من ذلك.

سيرة الإمام عند الظهور

من هنا يظهر، أنه لا صحة لما يقال من أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقتل الجميع، ويسفك الدماء الكثيرة، بل سيرته العفو والصفح، كسيرة جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ويملك الإمام المهدي (عليه السلام) في ظهوره الشريف شرق الأرض وغربها، فيملؤ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلما وجوراً.

ويظهر الإسلام كما أمر به اللّه عز وجل، وطبقه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، ويظهر من الدين ما هو الدين عليه، بما لو كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يحكم به.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إذا أذن اللّه عزَّ اسمه للقائم في الخروج، صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه، وناشدهم باللّه، ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ويعمل فيهم بعمله»(1).

وعن أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

ص: 351


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص382-383، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .

«المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة، حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(1).

وعن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) ، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب اللّه عز وجل، من أطاعه أطاعني، ومن عصاه عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذَّبه فقد كذَّبني، ومن صدَّقه فقد صدَّقني، إلى اللّه أشكو المكذبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلين لأمتي عن طريقته، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(2)»(3).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يخرج رجل من أهل بيتي، ويعمل بسنتي، وينزل اللّه له البركة من السماء، وتخرج الأرض بركتها، وتملأ به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(4).

وعن محمد بن مسلم، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القائم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) إذا قام، بأي سيرة يسير في الناس؟. فقال: «بسيرة ما سار به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى يظهر

ص: 352


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص287، الباب25 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح4.
2- سورة الشعراء: 227.
3- بحار الأنوار: ج51 ص73، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب1 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح19.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص472، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .

الإسلام». قلت: وما كانت سيرة رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟. قال: «أبطل ما كان في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم (عليه السلام) إذا قام، يبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس، ويستقبل بهم العدل»(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «يبايع القائم (عليه السلام) بمكة على كتاب اللّه وسنة رسوله، ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة، فيبلغه أن عامله قُتل، فيرجع إليهم، فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك، ثم ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلى كتاب اللّه وسنة رسوله، والولاية لعلي بن أبي طالب، والبراءة من عدوه، حتى يبلغ البيداء، فيخرج إليه جيش السفياني، فيخسف اللّه بهم»(2).

أما مثل رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قلت له: صالح من الصالحين سمه لي؟. أُريد القائم (عليه السلام) . فقال: «اسمه اسمي». قلت: أ يسير بسيرة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟. قال: «هيهات هيهات - يا زرارة - ما يسير بسيرته». قلت: جعلت فداك لِمَ؟. قال: «إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سار في أمته بالمنّ كان يتألف الناس، والقائم (عليه السلام) يسير بالقتل، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل، ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه»(3).

فهو لا ينافي قلة القتل، فالمعاندون قلة وهم الذين يقتلهم الإمام (صلوات اللّه عليه) دون غيرهم، أما سائر الكفار والمخالفين، فيسلمون ويؤمنون عند

ص: 353


1- تهذيب الأحكام: ج6 ص154، كتاب الجهاد وسيرة الإمام (عليه السلام) ، باب70 سيرة الإمام، ح270/1.
2- بحار الأنوار: ج52 ص308، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح83.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص231، الباب 13، سيرته (عليه السلام) ، ح14.

ظهوره (عليه السلام) ، كما في الروايات.

ويستفاد من بعض الروايات، أن الإمام المهدي (عليه السلام) لا يبدأ بالقتال، وإنما الأعداء يبدؤونه بالحرب، فيقتلون أحد المسلمين، وبعد ذلك يقاتلهم الإمام (صلوات اللّه عليه)، ولما يسيطر عليهم يسير فيهم كسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم البصرة حيث عفا عنهم.

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «يقدم القائم (عليه السلام) حتى يأتي النجف، فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه والناس معه، وذلك يوم الأربعاء، فيدعوهم ويناشدهم حقه، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور ويقول: من حاجني في اللّه فأنا أولى الناس باللّه، إلى آخر ما تقدم من هذه.

فيقولون: ارجع من حيث شئت، لا حاجة لنا فيك، قد خبرناكم واختبرناكم، فيتفرقون من غير قتال، فإذا كان يوم الجمعة يعاود، فيجيء سهم فيصيب رجلاً من المسلمين فيقتله. فيقال: إن فلاناً قد قُتل. فعند ذلك ينشر راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر، فإذا زالت الشمس هبت الريح له، فيحمل عليهم هو وأصحابه، فيمنحهم اللّه أكتافهم ويولون، فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة، وينادي مناديه: ألا لاتتبعوا مولياً، ولا تجهزوا على جريح. ويسير بهم كما سار علي (عليه السلام) يوم البصرة»(1).

وفي رواية عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إذا بلغ السفياني أن القائم قد توجه إليه من ناحية الكوفة، يتجرد بخيله حتى يلقى القائم. فيخرج

ص: 354


1- بحار الأنوار: ج52 ص387، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح205.

فيقول: أخرجوا إليَّ ابن عمي. فيخرج عليه السفياني، فيكلمه القائم (عليه السلام) ، فيجيء السفياني فيبايعه، ثم ينصرف إلى أصحابه. فيقولون له: ما صنعت؟. فيقول: أسلمت وبايعت. فيقولون له: قبَّح اللّه رأيك، بينما أنت خليفة متبوع، فصرت تابعاً. فيستقبله فيقاتله، ثم يمسون تلك الليلة، ثم يصبحون للقائم (عليه السلام) بالحرب، فيقتتلون يومهم ذلك، ثم إن اللّه تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم، فيقتلونهم حتى يفنوهم»(1)، الخبر.

عن عبد اللّه بن عطاء، عن شيخ من الفقهاء - يعني أبا عبد اللّه (عليه السلام) - قال: سألته عن سيرة المهدي، كيف سيرته؟. قال: «يصنع ما صنع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً»(2).

شاب المنظر

عن الإمام الرضا (عليه السلام) : «إذا خرج - الإمام المهدي (عليه السلام) - يكون شيخ السن، شاب المنظر، يحسبه الناظر ابن أربعين سنة أو دونها، ولا يهرم بمرور الأيام والليالي عليه حتى يجيء أجله»(3).

قم يا ولي اللّه

عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن الصادق (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن

ص: 355


1- بحار الأنوار: ج52 ص388، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح206.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص230-231، الباب 13، سيرته (عليه السلام) ، ح13.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص465، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الرابع، الفصل الرابع.

علي (عليه السلام) ، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، إن قائمنا إذا خرج، يجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدد رجال بدر، فإذا حان وقت خروجه يكون له سيف مغمود، ناداه السيف: قم يا ولي اللّه، فاقتل أعداء اللّه»(1).

تراث الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

روي أن الإمام المهدي (عليه السلام) : «يخرج من المدينة إلى مكة بتراث رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سيفه، ودرعه، وعمامته، وبرده، ورايته، وقضيبه، وفرسه، ولامته، وسرجه. فيتقلد سيفه ذا الفقار، ويلبس درعه السابغة، وينشر رايته السحاب، ويلبس البردة، ويعتم بالعمامة، ويتناول القضيب بيده، ويستأذن اللّه في ظهوره»(2).

وعن يعقوب بن السراج، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : متى فرج شيعتكم؟. قال: فقال: «إذا اختلف ولد العباس، ووهى سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنتها، ورفع كل ذي صيصية صيصيته، وظهر الشامي وأقبل اليماني، وتحرك الحسني. وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

فقلت: ما تراث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟.

فقال: «سيف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ودرعه، وعمامته، وبرده، وقضيبه، وفرسه، ولأمته، وسرجه»(3).

ص: 356


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الأثني عشر: ص267، باب ما جاء عن جعفر بن محمد (عليه السلام) مما يوافق هذه الأخبار.
2- أعيان الشيعة: ج2 ص82، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، المكان الذي يخرج فيه.
3- الكافي: ج8 ص224-225، كتاب الروضة، حديث يأجوج ومأجوج، ح285.

25

أحداث الظهور

اخرج يا ولي اللّه

روي أن للإمام المهدي (عليه السلام) سيفاً مغمداً، فإذا حان وقت خروجه، اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه اللّه عز وجل، فناداه: اخرج يا ولي اللّه، فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه.

وله عَلَم إذا حان وقت خروجه، انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه اللّه عز وجل ونادى: اخرج يا ولي اللّه، فاقتل أعداء اللّه.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه سئل عن قول اللّه عز وجل: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}(1)؟. قال: «إن منا إماماً مستتراً، فإذا أراد اللّه عز ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه نكتةً، فظهر فقام بأمر اللّه عز وجل»(2).

وعن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأُبي بن كعب في وصف القائم (عليه السلام) : «إن اللّه تعالى ركَّب في صلب الحسن (عليه السلام) - أي الإمام العسكري (عليه السلام) - نطفةً مباركةً، زكيةً طيبةً، طاهرةً مطهرةً، يرضى بها كل مؤمن ممن قد أخذ اللّه ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كل جاحد. فهو إمام تقي نقي، سار

ص: 357


1- سورة المدثر: 8.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص187، الباب 10، فصل، ح40.

مرضي، هادٍ مهدي، يحكم بالعدل ويأمر به، يصدِّق اللّه عز وجل، ويصدِّقه اللّه في قوله، يخرج من تهامة، حين تظهر الدلائل والعلامات، وله كنوز لا ذهب ولا فضة، إلا خيول مطهمة، ورجال مسومة. يجمع اللّه له من أقاصي البلاد على عدة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة مختومة، فيها عدد أصحابه بأسمائهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم، كدادون مجدون في طاعته».

فقال له أُبي: وما دلائله وعلاماته يا رسول اللّه؟.

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «له عَلَم إذا حان وقت خروجه، انتشر ذلك العَلَم من نفسه، وأنطقه اللّه عز وجل، فناداه العلم: اخرج يا ولي اللّه فاقتل أعداء اللّه، وهما آيتان وعلامتان. وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه، اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه اللّه عز وجل، فناداه السيف: اخرج يا ولي اللّه، فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء اللّه. فيخرج ويقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم، ويقيم حدود اللّه، ويحكم بحكم اللّه، يخرج وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يسرته، وسوف تذكرون ما أقول لكم ولو بعد حين، وأفوض أمري إلى اللّه عز وجل. يا أُبي، طوبى لمن لقيه، وطوبى لمن أحبه، وطوبى لمن قال به، ينجيهم من الهلكة، وبالإقرار باللّه وبرسوله وبجميع الأئمة يفتح اللّه لهم الجنة، مثلهم في الأرض، كمثل المسك الذي يسطع ريحه، فلا يتغير أبداً، ومثلهم في السماء، كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبداً». قال أُبي: يا رسول اللّه، كيف حال بيان هؤلاء الأئمة عن اللّه عز وجل؟. قال: «إن اللّه تعالى أنزل عليَّ اثنتي عشرة صحيفةً، اسم كل إمام على خاتمه، وصفته في صحيفته»(1).

ص: 358


1- بحار الأنوار: ج52 ص309-311، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح4.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «ينادى باسم القائم: يا فلان بن فلان، قم»(1).

وعن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «ينادى باسم القائم (عليه السلام) ، فيؤتى وهو خلف المقام فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر. ثم يؤخذ بيده فيبايع». قال: وقال لي زرارة: (الحمد لله، قد كنا نسمع أن القائم (عليه السلام) يبايع مستكرهاً، فلم نكن نعلم وجه استكراهه، فعلمنا أنه استكراه لا إثم فيه)(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد، ولا عقد، ولا بيعة»(3).

وروي: أنه يكون في راية المهدي (عليه السلام) : «الرفعة لله عز وجل»(4).

الصيحة

عن محمد بن مسلم، قال: «ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (عليه السلام) ، فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولاقاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين»(5).

ص: 359


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص279، الباب 14، ح64.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص263-264، الباب 14، ح25.
3- الكافي: ج1 ص342، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح27.
4- بحار الأنوار: ج52 ص324، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح35.
5- كتاب الغيبة للطوسي: ص454، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .

الكل يراه عند الظهور

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) - قال المفضل: يا سيدي، ففي أي بقعة يظهر المهدي؟. قال (عليه السلام) : «لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه»(1).

جبرئيل يقدم فرس الإمام

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لعمته حكيمة (عليها السلام) : «فإن ولي اللّه يغيبه اللّه عن خلقه، ويحجبه عن عباده، فلا يراه أحد حتى يقدِّم له جبرئيل (عليه السلام) فرسه؛ {لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}(2)»(3).

وعن علي بن الحسين (عليه السلام) - في ذكر القائم (عليه السلام) في خبر طويل - قال: «فيجلس تحت شجرة سمرة، فيجيئه جبرئيل في صورة رجل من كلب فيقول: يا عبد اللّه، ما يجلسك هاهنا. فيقول: يا عبد اللّه، إني أنتظر أن يأتيني العشاء، فأخرج في دبره إلى مكة، وأكره أن أخرج في هذا الحر - قال - فيضحك، فإذا ضحك عرفه أنه جبرئيل - قال - فيأخذ بيده ويصافحه، ويسلم عليه، ويقول له: قم. ويجيئه بفرس يقال له: البراق. فيركبه ثم يأتي إلى جبل رضوى، فيأتي محمد وعلي (عليهما السلام) ، فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس، ثم يخرج إلى مكة، والناس يجتمعون بها - قال - فيقوم رجل منه فينادي: أيها الناس، هذا طلبتكم قد جاءكم، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - قال - فيقومون - قال - فيقوم هو بنفسه

ص: 360


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص216، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل التاسع والخمسون، ح800.
2- سورة الأنفال: 42 و44.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص237، الفصل 2.

فيقول: أيها الناس، أنا فلان بن فلان، أنا ابن نبي اللّه، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي اللّه. فيقومون إليه ليقتلوه، فيقوم ثلاثمائة وينيف على الثلاثمائة فيمنعونه منه، خمسون من أهل الكوفة، وسائرهم من أفناء الناس، لا يعرف بعضهم بعضاً، اجتمعوا على غير ميعاد»(1).

هكذا يظهر الإمام (عليه السلام)

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: قلت: يا سيدي، فمن يخاطبه ولمن يخاطب؟. قال الصادق (عليه السلام) : «تخاطبه الملائكة، والمؤمنون من الجن، ويخرج أمره ونهيه إلى ثقاته وولاته ووكلائه... ثم يظهر بمكة. وواللّهِ - يا مفضل - كأني أنظر إليه دخل مكة، وعليه بردة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعلا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المخصوفة، وفي يده هراوته (عليه السلام) ، يسوق بين يديه عنازاً عجافاً، حتى يصل بها نحو البيت، ليس ثم أحد يعرفه، ويظهر وهو شاب».

قال المفضل: يا سيدي، يعود شاباً أو يظهر في شيبة؟. فقال (عليه السلام) : «سبحان اللّه! وهل يعرف ذلك، يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء، إذا جاءه الأمر من اللّه تعالى مجده وجل ذكره».

قال المفضل: يا سيدي، فمن أين يظهر وكيف يظهر؟. قال (عليه السلام) : «يا مفضل، يظهر وحده، ويأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون، وغسق الليل، نزل إليه جبرئيل وميكائيل (عليه السلام) والملائكة

ص: 361


1- بحار الأنوار: ج52 ص306، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح79.

صفوفاً. فيقول له جبرئيل: يا سيدي، قولك مقبول وأمرك جائز. فيمسح (عليه السلام) يده على وجهه، ويقول: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(1)، ويقف بين الركن والمقام، فيصرخ صرخةً فيقول: يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي، ومن ذخرهم اللّه لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، ائتوني طائعين. فترد صيحته (عليه السلام) عليهم، وهم على محاريبهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها. فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر، حتى يكون كلهم بين يديه (عليه السلام) بين الركن والمقام. فيأمر اللّه عز وجل النور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء، فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور، وهم لايعلمون بظهور قائمنا أهل البيت (عليه السلام) ، ثم يصبحون وقوفاً بين يديه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، بعدة أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بدر».

قال المفضل: يا مولاي، يا سيدي، فاثنان وسبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين بن علي (عليه السلام) يظهرون معهم؟. قال: «يظهر منهم أبو عبد اللّه الحسين بن علي (عليه السلام) في اثني عشر ألفاً مؤمنين من شيعة علي (عليه السلام) ، وعليه عمامة سوداء»(2).

أول من يبايع الإمام (عليه السلام)

عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إذا أذن اللّه عزَّ اسمه للقائم في الخروج، صعد المنبر

ص: 362


1- سورة الزمر: 74.
2- بحار الأنوار: ج53 ص6-7، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

فدعا الناس إلى نفسه، وناشدهم باللّه، ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ويعمل فيهم بعمله. فيبعث اللّه جلَّ جلاله جبرئيل (عليه السلام) حتى يأتيه، فينزل على الحطيم، يقول: إلى أي شيء تدعو؟. فيخبره القائم (عليه السلام) فيقول جبرئيل: أنا أول من يبايعك، أبسط يدك. فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعونه، ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثم يسير منها إلى المدينة»(1).

وعن بكير بن أعين، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في وصف الحجر والركن الذي وضع فيه - قال (عليه السلام) : «ومن ذلك الركن يهبط الطير على القائم (عليه السلام) ، فأول من يبايعه ذلك الطير، وهو واللّه جبرئيل (عليه السلام) ، وإلى ذلك المقام يسند ظهره، وهو الحجة والدليل على القائم، وهو الشاهد لمن وافى ذلك المكان»(2).

وعن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «أول من يبايع القائم (عليه السلام) جبرئيل (عليه السلام) ، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلاً على بيت اللّه الحرام، ورجلاً على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}(3)»(4).

وفي رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -

ص: 363


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص382-383، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .
2- علل الشرائع: ج2 ص429-430، باب 164، ح1.
3- سورة النحل: 1.
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص671، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح18.

قال (عليه السلام) : «يا مفضل، يسند القائم (عليه السلام) ظهره إلى الحرم، ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء، ويقول: هذه يد اللّه، وعن اللّه، وبأمر اللّه - ثم يتلو هذه الآية -: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}(1)، الآية. فيكون أول من يُقبِّل يده جبرئيل (عليه السلام) ، ثم يبايعه، وتبايعه الملائكة، ونجباء الجن، ثم النقباء»(2).

قتل رسول الإمام (عليه السلام)

عن الإمام الباقر (عليه السلام) : «إن المهدي (عليه السلام) حينما يخرج، يبعث رجلاً من أصحابه إلى أهل مكة يدعوهم إلى نصرته، فيذبحونه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية»(3).

وقال الباقر (عليه السلام) : «... وقتل غلام من آل محمد بين الركن والمقام، اسمه: محمد بن الحسن النفس الزكية»(4).

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، إلى أن قال: «يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم، إن أهل مكة لا يريدونني، ولكني مرسل إليهم؛ لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم. فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول

ص: 364


1- سورة الفتح: 10.
2- بحار الأنوار: ج53 ص8، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
3- أعيان الشيعة: ج2 ص80، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، في علامات ظهور المهدي، 58.
4- بحار الأنوار: ج52 ص192، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح24.

له: امض إلى أهل مكة. فقل: يا أهل مكة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا، وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام، أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية. فإذا بلغ ذلك الإمام، قال لأصحابه: أ لا أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا. فلا يدعونه حتى يخرج، فيهبط من عقبة طوى، في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر، حتى يأتي المسجد الحرام، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثم يحمد اللّه ويثني عليه، ويذكر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويصلي عليه، ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس، فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل، ويقوم معهما رسول اللّه وأمير المؤمنين (عليهما السلام) ، فيدفعان إليه كتاباً جديداً، هو على العرب شديد بخاتم رطب، فيقولون له: اعمل بما فيه. ويبايعه الثلاثمائة، وقليل من أهل مكة، ثم يخرج من مكة حتى يكون في مثل الحلقة». قلت: وما الحلقة؟. قال: «عشرة آلاف رجل، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، ثم يهز الراية الجلية وينشرها، وهي راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) السحابة، ودرع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) السابغة، ويتقلد بسيف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذي الفقار»(1).

خروج الحسني

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: «ثم

ص: 365


1- بحار الأنوار: ج52 ص307، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح81.

يخرج الحسني، الفتى الصبيح، الذي نحو الديلم يصيح، بصوت له فصيح: يا آل أحمد، أجيبوا الملهوف. والمنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوز اللّه، بالطالقان، كنوز وأي كنوز، ليست من فضة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب. ولم يزل يقتل الظلمة، حتى يرد الكوفة، وقد صفا أكثر الأرض، فيجعلها له معقلاً، فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي (عليه السلام) ويقولون: يا ابن رسول اللّه، من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟. فيقول: اخرجوا بنا إليه، حتى ننظر من هو وما يريد. وهو واللّهِ يعلم أنه المهدي، وإنه ليعرفه؛ ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو. فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد، فأين هراوة جدك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع، وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟. فيخرج له ذلك، ثم يأخذ الهراوة، فيغرسها في الحجر الصلد وتورق؛ ولم يرد ذلك إلا أن يري أصحابه فضل المهدي (عليه السلام) حتّى يبايعوه. فيقول الحسني: اللّه أكبر، مد يدك يا ابن رسول اللّه حتى نبايعك»(1)، الحديث.

مع أهل مكة

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: فما يصنع بأهل مكة؟. قال: «يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه، ويستخلف فيهم رجلاً من أهل بيته، ويخرج يريد المدينة».

ص: 366


1- بحار الأنوار: ج53 ص15-16، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

قال المفضل: يا سيدي، فما يصنع بالبيت؟. قال: «ينقضه، فلا يدع منه إلا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم (عليه السلام) ، والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) منها، وإن الذي بني بعدهما، لم يبنه نبي ولا وصي، ثم يبنيه كما يشاء اللّه، وليعفين آثار الظالمين بمكة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم، وليهدمن مسجد الكوفة، وليبنينه على بنيانه الأول، وليهدمن القصر العتيق، ملعون ملعون من بناه».

قال المفضل: يا سيدي، يقيم بمكة؟. قال: «لا - يا مفضل - بل يستخلف منها رجلا من أهله. فإذا سار منها، وثبوا عليه فيقتلونه، فيرجع إليهم، فيأتونه مهطعين مقنعي رؤسهم، يبكون ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد، التوبة التوبة. فيعظهم وينذرهم ويحذرهم، ويستخلف عليهم منهم خليفةً ويسير، فيثبون عليه بعده فيقتلونه، فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء، ويقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشراً إلا من آمن. فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شيء، وأنا تلك الرحمة، لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين اللّه، وبيني وبينهم. فيرجعون إليهم، فو اللّه لا يسلم من المائة منهم واحد، لا واللّه ولا من ألف واحد»(1).

يا لثارات الحسين (عليه السلام)

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «له - أي للإمام المهدي (عليه السلام) - كنز بالطالقان، ما هو بذهب ولا فضة، وراية لم تنشر منذ طويت، ورجال كأن قلوبهم زبر

ص: 367


1- بحار الأنوار: ج53 ص11، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

الحديد، لا يشوبها شك في ذات اللّه، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدةً إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام (عليه السلام) ؛ يطلبون بذلك البركة، ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد، فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية اللّه مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل اللّه، شعارهم: يا لثارات الحسين. إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر اللّه إمام الحق»(1).

راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) ، أنه قال: «أبى اللّه إلا أن يخلف وقت الموقتين، وهي راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، نزل بها جبرئيل يوم بدر سير به - ثم قال - يا أبا محمد، ما هي واللّهِ من قطن، ولا كتان، ولا قز، ولا حرير». فقلت: من أي شيء هي؟. قال: «من ورق الجنة، نشرها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بدر، ثم لفها ودفعها إلى علي (عليه السلام) ، فلم تزل عند علي (عليه السلام) حتى كان يوم البصرة، فنشرها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ففتح اللّه عليه، ثم لفها وهي عندنا هناك، لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم (عليه السلام) ، فإذا قام نشرها، فلم يبق في المشرق والمغرب أحد إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، ووراءها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً - ثم قال - يا با محمد، إنه يخرج موتوراً، غضبان أسفاً؛

ص: 368


1- رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار: ج3 ص182، الفصل السادس، ح244.

لغضب اللّه على هذا الخلق. عليه قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) السابغة، وسيف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذو الفقار»(1)، الحديث.

وعن الثمالي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «يا ثابت، كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف على نجفكم هذا - وأومأ بيده إلى ناحية الكوفة - فإذا هو أشرف على نجفكم، نشر راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فإذا هو نشرها انحطت عليه ملائكة بدر». قلت: وما راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟. قال: «عمودها من عمد عرش اللّه ورحمته، وسائرها من نصر اللّه، لا يهوي بها إلى شيء إلا أهلكه اللّه». قلت: فمخبوءة هي عندكم حتى يقوم القائم (عليه السلام) ، أم يؤتى بها؟. قال: «لا، بل يؤتى بها». قلت: من يأتيه بها؟. قال: «جبرئيل (عليه السلام) »(2).

وربما كان نفي الراية عندهم تقيةً؛ حتى لا يطلبها السلاطين.

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «كأنني بالقائم (عليه السلام) على ظهر النجف، لابس درع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيتقلص عليه، ثم ينتفض بها فيستدير عليه، ثم يغشي الدرع بثوب إستبرق، ثم يركب فرساً له أبلق، بين عينيه شمراخ ينتفض به، لا يبقى أهل بلد إلا أتاهم نور ذلك الشمراخ، حتى يكون آيةً له، ثم ينشر راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب»(3).

ص: 369


1- بحار الأنوار: ج52 ص360-361، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح129.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص308-309، الباب 19، ح3.
3- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص74-75، اليوم الخامس عشر، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .

أهل الكهف

عند ما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) : يبعث اللّه أهل الكهف فيخرجون مع القائم (عليه السلام) لينصروه».

عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «يُخرج القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً: خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) .... وسبعة من أهل الكهف... فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً»(1).

امتحانات الظهور

هناك امتحانات صعبة قبل الظهور وحينه، يزل فيها الكثيرون، فلابد من الثبات على الإيمان.

في الروايات: إنه ينادي جبرئيل من السماء أول النهار: ألا أن الحق مع علي (عليه السلام) وشيعته. ثم ينادي إبليس من الأرض في آخر النهار: ألا أن الحق مع فلان (رجل من بني أمية) وشيعته.

وعن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «خروج القائم من المحتوم». قلت: وكيف يكون النداء؟. قال: «ينادي منادٍ من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشيعته. ثم ينادي إبليس في آخر النهار: ألا إن الحق في عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون»(2).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : «لابد من هذين الصوتين قبل خروج القائم: صوت

ص: 370


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص386، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص454، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .

جبرئيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض. فاتبعوا الأول، وإياكم والأخير أن تفتنوا به»(1).

وعن عبد اللّه بن سنان، قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيرونا، ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر. وكان متكئاً، فغضب وجلس، ثم قال: «لا ترووه عني، وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك. أشهد أني سمعت أبي (عليه السلام) يقول: واللّهِ، إن ذلك في كتاب اللّه عز وجل لبيِّن، حيث يقول: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(2)، فلا يبقى في الأرض يومئذٍ أحد إلا خضع، وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: أ لا إن الحق في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته. فإذا كان الغد صعد إبليس في الهواء، حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: أ لا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته، فإنه قتل مظلوماً، فاطلبوا بدمه - قال - ف- {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ}(3) على الحق، وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض، والمرض واللّهِ عداوتنا، فعند ذلك يتبرءون منا، ويتناولونا فيقولون: إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت - ثمّ تلا أبو عبد اللّه (عليه السلام) قول اللّه عز وجل -: {وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}(4)»(5).

ص: 371


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص254، الباب 14، ح13.
2- سورة الشعراء: 4.
3- سورة إبراهيم: 27.
4- سورة القمر: 2.
5- بحار الأنوار: ج52 ص292-293، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح40.

وعن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : عجبت - أصلحك اللّه - وإني لأعجب من القائم، كيف يُقاتل مع ما يرون من العجائب: من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الذي يكون من السماء؟!. فقال: «إن الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادى برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم العقبة»(1).

وعن عبد الرحمن بن مسلمة، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إن الناس يوبخونا ويقولون: من أين يعرف المحق من المبطل إذا كانتا؟. فقال: «ما تردون عليهم؟». قلت: فما نرد عليهم شيئاً. قال: فقال: «قولوا لهم: يصدِّق بها إذا كانت، من كان مؤمناً بها قبل أن تكون، قال اللّه عز وجل: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(2)»(3).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن أصحاب موسى ابتلوا بنهر، وهو قول اللّه عز وجل: {إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ}(4)، وإن أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك»(5).

وعن المفضل، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) وقد ذكر القائم (عليه السلام) ، فقلت: إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة. فقال: «لا يكون ذلك حتى تمسحوا العرق والعلق»(6).

ص: 372


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص265، الباب 14، ح29.
2- سورة يونس: 35.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص266، الباب 14، ح32.
4- سورة البقرة: 249.
5- كتاب الغيبة للطوسي: ص472، الفصل 8.
6- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص166، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل السابع والعشرون، ح525.

وعن معمر بن خلاد، قال: ذكر القائم عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) . فقال: «أنتم اليوم أرخى بالاً منكم يومئذٍ».

قالوا: وكيف؟.

قال: «لو قد خرج قائمنا (عليه السلام) لم يكن إلا العلق والعرق، والنوم على السروج، وما لباس القائم (عليه السلام) إلا الغليظ، وما طعامه إلا الجشب»(1).

والظاهر أن العلق والعرق في بدو ظهوره، أما عند استقرار أمره فتعم النعم على البشرية. واللبس الغليظ والطعام الجشب، هو زهده الشخصي دون سائر الناس.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا خرج القائم، خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله، ودخل في سنة عبدة الشمس والقمر»(2).

وقال المفضل للإمام الصادق (عليه السلام) : يا مولاي، فكيف بدء ظهور المهدي (عليه السلام) وإليه التسليم؟. قال (عليه السلام) : «يا مفضل، يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره، ويظهر أمره، وينادى باسمه وكنيته ونسبه، ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين، والموافقين والمخالفين؛ لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، على أنه قد قصصنا ودللنا عليه، ونسبناه وسميناه وكنيناه، وقلنا سمِّي جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكنيه؛ لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسماً ولا كنيةً ولا نسباً. واللّهِ ليتحقق الإيضاح به وباسمه ونسبه وكنيته على ألسنتهم، حتى ليسميه بعضهم لبعض، كل ذلك للزوم الحجة عليهم، ثم يظهره اللّه كما وعد به جده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قوله عز

ص: 373


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص285، الباب 15، ح5.
2- بحار الأنوار: ج52 ص363-364، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح137.

وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(1)»(2).

وفي رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) - قال (عليه السلام) : «فإذا طلعت الشمس وأضاءت، صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين، يسمع من في السماوات والأرضين: يا معشر الخلائق، هذا مهدي آل محمد. ويسميه باسم جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويكنيه، وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي (صلوات اللّه عليهم)، بايعوه تهتدوا، ولا تخالفوا أمره فتضلوا. فأول من يقبِّل يده الملائكة، ثم الجن، ثم النقباء، ويقولون: سمعنا وأطعنا. ولا يبقى ذو أذن من الخلائق إلا سمع ذلك النداء، وتقبل الخلائق من البدو والحضر والبر والبحر يحدِّث بعضهم بعضاً، ويستفهم بعضهم بعضاً ما سمعوا بآذانهم. فإذا دنت الشمس للغروب، صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلائق، قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين، وهو عثمان بن عنبسة الأموي، من ولد يزيد بن معاوية، فبايعوه تهتدوا، ولا تخالفوا عليه فتضلوا. فيرد عليه الملائكة والجن والنقباء قوله ويكذبونه، ويقولون له: سمعنا وعصينا. ولا يبقى ذو شك، ولا مرتاب، ولا منافق، ولا كافر، إلا ضل بالنداء الأخير»(3).

ص: 374


1- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.
2- بحار الأنوار: ج53 ص3-4، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
3- بحار الأنوار: ج53 ص8-9، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

نجف الكوفة

عن الثمالي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) قد ظهر على نجف الكوفة، فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعمودها من عمد عرش اللّه تعالى، وسائرها من نصر اللّه عز وجل، لاتهوي بها إلى أحد إلا أهلكه اللّه تعالى». قال: قلت: أوتكون معه أو يؤتى بها؟. قال: «بل يؤتى بها، يأتيه بها جبرئيل (عليه السلام) »(1).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، قال: «كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة، قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد»(2).

وعن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة، وقد لبس درع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فينتفض هو بها فتستدير عليه، فيغشاها بخداجة من إستبرق، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ، فينتفض به انتفاضةً، لا يبقى أهل بلاد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم، فينشر راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، عمودها من عمود العرش، وسائرها من نصر اللّه، لا يهوي بها إلى شيء أبداً إلا أهلكه اللّه، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى مؤمن ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حيث يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام

ص: 375


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص672، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح23.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص379-380، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل مسيرة الإمام المهدي (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة واستقراره بها.

القائم (عليه السلام) ، فينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً». قلت: كل هؤلاء الملائكة!. قال: «نعم، الذين كانوا مع نوح (عليه السلام) في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم (عليه السلام) حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى (عليه السلام) حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى (عليه السلام) حين رفعه اللّه إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مسومين، وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاث عشرة ملائكةً بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي (عليه السلام) ، فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له: منصور. فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلا شيعوه، ولا يمرض مريض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته، وكل هؤلاء في الأرض، ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه (عليه السلام) »(1).

هلاك جيش السفياني

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: «ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام، فتكتب في وجه المؤمن: مؤمن، وفي وجه الكافر: كافر. ثم يقبل على القائم (عليه السلام) رجل وجهه إلى قفاه، وقفاه إلى صدره، ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي، أنا بشير، أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك، وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء. فيقول له القائم (عليه السلام) : بيِّن قصتك وقصة أخيك. فيقول الرجل: كنت وأخي في جيش السفياني، وخربنا الدنيا من دمشق

ص: 376


1- بحار الأنوار: ج52 ص328-329، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح48.

إلى الزوراء، وتركناها جماء، وخربنا الكوفة، وخربنا المدينة، وكسرنا المنبر، وراثت بغالنا في مسجد رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وخرجنا منها وعددنا ثلاثمائة ألف رجل، نريد إخراب البيت وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرَّسنا فيها، فصاح بنا صائح: يا بيداء، أبيدي القوم الظالمين. فانفجرت الأرض، وابتلعت كل الجيش. فو اللّهِ ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه، غيري وغير أخي، فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا، فصارت إلى ورائنا كما ترى. فقال لأخي: ويلك - يا نذير - امض إلى الملعون السفياني بدمشق، فأنذره بظهور المهدي من آل محمد (عليه السلام) وعرِّفه أن اللّه قد أهلك جيشه بالبيداء. وقال لي: يا بشير، الحق بالمهدي بمكة، وبشره بهلاك الظالمين، وتب على يده، فإنه يقبل توبتك. فيمر القائم (عليه السلام) يده على وجهه، فيرده سوياً كما كان، ويبايعه ويكون معه»(1).

ذخيرة الأنبياء (عليهم السلام)

عن الإمام الباقر (عليه السلام) ، عن آبائه (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، قال: قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) ، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(2).

نزول النبي عيسى (عليه السلام)

عندما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) ، ينزل النبي عيسى (عليه السلام) من السماء، ويقتدي

ص: 377


1- بحار الأنوار: ج53 ص10، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص287-288، الباب25 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح5.

بالإمام (عليه السلام) في الصلاة.

عن الإمام الباقر (عليه السلام) - في حديث -: «وينزل روح اللّه عيسى ابن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه»(1)، أي خلف القائم.

وفي رواية: «يصلي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام) ، ويساعد عيسى على قتل الدجال بباب لد»(2).

وقال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»(3).

وعن جابر بن عبد اللّه، قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «... فينزل عيسى ابن مريم (عليه السلام) ، فيقول أميرهم: تعال صلِّ بنا. فيقول: أ لا إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة من اللّه لهذه الأمة»(4).

قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «أ لا أريك قميص القائم الذي يقوم عليه». فقلت: بلى. فدعا بقمطر ففتحه، وأخرج منه قميص كرابيس فنشره، فإذا في كمه الأيسر دم. فقال: «هذا قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، الذي عليه يوم ضربت رباعيته، وفيه يقوم القائم». فقبَّلت الدم، ووضعته على وجهي، ثم طواه أبو عبد اللّه (عليه السلام) ورفعه(5).

ص: 378


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص463، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الرابع، الفصل الثالث.
2- أعيان الشيعة: ج2 ص45، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، صفته في أخلاقه.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص438، ذكر الإمام الثاني عشر، وأما ما ورد عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المهدي من الأحاديث الصحيحة.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص479، ذكر الإمام الثاني عشر، الباب السابع.
5- كتاب الغيبة للنعماني: ص243، الباب 13، في صفة قميصه (عليه السلام) ، ح42.

دخول الكوفة

في الرواية: إن الإمام المهدي (عليه السلام) يدخل الكوفة بها ثلاث رايات قد اضطربت، وتصفو له، ويدخل حتى يأتي المنبر، فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية، سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك. ثم يسير من الكوفة إلى الشام، والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة، فيلتقون ويقتل السفياني ومن معه، حتى لا يدرك منهم مخبر(1).

هدم مسجد يزيد

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: يا مولاي، ثم ما ذا يكون؟. قال: «يأتي القائم (عليه السلام) - بعد أن يطأ شرق الأرض وغربها - الكوفة ومسجدها، ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية (لعنه اللّه) لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) ، وهو مسجد ليس لله، ملعون ملعون من بناه»(2).

إحراق اللات والعزى

روي عن الإمام الجواد (عليه السلام) : «إن الإمام المهدي (عليه السلام) لا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضي اللّه... ويخرج اللات والعزى فيحرقهما»(3).

ص: 379


1- أعيان الشيعة: ج2 ص82، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، ذكر السنة التي يخرج فيها المهدي.
2- بحار الأنوار: ج53 ص34، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
3- أعيان الشيعة: ج2 ص82، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، ذكر السنة التي يخرج فيها المهدي.

وعن بشير النبال، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «هل تدري أول ما يبدأ به القائم (عليه السلام) ». قلت: لا. قال: «يخرج هذين رطبين غضين، فيحرقهما ويذريهما في الريح، ويكسر المسجد - ثم قال - إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: عريش كعريش موسى (عليه السلام) ». وذكر أن مقدم مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان طيناً وجانبه جريد النخل(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا قدم القائم (عليه السلام) ، وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر، فيبعث اللّه تعالى ريحاً شديدةً وصواعق ورعوداً، حتّى يقول الناس: إنما ذا لذا. فيتفرق أصحابه عنه، حتى لا يبقى معه أحد، فيأخذ المعول بيده، فيكون أول من يضرب بالمعول، ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضرب المعول بيده، فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه فيهدمون الحائط، ثم يخرجهما غضين رطبين، فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما، ثم ينزلهما ويحرقهما، ثم يذريهما في الريح»(2).

وروي أنه (عليه السلام) : «إذا خرج، لا يبقى في الأرض معبود دون اللّه عز وجل من صنم ووثن وغيره، إلا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة؛ ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب، ويؤمن به»(3).

وعن عبد الرحيم القصير، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) : «أ ما لو قام قائمنا، لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة (عليه السلام) منها». قلت: جعلت فداك، ولِمَ يجلدها الحد؟. قال: «لفريتها على أم إبراهيم».

ص: 380


1- بحار الأنوار: ج52 ص386، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 ح200.
2- رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار: ج3 ص207، الفصل السادس، فائدة، ح302.
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص331، الباب32، ح16.

قلت: فكيف أخره اللّه للقائم (عليه السلام) ؟. فقال له: «إن اللّه تبارك وتعالى بعث محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رحمةً، وبعث القائم (عليه السلام) نقمةً»(1).

أي: نقمة على الأعداء الذين لا يهتدون.

وفي تفسير القمي: عن أبي بصير في قوله: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ}(2)، قال: «ما له قوة يقوى بها على خالقه، ولا ناصر من اللّه ينصره إن أراد به سوءاً». قلت: إنهم يكيدون كيداً؟. قال: «كادوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكادوا علياً (عليه السلام) ، وكادوا فاطمة (عليه السلام) ، فقال اللّه: يا محمد، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ}. يا محمد، {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}(3) لوقت بعث القائم (عليه السلام) ، فينتقم لي من الجبارين، والطواغيت من قريش، وبني أمية، وسائر الناس»(4).

محاكمة الجبت والطاغوت

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: يا سيدي، ثم يسير المهدي (عليه السلام) إلى أين؟. قال (عليه السلام) : «إلى مدينة جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب، يظهر فيه سرور المؤمنين، وخزي الكافرين».

قال المفضل: يا سيدي، ما هو ذاك؟. قال: «يرد إلى قبر جده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فيقول: يا معاشر الخلائق، هذا قبر جدي رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد. فيقول: ومن معه في القبر؟. فيقولون: صاحباه وضجيعاه فلان وفلان. فيقول -

ص: 381


1- علل الشرائع: ج2 ص579-580، الباب 385، ح10.
2- سورة الطارق: 10.
3- سورة الطارق: 15-17.
4- تفسير القمي: ج2 ص416، سورة الطارق، الآيات 5 إلى 17.

وهو أعلم بهما والخلائق كلهم جميعاً يسمعون -: من فلان وفلان، وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعسى المدفون غيرهما؟. فيقول الناس: يا مهدي آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ما هاهنا غيرهما، إنهما دفنا معه؛ لأنهما خليفتا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبوا زوجتيه. فيقول للخلق بعد ثلاث: أخرجوهما من قبريهما. فيخرجان غضين طريين، لم يتغير خلقهما، ولم يشحب لونهما. فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟. فيقولون: نعرفهما بالصفة، وليس ضجيعا جدك غيرهما. فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟. فيقولون: لا. فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام، ثم ينتشر الخبر في الناس، ويحضر المهدي (عليه السلام) ، ويكشف الجدران عن القبرين، ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما وانبشوهما. فيبحثون بأيديهم حتى يصلون إليهما، فيخرجان غضين طريين كصورتهما، فيكشف عنهما أكفانهما، ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة، فيصلبهما عليها، فتحيا الشجرة وتورق، ويطول فرعها. فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا واللّه الشرف حقاً، ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما، ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما، فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما.

وينادي منادي المهدي (عليه السلام) : كل من أحب صاحبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وضجيعيه، فلينفرد جانباً. فتتجزأ الخلق جزءين: أحدهما موال، والآخر متبرئ منهما. فيعرض المهدي (عليه السلام) على أوليائهما البراءة منهما. فيقولون: يا مهدي آل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، نحن لم نتبرأ منهما، ولسنا نعلم أن لهما عند اللّه وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، أ نتبرأ الساعة منهما! وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت، من نضارتهما وغضاضتهما، وحياة الشجرة بهما، بل واللّهِ نتبرأ منك وممن آمن بك، ومن لا يؤمن بهما، ومن صلبهما وأخرجهما، وفعل بهما ما فعل.

ص: 382

فيأمر المهدي (عليه السلام) ريحاً سوداء، فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية، ثم يأمر بإنزالهما، فينزلان إليه، فيحييهما بإذن اللّه تعالى، ويأمر الخلائق بالاجتماع، ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور، حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم (عليه السلام) ، وجمع النار لإبراهيم (عليه السلام) وطرح يوسف (عليه السلام) في الجب، وحبس يونس (عليه السلام) في الحوت، وقتل يحيى (عليه السلام) ، وصلب عيسى (عليه السلام) ، وعذاب جرجيس ودانيال (عليه السلام) ، وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لإحراقهم بها، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة (عليها السلام) بالسوط، ورفس بطنها، وإسقاطها محسناً، وسم الحسن (عليه السلام) ، وقتل الحسين (عليه السلام) ، وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره، وسبي ذراري رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإراقة دماء آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكل دم سفك، وكل فرج نكح حراماً، وكل رين وخبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغشم، منذ عهد آدم (عليه السلام) إلى وقت قيام قائمنا (عليه السلام) ، كل ذلك يعدده (عليه السلام) عليهما ويلزمهما إياه. فيعترفان به، ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر، ثم يصلبهما على الشجرة، ويأمر ناراً تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة، ثم يأمر ريحاً فتنسفهما في اليم نسفاً».

قال المفضل: يا سيدي، ذلك آخر عذابهما؟. قال: «هيهات يا مفضل، واللّهِ ليردن وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والصديق الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) ، وكل من محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً، وليقتصن منهما لجميعهم، حتى إنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة، ويردان إلى ما شاء ربهما»(1).

ص: 383


1- بحار الأنوار: ج53 ص12-14، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)

عن الهروي، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه، ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) ، أنه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها؟. فقال (عليه السلام) : «هو كذلك». فقلت: وقول اللّه عز وجل: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(1) ما معناه؟. قال: «صدق اللّه في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه. ولو أن رجلاً قتل بالمشرق، فرضي بقتله رجل بالمغرب، لكان الراضي عند اللّه عز وجل شريك القاتل؛ وإنما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم»(2).

سراق الكعبة

عن سدير الصيرفي، عن رجل من أهل الجزيرة، كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية، وجاء بها إلى مكة. قال: فلقيت الحجبة، فأخبرتهم بخبرها، وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها، إلا قال: جئني بها، وقد وفى اللّه نذرك. فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة، فقال لي: تأخذ عني. فقلت: نعم. فقال: انظر الرجل الذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) ، فأته فأخبره بهذا الأمر، فانظر ما يقول لك فاعمل به. فأتيته فقلت: رحمك اللّه- إني رجل من

ص: 384


1- سورة الأنعام: 164، سورة الإسراء: 15، سورة فاطر: 18، سورة الزمر: 7.
2- علل الشرائع: ج1 ص229، الباب 164، ح1.

أهل الجزيرة، ومعي جارية جعلتها عليَّ نذراً لبيت اللّه في يمين كانت عليَّ، وقد أتيت بها، وذكرت ذلك للحجبة، وأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلا قال: جئني بها، وقد وفى اللّه نذرك. فدخلني من ذلك وحشة شديدة.

فقال: «يا عبد اللّه، إن البيت لا يأكل ولا يشرب، فبع جاريتك، واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت، فمن عجز منهم عن نفقة، فأعطه حتى يقوى على العود إلى بلادهم». ففعلت ذلك، ثم أقبلت لا ألقى أحداً من الحجبة، إلا قال: ما فعلت بالجارية؟. فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر (عليه السلام) ، فيقولون: هو كذاب جاهل لا يدري ما يقول. فذكرت مقالتهم لأبي جعفر (عليه السلام) ، فقال: «قد بلغتني، تبلغ عني؟.». فقلت: نعم. فقال: «قل لهم: قال لكم أبو جعفر: كيف بكم لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة، ثم يقال لكم نادوا: نحن سراق الكعبة. فلما ذهبت لأقوم قال: «إنني لست أنا أفعل ذلك، وإنما يفعله رجل مني»(1).

وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال: «أما إن قائمنا (عليه السلام) لو قد قام، لأخذهم - بني شيبة - وقطع أيديهم، وطاف بهم وقال: هؤلاء سراق اللّه»(2).

وعن الهروي، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : ... بأي شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟. قال: «يبدأ ببني شيبة، فيقطع أيديهم؛ لأنّهم سراق بيت اللّه عز وجل»(3).

جهلة الناس

عن الفضيل، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن قائمنا إذا قام، استقبل

ص: 385


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص236، الباب 13، سيرته (عليه السلام) ، ح25.
2- الكافي: ج4 ص243، كتاب الحج، باب ما يهدى إلى الكعبة، ح4.
3- علل الشرائع: ج1 ص229، الباب 164، ح1.

من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من جهال الجاهلية». فقلت: وكيف ذلك؟. قال: «إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب اللّه ويحتج عليه به - ثم قال - أ ما واللّه ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم، كما يدخل الحر والقر»(1).

وعن الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر، لقي من الناس مثل ما لقي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأكثر»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن القائم (عليه السلام) يلقى في حربه ما لم يلق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؛ لأن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب اللّه، ويقاتلونه عليه»(3).

من يحارب الإمام (عليه السلام)

عن يعقوب السراج، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «ثلاث عشرة مدينةً وطائفةً يحارب القائم أهلها ويحاربونه: أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أمية، وأهل البصرة، وأهل دشت ميسان، والأكراد، والأعراب، وضبة، وغني، وباهلة، وأزد البصرة، وأهل الري»(4).

ص: 386


1- بحار الأنوار: ج52 ص362، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح131.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص297، الباب 17، ح2.
3- بحار الأنوار: ج52 ص362-363، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح133.
4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص167، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل السابع والعشرون، ح529.

وهذا لا يعني أن كلهم من أعداء الإمام، بل فيهم من يحاربه (عليه السلام) .

وعن ابن أبي يعفور، قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) - وعنده نفر من أصحابه - فقال لي: «يا ابن أبي يعفور، هل قرأت القرآن؟». قال: قلت: نعم، هذه القراءة. قال: «عنها سألتك، ليس عن غيرها». قال: فقلت: نعم جعلت فداك، ولِمَ؟. قال: «لأن موسى (عليه السلام) حدَّث قومه بحديث لم يحتملوه عنه، فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه، فقاتلهم فقتلهم. ولأن عيسى (عليه السلام) حدَّث قومه بحديث، فلم يحتملوه عنه، فخرجوا عليه بتكريت فقاتلوه، فقاتلهم فقتلهم، وهو قول اللّه عز وجل: {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}(1)، وإنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه، فيقاتلكم فيقتلكم، وهي آخر خارجة يكون»(2).

مع النواصب

عن سلام بن المستنير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدِّث: «إذا قام القائم (عليه السلام) عرض الإيمان على كل ناصب، فإن دخل فيه بحقيقة، وإلا ضرب عنقه، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه الهميان، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد»(3).

ص: 387


1- سورة الصف: 14.
2- الزهد: ص104، باب19 أحاديث الجنة والنار، ح286.
3- الكافي: ج8 ص227، كتاب الروضة، حديث يأجوج ومأجوج، ح288.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قال لي: «يا أبا محمد، كأني أرى نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة بأهله وعياله». قلت: يكون منزله جعلت فداك؟. قال: «نعم، كان فيه منزل إدريس (عليه السلام) ، وكان منزل إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) ، وما بعث اللّه نبياً إلا وقد صلى فيه، وفيه مسكن الخضر (عليه السلام) ، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه». قلت: جعلت فداك، لا يزال القائم فيه أبداً؟. قال: «نعم». قلت: فمن بعده؟. قال: «هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق». قلت: فما يكون من أهل الذمة عنده؟. قال: «يسالمهم كما سالمهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون». قلت: فمن نصب لكم عداوةً؟. فقال: «لا - يا با محمد - ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب. إن اللّه قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك، فلا يغرنك أحد إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين»(1).

أمر جديد

عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء»(2).

وهناك روايات يستفاد منها أن الإمام (عليه السلام) يدعو إلى إسلام جديد، ويراد به ما

ص: 388


1- بحار الأنوار: ج52 ص376، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح177.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص320-321، الباب 22، ح1.

هو الجديد على الناس، حيث غيروا الدين ولم يبق من معالمه إلا القليل، فلما يأتي الإمام بالإسلام النبوي الشريف يزعمون أنه إسلام جديد، وإلا فالدين نفس الدين، والإسلام نفس الإسلام، كما ورد أن: «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة»(1).

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر، فضلّ عنه الجمهور»(2).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء». فقلت: اشرح لي هذا أصلحك اللّه؟. فقال: «يستأنف الداعي منا دعاءً جديداً، كما دعا رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(3).

ص: 389


1- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى اللّه عليهم): ج1 ص148، باب13 آخر فيه أمر الكتب، ح7.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص383، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص321، الباب 22، ح2.

26

مكان الظهور

يظهر من الروايات الشريفة، أن الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) سيظهر بإذن اللّه تعالى في مكة المكرمة، ويقف بجوار الكعبة بين الركن والمقام، وينادي: «{بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(1) - ثم يقول - أنا بقية اللّه في أرضه»(2).

ويقول: «ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم، ألا يا أهل العالم أنا الصمصام المنتقم، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (عليه السلام) قتلوه عطشاناً، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (عليه السلام) طرحوه عرياناً، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (عليه السلام) سحقوه عدواناً»(3).

وذلك بعد خروج السفياني من وادي اليابس بفلسطين، وسيطرته على دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب وقنسرين، وخروج الأصهب والأبقع بالشام يطلبان الملك فيقتلهما السفياني، ثم لا يكون للسفياني همة إلا آل محمد وشيعتهم، فيبعث جيشين: أحدهما إلى المدينة، والآخر إلى العراق.

ص: 390


1- سورة هود: 86.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج1 ص331، الباب32 من أبواب ذكر النصوص الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليه السلام) حول وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح16.
3- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج2 ص233، الغصن التاسع.

أما جيش المدينة، فيأتي إليها والمهدي (عليه السلام) بها وينهبها ثلاثاً، فيخرج المهدي إلى مكة، فيبعث أمير جيش السفياني خلفه جيشاً إلى مكة، فيُخسف بهم في البيداء.

وأما جيش العراق، فيأتي الكوفة ويصيب من شيعة آل محمد قتلاً وصلباً وسبياً، ويخرج من الكوفة متوجهاً إلى الشام، فتلحقه راية هدى من الكوفة فتقتله كله، وتستنقذ ما معه من السبي والغنائم.

والإمام المهدي (عليه السلام) بعد أن يصل إلى مكة، يجتمع عليه أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل البدر، فإذا اجتمعت له هذه العدة أظهر أمره، فينتظر بهم يومه بذي طوى، ويبعث رجلاً من أصحابه إلى أهل مكة يدعوهم، فيذبحونه بين الركن والمقام وهو النفس الزكية، فيبلغ ذلك المهدي (عليه السلام) ، فيهبط بأصحابه من عقبة ذي طوى حتى يأتي المسجد الحرام، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ويخطب في الناس، ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد.

ص: 391

27

خطبة الإمام (عليه السلام) عند الظهور

اشارة

ثم إن الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يظهر، يقف بين الركن والمقام، ويسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً، ويقول: «يا أيها الناس، إنا نستنصر اللّه ومن أجابنا من الناس - أو: وكل مسلم - على من ظلمنا، وإنا أهل بيت نبيكم محمد، ونحن أولى الناس باللّه وبمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين. أ ليس اللّه يقول في محكم كتابه: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1). أ لا ومن حاجني في كتاب اللّه فأنا أولى الناس بكتاب اللّه، أ لا ومن حاجني في سنة رسول اللّه فأنا أولى الناس بسنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).

فيبايعه أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر بين الركن والمقام، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف خرج بهم من مكة.

ص: 392


1- سورة آل عمران: 33-34.
2- بحار الأنوار: ج52 ص238-239، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح105.

وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في رواية -: «فيقوم القائم بين الركن والمقام، فيصلي وينصرف ومعه وزيره. فيقول: يا أيها الناس، إنا نستنصر اللّه على من ظلمنا وسلب حقنا، من يحاجنا في اللّه فإنا أولى باللّه، ومن يحاجنا في آدم فإنا أولى الناس بآدم، ومن حاجنا في نوح فإنا أولى الناس بنوح، ومن حاجنا في إبراهيم فإنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجنا بمحمد فإنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجنا في النبيين فنحن أولى الناس بالنبيين، ومن حاجنا في كتاب اللّه فنحن أولى الناس بكتاب اللّه، إنا نشهد وكل مسلم اليوم، أنا قد ظُلمنا وطُردنا وبُغي علينا، وأخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقُهرنا، إلا أنا نستنصر اللّه اليوم وكل مسلم»(1).

وفي رواية: «ثم يرفع يديه إلى السماء، فيدعو ويتضرع حتى يقع على وجهه، وهو قوله عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}(2)»(3).

وفي رواية: يقول (عليه السلام) : «فأنا بقية آدم، وخيرة نوح، ومصطفى إبراهيم، وصفوة محمد. أ لا ومن حاجني في كتاب اللّه فأنا أولى الناس بكتاب اللّه، أ لا ومن حاجني في سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأنا أولى النّاس بسنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسيرته. وأنشد اللّه من سمع كلامي لما يبلغ الشاهد الغائب»(4).

ص: 393


1- بحار الأنوار: ج52 ص223، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح87.
2- سورة النمل: 62.
3- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص399، سورة النمل، آية 62.
4- بحار الأنوار: ج52 ص305-306، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح78.

وارث الأنبياء و الأئمة

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال (عليه السلام) : «... وسيدنا القائم (عليه السلام) مسند ظهره إلى الكعبة، ويقول: يا معشر الخلائق، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا ذا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام فها أنا ذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل، ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنا ذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين (صلوات اللّه عليهما) فها أنا ذا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) فها أنا ذا الحسن والحسين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) فها أنا ذا الأئمة (عليهم السلام) . أجيبوا إلى مسألتي؛ فإني أنبئكم بما نبئتم به وما لم تنبئوا به. ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني.

ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها اللّه على آدم وشيث (عليه السلام) ، ويقول أمة آدم وشيث هبة اللّه: هذه واللّه هي الصحف حقّاً، ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها، وما كان خفي علينا، وما كان أسقط منها وبدِّل وحرِّف.

ثم يقرأ صحف نوح، وصحف إبراهيم، والتوراة، والإنجيل، والزبور، فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه واللّهِ صحف نوح وإبراهيم (عليهما السلام) حقاً وما أسقط منها وبدِّل وحرِّف منها. هذه واللّهِ التوراة الجامعة، والزبور التام، والإنجيل الكامل، وإنها أضعاف ما قرأنا منها.

ثم يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا واللّهِ القرآن حقاً، الذي أنزله اللّه على

ص: 394

محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما أسقط منه وحرِّف وبدِّل»، الحديث(1).

الكتاب المختوم

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «كأني بالقائم (عليه السلام) على منبر الكوفة عليه قباء، فيخرج من وريان قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، فيفكه فيقرؤه على الناس، فيجفلون عنه إجفال الغنم، فلم يبق إلا النقباء، فيتكلم بكلام، فلا يلحقون ملجأً حتى يرجعوا إليه، وإني لأعرف الكلام الذي يتكلم به»(2).

ص: 395


1- بحار الأنوار: ج53 ص9، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- الكافي: ج8 ص167، كتاب الروضة، حديث الناس يوم القيامة، ح185.

28

مدة حكم الإمام (عليه السلام)

كم سنة يحكم الإمام المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره الشريف؟.

علم ذلك عند اللّه عز وجل، فإنه (صلوات اللّه عليه) يملك ما شاء اللّه، والروايات في مدة حكمه مختلفة.

قيل يملك: ست سنين، أو سبعاً، أو ثماناً، أو تسعاً، وقيل أكثر. والظاهر أن هذه الروايات تشير إلى بعض سنيّ حكمه، والعدد لا مفهوم له كما في علم الأصول، مضافاً إلى أن السنة من سنيه مقدار عشر سنين أو أكثر من السنين العادية.

وفي بعض الروايات، أنه (عليه السلام) يحكم أكثر من ثلاثمائة سنة(1).

عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : كم يملك القائم؟. قال: «سبع سنين، يكون سبعين سنةً من سنيكم هذه»(2).

وعن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن القائم (عليه السلام) يملك تسع عشرة سنةً وأشهراً»(3).

ص: 396


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص464، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الرابع، الفصل الثالث.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص474، الفصل 8.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص332، الباب 26، ح4.

وفي رواية: «يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً. فطوبى لمن أدرك أيامه، وسمع كلامه»(1).

وفي رواية: «أنه (عليه السلام) يملك ثلاثمائة وتسع سنين»(2).

عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إن القائم (عليه السلام) يملك ثلاثمائة وتسع سنين، كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح اللّه له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس(3) حتى لا يبقى إلا دين محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، يسير بسيرة سليمان بن داود، ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض، ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر اللّه»(4).

وهذا الوحي غير وحي النبوة كما ورد في الروايات(5).

ص: 397


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص145، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل العشرون، ح413.
2- بحار الأنوار: ج52 ص291، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح34.
3- أي المعاندين منهم وهم قلة، فإن أكثر الناس يسلمون ويؤمنون عند مشاهدة المعاجز الكثيرة على يد الإمام (عليه السلام) .
4- سرور أهل الإيمان في علامات ظهور صاحب الزمان: ص113، علامات ظهور القائم (عليه السلام) .
5- عن أبي الجارود، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك، أخبرني عن صاحب هذا الأمر؟. قال: «يمسي من أخوف الناس، ويصبح من آمن الناس, يوحى إليه هذا الأمر ليله ونهاره». قال: قلت: يوحى إليه يا با جعفر؟. قال: «يا با جارود، إنه ليس وحي نبوة، ولكنه يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران، وإلى أم موسى، وإلى النحل. يا با الجارود، إن قائم آل محمّد لأكرم عند اللّه من مريم بنت عمران، وأم موسى، والنحل». راجع بحار الأنوار: ج52 ص389، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح209.

وفي رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: يا مولاي، فكم تكون مدة ملكه (عليه السلام) ؟. فقال: «قال اللّه عز وجل: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}(1). والمجذوذ المقطوع، أي عطاءً غير مقطوع عنهم، بل هو دائم أبداً، وملك لا ينفد، وحكم لا ينقطع، وأمر لا يبطل، إلا باختيار اللّه ومشيته وإرادته التي لا يعلمها إلا هو، ثم القيامة وما وصفه اللّه عز وجل في كتابه»(2).

ص: 398


1- سورة هود: 105-108.
2- بحار الأنوار: ج53 ص34-35، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

29

مسكن الإمام (عليه السلام)

ستكون الكوفة المقدسة مسكن الإمام المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره الشريف.

ففي الروايات: «ثم يخرج الإمام (عليه السلام) إلى العراق حتى يأتي الكوفة، فينزل على نجفها»(1).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) : «ثم يقبل إلى الكوفة، فيكون منزله بها»(2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) - أنه ذكر مسجد السهلة - فقال: «أما أنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله»(3).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) : «ويكون منزله بالكوفة... ويسكنه هو وأهل بيته الرحبة، والرحبة إنما كانت مسكن نوح، وهي أرض طيبة، ولا يسكن رجل من آل محمد (عليهم السلام) ولا يقتل إلا بارض طيبة زاكية، فهم الأوصياء الطيبون»(4).

ص: 399


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص379، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل مسيرة الإمام المهدي (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة واستقراره بها.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص171، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الثامن والعشرون، ح544.
3- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص380، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل مسيرة الإمام المهدي (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة واستقراره بها.
4- تفسير العياشي: ج1 ص66، سورة البقرة، آية 148، ح117.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (صلوات اللّه عليه)، أنه قال: «يا أبا محمد، كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله». قلت: يكون منزله؟. قال: «نعم، هو منزل إدريس (عليه السلام) ، وما بعث اللّه نبياً إلا وقد صلى فيه، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه، وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون اللّه فيه. يا أبا محمد، أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاةً إلا فيه، ثم إذا قام قائمنا انتقم اللّه لرسوله ولنا أجمعين»(1).

وفي رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: قلت: يا سيدي، فأين تكون دار المهدي (عليه السلام) ومجتمع المؤمنين؟. قال: «دار ملكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين».

قال المفضل: يا مولاي، كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟. قال: «إي واللّهِ، لايبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبراً من أرض السبع بشبر من ذهب، والسبع خطة من خطط همدان، وليصيرن الكوفة أربعةً وخمسين ميلاً، وليجاورن قصورها كربلاء، وليصيرن اللّه كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون، وليكونن لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات، ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة، لأعطاه اللّه بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة».

ثم تنفس أبو عبد اللّه (عليه السلام) ، وقال: «يا مفضل، إن بقاع الأرض تفاخرت،

ص: 400


1- قصص الأنبياء (عليهم السلام) للراوندي: ص80، الباب الثاني، فصل 2، ح63.

ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء، فأوحى اللّه إليها: أن اسكتي كعبة البيت الحرام ولا تفتخري على كربلاء؛ فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى (عليه السلام) منها من الشجرة، وإنها الربوة التي أوت إليها مريم والمسيح (عليهما السلام) ، وإنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين (عليه السلام) ، وفيها غسلت مريم عيسى (عليهما السلام) واغتسلت من ولادتها، وإنها خير بقعة عرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منها وقت غيبته، وليكونن لشيعتنا فيها خيرة إلى ظهور قائمنا (عليه السلام) »(1).

ص: 401


1- بحار الأنوار: ج53 ص11-12، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

30

أصحاب الإمام (عليه السلام)

اشارة

أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) عند ظهوره هم ثلة من المؤمنين، وجمع من الملائكة المقربين، وعلى رأسهم جبرئيل وميكائيل.

روي أن عدد أنصار الإمام (عليه السلام) في بدو خروجه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدة أهل بدر، وبعضهم من الأمم السابقة، فيجتمعون من أقاصي الأرض على غير ميعاد، لا يعرف بعضهم بعضاً.

وفي بعض الروايات: أن منهم بعض النساء.

وروي أنهم حكام الأرض، وعمال الإمام (عليه السلام) عليها، وبهم يفتح شرق الأرض وغربها، ثم يزيدون حتى يبلغوا عشرة آلاف، فإذا بلغوا هذا العدد خرج بهم من مكة، ويسمى هذا الجيش: جيش الغضب.

عن المفضل بن عمر، قال: قال الصادق (عليه السلام) : «كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة، وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام اللّه في أرضه على خلقه»(1).

وعن أبي بصير، قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد اللّه (عليه السلام) : كم يخرج

ص: 402


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص672-673، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح25.

مع القائم (عليه السلام) ، فإنهم يقولون: إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً؟. قال: «ما يخرج إلا في أولي قوة، وما يكون أولو القوة أقل من عشرة آلاف»(1).

وربما يكون الجمع بين هذه الروايات: إن أصحابه (عليه السلام) في بدو خروجه ثلاثمائة وثلاثة عشر وهم قادة الجيش، ثم يزدادون عند تشكل جيشه حتى يبلغوا عشرة آلاف، وفي بعض الروايات أكثر من ذلك بكثير.

عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لا يخرج القائم من مكة حتى تكمل الحلقة». قلت: وكم الحلقة؟. قال: «عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية المغلبة ويسير بها، فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها، ثم يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل، ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة»(2).

وعن علي (صلوات اللّه عليه) - في قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ}(3) - قال: «الأمة المعدودة: أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر»(4).

ص: 403


1- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: ص65، اليوم الخامس عشر، نبذة من أحوال الإمام الحجة (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج52 ص367-368، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح152.
3- سورة هود: 8.
4- تفسير القمي: ج1 ص323، سورة هود، الآيات 1 إلى 11.

وعن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إذا أذن الإمام دعا اللّه باسمه العبراني، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً، يعرف باسمه واسم أبيه، وحليته ونسبه». قلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيماناً؟. قال: الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(1)»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إذا ظهر القائم (عليه السلام) ودخل الكوفة، بعث اللّه تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق، فيكونون معه في أصحابه وأنصاره»(3).

وفي رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: «وعدد أصحابه (عليه السلام) حينئذ ستة وأربعون ألفاً من الملائكة، وستة آلاف من الجن - وفي رواية أخرى: ومثلها من الجن - بهم ينصره اللّه، ويفتح على يديه»(4).

وفي رواية أخرى: «ثم يسير المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة، وينزل ما بين الكوفة والنجف، وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفاً من الملائكة، وستة آلاف من الجن، والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً»(5).

ص: 404


1- سورة البقرة: 148.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص312-313، الباب 20، ح3.
3- سرور أهل الإيمان في علامات ظهور صاحب الزمان: ص113، علامات ظهور القائم (عليه السلام) .
4- بحار الأنوار: ج53 ص11، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
5- حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار (عليهم السلام) : ج6 ص385، المنهج 13، الباب 46، ح1.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: «أصحاب المهدي (عليه السلام) شباب، لا كهول فيهم إلا مثل كحل العين، والملح في الزاد، وأقل الزاد الملح»(1).

وعن جابر الجعفي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «يُبايع - القائم (عليه السلام) - بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدة أهل بدر، فيهم: النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء اللّه أن يقيم»(2).

وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «ويجيء واللّهِ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فيهم خمسون امرأةً، يجتمعون بمكة على غير ميعاد، قزعاً كقزع الخريف، يتبع بعضهم بعضاً، وهي الآية التي قال اللّه: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(3)»(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ}(5) -: «يعني عدةً كعدة بدر، قال: يجمعون له في ساعة واحدة، قزعاً كقزع الخريف»(6).

قزع الخريف: أي قطع السحاب المتفرقة.

وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا

ص: 405


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص476، الفصل 8.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص137-138، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الثاني عشر، ح377.
3- سورة البقرة: 148.
4- تفسير العياشي: ج1 ص65، سورة البقرة، آية 148، ح117.
5- سورة هود: 8.
6- بحار الأنوار: ج51 ص55، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح42.

تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا}(1) - قال: «نزلت في القائم (عليه السلام) وأصحابه، يجتمعون على غير ميعاد»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «أصحاب القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم، بعضهم يحمل في السحاب نهاراً، يعرف باسمه واسم أبيه، وحليته ونسبه، وبعضهم نائم على فراشه، فيوافونه بمكة على غير ميعاد»(3).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يقبل القائم (عليه السلام) في خمسة وأربعين رجلاً من تسعة أحياء، من حي رجل، ومن حي رجلان، ومن حي ثلاثة، ومن حي أربعة، ومن حي خمسة، ومن حي ستة، ومن حي سبعة، ومن حي ثمانية، ومن حي تسعة، ولا يزال كذلك حتى يجتمع له العدد»(4).

وعن الحارث الأعور الهمداني، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنبر: «إذا هلك الخاطب، وزاغ صاحب العصر، وبقيت قلوب تتقلب، فمن مخصب ومجدب، هلك المتمنون، واضمحل المضمحلون، وبقي المؤمنون، وقليل ما يكونون، ثلاثمائة أو يزيدون، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بدر، لم تقتل ولم تمت»(5).

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «أن القائم يهبط من ثنية ذي طوى في

ص: 406


1- سورة البقرة: 148.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص241، الباب 13، ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن، ح37.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص170، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل السابع والعشرون، ح539.
4- الخصال: ج2 ص424، باب التسعة، الذين يقبلون مع القائم (عليه السلام) إلى أن يجتمع له العدد يكونون من تسعة أحياء، ح26.
5- كتاب الغيبة للنعماني: ص195، الباب 11، ح4.

عدة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، حتى يسند ظهره إلى الحجر، ويهز الراية الغالبة». قال علي بن أبي حمزة: فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فقال: «كتاب منشور»(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إن عهد نبي اللّه صار عند علي بن الحسين (عليه السلام) ، ثم صار عند محمد بن علي، ثم يفعل اللّه ما يشاء، فالزم هؤلاء، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة رجل، ومعه راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عامداً إلى المدينة، حتى يمر بالبيداء فيقول: هذا مكان القوم الذين خسف بهم. وهي الآية التي قال اللّه: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ}(2)»(3).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : «كأني بالقائم على نجف الكوفة، وقد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في الأمصار»(4).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «يخرج القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً: خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) ، الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري،

ص: 407


1- بحار الأنوار: ج52 ص370، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح158.
2- سورة النحل: 45-46.
3- تفسير العياشي: ج2 ص261، سورة النحل، الآيات 45 إلى 46، ح34.
4- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص460، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الرابع، الفصل الثالث.

والمقداد، ومالكاً الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً»(1).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) - في حديث -: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعلم أصحاب القائم (عليه السلام) وعدتهم، ويعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وقبائلهم، وحلائلهم، ومنازلهم، ومراتبهم، وكذلك سائر الأئمة (عليهم السلام) ، وأنه أملى على الكاتب: هذا ما أملى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأودعه إياه من تسمية المهدي (عليه السلام) ، وعدد من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم، السائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكة عند استماع الصوت، وهم النجباء القضاة، الحكام على الناس»(2).

وعن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يعني مسجد مكة، يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث اللّه تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بكل وادٍ: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما السلام) ، لا يريد عليه بينةً»(3).

وفي رواية: «مكتوب عليها ألف كلمة، كل كلمة مفتاح ألف كلمة»(4).

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «من أدرك منكم قائمنا فقُتل معه،

ص: 408


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص386، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .
2- أعيان الشيعة: ج2 ص84، محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) ، في عدد أنصار المهدي (عليه السلام) .
3- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص671، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح19.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص315، الباب 20، ح7.

كان له أجر شهيدين. ومن قَتَل بين يديه عدواً لنا، كان له أجر عشرين شهيداً»(1).

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «كأني بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام) »(2).

صفات الأصحاب

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) ، وأصحابه في نجف الكوفة، كأن على رءوسهم الطير، قد فنيت أزوادهم، وخلقت ثيابهم، قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار، رهبان بالليل، كأن قلوبهم زبر الحديد، يُعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، لا يقتل أحداً منهم إلاّ كافر أو منافق، وقد وصفهم اللّه تعالى بالتوسم في كتابه العزيز بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}(3)»(4).

وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «ما كان قول لوط (عليه السلام) لقوله: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}(5)، إلا تمنياً لقوة القائم (عليه السلام) ، ولا

ص: 409


1- الأمالي للطوسي: ص232، المجلس التاسع، ح410/2.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص111، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل الخامس، ح247.
3- سورة الحجر: 75.
4- بحار الأنوار: ج52 ص386-387، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح202.
5- سورة هود: 80.

ذكر إلا شدة أصحابه؛ وإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلاً، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقعلوها، ولا يكفون سيوفهم حتى يرضى اللّه عز وجل»(1).

وعن حذيفة، قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إذا كان عند خروج القائم، ينادي منادٍ من السماء: أيها الناس، قطع عنكم مدة الجبارين، ووُلي الأمر خير أمة محمد، فالحقوا بمكة. فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام»(2).

سيوف من السماء

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) ، نزلت سيوف القتال، على كل سيف اسم الرجل واسم أبيه»(3).

الملائكة تنصره

عن الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: «لو قد خرج قائم آل محمد (عليه السلام) ، لنصره اللّه بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرائيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه، وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه، أول من

ص: 410


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص673، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح27.
2- الاختصاص: ص208، أحاديث في تعيين الأئمة (عليهم السلام) وبيان فضلهم، في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) .
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص244، الباب 13، في صفة جنوده وخيله (عليهم السلام) ، ح45.

يتبعه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعلي (عليه السلام) الثاني، ومعه سيف مخترط، يفتح اللّه له الروم والصين، والترك والديلم، والسند والهند، وكابل شاه والخزر. يا أبا حمزة، لا يقوم القائم (عليه السلام) إلا على خوف شديد، وزلازل وفتنة، وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتت في دينهم، وتغير من حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءً؛ من عظم ما يرى من كَلَبِ الناس، وأكل بعضهم بعضاً، وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط. فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن خالفه وخالف أمره وكان من أعدائه - ثم قال - يقوم بأمر جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، وليس شأنه إلا القتل(1)، ولا يستنيب أحداً، ولا تأخذه في اللّه لومة لائم»(2).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إذا قام القائم (عليه السلام) ، نزلت الملائكة بثلاثمائة وثلاثة عشر، ثلث على خيول شهب، وثلث على خيول بلق، وثلث على خيول حو». قلت: وما الحو؟. قال: «الحمر»(3).

قوله: بثلاثمائة... أي مع ثلاثمائة وثلاثة عشر من المؤمنين.

ص: 411


1- أي للمعاندين وهم قلة، فإن عموم الكفار والمخالفين يسلمون ويؤمنون عند ظهوره، ولا يحاربه إلا القليل.
2- بحار الأنوار: ج52 ص348-349، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح99.
3- حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار (عليهم السلام) : ج6 ص318-319، المنهج الثالث عشر، الباب الخامس والثلاثون، ح8.

31

من بركات الظهور

اشارة

عندما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) تعم البركات جميع الكون، فيُؤمِنُ جميع البشر حتى الكافر منهم، ويصلح كل طالح، وتكثر خيرات الأرض والسماء، وتظهر الكنوز، وتأمن السبل، وتعم العافية وسعة الرزق، والغنى والثروة، ويعمر الناس كثيراً في يسر ويسار، وأمن وأمان، وعافية وسلام، وحتى الحيوانات والجمادات تنعم في ظهوره الشريف.

روي: «أنه (عليه السلام) يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلا آمن، ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض بركاتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز»(1).

وعن سعيد بن جبير، قال: «إن السنة التي يقوم فيها المهدي (عليه السلام) تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة، ترى آثارها وبركاتها»(2).

وعن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول على المنبر: «إن

ص: 412


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص145، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل العشرون، ح413.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص373، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل في ذكر علامات الإمام المهدي (عليه السلام) .

المهدي من عترتي، من أهل بيتي، يخرج في آخر الزمان، ينزل له من السماء قطرها، وتخرج له الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأها القوم ظلماً وجوراً»(1).

وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «يخرج المهدي في أمتي، يبعثه اللّه عياناً للناس، تنعم الأمة، وتعيش الماشية، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً». فقال له رجل: وما صحاحاً؟. قال: «السوية بين الناس»(2).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «ينتج اللّه في هذه الأمة رجلاً مني وأنا منه، يسوق اللّه به بركات السماوات والأرض، فتنزل السماء قطرها، ويخرج الأرض بذرها، وتأمن وحوشها وسباعها، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويقتل حتى يقول الجاهل: لو كان هذا من ذرية محمد لرحم»(3).

أي: يقتل المعاندين، وهم قلة.

وفي رواية قال عمران بن الحصين: يا رسول اللّه، صف لنا هذا الرجل؟. أي القائم (عليه السلام) . قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هو رجل من ولد الحسين (عليه السلام) ، كأنه من رجال شنوءة، عليه عباءتان قطوانيتان، اسمه اسمي، فعند ذلك تفرخ الطيور في أوكارها، والحيتان في بحارها، وتمد الأنهار، وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف

ص: 413


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص180، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص224، الباب الثاني والثلاثون، الفصل الثاني، ح22.
3- بحار الأنوار: ج51 ص146، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب6 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح17.

أكلها، ثم يسير مقدمته جبرئيل، وساقيه إسرافيل، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(1).

العدالة والفضيلة والعزة

قال الإمام الباقر (عليه السلام) - في الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يظهر -: «فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلا قضى دينه، ولا مظلمةً لأحد من الناس إلا ردها، ولا يُقتل منهم عبد إلا أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهله، ولا يقتل قتيل إلا قضى عنه ديته، وألحق عياله في العطاء، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً»(2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام، ويعرفوا بالإيمان. أ ما سمعت اللّه سبحانه يقول: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}(3)، وحكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) ، وحكم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فحينئذ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم موضعا لصدقته ولا بره؛ لشمول الغنى جميع المؤمنين»(4).

ص: 414


1- الاختصاص: ص208-209، أحاديث في تعيين الأئمة (عليهم السلام) وبيان فضلهم، في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) .
2- تفسير العياشي: ج1 ص66، سورة البقرة، آية 148، ح117.
3- سورة آل عمران: 83.
4- بحار الأنوار: ج52 ص338-339، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح83.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «إذا قام قائم آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، حكم بين الناس بحكم داود، ولا يحتاج إلى بينة، يلهمه اللّه تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم، قال اللّه عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ}(1)»(2).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) : «القائم منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر اللّه عز وجل به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عُمِرَ»(3).

وعن جابر، قال: دخل رجل على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقال له: عافاك اللّه، اقبض مني هذه الخمسمائة درهم؛ فإنها زكاة مالي؟. فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : «خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام، والمساكين من إخوانك المسلمين - ثم قال - إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية، وعدل في الرعية، فمن أطاعه فقد أطاع اللّه، ومن عصاه فقد عصى اللّه»(4).

وعن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) ، قال: «إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع، فلا قطائع»(5).

أي القطائع الظالمة، والتي فيها تضييع حق الآخرين.

ص: 415


1- سورة الحجر: 75-76.
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص466-467، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .
3- بحار الأنوار: ج52 ص191، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب25 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح24.
4- كتاب الغيبة للنعماني: ص237، الباب 13، حكمه (عليه السلام) ، ح26.
5- قرب الإسناد: ص80، باب قرب الإسناد عن الصادق (عليه السلام) ، أحاديث متفرقة، ح260.

لا فقر ولا مرض ولا ذل

عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم اللّه من فضله»(1).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - في حديث طويل -: «فعند ذلك خروج المهدي، وهو رجل من ولد هذا - وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) - به يمحق اللّه الكذب، ويذهب الزمان الكَلِبَ، به يخرج ذل الرق من أعناقكم»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال: «تواصلوا، وتباروا، وتراحموا. فو الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة؛ ليأتين عليكم وقت لا يجد أحدكم لديناره ودرهمه موضعاً، يعني لا يجد له عند ظهور القائم (عليه السلام) موضعاً يصرفه فيه، لاستغناء الناس جميعاً بفضل اللّه، وفضل وليه»(3).

وفي رواية قال الإمام الباقر (عليه السلام) : «إذا ظهر القائم... يرد السواد إلى أهله هم أهله، ويعطي الناس عطايا مرتين في السنة، ويرزقهم في الشهر رزقين، ويسوِّي بين الناس، حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة، ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحاويج من شيعته فلا يقبلونها، فيصرونها ويدورون في دورهم، فيخرجون

ص: 416


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص381، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل مدة حكم الإمام المهدي (عليه السلام) .
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص185، الفصل 1، الكلام على الواقفة.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص150، الباب 10، ح8.

إليهم فيقولون: لا حاجة لنا في دراهمكم - وساق الحديث إلى أن قال - ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها، فيقال للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاءً لم يعطه أحد قبله»(1).

أمان السبل

قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه): «بنا يفتح اللّه، وبنا يختم اللّه، وبنا يمحو ما يشاء وبنا يثبت، وبنا يدفع اللّه الزمان الكَلِبَ، وبنا ينزل الغيث، فلا يغرنكم باللّه الغرور، ما أنزلت السماء قطرةً من ماء منذ حبسه اللّه عز وجل، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لاتضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زبيلها، لا يهيجها سبع ولا تخافه»(2).

وعن رجل، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : أيما أفضل نحن أو أصحاب القائم (عليه السلام) ؟. قال: فقال لي: «أنتم أفضل من أصحاب القائم، وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور. إن صليتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم»، وعدَّ أشياء من نحو هذا مثل هذه. فقلت: فما نتمنى القائم (عليه السلام) إذا كان على هذا؟. قال: فقال لي: «سبحان اللّه! أما تحب

ص: 417


1- بحار الأنوار: ج52 ص390-391، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح212.
2- راجع الخصال: ج2 ص626، باب الواحد إلى المائة، علَّم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، ح10.

أن يظهر العدل، ويأمن السبل، وينصف المظلوم»(1).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «يقاتلون واللّهِ حتى يوحد اللّه، ولا يشرك به شيئاً، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد»(2).

وفور النعمة

تكثر الأمطار حين ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ، فتحيى بها الأرض بعد موتها، وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام) ، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة، ويتوجهون نحوه لنصرته.

وفي الروايات: «إنه يرضى عنه (عليه السلام) ساكن السماء وساكن الأرض، تخصب الأرض في زمانه وتخرج كنوزها، يحثو المال حثواً، ولا يعده عداً».

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «تتنعم أمتي في زمن المهدي (عليه السلام) نعمةً لم يتنعموا مثلها قط، يرسل اللّه السماء عليهم مدراراً، ولاتدع الأرض شيئاً من نباتها إلا أخرجته»(3).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «ينتج اللّه في هذه الأمة رجلاً مني وأنا منه، يسوق اللّه به بركات السماوات والأرض، فتنزل السماء قطرها، ويخرج الأرض بذرها، وتأمن وحوشها سباعها، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(4).

ص: 418


1- الاختصاص: ص20-21، طائفة من أقوال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) .
2- تفسير العياشي: ج2 ص61، سورة الأنفال، آية 39، ح49.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص473، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) ، التاسع والعشرون.
4- بحار الأنوار: ج51 ص146، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب6 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح17.

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) - في حديث -: «هو الثاني عشر منا، يسهل اللّه تعالى له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرب عليه كل بعيد، ويذل به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد»(1).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «... ويخرج اللّه من الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي (عليه السلام) ، ويوسع اللّه على شيعتنا»(2).

تمطر السماء ذهباً

في رواية المفضل: ثم قال الصادق (عليه السلام) : «ثم يعود المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة، وتمطر السماء بها جراداً من ذهب، كما أمطره اللّه في بني إسرائيل على أيوب، ويقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها ولجينها وجوهرها»(3).

أداء الديون

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال المفضل: يا مولاي، من مات من شيعتكم وعليه دين لإخوانه ولأضداده كيف يكون؟. قال الصادق (عليه السلام) : «أول ما يبتدئ المهدي (عليه السلام) أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دَين فليذكره، حتى يرد الثومة والخردلة، فضلاً

ص: 419


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص270-271، باب ما جاء عن موسى بن جعفر (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار.
2- تفسير العياشي: ج2 ص61، سورة الأنفال، آية 39، ح49.
3- بحار الأنوار: ج53 ص34، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك، فيوفيه إياه»(1).

لا عاهات ولا أمراض

عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال: «إذا قام قائمنا، أذهب اللّه عز وجل عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، ويكونون حكام الأرض وسنامها»(2).

وعنه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام القائم أذهب اللّه عن كل مؤمن العاهة، ورد إليه قوته»(3).

شجاعة المؤمن

عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن ممتحن، أو مدينة حصينة. فإذا وقع أمرنا، وجاء مهدينا، كان الرجل من شيعتنا أجرى من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدونا برجليه، ويضربه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة اللّه وفرجه على العباد»(4).

وعن جابر، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن اللّه نزع الخوف من قلوب شيعتنا، وأسكنه قلوب أعدائنا، فواحدهم أمضى من سنان، وأجرى من ليث،

ص: 420


1- بحار الأنوار: ج53 ص34، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- الخصال: ج2 ص541، أبواب الأربعين وما فوقه، إذا قام القائم (عليه السلام) جعل اللّه عز وجل قوة الرجل من الشيعة قوة أربعين رجلاً، ح14.
3- كتاب الغيبة للنعماني: ص317، الباب 21، ح2.
4- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى اللّه عليهم): ج1 ص24، الباب 11، ح17.

يطعن عدوه برمحه، ويضربه بسيفه، ويدوسه بقدمه»(1).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يكون من شيعتنا في دولة القائم (عليه السلام) سنام الأرض وحكامها، يعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلاً»(2).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «ألقي الرعب في قلوب شيعتنا من عدونا، فإذا وقع أمرنا، وخرج مهدينا، كان أحدهم أجرأ من الليث، أمضى من السنان، يطأ عدونا بقدميه، ويقتله بكفيه»(3).

كمال العقول

عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، قال: «إذا قام قائمنا، وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم»(4).

وعن أبي خالد الكابليّ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا قام قائمنا، وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وأكمل بها أخلاقهم»(5).

ظهور الملائكة والجن للناس

في رواية المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: قال

ص: 421


1- بحار الأنوار: ج52 ص336، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح70.
2- الاختصاص: ص8، ذكر السابقين المقربين من أمير المؤمنين (عليه السلام) .
3- الاختصاص: ص26، طائفة من أقوال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) .
4- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص675، الباب58 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح31.
5- الخرائج والجرائح: ج2 ص840، الباب السادس عشر، فصل في أغرب معجزات الإمام المهدي (عليه السلام) ، ح57.

المفضل: يا سيدي، وتظهر الملائكة والجن للناس؟. قال: «إي واللّهِ - يا مفضل - ويخاطبونهم، كما يكون الرجل مع حاشيته وأهله». قلت: يا سيدي، ويسيرون معه؟. قال: «إي واللّهِ - يا مفضل - ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف»(1).

عتق العبيد

عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رواية: «ثم يقبل إلى الكوفة، فيكون منزله بها، فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلا قضى دينه، ولا مظلمةً لأحد من الناس إلا ردها، ولا يُقتل منهم عبد إلاّ أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهله، ولا يُقتل قتيل إلا قضى عنه دينه، وألحق عياله في العطاء، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً»(2).

طول الأعمار وكثرة الأولاد

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - في خطبته -: «يا أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني؛ فإن بين جوانحي علماً جماً، فسلوني قبل أن تبقر برجلها فتنةً شرقيةً تطأ في حطامها، ملعون ناعقها ومولاها وقائدها وسائقها والمتحرز فيها، فكم عندها من رافعة ذيلها يدعو بويلها دخله أو حولها، لا مأوى يكنها، ولا أحد يرحمها، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك، وأي واد سلك، فعندها توقعوا الفرج، وهو تأويل هذه الآية: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ

ص: 422


1- بحار الأنوار: ج53 ص10، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- تفسير العياشي: ج1 ص66، سورة البقرة، آية 148، ح117.

نَفِيرًا}(1). والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ليعيش إذ ذاك ملوك ناعمين، ولا يخرج الرجل منهم من الدنيا حتى يولد لصلبه ألف ذكر، آمنين من كل بدعة وآفة، عاملين بكتاب اللّه وسنة رسوله، قد اضمحلت عليهم الآفات والشبهات»(2).

بركة الزمان وامتداده

عن أبي بصير، عن أبي جعفر - في حديث - قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) ، دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة، حتى يبلغ أساسها، ويصيرها عريشاً كعريش موسى، وتكون المساجد كلها جماء لا شرف لها، كما كانت على عهد رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ويوسع الطريق الأعظم، فيصير ستين ذراعاً، ويهدم كل مسجد على الطريق، ويسد كل كوة إلى الطريق، وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق، ويأمر اللّه الفلك في زمانه فيبطئ في دوره، حتى يكون اليوم في أيامه كعشرة أيام من أيامكم، والشهر كعشرة أشهر، والسنة كعشر سنين من سنيكم، ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف، شعارهم: يا عثمان، يا عثمان. فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه، فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يتوجه إلى كابل شاه، وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها، ثم يتوجه إلى الكوفة، فينزلها وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلةً من قبائل العرب»(3).

وروى عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : كم يملك

ص: 423


1- سورة الإسراء: 6.
2- بحار الأنوار: ج51 ص57، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب5 من أبواب ولادته، ح48.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص475، الفصل 8.

القائم (عليه السلام) ؟. فقال: «سبع سنين، يطول الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنةً من سنيكم هذه. وإذا آن قيامه، مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً، لم تر الخلائق مثله، فينبت اللّه به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب»(1).

وفي رواية عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) ، سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، فلم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها، وجعلها جماء، ووسع الطريق الأعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يترك بدعةً إلا أزالها، ولا سنةً إلا أقامها، ويفتتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين، مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثم يفعل اللّه ما يشاء». قال: قلت له: جعلت فداك، فكيف تطول السنون؟!. قال: «يأمر اللّه تعالى الفلك باللبوث، وقلة الحركة، فتطول الأيام لذلك والسنون».

قال: قلت له: إنهم يقولون: إن الفلك إن تغير فسد؟. قال: «ذلك قول الزنادقة، فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شق اللّه القمر لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة، وأنه كألف سنة مما تعدون»(2).

ص: 424


1- بحار الأنوار: ج52 ص337، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح77.
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص385، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .

تطور العلم

عن ابن مسكان، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق»(1).

عدم الحاجة إلى البينة

عن حريز، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا أهل البيت، يحكم بحكم داود وآل داود، لا يسأل الناس بينةً»(2).

وعن أبان، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود، ولا يسأل بينة، يعطي كل نفس حقها»(3).

وعن أبي عبيدة، عنه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام قائم آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، حكم بحكم داود وسليمان، لا يسأل بينةً»(4).

وعن الحسن بن طريف، قال: كتبت إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) أسأله عن القائم (عليه السلام) : إذا قام بم يقضي بين الناس؟، وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع، فأغفلت ذكر الحمى. فجاء الجواب: «سألت عن الإمام، فإذا قام قضى

ص: 425


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج5 ص214، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان، الفصل التاسع والخمسون، ح788.
2- بحار الأنوار: ج52 ص319، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح21.
3- الكافي: ج1 ص397-398، كتاب الحجة، باب في الأئمة (عليهم السلام) أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود، ح2.
4- الكافي: ج1 ص397، كتاب الحجة، باب في الأئمة (عليهم السلام) أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود، ح1.

بين الناس بعلمه، كقضاء داود (عليه السلام) ، لا يسأل البينة»(1)، الخبر.

اتصال الكوفة بكربلاء

عن المفضل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) ، بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء»(2).

وعن مفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن قائمنا إذا قام، أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد من ضوء الشمس، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، ويتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء بالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء(3) يريد الجمعة، فلا يدركها»(4).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال: «يدخل المهدي (عليه السلام) الكوفة، وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها، فتصفو له، فيدخل حتى يأتي المنبر ويخطب، ولا يدري الناس ما يقول من البكاء، وهو قول رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها، فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه، فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس: يا ابن رسول اللّه، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف

ص: 426


1- كتاب الدعوات للراوندي: ص209، الباب الثالث، فصل في ذكر أدعية مفردة لأوجاع معينة، ح567.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص460، الركن الرابع، القسم الثاني، الباب الرابع، الفصل الثالث.
3- أي خفيفة وسريعة.
4- بحار الأنوار: ج52 ص330، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب27 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح52.

رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والمسجد لا يسعنا، فيقول: أنا مرتاد لكم. فيخرج إلى الغري، فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس عليه أصيص، ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين (عليه السلام) لهم نهراً، يجري إلى الغريين حتى ينبذ في النجف، ويعمل على فوهته قناطر، وأرحاء في السبيل، وكأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل فيه بر حتى تطحنه بكربلاء»(1).

إيمان الكفار وتوبة الفساق

عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ، قال - في وصف أيام صاحب الأمر (عليه السلام) -: «لا يبقى كافر إلا آمن، ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز»(2).

وفي الرواية: «إذا قام القائم (عليه السلام) ، حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان. أ ما سمعت اللّه عز وجل يقول: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}(3)، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين - ثم قال - إن دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا؛ لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو

ص: 427


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص468-469، الفصل 8.
2- بحار الأنوار: ج52 ص280، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح6.
3- سورة آل عمران: 83.

قول اللّه عز وجل: {وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(1)»(2).

وفي الرواية: «إن عيسى (عليه السلام) ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني، إلا آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي»(3).

معرفة جميع أحرف العلم

عن أبان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعةً وعشرين حرفاً»(4).

عطاء و رزق و حكمة

عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «كأنني بدينكم هذا لا يزال مولياً متخضخضاً يفحص بدمه، ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت، فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه، حتى إن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه تعالى وسنة رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(5).

عهدك في كفك

عن محمد بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) ، قال: «إذا قام القائم، بعث في أقاليم

ص: 428


1- سورة الأعراف: 128، سورة القصص: 83.
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص465-466، ذكر الإمام الثاني عشر، باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) .
3- تفسير القمي: ج1 ص158، سورة النساء، الآيات 155 إلى 165.
4- سرور أهل الإيمان في علامات ظهور صاحب الزمان: ص77، علامات ظهور القائم (عليه السلام) .
5- كتاب الغيبة للنعماني: ص238-239، الباب 13، آياته وفعله (عليه السلام) ، ح30.

الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه، ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها - قال - ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا إلى الخليج، كتبوا على أقدامهم شيئاً، ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء. قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو!. فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها، فيحكمون فيها ما يشاءون»(1).

ص: 429


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص319-320، الباب 21، ح8.

32

الرجعة والكَرَّة

اشارة

ثم تكون الرجعة بإذن اللّه، في عهد القائم (عليه السلام) وما بعده، فيرجع الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) ، وسائر الأئمة الطاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

كما يرجع بعض المؤمنين، بل وبعض غير المؤمنين، وذلك قبل يوم القيامة؛ لحكمة ربانية، كل ذلك حسب الروايات الشريفة.

فأصل الرجعة من ضروريات المذهب، وعليها متواتر الروايات، وتفاصيلها مذكورة في المأثور عن النبي والعترة الطاهرة (عليه وعليهم السلام).

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، يقول: «أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليه السلام) ، وإن الرجعة ليست بعامة، وهي خاصة، لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً، أو محض الشرك محضاً»(1).

وعن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إن أول من يرجع لجاركم الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر»(2).

وعن بكير بن أعين، قال: قال لي من لا أشك فيه - يعني أبا جعفر (عليه السلام) -: «إن

ص: 430


1- البرهان في تفسير القرآن: ج3 ص506-507، سورة الإسراء، الآيات 4 إلى 6، ح6259.
2- البرهان في تفسير القرآن: ج3 ص507، سورة الإسراء، الآيات 4 إلى 6، ح6260.

رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلياً (عليه السلام) سيرجعان»(1).

وعن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: «واللّهِ ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً». قال: فقلت له: متى يكون ذلك؟. قال: «بعد موت القائم (عليه السلام) ». قلت له: وكم يقوم القائم (عليه السلام) في عالمه حتى يموت؟. قال: «تسع عشرة سنةً من يوم قيامه إلى يوم موته»(2).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) :

إشارة إلى ملك الحسين (عليه السلام) ، أو غيره من الأئمة (عليهم السلام) في الرجعة(3).

وعن المعلى بن خنيس وزيد الشحام، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قالا: سمعناه يقول: «إن أول من يكر في الرجعة الحسين بن علي (عليهما السلام) ، ويمكث في الأرض أربعين سنةً، حتّى يسقط حاجباه على عينيه من كبره»(4).

وفي تفسير العياشي: عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} -: «قتل علي وطعن الحسن (عليهما السلام) ، {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}: قتل الحسين (عليه السلام) ، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا}: إذا جاء نصر دم الحسين، {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ}: قوم يبعثهم اللّه قبل خروج القائم، لا يدعون وتراً لآل محمد إلا أحرقوه، {وَكَانَ

ص: 431


1- بحار الأنوار: ج53 ص39، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح2.
2- بحار الأنوار: ج52 ص299، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح61.
3- بحار الأنوار: ج52 ص298-299، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب26 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، بيان ح61.
4- البرهان في تفسير القرآن: ج3 ص506، سورة الإسراء، الآيات 4 إلى 6، ح6257.

وَعْدًا مَفْعُولًا}: قبل قيام القائم، {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}(1): خروج الحسين (عليه السلام) في الكرَّة في سبعين رجلاً من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهب، لكل بيضة وجهان، والمؤدي إلى الناس: إن الحسين قد خرج في أصحابه؛ حتى لا يشك فيه المؤمنون، وأنه ليس بدجال ولا شيطان، الإمام الذي بين أظهر الناس يومئذٍ، فإذا استقر عند المؤمن أنه الحسين لا يشكون فيه، وبلغ عن الحسين الحجة القائم بين أظهر الناس، وصدَّقه المؤمنون بذلك، جاء الحجة الموت، فيكون الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه وإيلاجه حفرته الحسين، ولا يلي الوصي إلا الوصي». وزاد إبراهيم في حديثه: «ثم يملكهم الحسين، حتى يقع حاجباه على عينيه»(2).

وعن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن لعلي (عليه السلام) في الأرض كرَّةً مع الحسين ابنه (صلوات اللّه عليهما)، يقبل برايته حتى ينتقم له من بني أمية، ومعاوية وآل معاوية، ومن شهد حربه. ثم يبعث اللّه إليهم بأنصاره يومئذٍ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، فيلقاهم بصفين مثل المرة الأولى حتى يقتلهم، ولا يبقى منهم مخبراً. ثم يبعثهم اللّه عز وجل، فيدخلهم أشد عذابه مع فرعون وآل فرعون. ثم كرَّةً أخرى مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى يكون خليفةً في الأرض، وتكون الأئمة (عليه السلام) عماله، وحتى يبعثه اللّه علانيةً، فتكون عبادته علانيةً في الأرض، كما عبد اللّه سراً في الأرض - ثم قال - إي واللّهِ وأضعاف ذلك - ثم عقد بيده أضعافاً - يعطي اللّه نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ملك جميع أهل الدنيا، منذ يوم خلق اللّه الدنيا إلى يوم يفنيها، حتى ينجز له موعوده في

ص: 432


1- سورة الإسراء: 4-6.
2- راجع تفسير العياشي: ج2 ص281، سورة الإسراء، الآيات 4 إلى 6، ح20.

كتابه، كما قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(1)»(2).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن أول من يكرُّ إلى الدنيا الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه، ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذة بالقذة - ثم قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) -: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}(3)»(4).

وعن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها؟. فقال: «إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه، وقد قال اللّه عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}(5)»(6).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا}(7) - فقال: «ليس أحد من المؤمنين قُتل إلا سيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل»(8).

وعن أبي بصير، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) : «ينكر أهل العراق الرجعة؟». قلت: نعم. قال: «أ ما يقرءون القرآن: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا}(9)»(10).

ص: 433


1- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.
2- بحار الأنوار: ج53 ص74-75، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح75.
3- سورة الإسراء: 6.
4- تفسير العياشي: ج2 ص282، سورة الإسراء، آية 6، ح23.
5- سورة يونس: 39.
6- البرهان في تفسير القرآن: ج3 ص31، سورة يونس، الآيات 39 إلى 46، ح4898.
7- سورة النمل: 83.
8- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص403، سورة النمل، آية 83.
9- سورة النمل: 83.
10- بحار الأنوار: ج53 ص40، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح6.

وعن فيض بن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول وتلا هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ}(1)، الآية. قال: «ليؤمنن برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولينصرن علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) ». قلت: ولينصرن أمير المؤمنين!. قال (عليه السلام) : «نعم واللّهِ، من لدن آدم فهلم جراً، فلم يبعث اللّه نبياً ولا رسولاً إلا رد جميعهم إلى الدنيا؛ حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) »(2).

وعن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ}(3) -: «يعني بذلك محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقيامه في الرجعة ينذر فيها».

وقوله: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الكُبَرِ * نَذِيرًا}(4): «يعني محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نذيراً {لِلْبَشَرِ} في الرجعة». وفي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}(5): «في الرجعة»(6).

وعن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن إبليس قال: أنظرني إلى يوم يبعثون. فأبى اللّه ذلك عليه، قال: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الوَقْتِ الْمَعْلُومِ}(7)، فإذا كان يوم الوقت المعلوم، ظهر إبليس (لعنه اللّه) في جميع أشياعه منذ خلق اللّه آدم إلى يوم الوقت المعلوم، وهي آخر كرَّة يكرِّها أمير المؤمنين (عليه السلام) ».

ص: 434


1- سورة آل عمران: 81.
2- بحار الأنوار: ج53 ص41، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح9.
3- سورة المدثر: 1-2.
4- سورة المدثر: 35-36.
5- سورة سبأ: 28.
6- البرهان في تفسير القرآن: ج5 ص522، سورة المدثر، الآيات 1 إلى 5، ح11184.
7- سورة الحجر: 37-38، سورة ص: 80-81.

فقلت: وإنها لكرَّات؟. قال: «نعم، إنها لكرَّات وكرَّات، ما من إمام في قرن إلا ويكرِّ معه البر والفاجر في دهره، حتى يديل اللّه المؤمن من الكافر، فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في أصحابه، وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال له: الروحاء، قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق اللّه عز وجل العالمين، فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم، وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات، فعند ذلك يهبط الجبار(1) عز وجل {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ}(2) رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمامه، بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه، فيقولون له أصحابه: أين تريد وقد ظفرت؟. فيقول: {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ}(3) رب العالمين. فيلحقه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيطعنه طعنةً بين كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه. فعند ذلك يُعبد اللّه عز وجل ولا يُشرك به شيئاً، ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعاً وأربعين ألف سنة، حتى يلد الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ألف ولد من صلبه ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء اللّه»(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في قول اللّه عز وجل: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}(5) -

ص: 435


1- أي يهبط عذابه.
2- سورة البقرة: 210.
3- سورة الأنفال: 48.
4- بحار الأنوار: ج53 ص42-43، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح12.
5- سورة الذاريات: 13.

قال: «يكسرون في الكرَّة، كما يكسر الذهب، حتى يرجع كل شيء إلى شبهه، يعني إلى حقيقته»(1).

وعن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قال: «لترجعن نفوس ذهبت، وليقتصن يوم يقوم، ومن عذب يقتص بعذابه، ومن أغيظ أغاظ بغيظه، ومن قتل اقتص بقتله، ويرد لهم أعداؤهم معهم، حتى يأخذوا بثأرهم، ثم يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثم يموتون في ليلة واحدة، قد أدركوا ثارهم، وشفوا أنفسهم، ويصير عدوهم إلى أشد النار عذاباً، ثم يوقفون بين يدي الجبار عز وجل، فيؤخذ لهم بحقوقهم»(2).

وعن محمد بن عبد اللّه بن الحسين، قال: دخلت مع أبي على أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فجرى بينهما حديث. فقال أبي لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ما تقول في الكرَّة؟. قال: «أقول فيها ما قال اللّه عز وجل، وذلك أن تفسيرها صار إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبل أن يأتي هذا الحرف بخمس وعشرين ليلةً، قول اللّه عز وجل: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ}(3) إذا رجعوا إلى الدنيا، ولم يقضوا ذحولهم». فقال له أبي: يقول اللّه عز وجل: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ}(4) أي شيء أراد بهذا؟. فقال: «إذا انتقم منهم وماتت الأبدان، بقية الأرواح ساهرةً لاتنام ولا تموت»(5).

وعن سليمان الديلمي، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عز وجل:

ص: 436


1- بحار الأنوار: ج53 ص44، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح15.
2- بحار الأنوار: ج53 ص44، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح16.
3- سورة النازعات: 12.
4- سورة النازعات: 13-14.
5- البرهان في تفسير القرآن: ج5 ص576، سورة النازعات، الآيات 8 إلى 16، ح11364.

{إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}(1)؟. فقال: «الأنبياء: رسول اللّه، وإبراهيم، وإسماعيل وذريته. والملوك: الأئمة (عليهم السلام) ».

قال: فقلت: وأي ملك أعطيتم؟.

فقال: «ملك الجنة، وملك الكرَّة»(2).

وسُئل الإمام أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا}(3). قال: «ما يقول الناس فيها؟». قلت: يقولون: إنها في القيامة. فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «أ يحشر اللّه في القيامة من كل أمة فوجاً ويترك الباقين، إنما ذلك في الرجعة، فأما آية القيامة فهذه: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} إلى قوله: {مَّوْعِدًا}(4)»(5).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «... إن اللّه أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرتُ محمداً، وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوه، ووفيت لله بما أخذ عليَّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولم ينصرني أحد من أنبياء اللّه ورسله، وذلك لما قبضهم اللّه إليه، وسوف ينصرونني، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، وليبعثن اللّه أحياءً من آدم إلى محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كل نبي مرسل، يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً. فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم

ص: 437


1- سورة المائدة: 20.
2- بحار الأنوار: ج53 ص45-46، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح18.
3- سورة النمل: 83.
4- سورة الكهف: 47-48.
5- بحار الأنوار: ج53 ص51، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح27.

اللّه أحياءً، يلبون زمرةً زمرةً بالتلبية: لبيك لبيك يا داعي اللّه، قد تخللوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم؛ ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم، وأتباعهم من جبارة الأولين والآخرين، حتى ينجز اللّه ما وعدهم في قوله عز وجل:

{وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(1)، أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً من عبادي، ليس عندهم تقية. وإن لي الكرَّة بعد الكرَّة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرات، وصاحب الصولات والنقمات، والدولات العجيبات»(2).

وعن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «ما بعث اللّه نبياً من لدن آدم فهلم جراً إلا ويرجع إلى الدنيا، وينصر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهو قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} يعني برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، {وَلَتَنْصُرُنَّهُ}(3) يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) »(4).

وفي تفسير القمي: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}(5)، فإنه روي: «أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رجع آمن به الناس كلهم»(6).

وعن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «لو قد خرج قائم آل محمد (عليه السلام) ،

ص: 438


1- سورة النور: 55.
2- بحار الأنوار: ج53 ص46-47، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح20.
3- سورة آل عمران: 81.
4- تفسير القمي: ج1 ص106، سورة آل عمران، الآيات 75 إلى 81.
5- سورة النساء: 159.
6- تفسير القمي: ج1 ص158، سورة النساء، الآيات 155 إلى 165.

لنصره اللّه بالملائكة...، أول من يتبعه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي الثاني (عليه السلام) »(1).

وعن ابن محبوب، عن الرضا (عليه السلام) - في حديث له طويل في علامات ظهور القائم (عليه السلام) - قال: «والصوت الثالث - يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس -: هذا أمير المؤمنين قد كرَّ في هلاك الظالمين»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - في حديث -: «يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك اللّه في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك»(3).

وعن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) - في قوله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}(4) - قال: «يرجع إليكم نبيكم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(5).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : سُئل عن الرجعة، أ حق هي؟. قال: «نعم». فقيل له: من أول من يخرج؟. قال: «الحسين (عليه السلام) ، يخرج على أثر القائم (عليه السلام) ». قلت: ومعه الناس كلهم؟. قال: «لا، بل كما ذكر اللّه تعالى في كتابه: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}(6) قوم بعد قوم»(7).

وعن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «واللّه ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً». قلت: متى يكون ذلك؟. قال:

ص: 439


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص234، الباب 13، سيرته (عليه السلام) ، ح22.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص440، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
3- تفسير القمي: ج2 ص130، سورة النمل، الآيات 52 إلى 93.
4- سورة القصص: 85.
5- البرهان في تفسير القرآن: ج4 ص291، سورة القصص، آية 85، ح8194.
6- سورة النبأ: 18.
7- منتخب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام) : ص201، الفصل الثاني عشر.

بعد القائم (عليه السلام) ». قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟. قال: «تسع عشرة سنةً، ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا، وهو الحسين (عليه السلام) ، فيطلب بدمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) »(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) ، فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه قال - حين سُئل عن اليوم الذي ذكر اللّه تعالى مقداره في القرآن: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}(3) -: «هي كرَّة رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيكون ملكه في كرَّته خمسين ألف سنة، ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) في كرَّته أربعاً وأربعين ألف سنة»(4).

وعن بريد العجلي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره اللّه في كتابه حيث يقول: {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}(5)، أكان إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) ، فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم؟. فقال (عليه السلام) : «إن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن إبراهيم كان حجةً لله قائماً صاحب شريعة، فإلى من أرسل إسماعيل إذاً». قلت: فمن كان جعلت فداك؟. قال: «ذاك إسماعيل ابن حزقيل

ص: 440


1- منتخب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام) : ص202، الفصل الثاني عشر.
2- سرور أهل الإيمان في علامات ظهور صاحب الزمان: ص79، علامات ظهور القائم (عليه السلام) .
3- سورة المعارج: 4.
4- البرهان في تفسير القرآن: ج5 ص487، سورة المعارج، الآيات 1 إلى 5، ح11074
5- سورة مريم: 54.

النبي (عليه السلام) ، بعثه اللّه إلى قومه فكذبوه وقتلوه، وسلخوا فروة وجهه، فغضب اللّه له عليهم فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا إسماعيل، أنا سطاطائيل ملك العذاب، وجهني رب العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب كما شئت. فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل. فأوحى اللّه إليه: فما حاجتك يا إسماعيل؟. فقال إسماعيل: يا رب، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية، ولمحمد بالنبوة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرت خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي (عليه السلام) من بعد نبيها، وإنك وعدت الحسين أن تكرَّه إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب أن تكرَّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل كما تكرُّ الحسين. فوعد اللّه إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكرُّ مع الحسين بن علي (عليه السلام) »(1).

وعن حريز، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : جعلت فداك، ما أقل بقاءكم أهل البيت، وأقرب آجالكم بعضها من بعض، مع حاجة هذا الخلق إليكم؟. فقال: «إن لكل واحد منا صحيفةً، فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر، وأتاه النبي ينعى إليه نفسه، وأخبره بما له عند اللّه، وإن الحسين (صلوات اللّه عليه) قرأ صحيفته التي أعطيها، وفسر له ما يأتي، وما يبقى، وبقي منها أشياء لم تنقض، فخرج إلى القتال، وكانت تلك الأمور التي بقيت، أن الملائكة سألت اللّه في نصرته، فأذن لهم، فمكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قُتل، فنزلت وقد انقطعت مدته وقُتل (صلوات اللّه عليه). فقالت الملائكة: يا رب، أذنت لنا في الانحدار، وأذنت لنا في نصرته،

ص: 441


1- بحار الأنوار: ج53 ص105، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح132.

فانحدرنا وقد قبضته. فأوحى اللّه تبارك وتعالى إليهم: أن الزموا قبته حتى ترونه قد خرج فانصروه، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته، وإنكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه. فبكت الملائكة تقرباً وجزعاً على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج (صلوات اللّه عليه) يكونون أنصاره»(1).

وعن سليمان بن خالد، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) - في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}(2) - قال: «الراجفة: الحسين بن علي (صلوات اللّه عليهما)، والرادفة: علي بن أبي طالب (عليه السلام) . وأول من ينفض عن رأسه التراب الحسين بن علي (عليهما السلام) في خمسة وسبعين ألفاً، وهو قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(3)»(4).

وفي رواية: «في خمسة وتسعين ألفاً»(5).

وفي تفسير القمي: قوله: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}(6). عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر (عليهما السلام) ، قالا: «كل قرية أهلك اللّه أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة». فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة؛ لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى

ص: 442


1- بحار الأنوار: ج53 ص106، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح133.
2- سورة النازعات: 6-7.
3- سورة غافر: 51-52.
4- البرهان في تفسير القرآن: ج5 ص575-576، سورة النازعات، الآيات 5 إلى 7، ح11361
5- تفسير فرات الكوفي: ص537، سورة النازعات، الآيات 6 إلى 7، ح689.
6- سورة الأنبياء: 95.

القيامة، من هلك ومن لم يهلك. قوله: {يَرْجِعُونَ} أيضاً عنى في الرجعة، فأما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار(1).

وفي تفسير القمي: «{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} آل محمد حقهم {مَا فِي الأَرْضِ} جميعاً {لَافْتَدَتْ بِهِ}(2) في ذلك الوقت، يعني الرجعة»(3).

وفي تفسير القمي: «{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(4) يعني فإنهم يرجعون، أي الأئمة (عليهم السلام) إلى الدنيا»(5).

وفي تفسير القمي: «{فَارْتَقِبْ} أي اصبر {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، قال: ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر، {يَغْشَى النَّاسَ} كلهم الظلمة، فيقولوا: {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}، فقال اللّه رداً عليهم: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} في ذلك اليوم {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ}، أي: رسول قد بيَّن لهم {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}، قال: قالوا ذلك لما نزل الوحي على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأخذه الغشي. فقالوا: هو مجنون، ثم قال: {إِنَّا كَاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} يعني إلى القيامة، ولو كان قوله: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} في القيامة، لم يقل: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}؛ لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها، ثم قال: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى} يعني في القيامة {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}(6)»(7).

ص: 443


1- تفسير القمي: ج2 ص76، سورة الأنبياء، آية 95.
2- سورة يونس: 54.
3- تفسير القمي: ج1 ص313، سورة يونس، الآيات 41 إلى 71.
4- سورة الزخرف: 28.
5- تفسير القمي: ج2 ص283، سورة الزخرف، الآيات 19 إلى 32.
6- سورة الدخان: 10-16.
7- تفسير القمي: ج2 ص290-291، سورة الدخان، الآيات 1 إلى 14.

وفي تفسير القمي: في قوله: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا}(1)، قال: «في الرجعة»(2).

وفي تفسير القمي: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ}، قال: «القائم وأمير المؤمنين (عليهما السلام) في الرجعة، {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا}(3). قال: «هو قول أمير المؤمنين لزفر: واللّهِ يا ابن صهاك، لولا عهد من رسول اللّه، وكتاب من اللّه سبق، لعلمت أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً. قال: «فلما أخبرهم رسول اللّه ما يكون من الرجعة،

قالوا: متى يكون هذا؟!. قال اللّه: «قل يا محمد: {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا}(4). وقوله: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}(5). قال: «يخبر اللّه رسوله الذي يرتضيه بما كان قبله من الأخبار، وما يكون بعده من أخبار القائم (عليه السلام) ، والرجعة، والقيامة»(6).

وعن الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا (عليه السلام) : يا أبا الحسن، فما تقول في الرجعة؟. فقال الرضا (عليه السلام) : «إنها لحق، قد كانت في الأمم السالفة، ونطق بها القرآن، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يكون في هذه الأمة كل ما كان في

ص: 444


1- سورة ق: 44.
2- تفسير القمي: ج2 ص327، سورة ق، الآيات 44 إلى 45.
3- سورة الجن: 24.
4- سورة الجن: 25.
5- سورة الجن: 26-27.
6- تفسير القمي: ج2 ص391، سورة الجن، الآيات 6 إلى 28.

الأمم السالفة، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة»(1).

وقال علي بن إبراهيم: (ومثله كثير مما وعد اللّه تبارك وتعالى الأئمة (عليهم السلام) من الرجعة والنصرة. فقال: {وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ} يا معشر الأئمة {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(2)، فهذه مما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا. وقوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ}(3)، فهذا كله مما يكون في الرجعة)(4).

وعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قلت له: كان في بني إسرائيل شيء لا يكون هاهنا مثله؟. فقال: «لا». فقلت: فحدثني عن قول اللّه عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}(5) حتى نظر الناس إليهم، ثم أماتهم من يومهم أو ردهم إلى الدنيا؟. فقال: «بل ردهم إلى الدنيا، حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء اللّه، ثم ماتوا بالآجال»(6).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «رحم اللّه جابراً، لقد بلغ من علمه أنه كان

ص: 445


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص201، الباب 46، ح1.
2- سورة النور: 55.
3- سورة القصص: 5-6.
4- تفسير القمي: ج1ص25، مقدمة المصنف.
5- سورة البقرة: 243.
6- بحار الأنوار: ج53 ص74، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح74.

يعرف تأويل هذه الآية: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}(1) يعني الرجعة»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال الحسين (عليه السلام) لأصحابه قبل أن يُقتل: «إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لي: يا بني، إنك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى عموراء، وإنك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}(3)، يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم. فأبشروا فو اللّهِ لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا.

قال: ثم أمكثُ ما شاء اللّه، فأكون أول من ينشق الأرض عنه، فأخرج خرجةً يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا، ثم لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند اللّه، لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلن إليَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة، ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي، وجميع من منَّ اللّه عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق، ثم ليهزن محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لواءه، وليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء اللّه.

ثم إن اللّه يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن، وعيناً من ماء وعيناً من لبن. ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يدفع إليَّ سيف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ويبعثني إلى المشرق والمغرب، فلا آتي على عدو لله إلا أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلا أحرقته، حتى أقع إلى الهند فأفتحها، وإن دانيال ويوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ،

ص: 446


1- سورة القصص: 85.
2- البرهان في تفسير القرآن: ج4 ص291، سورة القصص، آية 85، ح8195.
3- سورة الأنبياء: 69.

يقولان: صدق اللّه ورسوله. ويبعث اللّه معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتليهم، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح اللّه لهم، ثم لأقتلن كل دابة حرم اللّه لحمها، حتى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيب. وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل، ولأخيرنهم بين الإسلام والسيف، فمن أسلم مننت عليه، ومن كره الإسلام أهرق اللّه دمه، ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل اللّه إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب، ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجنة، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى، إلا كشف اللّه عنه بلاءه بنا أهل البيت. ولينزلن البركة من السماء إلى الأرض، حتى إن الشجرة لتقصف بما يريد اللّه فيها من الثمرة، ولتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء، وذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(1)، ثم إن اللّه ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض وما كان فيها، حتى أن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته، فيخبرهم بعلم ما يعملون»(2).

وفي تفسير القمي: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ}، الآية. قال: «العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف، ومعنى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(3)، يعني فإنهم يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا»(4).

ص: 447


1- سورة الأعراف: 96.
2- بحار الأنوار: ج53 ص61-93، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح52.
3- سورة السجدة: 21.
4- تفسير القمي: ج2 ص170، سورة السجده، آية 21.

وفي تفسير القمي: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} إلى قوله {مِنْ سَبِيلٍ}(1). قال الصادق (عليه السلام) : «ذلك في الرجعة»(2).

وفي تفسير القمي، في قوله: {وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ}(3): «يعني أمير المؤمنين والأئمة (صلوات اللّه عليهم) في الرجعة، وإذا رأوهم {قَالُوا آَمَنَّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ}(4)، أي جحدنا بما أشركناهم، {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ}(5)»(6).

وعن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قلت له: قول اللّه عزوجل: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}(7)؟. قال: «ذلك واللّهِ في الرجعة. أما علمت أن أنبياء اللّه تبارك وتعالى كثيراً لم يُنصروا في الدنيا وقُتلوا، وأئمة من بعدهم قُتلوا ولم يُنصروا، فذلك في الرجعة. قلت: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}(8)؟. قال: «هي الرجعة»(9).

وعن موسى الحناط، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «أيام اللّه ثلاثة:

ص: 448


1- سورة غافر: 11.
2- تفسير القمي: ج2 ص256، سورة غافر، الآيات 11 إلى 12.
3- سورة غافر: 81.
4- سورة غافر: 84.
5- سورة غافر: 85.
6- تفسير القمي: ج2 ص261، سورة غافر، الآيات 77 إلى 84.
7- سورة غافر: 51.
8- سورة ق: 41-42.
9- البرهان في تفسير القرآن: ج5 ص151، سورة ق، الآيات 41 إلى 45، ح10098.

يوم يقوم القائم (عليه السلام) ، ويوم الكرَّة، ويوم القيامة»(1).

وعن زرارة، قال أبو جعفر (عليه السلام) : «{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}(2) لم يذق الموت مَن قُتل». وقال: «لابد من أن يرجع حتى يذوق الموت»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا آن قيام القائم، مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ترَ الخلائق مثله. فينبت اللّه به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني انظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب»(4).

وروى المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً: خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالكاً الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً»(5).

وعن المفضل بن عمر، قال: ذكرنا القائم (عليه السلام) ومن مات من أصحابنا ينتظره. فقال لنا أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إذا قام (عليه السلام) ، أُتي المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا، إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك

ص: 449


1- البرهان في تفسير القرآن: ج3 ص286، سورة إبراهيم، آية 5، ح5673.
2- سورة آل عمران: 85، سورة الأنبياء: 35، سورة العنكبوت: 57.
3- تفسير العياشي: ج1 ص210، سورة آل عمران، آية 185، ح170.
4- بحار الأنوار: ج53 ص90، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح94.
5- راجع الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: ج2 ص386، باب تاريخ الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وفضله، فصل سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) .

فأقم»(1).

وعن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) - في الزيارة الجامعة -: «وَجَعَلَني مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثَارَكُمْ، وَيَسْلُكُ سُبُلَكُمْ، وَيَهْتَدِي بِهُداكُمْ، وَيُحْشَرُ في زُمْرَتِكُمْ، وَيَكُرُّ في رَجْعَتِكُمْ، وَيُملَّكُ في دَوْلَتِكُمْ، وَيُشَرَّفُ في عَافِيَتِكُمْ، وَيُمَكَّنُ في أَيّامِكُمْ، وَتَقَرُّ عَيْنُهُ غَدَاً بِرُؤْيَتِكُمْ»(2).

وفي زيارة الوداع: «وَمَكَّنَنِي في دَوْلَتِكُمْ، وَأَحْياني في رَجْعَتِكُمْ»(3).

وعن الصادق (عليه السلام) - في زيارة الأربعين -: «وَأَشْهَدُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ، وَبِإِيابِكُمْ مُوقِنٌ، بِشَرائِعِ دِينِي، وَخَواتِيمِ عَمَلِي»(4).

وفي الزيارة: «حَتَّى الْعَوْدَ إِلَى حَضْرَتِكُمْ، وَالْفَوْزَ في كَرَّتِكُمْ»(5).

وفي زيارة القائم (عليه السلام) في السرداب: «وَوَفِّقْنِي يَا رَبِّ لِلْقِيامِ بِطاعَتِهِ، وَلِلْمَثْوَى فِي خِدْمَتِهِ، وَالْمَكْثِ في دَوْلَتِهِ، وَاجْتِنابِ مَعْصِيَتِهِ، فِإنْ تَوَفَّيْتَنِي اللّهمَّ قَبْلَ ذَلِكَ فَاجْعَلْني يَا رَبِّ فِيمَنْ يَكُرُّ في رَجْعَتِهِ، وَيُمَلَّكُ في دَوْلَتِهِ، وَيَتَمَكَّنُ في أَيّامِهِ، وَيَسْتَظِلُّ تَحْتَ أَعْلامِهِ، وَيُحْشَرُ في زُمْرَتِهِ، وَتَقَرُّ عَيْنُهُ بِرُؤْيَتِهِ»(6).

ص: 450


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص459، الفصل 7، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام) .
2- من لا يحضره الفقيه: ج2 ص615، كتاب الحج، زيارة جامعة لجميع الأئمة (عليهم السلام) ، ح3213.
3- من لا يحضره الفقيه: ج2 ص617، كتاب الحج، زيارة جامعة لجميع الأئمة (عليهم السلام) ، الوداع، ح3213.
4- تهذيب الأحكام: ج6 ص114، كتاب المزار، الباب 52، زيارة الأربعين، ح201/17.
5- مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: ج2 ص822، شهر رجب، فصل في الزيادات في أعمال رجب، زيارة رواها ابن عياش.
6- بحار الأنوار: ج99 ص88، تتمة كتاب المزار، الباب7 من أبواب زيارت الأئمة ورسول اللّه (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، ح2.

وفي زيارة أخرى له (عليه السلام) : «وَإِنْ أَدْرَكَنِيَ الْمُوْتُ قَبْلَ ظُهُورِكَ، فَإنّي أَتَوَسَّلُ بِكَ إِلَى اللّه سُبْحانَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ لِي كَرَّةً فِي ظُهُورِكَ، وَرَجْعَةً في أَيَّامِكَ، لِأَبْلُغَ مِنْ طاعَتِكَ مُرادِي، وَأَشْفِيَ مِنْ أَعْدائِكَ فُؤادِي»(1).

وفي زيارة أخرى: «اللّهمَّ أَرِنا وَجْهَ وَلِيِّكَ الْمَيْمُونَ فِي حَياتِنا وَبَعْدَ الْمَنُونِ، اللّهمَّ إِنّي أَدِينُ لَكَ بِالرَّجْعَةِ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ»(2).

وعن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ، أنه قال: «من دعا إلى اللّه أربعين صباحاً بهذا العهد، كان من أنصار قائمنا. فإن مات قبله، أخرجه اللّه تعالى من قبره، وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، وهو هذا: اللّهمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ،... الدعاء»(3).

وعن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) ، أنه قال: «من أراد أن يزور قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (صلوات اللّه عليهم) من بعيد، فليقل - وساق الزيارة إلى قوله -: «إِنِّي مِنَ الْقائِلِينَ بِفَضْلِكُمْ، مُقِرٌّ بِرَجْعَتِكُمْ، لا أَنْكُرُ للهِ قُدْرَةً، وَلا أَزْعَمُ إلَّا مَا شَاءَ اللّهُ»(4).

وعن أبي حمزة الثمالي، عن الصادق (عليه السلام) - في زيارة الحسين (عليه السلام) -: «وَنُصْرَتي

ص: 451


1- بحار الأنوار: ج99 ص100، تتمة كتاب المزار، الباب7 من أبواب زيارت الأئمة ورسول اللّه (صلوات اللّه عليهم أجمعين).
2- المزار الكبير لابن المشهدي: ص658، القسم الثامن في زيارات الأئمة (عليهم السلام) ، الباب2 زيارة العسكريين (عليهما السلام) .
3- المزار الكبير لابن المشهدي: ص663، القسم الثامن في زيارات الأئمة (عليهم السلام) ، الباب5 ذكر العهد المأمور به في زمان الغيبة.
4- بحار الأنوار: ج53 ص97، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح112.

لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتَّى يُحيِيَكُمْ اللّهُ لِدِينِهِ وَيَبْعَثَكُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّكُمُ الْحُجَّةُ، وَبِكُمْ تُرْجَى الرَّحْمَةُ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، إِنِّي بِإيَابِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(1).

وفي دعاء يوم دحو الأرض: «وَابْعَثْنَا فِي كَرَّتِهِ، حَتَّى نَكُونَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أعْوَانِهِ»(2).

وقال الصادق (عليه السلام) : «ليس منا من لم يؤمن بكرَّتنا، ولم يستحل متعتنا»(3).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أنا الفاروق الأكبر، وصاحب الميسم، وأنا صاحب النشر الأول، والنشر الآخر، وصاحب الكرَّات، ودولة الدول، وعلى يدي يتم موعد اللّه، وتكمل كلمته، وبي يكمل الدين»(4).

وعن أبي الصامت الحلواني، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه): «لقد أُعطيت الست: علم المنايا والبلايا والوصايا، وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكرَّات، ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس»(5).

وفي تفسير القمي: قوله: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} آل محمد (عليهم السلام) حقهم {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ}(6). قال: «عذاب الرجعة بالسيف»(7).

ص: 452


1- بحار الأنوار: ج53 ص98، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح116.
2- مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: ج2 ص670، فصل في ذكر سياقة عبادات السنة من أولها إلى آخرها، ذو القعدة.
3- وسائل الشيعة: ج21 ص7-8 ب1 ح26365.
4- بحار الأنوار: ج53 ص98، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح114.
5- الكافي: ج1 ص198، كتاب الحجة، باب أن الأئمة هم أركان الأرض، ح3.
6- سورة الطور: 47.
7- تفسير القمي: ج2 ص333، سورة الطور، الآيات 47 إلى 49.

وعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إذا قام قائم آل محمد، استخرج من ظهر الكعبة سبعةً وعشرين رجلاً: خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وسبعةً من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر»(1).

وعن أبي الصباح الكناني، قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فدخل عليه شيخ. فقال: عقني ولدي وجفاني إخواني. فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «أ و ما علمت أن للحق دولةً وللباطل دولةً، كلاهما ذليل في دولة صاحبه، فمن أصابته رفاهية الباطل، اقتص منه في دولة الحق»(2).

وفي تفسير القمي: قوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ}(3). قال: «هو قيامه في الرجعة ينذر فيها»(4).

وفي تفسير القمي: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ} أي الثاني {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} أي أكاذيب الأولين {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ}(5). قال: «في الرجعة، إذا رجع أمير المؤمنين (عليه السلام) ورجع أعداؤه، فيسمهم بميسم معه، كما توسم البهائم على الخرطوم الأنف والشفتين»(6).

ص: 453


1- تفسير العياشي: ج2 ص32، سورة الأعراف، آية 159، ح90.
2- كتاب الغيبة للنعماني: ص319، الباب 21، ح7.
3- سورة المدثر: 2.
4- تفسير القمي: ج2 ص393، سورة المدثر، الآيات 1 إلى 6.
5- سورة القلم: 15-16.
6- تفسير القمي: ج2 ص381، سورة القلم، آية 3.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: {العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ}(1): الرجعة»(2).

وعن أبي مروان، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عز وجل: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}(3)؟. قال: فقال لي: «لا واللّهِ، لاتنقضي الدنيا ولا تذهب، حتى يجتمع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب»، يعني موضعاً بالكوفة(4).

وعن حمران، قال: «عُمر الدنيا مائة ألف سنة، لسائر الناس عشرون ألف سنة، وثمانون ألف سنة لآل محمد (عليه وعليهم السلام)»(5).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا}، قال: «في الرجعة». {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}(6) قال: «لا يخاف من مثلها إذا رجع»(7).

وعن عبد اللّه بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : قوله عز وجل: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}(8)؟. قال: «يعني مرةً في الكرَّة، ومرةً أخرى

ص: 454


1- سورة السجدة: 21.
2- بحار الأنوار: ج53 ص114، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ضمن ح138.
3- سورة القصص: 85.
4- البرهان في تفسير القرآن: ج4 ص292، سورة القصص، آية 85، ح8200.
5- بحار الأنوار: ج53 ص116، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ضمن ح138.
6- سورة الشمس: 14-15.
7- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص777، سورة الشمس، الآيات 1 إلى 15.
8- سورة التكاثر: 3-4.

يوم القيامة»(1).

وعن الصادق (عليه السلام) قال: «من أقر بسبعة أشياء فهو مؤمن - وذكر منها -: الإيمان بالرجعة»(2).

وروى الصفواني في كتابه بإسناده، قال: سُئل الرضا (عليه السلام) عن تفسير: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ}(3)، الآية. قال: «واللّهِ ما هذه الآية إلا في الكرَّة»(4).

رواية المفضل في الرجعة

وفي رواية المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: «ثم يظهر الحسين (عليه السلام) في اثني عشر ألف صدِّيق، واثنين وسبعين رجلاً أصحابه يوم كربلاء، فيا لك عندها من كرَّة زهراء بيضاء.

ثم يخرج الصدِّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وينصب له القبة بالنجف، ويقام أركانها: ركن بالنجف، وركن بهجر، وركن بصنعاء، وركن بأرض طيبة. لكأني أنظر إلى مصابيحه تشرق في السماء والأرض، كأضواء من الشمس والقمر، فعندها {تُبْلَى السَّرَائِرُ}(5)، و{تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}(6)، إلى آخر الآية.

ص: 455


1- البرهان في تفسير القرآن: ج5 ص745، سورة التكاثر، الآيات 1 إلى 8، ح11864.
2- بحار الأنوار: ج53 ص121، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ح161.
3- سورة غافر: 11.
4- بحار الأنوار: ج53 ص144، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب29 الرجعة، ضمن ح162.
5- سورة الطارق: 9.
6- سورة الحج: 2.

ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أنصاره والمهاجرين، ومن آمن به وصدَّقه واستشهد معه، ويحضر مكذبوه والشاكون فيه، والرادون عليه، والقائلون فيه: إنه ساحر، وكاهن، ومجنون، وناطق عن الهوى، ومن حاربه وقاتله، حتى يقتص منهم بالحق، ويجازون بأفعالهم، منذ وقت ظهر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى ظهور المهدي، مع إمام إمام، ووقت وقت، ويحق تأويل هذه الآية: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(1)».

قال المفضل: يا سيدي، ومَن فرعون وهامان؟. قال: «فلان وفلان». قال المفضل: قلت: يا سيدي، ورسول اللّه وأمير المؤمنين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكونان معه؟. فقال: لابد أن يطئا الأرض، إي واللّهِ حتى ما وراء الخاف، إي واللّهِ وما في الظلمات، وما في قعر البحار، حتى لا يبقى موضع قدم إلا وطئا وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى.

ثم لكأني أنظر - يا مفضل - إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، نشكو إليه ما نزل بنا من الأمة بعده، وما نالنا من التكذيب، والرد علينا، وسبينا، ولعننا، وتخويفنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة بترحيلنا عن الحرمة إلى دار ملكهم، وقتلهم إيانا بالسم والحبس. فيبكي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويقول: يا بني، ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم.

ثم تبتدئ فاطمة (عليها السلام) ، وتشكو ما نالها من فلان وفلان، وأخذ فدك منها، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار، وخطابها له في أمر فدك، وما رد

ص: 456


1- سورة القصص: 5-6.

عليها من قوله: إن الأنبياء لا تورث. واحتجاجها بقول زكريا ويحيى (عليه السلام) ، وقصة داود وسليمان (عليه السلام) ، وقول ابن الخطاب: هاتي صحيفتكِ التي ذكرتِ أن أباكِ كتبها لكِ. وإخراجها الصحيفة، وأخذه إياها منها، ونشره لها على رؤوس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب، وتفله فيها، وتمزيقه إياها، وبكائها، ورجوعها إلى قبر أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) باكيةً حزينةً، تمشي على الرمضاء قد أقلقتها، واستغاثتها باللّه وبأبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وتمثلها بقول رقيقة بنت صيفي:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة***لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم***لما نأيت وحالت دونك الحجب

لكل قوم لهم قرب ومنزلة***عند الإله على الأدنين مقترب

يا ليت قبلك كان الموت حل بنا***أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا

وتقص عليه قصة ابن أبي قحافة، وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذاً وابن الخطاب، وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة، واشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بضم أزواجه، وقبره، وتعزيتهم، وجمع القرآن، وقضاء دينه، وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم، باع فيها تليده وطارفه، وقضاها عن رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وقول ابن الخطاب: اخرج - يا علي - إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك. وقول فضة جارية فاطمة: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) مشغول، والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه. وجمعهم الجزل والحطب على الباب؛ لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة (عليهم السلام) ، وإضرامهم النار على

ص: 457

الباب، وخروج فاطمة إليهم، وخطابها لهم من وراء الباب، وقولها: ويحك - يا ابن الخطاب - ما هذه الجرأة على اللّه وعلى رسوله، تريد أن تقطع نسله من الدنيا، وتفنيه، وتطفئ نور اللّه، واللّه متم نوره!. وانتهاره لها، وقوله: كفي - يا فاطمة - فليس محمد حاضراً، ولا الملائكة آتيةً بالأمر والنهي والزجر من عند اللّه، وما عليٌّ إلا كأحد المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة ابن أبي قحافة، أو إحراقكم جميعاً. فقالت وهي باكية: اللّهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك، وارتداد أُمته علينا، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل. فقال لها ابن الخطاب: دعي عنكِ - يا فاطمة - حمقات النساء، فلم يكن اللّه ليجمع لكم النبوة والخلافة. وأخذت النار في خشب الباب، وإدخال قنفذ يده (لعنه اللّه) يروم فتح الباب، وضرب ابن الخطاب لها بالسوط على عضدها، حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها، وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر، وإسقاطها إياه، وهجوم ابن الخطاب وقنفذ وخالد بن الوليد، وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء وتقول: وا أبتاه، وا رسول اللّه، ابنتك فاطمة تُكذب وتُضرب، ويُقتل جنين في بطنها. وخروج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمر العين حاسراً، حتى ألقى ملاءته عليها، وضمها إلى صدره. وقوله لها: يا بنت رسول اللّه، قد علمتي أن أباكِ بعثه اللّه رحمةً للعالمين، فاللّه اللّه أن تكشفي خماركِ، وترفعي ناصيتكِ. فو اللّهِ - يا فاطمة - لئن فعلتِ ذلك، لا أبقى اللّه على الأرض من يشهد أن محمداً رسول اللّه، ولا موسى، ولا عيسى، ولا إبراهيم، ولا نوحاً، ولا آدم، ولا دابةً تمشي على الأرض، ولا طائراً في السماء، إلا أهلكه اللّه. ثم قال: يا ابن الخطاب، لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه،

ص: 458

اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة. فخرج ابن الخطاب وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر، فصاروا من خارج الدار، وصاح أمير المؤمنين بفضة: يا فضة، مولاتكِ فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة، ورد الباب، فأسقطت محسناً. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فإنه لاحق بجده رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيشكو إليه. وحمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار، يذكرهم باللّه ورسوله، وعهده الذي بايعوا اللّه ورسوله، وبايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها، فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.

ثم يشكو إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) المحن العظيمة، التي امتحن بها بعده، وقوله: لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل، وقولي كقوله لموسى: يا {ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ}(1). فصبرت محتسباً، وسلمت راضياً، وكانت الحجة عليهم في خلافي، ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول اللّه. واحتملت - يا رسول اللّه - ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الأوصياء من سائر الأمم، حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم، وكان اللّه الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي، وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة، وسيرهم بها إلى البصرة، وخروجي إليهم، وتذكيري لهم اللّه وإياك، وما جئت به يا رسول اللّه، فلم يرجعا حتى نصرني اللّه عليهما، حتى أهرقت دماء عشرين ألفاً من المسلمين،

ص: 459


1- سورة الأعراف: 150.

وقطعت سبعون كفاً على زمام الجمل، فما لقيت في غزواتك - يا رسول اللّه - وبعدك أصعب يوماً منه أبداً، لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها وأعظمها، فصبرت كما أدبني اللّه بما أدبك به يا رسول اللّه في قوله عز وجل: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(1)، وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللّهِ}(2). وحق واللّهِ يا رسول اللّه، تأويل الآية التي أنزلها اللّه في الأمة من بعدك في قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}(3).

يا مفضل، ويقوم الحسن (عليه السلام) إلى جده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فيقول: يا جداه، كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة، حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم (لعنه اللّه)، فوصاني بما وصيته يا جداه، وبلغ اللعين معاوية قتل أبي، فأنفذ الدعي اللعين زياداً إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل، فأمر بالقبض عليَّ، وعلى أخي الحسين، وسائر إخواني، وأهل بيتي، وشيعتنا وموالينا، وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية، فمن يأبى منا ضرب عنقه، وسيَّر إلى معاوية رأسه. فلما علمت ذلك من فعل معاوية، خرجت من داري، فدخلت جامع الكوفة للصلاة، ورقأت المنبر، واجتمع الناس. فحمدت اللّه وأثنيت عليه، وقلت: معشر الناس، عفت الديار، ومحيت الآثار، وقل الاصطبار، فلا قرار على همزات الشياطين، وحكم الخائنين، الساعة وصحت البراهين، وفصلت الآيات، وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها، قال اللّه عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ

ص: 460


1- سورة الأحقاف: 35.
2- سورة النحل: 127.
3- سورة آل عمران: 144.

خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}(1)، فلقد مات - واللّهِ - جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقُتل أبي (عليه السلام) ، وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السنة. فيا لها من فتنة صماء عمياء، لا يسمع لداعيها، ولا يجاب مناديها، ولا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق، وسيَّرت رايات أهل الشقاق، وتكالبت جيوش أهل المراق، من الشام والعراق. هلموا رحمكم اللّه إلى الافتتاح، والنور الوضاح، والعلم الجحجاح، والنور الذي لا يطفى، والحق الذي لا يخفى. أيها الناس، تيقظوا من رقدة الغفلة، ومن تكاثف الظلمة.

فو الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، وتردى بالعظمة، لئن قام إليَّ منكم عصبة بقلوب صافية، ونيات مخلصة، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نية افتراق، لأجاهدن بالسيف قدماً قدماً، ولأضيقن من السيوف جوانبها، ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلموا رحمكم اللّه. فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة، إلا عشرون رجلاً، فإنهم قاموا إليَّ فقالوا: يا ابن رسول اللّه، ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا، فها نحن بين يديك، لأمرك طائعون، وعن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت.

فنظرت يمنةً ويسرةً، فلم أرَ أحداً غيرهم. فقلت لي: أسوة بجدي رسول اللّه، حين عبد اللّه سراً، وهو يومئذٍ في تسعة وثلاثين رجلاً، فلما أكمل اللّه له الأربعين، صار في عدة، وأظهر أمر اللّه، فلو كان معي عدتهم، جاهدت في اللّه حق جهاده، ثم رفعت رأسي نحو السماء. فقلت: اللّهم إني قد دعوت

ص: 461


1- سورة آل عمران: 144.

وأنذرت، وأمرت ونهيت، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن طاعته مقصرين، ولأعدائه ناصرين. اللّهم فأنزل عليهم رجزك وبأسك، وعذابك الذي لايرد عن القوم الظالمين.

ونزلت، ثم خرجت من الكوفة راحلاً إلى المدينة، فجاءوني يقولون: إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار والكوفة، وشن غاراته على المسلمين، وقتل من لم يقاتله، وقتل النساء والأطفال. فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم، فأنفذت معهم رجالاً وجيوشاً، وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية، وينقضون عهدي وبيعتي، فلم يكن إلا ما قلت لهم وأخبرتهم.

ثم يقوم الحسين (عليه السلام) مخضباً بدمه، هو وجميع من قتل معه، فإذا رآه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكى، وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه، وتصرخ فاطمة (عليه السلام) ، فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين والحسن (عليه السلام) عن يمينه، وفاطمة عن شماله، ويقبل الحسين (عليه السلام) ، فيضمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى صدره. ويقول: يا حسين فديتك، قرَّت عيناك وعيناي فيك. وعن يمين الحسين حمزة أسد اللّه في أرضه، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار.

و يأتي محسن، تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وهن صارخات، وأمه فاطمة تقول: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}(1)، اليوم {تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}(2)».

ص: 462


1- سورة الأنبياء: 103.
2- سورة آل عمران: 30.

قال: فبكى الصادق (عليه السلام) حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: «لا قرَّت عين لا تبكي عند هذا الذكر». قال: وبكى المفضل بكاءً طويلاً، ثم قال: يا مولاي، ما في الدموع يا مولاي؟. فقال: «ما لا يحصى إذا كان من محق».

ثم قال المفضل: يا مولاي، ما تقول في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}(1)؟. قال: «يا مفضل، والموؤدة واللّهِ محسن؛ لأنه منا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه».

قال المفضل: يا مولاي، ثم ماذا؟. قال الصادق (عليه السلام) : «تقوم فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فتقول: اللّهم أنجز وعدك وموعدك لي، فيمن ظلمني، وغصبني، وضربني، وجزعني، بكل أولادي. فتبكيها ملائكة السماوات السبع، وحملة العرش، وسكان الهواء، ومن في الدنيا، ومن تحت أطباق الثرى، صائحين صارخين إلى اللّه تعالى، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا، ورضي بما جرى علينا، إلا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة، دون من قتل في سبيل اللّه؛ فإنه لا يذوق الموت، وهو كما قال اللّه عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(2)».

قال المفضل: يا مولاي، إن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم. فقال (عليه السلام) : «إنما سمعوا قول جدنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ونحن سائر الأئمة نقول: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ}(3). قال الصادق (عليه السلام) : العذاب الأدنى: عذاب الرجعة، والعذاب الأكبر: عذاب

ص: 463


1- سورة التكوير: 8-9.
2- سورة آل عمران: 169-170.
3- سورة السجدة: 21.

يوم القيامة الذي {تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ}(1)...

ثم يقوم جدي علي بن الحسين وأبي الباقر (عليه السلام) ، فيشكوان إلى جدهما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما فعل بهما، ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما فعل المنصور بي، ثم يقوم ابني موسى فيشكو إلى جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما فعل به الرشيد، ثم يقوم علي بن موسى فيشكو إلى جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما فعل به المأمون، ثم يقوم محمد بن علي فيشكو إلى جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما فعل به المأمون، ثم يقوم علي بن محمد فيشكو إلى جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما فعل به المتوكل، ثم يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما فعل به المعتز.

ثم يقوم المهدي، سمي جدي رسول اللّه، وعليه قميص رسول اللّه مضرجاً بدم رسول اللّه، يوم شج جبينه، وكسرت رباعيته، والملائكة تحفه، حتى يقف بين يدي جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فيقول: يا جداه، وصفتني ودللت عليَّ، ونسبتني وسميتني وكنيتني، فجحدتني الأمة، وتمردت وقالت: ما وُلد، ولا كان، وأين هو، ومتى كان، وأين يكون، وقد مات ولم يعقب، ولو كان صحيحاً ما أخره اللّه تعالى إلى هذا الوقت المعلوم. فصبرت محتسباً، وقد أذن اللّه لي فيها بإذنه يا جداه. فيقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين. ويقول: جاء نصر اللّه والفتح، وحق قول اللّه سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى

ص: 464


1- سورة إبراهيم: 48.

وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(1)، ويقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}(2)».

فقال المفضل: يا مولاي، أي ذنب كان لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟. فقال الصادق (عليه السلام) : «يا مفضل، إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: اللّهم حمِّلني ذنوب شيعة أخي وأولادي الأوصياء، ما تقدم منها وما تأخر إلى يوم القيامة، ولاتفضحني بين النبيين والمرسلين من شيعتنا. فحمَّله اللّه إياها، وغفر جميعها».

قال المفضل: فبكيت بكاء طويلاً. وقلت: يا سيدي، هذا بفضل اللّه علينا فيكم. قال الصادق (عليه السلام) : «يا مفضل، ما هو إلا أنت وأمثالك. بلى - يا مفضل - لا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا، فيتكلون على هذا الفضل، ويتركون العمل، فلا يغني عنهم من اللّه شيئاً؛ لأنا كما قال اللّه تبارك وتعالى فينا: {لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}(3)».

قال المفضل: يا مولاي، فقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(4)، ما كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ظهر على الدين كله؟. قال: يا مفضل، لو كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ظهر على الدين كله، ما كانت: مجوسية، ولا يهودية، ولا صابئية، ولا نصرانية، ولا فرقة، ولا خلاف، ولا شك، ولا شرك، ولا عبدة أصنام، ولا أوثان، ولا اللات والعزى، ولا عبدة الشمس والقمر، ولا النجوم ولا النار ولا الحجارة.

ص: 465


1- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.
2- سورة الفتح: 1-3.
3- سورة الأنياء: 25.
4- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.

وإنما قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} في هذا اليوم، وهذا المهدي، وهذه الرجعة، وهو قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ}(1)». فقال المفضل: أشهد أنكم من علم اللّه علمتم، وبسلطانه وبقدرته قدرتم، وبحكمه نطقتم، وبأمره تعملون(2).

ص: 466


1- سورة البقرة: 193، سورة الأنفال: 39.
2- بحار الأنوار: ج53 ص16-34، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب28 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

33

مع أبيه العسكري (عليهم السلام)

اشارة

إن الإمام المهدي (عليه السلام) حضر عند أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في لحظاته الأخيرة، بعدما سُقي السم، وسمع وصاياه ونفذها، كما قام بنفسه بتجهيز والده صلاةً، وغسلاً، وتكفيناً، ودفناً.

في اللحظات الأخيرة

قال إسماعيل بن علي: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبياً، قد خدم من قبله علي بن محمد (عليه السلام) ، وهو ربى الحسن (عليه السلام) - فقال له: «يا عقيد، أغل لي ماءً بمصطكي». فأغلى له، ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف (عليه السلام) . فلما صار القدح في يديه، وهمَّ بشربه، فجعلت يده ترتعد، حتى ضرب القدح ثنايا الحسن، فتركه من يده. وقال لعقيد: «ادخل البيت، فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به». قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرى، فإذا أنا بصبي ساجد، رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه، فأوجز في صلاته. فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه. إذ جاءت أمه صقيل، فأخذت بيده، وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام) . قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلَّم، وإذا هو دري اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان. فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: «يا

ص: 467

سيد أهل بيته، اسقني الماء؛ فإني ذاهب إلى ربي». وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثم حرَّك شفتيه ثم سقاه. فلما شربه قال: «هيئوني للصلاة». فطرح في حجره منديل، فوضأه الصبي واحدةً واحدةً، ومسح على رأسه وقدميه. فقال له أبو محمد (عليه السلام) : «أبشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة اللّه على أرضه، وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك، وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وَلَدَكَ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، وبشَّر بك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسماك وكناك. بذلك عهد إليَّ أبي عن آبائك الطاهرين، صلى اللّه على أهل البيت، ربنا إنه حميد مجيد». ومات الحسن بن علي من وقته (صلوات اللّه عليهم أجمعين)(1).

وصية أبيه (عليه السلام)

كان من وصية الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لابنه الإمام المهدي (عليه السلام) أن قال له: «يا بني، إن اللّه جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه، وأهل الجد في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلى بها، وإمام يؤتم به، ويقتدى بسبل سنته، ومنهاج قصده، وأرجو - يا بني - أن تكون أحد من أعده اللّه لنشر الحق، وطي الباطل، وإعلاء الدين، وإطفاء الضلال. فعليك - يا بني - بلزوم خوافي الأرض، وتتبع أقاصيها؛ فإن لكل ولي من أولياء اللّه عز وجل عدواً مقارعاً، وضداً منازعاً، افتراضاً لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه، أولي الإلحاد والعناد، فلا يوحشنك ذلك. واعلم أن قلوب أهل الطاعة والإخلاص نزَّع إليك، مثل الطير إذا أمت

ص: 468


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص272-273، الفصل 3.

أوكارها، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة، وهم عند اللّه بررة أعزاء، يبرزون بأنفس مختلة محتاجة، وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد، خصهم اللّه باحتمال الضيم، ليشملهم باتساع العز في دار القرار، وجبلهم على خلائق الصبر؛ لتكون لهم العاقبة الحسنى، وكرامة حسن العقبى. فاقتبس - يا بني - نور الصبر على موارد أمورك، تفز بدرك الصنع في مصادرها، واستشعر العز فيما ينوبك، تحظ بما تحمد عليه إن شاء اللّه. فكأنك - يا بني - بتأييد نصر اللّه قد آن، وتيسير الفلح وعلو الكعب قد حان، وكأنك بالرايات الصفر والأعلام البيض، تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكأنك بترادف البيعة وتصافي الولاء، يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود، تلوذ بفنائك من ملأ برأهم اللّه من طهارة الولاء، ونفاسة التربة، مقدسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينة عرائكهم للدين، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم، يدينون بدين الحق وأهله، فإذا اشتدت أركانهم وتقومت أعمادهم، قدت بمكاثفتهم طبقات الأمم، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة، بسقت أفنان غصونها على حافات بحيرة الطبرية، فعندها يتلألأ صبح الحق، وينجلي ظلام الباطل، ويقصم اللّه بك الطغيان، ويعيد معالم الإيمان، ويظهر بك أسقام الآفاق، وسلام الرفاق، يود الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازاً، تهتز بك أطراف الدنيا بهجةً، وتهز بك أغصان العز نضرةً، وتستقر بواني العز في قرارها، وتئوب شوارد الدين إلى أوكارها، يتهاطل عليك سحائب الظفر، فتخنق كل عدو، وتنصر كل ولي، فلا يبقى على وجه الأرض

ص: 469

جبار قاسط، ولا جاحد غامط، ولا شانئ مبغض، ولا معاند كاشح، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(1)»(2).

الصلاة على جنازة أبيه

عن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي - من ولد العباس - قال: (حضرت دار أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسر من رأى يوم توفي، وأُخرجت جنازته ووُضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتى خرج علينا غلام عشاري حافٍ، عليه رداء قد تقنع به، فلما أن خرج قمنا هيبةً له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه فصلى عليه، ومشى فدخل بيتاً غير الذي خرج منه)(3).

وعن أبي الأديان - خادم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - قال: كنت أخدم الحسن بن علي (عليه السلام) ، وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها (صلوات اللّه عليه)، فكتب معي كتباً وقال: «تمضي بها إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً، فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل». قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك فمن؟. قال: «من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم بعدي». فقلت: زدني؟. فقال: «من يصلي عليَّ، فهو القائم بعدي». فقلت: زدني؟. فقال: «من أخبر بما في الهميان، فهو القائم بعدي». ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن، وأخذت جواباتها، ودخلت سر من

ص: 470


1- سورة الطلاق: 3.
2- بحار الأنوار: ج52 ص35-36، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح28.
3- كتاب الغيبة للطوسي: ص258-259، الفصل 3.

رأى يوم الخامس عشر، كما قال لي (عليه السلام) ، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزونه ويهنئونه.

فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة؛ لأني كنت أعرفه. فتقدمت فعزيت وهنيت، فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد. فقال: يا سيدي، قد كُفِّن أخوك، فقم للصلاة عليه. فدخل جعفر بن علي، والشيعة من حوله يقدمهم السمان، والحسن بن علي - قتيل المعتصم المعروف بسلمة - فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي (صلوات اللّه عليه) على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما همَّ بالتكبير، خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ رداء جعفر بن علي. وقال: «تأخر يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي». فتأخر جعفر وقد اربد وجهه، فتقدم الصبي فصلى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليه السلام) .

ثم قال - أي الصبي -: «يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك». فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه اثنتان، بقي الهميان. ثم خرجت إلى جعفر بن علي، وهو يزفر. فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي، من الصبي؟. ليقيم عليه الحجة، فقال: واللّهِ ما رأيته قط، ولا عرفته. فنحن جلوس، إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (صلوات اللّه عليه) فعرفوا موته. فقالوا: فمن نعزي؟. فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلموا عليه وعزوه وهنئوه، وقالوا: معنا كتب ومال، فتقول ممن الكتب وكم المال؟. فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منا أن نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلسة. فدفعوا الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام.

ص: 471

... فوجه المعتمد خدمه، فقبضوا على صقيل الجارية، وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حملاً بها؛ لتغطي على حال الصبي، فسُلِّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان فجأةً، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين لا شريك له(1).

ص: 472


1- بحار الأنوار: ج52 ص67-68، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح53.

34

درر من كلماته

أنا في التقية

قال الإمام المهدي (عليه السلام) لعلي بن مهزيار: «يا ابن المازيار، أبي أبو محمد (عليه السلام) عهد إليَّ أن لا أجاور قوماً غضب اللّه عليهم، ولهم الخزي في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب أليم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها، ومن البلاد إلا عفرها. واللّه مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج»(1).

وفي رواية قال (عليه السلام) : «إن أبي (صلى اللّه عليه) عهد إليَّ أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها؛ إسراراً لأمري، وتحصيناً لمحلي من مكايد أهل الضلال والمردة، من أحداث الأمم الضوال، فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض، يُنظرني الغاية التي عندها يحل الأمر، وينجلي الهلع»(2).

متى يكون الفرج؟

قال علي بن مهزيار للإمام المهدي (عليه السلام) : يا سيدي، متى يكون هذا الأمر؟.

ص: 473


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص266، الفصل 3.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص447، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح19.

فقال (عليه السلام) : «إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم»(1).

لا تأخر الصلاة

قال الإمام المهدي (عليه السلام) - في رواية -: «ملعون، ملعون، من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم. ملعون، ملعون، من أخر الغداة إلى أن تنفض النجوم»(2).

العطاس أمان

عن نسيم - خادمة أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) - قالت: دخلت على صاحب الأمر (عليه السلام) بعد مولده بليلة، فعطست عنده. فقال لي: «يرحمكِ اللّه». قالت نسيم: ففرحت. فقال لي (عليه السلام) : «أ لا أبشركِ في العطاس». قلت: بلى. قال: «هو أمان من الموت ثلاثة أيام»(3).

الحقية

قال الإمام المهدي (عليه السلام) - في حديث عمن يدخل الجنة -: «واللّهِ إنه ليدخلها قوم يقال لهم: الحقية... قوم من حبهم لعلي (عليه السلام) يحلفون بحقه، ولا يدرون ما حقه وفضله»(4).

ص: 474


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص266، الفصل 3.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص479، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية.
3- بحار الأنوار: ج52 ص30، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح24.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص247، الفصل 2.

قلب المعصوم (عليه السلام)

قال الإمام المهدي (عليه السلام) - في حديث -: «قلوبنا أوعية لمشية اللّه عز وجل، فإذا شاء شئنا، واللّه تعالى يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ}(1)»(2).

ص: 475


1- سورة الإنسان: 30، سورة التكوير: 29.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص459، الباب الثالث عشر في معجزات الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) ، ح4.

35

أدعية الفرج و الزيارات

أدعية الفرج

هناك أدعية مأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) في تعجيل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) نذكر بعضها:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ بَعْثَهُ خُرُوجاً مِنَ الْغُمَّةِ، وَاجْمَعْ بِهِ شَمْلَ الْأُمَّةِ»(1).

وعن عبد اللّه بن جعفر الحميري، أنه قال: سألت محمد بن عثمان (رضوان اللّه عليه). فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر (عليه السلام) ؟. قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، وهو يقول: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي مَا وَعَدْتَنِي»(2).

وقال محمد بن عثمان (رحمه اللّه) : ورأيته (صلوات اللّه عليه) متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: «اللَّهُمَّ انْتَقِمْ بِي مِنْ أَعْدائِكَ»(3).

ص: 476


1- كتاب الغيبة للنعماني: ص214، الباب 13، ح1.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص440، الباب43 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح9.
3- بحار الأنوار: ج51 ص351، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ضمن ح13.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، أنه كان يقرأ هذا الدعاء بعد الفريضة: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَانَا صَاحِبَ الزَّمَانِ أَيْنَمَا كَانَ، وَحَيْثُمَا كَانَ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، عَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ وَعَنْ وُلْدِي وَإِخْوَانِي التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَ، عَدَدَ خَلْقِ اللّهِ، وَزِنَةَ عَرْشِ اللّهِ، وَمَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَأَحَاطَ عِلْمُهُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ، وَمَا عِشْتُ فِيهِ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِي عَهْداً وَعَقْداً، وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لَا أَحُولُ عَنْهَا وَلَا أَزُولُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ، وَنُصَّارِهِ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ فِي أَيَّامِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

اللَّهُمَّ فَإِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ، الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي، مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شَاهِراً سَيْفِي، مُجَرِّداً قَنَاتِي، مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي، فِي الْحَاضِرِ وَالْبَادِي.

اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ بَصَرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ. اللَّهُمَّ اشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ ظَهْرَهُ، وَطَوِّلْ عُمُرَهُ.

اللَّهُمَّ اعْمُرْ بِهِ بِلَادَكَ، وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ؛ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(1)، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ، وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ، الْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيُحَقِّقُهُ. اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِظُهُورِهِ، {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا}(2)، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ»(3).

ص: 477


1- سورة الروم: 41.
2- سورة المعارج: 6-7.
3- بحار الأنوار: ج83 ص61، الباب38 من أبواب تتمة كتاب الصلاة، ح69.

اللّهم عرفني حجتك

عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إن للغلام غيبةً قبل أن يقوم». قال: قلت: ولِمَ؟. قال: «يخاف»، وأومأ بيده إلى بطنه، ثم قال: «يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن اللّه عز وجل يجب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة». قال زرارة: فقلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟. قال: «يا زرارة، إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء: اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي»(1).

دعاء الغريق

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «ستصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يرى، ولا إمام هدًى، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق». قلت: كيف دعاء الغريق؟. قال: «يقول: يَا اللّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». فقلت: يَا اللّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. قال: إن اللّه عز وجل مقلب القلوب والأبصار، ولكن قُل كما أقول لك: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»(2).

ص: 478


1- الكافي: ج1 ص337، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح5.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص351-352، الباب33 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح50.

الصلاة على الإمام (عليه السلام)

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ الْمُحْيِي سُنَّتَكَ، الْقَائِمِ بِأَمْرِكَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ، الدَّلِيلِ عَلَيْكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَشَاهِدِكَ عَلَى عِبَادِكَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمُرِهِ، وَزَيِّنِ الْأَرْضَ بِطُولِ بَقَائِهِ. اللَّهُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الْحَاسِدِينَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ الْكَائِدِينَ، وَازْجُرْ عَنْهُ إِرَادَةَ الظَّالِمِينَ، وَخَلِّصْهُ مِنْ أَيْدِي الْجَبَّارِينَ. اللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ، وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ، وَعَدُوِّهِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الدُّنْيَا، مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ أَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا مُحِيَ مِنْ دِينِكَ، وَأَحْيِ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ كِتَابِكَ، وَأَظْهِرْ بِهِ مَا غُيِّرَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ، غَضّاً جَدِيداً، خَالِصاً مُخْلَصاً، لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ مَعَهُ، وَلَا بَاطِلَ عِنْدَهُ وَلَا بِدْعَةَ لَدَيْهِ. اللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَاهْدِمْ بِعِزَّتِهِ كُلَّ ضَلَالَةٍ، وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأَخْمِدْ بِسَيْفِهِ كُلَّ نَارٍ، وَأَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَائِرٍ، وَأَجْرِ حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَأَذِلَّ بِسُلْطَانِهِ كُلَّ سُلْطَانٍ. اللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ نَاوَاهُ، وَأَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عَادَاهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَاسْتَأْصِلْ بِمَنْ جَحَدَ حَقَّهُ، وَاسْتَهَانَ بِأَمْرِهِ، وَسَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَأَرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرِهِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، وَعَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، وَفَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَالْحَسَنِ الرِّضَا، وَالْحُسَيْنِ الْمُصْطَفَى، وَجَمِيعِ الْأَوْصِيَاءِ وَمَصَابِيحِ الدُّجَى، وَأَعْلَامِ الْهُدَى، وَمَنَارِ التُّقَى، وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَالْحَبْلِ الْمَتِينِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ، وَوُلَاةِ عَهْدِهِ، وَالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَمُدَّ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَزِدْ فِي آجَالِهِمْ، وَبَلِّغْهُمْ أَقْصَى آمَالِهِمْ، دِيناً وَدُنْيَا وَآخِرَةً، إِنَّكَ

ص: 479

عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(1).

السلام على الإمام (عليه السلام)

قال أبو جعفر (عليه السلام) - في حديث حول الإمام المهدي (عليه السلام) -: «فمن بقي منكم حتى يراه، فليقل حين يراه: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ الرَّحْمَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنَ الْعِلْمِ، وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةِ اللّهِ فِي أَرْضِهِ»(2).

وقال رجل لجعفر بن محمد (عليه السلام) : نسلم على القائم بإمرة المؤمنين؟.

قال: «لا، ذلك اسم سمى اللّه به أمير المؤمنين (عليه السلام) ، لا يسمى به أحد قبله ولا بعده إلا كافر».

قال: فكيف نسلم عليه؟.

قال: «تقول: السَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةِ اللّهِ».

قال: ثم قرأ جعفر (عليه السلام) : {بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(3)»(4).

ص: 480


1- بحار الأنوار: ج52 ص21-22، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب18 من تتمة أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح14.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص653، الباب57 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح18.
3- سورة هود: 86.
4- تفسير فرات الكوفي: ص193، سورة هود، آية 86، ح249.

36

أدعية مروية عن الإمام (عليه السلام)

دعاء بعد الفريضة

روي عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول بعد صلاة الفريضة: «إِلَيْكَ رُفِعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَدُعِيَتِ الدَّعَوَاتُ، وَلَكَ عَنَتِ الْوُجُوهُ، وَلَكَ وُضِعَتِ الرِّقَابُ، وَإِلَيْكَ التَّحَاكُمُ فِي الْأَعْمَالِ، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيَا خَيْرَ مَنْ أَعْطَى، يَا صَادِقُ يَا بَارِئُ، يَا مَنْ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ، يَا مَنْ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَوَعَدَ بِالْإِجَابَةِ، يَا مَنْ قَالَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(1)، يَا مَنْ قَالَ: {إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2)، وَيَا مَنْ قَالَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ}(3)، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، هَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ الْمُسْرِفُ، وَأَنْتَ الْقَائِلُ: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}»(4).

ص: 481


1- سورة غافر: 60.
2- سورة البقرة: 186.
3- سورة الزمر: 53.
4- كتاب الغيبة للطوسي: ص260، الفصل 3.

دعاء سجدة الشكر

روي عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول في سجدة الشكر: «يَا مَنْ لَا يَزِيدُهُ كَثْرَةُ الدُّعَاءِ إِلَّا سَعَةً وَعَطَاءً، يَا مَنْ لَا تَنْفَدُ خَزَائِنُهُ، يَا مَنْ لَهُ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ مَا دَقَّ وَجَلَّ، لَا تَمْنَعُكَ إِسَاءَتِي مِنْ إِحْسَانِكَ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِيَ الَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ؛ فَإِنَّكَ أَنْتَ أَهْلُ الْكَرَمِ وَالْجُودِ، وَالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ.

يَا رَبِّ، يَا اللّهُ، لَا تَفْعَلْ بِيَ الَّذِي أَنَا أَهْلُهُ؛ فَإِنِّي أَهْلُ الْعُقُوبَةِ وَقَدِ اسْتَحْقَقْتُهَا، لَا حُجَّةَ لِي، وَلَا عُذْرَ لِي عِنْدَكَ، أَبُوءُ لَكَ بِذُنُوبِي كُلِّهَا، وَأَعْتَرِفُ بِهَا كَيْ تَعْفُوَ عَنِّي، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهَا مِنِّي، أَبُوءُ لَكَ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ، وَكُلِّ خَطِيئَةٍ احْتَمَلْتُهَا، وَكُلِّ سَيِّئَةٍ عَمِلْتُهَا. رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ»(1).

دعاء الإلحاح

روي عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) : أنه كان يقول أبو عبد اللّه (عليه السلام) في دعاء الإلحاح: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَبِهِ تَقُومُ الْأَرْضُ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبِهِ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ، وَبِهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمَالِ، وَزِنَةَ الْجِبَالِ، وَكَيْلَ الْبِحَارِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ- وَأَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجاً»(2).

دعاء السجود تحت الميزاب

روي عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) : إن علي بن الحسين سيد العابدين (عليه السلام)

ص: 482


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص261، الفصل 3.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص260، الفصل 3.

كان يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحِجر تحت الميزاب -:

«عُبَيْدُكَ بِفَنائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفَنائِكَ، فَقِيرُكَ بِفَنائِكَ، سَائِلُكَ بِفَنائِكَ، يَسْأَلُكَ مَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُكَ»(1).

ص: 483


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص261، الفصل 3.

37

التوقيعات الشريفة

اشارة

هناك توقيعات كثيرة صدرت عن الناحية المقدسة (عليه السلام) في عصر الغيبة الصغرى، وهي مشتملة على الحوادث الواقعة، والمسائل الشرعية، وقضاء حوائج المؤمنين، وتفسير الآيات وتأويلها، وإجابة على التساؤلات، العقدية وغيرها، والإخبار بوصول الحقوق الشرعية، وتوثيق بعض الوكلاء، وجرح أهل الباطل، وما أشبه.

القرى الظاهرة

عن محمد بن صالح الهمداني، قال: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) : إن أهل بيتي يؤذونني، ويقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك (عليهم السلام) ، أنهم قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق اللّه؟. فكتب (عليه السلام) : «ويحكم ما تقرؤون ما قال اللّه تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً}(1)، فنحن واللّهِ القرى التي بارك اللّه فيها، وأنتم القرى الظاهرة»(2).

قوله (عليه السلام) : «خدامنا وقوامنا»، أي: بعضهم ممن انحرف كالشلمغاني.

ص: 484


1- سورة سبأ: 18.
2- البرهان في تفسير القرآن: ج4 ص514، سورة سبأ، الآيات 15 إلى 19، ح8767.

في موت السفير الأول

خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العَمْري (قدس اللّه روحه) في التعزية بأبيه (رضوان اللّه عليه)، وفي فصل من الكتاب: «إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليماً لأمره، ورضاءً بقضائه. عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه اللّه وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام) ، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقربه إلى اللّه عز وجل وإليهم. نضَّر اللّه وجهه، وأقاله عثرته.

وفي فصل آخر: «أجزل اللّه لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزئت ورُزئنا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه اللّه في منقلبه. وكان من كمال سعادته أن رزقه اللّه عز وجل ولداً مثلك، يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه. وأقول: الحمد لله؛ فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله اللّه عز وجل فيك وعندك. أعانك اللّه وقوَّاك وعضدك ووفقك، وكان اللّه لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً»(1).

حول السفير الثالث

وردت يوم الأحد، لست ليال خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة، هذه الرقعة من الناحية المقدسة، حول الشيخ أبي القاسم حسين بن روح النوبختي (رضوان اللّه عليه): «نعرفه، عرَّفه اللّه الخير كله ورضوانه، وأسعده بالتوفيق. وقفنا على كتابه، وهو ثقتنا بما هو عليه، وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه، زاد اللّه في إحسانه إليه، إنه ولي قدير، والحمد لله لا شريك له، وصلى

ص: 485


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص510، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح41.

اللّه على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً»(1).

الغيبة التامة

قبل وفاة السفير الرابع خرج هذا التوقيع الشريف: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد السمري، أعظم اللّه أجر إخوانك فيك، فأنت ميت ما بينك وبين ستة أيام. فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك؛ فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن اللّه تعالى ذكره، وذلك: بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، أ لا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم»(2).

لعن الشلمغاني

خرج التوقيع الشريف على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح: «عَرِّفْ - أطال اللّه بقاءك، وعرَّفك الخير كله، وختم به عملك - من تثق بدينه، وتسكن إلى نيته من إخواننا - أدام اللّه سعادتهم - بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني - عجَّل اللّه له النقمة ولا أمهله - قد ارتد عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين اللّه، وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون باللّه، وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً، وإنا برئنا إلى اللّه تعالى وإلى رسوله (صلوات اللّه عليه وسلامه ورحمته وبركاته) منه،

ص: 486


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص372، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
2- بحار الأنوار: ج51 ص360-361، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح7.

ولعناه - عليه لعائن اللّه تترى - في الظاهر منا والباطن، والسر والجهر، وفي كل وقت، وعلى كل حال، وعلى من شايعه، وبلغه هذا القول منا، فأقام على تولاه بعده. أعلمهم - تولاك اللّه - أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه، ممن تقدمه من نظرائه من: الشريعي، والنميري، والهلالي، والبلالي، وغيرهم. وعادة اللّه جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق، وإياه نستعين، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل»(1).

صحة الأجوبة ولعن العزاقري

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. قد وقفنا على هذه الرقعة، وما تضمنته فجميعه جوابنا عن المسائل، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري (لعنه اللّه) في حرف منه. وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا (عليهم لعنة اللّه وغضبه)».

فاستثبت قديماً في ذلك. فخرج الجواب: «أ لا من استثبت، فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم، وإن ذلك صحيح»(2).

الأخ السديد الشيخ المفيد

ورد من الناحية المقدسة (حرسها اللّه ورعاها) في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة على الشيخ أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان (قدس اللّه روحه،

ص: 487


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص474-475، احتجاج الحجة القائم المنتظر المهدي صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين).
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص373، الفصل 6، ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.

ونوَّر ضريحه):

«للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان - أدام اللّه إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد - بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد، سلام عليك أيها المولى المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا نبينا محمد وآله الطّاهرين، ونعلمك - أدام اللّه توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قِبَلك - أعزهم اللّه بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته - فقف - أمدَّك اللّه بعونه على أعدائه المارقين من دينه - على ما نذكره، واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء اللّه. نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه اللّه تعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا يحيط علمنا بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم، مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون. إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، فاتقوا اللّه جل جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمى عليه من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا، ومباثتكم بأمرنا ونهينا، واللّه متم نوره... ولو كره المشركون. اعتصموا بالتقية، من شب نار الجاهلية، يحششها عصب أموية، تهول بها فرقةً مهديةً. أنا زعيم بنجاة من لم يرم منها المواطن الخفية، وسلك في الطعن منها

ص: 488

السبل الرضية. إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون من الذي يليه، ستظهر لكم من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق، يضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق.

ثم تتفرج الغمة من بعده ببوار طاغوت من الأشرار، يسر بهلاكه المتقون الأخيار، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق، ما يأملونه على توفير غلبة منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق، شأن يظهر على نظام واتساق. فيعمل كل امرئ منكم ما يقرب به من محبتنا، وليتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا؛ فإن امرأً يبغته فجأة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة. واللّه يلهمك الرشد، ويلطف لكم بالتوفيق برحمته. نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام، هذا كتابنا عليك أيها الأخ الولي، والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك اللّه بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحداً، وأدِّ ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوصِ جماعتهم بالعمل عليه إن شاء اللّه، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين»(1).

لو اجتمعوا على الوفاء بالعهد

وفي بعض التوقيعات الشريفة: «ولو أن أشياعنا - وفقهم اللّه لطاعته - على

ص: 489


1- بحار الأنوار: ج53 ص174-176، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر (صلوات اللّه عليه)، الباب31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح7.

اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا. فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم. واللّه المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم»(1).

ما لكم في الريب تترددون

عن الشيخ الموثق أبي عمر العامري (رحمه اللّه) ، قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف. فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولا خلف له، ثم إنهم كتبوا في ذلك كتاباً، وأنفذوه إلى الناحية، وأعلموا بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابهم بخطه (صلى اللّه عليه وعلى آبائه):

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. عافانا اللّه وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب. إنه أُنهي إليَّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وسأونا فيكم لا فينا؛ لأن اللّه معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا، والخلق بعدُ صنائعنا. يا هؤلاء، ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة تنعكسون، أ و ما سمعتم اللّه عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(2).

أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم، على الماضين والباقين منهم (عليه السلام) . أ و ما رأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً

ص: 490


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص499، ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان (عليه السلام) من المسائل الفقهية وغيرها في التوقيعات على أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم.
2- سورة النساء: 59.

تهتدون بها، من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام) ، كلما غاب عَلَم بدا عَلَم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه اللّه إليه ظننتم أن اللّه أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه.

كلا ما كان ذلك ولا يكون، حتى تقوم الساعة ويظهر أمر اللّه وهم كارهون. وإن الماضي (عليه السلام) مضى سعيداً فقيداً، على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل، وفينا وصيته وعلمه، ومن هو خلفه، ومن يسد مسده، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر. ولولا أن أمر اللّه لا يُغلب، وسره لا يُظهر ولا يُعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم، ويزيل شكوككم، لكنه ما شاء اللّه كان، ولكل أجل كتاب. فاتقوا اللّه وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غُطِّي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة، فقد نصحت لكم واللّه شاهد عليَّ وعليكم.

ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال، المتابع في غيه، المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض اللّه طاعته، الظالم الغاصب.

وفي ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي أسوة حسنة، وسيردى الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.

عصمنا اللّه وإياكم من المهالك والأسواء، والآفات والعاهات كلها برحمته، فإنه ولي ذلك، والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم ولياً وحافظاً، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة اللّه وبركاته، وصلى اللّه على

ص: 491

محمد النبي وسلم تسليماً»(1).

كذب الوقاتون

ومما ورد التوقيع الشريف بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) : «وأما ظهور الفرج فإنه إلى اللّه، وكذب الوقاتون. وأما قول من زعم أن الحسين (عليه السلام) لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال. وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة اللّه عليهم... وأما ما وصلنا به، فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام... وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحل منها شيئاً فأكله، فإنما يأكل النيران. وأما الخمس، فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا؛ لتطيب ولادتهم ولا تخبث(2).

وأما علة ما وقع من الغيبة، فإن اللّه عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}(3)، إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب. وإني لأمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم،

ص: 492


1- بحار الأنوار: ج53 ص178-180، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر (صلوات اللّه عليه)، الباب31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح9.
2- حلية الخمس هنا في المتاجر والمناكح والمساكن التي تصله ممن لا يعتقد بالخمس، فقد أبيح خمسها. أما خمس الأرباح التي في أمواله، فهي مما قال (عليه السلام) : «وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحل شيئاً منها فأكله، فإنما يأكل النيران».
3- سورة المائدة: 101.

وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج؛ فإن ذلك فرجكم»(1).

حرمة التصرف في أموالهم

وفي بعض التوقعيات الشريفة:

«وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا، ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة، فقد قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : المستحل من عترتي ما حرَّم اللّه، ملعون على لساني، ولسان كل نبي. فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا، وكان لعنة اللّه عليه؛ لقوله عز وجل: {أَلَا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}(2)».

«وأما ما سألت عنه من أمر المولود الذي تنبت غلفته بعد ما يختن، هل يختن مرةً أخرى، فإنه يجب أن تقطع غلفته مرةً أخرى؛ فإن الأرض تضج إلى اللّه عز وجل من بول الأغلف أربعين صباحاً».

«وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه، هل تجوز صلاته، فإن الناس اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام أو عبدة النيران أن يصلي والنار والصورة والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأصنام والنيران».

«وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها، وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية، احتساباً للأجر وتقرباً إلينا، فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك

ص: 493


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص470-471، احتجاج الحجة القائم المنتظر المهدي صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين).
2- سورة هود: 18.

في مالنا، من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا، فقد استحل منا ما حرِّم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً، فإنما يأكل في بطنه ناراً، وسيصلى سعيراً».

«وأما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعةً، ويسلمها من قيم يقوم بها ويعمرها، ويؤدي من دخلها خراجها ومئونتها، ويجعل ما يبقى من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيماً عليها، إنما لا يجوز ذلك لغيره».

«وأما ما سألت عنه من الثمار من أموالنا، يمر به المار فيتناول منه ويأكله، هل يجوز ذلك له، فإنه يحل له أكله، ويحرم عليه حمله»(1).

إلى العَمْري وابنه

«وفقكما اللّه لطاعته، وثبتكما على دينه، وأسعدكما بمرضاته. انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظرته من لقي، واحتجاجه بأن لا خلف غير جعفر بن علي، وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه. وأنا أعوذ باللّه من العمى بعد الجلاء، ومن الضلالة بعد الهدى، ومن موبقات الأعمال، ومرديات الفتن؛ فإنه عز وجل يقول: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}(2)، كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم أم ارتابوا، أم عاندوا الحق أم جهلوا، ما جاءت به الروايات الصادقة، والأخبار الصحيحة، أو علموا ذلك فتناسوا. أ ما تعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة، إما ظاهراً وإما مغموراً، أ و لم يعلموا انتظام

ص: 494


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص520-521، الباب45 من أبواب الروايات الواردة عن النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) ، ح49.
2- سورة العنكبوت: 1-2.

أئمتهم بعد نبيهم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واحداً بعد واحد، إلى أن أفضى الأمر بأمر اللّه عز وجل إلى الماضي - يعني الحسن بن علي (صلوات اللّه عليه) - فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، كان نوراً ساطعاً، وقمراً زهراً، اختار اللّه عز وجل له ما عنده، فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) ، حذو النعل بالنعل، على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره اللّه عز وجل بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيته للقضاء السابق، والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله. ولو قد أذن اللّه عز وجل فيما قد منعه، وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه، لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية، وأبين دلالة، وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه، وقام بحجته؛ ولكن أقدار اللّه عز وجل لا تغالب، وإرادته لا تُرد، وتوفيقه لا يُسبق. فليدعوا عنهم اتباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر اللّه عز وجل فيندموا. وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر، ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي. فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح، إن شاء اللّه»(1).

في جواب الخجندي

عن أحمد بن الحسن بن أبي صالح الخجندي، وكان قد ألح في الفحص والطلب، وسار في البلاد، وكتب على يد الشيخ أبي القاسم بن روح (قدس اللّه روحه) إلى الصاحب (عليه السلام) ، يشكو تعلق قلبه واشتغاله بالفحص والطلب، ويسأل الجواب بما تسكن إليه نفسه، ويكشف له عما يعمل عليه.

قال: فخرج إليَّ توقيع نسخته: «من بحث فقد طلب، ومن طلب فقد دل،

ص: 495


1- بحار الأنوار: ج53 ص190-191، تتمة كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر (صلوات اللّه عليه)، الباب31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح19.

ومن دل فقد أشاط، ومن أشاط فقد أشرك». قال: فكففت عن الطلب، وسكنت نفسي، وعدت إلى وطني مسروراً، والحمد لله(1).

وهب اللّه لك العافية

عن أحمد بن أبي روح، قال: خرجت إلى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله، وأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العَمْري، وأمرني أن لا أدفعه إلى غيره، وأمرني أن أسأل الدعاء للعلة التي هو فيها، وأسأله عن الوبر يحل لبسه. فدخلت بغداد، وصرت إلى العَمْري، فأبى أن يأخذ المال، وقال: «صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد، وادفع إليه؛ فإنه أمره بأخذه، وقد خرج الذي طلبت».

فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه، فأخرج إليَّ رقعةً فإذا فيها: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، سألت الدعاء من العلة التي تجدها، وهب اللّه لك العافية، ودفع عنك الآفات، وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة، وعافاك وصح لك جسمك. وسألت ما يحل أن يصلى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل. فأما السمور والثعالب، فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه. ويحل لك جلود المأكول من اللحم، إذا لم يكن لك غيره. فإن لم يكن لك بُد فصلّ فيه، والحواصل جائز لك أن تصلي فيه. والفراء متاع الغنم، ما لم تذبح بإرمينية، تذبحه النصارى على الصليب، فجائز لك أن تلبسه، إذا ذبحه أخ لك، أو مخالف تثق به»(2).

ص: 496


1- بحار الأنوار: ج53 ص196-197، الباب31 ما خرج من توقيعاته (عليه السلام) ، ح22.
2- الخرائج والجرائح: ج2 ص702-703، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) ، ح18.

38

مدعو البابية و السفارة كذباً

اشارة

كان ولا زال وسيكون هناك من ادعى أو يدعي كذباً، أنه باب إلى الإمام المهدي (عليه السلام) ، أو نائب خاص له، أو سفير عنه، أو أنه يحظى بلقاء الإمام (صلوات اللّه عليه)، ثم ينقل عنه أوامر ونواهي وما أشبه، وذلك منذ فترة الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى، بل ربما إلى قُبيل ظهوره الشريف.

كان منهم: الباقطاني، وإسحاق الأحمر، والشريعي، والشلمغاني، والنميري، والكرخي، والبغدادي، والحلاج، وغيرهم.

وفي رواية أحمد الدينوري السراج المكنى بأبي العباس: وقد خرج إلى بغداد، ومعه بعض أموال الإمام الحجة (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) من الخمس، حيث استلمها من الشيعة؛ ليسلمها لسفير الإمام (عليه السلام) بعد إقامة البرهان والبرهان.

فقيل له: إن هاهنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي النيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي بالنيابة!.

قال: فبدأت بالباقطاني وصرت إليه، فوجدته شيخاً مهيباً، له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع الناس عنده يتناظرون - قال - فدخلت إليه وسلمت عليه، فرحَّّب وقرَّب وسرَّ وبرَّ - قال - فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس - قال - فسألني عن ديني، فعرَّفته أني رجل من أهل دينور، وافيت ومعي

ص: 497

شيء من المال أحتاج أن أسلمه. فقال لي: احمله. قال: فقلت: أريد حجةً. قال: تعود إليَّ في غد. قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأتِ بحجة، وعدت إليه في اليوم الثالث، فلم يأتِ بحجة.

قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر، فوجدته شاباً نظيفاً، منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمع عند الباقطاني - قال - فدخلت وسلمت، فرحَّب وقرَّب - قال - فصبرت إلى أن خف الناس - قال - فسألني عن حاجتي. فقلت له كما قلت للباقطاني، وعدت إليه ثلاثة أيام، فلم يأتِ بحجة، القصة(1).

منهم: أبو محمد الحسن الشريعي

كان الشريعي يكنى بأبي محمد، قال هارون: وأظن اسمه كان الحسن، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ، ثم الحسن بن علي (عليه السلام) بعده، وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله اللّه فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على اللّه وعلى حججه (عليهم السلام) ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء، فلعنه الشيعة وتبرأت منه، وخرج توقيع الإمام (عليه السلام) بلعنه والبراءة منه(2).

ومنهم: ابن أبي العزافر الشلمغاني

عن عبد اللّه الكوفي - خادم الشيخ الحسين بن روح (رضوان اللّه عليه) - قال:

ص: 498


1- بحار الأنوار: ج51 ص300-301، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب15 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ح19.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص397، الفصل 6، ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً (لعنهم اللّه)، أولهم المعروف بالشريعي.

سئل الشيخ - يعني أبا القاسم (رضوان اللّه عليه) - عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذم، وخرجت فيه اللعنة. فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملأى؟. فقال: «أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي (صلوات اللّه عليهما)، وقد سئل عن كتب بني فضال. فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟. فقال (صلوات اللّه عليه): خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا»(1).

وعن أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضوان اللّه عليها)، قالت: كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذاك أن الشيخ أبا القاسم (رضوان اللّه عليه وأرضاه) كان قد جعل له عند الناس منزلةً وجاهاً، فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام، ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه، حتى انكشف ذلك لأبي القاسم، فأنكره وأعظمه ونهى بني بسطام عن كلامه، وأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلم ينتهوا وأقاموا على توليه. وذاك أنه كان يقول لهم: إنني أذعت السر، وقد أخذ عليَّ الكتمان، فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص؛ لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن ممتحن. فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته، فبلغ ذلك أبا القاسم (رضوان اللّه عليه)، فكتب إلى بني بسطام بلعنه، والبراءة منه، وممن تابعه على قوله، وأقام على توليه. فلما وصل إليهم أظهروه عليه، فبكى بكاءً عظيماً، ثم قال: إن لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى قوله: لعنه اللّه، أي باعده اللّه عن العذاب والنار، والآن قد عرفت

ص: 499


1- بحار الأنوار: ج51 ص358، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب16 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه، ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين بن روح (رضي اللّه عنهما) مقامه بعده بأمر الإمام (صلوات اللّه عليه)، ضمن ح6.

منزلتي. ومرغ خديه على التراب، وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر.

قالت أم كلثوم (رضوان اللّه عليها): وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم، أن أم أبي جعفر بن بسطام، قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها، فاستقبلتني وأعظمتني، وزادت في إعظامي، حتى انكبت على رجلي تقبلها، فأنكرت ذلك، وقلت لها: مهلاً - يا ستي - فإن هذا أمر عظيم، وانكببت على يدها. فبكت ثم قالت: كيف لا أفعل بكِ هذا وأنت مولاتي فاطمة. فقلت لها: وكيف ذاك يا ستي؟!. فقالت لي: إن الشيخ - يعني أبا جعفر محمد بن علي - خرج إلينا بالستر. قالت: فقلت لها: وما الستر؟.

قالت: قد أخذ علينا كتمانه، وأفزع إن أنا أذعته عوقبت. قالت: وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد، واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ (رضوان اللّه عليه) - يعني أبا لقاسم الحسين بن روح - قالت: إن الشيخ أبا جعفر قال لنا: إن روح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) انتقلت إلى أبيكِ يعني أبا جعفر محمد بن عثمان (رضوان اللّه عليه)، وروح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة (عليه السلام) انتقلت إليكِ، فكيف لا أعظمكِ يا ستنا. فقلت لها: مهلاً لا تفعلي، فإن هذا كذب يا ستنا. فقالت لي: سر عظيم، وقد أخذ علينا أن لا نكشف هذا لأحد، فاللّه اللّه فيَّ، لا يحل بي العذاب، ويا ستي لولا حملتني على كشفه ما كشفته لكِ، ولا لأحد غيركِ.

قالت الكبيرة أم كلثوم (رضوان اللّه عليها): فلما انصرفت من عندها، دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح (رضوان اللّه عليه) فأخبرته بالقصة، وكان يثق، ويركن إلى قولي. فقال لي: يا بنية إياكِ أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتكِ، ولا رسولاً إن أنفذته إليكِ، ولا تلقاها بعد قولها، فهذا كفر باللّه تعالى وإلحاد، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب

ص: 500

هؤلاء القوم؛ ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن اللّه تعالى اتحد به وحل فيه، كما تقول النصارى في المسيح (عليه السلام) ، ويعدو إلى قول الحلاج (لعنه اللّه).

قالت: فهجرت بني بسطام، وتركت المضي إليهم، ولم أقبل لهم عذراً، ولا لقيت أمهم بعدها. وشاع في بني نوبخت الحديث، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم، وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني، والبراءة منه، وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه، فضلاً عن موالاته.

ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمد بن علي، والبراءة منه، وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع. وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة(1).

قال الصفواني: سمعت أبا علي بن همام يقول: سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول: الحق واحد، وإنما تختلف قمصه، فيوم يكون في أبيض، ويوم يكون في أحمر، ويوم يكون في أزرق. قال ابن همام: فهذا أول ما أنكرته من قوله؛ لأنه قول أصحاب الحلول(2).

وأخبرنا جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى، عن أبي علي محمد بن همام: إن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم، ولا طريقاً له، ولا نصبه أبو القاسم بشيء من ذلك على وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل، وإنما كان فقيهاً من فقهائنا، فخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر الكفر والإلحاد عنه، فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه، والبراءة منه، وممن

ص: 501


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص403-406، الفصل 6، ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً (لعنهم اللّه)، ومنهم ابن أبي العزاقر.
2- كتاب الغيبة للطوسي: ص408، الفصل 6.

تابعه وشايعه وقال بقوله(1).

ومنهم: محمد بن نصير النميري

كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ، فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان، أنه صاحب إمام الزمان، وادعى البابية، وفضحه اللّه تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والجهل والفسق، والقول بالتناسخ، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه، واحتجابه عنه، وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي. قال أبو طالب الأنباري: لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر، لعنه أبو جعفر (رضوان اللّه عليه) وتبرأ منه، فبلغه ذلك، فقصد أبا جعفر ليعطف بقلبه عليه، أو يعتذر إليه، فلم يأذن له وحجبه، ورده خائباً(2).

وقال سعد بن عبد اللّه: كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي، وأن علي بن محمد (عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ، ويغلو في أبي الحسن، ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإجابة للمحارم، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات.

وقد رؤي عياناً وغلام له على ظهره، فعاتبوه على ذلك. فقال: إن هذا من اللذات، وهو من التواضع لله، وترك التجبر!(3).

ص: 502


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص408، الفصل 6، ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً (لعنهم اللّه)، ومنهم ابن أبي العزاقر.
2- بحار الأنوار: ج51 ص367، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
3- بحار الأنوار: ج51 ص368، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

ولما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها، قيل له - وهو مثقل اللسان -: لمن هذا الأمر من بعدك؟. فقال - بلسان ضعيف ملجلج -: أحمد. فلم يدر من هو، فافترقوا بعده ثلاث فرق. قالت فرقة: إنه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات، وفرقة قالت: إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد. فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء(1).

ومنهم: أحمد بن هلال الكرخي

كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد (عليه السلام) ، فاجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمد بن عثمان (رحمه اللّه) بنص الحسن (عليه السلام) في حياته. ولما مضى الحسن (عليه السلام) ، قالت الشيعة الجماعة له: أ لا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه، وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟. فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد، فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه. فقالوا: قد سمعه غيرك. فقال: أنتم وما سمعتم. ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرءوا منه. ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح (رحمه اللّه) بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن(2).

ومنهم: أبو طاهر محمد بن علي بن بلال

جرى بين أبي طاهر وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قصة، وتمسك

ص: 503


1- بحار الأنوار: ج51 ص368، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- بحار الأنوار: ج51 ص368، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

أبو طاهر بالأموال التي كانت عنده للإمام، وامتنع من تسليمها، وادعى أنه الوكيل، حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه، وخرج من صاحب الزمان (عليه السلام) توقيع في ذمه.

عن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي، قال: كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعد ما وقعت الفرقة، ثم إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا. فسألناه عن السبب، قال: كنت عند أبي طاهر يوماً، وعنده أخوه أبو الطيب وابن خزر وجماعة من أصحابه. إذ دخل الغلام، فقال: أبو جعفر العَمْري على الباب. ففزعت الجماعة لذلك، وأنكرته للحال التي كانت جرت، وقال: يدخل. فدخل أبو جعفر (رضوان اللّه عليه)، فقام له أبو طاهر والجماعة، وجلس في صدر المجلس، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه، فأمهلهم إلى أن سكتوا.

ثم قال: يا أبا طاهر، نشدتك اللّه - أو نشدتك باللّه - أ لم يأمرك صاحب الزمان (عليه السلام) بحمل ما عندك من المال إليَّ؟. فقال: اللّهم نعم. فنهض أبو جعفر (رضوان اللّه عليه) منصرفاً، ووقعت على القوم سكتة، فلما تجلت عنهم. قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟. فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر (رضوان اللّه عليه) إلى بعض دوره، فأشرف عليَّ من علو داره، فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه. فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام) ؟. قال: وقع عليَّ من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام) . فكان هذا سبب انقطاعي عنه(1).

ص: 504


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص400-401، الفصل 6، ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً (لعنهم اللّه)، ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال.

ومنهم: أبو بكر البغدادي

وهو ابن أخ الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العَمْري (رضوان اللّه عليه)، وكان قليل العلم والمروءة.

روى أبو محمد هارون بن موسى، عن أبي القاسم الحسين بن عبد الرحيم الأبراروري، قال: أنفذني أبي عبد الرحيم إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رضوان اللّه عليه) في شيء كان بيني وبينه. فحضرت مجلسه، وفيه جماعة من أصحابنا وهم يتذاكرون شيئاً من الروايات، وما قاله الصادقون (عليهم السلام) ، حتى أقبل أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي، ابن أخي أبي جعفر العَمْري، فلما بصر به أبو جعفر (رضوان اللّه عليه)، قال للجماعة: أمسكوا؛ فإن هذا الجائي ليس من أصحابكم(1).

وحكي أنه توكل لليزيدي بالبصرة، فبقي في خدمته مدة طويلة، وجمع مالاً عظيماً، فسعى به إلى اليزيدي، فقبض عليه وصادره، وضربه على أم رأسه حتى نزل الماء في عينيه، فمات أبو بكر ضريراً(2).

ومنهم: أبو دلف المجنون

عن جعفر بن محمد بن قولويه، قال: أما أبو دلف الكاتب (لا حاطه اللّه)، فكنا نعرفه ملحداً، ثم أظهر الغلو، ثم جن وسلسل، ثم صار مفوضاً، وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة،

ص: 505


1- بحار الأنوار: ج51 ص378-379، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.
2- بحار الأنوار: ج51 ص379، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

والجماعة تتبرأ عنه، وممن يومي إليه وينمس به(1).

ومنهم: الحسين بن منصور الحلاج

روي أنه لما أراد اللّه تعالى أن يكشف أمر الحلاج، ويظهر فضيحته ويخزيه. وقع له أن أبا سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي (رضوان اللّه عليه) ممن تجوز عليه مخرقته، وتتم عليه حيلته. فوجه إليه يستدعيه، وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجره إليه، فيتمخرق ويتصوف بانقياده على غيره، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس، ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) - وبهذا أولاً كان يستجر الجهال، ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك، وإظهار ما تريده من النصرة لك؛ لتقوى نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر.

فأرسل إليه أبو سهل (رضوان اللّه عليه) يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً، يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتخطاهن، والشيب يبعدني عنهن، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة، وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك، وإلا انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً، والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب، وتكفيني مئونته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنني طوع

ص: 506


1- كتاب الغيبة للطوسي: ص412، الفصل 6، ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً (لعنهم اللّه)، ذكر أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وأبي دلف المجنون.

يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة، ولك من المعونة.

فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه، علم أنه قد أخطأ في مراسلته، وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه، ولم يرد إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً. وصيره أبو سهل (رضوان اللّه عليه) أحدوثة وضحكة، ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره، وتنفير الجماعة عنه(1).

وروي أن ابن الحلاج صار إلى قم، وكاتب قرابة أبي الحسن - والد الصدوق - يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً، ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله. قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي (رضوان اللّه عليه) خرقها، وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات. فقال له الرجل - وأظن أنه قال: إنه ابن عمته أو ابن عمه -: فإن الرجل قد استدعانا، فلم خرقت مكاتبته!. وضحكوا منه وهزءوا به، ثم نهض إلى دكانه، ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه. قال: فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه، نهض له من كان هناك جالساً، غير رجل رآه جالساً في الموضع، فلم ينهض له، ولم يعرفه أبي. فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما تكون التجار، أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره، فسمعه الرجل يسأل عنه، فأقبل عليه وقال له: تسأل عني وأنا حاضر؟. فقال له أبي: أكبرتك أيها الرجل، وأعظمت قدرك أن أسألك. فقال له: تخرق رقعتي، وأنا

ص: 507


1- بحار الأنوار: ج51 ص369-370، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

أشاهدك تخرقها!. فقال له أبي: فأنت الرجل إذاً - ثم قال - يا غلام برجله وبقفاه. فخرج من الدار العدو لله ولرسوله، ثم قال له: أ تدعي المعجزات، عليك لعنة اللّه، أو كما قال فأخرج بقفاه، فما رأيناه بعدها بقم(1).

ص: 508


1- بحار الأنوار: ج51 ص370-371، كتاب تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب17 من أبواب النصوص من اللّه تعالى ومن آبائه عليه.

39

وفاته (عليه السلام)

لا نعلم بزمن وفاة الإمام المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره الشريف وحكومته العادلة، وكيفيتها وخصوصيتها وتفاصيلها.

نعم، في بعض الروايات أنه لما يأتي الحجة (عليه السلام) الموت، يكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) ، ولا يلي الوصي إلا الوصي.

وفي رواية: «ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) ، فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته»(1).

وفي رواية: قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}(2): «خروج الحسين (عليه السلام) في الكرَّة سبعين رجلاً من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهب، لكل بيضة وجهان، المؤدي إلى الناس: إن الحسين قد خرج في أصحابه؛ حتى لا يشك فيه المؤمنون، وأنه ليس بدجال

ص: 509


1- سرور أهل الإيمان في علامات ظهور صاحب الزمان: ص79، علامات ظهور القائم (عليه السلام) .
2- سورة الإسراء: 4-6.

ولا شيطان، الإمام الذي بين أظهر الناس يومئذٍ، فإذا استقر عند المؤمن أنه الحسين لا يشكون فيه، وبلغ عن الحسين الحجة القائم بين أظهر الناس، وصدَّقه المؤمنون بذلك، جاء الحجة الموت، فيكون الذي غسله وكفنه وحنطه وإيلاجه حفرته الحسين، ولا يلي الوصي إلا الوصي»(1).

ص: 510


1- تفسير العياشي: ج2 ص281، سورة الإسراء، الآيات 4 إلى 6، ح20.

40

الخاتمة

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، نسأل اللّه عز وجل أن يعجل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان، ويسهَّل مخرجه، ويوسع منهجه، ويجعلنا من أعوانه وأنصاره، والذابين عنه، والمسارعين في حوائجه، والممتثلين لأوامره، والمحامين عنه، والسابقين إلى إرادته، والمجاهدين في سبيله، والمستشهدين بين يديه في جملة أوليائه، إنه سميع مجيب.

اللّهمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ، تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى طَاعَتِكَ، وَالْقَادَةِ فِي سَبِيلِكَ، وَتَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 511

ص: 512

الفهرس

المقدمة... 5

1- النسب الشريف... 7

اسمه المبارك... 7

كنيته... 8

ألقابه... 8

والده... 11

والدته... 11

سفراؤه الخاصون... 16

نوابه العامون... 16

نقش خاتمه... 16

2- الولادة المباركة... 17

قطرة من ماء الجنة... 17

يا عمة سيولد الحجة هذه الليلة... 18

الملائكة تتبرك به... 22

قصة الولادة الشريفة... 22

وُلِد الحجة... 26

ص: 513

وُلد المولود... 27

العقيقة والإطعام... 27

صفاته الخَلقية... 28

إقرار العامة بولادته... 32

3- النصوص المهدوية... 38

أحاديث قدسية... 39

روايات نبوية... 44

روايات علوية... 49

روايات فاطمية... 51

روايات حسنية... 52

روايات حسينية... 53

روايات سجادية... 54

روايات باقرية... 56

روايات صادقية... 58

روايات كاظمية... 62

روايات رضوية... 63

روايات جوادية... 65

روايات هادوية... 67

روايات عسكرية... 68

روايات مهدوية... 72

4- آيات قرآنية حول الإمام المهدي (عليه السلام) ... 74

ص: 514

5- علم الإمام (عليه السلام) ... 110

علم الغيب... 111

كوامن العلوم... 112

مع سعد القمي... 112

فقهيات... 122

استفتاءات... 126

6- معاجز وكرامات... 133

حجة اللّه البالغة... 133

نطق المولود... 133

الشهادة الثالثة... 134

الحمل والولادة... 134

العروج به... 135

في اليوم السابع... 135

بشارة العطاس... 136

النور الساطع... 136

وبعد أربعين يوماً... 137

ولادة المؤمنين... 137

ميل الكحل المبارك... 137

عند هجوم بني العباس... 138

حصير على الماء... 139

عصا موسى وتابوت آدم... 140

ص: 515

ركوب السحاب الصعب... 141

شاب المنظر... 141

طي الأرض وعدم الظل... 142

خلاص المحبوس... 142

ما عرفنا لهذا دواءً... 143

قلع الشجرة... 143

نبع الماء وإخبار بالغيب... 144

ابنا بابويه... 145

سيخلف عليك... 146

إنك ستحج هذه السنة... 147

لا تخرج معهم... 148

بعد ثلاثين سنة... 148

أنت فلان... 149

نبع الماء... 150

آجرك اللّه... 150

لا سبيل إلى ذلك... 150

منديل مبارك... 151

نصف الثوب فقط... 152

أبو راجح الحمامي الحلي... 152

سلِّم الحوانيت... 153

من كان في حاجة اللّه... 153

ص: 516

شفاء الفالج... 154

صر إليهم... 155

كتاب بغير مداد... 155

ستلد أنثى... 155

بنات وحج ومال... 155

بيع الدار وتقسيط الثمن... 156

ومَن أبى الاستئذان... 156

مات الولد... 156

حوار المجلس... 157

اخرج إلى الحائر... 157

لا تخرج في هذه السنة... 157

آجرك اللّه في صاحبك... 158

ستخلف غيره... 158

ستحج من قابل... 159

جواب الثالث... 159

القاسم بن العلاء وصاحبه الناصبي... 159

قد أجيبت دعوتك... 162

اللّهم ارزقه ولداً... 163

أين أنت عن دعاء الفرج... 164

في سنة ثمانين... 166

ثوب الموت... 167

ص: 517

غمامة على رأسه وملك ينادي... 167

ضوء الراية... 168

طاعة معروفة... 168

مع أصحاب الكهف... 168

حجر النبي موسى... 169

صالح أم طالح... 170

الدنيا بمنزلة راحة كفه... 170

مد الأسماع والأبصار... 170

عند المسجد الحرام... 171

7- أخلاقيات... 172

سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخُلُقه... 172

التقسيم بالسوية والعدل في البرية... 173

حسن التعامل مع الأقليات... 173

كثرة العطاء... 174

الدعوة إلى الإسلام... 177

رضا جميع الناس... 177

صلة الرحم... 178

تلبية الحاجات... 178

الزهد الشخصي... 179

8- عبادات... 180

الحج ماشياً... 180

ص: 518

دعاء في الأسحار... 180

من أدعية الحجة (عليه السلام) ... 181

دعاء الإمام لشيعته... 181

9- الشبه بالأنبياء (عليهم السلام) ... 183

وحي لا وحي نبوة... 193

مواريث الأنبياء... 194

10- الغيبة الصغرى... 195

متى بدأت الغيبة الصغرى... 196

11- الفائدة زمن الغيبة... 200

كلام العلامة المجلسي (رحمه اللّه) ... 201

12- السفراء الخاصون... 204

1: الشيخ أبو عَمرو عثمان بن سعيد بن عَمرو العَمْري الأسدي 207

2: الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العَمري الأسدي 209

3: الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي... 212

4: الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري... 214

13- النهي عن التسمية... 217

14- الحقوق الشرعية... 221

أخرج الأربعمائة... 221

ألف دينار للناحية المقدسة... 222

وصولات شريفة... 222

من مال الغريم... 223

ص: 519

اقبض الحوانيت... 223

أموال البلخي... 224

هات ما معك... 224

الكيس المختوم... 225

أموال لصاحب الأمر... 227

بقي شيء لم تدفعه... 227

قصة الدينوري... 229

لا تأخذوا شيئاً... 232

صرة الدنانير التي عند السرير... 233

وجه السبعمائة دينار... 234

السيف الذي نسيته... 234

أين ثوب المرأة... 234

معك كذا وكذا... 235

عشرة دنانير... 235

إرسال الأموال... 235

أوصل ما معك... 237

ثياب وأموال... 237

ثلاثمائة دينار... 238

من هو الوكيل؟... 238

وصلت الأموال، وذكر أصحابها... 239

احمل ما معك... 240

ص: 520

أين السبيكة؟... 240

الشيخ السمان... 242

مع السفير الثاني... 242

فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا... 243

إصدار الوصولات... 243

أموال شيعة قم... 244

فائدة... 246

15- الغيبة الكبرى... 247

16- طول العمر... 253

17- نفي الرؤية... 257

18- رايات قبل راية الإمام (عليه السلام) ... 260

19- أحوال الإمام (عليه السلام) في الغيبة... 265

زيارة الحسين (عليه السلام) أمان من النار... 267

قصة المقدس الأردبيلي... 267

قصة الحاج الاسترابادي... 268

20- وظائف الأنام... 270

الاعتقاد بالإمام (عليه السلام) ... 270

الصبر على الأذى... 273

التقوى والتدين... 274

رعاية المؤمنين... 275

ص: 521

الولاية والبراءة... 276

انتظار الفرج... 277

الثبات في شدة الفتن... 279

البكاء والحزن... 282

كثرة الدعاء... 284

دعاء العَمْري في زمن الغيبة... 285

الاستعداد الدائم... 289

التحية والزيارة والسلام عليه... 290

سلام على آل يس... 290

21- من علامات الظهور... 294

من العلامات المأثورة... 299

22- روايات العلائم... 302

ها هنا كانت الزوراء... 340

23- لا للتوقيت... 341

24- الظهور المبارك... 349

المنقذ العالمي... 350

سيرة الإمام عند الظهور... 351

شاب المنظر... 355

قم يا ولي اللّه... 355

تراث الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 356

25- أحداث الظهور... 357

ص: 522

اخرج يا ولي اللّه... 357

الصيحة... 359

الكل يراه عند الظهور... 360

جبرئيل يقدم فرس الإمام... 360

هكذا يظهر الإمام (عليه السلام) ... 361

أول من يبايع الإمام (عليه السلام) ... 362

قتل رسول الإمام (عليه السلام) ... 364

خروج الحسني... 365

مع أهل مكة... 366

يا لثارات الحسين (عليه السلام) ... 367

راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 368

أهل الكهف... 370

امتحانات الظهور... 370

نجف الكوفة... 375

هلاك جيش السفياني... 376

ذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) ... 377

نزول النبي عيسى (عليه السلام) ... 377

قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 378

دخول الكوفة... 379

هدم مسجد يزيد... 379

ص: 523

إحراق اللات والعزى... 379

محاكمة الجبت والطاغوت... 381

قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) ... 384

سراق الكعبة... 384

جهلة الناس... 385

من يحارب الإمام (عليه السلام) ... 386

مع النواصب... 387

أمر جديد... 388

26- مكان الظهور... 390

27- خطبة الإمام (عليه السلام) عند الظهور... 392

وارث الأنبياء و الأئمة... 394

الكتاب المختوم... 395

28- مدة حكم الإمام (عليه السلام) ... 396

29- مسكن الإمام (عليه السلام) ... 399

30- أصحاب الإمام (عليه السلام) ... 402

صفات الأصحاب... 409

سيوف من السماء... 410

الملائكة تنصره... 410

31- من بركات الظهور... 412

العدالة والفضيلة والعزة... 414

ص: 524

لا فقر ولا مرض ولا ذل... 416

أمان السبل... 417

وفور النعمة... 418

تمطر السماء ذهباً... 419

أداء الديون... 419

لا عاهات ولا أمراض... 420

شجاعة المؤمن... 420

كمال العقول... 421

ظهور الملائكة والجن للناس... 421

عتق العبيد... 422

طول الأعمار وكثرة الأولاد... 422

بركة الزمان وامتداده... 423

تطور العلم... 425

عدم الحاجة إلى البينة... 425

اتصال الكوفة بكربلاء... 426

إيمان الكفار وتوبة الفساق... 427

معرفة جميع أحرف العلم... 428

عطاء و رزق و حكمة... 428

عهدك في كفك... 428

32- الرجعة والكَرَّة... 430

رواية المفضل في الرجعة... 455

ص: 525

33- مع أبيه العسكري (عليهم السلام) ... 467

في اللحظات الأخيرة... 467

وصية أبيه (عليه السلام) ... 468

الصلاة على جنازة أبيه... 470

34- درر من كلماته... 473

أنا في التقية... 473

متى يكون الفرج؟... 473

لا تأخر الصلاة... 474

العطاس أمان... 474

الحقية... 474

قلب المعصوم (عليه السلام) ... 475

35- أدعية الفرج و الزيارات... 476

أدعية الفرج... 476

اللّهم عرفني حجتك... 478

دعاء الغريق... 478

الصلاة على الإمام (عليه السلام) ... 479

السلام على الإمام (عليه السلام) ... 480

36- أدعية مروية عن الإمام (عليه السلام) ... 481

دعاء بعد الفريضة... 481

دعاء سجدة الشكر... 482

ص: 526

دعاء الإلحاح... 482

دعاء السجود تحت الميزاب... 482

37- التوقيعات الشريفة... 484

القرى الظاهرة... 484

في موت السفير الأول... 485

حول السفير الثالث... 485

الغيبة التامة... 486

لعن الشلمغاني... 486

صحة الأجوبة ولعن العزاقري... 487

الأخ السديد الشيخ المفيد... 487

لو اجتمعوا على الوفاء بالعهد... 489

ما لكم في الريب تترددون... 490

كذب الوقاتون... 492

حرمة التصرف في أموالهم... 493

إلى العَمْري وابنه... 494

في جواب الخجندي... 495

وهب اللّه لك العافية... 496

38- مدعو البابية و السفارة كذباً... 497

منهم: أبو محمد الحسن الشريعي... 498

ومنهم: ابن أبي العزافر الشلمغاني... 498

ومنهم: محمد بن نصير النميري... 502

ص: 527

ومنهم: أحمد بن هلال الكرخي... 503

ومنهم: أبو طاهر محمد بن علي بن بلال... 503

ومنهم: أبو بكر البغدادي... 505

ومنهم: أبو دلف المجنون... 505

ومنهم: الحسين بن منصور الحلاج... 506

39- وفاته (عليه السلام) ... 509

40- الخاتمة... 511

الفهرس... 513

ص: 528

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.