من حياة المعصومين عليهم السلام المجلد 12

هوية الكتاب

من حياة المعصومين عليهم السلام

الجزء الثاني عشر

الإمام الهادي عليه السلام

المرجع الديني الراحل

السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

الشجرة الطيبة

1443 ه 2022 م

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی للناشر

1443 ه 2022 م

مؤسسة الشجرة الطيبة النجف الأشرف

تهميش

مؤسسة المجتبی للتحقيق والنشر

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

أما بعد، فهذا هو الجزء الثاني عشر من سلسلة (من حياة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين)، يتضمن إشارات مختصرة لجوانب من حياة الإمام علي الهادي (عليه السلام) .

أسأل اللّه تعالى التوفيق والقبول، إنه سميع مجيب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1410ه

ص: 5

ص: 6

1

النسب الشريف

الإسم المبارك

هو الإمام علي الهادي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين)، من أهل بيت الرحمة، وشجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم، ومفاتيح الحكمة، وسلالة النبيين، وصفوة المرسلين، وعترة خيرة رب العالمين، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

الكنية الشريفة

كنيته (عليه السلام) : أبو الحسن، ويُعرف بأبي الحسن الثالث.

فإن (أبا الحسن الأول) هو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) .. و(أبا الحسن الثاني) هو علي بن موسى الرضا (عليه السلام) .

وكان الإمام الهادي (عليه السلام) يُعرف - كأبيه (عليه السلام) كلٌ في زمانه - بابن الرضا(1).

الألقاب الطاهرة

لقبه (عليه السلام) : الهادي، والنقي، والنجيب، والمرتضى، والعالم، والفقيه، والأمين،

ص: 7


1- راجع المناقب: ج4 ص421 فصل في المقدمات.

والمؤتمن، والطيب، والعسكري، والمتوكل..

أما الهادي: فقد كان (عليه السلام) عَلَماً لهداية الناس نحو الخير والفضيلة والتقوى، فلُقّب بالهادي.

وأما النقي: فقد كان (عليه السلام) معصوماً كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) ومنزّهاً عن كل عيب وذنب، ونقياً من كل دنس، فلُقب بالنقي.

وأما النجيب: فقد كان (عليه السلام) الكريم الحسيب، فلُقّب بالنجيب.

وأما المرتضى: فقد ارتضاه اللّه عزوجل ليكون حجةً على عباده، وخليفةً لرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلُقّب بالمرتضى.

وأما العالم: فقد كان (عليه السلام) أعلم أهل زمانه، وهو العالم بكتاب اللّه وسنة نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشرائع دينه، بعلم لدُنّي وبما ورثه من جدّه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وآبائه الطاهرين (عليهم السلام) ، فلُقّب بالعالم.

وأما الفقيه: فقد كان (عليه السلام) فقيه عصره، العارف بالأحكام الواقعية من الحلال والحرام، فلُقّب بالفقيه.

وأما الأمين: فقد كان (عليه السلام) أميناً على شرع اللّه، فلُقّب بالأمين.

وأما المؤتمن: فقد كان (عليه السلام) مؤتمناً من قبل الباري عزوجل في إبلاغ رسالات اللّه، فلُقّب بالمؤتمن.

وأما الطيّب: فقد كان (عليه السلام) طيباً وطاهراً من كل عيب ودنس، فلُقّب بالطيّب.

وأما العسكري: فقد كان (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في ثكنة عسكرية بسامراء، فلُقّب بالعسكري، وعرف هو وابنه الإمام الحسن (عليهما السلام) بالعسكريين.

فإن طغاة العباسيين أرادوا أن يكون الإمام (عليه السلام) تحت المراقبة الدائمة في ذهابه وإيابه ولقاءاته وما أشبه. وهذا شأن الطغاة قديماً وحديثاً؛ فإنهم إذا خافوا من

ص: 8

أحد فرضوا عليه الإقامة الجبرية في بيته، أو أسكنوه في معسكر ونحوه.

وربما كان سبب تلقيبه (عليه السلام) بالعسكري، الكرامة المروية عنه (عليه السلام) حيث أشار إلى الملائكة فملئوا الشرق والغرب وقال: «هذا عسكري»(1).

إلى سائر ألقابه (عليه السلام) الشريفة.

قال ابن طلحة: (ألقابه (عليه السلام) : الناصح، والمتوكل، والفتاح، والنقي، والمرتضى. وأشهرها المتوكل، وكان يخفي ذلك ويأمر أصحابه أن يعرضوا عنه لكونه كان لقب الخليفة)(2).

وقال ابن شهر آشوب في (المناقب): (ألقابه (عليه السلام) : النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، العسكري)(3).

وقال في (إعلام الورى): (ولقبه (عليه السلام) : النقي، والقائم، والفقيه، والأمين،

ص: 9


1- راجع الصفحة 48 من هذا الكتاب. وذلك أن الحاكم العباسي أمر العسكر - وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأى - أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك ففعلوا. فلما صار مثل جبل عظيم صعد فوقه واستدعى أبا الحسن (عليه السلام) واستصعده، وقال: استحضرتك لنظار خيولي. وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف، ويحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة، وأتم عدة، وأعظم هيبة؛ وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسن (عليه السلام) أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج عليه. فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : «وهل تريد أن أعرض عليك عسكري؟». قال: نعم. فدعا اللّه سبحانه فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون فغشي على الحاكم العباسي، فلما أفاق قال أبو الحسن (عليه السلام) : «نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، فلا عليك شيء مما تظن». راجع الخرائج والجرائح: ج1 ص414-415 ب11.
2- كشف الغمة: ج2 ص374 وأما اسمه.
3- المناقب: ج4 ص401 فصل في المقدمات.

والطيب)(1).

وقال الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) في (علل الشرائع):

(سمعت مشايخنا رضي اللّه عنهم أن المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن بن علي (عليهما السلام) بسر من رأى كانت تسمى عسكر؛ فلذلك قيل لكل واحد منهما: العسكري)(2).

وقال بعض(3):

العسكري نسبة إلى عسكرا - أي سر من رأى - الذي بناه المعتصم لما كثر عسكره وضاقت عليه بغداد وتأذى به الناس، فانتقل إلى هذا الموضع بعسكره، وبنى به البنيان المليح وسمي سر من رأى، ويقال: سامرة وسامرا، وسميت العسكر؛ لأن عسكر المعتصم نزل بها وذلك في سنة 221 ه.

وقال الدميري: أنه سعى بأبي الحسن الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا (عليه السلام) إلى المتوكل - إلى أن قال - فلما كثرت السعاية به عند المتوكل أحضره من المدينة وأقره بسر من رأى وتدعى العسكر؛ لأن المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره فقيل لها العسكر، فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر ولهذا قيل له العسكري، وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، وهو أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الإمامية رضي اللّه تعالى عنه وعن آبائه الكرام(4).

ص: 10


1- إعلام الورى: ص355 ب9 ف1.
2- علل الشرائع: ج1 ص241 ب176
3- راجع معاني الأخبار: ص65 باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) ح17.
4- حياة الحيوان الكبرى للدميري: ج1 ص484-485 الدود، نشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر.

والد الإمام (عليه السلام)

هو: الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، وهو التاسع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .

والدة الإمام (عليه السلام)

هي: سمانة المغربية، وهي أم ولد، وكانت من المؤمنات الصالحات، وكانت كثيرة العبادة وشديدة التقوى ومتحلية بالفضائل والمكارم.

وقد جيء بها من بلاد المغرب، والظاهر أنها كانت نصرانية قبل أن تتشرف بالإسلام.

وفي (المناقب): يقال إن أمه المعروفة بالسيدة أم الفضل(1).

ص: 11


1- المناقب: ج4 ص401 فصل في المقدمات.

2

الولادة المباركة

وُلد الإمام علي الهادي (عليه السلام) يوم الجمعة في الثاني من شهر رجب سنة 212 هجرية، وقيل: 214 ه، في المدينة المنورة.

هذا على ما ذكره جمع من المؤرخين، ويؤيده الدعاء المأثور في شهر رجب عن الناحية المقدسة على يد الشيخ الجليل أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه اللّه) ، وهو:

«اللّهم إني أسألك بالمولودَين في رجب: محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب، وأتقرّبُ بهما إليك خيرَ القُرَب. يا من إليه المعروف طُلِب، وفيما لديه رُغِب، أسألك سؤال مُقترفٍ مُذنب، قد أوبقَتْه ذنوبُه، وأوثقَتْه عيوبه، فطال على الخطايا دؤوبه، ومن الرزايا خطوبه، يسألك التوبة، وحسن الأوبة، والنزوع عن الحوبة، ومن النار فكاك رقبته، والعفو عما في ربقته، فأنت مولاي أعظم أمله وثقته. اللّهم وأسألك بمسائلك الشريفة، ووسائلك المنيفة، أن تتغمدني في هذا الشهر برحمة منك واسعة، ونعمة وازعة، ونفس بما رزقتها قانعة، إلى نزول الحافرة، ومحل الآخرة، وما هي إليه صائرة»(1).

وقال الكليني (رحمه اللّه) في (الكافي):

ص: 12


1- البلد الأمين: ص180 شهر رجب.

(إنه (عليه السلام) وُلد منتصف ذي الحجة 212 ه، قال: وروي أنه وُلد في رجب سنة 214ه)(1).

وفي (كشف الغمة):

(أما مولده (عليه السلام) ففي رجب من سنة مائتين وأربع عشرة للهجرة)(2).

وقال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) :

(كان مولده (عليه السلام) بصريا من مدينة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للنصف من ذي الحجة سنة 212ه)(3).

وفي (مناقب ابن شهرآشوب):

(إن صريا قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة)(4).

ص: 13


1- الكافي: ح1 ص497 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) والرضوان.
2- كشف الغمة: ج2 ص374 ذكر الإمام العاشر أبي الحسن علي...
3- الإرشاد: ج2 ص297 باب ذكر الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) وتاريخ مولده ودلائل إمامته.
4- المناقب: ج4 ص382 فصل في المقدمات.

3

النشأة الطاهرة

نشأ الإمام علي الهادي (عليه السلام) في بيت النور والعلم، ومنبع الهداية، ومركز الإمامة، وأهل بيت الوحي، ذلك هو بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الرفيع الذي أذهب اللّه عن أهله الرجس وجعلهم مطهرين من الدنس، معصومين من كل ذنب، مؤيدين بروح القدس، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، وذوي النُهى، وأولي الحِجى، وكهف الورى، ورثة الأنبياء، والمثل الأعلى، والدعوة الحسنى، والحجة على أهل الدنيا، والآخرة والأولى.

وتربى (عليه السلام) في حجر أبيه الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ست(1) أو ثمان(2) سنين، وبعده كانت مدة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة.

قال الزركلي في أعلامه:

أبو الحسن العسكري (214-254ه/ 829-868م) عليّ الملقب بالهادي، ابن محمد الجواد، ابن علي الرضا، ابن موسى بن جعفر الحسيني الطالبي. عاشر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وأحد الأتقياء الصلحاء(3).

ص: 14


1- بناءً على أن ولادة الإمام (عليه السلام) كانت عام 214ه.
2- بناءً على أن ولادة الإمام (عليه السلام) كانت عام 212ه.
3- الأعلام، لخير الدين الزركلي: ج4 ص323 نشر دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة 1980م.

4

النص على الإمامة

اشارة

الإمام علي الهادي (عليه السلام) هو الإمام العاشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين نص على إمامتهم رسولُ اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واحداً بعد واحد، كما نص على إمامته أبوه الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ومَن قبله من الأئمة (عليهم السلام) .

وهناك روايات عديدة أكدت على أن الأئمة اثني عشر، ولا يكون ذلك إلاّ عند أهل البيت (عليهم السلام) .. ومنها ما دل على أن الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام) تسعة:

النصوص العامة

عن حماد بن عيسى، عن أبيه، عن الصادق (عليه السلام) ، قال: قال سلمان الفارسي (رحمه اللّه) : رأيت الحسين بن علي (صلوات اللّه عليه) في حجر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يقبّل عينيه ويلثم شفتيه، ويقول: «أنت سيد بن سيد أبو سادة، أنت حجة بن حجة أبو حجج، أنت الإمام بن الإمام أبو الأئمة التسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم»(1).

وعن إبراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم اللّه فهمي

ص: 15


1- الاختصاص: ص207-208 في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) .

وعلمي وحكمتي، وخلقهم من طينتي، فويل للمتكبرين عليهم بعدي القاطعين فيهم صلتي، ما لهم لا أنالهم اللّه شفاعتي»(1).

وعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قلت: يا رسول اللّه، أرشدني إلى النجاة؟. فقال: «يا ابن سمرة، إذا اختلفت الأهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب؛ فإنه إمام أمتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل. من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحق من عنده وجده، ومن التمس الهدى لديه صادفه، ومن لجأ إليه أمنه، ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدى به هداه. يا ابن سمرة، سلم من سلم له ووالاه، وهلك من رد عليه وعاداه. يا ابن سمرة، إن علياً مني، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وابنيه إماما أمتي، وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين (عليه السلام) تاسعهم قائم أمتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(2).

وعن أبي الطفيل، عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال: «سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، والحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، والأئمة بعدهما سادة المتقين، ولينا ولي اللّه، وعدونا عدو اللّه، وطاعتنا طاعة اللّه، ومعصيتنا معصية اللّه عزوجل»(3).

ص: 16


1- إعلام الورى: ص390 ق1 ف2.
2- الأمالي، للصدوق (رحمه اللّه) : ص26 المجلس7 ح3.
3- بحار الأنوار: ج36 ص228 ب41 ح6.

وعن مسروق، قال: بينا نحن عند عبد اللّه بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه، إذ قال له فتى شاب: هل عهد إليكم نبيكم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كم يكون من بعده خليفة؟. قال: إنك لحدث السن، وإن هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل»(1).

وعن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمعته يقول: «يكون بعدي اثنا عشر أميراً». ثم أخفى صوته فقلت لأبي: ما الذي أخفى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟. قال: قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كلهم من قريش»(2).

وعن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبشروا ثم أبشروا ثلاث مرات، إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أو آخره، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً، ثم أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوجاً أن يكون أعرضها بحراً، وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جنى، وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولي الألباب، والمسيح عيسى ابن مريم آخرها، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج ليسوا مني ولست منهم»(3).

وعن الحسن بن العباس، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأصحابه: «آمنوا بليلة القدر؛ فإنه ينزل فيها أمر السنة، وإن لذلك ولاة من بعدي علي بن أبي طالب وأحد عشر من

ص: 17


1- الخصال: ج2 ص466-467 الخلفاء والأئمة بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اثنا عشر ح6.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص50 ب6 ح12.
3- كمال الدين: ج1 ص269 ب24 ح14.

ولده»(1).

وعن ابن عباس، قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»(2).

النصوص الخاصة

وهناك الكثير من النصوص الخاصة التي نصت على إمامة الإمام علي الهادي (عليه السلام) ..

عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: «إن الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن»(3).

وعن إسماعيل بن مهران، قال: لما خرج أبو جعفر (عليه السلام) (4) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه. قلت له عند خروجه: جُعلت فداك، إني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟. قال: فكرّ بوجهه إليَّ ضاحكاً وقال: «ليس حيث ظننت في هذه السنة».

فلما استدعى به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟.

فبكى (عليه السلام) حتى خضبت لحيته ثم التفت إليَّ فقال: «في هذه يخاف عليَّ، الأمر

ص: 18


1- الإرشاد: ج2 ص345-346 باب ما جاء من النص على إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) في مجمل ومفصل على البيان.
2- المناقب: ج1 ص295 فصل فيما روته الخاصة.
3- كمال الدين: ج2 ص378 ب36 ح3.
4- أي الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) .

من بعدي إلى ابني علي»(1).

وعن الخيراني، عن أبيه، قال: كنت ألزم باب أبي جعفر (عليه السلام) (2) للخدمة التي وكلت بها، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري يجيء في السحر من آخر كل ليلة ليتعرف خبر علة أبي جعفر (عليه السلام) . وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد وخلا به. قال الخيراني: فخرج ذات ليلة وقام أحمد بن محمد بن عيسى عن المجلس وخلا بي الرسول، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام. فقال الرسول: مولاك يقرئك السلام ويقول لك: «إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي».

ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه فقال لي: ما الذي قال لك؟. قلت: خيراً. قال: قد سمعت ما قال وأعاد علي ما سمع. فقلت: قد حرم اللّه عليك ما فعلت؛ لأن اللّه تعالى يقول: {وَلاَ تَجَسَّسُوا}(3)، فإن سمعت فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما، وإياك أن تظهرها إلى وقتها.

قال: أصبحت وكتبت نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمتها ودفعتها إلى وجوه أصحابنا، وقلت: إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

فلما مضى أبو جعفر (عليه السلام) لم أخرج من منزلي حتى علمت أن رؤوس العصابة

ص: 19


1- كشف الغمة: ج2 ص376-377 باب طرف من الخبر في النص عليه بالإمامة والإشارة إليه بالخلافة.
2- أي الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) .
3- سورة الحجرات: 12.

قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج يتفاوضون في الأمر، فكتب إليَّ محمد بن الفرج يعلمني باجتماعهم عنده يقول: لولا مخافة الشهرة لصرت معهم إليك، فأحب أن تركب إليَّ. فركبت وصرت إليه فوجدت القوم مجتمعين عنده فتجارينا في الباب فوجدت أكثرهم قد شكوا، فقلت لمن عنده الرقاع وهو حضور: أخرجوا تلك الرقاع. فأخرجوها فقلت لهم: هذا ما أمرت به. فقال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكد هذا القول. فقلت لهم: قد أتاكم اللّه بما تحبون، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة. فسألوه القوم فتوقف عن الشهادة، فدعوته إلى المباهلة فخاف منها وقال: قد سمعت ذلك وهي مكرمة كنت أحب أن يكون لرجل من العرب، فأما مع المباهلة فلا طريق إلى كتمان الشهادة، فلم يبرح القوم حتى سلموا لأبي الحسن (عليه السلام) (1).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً إن عملنا على إثباتها طال الكتاب، وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن وعدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتمس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل)(2).

وروى الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه: أن أبا جعفر (عليه السلام) (3) لما أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها، أجلس أبا الحسن(4) في حجره بعد النص عليه وقال له: «ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائف العراق؟».

ص: 20


1- بحار الأنوار: ج50 ص119-121 ب2 ح3.
2- بحار الأنوار: ج50 ص121 ب2 ح3.
3- أي الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) .
4- أي الإمام علي الهادي (عليه السلام) .

فقال (عليه السلام) : «سيفاً كأنه شعلة نار». ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له: «ما تحب أنت؟». فقال: فرساً. فقال (عليه السلام) : «أشبهني أبو الحسن، وأشبه هذا أمه»(1).

ص: 21


1- بحار الأنوار: ج50 ص123 ب2 ح5.

5

علم الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان الإمام الهادي (عليه السلام) أعلم أهل زمانه، فهو الأعلم بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، وبجميع المسائل في مختلف العلوم، وذلك بالعلم اللدُنّي الذي منحه اللّه تعالى، وبما ورثه من آبائه الطاهرين (عليهم السلام) عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وقد روي عنه (عليه السلام) من علوم القرآن والفقه والأخلاق وعلم التوحيد ومعرفة الباري عزوجل، وغيرها الكثير.

كما كان (عليه السلام) يجيب على مختلف الأسئلة وأنواع العلوم.

وقد اعترف بعلمه حتى أعداؤه من أعوان المتوكل وخدمه، كما سيأتي عن (المناقب): من أن حاجب المتوكل رجع إلى الإمام الهادي (عليه السلام) فيما نذره المتوكل واختلف الفقهاء في تحديده(1).

وما قاله ابن أكثم للمتوكل: من أن في ظهور علم الإمام الهادي (عليه السلام) تقوية للرافضة(2) كما سيأتي.

ص: 22


1- راجع المناقب: ج4 ص402 فصل في المقدمات.
2- راجع المناقب: ج4 ص403-405 فصل في المقدمات.

مسألة عويصة

قال المتوكل لابن السكيت(1): سل ابن الرضا - أي الإمام الهادي (عليه السلام) - مسألة عوصاء بحضرتي.

فسأله فقال: لِمَ بعث اللّه موسى (عليه السلام) بالعصا، و بعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالقرآن والسيف؟.

فقال أبو الحسن (عليه السلام) : «بعث اللّه موسى (عليه السلام) بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجة عليهم..

وبعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن اللّه في زمان الغالب على أهله الطب، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن

ص: 23


1- أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي الأهوازي الإمامي، المعروف بابن السكيت بكسر السين. من عظماء الشيعة الإمامية، ثقة جليل، صدوق مصدّق لا يطعن عليه، وكان عالماً باللغة العربية وأديباً. وأما وجه تسميته بالسكيت؛ لأنه كان كثير السكوت، طويل الصمت. و(دَورق) بفتح الدال: بلدة صغيرة بين تستر وأهواز في محافظة خوزستان بإيران تعرف اليوم ب- (الفلاحية) و(شادكان). كان متقدماً عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) وكانا يختصان به، وله عن أبي جعفر (عليه السلام) رواية ومسائل. ذكره كثير من المؤرخين وأثنوا عليه ثناءً بليغاً. له تصانيف عديدة منها: تهذيب الألفاظ، إصلاح المنطق، معاني الشعر، القلب والإبدال، الزبرج، الأمثال، المقصور والممدود، المذكر والمؤنث، الأجناس، الفرق، السرج واللجام، الوحوش، الإبل، النوادر، سرقات الشعراء، الحشرات، الأصوات، الأضداد، الشجر والنبات. قال بعض العلماء: ما عبر على جسر بغداد كتاب في اللغة مثل إصلاح المنطق. وقد عني به جماعة فاختصره الوزير ابن المغربي، وهذبه الخطيب التبريزي. وقال تغلب: أجمع أصحابنا أنه لم يكن بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن السكيت. وقال أبو العباس المبرد: ما رأيت للبغداديين كتاباً أحسن من كتاب ابن السكيت في المنطق.

اللّه، فقهرهم وبهرهم..

وبعث محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر، فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجة به عليهم».

فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟.

قال: العقل، يعرف به الكاذب على اللّه فيكذب.

فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت ومناظرته، وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاساً فيه مسائل.

فأملى علي بن محمد (عليه السلام) على ابن السكيت جوابها - من دون أن يقرأ مسائله - فلما قرأه ابن أكثم قال للمتوكل: ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي، فإنه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة(1).

ص: 24


1- راجع المناقب: ج4 ص403-405 فصل في المقدمات.

6

الإمام (عليه السلام) وعلم الغيب

الإمام علي الهادي (عليه السلام) كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) وكجدّه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد أطلعه اللّه على الغيب، وهذا من الأدلة على إمامته (عليه السلام) .

قال عزوجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (عليهم السلام) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ}(1).

عن أبي هاشم، قال: كنا نفطر مع أبي الحسن (عليه السلام) ، فضعفت يوماً عن الصوم وأفطرت في بيت آخر على كعكة فريداً، ثم جئت فجلست معه. فقال (عليه السلام) لغلامه: «أطعم أبا هاشم شيئاً فإنه مفطر»!.

فتبسمت.

فقال: «ما يضحكك يا أبا هاشم؟ إذا أردت القوة فكُل اللحم؛ فإن الكعك لا قوة فيه»(2).

ص: 25


1- سورة الجن: 26-27.
2- بحار الأنوار: ج50 ص255 ب3 ضمن ح10.

7

من علوم القرآن

اشارة

أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الإمام علي الهادي (عليه السلام) هم الذين بلغهم القرآن وعندهم علومه، فقاموا بالإنذار كما أنذر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) به..

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيّ هََذَا الْقُرْآنُ لاُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ}(1): «من بلغ أن يكون إماماً من آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إنّ من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه وعلم تغيير الزمان وحدثانه»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «واللّه إني لأعلم كتاب اللّه من أوله إلى آخره، كأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال اللّه عزوجل: فيه تبيان كل شيء»(4).

وهذه بعض ما ورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) في تفسير القرآن وعلومه:

ص: 26


1- سورة الأنعام: 19.
2- الكافي: ج1 ص416 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ح21.
3- بصائر الدرجات: ص194 ب7 باب في أن الأئمة (عليهم السلام) إنهم أعطوا تفسير القرآن الكريم والتأويل ح1.
4- تأويل الآيات الظاهرة: ص243 سورة الرعد وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة.

آصف بن برخيا

أملى الإمام الهادي (عليه السلام) في جواب مسائل يحيى بن أكثم، من دون أن يقرأ مسائله: «سألت عن قول اللّه تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}(1) فهو آصف بن برخيا، ولم يعجز سليمان (عليه السلام) عن معرفة ما عرف آصف، ولكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان (عليه السلام) أودعه آصف بأمر اللّه ففهمه ذلك، لئلا يختلف في إمامته وولايته من بعده، ولتأكيد الحجة على الخلق»(2).

سجود يعقوب (عليه السلام)

وكتب الإمام علي الهادي (عليه السلام) في أجوبة ابن أكثم:

«وأما سجود يعقوب (عليه السلام) لولده؛ فإن السجود لم يكن ليوسف (عليه السلام) وإنما كان ذلك من يعقوب (عليه السلام) وولده طاعةً لله تعالى وتحيةً ليوسف (عليه السلام) ، كما أن السجود من الملائكة لم يكن لآدم (عليه السلام) . فسجود يعقوب وولده ويوسف معهم شكراً لله تعالى باجتماع الشمل، ألم تر أنه يقول في شكره في ذلك الوقت: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ}(3) الآية»(4).

لم يشك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قط

وكتب الإمام علي الهادي (عليه السلام) في أجوبة ابن أكثم:

ص: 27


1- سورة النمل: 40.
2- بحار الأنوار: ج50 ص165 ب3 ضمن ح51.
3- سورة يوسف: 101.
4- بحار الأنوار: ج50 ص165 ب3 ضمن ح51.

«وأما قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ}(1)؛ فإن المخاطب بذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يكن في شك مما أنزل اللّه إليه، ولكن قالت الجهلة:

كيف لم يبعث اللّه نبياً من الملائكة؟.

ولِمَ لم يفرق بينه وبين الناس في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق؟.

فأوحى اللّه إلى نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب بمحضر من الجهلة، هل بعث اللّه نبياً قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويشرب الشراب؟، ولك بهم أسوة يا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وإنما قال: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ}(2) ولم يكن، للنصفة، كما قال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}(3) ولو قال: (تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم) لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم اللّه أن نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مؤدٍ عنه رسالته وما هو من الكاذبين، وكذلك عرف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأنه صادق فيما يقول، ولكن أحب أن ينصف من نفسه»(4).

نحن كلمات اللّه

وكتب الإمام علي الهادي (عليه السلام) في أجوبة ابن أكثم:

ص: 28


1- سورة يونس: 94.
2- سورة يونس: 94.
3- سورة آل عمران: 61.
4- بحار الأنوار: ج50 ص165-166 ب3 ضمن ح51.

«وأما قوله: {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ}(1) الآية، فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام، والبحر مداد يمدّه سبعة أبحر، حتى انفجرت الأرض عيوناً كما انفجرت في الطوفان {مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ}(2)، وهي: عين الكبريت، وعين اليمن، وعين برهوت، وعين طبرية، وحمة ماسيدان تدعى لسان، وحمة إفريقية تدعى بسيلان، وعين باحوران، ونحن الكلمات التي لا تُدرك فضائلنا ولا تُستقصى»(3).

الشجرة المنهية

وكتب الإمام علي الهادي (عليه السلام) في أجوبة ابن أكثم:

«وأما الجنة، ففيها من المآكل والمشارب والملاهي {مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ}(4)، وأباح اللّه ذلك لآدم (عليه السلام) .. والشجرة التي نهى اللّه آدم عنها وزوجته أن لا يأكلا منها شجرة الحسد، عهد اللّه إليهما أن لا ينظرا إلى من فضل اللّه عليهما وعلى خلائقه بعين الحسد {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ له عَزْماً}(5)»(6).

تزويج الذكران

وكتب الإمام علي الهادي (عليه السلام) في أجوبة ابن أكثم:

ص: 29


1- سورة لقمان: 27.
2- سورة لقمان: 27.
3- بحار الأنوار: ج50 ص167 ب3 ضمن ح51.
4- سورة الزخرف: 71.
5- سورة طه: 115.
6- بحار الأنوار: ج50 ص166 ب3 ضمن ح51.

«وأما قوله: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً}(1)؛ فإن اللّه تعالى زوّج الذكران المطيعين(2)،

ومعاذ اللّه أن يكون الجليل العظيم عنى ما لبست على نفسك بطلب الرخص لارتكاب المحارم {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ له الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}(3) إن لم يتب»(4).

الاستدلال بالآيات الكريمة

في (المناقب): لما سُمّ المتوكل نذر لله إن رزقه اللّه العافية أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي اختلف الفقهاء في (المال الكثير).

فقال له الحسن حاجبه: إن أتيتك يا أمير بالصواب فما لي عندك؟.

قال: عشرة آلاف درهم، وإلاّ ضربتك مائة مقرعة.

قال: قد رضيت.

فأتى أبا الحسن - الهادي - (عليه السلام) فسأله عن ذلك؟.

فقال: قل له: «يتصدق بثمانين درهماً».

فأخبر المتوكل، فسأله: ما العلة؟. فأتاه فسأله.

قال (عليه السلام) : «إن اللّه تعالى قال لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}(5) فعددنا مواطن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبلغت ثمانين موطناً».

ص: 30


1- سورة الشورى: 50.
2- أي اختار لهم زوجات صالحات.
3- سورة الشورى: 68-69.
4- بحار الأنوار: ج50 ص166-167 ب3 ضمن ح51.
5- سورة التوبة: 25.

فرجع إليه فأخبره، ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم(1).

أقول: كأنّ الإمام (عليه السلام) بيّن مصداقاً من مصاديق (الكثير)، أي: إن الثمانين يصدق عليه الكثير، لا أن أقل الكثير الثمانون، ولا أن أكثر من الثمانين لا يكون كثيراً. وتفصيل المسألة في الفقه.

وبما أن الأئمة (عليهم السلام) كان من دأبهم نشر ثقافة القرآن الكريم، فحتى في مثل هذه المسألة الفقهية كانوا يستندون فيها إلى القرآن ويستدلون به، وذلك لبيان دور القرآن في استنباط الحكم الشرعي مضافاً إلى ضرورة التمسك بالعترة الطاهرة (عليهم السلام) .

ومما يستفاد من هذه الرواية، معرفة الجميع بالمقام العلمي للإمام الهادي (عليه السلام) .

ص: 31


1- المناقب: ج4 ص402 فصل في المقدمات.

8

تفسير الحديث الشريف

اشارة

وهكذا كان علم الإمام (عليه السلام) بتفسير الحديث الشريف المروي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعلمه (عليه السلام) بسيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والوصي (عليه السلام) .

أهل النهروان وصفين

أملى الإمام الهادي (عليه السلام) في جواب مسائل يحيى بن أكثم، من دون أن يقرأ مسائله:

«وأما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : بشر قاتل ابن صفية بالنار لقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - وكان ممن خرج يوم النهروان - فلم يقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة؛ لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.

وأما قولك: إن علياً (عليه السلام) قاتل أهل صفين مقبلين ومدبرين وأجهز على جريحهم، وأنه يوم الجمل لم يتبع مولياً، ولم يجهز على جريحهم، وكل من ألقى سيفه وسلاحه آمنه. فإن أهل الجمل قُتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها، وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا محتالين، ولا متجسسين ولا مبارزين. فقد رضوا بالكف عنهم فكان الحكم فيه رفع السيف، والكف عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعواناً. وأهل صفين يرجعون إلى فئة مستعدة، وإمام منتصب يجمع لهم السلاح من الرماح والدروع والسيوف، ويستعد لهم ويسني لهم

ص: 32

العطاء، و يهيئ لهم الأموال، ويعقب مريضهم، ويجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم، ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم. فإن الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم، إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها، والحكم في أهل صفين أن يتبع مدبرهم، ويجهز على جريحهم، فلا يساوي بين الفريقين في الحكم. ولولا أمير المؤمنين (عليه السلام) وحكمه في أهل صفين والجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد، فمن أبى ذلك عرض على السيف»(1).

ص: 33


1- بحار الأنوار: ج50 ص167-170 ب3 ضمن ح51.

9

أخلاق الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان الإمام علي الهادي (عليه السلام) كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) أفضل الناس خُلُقاً، وأكرمهم أخلاقاً.

قال ابن شهرآشوب:

(كان (عليه السلام) أطيب الناس مهجةً، وأصدقهم لهجةً، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد. إذا صمت علته هيبة الوقار، وإذا تكلم سماه البهاء، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصية والخلافة. شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة)(1).

وقد اعترف بفضله حتى الأعداء، فهذا عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان - من عمال العباسيين والنواصب - يقول في وصف الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وأبيه (عليه السلام) :

(لو رأيت أباه(2) لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً)(3).

ص: 34


1- المناقب: ج4 ص401 فصل في المقدمات.
2- أي الإمام علي الهادي (عليه السلام) .
3- كمال الدين: ج1 ص42 فمما روي في صحة وفاة الحسن بن علي بن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) .

وفي (شذرات الذهب): (كان (عليه السلام) فقيهاً إماماً متعبداً)(1).

كلام ابن حجر

وقال ابن حجر في صواعقه: (علي العسكري سمي بذلك؛ لأنه لما وجه لإشخاصه من المدينة النبوية إلى سر من رأى وأسكنه بها، وكانت تسمى العسكر فعرف بالعسكري. وكان وارث أبيه علماً وسخاءً، ومن ثم جاءه أعرابي من أعراب الكوفة وقال: إني من المتمسكين بولاء جدك، وقد ركبني دين أثقلني حمله، ولم أقصد لقضائه سواك. فقال: «كم دينك؟». قال: عشرة آلاف درهم. فقال: «طب نفساً بقضائه إن شاء اللّه تعالى»(2) القصة.

كرم وسخاء

كان الإمام علي الهادي (عليه السلام) كآبائه الكرام (عليهم السلام) أكرم خلق اللّه؛ لأن من صفات الإمام (عليه السلام) أن يكون الأعلم والأتقى والأشجع والأكرم، أي أن يكون قمة في الفضائل، وأن يكون أوحدي عصره.

دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد - وهو أحد النواب الأربعة - وأحمد بن إسحاق الأشعري، وعلي بن جعفر الهمداني، على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) . فشكا إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه.

فقال (عليه السلام) : «يا أبا عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار».

ص: 35


1- شذرات الذهب: ج1 ص128 حوادث سنة أربع وخمسين ومائتين، دار الكتب العلمية - بيروت.
2- انظر تمام القصة في الصواعق المحرقة لإبن حجر الهيتمي: ج2 ص599-601، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى عام 1997م، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللّه التركي وكامل محمد الخراط.

قال: فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك وما سمعنا بمثل هذا العطاء(1).

أقول: ولا يخفى أن مثل هذا الكرم الذي كان يتفضل به الإمام (عليه السلام) على البعض ليس إسرافاً وبداراً؛ لأنه كان يعلم بأن هذا الشخص سيصرفه في الموارد المقررة شرعاً، وأنه سيقسمه على الفقراء والمساكين، لا أنه يستبد ويستفرد بالأموال. ومن المتعارف أن يُعطى لشيخ العشيرة - مثلاً - مبلغاً كبيراً حتى يقسمه على أفراده وأقربائه وأهل بلدته وعشيرته.

ما حاجتك؟

قال محمد بن طلحة: خرج الإمام الهادي (عليه السلام) يوماً من سر من رأى إلى قرية لمهمّ عرض له، فجاء رجل من الأعراب يطلبه، فقيل له: قد ذهب إلى الموضع الفلاني، فقصده، فلما وصل إليه.. قال (عليه السلام) له: «ما حاجتك؟».

فقال: أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وقد ركبني دَين فادح أثقلني حمله، ولم أرَ من أقصده لقضائه سواك.

فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : «طب نفساً وقر عيناً». ثم أنزله..

فلما أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن (عليه السلام) : «أريد منك حاجة، اللّه اللّه أن تخالفني فيها».

فقال الأعرابي: لا أخالفك.

فكتب أبو الحسن (عليه السلام) ورقة بخطه معترفاً فيها أن عليه للأعرابي مالاً عيّنه فيها يرجح على دينه، وقال: «خذ هذا الخط؛ فإذا وصلت إلى سر من رأى احضر

ص: 36


1- المناقب: ج4 ص409 فصل في معجزاته (عليه السلام) .

إليَّ وعندي جماعة فطالبني به، وأغلظ القول عليَّ في ترك إبقائك إياه، اللّه اللّه في مخالفتي».

فقال: أفعل. وأخذ الخط، فلما وصل أبو الحسن (عليه السلام) إلى سر من رأى وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه وقال كما أوصاه.

فألان أبو الحسن (عليه السلام) له القول ورفّقه، وجعل يعتذر ووعده بوفائه وطيبة نفسه. فنُقل ذلك إلى المتوكل، فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن (عليه السلام) ثلاثون ألف درهم.

فلما حملت إليه (عليه السلام) تركها إلى أن جاء الرجل، فقال: «خذ هذا المال واقض منه دينك، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك وأعذرنا».

فقال له الأعرابي: يا ابن رسول اللّه، واللّه إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا، ولكن {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته}(1) وأخذ المال وانصرف(2).

أقول: لا يبعد أن تكون التقية هي السبب في عمل الإمام (عليه السلام) ذلك؛ لأن الحاكم كان يزعم بأن الإمام (عليه السلام) يجمع الأموال ويشتري السلاح للخروج عليه، فأراد الإمام (عليه السلام) أن يبين له كذب هذه المزاعم، وأنه (عليه السلام) لا يملك حتى عشرة آلاف درهم.

صلة الأرحام

في (المناقب): قال إسحاق الجلاب: اشتريت لأبي الحسن - الهادي - (عليه السلام) غنماً

ص: 37


1- سورة الأنعام: 124.
2- كشف الغمة: ج2 ص374-375 وأما مناقبه.

كثيرة يوم التروية فقسمها في أقاربه(1).

هيبة ووقار

كان الإمام الهادي (عليه السلام) كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) كثير الهيبة والوقار، عظيماً في قلوب الناس.

ففي (إعلام الورى): عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي، قال: كنت مع أبي على باب المتوكل وأنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي إلى عباسي وجعفري ونحن وقوف، إذ جاء أبو الحسن (عليه السلام) فترجل الناس كلهم حتى دخل. فقال بعضهم لبعض: لمن نترجل! لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً، واللّه لا ترجلنا له. فقال أبو هاشم الجعفري: واللّه لتترجلن له صغرة إذا رأيتموه. فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به حتى ترجل له الناس كلهم.

فقال لهم أبو هاشم: أ ليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟.

فقالوا له: واللّه ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا(2).

عفو وسماحة

وقد عفا الإمام علي الهادي (عليه السلام) عن بريحة العباسي إمام الحرمين الذي سعى بالإمام إلى المتوكل، وكتب رسالة قال فيها: أن لو كانت لك حاجة بمكة والمدينة، فأخرج علي بن محمد الهادي (عليه السلام) منها؛ فإن الناس هنا رهن طاعته.

فلما أمر المتوكل بشخوص الإمام (عليه السلام) إلى سامراء، وكتب رسالة تظاهر فيها بإكرام الإمام (عليه السلام) ، اتبعه بريحة مشيعاً فلما صار في بعض الطريق. قال له بريحة:

ص: 38


1- المناقب: ج4 ص411 فصل في معجزاته (عليه السلام) .
2- إعلام الورى: ص360-361 ب9 ف3.

قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك، وعليَّ حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني إلى الأمير أو أحد من خاصته لأجمرن نخلك، ولأقتلن مواليك، ولأغورن عيون ضيعتك، ولأفعلن ولأصنعن!!.

فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : «إن أقرب عرضي إياك على اللّه البارحة، ما كنت لأعرضك عليه ثم أشكوك إلى غيره من خلقه».

فانكب إليه بريحة وضرع إليه واستعفاه.

فقال الإمام (عليه السلام) : «قد عفوت عنك».

رحمة بالأعداء

روي أنه ظهر في جسم المتوكل دمل حتى أشرف على الموت. فراجعوا الإمام علي الهادي (عليه السلام) فوصف لهم الدواء، فشوفي المتوكل من علته!.

عن إبراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خراج خرج به فأشرف منه على التلف، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة. فنذرت أمه إن عوفي أن يحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) مالاً جليلاً من مالها.

وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل - يعني أبا الحسن (عليه السلام) - فسألته؛ فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج اللّه به عنك.

قال: ابعثوا إليه.

فمضى الرسول ورجع فقال: خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد وضعوه على الخراج؛ فإنه نافع بإذن اللّه.

فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله.

فقال لهم الفتح: وما يضر من تجربة ما قال، فو اللّه إني لأرجو الصلاح به.

فأحضر الكسب وديف بماء الورد ووضع على الخراج فانفتح وخرج ما كان

ص: 39

فيه، وبشرت أم المتوكل بعافيته، فحملت إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها، فاستقل المتوكل من علته(1).

حتى يأتوك بشمعة

كان المتوكل يأمر بتفتيش بيت الإمام الهادي (عليه السلام) بين فترة وأخرى، وكان يرسل جلاوزته ليلاً ونهاراً لإيذاء الإمام (عليه السلام) .. وكان الإمام يعاملهم برفق وإنسانية.

يقول سعيد الحاجب - وقد أرسله المتوكل للقبض على الإمام (عليه السلام) وتفتيش داره -: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل ومعي سُلّم، فصعدت منه إلى السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة، فلم أدرِ كيف أصل إلى الدار، فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من الدار: «يا سعيد، مكانك حتى يأتوك بشمعة! فلم ألبث أن أتوني بشمعة»(2).

وهذا يدل على عظيم أخلاق الإمام (عليه السلام) حتى مع أعدائه؛ فإنه وارث جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي مدحه اللّه عزوجل بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(3).

ص: 40


1- كشف الغمة: ج2 ص378-379 باب طرف من دلائل أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) وأخباره وبراهينه وبيناته.
2- راجع الكافي: ج1 ص499 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ح4.
3- سورة القلم: 4.

10

عبادة الإمام (عليه السلام) وزهده

اشارة

كان الإمام الهادي (عليه السلام) أعبد أهل زمانه وأزهدهم.

عن يحيى بن هرثمة، قال: وجهني المتوكل إلى المدينة لإشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) ، وفتشت منزله فلم أصب فيه إلاّ مصاحف ودعاء وما أشبه ذلك.

وكان الإمام (عليه السلام) كثير الدعاء والتضرع إلى اللّه عزوجل..

وكان نقش خاتمه (عليه السلام) : «اللّه ربي وهو عصمتي من خلقه».

من أدعيته (عليه السلام)

قال الإمام الهادي (عليه السلام) : «الدعاء لمن دعا به بشرط أن يوالينا أهل البيت، لكن هذا الدعاء كثيراً ما أدعو به عند الحوائج فتقضي، وقد سألت اللّه عزوجل أن لا يدعو به بعدي أحد عند قبري إلاّ استجيب له، وهو:

يا عُدّتي عند العُدَد، ويا رجائي والمعتمَد، ويا كهفي والسَنَد، ويا واحدُ يا أحدُ، ويا قل هو اللّه أحد، أسألك اللّهم بحق من خلقتَهُ من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً، أن تصلي عليهم وتفعل بي كيت وكيت»(1).

ص: 41


1- عدة الداعي: ص65 ب2 ق5. الأمالي للطوسي: ص286 المجلس11 ح555.

حرز الإمام الهادي (عليه السلام)

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا عزيز العز في عزّه، ما أعز عزيز العز في عزه، يا عزيز أعزني بعزك، وأيدني بنصرك، وادفع عني همزات الشياطين، وادفع عني بدفعك، وامنع عني بصنعك، واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد»(1).

ادع اللّه بهذه الكلمات

أخبرنا محمد بن جعفر بن هشام الأصبغي قال: أخبرني اليسع بن حمزة القمي قال: أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة أنه جاء علي بالمكروه الفظيع حتى تخوفته على إراقة دمي وفقر عقبي، فكتبت إلى سيدي أبي الحسن العسكري (عليه السلام) أشكو إليه ما حل بي.

فكتب (عليه السلام) إليّ: «لا روع إليك ولا بأس، فادع اللّه بهذه الكلمات يخلصك اللّه وشيكاً به مما وقعت فيه، ويجعل لك فرجاً، فإن آل محمد يدعون بها عند إشراف البلاء وظهور الأعداء وعند تخوف الفقر وضيق الصدر».

قال اليسع بن حمزة: فدعوت اللّه بالكلمات التي كتب إلي سيدي بها في صدر النهار، فو اللّه ما مضى شطره حتى جاءني رسول عمرو بن مسعدة فقال لي: أجب الوزير.

نهضت ودخلت عليه، فلما بصر بي تبسم إلي وأمر بالحديد ففك عني، وبالأغلال فحلّت مني، وأمرني بخلعة من فاخر ثيابه، وأتحفني بطيب ثم أدناني وقرّبني وجعل يحدثني ويعتذر إلي، ورد عليّ جميع ما كان استرجه مني،

ص: 42


1- مهج الدعوات: ص44 حرز آخر لعلي بن محمد النقي (عليه السلام) .

وأحسن رفدي، وردّني إلى الناحية التي كنت أتقلدها، وأضاف إليها الكرة التي تليها، قال: وكان الدعاء:

«يا من تحل بأسمائه عُقَد المكاره، ويا من يُفلّ بذكره حد الشدائد، ويا من يُدعى بأسمائه العظام من ضيق المخرج إلى محل الفرج، ذلّت لقدرتك الصعاب، وتسببت بلطفك الأسباب، وجرى بطاعتك القضاء، ومضت على ذكرك الأشياء، فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون وحيك منزجرة، وأنت المرجو للمهمات، وأنت المفزع للملمات، لا يندفع منها إلاّ ما دفعت، ولاينكشف منها إلاّ ما كشفت، وقد نزل بي من الأمر ما فدحني ثقله، وحلّ بي منه ما بهظني حمله، وبقدرتك أوردت علي ذلك، وبسلطانك وجهته إلي، فلا مصدر لما أوردت، ولا ميسّر لما عسرت، ولا صارف لما وجهت، ولا فاتح لما أغلقت، ولا مغلق لما فتحت، ولا ناصر لمن خذلت، إلاّ أنت، صل على محمد وآل محمد، وافتح لي باب الفرج بطولك، واصرف عني سلطان الهم بحولك، وأنلني حسن النظر في ما شكوت، وارزقني حلاوة الصنع فيما سألتك، وهَب لي من لدنك فرجاً وحياً، واجعل لي من عندك مخرجا هنيئاً، ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فرائضك، واستعمال سنتك، فقد ضقت بما نزل بي ذرعا، وامتلأت بحمل ما حدث علي جزعا، وأنت القادر على كشف ما بليت به، ودفع ما وقعت فيه، فافعل ذلك بي، وإن كنت غير مستوجبه منك، يا ذا العرش العظيم، و ذا المن الكريم، فأنت قادر يا أرحم الراحمين، آمين رب العالمين»(1).

ص: 43


1- بحار الأنوار: ج92 ص231 ب107 ح27.

حجاب الإمام الهادي (عليه السلام)

روي عن مولانا الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) حجاب احتجب بها ممن أراد الإساءة إليه.

«وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستوراً، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفي آذانهم وقراً، وإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، عليك يا مولاي توكلي، وأنت حسبي وأملي، ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه، تبارك إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، رب الأرباب، ومالك الملوك، وجبار الجبابرة، وملك الدنيا والآخرة، رب أرسل إليّ منك رحمة يا رحيم، ألبسني منك عافية وازرع في قلبي من نورك، واخبأني من عدوك، واحفظني في ليلي ونهاري بعينك، يا أنس كل مستوحش وإله العالمين، قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن، بل هم عن ذكر ربّهم معرضون، حسبي اللّه كافياً ومعيناً ومعافياً، فإن تولوا فقل حسبي اللّه لا إله إلاّ هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم»(1).

ص: 44


1- بحار الأنوار: ج91 ص377 ب52.

11

عوذة للإمام الهادي (عليه السلام)

حدثنا عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني (عليه السلام) : أن أبا جعفر محمد بن علي الرضا ع كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) وهو صبي في المهد وكان يعوّذه بها يوما فيوما، ويأمر أصحابه به:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم، اللّهم رب الملائكة والروح، والنبيين والمرسلين، وقاهر من في السماوات والأرضين، وخالق كل شيء ومالكه، كفّ عنا بأس أعدائنا، ومن أراد بنا سوءً من الجن والإنس، وأعمِ أبصارهم وقلوبهم، واجعل بيننا وبينهم حجاباً وحرساً ومدفعاً، إنك ربنا، لا حول ولا قوة لنا إلاّ باللّه، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا، ربنا إنك أنت العزيز الحكيم، ربنا عافنا من كل سوء، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، ومن شرّ ما يسكن في الليل والنهار، ومن شر كل سوء، ومن شر كل ذي شر، ربَّ العالمين وإله المرسلين، صل على محمد و آله أجمعين، وأوليائك وخص محمداً وآله أجمعين بأتم ذلك، ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم، بسم اللّه وباللّه، أومن باللّه، وباللّه أعوذ، وباللّه أعتصم، وباللّه أستجير، وبعزة اللّه ومنعته أمتنع من شياطين الإنس والجن، ومن رجلهم وخيلهم وركضهم وعطفهم ورجعتهم وكيدهم وشرهم

ص: 45

وشر ما يأتون به تحت الليل وتحت النهار، من البعد والقرب، ومن شر الغائب والحاضر، والشاهد والزائر، أحياءً وأمواتا، أعمى وبصيراً، ومن شر العامة والخاصة، ومن شر نفس ووسوستها، ومن شر الدناهش والحس واللمس واللبس ومن عين الجن والإنس، وبالاسم الذي اهتز به عرش بلقيس، وأعيذ ديني ونفسي وجميع ما تحوطه عنايتي، من شر كل صورة وخيال، أو بياض أو سواد أو تمثال أو معاهد أو غير معاهد، ممن يسكن الهواء والسحاب، والظلمات والنور، والظل والحرور، والبر و البحور، والسهل والوعور، والخراب والعمران، والآكام والآجام، والغياض والكنائس، والنواويس والفلوات، والجبانات ومن شر الصادرين والواردين، ممن يبدو بالليل وينتشر بالنهار، وبالعشي والأبكار، والغدو والآصال، والمريبين والأسامرة والأفاثرة، والفراعنة والأبالسة، ومن جنودهم وأزواجهم وعشائرهم وقبائلهم، ومن هُمَزهم ولُمَزهم، ونفثهم ووقاعهم وأخذهم وسحرهم وضربهم وعبثهم ولمحهم واحتيالهم واختلافهم، ومن شر كل ذي شر، من السحرة والغيلان وأم الصبيان وما ولدوا وما وردوا، ومن شر كل ذي شر، داخل وخارج، وعارض ومتعرض، وساكن ومتحرك، وضربان عرق وصداع، وشقيقة وأم ملدم، والحمى والمثلثة، والربع والغب، والنافضة والصالبة، والداخلة والخارجة، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنك على صراط مستقيم، وصلى اللّه على محمد و آله وسلّم تسليما»(1).

ص: 46


1- مصباح المتهجد: ص499-500.

12

قنوت الإمام الهادي (عليه السلام)

اشارة

قال (عليه السلام) في قنوته

«مناهل كراماتك بجزيل عطياتك مترعة، وأبواب مناجاتك لمن أمّك مشرعة، وعطوف لحظاتك لمن ضرع إليك غير منقطعة، وقد ألجم الحذار واشتد الاضطرار وعجز عن الاصطبار أهل الانتظار، وأنت اللّهم بالمرصد من المكار، اللّهم وغير مهمل مع الإمهال، واللائذ بك آمن، والراغب إليك غانم، والقاصد اللّهم لبابك سالم، اللّهم فعاجل من قد امتز في طغيانه، واستمر على جهالته لعقباه في كفرانه، وأطمعه حلمك عنه في نيل إرادته، فهو يتسرع إلى أوليائك بمكارهه، ويواصلهم بقبائح مراصده، ويقصدهم في مظانهم بأذيته، اللّهم اكشف العذاب عن المؤمنين، وابعثه جهرة على الظالمين، اللّهم اكفف العذاب عن المستجيرين واصببه على المغيرين، اللّهم بادر عصبة الحق بالعون، وبادر أعوان الظلم بالقصم، اللّهم أسعدنا بالشكر، وامنحنا النصر، وأعذنا من سوء البداء، والعاقبة والختر»(1).

قنوت آخر

وقال (عليه السلام) : «يا من تفرد بالربوبية، و توحد بالوحدانية، يا من أضاء باسمه

ص: 47


1- بحار الأنوار: ج82 ص226-227 ب33.

النهار، وأشرقت به الأنوار، وأظلم بأمره حندس الليل، وهطل بغيثه وابل السيل، يا من دعاه المضطرون فأجابهم، ولجأ إليه الخائفون فأمنهم، وعبده الطائعون فشكرهم، وحمده الشاكرون فأثابهم، ما أجلّ شأنك، وأعلى سلطانك، وأنفذ أحكامك، أنت الخالق بغير تكلف، والقاضي بغير تحيف، حجتك البالغة، وكلمتك الدامغة، بك اعتصمت وتعوذت، من نفثات العندة، ورصدات الملحدة، الذين ألحدوا في أسمائك، ورصدوا بالمكاره لأوليائك، وأعانوا على قتل أنبيائك وأصفيائك، وقصدوا لإطفاء نورك بإذاعة سرك، وكذبوا رسلك وصدوا عن آياتك، واتخذوا من دونك ودون رسولك ودون المؤمنين وليجة، رغبة عنك، وعبدوا طواغيتهم وجوابيتهم بدلا منك، فمننت على أوليائك بعظيم نعمائك، وجدت عليهم بكريم آلائك، وأتممت لهم ما أوليتهم بحسن جزائك، حفظا لهم من معاندة الرسل، وضلال السبل، وصدقت لهم بالعهود ألسنة الإجابة، وخشعت لك بالعقود قلوب الإذابة..

أسألك اللّهم باسمك الذي خشعَتْ له السماوات والأرض، وأحييتَ به موات الأشياء، وأمتَّ به جميع الأحياء، وجمعتَ به كل متفرق، وفرّقتَ به كل مجتمع، وأتممتَ به الكلمات، وأريتَ به كبرى الآيات، وتبتَ به على التوابين، وأخسرت به عمل المفسدين، فجعلت عملهم هباءً منثوراً، وتبرتهم تتبيراً، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل شيعتي من الذين حملوا فصدقوا، واستنطقوا فنطقوا، آمنين مأمونين، اللّهم إني أسألك لهم توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وتقية أهل الورع، وكتمان الصديقين، حتى يخافوك اللّهم مخافة تحجزهم عن معاصيك، وحتى يعملوا بطاعتك لينالوا كرامتك، وحتى يناصحوا لك وفيك خوفاً منك،

ص: 48

وحتى يخلصوا لك النصيحة في التوبة حباً لك، فتوجب لهم محبتك التي أوجبتها للتوابين، وحتى يتوكلوا عليك في أمورهم كلها حسن ظن بك، وحتى يفوضوا إليك أمورهم ثقةً بك، اللّهم لا تنال طاعتك إلاّ بتوفيقك، ولا تنال درجة من درجات الخير إلاّ بك، اللّهم يا مالك يوم الدين، العالم بخفايا صدور العالمين، طهّر الأرض من نجس أهل الشرك، وأخرص الخراصين عن تقولهم على رسولك الإفك، اللّهم اقصم الجبارين، وأبر المفترين، وأبِد الأفاكين، الذين إذا تتلى عليهم آيات الرحمن قالوا أساطير الأولين، وأنجز لي وعدك إنك لا تخلف الميعاد، وعجّل فرج كل طالب مرتاد، إنك لبالمرصاد للعباد..

أعوذ بك من كل لبس ملبوس، ومن كل قلب عن معرفتك محبوس، ومن كل نفس تكفر إذا أصابها بؤس، ومن واصف عدل عمله عن العدل معكوس، ومن طالب للحق وهو عن صفات الحق منكوس، ومن مكتسب إثم بإثمه مركوس، ومن وجه عند تتابع النعم عليه عبوس، أعوذ بك من ذلك كله، ومن نظيره وأشكاله وأشباهه وأمثاله، إنك علي عليم حكيم»(1).

ص: 49


1- مهج الدعوات: ص61-62.

13

معاجز الإمام وكراماته (عليه السلام)

عسكر الإمام (عليه السلام)

ورد أن المتوكل العباسي أراد أن يخيف الإمام الهادي (عليه السلام) من جنوده وعسكره، وكان له من الجند تسعون ألف مقاتل، فأمر كلَ واحد منهم أن يملأ مخلاة فرسه من التراب ويلقيه في الصحراء، فأصبح تلاً كبيراً، وقد بقي شيء من هذا التل إلى يومنا هذا ويسمى بتل العليج بقرب الملوية في سامراء.

فلما أصبح التل كالجبل، صعده المتوكل وأحضر الإمام (عليه السلام) لينظر من التل على كثرة جنوده، وقال للإمام (عليه السلام) : هؤلاء جنودي وهذه قدرتي!

فقال له الإمام (عليه السلام) : «أتريد أن ترى جنودي وعسكري؟».

قال: أو لديك جنود، فمن هم؟.

فدعا الإمام (عليه السلام) وأشار بيده، ثم قال للحاكم: انظر، وإذا بالملائكة المدججين بالسلاح قد ملؤوا ما بين السماء والأرض، وما بين المشرق والمغرب، فوقع الحكام العباسي مغشياً عليه، لشدة خوفه.

فلما أفاق الحاكم، قال له الإمام (عليه السلام) : إنه لا شغل لي بدنياكم، وأنا مشغول بآخرتي، فلا تهتم بما تزعم، أي إذا تزعم بأنني أريد الخروج عليك، فاعلم بأنه

ص: 50

لا يكون ذلك(1).

وفي كشف الغمة: أن المتوكل عرض عسكره، وأمر أن كل فارس يملأ مخلاة فرسه طيناً ويطرحوه في موضع واحد، فصار كالجبل واسمه تل المخالي. وصعد هو وأبو الحسن (عليه السلام) وقال: إنما طلبتك لتشاهد خيولي. وكانوا لبسوا التجافيف، وحملوا السلاح، وقد عرضوا بأحسن زينة، وأتم عدة، وأعظم هيئة. وكان غرضه كسر قلب من يخرج عليه، وكان يخاف من أبي الحسن (عليه السلام) أن يأمر أحداً من أهل بيته بالخروج عليه.

فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : «فهل أعرض عليك عسكري؟».

قال: نعم.

فدعا (عليه السلام) اللّه سبحانه؛ فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون، فغشي على المتوكل. فلما أفاق قال له أبو الحسن (عليه السلام) :

«نحن لا ننافسكم في الدنيا؛ فإنا مشغولون بالآخرة، فلا عليك شيء مما تظن»(2).

ما السبب في تشيعك؟

روى القطب الراوندي في (الخرائج والجرائح):أنه حدث جماعة من أهل أصفهان، منهم: أبو العباس أحمد بن النضر، وأبو جعفر محمد بن علوية، قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن وكان شيعياً. قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي (عليه السلام) دون غيره من أهل الزمان؟.

ص: 51


1- راجع بحار الأنوار: ج50 ص155-156 ب3 ح44.
2- كشف الغمة: ج2 ص395 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة العسكر.

قال: شاهدت ما أوجب عليَّ؛ وذلك أني كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة. فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فكنا بباب المتوكل يوماً إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) ، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟.

فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته.

ثم قال: ويقدر أن المتوكل يحضره للقتل.

فقلت: لا أبرح من ها هنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو.

قال: فأقبل (عليه السلام) راكباً على فرس، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين ينظرون إليه.. فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شر المتوكل.

فأقبل (عليه السلام) يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة وأنا دائم الدعاء، فلما صار إليَّ أقبل بوجهه إليَّ وقال: «استجاب اللّه دعاءك، وطوّل عمرك، وكثّر مالك وولدك».

قال: فارتعدت ووقعت بين أصحابي، فسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟.

فقلت: خير، ولم أخبر بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح اللّه عليَّ وجوهاً من المال حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن من عمري نيفاً وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي، واستجاب اللّه دعاءه فيَّ ولي(1).

ص: 52


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص392-393 ب11.

سبيكة ذهب

عن داود بن القاسم الجعفري، قال: دخلت على الإمام علي الهادي (عليه السلام) بسر من رأى وأنا أريد الحج لأودّعه. فخرج (عليه السلام) معي، فلما انتهى إلى آخر الحاجز نزل (عليه السلام) فنزلت معه، فخط (عليه السلام) بيده الأرض خطة شبيهة بالدائرة، ثم قال لي: «يا عم، خذ ما في هذه يكون في نفقتك، وتستعين به على حجك».

فضربت بيدي فإذا سبيكة ذهب، فكان فيها مائتا مثقال(1).

مع يونس النقاش

في (الأمالي) للشيخ الطوسي (قدس سره) ، عن كافور الخادم قال: كان في الموضع مجاور الإمام (عليه السلام) من أهل الصنائع صنوف من الناس وكان الموضع كالقرية، وكان يونس النقاش يغشى سيدنا الإمام الهادي (عليه السلام) ويخدمه. فجاءه يوماً يرعد فقال: يا سيدي، أوصيك بأهلي خيراً!.

قال (عليه السلام) : «وما الخبر؟».

قال: عزمت على الرحيل(2)!.

قال: «ولِمَ يا يونس»، وهو (عليه السلام) متبسم!.

قال: قال موسى بن بغا - وكان من ولاة الحكام وقواده - وجه إليَّ بفُص ليس له قيمة(3)، أقبلت أن أنقشه فكسرته باثنين، وموعده غداً وهو موسى بن بغا، إما ألف سوط أو القتل!.

ص: 53


1- المناقب: ج4 ص409 فصل في معجزاته (عليه السلام) .
2- أي الموت، وهذا دليل آخر على ظلم طغاة بني العباس وأعوانهم وولاتهم.
3- أي لا يمكن أن يجعل له قيمة.

قال (عليه السلام) : «امض إلى منزلك إلى غد، فما يكون إلاّ خيراً».

فلما كان من الغد وافى بكرة يرعد، فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفص!

قال: «امض إليه فما ترى إلاّ خيراً».

قال: وما أقول له يا سيدي؟.

قال: فتبسم (عليه السلام) وقال: «امض إليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون إلاّ خيراً».

قال: فمضى وعاد يضحك.

قال: قال لي: يا سيدي، الجواري اختصمن فيمكنك أن تجعله فصين حتى نغنيك؟.

فقال سيدنا الإمام (عليه السلام) : «اللّهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن يحمدك حقاً، فأيش قلتَ له؟».

قال: قلت له: أمهلني حتى أتأمل أمره كيف أعمله.

فقال (عليه السلام) : «أصبت»(1).

أقول: روى البعض هذه القصة للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) .

أنا زينب!

ظهرت في أيام المتوكل امرأة تدّعي أنها زينب (عليها السلام) بنت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !!.

فقال المتوكل: أنت امرأة شابة، وقد مضى من وقت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما مضى من السنين!

فقالت: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مسح عليَّ، وسأل اللّه أن يرد عليَّ شبابي في كل

ص: 54


1- الأمالي للطوسي: ص288-289 المجلس11 ح559.

أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية، فلحقتني الحاجة فصرت إليهم.

فدعا المتوكل مشايخ آل أبي طالب وولد العباس وقريش وعرّفهم حالها.

فروى جماعة وفاة زينب (عليها السلام) في سنة كذا، فقال لها: ما تقولين في هذه الرواية؟.

فقالت: كذب وزور؛ فإن أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يعرف لي حياة ولا موت.

فقال لهم المتوكل: هل عندكم حجة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟.

فقالوا: لا.

فقال: هو بريء من العباس إن لا أنزلها عما ادعت إلاّ بحجة.

قالوا: فأحضِر ابن الرضا (عليه السلام) - يعني الإمام علي الهادي (عليه السلام) - فلعلّ عنده شيئاً من الحجة غير ما عندنا.

فبعث إليه فحضر، فأخبره بخبر المرأة.

فقال (عليه السلام) : «كذبَتْ؛ فإن زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا».

قال: فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه، وقد حلفتُ أن لا أنزلها إلاّ بحجة تلزمها.

قال (عليه السلام) : «ولا عليك فها هنا حجة تلزمها وتلزم غيرها».

قال: وما هي؟.

قال (عليه السلام) : «لحوم بني فاطمة محرمة على السباع، فأنزلها إلى السباع فإن كانت من ولد فاطمة (عليها السلام) فلا تضرها».

فقال لها: ما تقولين؟.

قالت: إنه يريد قتلي.

قال (عليه السلام) : «فها هنا جماعة من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) فأنزل من شئت منهم».

ص: 55

قال: فو اللّه لقد تغيرت وجوه الجميع.

فقال بعض المبغضين: هو يحيل على غيره، لم لا يكون هو؟.

فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع، فقال: يا أبا الحسن، لم لا تكون أنت ذلك؟.

قال: «ذاك إليك».

قال: فافعل.

قال: «أفعل».

فأتي بسُلّم وفتح عن السباع وكانت ستة من الأسد، فنزل أبو الحسن (عليه السلام) إليها، فلما دخل وجلس صارت الأسود إليه، فرمت بأنفسها بين يديه ومدت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه، فجعل يمسح على رأس كل واحد منها، ثم يشير إليه بيده إلى الاعتزال فتعتزل ناحية حتى اعتزلت كلها وأقامت بإزائه.

فقال له الوزير: ما هذا صواباً، فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره.

فقال له: يا أبا الحسن، ما أردنا بك سوءً وإنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت، فأحب أن تصعد. فقام وصار إلى السُلّم وهي حوله تتمسح بثيابه، فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها وأشار بيده أن ترجع فرجعت وصعد.

فقال: «كل من زعم أنه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس».

فقال لها المتوكل: انزلي.

قالت: اللّه اللّه، ادعيت الباطل وأنا بنت فلان، حملني الضر على ما قلت.

قال المتوكل: ألقوها إلى السباع. فاستوهبتها والدته فتركها(1).

ص: 56


1- بحار الأنوار: ج50 ص149-150 ب3 ح35.

في خان الصعاليك

عن صالح بن سعيد، قال: دخلت على أبي الحسن - الإمام علي الهادي - (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك!

فقال (عليه السلام) : «ها هنا أنت يا ابن سعيد»، ثم أومأ بيده فقال: «انظر».

فنظرت فإذا بروضات آنقات، وروضات ناضرات، فيهن خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء وأنهار تفور، فحار بصري والتمع، وحسرت عيني..

فقال (عليه السلام) : «حيث كنا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك»(1).

أقول: ذكرنا في (حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) )(2) مثل هذه القصة مع جارية للإمام (عليه السلام) .

ما ناقة صالح بأكرم مني

عن زرافة حاجب المتوكل - وكان شيعياً - أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعاً ودون ولده وأهله، أراد أن يبين موضعه عندهم. فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم والوزراء والأمراء والقوّاد وسائر العساكر ووجوه الناس أن يزينوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم، ويخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يركب أحد إلاّ هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى.

ص: 57


1- بصائر الدرجات: ص406 ب13 ح7.
2- هو الكتاب التاسع من سلسلة (من حياة المعصومين (عليهم السلام) ).

وكان قصد المتوكل إهانة الإمام الهادي (عليه السلام) وتنزيل قدره عند الناس.

فمشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجالة، وكان يوماً قائظاً شديد الحر، وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ، وشق عليه ما لقيه من الحر والزحمة.

قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيدي، يعز واللّه عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة. وأخذت بيده (عليه السلام) فتوكأ عليَّ وقال: «يا زرافة، ما ناقة صالح عند اللّه بأكرم مني - أو قال - بأعظم قدراً مني».

ولم أزل أسائله وأستفيد منه وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب وأمر الناس بالانصراف.

فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم، وقدمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره، فنزل وودعته وانصرفت إلى داري. ولولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث وما جرى من ركوب المتوكل والفتح، ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) وما سمعته من قوله: «ما ناقة صالح عند اللّه بأعظم قدراً مني»، وكان المؤدب يأكل معي، فرفع يده وقال: باللّه إنك سمعت هذا اللفظ منه؟.

فقلت له: واللّه إني سمعته يقوله.

فقال لي: اعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك، فانظر في أمرك وأحرز ما تريد إحرازه، وتأهب لأمرك كي لا يفجئكم هلاك هذا الرجل، فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أو سبب يجري.

فقلت له: من أين لك ذلك؟.

ص: 58

فقال لي: أما قرأت القرآن في قصة الناقة، وقوله تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}(1)، ولا يجوز أن تبطل قول الإمام (عليه السلام) .

قال زرافة: فو اللّه ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغاء ووصيف والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطعوه والفتح بن خاقان جميعا قطعاً، حتى لم يعرف أحدهما من الآخر وأزال اللّه نعمته ومملكته.

يقول زرافة: وبعد ذلك اعتقدت بإمامة الإمام الهادي (عليه السلام) .

ولقيت الإمام أبا الحسن (عليه السلام) بعد ذلك، وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله.

فقال (عليه السلام) : «صدق، إنه لما بلغ مني الجهد رجعتُ إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من الحصون والسلاح والجنن، وهو دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه اللّه».

فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تعلمنيه، فعلمنيه(2).

والدعاء هو: «اللّهم إني وفلان بن فلان عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرنا وعلانيتنا، وتطلع على نياتنا، وتحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، ولا ينطوي عنك شيء من أمورنا، ولايستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منا، ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه، ولا يجاهدك عنه جنوده، ولا يغالبك مغالب بمنعه، ولا يعازك متعزز بكثرة، أنت مدركه أين ما سلك، وقادر عليه

ص: 59


1- سورة هود: 65.
2- مهج الدعوات: ص266-267 ذكر ما نختاره من أدعية مولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي (صلوات اللّه عليه).

أين لجأ، فمعاذ المظلوم منا بك، وتوكل المقهور منا عليك، ورجوعه إليك، ويستغيث بك إذا خذله المغيث، ويستصرخك إذا قعد عنه النصير، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية، ويطرق بابك إذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حلّ به قبل أن يشكوه إليك، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك، له فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً.

اللّهم إنه قد كان في سابق علمك، ومحكم قضائك، وجاري قدرك، وماضي حكمك، ونافذ مشيئتك في خلقك أجمعين سعيدهم وشقيهم، وبرهم وفاجرهم، أن جعلت لفلان بن فلان عليَّ قدرة فظلمني بها، وبغى عليَّ لمكانها، وتعزز عليَّ بسلطانه الذي خولته إياه، وتجبر عليَّ بعلو حاله التي جعلتها له، وعزة إملائك له، وأطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزتُ عن الصبر عليه، وتغمدني بشرّ ضعفتُ عن احتماله، ولم أقدر على الانتصار منه لضعفي، والانتصاف منه لذلّي، فوكلته إليك، وتوكلت في أمره عليك، وتوعدته بعقوبتك، وحذرته سطوتك، وخوفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، وحسب أن إملاءك له من عجز، ولم تنهه واحدة عن أخرى، ولا انزجر عن ثانية بأولى، ولكنه تمادى في غيّه، وتتابع في ظلمه، ولجّ في عدوانه، واستشرى في طغيانه، جرأةً عليك يا سيدي، وتعرضاً لسخطك الذي لا ترده عن الظالمين، وقلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين، فها أنا ذا يا سيدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل بعنائه مغلوب، مبغي عليَّ مغضوب، وجل خائف، مروع مقهور، قد قل صبري، وضاقت حيلتي، وانغلقت عليَّ المذاهب إلاّ إليك، وانسدت عليَّ الجهات إلاّ جهتك، والتبست عليَّ أموري في دفع مكروهة عني، واشتبهت عليَّ الآراء في إزالة ظلمه،

ص: 60

وخذلني من استنصرته من عبادك، وأسلمني من تعلقت به من خلقك طراً، واستشرت نصيحي فأشار إليَّ بالرغبة إليك، واسترشدت دليلي فلم يدلني إلاّ عليك، فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً، عالما أنه لا فرج إلاّ عندك، ولا خلاص لي إلاّ بك، انتجز وعدك في نصرتي، وإجابة دعائي؛ فإنك قلت - وقولك الحق الذي لا يرد ولا يبدل -: {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}(1)، وقلت - جل جلالك وتقدست أسماؤك -: {ادْعُونِي أَستَجِبْ لَكُمْ}(2)، وأنا فاعل ما أمرتني به لا منّاً عليك، وكيف أمن به وأنت عليه دللتني، فصل على محمد وآل محمد فاستجب لي كما وعدتني، يا من لا يخلف الميعاد، وإني لأعلم يا سيدي إن لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقن لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب؛ لأنك لا يسبقك معاند، ولا يخرج عن قبضتك منابذ، ولا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي وهلعي لا يبلغان بي الصبر على أناتك، وانتظار حلمك، فقدرتك عليَّ يا سيدي ومولاي فوق كل قدرة، وسلطانك غالب على كل سلطان، ومعاد كل أحد إليك وإن أمهلته، ورجوع كل ظالم إليك وإن أنظرته، وقد أضرني يا رب حلمك عن فلان بن فلان، وطول أناتك له، وإمهالك إياه، وكاد القنوط يستولي عليَّ لولا الثقة بك، واليقين بوعدك، فإن كان في قضائك النافذ، وقدرتك الماضية، أن ينيب أو يتوب أو يرجع عن ظلمي، أو يكف مكروهة عني، وينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل اللّهم على محمد وآل محمد وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة، قبل

ص: 61


1- سورة الحج: 60.
2- سورة غافر: 60.

إزالة نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وتكديره معروفك الذي صنعته عندي، وإن كان في علمك به غير ذلك من مقام على ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه إجابة دعوتي، فصل على محمد وآل محمد وخذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، وافجأه في غفلته مفاجاة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وافضض عنه جموعه وأعوانه، ومزق ملكه كل ممزق، وفرق أنصاره كل مفرق، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأبره يا مبير الأمم الظالمة، واخذله يا خاذل الفئات الباغية، وابتر عمره، وابتز ملكه، وعف أثره، واقطع خبره، وأطفئ ناره، وأظلم نهاره، وكور شمسه، وأزهق نفسه، واهشم شدته، وجب سنامه، وأرغم أنفه، وعجل حتفه، ولا تدع له جُنة إلاّ هتكتها، ولا دعامة إلاّ قصمتها، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرقتها، ولا قائمة علو إلاّ وضعتها، ولا ركناً إلاّ وهنته، ولا سبباً إلاّ قطعته، وأرنا أنصاره وجنده وأحباءه وأرحامه عباديد بعد الألفة، وشتى بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة، والأفئدة اللّهفة، والأمة المتحيرة، والبرية الضائعة، وأدل ببواره الحدود المعطلة، والأحكام المهملة، والسنن الداثرة، والمعالم المغيرة، والتلاوات المتغيرة، والآيات المحرفة، والمدارس المهجورة، والمحاريب المجفوة، والمساجد المهدومة، وأرح به الأقدام المتعبة، وأشبع به الخماص الساغبة، وأرو به اللّهوات اللاغبة، والأكباد الظامئة، وأرح به الأقدام المتعبة، وأطرقه بليلة لا أخت لها، وساعة لا شفاء منها، وبنكبة لا انتعاش معها، وبعثرة لا إقالة منها، وأبح حريمه، ونغص نعيمه، وأره بطشتك الكبرى، ونقمتك

ص: 62

المثلى، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة، وسلطانك الذي هو أعز من سلطانه، واغلبه لي بقوتك القوية، ومحالك الشديد، وامنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، وابتله بفقر لا تجبره، وبسوء لا تستره، وكله إلى نفسه فيما يريدإنك فعال لما تريد، وأبرئه من حولك وقوتك، وأحوجه إلى حوله وقوته، وأذل مكره بمكرك، وادفع مشيته بمشيئتك، واسقم جسده، وأيتم ولده، وانقص أجله، وخيّب أمله، وأزل دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكه من حزنه، وصيرّ كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وجدّه في سفال، وسلطانه في اضمحلال، وعاقبته إلى شر مآل، وأمته بغيظه إذا أمته، وأبقه لحزنه إن أبقيته، وقني شره وهمزه ولمزه، وسطوته وعداوته، والمحه لمحة تدمر بها عليه؛ فإنك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، والحمد لله رب العالمين»(1).

سيسلم ولدك فلان

عن هبة اللّه بن أبي منصور الموصلي، قال: كان بديار ربيعة كاتب لها نصراني يسمى يوسف بن يعقوب، وكان بينه وبين والدي صداقة، قال: فوافانا فنزل عند والدي. فقال له والدي: فيم قدمتَ في هذا الوقت؟.

قال: دعيتُ إلى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد مني، إلاّ أني اشتريت نفسي من اللّه بمائة دينار، وقد حملتها لعلي بن محمد الرضا (عليه السلام) معي. فقال له والدي: قد وفقت في هذا.

وخرج إلى حضرة المتوكل، وجاءنا بعد أيام قلائل فرحاً مسروراً مستبشراً،

ص: 63


1- مهج الدعوات: ص267-271 ذكر ما نختاره من أدعية مولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي (صلوات اللّه عليه).

فقال له والدي: حدثني حديثك.

قال: صرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: يجب أن أوصل هذه المائة دينار إلى ابن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري إلى دار المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي. وعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، وأنه ملازم لداره. فقلت: كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره.

قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد، فلا أمنعه حيث يذهب، لعلّي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً، فجعلت الدنانير في كاغذ وجعلتها في كمي وركبت، وكان الحمار يتخرق في الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل. فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟.

فسأل.. فقيل: دار ابن الرضا (عليه السلام) .

فقلت: اللّه أكبر دلالة واللّه مقنعة.

قال: فإذا خادم أسود قد خرج، فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟!.

قلت: نعم.

قال: فانزل، فأقعدني في الدهليز ودخل.

فقلت: هذه دلالة أخرى، من أين عرف اسمي واسم أبي، وليس في البلد من يعرفني، ولا دخلته قط.

فخرج الخادم، فقال: المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها.

فناولته إياها، وقلت: هذه ثالثة.

وجاء فقال: ادخل. فدخلت وهو (عليه السلام) وحده. فقال: «يا يوسف ما آن لك».

ص: 64

فقلت: يا مولاي، قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى.

فقال: «هيهات، إنك لا تسلم ولكن سيسلم وَلَدُك فلان وهو من شيعتنا. يا يوسف، إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا واللّه أنها لتنفع امض فيما وافيت له فإنك سترى ما تحب».

فمضيت إلى باب المتوكل فنلت كلما أردت وانصرفت.

قال هبة اللّه: فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت أبيه، وكان يقول: أنا مؤمن ببشارة مولاي (عليه السلام) (1).

تنح عافاك اللّه

قال أبو هاشم الجعفري: إنه ظهر برجل من أهل سر من رأى برص فتنغص عيشه، فأشار إليه أبو علي الفهري بالتعرض لأبي الحسن - الهادي (عليه السلام) - وأن يسأله الدعاء.

فجلس له يوماً فرآه فقام إليه، فقال (عليه السلام) : «تنح عافاك اللّه»، وأشار إليه بيده «تنح عافاك اللّه» ثلاث مرات، فانخذل ولم يجسر أن يدنو منه فانصرف، ولقي الفهري وعرفه ما قال له، قال: قد دعا لك قبل أن تسأله فاذهب فإنك ستعافى، فذهب وأصبح وقد برأ(2).

عندما يُستخف بأولياء اللّه

عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع مشعبذ هندي يلعب بالحقة لم ير مثله

ص: 65


1- كشف الغمة: ج2 ص392-393 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص399 ب11.

وكان المتوكل لعاباً، فأراد أن يخجل علياً - الهادي (عليه السلام) - فقال المتوكل: إن أخجلته فلك ألف دينار.

قال: فتقدم أن يخبز رقاق خفاف تجعل على المائدة وأنا إلى جنبه، ففعل وحضر علي - الهادي - (عليه السلام) للطعام، وجعل له مسورة عليها صورة أسد وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي (عليه السلام) يده إلى رقاقة فطيرها اللاعب كذا ثلاث مرات، فتضاحكوا، فضرب علي (عليه السلام) يده على تلك الصورة وقال: «خذه»! فوثبت الصورة من المسورة وابتلعت الرجل وعادت إلى المسورة! فتحيروا، ونهض علي بن محمد (عليه السلام) فقال له المتوكل: سألتك باللّه إلاّ جلست ورددته. فقال: «واللّه لا يرى بعدها، أتسلط أعداء اللّه على أوليائه»، وخرج من عنده ولم يُرَ الرجل بعدها(1).

الدعاء المستجاب

روي: أن رجلاً جاء إلى الإمام الهادي (عليه السلام) اسمه معروف وقال: جئتك وما أذنت لي.

قال: «ما علمت بك، وأُخبرت بعد انصرافك، وذكرتني بما لا ينبغي».

فحلف ما فعلت، وعلم أبو الحسن (عليه السلام) أنه كاذب، فقال: «اللّهم إنه حلف كاذباً فانتقم منه» فمات من الغد(2).

الطيور تسكت لهيبة الإمام (عليه السلام)

قال أبو هاشم الجعفري: كان للمتوكل بيت فيه شباك وفيه طيور مصوتة،

ص: 66


1- كشف الغمة: ج2 ص393-394 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.
2- كشف الغمة: ج2 ص394 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.

فإذا دخل إليه أحد لم يَسمع ولم يُسمع، فإذا دخل علي - الهادي - (عليه السلام) سكتت جميعاً، فإذا خرج (عليه السلام) عادت إلى حالها(1).

مع السباع الجائعة

قال ابن حجر في صواعقه:

ومر أن الصواب في قصة السباع الواقعة من المتوكل أنه هو - أي الإمام علي الهادي (عليه السلام) - الممتحن بها، وأنها لم تقربه بل خضعت واطمأنت لما رأته، ويوافقه ما حكاه المسعودي وغيره: أن يحيى بن عبد اللّه المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما هرب إلى الديلم ثم أتي به إلى الرشيد وأمر بقتله، ألقي في بركة فيها سباع قد جوعت، فأمسكت عن أكله ولاذت بجانبه، وهابت الدنو منه، فبني عليه ركن بالجص والحجر وهو حي(2).

إنه لا يلبث أكثر من يومين

روى ابن أورمة، قال: خرجت إلى سر من رأى أيام المتوكل فدخلت إلى سعيد الحاجب، ودفع المتوكل أبا الحسن (عليه السلام) إليه ليقتله. فقال لي: أتحب أن تنظر إلى إلهك؟.

فقلت: سبحان اللّه! إلهي لا تدركه الأبصار.

فقال: الذي تزعمون أنه إمامكم.

قلت: ما أكره ذلك.

ص: 67


1- كشف الغمة: ج2 ص394 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.
2- الصواعق المحرقة لإبن حجر الهيتمي: ج2 ص599-601، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى عام 1997م، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللّه التركي وكامل محمد الخراط.

قال: قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً، فإذا خرج صاحب البريد فادخل عليه. فخرج ودخلت وهو جالس وهناك قبر يحفر، فسلمت عليه وبكيت بكاء شديداً، فقال (عليه السلام) : «ما يبكيك؟».

قلت: ما أرى.

قال: «لا تبكِ أنه لا يتم لهم ذلك، وأنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك اللّه دمه ودم صاحبه»، فو اللّه ما مضى غير يومين حتى قُتل(1).

هات الجبة!

وفي (الأمالي) للشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب! فدعاني إلى الشرب. فقلت: يا سيدي، ما شربته قط. قال: أنت تشرب مع علي بن محمد! قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك، إنما يضرك ولا يضره ولم أعد ذلك عليه(2).

قال: فلما كان يوماً من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل - يعني المتوكل - خبر مال يجيء من قم وقد أمرني أن أرصده لأخبره له، فقل لي: من أي طريق يجيء حتى أجتنبه؟.

فجئت إلى الإمام علي بن محمد (عليه السلام) فصادفت عنده من أحتشمه، فتبسم (عليه السلام) وقال لي: «لا يكون إلاَ خيراً، يا أبا موسى لِمَ لم تعد الرسالة الأولة».

فقلت: أجللتك يا سيدي.

فقال (عليه السلام) لي: «المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي».

ص: 68


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص412 ب11.
2- أي لم أذكر ذلك للإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام) .

فلما كان من الليل وقام إلى ورده قطع الركوع بالسلام وقال لي: «قد جاء الرجل ومعه المال، وقد منعه الخادم الوصول إليَّ فاخرج خذ ما معه». فخرجت فإذا معه زنفيلجة فيها المال، فأخذته ودخلت به إليه.

فقال (عليه السلام) : «قل له: هات الجبة التي قالت لك القمية إنها ذخيرة جدتها».

فخرجت إليه فأعطانيها فدخلت بها إليه، فقال (عليه السلام) لي: «قل له: الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا».

فخرجت إليه فقلت له ذلك، فقال: نعم كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة وأنا أمضي فأجيء بها.

فقال (عليه السلام) : «اخرج فقل له: إن اللّه تعالى يحفظ لنا وعلينا، هاتها من كتفك». فخرجت إلى الرجل فأخرجتها من كتفه، فغشي عليه، فخرج إليه فقال له: «قد كنت شاكاً فتيقنت»(1).

ماء مسخن

وفي (الأمالي) للشيخ الطوسي: عن كافور الخادم، قال: قال لي الإمام علي بن محمد (عليه السلام) : «اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهر منه للصلاة». وأنفذني في حاجة وقال: «إذا عدت فافعل ذلك ليكون معداً إذا تأهبت للصلاة». واستلقى (عليه السلام) لينام وأنسيت ما قال لي وكانت ليلة باردة، فحسست به وقد قام إلى الصلاة وذكرت أنني لم أترك السطل، فبعدت عن الموضع خوفاً من لومه وتألمت له حيث يشقى لطلب الإناء، فناداني نداء مغضب. فقلت: إنا لله أيش عذري أن أقول نسيت مثل هذا ولم أجد بداً من

ص: 69


1- الأمالي للطوسي: ص275-276 المجلس10 ح528.

إجابته. فجئت مرعوباً(1) فقال: «يا ويلك، أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلاّ بماء بارد، فسخنت لي ماء فتركته في السطل!».

فقلت: واللّه يا سيدي ما تركت السطل ولا الماء.

قال: «الحمد لله، واللّه لا تركنا رخصة ولا رددنا منحة، الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته، ووفقنا للعون على عبادته، إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إن اللّه يغضب على من لا يقبل رخصه»(2).

تُكفى إن شاء اللّه

وفي (الأمالي) للشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: قصدت الإمام - الهادي - (عليه السلام) يوماً. فقلت: يا سيدي، إن هذا الرجل قد أطرحني وقطع رزقي ومللني، وما أتهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك، وإذا سألته شيئاً منه يلزمه القبول منك، فينبغي أن تتفضل عليَّ بمسألته. فقال: «تُكفى إن شاء اللّه».

فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولاً، فجئت والفتح على الباب قائم. فقال: يا رجل، ما تأوي في منزلك بالليل كدني هذا الرجل مما يطلبك. فدخلت وإذا المتوكل جالس على فراشه فقال: يا أبا موسى، نشغل عنك وتنسينا نفسك، أي شيء لك عندي؟.

فقلت: الصلة الفلانية والرزق الفلاني وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها.

فقلت للفتح: وافى علي بن محمد (عليه السلام) إلى ها هنا؟!.

ص: 70


1- أي مرعوباً من هيبته (عليه السلام) .
2- الأمالي للطوسي: ص298-299 المجلس11 ح587.

فقال: لا.

فقلت: كتب رقعة؟!.

فقال: لا.

فوليت منصرفاً فتبعني فقال لي: لست أشك أنك سألته دعاءً لك، فالتمس لي منه دعاء.

فلما دخلت إليه (عليه السلام) فقال لي: «يا أبا موسى، هذا وجه الرضا».

فقلت: ببركتك يا سيدي، ولكن قالوا لي إنك ما مضيت إليه ولا سألته.

فقال: «إن اللّه تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه، ولا نتوكل في الملمات إلاّ عليه، وعودنا إذا سألناه الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا».

قلت: إن الفتح قال لي كيت وكيت.

قال: «إنه يوالينا بظاهره ويجانبنا بباطنه، الدعاء لمن يدعو به، إذا أخلصت في طاعة اللّه واعترفت برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبحقنا أهل البيت (عليهم السلام) وسألت اللّه تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك».

قلت: يا سيدي، فتعلمني دعاءً أختص به من الأدعية؟.

قال: «هذا الدعاء كثيراً أدعو اللّه به وقد سألت اللّه أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي، وهو: يا عُدّتي عند العُدد...» إلى آخر الدعاء(1).

اجمع أمرك وخذ حذرك

وفي (إعلام الورى): عن علي بن محمد النوفلي، قال: قال لي محمد بن الفرج الرخجي: إن أبا الحسن (عليه السلام) كتب إليه: «يا محمد، اجمع أمرك وخذ

ص: 71


1- الأمالي للطوسي: ص285-286 المجلس11 ح555.

حذرك».

قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب، حتى ورد عليَّ رسول حملني من وطني مصفداً بالحديد، وضرب على كل ما أملك، وكنت في السجن ثماني سنين.

ثم ورد عليَّ كتاب منه وأنا في السجن: «يا محمد بن الفرج، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي». فقرأت الكتاب وقلت في نفسي يكتب أبو الحسن (عليه السلام) إليَّ بهذا وأنا في السجن! إن هذا لعجب. فما مكثت إلاّ أياماً يسيرة حتى فرج عني، وحلت قيودي وخلي سبيلي.

قال: وكتبت إليه بعد خروجي أن أسأله أن يسأل اللّه تعالى أن يرد علي ضيعتي. فكتب (عليه السلام) إليَّ: «سوف ترد عليك، وما يضرك أن لا ترد عليك».

قال علي بن محمد النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج الرخجي إلى العسكر كتب إليه برد ضياعه، فلم يصل الكتاب حتى مات(1).

الهواء المسخر

كان أحد الأشرار قال يوماً للمتوكل: ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد (عليه السلام) ، فلا يبقى في الدار إلاّ من يخدمه، ولا يتعبونه بشيل ستر، ولا فتح باب ولا شيء، وهذا إذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا، دعه إذا دخل يشيل الستر لنفسه، ويمشي كما يمشي غيره، فتمسه بعض الجفوة. فتقدم أن لا يخدم ولا يشال بين يديه ستر، وأن المتوكل ما رئي أحد ممن يهتم بالخبر مثله.

ص: 72


1- إعلام الورى: ص358-359 ب9 ف3.

قال: فكتب صاحب الخبر إليه: أن علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه ستراً، فهب هواء رفع الستر له فدخل. فقال: اعرفوا خبر خروجه. فذكر صاحب الخبر أن هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتى خرج.

فقال: ليس نريد هواء يشيل الستر، شيلوا الستر بين يديه(1).

شكر النعم

عن أبي هاشم الجعفري، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) فأذن لي، فلما جلست قال: «يا أبا هاشم، أي نعم اللّه عزوجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟».

قال أبو هاشم: فوجمت فلم أدرِ ما أقول له.

فابتدأ (عليه السلام) فقال: «رزقك الإيمان فحرم بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل. يا أبا هاشم، إنما ابتدأتك بهذا؛ لأني ظننت(2) أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها»(3).

أين الدفتر؟

عن أبي علي بن راشد، قال: قدمت عليَّ أحمال، فأتاني رسوله - أي رسول الإمام الهادي (عليه السلام) - قبل أن أنظر في الكتب أن أوجهه بها إليه: «سرح إليَّ بدفتر

ص: 73


1- بحار الأنوار: ج50 ص128 ب3 ح6.
2- أي علمت.
3- الأمالي، للصدوق: ص412-413 المجلس64 ح11.

كذا». ولم يكن عندي في منزلي دفتر أصلاً.

قال: فقمت أطلب ما لا أعرف بالتصديق له فلم أقع على شيء، فلما ولى الرسول قلت: مكانك. فحللت بعض الأحمال، فتلقاني دفتر لم أكن علمت به إلاّ أني علمت أنه لم يطلب إلاَ حقاً فوجهت به إليه(1).

التكلم بالتركية

عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حتى مر بها بغا أيام الواثق في طلب الأعراب. فقال أبو الحسن (عليه السلام) : «أخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي». فخرجنا فوقفنا فمرت بنا تعبئته، فمر بنا تركي فكلّمه أبو الحسن (عليه السلام) بالتركية، فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته.

قال: فحلّفت التركي و قلت له: ما قال لك الرجل؟.

قال: هذا نبي؟.

قلت: ليس هذا بنبي.

قال: دعاني باسم سُميت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلاّ الساعة(2).

التكلم بالفارسية

عن علي بن مهزيار، عن الطيب الهادي (عليه السلام) قال: دخلت عليه فابتدأني فكلمني بالفارسية(3).

ص: 74


1- بصائر الدرجات: ص249 ب11 ح15.
2- بحار الأنوار: ج50 ص124 ب3 ح1.
3- بحار الأنوار: ج50 ص130 ب3 ح10.

وعن أبي هاشم، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) وهو مجدر. فقلت للمتطبب: آب كرفت. ثم التفت (عليه السلام) إليَّ وتبسم وقال: «تظن أن لا يحسن الفارسية غيرك». فقال له المتطبب: جعلت فداك تحسنها؟. فقال: «أما فارسية هذا فنعم، قال لك: احتمل الجدري ماء»(1).

وروي عن أبي هاشم، قال لي أبو الحسن (عليه السلام) - وعلى رأسه غلام -: «كلم الغلام بالفارسية وأعرب له فيها».

فقلت للغلام: ناف تو جيست؟.

فسكت الغلام.

فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : «يسألك عن سرّتك»(2).

التكلم بالصقلابية

وعن علي بن مهزيار، قال: أرسلت إلى أبي الحسن (عليه السلام) الثالث غلامي - وكان صقلابيا ً- فرجع الغلام إليَّ متعجباً. فقلت: ما لك يا بني؟.

قال: كيف لا أتعجب ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا، فظننت أنه إنما أراد بهذا اللسان كيلا يسمع بعض الغلمان ما دار بينهم(3).

التكلم بالهندية

عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فكلمني بالهندية، فبهت فلم أحسن أن أرد عليه. وكان بين يديه ركوة ملأى حصى،

ص: 75


1- بحار الأنوار: ج50 ص136-137 ب3 ح18.
2- الخرائج والجرائح: ج2 ص675 ب14 فصل في أعلام الإمام علي بن محمد النقي (عليه السلام) .
3- الاختصاص: ص289 حديث في زيارة المؤمن لله.

فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه فمصها ثلاثاً، ثم رمى بها إليَّ فوضعتها في فمي فو اللّه ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة وسبعين لساناً أولها الهندية(1).

طي الأرض

عن علي بن محمد، عن إسحاق الجلاب، قال: اشتريت لأبي الحسن (عليه السلام) غنماً كثيرة، فدعاني فأدخلني من إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به، فبعثت إلى أبي جعفر وإلى والدته وغيرهما ممن أمرني، ثم استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدتي وكان ذلك يوم التروية. فكتب إلي: «تقيم غداً عندنا ثم تنصرف»، قال: فأقمت، فلما كان يوم عرفة أقمت عنده وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلما كان في السحر أتاني فقال لي: «يا إسحاق قم». فقمت ففتحت عيني فإذا أنا على بابي ببغداد!، فدخلت على والدتي وأتاني أصحابي فقلت لهم: عرّفت بالعسكر وخرجت إلى العيد ببغداد!(2).

خاتم من الإمام (عليه السلام)

روي أن أبا محمد الطبري قال: تمنيت أن يكون لي خاتم من عند الإمام الهادي (عليه السلام) فجاءني نصر الخادم بدرهمين فصنعتهما خاتماً.

ثم إنه لم يراع حرمة الخاتم وارتكب معصية، يقول:

وكان الخاتم ضيقاً في إصبعي لا يمكنني إدارته للوضوء.. فأصبحت وقد

ص: 76


1- المناقب: ج4 ص408 فصل في معجزاته (عليه السلام) .
2- بصائر الدرجات: ص406 ب13 ح6.

افتقدته! فتبت إلى اللّه تعالى(1).

مطر والسماء صاحية

عن يحيى بن هرثمة، قال: وجهني المتوكل إلى المدينة لإشخاص علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ، فأشخصته وتوليت خدمته وأحسنت عشرته. فبينا أنا في يوم من الأيام والسماء صاحية والشمس طالعة إذا ركب (عليه السلام) وعليه ممطر قد عقد ذنب دابته فتعجبت من فعله، فلم يكن من ذلك إلاّ هنيئة حتى جاءت سحابة فأرخت عزاليها ونالنا من المطر أمر عظيم جداً(2).

سيوف غيبية تحفظ الإمام (عليه السلام)

روى أبو سعيد سهل بن زياد، قال: حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن بداره بسر من رأى، فجرى ذكر أبي الحسن الهادي (عليه السلام) . فقال: يا أبا سعيد، أحدثك بشيء حدثني به أبي.

قال: كنا مع المنتصر وأبي كاتبه، فدخلنا والمتوكل على سريره، فسلم المنتصر ووقف ووقفت خلفه، وكان إذا دخل رحب به وأجلسه، فأطال القيام وجعل يرفع رجلاً ويضع أخرى وهو لا يأذن له في القعود، ورأيت وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقول للفتح بن خاقان: هذا الذي يقول فيه ما تقول، ويرد عليه القول والفتح يسكنه، ويقول: هو مكذوب عليه، وهو يتلظى ويستشيط ويقول: واللّه لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدعي الكذب ويطعن في دولتي!

ص: 77


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص413-414 ب11.
2- بحار الأنوار: ج50 ص207 ب4 ضمن ح23.

ثم طلب المتوكل أربعة من الخزر أجلافاً ودفع إليهم أسيافاً، وأمرهم أن يقتلوا أبا الحسن (عليه السلام) إذا دخل، وقال: واللّه لأحرقنه بعد قتله. وأنا قائم خلف المنتصر من وراء الستر، فدخل أبو الحسن (عليه السلام) وشفتاه يتحركان وهو غير مكترث ولا جازع، فلما رآه المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه، وانكب عليه يقبل بين عينيه ويديه واحتمل شقه بيده، وهو يقول: يا سيدي، يا ابن رسول اللّه، يا خير خلق اللّه، يا ابن عمي، يا مولاي، يا أبا الحسن!..

وأبو الحسن (عليه السلام) يقول: «أعيذك يا أمير باللّه من هذا».

فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟.

قال: «جاءني رسولك».

قال: كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي، يا فتح يا عبيد اللّه يا منتصر شيعوا سيدكم وسيدي. فلما بصر به الخزر خروا سجداً فدعاهم المتوكل، وقال: لِمَ لم تفعلوا ما أمرتكم به؟.

قالوا: شدة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم وامتلأت قلوبنا من ذلك.

فقال: يا فتح، هذا صاحبك - وضحك في وجهه وقال - الحمد لله الذي بيض وجهه وأنار حجته(1).

هكذا يملأ اللّه البرية قبوراً

عن يحيى بن هرثمة الحشوي قال: بعثني المتوكل إلى المدينة في ثلاثمائة رجل لنحضر الهادي (عليه السلام) مكرماً، فقال رجل من أصحابي خارجي لكاتبي الشيعي: إن

ص: 78


1- كشف الغمة: ج2 ص395-396 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.

من قول صاحبكم أنه لا يخلو بقعة من قبر، فمن أين لنا بأن على هذه البرية قبوراً؟

فسكت.. فضحكنا، ثم دخلنا على الإمام (عليه السلام) فأعلمناه، فخرج معنا بالخفاتين والبرانس واللبابيد! فتعجبت ونحن في تموز وهو حر الحجاز، وتعجبت من الرافضة حيث قالت بإمامته، فلما وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة وأرسلت علينا بردا كالصخور، فشد عليه وعلى غلمانه الثياب ودفع إليّ لبادة وإلى الكاتب برنساً، قال: فقتل من أصحابي ثمانون بتلك البردة، فقال لي: انزلوا ادفنوهم هكذا يملأ اللّه هذه البرية قبوراً، فرميت نفسي وقبلت ركابه وشهدت له بالخلافة ولزمت خدمته إلى أن مضى (عليه السلام) (1).

مضى أبو جعفر (عليه السلام)

عن هارون بن الفضل، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر (عليه السلام) .. فقال: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، مضى أبو جعفر».

فقيل له: وكيف عرفت ذلك؟.

قال (عليه السلام) : «تداخلني ذلة لله لم أكن أعرفها»(2).

دور المعاجز في هداية الناس

أقول: ولا يخفى أن ذكر معجزات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) مما يوجب هداية الناس نحو الصراط المستقيم؛ فإن الناس يلتفون حول العظماء ومن يرتبط بالسماء، أما الإنسان العادي فلا يلتفون حوله - عادةً -، ولا يرون أن عليهم إتباعه، فمثلاً لا

ص: 79


1- الصراط المستقيم: ج2 ص202 ب10 التاسع علي بن محمد الهادي (عليه السلام) وهو أمور ح2.
2- بحار الأنوار: ج50 ص135-136 ب3 ح16.

يرى أحد نفسه ملزماً بإتباع أفلاطون(1) أو أرسطو(2) أو من أشبه ممن لا إعجاز له، ولا تزكية له من السماء.

أما الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) الذين اختارهم الباري عزوجل، ومنحهم القدرة على المعاجز بإذنه، فإنه يرى الإنسان أن عليه أن يطيعهم.

وهذا أيضاً من أسباب طاعة الباري عزوجل لكثرة معاجزه؛ فإنه تعالى يفعل في كل يوم المليارات من المعاجز.

فمثلاً يوجد في جسم الإنسان الذي خلقه اللّه تعالى المليارات من الخلايا الحية(3)، وكل واحدة منها معجزة في نفسها، علماً بأن الآلاف منها لا تشغل

ص: 80


1- ولد أفلاطون بن أرسطن سنة 427 قبل الميلاد من أبوين أرستقراطيين، ومعنى أفلاطون: الفسيح، وكان أفلاطون من أشراف يونان وكان في قديم أمره يميل إلى الشعر، فأخذ منه بحظ عظيم، ثم حضر مجلس سقراط، فرآه يثلب الشعر فتركه. ثم انتقل إلى قول فيثاغورس في الأشياء المعقولة. وعنه أخذ أرسطاليس وخلفه بعد موته. توفى أفلاطون في السنة التي ولد فيها الإسكندر، بعدما عاش إحدى وثمانين سنة، وهي السنة الثالثة عشر من ملك لاوخوس، وكان الملك في ذلك الوقت بمقدونية فيلبس أبو الإسكندر من خط اسحق. ألف أفلاطون العديد من الكتب وترتيب كتبه هكذا: المنطقيات الطبيعيات الإلهيات الخلقيات. ومن كتبه: كتاب السياسة، وكتاب النواميس، وكتاب المناسبات، وكتاب التوحيد، وغيرها. يقال: إن أفلاطون يجعل كتبه أقوالاً يحكيها عن قوم، ويسمى ذلك الكتاب باسم المصنف له، فمن ذلك: قول سماه تا اجيس في الفلسفة، وقول سماه لاخس في الشجاعة، وقول سماه خرميدس في العفة، وغيرها.
2- أرسطوطاليس: فيلسوف يوناني عاش للفترة (384-322ق.م)، وهو تلميذ أفلاطون وأستاذ الإسكندر المقدوني. جرت فلسفته في اتجاه مغاير لمثالية أفلاطون, وتعاظم اهتمامها شيئاً فشيئاً بالعلم وظواهر الطبيعة. وأرسطو يعتبر واحداً من أعظم فلاسفة الدنيا, وقد انسحب أثره على المفكرين الذين جاؤوا بعده حتى منبلج العصر الحديث. من أشهر آثاره:الأورغانون في المنطق، وكتاب السياسة، وكتاب ما وراء الطبيعة، وكتاب الطبيعة، وكتاب الشعر.
3- راجع موسوعة المورد: موضوع الخلية.

سنتيمتراً واحداً لشدة صغرها.

وفي العلم الحديث ثبت أن كل خلية تحتوي على قشرة وهي بمثابة السور الخارجي لها، وقالوا: إن فيها آلاف الأبواب، وكذلك مخ الإنسان - وهو مركز إدارة الجسم - فإنه معجزة من المعاجز، قالوا: إن في وسط المخ ما يشبه عمارة ذات ثلاثين ألف طابق، وهي مركز القيادة.

وكذلك ما يرتبط بتحويل الغذاء إلى ما يناسب بدن الإنسان عبر مخلوقات في غاية الدقة والصغر.

نعم إن خلية واحدة من تلك المليارات فيها العديد من المعاجز الإلهية. وربما يكون هذا من معاني قوله (عليه السلام) : «من عرف نفسه فقد عرف ربه»(1).

ومن هنا يمنح اللّه المعاجز لأنبيائه ورسله وأوصيائهم (عليهم السلام) ليكونوا حجةً على الناس، وليمتثلوا أوامرهم ويهتدوا بإتباعهم.

والفرق بين الأمرين - أي بين ما يقوم به الأنبياء (عليهم السلام) وبين ما خلقه اللّه عزوجل، حيث لا يعتبر بعض الناس خلق اللّه، وما يكمن فيه من العجائب وتلك الخلايا في جسد الإنسان من المعاجز - أن الناس يرون بشكل دائم تلك المعاجز في جسم الإنسان فزعموها عادية، بخلاف ما يقوم به الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) فيستغربونها.

لا يقال: مع كثرة المعاجز فلماذا ابتعد كثير من الناس عن مسيرة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ؟.

لأنه يقال: إن الابتعاد عن مسيرة الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) للبعض كان بسبب ما

ص: 81


1- بحار الأنوار: ج2 ص32 ب9 ح22.

رأوه من الظلم والجور والانحراف عند الحكّام والخلفاء الذين حكموا باسم الأنبياء وهم بعيدون كل البُعد عنهم، وكذلك الذين حكموا باسم الكنيسة، فلما رأوا سوء حكمهم وتعاملهم ابتعدوا عن الأنبياء ورسالاتهم.

وإذا رجعت يوماً ما حكومة الأنبياء (عليهم السلام) بمعناها الحقيقي سترى إقبال الناس عليها.

وربما يكون السبب في الابتعاد عن منهج الأنبياء (عليهم السلام) عند البعض: ما يُزعم من أن الأنبياء (عليهم السلام) يسلبون حريات الناس.

وهذا خطأ محض؛ لأن الحريات التي جاء بها الأنبياء (عليهم السلام) أكثر بكثير من حريات من ادعى الديمقراطية وما أشبه. قال تعالى في وصف نبيه العظيم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(1).

فإن قيل: إن الأنبياء (عليهم السلام) والديمقراطيين كلاهما يطالبون بحرية الناس، فلا داعي للالتفاف حول الأنبياء.

فإنه يقال: إن الحريات التي جاء بها الغرب والديمقراطيون تشوبها الأمراض الفتاكة، والفقر والحرمان، والاختلاف الطبقي بين الناس، وكثرة المشاكل الأخرى كما يشاهد في البلاد الغربية وغيرها(2)، أما الأنبياء (عليهم السلام) فحريتهم غير

ص: 82


1- سورة الأعراف: 157.
2- يذكر المفكر الأمريكي (ناعوم تشومسكي): إنه في إحدى ليالي الحرب الاستعمارية الثانية دمرت 334 طائرة أمريكية ما مساحته 16 ميلاً مربعاً من طوكيو بإسقاط القنابل الحارقة، وقتلت 100 ألف شخص، وشردت مليون نسمة. ولاحظ الجنرال (كيرتس لوماي): إن الحرارة كانت شديدة جداً حتى أن الماء قد وصل في القنوات إلى درجة الغليان، وذابت بعض الهياكل المعدنية، وتفجر الناس في ألسنة من اللّهب. وقد تعرض أثناء الحرب ما يقرب من 64 مدينة يابانية - فضلاً عن هيروشيما وناغازاكي الشهيرتين - إلى ما يشبه هذا الهجوم. ويشير أحد التقديرات إلى مقتل زهاء 400 ألف شخص بهذه الطريقة. وكان هذا تمهيداً لعمليات الإبادة التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد أقطار أخرى لم تهدد واشنطن. وقد ذبحت الولايات المتحدة بين عامي 1952-1973م زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاوسي وكمبودي. ويشير أحد التقديرات إلى مقتل مليوني كوري شمالي في الحرب الكورية، وكثير منهم قُتلوا في الحرائق العاصفة في بيونغ يانغ ومدن رئيسية أخرى، ويذكرنا هذا بالهجمات الحارقة على طوكيو. ويذكر الراهب البوذي الفيتنامي (ثيتش ثين هاو): إنه بحلول منتصف عام 1963م تسببت الحرب التي شنتها أمريكا على فيتنام في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، ونزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، وتدمير ألف معبد، كما هوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة، وأدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ في فترة أعياد الميلاد في العام 1972م إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد اعترفت سنة 2000م بأن قوات الناتو أطلقت 31 ألف قذيفة تحتوي على اليورانيوم المنضب أثناء حملة حلف الأطلسي على يوغسلافيا، في حين أفاد مسئول حلف الناتو أن عشرة آلاف قذيفة من هذا النوع استُعملت في حرب البوسنة عامي 1994-1995م. وأما تدمير العراق ما زال مستمراً منذ حروب الخليج وإلى هذه اللحظة، فقد أكدت التقارير أن الطائرات الأمريكية ألقت زهاء مليون قذيفة يورانيوم منضب جو أرض، كما استخدمت 15 ألف قذيفة دروع؛ وهو ما أحدث خللاً واضحاً في الأمن البيئي في الكويت قبل العراق، فلوث مساحات واسعة من الأرض بمواد مشعة كاليورانيوم المنضب، واستخدام سموم فطرية ذات تركيز عال مُسَرطنة، فضلاً عن تلويث الهواء والتربة، وإهلاك الكثير من الأحياء، وظهور أمراض كثيرة، وازدياد معدلات الوَفَيَات في الأطفال دون الخامسة عدة أضعاف بالنسبة للعراق. بل إنها لم تتورع عن إبقاء الحصار المفروض على العراق لما يزيد عن عشرة أعوام، وأما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق فحدث عنه ولا حرج، والذي كشف عن زيف الدعاية الغربية في تحرير الشعوب ونشر الديمقراطية، وغيرها من الوعود والأماني الزائفة.

مشوبة بهذه المشاكل، وقد أشرنا إلى هذا البحث في كتاب (الصياغة الجديدة)(1).

ص: 83


1- راجع الفصل الثالث من الكتاب، وعنوانه: الحرية في الإسلام.

وإذا علم الناس بأن الأنبياء (عليهم السلام) لا ربط لهم ولرسالتهم بالحكّام الظلمة وجور الكنيسة، ولا محل في مبادئهم للكبت والاختناق والإرهاب، فإن الناس على الأغلب يلتفون حول الأنبياء (عليهم السلام) ومبادئهم ويهتدون بهديهم؛ لأن أكثر الناس غير معاندين للحق.

قال (عليه السلام) : «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا»(1).

ص: 84


1- وسائل الشيعة: ج27 ص92 ب8 ح33297.

14

طغاة عصر الإمام (عليه السلام)

عاشر الإمام علي الهادي (عليه السلام) أسوأ طغاة العباسيين، وكان في أيام إمامته - وهي ثلاث وثلاثون سنة - بقية ملك المعتصم..

ثم ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر..

ثم ملك المتوكل أربع عشرة سنة..

ثم ملك ابنه المنتصر ستة أشهر..

ثم ملك المستعين وهو أحمد بن محمد بن المعتصم سنتين وتسعة أشهر..

ثم ملك المعتز وهو الزبير بن المتوكل ثماني سنين وستة أشهر..

وفي آخر ملكه استشهد ولي اللّه علي بن محمد الهادي (عليه السلام) بالسم، ودفن في داره بسر من رأى.

وكان المتوكل العباسي حاقداً على الإمام (عليه السلام) وعلى أجداده الطاهرين (عليهم السلام) حقداً شديداً، وهو الذي جاء بالإمام (عليه السلام) إلى سامراء من مدينة جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ليسكنه في العسكر تحت الإقامة الجبرية، وليكون الإمام (عليه السلام) مراقَباً في تصرفاته من قبل الحكومة. وليمنع الناس من الاتصال بالإمام (عليه السلام) والاستفادة من علومه، فإن المتوكل كان يخاف من مكانة الإمام (عليه السلام) بين الناس.

ويستفاد من رواية تفسير (الكثير) الذي نذره المتوكل واختلف فيه الفقهاء،

ص: 85

مدى طغيان المتوكل حتى على حاجبه، حيث قال له: (إن أخطئت ضربتك مائة مقرعة)(1).

فما بالك بتصرفاته العدائية تجاه الإمام الهادي (عليه السلام) ، حيث كان يحقد عليه ويحسده على ما آتاه اللّه من فضله..

قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكاً عَظِيماً}(2).

وكثيراً ما كان المتوكل يحضر الإمام (عليه السلام) ويقصد قتله ولكن اللّه تعالى كان يحفظ الإمام (عليه السلام) منه، كما يظهر من قصة الرجل الأصفهاني الذي جاء إلى المتوكل في مظلمة(3).

ص: 86


1- راجع المناقب: ج4 ص402 فصل في المقدمات.
2- سورة النساء: 114.
3- راجع الخرائج والجرائح: ج1 ص392-393 ب11.

15

الشخوص إلى سامراء

إن الإمام علي الهادي (عليه السلام) وُلد في المدينة المنورة وكان فيها إلى الثامنة من عمره الشريف، فلما استشهد والده الإمام الجواد (عليه السلام) بالمدينة، انتقلت الإمامة إليه وكان يعيش في مدينة جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى زمن الطاغية المتوكل العباسي، حيث أمر جلاوزته بجلب الإمام (عليه السلام) إلى سامراء ليسكنه في منطقة العسكر، فيكون الإمام مراقباً ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً.

قيل: إن من أسباب ذلك أن بريحة العباسي - وكان إمام الحرمين - كتب رسالة إلى المتوكل جاء فيها: أن لو كانت لك حاجة بمكة والمدينة، فأخرج علي بن محمد الهادي (عليه السلام) منها فإن الناس هنا رهن طاعته.

وكتب آخرون أيضاً للمتوكل بهذه المضامين, كان منهم عبد اللّه بن محمد والي المدينة وكان من النواصب وكان يؤذي الإمام (عليه السلام) كثيراً، فكتب رسالة مليئة بالكذب ضد الإمام الهادي (عليه السلام) ، فغضب المتوكل.

ولما أُخبر الإمام (عليه السلام) برسالة الوالي إلى المتوكل، كتب (عليه السلام) رسالة إلى المتوكل يبين فيها الصورة الحقيقية، وقال: «إن والي المدينة يقوم بإيذائي وقد كتب لك كتاباً مليئاً بالكذب والافتراء».

ولكن المتوكل - مع علمه بصدق الإمام (عليه السلام) - كان يخاف من مكانة الإمام (عليه السلام)

ص: 87

في المدينة وهو بين شيعته وأتباعه، فأراد جلب الإمام (عليه السلام) إلى سامراء، ومن جانب آخر كان لا يريد أن يثور عليه أحد عند ما يقوم بإيذائه الإمام (عليه السلام) ، وإلاّ فإن إيذاء والي المدينة للإمام كان بأمر المتوكل، كما هو واضح.

عند ذلك احتال المتوكل بعزل الوالي عبد اللّه بن محمد وتغيير منصبه، وجعل وال آخر للمدينة اسمه محمد بن فضل.

ثم كتب كتاباً لطيفاً للإمام (عليه السلام) وهو يعتذر عما فعله الوالي، وأخبر بعزله ونصب محمد بن فضل مكانه، وأنه أمره بإكرام الإمام (عليه السلام) وإعزازه.

هذا كله لمكانة الإمام (عليه السلام) بين الناس، ومخافة المتوكل من ثورة العلويين ومن أشبه ضده.

ثم كتب المتوكل كتاباً آخر أرسله بيد إبراهيم بن عباس للإمام (عليه السلام) قال فيه: إنه مشتاق كثيراً إلى رؤية الإمام، وطلب من الإمام أن يخرج إلى سامراء بمن أحب من ذويه وأهل بيته، وقال: قد أرسلت إليكم يحيى بن هرثمة ليخدمكم في الطريق، وكانت هذه الرسالة في جمادى الآخرة من سنة مائتين وثلاثة وأربعين هجرية.

وفي الواقع كان المتوكل أرسل ابن هرثمة لجلب الإمام (عليه السلام) ..

فلما رأى الإمام (عليه السلام) أنه مضطر لذلك، خرج من مدينة جدّه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كُرهاً، بعد ما ودّع الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والصديقة البتول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأجداده الطاهرين (عليهم السلام) في البقيع.. نحو سامراء.

فلما وصل الإمام (عليه السلام) إلى سامراء واطمئن المتوكل أن الإمام (عليه السلام) أصبح في قبضته - بحسب الظاهر - غيّر سلوكه الظاهري وأبرز حقده على أهل بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأنزل الإمام (عليه السلام) في خان الصعاليك وهو مكان مخصص للفقراء والمساكين والغرباء ومن أشبه؛ وذلك لتحقير منزلة الإمام (عليه السلام) .

ص: 88

أقول: ولا يخفى أن المرحوم آية اللّه العظمى السيد حسن المجدد الشيرازي (قدس سره) (1) عندما تشرف بالهجرة إلى سامراء بحث عن هذا الخان، وبحسب القرائن والشواهد عرف مكانه، فاشتراه من أهله وجعله حسينية وكان يُدرّس فيها، وهي الآن حسينية أهالي كربلاء في سامراء(2).

قال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في (الإرشاد): كان سبب شخوص أبي الحسن (عليه السلام) إلى سر من رأى أن عبد اللّه بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسعى بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل وكان يقصده بالأذى(3).

وقال المسعودي في (إثبات الوصية):إن بريحة صاحب الصلاة بالحرمين كتب إلى المتوكل: إن كان لك في الحرمين حاجة فاخرج علي بن محمد منها، فإنه قد

ص: 89


1- آية اللّه العظمى السيد محمد حسن الشيرازي المشهور بالمجدد، ولد في 15 جمادى الأولى 1230ه. هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1259ه- ثم إلى سامراء 1291ه. درس على يد جملة من العلماء أمثال: السيد حسن المدرس، والمحقق الكلباسي، وصاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري. آلت إليه المرجعية سنة 1281ه- بعد وفاة الشيخ الأنصاري. قارع الاستعمار البريطاني في إيران، وقاد ثورة التنباك (التبغ) ضده حيث أصدر فتوى بتحريم استعمال التنباك مما تسبب في خروج البريطانيين من إيران، كما وقف بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان حيث أخذ يقتل الشيعة هناك وعمل المنائر من رؤوس القتلى في كل مكان. له عدة مؤلفات ما بين مطبوع ومخطوط منها: تحريرات في الأصول مخطوط، تحريرات في الفقه مخطوط، كتاب الطهارة مخطوط، كتاب الصلاة مخطوط، رسالة الاجتماع في الأمر والنهي مخطوط، كراريس فيها السؤالات بخط سماحته مخطوط، حاشية على نجاة العباد مطبوع، رسائل عملية أخرى مطبوع. لم يكن (رحمه اللّه) يرغب بنشر كتبه ومؤلفاته استحقاراً منه لها، كما ذكره العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه اللّه) في كتاب (هدية الرازي إلى الإمام المجدد الشيرازي). توفي (رحمه اللّه) عام 1312ه.
2- وقد قام النواصب من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) مؤخراً بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء بهدم هذه الحسينية وإزالتها حقداً منهم على كل ما يمت لأهل البيت (عليهم السلام) بصلة.
3- الإرشاد: ج2 ص309 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.

دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير. وتابع بريحة الكتب في هذا المعنى.

وقال سبط بن الجوزي في (تذكرة الخواص): قال علماء السير: إنما أشخصه المتوكل من المدينة إلى بغداد؛ لأن المتوكل كان يبغض علياً وذريته، فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة وميل الناس إليه فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة وقال: اذهب إلى المدينة وانظر في حاله وأشخصه إلينا.

قال المفيد (رحمه اللّه) : وبلغ أبا الحسن (عليه السلام) سعاية عبد اللّه بن محمد به، فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد اللّه بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به، فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميل من الفعل والقول(1).

وقد مر أن المتوكل أمر جلاوزته بإخراج الإمام (عليه السلام) من مدينة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولكنه تظاهر بمثل هذا الكتاب اللطيف لكي لا يثور عليه أهل المدينة.

ومن هنا يُعلم بأن الإمام جُلب إلى سامراء ولم يهاجر إليها باختياره، روي عن المنصوري، عن عم أبيه، قال:

قال يوماً الإمام علي بن محمد (عليه السلام) : «يا أبا موسى، اُخرجت إلى سر من رأى كرهاً، ولو اُُخرجت عنها اُخرجت كرهاً».

قال: قلت: ولِمَ يا سيدي؟.

قال: «لطيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلة دائها - ثم قال (عليه السلام) : - تخرب سر من رأى حتى يكون فيها خان، وبقال للمارة، وعلامة تدارك خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدي»(2).

أقول: (أخرجت كرهاً)، أي: إن خروجي إلى سامراء وبقائي فيها وخروجي

ص: 90


1- الإرشاد: ج2 ص309-310 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.
2- الأمالي للطوسي: ص281 المجلس10 ح545.

منها لو خرجت، فهو كره، مما يدل على أن الإمام (عليه السلام) تحت السيطرة الشديدة حتى لا يمكنه أن يختار البقاء والخروج.

قال الشبلنجي في (نور الأبصار): فصل في ذكر مناقب سيدنا علي الهادي بن محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم - إلى أن قال: - ومناقبه رضي اللّه عنه كثيرة.. - ثم قال - حُكي أن سبب شخوص أبي الحسن علي بن محمد من المدينة إلى سر من رأى أن عبد اللّه بن محمد كان ينوب عن الخليفة المتوكل في الحرب والصلاة بالمدينة. فسعى بأبي الحسن إلى المتوكل، وكان يقصده بالأذى، فبلغ أبا الحسن سعايته إلى المتوكل، فكتب إلى المتوكل يذكر تحمل عبد اللّه بن محمد عليه وقصده له بالأذى. فكتب إليه المتوكل كتاباً يعتذر له فيه ويلين له القول، ودعاه فيه إلى الحضور إليه على حيل من القول والفعل. ولما وصل الكتاب إلى أبي الحسن تجهز للرحيل وخرج، وخرج معه يحيى بن هرثمة بن أعين مولى الأمير ومن معه من الجند حافظين به إلى أن وصل إلى سر من رأى، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك فأقام فيه يومه، ثم إن المتوكل أفرد له دار حسنة وأنزله بها. فأقام أبو الحسن (عليه السلام) مدة مقامه بسر من رأى مكرماً معظماً مبجلاً في ظاهر الحال، والمتوكل يتتبع له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره اللّه تعالى عليه(1).

ص: 91


1- نور الأبصار للشبلنجي: ص164-165 مطبوعات مكتبة ومطبعة عبد السلام بن محمد بن شقرون، الطبعة الثامنة 1384ه/1963م.

16

الإمام (عليه السلام) يودع مدينة جده (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

اشارة

قال يحيى بن هرثمة: عندما دخلت المدينة لأخذ الإمام (عليه السلام) ضجت المدينة وأخذوا بالبكاء والعويل بما لم أر مثلها أبداً؛ لأنهم علموا بأنني جئت من قبل المتوكل لأخذ الإمام إلى سامراء، وعلموا بأن الإمام (عليه السلام) لا يعود منها أبداً، كما أخرجوا من قبل آبائه الطاهرين (عليهم السلام) إلى بغداد وخراسان فلم يرجعوا إلى مدينة جدّهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فحلفتُ لهم باللّه إنني أمرت لاصطحاب الإمام (عليه السلام) وإكرامه وأن أكون تحت أمره.

وفي رواية:

قال يحيى: فذهبت إلى المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي (عليه السلام) وقامت الدنيا على ساق؛ لأنه كان محسناً إليهم، ملازماً للمسجد، ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا، فجعلت أسكنهم وأحلف لهم إني لم أؤمر فيه بمكروه، وإنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني، وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته(1).

ص: 92


1- بحار الأنوار: ج50 ص207 ب4 ضمن ح23.

وفي بغداد

يقول يحيى بن هرثمة: فلما وصلنا بغداد دخلت على الوالي وهو إسحاق بن إبراهيم الطاهري، فقال: إن هذا الرجل - يعني الإمام علي الهادي (عليه السلام) - ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنت تعرف المتوكل وعداءه لأهل البيت (عليهم السلام) فإياك إياك أن تقول شيئاً للمتوكل تكون شريكاً في دم الإمام (عليه السلام) ؛ فإن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكون خصمك في يوم القيامة.

فقلت: واللّه ما رأيت من الإمام (عليه السلام) شيئاً يكره المتوكل، لم أر منه إلاّ الجميل.

مع وصيف التركي

يقول يحيى بن هرثمة: ثم دخلنا سامراء، فذهبت إلى وصيف التركي وكان من قيادة المتوكل وكنت في طاعته، فقال لي: يا يحيى، واللّه لو نقص من الإمام (عليه السلام) شعرة فأنا أخاصمك!

فلما رأيت من إسحاق والوصيف ما رأيت تعجبت كثيراً.

فدخلت على المتوكل وأخبرته بما رأيت وسمعت.

أقول: لا يخفى أن وصيف وبغا كانا من المتنفذين جداً عند المتوكل، وكان المتوكل غالباً يأخذ بآرائهما، حتى قال الشاعر:

خليفة في ققص***بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له***كما تقول الببغا(1)

ص: 93


1- تاريخ الخلفاء للسيوطي: ج1ص358 المستعين باللّه، مطبعة السعادة - مصر، الطبعة الأولى 1371ه/1952م.

17

في طريق سامراء

عن يحيى بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل وقال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تريده، واخرجوا إلى الكوفة فخلفوا أثقالكم فيها، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة فاحضروا علي بن محمد الرضا (عليه السلام) إلى عندي مكرماً معظماً مبجلاً.

- أقول: وذلك لمكانة الإمام (عليه السلام) عند الناس فأراد المتوكل أن يتظاهر بإكرام الإمام (عليه السلام) خوفاً من ردة فعلهم -.

قال: ففعلت وخرجنا وكان في أصحابي قائد من الشراة، وكان لي كاتب متشيع وأنا على مذهب الحشوية، فكان الشاري يناظر الكاتب وكنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق. فلما صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون قبراً، فانظر إلى هذه البرية العظيمة أين يموت فيها حتى يملأها اللّه قبوراً كما تزعمون؟.

قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟. قال: نعم.

فقلت: أين من يموت في هذه البرية حتى تمتلئ قبوراً؟.

وتضاحكنا ساعة إذا انخذل الكاتب في أيدينا، وسرنا حتى دخلنا المدينة فقصدت باب أبي الحسن (عليه السلام) ، فدخلت إليه وقرأ كتاب المتوكل. وقال: «انزلوا

ص: 94

فليس من جهتي خلاف». فلما صرت إليه من الغد وكنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له ولغلمانه. وقال للخياط: «اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمل من الفراغ منها يومك هذا، وبكر بها إليَّ في هذا الوقت». ونظر إليَّ وقال: «يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غداً في هذا الوقت». فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين وأقول في نفسي: نحن في تموز وحر الحجاز وبيننا وبين العراق عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب! وقلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر وهو يقدر أن كل سفر يحتاج إلى هذه الثياب، وأتعجب من الروافض حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا.

فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت، وقال لغلمانه: «ادخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس - ثم قال - ارحل يا يحيى».

فقلت في نفسي: وهذا أعجب من الأول يخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس. فخرجت وأنا أستصغر فهمه! فسرنا حتى إذا وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت وأرعدت وأبرقت حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت على رؤوسنا برداً مثل الصخور، وقد شد على نفسه (عليه السلام) وعلى غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس. وقال لغلمانه: «ادفعوا إلى يحيى لبادة وإلى الكاتب برنساً». وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلاً وزالت وعاد الحر كما كان. فقال (عليه السلام) لي: «يا يحيى، انزل من بقي من أصحابك فادفن من مات منهم، فهكذا يملأ اللّه هذه البرية قبوراً».

قال: فرميت بنفسي عن دابتي وغدوت إليه فقبّلت رجله وركابه، وقلت: أنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، وأنكم خلفاء اللّه في

ص: 95

أرضه، فقد كنت كافراً وقد أسلمت الآن على يديك يا مولاي - قال يحيى - وتشيعت ولزمت خدمته إلى أن مضى (عليه السلام) (1).

ص: 96


1- كشف الغمة: ج2 ص390-392 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.

18

كتاب المتوكل وإقراره بفضل الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) كجدهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قمة الكمالات والفضائل من العلم والتقوى والخلق السامية وغيرها، والكل معترف بذلك، حتى أن أعداءهم أقروا بفضلهم، والفضل ما شهدت به الأعداء.

فهذا المتوكل وهو من ألد أعداء أهل البيت (عليهم السلام) يكتب رسالة إلى الإمام علي الهادي (عليه السلام) يعترف فيها بعظيم فضله.

وهذا نص كتابه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، أما بعد فإن أمير المؤمنين(1) عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقك، مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح اللّه به حالك وحالهم، ويثبت به من عزك وعزهم، ويدخل الأمن عليك وعليهم، يبتغي بذلك رضا ربه، وأداء ما فرض عليه فيك وفيهم، فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد اللّه بن محمد عما كان يتولى من الحرب والصلاة بمدينة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك، واستخفافه بقدرك، وعند ما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك

ص: 97


1- يقصد المتوكل بهذا اللقب نفسه، علماً بأن لقب أمير المؤمنين من الألقاب الخاصة بالإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، ولا يصح إطلاقه على غيره.

منه، وصدق نيتك في برك وقولك، وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه، وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى اللّه وإلى أمير المؤمنين بذلك، وأمير المؤمنين مشتاق إليك، يحب إحداث العهد بك، والنظر إلى وجهك، فإن نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة، ترحل إذا شئت، وتنزل إذا شئت، وتسير كيف شئت، فإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرحلون برحيلك يسيرون بمسيرك فالأمر في ذلك إليك، وقد تقدمنا إليه بطاعتك، فاستخر اللّه حتى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة، ولا أحمد له أثرة، ولا هو لهم أنظر وعليهم أشفق وبهم أبر وإليهم أسكن منه إليك، والسلام عليك و رحمة اللّه و بركاته(1).

ولا يخفى أن المتوكل تظاهر باحترام الإمام (عليه السلام) حتى يتم جلب الإمام (عليه السلام) من مدينة جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى سامراء من دون وقوع مشاكل من قبل العلويين والشيعة والموالين ضد حكومته.

عمال المتوكل يعلمون بمكانة الإمام (عليه السلام)

وقد مر أن يحيى بن هرثمة لما قدم بالإمام الهادي (عليه السلام) إلى بغداد، بدأ بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد من قبل المتوكل. فقال له اسحاق: يا يحيى، إن هذا الرجل قد ولّده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والمتوكل من تعلم، وإن حرضته

ص: 98


1- الإرشاد: ج2 ص309-310 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.

عليه قتله وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خصمك!

ولما صار يحيى إلى سامراء بدأ بوصيف التركي فقال له: يا يحيى واللّه لئن سقط من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون الطالب بها غيري!

ص: 99

19

تفتيش بيت الإمام (عليه السلام)

إن المتوكل العباسي قد أسكن الإمام علي الهادي (عليه السلام) في ثكنة عسكرية، وتحت الرقابة الشديدة، ومع ذلك كان يرسل بعض جلاوزته بين الحين والآخر لتفتيش بيت الإمام (عليه السلام) والضغط الأكثر عليه، وربما جلب الإمام (عليه السلام) إلى قصره لإيذائه، وربما أراد قتله.

فلم يكن الإمام الهادي (عليه السلام) في راحة حتى في داره بسامراء، حيث الهجوم المتكرر من قبل الطغاة على بيته للتفتيش والتضييق.

وقد ورد في قصة مرض المتوكل وإشرافه على التلف.. أنهم بعثوا إلى الإمام علي الهادي (عليه السلام) فوصف لهم دواءً فعولج به فشوفي، وكانت أم المتوكل قد نذرت للإمام (عليه السلام) بأموال، فلما بُشرت بعافيته، حملت إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها.

فلما كان بعد أيام سعى البطحائي بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل فقال: عنده سلاح وأموال، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلاً على بيت الإمام (عليه السلام) ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه!.

قال إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل ومعي سُلّم فصعدت منه إلى السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في

ص: 100

الظلمة، فلم أدر كيف أصل إلى الدار، فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من الدار: «يا سعيد، مكانك حتى يأتوك بشمعة».

فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها، وسجادته على حصير بين يديه، وهو مقبل على القبلة، فقال لي: «دونك بالبيوت». فدخلتها وفتشتها، فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها.

فقال أبو الحسن (عليه السلام) : «دونك المصلى». فرفعت فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس، فأخذت ذلك وصرت إليه - أي إلى المتوكل - فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها، فخرجت إليه فسألها عن البدرة.

فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه، وهذا خاتمك على الكيس ما حركها، وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربعمائة دينار، فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه، فحملت ذلك إليه واستحييت منه وقلت: يا سيدي، عز عليَّ بدخول دارك بغير إذنك ولكني مأمور به.

فقال لي: {سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(1)»(2).

ص: 101


1- سورة الشعراء: 227.
2- بحار الأنوار: ج50 ص199 ب4 ح11.

20

في مجلس المتوكل

كان النواصب يسعون عند المتوكل ويقولون: إن الإمام الهادي (عليه السلام) قد جمع في بيته السلاح والمال للخروج عليك، وكانوا يقولون: إن شيعة قم أرسلوا هذه الأسلحة والأموال إليه.

فأرسل المتوكل بعض الأجلاف من الأتراك لاعتقال الإمام (عليه السلام) وتفتيش بيته، فهجموا على الإمام (عليه السلام) وكان جالساً على الأرض يعبد اللّه تعالى ويقرأ القرآن، ولم يروا في بيته شيئاً يذكر.

فأخذوا الإمام (عليه السلام) إلى مجلس المتوكل وكان المتوكل سكراناً...

روى العلامة المجلسي (رحمه اللّه) ، عن المسعودي في (مروج الذهب) أنه قال: سُعي إلى المتوكل بعلي بن محمد الجواد (عليه السلام) أن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الوثوب بالدولة. فبعث إليه جماعة من الأتراك فهجموا داره ليلاً، فلم يجدوا فيها شيئاً. ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى، وهو متوجه إلى اللّه تعالى يتلو آيات من القرآن. فحمل على حاله تلك إلى المتوكل، وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة. وكان المتوكل جالساً في مجلس الشرب، فدخل عليه والكأس في يد المتوكل، فلما رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه،

ص: 102

وناوله الكأس التي كانت في يده!

فقال (عليه السلام) : «واللّه ما يخامر لحمي ودمي قط».. فأعفاه.

فقال: أنشدني شعراً.

فقال (عليه السلام) : «إني قليل الرواية للشعر».

فقال: لابد.

فأنشده (عليه السلام) وهو جالس عنده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم***غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عز من معاقلهم***وأسكنوا حفراً يا بئسما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد دفنهم***أين الأساور والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة***من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم***تلك الوجوه عليها الدود تقتتل

قد طال ما أكلوا دهراً وقد شربوا***وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا

قال: فبكى المتوكل حتى بلت لحيته دموع عينيه وبكى الحاضرون، ودفع إلى علي (عليه السلام) أربعة آلاف دينار ثم رده إلى منزله مكرماً(1).

وروى الكراجكي في (كنز الفوائد) وقال: فضرب المتوكل بالكأس الأرض، وتنغص عيشه في ذلك اليوم(2).

ص: 103


1- بحار الأنوار: ج50 ص211-212 ب4 ضمن ح25.
2- كنز الفوائد: ج1 ص342 فصل من مستطرفات مسائل الفقه في الإنسان.

21

الإمام (عليه السلام) في حبس الطغاة

اشارة

عاش الإمام الهادي (عليه السلام) فترة من عمره الشريف في سجن المتوكل العباسي، فإن المتوكل لم يكتف بجعل الإمام (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في العسكر بسامراء، ولا بمنع الإمام (عليه السلام) من الخروج حتى من بيته، بل كان يأمر أحياناً جلاوزته بحبس الإمام (عليه السلام) في سجونه المظلمة.

المنع من خروج البيت

مما يدل على أن الإمام (عليه السلام) كان تحت الإقامة الجبرية في بيته، ما مر من قصة يوسف بن يعقوب حيث قال:

صرت إلى سر من رأى... وقلت: يجب أن أوصل هذه المائة دينار إلى ابن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري إلى دار المتوكل وقبل أن يعرف أحد قدومي، وعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب وأنه ملازم لداره(1).

حبس الإمام (عليه السلام)

وفي رواية الصقر بن أبي دلف الكرخي ما يدل على حبس الإمام (عليه السلام) من قبل المتوكل، حيث جاء الصقر ليسأل عن الإمام علي الهادي (عليه السلام) وكان الإمام (عليه السلام)

ص: 104


1- راجع كشف الغمة: ج2 ص392-393 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر.

في الحبس، فنظر إليه الزراقي وهو حاجب المتوكل وكان شيعياً يخفي تشيعه، فسأله: «يا صقر، ما شأنك؟». لعلك تسأل عن خبر مولاك؟... اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده... فلما خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وخل بينه وبينه(1).

وكذا رواية ابن أورمة، حيث قال: خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى، فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن (عليه السلام) إليه ليقتله، قال: ... فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً(2).

إلى غيرهما مما ورد في التاريخ.

وكم مرة أراد المتوكل أن يقتل الإمام (عليه السلام) وأمر الجلاوزة بقتله بالسيف، ولكن اللّه تعالى حفظ الإمام (عليه السلام) من كيدهم.

وقد ورد أنه طلب الإمام (عليه السلام) في يوم وقال: واللّه لأقتلن هذا المرائي الزنديق! وهو الذي يدعي الكذب ويطعن في دولتي!

ثم طلب أربعة من الخزر أجلافاً ودفع إليهم أسيافاً وأمرهم أن يقتلوا أبا الحسن (عليه السلام) إذا دخل، وقال: واللّه لأحرقنه بعد قتله.

وهكذا كانوا يتعاملون مع الإمام (عليه السلام) ويظهرون حقدهم على آل بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

إيذاء الإمام (عليه السلام)

سبق عن زرافة حاجب المتوكل وكان شيعيا: أن المتوكل أمر جميع مملكته من

ص: 105


1- راجع كمال الدين: ج2 ص382-383 ب37 ح9.
2- بحار الأنوار: ج50 ص195-196 ب4 ح 8، عن الخرائج والجرائح.

الأشراف من أهله وغيرهم والوزراء والأمراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس أن يزينوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم، ويخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يركب أحد إلاّ هو والفتح بن خاقان خاصة.

وكان قصد المتوكل إهانة الإمام الهادي (عليه السلام) وتنزيل قدره عند الناس.

فمشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجالة، وكان يوماً قائظاً شديد الحر. وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ، وشق عليه ما لقيه من الحر والزحمة.

قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيدي، يعز واللّه عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة وما قد تكلفته من المشقة. وأخذت بيده فتوكأ عليَّ... ولم أزل أسائله وأستفيد منه وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب، وأمر الناس بالانصراف(1).

ص: 106


1- راجع مهج الدعوات: ص266-267 ذكر ما نختاره من أدعية مولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي (صلوات اللّه عليه).

22

ملاحقة شيعة الإمام (عليه السلام)

قام المتوكل بملاحقة شيعة الإمام (عليه السلام) والموالين له في كل مكان لاعتقالهم وسجنهم وتعذيبهم وقتلهم.

فقد روي أن الحارث الذي جعله المتوكل لحرث قبر الحسين (عليه السلام) كان كافراً، فلما رأى المعجزات أسلم وتشيع، فلما علم به المتوكل أمر بقتل الحارث وأمر أن يشد في رجله حبل ويسحب على وجهه في الأسواق ثم يصلب في مجمع الناس ليكون عبرة لمن اعتبر ولا يبقى أحد يذكر أهل البيت (عليهم السلام) بخير أبداً(1).

كما قتل المتوكلُ ابنَ السكيت وهو من أكبر علماء زمانه في اللغة والشعر والأدب والمنطق، قتله بأبشع قتلة لأجل تشيعه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام) وذلك في خامس رجب سنة 244 ه، حيث سأله المتوكل:

أيما أحب إليك ابناي هذان - أي المعتز والمؤيد - أم الحسن والحسين؟.

فقال ابن السكيت: واللّه إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب (عليه السلام) خير منك ومن ابنيك.

فقال المتوكل للأتراك: سلوا لسانه من قفاه. ففعلوا فمات.

ص: 107


1- راجع بحار الأنوار: ج45 ص405-406 ب50 ضمن ح12.

وقيل: بل أثنى ابن السكيت على الحسن والحسين (عليهما السلام) ولم يذكر ابنيه، فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك(1).

وكثيرا ما كان المتوكل يضيق على الشيعة ويقطع أرزاقهم، ففي (الأمالي) للشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : عن المنصوري، عن عم أبيه، قال:

قصدت الإمام - الهادي - (عليه السلام) يوماً فقلت: يا سيدي، إن هذا الرجل - أي المتوكل - قد أطرحني وقطع رزقي ومللني، وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك(2) إلى آخر القصة.

وكثيرا ما كان المتوكل يسجن الشيعة ويعذبهم، ففي (إعلام الورى): عن علي بن محمد النوفلي، قال: قال لي محمد بن الفرج الرخجي: إن أبا الحسن (عليه السلام) كتب إليه: «يا محمد، اجمع أمرك وخذ حذرك». قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب، حتى ورد عليَّ رسول حملني من وطني مصفداً بالحديد وضرب على كل ما أملك، وكنت في السجن ثماني سنين(3).

ص: 108


1- الكنى والألقاب: ج1 ص314 ابن السكيت.
2- راجع الأمالي للطوسي: ص285-286 المجلس11 ح555.
3- راجع إعلام الورى: ص358-359 ب9 ف3.

23

من سيرة الطغاة

اشارة

سيرة الطغاة مليئة بالجرائم والمفاسد، على عكس سيرة أهل البيت (عليهم السلام) فإنها دروس في الإيمان والورع، والعبادة والتقوى، والخير والصلاح، والهداية والإصلاح، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَة وَإِيتَآءَ الزّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ}(1).

فساد وإفساد

ورد في التاريخ(2)

أن المنتصر وهو ابن المتوكل هجم على أبيه ومعه بغاء ووصيف والأتراك فقتلوا المتوكل وقطّعوه، كما قتلوا الفتح بن خاقان وقطّعوه قطعاً حتى لم يُعرف أحدهما من الآخر.

وكان من أسباب تعاون الموالي الترك مع المنتصر في قتل المتوكل مضافاً إلى ما هو المشهور، ما أشار إليه دعبل الخزاعي في قوله:

ولست بقائل قذعاً ولكن***لأمر ما تعبدك العبيد

وهو أن المتوكل كان على انحراف جنسي مع هؤلاء الغلمان الأتراك، وقد أوجب ذلك سخطهم على المتوكل فتعاونوا على قتله..

ص: 109


1- سورة الأنبياء: 73.
2- راجع المناقب: ج4 ص65 فصل في آياته بعد وفاته (عليه السلام) .

فإنه كان منحرفاً شاذاً مستهتراً فاسداً مفسداً لا يبالي بالشرع ولا بالآداب العرفية، فكان يرتكب أنواع المفاسد والمحرمات.

أكياس الحيات والعقارب

ذكر بعض المؤرخين: إن المتوكل كان يأمر بجمع الحيات والعقارب في أكياس خاصة يجعلها عنده وتحت كرسيه، فإذا اجتمع الناس وامتلأ المجلس فتح كيساً منها على هؤلاء المساكين فيفرون من خوفهم وربما أصيب بعضهم، فيضحك المتوكل ويفرح بإيذائه لهم.

معاداة أهل البيت (عليهم السلام)

كان المتوكل شديد العداء للعترة الطاهرة (عليهم السلام) وهو أسوء الحكام العباسيين وأظلمهم بالنسبة إلى أهل البيت (عليهم السلام) ذرية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وسائر العلويين والطالبيين، بل وغيرهم من الشيعة والموالين، كما سبق بعض ذلك.

هدم قبر الحسين (عليه السلام)

في (منتخب التواريخ) وغيره: إن المتوكل في سنة 236 ه- أمر بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهدم جميع البيوت التي بجواره، وأن يجروا الماء عليه ويحرثوا الأرض حتى لا يبقى للقبر الشريف أثر، وأمر بمنع الناس من زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ، ونادى منادي المتوكل: أنه يحُبس ويُعذب ويُقتل كل من رُئي عند قبر الحسين (عليه السلام) سواء كان زائراً أو مجاوراً، وذلك بعد ثلاثة أيام من هذا النداء.

فخاف الناس.. وفر ساكنو كربلاء، وقُتل من بقي منهم على يد جلاوزة المتوكل.

ومع ذلك فإن جملة من الشيعة كان يأتون خفية لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وفي كثير من الأحيان كان يُلقى القبض عليهم ويتعرضون للسجن والتعذيب

ص: 110

وربما القتل.

ومما فعله المتوكل لمنع الشيعة من زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أنه وضع ضريبة مالية كثيرة، وضريبة جسدية لمن أراد الزيارة، فأمر بقطع اليد اليمنى لكل من يريد زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ، فلم يمنع هذا الأمر الشيعة عن زيارة الحسين (عليه السلام) .

يذكر أن أحد المؤمنين الموالين جاء لزيارة سيد الشهداء (عليه السلام) ، فمد يده اليسرى لتُقطع، فقال الشرطي: إنما عليك أن تمد يدك اليمنى، فقال: إنها قطعت في العام الماضي وفي السفرة السابقة!. فاقطع يدي اليسرى لأتشرف بزيارة مولاي الحسين (عليه السلام) .

وكان من المتعارف سابقاً أنه عندما يقطع عضو من أعضاء الإنسان، من يده أو رجله، فإنهم يضعون العضو المقطوع في الزيت المغلي فوراً حتى لا يستمر نزيف الدم، وكان عادة يغمى على الشخص لشدة الوجع والحرق، ولكن بعد إفاقته كان يرى الموضع قد التحم وانقطع الدم.

الزيارة على خوف

وكان سبب إصرار الشيعة على زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مع هذه الخطورة البالغة كقطع العضو وقتل النفس؛ هو التشجيع المستمر من قبل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على زيارة السبط الشهيد (عليه السلام) حتى مع الخوف، وذلك ليبقى الإمام الحسين (عليه السلام) علَماً في قبال أعداء اللّه، وليزلزل عروش الظالمين ويجتثهم من جذورهم على مدى التاريخ.

ومن هنا كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) سبباً لتغييرات كثيرة في العالم، والقضاء على كثير من الظلم والاستبداد، وعديد من الظالمين والمستبدين.

ومن الناحية الفقهية فعمل الشيعة هذه لا إشكال فيه؛ لأنه من باب الأهم

ص: 111

والمهم، مضافاً إلى مكانة الإمام الحسين (عليه السلام) وما يختص به من المزايا الفقهية وغيرها.. كما ذكرها الفقهاء.

وفي الفقه: إنه إذا خاف الإنسان على نفسه في طريق الحج لغرق أو ما أشبه سقط الحج عنه. ولكن الراوي يسأل الإمام (عليه السلام) ... عن سفر كربلاء والخوف من البحر والغرق، وأنه يحتمل أن يكفأ بالسفينة فقال الإمام (عليه السلام) يكفأ في الجنة.

وعن أبي سعيد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في حديث - قال: «ومن أتى قبر الحسين (عليه السلام) في سفينة فتكفت بهم سفينتهم، نادى مناد من السماء: طبتم وطابت لكم الجنة»(1).

وعن عبد اللّه بن النجار، قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «تزورون الحسين (عليه السلام) وتركبون السفن؟». قلت: نعم. قال: «أما تعلم أنها إذا تكفت بكم نوديتم: ألا طبتم وطابت لكم الجنة»(2).

وفي (كامل الزيارات) باب في ثواب من زار الحسين (عليه السلام) وعليه خوف، وفيه: عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قلت له: إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح!

فقال (عليه السلام) : «يا ابن بكير، أما تحب أن يراك اللّه فينا خائفاً، أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله اللّه في ظل عرشه، وكان محدثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه اللّه من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع؛ فإن فزع وقرته الملائكة

ص: 112


1- وسائل الشيعة: ج14 ص458 ب48 ح19595.
2- وسائل الشيعة: ج14 ص458-459 ب48 ح19596.

وسكنت قلبه بالبشارة»(1).

وعن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟. قال (عليه السلام) : «يؤمنه اللّه يوم الفزع الأكبر، وتلقاه الملائكة بالبشارة، ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك»(2).

وعن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قال: «يا معاوية، لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف؛ فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنا أن قبره كان عنده. أما تحب أن يرى اللّه شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) ، أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر له ذنوب سبعين سنة، أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به، أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(3).

وعن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قلت له: جعلت فداك زيارة قبر الحسين (عليه السلام) في حال التقية؟. قال: «إذا أتيت الفرات فاغتسل ثم البس أثوابك الطاهرة، ثم تمر بإزاء القبر وقل: صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه، صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه، فقد تمت زيارتك»(4).

وعن مدلج، عن محمد بن مسلم - في حديث طويل - قال: قال لي أبوجعفر محمد بن علي (عليه السلام) : هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام) ؟. قلت: نعم، على خوف ووجل. فقال: «ما كان من هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه

ص: 113


1- كامل الزيارات: ص125-126 ب45 ح2.
2- كامل الزيارات: ص125 ب45 ح1.
3- كامل الزيارات: ص126 ب45 ح3.
4- كامل الزيارات: ص126 ب45 ح4.

أمّن اللّه روعته يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ودعا له، وانقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء واتبع رضوان اللّه...»(1).

تكرار هدم القبر الشريف

قام المتوكل بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر من مرة، قال بعض: إنه هدم القبر الشريف تسع مرات، وقال آخرون: سبع عشرة مرة.

وكان ذلك مما يؤذي قلب الإمام علي الهادي (عليه السلام) .

عن عبد اللّه بن رابية الطوري، قال: حججت سنة سبع وأربعين ومائتين، فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق فزرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على حال خيفة من السلطان وزُرته، ثم توجهت إلى زيارة الحسين (عليه السلام) فإذا هو قد حرث أرضه ومخر فيها الماء(2) وأرسلت الثيران العوامل في الأرض، فبعيني وبصري كنت رأيت الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتى إذا حازت مكان القبر حادت عنه يميناً وشمالاً، فتُضرب بالعصا الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب، فما أمكنتني الزيارة فتوجهت إلى بغداد وأنا أقول:

تاللّه إن كانت أمية قد أتت***قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها***هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا***في قتله فتتبعوه رميما

ص: 114


1- كامل الزيارات: ص126-127 ب45 ح5.
2- المَخْرُ في الأَصل: الشَّقُّ. مَخَرَتِ السفينةُ الماءَ: شقَّتْه بِصَدْرها وَجَرَتْ. وَمَخَرَ الأَرضَ إِذا شقها للزراعة. وَمَخَرْتُ الأَرضَ أَي أَرْسَلْتُ فيها الماء - لسان العرب: ج5 ص160 مادة مخر -.

فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة. فقلت: ما الخبر؟. قالوا: سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل. فعجبت لذلك وقلت: إلهي ليلة بليلة(1).

المتوكل يستعين باليهود

أرسل المتوكل العباسي ديزج اليهودي إلى قبر الحسين (عليه السلام) ليهدمه ويحرثه ويهدم ما بني أطراف القبر من بيوت الناس.

فجاء ديزج وهدم بيوت الناس على رؤوسهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وحرث الأرض إلى قريب من القبر الشريف، وكان ما حرث 200 جريب تقريباً.

فلما وصلوا إلى قرب القبر لم يجرأ أحد من المسلمين بالحرث ولم يتقدموا. فاستعان باليهود فلم يتمكنوا؛ لأن الأبقار امتنعت عن الحرث..

كما جعل المتوكلُ اليهودَ على ميل من القبر الشريف لكي يلقوا القبض على كل زائر، ويرسلوه إلى المتوكل في سامراء.

وروى جماعة من الثقات: أنه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين (عليه السلام) وأن يجري الماء عليه من العلقمي، أتى زيد المجنون وبهلول المجنون إلى كربلاء، فنظرا إلى القبر وإذا هو معلق بالقدرة في الهواء. فقال زيد: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}(2) {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(3). وذلك أن الحراث حرث سبع عشرة مرة والقبر يرجع إلى حاله، فلما نظر الحراث إلى ذلك آمن باللّه وحل البقر، فأخبر المتوكل فأمر بقتله(4).

ص: 115


1- بحار الأنوار: ج45 ص397-398 ب50 ح6.
2- سورة الصف:8.
3- سورة التوبة: 32.
4- بحار الأنوار: ج45 ص401 ب50 ضمن ح11.

وهذا مما يدل على أن الحراث لم يكن مسلماً، وأن المتوكل جاء بغير المسلمين من اليهود وغيرهم لهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) .

وفي رواية: ولم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين (عليه السلام) مدة عشرين سنة والقبر على حاله لم يتغير ولا يعلوه قطرة من الماء، فلما نظر الحارث إلى ذلك قال: آمنت باللّه وبمحمد رسول اللّه(1).

قصة ديزج وهدم القبر الشريف

عن إبراهيم الديزج، قال: بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين (عليه السلام) . وكتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمار القاضي: أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين (عليه السلام) ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فَعَل أو لم يفعل.

قال الديزج: فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار، ثم أتيته فقال لي: ما صنعت؟.

فقلت: قد فعلت ما أمرت به، فلم أر شيئاً ولم أجد شيئاً.

فقال لي: أفلا عمّقته؟.

قلت: قد فعلت فما رأيت.

فكتب إلى السلطان: أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئاً، وأمرته فمخّره بالماء(2) وكرّبه بالبقر.

قال أبو علي العماري: فحدثني إبراهيم الديزج وسألته عن صورة الأمر.

ص: 116


1- بحار الأنوار: ج45 ص404-405 ب50 ضمن ح12.
2- المَخْرُ في الأَصل: الشَّقُّ. مَخَرَتِ السفينةُ الماءَ: شقَّتْه بِصَدْرها وَجَرَتْ. وَمَخَرَ الأَرضَ إِذا شقها للزراعة. وَمَخَرْتُ الأَرضَ أَي أَرْسَلْتُ فيها الماء - لسان العرب: ج5 ص160 مادة مخر -.

فقال لي: أتيت في خاصة غلماني فقط، وإني نبشت فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين بن علي (عليه السلام) ، ووجدت منه رائحة المسك، فتركت البارية على حالها وبدن الحسين (عليه السلام) على البارية، وأمرت بطرح التراب عليه وأطلقت عليه الماء، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلفت لغلماني باللّه وبالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه(1).

البقر لا تتقدم على القبر الشريف

عن عمر بن فرج - وهو من النواصب المنحرفين عن آل محمد (عليهم السلام) - قال: أنفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين (عليه السلام) . فصرت إلى الناحية، فأمرت بالبقر فمر بها على القبور كلها، فلما بلغت قبر الحسين (عليه السلام) لم تمر عليه، فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي، فو اللّه ما جازت على قبره ولا تخطته(2).

لا تخرج مع الديزج

عن أبي عبد اللّه الباقطاني، قال: ضمني عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري - وكان قائداً من قواد السلطان - أكتب له، وكان بدنه كله أبيض شديد البياض حتى يديه ورجليه كانا كذلك، وكان وجهه أسود شديد السواد كأنه القير، وكان يتفقأ مع ذلك مدة منتنة. قال: فلما أنس بي سألته عن سواد وجهه فأبى أن يخبرني، ثم إنه مرض مرضه الذي مات فيه، فقعدت فسألته فرأيته

ص: 117


1- الأمالي للطوسي: ص326 المجلس11 ح653.
2- بحار الأنوار: ج45 ص398-399 ب50 ح8.

كأنه يحب أن يكتم عليه فضمنت له الكتمان فحدثني، قال:

وجهني المتوكل أنا والديزج لنبش قبر الحسين (عليه السلام) وإجراء الماء عليه، فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية رأيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المنام فقال: «لا تخرج مع الديزج، ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين (عليه السلام) ». فلما أصبحنا جاؤوا يستحثوني في المسير، فسرت معهم حتى وفينا كربلاء، وفعلنا ما أمرنا به المتوكل. فرأيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المنام فقال: «ألم آمرك أن لا تخرج معهم ولا تفعل فعلهم، فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا». ثم لطمني وتفل في وجهي فصار وجهي مسوداً كما ترى، وجسمي على حالته الأولى(1).

الديزج في سكرات موته

عن الفضل بن محمد بن عبد الحميد، قال: دخلت على إبراهيم الديزج - وكنت جاره أعوده في مرضه الذي مات فيه - فوجدته بحال سوء، وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب. فسألته عن حاله - وكانت بيني وبينه خلطة وأنس توجب الثقة بي والانبساط إليَّ - فكاتمني حاله، وأشار إلى الطبيب فشعر الطبيب بإشارته، ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله فقام فخرج. وخلا الموضع فسألته عن حاله؟.

فقال: أخبرك واللّه وأستغفر اللّه، إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين (عليه السلام) ، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر، فوافيت الناحية مساءً ومعنا الفعلة والدركاريون معهم المساحي والمرود، فتقدمتُ إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه. فطرحت نفسي لما نالني من تعب

ص: 118


1- الأمالي للطوسي: ص326-327 المجلس11 ح654.

السفر، ونمت فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديد وأصوات عالية، وجعل الغلمان ينبهوني فقمت وأنا ذعر. فقلت للغلمان: ما شأنكم؟.

قالوا: أعجب شأن!.

قلت: وما ذاك؟.

قالوا: إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا وبين القبر، وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب. فقمت معهم لأتبين الأمر فوجدته كما وصفوا، وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض.

فقلت: ارموهم. فرموا فعادت سهامنا إلينا، فما سقط سهم منا إلاّ في صاحبه الذي رمى به فقتله، فاستوحشت لذلك وجزعت، وأخذتني الحمى والقشعريرة، ورحلت عن القبر لوقتي، ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إليَّ به.

قال أبو برزة: فقلت له: قد كفيت ما تحذر من المتوكل، قد قُتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر.

فقال لي: قد سمعت بذلك، وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء.

قال أبو برزة: كان هذا في أول النهار، فما أمسى الديزج حتى مات(1).

سب آل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

كان المتوكل العباسي يسب ويشتم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وآله الأطهار (عليهم السلام) .

قال أبو المفضل: إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة (عليها السلام) فسأل رجلاً من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل، إلاّ أنه من قتل أباه لم يطل له عمر.

ص: 119


1- بحار الأنوار: ج45 ص395-396 ب50 ح4.

قال: ما أبالي إذا أطعت اللّه بقتله أن لا يطول لي عمر. فقتله وعاش بعده سبعة أشهر(1).

مضايقة الطالبيين والشيعة

كان المتوكل العباسي شديداً على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ، فكان يسجنهم ويعذبهم ويقتلهم.

عن القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي - وكان له علم بالسيرة وأيام الناس - قال: بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) ، فيصير إلى قبره منهم خلق كثير. فأنفذ قائداً من قواده وضم إليه كنفاً من الجند كثيراً ليشعث قبر الحسين (عليه السلام) ، ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره.

فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين. فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا: لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته. ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا.

فكتب بالأمر إلى الحضرة، فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر. فمضى الأمر على ذلك، حتى كانت سنة سبع وأربعين، فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) ، وأنه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير. فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند، وأمر منادياً ينادي: ببراءة الذمة ممن زار قبره. ونبش القبر وحرث أرضه، وانقطع الناس عن

ص: 120


1- بحار الأنوار: ج45 ص396-397 ب50 ضمن ح4.

الزيارة، وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة(1).

كما جعل المتوكل رصداً من أجناده، وأوصاهم كل من وجدتموه يريد زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) فاقتلوه، كما سيأتي.

قصة زيد المجنون

روي: أن المتوكل لكثرة عداوته وشدة بغضه لأهل بيت الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أمر الحارثين بحرث قبر الحسين (عليه السلام) ، وأن يخربوا بنيانه ويحفوا آثاره، وأن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي بحيث لا تبقى له أثر، ولا أحد يقف له على خبر، وتوعد الناس بالقتل لمن زار قبره، وجعل رصداً من أجناده وأوصاهم كل من وجدتموه يريد زيارة الحسين (عليه السلام) فاقتلوه، يريد بذلك إطفاء نور اللّه وإخفاء آثار ذرية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فبلغ الخبر إلى رجل من أهل الخير - أي من الشيعة - يقال له: (زيد المجنون)، ولكنه ذو عقل سديد ورأي رشيد، وإنما لقب بالمجنون؛ لأنه أفحم كل لبيب، وقطع حجة كل أديب، وكان لا يعي من الجواب، ولا يمل من الخطاب. فسمع بخراب بنيان قبر الحسين (عليه السلام) وحرث مكانه، فعظم ذلك عليه واشتد حزنه، وتجدد مصابه بسيده الحسين (عليه السلام) .. وكان مسكنه يومئذ بمصر، فلما غلب عليه الوجد والغرام لحرث قبر الإمام (عليه السلام) خرج من مصر ماشياً هائماً على وجهه شاكياً وجده إلى ربه. وبقي حزيناً كئيباً حتى بلغ الكوفة، وكان البهلول يومئذ بالكوفة، فلقيه زيد المجنون وسلّم عليه فرد عليه السلام. فقال له البهلول: من أين لك معرفتي فلم ترني قط؟.

فقال زيد: يا هذا، اعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف،

ص: 121


1- الأمالي للطوسي: ص328-329 المجلس11 ح656.

وما تناكر منا اختلف.

فقال له البهلول: يا زيد، ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابة ولا مركوب؟.

فقال: واللّه ما خرجت إلا من شدة وجدي وحزني، وقد بلغني أن هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين (عليه السلام) وخراب بنيانه وقتل زواره، فهذا الذي أخرجني من موطني، ونقص عيشي، وأجرى دموعي، وأقل هجوعي.

فقال البهلول: وأنا واللّه كذلك.

فقال له:قم بنا نمضي إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد علي المرتضى (عليهم السلام) .

قال: فأخذ كل بيد صاحبه حتى وصلا إلى قبر الحسين (عليه السلام) وإذا هو على حاله لم يتغير وقد هدموا بنيانه، وكلما أجروا عليه الماء غار وحار واستدار بقدرة العزيز الجبار، ولم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحسين (عليه السلام) ، وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه بإذن اللّه تعالى، فتعجب زيد المجنون مما شاهده وقال: انظر يا بهلول، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}(1) {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}(2) {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(3).

قال: ولم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين (عليه السلام) مدة عشرين سنة، والقبر على حاله لم يتغير ولا يعلوه قطرة من الماء. فلما نظر الحارث إلى ذلك قال: آمنت باللّه و بمحمد رسول اللّه، واللّه لأهربن على وجهي وأهيم في البراري ولا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإن لي مدة عشرين سنة أنظر آيات

ص: 122


1- سورة الصف:8.
2- سورة التوبة: 32.
3- سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9.

اللّه وأشاهد براهين آل بيت رسول اللّه ولا أتعظ ولا أعتبر. ثم إنه حل الثيران وطرح الفدان، وأقبل يمشي نحو زيد المجنون وقال له: من أين أقبلت يا شيخ؟.

قال: من مصر.

فقال له: ولأي شيء جئت إلى هنا، وإنه لأخشى عليك من القتل.

فبكى زيد وقال: واللّه قد بلغني حرث قبر الحسين (عليه السلام) ، فأحزنني ذلك وهيج حزني ووجدي. فانكب الحارث على أقدام زيد يقبلهما وهو يقول: فداك أبي وأمي، فو اللّه يا شيخ من حين ما أقبلت إليَّ أقبلت إليَّ الرحمة واستنار قلبي بنور اللّه، وإني آمنت باللّه ورسوله، وأن لي مدة عشرين سنة وأنا أحرث هذه الأرض، وكلما أجريت الماء إلى قبر الحسين (عليه السلام) غار وحار واستدار، ولم يصل إلى قبر الحسين (عليه السلام) منه قطرة، وكأني كنت في سكر وأفقت الآن ببركة قدومك إليَّ. فبكى زيد وتمثل بهذه الأبيات.

تاللّه إن كانت أمية قد أتت***قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها***هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا***في قتله فتتبعوه رميما

فبكى الحارث وقال: يا زيد، قد أيقظتني من رقدتي، وأرشدتني من غفلتي، وها أنا الآن ماض إلى المتوكل بسر من رأى أعرفه بصورة الحال، إن شاء أن يقتلني وإن شاء أن يتركني.

فقال له زيد: وأنا أيضاً أسير معك إليه وأساعدك على ذلك.

قال: فلما دخل الحارث إلى المتوكل وخبره بما شاهد من برهان قبر الحسين (عليه السلام) ، استشاط غيظاً وازداد بغضاً لأهل بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأمر بقتل الحارث، وأمر أن يشد في رجله حبل ويسحب على وجهه في الأسواق، ثم

ص: 123

يصلب في مجتمع الناس؛ ليكون عبرة لمن اعتبر، ولا يبقى أحد يذكر أهل البيت بخير أبداً.

وأما زيد المجنون فإنه ازداد حزنه واشتد عزاؤه وطال بكاؤه، وصبر حتى أنزلوه من الصلب وألقوه على مزبلة هناك، فجاء إليه زيد فاحتمله إلى الدجلة وغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه، وبقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره وهو يتلو كتاب اللّه عنده. فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخاً عالياً، ونوحاً شجياً، وبكاءً عظيماً، ونساءً بكثرة منشرات الشعور، مشققات الجيوب، مسودات الوجوه، ورجالاً بكثرة يندبون بالويل والثبور، والناس كافة في اضطراب شديد. وإذا بجنازة محمولة على أعناق الرجال، وقد نشرت لها الأعلام والرايات، والناس من حولها أفواجاً، قد انسدت الطرق من الرجال والنساء. قال زيد: فظننت أن المتوكل قد مات، فتقدمت إلى رجل منهم وقلت له: من يكون هذا الميت؟.

فقال: هذه جنازة جارية المتوكل، وهي جارية سوداء حبشية، وكان اسمها ريحانة! وكان يحبها حباً شديداً، ثم إنهم عملوا لها شأناً عظيماً، ودفنوها في قبر جديد، وفرشوا فيه الورد والرياحين والمسك والعنبر، وبنوا عليها قبة عالية.

فلما نظر زيد إلى ذلك ازدادت أشجانه وتصاعدت نيرانه، وجعل يلطم وجهه ويمزق أطماره، ويحثي التراب على رأسه وهو يقول:

وا ويلاه، وا أسفاه عليك يا حسين، أتُقتل بالطف غريباً وحيداً ظمآن شهيداً، وتُسبى نساؤك وبناتك وعيالك، وتُذبح أطفالك، ولم يبك عليك أحد من الناس، وتُدفن بغير غسل ولا كفن، ويحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك وأنت ابن علي المرتضى وابن فاطمة الزهراء (عليهما السلام) ، ويكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء، ولم يكن الحزن والبكاء لابن محمد المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ص: 124

قال: ولم يزل يبكي وينوح حتى غشي عليه والناس كافة ينظرون إليه، فمنهم من رق له ومنهم من جنى عليه، فلما أفاق من غشوته أنشد يقول:

أيحرث بالطف قبر الحسين***ويعمر قبر بني الزانية

لعل الزمان بهم قد يعود***ويأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن اللّه أهل الفساد***ومن يأمن الدنية الفانية

قال: إن زيداً كتب هذه الأبيات في ورقة وسلمها لبعض حجاب المتوكل. قال: فلما قرأها اشتد غيظه وأمر بإحضاره، فأحضر وجرى بينه وبينه من الوعظ والتوبيخ ما أغاظه حتى أمر بقتله.

فلما مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو استحقاراً له؟.

فقال: واللّه إنك عارف به وبفضله وشرفه وحسبه ونسبه، فو اللّه ما يجحد فضله إلاّ كل كافر مرتاب، ولا يبغضه إلاّ كل منافق كذاب. وشرع يعدد فضله ومناقبه حتى ذكر منها ما أغاظ المتوكل، فأمر بحبسه فحبس، فلما أسدل الظلام وهجع جاء إلى المتوكل هاتف ورفسه برجله. وقال له: قم وأخرج زيداً من حبسه وإلاّ أهلكك اللّه عاجلاً. فقام هو بنفسه وأخرج زيداً من حبسه، وخلع عليه خلعة سنية، وقال له: اطلب ما تريد.

قال: أريد عمارة قبر الحسين (عليه السلام) ، وأن لا يتعرض أحد لزواره. فأمر له بذلك، فخرج من عنده فرحاً مسروراً، وجعل يدور في البلدان وهو يقول: من أراد زيارة الحسين (عليه السلام) فله الأمان طول الأزمان(1).

فساد الحكام

كان المتوكل العباسي - كسائر حكام بني العباس من آبائه وأقربائه وأولاده -

ص: 125


1- بحار الأنوار: ج45 ص403-407 ب50 ضمن ح12.

مشغولاً باللّهو واللعب والفساد والإفساد، وكان هذا مما يؤذي أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة الإمام علي الهادي (عليه السلام) حيث كان يرى أن هؤلاء الظالمين يحكمون باسم الإسلام ويظلمون الناس ويفسدون ويُفسدون.

وكتب بعض المؤرخين: إن المتوكل كان يقضى لياليه بالغناء والعزف والخمر، وكان مشغوفاً بالجواري الجميلات.

هارون العباسي

وهذا هارون العباسي الذي سمى نفسه بالرشيد وهو غير رشيد، كان من أشهرهم في اللّهو والطرب، وكان يقضي الليالي بالغناء والرقص وتعاطي الخمور والفساد، وكان مشغوفاً بأمَة تسمى ذات الخال، وقد أحلف يوماً بأن لا تطلب منه شيئاً إلاّ قضاها.

فطلبت منه أن يعين شخصاً أميراً على فارس لمدة سبع سنوات، فكتب هارون له بذلك.

والأعجب أنها اشترطت على هارون بأن يشترط على ولي عهده أن يقر ولاية ذلك الشخص فقبل.

علماً بأن هارون العباسي قام بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) قبل المتوكل.

كما أمر هارون بقطع شجرة السدرة التي كانت في كربلاء بقرب القبر الشريف، وكانت علامةً لمعرفة قبر الحسين (عليه السلام) للزوار الذين يأتون من بُعد.

وكانت الشجرة تقع بقرب باب السدرة المعروفة اليوم الواقعة في الشمال الغربي من الصحن الشريف، وأراد هارون ضياع القبر المبارك بقطع الشجرة، وقد لعن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قاطعها ثلاثاً وقال: «لعن اللّه قاطع السدرة، لعن اللّه قاطع السدرة، لعن اللّه

ص: 126

قاطع السدرة»(1).

في (الأمالي) للشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : عن يحيى بن المغيرة الرازي، قال: كنت عند جرير ابن عبد الحميد، إذ جاءه رجل من أهل العراق. فسأله جرير عن خبر الناس؟. فقال: تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين (عليه السلام) ، وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت. قال: فرفع جرير يديه فقال: اللّه أكبر، جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: «لعن اللّه قاطع السدرة» ثلاثاً، فلم نقف على معناه حتى الآن؛ لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين (عليه السلام) حتى لا يقف الناس على قبره(2).

المهدي العباسي

وكان المهدي العباسي الذي يرى نفسه خليفة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأميراً للمؤمين، وأمنياً من اللّه وحجته على الأرض!، قد فتح أبواب اللّهو واللعب والطرب بشكل غير مسبوق، وكان مشغولاً بالجواري، ومنها جارية جميلة اسمها جوهر، وقد خاطبها في شعره فقال:

ألا يا جوهر القلب***لقد زدتِ على الجوهر

وقد أكملكِ اللّه***بحسن الدل والمنظر

إذا ما هلك يا أحس***ن خلق اللّه بالمزهر

وأوغدتِ ففاح البيت***من ريحكِ بالعنبر

فلا واللّه ما المهدي***أولى منكِ بالمنبر

ص: 127


1- راجع مستدرك الوسائل: ج13 ص464 ب5 ح15905.
2- الأمالي للطوسي: ج325 المجلس11 ح651.

فإن شئتِ ففي كفكِ***خلع ابن أبي جعفر(1)

فهو يجعل تلك الأمة المغنية أولى بالخلافة من نفسه!!.

وعن محمد بن أبى العتاهية، قال: حدثني أبي قال: لما امتنعت من قول الشعر وتركته، أمر المهدي بحبسي في السجن سجن الجرائم. فأخرجت من بين يديه إلى الحبس، فلما دخلته استوحشت ودهشت وذهل عقلي، ورأيت منظراً هائلاً، ورميت بطرفي أطلب موضعاً آوى فيه، أو رجلاً آنس بمجالسته، فإذا أنا بكهل

ص: 128


1- القصيدة للشاعر مطيع بن إياس الكناني (أبو سلمى)، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان ظريفاً، مليح النادرة ماجناً، متهماً بالزندقة. مولده ومنشؤه بالكوفة، وأصل أبيه من فلسطين. مدح الوليد بن يزيد ونادمه في العصر الأموي، وانقطع في الدولة العباسية إلى جعفر بن المنصور فكان معه إلى أن مات. كان صديقاً لحماد عجرد الشاعر وحماد الراوية، أقام ببغداد زمناً وولاه المهدي العباسي الصدقات بالبصرة فتوفي فيها سنة 166ه. وأصل القصيدة هذا: خَافِي اللَهَ يَا بَربَر***فَقَد أَفسَدتِ ذَا العَسكَر أَفَضتِ الفِسقَ في النَّاسِ***فَصَارَ الفِسقُ لاَ يُنكَر وَمَن ذَا يَملِكُ النَّاسَ***إِذَا مَا أَقبَلَت بَربَر وَأَعطَافُ جَوَارِيهَا***كَريحِِ المِسكِ وَالعَنبَر وَجَوهَرُ دُرَّةُ الغَوّا***صِِ مَن يَملِكُهَا يُحبِر لَهَا ثَغرٌ حَكَى الدُرَّ***وَعَينَا رَشَأٍ أَحوَر أَلا يَا جَوهَرَ القَلبِ***لَقَد زِدتِ عَلَى الجَوهَر وَقَد أَكمَلَكِ اللَهُ***بِحُسنِ الدَلِّ وَالمَنظَر إِذا غَنَّيتِ يَا أَحسَ***نَ خَلقِ اللَهِ بِالمَزهَر فَهَذَا حَزناً يَبكِي***وَهَذَا طَرَباً يَكفُر وَهَذَا يَشرَبُ الكَأسَ***وَذَا مِن فَرَحٍ يَنعَر وَلا وَاللَهِ مَا المَهدِيُّ***أَولَى مِنكِ بِالمَنبَر فَمَا عِشتِ فَفِي كَفَّي***كِ خَلعُ اِبنِ أَبي جَعفَر

حسن السمت، نظيف الثياب، يبين عليه سيما الخير، فقصدته وجلست إليه من غير أن أسلم عليه وأسأله عن شيء من أمره؛ لما أنا فيه من الجزع والحيرة.

فمكثت كذلك ملياً وأنا مطرق مفكر في حالي - إلى أن قال - قال: وفي أي شيء أنت؟ إنما تركتَ قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم، فحبسوك حتى تقوله، وأنت لابد أن تقوله فتطلق، وأنا يدعى بي الساعة فأطالب بإحضار عيسى بن زيد ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؛ فإن دللت عليه فقتل لقيت اللّه عزوجل بدمه، وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خصمي فيه وإلاّ قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري. فقلت: يكفيك اللّه عزوجل...

ثم دعي به وبي، فلما وقف بين يدي المهدي قال له: أين عيسى بن زيد؟. قال: ما يدريني أين عيسى بن زيد، طلبتَه وأخفتَه فهرب منك في البلاد فأخذتني وحبستني، فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟.

قال له: فأين كان متوارياً، ومتى آخر عهدك به وعند من لقيته؟.

فقال: ما لقيته منذ توارى، ولا أعرف له خبراً.

قال: واللّه لتدلني عليه أو لأضربن عنقك الساعة؟.

قال: اصنع ما بدا لك، أنا أدلك على ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لتقتله فألقى اللّه عزوجل ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يطالباني بدمه؟! واللّه لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت لك عنه.

فقال: اضربوا عنقه.

ثم دعاني فقال: أ تقول الشعر أو ألحقك به؟.

قلت: بل أقوله. قال: فاطلقوه(1).

ص: 129


1- الفرج بعد الشدة، للقاضي التنوخي: ج1 ص120 سجن المهدي لأبي العتاهية.

المأمون العباسي

أما المأمون فإنه وإن زعم البعض بأنه كان شخصاً معتدلاً، إلاّ أنه لم يختلف عن آبائه وأولاده وأقاربه في سيرتهم، كانت له أمَة جميلة تسمى ب- (عريب)، فقال في حقها كما في (محاضرة الأبرار):

أنا المأمون والملك الهمام***على أني بحبكِ مستهام

أ ترضي أن أموت عليكِ وجداً***ويبقى الناس ليس لهم إمام

وجاء في بعض الكتب(1):

خرج المأمون في يوم الشعانين(2) - وهو من أعياد النصارى - فخرجت بين يديه عشرون وصيفة رومية قد زُينت بالديباج الرومي، وعلقن في أعناقهن صلبان الذهب، وفي أيديهن سعفات النخل وأغصان الزيتون، فقال:

ظباء كالدنانير***ملاح في المقاصير

جلاهن الشعانين***علينا في الزنانير

وقدر زرفن أصداغاً***كأذانب الزرازير

وأقبلن بأوساط***كأوساط الزنابير

ومثل هذه القضايا مشهورة بالنسبة إلى المتوكل أيضاً.

أخبرني عن حمارك!

وفي (مروج الذهب): إن المتوكل قال لأبي العنبس: أخبرني عن حمارك ووفاته، وما كان من شعره في الرؤيا التي رأيتها؟.

ص: 130


1- راجع الأغاني: ج22 ص217 دخل على المأمون يوم السعانين، نشر دار الفكر بيروت، ط2.
2- الشعانين، وقيل السعانين: عيد للنصارى عبرانية معربة، يقع يوم الأحد السابق لعيد الفصح، يحتفل فيه بذكرى دخول السيد المسيح (عليه السلام) بيت المقدس.

قال: نعم يا أمير، كان أعقل من القضاة، ولم يكن له جريرة ولا زلة، فاعتل على غفلة ومات منها، فرأيته فيما يرى النائم فقلت له:

يا حمار! ألم أبرد لك الماء، وأنقى لك الشعير، وأحسن إليك جهدي، فلِمَ مت على غفلة، وما خبرك؟.

قال: نعم، لما كان في اليوم الذي وقفت على فلان الصيدلاني تكلمه في كذا وكذا مرت بي أتان حسناء(1)،

فرأيتها فأخذت بمجامع قلبي فعشقتها، واشتدّ وجدي بها، فمتُّ كمداً متأسفاً.

فقلت له: يا حماري، فهل قلت في ذلك شعراً؟.

قال: نعم

هام قلبي بأتان***عند باب الصيدلاني

تيمتني يوم رحنا***بثناياها الحسان

ونجد ذي دلال***مثل خد الشيفراني

فبها متُّ ولو عشت***إذا طال هواني

قال: قلت: يا حماري، فما الشيفران؟.

فقال: هذا من غريب الحمير. فطرب المتوكل وأمر الملهين والمغنين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار، وفرح في ذلك اليوم فرحاً وسروراً لم ير مثله، وزاد في تكرمة أبي العنبس وجائزته.

اللعب بأموال المسلمين

وكان المتوكل وأسلافه وأخلافه يلعبون بأموال المسلمين بما لا مثيل له.

ويصرفون تلك الأموال في الشهوات والفساد وكانوا يبذلونها على الشعراء

ص: 131


1- الأتان: الحمارة، والجمع آتُن.

الذين يمدحونهم بالباطل.

قال مروان بن أبي الجنوب في المتوكل قصيدةً جاء في ضمنها:

كانت خلافة جعفر كنبوة***جاءت بلا طلب ولا بتنحل

وهب الإله له الخلافة مثلما***وهب النبوة للنبي المرسل

فلما أتم القصيدة أمر المتوكل له بخمسين ألف درهم!.

ولما جعل ولاية العهد لأولاده جاء هذا الشاعر وقال:

ثلاثة أملاك فأما محمد***فنور هدى يهدي به اللّه من يهدي

وأما أبو عبد الإله فإنه***شبيهك بالتقوى ويجدي كما تجدي

وذو الفضل إبراهيم للناس عصمة***تقي وفي بالوعيد وبالوعد

فأولهم نور وثانيهم هدى***وثالثهم رشد كلهم مهدي

فأمر المتوكل له بمائة وعشرين ألف درهم!، وخمسين حلة، وفرساً وحماراً.. وغير ذلك.

وقال أيضاً في المتوكل:

تخشى الإله فما تنام عناية***بالمسلمين وكلهم بك نائم

لو لم يكن في هاشم فيما مضى***سلف سواك لقدمت بك هاشم

فأمر المتوكل بأن يعطوه مائة ألف دينار ذهب.

وقال أبو الشبل قصيدة في حق المتوكل أولها:

أقبلي فالخير مقبل***واتركي قول المعلل

وثقي بالنجح إذا***بصرت وجه المتوكل

فأعطاه المتوكل ثلاثين ألف درهم.

ولما أنشد الصولي في المتوكل وأولاده المنتصر والمعتز والمؤيد بعد ما عينهم لولاية العهد قصيدة جاء في أولها:

ص: 132

صارت عرى الإسلام وهي منوطة***بالنصر والإعزاز والتأييد

بخليفة من هاشم وثلاثة***كنف الخلافة من ولاة عهود

فأعطاه المتوكل مائة ألف درهم! وأمر أولاده بأن يعطيه كل واحد منهم مائة ألف درهم!.

وقال إبراهيم بن المدبر في المتوكل قصيدة جاء فيها:

اليوم عاد الدين غض***العود ذو ورق النضير

يا رحمة للعالمين***ويا ضياء المستنير

يا حجة اللّه التي***ظهرت له بهدى ونور

ففرح المتوكل كثيراً وطرب، فأعطى الشاعر خمسين ألف درهم، وأمر وزيره عبيد اللّه بن يحيى بأن يجعله في منصب حكومي مهم!.

وكانت هذه العطايا في حين أن أغلب الناس غارقين في الفقر والمسكنة، كما هو واضح لمن راجع التاريخ من عصر هارون إلى المتوكل ومن بعده، وهذه بعض الأشعار التي تدل على ما كان يعيشه الناس من الفقر.

قال أحد الشعراء(1)

للمتوكل:

يا أيها الملك الذي***جمع الجلالة والوقارة

إني رأيتك في المنام***وعدتني منك الزيارة

فغدوت نحوك قاصداً***وعليك تصديق العبارة

إن العيال تركتهم***بالمصر خبزهم العصارة

وشرابهم بول الحمار***مزاجه بول الحمارة

ضجوا فقلت تصبروا***فالنجح يقرن بالصبارة

ص: 133


1- مروان بن محمد أبو الشمقمق (112- 200ه).

وقال أحد الشعراء(1)

خطاباً لوزير المأمون:

إليك أشكو صبية وأمهم***لا يشبعون وأبوهم مثلهم

لا يعرفون الخبز إلا باسمه***والتمر هيهات فليس عندهم

وما رأوا فاكهة في سوقها***وما رأوها وهي تخوم بخوهم

وقال شاعر آخر:

يا رب إني سائر كما ترى***مشتمل بشملة كما ترى

وشيختي جالسة فيما ترى***والبطن مني جائع كما ترى

فما ترى يا ربنا فيما ترى

وقال الشاعر أيضا(2) وهو يصف زمانه:

وصبية مثل صغار الذر***سود الوجوه كسواد القدر

جاء الشتاء وهم بشر***بغير قمص وبغير أزر

تراهم بعد صلاة العصر***وبعضهم ملتصق بصدري

وبعضهم ملتصق بظهري***وبعضهم منجحر بحجري

إذا بكوا عللتهم بالفجر***حتى إذا لاح عمود الفجر

ولاحت الشمس خرجت أسري***عنهم وحلوا بأصول الجدر

كأنهم خنافس في حجر***هذا جميع قصتي وأمري

فارحم عيالي وتول أمري***فأنت أنت ثقي وذخري

كنيت نفسي كنية في شعري***أنا أبو الفقر وأم الفقر

ومن الواضح إذا كان الشعراء والأدباء والوجهاء في المجتمع في هذه الحالة من الفقر والمسكنة فما بالك بسائر الناس.

ص: 134


1- أبو فرعون الساسي.
2- أبو فرعون الساسي.

التلاعب بأموال المسلمين

كان المتوكل كغيره من ملوك بني العباس يتلاعبون بأموال المسلمين، وقد بنى المتوكل لنفسه عشرات القصور بعشرات الملايين من الدنانير والدراهم، وربما مئات الملايين منها.

حيث بنى قصراً له بألفي ألف دينار، وقصراً بخمسة آلاف ألف درهم وهكذا.

ومن بعده جاء ابنه المنتصر، ثم جاء المستعين وقد كان مسرفاً مبذراً أتلف بيت مال المسلمين في شهواته، وأفرغ الخزائن التي بقيت من الحكام الذين قبله، صرفها في لذاته المحرمة، ومن بعده جاء المعتز، وكلهم على نفس السيرة.

هدم الأمس وهدم اليوم

ولا يخفى أن ما قام به الظالمون في زماننا بالنسبة إلى هدم قبور الأئمة الأطهار (عليهم السلام) والمشاهد المشرفة في المدينة المنورة ومكة المكرمة، وقصف العتبات العاليات في العراق أكثر قبحاً وظلماً مما قام به هارون والمتوكل من هدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) آنذاك. فإن الحكام العباسيين كانوا يهدمون القبر الشريف، فيقوم المؤمنون بتجديد بنائه، أو كانت تتوالى الضغوط على الطغاة فربما سمحوا بالبناء وإن أمروا بالهدم ثانية.

أما اليوم فقد مضى على هدم قبور الأئمة (عليهم السلام) في البقيع أكثر من ستين سنة، ولم يسمح لأي أحد بالبناء.

ويمُنع الناس عن زيارة العتبات العاليات في العراق، حيث جعلوا الحدود الجغرافية المصطنعة، وأخذوا يظلمون الزوار أكثر مما كانوا يُظلمون في عهد العباسيين، مع أن العالم اليوم مليء بوسائل الإعلام وجمعيات حقوق الناس والديموقراطية وما أشبه.

ص: 135

لذا يجب على المسلمين أن يشكلوا في بلاد الإسلام حكومة واحدة عالمية، تعتمد على الشورى والانتخابات الحرة، وتطبيق أحكام الإسلام كاملة، لينجو العباد والبلاد من هذه المشاكل، {وَمَا ذلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ}(1).

ص: 136


1- سورة إبراهيم: 20، سورة فاطر: 17.

24

دعاء الإمام (عليه السلام) على المتوكل

ذكر ابن طاوس (رحمه اللّه) في مهجه أن الإمام الهادي (عليه السلام) دعا بهذا الدعاء على المتوكل فأهلكه اللّه تعالى، ويسمى دعاء السيف، ودعاء اليماني أيضاً، وهو:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللّهم إنك أنت الملك المتعزز بالكبرياء، المتفرد بالبقاء، الحي القيوم، المقتدر القهار، الذي لا إله إلا أنت، أنا عبدك وأنت ربي، ظلمت نفسي واعترفت بإسائتي، وأستغفر إليك من ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللّهم إني وفلان بن فلان(1) عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرنا وعلانيتنا، وتطلع على نياتنا وتحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، لا ينطوي عنك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصننا، ولا حرز يحرزنا، ولا مهرب لنا نفوتك به، ولا يمنع الظالم منك سلطانه وحصونه، ولا يجاهدك عنه جنوده، ولا يغالبك مغالب بمنعة، ولا يعازك معاز بكثرة، أنت مدركه أين ما سلك، وقادر عليه أين لجأ، فمعاذ المظلوم منا بك، وتوكل المقهور منا عليك، ورجوعه إليك، يستغيث

ص: 137


1- أي المتوكل العباسي.

بك إذا خذله المغيث، ويستصرخك إذا قعد به النصير، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية، ويطرق بابك إذا غلقت عنه الأبواب، المرتجة يصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حل به قبل أن يشكوه إليك، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد سميعاً بصيراً عليماً لطيفاً قديراً خبيراً، اللّهم وإنه قد كان في سابق علمك ومحكم قضائك وجاري قدرك ونافذ حكمك وماضي مشيتك في خلقك أجمعين شقيهم وسعيدهم، وبرّهم وفاجرهم، إن جعلت لفلان بن فلان عليّ قدرة فظلمني بها وبغى علي بمكانها، وتعزز واستطال بسلطانه الذي خولته إياه، وتجبر وافتخر عليّ بعلو حاله التي جعلتها له نولته، وغرّه إملاؤك له، وأطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، وتعمّدني بشر ضعفت عن احتماله، ولم أقدر على الاستنصاف منه لضعفي، ولا على الاستنصار لقلتي وذلي، فوكلت أمره إليك، وتوكلت في شأنه عليك، وتوعدته بعقوبتك، وحذرته بطشك، وخوّفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، وحسب أن إملاءك له من عجز، ولم تنهه واحدة عن أخرى، ولا انزجر عن ثانية بأولى، ولكنه تمادى في غيّه، وتتابع في ظلمه، ولجّ في عدوانه، واستشرى في طغيانه، جرأةً عليك يا سيدي، وتعرضاً لسخطك الذي لا ترده عن الظالمين، وقلةً اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين..

فها أنا ذا يا سيدي مستضعف في يده، مستضام تحت سلطانه، مستذل بفنائه، مغلوب مظلوم، مبغي عليه، مغضوب وجل، خائف مروع، مرعوب مقهور، قد قلّ صبري، وضاقت حيلتي، وانغلقت عليّ المذاهب إلاّ إليك، وانسدت عني الجهات إلاّ جهتك، والتبست عليّ أموري في دفع مكروهه عني، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه، وخذلني من استنصرته من خلقك، وأسلمني من

ص: 138

تعلقت به من عبادك، و استشرت نصيحي فأشار عليّ بالرغبة إليك، واسترشدت دليلي فلم يدلني إلاّ عليك، فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً عالماً إنه لا فرج لي إلاّ عندك، ولا خلاص لي إلاّ بك..

أنتجز وعدك في نصرتي، وإجابة دعائي، فإنك قلت تباركت وتعاليت وقولك الحق الذي لا يرد ولا يبدل: {وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}(1) وقلت جل ثناؤك وتقدست أسماؤك: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(2) فها أنا فاعل ما أمرتني به، لا منّاً عليك، وكيف أمنّ به وأنت عليه دللتني، فاستجب لي كما وعدتني، يا من لا يخلف الميعاد..

وإني لأعلم يا سيدي أن لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقن أن لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، إنه لا يسبقك معاند، ولايخرج من قبضتك منابذ، ولا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي وهلعي لايبلغان بي الصبر على أناتك، وانتظار حلمك، فقدرتك يا سيدي ومولاي فوق كل ذي قدرة، وسلطانك غالب على كل سلطان، ومعاد كل أحد إليك وإن أمهلتَه، ورجوع كل ظالم إليك وإن أنظرتَه، وقد أضرني يا سيدي حلمك عن فلان بن فلان، وطول أناتك له، وإمهالك إياه، وكاد القنوط أن يستولي علي، لولا الثقة بك، واليقين بوعدك، فإن كان في قضائك النافذ وقدرتك الماضية أنه ينيب أو يتوب أو يرجع عن ظلمي، ويكفّ عن مكروهي، وينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل اللّهم على محمد وآله وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة، قبل إزالة نعمتك التي

ص: 139


1- سورة الحج: 60.
2- سورة غافر: 60.

أنعمت بها علي، وتكدير معروفك الذي صنعته عندي، وإن كان علمك به غير ذلك من مقامه على ظلمي، فإني أسألك يا ناصر المظلومين المبغي عليهم إجابة دعوتي، فصل على محمد وآل محمد وخذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، وافجأه في غفلته مفاجاة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وافضض عنه جموعه وأعوانه، ومزّق ملكه كل ممزق، وفرق أنصاره كل مفرق، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأبره يا مبير الأمم الظالمة الطاغية، واخذله يا خاذل الفرق الباغية، وابتر عمره، وابتز ملكه، وعفّ أثره، واقطع خبره، وأطفئ ناره، وأظلم نهاره، وكوّر شمسه، وأزهق نفسه، واهشم سوقه، وجبّ سنامه، وأرغم أنفه، وعجل حتفه، ولا تدع له جُنة إلاّ هتكتها، ولا دعامة إلاّ قصمتها، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرقتها، ولا قائمة علو إلاّ وضعتها، ولا ركنا إلاّ وهنته، ولا سببا إلاّ قطعته، وأرنا أنصاره وجنوده وأعوانه وأحباءه وأرحامه عباديد بعد الألفة، وشتى بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة..

واشف بزوال أمره القلوب الوجلة، والأفئدة اللّهفة، والأمة المتحيرة، والبرية الضائعة، وأحي ببواره الحدود المعطلة، والسنن الدائرة، والأحكام المهملة، والمعالم المغيرة، والآيات المحرفة، والمدارس المهجورة، والمحاريب المجفوة، والمساجد المهدومة، وأشبع به الخماص الساغبة، وارو به اللّهوات اللاغبة، والأكباد الظامئة، وأرح به الأقدام المتعبة، واطرقه بليلة لا أخت لها، وبساعة لا مثوى فيها، وبنكبة لا انتعاش معها، وبعثرة لا إقالة منها، وأبح حريمه، ونغّص نعيمه، وأره بطشتك الكبرى، ونقمتك المثلى، وقدرتك التي هي فوق قدرته،

ص: 140

وسلطانك الذي هو أعز من سلطانه، واغلبه لي بقوتك القوية، ومحالك الشديد، وامنعني منه بمنعك الذي كل خلق فيه ذليل..

وابتله بفقر لا تجبره، وبسوء لا تستره، وكله إلى نفسه فيما يريد، إنك فعال لما تريد، وأبرئه من حولك وقوتك، وكله إلى حوله وقوته، وأزل مكره بمكرك، وادفع مشيته بمشيتك، وأسقم جسده، وأيتم ولده، وانقص أجله، وخيّب أمله، وأدل دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكه من حزنه، وصيّر كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وجده في سفال وسفال، وسلطانه في اضمحلال، وعاقبته إلى شر مال، وأمته بغيظه إذا أمته، و أبقه بحسرته إن أبقيته، وقني شره وهمزه ولمزه، وسطوته وعداوته، والمحه لمحة تدمر بها عليه، فإنك أشد بأساً و أشد تنكيلاً»(1). فهلك المتوكل بعد هذا الدعاء.

ص: 141


1- مصباح الكفعمي: ص209-213.

25

لا تعادوا الأيام

عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (عليه السلام) جئت أسأل عن خبره. قال: فنظر إليَّ الزراقي - وكان حاجباً للمتوكل - فأمر أن أدخل إليه فأُدخلت إليه. فقال: يا صقر ما شأنك؟.

فقلت: خير أيها الأستاذ.

فقال: اقعد.

فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت: أخطأت في المجيء.

قال: فوحى الناس عنه ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟.

قلت: لخير ما.

فقال: لعلّك تسأل عن خبر مولاك؟.

فقلت له: ومن مولاي، مولاي الأمير.

فقال: اسكت مولاك هو الحق، لا تحتشمني فإني على مذهبك.

فقلت: الحمد لله.

قال: أتحب أن تراه؟.

قلت: نعم.

قال: اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده.

قال: فجلست. فلما خرج، قال لغلام له: خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة

ص: 142

التي فيها العلوي المحبوس، وخلّ بينه وبينه.

قال: فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت، فدخلت فإذا هو (عليه السلام) جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور.

قال: فسلّمت فرد، ثم أمرني بالجلوس. ثم قال لي: «يا صقر، ما أتى بك؟».

قلت: سيدي جئت أتعرف خبرك.

قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت.

فنظر (عليه السلام) إليَّ فقال: «يا صقر، لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن».

فقلت: الحمد لله - ثم قلت - يا سيدي، حديث يروى عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا أعرف معناه.

قال: «وما هو؟».

فقلت: قوله: «لا تعادوا الأيام فتعاديكم»(1) ما معناه؟.

فقال: «نعم، الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض، فالسبت اسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والأحد كناية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والاثنين الحسن والحسين (عليهما السلام) ، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام) ، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا (عليهم السلام) ، والخميس ابني الحسن بن علي (عليه السلام) ، والجمعة ابن ابني (عليه السلام) ، وإليه تجتمع عصابة الحق، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فهذا معنى (الأيام) فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة - ثم قال (عليه السلام) : - ودّع واخرج فلا آمن عليك»(2).

ص: 143


1- مستدرك الوسائل: ج13 ص77 ب11 ح14804.
2- كمال الدين: ج2 ص382-383 ب37 ح9.

26

من أصحاب الإمام (عليه السلام)

ابن السكيت

يعقوب بن إسحاق الأهوازي، المعروف بابن السكيت، من أئمة اللغة، وعارف بالعربية والشعر، له عدة مصنفات منها: إصلاح المنطق.

كان من خواص أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) وأبيه الإمام الجواد (عليه السلام) .

قتله المتوكل في سنة 204 ه- لتشيعه ودفاعه عن أهل البيت (عليهم السلام)

فإنه كان مؤدب المعتز والمؤيد أولاد المتوكل، فسأله المتوكل يوماً: هل المعتز والمؤيد ولداي أفضل عندك أم الحسن والحسين؟.

فقال ابن السكيت - بعد ما ذكر شيئاً من فضائل الحسنين (عليهما السلام) -: واللّه إن قنبر خادم علي (عليه السلام) أفضل منك ومن ولديك. فأمر المتوكل بقطع لسان ابن السكيت من قفاه، وكان ذلك سبباً لموته.

وسمي ابن السكيت لكثرة سكوته، حيث كان لا يحق لأحد أن يتكلم من جراء الكبت والإرهاب الذي كان يمارسه الطغاة، كما في بعض التواريخ.

وفي (رجال ابن داود) تحت الرقم 1694:

يعقوب بن إسحاق بن السكيت، أبو يوسف صاحب (إصلاح المنطق) كان متقدماً عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (عليهما السلام) وكانا يختصانه، قتله المتوكل لأجل

ص: 144

التشيع، كان صدوقاً عالماً بالعربية لا مطعن عليه(1).

وفي (رجال العلامة (رحمه اللّه) ) تحت الرقم 6:

يعقوب بن إسحاق بن السكيت - بالسين المهملة والكاف والياء المنقطة تحتها نقطتين - أبو يوسف، كان متقدماً عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) وكانا يختصان به، وله عن أبي جعفر (عليه السلام) رواية ومسائل، قتله المتوكل لأجل التشيع وأمره مشهور، وكان عالماً بالعربية واللغة، ثقة مصدقاً لا يُطعن عليه(2).

وفي (رجال النجاشي) تحت الرقم 1214:

يعقوب بن إسحاق السكيت، أبو يوسف كان متقدماً عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (عليهما السلام) وكانا يختصان به، وله عن أبي جعفر (عليه السلام) رواية ومسائل، وقتله المتوكل لأجل التشيع، وأمره مشهور، وكان وجهاً في علم العربية واللغة، ثقة، مصدقاً (صدوقاً)، لا يُطعن عليه. وله كتب، منها: كتاب إصلاح المنطق، كتاب الألفاظ، كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه، كتاب الأضداد، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب المقصور والممدود، كتاب الطير، كتاب النبات، كتاب الوحش، كتاب الأرضين والجبال والأودية، كتاب الأصوات، كتاب ما صنعه من شعر الشعراء، شعر امرئ القيس، شعر زهير، شعر النابغة، شعر الأعشى، شعر أبي داود، شعر بشر بن أبي حازم، شعر أوس بن حجر، شعر علقمة الفحل، شعر طرفة، شعر عنترة، شعر عمرو بن كلثوم، شعر الحارث بن حلزة اليشكري، شعر الفرزدق، شعر الأخطل، شعر جرير، شعر عامر بن الطفيل، شعر السليك

ص: 145


1- رجال ابن داود: ص379 ترجمة رقم1694 يعقوب بن إسحاق بن السكيت.
2- رجال العلامة الحلي: ص186 ترجمة رقم6 يعقوب بن إسحاق بن السكيت.

بن السلكة، شعر جامع بن مرحبة (مرخية ظ) شعر عمرو بن أحمر، شعر حسان بن ثابت(1).

السيد عبد العظيم الحسني

ومن أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) جناب السيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام) وهو من ذراري الإمام الحسن المجتبى (عليه الصلاة والسلام).

قال المحقق الداماد في (كتاب الرواشح) في ترجمته: وفي فضل زيارته (عليه السلام) روايات متضافرة، فقد ورد: «من زار قبره وجبت له الجنة»(2).

وفي (مستدرك الوسائل)، عن حواشي الخلاصة للشهيد الثاني (رحمه اللّه) : هذا عبد العظيم المدفون في مسجد الشجرة في الري، وفيه يُزار، وقد نص على زيارته الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: «من زار قبره وجبت له الجنة»(3).

وقد ورد: «أن من زاره (عليه السلام) وجبت له الجنة»(4).

وروى ابن بابويه، وابن قولويه بسند معتبر، عن محمد بن يحيى، عمن دخل على أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) من أهل الري، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال لي: «أين كنت؟».

فقلت: زرت الحسين (عليه السلام) . فقال: «أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي (عليه السلام) »(5).

ص: 146


1- رجال النجاشي: ص449-450 ترجمة رقم1214 يعقوب بن إسحاق السكيت.
2- الرواشح السماوية: ص51 الراشحة الخامسة.
3- مستدرك الوسائل: ج10 ص367-368 ب73 ح12195.
4- راجع وسائل الشيعة (طبعة الإسلامية): ج20 ص229 باب العين، الهامش رقم 651.
5- ثواب الأعمال: ص99 ثواب زيارة قبر عبد العظيم الحسني (عليه السلام) بالري.

أقول: الظاهر أن هذا كناية عن عظيم ثواب زيارة السيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام) ، لا أنها في الخصوصيات والأجر والثواب كزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تماماً.

ص: 147

27

هذا واللّه دين اللّه

روى الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) وغيره عن السيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام) قال: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فلما بصر بي قال لي: «مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت ولينا حقاً».

قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه، إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتت عليه حتى ألقى اللّه عزوجل.

فقال (عليه السلام) : «هاتها أبا القاسم».

فقلت: إني أقول: إن اللّه تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج من الحدّين، حدّ الإبطال وحدّ التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسِّم الأجسام، ومصوِّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كل شيء ومالكه، وجاعله ومحدّثه. وأن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة. وأقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي.

ص: 148

فقال (عليه السلام) : «ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده».

قال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟.

قال: «لأنه لا يُرى شخصه، ولا يحل ذكره باسمه، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

قال: فقلت: أقررتُ وأقول: إن وليهم ولي اللّه، وعدوهم عدو اللّه، وطاعتهم طاعة اللّه، ومعصيتهم معصية اللّه. وأقول: إن المعراج حق، والمسائلة في القبر حق، وإن الجنة حق، والنار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن اللّه يبعث من في القبور. وأقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

فقال علي بن محمد - الهادي - (عليه السلام) : «يا أبا القاسم، هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه، ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة»(1).

ص: 149


1- الأمالي للصدوق: ص338-340 المجلس54 ح24.

28

التوحيد

التوحيد الصحيح الخالي عن الشرك والباطل، هو ما جاء عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، فالمعرفة الصحيحة باللّه عزوجل تكون عبر روايات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) .. بخلاف المدارس الأخرى، حيث قالوا بالتجسيم والتشبيه والحلول وما لا يجوز على اللّه عزوجل.

فمما جاء عن الإمام علي الهادي (عليه السلام) في تنزيه الباري تعالى، ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول)، أنه (عليه السلام) قال:

«إن اللّه لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وأنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، نأى في قربه، وقرب في نأيه، كيّف الكيف بغير أن يقال كيف، وأيّن الأين بلا أن يقال أين، هو منقطع الكيفية والأينية، الواحد الأحد، جل جلاله وتقدست أسماؤه»(1).

ص: 150


1- تحف العقول: ص482 وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.

29

الخلافة لأهل البيت (عليهم السلام)

دخل الإمام الهادي (عليه السلام) يوماً على المتوكل فقال: يا أبا الحسن، من أشعر الناس؟.

وكان قد سأل قبله لابن الجهم فذكر شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام.

فلما سأل الإمام (عليه السلام) .. قال (عليه السلام) : «فلان بن فلان العلوي».

قال ابن الفحام: وأخوه الحماني.

قال (عليه السلام) : حيث يقول:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة***بمط خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا القضاء قضى لنا***عليهم بما فاهوا نداء الصوامع

قال: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟.

قال (عليه السلام) : «أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً.. جدي أم جدكم».

فضحك المتوكل كثيراً ثم قال: هو جدك لا ندفعك عنه(1).

وقول الإمام (عليه السلام) يدل على أن الخلافة لعترة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا لغيره.

ص: 151


1- بحار الأنوار: ج50 ص128-129 ب3 ح6.

30

ابعثوا إلى الحائر

كان يؤكد الإمام علي الهادي (عليه السلام) كآبائه وأجداده الطاهرين (عليهم السلام) على زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء، وأنه يستجاب الدعاء تحت قبته الشريفة.

ويستحب الإكثار من الدعاء وطلب الحوائد من اللّه تعالى عند قبر الحسين (عليه السلام) :

روي عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد - الهادي - (عليه السلام) وهو محموم عليل، فقال لي: «يا أبا هاشم ابعث رجلاً من موالينا إلى الحير(1) يدعو اللّه لي».

فخرجت من عنده فاستقبلني علي بن بلال فأعلمته ما قال لي، وسألته أن يكون الرجل الذي يخرج، فقال: السمع والطاعة ولكنني أقول إنه (عليه السلام) أفضل من الحير إذا كان بمنزلة من في الحير ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له بالحير؟

فأعلمته صلوات اللّه عليه ما قال.

فقال (عليه السلام) لي: «قل له: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أفضل من البيت والحجر وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يطوف بالبيت ويستلم الحجر، وإن لله تبارك وتعالى بقاعاً يحب أن يُدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحير منها»(2).

ص: 152


1- أي إلى كربلاء.
2- مستدرك الوسائل: ج10 ص346 ب59 ح12151.

وفي رواية أخرى قال: دخلت أنا ومحمد بن حمزة عليه نعوده وهو (عليه السلام) عليل، فقال (عليه السلام) لنا: «وجهوا قوماً إلى الحير من مالي».

فلما خرجنا من عنده قال لي محمد بن حمزة المشير: يوجهنا إلى الحير وهو بمنزلة من في الحير.

قال: فعدت إليه (عليه السلام) فأخبرته، فقال (عليه السلام) لي: «ليس هو هكذا إن لله مواضع يحب أن يعبد فيها وحائر الحسين (عليه السلام) من تلك المواضع»(1).

وفي رواية: عن أبي هاشم الجعفري قال: بعث إليّ أبو الحسن (عليه السلام) في مرضه وإلى محمد بن حمزة، فسبقني إليه محمد بن حمزة فأخبرني أنه ما زال يقول: ابعثوا إلى الحائر، ابعثوا إلى الحائر.

فقلت لمحمد: ألا قلت له: أنا أذهب إلى الحائر.

ثم دخلت عليه فقلت له جعلت فداك: أنا أذهب إلى الحائر.

فقال: انظروا في ذلك.

قال: فذكرت ذلك لعلي بن بلال فقال: ما كان يصنع بالحائر وهو الحائر؟

فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس، حين أردت القيام، فلما رأيته أنس بي ذكرت قول علي بن بلال، فقال لي: ألا قلت له: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يطوف بالبيت ويقبّل الحجر وحرمة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والمؤمن أعظم من حرمة البيت، وأمره اللّه أن يقف بعرفة، إنما هي مواطن يحب اللّه أن يذكر فيها فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب اللّه أن يدعى فيها والحير من تلك المواضع»(2).

ص: 153


1- بحار الأنوار: ج98 ص113 ب15 ح33.
2- كامل الزيارات: ص273، الباب التسعون إن الحائر من المواضع التي يحب اللّه أن يدعى فيها. وراجع الكافي: ج4 ص567 ح3.

31

درر من كلمات الإمام (عليه السلام)

نحن الكلمات

قال الإمام علي الهادي (عليه السلام) في تفسير قوله: {وَلَوْ أَنّمَا فِي الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1): «نحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى»(2).

بقعة كربلاء

قال (عليه السلام) : «إن لله بقاعاً يحبّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه، والحير منها»(3).

أقول: حير مخفف الحائر، والمراد به حائر الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).

من اتقى اللّه

قال (عليه السلام) : «من اتقى اللّه يُتقى، ومن اطاع اللّه يُطاع، ومن أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوقين، ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين»(4).

ص: 154


1- سورة لقمان: 27.
2- المناقب: ج4 ص404 فصل في المقدمات.
3- تحف العقول: ص482 وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.
4- تحف العقول: ص482 وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.

لماذا اتخذه خليلا؟

قال (عليه السلام) : «إنما اتخذ اللّه إبراهيم (عليه السلام) خليلاً لكثرة صلاته على محمد وأهل بيته»(1).

لا تأمن مكر اللّه

قال (عليه السلام) : «من أمن مكر اللّه وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضائه ونافذ أمره، ومن كان على بينة من ربه هانت به مصائب الدنيا ولو قرض ونشر»(2).

شكر النعم

قال (عليه السلام) : «الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر؛ لأن النعم متاع، والشكر نعم وعقبى»(3).

الدنيا والآخرة

قال (عليه السلام) : «إن اللّه جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً»(4).

الحلم والسفه

قال (عليه السلام) : «إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه، وأن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه»(5).

ص: 155


1- وسائل الشيعة: ج7 ص194 ب34 ح 9095. باب استحباب الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد (عليهم السلام) واختيارها على ما سواها.
2- تحف العقول: ص483 وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.
3- بحار الأنوار: ج75 ص365 ب28 ح1.
4- بحار الأنوار: ج75 ص365 ب28 ضمن ح1.
5- تحف العقول: ص483 وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.

بين الود والطاعة

قال (عليه السلام) : «من جمع لك ودّه ورأيه فاجمع له طاعتك»(1).

لا تأمنه

قال (عليه السلام) : «من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره»(2).

الدنيا سوق

قال (عليه السلام) : «الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون»(3).

حفظ العهد

قال (عليه السلام) : «حفظ العهود من أخلاق المعبود»(4).

لبلاغ المنى

قال (عليه السلام) : «من عصى هواه بلغ مناه».

تنوع المعاجز

قال ابن السكيت (رحمه اللّه) لأبي الحسن - الهادي - (عليه السلام) :

لماذا بعث اللّه موسى ابن عمران (عليه السلام) بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر، وبعث عيسى (عليه السلام) بآلة الطب، وبعث محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على جميع الأنبياء بالكلام والخطب؟.

فقال أبو الحسن (عليه السلام) :

«إن اللّه لما بعث موسى (عليه السلام) كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من

ص: 156


1- تحف العقول: ص483 وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.
2- بحار الأنوار: ج75 ص365 ب28 ضمن ح1.
3- بحار الأنوار: ج75 ص366 ب28 ضمن ح1.
4- بحار الأنوار: ج50 ص117 ب1 ح9.

عند اللّه بما لم يكن في وسعهم مثله وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم.

وإن اللّه بعث عيسى (عليه السلام) في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن اللّه، وأثبت به الحجة عليهم.

وإن اللّه بعث محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال الشعر - فأتاهم من عند اللّه من مواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم».

فقال ابن السكيت: تاللّه ما رأيت مثلك قط(1).

من إعجاز القرآن

وفي (أعلام الدين): قال ابن السكيت النحوي: سألت أبا الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) قلت: ما بال القرآن لا يزداد على الدرس والنشر إلاّ غضاضة؟.

قال: «لأن اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة»(2).

من بضائع الفجرة

وقال ابن السكيت (رحمه اللّه) : سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) يقول: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إياكم والإلطاط بالمنى؛ فإنها من بضائع الفجرة»(3).

ص: 157


1- الكافي: ج1 ص24-25 كتاب العقل والجهل ح20.
2- أعلام الدين: ص211.
3- أعلام الدين: ص210.

أحكام شرعية

نصراني فجر بمسلمة

روي: أن المتوكل العباسي بعث إلى أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) من سأله عن نصراني فجر بامرأة مسلمة، فلما أُخذ ليُقام عليه الحد أسلم؟.

فأجاب (عليه السلام) : «إن الحكم فيه أن يُضرب حتى يموت؛ لأن اللّه عزوجل يقول: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (عليهم السلام) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ}(1)»(2).

المغمى عليه

عن علي بن محمد بن سليمان قال: كتبت إلى الفقيه أبي الحسن العسكري (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟. فكتب (عليه السلام) : «لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»(3).

وتفصيل المسألة مذكور في الفقه فليراجع.

من أحكام الوصية

قال: سألت أبا الحسن العسكري (عليه السلام) بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّه؟. فقال (عليه السلام) : «سبيلُ اللّه شيعتنا»(4).

ص: 158


1- سورة غافر: 84-85.
2- الكافي: ج7 ص238-239 باب ما يجب على أهل الذمة من الحدود ح2.
3- تهذيب الأحكام: ج3 ص303 ب30 ح5و6، والتهذيب: ج4 ص243 ب59 ح1.
4- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص206 باب الرجل يوصي بمال في سبيل اللّه ح5478.

لدفع النحوسة

قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الثلاثاء. فقال (عليه السلام) : «لم أرك أمس؟».

قلت: كرهتُ الخروج في يوم الاثنين.

قال (عليه السلام) : «يا علي، من أحب أن يقيه اللّه شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}(1).

ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام) : {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً}(2)»(3).

المال الكثير

سبق أنه لما اختلف الفقهاء في ما نذره المتوكل من التصدق بمال كثير، سألوا الإمام الهادي (عليه السلام) فقال: «يتصدق بثمانين درهماً».

ثم قال (عليه السلام) : «إن اللّه تعالى قال لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}(4)، فعددنا مواطن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبلغت ثمانين موطناً»(5).

وقد بيّن الفقهاء تفسير هذا الحديث الشريف في باب النذر وما أشبه من الفقه.

شهادة المرأة وحدها

أملى الإمام الهادي (عليه السلام) في جواب مسائل يحيى بن أكثم، من دون أن يقرأ مسائله:

ص: 159


1- أي سورة الإنسان.
2- سورة الإنسان: 11.
3- وسائل الشيعة: ج11 ص352-353 ب4 ح14995.
4- سورة التوبة: 25.
5- راجع المناقب: ج4 ص402 فصل في المقدمات.

«فأما شهادة امرأة وحدها التي جازت، فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا، فإن لم يكن رضا فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة؛ لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كان وحدها قبل قولها مع يمينها»(1).

من أحكام الخنثى

وكتب (عليه السلام) في جواب مسائل ابن أكثم:

«وأما قول علي (عليه السلام) في الخنثى فهو كما قال: يرث من المبال، وينظر إليه قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآةً، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة، وينظرون إلى المرآة فيرون الشيء ويحكمون عليه»(2).

إذا نزي على شاة

وكتب (عليه السلام) في جواب مسائل ابن أكثم:

«وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة؛ فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسّمها الإمام (عليه السلام) نصفين وساهم بينهما؛ فإن وقع السهم على أحد القسمين فقد انقسم النصف الآخر، ثم يفرق الذي وقع عليه السهم نصفين فيقرع بينهما، فلا يزال كذلك حتى يبقى اثنان فيقرع بينهما، فأيهما وقع السهم عليها ذبحت وأحرقت وقد نجا سائرها، وسهم الإمام سهم اللّه لا يخيب»(3).

الجهر في صلاة الفجر

وكتب (عليه السلام) في جواب مسائل ابن أكثم: «وأما صلاة الفجر والجهر فيها

ص: 160


1- بحار الأنوار: ج50 ص167 ب3 ضمن ح51.
2- بحار الأنوار: ج50 ص167 ب3 ضمن ح51.
3- بحار الأنوار: ج50 ص167 ب3 ضمن ح51.

بالقراءة؛ لأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يُغَلّس بها، فقراءتها من الليل...»(1).

الحدود وعفو الإمام (عليه السلام)

وكتب (عليه السلام) في جواب مسائل ابن أكثم:

«وأما الرجل الذي أقر باللواط؛ فإنه أقر بذلك متبرعاً من نفسه، ولم تقم عليه بينة ولا أخذه سلطان، وإذا كان للإمام الذي من اللّه أن يعاقب في اللّه، فله أن يعفو في اللّه، أما سمعت اللّه يقول لسليمان: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(2) فبدأ بالمن قبل المنع»(3).

ص: 161


1- بحار الأنوار: ج50 ص167 ب3 ضمن ح51.
2- سورة ص: 39.
3- بحار الأنوار: ج50 ص170-171 ب3 ضمن ح51.

32

أولاد الإمام (عليه السلام)

اشارة

خلّف الإمام علي الهادي (عليه السلام) من الأولاد: أربعة ذكور، وبنتاً واحدة، وهم:

1: الحسن العسكري (عليه السلام) وهو الإمام من بعده.

2: الحسين.

3: محمد، توفي في حياة أبيه، وهو السيد محمد (عليه السلام) أبو جعفر، المدفون في قضاء بلد، المعروف بسبع الدجيل.

4: جعفر.

5: بنت تسمى عليّة.

أما جعفر فهو الذي زعم البعض بأنه ادعى الإمامة بعد وفاة أخيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وعرّفوه بجعفر الكذاب، ولم يكن كذلك، بل كان جعفر مؤمناً بإمامة أبيه وأخيه وابن أخيه المهدي المنتظر (عليهم السلام) على تفصيل ذكرناه في بعض كتبنا(1). ولا يصح ما نُسب إلى جعفر بن الإمام الهادي (عليه السلام) ، فإنها روايات ضعيفة سنداً أو دلالة، وربما كانت للتقية، ولا يصح أن يُنسب إليهم مثل هذه الأقوايل وبتلك الأسانيد، وإننا نعلم بأن حكام الجور من بني العباس وغيرهم

ص: 162


1- راجع كتاب (من حياة الإمام العسكري (عليه السلام) ) للإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) : ص90-92 تحت عنوان (مع أخيه جعفر).

كانوا يسعون في تشويه سمعة الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) فكيف بأولادهم وذراريهم.

نعم إنهم إذا نقلوا فضائل أهل البيت (عليهم السلام) فإنها من باب: (والفضل ما شهدت به الأعداء) ومن باب إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، كما أنه لا مانع من قول أهل الخبرة إذا لم يكن له ولا عليه على تفصيل مذكور في الأصول.

من أحوال السيد محمد (عليه السلام)

في الرواية: أن السيد محمد (عليه السلام) خرج في زمان أخيه الإمام الحسن العكسري (عليه الصلاة والسلام) نحو الحجاز، ولما وصل إلى بلدة بلد توفي فيها، ولايبعد أن تكون وفاته بسبب سقيه السم من قبل الحاكم العباسي.

وجناب السيد محمد (عليه السلام) معروف بالكرامات المتواترة، حتى أن العامة وأعراب البادية يحترمونه غاية الاحترام ويخافون منه فلا يحلفون به كذباً أبداً، ويهدون إليه النذورات.

يقول المؤلف: إنني عندما كنت في العراق تشرفت بزيارة جناب السيد محمد (عليه السلام) مكرراً وشاهدت منه معاجز وكرامات عديدة ظهرت له في زماننا.

من كرامات السيد محمد (عليه السلام)

نقل لنا المرحوم الوالد (قدس سره) (1): أنه في بداية شبابه عندما كان في سامراء، كان يحفظ القرآن ليلاً على ضوء القمر، كما كان يقرأ الكثير من الكتب في ضوئه، وذلك من الليلة الثالثة في الشهر. وبعد مضي فترة ضعف بصره ضعفاً شديداً بحيث صعب عليه النظر، وقد راجع الأطباء فلم يجد عندهم علاجاً. فنذر لله

ص: 163


1- هو آية اللّه العظمى السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي (رضوان اللّه تعالى عليه).

تعالى إن شوفي أن يذهب ماشياً إلى روضة السيد محمد (عليه السلام) في كل سنة مرة ما دام هو في سامراء، وأن يهدي إليه مجموعة من الشموع.

وتوسل إلى اللّه بجناب السيد محمد (عليه السلام) فشافاه اللّه وأرجع إليه بصره.

فكان يزور السيد محمد (عليه السلام) في كل سنة ماشياً، ويأخذ معه الشموع. وإنني شاهدت المرحوم الوالد (رحمه اللّه) وقد قوي بصره بشكل غريب، ففي كربلاء المقدسة حيث كان بيتنا يقع في الجانب الغربي من الحرم الحسيني الشريف، وكان الوالد وقد تجاوز عمره السبعين عاماً، وهو يرى عقارب ساعة صحن العباس (عليه الصلاة والسلام) من سطح البيت.

وكان يرى الهلال في الليلة الأولى من الشهر، فكان بصره أقوى من بصر كثير من الشباب، وذلك ببركة السيد محمد (عليه السلام) ابن الإمام علي الهادي (عليه أفضل الصلاة والسلام).

ص: 164

33

استشهاد الإمام (عليه السلام)

روى العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في (جلاء العيون)، وغيره في غيره: أن الإمام علي الهادي (عليه السلام) توفي مسموماً شهيداً وله من العمر أربعون سنة، وقيل إحدى وأربعون سنة.

فإنه (عليه السلام) تصدى للإمامة الكبرى والخلافة العظمى بعد أبيه الإمام الجواد (عليه السلام) ، وكان له من العمر ست سنوات وخمسة أشهر، وكانت مدة إمامته ثلاث وثلاثين سنة وعدة أشهر.

عاش الإمام الهادي (عليه السلام) في مدينة جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قرابة عشرين سنة، وبعد ذلك طلبه المتوكل العباسي إلى سامراء فكان فيها عشرين سنة إلى أن توفي مسموماً شهيداً، ودُفن في داره حيث مدفنه الشريف الآن بعد ما قضى فترة من عمره الشريف في السجون وفي خان الصعاليك.

ثم إن قاتل الإمام الهادي (عليه السلام) هو المعتمد العباسي، كما ذكره ابن بابويه وغيره، ورأى البعض أن قاتله هو المعتز العباسي.

وكان استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) بسامراء في جمادى الآخرة لخمس ليال بقين منه، وقيل: في الثالث من رجب، وقيل: يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار سنة 254 ه.

ص: 165

قال المسعودي في (إثبات الوصية): اعتل أبو الحسن علي الهادي علته التي توفي فيها (عليه السلام) ، فأحضَر (عليه السلام) أبا محمد ابنه - إلى أن قال - وأوصى إليه.

وقال المسعودي أيضاً: ولما توفي (عليه السلام) اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين، واجتمع خلق كثير من الشيعة. ثم فتح من مصدر الرواق باب وخرج خادم أسود، ثم خرج بعده أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب، وكان وجهه (عليه السلام) وجه أبيه (عليه السلام) لا يخطئ منه شيئاً، و كان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد إلاّ قام على رجليه...

وجلس (عليه السلام) بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه، وكانت الدار كالسوق بالأحاديث، فلما خرج (عليه السلام) وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع إلاّ العطسة والسعلة، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد (عليه السلام) ، وأخرجت الجنازة وخرج (عليه السلام) يمشي حتى خرج بها إلى الشارع، وكان أبو محمد (عليه السلام) صلى عليه قبل أن يخرج إلى الناس، وصلى عليه لما أخرج المعتمد، ثم دفن في دار من دوره، وصاحت سر من رأى يوم موته صيحة واحدة.

وقيل لابنه أبي محمد (عليه السلام) في شق ثيابه؟. فقال للقائل: «ما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارون (عليه السلام) »(1).

ص: 166


1- راجع مستدرك الوسائل: ج2 ص456-458 ب72 ح2457.

34

المشهد الشريف

وفي نفس الضريح الشريف المدفون فيه الإمام علي الهادي (عليه السلام) بسامراء دُفن بعد ذلك ابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) .

وخلف الإمامين (عليهما السلام) السيدة نرجس (عليها السلام) والدة الإمام بقية اللّه الأعظم (عليه السلام) . وفي جهة رِجل الإمامين (عليهما السلام) مدفن السيدة حكيمة خاتون (عليها السلام) بنت الإمام الجواد (عليه السلام) وعمة الإمامين العسكريين (عليهما السلام) .

وهذه المخدرة قد تشرفت بلقاء أربعة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) : الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

وتحت نفس القبة الشريفة أيضاً قبر الحسين بن الإمام الهادي (عليه السلام) ، وهو أخ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وكان رجلاً عظيماً، عالماً تقياً، وفي الروايات أنه كان من الزهاد والعباد، وكان مقراً بإمامة أخيه العسكري (عليه السلام) . وفي رواية أبي الطيب أن صوت الإمام الحجة (صلوات اللّه عليه وعجل اللّه فرجه) كان شبيهاً بصوت عمه الحسين. وكان الناس لشدة جلالته يشبهون الأخوين بجديهما السبطين الحسن والحسين (عليهما الصلاة والسلام).

ص: 167

35

زيارة الإمام (عليه السلام)

اشارة

وكان الإمام الهادي (عليه السلام) كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) يؤكدون على زيارة المشاهد المشرفة للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) بعد وفاتهم.

وفي حديث قال الإمام الهادي (عليه السلام) : «هذا الدعاء كثيراً أدعو اللّه به وقد سألت اللّه أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي وهو: يا عُدّتي عند العُدَد، ويا رجائي والمعتمد، ويا كهفي والسند، ويا واحدُ يا أحدُ، يا قل هو اللّه أحد، وأسألك اللّهم بحق من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً أن تصلي عليهم وتفعل بي كيت وكيت»(1).

وفي (مستدرك الوسائل) عن (كامل الزيارات) عن بعضهم (عليهم السلام) قال: «إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) تقول بعد الغسل إن وصلتَ إلى قبريهما، وإلاّ أومأتَ بالسلام من عند الباب الذي على الشارع، الشباك، تقول:

«السَّلامُ عَلَيْكُمَا يَا وَلِيَّيِ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمَا يَا حُجَّتَيِ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمَا يَا نُورَيِ اللَّهِ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ، السَّلامُ عَلَيْكُمَا يَا مَنْ بَدَا لِلَّهِ فِيكُمَا، أَتَيْتُكُمَا

ص: 168


1- بحار الأنوار: ج50 ص127-128 ب3 ح5.

عَارِفاً بِحَقِّكُمَا، مُعَادِياً لأَعْدَائِكُمَا، مُوَالِياً لأَوْلِيَائِكُمَا، مُؤْمِناً بِمَا آمَنْتُمَا بِهِ، كَافِراً بِمَا كَفَرْتُمَا بِهِ، مُحَقِّقاً لِمَا حَقَّقْتُمَا، مُبْطِلاً لِمَا أَبْطَلْتُمَا، أَسْأَلُ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمَا أَنْ يَجْعَلَ حَظِّي مِنْ زِيَارَتِكُمَا الصَّلاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي مُرَافَقَتَكُمَا فِي الْجِنَانِ، مَعَ آبَائِكُمَا الصَّالِحِينَ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَيَرْزُقَنِي شَفَاعَتَكُمَا وَمُصَاحَبَتَكُمَا، وَلا يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمَا، وَلا يَسْلُبَنِي حُبَّكُمَا، وَحُبَّ آبَائِكُمَا الصَّالِحِينَ، وَلا يَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْكُمَا وَمِنْ زِيَارَتِكُمَا، وَأَنْ يَحْشُرَنِي مَعَكُمَا فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَُّمَا، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِمَا، وَالْعَنْ ظَالِمِي آلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ، وَانْتَقِمْ مِنْهُمُ، اللَّهُمَّ الْعَنِ الأوَّلِينَ مِنْهُمْ وَالآخِرِينَ، وَضَاعِفْ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ الألِيمَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ عَجِلْ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ نَبِيِّكَ، وَاجْعَلْ فَرَجَنَا مَعَ فَرَجِهِمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»

وتجتهد في الدعاء لنفسك ولوالديك وتخير من الدعاء فإن وصلت إليهما (عليهما السلام) فصلّ عند قبرهما ركعتين، وإذا دخلت المسجد وصليت دعوت اللّه بما أحببت إنه قريب مجيب، وهذا المسجد إلى جانب الدار وفيه كانا يصليان»(1).

وفي وداعهما (عليهما السلام)

تقف كوقوفك في أول دخولك وتقول:

«السَّلامُ عَلَيْكُمَا يَا وَلِيَّيِ اللَّهِ، أَسْتَوْدِعُكُمَا اللَّهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمَا السَّلامَ، آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَبِمَا جِئْتُمَا بِهِ وَدَلَلْتُمَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ».

ثم اسأل اللّه العود إليهما (عليهما السلام) وادع بما أحببت إن شاء اللّه.

***

ص: 169


1- مستدرك الوسائل: ج10 ص364 ب70 ح12189.

إلى هنا انتهى ما أردنا بيانه من حياة الإمام علي الهادي (عليه الصلاة والسلام). والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

ألفه محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

في قم المقدسة

عاشر شهر شعبان سنة ألف وأربعمائة وعشرة

ص: 170

الفهرس

المقدمة... 5

1- النسب الشريف... 7

الإسم المبارك... 7

الكنية الشريفة... 7

الألقاب الطاهرة... 7

والد الإمام (عليه السلام) ... 11

والدة الإمام (عليه السلام) ... 11

2- الولادة المباركة... 12

3- النشأة الطاهرة... 14

4- النص على الإمامة... 15

النصوص العامة... 15

النصوص الخاصة... 18

5- علم الإمام (عليه السلام) ... 22

مسألة عويصة... 23

6- الإمام (عليه السلام) وعلم الغيب... 25

7- من علوم القرآن... 26

آصف بن برخيا... 27

ص: 171

سجود يعقوب (عليه السلام) ... 27

لم يشك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قط... 27

نحن كلمات اللّه... 28

الشجرة المنهية... 29

تزويج الذكران... 29

الاستدلال بالآيات الكريمة... 30

8- تفسير الحديث الشريف... 32

أهل النهروان وصفين... 32

9- أخلاق الإمام (عليه السلام) ... 34

كلام ابن حجر... 35

كرم وسخاء... 35

ما حاجتك؟... 36

صلة الأرحام... 37

هيبة ووقار... 38

عفو وسماحة... 38

رحمة بالأعداء... 39

حتى يأتوك بشمعة... 40

10- عبادة الإمام (عليه السلام) وزهده... 41

من أدعيته (عليه السلام) ... 41

حرز الإمام الهادي (عليه السلام) ... 42

ادع اللّه بهذه الكلمات... 42

ص: 172

حجاب الإمام الهادي (عليه السلام) ... 44

11- عوذة للإمام الهادي (عليه السلام) ... 45

12- قنوت الإمام الهادي (عليه السلام) ... 47

قنوت آخر... 47

13- معاجز الإمام وكراماته (عليه السلام) ... 50

عسكر الإمام (عليه السلام) ... 50

ما السبب في تشيعك؟... 51

سبيكة ذهب... 53

مع يونس النقاش... 53

أنا زينب!... 54

في خان الصعاليك... 57

ما ناقة صالح بأكرم مني... 57

سيسلم ولدك فلان... 63

تنح عافاك اللّه... 65

عندما يُستخف بأولياء اللّه... 65

الدعاء المستجاب... 66

الطيور تسكت لهيبة الإمام (عليه السلام) ... 66

مع السباع الجائعة... 67

إنه لا يلبث أكثر من يومين... 67

هات الجبة!... 68

ماء مسخن... 69

ص: 173

تُكفى إن شاء اللّه... 70

اجمع أمرك وخذ حذرك... 71

الهواء المسخر... 72

شكر النعم... 73

أين الدفتر؟... 73

التكلم بالتركية... 74

التكلم بالفارسية... 74

التكلم بالصقلابية... 75

التكلم بالهندية... 75

طي الأرض... 76

خاتم من الإمام (عليه السلام) ... 76

مطر والسماء صاحية... 77

سيوف غيبية تحفظ الإمام (عليه السلام) ... 77

هكذا يملأ اللّه البرية قبوراً... 78

مضى أبو جعفر (عليه السلام) ... 79

دور المعاجز في هداية الناس... 79

14- طغاة عصر الإمام (عليه السلام) ... 85

15- الشخوص إلى سامراء... 87

16- الإمام (عليه السلام) يودع مدينة جده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 92

وفي بغداد... 93

مع وصيف التركي... 93

ص: 174

17- في طريق سامراء... 94

18- كتاب المتوكل وإقراره بفضل الإمام (عليه السلام) ... 97

عمال المتوكل يعلمون بمكانة الإمام (عليه السلام) ... 98

19- تفتيش بيت الإمام (عليه السلام) ... 100

20- في مجلس المتوكل... 102

21- الإمام (عليه السلام) في حبس الطغاة... 104

المنع من خروج البيت... 104

حبس الإمام (عليه السلام) ... 104

إيذاء الإمام (عليه السلام) ... 105

22- ملاحقة شيعة الإمام (عليه السلام) ... 107

23- من سيرة الطغاة... 109

فساد وإفساد... 109

أكياس الحيات والعقارب... 110

معاداة أهل البيت (عليهم السلام) ... 110

هدم قبر الحسين (عليه السلام) ... 110

الزيارة على خوف... 111

تكرار هدم القبر الشريف... 114

المتوكل يستعين باليهود... 115

قصة ديزج وهدم القبر الشريف... 116

البقر لا تتقدم على القبر الشريف... 117

ص: 175

لا تخرج مع الديزج... 117

الديزج في سكرات موته... 118

سب آل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 119

مضايقة الطالبيين والشيعة... 120

قصة زيد المجنون... 121

فساد الحكام... 125

هارون العباسي... 126

المهدي العباسي... 127

المأمون العباسي... 130

أخبرني عن حمارك!... 130

اللعب بأموال المسلمين... 131

التلاعب بأموال المسلمين... 135

هدم الأمس وهدم اليوم... 135

24- دعاء الإمام (عليه السلام) على المتوكل... 137

25- لا تعادوا الأيام... 142

26- من أصحاب الإمام (عليه السلام) ... 144

ابن السكيت... 144

السيد عبد العظيم الحسني... 146

27- هذا واللّه دين اللّه... 148

28- التوحيد... 150

29- الخلافة لأهل البيت (عليهم السلام) ... 151

ص: 176

30- ابعثوا إلى الحائر... 152

31- درر من كلمات الإمام (عليه السلام) ... 154

نحن الكلمات... 154

بقعة كربلاء... 154

من اتقى اللّه... 154

لماذا اتخذه خليلا؟... 155

لا تأمن مكر اللّه... 155

شكر النعم... 155

الدنيا والآخرة... 155

الحلم والسفه... 155

بين الود والطاعة... 156

لا تأمنه... 156

الدنيا سوق... 156

حفظ العهد... 156

لبلاغ المنى... 156

تنوع المعاجز... 156

من إعجاز القرآن... 157

من بضائع الفجرة... 157

أحكام شرعية... 158

نصراني فجر بمسلمة... 158

المغمى عليه... 158

ص: 177

من أحكام الوصية... 158

لدفع النحوسة... 159

المال الكثير... 159

شهادة المرأة وحدها... 159

من أحكام الخنثى... 160

إذا نزي على شاة... 160

الجهر في صلاة الفجر... 160

الحدود وعفو الإمام (عليه السلام) ... 161

32- أولاد الإمام (عليه السلام) ... 162

من أحوال السيد محمد (عليه السلام) ... 163

من كرامات السيد محمد (عليه السلام) ... 163

33- استشهاد الإمام (عليه السلام) ... 165

34- المشهد الشريف... 167

35- زيارة الإمام (عليه السلام) ... 168

وفي وداعهما (عليهما السلام) ... 169

الفهرس... 171

ص: 178

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.