من حياة المعصومين عليهم السلام المجلد 11

هوية الكتاب

من حياة المعصومين عليهم السلام

الجزء الحادي عشر

الإمام الجواد عليه السلام

المرجع الديني الراحل

السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

الشجرة الطيبة

1443 ه 2022 م

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی للناشر

1443 ه 2022 م

مؤسسة الشجرة الطيبة النجف الأشرف

تهميش

مؤسسة المجتبی للتحقيق والنشر

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

أما بعد، فهذا هو الجزء الحادي عشر من سلسلة «من حياة المعصومين» (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، ويتضمن جوانب من حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام) .

أسأل اللّه تعالى التوفيق والقبول، إنه سميع مجيب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1410ه

ص: 5

ص: 6

1

النسب الشريف

اسمه المبارك

هو الإمام: محمد، بن علي الرضا، ابن موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمد الباقر، ابن علي زين العابدين، ابن الحسين الشهيد، ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) .

وهو تاسع الأئمة المعصومين الاثني عشر، الذين نص عليهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خلفاء من بعده(1).

كنيته (عليه السلام)

أبو جعفر، ولكي يمتاز عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) كان يُكنّى ب- (أبي جعفر الثاني).

وله كنية أخرى خاصة وهي: أبو علي.

ألقابه (عليه السلام)

التقي، والجواد، والمختار، والمرضي، والمتقي، والزكي، والمرتضى، والقانع، والمتوكل، والنجيب، والمنتجب، والعالم، وغيرها من الألقاب التي تدل على

ص: 7


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج1 ص285، باب الإمامة، باب في إمامة الأئمة الاثني عشر، فصل في النصوص الواردة على ساداتنا (عليهم السلام) .

فضله (عليه السلام) ومكانته عند اللّه عز وجل، وأشهرها الجواد.

قال هرثمة: وكان للرضا (عليه السلام) من الولد محمد الإمام (عليه السلام) وكان يقول له الرضا (عليه السلام) : «الصادق والصابر والفاضل وقرة أعين المؤمنين وغيظ الملحدين»(1).

الجواد

لُقِّب (عليه السلام) بالجواد؛ لأن والده الإمام الرضا (عليه السلام) أوصاه بالجود، وكان (عليه السلام) كثير الجود والكرم.

روى البزنطي قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إلى أبي جعفر (عليه السلام) : «يا أبا جعفر، بلغني أن الموالي إذا ركبتَ أخرجوك من الباب الصغير، وإنما ذلك من بخل منهم لئلا ينال منك أحد خيراً، فأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير، وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة، ثم لايسألك أحد إلا أعطيته، ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير إليك، ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين ديناراً والكثير إليك، إني أريد أن يرفعك اللّه فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً»(2).

ويظهر من هذا الحديث أن بيت الإمام (عليه السلام) كان فيه بابان، أحد البابين على الشارع العام، والآخر خلف البيت مثلاً.

والده (عليه السلام)

والده الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) .

ص: 8


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص250، ب64، ح1.
2- الكافي: ج4 ص43، تتمة كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، باب الإنفاق، ح5.

والدته (عليها السلام)

والدته المكرمة أم ولد تسمى ب: (سبيكة).

ومن أسمائها أيضاً: (خيزران) و(ريحانة) و(سُكَينة) و(سكن) المريسية(1) و(دُرّة)، وتُكَنّى: (أم الحسن).

والمشهور أنها كانت من أهل (النوبة)، وقال بعض: إنها من أهل بيت مارية القبطية.

وفي الرواية أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصفها ب- (خيرة الإماء الطيبة)، حيث قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث عن الإمام الجواد (عليه السلام) : «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة»(2).

خَلْقه وخُلُقه

في الفصول المهمة: صفته (عليه السلام) أبيض معتدل(3)، وقال البعض: كان أسمر، وقيل: شديد الأدمة.

وقال الطبرسي في إعلام الورى: إنه كان (عليه السلام) قد بلغ في كمال العقل والفضل والعلم والحكم والآداب ورفعة منزله ما لم يساوه فيها أحد من ذوي السن من السادات وغيرهم(4).

ص: 9


1- مريسة بتشديد الراء على وزن سكينة قرية بمصر وولاية من ناحية الصعيد ينسب إليها بشر بن غياث المريسي، وفي بعض النسخ «مرسية» ومرسية بالضم مخففة كان اسم بلد إسلامي بالمغرب كثير المنارة والبساتين، انظر القاموس: ج2 ص251.
2- مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: ص322، الإمامة وفضل الأئمة (عليهم السلام) ، ح805.
3- الفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ المالكي: ص1029، الفصل التاسع في ذكر أبي جعفر محمد الجواد بن عليّ الرضا (عليهما السلام) .
4- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص350، الباب الثامن في ذكر الإمام التقي أبي جعفر محمد بن علي، الفصل الرابع في مناقبه وفضائله (عليه السلام) .

نقش خاتمه

وكان نقش خاتمه: (نِعْمَ الْقادِرُ اللّهُ).

ص: 10

2

الولادة المباركة

اشارة

وُلد الإمام محمد الجواد (عليه السلام) بالمدينة المنورة في العاشر من شهر رجب سنة مائة وخمس وتسعين من الهجرة الشريفة، وقد ورد في الدعاء المأثور: «اللّهم إني أسألك بالمولودَين في رجب، محمد بن علي الثاني، وابنه علي بن محمد المنتجب»، الدعاء(1).

وعدم ذكر الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في هذا الدعاء وأنه مولود في شهر رجب، فلشهرة ذلك ووضوحه فلا يحتاج إلى البيان.

مضافاً إلى أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وليس الدعاء في بيان حصر من وُلد في هذا الشهر، بل للتوسل بالمعصومين (عليهم السلام) والتشفع بهما إلى اللّه، فهو كما يقال: اللّهم إني أسألك بمحمد بن علي وعلي بن محمد (عليهما السلام) المولودَين في رجب.

وقيل: وُلد (عليه السلام) في 19 شهر رمضان أو في النصف منه.

قصة الولادة

في المناقب لابن شهر آشوب: روي عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قالت: لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر الجواد (عليه السلام) ، دعاني

ص: 11


1- مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: ج2 ص805، فصل في ذكر سياقة عبادات السنة من أولها إلى آخرها، شهر رجب، أول يوم من رجب.

الرضا (عليه السلام) فقال: يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي وإياها والقابلة بيتاً، ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا.

فلما أخذها الطلق طفي المصباح وبين يديها طست، فاغتممتُ بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست، وإذا عليه شي ء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء.

فجاء الرضا (عليه السلام) وفتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه ووضعه في المهد وقال لي: يا حكيمة ألزمي مهده.

قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمداً رسول اللّه.

فقمت ذعرةً فزعةً، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجباً.

فقال: وما ذاك؟.

فأخبرته الخبر، فقال: يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر(1).

الرضا (عليه السلام) يناجيه

وفي الحديث: عندما ولد الإمام محمد الجواد (عليه السلام) ، حضره الإمام الرضا (عليه السلام) وكان طول ليلته يناغيه في مهده(2).

أقول: ناغاه أي كلَّمه.

ص: 12


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) : ج4 ص394، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في آياته (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج50 ص15 ب1 ح19.

3

الإمامة

اشارة

النبوة والإمامة منصبان إلهيان، يعطيهما الباري لمن أراد ممن اجتمعت فيه الشروط، ولا يتفاوت في ذلك السن، فقد قال عز وجل في حق النبي عيسى (عليه السلام) : {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}(1).

وقال في حق النبي يحيى (عليه السلام) : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(2).

وهكذا كان الإمام محمد الجواد (عليه السلام) حيث اختاره اللّه إماماً وهو في صغر سنه، وربما كان ذلك تمهيداً لإمامة الإمام المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) حيث أصبح إماماً في صغر سنه، مضافاً إلى غيبته عن الأنظار.

فلما استشهد الإمام الرضا (عليه السلام) كان الإمام الجواد (عليه السلام) في السابعة من عمره الشريف، فشك البعض من ضعيفي الإيمان في إمامته، فاجتمع بعض كبار الشيعة من الكوفيين في دار عبد الرحمن بن الحجاج، وأقاموا مجلس العزاء على الإمام الرضا (صلوات اللّه عليه)، ثم قام يونس بن عبد الرحمن وقال: إلى أن يكبر الإمام الجواد (عليه السلام) فمن هو حجة اللّه علينا، وممن نأخذ المسائل والأحكام؟.

ص: 13


1- سورة مريم: 29-31.
2- سورة مريم: 12.

عند ذلك قام أبان بن الصلت وهو من الرواة الثقاة، ومن أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ، وقال: (إن كان أمره من اللّه جل وعلا، فلو كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند اللّه فلو عمَّر ألف سنة فهو واحد من الناس، ثم خرج عدد من علماء الشيعة إلى المدينة المنورة، ودخلوا على الإمام الجواد (عليه السلام) فسألوه عن مسائل كثيرة، ورأوا منه المعاجز والأدلة، وحصل لهم اليقين بإمامته، وأنه حجة اللّه على الخلق، ثم رجعوا وأخبروا الشيعة بذلك)(1).

وفي عيون المعجزات: لما قُبض الرضا (عليه السلام) كان سن أبي جعفر (عليه السلام) نحو سبع سنين فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريان بن الصلت وصفوان بن يحيى ومحمد بن حكيم وعبد الرحمن بن الحجاج ويونس بن عبد الرحمن وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول، يبكون ويتوجعون من المصيبة، أي مصيبة فقد الإمام الرضا (عليه السلام) .

فقال لهم يونس بن عبد الرحمن: دعوا البكاء من لهذا الأمر، وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا، يعني أبا جعفر (عليه السلام) ؟

فقام إليه الريان بن الصلت وقال: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشك والشرك، إن كان أمره من اللّه جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم و فوقه، وإن لم يكن من عند اللّه فلو عمّر ألف سنة فهو واحد من الناس هذا مما ينبغي أن يفكر فيه. فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبخه.

وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً

ص: 14


1- مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر: ج7 ص288-290، الباب التاسع، الخامس: إيتائه (عليه السلام) الحكم صبياً.

فخرجوا إلى الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر (عليه السلام) ، فلما وافوا أتوا دار جعفر الصادق (عليه السلام) لأنها كانت فارغةً ودخلوها وجلسوا على بساط كبير، وخرج إليهم عبد اللّه بن موسى فجلس في صدر المجلس وقام مناد وقال: هذا ابن رسول اللّه، فمن أراد السؤال فليسأله، فسُئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب، فورد على الشيعة ما حيرهم وغمهم واضطربت الفقهاء وقاموا وهموا بالانصراف وقالوا في أنفسهم: لو كان أبو جعفر (عليه السلام) يكمل لجواب المسائل لما كان من عبد اللّه ما كان ومن الجواب بغير الواجب.

فُفتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال: هذا أبو جعفر (عليه السلام) ، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلموا عليه، فدخل (صلوات اللّه عليه) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وجلس، وأمسك الناس كلهم، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائله، فأجاب (عليه السلام) عنها بالحق، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه(1).

أقول: أما ما كان من عمه عبد اللّه بن موسى، فربما كان لإثبات إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) وللفت الأنظار عن نفسه، كما كان من محمد بن الحنفية (عليه السلام) مع الإمام السجاد (صلوات اللّه عليه) على ما ذكرناه في بعض كتبنا.

ظآتيناه الحكم صبياً

روى أبو سلمان، عن ابن أسباط، قال: خرج عليَّ أبو جعفر (عليه السلام) ، فجعلت أنظر إليه، وإلى رأسه ورجليه؛ لأصف قامته بمصر. فلما جلس قال: «يا علي،

ص: 15


1- عيون المعجزات: ص119-120، حديث اجتماع الفقهاء في دار ابن الحجاج للمذاكرة في أمر الامام.

إن اللّه احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة، قال اللّه تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(1)، و{وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ}(2)، و{وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}(3)، فقد يجوز أن يُعطى الحكم صبياً، ويجوز أن يُعطى وهو ابن أربعين سنةً»(4).

ما لهذا خُلِقت

خرج جماعة إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، وفيهم: علي بن حسان الواسطي المعروف بالعمش. قال: حملت معي إليه من الآلة التي للصبيان بعضاً من فضة، وقلت أتحف مولاي أبا جعفر (عليه السلام) بها، فلما تفرق الناس عنه عن جواب لجميعهم، قام فمضى إلى صريا، واتبعته فلقيت موفقاً. فقلت: استأذن لي على أبي جعفر (عليه السلام) ، فدخلت وسلمت، فرد عليَّ السلام وفي وجهه الكراهة، ولم يأمرني بالجلوس، فدنوت منه وفرغت ما كان في كمي بين يديه، فنظر إليَّ نظر مغضب، ثم رمى يميناً وشمالاً، ثم قال: «ما لهذا خلقني اللّه، ما أنا واللعب». فاستعفيته فعفا عني فخرجت(5).

العصا تشهد

عن محمد بن أبي العلاء، قال: سمعت يحيى بن أكثم قاضي سامراء بعد ما

ص: 16


1- سورة مريم: 12.
2- سورة القصص: 14.
3- سورة الأحقاف: 15.
4- بحار الأنوار: ج50 ص20، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح6.
5- بحار الأنوار: ج50 ص59، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح38.

جهدت به، وناظرته وحاورته وراسلته، وسألته عن علوم آل محمد (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، فقال: فبينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فرأيت محمد بن علي الرضا يطوف به، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إليَّ. فقلت له: واللّه إني أريد أن أسألك مسألةً واحدةً، وإني واللّه لأستحيي من ذلك.

فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام.

فقلت: هو واللّه هذا.

فقال: أنا هو.

فقلت: علامة.

فكان في يده عصاً فنطقت، فقالت: إنه مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة(1).

إنه حجة اللّه

قال قاسم بن عبد الرحمن وكان زيدياً، قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون ويتشرفون ويقفون، فقلت: ما هذا؟.

فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا.

فقلت: واللّه لأنظرن إليه، فطلع على بغل أو بغلة. فقلت: لعن اللّه أصحاب الإمامة حيث يقولون إن اللّه افترض طاعة هذا.

فعدل إليَّ وقال: يا قاسم بن عبد الرحمن {أَ بَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي

ص: 17


1- الكافي: ج1 ص353، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح9.

ضَلَالٍ وَسُعُرٍ}(1).

فقلت في نفسي: ساحر واللّه.

فعدل إليَّ فقال: {أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}(2).

قال: فانصرفت وقلت بالإمامة وشهدت أنه حجة اللّه على خلقه واعتقدت(3).

ص: 18


1- سورة القمر: 24.
2- سورة القمر: 25.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص363، ذكر الإمام التاسع، باب ذكر وفاة أبي جعفر (عليه السلام) وموضع قبره وذكر ولده.

4

النص على إمامته (عليه السلام)

اشارة

وهناك نصوص كثيرة متواترة على إمامة الإمام محمد الجواد (عليه السلام) .

وهي مروية عن اللّه عز وجل، وعن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعن سائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) .

كما في حديث اللوح الأخضر الذي رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاري:

روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) ، أنه قال: «قال أبي، محمد بن علي (عليه السلام) لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: إن لي إليك حاجة، متى يخف عليك أن أخلو بك، فأسألك عنها. قال له جابر: في أي الأحوال أحببت. فخلا به أبي في بعض الأوقات، وقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة (عليه السلام) ، وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.

فقال جابر: أشهد باللّه أني دخلت على أمك فاطمة (صلوات اللّه عليها) في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فهنأتها بولادة الحسين (عليه السلام) ، ورأيت في يدها لوحاً أخضر، فظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس, فقلت لها: بأمي وأبي أنتِ يا بنت رسول اللّه، ما هذا اللوح؟.

فقالت (عليها السلام) : هذا اللوح أهداه اللّه تعالى إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيه: اسم أبي، واسم بعلي، واسم ابنيَّ، وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرني بذلك.

ص: 19

قال جابر: فأعطتنيه أمك (عليها السلام) ، فقرأته واستنسخته.

قال له أبي (عليه السلام) : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟.

قال: نعم.

فمشى معه أبي (عليه السلام) حتى انتهى إلى منزل جابر، وأخرج إلى أبي صحيفة من رق، وقال: يا جابر، انظر في كتابك لأقرأ عليك.

فنظر جابر في نسخته، وقرأ أبي، فما خالف حرف حرفاً.

قال جابر: فأشهد باللّه أني هكذا رأيت في اللوح مكتوباً:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللّه العزيز العليم لمحمد نبيه ورسوله، ونوره وسفيره، وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين. عظِّم يا محمد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، فإني أنا اللّه لا إله إلا أنا، قاصم الجبارين، ومذل الظالمين، وديان يوم الدين. لا إله إلا أنا، من رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. فإياي فاعبد، وعليّ فتوكل.

إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلتُ له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيك على الأوصياء.

وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك الحسن والحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن علمي، وأكرمته بالشهادة، وختمتُ له بالسعادة، وهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة، وجعلتُ كلمتي التامة معه، وحجتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب:

أولهم علي سيد العابدين، وزين أوليائي الماضين.

وابنه شبيه جده المحمود، محمد الباقر لعلمي، والمعدن لحكمتي.

ص: 20

سيهلك المرتابون في جعفر الصادق، الراد عليه كالراد عليَّ، حق القول مني لأكرمنّ مثوى جعفر، ولأسرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه.

وانتجبت بعده موسى، وأتيح بعده فتنة عمياء حندس، ألا إن خيط فرضي لاينقطع، وحجتي لا تخفى، وإن أوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحداً منهم، فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى، وحبيبي وخيرتي.

ألا إن المكذب بالثامن مكذب بكلّ أوليائي، علي وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة، وأمنحه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي.

حق القول مني لأقرنّ عينه بمحمد ابنه، وخليفته من بعده، ووارث علمه، وهو معدن علمي، وموضع سري، وحجتي على خلقي، لا يؤمن به عبد إلاّ جعلتُ الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته، كلهم قد استوجب النار.

وأختم بالسعادة لابنه علي، وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي.

أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن العسكري.

ثم أكمل ديني بابنه محمد رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، سيد أوليائي، سيذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيُقتلون ويحُرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون».

ص: 21

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصُنه إلاّ عن أهله(1).

هو يرثني

وفي عيون المعجزات: عبد الرحمن بن محمد، عن كليم بن عمران، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : ادع اللّه أن يرزقك ولداً.

فقال: «إنما أرزق ولداً واحداً وهو يرثني».

فلما ولد أبو جعفر (عليه السلام) قال الرضا (عليه السلام) لأصحابه: «قد وُلد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى ابن مريم، قدست أم ولدته، قد خلقت طاهرةً مطهرةً»(2).

عليك بابني محمد

عن جعفر بن محمد النوفلي، قال: أتيت الرضا (عليه السلام) وهو بقنطرة إبريق، فسلمت عليه ثم جلست وقلت: جعلت فداك، إن أناساً يزعمون أن أباك حي. فقال: «كذبوا لعنهم اللّه، لو كان حياً ما قسم ميراثه، ولا نكح نساؤه، ولكنه واللّه ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب (عليه السلام) ». قال: فقلت له: ما تأمرني؟. قال: «عليك بابني محمد من بعدي، وأما أنا فإني ذاهب في وجه لا أرجع»(3).

ص: 22


1- الاحتجاج للطبرسي: ج1 ص67-68، فصل في ذكر طرف مما جاء عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الجدال والمحاربة والمناظرة، ذكر تعيين الأئمة الطاهرة بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
2- عيون المعجزات: ص118-119، وصارت الامامة للمولى التقي أبي جعفر، ومن دلائله وبراهينه (عليه السلام) ، إخبار الرضا بأنه يرزق ولداً واحداً يكون وصيه.
3- بحار الأنوار: ج50 ص18، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح1.

من الصاحب بعدك؟

قال بنان بن نافع: سألت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) . فقلت: جعلت فداك، من صاحب الأمر بعدك؟.

فقال لي: «يا ابن نافع، يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته ممن هو قبلي، وهو حجة اللّه تعالى من بعدي».

فبينا أنا كذلك إذ دخل علينا محمد بن علي (عليه السلام) ، فلما بصر بي قال لي: «يا ابن نافع، ألا أحدثك بحديث: إنا معاشر الأئمة إذا حملته أمه، يسمع الصوت في بطن أمه أربعين يوماً، فإذا أتى له في بطن أمه أربعة أشهر، رفع اللّه تعالى له أعلام الأرض، فقرب له ما بعد عنه، حتى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولاضارة، وإن قولك لأبي الحسن: من حجة الدهر والزمان من بعده، فالذي حدثك أبو الحسن ما سألت عنه هو الحجة عليك».

فقلت: أنا أول العابدين.

ثم دخل علينا أبو الحسن (عليه السلام) فقال لي: «يا ابن نافع، سلم وأذعن له بالطاعة، فروحه روحي، وروحي روح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

أبو جعفر خليفتي

عن أبي الحسين بن محمد بن أبي عباد، وكان يكتب للرضا (عليه السلام) ، ضمه إليه الفضل بن سهل، قال: ما كان (عليه السلام) يذكر محمداً ابنه (عليه السلام) إلا بكنيته، يقول: كتب إليَّ أبو جعفر. وكنت أكتب إلى أبي جعفر وهو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم.

ص: 23


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج4 ص388، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في معجزاته (عليه السلام) .

وترد كتب أبي جعفر (عليه السلام) في نهاية البلاغة والحسن، فسمعته يقول: «أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي»(1).

فإلى من؟

عن الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن صفوان بن يحيى، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : قد كنا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر، فكنت تقول: يهب اللّه لي غلاماً، فقد وهب اللّه لك وأقر عيوننا، فلا أرانا اللّه يومك، فإن كان كون فإلى من؟. فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، وهو قائم بين يديه. فقلت له: جعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟!. قال: «وما يضره من ذلك، فقد قام عيسى بالحجة، وهو ابن أقل من ثلاث سنين»(2).

إنه يفرق بين الحق والباطل

عن الحسين بن يسار، قال: كتب ابن قياما الواسطي إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) كتابةً يقول فيه: كيف تكون إماماً وليس لك ولد.

فأجابه أبو الحسن (عليه السلام) : «وما علمك أنه لا يكون لي ولد، واللّه لا يمضي الأيام والليالي حتى يرزقني ولداً ذكراً، يفرق به بين الحق والباطل»(3).

الإمام ابني

عن البزنطي، قال: قال لي ابن النجاشي: من الإمام بعد صاحبك؟، فأحب

ص: 24


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص240، باب60 نص الرضا (عليه السلام) على ابنه أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بالإمامة والخلافة، ح1.
2- الكافي: ج1 ص321، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، ح10.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص352، ذكر الإمام التاسع، وأما مناقبه.

أن تسأله حتى أعلم. فدخلت على الرضا (عليه السلام) فأخبرته. قال: فقال لي: «الإمام ابني». وليس له ولد، ثم قال: «هل يجترئ أحد أن يقول ابني، وليس له ولد». ولم يكن وُلد أبو جعفر (عليه السلام) ، فلم تمض الأيام حتى وُلد (عليه السلام) (1).

المثبت للحق والممحق للباطل

عن ابن قياما الواسطي - وكان واقفياً - قال: دخلت على علي بن موسى (عليه السلام) . فقلت له: أ يكون إمامان؟!. قال: «لا، إلا أن يكون أحدهما صامتاً». فقلت له: هو ذا أنت ليس لك صامت. فقال: «بلى واللّه، ليجعلن اللّه لي من يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله». ولم يكن في الوقت له ولد، فولد له أبو جعفر (عليه السلام) بعد سنة(2).

خاتم الإمامة

عن الحسن بن الجهم، قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) جالساً، فدعا بابنه وهو صغير، فأجلسه في حجري، وقال لي: «جرده وانزع قميصه». فنزعته، فقال لي: «انظر بين كتفيه». قال: فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم، ثم قال لي: «أ ترى هذا، مثله في هذا الموضع كان من أبي (عليه السلام) »(3).

الأعظم بركة على شيعتنا

عن أبي يحيى الصنعاني، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) ، فجيء بابنه أبي

ص: 25


1- الإرشاد: ج2 ص277، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل في النص على إمامة الجواد (عليه السلام) .
2- الكافي: ج1 ص321، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، ح7.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص352، ذكر الإمام التاسع، وأما مناقبه.

جعفر (عليه السلام) وهو صغير. فقال: «هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركةً منه»(1).

وفي رواية عن يحيى الصنعاني، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وهو بمكة، وهو يقشر موزاً ويطعم أبا جعفر (عليه السلام) . فقلت له: جعلت فداك، هو المولود المبارك؟. قال: «نعم - يا يحيى - هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه»(2).

الأعظم بركة في الإسلام

قال ابن أسباط، وعباد بن إسماعيل: إنا لعند الرضا (عليه السلام) بمنى، إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) . قلنا: هذا المولود المبارك. قال: «نعم، هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركةً منه»(3).

إلى أبي جعفر (عليه السلام)

عن الخيراني، عن أبيه، قال: كنت واقفاً عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بخراسان. فقال قائل: يا سيدي، إن كان كون فإلى من؟. قال: «إلى أبي جعفر ابني». وكأن القائل استصغر سن أبي جعفر، فقال أبو الحسن (عليه السلام) : «إن اللّه سبحانه بعث عيسى ابن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو

ص: 26


1- الإرشاد: ج2 ص279، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل في النص على إمامة الجواد (عليه السلام) .
2- الكافي: ج6 ص361، كتاب الأطعمة، أبواب الفواكة، باب الموز، ح3.
3- بحار الأنوار: ج50 ص20، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ضمن ح6.

جعفر (عليه السلام) »(1).

سلموا عليه بالإمامة

عن يحيى بن حبيب الزيات، قال: أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، فلما نهض القوم قال لهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) : «القوا أبا جعفر فسلّموا عليه، وأجدُّوا به عهداً». فلما نهض القوم التفت إليَّ وقال: «يرحم اللّه المفضل، إنه كان ليقنع بدون هذا»(2).

أقول: عدم التصريح في بعض الروايات بالإمامة كان للتقية.

ذلك إلى اللّه

عن يزيد بن سليط، قال: لقيت أبا إبراهيم(3) ونحن نريد العمرة في بعض الطريق. فقلت: جعلت فداك، هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه؟. قال: «نعم، فهل تثبته أنت». قلت: نعم، إني أنا وأبي لقيناك ها هنا مع أبي عبد اللّه (عليه السلام) ومعه إخوتك. فقال له أبي: بأبي أنت وأمي أنتم كلكم أئمة مطهرون، والموت لايعرى منه أحد، فأحدث إليَّ شيئاً أحدث به من يخلفني من بعدي فلا يضلوا.

فقال: «نعم يا أبا عمارة، هؤلاء ولدي وهذا سيدهم - وأشار إليك - وقد علم الحكم والفهم، وله السخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس، وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب اللّه

ص: 27


1- الكافي: ج1 ص322، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، ح13.
2- الإرشاد: ج2 ص280، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل في النص على إمامة الجواد (عليه السلام) .
3- الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) .

عزوجل، وفيه آخر خير من هذا كله».

فقال له أبي: وما هي؟.

فقال: «يخرج اللّه منه غوث هذه الأمة وغياثها، وعلمها ونورها، وخير مولود، وخير ناشئ، يحقن اللّه به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل اللّه به القطر، ويرحم به العباد، خير كهل وخير ناشئ، قوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه، ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه».

فقال له أبي: بأبي أنت وأمي، ما يكون له ولد بعده؟.

فقال: «نعم»، ثم قطع الكلام.

قال يزيد: فقلت له: بأبي أنت وأمي، فأخبرني أنت بمثل ما أخبرنا به أبوك؟.

فقال لي: «نعم، إن أبي (عليه السلام) كان في زمان ليس هذا الزمان مثله».

فقلت له: من يرضى بهذا منك فعليه لعنة اللّه.

قال: فضحك أبو إبراهيم (عليه السلام) ، ثم قال: «أُخبرك يا أبا عمارة، أني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان، وأشركت معه بني في الظاهر، وأوصيته في الباطن، وأفردته وحده، ولو كان الأمر إليَّ لجعلته في القاسم؛ لحبي إياه، ورقتي عليه، ولكن ذاك إلى اللّه يجعله حيث يشاء، ولقد جاءني بخبره رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم أرانيه وأراني من يكون بعده، وكذلك نحن لا نوصي إلى أحد منا حتى يخبره رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ورأيت مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خاتماً وسيفاً وعصاً وكتاباً وعمامةً. فقلت: ما هذا يا رسول اللّه؟. فقال لي: أما العمامة فسلطان اللّه، وأما السيف فعز اللّه، وأما الكتاب فنور اللّه، وأما

ص: 28

العصا فقوة اللّه، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور - ثم قال - والأمر قد خرج منك إلى غيرك. فقلت: يا رسول اللّه، أرنيه أيهم هو؟. فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما رأيت من الأئمة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك، ولو كانت بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك، ولكن ذاك إلى اللّه عز وجل».

ثم قال أبو إبراهيم (عليه السلام) : «ورأيت ولدي جميعاً الأحياء منهم والأموات، فقال لي أمير المؤمنين (عليه السلام) : هذا سيدهم - وأشار إلى ابني علي - فهو مني وأنا منه واللّه مع المحسنين».

قال يزيد: ثم قال أبو إبراهيم (عليه السلام) : «يا يزيد، إنها وديعة عندك، فلا تخبر بها إلا عاقلاً أو عبداً تعرفه صادقاً، وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها، وهو قول اللّه عز وجل لنا: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}(1) وقال لنا: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ}(2).

قال: وقال أبو إبراهيم (عليه السلام) : «فأقبلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقلت: قد اجتمعوا إليَّ - بأبي أنت وأمي - فأيهم هو؟.

فقال: هو الذي ينظر بنور اللّه، ويسمع بتفهيمه، وينطق بحكمته، ويصيب فلا يخطئ، ويعلم فلا يجهل، هو هذا، وأخذ بيد علي ابني - ثم قال - ما أقل مقامك معه، فإذا رجعت من سفرتك، فأوص وأصلح أمرك، وأفرغ مما أردت؛ فإنك منتقل عنه ومجاور غيرهم، وإذا أردت فادع علياً، فمره فليغسلك وليكفنك، وليتطهر لك، ولا يصلح إلا ذلك، وذلك سنة قد مضت».

ص: 29


1- سورة النساء: 58.
2- سورة البقرة: 140.

ثم قال أبو إبراهيم (عليه السلام) : «إني أوخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي، سمي علي وعلي، فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأما علي الآخر فعلي بن الحسين (عليه السلام) ، أُعطي فهم الأول وحكمته وبصره ووده ودينه، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره، وليس له أن يتكلم إلا بعد موت هارون بأربع سنين».

ثم قال: «يا يزيد، فإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه، فبشره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، وسيعلمك أنك لقيتني، فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام، جارية من أهل بيت مارية القبطية، جارية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل ذلك».

قال يزيد: فلقيت بعد مضي أبي إبراهيم علياً (عليه السلام) . فبدأني فقال لي: «يا يزيد، ما تقول في العمرة؟.

فقلت: فداك أبي وأمي، ذاك إليك وما عندي نفقة.

فقال: «سبحان اللّه! ما كنا نكلفك ولا نكفيك». فخرجنا حتى إذا انتهينا إلى ذلك الموضع، ابتدأني فقال: «يا يزيد، إن هذا الموضع لكثيراً ما لقيت فيه خيراً لك من عمرتك».

فقلت: نعم، ثم قصصت عليه الخبر.

فقال (عليه السلام) لي: «أما الجارية فلم تجئ بعد، فإذا دخلت أبلغتها منك السلام». فانطلقنا إلى مكة واشتراها في تلك السنة، فلم تلبث إلا قليلاً حتى حملت، فولدت ذلك الغلام.

قال يزيد: وكان إخوة علي يرجون أن يرثوه، فعادوني من غير ذنب، فقال لهم إسحاق بن جعفر: واللّه لقد رأيت وإنه ليقعد من أبي إبراهيم (عليه السلام) المجلس

ص: 30

الذي لا أجلس فيه أنا(1).

إنه صاحبك

عن مسافر، قال: أمرني أبو الحسن (عليه السلام) بخراسان. فقال: «الحق بأبي جعفر، فإنه صاحبك»(2).

ولد يقوم مقامي

عن الحسين بن يسار، قال: استأذنت أنا والحسين بن قياما على الرضا (عليه السلام) في صريا، فأذن لنا. فقال: «أفرغوا من حاجتكم». فقال له الحسين: تخلو الأرض من أن يكون فيها إمام؟. فقال: «لا».

قال: فيكون فيها اثنان؟.

قال: «لا، إلا وأحدهما صامت لا يتكلم».

قال: فقد علمت أنك لست بإمام.

قال: «ومن أين علمت؟».

قال: إنه ليس لك ولد، وإنما في العقب.

قال: فقال له: «فو اللّه، لا تمضي الأيام والليالي حتى يولد لي ذكر من صلبي يقوم مثل مقامي يحق الحق ويمحق الباطل»(3).

ص: 31


1- بحار الأنوار: ج50 ص25-28، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح17.
2- بحار الأنوار: ج50 ص34، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح18.
3- بحار الأنوار: ج50 ص34، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح19.

إلى ابني محمد

عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: كنت واقفاً عند رأس أبي الحسن علي بن موسى (عليه السلام) بطوس. قال له بعض من كان عنده: إن حدث حدث فإلى من؟.

قال: «إلى ابني محمد».

وكأن السائل استصغر سن أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال له أبو الحسن علي بن موسى (عليه السلام) : «إن اللّه بعث عيسى ابن مريم (عليه السلام) ثابتاً بإقامة شريعته في دون السن الذي أقيم فيه أبو جعفر ثابتاً على شريعته»(1).

الإمامة في ولدي

عن ابن بزيع، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، أنه سُئل أو قيل له: أ تكون الإمامة في عم أو خال؟. فقال: «لا».

فقلت: ففي أخ؟. قال: «لا».

قلت: ففي من؟.

قال: «في ولدي»، وهو يومئذٍ لا ولد له(2).

إنه مولى أبي جعفر

عن معمر بن خلاد، قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا (عليه السلام) : إن ابني في لسانه ثقل، فأنا أبعث به إليك غداً تمسح على رأسه وتدعو له؛ فإنه

ص: 32


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: ص277-278، باب ما جاء عن علي بن موسى (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار، ونصه على ابنه محمد (عليه السلام) .
2- الكافي: ج1 ص286، كتاب الحجة، باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرهما من القرابات، ح3.

مولاك. فقال: «هو مولى أبي جعفر، فابعث به غداً إليه»(1).

صيرته مكاني

عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) - وذكر شيئاً - فقال: «ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني - وقال - إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة»(2).

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : القذة إما منصوبة بنيابة المفعول المطلق لفعل محذوف، أي تتشابهان تشابه القذة. وقيل: هي مفعول يتوارث بحذف المضاف وإقامتها مقامه، أو مرفوع على أنه مبتدأ والظرف خبره، أي القذة يقاس بالقذة ويعرف مقداره به. قال الجزري: القذذ ريش السهم واحدتها قذة، ومنه الحديث: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة»، أي كما يقدر كل واحدة منها على قدر صاحبتها وتقطع، يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان(3).

وُلد من يرثني

عن ابن قياما، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، وقد وُلد له أبو جعفر (عليه السلام) . فقال: «إن اللّه قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود»(4).

ص: 33


1- بحار الأنوار: ج50 ص36، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح25.
2- الكافي: ج1 ص320، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، ح2.
3- بحار الأنوار: ج50 ص22، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، بيان.
4- بصائر الدرجات: ج1 ص138، باب10 ما عند الأئمة من كتب الأولين، ح14.

الخلف من بعده

عن البزنطي، عن عقبة بن جعفر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد. فقال: «يا عقبة، إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى خلفه من بعده»(1).

من يكون بعدك؟

عن عبد اللّه بن جعفر، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) أنا وصفوان بن يحيى، وأبو جعفر (عليه السلام) قائم قد أتى له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا اللّه فداك إن وأعوذ باللّه حدث حدث فمن يكون بعدك.

قال: ابني هذا، وأومأ إليه.

قال: فقلنا له: وهو في هذا السن، قال: نعم وهو في هذا السن، إن اللّه تبارك وتعالى احتج بعيسى (عليه السلام) وهو ابن سنتين(2).

نص من الكاظم (عليه السلام)

عن ابن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل أن يقدم العراق بسنة، وعلي ابنه جالس بين يديه. فنظر إليَّ وقال: «يا محمد، ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك». قال: قلت: وما يكون جعلني اللّه فداك فقد أقلقني ما ذكرت؟!. قال: «أصير إلى هذه الطاغية(3)، أما إنه لا يبدأني منه سوء

ص: 34


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: ص279، باب ما جاء عن علي بن موسى (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار ونصه على ابنه محمد (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج50 ص35، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب2 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح23.
3- أي المهدي العباسي، وجاء بعده موسى بن المهدي، وبعده هارون حيث قام بقتله، وهذا من دلائل إمامته إذ أخبر بما يكون وقد وقع كما أخبر (عليه السلام) .

ومن الذي يكون بعده». قال: قلت: وما يكون جعلني اللّه فداك؟. قال: «{يُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشاءُ}(1)».

قال: قلت: وما ذاك جعلني اللّه فداك؟.

قال: «من ظلم ابني هذا حقه، وجحده إمامته من بعدي، كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمامته، وجحده حقه بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

قال: قلت: واللّهِ لئن مد اللّه لي في العمر لأسلمن له حقه، ولأقرن بإمامته.

قال: «صدقت - يا محمد، يمد اللّه في عمرك وتسلم له حقه، وتقر له بإمامته، وإمامة من يكون من بعده».

قال: قلت: ومن ذاك؟.

قال: «ابنه محمد».

قال: قلت له: «الرضا والتسليم»(2).

ص: 35


1- سورة إبراهيم: 27.
2- الكافي: ج1 ص319، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، ح16.

5

العباد ووجوب الطاعة

اشارة

ولا يخفى أنه يجب على العباد طاعة اللّه، وطاعة رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأولي الأمر، وهم المعصومون (عليهم السلام) الذين عينهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأمره عز وجل خلفاء من بعده، وهذه الطاعة توجب السعادة الأبدية، وهي واجبة حتى إذا لم يعرف الإنسان وجه الأمر والنهي.

ولتقريب الأمر نمثل بالمريض والطبيب، فإنه لابد للمريض أن يسمع ويطيع الطبيب إذا أراد أن يشفى من علته، وإن لم يعلم بفوائد الوصفة تفصيلاً.

فإن عقل الإنسان لا يدرك كثيراً من الأمور، لأن الأوامر والنواهي مبتنية على المصالح والمفاسد الواقعية التي لا يعلمها إلا اللّه والراسخون في العلم، وليس يعرفها كل إنسان بعقله المحدود.

من هنا ورد في الحديث الشريف: «دين اللّه لا يصاب بالعقول»(1).

وإذا كان لابد للعقل أن يتدخل في كل الأوامر الإلهية ويرفض ما لا يستوعبه من التكاليف الشرعية، لخرج الإنسان عن السعادة في الدارين.

فإنه كما لا يمكن للشخص أن يكون طبيب نفسه ومهندس نفسه وطباخ نفسه

ص: 36


1- بحار الأنوار: ج2 ص303، تتمة كتاب العقل والعلم والجهل، الباب34 من تتمة أبواب العلم، ح40.

وخباز نفسه وخياط نفسه ويقوم بجميع المهن والحرف وما يحتاج إليه في حياته بنفسه ومن دون مراجعة أهل الاختصاص، فإنه سيخسر الحياة، هكذا بالنسبة إلى تكاليفه وما يوجب سعادته في الدارين، فإنه لا يعرف الإنسان الكثير من الأمور ولا يعلم بالمصالح والمفاسد الواقعية وما يترتب على الأفعال من التوالي الفاسدة أو الصحيحة حالاً أو مستقبلاً، فلا بد أن يأخذ التكاليف من ربه عزوجل الذي خلقه ويعلم بكل مصالحه ومفاسده.

إن البشر جاهل بالخصوصيات التكوينية والتشريعية، فإنه بالرغم من مرور آلاف السنين وربما أكثر، لا زال لا يعرف حتى خصوصيات جسده بالكامل.

فالأخصائيون من الأطباء لا يعلمون إلا بعض ما يرتبط ببعض البدن وهم يعترفون بنقصهم، وهذا أحد كبارهم يكتب كتاباً يسميه ب- (الإنسان ذلك المجهول).

فإذا لا نعلم بخصوصيات أجسامنا، فيكف يمكننا أن نستوعب الكون بأسراره.

نعم، لا يصدر من الباري عز وجل ما يخالف العقل، ولا يحكم بخلاف العقل، ولكن هذا لا يعني أن العقل يستوعب ويفهم الحكمة والعلة في جميع التشريعات الإلهية.

فلا يمكن اجتماع الضدين وارتفاع النقيضين وتساوي الكل والجزء، وأن يكون حاصل اثنين في اثنين خمسة وهكذا. ولذلك لا تناقض ولا تضاد في الأحكام الشرعية وليس فيها ما يخالف العقل.

أما إذا أراد اللّه أن يجعل صبياً نبياً أو وصياً ويعطيه العلم اللدني، فما الإشكال في ذلك، قال عزوجل: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(1).

ص: 37


1- سورة مريم: 12.

وهكذا أراد اللّه عز وجل للإمام محمد الجواد (عليه السلام) أن يكون إماماً وحجة اللّه على الخلق وهو في هذا السن القليل، فعلائم النبوة والإمامة من المعاجز والعلم والنص وما أشبه لا تنحصر في سن دون سن.

وقد أشرنا إلى ذلك في بعض الكتب المرتبطة بالإمامة.

ثم إن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) أجاب على آلاف من المسائل العلمية في مؤتمر كبير عقده المأمون العباسي، على ما سيأتي بيانه.

وكذلك ظهر للجميع أن الإمام الجواد (عليه السلام) هو أعلم أهل عصره على صغر سنه، وأنه عالم بما كان وما يكون وما هو كائن بإذن اللّه تعالى.

كما شاهدوا منه (عليه السلام) المعاجز الكثيرة، والكرامات الجلية، مما يدل على أنه (عليه السلام) حجة اللّه على الخلق يقيناً ومن دون شك ولا ريب.

رسالة إلى علي بن مهزيار

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) بخطه:

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يَا عَلِيُّ، أَحْسَنَ اللّهُ جَزَاكَ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَمَنَعَكَ مِنَ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَحَشَرَكَ اللّهُ مَعَنَا. يَا عَلِيُّ، قَدْ بَلَوْتُكَ وَخَيَّرْتُكَ فِي النَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ وَالتَّوْقِيرِ وَالْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْكَ، فَلَوْ قُلْتَ: إِنِّي لَمْ أَرَ مِثْلَكَ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ صَادِقاً. فَجَزَاكَ اللّهُ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً، فَمَا خَفِيَ عَلَيَّ مَقَامُكَ، وَلاَ خِدْمَتُكَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. فَأَسْأَلُ اللّهَ إِذَا جَمَعَ الْخَلاَئِقَ لِلْقِيَامَةِ أَنْ يُحِبُّوكَ بِرَحْمَةٍ تَغْتَبِطُ بِهَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»(1).

ص: 38


1- بحار الأنوار: ج50 ص105، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ضمن ح22.

في وفاة زكريا بن آدم

عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد، قالا: خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم إلى الحج، فتلقانا كتابه - أي كتاب الإمام الجواد (عليه السلام) - في بعض الطريق:

«ذكرت ما جرى من قضاء اللّه في الرجل المتوفى، رحمه اللّه يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حياً، فقد عاش أيام حياته عارفاً بالحق، قائلاً به، صابراً محتسباً للحق، قائماً بما يحب اللّه ورسوله، ومضى رحمة اللّه عليه غير ناكث ولا مبدل، فجزاه اللّه أجر نيته، وأعطاه جزاء سعيه، وذكرت الرجل الموصى إليه فلم يعد فيه رأينا وعندنا من المعرفة به أكثر مما وصفت يعني الحسن بن محمد بن عمران»(1).

غفر اللّه لك

في غيبة الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) ، قال: من المحمودين عبد العزيز بن المهتدي القمي، خرج فيه عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قُبِضْتَ وَالْحَمْدُ للهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ الْوُجُوهَ الَّتِي صَارَتْ إِلَيْكَ مِنْهَا، غَفَرَ اللّهُ لَكَ وَلَهُمُ الذُّنُوبَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكُمْ»(2).

وخرج فيه: «غَفَرَ اللّهُ لَكَ ذَنْبَكَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ، وَرَضِيَ عَنْكَ بِرِضَائِي»(3).

ص: 39


1- بحار الأنوار: ج50 ص104، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح21.
2- الغيبة للطوسي: ص348، الفصل السادس، ذكر المحمودين من وكلاء الأئمة (عليهم السلام) ، ومنهم عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري.
3- الغيبة للطوسي: ص348، الفصل السادس، ذكر المحمودين من وكلاء الأئمة (عليهم السلام) ، و منهم عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري.

أنت خيران؟

عن خيران الخادم القراطيسي، قال: حججت أيام أبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) ، وسألته عن بعض الخدم، وكانت له منزلة من أبي جعفر (عليه السلام) ، فسألته أن يوصلني إليه، فلما سرنا إلى المدينة. قال لي: تهيأ؛ فإني أريد أن أمضي إلى أبي جعفر (عليه السلام) .

فمضيت معه، فلما أن وافينا الباب. قال: ساكن في حانوت. فاستأذن ودخل، فلما أبطأ عليَّ رسوله خرجت إلى الباب، فسألت عنه فأخبروني أنه قد خرج ومضى. فبقيت متحيراً، فإذا أنا كذلك، إذ خرج خادم من الدار. فقال: أنت خيران؟. فقلت: نعم. قال لي: ادخل. فدخلت، فإذا أبو جعفر (عليه السلام) قائم على دكان لم يكن فرش له ما يقعد عليه. فجاء غلام بمصلى، فألقاه له فجلس. فلما نظرت إليه تهيبته ودهشت، فذهبت لأصعد الدكان من غير درجة، فأشار إلى موضع الدرجة، فصعدت وسلمت، فرد السلام ومد إليَّ يده، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على وجهي، وأقعدني بيده، فأمسكت يده مما دخلني من الدهش، فتركها في يدي، فلما سكنت خليتها.

فسألني وكان الريان بن شبيب، قال لي: إن وصلت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، وقلت له: مولاك الريان بن شبيب يقرأ عليك السلام، ويسألك الدعاء له ولولده. فذكرت له ذلك، فدعا له ولم يدع لولده، فأعدت عليه فدعا له ولم يدع لولده، فأعدت عليه ثالثاً، فدعا له ولم يدع لولده.

فودعته وقمت، فلما مضيت نحو الباب، سمعت كلامه ولم أفهم.

قال: وخرج الخادم في أثري، فقلت له: ما قال سيدي لما قمت؟.

فقال لي: من هذا الذي يرى أن يهدي نفسه، هذا ولد في بلاد الشرك. فلما

ص: 40

أخرج منها صار إلى من هو شر منهم، فلما أراد اللّه أن يهديه هداه(1).

أعمل برأيك

عن خيران الخادم، قال: وجهت إلى سيدي ثمانية دراهم - وذكر مثله سواءً - وقال: جعلت فداك، إنه ربما أتاني الرجل لك قبله الحق - أو قلت - يعرف موضع الحق لك، فيسألني عما يعمل به، فيكون مذهبي أخذ ما يتبرع في سر؟. قال: «اعمل في ذلك برأيك؛ فإن رأيك رأيي، ومن أطاعك أطاعني»(2).

أكثر من حمد اللّه

عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أصف له صنع السميع بي. فكتب بخطه: «عجل اللّه نصرتك ممن ظلمك وكفاك مئونته، وأبشر بنصر اللّه عاجلاً إن شاء اللّه، وبالأجر آجلاً، وأكثر من حمد اللّه»(3).

قد وصل الحساب

عن إبراهيم بن محمد، قال: وكتب (عليه السلام) إليَّ: «قد وصل الحساب، تقبل اللّه منك ورضي عنهم، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا، ومن الكسوة بكذا، فبارك لك فيه، وفي جميع نعم اللّه إليك. وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك، وعن التعرض لك ولخلافك، وأعلمته موضعك عندي. وكتبت إلى أيوب أمرته بذلك أيضاً، وكتبت إلى

ص: 41


1- رجال الكشي: ج2 ص867-868، في خيران الخام القراطيسي، ح1132.
2- بحار الأنوار: ج50 ص108، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح28.
3- رجال الكشي: ص869، في إبراهيم بن محمد الهمداني، ح1135.

موالي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك، والمصير إلى أمرك، وأن لا وكيل سواك»(1).

ص: 42


1- رجال الكشي: ص869، في إبراهيم بن محمد الهمداني، ح1136.

6

تواضع علي بن جعفر للإمام (عليهما السلام)

اشارة

في الكافي الشريف: عن محمد بن الحسن بن عمار، قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد (عليهم السلام) جالساً بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه يعني أبا الحسن - موسى بن جعفر (عليه السلام) - إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) المسجد، مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فوثب علي بن جعفر (عليه السلام) بلا حذاء ولا رداء، فقبَّل يده وعظَّمه.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : «يا عم، اجلس رحمك اللّه».

فقال: يا سيدي، كيف أجلس وأنت قائم.

فلما رجع علي بن جعفر (عليه السلام) إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه، ويقولون: أنت عم أبيه، وأنت تفعل به هذا الفعل.

فقال: اسكتوا، إذا كان اللّه عز وجل - وقبض على لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة، وأهَّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أنكر فضله، نعوذ باللّه مما تقولون، بل أنا له عبد(1).

هذا عم أبيه

عن الحسين بن موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال: كنت عند أبي جعفر الجواد (عليه السلام)

ص: 43


1- الكافي: ج1 ص322، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، ح12.

بالمدينة، وعنده علي بن جعفر (عليه السلام) ، فدنا الطبيب ليقطع له العرق. فقام علي بن جعفر، فقال: يا سيدي، يبدأ بي لتكون حدة الحديد فيَّ قبلك. قال: قلت: يهنئك هذا عم أبيه. فقطع له العرق، ثم أراد أبو جعفر (عليه السلام) النهوض، فقام علي بن جعفر (عليه السلام) فسوى له نعليه حتى يلبسهما(1).

أولياء اللّه والمحبة الإلهية

نعم هكذا يكون أولياء اللّه من الأنبياء والأئمة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) فإن لهم المحبة في قلوب المؤمنين، لأنهم عباد اللّه المخلصين، وقد خالفوا هواهم وأطاعوا مولاهم، فمنحهم اللّه المودة في القلوب، وأعطاهم هيبة وعظمة عند الناس حتى عند غير المؤمنين.

الشيخ جعفر الشوشتري (رحمه اللّه)

أحد كبار العلماء واسمه الشيخ جعفر التستري أو الشوشتري (رحمه اللّه) ، يذكر أن الشيخ دخل طهران على دابته فاستقبله الناس استقبالاً حاراً، وطلبوا منه أن يعظهم بكلمة.

فقال الشيخ: لما وصلت إلى طهران، كان لساني حال دابتي: يا شيخ, لقد أكملت مسؤوليتي وأوصلت حملي بإيصالك، فهل ستكمل مسؤوليتك وتوصل حملك؟.

لما سمع الناس بهذا بكوا جميعاً وعلت أصواتهم، وكان أحد السفراء حاضراً آنذاك، فكتب إلى دولته: ما دام هؤلاء العلماء بين الناس لا يمكننا السيطرة

ص: 44


1- بحار الأنوار: ج50 ص104، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح19.

عليهم، فإنهم يتكلمون بكلمة واحدة تضج الناس، وهؤلاء العلماء لا يسمحون لنا بتنفيذ مخططاتنا في إيران.

وينقل أيضا أن الشيخ التستري عندما وصل مدينة أصفهان، استقبله الناس خارج المدينة استقبالاً مهيباً، وطلبوا منه أن ينصحهم، فقرأ سماحته هذه الآية كمقدمة لكلمته: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ}(1).

فلما قرأ هذه الآية وبكل إخلاص بكى الناس بكاءً شديداً حتى أغمي على بعضهم، فلم يتمكن أن يكمل الآية رعاية للناس ومخافة عليهم.

نعم هذه المنزلة لا تكون إلا بمخالفة الهوى.

يقول الشاعر سعدي ما مضمونه(2):

إذا علمت بلذة ترك الشهوات***فلا ترى لذة النفس لذة أبدا

ستَغلق ألف باب من الناس***إذا فُتحت لك باب من السما

فلا تضيع عمرك ما استطعت***فإنها الوصية والنصح يا أخا

مع الشيخ علي القمي (رحمه اللّه)

كان العلامة الشيخ علي القمي (رحمه اللّه) في زماننا يصلي جماعة في المسجد الهندي بالنجف الأشرف، وكان يقتدي به كبار المراجع والعلماء والزهاد والعباد.

سافر الشيخ يوماً إلى إيران، وكان يقيم الجماعة في أحد أكبر مساجد طهران،

ص: 45


1- سورة الأعراف: 50.
2- ونص الأبيات بالفارسية كالتالي: اكَر لذت ترك لذّت بداني***دكَر لذّت نفس لذّت نخواني هزاران در از خلق برخود ببندي***اكَر باز شد يك در آسماني وصيت همين است جان برادر***كه ضايع مكن عمر را تا تواني

وكان الحضور في جماعته حضوراً كبيراً جداً.

ولما كان في طهران خرج لزيارة السيد الشهيد داود الحسني المعروف بإمام زاده داود (عليه السلام) الذي قتله بنو العباس على جبال طهران، وبما أن الطريق إلى مرقده الشريف طريق وعر، فلما ركب دابة فوقع وأصيب في جسده، مما اضطر أن يرقد في المشفى لعدة أيام حتى يعالج نفسه.

فأشاع بعض من ثقل سفر الشيخ عليه: إن الشيخ أصيب في مخه وعقله وقد جن.

فلما خرج الشيخ من المشفى وانتشر خبر صحة الشيخ القمي بين الناس استقبلته الجماهير استقبالاً كبيراً وتهيئوا للصلاة خلفه.

نقل لي الشخص الذي كان يرافق الشيخ ويقول: عند ما رآى الشيخ هذا العدد الهائل من الناس قال مع نفسه: أين الذين قالوا بأن الشيخ قد جن، ليخرجوا وينظروا إلى هذا الجمع الغفير.

يقول: بمجرد أن خرجت هذه الكلمات من فمه المبارك وإذا به استغفر اللّه ورجع نحو المنزل ولم يستمر في طريقه إلى المسجد، وكلما أصروا عليه بأن الناس ينتظرونه للصلاة خلفه، قال: يبدو أن في باطني حب الجاه والرئاسة ولا أليق بإمامة الناس في الصلاة.

فرجع إلى منزله وتحرك نحو مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) للزيارة.

لا للعُجب

وينقل أحد كبار علماء طهران في قصة أخرى أن الشيخ علي القمي لما وصل في سفرته إلى طهران، واجتمع حوله الناس كان يخطب فيهم في بعض الأيام، وفي يوم عند ما رأى ذلك العدد الكبير من الحضور، يقول: أخذني العُجب

ص: 46

والغرور، وقلت في نفسي: وهل يحضر مثل هذا العدد لأحد؟.

يقول الشيخ: لما نزلت من المنبر وأخذت في طريقي نحو المنزل، رأيت في بستان أن الناس اجتمعوا ينظرون إلى شيء وكان عددهم ضعف العدد الذي حضرني، فتعجب من كثرة الناس فتقدمت لأرى السبب في هذا الاجتماع الهائل، فرأيت أن ريفياً جاء بجَدْيٍ وهو يرقصه وقد اجتمع الناس لرقص هذا الجدي!

فخجلت من نفسي، وقلت: إذا كان الناس يجتمعون لرقص جَدْي، فاجتماعهم عندي أيضاً لا يسوى شيئاً.

ص: 47

7

علم الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان الإمام محمد الجواد (عليه السلام) يعلم بما كان، وبما يكون، وما هو كائن، بإذن اللّه تعالى.

ويدل على ذلك ما دل على علم المعصوم (صلوات اللّه عليه)، مضافاً إلى ما ورد عن الإمام محمد بن علي (عليه السلام) .

قال محمد بن حمزة، قال لي محمد بن علي الهاشمي: واللّهِ، إني أظن أن أبا جعفر - يعني الإمام الجواد (صلوات اللّه عليه) - يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة(1).

كيف يعلم الإمام

وروي عن عمر بن فرج الرخجي، قال: قلت لأبي جعفر الجواد (عليه السلام) : إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه؟ وكنا على شاطئ دجلة.

فقال (عليه السلام) لي: يقدر اللّه تعالى أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟.

قلت: نعم يقدر.

ص: 48


1- الإرشاد: ج2 ص292، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل شذرات في فضائل الإمام الجواد (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.

فقال: أنا أكرم على اللّه تعالى من بعوضة، ومن أكثر خلقه(1).

سلني عن أخبار السماوات

اجتاز المأمون بابن الرضا (عليه السلام) وهو بين صبيان، فهربوا سواه. فقال: عليَّ به. فقال له: ما لك ما هربت في جملة الصبيان؟.

قال: ما لي ذنب فأفر منه، ولا الطريق ضيق فأوسعه عليك، تمر من حيث شئت.

فقال: من تكون أنت!.

قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

فقال: ما تعرف من العلوم؟.

قال: سلني عن أخبار السماوات.

فودعه ومضى وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد، فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه وشماله لم ير صيداً والباز يثب عن يده، فأرسله فطار يطلب الأفق حتى غاب عن ناظره ساعةً ثم عاد إليه وقد صاد حيةً فوضع الحية في بيت الطعم، وقال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي.

ثم عاد وابن الرضا (عليه السلام) في جملة الصبيان، فقال: ما عندك من أخبار السماوات؟.

فقال: نعم يا أمير، حدثني أبي، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، عن جبرئيل، عن رب العالمين، أنه قال: بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج فيه

ص: 49


1- بحار الأنوار: ج50 ص100-101، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ضمن ح12.

حيات خضر البطون رقط الظهور يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن به العلماء.

فقال: صدقت وصدق أبوك وصدق جدك وصدق ربك، فأركبه ثم زوجه أم الفضل(1).

علوم الإمامة

قال البرسي في مشارق الأنوار: روي أنه جيء بأبي جعفر (عليه السلام) إلى مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد موت أبيه وهو طفل وجاء إلى المنبر ورقي منه درجةً ثم نطق فقال: «أنا محمد بن علي الرضا، أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ووثوب أهل الشك لقلت قولاً تعجب منه الأولون والآخرون - ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال: - يا محمد، اصمت كما صمت آباؤك من قبل»(2).

العرق الزاهر

عن الحسين بن أحمد التيمي، روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، أنه استدعى فاصداً في أيام المأمون. فقال له: «افصدني في العرق الزاهر». فقال له: ما أعرف هذا العرق يا سيدي، ولا سمعت به. فأراه إياه، فلما فصده خرج منه ماء

ص: 50


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج4 ص388-389، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في معجزاته (عليه السلام) .
2- مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (عليه السلام) : ص152، فصل علم آل محمد للغيب، الفصل الحادي عشر في أسرار أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) النور المستضيء.

أصفر، فجرى حتى امتلأ الطشت، ثم قال له: «أمسكه». وأمر بتفريغ الطست، ثم قال: «خل عنه». فخرج دون ذلك، فقال: «شده الآن». فلما شد يده، أمر له بمائة دينار فأخذها، وجاء إلى يوحنا بن بختيشوع، فحكى له ذلك.

فقال: واللّه، ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطب، ولكن ها هنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون، فامض بنا إليه فإن كان عنده علمه، وإلا لم نقدر على من يعلمه، فمضيا ودخلا عليه وقصا القصص، فأطرق ملياً ثم قال: يوشك أن يكون هذا الرجل نبياً، أو من ذرية نبي(1).

الوداع الأخير

عن أمية بن علي، قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) بمكة في السنة التي حج فيها، ثم صار إلى خراسان، ومعه أبو جعفر (عليه السلام) ، وأبو الحسن (عليه السلام) يودع البيت، فلما قضى طوافه عدل إلى المقام فصلى عنده، فصار أبو جعفر (عليه السلام) على عنق موفق يطوف به، فصار أبو جعفر إلى الحجر فجلس فيه فأطال، فقال له موفق: قم جعلت فداك؟.

فقال: «ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاء اللّه»، واستبان في وجهه الغم.

فأتى موفق أبا الحسن (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك، قد جلس أبو جعفر (عليه السلام) في الحجر وهو يأبى أن يقوم.

فقام أبو الحسن (عليه السلام) فأتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال له: «قم يا حبيبي».

ص: 51


1- بحار الأنوار: ج50 ص57، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح9.

فقال: «ما أريد أن أبرح من مكاني هذا».

فقال: «بلى يا حبيبي».

ثم قال: «كيف أقوم وقد ودعت البيت وداعاً لا ترجع إليه».

فقال: «قم يا حبيبي»، فقام معه(1).

بعد أبيه الرضا

علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: لما مات أبو الحسن الرضا (عليه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فدخل عمه عبد اللّه بن موسى، وكان شيخاً كبيراً نبيلاً عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة فجلس وخرج أبو جعفر (عليه السلام) من الحجرة وعليه قميص قصب ورداء قصب ونعل حذو بيضاء، فقام عبد اللّه واستقبله وقبل بين عينيه، وقامت الشيعة وقعد أبو جعفر (عليه السلام) على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض تحيراً لصغر سنه.

فابتدر رجل من القوم، فقال لعمه: أصلحك اللّه ما تقول في رجل أتى بهيمةً؟.

فقال: تقطع يمينه ويضرب الحد.

فغضب أبو جعفر (عليه السلام) ، ثم نظر إليه فقال: «يا عم اتق اللّه، اتق اللّه، إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي اللّه عز وجل فيقول لك: لِمَ أفتيت الناس بما لا تعلم».

ص: 52


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص362-363، ذكر الإمام التاسع، باب ذكر وفاة أبي جعفر (عليه السلام) وموضع قبره وذكر ولده.

فقال له عمه: يا سيدي، أ ليس قال هذا أبوك (صلوات اللّه عليه).

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها. فقال أبي: تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا؛ فإن حرمة الميتة كحرمة الحية».

فقال: صدقت يا سيدي، وأنا أستغفر اللّه.

فتعجب الناس فقالوا: يا سيدنا، أ تأذن لنا أن نسألك.

فقال: «نعم».

فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة، فأجابهم فيها وله تسع سنين(1).

الخلف بعد الرضا

في خبر أنه لما مضى الرضا (عليه السلام) ، جاء محمد بن جمهور العمي والحسن بن راشد وعلي بن مدرك وعلي بن مهزيار وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة، وسألوا عن الخلف بعد الرضا (عليه السلام) . فقالوا: بصريا، وهي قرية أسسها موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة، فجئنا ودخلنا القصر فإذا الناس فيه متكابسون، فجلسنا معهم إذ خرج علينا عبد اللّه بن موسى شيخ.

فقال الناس: هذا صاحبنا.

فقال الفقهاء: قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليه السلام) فليس هذا صاحبنا.

فجاء حتى جلس في صدر المجلس، فقال رجل: ما تقول أعزك اللّه في رجل أتى حماراً؟.

ص: 53


1- الاختصاص: ص102، طائفة من أحاديث الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم وغيرهم، حديث محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وعمه عبد اللّه بن موسى.

فقال: تقطع يده، ويضرب الحد، وينفى من الأرض سنةً!.

ثم قام إليه آخر فقال: ما تقول - آجلك اللّه - في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟.

قال: بانت منه بصدر الجوزاء، والنسر الطائر، والنسر الواقع(1)، فتحيرنا في جرأته على الخطأ، إذ خرج علينا أبو جعفر (عليه السلام) وهو ابن ثمان سنين، فقمنا إليه فسلم على الناس وقام عبد اللّه بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه، وجلس أبو جعفر (عليه السلام) في صدر المجلس ثم قال: «سلوا رحمكم اللّه».

فقام إليه الرجل الأول وقال: ما تقول أصلحك اللّه في رجل أتى حمارة؟.

قال: «يضرب دون الحد، ويغرم ثمنها، ويحرم ظهرها ونتاجها، وتخرج إلى البرية حتى تأتي عليها منيتها، سبع أكلها، ذئب أكلها - ثم قال بعد كلام - يا هذا ذاك الرجل ينبش عن ميتة يسرق كفنها، ويفجر بها، ويوجب عليه القطع بالسرق والحد بالزنا والنفي إذا كان عزباً، فلو كان محصناً لوجب عليه القتل والرجم».

فقال الرجل الثاني: يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟.

قال: «تقرأ القرآن؟». قال: نعم.

قال: «اقرأ سورة الطلاق إلى قوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ للهِ}(2). يا هذا، لا طلاق إلا بخمس: شهادة شاهدين عدلين في طهر من غير جماع بإرادة عزم - ثم قال بعد كلام - يا هذا، هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء؟».

ص: 54


1- معنى كلامه أن الطلاق يقع ثلاثاً لا أزيد.
2- سورة الطلاق: 2.

قال: لا، الخبر(1).

المؤتمر العلمي الكبير

ورد في الروايات أن الإمام الجواد (عليه الصلاة والسلام) في مجلس واحد استمر عدة أيام، أجاب على ثلاثين ألف مسألة من غوامض المسائل العلمية الدقيقة(2).

والمراد بالمجلس الواحد هو ما يصطلح عليه اليوم بالمؤتمر، حيث كان يجتمع آنذاك البعض من العلماء عدة أيام ويبحثون في موضوع معين.

أسئلة يحيى بن أكثم

عن الاحتجاج، قال المأمون لأبي جعفر (عليه الصلاة والسلام): إن رأيت جعلت فداك أن تذكر لنا الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه ونستفيده؟.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إن المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان الطير من كبارها فعليه شاة، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في الحل فعليه حمل فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحوش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، وإن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب

ص: 55


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج4 ص382-383، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في المقدمات.
2- الكافي: ج1 ص496، أبواب التاريخ، باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) ، ح7.

عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفاءة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة(1).

وجاء في رواية تحف العقول: إنه (عليه الصلاة والسلام) قال: إن المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير من كباره فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإن قتل فرخاً في الحل فعليه حمل قد فطم، وليس عليه القيمة لأنه ليس في الحرم، وإن قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمته لأنه في الحرم، وإن كان من الوحش فعليه في حمار وحش بدنة، وكذلك في النعامة بدنة، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوماً، فإن كان بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام، وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، حقاً واجباً أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان في عمرة ينحره بمكة في فناء الكعبة، ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفاً، وكذلك إذا أصاب أرنباً أو ثعلباً فعليه شاة ويتصدق بمثل ثمن شاة، وإن قتل حماماً من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به ودرهم يشترى به علفاً لحمام الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم، وكل ما أتى به المحرم

ص: 56


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص443-445، احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) في أنواع شتى من العلوم الدينية.

بجهالة أو خطأ فلا شيء عليه إلا الصيد، فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطأ كان أم بعمد، وكل ما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه، وكلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شيء عليه، فإن عاد فهو ممن ينتقم اللّه منه، وإن دل على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه الفداء، والمصر عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة، والنادم لا شيء عليه بعد الفداء في الآخرة، وإن أصابه ليلاً في وكرها خطأً فلا شيء عليه، إلا أن يتصيد فإن تصيد بليل أو نهار فعليه فيه الفداء، والمحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس، والمحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة، قال فأمر أن يكتب ذلك عن أبي جعفر (عليه الصلاة والسلام)(1).

وفي رواية الاحتجاج

فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر (عليه السلام) : إن رأيت جُعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : نعم إن المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامةً فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، وإن كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما

ص: 57


1- تحف العقول: ص451-453، جوابه (عليه السلام) في محرم قتل صيداً.

يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة.

فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن اللّه إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) ليحيى: أسألك.

قال: ذلك إليك جعلت فداك، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة، وبما ذا حلت له وحرمت عليه؟.

فقال له يحيى بن أكثم: لا واللّه لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولا أعرف الوجه فيه، فإن رأيت أن تفيدناه.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء

ص: 58

الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدةً فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.

قال فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال.

قالوا: لا واللّه إن الأمير أعلم وما رأى.

فقال: ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين وقبل منه الإسلام وحكم له به ولم يدع أحداً في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين (عليه السلام) وهما ابنا دون الست سنين ولم يبايع صبياً غيرهما، أولا تعلمون ما اختص اللّه به هؤلاء القوم وأنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم.

فقالوا: صدقت يا أمير، ثم نهض القوم(1).

سؤالان

وهنا يأتي سؤالان:

السؤال الأول: لماذا قام الإمام الجواد (عليه السلام) بطرح هذا السؤال على يحيى بن أكثم كبير علماء عصره؟.

الجواب: لأن قاعدة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) هو الطرح العلمي والمنطقي والعقلي، ومن بعده تأتي المعاجز. ففي احتجاجاتهم ومحاوراتهم كانوا يتغلبون على خصمهم

ص: 59


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص445-446، احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) في أنواع شتى من العلوم الدينية.

بالقوة العلمية اللدنية فينزل الطرف من كبره ويخضع للحق وإن لم يقبل به.

وبذلك يتضح للناس أنه لا يقاس بهم أحد، وأنه لا نسبة بين حجج اللّه من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وسائر الناس وإن كانوا كبار العلماء والفضلاء.

وفي القرآن الكريم إشارة إلى قصة النبي إبراهيم (عليه السلام) ومحاورته مع نمرود حيث قال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}، فأجابه (عليه السلام) : {فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}(1).

وهكذا تجد في كثير من احتجاجات الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام).

السؤال الثاني: إن الدين الذي نزل قانوناً لكافة الناس على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم كيف يمكن أن يكون بهذا التعقيد ويشتمل على هذه الفروع الكثيرة والتشقيقات الصعبة، كما في قصة صيد المحرم وتشعباته؟.

الجواب: لابد للدين أن يكون شاملاً ودقيقاً، فإن الأحكام الشرعية مطابقة للمصالح والمفاسد الواقعية، وهذا في كتاب التشريع تماماً مثل كتاب التكوين فكما أن الكون دقيق جداً، لابد أن يكون التشريع دقيقاً جداً، حتى يطابق كتاب التشريع مع كتاب التكوين.

نعم، الدين سهل وخفيف على الجاهل القاصر، وكل يكلف بقدر قدراته، كما يقول تعالى في باب التكوين: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}(2).

تأخر المسلمين وأسبابه

وقد زعم البعض أن هذه التشريعات سببت تأخر المسلمين من التطور ومواكبة

ص: 60


1- سورة البقرة: 258.
2- سورة الرعد: 17.

الحضارة، وقالوا: بأن الإنسان ليس له الوقت الكثير حتى يعمل بالوظائف الشرعية ويهتم بالأمور الدنيوية معاً، وقالوا: من هنا تقدم الغرب لأنه ترك الدين فأصبح دنياه متطوراً، ولكن المسلمين لالتزامهم بالدين تأخروا.

والجواب على ذلك واضح:

أولاً: إن في الغرب أيضاً تشريعات كثيرة، يقال: إنه يوجد في أمريكا مليون قانون، فالتشريع لا يمنع من التقدم.

وثانياً: لابد من التشريع، فالمجتمع الإنساني بلا تشريع يصبح غابة بل أسوأ منها، فهل يمكن لإنسان الغاب أن يتقدم؟.

وثالثاً: إن دين الغرب كان سبب تأخر الغربيين دون الدين الإسلامي، فإنه لم يبق للغربيين إلا دين الكنيسة المحرف الذي كان يمنع الناس عن حرياتهم ويقيدهم ويغلهم فلما تركوا ذلك الدين المحرف تقدموا، وهذا يختلف تماماً عن الدين الإسلامي الذي يضمن السعادة في الدارين، ويضع عن الناس أصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ويوفر لهم أكبر الحريات التي بها يكون التطور والتقدم في جميع مجالات الحياة. يقول تعالى في القرآن الحكيم في وصف النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(1).

وقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب (الصياغة)(2) بما لا حاجة إلى تكراره.

ص: 61


1- سورة الأعراف: 157.
2- كتاب (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) من تأليفات سماحة الإمام الشيرازي (أعلى اللّه مقامه) في قم المقدسة. يقع الكتاب في 736 صفحة قياس 24 (عليه السلام) 17. تناول سماحته فيه المواضيع التالية: الفصل الأول: هل العالم سليم الصياغة، الفارق بين الإنسان وسائر الكائنات، الطفل بين عقلانية الأب وعاطفية الأم، فوارق بين الرجل والمرأة، أعمال لا تنسجم مع طبيعة المرأة. الفصل الثاني: الإيمان، القرآن أساس الحضارات الإسلامية، الأحاديث توجه الناس نحو الإيمان، الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يدعو إلى الاقتصاص منه، بين يوسف وفرعون. الفصل الثالث: الحرية في الإسلام، حدود الحرية، الحرية للأديان الأخرى، كلمة التوحيد رمز الحرية، نموذج للحريات الإسلامية. الفصل الرابع: السلام، حروب الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت دفاعية، الحروب الحديثة لا تقل سوء، الإسلام يعتبر الحرب حالة استثنائية، القتل في منظار الإسلام. الفصل الخامس: من عوامل تقدم المسلمين عند ظهور الإسلام، التطبيق العملي للقرآن عند المسلمين الأولين، المسلمون قبل الإسلام وبعده، الإمام علي (عليه السلام) يصف المتقين، علائم الكافر في القرآن الكريم. الفصل السادس: الأسس الخمسة، الدولة الإسلامية، الأمة الإسلامية، الأخوة الإسلامية، الشريعة الإسلامية، الحريات الإسلامية. الفصل السابع: من وحي السيرة النبوية، النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يعمل أجيراً وزارعاً وراعياً، كرمه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتيسيره الأمور للناس، العدالة الاجتماعية، العفو العام. الفصل الثامن: أسباب تخلف المسلمين في القرون الأخيرة، انحراف الحكومات التي تدعي الإسلام، الحياة المترفة للقادة، العزلة عن الجماهير، محاربة العلماء. الفصل التاسع: الإعداد للصياغة الجديدة، ضرورة الإعداد، الصراع بين جبهة الحق وجبهة الباطل، كيف ننتصر في المعركة، أولاً: الإعداد النفسي، ثانياً: الإعداد البدني، ثالثاً: الإعداد التنظيمي. طبع في إيران ولبنان، ثم قامت مؤسسة الفكر الإسلامي في بيروت - لبنان بطبعه للمرة الثالثة عام 1413ه/1992م. ترجم الكتاب إلى الفارسية تحت عنوان (جهان وساختاري نو) ترجمه نور الدين الشاهرودي في 906 صفحة قياس 24 (عليه السلام) 17 وطبع في (دار العلم) قم المقدسة عام 1437.

وربما يكون الفرق بين الإصر والأغلال:

أن الأغلال هي من القوانين الوضعية التي وضعتها الدول، والإصر الثقل الذي ينشأ من الأعراف الاجتماعية بحيث يمنع الإنسان من تصرفاته.

ورابعاً: إذا كان الإسلام وتشريعاته سببا للتأخر، فلماذا تقدم المسلمون الأوائل في مختلف المجالات العلمية وغيرها بما لم يكن له مثيل آنذاك بحيث أخذ يتعجب العالم من تطورهم.

وخامساً: إن سبب تأخر المسلمين هو عدم عملهم بالإسلام وبقوانينه

ص: 62

الحيوية، مثل قانون الاستشارة والشورى، وقانون الحريات الكثيرة، وقانون الانتخابات واختيار من يحكم في عصر غيبة المعصوم (عليه السلام) .

والحريات الموجودة في الإسلام لا مثيل لها حتى في الغرب، فإن الحريات الغربية لا تكون حتى نصف الحريات الإسلامية بل أقل منه.

وإذا مُنح المسلمون حرياتهم الإسلامية، ففي وقت قصير يتقدم المسلمون تقدماً هائلاً بإذن اللّه تعالى.

حد السارق

روي: إن سارقاً أقر على نفسه بالسرقة، وسأل الحاكم العباسي - وهو المعتصم - تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمد بن علي، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟. قال: فقلت: من الكرسوع(1).

قال: وما الحجة في ذلك؟. قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع؛ لقول اللّه في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْديكُمْ}(2)، واتفق معي ذلك قوم. وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق. قال: وما الدليل على ذلك؟. قالوا: لأن اللّه لما قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}(3) في الغسل، دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق.

قال: فالتفت إلى محمد بن علي (عليه السلام) . فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟.

فقال: «قد تكلم القوم فيه يا أمير».

ص: 63


1- الكرسوع: كعصفور: طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتئ عند الرسغ.
2- سورة النساء: 43، سورة المائدة: 6.
3- سورة المائدة: 6.

قال: دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟.

قال: «أعفني عن هذا يا أمير».

قال: أقسمت عليك باللّه لما أخبرت بما عندك فيه؟.

فقال: «أما إذا أقسمت عليَّ باللّه، إني أقول: إنهم أخطؤوا فيه السنة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف».

قال: وما الحجة في ذلك؟.

قال: «قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : السجود على سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق، لم يبق له يد يسجد عليها، وقال اللّه تبارك وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ} يعني به هذا الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا}(1) وما كان لله لم يقطع».

قال: فأعجب المعتصم ذلك، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف(2).

الاستدلال بآية المساجد

ورد في بعض الكتب أن الإمام الجواد (عليه الصلاة والسلام) استدل على ما ذكره من مكان القطع من يد السارق بقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا}(3)، حيث قال (عليه السلام) بأن باطن الكف مسجد بالفتح فلا يقطع، فإن الإمام (عليه السلام) يعلم بالحكم الواقعي وقد بينه بقوله هذا، واستدلاله بالآية كان

ص: 64


1- سورة الجن: 18.
2- تفسير العياشي: ج1 ص320، سورة المائدة: آية 38، ح109.
3- سورة الجن: 18.

استدلالاً ببطون الآيات، أو من باب إقناع الخصم حيث ورد: «إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم»(1).

أسئلة في قصة حد السارق

وهنا بعض الأسئلة نشير إليها وإلى أجوبتها:

س1: إذا لم تقطع الكف في حد السرقة؛ لأنها مسجد والمساجد لله، فلماذا تقطع في القصاص؟.

والجواب: إن القطع في السرقة حق إلهي؛ لأن المسروق منه حقه المال فقط لا القطع، أما في القصاص فالقطع حق الإنسان المجني عليه، وبشكل عام يقدم حق الناس على حق اللّه، على ما يستفاد من عدد من الروايات، إلا إذا علم بأن حق اللّه في مورد أهم من حق الناس بحيث يمنع من النقيض.

س2: لماذا تقطع في السرقة الرجل اليسرى إلى نصف القدم(2)، والحال أن أصابع الرجل من المساجد أيضاً؟.

والجواب: قال بعض الفقهاء: ظهر القدم كله مسجد لا خصوص الأصابع، فبالقطع يبقى ما يسجد عليه، نحن لم نستبعد هذا الاحتمال في (الفقه).

س3: أ لم تكن أصابع اليد من المساجد، فلماذا تقطع في حد السرقة؟.

ص: 65


1- تحف العقول: ص37، وروي عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قصار هذه المعاني.
2- في المقنعة للشيخ المفيد: ص802، كتاب الحدود، الباب8: (قطعت رجله اليسرى من أصل الساق، وترك له مؤخر القدم؛ ليعتمد عليه عند قيامه في الصلاة). وفي السرائر لابن إدريس الحلي: ج3 ص488-489، باب الحد في السرقة، حد السارق بعد قطع يده: (قطعت رجله اليسرى من مفصل المشط، ما بين قبة القدم وأصل الساق، ويترك بعض القدم الذي هو العقب؛ يعتمد عليها في الصلاة، وهذا إجماع أهل البيت (عليهم السلام) منعقد عليه).

والجواب: قال بعض الفقهاء: إن الكف هو المسجد لا الأصابع.

س4: لماذا لا يقطع الإبهام مع أنه كسائر الأصابع وليس من الكف الذي هو المسجد؟.

والجواب: ربما كان الاستثناء لجهة الأهم والمهم حتى يتمكن الشخص من تمشية بعض أموره وحوائجه بكفه وإبهامه. كما أنه ورد عدم قطع عقب السارق(1) في المرتبة الثانية حتى يتمكن من المشي والاعتماد عليه في الصلاة.

قلة السرقة في بلاد الإسلام

ومن هذه الرواية واختلاف علماء الوقت يعلم قلة السرقة في بلاد الإسلام قلة بحيث إن فقهاء السلطة لا يكن يعلمون كيفية تطبيق حد السرقة.

وقد ذكرنا في بعض كتبنا فلسفة قلة الجرائم في البلاد الإسلامية وذلك لوجود نسبة من الحريات الإسلامية بين الناس وقوة الإيمان النسبي فيهم.

ص: 66


1- انظر الهامش السابق.

8

قصة القائف

اشارة

نقل البعض في تاريخ الإمام الجواد (عليه السلام) قصة القافة.

والقافة: جمع قائف، وهو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود، ولا اعتبار به شرعاً.

والظاهر أن القصة كذب لا أساس لها، أو وقع تحريف في القصة، ونسبة ما كان للغير من الأجانب إلى أعمام الإمام وعماته (عليهم السلام) .

ومما يدل على عدم صحة القصة أمور، منها:

أولاً: ورود النهي الشرعي عن الأخذ بقول القائف والرجوع إليهم، كما نهى عن ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، حيث لم يحكم بقول القافة، كما في مجمع البحرين، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا آخذ بقول قائف»(1)، وقد افترى بعض العامة على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من أنه قضى بقول القافة.

وفي الحديث: حرمة أجر القائف.

وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، أنه قال: «مِنَ السُّحْتِ ثَمَنُ الْمَيْتَةِ - إلى أن قال - وَأَجْرُ الْكَاهِنِ - إلى أن قال - وَأَجْرُ الْقَائِفِ»، الخبر(2).

ص: 67


1- مجمع البحرين: ج5 ص110، كتاب الفاء، باب ما أوله القاف، قوف.
2- مستدرك الوسائل: ج13 ص69، كتاب التجارة، الباب5 من أبواب ما يكتسب به، ح14773.

وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: لاَ آخُذُ بِقَوْلِ عَرَّافٍ، وَلاَ قَائِفٍ، وَلاَ لِصٍّ، وَلاَ أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ»(1).

وثانياً: إن السيد علي بن جعفر (عليهما السلام) كان من أجلاء علماء أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد سبق بعض منزلته، فلا يمكن أن يصدر منه ما نقل في رواية القائف.

وثالثاً: خبر القائف نقل باختلاف شديد مما يدل على عدم صحة نسبته إلى أعمام وعمات الإمام (عليه السلام) .

ورابعاً: يستفاد من رواية ابن شهر آشوب أن هذه القصة كانت في مكة، ومن الرواية الآتية أنها كانت في المدينة، ومثل ذلك في مثل هذه الرواية دليل على عدم صحتها.

من خطط الأعداء

وقد ذكرنا في بعض كتبنا المرتبطة بسيرة المعصومين (عليهم السلام) أن الأعداء كان يكذبون على الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ليقللوا من شأنهم ومكانتهم عند الناس.

أصل خبر القافة

أما أصل الخبر فهكذا:

عن زكريا بن يحيى بن نعمان المصري، قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، ثم قال: واللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا.

فقال الحسن: أي واللّه جعلت فداك، لقد بغى عليه أخوته.

ص: 68


1- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص50، أبواب القضايا والأحكام، باب من يجب رد شهادته ومن يجب قبول شهادته، ح3306.

فقال علي بن جعفر: أي واللّه ونحن عمومته بغينا عليه.

فقال له الحسن: جعلت فداك، كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟.

قال: فقال له أخوته ونحن أيضاً: ما كان فينا إمام قط حائل اللون.

فقال لهم الرضا (عليه الصلاة والسلام): «هو ابني».

فقالوا: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قضى بالقافة فبيننا وبينك القافة.

فقال: «ابعثوا أنتم إليهم، وأما أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتموهم إليه وليكونوا في بيوتكم». فلما جاؤوا وقعدنا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا (عليه الصلاة والسلام) وألبسوه جبة من صوف وقلنسوة، ووضعوا على عنقه مسحاة، وقالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر (عليه السلام) وقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه.

فقالوا: ما له هنا أب، ولكن هذا عم أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يكن له هنا أب فهو صاحب البستان فإن قدميه وقدميه واحدة.

فلما رجع أبو الحسن (عليه السلام) قالوا: هذا أبوه.

فقال علي بن جعفر: فقمت ومصصت ريق أبي جعفر (عليه السلام) وقلت: أشهد أنك إمامي(1).

وفي رواية ابن شهر آشوب:

إن الإمام الجواد (عليه الصلاة والسلام) لما كان في مكة المكرمة. جاء بعض أهل الريبة وشككوا في نسب الإمام (عليه السلام) ودعوا القافة، فلما جاء القافة ونظروا إلى وجه الإمام (عليه السلام) خضعوا له ووقعوا ساجدين، وقالوا: واللّه إن له حسباً طاهراً

ص: 69


1- مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: ص321-322، الإمامة وفضل الأئمة (عليهم السلام) ، ح805.

ونسباً نقياً...

ثم ورد في نهاية الخبر أنه لما وصل الخبر إلى الإمام الرضا (عليه السلام) وهو في خراسان حمد اللّه تعالى، ثم ذكر قذف مارية القبطية وقال: «الحمد لله الذي جعل في ابني محمد التأسي برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في ولده إبراهيم»(1).

قصة أخرى

قيل: إن الإمام الجواد (عليه السلام) كان شديد الأدمة، فشك فيه المرتابون وهو بمكة، فعرضوه على القافة. فلما نظروا إليه، خروا لوجوههم سجداً، ثم قاموا فقالوا: يا ويحكم! أ مثل هذا الكوكب الدري والنور الزاهر تعرضون على مثلنا. وهذا واللّه الحسب الزكي، والنسب المهذب الطاهر، ولدته النجوم الزواهر، والأرحام الطواهر. واللّه، ما هو إلا من ذرية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) .

وهو في ذلك الوقت ابن خمس وعشرين شهراً، فنطق بلسان أرهف من السيف يقول:

«الحمد لله الذي خلقنا من نوره، واصطفانا من بريته، وجعلنا أمناء على خلقه ووحيه. أيها الناس، أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى (عليهم السلام أجمعين).

أفي مثلي يشك! وعلى اللّه تبارك وتعالى وعلى جدي يفترى، وأعرض على

ص: 70


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج4 ص387، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في معجزاته (عليه السلام) .

القافة. إني واللّه لأعلم ما في سرائرهم وخواطرهم، وإني واللّه لأعلم الناس أجمعين بما هم إليه صائرون. أقول حقاً، وأظهر صدقاً علماً، قد نبأه اللّه تبارك وتعالى قبل الخلق أجمعين، وبعد بناء السماوات والأرضين.

وأيم اللّه، لولا تظاهر الباطل علينا، وغواية ذرية الكفر، وتوثب أهل الشرك والشك والشقاق علينا، لقلت قولاً يعجب منه الأولون والآخرون - ثم وضع يده على فيه - ثم قال:

يا محمد، اصمت كما صمت آباؤك، واصبر {كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}(1).

ثم أتى إلى رجل بجانبه، فقبض على يده، فما زال يمشي يتخطى رقاب الناس، وهم يفرجون له - قال - فرأيت مشيخة أجلائهم ينظرون إليه، ويقولون: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}(2).

فسألت عنهم؟

فقيل: هؤلاء قوم من بني هاشم من أولاد عبد المطلب.

فبلغ الرضا (عليه السلام) - وهو في خراسان - ما صنع ابنه فقال: «الحمد لله»(3).

ص: 71


1- سورة الأحقاف: 35.
2- سورة الأنعام: 124.
3- بحار الأنوار: ج50 ص8-9، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب1 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح9.

9

من أخلاق الإمام (عليه السلام)

الجود والكرم

لُقّب الإمام محمد بن علي (عليه السلام) بالجواد؛ لأنه (عليه السلام) كان كثير الجود والكرم.

وقد سبق عن البزنطي، قال: كتب أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إلى أبي جعفر (عليه السلام) : «إذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة، ثم لا يسألك أحد إلاّ أعطيته، ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير إليك، ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين ديناراً والكثير إليك، إني أريد أن يرفعك اللّه، فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً»(1).

فداك أبوك

عن محمد بن عيسى بن زياد، قال: كنت في ديوان أبي عباد، فرأيت كتاباً ينسخ، فسألت عنه. فقالوا: كتاب الرضا إلى ابنه (عليه السلام) من خراسان، فسألتهم أن يدفعوه إليَّ، فإذا فيه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، أبقاك اللّه طويلاً، وأعاذك من عدوك. يا ولد فداك أبوك، قد فسرت لك ما لي وأنا حي سوي؛ رجاء أن ينميك اللّه بالصلة لقرابتك، ولموالي موسى وجعفر (رضي اللّه عنهما).

ص: 72


1- الكافي: ج4 ص43، تتمة كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، باب الإنفاق، ح5.

فأما سعيدة، فإنها امرأة قوية الحزم في النحل، وليس ذلك كذلك، قال اللّه: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}(1).

وقال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللّهُ}(2).

وقد أوسع اللّه عليك كثيراً. يا بني، فداك أبوك لا تستر دوني الأمور لحبها فتخطئ حظك، والسلام»(3).

سبيكة ذهب

عن إسماعيل بن عباس الهاشمي، قال: جئت إلى أبي جعفر (عليه السلام) يوم عيد، فشكوت إليه ضيق المعاش.

فرفع المصلى وأخذ من التراب سبيكةً من ذهب فأعطانيها، فخرجت بها إلى السوق، فكانت ستة عشر مثقالاً(4).

تفقد الأصحاب

عن محمد بن ميمون، أنه كان مع الرضا (عليه السلام) بمكة قبل خروجه إلى خراسان. قال: قلت له: إني أريد أن أتقدم إلى المدينة، فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفر (عليه السلام) .

فتبسم وكتب، وصرت إلى المدينة، وقد كان ذهب بصري، فأخرج الخادم أبا جعفر (عليه السلام) إلينا، فحمله في المهد، فناولته الكتاب. فقال لموفق الخادم: «فضه

ص: 73


1- سورة البقرة: 245.
2- سورة الطلاق: 7.
3- بحار الأنوار: ج50 ص103، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح18.
4- الثاقب في المناقب: ص526، ب12، فصل10 في ظهور آياته في معان شتى، ح464.

وانشره».

ففضه ونشره بين يديه، فنظر فيه ثم قال لي: «يا محمد، ما حال بصرك؟».

قلت: يا ابن رسول اللّه، اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى.

قال: «ادن مني».

فدنوت منه، فمد يده فمسح بها على عيني، فعاد إليَّ بصري كأصح ما كان. فقبلت يده ورجله، وانصرفت من عنده وأنا بصير(1).

قبول الهدية

عن علي بن مهزيار، قال: كتب إليه خيران: قد وجهت إليك ثمانية دراهم، كانت أهديت إليَّ من طرسوس، دراهم منهم مبهمة، وكرهت أن أردها على صاحبها، أو أحدث فيها حدثاً دون أمرك، فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا؛ لأعرفه إن شاء اللّه تعالى، وأنتهي إلى أمرك.

فكتب وقرأته: «اقبل منهم إذا أهدي إليك دراهم أو غيرها؛ فإن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يرد هديةً على يهودي ولا نصراني»(2).

إنقاذ الشيعة

كان الإمام الجواد (عليه السلام) يهتم بشيعته ويفرج عنهم عندما يأذن اللّه بذلك.

فلما حبس المأمون أبا الصلت الهروي سنة كاملة، وكان يتوعده بالقتل كل يوم..

ص: 74


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص372، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح1.
2- بحار الأنوار: ج50 ص107، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح26.

يقول أبو الصلت: فضاق صدري، فقمت ليلة جمعة فاغتسلت، وأحييتها راكعاً وساجداً وباكياً، ومتضرعاً إلى اللّه في خلاصي. فلما صليت الفجر إذا أبو جعفر ابن الرضا (عليه السلام) قد دخل إليَّ وقال: «يا أبا الصلت، قد ضاق صدرك؟».

قلت: إي واللّه يا مولاي.

قال: «أما لو فعلت قبل هذا ما فعلته الليلة، لكان اللّه قد خلصك كما يخلصك الساعة».

ثم قال: «قم».

قلت: إلى أين والحراس على باب السجن، والمشاعل بين أيديهم.

قال: «قم؛ فإنهم لا يرونك، ولا تلتقي معهم بعد يومك». فأخذ بيدي وأخرجني من بينهم، وهم قعود يتحدثون، والمشاعل بينهم فلم يرونا، فلما صرنا خارج السجن. قال: «أي البلاد تريد؟».

قلت: منزلي بهرات.

قال: «أرخ رداءك على وجهك». وأخذ بيدي، فظننت أنه حولني عن يمنته إلى يسرته، ثم قال لي: «اكشف».

فكشفته فلم أره، فإذا أنا على باب منزلي، فدخلته فلم ألتق مع المأمون، ولا مع أحد من أصحابه إلى هذه الغاية(1).

التبسم في وجوه المؤمنين

عن محمد بن علي الهاشمي، في قصة أنه دخل على الإمام الجواد (عليه السلام) ، فتبسم

ص: 75


1- الخرائج و الجرائح: ج1 ص355-356، الباب التاسع في معجزات الإمام المظلوم المسموم علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ،ح8.

الإمام في وجهه. يقول: وأطلت عنده وعطشت، فدعا بالماء ففعل كما فعل بالمرة الأولى، فشرب ثم ناولني وتبسم(1).

الدعاء للمؤمنين

روي أنه دعا أبو جعفر الجواد (عليه السلام) لمحمد بن أورمة القمي، وقال: «تقبل اللّه منك، ورضي عنك، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة»(2).

الزهد عن ملذات الدنيا

روي عن محمد بن أورمة، عن الحسين المكاري، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ببغداد، وهو على ما كان من أمره. فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، وما أعرف مطعمه.

قال: فأطرق رأسه، ثم رفعه وقد اصفر لونه، فقال: «يا حسين، خبز شعير وملح جريش في حرم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أحب إليَّ مما تراني فيها»(3).

أموالنا في الآخرة

عن إبراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي، قال: حدثني أبي - وكان خادماً لمحمد بن علي الجواد (عليه السلام) - لما زوج المأمون أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ابنته، كتب إليه: «إن لكل زوجة صداقاً من مال زوجها، وقد جعل

ص: 76


1- الإرشاد: ج2 ص292، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل شذرات في فضائل الإمام الجواد (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص386، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح15.
3- بحار الأنوار: ج50 ص48، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح26.

اللّه أموالنا في الآخرة مؤجلةً مذخورةً هناك، كما جعل أموالكم معجلةً في الدنيا وكنزها ها هنا، وقد أمهرت ابنتك الوسائل إلى المسائل، وهي مناجاة دفعها إليَّ أبي»(1)، الحديث.

الدنيا موهبة عارية

روي أنه حمل لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) حمل بز له قيمة كثيرة، فسلّ(2) ي الطريق. فكتب إليه الذي حمله يعرفه الخبر. فوقع بخطه: «إن أنفسنا وأموالنا من مواهب اللّه الهنيئة، وعواريه المستودعة، يمتع بما متع منها في سرور وغبطة، ويأخذ ما أخذ منها في أجر وحسبة، فمن غلب جزعه على صبره حبط أجره، نعوذ باللّه من ذلك»(3).

عليك بالمداراة

في الأمالي للشيخ المفيد (رحمه اللّه) : عن علي بن مهزيار، عن بكر بن صالح، قال: كتب صهر لي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : إن أبي ناصب خبيث الرأي، وقد لقيت منه شدةً وجهداً، فرأيك جعلت فداك في الدعاء لي، وما ترى جعلت فداك أ فترى أن أكاشفه أم أداريه؟.

فكتب: «قد فهمت كتابك، وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدع الدعاء لك إن شاء اللّه، والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسر، فاصبر إن العاقبة للمتقين، ثبتك اللّه على ولاية من توليت، نحن وأنتم في وديعة اللّه التي لا يضيع

ص: 77


1- مهج الدعوات: ص258، ذكر ما نختاره من الأدعية لمولانا محمد بن علي الجواد (عليه السلام) .
2- السلة السرقة الخفية كالإسلال.
3- تحف العقول: ص456، وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.

ودائعه».

قال بكر: فعطف اللّه بقلب أبيه حتى صار لا يخالفه في شيء(1).

سقي الماء

عن محمد بن علي الهاشمي، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) صبيحة عرسه ببنت المأمون، وكنت تناولت من أول الليل دواءً، فأول من دخل في صبيحته أنا، وقد أصابني العطش، وكرهت أن أدعو بالماء.

فنظر أبو جعفر (عليه السلام) في وجهي وقال: «أراك عطشاناً».

قلت: أجل.

قال: «يا غلام، اسقنا ماءً».

فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم واغتممت لذلك، فأقبل الغلام ومعه الماء، فتبسم في وجهي، ثم قال: «يا غلام، ناولني الماء». فتناول وشرب، ثم ناولني وشربت، وأطلت عنده وعطشت، فدعا بالماء ففعل كما فعل بالمرة الأولى، فشرب ثم ناولني وتبسم(2).

أحسن إلى إخوانك

في الكافي: عن رجل من بني حنيفة من أهل بست وسجستان، قال: رافقت أبا جعفر (عليه السلام) في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم. فقلت له - وأنا معه على المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان -: إن والينا جعلت فداك رجل

ص: 78


1- الأمالي للشيخ المفيد: ص191، المجلس الثالث والعشرون، ح20.
2- الإرشاد: ج2 ص292، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل شذرات في فضائل الإمام الجواد (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.

يتولاكم أهل البيت ويحبكم، وعليَّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليَّ.

فقال: «لا أعرفه».

فقلت: جعلت فداك، إنه على ما قلت من محبيكم أهل البيت، وكتابك ينفعني عنده. فأخذ القرطاس فكتب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإن ما لك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك. واعلم أن اللّه عز وجل سائلك عن مثاقيل الذر والخردل».

قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد اللّه النيسابوري - وهو الوالي - فاستقبلني على فرسخين من المدينة، فدفعت إليه الكتاب، فقبله ووضعه على عينيه. وقال لي: حاجتك؟. فقلت: خراج عليَّ في ديوانك.

قال: فأمر بطرحه عني. وقال: لا تؤدِ خراجاً ما دام لي عمل. ثم سألني عن عيالي، فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلاً، فما أديت في عمله خراجاً ما دام حياً، ولا قطع عني صلته حتى مات(1).

سنة الحناء

عن عبدوس بن إبراهيم، قال: رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) قد خرج من الحمام، وهو من قرنه إلى قدمه مثل الورد من أثر الحناء(2).

ص: 79


1- الكافي: ج5 ص111-112، كتاب المعيشة، باب شرط من أذن له في أعمالهم، ح6.
2- وسائل الشيعة: ج2 ص75، تتمة كتاب الطهارة، الباب35 من أبواب آداب الحمام والتنظيف والزينة، ضمن ح1528.

لطف الإمام (عليه السلام)

كان لطف الإمام (عليه السلام) شاملاً حتى لأعدائه، فهذا المأمون العباسي يكتب له الإمام الحرز المعروف بحرز الإمام الجواد (عليه السلام) ، ويعلمه ما يحفظه من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات وما أشبه.

قال أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) للمأمون: «يا أمير». قال: لبيك وسعديك. قال: «لك عندي نصيحة فاقبلها». قال المأمون: بالحمد والشكر - ثم قال - فما ذاك يا ابن رسول اللّه. قال: «أحب أن لا تخرج بالليل؛ فإني لا آمن عليك هذا الخلق المنكوس، وعندي عقد تحصن به نفسك، وتحترز به عن الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات، كما أنقذني اللّه منك البارحة، ولو لقيت به جيوش الروم والترك، واجتمع عليك وعلى غلبتك أهل الأرض جميعاً، ما تهيأ لهم منك شيء بإذن اللّه الجبار، وإن أحببت بعثت به إليك؛ لتحترز به من جميع ما ذكرت لك».

قال: نعم، فاكتب ذلك بخطك وابعثه إليَّ.

قال (عليه السلام) : «نعم».

قال ياسر: فلما أصبح أبو جعفر (عليه السلام) بعث إليَّ فدعاني، فلما سرت إليه، وجلست بين يديه، دعا برق ظبي من ظبي تهامة، ثم كتب بخطه هذا العقد، ثم قال: «يا ياسر، احمل هذا إلى الأمير، وقل حتى يصاغ له قصبة من فضة منقوش عليه ما أذكره بعد، فإذا أراد شده على عضده، فليشده على عضد الأيمن، وليتوضأ وضوءاً حسناً سابغاً، وليصل أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة: فاتحة الكتاب، وسبع مرات آية الكرسي، وسبع مرات شهد اللّه، وسبع مرات والشمس وضحاها، وسبع مرات والليل إذا يغشى، وسبع مرات قل هو اللّه

ص: 80

أحد. فإذا فرغ منها، فليشده على عضده الأيمن عند الشدائد والنوائب بحول اللّه وقوته، وكل شي ء يخافه ويحذره، وينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب، ولو أنه غزا أهل الروم وملكهم، لغلبهم بإذن اللّه وبركة هذا الحرز»(1)، الحديث.

ص: 81


1- مهج الدعوات: ص38-39، حرز محمد بن علي الجواد (عليه السلام) .

10

الولاية والبراءة

اشارة

كان الإمام محمد الجواد (عليه السلام) كآبائه وأولاده المعصومين (عليهم السلام) يؤكد على الولاية والبراءة، ويحث الشيعة على ذلك بقوله وفعله.

مع الرسول والصديقة (عليهما السلام)

عن عبد اللّه بن رزين، قال: كنت مجاوراً بالمدينة - مدينة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - وكان أبو جعفر (عليه السلام) يجيء في كل يوم مع الزوال إلى المسجد، فينزل إلى الصخرة، ويمر إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويسلّم عليه، ويرجع إلى بيت فاطمة (عليها السلام) ، ويخلع نعله فيقوم فيصلي(1).

يقول عبد اللّه بن زرين: فوسوس إليَّ الشيطان، فقال: إذا نزل، فاذهب حتى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه.

فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا، فلما أن كان في وقت الزوال، أقبل (عليه السلام) على حمار له، فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه، فجازه حتى نزل على الصخرة التي كانت على باب المسجد، ثم دخل فسلّم على رسول

ص: 82


1- بحار الأنوار: ج50 ص59، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح39.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم رجع إلى مكانه الذي كان يصلي فيه، ففعل ذلك أياماً.

فقلت: إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصا الذي يطأ عليه بقدميه، فلما كان من الغد جاء عند الزوال، فنزل على الصخرة، ثم دخل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وجاء إلى الموضع الذي كان يصلي فيه ولم يخلعهما، ففعل ذلك أياماً.

فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي ها هنا، ولكن أذهب إلى الحمام، فإذا دخل الحمام آخذ من التراب الذي يطأ عليه، فلما دخل (عليه السلام) الحمام، دخل في المسلخ بالحمار، ونزل على الحصير.

فقلت للحمامي في ذلك، فقال: واللّهِ، ما فعل هذا قط إلا في هذا اليوم.

فانتظرته، فلما خرج دعا بالحمار، فأدخل المسلخ وركبه فوق الحصير وخرج.

فقلت: واللّهِ، آذيته ولا أعود، أروم ما رمت منه أبداً.

فلما كان وقت الزوال نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه.

ويرى العلامة المجلسي (رحمه اللّه) الأظهر أن الإمام (عليه السلام) لم يرض بذلك للتقية(1).

مع أعداء الزهراء

فعن زكريا بن آدم، قال: إني لعند الرضا (عليه السلام) إذ جي ء بأبي جعفر (عليه السلام) ، وسنّه أقل من أربع سنين، فضرب بيده إلى الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر.

فقال له الرضا (عليه السلام) : «بنفسي أنت، لِمَ طال فكرك؟!».

فقال: «فيما صُنع بأمي فاطمة (عليها السلام) . أما واللّه، لأخرجنهما ثم لأحرقنهما ثم

ص: 83


1- بحار الأنوار: ج50 ص61، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح39.

لأذرينهما، ثم لأنسفنهما في اليم نسفاً».

فاستدناه وقبل بين عينيه، ثم قال: «بأبي أنت وأمي أنت لها»(1)، يعني الإمامة.

ما لمواليكم؟

روي عن محمد بن الوليد الكرماني، قال: أتيت أبا جعفر ابن الرضا (عليه السلام) ، فوجدت بالباب الذي في الفناء قوماً كثيراً، فعدلت إلى سافر، فجلست إليه حتى زالت الشمس، فقمنا للصلاة.

فلما صلينا الظهر، وجدت حساً من ورائي، فالتفت فإذا أبو جعفر (عليه السلام) ، فسرت إليه حتى قبلت كفه، ثم جلس وسأل عن مقدمي، ثم قال: «سلم».

فقلت: جعلت فداك قد سلمت. فأعاد القول ثلاث مرات: «سلم». فتداركتها وقلت: سلمت ورضيت يا ابن رسول اللّه، فأجلى اللّه عما كان في قلبي، حتى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود إلى الشك ما وصلت إليه.

فعدت من الغد باكراً، فارتفعت عن الباب الأول، وصرت قبل الخيل، وما وراي أحد أعلمه، وأنا أتوقع أن آخذ السبيل إلى الإرشاد إليه، فلم أجد أحداً أخذ، حتى اشتد الحر والجوع جداً، حتى جعلت أشرب الماء أطفئ به حر ما أجد من الجوع والجوى. فبينما أنا كذلك، إذ أقبل نحوي غلام، قد حمل خواناً عليه طعام وألوان، وغلام آخر عليه طست وإبريق حتى وضع بين يدي، وقالا: أمرك أن تأكل. فأكلت فلما فرغت، أقبل فقمت إليه، فأمرني بالجلوس

ص: 84


1- دلائل الإمامة: ص400-401، أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، ذكر معجزاته (عليه السلام) ، ح358.

وبالأكل، فأكلت. فنظر إلى الغلام فقال: «كل معه ينشط». حتى إذا فرغت ورفع الخوان، وذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام، فقال: «مه ومه، ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فالقطه».

ثم قال: «سل».

قلت: جعلني اللّه فداك ما تقول في المسك؟.

فقال: «إن أبي أمر أن يعمل له مسك في فأرة(1)، فكتب إليه الفضل يخبره أن الناس يعيبون ذلك عليه. فكتب: يا فضل، أما علمت أن يوسف كان يلبس ديباجاً مزروراً بالذهب، ويجلس على كراسي الذهب، فلم ينتقص من حكمته شيئاً، وكذلك سليمان، ثم أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم».

ثم قلت: ما لمواليكم في موالاتكم؟.

فقال: «إن أبا عبد اللّه (عليه السلام) كان عنده غلام، يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد، فبينما هو جالس ومعه بغلة، إذ أقبلت رفقة من خراسان. فقال له رجل من الرفقة: هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك، وأكون له مملوكاً، وأجعل لك مالي كله، فإني كثير المال من جميع الصنوف، اذهب فاقبضه وأنا أقيم معه مكانك.

فقال: أسأله ذلك، فدخل على أبي عبد اللّه (عليه السلام) . فقال: جعلت فداك، تعرف خدمتي وطول صحبتي، فإن ساق اللّه إليَّ خيراً تمنعنيه.

قال: أعطيك من عندي وأمنعك من غيري. فحكى له قول الرجل، فقال: إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا، قبلناه وأرسلناك. فلما ولى عنه دعاه،

ص: 85


1- الفأرة: نافجة المسك، وفي بعض النسخ: في قارورة، وفي نسخة الكافي «في بان». والبان: شجر سبط لقوام لين ورقه كورق الصفصاف، ولحب ثمره دهن طيب.

فقال له: أنصحك لطول الصحبة ولك الخيار، فإذا كان يوم القيامة كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) متعلقاً بنور اللّه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) متعلقاً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكان الأئمة متعلقين بأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وكان شيعتنا متعلقين بنا، يدخلون مدخلنا، ويردون موردنا.

فقال الغلام: بل أقيم في خدمتك، وأوثر الآخرة على الدنيا.

وخرج الغلام إلى الرجل فقال له الرجل: خرجت إليَّ بغير الوجه الذي دخلت به. فحكى له قوله وأدخله على أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فقبل ولاءه وأمر للغلام بألف دينار، ثم قام إليه فودعه، وسأله أن يدعو له ففعل.

فقلت: يا سيدي، لولا عيال بمكة وولدي، سرني أن أطيل المقام بهذا الباب فأذن لي. وقال لي: «افق غماً».

ثم وضعت بين يديه حقاً كان له، فأمرني أن أحملها فتأبيت، وظننت أن ذلك موجدة، فضحك إليَّ وقال: «خذها إليك فإنك توافق حاجةً». فجئت وقد ذهبت نفقتنا شطر منها، فاحتجت إليه ساعة قدمت مكة(1).

الطواف عن المعصومين

عن موسى بن القاسم، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك، فقيل لي: إن الأوصياء لا يطاف عنهم؟.

فقال لي: «بل طف ما أمكنك فإن ذلك جائز».

ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: إني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن

ص: 86


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص388-391، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح17.

أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء اللّه، ثم وقع في قلبي شيء فعملت به.

قال: «وما هو؟».

قلت: طفت يوماً عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فقال ثلاث مرات: «صلى اللّه على رسول اللّه».

ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن (عليه السلام) ، والرابع عن الحسين (عليه السلام) ، والخامس عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، واليوم السابع عن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، واليوم الثامن عن أبيك موسى (عليه السلام) ، واليوم التاسع عن أبيك علي (عليه السلام) ، واليوم العاشر عنك يا سيدي، وهؤلاء الذين أدين اللّه بولايتهم.

فقال: «إذاً واللّه تدين اللّه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره».

قلت: وربما طفت عن أمك فاطمة (عليها السلام) ، وربما لم أطف.

فقال: «استكثر من هذا؛ فإنه أفضل ما أنت عامله إن شاء اللّه(1).

ص: 87


1- الكافي: ج4 ص314، كتاب الحج، باب الطواف والحج عن الأئمة (عليهم السلام) ، ح2.

11

احتجاجات

روي أن المأمون بعد ما زوج ابنته أم الفضل أبا جعفر (عليه السلام) ، كان في مجلس وعنده أبو جعفر (عليه السلام) ، ويحيى بن أكثم، وجماعة كثيرة. فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول اللّه في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا محمد، إن اللّه عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عني راض، فإني عنه راض!

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «يجب على صاحب هذا الخبر، أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حجة الوداع: قد كثرت عليَّ الكذابة وستكثر، فمن كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار. فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه وسنتي، فما وافق كتاب اللّه وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب اللّه وسنتي فلا تأخذوا به. وليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه، قال اللّه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(1)، فاللّه عز وجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل من مكنون سره، هذا مستحيل في العقول».

ص: 88


1- سورة ق: 16.

ثم قال يحيى بن أكثم وقد روي: أن مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء!.

فقال: «وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه؛ لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا اللّه قط، ولم يفارقا طاعته لحظةً واحدةً، وهما قد أشركا باللّه عز وجل، وإن أسلما بعد الشرك، وكان أكثر أيامهما في الشرك باللّه، فمحال أن يشبههما بهما».

قال يحيى: وقد روي أيضاً: أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه؟.

فقال (عليه السلام) : «وهذا الخبر محال أيضاً؛ لأن أهل الجنة كلهم يكونون شباباً، ولا يكون فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو أمية؛ لمضادة الخبر الذي قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين: بأنهما سيدا شباب أهل الجنة».

فقال يحيى بن أكثم: وروي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة!.

فقال (عليه السلام) : «وهذا أيضاً محال؛ لأن في الجنة ملائكة اللّه المقربين وآدم ومحمداً وجميع الأنبياء والمرسلين، لا تضي ء بأنوارهم حتى تضي ء بنور عمر».

فقال يحيى: وقد روي أن السكينة تنطق على لسان عمر!.

فقال (عليه السلام) : «إن أبا بكر أفضل من عمر - أي بحسب ما يزعمون لهم - فقال على رأس المنبر: إن لي شيطاناً يعتريني، فإذا ملت فسددوني».

فقال يحيى: قد روي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: لو لم أبعث لبعث عمر!.

فقال (عليه السلام) : «كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث، يقول اللّه في كتابه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}(1)، فقد أخذ اللّه ميثاق النبيين، فكيف

ص: 89


1- سورة الأحزاب: 7.

يمكن أن يبدل ميثاقه، وكان الأنبياء (عليه السلام) لم يشركوا طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك، وكان أكثر أيامه مع الشرك باللّه، وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نبئت وآدم بين الروح والجسد».

فقال يحيى بن أكثم: وقد روي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: ما احتبس الوحي عني قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب!.

فقال (عليه السلام) : «وهذا محال أيضاً؛ لأنه لا يجوز أن يشك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في نبوته، قال اللّه تعالى: {اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}(1)، فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به».

قال يحيى بن أكثم روي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلا عمر.

فقال (عليه السلام) : «وهذا محال أيضاً؛ إن اللّه تعالى يقول: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(2)، فأخبر سبحانه أن لا يعذب أحداً ما دام فيهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما داموا يستغفرون اللّه تعالى»(3).

ص: 90


1- سورة الحج: 75.
2- سورة الأنفال: 33.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص446-449، احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) في أنواع شتى من العلوم الدينية.

12

كرامات ومعاجز

مع أبي الصلت الهروي

بعد أن قتل المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) ، وخاف على نفسه من الفضيحة حبس أبا الصلت.

يقول أبو الصلت: فأمر المأمون بحبسي، ودفن الرضا (عليه السلام) . فحبست سنة فضاق عليَّ الحبس وسهرت الليلة، ودعوت اللّه تبارك وتعالى بدعاء ذكرت فيه محمداً وآل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وسألت اللّه بحقهم أن يفرج عني، فما استتم دعائي حتى دخل عليَّ أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) . فقال لي: «يا أبا الصلت، ضاق صدرك».

فقلت: إي واللّه.

قال: «قم»، فأخرجني ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت عليَّ ففكها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمان يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلموني، وخرجت من باب الدار.

ثم قال لي: «امض في ودائع اللّه؛ فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبداً». فقال أبو الصلت: فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت(1).

ص: 91


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص245، باب63 ما حدث به أبو الصلت الهروي عن ذكر وفاة الرضا (عليه السلام) أنه سم في عنب، ح1.

مخارق يسيء الأدب

كان المأمون يسعى أن يجد نقطة سلبية ولو عبر الحيلة ليأخذها على الإمام الجواد (عليه السلام) ولكنه لم يتمكن، فلما أراد أن يزف ابنته أم الفضل لبيت الإمام (عليه السلام) أمر بإحضار مائة جارية من أجمل الجواري ليستقبلوا الإمام (عليه السلام) ، ولكن الإمام لم يلتفت إليهن أبداً.

في بحار الأنوار:

وكان رجل يقال له: مخارق، صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية. فدعاه المأمون فقال: يا أمير إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره. فقعد بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) ، فشهق مخارق شهقةً اجتمع إليه أهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغني، وإذا أبو جعفر (عليه السلام) لا يلتفت إليه ولا يميناً ولا شمالاً، ثم رفع رأسه إليه وقال: «اتق اللّه يا ذا العثنون»(1)، أي يا صاحب اللحية الطويلة، قال: فسقط المضراب من يده والعود، فلم ينتفع بيده إلى أن مات. يعني شلت يده.

قال: فسأله المأمون عن حاله؟. قال: لما صاح بي أبو جعفر (عليه السلام) ، فزعت فزعةً لا أفيق منها أبداً(2).

ورواه الكافي أيضاً(3).

ص: 92


1- العثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت على الذقن وتحته سفلاً، أو هو طولها، والعثنون أيضا شعيرات تحت حنك البعير. بيان العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في البحار.
2- بحار الأنوار: ج50 ص61-62، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح41.
3- الكافي: ج1 ص494-495، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) ، ح4.

كيفية موت ابنة المأمون

روي أن المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل الإمام أبي جعفر (عليه السلام) ، وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمه، فأجابته إلى ذلك، وجعلت سماً في عنب رازقي ووضعته بين يديه، فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال (عليه السلام) : «ما بكاؤك، واللّه ليضربنك اللّه بعقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر».

فماتت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناصوراً، فأنفقت مالها وجميع ما ملكته على تلك العلة حتى احتاجت إلى الاسترفاد، وروي أن الناصور كان في أسافلها(1).

طي الأرض

بصائر الدرجات: محمد بن حسان، عن علي بن خالد - وكان زيدياً - قال: كنت في العسكر، فبلغني أن هناك رجلاً محبوساً أُتي به من ناحية الشام مكبولاً، وقالوا: إنه تنبأ.

قال علي: فداريت القوادين والحجبة حتى وصلت إليه، فإذا رجل له فهم. فقلت له: يا هذا، ما قصتك وما أمرك؟.

فقال لي: كنت رجلاً بالشام أعبد اللّه في الموضع الذي يقال له: موضع رأس الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فبينا أنا في عبادتي إذ أتاني شخص، فقال: قم بنا - قال - فقمت معه. قال: فبينا أنا معه إذا أنا في مسجد الكوفة. فقال لي: تعرف هذا المسجد؟.

ص: 93


1- بحار الأنوار: ج50 ص17، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب1 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح26.

قلت: نعم، هذا مسجد الكوفة. قال: فصلى وصليت معه، فبينا أنا معه إذا أنا في مسجد المدينة. قال: فصلى وصليت معه، وصلى على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ودعا له، فبينا أنا معه إذا أنا بمكة، فلم أزل معه حتى قضى مناسكه، وقضيت مناسكي معه. قال: فبينا أنا معه إذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام. قال: ومضى الرجل - قال - فلما كان عام قابل في أيام الموسم، إذا أنا به وفعل بي مثل فعلته الأولى، فلما فرغنا من مناسكنا، وردني إلى الشام، وهم بمفارقتي. قلت له: سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت، إلا أخبرتني من أنت؟. قال: فأطرق طويلاً، ثم نظر إليَّ فقال: «أنا محمد بن علي بن موسى». فتراقى الخبر حتى انتهى الخبر إلى محمد بن عبد الملك الزيات. قال: فبعث إليَّ فأخذني وكبلني في الحديد، وحملني إلى العراق، وحبسني كما ترى. قال: قلت له: ارفع قصتك إلى محمد بن عبد الملك. فقال: ومن لي يأتيه بالقصة. قال: فأتيته بقرطاس ودواة، فكتب قصته إلى محمد بن عبد الملك، فذكر في قصته ما كان قال. فوقع في القصة: قل للذي أخرجك في ليلة من الشام إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى المدينة، ومن المدينة إلى المكان، أن يخرجك من حبسك.

قال علي: فغمني أمره، ورققت له، وأمرته بالعزاء - قال - ثم بكرت عليه يوماً، فإذا الجند وصاحب الحرس وصاحب السجن وخلق عظيم يتفحصون حاله.

قال: فقلت: ما هذا؟. قالوا: المحمول من الشام الذي تنبأ، افتقد البارحة لا ندري خسف به الأرض، أو اختطفه الطير في الهواء. وكان علي بن خالد هذا زيدياً، فقال بالإمامة بعد ذلك، وحسن اعتقاده(1).

ص: 94


1- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى اللّه عليهم): ج1 ص402-403، باب13 في الأئمة أنهم يسيرون في الأرض من شاءوا من أصحابهم بالقدرة التي أعطاهم اللّه، ح1.

نبقة بغداد

في الإرشاد: لما توجه أبو جعفر (عليه السلام) من بغداد منصرفاً من عند المأمون، ومعه أم الفضل قاصداً بها إلى المدينة، صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه. فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس، نزل ودخل المسجد، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد، فدعا بكوز من الماء، فتوضأ في أصل النبقة، فصلى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولى منها الحمد وإذا جاء نصر اللّه، وقرأ في الثانية الحمد وقل هو اللّه أحد، وقنت قبل ركوعه فيها، وصلى الثالثة وتشهد، ثم جلس هنيئةً يذكر اللّه جل اسمه، وقام من غير أن يعقب، وصلى النوافل أربع ركعات، وعقب بعدها، وسجد سجدتي الشكر، ثم خرج. فلما انتهى إلى النبقة، رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً، فتعجبوا من ذلك، وأكلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له وودعوه. ومضى (عليه السلام) من وقته إلى المدينة، فلم يزل بها إلى أن أشخصه المعتصم(1).

هذه رقعة فلان

عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة، واشتبهت عليَّ، واغتممت لذلك. فتناول إحداهن وقال: «هذه رقعة ريان بن شبيب».

وتناول الثانية وقال: «هذه رقعة محمد بن حمزة».

وتناول الثالثة وقال: «هذه رقعة فلان». فبهت فنظر إليَّ وتبسم(2).

ص: 95


1- الإرشاد: ج2 ص288-289، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل شذرات في فضائل الإمام الجواد (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.
2- الخرائج والجرائح: ج2 ص664، البابالرابع عشر، فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح1.

شكوت الوحدة

عن صالح بن عطية، قال: حججت فشكوت إلى أبي جعفر - يعني الجواد (عليه السلام) - الوحدة. فقال: «أما إنك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جاريةً ترزق منها ابناً».

قلت: جعلت فداك، أ فترى أن تشير عليَّ.

فقال: «نعم، اعترض فإذا رضيت فأعلمني».

فقلت: جعلت فداك، فقد رضيت.

قال: «اذهب فكن بالقرب حتى أوافيك».

فصرت إلى دكان النخاس، فمر بنا فنظر ثم مضى، فصرت إليه. فقال: «قد رأيتها. إن أعجبتك فاشترها على أنها قصيرة العمر».

قلت: جعلت فداك، فما أصنع بها.

قال: «قد قلت لك». فلما كان من الغد صرت إلى صاحبها، فقال الجارية: محمومة وليس فيها غرض. فعدت إليه من الغد فسألته عنها. فقال: دفنتها اليوم.

فأتيته فأخبرته الخبر. فقال: «اعترض». فاعترضت فأعلمته، فأمرني أن أنظره، فصرت إلى دكان النخاس، فركب فمر بنا فصرت إليه. فقال: «اشترها فقد رأيتها». فاشتريتها فحولتها، وصبرت عليها حتى طهرت، ووقعت عليها، فحملت وولدت لي محمداً ابني(1).

ص: 96


1- بحار الأنوار: ج50 ص58، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح37.

سمّه أحمد

حج إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، قال إسحاق: فأعددت له في رقعة عشرة مسائل لأسأله عنها، وكان لي حمل فقلت: إذا أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو اللّه لي أن يجعله ذكراً، فلما سألته الناس قمت والرقعة معي لأسأله عن مسائلي، فلما نظر إليَّ قال لي: «يا أبا يعقوب، سمِّه أحمد».

فولد لي ذكر فسميته أحمد، فعاش مدةً ومات(1).

يا عسكر

المناقب لابن شهرآشوب، قال عسكر مولى أبي جعفر (عليه السلام) : دخلت عليه فقلت في نفسي: يا سبحان اللّه! ما أشد سمرة مولاي وأضوأ جسده.

قال: فو اللّه ما استتممت الكلام في نفسي، حتى تطاول وعرض جسده وامتلأ به الإيوان إلى سقفه ومع جوانب حيطانه، ثم رأيت لونه وقد أظلم حتى صار كالليل المظلم، ثم ابيض حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج، ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر، ثم اخضر حتى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة الخضرة، ثم تناقص جسمه حتى صار في صورته الأولى وعاد لونه الأول، وسقطت لوجهي مما رأيت. فصاح بي: «يا عسكر، تشكون فننبئكم، وتضعفون فنقويكم. واللّهِ لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من منَّ اللّه عليه بنا، وارتضاه لنا ولياً»(2).

ص: 97


1- دلائل الإمامة: ص401، أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، ذكر معجزاته (عليه السلام) ، ح360/20.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) : ج4 ص387، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في معجزاته (عليه السلام) .

سيقول لك كذا وكذا

روى الحميري، أن أبا هاشم قال: إن أبا جعفر (عليه السلام) أعطاني ثلاثمائة دينار في صرة، وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه، وقال: «أما إنه سيقول لك: دلني على من أشتري بها منه متاعاً، فدله عليه». قال: فأتيته بالدنانير. فقال لي: يا أبا هاشم، دلني على حريف يشتري بها متاعاً. ففعلت(1).

أراك عطشاناً

سبق عن محمد بن علي الهاشمي، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) صبيحة عرسه ببنت المأمون، وكنت تناولت من أول الليل دواءً، فأول من دخل في صبيحته أنا، وقد أصابني العطش، وكرهت أن أدعو بالماء.

فنظر أبو جعفر (عليه السلام) في وجهي، وقال: «أراك عطشاناً».

قلت: أجل.

قال: «يا غلام، أسقنا ماءً».

فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم، واغتممت لذلك.

فأقبل الغلام ومعه الماء، فتبسم (عليه السلام) في وجهي، ثم قال: «يا غلام، ناولني الماء». فتناول وشرب ثم ناولني وشربت، وأطلت عنده وعطشت، فدعا بالماء ففعل كما فعل بالمرة الأولى، فشرب ثم ناولني وتبسم.

قال محمد بن حمزة: قال لي محمد بن علي الهاشمي: واللّهِ إني أظن أن أبا جعفر (عليه السلام) يعلم ما في النفوس، كما تقول الرافضة(2).

ص: 98


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص665، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح2.
2- الإرشاد: ج2 ص292، باب تاريخ الإمام محمد بن علي الجواد، فصل شذرات في فضائل الإمام الجواد (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.

ديون الرضا (عليه السلام)

عن المطرفي، قال: مضى أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولي عليه أربعة آلاف درهم، لم يكن يعرفها غيري وغيره. فأرسل إليَّ أبو جعفر (عليه السلام) : «إذا كان غداً فأتني». فأتيته من الغد فقال لي: «مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم».

فقلت: نعم.

فرفع (عليه السلام) المصلى الذي كان تحته، فإذا تحته دنانير فدفعها إليَّ، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم(1).

قصة الجمال

روي عن أبي هاشم، قال: كلفني جمالي أن أكلم أبا جعفر (عليه السلام) له؛ ليدخله في بعض أموره - قال - فدخلت عليه لأكلمه، فوجدته مع جماعة، فلم يمكني كلامه. فقال: «يا أبا هاشم، كل». وقد وضع الطعام بين يديه، ثم قال ابتداءً منه من غير مسألة مني: «يا غلام، انظر الجمال الذي أتانا أبو هاشم، فضمه إليك»(2).

رقعة الواقفي

كتب جماعة من الأصحاب للإمام محمد الجواد (عليه السلام) رقاعاً في حوائج، وكتب

ص: 99


1- بحار الأنوار: ج50 ص54، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح33.
2- بحار الأنوار: ج50 ص41، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح6.

رجل من الواقفة رقعةً وجعلها بين الرقاع.

فوقع الجواب بخطه في الرقاع إلا رقعة الواقفي لم يجب فيها بشيء(1).

إذابة القصعة

عن عمارة بن زيد، قال: رأيت محمد بن علي (عليه السلام) وبين يديه قصعة صيني. فقال: «يا عمارة، أ ترى من هذا عجباً».

فقلت: نعم.

فوضع يده عليه، فذاب حتى صار ماءً، ثم جمعه فجعله في قدح، ثم ردها ومسحها بيده، فإذا هي قصعة كما كانت، فقال: «مثل هكذا فلتكن القدرة»(2).

ما حال بصرك

سبق عن محمد بن ميمون، أنه كان مع الرضا (عليه السلام) بمكة قبل خروجه إلى خراسان. قال: قلت له: إني أريد أن أتقدم إلى المدينة، فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفر (عليه السلام) .

فتبسم وكتب، وصرت إلى المدينة، وقد كان ذهب بصري، فأخرج الخادم أبا جعفر (عليه السلام) إلينا، فحمله في المهد. فناولته الكتاب، فقال لموفق الخادم: «فضه وانشره». ففضه ونشره بين يديه، فنظر فيه ثم قال لي: «يا محمد، ما حال بصرك؟».

قلت: يا ابن رسول اللّه، اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى.

ص: 100


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص670، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح17.
2- دلائل الإمامة: ص400، أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، ذكر معجزاته (عليه السلام) ، ح357/17.

قال: فمد يده فمسح بها على عيني، فعاد إلي بصري كأصح ما كان. فقبلت يده ورجله، وانصرفت من عنده وأنا بصير(1).

ما تشتكين يا جارية

روي عن أبي بكر بن إسماعيل، قال: قلت لأبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) : إن لي جاريةً تشتكي من ريح بها. فقال: «ائتني بها». فأتيت بها، فقال: «ما تشتكين يا جارية؟». قالت: ريحاً في ركبتي. فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب، فخرجت الجارية من عنده، ولم تشتكِ وجعاً بعد ذلك(2).

أين الشاة

عن علي بن جرير، قال: كنت عند أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) جالساً، وقد ذهبت شاة لمولاة له. فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه، ويقولون: أنتم سرقتم الشاة. فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «ويلكم! خلوا عن جيراننا، فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره». فخرجوا فوجدوها في داره، وأخذوا الرجل وضربوه، وخرقوا ثيابه، وهو يحلف أنه لم يسرق هذه الشاة، إلى أن صاروا إلى أبي جعفر (عليه السلام) . فقال: «ويحكم! ظلمتم الرجل؛ فإن الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها». فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه(3).

ص: 101


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص372، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح1.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص376، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح3.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص367، ذكر الإمام التاسع، باب ذكر وفاة أبي جعفر (عليه السلام) وموضع قبره وذكر ولده.

عافاك اللّه

عن محمد بن عمير بن واقد الرازي، قال: دخلت على أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) ، ومعي أخي به بهر شديد(1). فشكا إليه ذلك البهر، فقال (عليه السلام) : «عافاك اللّه مما تشكو». فخرجنا من عنده وقد عوفي، فما عاد إليه ذلك البهر إلى أن مات.

قال محمد بن عمير: وكان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع، فيشتد ذلك الوجع بي أياماً، وسألته أن يدعو لي بزواله عني. فقال: «وأنت فعافاك اللّه». فما عاد إلى هذه الغاية(2).

هذه عمامتك

روي عن القاسم بن المحسن، قال: كنت فيما بين مكة والمدينة، فمر بي أعرابي ضعيف الحال، فسألني شيئاً فرحمته، فأخرجت له رغيفاً فناولته إياه. فلما مضى عني هبت ريح زوبعة(3) فذهبت بعمامتي من رأسي، فلم أرها كيف ذهبت، ولا أين مرت. فلما دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) . فقال لي: «يا أبا القاسم، ذهبت عمامتك في الطريق».

قلت: نعم.

فقال: «يا غلام، أخرج إليه عمامته». فأخرج إليَّ عمامتي بعينها.

قلت: يا ابن رسول اللّه، كيف صارت إليك؟!.

ص: 102


1- البهرة بالضم: تتابع النفس.
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج4 ص404، الباب السابع والعشرون، الفصل السابع، ح42 و43.
3- الزوبعة - بفتح الزاء والباء -: ريح تثير غباراً فيرتفع في السماء كأنه عمود.

قال: «تصدقت على أعرابي، فشكره اللّه لك، فرد إليك عمامتك، وإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين»(1).

أكل الطين

روي عن أبي هاشم، قال: دخلت عليه (عليه السلام) ذات يوم بستاناً. فقلت له: جعلت فداك، إني مولع بأكل الطين، فادع اللّه لي. فسكت ثم قال بعد أيام:

«يا أبا هاشم، قد أذهب اللّه عنك أكل الطين». قلت: ما شيء أبغض إليَّ منه(2).

المال المخبأ

قال أبو هاشم: جاء رجل إلى محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) . فقال: يا ابن رسول اللّه، إن أبي مات وكان له مال، ولست أقف على ماله، ولي عيال كثيرون، وأنا من مواليكم فأغثني. فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إذا صليت العشاء الآخرة، فصل على محمد وآل محمد، فإن أباك يأتيك في النوم ويخبرك بأمر المال».

ففعل الرجل ذلك، فرأى أباه في النوم. فقال: يا بني، مالي في موضع كذا، فخذه واذهب إلى ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبره أني دللتك على المال. فذهب الرجل فأخذ المال، وأخبر الإمام بأمر المال، وقال: الحمد لله الذي أكرمك واصطفاك(3).

ص: 103


1- بحار الأنوار: ج50 ص47-48، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح25.
2- الخرائج والجرائح: ج2 ص665، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح4.
3- بحار الأنوار: ج50 ص42، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح8.

اخضرت السدرة

قال أبو هاشم الجعفري: صليت مع أبي جعفر (عليه السلام) في مسجد المسيب، وصلى بنا في موضع القبلة سواءً، وذكر أن السدرة التي في المسجد كانت يابسةً ليس عليها ورق، فدعا بماء وتهيأ تحت السدرة، فعاشت السدرة وأورقت، وحملت من عامها(1).

طعم الحرب وذل الأسر

قال ابن سنان: دخلت على أبي الحسن الهادي (عليه السلام) . فقال: «يا محمد، حدث بآل فرج حدث؟».

فقلت: مات عمر.

فقال: «الحمد لله على ذلك». أحصيت له أربعاً وعشرين مرةً.

ثم قال: «أ و لا تدري ما قال (لعنه اللّه) لمحمد بن علي أبي؟».

قال: قلت: لا.

قال: «خاطبه في شيء، فقال: أظنك سكران!. فقال أبي: اللّهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً، فأذقه طعم الحرب وذل الأسر. فو اللّهِ إن ذهبت الأيام حتى حُرِبَ ماله وما كان له، ثم أخذ أسيراً فهو ذا مات»(2)، الخبر.

تهيئوا للمأتم

عن أمية بن علي، قال: كنت بالمدينة، وكنت أختلف إلى أبي جعفر (عليه السلام) -

ص: 104


1- الكافي: ج1 ص497، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) ، ح10.
2- بحار الأنوار: ج50 ص62-63، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ضمن ح42.

وأبو الحسن (عليه السلام) بخراسان - وكان أهل بيته وعمومة من أبيه يأتونه ويسلمون عليه.

فدعا الإمام الجواد (عليه السلام) يوماً الجارية. فقال: «قولي لهم: يتهيئون للمأتم».

فلما تفرقوا قالوا: أ لا سألناه مأتم من.

فلما كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا: مأتم من؟!.

قال: «مأتم خير من على ظهرها». فأتانا خبر أبي الحسن (عليه السلام) بعد ذلك بأيام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم(1).

الإخبار بموته

قال محمد بن الفرج: كتب إليَّ أبو جعفر (عليه السلام) : «احمل إليَّ الخمس، فإني لست آخذ منكم سوى عامي هذا». فقبض (عليه السلام) في تلك السنة(2).

متى يكون الفرج

عن ابن بزيع العطار، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «الفرج بعد المأمون بثلاثين شهراً».

قال: فنظرنا، فمات (عليه السلام) بعد ثلاثين شهراً(3).

علاج الصمم

أبو سلمة، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) - وكان بي صمم شديد - فخبر بذلك

ص: 105


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: ص350، الباب الثامن في ذكر الإمام التقي أبي جعفر محمد بن علي، الفصل الثالث في ذكر طرف من دلائله ومعجزاته (عليه السلام) .
2- الثاقب في المناقب: ص522، ب12، فصل10 في ظهور آياته في معان شتى، ح456.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص363، ذكر الإمام التاسع، باب ذكر وفاة أبي جعفر (عليه السلام) وموضع قبره وذكر ولده.

لما أن دخلت عليه، فدعاني إليه فمسح يده على أذني ورأسي، ثم قال: «اسمع وعه». فو اللّهِ إني لأسمع الشيء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته(1).

النبقة الحلوة

سبق أن أبا جعفر (عليه السلام) لما صار إلى شارع الكوفة، نزل عند دار المسيب، وكان في صحنه نبقة لم تحمل، فدعا بكوز فيه ماء، فتوضأ في أسفل النبقة، وقام فصلى بالناس المغرب والعشاء الآخرة، وسجد سجدتي الشكر، ثم خرج. فلما انتهى إلى النبقة، رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً، فتعجبوا من ذلك، وأكلوا منها فوجدوا نبقاً حلواً لا عجم له، وودعوه ومضى إلى المدينة.

قال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) : وقد أكلت من ثمرها، وكان لا عجم له(2).

تلد فلواً

عن إبراهيم بن سعيد، قال: كنت جالساً عند محمد بن علي الجواد (عليه السلام) إذ مر بنا فرس أنثى. فقال: «هذه تلد الليلة فلواً أبيض الناصية في وجهه غرة».

فاستأذنته، ثم انصرفت مع صاحبها، فلم أزل أحدثه إلى الليل حتى أتت فلواً كما وصف. فأتيته، قال (عليه السلام) : «يا ابن سعيد، شككت فيما قلت لك أمس، إن التي في منزلك حبلى بابن أعور». فولدت واللّه محمداً وكان أعور(3).

ص: 106


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) : ج4 ص390، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في معجزاته (عليه السلام) .
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) : ج4 ص390، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في معجزاته (عليه السلام) .
3- بحار الأنوار: ج50 ص58، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح36.

ترزق منها ابناً

عن صالح بن عطية، قال: حججت، فشكوت إلى أبي جعفر (عليه السلام) الوحدة. فقال: «أما إنك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جاريةً ترزق منها ابناً». فقلت: تشير إليَّ. قال: «نعم». وركب إلى النخاس، ونظر إلى جارية فقال: «اشترها». فاشتريتها فولدت محمداً ابني(1).

لا تخرجا اليوم

عن أمية بن علي القيسي، قال: دخلت أنا وحماد بن عيسى على أبي جعفر (عليه السلام) بالمدينة لنودعه. فقال لنا: «لا تخرجا أقيما إلى غد». قال: فلما خرجنا من عنده، قال حماد: أنا أخرج فقد خرج ثقلي. قلت: أما أنا فأقيم. قال: فخرج حماد، فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه، وقبره بسيالة(2).

الموالية أم الحسن

عن عمران بن محمد الأشعري، قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وقضيت حوائجي، وقلت له: إن أم الحسين تقرؤك السلام، وتسألك ثوباً من ثيابك؛ تجعله كفناً لها. قال: «قد استغنت عن ذلك». فخرجت ولست أدري ما معنى ذلك، فأتاني الخبر بأنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً أو أربعة عشر يوماً(3).

ص: 107


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص666-667، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح7.
2- بحار الأنوار: ج50 ص43، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح11.
3- الثاقب في المناقب: ص524، ب12، فصل10 في ظهور آياته في معان شتى، ح460.

مولاك بعثها إليك

عن محمد بن سهل بن اليسع، قال: كنت مجاوراً بمكة، فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، وأردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها، فلم يتفق أن أسأله، حتى ودعته وأردت الخروج. فقلت: أكتب إليه وأسأله - قال - فكتبت إليه الكتاب، فصرت إلى مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أن أصلي ركعتين، وأستخير اللّه مائة مرة، فإن وقع في قلبي أن أبعث واللّه بالكتاب بعثت وإلا خرقته. ففعلت فوقع في قلبي أن لا أبعث، فخرقت الكتاب وخرجت من المدينة. فبينما أنا كذلك، إذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلل القطار، ويسأل عن محمد بن سهل القمي حتى انتهى إليَّ. فقال: مولاك بعث إليك بهذا. وإذا ملاءتان، قال أحمد بن محمد: فقضى اللّه أني غسلته حين مات، فكفنته فيهما(1).

فرقها على أصحابك

عن ابن حديد، قال: خرجت مع جماعة حجاجاً، فقطع علينا الطريق، فلما دخلت المدينة، لقيت أبا جعفر (عليه السلام) في بعض الطريق، فأتيته إلى المنزل، فأخبرته بالذي أصابنا، فأمر لي بكسوة، وأعطاني دنانير. وقال: «فرقها على أصحابك على قدر ما ذهب». فقسمتها بينهم، فإذا هي على قدر ما ذهب منهم، لا أقل ولا أكثر(2).

ص: 108


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص668، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح10.
2- بحار الأنوار: ج50 ص44، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح14.

رجل من الزيدية

روى يحيى بن أبي عمران، قال: دخل من أهل الري جماعة من أصحابنا على أبي جعفر (عليه السلام) ، وفيهم رجل من الزيدية. قالوا: فسألنا عن مسائل. فقال أبو جعفر (عليه السلام) لغلامه: «خذ بيد هذا الرجل فأخرجه». فقال الزيدي: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأنك حجة اللّه(1).

عقد ذنب الدابة

روى أبو سليمان، عن صالح بن داود اليعقوبي، قال: لما توجه في استقبال المأمون إلى ناحية الشام، أمر أبو جعفر (عليه السلام) أن يعقد ذنب دابته، وذلك في يوم صائف شديد الحر لا يوجد الماء. فقال بعض من كان معه: لا عهد له بركوب الدواب؛ فإن موضع عقد ذنب البرذون غير هذا. قال: فما مررنا إلا يسيراً حتى ضللنا الطريق بمكان كذا، ووقعنا في وحل كثير، ففسد ثيابنا وما معنا، ولم يصبه شيء من ذلك(2).

ستضلون الطريق

روي أن أبا جعفر (عليه السلام) قال لنا يوماً - ونحن في ذلك الوجه -: «أما إنكم ستضلون الطريق بمكان كذا، وتجدونها في مكان كذا، بعد ما يذهب من الليل كذا». فقلنا: ما علم هذا ولا بصر له بطريق الشام، فكان كما قال(3).

ص: 109


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص669، الباب الرابع عشر، فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح12.
2- بحار الأنوار: ج50 ص45، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح16.
3- بحار الأنوار: ج50 ص45، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح17.

قصة أبي زينبة

أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي، قال: رأيت رجلاً من أصحابنا يعرف بأبي زينبة، فسألني عن أحكم بن بشار المروزي، وسألني عن قصته، وعن الأثر الذي في حلقه، وقد كنت رأيت في بعض حلقه شبه الخط كأنه أثر الذبح.

فقلت له: قد سألته مراراً فلم يخبرني.

قال: فقال: كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، فغاب عنا أحكم من عند العصر، ولم يرجع في تلك الليلة، فلما كان في جوف الليل جاءنا توقيع من أبي جعفر (عليه السلام) : «أن صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد في مزبلة كذا وكذا، فاذهبوا وداووه بكذا وكذا». فذهبنا فوجدناه مذبوحاً مطروحاً كما قال، فحملناه وداويناه بما أمرنا به فبرأ من ذلك.

قال أحمد بن علي: كان من قصته أنه تمتع ببغداد في دار قوم، فعلموا به فأخذوه وذبحوه، وأدرجوه في لبد، وطرحوه في مزبلة(1).

وجع العين

عن محمد بن سنان، قال: شكوت إلى الرضا (عليه السلام) وجع العين. فأخذ قرطاساً فكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، وهو أقل من يدي، ودفع الكتاب إلى الخادم، وأمرني أن أذهب معه. وقال: «اكتم». فأتيناه وخادم قد حمله، قال: ففتح الخادم

ص: 110


1- بحار الأنوار: ج50 ص64-65، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح45.

الكتاب بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) . قال: فجعل أبو جعفر (عليه السلام) ينظر في الكتاب، ويرفع رأسه إلى السماء ويقول: «ناج». ففعل ذلك مراراً، فذهب كل وجع في عيني، وأبصرت بصراً لا يبصره أحد.

فقال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلك اللّه شيخاً على هذه الأمة، كما جعل عيسى ابن مريم شيخاً على بني إسرائيل.

قال: ثم قلت له: يا شبيه صاحب فطرس.

قال: فانصرفت، وقد أمرني الرضا (عليه السلام) أن أكتم، فما زلت صحيح النظر حتى أذعت ما كان من أبي جعفر (عليه السلام) في أمر عيني، فعاودني الوجع.

قال: فقلت لمحمد بن سنان: ما عنيت بقولك: يا شبيه صاحب فطرس؟.

قال: فقال: إن اللّه غضب على ملك من الملائكة يدعى: فطرس، فدق جناحه ورمى به في جزيرة من جزائر البحر. فلما ولد الحسين (عليه السلام) بعث اللّه عز وجل جبرئيل إلى محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليهنئه بولادة الحسين (عليه السلام) ، وكان جبرئيل صديقاً لفطرس، فمر وهو في الجزيرة مطروح، فخبره بولادة الحسين (عليه السلام) وما أمر اللّه به. وقال: هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي، وأمضي بك إلى محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليشفع لك - قال - فقال له فطرس: نعم. فحمله على جناح من أجنحته، حتى أتى به محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فبلغه تهنئة ربه تعالى، ثم حدثه بقصة فطرس، فقال محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفطرس: «امسح جناحك على مهد الحسين وتمسح به». ففعل ذلك فطرس، فجبر اللّه جناحه، ورده إلى منزله مع الملائكة(1).

ص: 111


1- مكاتيب الأئمة (عليهم السلام) : ج5 ص67-68، مكاتيب الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ، كتابه (عليه السلام) إلى محمد بن سنان.

ناج ناج

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، ومحمد بن سنان، جميعاً قالا: كنا بمكة وأبو الحسن الرضا (عليه السلام) بها. فقلنا له: جعلنا اللّه فداك، نحن خارجون وأنت مقيم، فإن رأيت أن تكتب لنا إلى أبي جعفر (عليه السلام) كتاباً نلم به.

قال: فكتب إليه، فقدمنا فقلنا للموفق: أخرجه إلينا - قال - فأخرجه إلينا وهو في صدر موفق، فأقبل يقرؤه ويطويه، وينظر فيه ويتبسم، حتى أتى على آخره، كذلك يطويه من أعلاه، وينشره من أسفله.

قال محمد بن سنان: فلما فرغ من قراءته، حرك رجله وقال: «ناج ناج».

فقال أحمد: ثم قال ابن سنان عند ذلك: فطرسية فطرسية(1).

احمل الدرع

روي عن عمران بن محمد، قال: دفع إليَّ أخي درعه أحملها إلى أبي جعفر (عليه السلام) مع أشياء. فقدمت بها ونسيت الدرع، فلما أردت أن أودعه. قال لي: احمل الدرع. وسألتني والدتي أن أسأله قميصاً من ثيابه، فسألته فقال لي: «ليس بمحتاج إليه». فجاءني الخبر أنها توفيت قبل بعشرين يوماً(2).

استجابة الدعاء

روي عن ابن أروبة، قال: إن المعتصم دعا جماعةً من وزرائه. فقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى زوراً، واكتبوا أنه أراد أن يخرج. ثم

ص: 112


1- مكاتيب الأئمة (عليهم السلام) : ج5 ص60، مكاتيب الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ، كتابه إلى أبي جعفر (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج50 ص45، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح18.

دعاه فقال: إنك أردت أن تخرج عليَّ. فقال: «واللّهِ ما فعلت شيئاً من ذلك». قال: إن فلاناً وفلاناً شهدوا عليك. فأحضروا فقالوا: نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك. قال: وكان جالساً في بهو(1)، فرفع أبو جعفر (عليه السلام) يده وقال: «اللّهم إن كانوا كذبوا عليَّ فخذهم». قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يرجف، ويذهب ويجيء، وكلما قام واحد وقع.

فقال المعتصم: يا ابن رسول اللّه، تبت مما قلت، فادع ربك أن يسكنه.

فقال: «اللّهم سكنه، إنك تعلم أنهم أعداؤك وأعدائي»، فسكن(2).

من ثياب أبي الحسن

روي عن الحسن بن علي الوشاء، قال: كنت بالمدينة بالصريا في المشربة مع أبي جعفر (عليه السلام) . فقام وقال: «لا تبرح». فقلت في نفسي: كنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قميصاً من ثيابه فلم أفعل، فإذا عاد إليَّ أبو جعفر (عليه السلام) أسأله. فأرسل إليَّ من قبل أن أسأله، ومن قبل أن يعود إليَّ - وأنا في المشربة - بقميص. وقال الرسول: يقول لك: هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلي فيها(3).

وصلنا ما بعثته المرأتان

روي عن ابن أورمة، قال: حملت امرأة معي شيئاً من حلي، وشيئاً من دراهم، وشيئاً من ثياب. فتوهمت أن ذلك كله لها، ولم أحتط عليها أن ذلك لغيرها فيه شيء، فحملت إلى المدينة مع بضاعات لأصحابنا، فوجهت ذلك كله

ص: 113


1- البهو: البيت المقدم أمام البيوت.
2- الثاقب في المناقب: ص524-525، ب12، فصل10 في ظهور آياته في معان شتى، ح461.
3- الخرائج والجرائح: ج1 ص383-384، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح13.

إليه، وكتبت في الكتاب: أني قد بعثت إليك من قبل فلانة بكذا، ومن قبل فلان وفلان بكذا. فخرج في التوقيع: «قد وصل ما بعثت من قبل فلان وفلان، ومن قبل المرأتين، تقبل اللّه منك ورضي اللّه عنك، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة». فلما سمعت ذكر المرأتين، شككت في الكتاب أنه غير كتابه، وأنه قد عمل عليَّ دونه؛ لأني كنت في نفسي على يقين، أن الذي دفعت إليَّ المرأة كان كله لها، وهي مرأة واحدة، فلما رأيت امرأتين، اتهمت موصل كتابي. فلما انصرفت إلى البلاد، جاءتني المرأة فقالت: هل أوصلت بضاعتي؟. فقلت: نعم. قالت: وبضاعة فلانة؟. قلت: هل كان فيها لغيرك شيء!. قالت: نعم، كان لي فيها كذا، ولأختي فلانة كذا. قلت: بلى أوصلت(1).

عندي سلاح رسول اللّه

عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) كتاباً، وفي آخره: هل عندك سلاح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟، ونسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب إليَّ بحوائج، وفي آخر كتابه: «عندي سلاح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور معنا حيث درنا، وهو مع كل إمام»(2).

استغفر اللّه لما أضمرت

عن بكر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كنت بمكة، فأضمرت

ص: 114


1- بحار الأنوار: ج50 ص52-53، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح30.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص387، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ح16.

في نفسي شيئاً لا يعلمه إلا اللّه. فلما صرت إلى المدينة، ودخلت على الإمام محمد الجواد (عليه السلام) نظر إليَّ. فقال: «استغفر اللّه لما أضمرت، ولا تعد».

قال بكر: فقلت لمحمد: أي شيء هذا؟.

قال: لا أخبر به أحداً(1).

ستصيب وجعاً

قال محمد بن فضيل الصيرفي: وخرج بإحدى رجلي العرق المدني، وقد قال لي قبل أن خرج العرق في رجلي، وقد عاهدته، فكان آخر ما قال: «إنه ستصيب وجعاً فاصبر، فأيما رجل من شيعتنا اشتكى، فصبر واحتسب، كتب اللّه له أجر ألف شهيد». فلما صرت في بطن مر، ضرب على رجلي، وخرج بي العرق، فما زلت شاكياً أشهراً، وحججت في السنة الثانية. فدخلت عليه فقلت: جعلني اللّه فداك، عوذ رجلي، وأخبرته أن هذه التي توجعني. فقال: «لا بأس على هذه، أرني رجلك الأخرى الصحيحة». فبسطتها بين يديه وعوذها، فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة، فرجعت إلى نفسي، فعلمت أنه عوذها قبل من الوجع، فعافاني اللّه من بعد(2).

ص: 115


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص387، الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، ضمن ح16.
2- بحار الأنوار: ج50 ص53-54، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح31.

13

الحكام الطغاة

عاصر الإمام محمد الجواد (عليه السلام) عدداً من حكام الجور، وغاصبي الخلافة، وكانوا من أشد الظلمة والطغاة، وقد ضيقوا على الإمام (عليه السلام) ، ووضعوا عليه العيون، ومنعوا الناس من الاستفادة من علومه، وطلبوه عدة مرات من المدينة إلى بغداد، حتى قضوا عليه بالسم، وقتلوه شهيداً.

والرواية التالية تدل على شدة ظروف التقية في زمان الإمام الجواد (عليه السلام) :

عن محمد بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) عن رجل حج حجة الإسلام، فدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج، فأعانه اللّه تعالى على حجه وعمرته، ثم أتى المدينة فسلَّم على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم أتى أباك أمير المؤمنين (عليه السلام) عارفاً بحقه، يعلم أنه حجة اللّه على خلقه، وبابه الذي يؤتى منه فسلَّم عليه، ثم أتى أبا عبد اللّه الحسين بن علي (عليه السلام) فسلَّم عليه، ثم أتى بغداد، فسلَّم على أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، ثم انصرف إلى بلاده، فلما كان في هذا الوقت رزقه اللّه تعالى ما يحج به، فأيهما أفضل، أهذا الذي حج حجة الإسلام يرجع أيضاً فيحج، أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، فيسلم عليه؟.

قال (عليه السلام) : «بلى يأتي إلى خراسان فيسلم على أبي (عليه السلام) أفضل، وليكن ذلك في

ص: 116

رجب. ولا ينبغي أن تفعلوا هذا اليوم؛ فإن علينا وعليكم من السلطان شنعة»(1).

والرواية تدل على شدة ظروف التقية التي كان فيها الإمام (عليه السلام) والشيعة آنذاك.

ص: 117


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص258، باب66 في ذكر ثواب زيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، ح15.

14

مع المأمون العباسي

اشارة

كان المأمون العباسي من أسوأ حكام بني العباس، وكان يظهر محبة أهل البيت (عليهم السلام) ، ويبطن حقدهم، ويعمل ضدهم، حتى قتل الإمام الرضا (عليه السلام) بالسم، وضيق على الإمام الجواد (عليه السلام) ، بل همَّ بقتله فلم يوفق.

قال المأمون في قصة خروجه للصيد، ولقائه بالإمام محمد بن علي (عليه السلام) ، وكان صبياً واقفاً مع الصبيان في الطريق، فلما عرفه قال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي(1).

أنا ابن الرضا

روي: إن أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) لما استشهد والده علي الرضا (عليه السلام) ، وقدم المأمون إلى بغداد بعد وفاته بسنة، اتفق أنه خرج إلى الصيد، فاجتاز بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون، ومحمد (عليه السلام) واقف ينظر إليهم، وكان عمره يومئذٍ إحدى عشرة سنةً فما حولها، فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين، ووقف أبو جعفر محمد (عليه السلام) فلم يبرح مكانه، فقرب منه المأمون فنظر إليه، وكان اللّه عز وعلا قد ألقى عليه مسحةً من قبول، فوقف المأمون وقال له: يا غلام، ما

ص: 118


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج4 ص389، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في معجزاته (عليه السلام) .

منعك من الانصراف مع الصبيان؟.

فقال له محمد (عليه السلام) مسرعاً: «يا أمير، لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظني بك أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت».

فأعجبه كلامه ووجهه، فقال له: ما اسمك؟.

قال: «محمد».

قال: ابن من أنت؟.

قال: «أنا ابن علي الرضا (عليه السلام) ».

فأخذ المأمون يتظاهر بالترحم على أبيه، وساق جواده إلى وجهته.

وكان مع المأمون بزاة، فلما بعد عن العمارة، أخذ بازياً فأرسله على دراجة، فغاب عن عينه غيبةً طويلةً، ثم عاد من الجو، وفي منقاره سمكة صغيرة، وبها بقايا الحياة. فعجب المأمون من ذلك غاية العجب، فأخذها في يده، وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه، فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم، فانصرفوا كما فعلوا أول مرة، وأبو جعفر (عليه السلام) لم ينصرف، ووقف كما وقف أولاً.

فلما دنا منه المأمون قال: يا محمد، ما في يدي؟.

فألهمه اللّه عز وجل أن قال: «يا أمير، إن اللّه تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكاً صغاراً، تصيدها بزاة الملوك والخلفاء، فيختبرون بها سلالة أهل النبوة».

فلما سمع المأمون كلامه عجب منه، وجعل يطيل نظره إليه، وقال: أنت ابن الرضا حقاً(1).

ص: 119


1- بحار الأنوار: ج50 ص91-92، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح6.

ولا يخفى أنه ربما يحصل بعض الفراغ في الهواء، فتصعد إليه أشياء من الأرض والبحار، وربما كانت تلك السمكة من ذلك، حيث صعدت بسبب تخلل الهواء، وبخار الماء الصاعد من البحار.

التزويج بأم الفضل

المأمون العباسي بعد أن فضحه اللّه تعالى، وعرف الناس بأنه هو القاتل للإمام الرضا (عليه السلام) ، أراد أن يمتص ذلك الغضب بإظهار حبه للإمام محمد الجواد (عليه السلام) ، وبتزويج ابنته أم الفضل من الإمام (صلوات اللّه عليه)، مضافاً إلى خطته الخبيثة حيث كان يريد أن يجعل عيناً على الإمام (عليه السلام) حتى في بيته وأسرته.

وأخذ المأمون يتظاهر باحترام الإمام، فلما خرج المأمون من خراسان إلى بغداد كتب رسالة جميلة إلى الإمام الجواد (عليه السلام) ، وأراد منه (عليه السلام) أن يهاجر إلى بغداد، ثم هناك قام بتزويج ابنته للإمام الجواد (عليه السلام) .

ولكن كبار بني العباس أنكروا عليه ذلك، حيث لم يكونوا يعلمون بمكره، فقالوا: له إن الخلافة والحكومة قد استقرت فينا بني العباس، فلِمَ تزلزلها بتقربك إلى بني علي وفاطمة (عليهما السلام) ، مع ذلك العداء القديم الذي كان بين العلويين والعباسيين، وألا يكفيك استخلافك لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، وقد أقلقنا ذلك كثيراً إلى أن توفي الإمام!.

فقال المأمون وهو يتظاهر بما يقول: إن سبب العداء بيننا وبينهم ما قام به آباؤنا من غصب خلافتهم، ولولا ذلك لما كانت العداوة، فإن بني علي (عليهم السلام) أولى منا بالخلافة.

فقالوا له: محمد بن علي (عليه السلام) طفل لم يكتسب العلم والكمال، ولايناسب أن يصاهرك، فلو انتظرت حتى يكبر.

ص: 120

فقال المأمون: أنتم لا تعرفون أهل هذا البيت، فإن علمهم لدني من اللّه وليس بالاكتساب، ولا فرق بين صغيرهم وكبيرهم، فهم أفضل خلق اللّه.

ثم قال: إذا أردتم معرفة صدق كلامي، فاجمعوا كبار العلماء من كل مكان ليباحثوه.

فاختاروا جمعاً من كبار العلماء، وعلى رأسهم قاضي القضاة يحيى بن أكثم في قصة مفصلة؛ ليجمعوا مجموعة من الأسئلة المعقدة، ليطرحوها على الإمام ويناظروه، ولكن الإمام (عليه السلام) أجاب على جميع تلك الأسئلة، حتى عجز جميع العلماء في مقابل الإمام (عليه السلام) ، واعترفوا بعظيم علمه على صغر سنه، وعَلِمَ الجميع أن هذا العلم لدني من اللّه عزوجل وليس بالاكتساب.

رواية الاحتجاج

روى الطبرسي في الاحتجاج، عن الريان بن شبيب، قال:

لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا (عليه السلام) ، فخاضوا في ذلك، واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه. فقالوا: ننشدك اللّه يا أمير أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه اللّه عز وجل، وينزع منا عزاً قد ألبسناه اللّه!، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا (عليه السلام) ما عملت، فكفانا اللّه المهم من ذلك، فاللّه اللّه أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا، واصرف رأيك عن ابن الرضا، واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

ص: 121

فقال لهم المأمون - وهو يخفي ما في نفسه من الحقد ضد أهل البيت (عليهم السلام) -: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم.

وأما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعاً للرحم، وأعوذ باللّه من ذلك، واللّه ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا (عليه السلام) ، ولقد سألته أن يقوم بالأمر، وأنزعه من نفسي فأبى، وكان أمر اللّه قدراً مقدوراً.

وأما أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا له: إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه، فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم! إني أعرف بهذا الفتى منكم، وإن أهل هذا البيت علمهم من اللّه تعالى ومواده وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر (عليه السلام) بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.

قالوا: قد رضينا لك يا أمير ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه، لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي الأمير فيه، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم.

فخرجوا من عنده، واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، وهو يومئذ

ص: 122

قاضي الزمان على أن يسأله مسألةً لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون، وسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك.

فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم، وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر (عليه السلام) دست، ويجعل له فيه مسورتان، ففعل ذلك، وخرج أبو جعفر (عليه السلام) ، وهو يومئذٍ ابن تسع سنين وأشهر، فجلس بين المسورتين، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم، والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (عليه الصلاة والسلام).

فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي الأمير أن أسأل أبا جعفر عن مسألة.

فقال له المأمون: استأذنه في ذلك.

فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أ تأذن لي جعلت فداك في مسألة.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «سل إن شئت».

قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً؟.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «قتله في حل أو حرم، عالماً كان المحرم أو جاهلاً، قتله عمداً أو خطأً، حراً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان أو كبيراً، مبتدئاً بالقتل أو معيداً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها، مصراً على ما فعل أو نادماً، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟».

فتحير يحيى بن أكثم، وبان في وجهه العجز والانقطاع، ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره.

فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة، والتوفيق لي في الرأي.

ص: 123

ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أ عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه.

ثم أقبل على أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: أ تخطب يا أبا جعفر.

فقال: «نعم يا أمير».

فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك، قد رضيتك لنفسي، وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي، وإن رغم قوم لذلك.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا إله إلا اللّه إخلاصاً لوحدانيته، وصلى اللّه على محمد سيد بريته، والأصفياء من عترته. أما بعد، فقد كان من فضل اللّه على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، وقال سبحانه: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(1)، ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد اللّه المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (عليه السلام) ، وهو خمسمائة درهم جياداً، فهل زوجته يا أمير بها على هذا الصداق المذكور؟».

فقال المأمون: نعم، قد زوّجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟.

قال أبو جعفر (عليه السلام) : «قد قبلت ذلك ورضيت به».

فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة.

قال الريان: ولم نلبث أن سمعنا أصواتاً تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم، فإذا الخدم يجرون سفينةً مصنوعةً من فضة، مشدودةً بالحبال من الإبريسم، على عجلة مملوةً من الغالية، ثم أمر المأمون أن تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية،

ص: 124


1- سورة النور: 32

ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا منها، ووضعت الموائد فأكل الناس، وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم...

فلما كان من الغد، أحضر الناس وحضر أبو جعفر (عليه السلام) ، وسار القواد والحجاب والخاصة والعمال؛ لتهنئة المأمون وأبي جعفر (عليه السلام) ، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة، فيها: بنادق مسك وزعفران معجون، في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة، وعطايا سنية، وإقطاعات، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة، أخرج الرقعة التي فيها، والتمسه فأطلق يده له، ووضعت البدر، فنثر ما فيها على القواد وغيرهم، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا، وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين، ولم يزل المأمون يتظاهر بإكرامه لأبي جعفر (عليه السلام) ، وإعظام لقدره مدة حياته، وكان يتظاهر بأنه يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته(1).

خطبة المأمون

وفي المناقب لابن شهرآشوب، عن تاريخ بغداد، عن يحيى بن أكثم:

إن المأمون خطب فقال: الحمد لله الذي تصاغرت الأمور لمشيته، ولا إله إلا اللّه إقراراً بربوبيته، وصلى اللّه على محمد عبده وخيرته. أما بعد، فإن اللّه جعل النكاح الذي رضيه لكمال سبب المناسبة، ألا وإني قد زوجت زينب ابنتي من محمد بن علي بن موسى الرضا، أمهرناها عنه أربعمائة درهم.

ويقال: إنه (عليه السلام) كان ابن تسع سنين وأشهر، ولم يزل المأمون متوافراً على

ص: 125


1- الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص443-445، احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) في أنواع شتى من العلوم الدينية.

إكرامه وإجلال قدره(1).

أقول: كان يتظاهر المأمون بإكرام الإمام (عليه السلام) ، ويبطن الحقد عليه وعلى العترة الطاهرة (عليهم السلام) .

قصد المأمون من هذا الزواج

ثم إن المأمون كان يهدف من وراء هذا الزواج - كما أشرنا سابقاً -:

أولاً: أن يغطي على عظيم جرمه السابق بقتل الإمام الرضا (عليه السلام) ، فربما يتمكن من أن يخدع بعض الناس ليقولوا: لو كان المأمون هو القاتل لأبيه الرضا فلماذا زوج ابنته من ابنه؟.

ثانياً: إن العلويين انتشروا في العالم الإسلامي وأصبح لهم قدرات، وكان البعض منهم يقوم بالثورات ضد حكم بني العباس، فأراد المأمون أن يتظاهر بحب أهل البيت (عليهم السلام) بتزويج ابنته للإمام (عليه السلام) ؛ ليصد أو يقلل من هذه الثورات، ويمتص الغضب العلوي، وغضب الشعب ضده.

وثالثاً: أراد المأمون أن يجعل عيناً في داخل بيت الإمام (عليه السلام) ؛ ليراقب الإمام حتى في بيته.

فزوج المأمون ابنته أم الفضل في حفل حكومي كبير، وقد منح العطايا الكثيرة على الحضور وعلى الخواص والعوام والأشراف والأعيان من الذهب والفضة وحتى العقارات والأراضي وما أشبه، وكان يتظاهر بشدة احترامه للإمام محمد الجواد (عليه السلام) .

ص: 126


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج4 ص382، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في المقدمات.

مهر الزهراء (عليها السلام) ومقداره

ولا يخفى أن الاختلاف في مقدار مهر الصديقة الزهراء (عليها السلام) ، ربما كان بسبب اختلاف الدراهم آنذاك.

ففي بعض الروايات أن مهر فاطمة (عليها السلام) خمسمائة درهم، وفي بعضها ست وثلاثون درهماً، وفي بعضها غير ذلك.

وإذا نظرنا إلى القوة الشرائية للدرهم وما اشتري به يومذاك يظهر أن المهر كان قليلاً جداً، ربما يقارب الأربعين درهماً.

وهذا كان بأمر من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لتتضع المناكح، ويسهل الزواج على الشباب.

ولا يكون المهر سببا لتأخر الزواج.

المأمون يحتال بكل حيلة

كان المأمون العباسي يؤذي الإمام محمد الجواد (عليه السلام) ، ويسعى في تشويه سمعته، وقد احتال بكل حيلة في ذلك.

قال محمد بن الريان: احتال المأمون على أبي جعفر (عليه السلام) بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شيء، فلما أراد أن يبني عليه ابنته، دفع إليَّ مائة وصيفة من أجمل ما يكون، إلى كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر، يستقبلون أبا جعفر إذا قعد في موضع الأختان، فلم يلتفت إليهن.

وكان رجل يقال له: مخارق، صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية. فدعاه المأمون فقال: يا أمير، إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره. فقعد بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) ، فشهق مخارق شهقة، اجتمع إليه أهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغني، وإذا أبو جعفر (عليه السلام) لا يلتفت إليه ولا يميناً ولا

ص: 127

شمالاً، ثم رفع رأسه وقال: «اتق اللّه يا ذا العثنون». قال: فسقط المضراب من يده والعود، فلم ينتفع بيده إلى أن مات(1).

المأمون يهجم بالسيف على الإمام في معاني الأخبار: سمي محمد بن علي الثاني (عليه السلام) التقي؛ لأنه اتقى اللّه عز وجل، فوقاه اللّه شر المأمون لما دخل عليه بالليل سكران، فضربه بسيفه حتى ظن أنه كان قد قتله، فوقاه اللّه شره(2).

عن السيدة حكيمة بنت الإمام الرضا (عليه السلام) ، قالت: لما توفي أخي محمد بن الرضا (عليه السلام) ، صرت يوماً إلى امرأته أم الفضل بسبب احتجت إليها فيه - قالت - فبينما نحن نتذاكر فضل محمد وكرمه، وما أعطاه من العلم والحكمة، إذ قالت امرأته أم الفضل: يا حكيمة، أخبرك عن أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها.

قلت: وما ذاك؟.

قالت: إنه كان ربما أغارني مرةً بجارية ومرةً بتزويج، فكنت أشكوه إلى المأمون. فيقول: يا بنية، احتملي؛ فإنه ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فبينما أنا ذات ليلة جالسة، إذ أتت امرأة فقلت: من أنتِ؟. فكأنها قضيب بان، أو غصن خيزران، قالت: أنا زوجة لأبي جعفر. قلت: من أبو جعفر؟. قالت: محمد بن الرضا (عليه السلام) ، وأنا امرأة من ولد عمار بن ياسر. قالت: فدخل عليَّ من الغيرة ما لم أملك نفسي، فنهضت من ساعتي وصرت إلى المأمون، وقد كان ثملاً من

ص: 128


1- الكافي: ج1 ص494-495، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) ، ح4.
2- معاني الأخبار: ص65، باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) .

الشراب، وقد مضى من الليل ساعات، فأخبرته بحالي وقلت له: يشتمني ويشتمك، ويشتم العباس وولده - قالت - وقلت ما لم يكن، فغاظه ذلك مني جداً، ولم يملك نفسه من السكر.

وقام مسرعاً فضرب بيده إلى سيفه، وحلف أنه يقطعه بهذا السيف ما بقي في يده، وصار إليه، قالت: فندمت عند ذلك. فقلت في نفسي: ما صنعت هلكت وأهلكت.

قالت: فعدوت خلفه؛ لأنظر ما يصنع، فدخل إليه وهو نائم، فوضع فيه السيف، فقطعه قطعةً قطعةً، ثم وضع سيفه على حلقه، فذبحه وأنا أنظر إليه وياسر الخادم، وانصرف وهو يزبد مثل الجمل.

قالت: فلما رأيت ذلك، هربت على وجهي حتى رجعت إلى منزل أبي، فبت بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت - قال - فلما أصبحت دخلت إليه، وهو يصلي وقد أفاق من السكر. فقلت له: يا أمير، هل تعلم ما صنعت الليلة؟.

قال: لا واللّه، فما الذي صنعت ويلكِ؟.

قلت: فإنك صرت إلى ابن الرضا (عليه السلام) وهو نائم، فقطعته إرباً إرباً، وذبحته بسيفك، وخرجت من عنده.

قال: ويلكِ ما تقولين؟!.

قلت: أقول ما فعلت.

فصاح: يا ياسر، ما تقول هذه الملعونة ويلكَ؟!.

قال: صدقت في كل ما قالت.

قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هلكنا وافتضحنا. ويلكَ يا ياسر بادر إليه وائتني بخبره. فركض ثم عاد مسرعاً، فقال: يا أمير البشرى.

ص: 129

قال: وما وراك؟.

قال: دخلت فإذا هو قاعد يستاك، وعليه قميص ودواج، فبقيت متحيراً في أمره، ثم أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر.

فقلت له: أحب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرك فيه.

فنظر إليَّ وتبسم كأنه علم ما أردت بذلك. فقال: «أكسوك كسوةً فاخرةً».

فقلت: لست أريد غير هذا القميص الذي عليك.

فخلعه وكشف بدنه كله، فو اللّه ما رأيت أثراً. فخر المأمون ساجداً، ووهب لياسر ألف دينار، وقال: الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه - ثم قال - يا ياسر، كل ما كان من مجيء هذه الملعونة إليَّ وبكائها بين يدي فأذكره، وأما مصيري إليه فلست أذكره.

فقال ياسر: واللّهِ ما زلت تضربه بالسيف، وأنا وهذه ننظر إليك وإليه حتى قطعته قطعةً قطعةً، ثم وضعت سيفك على حلقه فذبحته، وأنت تزبد كما تزبد البعير.

فقال: الحمد لله. ثم قال لي: واللّهِ لئن عدتِ بعدها في شيء مما جرى لأقتلنك. ثم قال لياسر: احمل إليه عشرة آلاف دينار، وقد إليه الشهري الفلاني، وسله الركوب إليَّ، وابعث إلى الهاشميين والأشراف والقواد معه؛ ليركبوا معه إلى عندي، ويبدءوا بالدخول إليه والتسليم عليه. ففعل ياسر ذلك، وصار الجميع بين يديه، وأذن للجميع. فقال: يا ياسر، هذا كان العهد بيني وبينه. قلت: يا ابن رسول اللّه، ليس هذا وقت العتاب. فو حق محمد وعلي ما كان يعقل من أمره شيئاً. فأذن للأشراف كلهم بالدخول إلا عبد اللّه وحمزة ابني الحسن؛ لأنهما كانا وقعا فيه عند المأمون، وسعيا به مرةً بعد أخرى، ثم قام

ص: 130

فركب مع الجماعة وصار إلى المأمون، فتلقاه وقبل ما بين عينيه، وأقعده على المقعد في الصدر، وأمر أن يجلس الناس ناحيةً، فجعل يعتذر إليه.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «لك عندي نصيحة فاسمعها مني».

قال: هاتها.

قال «أشير عليك بترك الشراب المسكر».

قال: فداك ابن عمك، قد قبلت نصيحتك(1).

ص: 131


1- بحار الأنوار: ج50 ص69-71، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح51.

15

الإمام (عليه السلام) بين المدينة وخراسان وبغداد

من المدينة إلى خراسان

قال البعض: بأن الإمام الجواد (عليه السلام) خرج من المدينة؛ لزيارة أبيه الرضا (عليه السلام) في خراسان سنة 202، وهي سنة استشهاد الرضا (عليه السلام) أو قبلها بسنة، ثم رجع إلى المدينة.

نعم، الإمام الجواد حضر أبيه الرضا بالإعجاز قبيل وفاته، وهو الذي قام بتجهيزه ودفنه، ثم رجع إلى المدينة.

من المدينة إلى بغداد

لما توفي الرضا، وجه المأمون إلى ولده الجواد، فحمله إلى بغداد، وأنزله بالقرب من داره، وأصر على أن يزوجه ابنته أم الفضل.

من بغداد إلى المدينة

وهكذا كان يؤذي المأمون ومن حوله الإمام الجواد (عليه السلام) . فقال الإمام للمأمون: «إني أريد الرجوع إلى مدينة جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

فلم يتمكن المأمون من منع الإمام (عليه السلام) ، فإذن له.

فخرج الإمام (عليه السلام) متوجهاً إلى بيت اللّه الحرام، ومن ثم إلى المدينة المنورة, وسكن فيها إلى أن مات المأمون العباسي سنة 218 ه، وجاء من بعده المعتصم

ص: 132

العباسي أخو المأمون.

من المدينة إلى بغداد

ولما حكم المعتصم أرسل إلى الإمام الجواد، فخرج الإمام من المدينة إلى بغداد، وبقي فيها إلى أن توفي مسموماً شهيداً بسم المعتصم.

حج الإمام (عليه السلام)

روي: أنه خرج الإمام محمد الجواد (عليه السلام) وزوجته ابنة المأمون حاجاً، وخرج أبو الحسن علي ابنه (عليه السلام) وهو صغير، فخلَّفه في المدينة، وسلَّم إليه المواريث والسلاح، ونص عليه بمشهد ثقاته وأصحابه، وانصرف إلى العراق ومعه زوجته ابنة المأمون(1).

ص: 133


1- عيون المعجزات: ص129، وصارت الامامة للمولى التقي أبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) ، سمته أم الفضل بعنب رازقي ووقت وفاته وموضع دفنه.

16

مع المعتصم العباسي

اشارة

تسلّم المعتصم الحكومة بعد المأمون، وذلك لما خرج المأمون إلى بلاد الروم فمات بالبديرون في رجب سنة ثمان عشرة ومائتين.

وبويع المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون في شعبان من سنة ثمان عشرة ومائتين.

وكانت هذه البيعة وبيعة سائر من غصب الخلافة صورية لا حق لأحد في التخلف عنها.

وكان المعتصم العباسي يحمل حقداً كبيراً على العترة الطاهرة (عليهم السلام) ، وعلى الإمام الجواد (صلوات اللّه عليه) بشكل خاص؛ لأنه كان يعلم بأن الحكم والخلافة للإمام دون غيره، وكان يغضب كثيراً عندما يسمع فضائل الإمام (عليه السلام) وكمالاته، فعزم على قتل الإمام الجواد (عليه السلام) ، فأشخص الإمام من المدينة إلى بغداد، حيث وردها لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين، وتوفي بها مسموماً في ذي القعدة قبل تمام السنة.

فلما أراد الإمام أن يخرج من مدينة جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، خلَّف من بعده الإمام علي الهادي (عليه السلام) ، ونص على إمامته في جمع من ثقاة الشيعة وعلمائها ووجهائها.

ص: 134

المعتصم يخطط ضد الإمام

كان المعتصم العباسي يريد قتل الإمام (عليه السلام) ، فأخذ يخطط لذلك.

روي عن ابن أروبة، قال: إن المعتصم دعا جماعةً من وزرائه. فقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى زوراً، واكتبوا أنه أراد أن يخرج. ثم دعاه (عليه السلام) فقال: إنك أردت أن تخرج عليَّ!.

فقال: «واللّهِ ما فعلت شيئاً من ذلك».

قال: إن فلاناً وفلاناً شهدوا عليك. فأحضروا فقالوا: نعم، هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك.

قال: وكان جالساً في بهو، فرفع أبو جعفر (عليه السلام) يده وقال: «اللّهم إن كانوا كذبوا عليَّ فخذهم».

قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يرجف ويذهب ويجيء، وكلما قام واحد وقع.

فقال المعتصم: يا ابن رسول اللّه، إني تائب مما قلت، فادع ربك أن يسكنه.

فقال: «اللّهم سكنه، إنك تعلم أنهم أعداؤك وأعدائي»، فسكن(1).

المعتصم وقصة السارق

ورد في التاريخ، أنه كتب المعتصم إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه الإمام التقي (عليه السلام) وأم الفضل. فأنفذ الزيات علي بن يقطين إليه، فتجهز الإمام وخرج إلى بغداد، وأخذ المعتصم يتظاهر بإكرام الإمام وإعظامه.

وفي تفسير العياشي، عن زرقان صاحب ابن أبي دُواد وصديقه بشدة، قال:

ص: 135


1- الثاقب في المناقب: ص524-525، ب12، فصل10 في ظهور آياته في معان شتى، ح461.

رجع ابن أبي دواد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم. فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنةً.

قال: قلت له: ولِمَ ذاك؟!.

قال: لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي الأمير.

قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟.

قال: إن سارقاً أقر على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمد بن علي (عليه السلام) إلى آخر القصة، حيث اضطر المعتصم لتقديم قول الإمام على قول جميع الفقهاء والعلماء.

وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

قال ابن أبي دواد: قامت قيامتي، وتمنيت أني لم أك حياً.

قال زرقان: قال ابن أبي دواد: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة. فقلت: إن نصيحة الأمير عليَّ واجبة، وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار.

قال: وما هو؟.

قلت: إذا جمع الأمير في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم؛ لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدعون أنه أولى منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء.

قال: فتغير لونه، وانتبه لما نبهته له. وقال: جزاك اللّه عن نصيحتك خيراً.

قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من كتاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله، فدعاه،

ص: 136

فأبى (عليه السلام) أن يجيبه وقال: «قد علمت أني لا أحضر مجالسكم».

فقال: إني إنما أدعوك إلى الطعام، وأحب أن تطأ ثيابي، وتدخل منزلي، فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار إليه. فلما طعم منها أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم. قال: «خروجي من دارك خير لك». فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفه، حتى قبض (عليه السلام) (1).

المعتصم يقتل الإمام

هذا من جانب، ومن جانب آخر أرسل المعتصم إلى أم الفضل بنت المأمون وزوجة الإمام (عليه السلام) ، أن تجعل السم في طعامه وشرابه، فلما شرب الإمام من السم، وظهر أثره في جسمه الشريف، قيل: إن أم الفضل أخذت تبكي، لعلها ندمت على ما فعلت، أو خافت مما سيجري عليها. فقال لها الإمام: «ممَّ بكاؤك، واللّه ليضربنَّك اللّه بفقر لا ينجبر، وببلاء لا ينستر»(2).

فلما توفي الإمام مسموماً، أرسل المعتصم إلى أم المفضل وجعلها في حرمه، ولكنها ابتليت بداء في أسافلها، فلم يفدها علاج الأطباء، حتى طردوها من قصر المعتصم، فأخذت تصرف على علاجها جميع أموالها فلم ينفعها، فأصبحت فقيرة تستجدي الناس في الطرقات، إلى أن ماتت من علتها في أسوأ حال.

من عادة الطغاة

ولا يخفى أن الأمراء والحكام لا يعرفون صاحباً ولا صديقاً، ولا رحماً ولا

ص: 137


1- تفسير العياشي: ج1 ص319-320، سورة المائدة: آية 38، ح109.
2- دلائل الإمامة: ص395، أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، أحواله ومدة إمامته.

قريباً، بل منطقهم: (الملك عقيم)، كما قالوه مراراً.

وأم الفضل وإن كانت ابنة أخ المعتصم، ولكنه طردها من قصره. وهكذا نرى في التاريخ كم من ملك قتل ولده أو رحمه، أو عذبوهم بفقع أعينهم وما أشبه.

يقول أحد الرواة: رأيت شخصاً في المسجد الجامع وقد فقئت عيناه، وكان قد لبس ثوباً ممزقاً، وكان يستجدي الناس ويقول: ارحموا من كان أميراً عليكم في الأمس، واليوم أصبحت من فقراء المسلمين.

فسألت من هو؟. قالوا: هذا القاهر باللّه العباسي، وقد فقئوا عينيه، وطردوه من القصر، فأصبح لا شيء له يأكله، ولا ثوب مناسب يستر به نفسه.

وفي التاريخ أن الحاكم العباسي غضب على أحد الأمراء الآخرين، ففقأ عينيه وطرده من القصر، فجاء إلى القاهر وكانا يستجديان الناس معاً.

ثم غضبوا على شخص ثالث، ففقئوا عينيه، وطردوه من القصر، فأصبح العميان ثلاثة، وكانوا يستجدون الناس.

ص: 138

17

في تجهيز والده الرضا (عليهما السلام)

اشارة

المعصوم لا يجهزه إلا المعصوم (عليه السلام) ، وإن كان بحسب الظاهر أن غيره يقوم بالتجهيز، وهكذا كان الإمام الجواد (عليه السلام) حيث قام بتجهيز والده الرضا (صلوات اللّه عليه).

روى أبو الصلت الهروي، أنه لما سم المأمون العباسي الإمام الرضا (عليه السلام) ، خرج الإمام من عنده، وقد غطى رأسه، ودخل منزله، وأشار أن يغلق الباب عليه.

يقول أبو الصلت: فغلقته وصار إلى مقعد له فنام عليه، وصرت أنا في وسط الدار، فإذا غلام عليه وفرة ظننته ابن الرضا (عليه السلام) ، ولم أكن قد رأيته قبل ذلك. فقلت: يا سيدي، الباب مغلق فمن أين دخلت؟!.

قال: «لا تسأل عما لا تحتاج إليه».

وقصد إلى الرضا (عليه السلام) ، فلما بصر به الرضا (عليه السلام) وثب إليه، وضمه إلى صدره، وجلسا جميعاً على المقعد، ومد الرضا (عليه السلام) الرداء عليهما، فتناجيا جميعاً بما لم أعلمه، ثم امتد الرضا (عليه السلام) على المقعد، وغطاه محمد بالرداء، وصار إلى وسط الدار، وقال: «يا أبا الصلت».

فقلت: لبيك يا ابن رسول اللّه.

ص: 139

فقال: «عظم اللّه أجرك في الرضا فقد مضى»، فبكيت.

قال: «لا تبك، هات المغتسل والماء لنأخذ في جهازه».

فقلت: يا مولاي، الماء حاضر ولكن ليس في الدار مغتسل إلا أن يحضر من خارج الدار.

قال: «بل هو في الخزانة».

فدخلتها فوجدتها، وفيها مغتسل ولم أره قبل ذلك، فأتيته به وبالماء.

قال: «تعال حتى نحمل الرضا (عليه السلام) ، فحملناه على المغتسل - ثم قال - اعزب عني». فغسله وهو وحده، ثم قال: «هات أكفانه والحنوط».

قلت: لم نعد له كفناً.

قال: «ذلك في الخزانة». فدخلتها فرأيت في وسطها أكفاناً، وحنوطاً لم أره قبل ذلك فأتيته به، فكفنه وحنطه ثم قال لي: «هات التابوت من الخزانة».

فاستحييت منه أن أقول ما عندنا تابوت، فدخلت الخزانة فوجدت بها تابوتاً لم أره قبل ذلك، فأتيته به فجعله فيه. فقال: «تعال حتى نصلي عليه». وصلى به وغربت الشمس، وكان وقت صلاة المغرب، فصلى بي المغرب والعشاء، وجلسنا نتحدث، فانفتح السقف ورفع التابوت. فقلت: يا مولاي، ليطالبني المأمون به، فما تكون حيلتي؟!.

فقال: «لا عليك، سيعود إلى موضعه، فما من نبي يموت في مغرب الأرض، ولا يموت وصي من أوصيائه في مشرقها، إلا جمع اللّه بينهما قبل أن يدفن». فلما مضى من الليل نصفه أو أكثر، إذا التابوت رجع من السقف حتى استقر مكانه، فلما صلينا الفجر. قال: «افتح باب الدار؛ فإن هذا الطاغي يجيئك الساعة، فعرفه أن الرضا (عليه السلام) قد فرغ من جهازه».

ص: 140

قال: فمضيت نحو الباب، فالتفت فلم أره يدخل من باب، ولم يخرج من باب، فإذا المأمون قد وافى، فلما رآني قال: ما فعل الرضا؟.

قلت: عظم اللّه أجرك.

فنزل وخرق ثيابه، وسفى التراب على رأسه، وبكى طويلاً.

ثم قال: خذوا في جهازه.

فقلت: قد فرغ منه.

قال: ومن فعل به ذلك؟.

قلت: غلام وافاه لم أعرفه، إلا أني ظننته ابن الرضا (عليه السلام) (1)، الحديث.

دفنت أبي بخراسان

وعن معمر بن خلاد، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال أبو جعفر: «يا معمر اركب». قلت: إلى أين؟. قال: «اركب كما يقال لك». قال: فركبت فانتهيت إلى وادٍ أو إلى وهدة. فقال لي: «قف هاهنا». فوقفت فأتاني. فقلت له: جعلت فداك أين كنت؟. قال: «دفنت أبي الساعة»، وكان بخراسان(2).

ص: 141


1- بحار الأنوار: ج50 ص50-51، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح28.
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص363، ذكر الإمام التاسع، باب ذكر وفاة أبي جعفر (عليه السلام) وموضع قبره وذكر ولده.

18

استشهاد الإمام (عليه السلام)

اشارة

توفي الإمام الجواد (عليه السلام) مسموماً شهيداً في بغداد، أيام خلافة المعتصم، في آخر ذي القعدة سنة مائتين وعشرين هجرية، وهو ابن خمسة وعشرون سنة وبضعة أشهر.

قال الكليني: وشهرين وثمانية عشر يوماً(1).

وقيل: وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً.

وقيل: وثلاثة أشهر واثني عشر يوماً.

وقيل: وأشهر.

وقيل: كان له أربع وعشرون سنةً وشهور؛ لأن مولده كان في سنة مائة وخمس وتسعين.

وقيل: كانت وفاته (عليه السلام) آخر ذي الحجة أو لخمس أو ست خلون منه.

عاش منها مع أبيه ثماني سنين، وقيل: سبع سنين وأربعة أشهر ويومين، وبعد أبيه سبع عشرة سنة، وقيل: 18 سنة إلا عشرين يوماً، وهي مدة إمامته وخلافته، وهي بقية ملك المأمون، وقبض في أوائل ملك المعتصم، وكان بعد

ص: 142


1- الكافي: ج1 ص492، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) .

هلاك المأمون بسنتين ونصف تقريباً، كما قال الإمام (عليه السلام) : «الفرج بعد المأمون بثلاثين شهراً»(1).

وهذا القول يدل على شدة ما كان يلاقيه الإمام أيام حكومة الطغاة العباسيين.

وكان المعتصم العباسي قد أشخص الإمام إلى بغداد في أول سنة 220 التي توفي فيها (عليه السلام) .

قال في روضة الواعظين: قبض الإمام الجواد (عليه السلام) ببغداد قتيلاً مسموماً(2)، وقال ابن بابويه: سمه المعتصم، وقال ابن شهرآشوب: قبض مسموماً.

وقال المرتضى في عيون المعجزات: إن المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (عليه السلام) ، وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمه؛ لأنه وقف على إنحرافها عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وشدة غيرتها عليه، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها، ولأنه لم يرزق منها ولداً، فأجابته إلى ذلك، وجعلت سماً في عنب رازقي ووضعته بين يديه(3).

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، أنه قال - في العشية التي توفي فيها -: «إني ميت الليلة - ثم قال - نحن معشر إذا لم يرض اللّه لأحدنا الدنيا نقلنا إليه»(4).

ص: 143


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج4 ص403، الباب السابع والعشرون، الفصل السابع، ح36.
2- روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: ج1 ص243، مجلس في ذكر إمامة أبي جعفر محمد بن علي ومناقبه (عليه السلام) .
3- عيون المعجزات: ص129، وصارت الامامة للمولى التقي أبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) ، سمته أم الفضل بعنب رازقي ووقت وفاته وموضع دفنه.
4- الخرائج والجرائح: ج2 ص773، الباب الخامس عشر في الدلالات والبراهين على صحة إمامة الاثني عشر إماماً (عليهم السلام) ، ح94.

انتقال الإمامة والأمانة

في بصائر الدرجات: روي أنه بينا أبو الحسن الهادي (عليه السلام) جالس مع مؤدب له يكنى: أبا زكريا، وأبو جعفر عندنا إنه ببغداد، وأبو الحسن يقرأ من اللوح على مؤدبه، إذ بكى بكاءً شديداً، فسأله المؤدب: ما بكاؤك؟! فلم يجبه. وقال: «ائذن لي بالدخول». فأذن له، فارتفع الصياح والبكاء من منزله، ثم خرج إلينا، فسألناه عن البكاء؟. فقال: «إن أبي قد توفي الساعة». فقلنا: بما علمت؟. قال: «قد دخلني من إجلال اللّه ما لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أنه قد مضى». فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر، فإذا هو مضى في ذلك الوقت(1).

وفي الكافي: عن هارون بن الفضل، قال: رأيت أبا الحسن علي بن محمد (عليه السلام) في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر (عليه السلام) . فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى أبو جعفر». فقيل له: وكيف عرفت؟. قال: «لأنه تداخلني ذلة لله لم أكن أعرفها»(2).

وهي أعلى درجات مقام العبودية للباري عز وجل.

ص: 144


1- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى اللّه عليهم): ج1 ص467، باب21 في الإمام متى يعلم أنه إمام، ح2.
2- الكافي: ج1 ص381، كتاب الحجة، باب في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه، ح5.

19

لعن قتلة المعصومين

اشارة

من المستحب لعن قتلة المعصومين (عليهم السلام) ، كلعن قتلة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولعن قتلة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولعن قتلة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، ولعن قتلة الإمام الحسن (عليه السلام) ، ولعن قتلة الإمام الحسين (عليهم السلام) ، ولعن قتلة سائر الأئمة (عليهم السلام) .

ومن مصاديقه لعن المعتصم قاتل الإمام محمد الجواد (عليه السلام) :

ففي إقبال الأعمال في دعاء كل يوم من شهر رمضان: «اللّهم صل على محمد بن علي إمام المسلمين - إلى قوله - وضاعف العذاب على من شرك في دمه» قال: وهو المعتصم(1).

روايات في لعن القتلة

قال ابن أبي الحديد: (كان علي (عليه السلام) يقنت في صلاة الفجر وفي صلاة المغرب، ويلعن: معاوية، وعمر، والمغيرة، والوليد بن عقبة، وأبا الأعور، والضحاك بن قيس، وبسر بن أرطاة، وحبيب بن مسلمة، وأبا موسى الأشعري، ومروان بن الحكم)(2).

وقال ابن أبي الحديد أيضاً: (كان معه - أي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) - من الصحابة

ص: 145


1- إقبال الأعمال: ج1 ص97، الباب الخامس، الصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في كل يوم من شهر رمضان.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص79، فصل في ذكر المنحرفين عن علي.

قوم كثيرون سمعوا من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يلعن معاوية بعد إسلامه، ويقول: إنه منافق كافر، وإنه من أهل النار، والأخبار في ذلك مشهورة)(1).

وقال العلامة الحلي (رحمه اللّه) : (إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يلعنه - أي معاوية - دائماً ويقول: الطليق بن الطليق، اللعين بن اللعين)(2).

وعن طارق بن شهاب، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للحسن والحسين: «أنتما إمامان بعدي، سيدا شباب أهل الجنة، والمعصومان، حفظكما اللّه، ولعنة اللّه على من عاداكما»(3).

وعن جبلة المكيَة، قالت: سمعت ميثم التمار (قدس اللّه روحه) يقول: (واللّه لتقتل هذه الأمة ابن نبيها).

إلى أن قال: (وجبت لعنة اللّه على قتلة الحسين (عليه السلام) كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع اللّه إلهاً آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس)(4).

وعن ابن عباس: أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال عند موته... قال: ثم أقبل على علي (عليه السلام) فقال: «يا أخي، إن قريشاً ستظاهر عليكم، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكفّ يدك، واحقن دمك. أما إن الشهادة من ورائك، لعن اللّه قاتلك».

ص: 146


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص65، ومن كتاب له ع إلى معاوية.
2- نهج الحق وكشف الصدق: ص309، لعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) معاوية.
3- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ص221-222، باب ما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار ونصه على ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) .
4- علل الشرائع: ج1 ص228، باب162 العلة التي من أجلها صار يوم عاشوراء أعظم الأيام مصيبة.

ثم أقبل على ابنته (عليها السلام) فقال: «إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتى تضربي ويكسر ضلع من أضلاعك. لعن اللّه قاتلك، ولعن الآمر، والراضي، والمعين، والمظاهر عليكِ، وظالم بعلكِ وابنيكِ.

وأما أنت يا حسن، فإن الأمة تغدر بك، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم، وإلا فكف يدك، واحقن دمك، فإن الشهادة من ورائك. لعن اللّه قاتلك، والمعين عليك، فإن الذي يقتلك ولد زناً، ابن ولد زناً، ابن ولد زناً»(1).

وقال علي بن الحسين (عليه السلام) : «لعن اللّه من قتل أبي»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - لما نزلت آية في اليهود -: «هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد اللّه، وكذبوا رسل اللّه، وقتلوا أولياء اللّه، أ فلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة؟». قالوا: بلى يا رسول اللّه.

قال: «قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي، يقتلون أفاضل ذريتي، وأطايب أرومتي، ويبدلون شريعتي وسنتي، ويقتلون ولدي الحسن والحسين، كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى. ألا وإن اللّه يلعنهم كما لعنهم، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهدياً من ولد الحسين المظلوم، يحرفهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم. ألا ولعن اللّه قتلة الحسين، ومحبيهم وناصريهم، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم»(3).

ص: 147


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص907-908، الحديث الحادي والستون.
2- تفسير القمي: ج2 ص352، سورة الحديد: الآيات 22 إلى 23.
3- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : ص368-369، سورة البقرة: الآيات 84 إلى 86، ح258.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كان الحسين (عليه السلام) مع أمه تحمله، فأخذه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال:

لعن اللّه قاتلك، ولعن اللّه سالبك، وأهلك اللّه المتوازرين عليك، وحكم اللّه بيني وبين من أعان عليك»(1).

وعن داود الرقي، قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) إذا استسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر، واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال لي: «يا داود، لعن اللّه قاتل الحسين (عليه السلام) ، وما من عبد شرب الماء، فذكر الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، ولعن قاتله، إلا كتب اللّه عز وجل له مائة ألف حسنة، وحط عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره اللّه عزوجل يوم القيامة ثلج الفؤاد»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم؛ فإنها تلعن قتلة الحسين بن علي (عليه السلام) ، ولعن اللّه قاتله»(3).

ص: 148


1- تفسير فرات الكوفي: ص171، سورة التوبة: آية 111، ح219.
2- الكافي: ج6 ص391، كتاب الأشربة، باب النوادر، ح6.
3- الكافي: ج6 ص547-548، كتاب الدواجن، باب الحمام، ح13.

20

البكاء والعزاء على الإمام (عليه السلام)

من المستحب البكاء وإقامة العزاء على فقد الإمام محمد الجواد (عليه السلام) .

قال الإمام الرضا (عليه السلام) - في حديث حول ولده الجواد (عليه السلام) -: «يُقتل غصباً، فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب اللّه تعالى على عدوه وظالمه، فلا يلبث إلا يسيراً، حتى يعجل اللّه به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد»(1).

ص: 149


1- بحار الأنوار: ج50 ص15، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب1 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح19.

21

المدفن الشريف

اشارة

دفن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) في البقعة الكاظمية المباركة، خلف جده الإمام موسى بن جعفر (عليه الصلاة والسلام) حيث مزاره الآن.

كرامات بعد الدفن

قيل: إنه ورد في تتمة تاريخ أبي شجاع الوزير، أنه لما حرقوا القبور بمقابر قريش، حاولوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، وإخراجه وتحويله إلى مقابر أحمد، فحال تراب الهدم ورماد الحريق، بينهم وبين معرفة قبره الشريف(1).

ص: 150


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) : ج4 ص397، باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام) ، فصل في آياته (عليه السلام) .

22

أولاد الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان للإمام الجواد (عليه السلام) حسب المشهور: ثمانية أولاد، أربعة ذكور وأربع إناث، وقيل أكثر.

وهم: الإمام علي النقي (عليه الصلاة والسلام)، وموسى المبرقع، وحسين، وعمران، وفاطمة، وخديجة، وأم كلثوم، وحكيمة، وأُمامة، وأمهم سمانة المغربية.

أما أم الفضل بنت المأمون فلم تُرزق بولد.

يقول المحدث القمي: إنه يظهر من تاريخ قم أن من أولاد الإمام الجواد (عليه السلام) أيضاً: زينب، وأم محمد، وميمونة.

موسى المبرقع

موسى المبرقع لأم ولد، وقد مات بقم المقدسة وقبره بها مزار للمؤمنين.

فهو أبو أحمد موسى المبرقع، الأخ الشقيق لأبي الحسن الهادي (عليه السلام) ، سمي بالمبرقع لأنه كان يسدل برقعاً على وجهه، أمه أم ولد تدعى (سمانة المغربية)، ويعتبر موسى جد السادة الرضوية، قدم قم سنة 256ه- - وهو أول من انتقل من الكوفة إليها من السادة الرضوية - فلم يعرفه القميون، فانتقل عنهم إلى كاشان، فأكرمه أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي، فرحب به وأكرمه، وأهدى إليه

ص: 151

خلاعاً فاخرة، وأفراساً جياداً، ووظفه في كل سنة ألف مثقال من الذهب، وفرساً مسرجاً. فلما عرفه القميون أرسلوا رؤساءهم إلى كاشان لطلبه، وردوه إلى قم واعتذروا منه، وأكرموه واشتروا من مالهم داراً، ووهبوا له سهاماً من القرى، وأعطوه عشرين ألف درهم، واشترى ضياعاً كثيرة. ثم جاءته أخواته زينب وأم محمد وميمونة بنات الإمام الجواد (عليه السلام) ونزلن عنده، ولما توفين دفن عند فاطمة بنت الإمام الكاظم (عليها السلام) .

أقام موسى في قم حتى مات سنة 266ه- ودفن في داره, وقيل: في دار محمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري وهو المشهد المعروف اليوم. وقد أفرد المحدث النوري (رحمه اللّه) في أحواله رسالة أسماها (البدر المشعشع في أحوال موسى المبرقع).

يقول ابن عنبة في عمدة الطالب: (أما موسى المبرقع بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم (عليه السلام) ، وهو لأم ولد مات بقم وقبره بها، يقال لوُلده: الرضويون، وهم بقم إلاّ من شذ منهم إلى غيرها. فأعقب من أحمد بن موسى المبرقع وحده، وزعم الشريف أبو حرب الدينوري النسابة أن محمد بن موسى المبرقع أيضاً معقب، ورفع إليه نسب بني الخشاب... فأعقب أحمد بن موسى المبرقع من محمد الأعرج وحده، والبقية في ولده لابنه أبي عبد اللّه أحمد نقيب قم...)(1).

ص: 152


1- عمدة الطالب - ابن عنبة: ص201، عقب الإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام) .

درر من كلمات الإمام (عليه السلام)

ذكر أهل البيت (عليه السلام)

عن أبي طالب القمي، قال: كتبت إلى أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) ، فأذن لي أن أرثي أبا الحسن، أعني أباه - قال - وكتب إليَّ: «اندبني واندب أبي»(1).

حقوق الناس

عن عبد الكريم - من أهل همدان -، عن رجل يقال له: أبو تمامة، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : إني أريد أن ألزم مكة والمدينة وعليَّ دين، فما تقول؟. فقال (عليه السلام) : «ارجع إلى مؤدى دينك، وانظر أن تلقى اللّه عز وجل وليس عليك دين، إن المؤمن لا يخون»(2).

وجوب الخمس

علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، إذا دخل إليه صالح بن محمد بن سهل الهمداني، وكان يتولى له. فقال له: جعلت فداك،

ص: 153


1- بحار الأنوار: ج26 ص232، تتمة كتاب الإمامة، ب2 من أبواب سائر فضائلهم ومناقبهم وغرائب شئونهم (صلوات اللّه عليهم)، ح8.
2- تهذيب الأحكام: ج6 ص184-185، ب81 من كتاب الديون والكفالات والحوالات والضمانات والوكالات، ح7.

اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل؛ فإني أنفقتها.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : «أنت في حل». فلما خرج صالح من عنده، قال أبو جعفر (عليه السلام) : «أحدهم يثب على مال آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فيأخذه ثم يقول: اجعلني في حل، أ تراه ظن بي أني أقول له لا أفعل. واللّهِ ليسألنهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً»(1).

من فلسفة التفاوت

عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه، حدثني بحديث عن آبائك (عليهم السلام) ؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا، فإذا استووا هلكوا».

لو تكاشفتم

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لو تكاشفتم ما تدافنتم».

الأخلاق الحسنة

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه، وحسن اللقاء؛ فإني

ص: 154


1- بحار الأنوار: ج50 ص105، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب5 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح23.

سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم».

لا تعتب على الزمان

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

قال الإمام الجواد (عليه السلام) : حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من عتب على الزمان طالت معتبته».

مجالسة الأشرار

فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال الإمام الجواد (عليه السلام) : حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «مجالسة الأشرار تورث السوء الظن بالأخيار».

العدوان على العباد

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

قال الإمام الجواد (عليه السلام) : حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد».

قيمة المرء

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «قيمة كل امرئ ما يحسنه».

دور اللسان

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

ص: 155

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «المرء مخبوء تحت لسانه».

اعرف قدرك

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ما هلك امرؤ عرف قدره».

التدبير قبل العمل

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم».

لا تثق بالزمان

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من وثق بالزمان صرع».

المخاطرة بالنفس

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «خاطر بنفسه من استغنى برأيه».

قلة العيال

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

ص: 156

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «قلة العيال أحد اليسارين».

أقول: وقد بينا معنى هذه الرواية في بعض كتبنا(1).

العُجب والهلاك

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من دخله العجب هلك».

من أسباب الكرم

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من أيقن بالخلف جاد بالعطية».

ص: 157


1- قد يكون ذلك بياناً للأمر الخارجي، وليس حثاً على قلة العيال، وربما يكون ترغيباً في تزويج الأولاد بأسرع وقت ممكن لتقل عيال الأب، أو يكون المراد بالعيال: الذين يكلفونه ما لا يطيق، حيث ورد أنه (يأتي على الرجل زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وولده وأبويه يعيرونه بالفقر ويكلفونه ما لا يطيق فيدخل المدخل التي يذهب فيها دينه فيهلك)، وربما يكون المراد بقلة العيال قلة خدمه وحشمه لا الأولاد، وهذا المعنى الأخير هو ما ذكره الإمام الشيرازي (رحمه اللّه) ، قال في كتابه: (تسعون مليار من البشر): أما قوله (عليه السلام) : (قلة العيال أحد اليسارين)، فالظاهر أن المراد من العيال الذين هم في إعالة الرجل وتحت كفالته من خدم وحشم ونحو ذلك، فإنه ليس من المتعارف تسمية الأولاد بالعيال إذ ليس على الإنسان أن يوسع دائرة عياله ولا ربط لذلك بالأولاد، إذ النسبة بين الأمرين هو: العموم من وجه على ما يقوله علماء علم المنطق، فلا يكون أحدهما دليلاً على الآخر، كما لا يكون الإنسان دليلاً على الأبيض، ولا الأبيض دليلاً على الإنسان، فان بينهما عموماً من وجه، فإنه قد يكون إنساناً أسود فهو ليس بأبيض وقد يكون قطناً أبيض فهو ليس بأسود كما هو واضح. انتهى.

الرضا بالعافية

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه؟.

فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من رضي بالعافية ممن دونه، رزق السلامة ممن فوقه».

قال: فقلت له: حسبي(1).

الصبر على البلاء

قال الإمام الجواد (عليه السلام) : «فأيما رجل من شيعتنا اشتكى، فصبر واحتسب، كتب اللّه له أجر ألف شهيد»(2).

صلاة المكاري

عن أبي الصلت الهروي، قال: حضرت مجلس الإمام محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، وعنده جماعة من الشيعة وغيرهم. فقام إليه رجل وقال: يا سيدي، جعلت فداك. فقال: «لا يقصر اجلس». ثم قام إليه آخر - إلى أن قال - فلما انصرف من كان في المجلس. قلت له: جعلت فداك يا سيدي، رأيت عجباً؟. قال: «نعم تسألني عن الرجلين». قلت: نعم يا سيدي. فقال: «أما الأول فإنه قام يسألني عن الملاح يقصر في السفينة. فقلت: لا؛ لأن السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها»(3)، الخبر.

ص: 158


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص446-447، المجلس الثامن والستون، ح9.
2- بحار الأنوار: ج50 ص53، تتمة كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد، الباب3 من أبواب تاريخ الإمام التاسع، ح31.
3- مستدرك الوسائل: ج6 ص535، تتمة كتاب الصلاة، الباب8 من أبواب صلاة المسافر، ح7446.

علاج كثرة الزلازل

روى علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز، وقلت: ترى لي التحول عنها؟.

فكتب (عليه السلام) : «لا تتحولوا عنها، وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة، واغتسلوا وطهروا ثيابكم، وأبرزوا يوم الجمعة، وادعوا اللّه؛ فإنه يدفع عنكم».

قال: ففعلنا فسكنت الزلازل(1).

زيارة الإمام الرضا

عن علي بن أسباط، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) : ما لمن زار والدك (عليه السلام) بخراسان؟. قال: «الجنة واللّه، الجنة واللّه»(2).

ثواب زيارة السيدة المعصومة

عن ابن الرضا (عليهما السلام) ، قال: «من زار قبر عمتي بقم فله الجنة»(3).

ص: 159


1- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص544، أبواب الصلاة وحدودها، باب صلاة الكسوف والزلازل والرياح والظلم وعلتها، ح1515.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص257، باب66 في ذكر ثواب زيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، ح13.
3- كامل الزيارات: ص324، الباب السادس والمائة فضل زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر (صلوات اللّه عليها) بقم.

24

من أدعية الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان الإمام محمد الجواد (عليه السلام) في قمة العبودية لله عز وجل، كثير الدعاء والاستغفار، شديد الخشوع والخضوع للباري تعالى.

وقد روى السيد ابن طاووس (رحمه اللّه) في مهج الدعوات، والعلامة المجلسي (رحمه اللّه) في البحار بعض أدعيته ومناجاته (صلوات اللّه عليه):

قنوت الإمام (عليه السلام)

«اللَّهُمَّ مَنَائِحُكَ مُتَتَابِعَةٌ، وَأَيَادِيكَ مُتَوَالِيَةٌ، وَنِعَمُكَ سَابِغَةٌ، وَشُكْرُنَا قَصِيرٌ، وَحَمْدُنَا يَسِيرٌ، وَأَنْتَ بِالتَّعَطُّفِ عَلَى مَنِ اعْتَرَفَ جَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ وَقَدْ غَصَّ أَهْلُ الحَقِّ بِالرِّيقِ، وَارْتَبَكَ أَهْلُ الصِّدْقِ فِي المَضِيقِ، وَأَنْتَ اللَّهُمَّ بِعِبَادِكَ وَذَوِي الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ شَفِيقٌ، وَبِإِجَابَةِ دُعَائِهِمْ وَتَعْجِيلِ الْفَرَجِ عَنْهُمْ حَقِيقٌ.

اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَادِرْنَا مِنْكَ بِالْعَوْنِ الَّذِي لاَ خِذْلاَنَ بَعْدَهُ، وَالنَّصْرِ الَّذِي لاَ بَاطِلَ يَتَكَأَّدُهُ، وَأَتِحْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ مَتَاحاً فَيَّاحاً، يَأْمَنُ فِيهِ وَلِيُّكَ، وَيَخِيبُ فِيهِ عَدُوُّكَ، وَتُقَامُ فِيهِ مَعَالِمُكَ، وَتَظْهَرُ فِيهِ أَوَامِرُكَ، وَتَنْكَفُّ فِيهِ عَوَادِي عِدَاتِكَ.

اللَّهُمَّ بَادِرْنَا مِنْكَ بِدَارِ الرَّحْمَةِ، وَبَادِرْ أَعْدَاءَكَ مِنْ بَأْسِكَ بِدَارِ النَّقِمَةِ، اللَّهُمَّ

ص: 160

أَعِنَّا وَأَغِثْنَا، وَارْفَعْ نَقِمَتَكَ عَنَّا، وَأَحِلَّهَا بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(1).

قنوت آخر

«اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ بِلاَ أَوَّلِيَّةٍ مَعْدُودَةٍ، وَالآخِرُ بِلاَ آخِرِيَّةٍ مَحْدُودَةٍ، أَنْشَأْتَنَا لاَ لِعِلَّةٍ اقْتِسَاراً، وَاخْتَرَعْتَنَا لاَ لِحَاجَةٍ اقْتِدَاراً، وَابْتَدَعْتَنَا بِحِكْمَتِكَ اخْتِيَاراً، وَبَلَوْتَنَا بِأَمْرِكَ وَنَهْيِكَ اخْتِبَاراً، وَأَيَّدْتَنَا بِالآلاَتِ، وَمَنَحْتَنَا بِالأَدَوَاتِ، وَكَفَلْتَنَا الطَّاقَةَ، وَجَشَمْتَنَا الطَّاعَةَ، فَأَمَرْتَ تَخْيِيراً، وَنَهَيْتَ تَحْذِيراً، وَخَوَّلْتَ كَثِيراً، وَسَأَلْتَ يَسِيراً، فَعُصِيَ أَمْرُكَ فَحَلَمْتَ، وَجُهِلَ قَدْرُكَ فَتَكَرَّمْتَ، فَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْبَهَاءِ، وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالإِحْسَانِ وَالنَّعْمَاءِ، وَالْمَنِّ وَالآلاَءِ، وَالْمِنَحِ وَالْعَطَاءِ، وَالإِنْجَازِ وَالْوَفَاءِ.

لاَ تُحِيطُ الْقُلُوبُ لَكَ بِكُنْهٍ، وَلاَ تُدْرِكُ الأَوْهَامُ لَكَ صِفَةً، وَلاَ يُشْبِهُكَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِكَ، وَلاَ يُمَثَّلُ بِكَ شَيْءٌ مِنْ صَنْعَتِكَ، تَبَارَكْتَ أَنْ تُحَسَّ أَوْ تُمَسَّ، أَوْ تُدْرِكَكَ الحَوَاسُّ الخَمْسُ.

وَأَنَّى يُدْرِكُ مَخْلُوقٌ خَالِقَهُ، وَتَعَالَيْتَ يَا إِلَهِي عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً.

اللَّهُمَّ أَدِلْ لأَوْلِيَائِكَ مِنْ أَعْدَائِكِ الظَّالِمِينَ، الْبَاغِينَ النَّاكِثِينَ، الْقَاسِطِينَ الْمَارِقِينَ، الَّذِينَ أَضَلُّوا عِبَادَكَ، وَحَرَّفُوا كِتَابَكَ، وَبَدَّلُوا أَحْكَامَكَ، وَجَحَدُوا حَقَّكَ، وَجَلَسُوا مَجَالِسَ أَوْلِيَائِكَ، جُرْأَةً مِنْهُمْ عَلَيْكَ، وَظُلْماً مِنْهُمْ لأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ، عَلَيْهِمْ سَلاَمُكَ وَصَلَوَاتُكَ، وَرَحْمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا خَلْقَكَ، وَهَتَكُوا حِجَابَ سِرِّكَ عَنْ عِبَادِكَ، وَاتَّخَذُوا اللَّهُمَّ مَالَكَ دُوَلاً، وَعِبَادَكَ

ص: 161


1- بحار الأنوار: ج82 ص225، تتمة كتاب الصلاة، الباب33 في القنوتات الطويلة المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) .

خَوَلاً، وَتَرَكُوا اللَّهُمَّ عَالِمَ أَرْضِكَ فِي بَكْمَاءَ عَمْيَاءَ، ظَلْمَاءَ مُدْلَهِمَّةً، فَأَعْيُنُهُمْ مَفْتُوحَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ عَمِيَّةٌ، وَلَمْ تَبْقَ لَهُمُ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ مِنْ حُجَّةٍ، لَقَدْ حَذَّرْتَ اللَّهُمَّ عَذَابَكَ، وَبَيَّنْتَ نَكَالَكَ، وَوَعَدْتَ المُطِيعِينَ إِحْسَانَكَ، وَقَدَّمْتَ إِلَيْهِمْ بِالنُّذُرِ، فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ، وَأَيَّدْتَ اللَّهُمَّ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّ أَوْلِيَائِكَ، فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ، وَإِلَى الحَقِّ دَاعِينَ، وَلِلإِمَامِ المُنْتَظَرِ الْقَائِمِ بِالْقِسْطِ تَابِعِينَ، وَجَدِّدِ اللَّهُمَّ عَلَى أَعْدَائِكَ وَأَعْدَائِهِمْ نَارَكَ وَعَذَابَكَ، الَّذِي لا تَدْفَعُهُ عَنِ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوِّ ضَعْفَ المُخْلَصِينَ لَكَ بِالمَحَبَّةِ، المُشَايِعِينَ لَنَا بِالمُوَالاَةِ، المُتَّبِعِينَ لَنَا بِالتَّصْدِيقِ وَالْعَمَلِ، المُؤَازِرِينَ لَنَا بِالمُوَاسَاةِ فِينَا، المُحْيِينَ ذِكْرَنَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ، وَشَدِّدِ اللَّهُمَّ رُكْنَهُمْ، وَسَدِّدْ لَهُمُ اللَّهُمَّ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُمْ، وَأَتْمِمْ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَكَ، وَخَلِّصْهُمْ وَاسْتَخْلِصْهُمْ.

وَسُدَّ اللَّهُمَّ فَقْرَهُمْ، وَالْمُمِ اللَّهُمَّ شَعَثَ فَاقَتِهِمْ، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ ذُنُوبَهُمْ وَخَطَايَاهُمْ، وَلاَ تُزِغْ قُلُوبُهُمْ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ، وَلاَ تُخْلِهِمْ أَيْ رَبِّ بِمَعْصِيَتِهِمْ، وَاحْفَظْ لَهُمْ مَا مَنَحْتَهُمْ بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ، بِوَلاَيَةِ أَوْلِيَائِكَ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ، إِنَّكَ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ»(1).

مناجاة الاستخارة

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّ خِيَرَتَكَ فِيمَا أَسْتَخِيرُكَ فِيهِ تُنِيلُ الرَّغَائِبَ، وَتُجْزِلُ المَوَاهِبَ، وَتُغْنِمُ المَطَالِبَ، وَتُطَيِّبُ المَكَاسِبَ، وَتَهْدِي إِلَى أَجْمَلِ المَذَاهِبِ، وَتَسُوقُ إِلَى أَحْمَدِ الْعَوَاقِبِ، وَتَقِي مَخُوفَ النَّوَائِبِ.

ص: 162


1- مهج الدعوات: ص59-60،ذكر قنوتات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ، ودعا (عليه السلام) في قنوته.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ فِيمَا عَزَمَ رَأْيِي عَلَيْهِ، وَقَادَنِي عَقْلِي إِلَيْهِ، سَهِّلِ اللَّهُمَّ مِنْهُ مَا تَوَعَّرَ، وَيَسِّرْ مِنْهُ مَا تَعَسَّرَ، وَاكْفِنِي فِيهِ الْمُهِمَّ، وَادْفَعْ عَنِّي كُلَّ مُلِمٍّ، وَاجْعَلْ رَبِّ عَوَاقِبَهُ غُنْماً، وَخَوْفَهُ سِلْماً، وَبُعْدَهُ قُرْباً، وَجَدْبَهُ خِصْباً، وَأَرْسِلِ اللَّهُمَّ إِجَابَتِي، وَأَنْجِحْ فِيهِ طَلِبَتِي، وَاقْضِ حَاجَتِي، وَاقْطَعْ عَوَائِقَهَا، وَامْنَعْ بَوَائِقَهَا، وَأَعْطِنِي اللَّهُمَّ لِوَاءَ الظَّفَرِ بِالْخِيَرَةِ فِيمَا اسْتَخَرْتُكَ، وَوُفُورَ الْغَنَمِ فِيمَا دَعَوْتُكَ، وَعَوَائِدَ الإِفْضَالِ فِيمَا رَجَوْتُكَ، وَاقْرِنْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالنَّجَاحِ، وَحُطَّهُ بِالصَّلاحِ، وَأَرِنِي أَسْبَابَ الْخِيَرَةِ فِيهِ وَاضِحَةً، وَأَعْلاَمَ غُنْمِهَا لاَئِحَةً، وَاشْدُدْ خُنَاقَ تَعَسُّرِهَا، وَانْعَشْ صَرِيعَ تَيَسُّرِهَا، وَبَيِّنِ اللَّهُمَّ مُلْتَبَسَهَا، وَأَطْلِقْ مُحْتَبَسَهَا، وَمَكِّنْ أُسَّهَا فِيهِ حَتَّى تَكُونَ خِيَرَةً مُقْبِلَةً بِالْغَنَمِ، مُزِيلَةً لِلْغُرْمِ، عَاجِلَةَ النَّفْعِ، بَاقِيَةَ الصُّنْعِ، إِنَّكَ وَلِيُّ الْمَزِيدِ، مُبْتَدِئٌ بِالْجُودِ»(1).

مناجاة الاستقالة

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّ الرَّجَاءَ لِسَعَةِ رَحْمَتِكَ أَنْطَقَنِي بِاسْتِقَالَتِكَ، وَالأَمَلَ لأَنَاتِكَ وَرِفْقِكَ شَجَّعَنِي عَلَى طَلَبِ أَمَانِكَ وَعَفْوِكَ، وَلِي يَا رَبِّ ذُنُوبٌ قَدْ وَاجَهَتْهَا أَوْجُهُ الاِنْتِقَامِ، وَخَطَايَا قَدْ لاَحَظَتْهَا أَعْيُنُ الاِصْطِلاِمِ، وَاسْتَوْجَبْتُ بِهَا عَلَى عَدْلِكَ أَلِيمَ الْعَذَابِ، وَاسْتَحْقَقْتُ بِاجْتِرَاحِهَا مُبِيرَ الْعِقَابِ.

وَخِفْتُ تَعْوِيقَهَا لإِجَابَتِي، وَرَدَّهَا إِيَّايَ عَنْ قَضَاءِ حَاجَتِي، وَإِبْطَالِهَا لِطَلِبَتِي، وَقَطْعِهَا لأَسْبَابِ رَغْبَتِي، مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ أَنْقَضَ ظَهْرِي مِنْ ثِقْلِهَا، وَبَهَظَنِي مِنَ الاِسْتِقْلاَلِ بِحَمْلِهَا، ثُمَّ تَرَاجَعْتُ رَبِّ إِلَى حِلْمِكَ عَنِ الْعَاصِينَ، وَعَفْوِكَ عَنِ

ص: 163


1- البلد الأمين: ص161-162، ذكر جملة من النوافل وصلوات الحوائج والاستخارات، ومما يدخل في هذا الباب ويزيد في هذا النقاب ذكر الاستغاثات.

الخَاطِئِينَ، وَرَحْمَتِكَ لِلْمُذْنِبِينَ، فَأَقْبَلْتُ بِثِقَتِي مُتَوَكِّلاً عَلَيْكَ، طَارِحاً نَفْسِي بَيْنَ يَدَيْكَ، شَاكِياً بَثِّي إِلَيْكَ، سَائِلاً رَبِّ مَا لاَ أَسْتَوْجِبُهُ مِنْ تَفْرِيجِ الْغَمِّ، وَلاَ أَسْتَحِقُّهُ مِنْ تَنْفِيسِ الْهَمِّ، مُسْتَقِيلاً رَبِّ لَكَ، وَاثِقاً مَوْلاَيَ بِكَ.

اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيَّ بِالْفَرَجِ، وَتَطَوَّلْ عَلَيَّ بِسَلاَمَةِ المَخْرَجِ، وَادْلُلْنِي بِرَأْفَتِكَ عَلَى سَمْتِ المَنْهَجِ، وَأَزِلَّنِي بِقُدْرَتِكَ عَنِ الطَّرِيقِ الأَعْوَجِ، وَخَلِّصْنِي مِنْ سِجْنِ الْكَرْبِ بِإِقَالَتِكَ، وَأَطْلِقْ أَسْرِي بِرَحْمَتِكَ.

وَتَطَوَّلْ عَلَيَّ بِرِضْوَانِكَ، وَجُدْ عَلَيَّ بِإِحْسَانِكَ، وَأَقِلْنِي رَبِّ عَثْرَتِي، وَفَرِّجْ كُرْبَتِي، وَارْحَمْ عَبْرَتِي، وَلاَ تَحْجُبْ دَعْوَتِي، وَاشْدُدْ بِالإِقَالَةِ أَزْرِي، وَقَوِّ بِهَا ظَهْرِي، وَأَصْلِحْ بِهَا أَمْرِي، وَأَطِلْ بِهَا عُمُرِي، وَارْحَمْنِي يَوْمَ حَشْرِي وَوَقْتَ نَشْرِي، إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ، غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ»(1).

مناجاة السفر

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ سَفَراً فَخِرْ لِي فِيهِ، وَأَوْضِحْ لِي فِيهِ سَبِيلَ الرَّأْيِ وَفَهِّمْنِيهِ، وَافْتَحْ عَزْمِي بِالاِسْتِقَامَةِ، وَاشْمَلْنِي فِي سَفَرِي بِالسَّلاَمَةِ، وَأَفِدْ لِي بِهِ جَزِيلَ الْحَظِّ وَالْكَرَامَةِ، وَاكْلأْنِي فِيهِ بِحَرِيزِ الْحِفْظِ وَالْحِرَاسَةِ.

وَجَنِّبْنِي اللَّهُمَّ وَعْثَاءَ الأَسْفَارِ، وَسَهِّلْ لِي حُزُونَةَ الأَوْعَارِ، وَاطْوِ لِيَ الْبَعِيدَ لِطُولِ انْبِسَاطِ المَرَاحِلِ، وَقَرِّبْ مِنِّي بُعْدَ نَأْيِ المَنَاهِلِ، وَبَاعِدْ فِي المَسِيرِ بَيْنَ خُطَى الرَّوَاحِلِ، حَتَّى تُقَرِّبَ نِيَاطَ الْبَعِيدِ، وَتُسَهِّلَ وُعُورَةَ الشَّدِيدِ.

وَلَقِّنِّي اللَّهُمَّ فِي سَفَرِي نُجْحَ طَائِرِ الْوَاقِيَةِ، وَهَنِّئْنِي غُنْمَ الْعَافِيَةِ، وَخَفِيرَ

ص: 164


1- بحار الأنوار: ج91 ص114-115، تتمة كتاب الذكر والدعاء، الباب32 من تتمة أبواب الدعاء.

الاِسْتِقْلاَلِ، وَدَلِيلَ مُجَاوَزَةِ الأَهْوَالِ، وَبَاعِثْ وُفُودَ الْكِفَايَةِ، وَسَائِحْ خَفِيرَ الْوَلاَيَةِ.

وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَظِيمَ السَّلْمِ، حَاصِلَ الْغُنْمِ، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ رَبِّ اللَّيْلَ سِتْراً لِي مِنَ الآفَاتِ، وَالنَّهَارَ مَانِعاً مِنَ الهَلَكَاتِ، وَاقْطَعْ عَنِّي قَطْعَ لُصُوصِهِ بِقُدْرَتِكَ، وَاحْرُسْنِي مِنْ وُحُوشِهِ بِقُوَّتِكَ، حَتَّى تَكُونَ السَّلاَمَةُ فِيهِ صَاحِبَتِي، وَالْعَافِيَةُ مُقَارِنَتِي، وَالْيُمْنُ سَائِقِي، وَالْيُسْرُ مُعَانِقِي، وَالْعُسْرُ مُفَارِقِي، وَالنُّجْحُ بَيْنَ مَفَارِقِي، وَالْقَدَرُ مُوَافِقِي، وَالأَمْرُ مُرَافِقِي، إِنَّكَ ذُو الْمَنِّ وَالطَّوْلِ، وَالْقُوَّةِ وَالْحَوْلِ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِعِبَادِكَ بَصِيرٌ خَبِيرٌ»(1).

مناجاة طلب الرزق

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ أَرْسِلْ عَلَيَّ سِجَالَ رِزْقِكَ مِدْرَاراً، وَأَمْطِرْ سَحَائِبَ إِفْضَالِكَ عَلَيَّ غِزَاراً، وَأَدِمْ غَيْثَ نَيْلِكَ إِلَيَّ سِجَالاً، وَأَسْبِلْ مَزِيدَ نِعَمِكَ عَلَى خَلَّتِي إِسْبَالاً، وَأَفْقِرْنِي بِجُودِكَ إِلَيْكَ، وَأَغْنِنِي عَمَّنْ يَطْلُبُ مَا لَدَيْكَ، وَدَاوِ دَاءَ فَقْرِي بِدَوَاءِ فَضْلِكَ، وَانْعَشْ صَرْعَةَ عَيْلَتِي بِطَوْلِكَ، وَاجْبُرْ كَسْرَ خَلَّتِي بِنَوْلِكَ، وَتَصَدَّقْ عَلَى إِقْلاَلِي بِكَثْرَةِ عَطَائِكَ، وَعَلَى اخْتِلاَليِ بِكَرَمِ حَيَائِكَ، وَسَهِّلْ رَبِّ سَبِيلَ الرِّزْقِ إِلَيَّ، وَأَثْبِتْ قَوَاعِدَهُ لَدَيَّ، وَبَجِّسْ لِي عُيُونَ سَعَةِ رَحْمَتِكَ، وَفَجِّرْ أَنْهَارَ رَغَدِ الْعَيْشِ قِبَلِي بِرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَأَجْدِبْ أَرْضَ فَقْرِي، وَأَخْصِبْ جَدْبَ ضُرِّي، وَاصْرِفْ عَنِّي فِي الرِّزْقِ الْعَوَائِقَ، وَاقْطَعْ عَنِّي مِنَ الضِّيقِ الْعَلاَئِقَ، وَارْمِنِي اللَّهُمَّ مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ بِأَخْصَبِ سِهَامِهِ، وَاحْبُنِي مِنْ

ص: 165


1- مهج الدعوات: ص260-261، ذكر ما نختاره من الأدعية لمولانا محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، المناجاة بالسفر.

رَغَدِ الْعَيْشِ بِأَكْثَرِ دَوَامِهِ، وَاكْسُنِي اللَّهُمَّ أَيْ رَبِّ سَرَابِيلَ السَّعَةِ، وَجَلَابِيبَ الدَّعَةِ، فَإِنِّي رَبِّ مُنْتَظِرٌ لإِنْعَامِكَ بِحَذْفِ الضِّيقِ، وَلِتَطَوُّلِكَ بِقَطْعِ التَّعْوِيقِ، وَلِتَفَضُّلِكَ بِبَتْرِ التَّقْصِيرِ، وَلِوَصْلِ حَبْلِي بِكَرَمِكَ بِالتَّيْسِيرِ.

وَأَمْطِرِ اللَّهُمَّ عَلَى سَمَاءِ رِزْقِكَ بِسِجَالِ الدِّيَمِ، وَأَغْنِنِي عَنْ خَلْقِكَ بِعَوَائِدِ النِّعَمِ، وَارْمِ مَقَاتِلَ الإِقْتَارِ مِنِّي، وَاحْمِلْ عَسْفَ الضُّرِّ عَنِّي، وَاضْرِبِ الضُّرَّ بِسَيْفِ الاِسْتِيصَالِ، وَامْحَقْهُ رَبِّ مِنْكَ بِسَعَةِ الإِفْضَالِ، وَامْدُدْنِي بِنُمُوِّ الأَمْوَالِ، وَاحْرُسْنِي مِنْ ضِيقِ الإِقْلاَلِ، وَاقْبِضْ عَنِّي سُوءَ الْجَدْبِ، وَابْسُطْ لِي بِسَاطَ الْخِصْبِ، وَصَحِّبْنِي بِالاِسْتِظْهَارِ، وَمَسِّنِي بِالتَّمْكِينِ مِنَ الْيَسَارِ، إِنَّكَ ذُو الطَّوْلِ الْعَظِيمِ، وَالْفَضْلِ الْعَمِيمِ، وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، الْمَلِكُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

اللَّهُمَّ اسْقِنِي مِنْ مَاءِ رِزْقِكَ غَدَقاً، وَانْهَجْ لِي مِنْ عَمِيمِ بَذْلِكَ طُرُقاً، وَافْجَأْنِي بِالثَّرْوَةِ وَالْمَالِ وَانْعَشْنِي فِيهِ بِالاِسْتِقْلاَلِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين»(1).

مناجاة الاستعاذة

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُلِمَّاتِ نَوَازِلِ الْبَلاَءِ، وَأَهْوَالِ عَظَائِمِ الضَّرَّاءِ، فَأَعِذْنِي رَبِّ مِنْ صَرْعَةِ الْبَأْسَاءِ، وَاحْجُبْنِي مِنْ سَطَوَاتِ الْبَلاَءِ، وَنَجِّنِي مِنْ مُفَاجَأَةِ النِّقَمِ، وَاحْرُسْنِي مِنْ زَوَالِ النِّعَمِ، وَمِنْ زَلَلِ الْقَدَمِ، وَاجْعَلْنِي اللَّهُمَّ رَبِّ فِي حِمَى عِزِّكَ، وَحِيَاطَةِ حِرْزِكَ، مِنْ مُبَاغَتَةِ الدَّوَائِرِ، وَمُعَاجَلَةِ الْبَوَادِرِ.

اللَّهُمَّ رَبِّ وَأَرْضُ الْبَلاَءِ فَاخْسِفْهَا، وَعَرْصَةُ الْمِحَنِ فَارْجُفْهَا، وَشَمْسُ النَّوَائِبِ فَاكْسِفْهَا، وَجِبَالُ السَّوْءِ فَانْسِفْهَا، وَكَرْبُ الدَّهْرِ فَاكْشِفْهَا، وَعَوَائِقُ

ص: 166


1- مصباح الكفعمي: ص171، الفصل العشرون في أدعية الأرزاق.

الأُمُورِ فَاصْرِفْهَا، وَأَوْرِدْنِي حِيَاضَ السَّلاَمَةِ، وَاحْمِلْنِي عَلَى مَطَايَا الْكَرَامَةِ، وَاصْحَبْنِي بِإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ، وَاشْمَلْنِي بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَجُدْ عَلَيَّ رَبِّ بِآلائِكَ، وَكَشْفِ بَلاَئِكَ، وَدَفْعِ ضَرَّائِكَ، وَادْفَعْ عَنِّي كَلاَكِلَ عَذَابِكَ، وَاصْرِفْ عَنِّي أَلِيمَ عِقَابِكَ، وَأَعِذْنِي مِنْ بَوَائِقِ الدُّهُورِ، وَأَنْقِذْنِي مِنْ سُوءِ عَوَاقِبِ الأُمُورِ، وَاحْرُسْنِي مِنْ جَمِيعِ الْمَحْذُورِ، وَاصْدَعْ صَفَاةَ الْبَلاَءِ عَنْ أَمْرِي، وَأَشْلِلْ يَدَهُ عَنِّي مُدَّةَ عُمُرِي، إِنَّكَ الرَّبُّ المَجِيدُ، المُبْدِئُ المُعِيدُ، الْفَعَّالُ لِمَا تُرِيدُ»(1).

مناجاة طلب التوبة

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ رَبِّ إِنِّي قَصَدْتُ إِلَيْكَ بِإِخْلاَصِ تَوْبَةٍ نَصُوحٍ، وَتَثْبِيتِ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَدُعَاءِ قَلْبٍ جَرِيحٍ، وَإِعْلاَنِ قَوْلٍ صَرِيحٍ، اللَّهُمَّ رَبِّ فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَابَةَ مُخْلِصِ التَّوْبَةِ، وَإِقْبَالَ سَرِيعِ الأَوْبَةِ، وَمَصَارِعَ تَجَشُّعِ الْحَوْبَةِ، وَقَابِلْ رَبِّ تَوْبَتِي بِجَزِيلِ الثَّوَابِ، وَكَرِيمِ الْمَآبِ، وَحَطِّ الْعِقَابِ، وَصَرْفِ الْعَذَابِ، وَغُنْمِ الإِيَابِ، وَسَتْرِ الْحِجَابِ.

وَامْحُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالتَّوْبَةِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذُنُوبِي، وَاغْسِلْ بِقَبُولِهَا جَمِيعَ عُيُوبِي، وَاجْعَلْهَا جَالِيَةً لِرَيْنِ قَلْبِي، شَاحِذَةً لِبَصِيرَةِ لُبِّي، غَاسِلَةً لِدَرَنِي، مُطَهِّرَةً لِنَجَاسَةِ بَدَنِي، مُصَحِّحَةً فِيهَا ضَمِيرِي، عَاجِلَةً إِلَى الْوَفَاءِ بِهَا مَصِيرِي، وَاقْبَلْ رَبِّ تَوْبَتِي، فَإِنَّهَا بِصِدْقٍ مِنْ إِخْلاَصِ نِيَّتِي، وَمَحْضٍ مِنْ تَصْحِيحِ بَصِيرَتِي، وَاحْتِفَالٍ فِي طَوِيَّتِي، وَاجْتِهَادٍ فِي لِقَاءِ سَرِيرَتِي، وَتَثْبِيتِ إِنَابَتِي، وَمُسَارَعَةٍ إِلَى أَمْرِكَ بِطَاعَتِي.

ص: 167


1- مهج الدعوات: ص262، ذكر ما نختاره من الأدعية لمولانا محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، المناجاة بالاستعاذة.

وَاجْلُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَنِّي بِالتَّوْبَةِ ظُلْمَةَ الإِصْرَارِ، وَامْحُ بِهَا مَا قَدَّمْتُهُ مِنَ الأَوْزَارِ، وَاكْسُنِي بِهَا لِبَاسَ التَّقْوَى، وَجَلاَبِيبَ الْهُدَى، فَقَدْ خَلَعْتُ رِبْقَ المَعَاصِي عَنْ جِلْدِي، وَنَزَعْتُ سِرْبَالَ الذُّنُوبِ عَنْ جَسَدِي، مُتَمَسِّكاً رَبِّ بِقُدْرَتِكَ، مُسْتَعِيناً عَلَى نَفْسِي بِعِزَّتِكَ، مُسْتَوْدِعاً تَوْبَتِي مِنَ النَّكْثِ بِخَفْرَتِكَ، مُعْتَصِماً مِنَ الْخِذْلاَنِ بِعِصْمَتِكَ، مُقِرّاً بِلا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ»(1).

مناجاة طلب الحج

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الحَجَّ الَّذِي افَتَرَضْتَهُ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَاجْعَلْ لِي فِيهِ هَادِياً وَإِلَيْهِ دَلِيلاً، وَقَرِّبْ لِي بُعْدَ المَسَالِكِ، وَأَعِنِّي فِيهِ عَلَى تَأْدِيَةِ المَنَاسِكِ.

وَحَرِّمْ بِإِحْرَامِي عَلَى النَّارِ جَسَدِي، وَزِدْ لِلسَّفَرِ فِي زَادِي وَقُوَّتِي وَجِلْدِي، وَارْزُقْنِي رَبِّ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَالإِفَاضَةَ إِلَيْكَ، وَظَفِّرْنِي بِالنُّجْحِ، وَاحْبُنِي بِوَافِرِ الرِّبْحِ، وَأَصْدِرْنِي رَبِّ مِنْ مَوْقِفِ الحَجِّ الأَكْبَرِ إِلَى مُزْدَلِفَةِ المَشْعَرِ، وَاجْعَلْهَا زُلْفَةً إِلَى رَحْمَتِكَ، وَطَرِيقاً إِلَى جَنَّتِكَ.

أَوْقِفْنِي مَوْقِفَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، وَمَقَامَ وُفُودِ الإِحْرَامِ، وَأَهِّلْنِي لِتَأْدِيَةِ المَنَاسِكِ، وَنَحْرِ الْهَدْيِ التَّوَامِكِ، بِدَمٍ يَثُجُّ، وَأَوْدَاجٍ تَمُجُّ، وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ المَسْفُوحَةِ، مِنَ الهَدَايَا المَذْبُوحَةِ، وَفَرْيِ أَوْدَاجِهَا عَلَى مَا أَمَرْتَ، وَالتَّنَفُّلِ بِهَا كَمَا رَسَمْتَ.

وَأَحْضِرْنِي اللَّهُمَّ صَلاَةَ الْعِيدِ، رَاجِياً لِلْوَعْدِ، حَالِقاً شَعْرَ رَأْسِي وَمُقَصِّراً، مُجْتَهِداً فِي طَاعَتِكَ مُشَمِّراً، رَامِياً لِلْجِمَارِ بِسَبْعٍ بَعْدَ سَبْعٍ مِنَ الأَحْجَارِ،

ص: 168


1- بحار الأنوار: ج91 ص117-118، تتمة كتاب الذكر والدعاء، الباب32 من تتمة أبواب الدعاء.

وَأَدْخِلْنِي اللَّهُمَّ عَرْصَةَ بَيْتِكَ وَعَقْوَتَكَ، وَأَوْلِجْنِي مَحَلَّ أَمْنِكَ وَكَعْبَتَكَ، وَمُشَاكِيكَ وَسُؤَّالَكَ وَمَحَاوِيجَكَ.

وَجُدْ عَلَيَّ اللَّهُمَّ بِوَافِرِ الأَجْرِ، مِنَ الاِنْكِفَاءِ وَالنَّفْرِ، وَاخْتِمْ لِي مَنَاسِكَ حَجِّي، وَانْقِضَاءَ عَجِّي، بِقَبُولٍ مِنْكَ لِي، وَرَأْفَةٍ مِنْكَ بِي، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

مناجاة كشف الظلم

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّ ظُلْمَ عِبَادِكَ قَدْ تَمَكَّنَ فِي بِلاَدِكَ، حَتَّى أَمَاتَ الْعَدْلَ، وَقَطَعَ السُّبُلَ، وَمَحَقَ الْحَقَّ، وَأَبْطَلَ الصِّدْقَ، وَأَخْفَى الْبِرَّ، وَأَظْهَرَ الشَّرَّ، وَأَهْمَلَ التَّقْوَى، وَأَزَالَ الْهُدَى، وَأَزَاحَ الْخَيْرَ، وَأَثْبَتَ الضَّيْرَ، وَأَنْمَى الْفَسَادَ، وَقَوَّى الْعِنَادَ، وَبَسَطَ الْجَوْرَ، وَعَدَى الطَّوْرَ.

اللَّهُمَّ يَا رَبِّ لاَ يَكْشِفُ ذَلِكَ إِلاَّ سُلْطَانُكَ، وَلاَ يُجِيرُ مِنْهُ إِلاَّ امْتِنَانُكَ.

اللَّهُمَّ رَبِّ فَابْتُرِ الظُّلْمَ، وَبُتَّ جِبَالَ الْغَشْمِ، وَ أَخْمِلْ سُوقَ الْمُنْكَرِ، وَأَعِزَّ مَنْ عَنْهُ زُجِرَ، وَاحْصُدْ شَأْفَةَ أَهْلِ الْجَوْرِ، وَأَلْبِسْهُمُ الْحَوْرَ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَعَجِّلْ لَهُمُ الْبَتَاتَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمُ المَثُلاَتِ، وَأَمِتْ حَيَاةَ المُنْكَرَاتِ، لِيُؤْمَنَ المَخُوفُ، وَيَسْكُنَ المَلْهُوفُ، وَيَشْبَعَ الجَائِعُ، وَيَحْفَظَ الضَّائِعُ، وَيُؤْوَى الطَّرِيدُ، وَيَعُودَ الشَّرِيدُ، وَيُغْنَى الْفَقِيرُ، وَيُجَارَ المُسْتَجِيرُ، وَيُوَقَّرَ الْكَبِيرُ، وَيُرْحَمَ الصَّغِيرُ، وَيُعَزَّ المَظْلُومُ، وَيُذَلَّ الظَّلُومُ، وَتُفَرَّجَ الْغَمَّاءُ، وَتَسْكُنَ الدَّهْمَاءُ، وَيَمُوتَ الاِخْتِلاَفُ، وَيَحْيَا الاِيتِلاَفُ، وَيَعْلُوَ الْعِلْمُ، وَيَشْمَلَ السِّلْمُ، وَتَجْمُلَ النِّيَّاتُ، وَيُجْمَعَ الشَّتَاتُ،

ص: 169


1- مهج الدعوات: ص263، ذكر ما نختاره من الأدعية لمولانا محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، المناجاة بطلب الحج.

وَيَقْوَى الإِيمَانُ، وَيُتْلَى الْقُرْآنُ، إِنَّكَ أَنْتَ الدَّيَّانُ، المُنْعِمُ الْمَنَّانُ»(1).

مناجاة شكر اللّه تعالى

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى مَرَدِّ نَوَازِلِ الْبَلاءِ، وَمُلِمَّاتِ الضَّرَّاءِ، وَكَشْفِ نَوَائِبِ اللأْوَاءِ، وَتَوَالِي سُبُوغِ النَّعْمَاءِ.

وَلَكَ الحَمْدُ رَبِّ عَلَى هَنِيءِ عَطَائِكَ، وَمَحْمُودِ بَلاَئِكَ، وَجَلِيلِ آلاَئِكَ.

وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى إِحْسَانِكَ الْكَثِيرِ، وَخَيْرِكَ الْغَزِيرِ، وَتَكْلِيفِكَ الْيَسِيرِ، وَدَفْعِكَ الْعَسِيرِ.

وَلَكَ الحَمْدُ يَا رَبِّ عَلَى تَثْمِيرِكَ قَلِيلَ الشُّكْرِ، وَإِعْطَائِكَ وَافِرَ الأَجْرِ، وَحَطِّكَ مُثْقِلَ الْوِزْرِ، وَقَبُولِكَ ضِيقَ الْعُذْرِ، وَوَضْعِكَ بَاهِظَ الإِصْرِ، وَتَسْهِيلِكَ مَوْضِعَ الْوَعْرِ، وَمَنْعِكَ مُفْظِعَ الأَمْرِ.

وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى الْبَلاَءِ المَصْرُوفِ، وَوَافِرِ المَعْرُوفِ، وَدَفْعِ المَخُوفِ، وَإِذْلاَلِ الْعَسُوفِ.

وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى قِلَّةِ التَّكْلِيفِ، وَكَثْرَةِ التَّخْفِيفِ، وَتَقْوِيَةِ الضَّعِيفِ، وَإِغَاثَةِ اللَّهِيفِ.

وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى سَعَةِ إِمْهَالِكَ، وَدَوَامِ إِفْضَالِكَ، وَصَرْفِ مِحَالِكَ، وَحَمِيدِ فِعَالِكَ، وَتَوَالِي نَوَالِكَ.

وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى تَأْخِيرِ مُعَاجَلَةِ الْعِقَابِ، وَتَرْكِ مُغَافَصَةِ الْعَذَابِ، وَتَسْهِيلِ طُرُقِ المَآبِ، وَإِنْزَالِ غَيْثِ السَّحَابِ، إِنَّكَ المَنَّانُ الْوَهَّابُ»(2).

ص: 170


1- بحار الأنوار: ج91 ص118-119، تتمة كتاب الذكر والدعاء، الباب32 من تتمة أبواب الدعاء.
2- مصباح الكفعمي: ص415، الفصل السابع والثلاثون، وأما الصلوات المتفرقات، صلاة الشكر.

مناجاة طلب الحاجة

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ جَدِيرٌ مَنْ أَمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ أَنْ يَدْعُوَكَ، وَمَنْ وَعَدْتَهُ بِالإِجَابَةِ أَنْ يَرْجُوَكَ، وَلِيَ اللَّهُمَّ حَاجَةٌ قَدْ عَجَزَتْ عَنْهَا حِيلَتِي، وَكَلَّتْ فِيهَا طَاقَتِي، وَضَعُفَتْ عَنْ مَرَامِهَا قُدْرَتِي، وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِيَ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، وَعَدُوِّي الْغُرُورُ الَّذِي أَنَا مِنْهُ وَمِنْهَا مَبْلُوٌّ، أَنْ أَرْغَبَ فِيهَا إِلَى ضَعِيفٍ مِثْلِي، وَمَنْ هُوَ فِي النُّكُولِ شَكْلِي، حَتَّى تَدَارَكَتْنِي رَحْمَتُكَ، وَبَادَرَتْنِي بِالتَّوْفِيقِ رَأْفَتُكَ، وَرَدَدْتَ عَلَيَّ عَقْلِي بِتَطَوُّلِكَ، وَأَلْهَمْتَنِي رُشْدِي بِتَفَضُّلِكَ، وَأَحْيَيْتَ بِالرَّجَاءِ لَكَ قَلْبِي، وَأَزَلْتَ خُدْعَةَ عَدُوِّي عَنْ لُبِّي، وَصَحَّحْتَ بِالتَّأْمِيلِ فِكْرِي، وَشَرَحْتَ بِالرَّجَاءِ لإِسْعَافِكَ صَدْرِي، وَصَوَّرْتَ لِيَ الْفَوْزَ بِبُلُوغِ مَا رَجَوْتُهُ، وَالْوُصُولِ إِلَى مَا أَمَّلْتُهُ.

فَوَقَفْتُ اللَّهُمَّ رَبِّ بَيْنَ يَدَيْكَ سَائِلاً لَكَ، ضَارِعاً إِلَيْكَ، وَاثِقاً بِكَ، مُتَوَكِّلاً عَلَيْكَ، فِي قَضَاءِ حَاجَتِي، وَتَحْقِيقِ أُمْنِيَّتِي، وَتَصْدِيقِ رَغْبَتِي.

فَأَعِذْنِي اللَّهُمَّ رَبِّ بِكَرَمِكَ مِنَ الخَيْبَةِ وَالْقُنُوطِ، وَالأَنَاةِ وَالتَّثْبِيطِ، بِهَنِي ءِ إِجَابَتِكَ، وَسَابِغِ مَوْهِبَتِكَ، إِنَّكَ وَلِيٌّ، وَبِالْمَنَائِحِ الْجَزِيلَةِ مَلِيٌّ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ»(1).

حرز الإمام الجواد (عليه السلام)

حرز الإمام الجواد (عليه السلام) (2)

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ.

ص: 171


1- كتاب الدعوات للراوندي: ص59، الباب الأول، فصل في ألح الدعاء وأوجزه.
2- تفاصيل هذا الحرز وكيفية كتابته والاستفادة منه، في بحار الأنوار: ج91 ص354-357، تتمة أبواب الدعاء، الباب47 من أبواب أحراز النبي والأئمة وعوذاتهم وأدعيتهم (عليهم السلام) ، ح1.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ، وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ الْوَاحِدُ المَلِكُ، الدَّيَّانُ يَوْمَ الدِّينِ، تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ بِلاَ مُغَالَبَةٍ، وَتُعْطِي مَنْ تَشَاءُ بِلاَ مَنٍّ، وَتَفْعَلُ مَا تَشَاءُ، وَتَحْكُمُ مَا تُرِيدُ، وَتُدَاوِلُ الأَيَّامَ بَيْنَ النَّاسِ، وَتُرْكِبُهُمْ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَكْتُوبِ عَلَى سُرَادِقِ الْمَجْدِ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ المَكْتُوبِ عَلَى سُرَادِقِ السَّرَائِرِ، السَّابِقِ الْفَائِقِ، الْحَسَنِ الْجَمِيلِ النَّضِيرِ، رَبَّ المَلاَئِكَةِ الثَّمَانِيَةِ، وَالْعَرْشِ الَّذِي لاَ يَتَحَرَّكُ، وَأَسْأَلُكَ بِالْعَيْنِ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وَبِالْحَيَاةِ الَّتِي لاَ تَمُوتُ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي لاَ يُطْفَأُ، وَبِالاِسْمِ الأَكْبَرِ الأَكْبَرِ الأَكْبَرِ، وَبِالاِسْمِ الأَعْظَمِ الأَعْظَمِ الأَعْظَمِ، الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَبِالاِسْمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الشَّمْسُ، وَأَضَاءَ بِهِ الْقَمَرُ، وَسُجِّرَتْ بِهِ الْبُحُورُ، وَنُصِبَتْ بِهِ الْجِبَالُ، وَبِالاِسْمِ الَّذِي قَامَ بِهِ الْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ، وَبِاسْمِكَ المَكْتُوبِ عَلَى سُرَادِقِ الْعَرْشِ، وَبِاسْمِكَ المَكْتُوبِ عَلَى سُرَادِقِ الْعِزَّةِ، وَبِاسْمِكَ المَكْتُوبِ عَلَى سُرَادِقِ الْعَظَمَةِ، وَبِاسْمِكَ المَكْتُوبِ عَلَى سُرَادِقِ الْبَهَاءِ، وَبِاسْمِكَ المَكْتُوبِ عَلَى سُرَادِقِ الْقُدْرَةِ، وَبِاسْمِكَ الْعَزِيزِ، وَبِأَسْمَائِكَ المُقَدَّسَاتِ المُكَرَّمَاتِ، المَخْزُونَاتِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِكَ خَيْراً مِمَّا أَرْجُو، وَأَعُوذُ بِعِزَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَخَافُ وَأَحْذَرُ وَمَا لاَ أَحْذَرُ.

يَا صَاحِبَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَيَا صَاحِبَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ، أَنْتَ يَا رَبِّ مُبِيرُ الْجَبَّارِينَ، وَقَاصِمُ الْمُتَكَبِّرِينَ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ طه وَيس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، وَالْفُرْقَانِ الْحَكِيمِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَشُدَّ بِهِ عَضُدَ صَاحِبِ هَذَا الْعَقْدِ، وَأَدْرَأُ بِكَ فِي نَحْرِ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَكُلِّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَعَدُوٍّ شَدِيدٍ، وَعَدُوٍّ مُنْكَرِ الأَخْلَاقِ، وَاجْعَلْهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ إِلَيْكَ نَفْسَهُ، وَفَوَّضَ إِلَيْكَ

ص: 172

أَمْرَهُ، وَ أَلجَأَ إِلَيْكَ ظَهْرَهُ.

اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذِهِ الأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَقَرَأْتُهَا وَأَنْتَ أَعْرَفُ بِحَقِّهَا مِنِّي، وَأَسْأَلُكَ يَا ذَا المَنِّ الْعَظِيمِ وَالجُودِ الْكَرِيمِ، وَلِيَّ الدَّعَوَاتِ المُسْتَجَابَاتِ، وَالْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ، وَالأَسْمَاءِ النَّافِذَاتِ، وَأَسْأَلُكَ يَا نُورَ النَّهَارِ، وَيَا نُورَ اللَّيْلِ، وَنُورَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَنُورَ النُّورِ، وَنُوراً يُضِي ءُ بِهِ كُلُّ نُورٍ، يَا عَالِمَ الْخَفِيَّاتِ كُلِّهَا، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْجِبَالِ، وَأَسْأَلُكَ يَا مَنْ لاَ يَفْنَى، وَلاَ يَبِيدُ وَلاَ يَزُولُ، وَلاَ لَهُ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ، وَلاَ إِلَيْهِ حَدٌّ مَنْسُوبٌ، وَلاَ مَعَهُ إِلَهٌ، وَلاَ إِلَهَ سِوَاهُ، وَلاَ لَهُ فِي مُلْكِهِ شَرِيكٌ، وَلاَ تُضَافُ الْعِزَّةُ إِلاَّ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِالْعُلُومِ عَالِماً، وَعَلَى الْعُلُومِ وَاقِفاً، وَلِلأُمُورِ نَاظِماً، وَبِالْكَيْنُونِيَّةِ عَالِماً، وَلِلتَّدْبِيرِ مُحْكِماً، وَبِالخَلْقِ بَصِيراً، وَبِالأُمُورِ خَبِيراً.

أَنْتَ الَّذِي خَشَعَتْ لَكَ الأَصْوَاتُ، وَضَلَّتْ فِيكَ الأَوْهَامُ، وَضَاقَتْ دُونَكَ الأَسْبَابُ، وَمَلأَ كُلَّ شَيْ ءٍ نُورُكَ، وَوَجِلَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ، وَهَرَبَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَيْكَ، وَتَوَكَّلَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ الرَّبِيعُ فِي جَلاَلِكَ، وَأَنْتَ الْبَهِيُّ فِي جَمَالِكَ، وَأَنْتَ الْعَظِيمُ فِي قُدْرَتِكَ، وَأَنْتَ الَّذِي لاَ يُدْرِكُكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الْعَظِيمُ، وَمُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، قَاضِي الْحَاجَاتِ، مُفَرِّجُ الْكُرُبَاتِ، وَلِيُّ النَّقِمَاتِ.

يَا مَنْ هُوَ فِي عُلُوِّهِ دَانٍ، وَفِي دُنُوِّهِ عَالٍ، وَفِي إِشْرَاقِهِ مُنِيرٌ، وَفِي سُلْطَانِهِ قَوِيٌّ، وَفِي مُلْكِهِ عَزِيزٌ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاحْرُسْ صَاحِبَ هَذَا الْعَقْدِ وَهَذَا الْحِرْزِ وَهَذَا الْكِتَابِ، بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وَاكْنُفْهُ بِرُكْنِكَ الَّذِي لاَ يُرَامُ، وَارْحَمْهُ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَرْزُوقُكَ.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، بِسْمِ اللّهِ وَبِاللّهِ، الَّذِي لاَ صَاحِبَةَ لَهُ وَلاَ وَلَدَ، بِسْمِ اللّهِ قَوِيِّ الشَّأْنِ، عَظِيمِ الْبُرْهَانِ، شَدِيدِ السُّلْطَانِ، مَا شَاءَ اللّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

ص: 173

أَشْهَدُ أَنَّ نُوحاً رَسُولُ اللّهِ، وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللّهِ، وَأَنَّ مُوسَى كَلِيمُ اللّهِ وَنَجِيُّهُ، وَأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رُوحُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ (صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، وَأَنَّ مُحَمَّداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّاعَةِ الَّتِي يُؤْتَى فِيهَا بِإِبْلِيسَ اللَّعِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَقُولُ اللَّعِينُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ: وَاللّهِ مَا أَنَا مُهَيِّجُ مَرَدَةٍ، اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ، وَهُوَ الْقَاهِرُ، وَهُوَ الْغَالِبُ، لَهُ الْقُدْرَةُ السَّابِقَةُ، وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ.

اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الأَسْمَاءِ كُلِّهَا، وَصِفَاتِهَا وَصُورَتِهَا، وَهِيَ سُبْحَانَ اللّهِ الَّذِي خَلَقَ الْعَرْشَ وَالْكُرْسِيَّ وَاسْتَوَى عَلَيْهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَصْرِفَ عَنْ صَاحِبِ كِتَابِي هَذَا كُلَّ سُوءٍ وَ مَحْذُورٍ، فَهُوَ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، وَأَنْتَ مَوْلاَهُ، فَقِهِ اللَّهُمَّ، يَا رَبِّ ادْفَعْ عَنْهُ الأَسْوَاءَ كُلَّهَا، وَاقْمَعْ عَنْهُ أَبْصَارَ الظَّالِمِينَ، وَأَلْسِنَةَ المُعَانِدِينَ، وَالمُرِيدِينَ لَهُ السُّوءَ وَالضَّرَّ، وَادْفَعْ عَنْهُ كُلَّ مَحْذُورٍ وَمَخُوفٍ.

وَأَيُّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِكَ، أَوْ أَمَةٍ مِنْ إِمَائِكَ، أَوْ سُلْطَانٍ مَارِدٍ، أَوْ شَيْطَانٍ أَوْ شَيْطَانَةٍ، أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ جِنِّيَّةٍ، أَوْ غُولٍ أَوْ غُولَةٍ، أَرَادَ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا بِظُلْمٍ أَوْ ضَرٍّ، أَوْ مَكْرٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، أَوْ كَيْدٍ أَوْ خَدِيعَةٍ، أَوْ نِكَايَةٍ أَوْ سِعَايَةٍ، أَوْ فَسَادٍ أَوْ غَرَقٍ، أَوِ اصْطِلاَمٍ أَوْ عَطَبٍ أَوْ مُغَالَبَةٍ، أَوْ غَدْرٍ أَوْ قَهْرٍ، أَوْ هَتْكِ سِتْرٍ أَوِ اقْتِدَارٍ، أَوْ آفَةٍ أَوْ عَاهَةٍ، أَوْ قَتْلٍ أَوْ حَرَقٍ، أَوِ انْتِقَامٍ أَوْ قَطْعٍ، أَوْ سِحْرٍ أَوْ مَسْخٍ، أَوْ مَرَضٍ أَوْ سَقَمٍ، أَوْ بَرَصٍ أَوْ جُذَامٍ، أَوْ بُؤْسٍ أَوْ فَاقَةٍ أَوْ آعَةٍ، أَوْ سَغَبٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ وَسْوَسَةٍ، أَوْ نَقْصٍ فِي دِينٍ أَوْ مَعِيشَةٍ، فَاكْفِنِيهِ بِمَا شِئْتَ، وَكَيْفَ شِئْتَ، وَأَنَّى شِئْتَ، إِنَّكَ عَلى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

ثم قال الإمام الجواد (عليه السلام) : فَأَمَّا مَا يُنْقَشُ عَلَى هَذِهِ الْقَصَبَةِ مِنْ فِضَّةٍ غَيْرِ

ص: 174

مَغْشُوشَةٍ:

يَا مَشْهُوراً فِي السَّمَاوَاتِ، يَا مَشْهُوراً فِي الأَرَضِينَ، يَا مَشْهُوراً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، جَهَدَتِ الجَبَابِرَةُ وَالمُلُوكُ عَلَى إِطْفَاءِ نُورِكَ، وَإِخْمَادِ ذِكْرِكَ، فَأَبَى اللّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَكَ، وَيَبُوحَ بِذِكْرِكَ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(1).

قال بعض العلماء: المراد بقوله: «يَا مَشْهُوراً فِي السَّمَاوَاتِ» إلى آخره، هو مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

حرز آخر

«يَا نُورُ يَا بُرْهَانُ، يَا مُبِينُ يَا مُنِيرُ، يَا رَبِّ اكْفِنِي الشُّرُورَ، وَآفَاتِ الدُّهُورِ، وَأَسْأَلُكَ النَّجَاةَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ»(2).

***

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 175


1- بحار الأنوار: ج91 ص357-361، تتمة أبواب الدعاء، الباب47 من أبواب أحراز النبي والأئمة وعوذاتهم وأدعيتهم (عليهم السلام) ، ح1.
2- بحار الأنوار: ج91 ص361، تتمة أبواب الدعاء، الباب47 من أبواب أحراز النبي والأئمة وعوذاتهم وأدعيتهم (عليهم السلام) ، ضمن ح1.

ص: 176

الفهرس

المقدمة... 5

1- النسب الشريف... 7

اسمه المبارك... 7

كنيته (عليه السلام) ... 7

ألقابه (عليه السلام) ... 7

الجواد... 8

والده (عليه السلام) ... 8

والدته (عليها السلام) ... 9

خَلْقه وخُلُقه... 9

نقش خاتمه... 10

2- الولادة المباركة... 11

قصة الولادة... 11

الرضا (عليه السلام) يناجيه... 12

3- الإمامة... 13

ص: 177

ظآتيناه الحكم صبياً... 15

ما لهذا خُلِقت... 16

العصا تشهد... 16

إنه حجة اللّه... 17

4- النص على إمامته (عليه السلام) ... 19

هو يرثني... 22

عليك بابني محمد... 22

من الصاحب بعدك؟... 23

أبو جعفر خليفتي... 23

فإلى من؟... 24

إنه يفرق بين الحق والباطل... 24

الإمام ابني... 24

المثبت للحق والممحق للباطل... 25

خاتم الإمامة... 25

الأعظم بركة على شيعتنا... 25

الأعظم بركة في الإسلام... 26

إلى أبي جعفر (عليه السلام) ... 26

سلموا عليه بالإمامة... 27

ذلك إلى اللّه... 27

إنه صاحبك... 31

ص: 178

ولد يقوم مقامي... 31

إلى ابني محمد... 32

الإمامة في ولدي... 32

إنه مولى أبي جعفر... 32

صيرته مكاني... 33

وُلد من يرثني... 33

الخلف من بعده... 34

من يكون بعدك؟... 34

نص من الكاظم (عليه السلام) ... 34

5- العباد ووجوب الطاعة... 36

رسالة إلى علي بن مهزيار... 38

في وفاة زكريا بن آدم... 39

غفر اللّه لك... 39

أنت خيران؟... 40

أعمل برأيك... 41

أكثر من حمد اللّه... 41

قد وصل الحساب... 41

6- تواضع علي بن جعفر للإمام (عليهما السلام) ... 43

هذا عم أبيه... 43

أولياء اللّه والمحبة الإلهية... 44

ص: 179

الشيخ جعفر الشوشتري (رحمه اللّه) ... 44

مع الشيخ علي القمي (رحمه اللّه) ... 45

لا للعُجب... 46

7- علم الإمام (عليه السلام) ... 48

كيف يعلم الإمام... 48

سلني عن أخبار السماوات... 49

علوم الإمامة... 50

العرق الزاهر... 50

الوداع الأخير... 51

بعد أبيه الرضا... 52

الخلف بعد الرضا... 53

المؤتمر العلمي الكبير... 55

أسئلة يحيى بن أكثم... 55

وفي رواية الاحتجاج... 57

سؤالان... 59

تأخر المسلمين وأسبابه... 60

حد السارق... 63

الاستدلال بآية المساجد... 64

أسئلة في قصة حد السارق... 65

قلة السرقة في بلاد الإسلام... 66

ص: 180

8- قصة القائف... 67

من خطط الأعداء... 68

أصل خبر القافة... 68

قصة أخرى... 70

9- من أخلاق الإمام (عليه السلام) ... 72

الجود والكرم... 72

فداك أبوك... 72

سبيكة ذهب... 73

تفقد الأصحاب... 73

قبول الهدية... 74

إنقاذ الشيعة... 74

التبسم في وجوه المؤمنين... 75

الدعاء للمؤمنين... 76

الزهد عن ملذات الدنيا... 76

أموالنا في الآخرة... 76

الدنيا موهبة عارية... 77

عليك بالمداراة... 77

سقي الماء... 78

أحسن إلى إخوانك... 78

سنة الحناء... 79

ص: 181

لطف الإمام (عليه السلام) ... 80

10- الولاية والبراءة... 82

مع الرسول والصديقة (عليهما السلام) ... 82

مع أعداء الزهراء... 83

ما لمواليكم؟... 84

الطواف عن المعصومين... 86

11- احتجاجات... 88

12- كرامات ومعاجز... 91

مع أبي الصلت الهروي... 91

مخارق يسيء الأدب... 92

كيفية موت ابنة المأمون... 93

طي الأرض... 93

نبقة بغداد... 95

هذه رقعة فلان... 95

شكوت الوحدة... 96

سمّه أحمد... 97

يا عسكر... 97

سيقول لك كذا وكذا... 98

أراك عطشاناً... 98

ص: 182

ديون الرضا (عليه السلام) ... 99

قصة الجمال... 99

رقعة الواقفي... 99

إذابة القصعة... 100

ما حال بصرك... 100

ما تشتكين يا جارية... 101

أين الشاة... 101

عافاك اللّه... 102

هذه عمامتك... 102

أكل الطين... 103

المال المخبأ... 103

اخضرت السدرة... 104

طعم الحرب وذل الأسر... 104

تهيئوا للمأتم... 104

الإخبار بموته... 105

متى يكون الفرج... 105

علاج الصمم... 105

النبقة الحلوة... 106

تلد فلواً... 106

ترزق منها ابناً... 107

لا تخرجا اليوم... 107

ص: 183

الموالية أم الحسن... 107

مولاك بعثها إليك... 108

فرقها على أصحابك... 108

رجل من الزيدية... 109

عقد ذنب الدابة... 109

ستضلون الطريق... 109

قصة أبي زينبة... 110

وجع العين... 110

ناج ناج... 112

احمل الدرع... 112

استجابة الدعاء... 112

من ثياب أبي الحسن... 113

وصلنا ما بعثته المرأتان... 113

عندي سلاح رسول اللّه... 114

استغفر اللّه لما أضمرت... 114

ستصيب وجعاً... 115

13- الحكام الطغاة... 116

14- مع المأمون العباسي... 118

أنا ابن الرضا... 118

التزويج بأم الفضل... 120

ص: 184

رواية الاحتجاج... 121

خطبة المأمون... 125

قصد المأمون من هذا الزواج... 126

مهر الزهراء (عليها السلام) ومقداره... 127

المأمون يحتال بكل حيلة... 127

15- الإمام (عليه السلام) بين المدينة وخراسان وبغداد... 132

من المدينة إلى خراسان... 132

من المدينة إلى بغداد... 132

من بغداد إلى المدينة... 132

من المدينة إلى بغداد... 133

حج الإمام (عليه السلام) ... 133

16- مع المعتصم العباسي... 134

المعتصم يخطط ضد الإمام... 135

المعتصم وقصة السارق... 135

المعتصم يقتل الإمام... 137

من عادة الطغاة... 137

17- في تجهيز والده الرضا (عليهما السلام) ... 139

دفنت أبي بخراسان... 141

18- استشهاد الإمام (عليه السلام) ... 142

ص: 185

انتقال الإمامة والأمانة... 144

19- لعن قتلة المعصومين... 145

روايات في لعن القتلة... 145

20- البكاء والعزاء على الإمام (عليه السلام) ... 149

21- المدفن الشريف... 150

كرامات بعد الدفن... 150

22- أولاد الإمام (عليه السلام) ... 151

موسى المبرقع... 151

23- درر من كلمات الإمام (عليه السلام) ... 153

ذكر أهل البيت (عليه السلام) ... 153

حقوق الناس... 153

وجوب الخمس... 153

من فلسفة التفاوت... 154

لو تكاشفتم... 154

الأخلاق الحسنة... 154

لا تعتب على الزمان... 155

مجالسة الأشرار... 155

العدوان على العباد... 155

ص: 186

قيمة المرء... 155

دور اللسان... 155

اعرف قدرك... 156

التدبير قبل العمل... 156

لا تثق بالزمان... 156

المخاطرة بالنفس... 156

قلة العيال... 156

العُجب والهلاك... 157

من أسباب الكرم... 157

الرضا بالعافية... 158

الصبر على البلاء... 158

صلاة المكاري... 158

علاج كثرة الزلازل... 159

زيارة الإمام الرضا... 159

ثواب زيارة السيدة المعصومة... 159

24- من أدعية الإمام (عليه السلام) ... 160

قنوت الإمام (عليه السلام) ... 160

قنوت آخر... 161

مناجاة الاستخارة... 162

مناجاة الاستقالة... 163

ص: 187

مناجاة السفر... 164

مناجاة طلب الرزق... 165

مناجاة الاستعاذة... 166

مناجاة طلب التوبة... 167

مناجاة طلب الحج... 168

مناجاة كشف الظلم... 169

مناجاة شكر اللّه تعالى... 170

مناجاة طلب الحاجة... 171

حرز الإمام الجواد (عليه السلام) ... 171

حرز آخر... 175

الفهرس... 177

ص: 188

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.