من حياة المعصومين عليهم السلام
الجزء الثالث
فاطمة الزهراء عليها السلام
المرجع الديني الراحل
السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه اللّه
الشجرة الطيبة
1443 ه 2022 م
النجف الأشرف
ص: 1
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولی للناشر
1443 ه 2022 م
مؤسسة الشجرة الطيبة النجف الأشرف
تهميش
مؤسسة المجتبی للتحقيق والنشر
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين
ص: 3
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد، فهذا هو الجزء الثالث من سلسلة (من حياة المعصومين) صلوات اللّه عليهم أجمعين، ويتضمن إشارات مختصرة لجوانب من حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
أسأل اللّه تعالى التوفيق والقبول إنه سميع مجيب.
قم المقدسة
محمد الشيرازي
ص: 5
1
هي الصديقة الطاهرة: فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بن عبد اللّه بن عبدالمطلب بن هاشم (عليهم السلام) .
* ألقابها: الزهراء، البتول، سيدة نساء العالمين، سيدة بنات آدم، الحوراء، حبيبة اللّه، المنصورة، الحرّة، السيدة، العذراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدَِّثة، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى، النورية، الحانية، بضعة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وغيرها.
* كنيتها: أم أبيها، أم الحسن، أم الحسين، أم المحسن، أم الأئمة (عليهم السلام) .
* عن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : «إن فاطمة (عليها السلام) كانت تُكنّى أمّ أبيها»(1).
* أبوها: خاتم الأنبياء محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
* أمها: أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) بنت خويلد(2).
ص: 6
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى في مشيتها، وكانت كأنها القمر ليلة البدر.
عن أم سلمة قالت: (كانت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) )(1).
وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رحمه اللّه) قال: (ما رأيت فاطمة (عليها السلام) تمشي إلاّ ذكرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تميل على جانبها الأيمن مرة وعلى جانبها الأيسر مرة)(2).
وفي المناقب(3)
عن أم أنس(4) قالت في صفة فاطمة (عليها السلام) :
ص: 7
(كانت كأنها القمر ليلة البدر، أو الشمس كفرت غماماً(1)
أو خرجت من السحاب، وكانت بيضاء بيضة)(2).
ورووا أنها (عليها السلام) (كانت كالقمر ليلة البدر أو الشمس كفر غماماً إذا خرج من السحاب، بيضاء مشربة حمرة، لها شعر أسود، من أشد الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شبهاً واللّه)(3).
وروي عن عائشة أنها قالت:
(ما رأيت من الناس أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من فاطمة (عليها السلام) ..)(4).
رواه الحاكم في المستدرك(5)، وغيره في غيره(6).
ص: 8
وفي الخطبة الفدكية: «ما تخرم(1) مشيتها مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).
وفي الرواية عن زيد بن الحسن(3) قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «كان علي (عليه السلام) أشبه الناس طعمة وسيرة برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكان يأكل الخبز والزيت ويُطعم الناس الخبز واللحم، قال (عليه السلام) : وكان علي (عليه السلام) يستقي ويحتطب، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز وترقع، وكانت (عليها السلام) من أحسن الناس وجهاً كأن وجنتيها وردتان صلى اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها الطاهرين»(4).
عن أبي أيوب الأنصاري(5)،
قال: إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرض مرضة فأتته فاطمة (عليها السلام) تعوده وهو ناقه(6) من مرضه، فلما رأت ما برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدّها، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها:
«يا فاطمة إن اللّه جلّ ذكره اطّلع على الأرض اطلاعة فاختار منها أباك، واطّلع ثانية فاختار منها بعلك، فأوحى إليّ فأنكحتكه، أما علمت يا فاطمة أن
ص: 9
لكرامة اللّه إياك زوّجك أقدمهم سِلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً؟».
قال: فسرّت بذلك فاطمة (عليها السلام) واستبشرت بما قال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فأراد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يزيدها مزيد الخير كله من الذي قسّمه اللّه لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وآل محمد، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :
«يا فاطمة لعلي ثمان خصال: إيمانه باللّه وبرسوله، وعلمه، وحكمته، وزوجته، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقضاؤه بكتاب اللّه، يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يُعطَها أحد من الأولين قبلنا، ولا يدركها أحد من الآخرين بعدنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة وهو جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك(1)، ومنّا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة»(2).
ص: 10
2
سمّيت الصديقة (عليها السلام) بفاطمة، لأن اللّه فَطَمها وفَطَم ذريتها وفطم شيعتها من النار، ولأن الخلق فُطِموا عن معرفتها، ولأنها فُطِمت من الشر، ولأنها فُطمت من الطمث، ولأن أعداءها فُطِموا عن حبّها وعن الجنة، ولغير ذلك.
عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إني سميتُ ابنتي فاطمة(1)؛ لأن اللّه عزّ وجلّ فَطَمها، وفطم من أحبها من النار»(2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «سُمّيت فاطمة لأن اللّه فَطَمها وذريتَها من النار، من لقي اللّه منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به»(3).
وفي حديث التفاحة قال جبرئيل (عليه السلام) : «سُمّيت فاطمة في الأرض لأنه فُطمت شيعتها من النار، وفُطموا أعداؤها عن حبها»(4).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :«يا فاطمة أتدرين لم سُمّيتِ فاطمة؟ قال علي (عليه السلام) : «يا
ص: 11
رسول اللّه لم سُمّيت»؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لأنها فُطِمت هي وشيعتها من النار»(1).
وفي حديث عن أحوال يوم القيامة، يقول اللّه عزّوجلّ للصديقة فاطمة (عليها السلام) : «صدقت يا فاطمة، إني سَمّيتك فاطمة وفَطَمتُ بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد»(2).
وعن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) والإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) قالا: «سمعنا(3)
المأمون يحدث عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده قال: قال ابن عباس لمعاوية: أتدري لم سميت فاطمة فاطمة؟ قال: لا، قال: لأنها فُطِمت هي وشيعتها من النار، سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوله»(4).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنما سُمّيت فاطمة لأن الخلق فُطموا عن معرفتها»(5).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء(6)
عند اللّه عزّوجلّ: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء».
ثم قال (عليه السلام) : تدري لأي شيء سُمّيت فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي، قال: «فُطِمت من الشر» قال: ثم قال (عليه السلام) : «لولا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوّجها لما كان
ص: 12
لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة، آدم فمن دونه»(1).
وروي: «إنما سُميت فاطمة (عليها السلام) لأنها فطمت عن الطمث»(2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعائشة: «إن فاطمة ليست كنساء الآدميين، لا تعتل كما تعتلن»(3).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما وُلدت فاطمة (عليها السلام) أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمّاها فاطمة، ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم وفطمتك من الطمث»، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) : «واللّه لقد فَطَمها اللّه تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث في الميثاق»(4).
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالزهراء، لأن نورها كان يزهر لأهل السماوات ولأمير المؤمنين (عليه السلام) .. ولغير ذلك(5).
عن ابن عمارة، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) لِمَ سُمّيت زهراء؟ فقال (عليه السلام) : «لأنها كانت إذا قامت في محرابها، زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض»(6).
ص: 13
وعن أبان بن تغلب(1)،
قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه لِمَ سُمّيت الزهراء (عليها السلام) زهراءً؟ فقال: «لأنها (عليها السلام) تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فراشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة، فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة (عليها السلام) ، فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر نور وجهها (عليها السلام) بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيرونها قائمةً في محرابها وقد زهر نور وجهها (صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) بالصفرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة (عليها السلام) فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّوجلّ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيرونها جالسة تسبح اللّه وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة (عليها السلام) ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى وُلد الحسين (عليه السلام) فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا
ص: 14
أهل البيت (عليهم السلام) إمام بعد إمام»(1).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وقد سُئل(2): لِمَ سُمّيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) زهراءً؟ فقال: «لأن اللّه عزّوجلّ خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقتُه من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضّله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمةً يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي»(3).
وقال أبو هاشم العسكري(4): سألت صاحب العسكر (عليه السلام) : لم سُمّيت فاطمة (عليها السلام) الزهراء؟ فقال (عليه السلام) : «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند الغروب كالكوكب الدري»(5).
وعن الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : لم سميت فاطمة
ص: 15
الزهراء؟ قال: «لأن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلّقة بقدرة الجبار، لا علاّقة لها من فوقها فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها، لها مائة ألف باب، على كل باب ألف من الملائكة، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدري الزاهر في أفق السماء، فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة (عليها السلام) »(1).
وقال سلمان الفارسي (رحمه اللّه) : كنت جالساً عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المسجد، إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلّم، فردّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورحّب به، فقال: يا رسول اللّه بما فضل اللّه علينا أهل البيت علي بن أبي طالب والمعادن واحدة؟ فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذن أخبرك يا عم، إن اللّه خلقني وخلق علياً (عليه السلام) ولا سماء ولا أرض، ولا جنة ولا نار، ولا لوح ولا قلم، فلما أراد اللّه عزّوجلّ بدو خلقنا تكلم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلّم كلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما واعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش، ثم فتق من نور علي نور السماوات، فعلي (عليه السلام) أجلّ من السماوات، ثم فتق من نور الحسن (عليه السلام) نور الشمس، ومن نور الحسين (عليه السلام) نور القمر، فهما أجلّ من الشمس والقمر.
وكانت الملائكة تسبح اللّه تعالى وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس مِن أنوار ما أكرمها على اللّه تعالى، فلما أراد اللّه تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا، فقال اللّه عزّ وجلّ: وعزتي وجلالي لأفعلن،
ص: 16
فخلق نور فاطمة الزهراء (عليها السلام) يومئذ كالقنديل، وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، من أجل ذلك سُميت فاطمة: الزهراء، وكانت الملائكة تسبح اللّه وتقدسه، فقال اللّه: وعزتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها».
قال سلمان: فخرج العباس فلقيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال: بأبي عترة المصطفى، من أهل بيت ما أكرمكم على اللّه تعالى»(1).
ولُقّبت فاطمة (عليها السلام) بالبتول: لأنها تَبَتّلت عن النظير وعما تراه النساء من الدم، ولغير ذلك(2). روي «أن مريم (عليها السلام) سُمّيت بتولاً لأنها بتلت(3)
عن الرجال، وسميت فاطمة (عليها السلام) بتولاً لأنها بتلت عن النظير»(4).
وعن علي (عليه السلام) أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سُئل ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول اللّه تقول: «إن مريم بتول وفاطمة بتول»؟ فقال (عليه السلام) : «البتول التي لم تر حمرة قط أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء»(5).
ص: 17
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالحوراء الإنسية: لأن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»(1).
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالمنصورة، لأن اللّه سمّاها في السماء بذلك وفي الأرض بفاطمة.
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «معاشر الناس تدرون لما خُلقت فاطمة؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: خُلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، وقال: خُلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه، قالوا: يا رسول اللّه اشتكل ذلك علينا تقول حوراء إنسية لا إنسية، ثم تقول من عرق جبرئيل ومن زغبه؟
قال: إذاً(2) أنبئكم، أهدى إليّ ربي تفاحة من الجنة، أتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل (عليه السلام) وعرقت التفاحة فصار عرقهما شيئاً واحداً، ثم قال: السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته، قلت: وعليك السلام يا جبرئيل، فقال: إن اللّه أهدى إليك تفاحة من الجنة، فأخذتها فقبّلتها ووضعتها
ص: 18
على عيني وضممتها إلى صدري، ثم قال: يا محمد كُلها، قلت: يا حبيبي يا جبرئيل هدية ربي تُؤكل؟ قال: نعم قد اُمرتَ بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نوراً ساطعاً، ففزعت من ذلك النور، قال: كُل فإن ذلك نور المنصورة فاطمة، قلت: يا جبرئيل ومن المنصورة؟ قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة، فقلت: يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟ قال: سُميت فاطمة في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار، وفطموا أعداؤها عن حبها... وهي في السماء المنصورة وذلك قول اللّه في كتابه {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ}(1) بنصر فاطمة (عليها السلام) لمحبيها»(2) الحديث.
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالحانية: لشفقتها على أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وزوجها وأولادها، وكذلك شيعتها ومحبيها.
روى الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «كنا مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة (عليها السلام) ومعها كسرة خبز فدفعتها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما هذه الكسرة؟ قالت: قرصاً خبزتها للحسن والحسين (عليهما السلام) جئتك منه بهذه الكسرة،فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث»(3).
وعن أبي أيوب الأنصاري، قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرض مرضة فأتته
ص: 19
فاطمة (عليها السلام) تعوده وهو ناقه من مرضه، فلما رأت ما برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدها...»(1).
إلى غير ذلك(2).
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بحبيبة اللّه: لأن اللّه يخاطبها يوم القيامة ويقول لها:
«يا حبيبتي وابنة حبيبي»(3).
المحدِثة(4)
ولُقّبت فاطمة (عليها السلام) بالمحدِّثة، بالكسر: لأنها كانت تحدث أمها خديجة (عليها السلام) وهي حمل في بطنها.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث: «فلما حملت - خديجة (عليها السلام) - بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها من بطنها وتصبرها»(5).
المحدَثة(6)
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالمحدَّثة، بالفتح: لأن اللّه كان يحدّثها وكذلك جبرائيل والملائكة. عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنما سُمّيت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت
ص: 20
تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ}(1)، يا فاطمة {اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}(2)، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريمُ بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن اللّه عزّ وجلّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»(3).
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالطاهرة: لطهارتها من كل عيب ودنس، عن أبي جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «إنما سمُيت فاطمة بنت محمد الطاهرة لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث(4)، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً»(5).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «حرّم اللّه النساء على علي (عليه السلام) ما دامت فاطمة (عليها السلام) حية، لأنها طاهرة لا تحيض»(6).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث: «يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني: إنها أنثى، وإنها النسلة الطاهرة الميمونة»(7).
ص: 21
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالصديقة الكبرى: لما ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «هي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى»(1).
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بسيدة نساء العالمين، للروايات الشريفة الكثيرة التي وردت بذلك(2).
قالت الملائكة: «إن اللّه عزّ وجلّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»(3).
ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بسيدة نساء بنات آدم: لما روي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قصة الأعرابي وعِقد فاطمة (عليها السلام) المبارك أنه بكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقال: «وكيف لا يصنع اللّه لك، وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم»(4).
ومن ألقابها (عليها السلام) : سيدة نساء الأولين والآخرين، لما مرّ من الحديث الشريف عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (5).
ص: 22
ومنها: بضعة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1). ومنها: قلب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . روي أنه خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه جل وعلا»(2).
إلى غيرها من الألقاب الشريفة(3).
ص: 23
3
قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلتُه، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلما أهبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة (عليها السلام) »(1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه قال: قيل: يا رسول اللّه إنك تلثم فاطمة (عليها السلام) وتلزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماء في صلبي، ثم واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) فأنا أشم منها رائحة الجنة»(2).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) ..
ص: 24
فأنكرت ذلك عائشة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلته، فحول اللّه ذلك ماء في ظهري، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) فما قبّلتها قط إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى منها»(1).
أقول: والجمع بين الروايات في الرطب والتفاحة وما أشبه بجمعها(2).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خُلق نور فاطمة (عليها السلام) قبل أن تخلق الأرض والسماء» فقال بعض الناس: يا نبي اللّه فليست هي إنسية؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة حوراء إنسية» قال: يا نبي اللّه وكيف هي حوراء إنسية؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خلقها اللّه عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) إذ كانت الأرواح، فلما خلق اللّه عزّ وجلّ آدم عرضت على آدم» قيل: يا نبي اللّه وأين كانت فاطمة؟ قال: «كانت في حقة(3)
تحت ساق العرش»، قالوا: يا نبي اللّه فما كان طعامها؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «التسبيح والتهليل والتحميد، فلما خلق اللّه عزّ وجلّ آدم وأخرجني من صلبه أحب اللّه عزّ وجلّ أن يخرجها من صلبي، جعلها تفاحة في الجنة، وأتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فقال لي: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته يا محمد، قلت: وعليك السلام ورحمة اللّه حبيبي جبرئيل، فقال: يا محمد إن ربك يُقرئك السلام، قلت: منه السلام وإليه يعود السلام، قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها اللّه عزّ وجلّ إليك من الجنة، فأخذتها وضممتها إلى صدري،
ص: 25
قال: يا محمد يقول اللّه جل جلاله: كُلها، ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً ففزعت منه، فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كُلها ولا تخف، فإن ذلك النور للمنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة.
قلت: حبيبي جبرئيل ولمَ سميت في السماء المنصورة؟ وفي الأرض فاطمة؟
قال: سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار، وفُطم أعداؤها عن حبها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول اللّه عزّوجلّ: {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ}(1)، يعني: نصر فاطمة (عليها السلام) لمحبيها»(2).
ص: 26
4
وُلدت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بمكة المكرمة يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة، بعد المبعث الشريف بخمس سنوات(1)، كما في الرواية المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) (2).
وكان ولادتها بعد الإسراء بثلاث سنين، فأقامت (عليها السلام) مع أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمكة ثماني
ص: 27
سنين، ثم هاجرت معه إلى المدينة، فزوّجها من علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقدمها المدينة بسنتين أول يوم من ذي الحجة، - وروي أنه كان يوم السادس منه - ودخل بها يوم الثلاثاء لستّ خلون من ذي الحجة بعد بدر، وولدت الحسن (عليه السلام) ولها اثنتا عشرة سنة، وقُبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولفاطمة (عليها السلام) ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر(1).
عن المفضل(2)،
قال: قلت لأبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) : كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام) ؟
قال (عليه السلام) : «نعم، إن خديجة (عليها السلام) لما تزوّج بها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة (عليها السلام) لذلك، وكان جزعها وغمها حذراً عليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلما حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة (عليها السلام) تحُدّثها من بطنها وتُصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فدخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً فسمع خديجة (عليها السلام) تحدّث فاطمة (عليها السلام) فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟
قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني!.
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنها أنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأن اللّه تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة
ص: 28
ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.
فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش: أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب، فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمت خديجة (عليها السلام) لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم أخت موسى بن عمران، بعثنا اللّه إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة..
فلما سقطت (عليها السلام) إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية ثم استنطقتها، فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سيد الأنبياء، وأن بعلي (عليه السلام) سيد الأوصياء، وولدي (عليهم السلام) سادة الأسباط، ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) ، وحدث في
ص: 29
السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها فدر عليها، فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر، وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة»(1).
وقد سمّاها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) بأمر من اللّه عزّ وجلّ، لأن اللّه فطمها وفطم شيعتها من النار(2).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما وُلدت فاطمة (عليها السلام) أوحى اللّه عزّوجلّ إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمّاها فاطمة (عليها السلام) »(3).
وقال (عليه السلام) : «.. فتقول - أي فاطمة (عليها السلام) -: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول اللّه عزّ وجلّ: صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار..»(4).
ص: 30
5
إن فضائل الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي أكثر من أن يتمكن أحدنا من إحصائها بل ومعرفتها، فهي التي فُطم الخلق عن معرفتها، كما في الحديث الشريف(1)، وهذه نماذج من فضائلها:
قال اللّه تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاً}(1)، وهذه الآية نزلت في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وابنيهما (عليهم السلام) ، كما في روايات الفريقين(2).
وفي حديث الكساء المشهور، بل المتواتر، وقد رواه والدي (رحمه اللّه) بسند معتبر متصل إلى المعصوم (عليه السلام).
روى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد قال: (نزلت في خمسة: في النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) )(3).
وفي الإصابة: وقالت أم سلمة: (في بيتي نزلت {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}(4) قالت: فأرسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: «هؤلاء أهل بيتي» الحديث(5).
وأخرجه الترمذي(6) أيضاً.
وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} وفي البيت جبريل وميكائيل (عليهما السلام)
ص: 32
وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول اللّه ألستُ من أهل البيت؟ قال: «إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).
وروى البيهقي في سننه(2) عن عائشة قالت: خرج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات غداة وعليه مرط مرحل(3) من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال: {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}، رواه مسلم في الصحيح(4).
وروى الحاكم في المستدرك(5) أنه: نزل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوحي فأدخل علياً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهلي أهل بيتي»(6).
ورووا أيضاً: عن عبد اللّه بن جعفر ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما نظر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الرحمة هابطة قال: «ادعوا لي ادعوا لي». فقالت صفية: مَن يا رسول اللّه؟ قال: «أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين» فجيء بهم فألقى
ص: 33
عليهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كساءه ثم رفع يديه ثم قال: «اللّهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد» وأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1)(2).
في قصة المباهلة(3)
مع وفد نجران نزلت هذه الآية: {فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(4)، فدعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ليباهل بهم النصارى فالمقصود ب{أَبْنَاءَنَا} الحسن والحسين، وب- {نِسَآءَنَا}: فاطمة، وب- {أَنْفُسَنَا}: علي (عليهم السلام) .
قال الإمام الحسن (عليه السلام) في حديث: «فأدخلنا فله الحمد فيما أدخل فيه نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 34
وأخرجنا ونزّهنا مما أخرجه منه ونزّهه عنه، كرامة أكرمنا اللّه عزّ وجلّ بها وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد، فقال اللّه تعالى لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه: {فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ} فأخرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الأنفس معه أبي، ومن البنين إياي وأخي، ومن النساء أمي فاطمة من الناس جميعاً فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهو منا»(1) الحديث.
عن الإمام السجاد (عليه السلام) قال: «مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضاً شديداً، فعادهما سيد ولد آدم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : إن عافى اللّه ولدي مما بهما صمتُ لله ثلاثة أيام متواليات، وقالت الزهراء (عليها السلام) مثل ما قال زوجها، وكانت لهما جارية بربرية تدعى فضة قالت: إن عافى اللّه سيدَيّ مما بهما صمت لله ثلاثة أيام، وساق الحديث نحواً مما مر إلى أن قال: وإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخذ بيد الغلامين وهما كالفرخين لا ريش لهما يرتعشان من الجوع، فانطلق بهما إلى منزل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما نظر إليهما النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اغرورقت عيناه بالدموع وأخذ بيد الغلامين فانطلق بهما إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلما نظر إليها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد تغير لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها انكب عليها يقبّل بين عينيها، ونادته باكية: وا غوثاه باللّه ثم بك يا رسول اللّه من الجوع، قال: فرفع رأسه إلى السماء وهو يقول: اللّهم أشبع آل محمد، فهبط جبرئيل فقال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ {إِنّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّهِ
ص: 35
يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنّا نَخَافُ مِن رّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنّةً وَحَرِيراً * مّتّكِئِينَ فِيهَا عَلَىَ الأرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مّن فِضّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمّىَ سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مّخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلّوَاْ أَسَاوِرَ مِن فِضّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنّ هََذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مّشْكُوراً}(1)(2).
وروي أنّ الإمامين الحسنين (عليهما السلام) مرضا، فنذر علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) صيام ثلاثة أيام، فلمّا عافاهما اللّه وكان الزمان قحطاً، أخذ علي بن أبي طالب (عليه السلام) من يهودي ثلاث جزات(3) صوفاً لتغزلها فاطمة (عليها السلام) بثلاثة أصواع شعيراً.. فصاموا وغزلت فاطمة (عليها السلام) جزة ثم طحنت صاعاً من شعير وخبزته. فلمّا كان عند الإفطار أتى مسكين فأعطوه طعامهم ولم يذوقوا إلاّ الماء. ثمّ غزلت (عليها السلام) جزة أُخرى من الغد ثم طحنت صاعاً وخبزته، فلمّا كان عند الإفطار أتى يتيم فأعطوه طعامهم ولم يذوقوا إلاّ الماء.
وغزلت (عليها السلام) اليوم الثالث الجزة الباقية ثم طحنت الصاع وخبزته، وأتى أسير عند الإفطار فأعطوه طعامهم، وكان مضى على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أربعة أيام
ص: 36
والحجر على بطنه وقد علم بحالهم فخرج ودخل حديقة المقداد ولم يبق على نخلاتها ثمرة ومعه علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال: يا أبا الحسن؟ خذ السلّة وانطلق إلى تلك النخلة وأشار إلى واحدة، فقل لها: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سألتك بحقّ اللّه لما أطعمتينا من ثمرك.
قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام) : فلقد تطأطأت بحمل ما نظر الناظرون إلى مثلها والتقطت من أطائبها وحملت بها إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأكل وأكلت، وأطعم المقداد وجميع عياله، وحمل إلى فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ما كفاهم، فلمّا بلغ المنزل إذا فاطمة (عليها السلام) يأخذها الصداع، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أبشري واصبري، فلن تنالي ما عند اللّه إلاّ بالصبر. فنزل جبرئيل بسورة {هَلْ أَتَى}(1)(2).
في المناقب لابن شهرآشوب: سُئل عالم فقيل: إن اللّه تعالى قد أنزل {هَلْ
ص: 37
أَتَى} في أهل البيت (عليهم السلام) وليس شيء من نعيم الجنة إلاّ وذكر فيه إلاّ الحور العين؟ قال: ذلك إجلالاً لفاطمة (عليه السلام) ..(1).
انقطع نسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلاّ من فاطمة (عليها السلام) ، فبارك اللّه في ذريتها، كماً وكيفاً. وأشرف ذريتها (عليها السلام) هم: الحسن والحسين (عليهما السلام) ثم الأئمة التسعة من ولد الحسين (عليهم السلام) . وقد قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوثَرَ}(2)، حيث ورد أن (الكوثر) هي فاطمة (صلوات اللّه عليها)(3).
وفي حديث زواج علي وفاطمة (عليهما السلام) قال اللّه عزّ وجلّ: «يا راحيل(4)، إن من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجتي على خلقي، وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقاً ولأنشأن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي، ومعادن لحكمي، بهم أحتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين»(5).
ص: 38
في رواية عن جبرئيل (عليه السلام) قال: «.. وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ}(1) يعني نصر فاطمة (عليها السلام) لمحبيها»(2).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ}(3)، قال: «علي وفاطمة (عليهما السلام) بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه»(4).
عن عمار بن ياسر في قوله تعالى: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى}(5).قال: فالذكر علي (عليه السلام) والأنثى فاطمة (عليها السلام) ، وقت الهجرة إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الليلة(6)»(7).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنْثى}(8): «فالذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) والأنثى فاطمة (عليها السلام) »(9).
ص: 39
عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: {ولَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ}(1) «كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم (عليهم السلام) كذا نزلت على محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).
أي نزلت بهذا التفسير والتأويل، وهكذا في أمثال هذه الموارد مما ذكرناه في بحث عدم تحريف القرآن(3).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن جابر الأنصاري (رحمه اللّه) : «أنه رأى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: «يا رسول اللّه، الحمد لله على نعمائه والشكر اللّه على آلائه، فأنزل اللّه: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}(1)»(2).
عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: {إِنَّها لإحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ}(3) قال: «يعني فاطمة (عليها السلام) »(4).
عن أنس بن مالك في حديث: قلنا: يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسّر لنا قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهِ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}(5)، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فأخي علي، وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين (عليهم السلام) »(6).
ص: 41
قال القمي (رحمه اللّه) (1) في تفسير قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً}(2): (نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه، وأخذ حق فاطمة (عليها السلام) وآذاها، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه»(3).
وهو قول اللّه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ} الآية. وقوله: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ}، يعني: علياً وفاطمة (عليهما السلام) )(4).
وهذه الآيات الشريفة تدل على جواز لعن من ظلم الصديقة فاطمة (عليها السلام) وغصب فدك وآذاها، ولعن كل من غضبت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
فدك»(1).
وفيما احتجّ الإمام الرضا (عليه السلام) في فضل العترة الطاهرة (عليهم السلام) قال: «والآية الخامسة قول اللّه عزّ وجلّ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} خصوصيّة خصّهم العزيز الجبّار بها، واصطفاهم على الأمّة.
فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: ادعوا لي فاطمة. فدعيت له، فقال: يا فاطمة، قالت: لبّيك يا رسول اللّه. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هذه فدك هي ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصّة دون المسلمين، وقد جعلتها لك، لما أمرني اللّه به، فخذيها لك ولولدك..»(2).
وعن أبي سعيد الخدري قال: (لمّا نزلت {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) وأعطاها فدكا)(3).
وفي تفسير القمي: (قوله {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}: يعني قرابة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنزلت في فاطمة (عليها السلام) فجعل لها فدك، والمسكين من وُلد فاطمة، وابن السبيل من آل محمد ووُلد فاطمة (عليها السلام) )(4).
إلى غيرها من الآيات الكثيرة(5).
ص: 43
6
كانت فدك منطقة زراعية خصبة ذات حوائط عامرة سبعة(1)، وكان يسكنها اليهود، وكبيرهم يوشع بن نون.
فلما فرغ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من خيبر عقد لواءً ثم التفت (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) وقال: يا علي قم إليه فخذه، فقام علي (عليه السلام) إلى اللواء فأخذه، فبعثه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) به إلى فدك(2).
وكان أهل فدك قد سمعوا بما دمّر اللّه على أهل خيبر، وبمسير علي (عليه السلام) فاتح خيبر إليهم، فامتلأت قلوبهم من ذلك خوفاً ورعباً، فأرسلوا إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبل وصول علي (عليه السلام) إليهم يصالحونه على فدك(3)، ويسألونه أن يسترهم بأثواب، ويحقن دماءهم، ويتركوا له أرضهم وأموالهم، وكان الذي مشى بينهم
ص: 44
وبين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني حارثة(1).
فصالحهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أن يحقن دماءهم ويسترهم كما أرادوا.
فكانت حوائط فدك ملكاً لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خاصة خالصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب(2)، وقد وهبها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حياته لابنته فاطمة (عليها السلام) وسلّمها إياها بأمر من اللّه عزّوجلّ، فهي ملك خاص للصديقة فاطمة (عليها السلام) ، ولكن القوم غصبوا فدك منها(3)، وأخرجوا عُمّالها، وذلك بعد وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مباشرة ضمن الخطة التي أعدت لغصب خلافة علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لعلمهم بأن فدك لو بقيت في يد فاطمة (عليها السلام) لجعلت واردها تحت تصرف الإمام (عليه السلام) .. فأرادوا أن يضغطوا على الإمام (عليه السلام) حتى من الناحية الاقتصادية..
قال أبان: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لمّا نزلت الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}(4)، أعطى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة فدكا» فقال أبان بن تغلب: رسول اللّه
ص: 45
أعطاها؟! قال: فغضب أبو جعفر (عليه السلام) ثم قال: «اللّه أعطاها»(1).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لمّا بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منها.
فجاءت فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى أبي بكر ثم قالت: يا أبا بكر لم تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ وأخرجتَ وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأمر اللّه تعالى؟
فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبا بكر حتّى أحتجّ عليك بما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنشدك باللّه ألست تعلم أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: إنّ أمّ أيمن امرأة من أهل الجنة؟ فقال: بلى.
قالت: فأشهد أنّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}، فجعل فدكا لفاطمة (عليها السلام) طعمة بأمر اللّه.
وجاء عليّ (عليه السلام) فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً ودفعه إليها.
فدخل عمر، فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إنّ فاطمة ادّعت في فدك وشهدت لها أمّ أيمن وعليّ فكتبته. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة (عليها السلام) فتفل فيه ومزّقه. فخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي.
فلمّا كان بعد ذلك جاء عليّ (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد ملكته في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فقال أبو بكر: هذا فيء للمسلمين، فإن
ص: 46
أقامت شهوداً أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعله لها، وإلاّ فلا حقّ لها فيه.
فقال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه وآله): يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة. قال: فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يدها؟ وقد ملكته في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعده، ولم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادعوها شهوداً، كما سألتني على ما ادعيت عليهم، فسكت أبو بكر، فقال عمر: يا عليّ دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوى على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول، و إلاّ فهو فيء للمسلمين، لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه!.
فقال عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا أبا بكر تقرأ كتاب اللّه؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا} فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم.
قال: فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحدّ! كما أقيمه على نساء المسلمين. قال: إذاً كنت عند اللّه من الكافرين. قال: ولم؟ قال: لأنّك رددت شهادة اللّه لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم اللّه وحكم رسوله أن جعل لها فدك قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابيّ بائل على عقبيه عليها(1)، وأخذت منها فدكاً، وزعمت أنّه فيء للمسلمين، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه»(2) فرددت قول رسول
ص: 47
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه.
قال: فدمدم الناس وأنكروا ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا: صدق واللّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، ورجع عليّ (عليه السلام) إلى منزله. قال: ثم دخلت فاطمة (عليها السلام) المسجد، وطافت بقبر أبيها، وهي تقول:
قد كان بعدك أنباء و هنبثة***لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا***فغاب عنا فكل الخير محتجب
وكنت بدراً ونوراً يستضاء به***عليك ينزل من ذي العزة الكتب
تجهمتنا رجال واستخف بنا***إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت***منا العيون بتهمال لها سكب
قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه، ثم قال له: أما رأيت مجلس عليّ منّا في هذا اليوم؟ واللّه لئن قعد مقعداً آخر مثله ليفسدنّ علينا أمرنا، فما الرأي؟. فقال عمر: الرأي أن تأمر بقتله(1)..
الحديث(2).
ص: 48
ثم إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهب لفاطمة (عليها السلام) حيطاناً سبعة مضافاً إلى فدك، فأعطاها في حياته وجعلها وقفاً لها. وكانت: الدلال والعواف والحسنى والصافية وماء لأم إبراهيم والميثب والبرقة(1). والصديقة فاطمة (عليها السلام) أوصت بها إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده الحسن والحسين (عليهما السلام) وهكذا.
سُئل أبو الحسن الثاني(2) (عليه السلام) عن الحيطان السبعة التي كانت ميراث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) فقال: «إنما كانت وقفاً وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأخذ إليه منها ما ينفق على أضيافه والتابعة(3) يلزمه فيها، فلما قُبض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جاء العباس يخاصم فاطمة(4) (عليها السلام) فيها فشهد علي (عليه السلام) وغيره أنها وقف على فاطمة (عليها السلام) وهي: الدلال
ص: 49
والعواف والحسنى والصافية وما لأم إبراهيم والميثب والبرقة»(1).
وعن أبي بصير: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «ألا أحدثك بوصية فاطمة (عليها السلام) ؟» قلت: بلى، فأخرج (عليه السلام) حقاً أو سفطاً فأخرج منه كتاباً فقرأه:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصت بحوائطها السبعة: العواف والدلال والبرقة والميثب والحسنى والصافية ومال أم إبراهيم إلى علي بن أبي طلب (عليه السلام) فإن مضى علي فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي، شهد اللّه على ذلك والمقداد بن الأسود الكندي والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب (عليه السلام) »(2).
ص: 50
7
كثيراً مّا كان ينزل جبرائيل (عليه السلام) من السماء ويقول: يا محمد أقرِئ فاطمة السلام من اللّه عزّوجلّ.
عن ابن عباس قال: كنت جالساً بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم وبين يديه علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) وبيده تفاحة، فحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) فتحيّا بها علي (عليه السلام) وردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها الحسن (عليه السلام) وقبّلها وردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها الحسين (عليه السلام) فتحيّا بها الحسين (عليه السلام) وقبّلها وردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها فاطمة (عليها السلام) فقبّلتها وردّتها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثانية وحيّا بها علياً (عليه السلام) فتحيّا بها علي (عليه السلام) ثانية. فلما همّ أن يردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سقطت التفاحة من أطراف أنامله فانفلقت بنصفين، فسطع منها نور حتى بلغ سماء الدنيا وإذا عليه سطران مكتوبان:
(بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذه تحية من اللّه عزّ وجلّ إلى محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين سبطي رسول اللّه، وأمان لمحبيهم يوم القيامة من النار)(1).
ص: 51
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «إن خديجة (عليها السلام) لما توفيت جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتدور حوله وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ فجعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لايجيبها، فجعلت تدور وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لايدري ما يقول؟ فنزل جبرئيل فقال: إن ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: إن أمّك في بيت من قَصَب، كعابه من ذهب، وعمده من ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران (عليهما السلام) ، فقالت فاطمة (عليها السلام) : إن اللّه هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»(1). وأيضا نزل جبرائيل بتحية اللّه تعالى لفاطمة (عليها السلام) في حديث إكساء فاطمة (عليها السلام) حلتين من نور يوم القيامة وأنها لا تكون عارية(2).
وفي غيرها من الأحاديث(3).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي إن اللّه عزّ وجلّ أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطّلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطّلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطّلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين»(4).
ص: 52
وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :
«لما اُسري بي إلى السماء قال لي العزيز الجبار: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها، واشتققت لك اسماً من أسمائي، لا أذكر في مكان إلاّ ذكرت معي، فأنا محمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية اطلاعة فاخترت منها علياً، واشتققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أشباح نور من نوري، وعرضت ولايتكم على السماوات وعلى الأرضين ومن فيهن، فمن قبل ولايتكم كان عندي من الأظفرين، ومن جحدها كان عندي من الكفار، يا محمد لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم»(1).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في فاطمة (عليها السلام) : «.. وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ}(2)»(3).
روي أن جبرئيل (عليه السلام) أتى بحُلة قيمتها الدنيا، فلما لبستها - الصديقة فاطمة (عليها السلام) - تحيرت نسوة قريش منها، وقلن: من أين لك هذا؟ قالت فاطمة (عليها السلام) : «هذا من
ص: 53
عند اللّه تعالى»(1).
روي أن اليهود كان لهم عرس فجاءوا إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقالوا: لنا حق الجوار فنسألك أن تبعث فاطمة (عليها السلام) بنتك إلى دارنا حتى يزدان عرسنا بها، وألحوا عليه. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنها زوجة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي بحكمه، وسألوه أن يشفع إلى علي (عليه السلام) في ذلك. وقد جمع اليهود الطم والرم(2) من الحلي والحلل، وظن اليهود أن فاطمة (عليها السلام) تدخل عليهم في بذلتها وأرادوا استهانة بها، فجاء جبرئيل بثياب من الجنة وحلي وحلل لم ير الراؤون مثلها، فلبستها فاطمة (عليها السلام) وتحلّت بها، فتعجب الناس من زينتها وألوانها وطيبها، فلما دخلت فاطمة (عليها السلام) دار هؤلاء اليهود سجد لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها، وأسلم بسبب ما رأوا خلق كثير من اليهود(3).
ص: 54
8
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) أعزّ الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة أعز الناس عليّ»(1).
كان علي (عليه السلام) والصديقة فاطمة (عليها السلام) وبنوهما الحسن والحسين (عليهما السلام) أحبّ الناس إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
روى ابن شهرآشوب بعدة أسانيد عن عائشة: أن علياً (عليه السلام) قال للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما جلس (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بينه وبين فاطمة (عليها السلام) «أينا أحب إليك أنا أو هي»؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هي أحب إليّ- وأنت أعز عليّ»(2).
وفي الاستيعاب: (سُئلت عائشة أي الناس كان أحب إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قالت: فاطمة، قلت: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمته صواماً قواماً)(3).
ص: 55
ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك(1)(2).
عن ابن عباس قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال:
«اللّهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي، وأكرم الناس عليّ، فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيدهم بروح القدس»(3).
ص: 56
9
يستفاد من الروايات الشريفة أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام) غير أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإن النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أفضل الخلق على الإطلاق.
ومما يدل عليه: أن اللّه لم يغضب لغضب يونس (عليه السلام) (1)، ولكنه يغضب لغضب الصديقة فاطمة (عليها السلام) (2).
وأن فاطمة (عليها السلام) كفو لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعلي (عليه السلام) أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام) غير النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (3).
وزيارة جميع الأنبياء (عليهم السلام) لفاطمة (عليها السلام) ، وغير ذلك(4).
ص: 57
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث يصف مقام فاطمة (عليها السلام) في الجنة: «وإذا استقر أولياء اللّه في الجنة زاركِ آدم (عليه السلام) ومن دونه من النبيين (عليهم السلام) »(1).
وقال اللّه عزّ وجلّ في حديث قدسي: «لو لم أخلق علياً (عليه السلام) لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه»(2).
وروي أنه عوتب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أمر فاطمة (عليها السلام) فقال: «لو لم يخلق اللّه علي بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفو»(3). وفي خبر: «لولاك لما كان لها كفو على وجه الأرض»(4).
وروى المفضل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لولا أن اللّه تعالى خلق أمير
ص: 58
المؤمنين (عليه السلام) لم يكن لفاطمة (عليها السلام) كفو على ظهر الأرض، آدم فمن دونه»(1).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «رائحة الأنبياء (عليهم السلام) رائحة السّفرجل، ورائحة الحور العين رائحة الآس، ورائحة الملائكة رائحة الورد، ورائحة ابنتي فاطمة الزّهراء (عليها السلام) رائحة السّفرجل والآس والورد»(2).
ص: 59
10
سيدة نساء المؤمنين(1)
عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة (عليها السلام) تمشي، لا واللّه الذي لا إله إلاّ هو ما مشيها تخرم من مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما رآها قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «مرحباً بابنتي، مرتين، قالت فاطمة (عليها السلام) فقال لي: أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟(2).
وعن الحسن بن زياد العطار(3) قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» أسيدة نساء عالمها؟ قال (عليه السلام) : «تلك مريم، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين»، فقلت: فقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحسن والحسين سيدا شباب الجنة»؟ قال (عليه السلام) : «هما واللّه سيدا
ص: 60
شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين»(1).
في حديث: قيل: يا رسول اللّه، أهي سيدة نساء عالمها؟
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين»(2).
عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن اللّه تعالى اختار من النساء أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(3).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما،
ص: 61
وأمهما أفضل نساء أهل الأرض»(1).
ص: 62
في الروايات أن اللّه عزّوجلّ خلق السماوات والأرض من نور الصديقة فاطمة (عليها السلام) .
عن أنس بن مالك قال: (بينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلى صلاة الفجر ثم استوى في محرابه كالبدر في تمامه، فقلنا: يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسّر لنا هذه الآية قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهِ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}(1)، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فعلي بن أبي طالب، وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين (عليهم السلام) ».
فنهض العباس من زاوية المسجد إلى بين يديه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا رسول اللّه ألست أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من ينبوع واحد؟
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وما وراء ذلك يا عماه»؟
قال: لأنك لم تذكرني حين ذكرتهم، ولم تشرفني حين شرفتهم.
فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا عمّاه أما قولك أنا وأنت وعلي والحسن والحسين من
ص: 63
ينبوع واحد فصدقت، ولكن خلقنا اللّه نحن حيث لا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا عرش ولا جنة ولا نار، كنا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس، فلما أراد اللّه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فنور العرش من نوري، ونوري من نور اللّه، وأنا أفضل من العرش.
ثم فتق نور ابن أبي طالب فخلق منه الملائكة، فنور الملائكة من نور ابن أبي طالب، ونور ابن أبي طالب من نور اللّه، ونور ابن أبي طالب أفضل من الملائكة.
وفتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فنور السماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور فاطمة من نور اللّه، وفاطمة أفضل من السماوات والأرض. ثم فتق نور الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فنور الشمس والقمر من نور الحسن، ونور الحسن من نور اللّه، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فنور الجنة والحور العين من نور الحسين، ونور الحسين من نور اللّه، والحسين أفضل من الجنة والحور العين.
ثم إن اللّه خلق الظلمة بالقدرة فأرسلها في سحائب البصر فقالت الملائكة: سبّوح قدوس ربنا مذ عرفنا هذه الأشباح ما رأينا سوءً فبحرمتهم إلاّ كشفت ما نزل بنا، فهنالك خلق اللّه تعالى قناديل الرحمة وعلقها على سرادق العرش، فقالت: إلهنا لمن هذه الفضيلة وهذه الأنوار؟ فقال: هذا نور أمَتي فاطمة الزهراء، فلذلك سمّيتُ أمَتي الزهراء لأن السماوات والأرضين بنورها ظهرت، وهي ابنة نبيي وزوجة وصيي وحجتي على خلقي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها إلى يوم القيامة» فعند ذلك نهض العباس إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقبّل ما بين عينيه وقال: يا علي
ص: 64
لقد جعلك اللّه حجة بالغة على العباد إلى يوم القيامة)(1).
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في جدّته الصديقة فاطمة (عليها السلام) : «وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأول»(2).
ص: 65
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما اُسري بي إلى السماء نظرت فإذا مكتوب على العرش: (لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه، أيّدتُهُ بعلي ونصرتُه بعلي).
ورأيت أنواراً: نور علي وفاطمة والحسن والحسين، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي (عليهم السلام) ورأيت نور الحجة (عليه السلام) يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هذا ومن هؤلاء؟ فنوديت: يا محمد هذا نور علي وفاطمة (عليهما السلام) وهذا نور سبطيك الحسن والحسين (عليهما السلام) وهذا نور الأئمة بعدك من ولد الحسين، مطهرون معصومون، وهذا الحجة الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً»(1).
ص: 66
13
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول اللّه عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمَتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلَتْ بقلبها على عبادتي، اُشهدكم أني قد آمنتُ شيعتها من النار»(1).
ص: 67
14
هناك ارتباط خاص وعلاقة مميزة كانت بين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وابنته الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يبيّن ذلك للناس لكي يعلموا بمكانة فاطمة (عليها السلام) عند اللّه عزّوجلّ، ويعرفوا أنها (عليها السلام) وزوجَها علياً (عليه السلام) معيار الحق، وأن معاداتها حرام، وأن من يعاديها على باطل ومن أهل النار.
فكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكثر من تقبيل ابنته فاطمة (عليها السلام) ، ويقول: إنني أشم منها رائحة الجنة، وربما قبّل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يديها وقال لها: «بأبي أنتِ وأمي»!!.
وكان يصرّح بأن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي وزوجها علياً (عليه السلام) أحب الناس إليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).. وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنها بضعة منه، وإنها روحه التي بين جنبيه، وإنها قلبه، وإن رضاها رضاه، وإن غضبها غضبه.
وربما فدّاها بنفسه وقال: «فداها أبوها»(2).. وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فداك أبوك» كما في
ص: 68
صبيحة عرس فاطمة (عليها السلام) حيث جاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعس(1)
فيه لبن فقال لفاطمة (عليها السلام) : «اشربي فداك أبوك» وقال لعلي (عليه السلام) : «اشرب فداك ابن عمك»(2).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) فأنكرت عليه بعض نسائه(3)، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنه لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلتها - وفي رواية: فناولني منها تفاحة فأكلتها - فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي»(4).
ص: 69
كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رجع إلى المدينة أتى أولاً بيت فاطمة (عليها السلام) فكانت أول من يزورها، وإذا أراد الخروج من المدينة كانت فاطمة (عليها السلام) آخر الناس عهداً به، وذلك لشدة حبه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها (عليها السلام) ، ولكي يبين للناس مكانتها عنده وعند اللّه تعالى، وهذا ما رواه الفريقان.
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ثعلبة الخشني(1):
(كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنى بفاطمة (عليها السلام) ثم يأتي أزواجه..)(2).
وبسنده عن ابن عمر: (أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدم من سفر كان أول الناس به عهداً فاطمة)(3).
وروى أحمد بن حنبل في مسنده عن ثوبان(4) مولى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: (كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة..)(5).
ص: 70
روي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يطيل المكث عند ابنته فاطمة (عليها السلام) كلما قدم من سفر، وبدأ بفاطمة (عليها السلام) ، فخرج مرة في سفر، فصنعت فاطمة (عليها السلام) مسكتين من ورق(1)
وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها (عليهما السلام) .. فلما قدم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخل عليها، فوقف أصحابه على الباب لايدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها..
فخرج عليهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكأنه غير مرتاح حتى جلس عند المنبر.. فظنّت فاطمة (عليها السلام) أنه إنما فعل ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقالت للرسول: قل له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل اللّه».
فلما أتاه قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فعلت فداها أبوها، ثلاث مرات، ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند اللّه من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ماء»، ثم قام (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدخل عليها(2).
أقول: ربما كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) فعلت ذلك بأمر من الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم نزعت ذلك ليكون درساً للناس وأسوة، فالقصة شبه تمثيلية لتعليم الناس، كما في وضوء الإمامين الحسنين (عليهما السلام) لتعليم ذلك الشيخ الكبير في السن(3).
ص: 71
كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم احتراماً وإجلالاً للصديقة فاطمة (عليها السلام) كلما دخلت عليه، وكان يقبّل يدها تكريماً لها.. وكان يبين للناس في مختلف المواقف حبه لها، وأنها عزيزة عليه، وأن مَن أحبها فقد أحبه، ومن آذاها فقد آذاه... على ما رواه الفريقان: روي عن عائشة أنها قالت: (كانت فاطمة إذا دخلت قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليها فقبّلها ورحب بها كما كانت تصنع هي به)(1).
وفي رواية: (كان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا دخلت - فاطمة (عليها السلام) - عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها)(2).
رواه الحاكم في المستدرك(3)، وغيره في غيره(4).
كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأتي أحياناً إلى بيت فاطمة (عليها السلام) ويقوم بمساعدتها في أمور البيت. روي أنه دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على علي (عليه السلام) فوجده هو وفاطمة (عليها السلام) يطحنان في الجاروش(5)،
فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أيكما أعيا؟».
فقال علي (عليه السلام) : «فاطمة، يا رسول اللّه». فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: «قومي يا بنية»،
ص: 72
فقامت وجلس النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) موضعها مع علي (عليه السلام) فواساه في طحن الحب(1).
روي أنه بينما النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والناس في المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذن، إذ أتى بعد زمان، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما حبسك يا بلال»؟
فقال: إني اجتزت بفاطمة (عليها السلام) وهي تطحن، واضعة ابنها الحسن عند الرحى وهو يبكي، فقلت لها: أيما أحب إليك إن شئت كفيتك ابنك وإن شئت كفيتك الرحى؟ فقالت: «أنا أرفق بابني»، فأخذت الرحى فطحنت، فذاك الذي حبسني. فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «رحمتَها رحمك اللّه»(2).
كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رأى الصديقة فاطمة (عليها السلام) تبكي يتأثر ويقول: ما يبكيك يا بنية؟ ثم يسعى في أن يسرها..
قال سلمان الفارسي (رحمه اللّه) : لما أن مرض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المرضة التي قبضه اللّه فيها دخلتُ فجلست بين يديه، ودخلت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلما رأت ما به خنقتها العبرة حتى فاضت دموعها على خديها، فلما أن رآها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «ما يبكيك يا بنية»؟ قالت: «وكيف لا أبكي وأنا أرى ما بك من الضعف، فمن لنا بعدك يا رسول اللّه»؟ قال لها: «لكم اللّه، فتوكلي عليه واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء وأمهاتك من أزواجهم، يا فاطمة أوما علمت أن اللّه تعالى اختار أباك فجعله نبياً وبعثه رسولاً، ثم علياً فزوجتك إياه وجعله وصياً، فهو أعظم الناس
ص: 73
حقاً على المسلمين بعد أبيك، وأقدمهم سلماً، وأعزهم خطراً، وأجملهم خلقاً، وأشدهم في اللّه وفيّ غضباً، وأشجعهم قلباً، وأثبتهم وأربطهم جأشاً، وأسخاهم كفاً». ففرحت بذلك فاطمة الزهراء (عليها السلام) فرحاً شديداً، فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هل سررت يا بُنية»؟ قالت: «نعم يا رسول اللّه لقد سررتني وأحزنتني».
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كذلك أمور الدنيا يشوب سرورها بحزنها»، قال: «أفلا أزيدك في زوجك من مزيد الخير كله، قالت: بلى يا رسول اللّه، قال: إن علياً أول من آمن باللّه، وهو ابن عم رسول اللّه، وأخو الرسول، ووصي رسول اللّه، وزوج بنت رسول اللّه، وابناه سبطا رسول اللّه، وعمه سيد الشهداء عم رسول اللّه، وأخوه جعفر الطيار في الجنة ابن عم رسول اللّه، والمهدي الذي يصلي عيسى خلفه منك ومنه، فهذه يا بنية خصال لم يعطها أحد قبله ولا أحد بعده، يا بنية هل سررتك»؟ قالت: «نعم يا رسول اللّه».
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أو لا أزيدك مزيد الخير كله؟» قالت: «بلى»، قال: «إن اللّه تبارك وتعالى خلق الخلق قسمين فجعلني وزوجك في أخيرهما قسماً، وذلك قوله عزّ وجلّ: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}(1) ثم جعل الاثنين ثلاثاً فجعلني وزوجك في أخيرها ثلثاً، وذلك قوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(2)»(3).
ص: 74
15
لم يرد عن الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كلمة (بضعة مني)(1)
حسب علمنا إلاّ في الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) والإمام الرضا (عليه السلام) (2).
وربما وردت هذه اللفظة في بعض المعصومين الأخر أيضاً(3).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة بضعة مني.. يؤذيني ما آذاها.. يغضبني من أغضبها»(4).
ص: 75
وقال النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة بضعة مني، من سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز البرية عليّ»(1).
وروي أنه التفت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) فقال: «يا علي إن فاطمة بضعة مني، ونور عيني، وثمرة فؤادي، يسوؤني ما ساءها، ويسرني ما سرّها، وإنها أول لحوق يلحقني من أهل بيتي، فأحسن إليها بعدي، وأما الحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي وهما سيدا شباب أهل الجنة فليكونا عليك كسمعك وبصرك» ثم رفع (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يديه إلى السماء فقال: «اللّهم إني اُشهدك أني محب لمن أحبهم، ومبغض لمن أبغضهم، وسلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، وعدو لمن عاداهم، وولي لمن والاهم»(2).
وهذه الروايات الشريفة تدل بوضوح على أن من عادى الصديقة فاطمة (عليها السلام) فقد عادى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحاربه وأغضبه وآذاه...
روى البخاري في صحيحه: أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني»(3).
وروى النسائي في الخصائص: أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «فاطمة بضعة مني،
ص: 77
من أغضبها أغضبني»(1).
وروى الترمذي عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أنها بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها»(2).
والترمذي أيضاً عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها»(3).
وروى مسلم في صحيحه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قوله: «إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها»(4).
وفي رواية أخرى عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها»(5).
وروى الحاكم في المستدرك: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها»(6). وقال: صحيح.
ص: 78
وروى أحمد في مسنده عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في فاطمة (عليها السلام): «إنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها»(1).
وفي الإصابة: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على المنبر يقول: «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها»(2).
وعن سعد بن مالك - يعني ابن أبي وقاص - قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «فاطمة بضعة مني، من سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز الناس عليَّ»(3)(4).
ص: 79
16
إن اللّه عزوجل يغضب لغضب الصديقة فاطمة (عليها السلام) كما في صريح الروايات الشريفة، ومن هنا يعلم أن من أغضبها فقد أغضب اللّه سبحانه.
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث متواتر بين الفريقين: «إن اللّه ليغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها»(1).
رواه الإمام الباقر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) (2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن اللّه تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها»(3).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : «يا فاطمة إن اللّه عزّ وجلّ يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»(4)(5).
ص: 80
ص: 81
17
من أشد المحرمات إيذاء الصديقة فاطمة (عليها السلام) فإن إيذاءها إيذاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإيذاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إيذاء اللّه عزّ وجلّ(1).
روى جابر عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال في ابنته فاطمة (عليها السلام) : «فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه»(2).
وفي كتب العامة: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة ابنتي بضعة مني، يريبني
ص: 82
ما أرابها(1)،
ويؤذيني ما آذاها»(2).
وروى الفريقان أنه خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه جل وعلا»(3).
وعن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذى اللّه لعنه اللّه ملء السماوات والأرض»(4).
ص: 83
18
في روايات الفريقين: إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم»(1).
رواه أحمد بن حنبل عن أبي هريرة(2).
وعن زيد بن أرقم عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) : «أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم»(3).
وعن أبي سعيد الخدري، قال: لما دخل علي (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام) جاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أربعين صباحاً إلى بابها فيقول: «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(4).
ص: 84
19
يجب حب الصديقة فاطمة (عليها السلام) ويحرم بغضها.
روى الفريقان عن ابن عباس عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: «أحبوا اللّه لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب اللّه، وأحبوا أهل بيتي لحبي»(1). والصديقة فاطمة من أهل البيت (عليهم السلام) كما مرّ، وحبها واجب على كل مسلم ومسلمة وبغضها حرام.
وفي رواية سلمان قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا سلمان من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة، ومن أبغضها فهو في النار.
يا سلمان: حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن الموت، أيسرها: القبر والمحشر والصراط والمحاسبة، فمن رضيَتْ عنه فاطمة رضيتُ عنه، ومن رضيتُ عنه رضي اللّه عنه، ومن غضبَتْ عليه فاطمة غضبتُ عليه، ومن غضبتُ عليه غضب اللّه عليه.
يا سلمان: ويل لمن يظلمها(2) ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن ظلم
ص: 85
ذريتها وشيعتها»(1).
ص: 86
20
روى الحاكم في المستدرك أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال في حديث: «فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي اللّه وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار»(1).
وفاطمة (عليها السلام) من أهل البيت (عليهم السلام) كما ورد النص بذلك(2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «والذي نفسي بيده لايبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أدخله اللّه النار»(3).
وفي رواية: «إلاّ أكبّه اللّه في النار»(4).
ص: 87
21
في العديد من الروايات ما يدل على أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه تعالى، بل حجة على حجج اللّه عزّ وجلّ.
قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : «نحن حجج اللّه وفاطمة حجة اللّه علينا»(1).
وعن أبي ذر الغفاري والمقداد وسلمان (رضوان اللّه عليهم) قالوا: قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «إني مررت بالصهاكي يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلاّ كمثل نخلة نبتت في كناسة(2)! قال: فأتيت رسول
ص: 88
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فذكرت له ذلك، فغضب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غضباً شديداً فقام مغضباً وصعد المنبر، ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح لما رأوا من غضبه، ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي وقد سمعوني أقول في فضلهم ما قلت، وخصصتهم بما خصهم اللّه تعالى به، وفضل علي (عليه السلام) عند اللّه وكرامته وسبقه إلى الإسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، بلغني قول من زعم أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن اللّه سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين، فجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلةً، ثم جعلها بيوتاً فجعلني من خيرها بيتاً حتى حصلت في أهل بيتي وعترتي وفي بنتي وابناي وأخي علي بن أبي طالب، ثم إن اللّه اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها، ثم اطلع ثانية فاختار منها أخي وابن عمي ووزيري ووارثي وخليفتي ووصيي في أمتي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة بعدي، فمن والاه فقد والى اللّه، ومن عاداه فقد عادى اللّه، ومن أحبه فقد أحبه اللّه، ومن أبغضه فقد أبغضه اللّه، لا يحبه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ كافر، هو زينة الأرض ومن ساكنها، وهو كلمة التقوى وعروة اللّه الوثقى».
ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره، أيها الناس ليبلغ مقالتي منكم الشاهد الغائب، اللّهم اشهد عليهم، إن اللّه عزّوجلّ نظر إلى الأرض نظرة ثالثة فاختار منها اثنا عشر إماماً، فهم خيار أمتي،
ص: 89
وهم أحد عشر إماماً بعد أخي، كلما قبض واحد قام واحد، كمثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم، أئمة هادين مهديين، لا يضرهم كيد من كادهم، ولا خذلان من خذلهم، لعن اللّه من خذلهم، لعن اللّه من كادهم، وهم حجج اللّه في أرضه، وشُهّاده على خلقه، من أطاعهم فقد أطاع اللّه، ومن عصاهم فقد عصى اللّه، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا عليّ الحوض، أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو خيرهم وأفضلهم، ثم ابني الحسن ثم الحسين (عليهما السلام) ثم فاطمة الزهراء (عليها السلام) والتسعة من أولاد الحسين (عليهم السلام) .. ثم من بعدهم جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ثم عمي حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) .. أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي (عليه السلام) خير الأوصياء من أهل بيتي، علي (عليه السلام) خير الوصيين، وأهل بيته خير بيوت النبيين، وابنتي فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء أهل الجنة في الخلق أجمعين..
أيها الناس، أتُرجى شفاعتي وأعجز عن أهل بيتي، أيها الناس ما من أحد يلقى اللّه غداً مؤمناً لا يشرك به شيئاً إلاّ أدخله الجنة، ولو كان ذنوبه كتراب الأرض، أيها الناس إني آخذ بحلقة باب الجنة ثم يتجلى لي اللّه عزّ وجلّ فأسجد بين يديه ثم يأذن لي في الشفاعة، فلم أوثر على أهل بيتي أحداً، أيها الناس عظّموا أهل بيتي في حياتي ومماتي، وأكرموهم وفضلوهم، لا يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي(1)، ألا فانسبوني من أنا»؟
قال: فقاموا إليه الأنصار وقد أخذوا بأيديهم السلاح وقالوا: نعوذ باللّه من
ص: 90
غضب اللّه وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول اللّه من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه؟.
قال: «فانسبوني، أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، ثم أنهى النسبة إلى نزار، ثم مضى إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل اللّه، ثم مضى إلى نوح (عليه السلام) .. ثم قال: أهل بيتي كطينة آدم (عليه السلام) نكاح غير سفاح، سلوني فو اللّه لا يسألني رجل إلاّ أخبرته عن نفسه وعن أبيه»(1).
الشاهد في قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (وهم حجج اللّه في أرضه)...
وفي حديث تزويج فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) في السماوات والجنان أن اللّه عزّ وجلّ قال: «يا راحيل إن من بركتي عليهما أني أجمعهما وأجعلهما حجة على خلقي»(2).
وفي رواية: «وأجعلهما حجتي على خلقي»(3).
ص: 91
22
إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) معصومة بالعصمة الإلهية، كأبيها وبعلها وبنيها الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) .. ويشهد لذلك آية التطهير حيث نزلت فيهم، وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرأها على بابهم كل يوم.
عن نافع عن أبي الحمراء(1) قال: شهدت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثمانية أشهر إذا خرج إلى صلاة الغداة مرّ بباب فاطمة (عليها السلام) فقال: «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته الصلاة أهل البيت، {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(2)»(3).
ص: 92
ثم إن عصمة الصديقة فاطمة (عليها السلام) عصمة كبرى، فلا يصدر منها ذنب، ولا خطأ ولا سهو، ولا مكروه، ولا ترك أولى، بل كل أقوالها وأفعالها ومواقفها ورضاها وغضبها عين الصواب ومطابق لما أراده اللّه عزّ وجلّ تماماً.
ومن هنا ذكرنا في الفقه أن سيرتها (عليها السلام) من قول وفعل وتقرير، من مصادر التشريع الإسلامي، ويستنبط من ذلك آلاف المسائل الشرعية(1).
فقد روى الشيخ الكليني بإسناده عن محمد بن سنان(2) قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: «يا محمد إن اللّه تبارك وتعالى لم يزل متفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة (صلوات اللّه عليهم) فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرّمون ما يشاؤون ولن يشاؤا إلاّ أن يشاء اللّه تبارك وتعالى»..
ص: 93
ثم قال (عليه السلام) : «يا محمد، هذه الديانة التي من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها مُحق ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد»(1).
ص: 94
23
سبق أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) عند ما وُلدت: (أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، وأنها (عليها السلام) نطقت بالشهادتين - بل الشهادات الثلاث - وقالت: «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأن أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سيد الأنبياء، وأن بعلي (عليه السلام) سيد الأوصياء، ووُلدي (عليهم السلام) سادة الأسباط»، ثم سلّمت على النساء الأربع وسمّت كل واحدة منهن باسمها.. وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك..)(1).
كان أهل البيت (عليهم السلام) ملاذاً للفقراء ومأوى للمحتاجين في كلّ الظروف، ولشدة جودهم وكرمهم ربما اضطروا إلى الاقتراض من الآخرين.
ورد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) استقرض شعيراً من يهودي فاسترهنه شيئاً، فدفع إليه ملاءة فاطمة (عليها السلام) رهناً وكانت من الصوف، فأدخلها اليهودي إلى داره ووضعها في بيت(2)..
ص: 95
فلمّا كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل فرأت نوراً ساطعاً أضاء به البيت، فانصرفت إلى زوجها وأخبرته بأنّها رأت في ذلك البيت ضوءً عظيماً، فتعجّب زوجها اليهودي من ذلك وقد نسي أنّ في بيتهم ملاءة فاطمة (عليها السلام) ، فنهض مسرعاً ودخل البيت، فإذا ضياء الملاءة ينتشر شعاعها كأنّه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب، فتعجّب من ذلك، فأنعم النظر في موضع الملاءة فعلم أنّ ذلك النور من ملاءة فاطمة (عليها السلام) .. فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه، وزوجته تعدو إلى أقربائها واستحضرهم دارهما، فاستجمع نيف وثمانون نفراً من اليهود فرأوا ذلك وأسلموا كلّهم(1).
وروي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة، واستقرضت الشعير، فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا؟ قالت: لكسوة فاطمة (عليها السلام) فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً(2).
في الرواية أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بنت محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت محُدَّثة ولم تكن نبية(3).
و(المحدَّثة) بفتح الدال أي من يحُدّثها اللّه عزّ وجلّ وملائكته.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث: «فلما حملت - خديجة (عليها السلام) بفاطمة (عليها السلام) -
ص: 96
وكانت خديجة تغتم وتحزن إذا خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها من بطنها وتُصبّرها..»(1).
عن أبي سعيد الخدري قال: اُهديت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قطيفة منسوجة بالذهب، أهداها له ملك الحبشة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لأعطينّها رجلاً يحب اللّه َ ورسولَه ويحبه اللّهُ ورسولُه»، فمدّ أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعناقهم إليها، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أين علي»؟
قال عمار بن ياسر: فلما سمعت ذلك وثبت حتى أتيت علياً (عليه السلام) فأخبرته، فجاء، فدفع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) القطيفة إليه، فقال: «أنت لها».
فخرج بها إلى سوق الليل المدينة، فنقضها سلكاً سلكاً فقسمها في المهاجرين والأنصار، ثم رجع إلى منزله وما معه منها دينار.
فلما كان من غد استقبله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاث آلاف مثقال من ذهب فأنا والمهاجرون والأنصار نتغدى عندك غداً».
فقال علي (عليه السلام) : «نعم يا رسول اللّه».
فلما كان الغد أقبل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب، فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير، فدخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا، ودخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فإذا هم بجفنة مملوءة ثريداً، عليها عراق(2)، يفور منها
ص: 97
ريح المسك الأذفر، فضرب علي (عليه السلام) بيده عليها فلم يقدر على حملها، فعاونته فاطمة (عليها السلام) على حملها حتى أخرجها فوضعها بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فدخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على فاطمة (عليها السلام) فقال: «أي بنية أنى لك هذا»؟
قالت: «يا أبت {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1)».
فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا في مريم بنت عمران (عليهم السلام) ».
فقالت فاطمة (عليها السلام) : «يا أبة أنا خير أم مريم»؟
فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أنت في قومك، ومريم في قومها»(2).
وقد سبق الروايات التي تدل على أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين(3).
قالت أسماء بنت عميس: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - وقد كنت شهدت فاطمة (عليها السلام) وقد ولدت بعض وُلدها فلم أر لها دماً -: «إن فاطمة خُلقت حورية في صورة إنسية»(4).
ص: 98
قال أبو هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر (عليه السلام) (1): لم سميت فاطمة (عليها السلام) الزهراء؟ فقال (عليه السلام) : «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري»(2).
عن أنس بن مالك عن أمه أم سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري أنها قالت: (لم تر فاطمة (عليها السلام) دماً قط في حيض ولا في نفاس)(3).
روي أن أم أيمن لما توفيت فاطمة (عليها السلام) حلفت أن لا تكون بالمدينة، إذ لاتطيق النظر إلى مواضع كانت (عليها السلام) بها، فخرجت إلى مكة، فلما كانت في بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً، فرفعت يديها وقالت: يا رب أنا خادمة فاطمة (عليها السلام) تقتلني عطشاً؟!
فأنزل اللّه عليها دلواً من السماء فشربت، فلم تحتج إلى الطعام والشراب سبع سنين، وكان الناس يبعثونها في اليوم الشديد الحر فما يصيبها عطش(4).
ص: 99
وفي رواية: خرجت أم أيمن إلى مكة لما توفيت فاطمة (عليها السلام) وقالت: لا أرى المدينة بعدها، فأصابها عطش شديد في الجحفة(1)، حتى خافت على نفسها، قال: فكسرت عينيها نحو السماء ثم قالت: يا رب أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيك؟ قال: فنزل إليها دلو من ماء الجنة فشربت، ولم تجع ولم تطعم سبع سنين(2).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رحمه اللّه) قال: «صلّى بنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلاة العصر، فلما انفتل جلس في قبلته والناس حوله، فبينما هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل(3) قد تهلل وأخلق، وهو لا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يستجليه الخبر؟.
فقال الشيخ: يا نبي اللّه أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فارشني.
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما أجد لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحب اللّهَ ورسولَه ويحبه اللّهُ ورسولُه، يؤثر اللّه على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة (عليها السلام) » وكان بيتها ملاصقَ بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه، وقال: «يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة (عليها السلام) ».
ص: 100
فانطلق الأعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة (عليها السلام) نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين.
فقالت فاطمة (عليها السلام) : «وعليك السلام، من أنت يا هذا»؟
قال: شيخ من العرب، أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجراً من شُقّة(1) بعيدة، وأنا يا بنت محمد عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني رحمك اللّه.
وكان لفاطمة وعلي (عليهما السلام) ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذلك من شأنهما.. فعمدت فاطمة (عليها السلام) إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ(2)، كان ينام عليه الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فقالت: «خذ هذا أيها الطارق، فعسى اللّه أن يرتاح(3) لك ما هو خير منه».
قال الأعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتيني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟
قال: فعمدت (عليها السلام) لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها، أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) (4) فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي.
ص: 101
فقالت: «خذه وبعه فعسى اللّه أن يعوّضك به ما هو خير منه».
فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول اللّه، والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس في أصحابه فقال: يا رسول اللّه أعطتني فاطمة بنت محمد (عليها السلام) هذا العقد فقالت: «بعه فعسى أن يصنع اللّه لك».
قال: فبكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: «وكيف لا يصنع اللّه لك وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم».
فقام عمار بن ياسر (رحمة اللّه عليه) فقال: يا رسول اللّه أتأذن لي بشراء هذا العقد؟
قال: «اشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبهم اللّه بالنار».
فقال عمار: بكم هذا العقد يا أعرابي؟
قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية أستر بها عورتي وأصلي فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي.
وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من خيبر ولم يبق منه شيئاً، فقال لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية، وبردة يمانية، وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البر واللحم.
فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال أيها الرجل.
وانطلق به عمار فوفاه ما ضمن له، وعاد الأعرابي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أشبعت واكتسيت»؟
قال الأعرابي: نعم واستغنيت بأبي أنت وأمي.
قال: «فأجز فاطمة (عليها السلام) بصنيعها».
فقال الأعرابي: اللّهم إنك إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك، وأنت
ص: 102
رازقنا على كل الجهات، اللّهم أعط فاطمة (عليها السلام) ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
فأمّن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على دعائه، وأقبل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أصحابه فقال: «إن اللّه قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك، أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعلي (عليه السلام) بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفو أبداً، وأعطاها الحسن والحسين (عليهما السلام) وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا أهل الجنة»، وكان بإزائه مقداد وعمار وسلمان (رضي اللّه عنهم) فقال: «وأزيدكم»؟
فقالوا: نعم يا رسول اللّه.
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أتاني الروح الأمين - يعني جبرئيل (عليه السلام) - أنها إذا هي قُبضت ودُفنت يسألها الملكان في قبرها: من ربك؟ فتقول: اللّه ربي، فيقولان: فمن نبيك؟ فتقول: أبي، فيقولان: فمن وليك؟ فتقول: هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب (عليه السلام) »..
«ألا وأزيدكم من فضلها؟ إن اللّه قد وكل بها رعيلاً(1) من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة (عليها السلام) فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكأنما زار فاطمة (عليها السلام) ومن زار الحسن والحسين (عليها السلام) فكأنما زار علياً (عليه السلام) ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما».
فعمد عمار إلى العقد وطيّبه بالمسك ولفّه في بردة يمانية وكان له عبد اسمه: سهم، ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال
ص: 103
له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنت له، فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأخبره بقول عمار (رحمه اللّه).
فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «انطلق إلى فاطمة (عليها السلام) فادفع إليها العقد وأنت لها».
فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخذت فاطمة (عليها السلام) العقد وأعتقت المملوك، فضحك الغلام، فقالت (عليها السلام) : «ما يضحكك يا غلام»؟ فقال: أضحكني عِظَمَ بركة هذا العقد: أشبع جائعاً، وكسا عرياناً، وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربه»(1).
أي إلى صاحبه.
روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) .. أتى أبا جبلة الأنصاري(2) فقال له: «يا أبا جبلة هل من قرض دينار»؟
قال: نعم يا أبا الحسن، اُشهد اللّه وملائكته أن أكثر مالي لك، حلال من اللّه ومن رسوله، قال (عليه السلام) : «لا حاجة لي في شيء من ذلك، إن يك قرضاً قبلته»، قال: فدفع إليه ديناراً، ومرّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يتخرق أزقة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً فإذا هو بمقداد بن الأسود الكندي قاعد على الطريق، فدنا منه وسلّم عليه وقال: «يا مقداد ما لي أراك في هذا الموضع كئيباً حزيناً»؟.
فقال: أقول كما قال العبد الصالح موسى بن عمران (عليه الصلاة والسلام):
ص: 104
{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(1)، قال (عليه السلام) : «ومنذ كم يا مقداد»؟
قال: هذا أربع، فرجع أمير المؤمنين (عليه السلام) ملياً ثم قال: «اللّه أكبر، اللّه أكبر، آل محمد منذ ثلاث وأنت يا مقداد مذ أربع، أنت أحق بالدينار مني».
قال: فدفع إليه الدينار، ومضى حتى دخل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في مسجده، فلما انفتل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ضرب بيده إلى كتفه ثم قال: «يا علي انهض بنا إلى منزلك لعلنا نصيب طعاماً فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة»، قال: فمضى وأمير المؤمنين (عليه السلام) مستحي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رابط على بطنه حجراً من الجوع، حتى قرعا على فاطمة (عليها السلام) الباب، فلما نظرت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد أثّر الجوع في وجهه ولّت هاربة قالت: «وا سوأتاه من اللّه ومن رسوله، كأن أبا الحسن ما علم أن ليس عندنا شيء مذ ثلاث» ثم دخلت (عليها السلام) مخدعاً لها فصلّت ركعتين، ثم نادت: «يا إله محمد، هذا محمد نبيك، وفاطمة بنت نبيك، وعلي خَتَن نبيك وابن عمّه، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيك، اللّهم فإن بني إسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها، اللّهم فإن آل محمد لايكفرون بها».
ثم التفتت مسلّمة فإذا هي بصحفة مملوءة من ثريد ومرق، فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأهوى بيده إلى الصحفة فسبحت الصحفة والثريد والمرق، فتلا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}(2)، ثم قال: «كلوا من جوانب القصعة ولا تهدموا صومعتها فإن فيها البركة».
ص: 105
فأكل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) .. والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأكل وينظر إلى علي (عليه السلام) متبسماً، وعلي (عليه السلام) يأكل وينظر إلى فاطمة (عليهما السلام) متعجباً، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كُل يا علي ولا تسأل فاطمة (عليها السلام) عن شيء، الحمد لله الذي جعل مثلك ومثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا، {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(1).
يا علي هذا بالدينار الذي أقرضته، لقد أعطاك الليلة خمسة وعشرين جزءً من المعروف، فأما جزء واحد فجعل لك في دنياك أن أطعمك من جنته، وأما أربعة وعشرون جزءً قد ذخرها لك لآخرتك»(2).
روي أن سلمان (رحمه اللّه) قال: كانت فاطمة (عليها السلام) جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين (عليه السلام) في ناحية الدار يبكي، فقلت: يا بنت رسول اللّه دبرت كفاك(3) وهذه فضة، فقالت: «أوصاني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً فكان أمس يوم خدمتها»، قال سلمان: إني مولى عتاقة(4) إما أنا أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين (عليه السلام) ، فقالت: «أنا بتسكيته أرفق وأنت تطحن الشعير»، فطحنت شيئاً من الشعير، فإذا
ص: 106
أنا بالإقامة، فمضيت وصليت مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما فرغت قلت لعلي (عليه السلام) ما رأيت. فبكى وخرج، ثم عاد يتبسم، فسأله عن ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. قال: «دخلت على فاطمة (عليها السلام) وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها وقدامها الرحى تدور من غير يد» فتبسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: «يا علي أما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة»(1).
وعن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: «بعث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سلمان إلى فاطمة (عليها السلام) قال: فوقفت بالباب وقفة حتى سلّمت، فسمعت فاطمة (عليها السلام) تقرأ القرآن من جوّا، والرحى تدور من برّا، ما عندها أنيس...
إلى أن قال: فتبسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: «يا سلمان إن ابنتي فاطمة ملأ اللّه قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها، تفرغت لطاعة اللّه، فبعث اللّه ملكاً اسمه زوقابيل، وفي خبر آخر: جبرئيل، فأدار لها الرحى وكفاها اللّه مئونة الدنيا مع مئونة الآخرة»(2).
والرحى تدور، فأخبرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بذلك، فقال: «إن اللّه علم ضعف أمَته، فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت»(1).
روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) ربما اشتغلت بصلاتها وعبادتها، فربما بكى ولدها، فرُؤي المهد يتحرك وكان ملك يحركه(2).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن سلمان الفارسي: أنه لما استُخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله، خرجت فاطمة (عليها السلام) حتى انتهت إلى القبر، فقالت: «خلوا عن ابن عمي، فو الذي بعث محمداً بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على رأسي ولأصرخن إلى اللّه، فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي». قال سلمان: فرأيت واللّه أساس حيطان المسجد تقطّعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي إن اللّه تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت(3)
الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا(4).
ص: 108
عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال في حديث طويل: «كانت فاطمة (عليها السلام) .. فإذا طلع هلال شهر رمضان فكان نورها يغلب الهلال ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر»(1).
إلى غيرها من الكرامات والمعاجز والتي هي مستمرة إلى يومنا هذا، فكم من مريض شوفي ببركة الزهراء (عليها السلام) .. وكم مكروب كشف عن كربه ببركتها (عليها السلام) .. وكم من صاحب حاجة توسل بها إلى اللّه تعالى فقضى اللّه حاجته.
ص: 109
24
إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي أشرف الخلق بعد أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يكن لها كفو إلاّ ابن عمها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ... وقد زوّجهما اللّه تعالى في سمائه وأمر نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بزواجها من علي (عليه السلام) .
وتقدم الكثير من الصحابة للزواج من فاطمة (عليها السلام) فردّهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يزوّجها منهم، وكان فيهم أبو بكر وعمر فإنهما خطبا إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) مرة بعد أخرى فردّهما.
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لولا أن اللّه تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليهما السلام) ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه»(1).
وعن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) : «إن أبا بكر أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوّجني فاطمة، فأعرض عنه، فأتاه عمر فقال مثل ذلك، فأعرض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنه، فأتيا عبد الرحمن بن عوف فقالا: أنت أكثر قريش مالاً، فلو أتيت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطبت إليه فاطمة، زادك اللّه مالاً إلى مالك، وشرفاً إلى شرفك، فأتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له ذلك، فأعرض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنه،
ص: 110
فأتاهما فقال: قد نزل بي مثل الذي نزل بكما، فأتيا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يسقي نخلاً، فقالا: قد عرفنا قرابتك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقدمتك في الإسلام، فلو أتيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطبت إليه فاطمة لزادك اللّه فضلاً إلى فضلك، وشرفاً إلى شرفك، فقال: لقد نبهتماني، فانطلق فتوضأ ثم اغتسل ولبس كساءً قطرياً، وصلى ركعتين ثم أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا رسول اللّه زوّجني فاطمة، قال: إذا زوجتكها فما تصدقها؟ قال: أصدقها سيفي وفرسي ودرعي وناضحي، قال: أما ناضحك وسيفك وفرسك فلا غنى بك عنها تقاتل المشركين، وأما درعك فشأنك بها، فانطلق علي (عليه السلام) وباع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً قطرية، فصبّها بين يدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم يسأله عن عددها ولا هو أخبره، فأخذ منها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبضة فدفعها إلى المقداد بن الأسود فقال: ابتع من هذا ما تجهز به فاطمة، وأكثر لها من الطيب، فانطلق المقداد فاشترى لها رحى وقربة ووسادة من أدم، وحصيراً قطرياً فجاء به فوضعه بين يدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ...» الخبر(1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوّجكم إلاّ فاطمة (عليها السلام) فإن تزويجها نزل من السماء»(2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما زوّجت فاطمة إلاّ لما أمرني اللّه بتزويجها»(3).
وعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن
ص: 111
علي (عليه السلام) قال: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة (عليها السلام) وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوّجت علياً؟ فقلت لهم: واللّه ما أنا منعتكم وزوّجته، بل اللّه منعكم وزوّجه، فهبط عليّ جبرئيل فقال: يا محمد إن اللّه جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه»(1).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أتاني ملك فقال: يا محمد إن اللّه عزّوجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد زوّجتُ فاطمة من علي فزوّجها منه، وقد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدر والياقوت والمرجان، وإن أهل السماء قد فرحوا لذلك، وسيولد منها ولدان سيدا شباب أهل الجنة، وبهما يزيّن أهل الجنة، فأبشر يا محمد فإنك خير الأولين والآخرين»(2).
وعن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: بينما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس إذ جاء علي (عليه السلام) فقال: «يا علي ما جاء بك»؟ قال: «جئت أسلّم عليك»، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هذا جبرئيل يخبرني أن اللّه عزّوجلّ زوّجك فاطمة وأشهدَ على تزويجها أربعين ألف ملك، وأوحى اللّه إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر والياقوت، فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر والياقوت وهن يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة، وكانوا يتهادون ويقولون: هذه تحفة خير النساء»(3).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «.. وعقد جبرئيل وميكائيل في السماء نكاح علي
ص: 112
وفاطمة (عليهما السلام) ، فكان جبرئيل المتكلم عن علي وميكائيل الراد عني..»(1).
عن بلال بن حمامة(2) قال: طلع علينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم مبتسماً ضاحكاً ووجهه مسرور كدارة القمر، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول اللّه ما هذا النور؟ قال: «بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، بأن اللّه زوّج علياً (عليه السلام) من فاطمة (عليهما السلام) وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً يعني صكاكاً بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكةً من نور ودفع إلى كل ملك صكاكاً،فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محب لأهل البيت إلاّ دفعت له صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء أمتي من النار»(3).
روى ابن شهرآشوب: أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع فقال: «الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكةً روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات، وحجب عنا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلّ على إلحاد أهل الأرض
ص: 113
من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين»، ثم قال بعد كلام: «اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه المصدق دعوته، المبادر إلى كلمته، على الوصول بفاطمة البتول ابنة الرسول...»(1).
وروي أن جبرئيل (عليه السلام) روى عن اللّه تعالى عقيبها قوله عزّوجلّ: «الحمد ردائي والعظمة كبريائي والخلق كلّهم عبيدي وإمائي، زوّجت فاطمة أمتي من عليّ صفوتي، اشهدوا ملائكتي» وكان بين تزويج أمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام) في السماء إلى تزويجهما في الأرض أربعين يوماً، زوّجها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من علي (عليه السلام) أول يوم من ذي الحجة(2).
خطب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على المنبر في تزويج فاطمة (عليها السلام) فقال: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع في سلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم إن اللّه جعل المصاهرة نسباً لاحقا وأمراً مفترضاً، وشج بها الأرحام، وألزمها الأنام فقال تبارك اسمه وتعالى جده: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}(3)،
ص: 114
فأمر اللّه يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قَدَره، فلكل قضاء قَدَر، ولكل قَدَر أجل، ولكل أجل كتاب، {يَمْحُواْ اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(1).
ثم إني أشهدكم أني قد زوّجت فاطمة من علي» - وفي رواية المناقب(2): «ثم إن اللّه أمرني أن أزوّج فاطمة من علي، وقد زوّجتها إياه» - «على أربعمائة مثقال فضة... أرضيت؟ قال: رضيت يا رسول اللّه، ثم خرّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لله ساجداً، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : جعل اللّه فيكما الخير الكثير الطيب وبارك فيكما».
قال أنس: واللّه لقد أخرج منهما الكثير الطيب(3).
في رواية قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «تكلّم خطيباً لنفسك» فقال (عليه السلام) : «الحمد لله الذي قرُب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنة من يتقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمدَ من يعلم أنه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، وسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه، ونشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وأن محمداً عبده ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلاة تزلفه وتحظيه، وترفعه وتصطفيه، وهذا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوّجني ابنته فاطمة (عليها السلام) على خمسمائة درهم وقد رضيت فاسألوه واشهدوا»، وفي خبر قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «زوّجتك ابنتي فاطمة على ما زوّجك الرحمن، وقد رضيت بما رضي اللّه لها دونك أهلك فإنك أحق بها مني». وفي
ص: 115
خبر: «فنعم الأخ أنت ونعم الختن(1) أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضى اللّه رضى»(2).
عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «بينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجهاً، فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : حبيبي جبرئيل لم أرك في مثل هذه الصورة، قال الملك: لست بجبرئيل يا محمد، بعثني اللّه عزّوجلّ أن أزوّج النور من النور، قال: من ممن؟ قال: فاطمة من علي (عليهما السلام) ، قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه: (محمد رسول اللّه، علي وصيه) فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟ فقال: من قبل أن يخلق اللّه آدم (عليه السلام) باثنين وعشرين ألف عام»(3).
وفي رواية(4): «إن اللّه تعالى أوحى إلى جبرئيل: زوّج النور من النور، وكان
ص: 116
الولي اللّه، والخطيب جبرئيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين، ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك، فنثرت الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض»(1).
روي أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) مرة بعد أخرى فردهما(2).
وفي كتب أبناء العامة: (إن أبا بكر خطب فاطمة (عليها السلام) إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «يا أبا بكر انتظر بها القضاء» فذكر ذلك أبو بكر لعمر فقال له عمر: ردّك، ثم إن أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة (عليها السلام) إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطبها، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) له مثل ما قال لأبي بكر: «انتظر بها القضاء»، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره فقال له: ردّك يا عمر..)(3).
عن بريدة أنه قال نفر من الأنصار لعلي ابن أبي طالب (عليه السلام) : عندك اخطب فاطمة، فأتى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسلّم عليه فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما حاجة علي ابن أبي طالب»؟ قال: «يا رسول اللّه ذكرت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «مرحباً وأهلاً» لم يزد عليها، فخرج علي (عليه السلام) على أولئك الرهط
ص: 117
وكانوا ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: مرحباً وأهلاً، قالوا: يكفيك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أحدهما أعطاك الأهل والرحب(1).
روي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : «إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ممن قد عرفتِ قرابته وفضله من الإسلام، وإني سألت ربي أن يزوّجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين»؟
فسكتت (عليها السلام) فخرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يقول: «اللّه أكبر، سكوتها إقرارها(2)»(3).
وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «أتيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما رآني ضحك ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن، وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي، فقال: يا علي صدقت فأنت أفضل مما تذكر، فقلت: يا رسول اللّه فاطمة تزوجنيها؟ فقال: يا علي إنه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى
ص: 118
أخرج إليك، فدخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها فقامت (عليها السلام) فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته الوضوء فوضأته بيدها وغسلت رجليه ثم قعدت، فقال لها: يا فاطمة، فقالت: لبيك، حاجتك يا رسول اللّه؟ قال: إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه, وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟
فسكتت (عليها السلام) ولم تول وجهها ولم ير فيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كراهة، فقام وهو يقول: اللّه أكبر سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد زوّجها علي بن أبي طالب، فإن اللّه قد رضيها له ورضيه لها.
قال علي (عليه السلام) : فزوّجني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم أتاني فأخذ بيدي فقال: قم بسم اللّه وقُل: «عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ» ثم جاءني حتى أقعدني عندها (عليها السلام) ثم قال: «اللّهم إنهما أحب خلقك إليّ فأحبهما، وبارك في ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم»(1).
قال ابن عبد البر في الإستيعاب: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : «زوّجتك سيداً في الدنيا والآخرة، وأنه لأول أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً»(2).
روي إنه لما أدركت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مدرك النساء، خطبها أكابر
ص: 119
قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام والشرف والمال، وكان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعرض عنه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بوجهه حتى كان الرجل منهم يظن في نفسه أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ساخط عليه، أو قد نزل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه وحي من السماء، ولقد خطبها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبو بكر فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أمرها إلى ربها»، وخطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كمقالته لأبي بكر...
قال: ثم إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) حلّ عن ناضحه وأقبل يقوده إلى منزله، فشدّه فيه ولبس نعله وأقبل إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في منزل زوجته أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة المخزومي(1)، فدقّ علي (عليه السلام) الباب، فقالت أم سلمة: من بالباب؟ فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من قبل أن يقول علي أنا علي: «قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب ومريه بالدخول، فهذا رجل يحبه اللّهُ ورسولُه ويحبهما»، فقالت أم سلمة: فداك أبي وأمي ومن هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره؟ فقال: «مه، يا أم سلمة فهذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق هذا أخي وابن عمي وأحب الخلق إليّ»، قالت أم سلمة: فقمت مبادرة أكاد أن أعثر بمرطي، ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وواللّه ما دخل حين فتحت حتى علم أني قد رجعت إلى خدري، ثم إنه دخل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 120
فقال: «السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته»، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وعليك السلام يا أبا الحسن اجلس»(1).
قالت أم سلمة: فجلس علي بن أبي طالب (عليه السلام) بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعل ينظر إلى الأرض كأنه قصد الحاجة وهو يستحيي أن يبديها، فهو مطرق إلى الأرض حياءً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقالت أم سلمة: فكأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علم ما في نفس علي (عليه السلام) فقال له: «يا أبا الحسن إني أرى أنك أتيت لحاجة فقل حاجتك وأبد ما في نفسك، فكل حاجة لك عندي مقضية»، قال علي (عليه السلام) : «فقلت: فداك أبي وأمي إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي لا عقل لي فغذيتني بغذائك، وأدبتني بأدبك، فكنتَ إليّ أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البر والشفقة، وإن اللّه تعالى هداني بك وعلى يديك، واستنقذني مما كان عليه آبائي وأعمامي من الحيرة والشك(2)، وإنك واللّه يا رسول اللّه ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة، يا رسول اللّه فقد أحببت مع ما شدّ اللّه من عضدي بك أن يكون لي بيت وأن يكون لي زوجة أسكن إليها، وقد أتيتك خاطباً راغباً أخطب إليك ابنتك فاطمة (عليها السلام) فهل أنت مزوّجي يا رسول اللّه»؟
ص: 121
قالت أم سلمة: فرأيت وجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يتهلل فرحاً وسروراً، ثم تبسم في وجه علي (عليه السلام) فقال: «يا أبا الحسن فهل معك شيء أزوّجك به»؟ فقال علي (عليه السلام) : «فداك أبي وأمي واللّه ما يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي، وما أملك شيئاً غير هذا».
فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي أما سيفك فلا غنا بك عنه تجاهد به في سبيل اللّه وتقاتل به أعداء اللّه، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك، يا أبا الحسن أبشّرك»؟
قال علي (عليه السلام) : «قلت: نعم، فداك أبي وأمي، بشّرني فإنك لم تزل ميمون النقيبة، مبارك الطائر، رشيد الأمر، صلى اللّه عليك».
فقال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبشر يا أبا الحسن فإن اللّه عزّ وجلّ قد زوّجكها في السماء من قبل أن أزوّجك في الأرض، ولقد هبط عليّ في موضعي من قبل أن تأتيني ملك من السماء له وجوه شتى وأجنحة شتى لم أر قبله من الملائكة مثله فقال لي: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته، أبشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل، فقلت: وما ذاك أيها الملك؟ فقال لي: يا محمد أنا سيطائيل الملك الموكل بإحدى قوائم العرش، سألت ربي عزّ وجلّ أن يأذن لي في بشارتك، وهذا جبرئيل (عليه السلام) في أثري يخبرك عن ربك عزّ وجلّ بكرامة اللّه عزّ وجلّ، قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فما استتم كلامه حتى هبط عليّ جبرئيل فقال: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته يا نبي اللّه، ثم إنه وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة وفيه سطران مكتوبان بالنور، فقلت: حبيبي جبرئيل ما هذه الحريرة وما هذه الخطوط؟ فقال جبرئيل: يا محمد إن اللّه عزّ وجلّ اطلّع إلى الأرض اطلاعة
ص: 122
فاختارك من خلقه فبعثك برسالته ثم اطلّع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخاً ووزيراً وصاحباً وختناً فزوّجه ابنتك فاطمة، فقلت: حبيبي جبرئيل ومن هذا الرجل؟ فقال لي: يا محمد أخوك في الدنيا وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب، وإن اللّه أوحى إلى الجنان: أن تزخرفي فتزخرفت الجنان، وإلى شجرة طوبى: احملي الحلي والحلل، وتزينت الحور العين، وأمر اللّه الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور، فهبط مَن فوقها إليها وصعد مَن تحتها إليها، وأمر اللّه عزّوجلّ رضوان فنصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور وهو الذي خطب عليه آدم، عرض الأسماء على الملائكة، وهو منبر من نور، فأوحى إلى ملك من ملائكة حجبه يقال له: راحيل أن يعلو ذلك المنبر، وأن يحمده بمحامده ويمجده بتمجيده وأن يثني عليه بما هو أهله، وليس في الملائكة أحسن منطقاً ولا أحلى لغةً من راحيل الملك، فعلا المنبر وحمد ربه ومجده وقدسه وأثنى عليه بما هو أهله، فارتجت السماوات فرحاً وسروراً.
قال جبرئيل: ثم أوحى اللّه إليّ أن أعقد عقدة النكاح، فإني قد زوّجت أمتي فاطمة بنت حبيبي محمد عبدي علي بن أبي طالب، فعقدت عقدة النكاح وأشهدت على ذلك الملائكة أجمعين وكتب شهادتهم في هذه الحريرة، وقد أمرني ربي عزّوجلّ أن أعرضها عليك وأن أختمها بخاتم مسك وأن أدفعها إلى رضوان، وإن اللّه عزّوجلّ لما أشهد الملائكة على تزويج علي (عليه السلام) من فاطمة (عليها السلام) أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها من الحلي والحلل فنثرت ما فيها، فالتقطته الملائكة والحور العين، وإن الحور العين ليتهادينه ويفخرن به إلى يوم القيامة، يا محمد إن اللّه عزّ وجلّ أمرني أن آمرك أن تزوج علياً في الأرض فاطمة وتبشرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين طيبين خيرين فاضلين في الدنيا والآخرة، يا أبا الحسن فو اللّه ما عرج الملك من عندي حتى دققت الباب، ألا وإني منفذ فيك أمر ربي عزّ وجلّ، امض يا أبا
ص: 123
الحسن أمامي فإني خارج إلى المسجد ومزوّجك على رؤوس الناس وذاكر من فضلك ما تقرّ به عينك وأعين محبيك في الدنيا والآخرة...
فما توسطناه حتى لحق بنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإن وجهه ليتهلل سروراً وفرحاً فقال: يا بلال، فأجابه فقال: لبيك يا رسول اللّه، قال: اجمع إليّ المهاجرين والأنصار، فجمعهم، ثم رقى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) درجة من المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: معاشر المسلمين إن جبرئيل أتاني آنفا فأخبرني عن ربي عزّ وجلّ أنه جمع الملائكة عند البيت المعمور وأنه أشهدهم جميعاً أنه زوّج أمته فاطمة ابنة رسول اللّه من عبده علي بن أبي طالب، وأمرني أن أزوّجه في الأرض وأشهدكم على ذلك، ثم جلس وقال لعلي (عليه السلام) : قم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك، قال: فقام (عليه السلام) فحمد اللّه وأثنى عليه وصلى على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: الحمد لله شكراً لأنعمه وأياديه، ولا إله إلا اللّه شهادة تبلغه وترضيه، وصلى اللّه على محمد صلاةً تزلفه وتحظيه، والنكاح مما أمر اللّه عزّوجلّ به ويرضيه، ومجلسنا هذا مما قضاه اللّه وأذن فيه، وقد زوّجني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة (عليها السلام) وجعل صداقها درعي هذا، وقد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا، فقال المسلمون لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : زوّجته يا رسول اللّه، فقال: نعم، فقالوا: بارك اللّه لهما وعليهما وجمع شملهما..(1).
قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) : (اخطب فاطمة (عليها السلام) فأتى رسول
ص: 124
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسلّم عليه، فقال له: ما حاجة علي بن أبي طالب؟ قال: يا رسول اللّه ذكرتُ فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليها، فخرج علي (عليه السلام) على أولئك الرهط من الأنصار وكانوا ينتظرونه قالوا: ما وراك؟ قال: ما أدري غير أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: مرحباً وأهلاً، قالوا: يكفيك من رسول اللّه أحدهما، أعطاك الأهل والرحب)(1).
هل لك في التزويج؟
قال الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
«لقد هممتُ بالتزويج فلم أجترئ أن أذكر ذلك لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإن ذلك اختلج في صدري ليلي ونهاري، حتى دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول اللّه، قال: هل لك في التزويج؟ قلت: رسول اللّه أعلم، وظننت أنه يريد أن يزوجني بعض نساء قريش وإني لخائف على فوت فاطمة (عليها السلام) ، فما شعرت بشيء إذ دعاني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأتيته في بيت أم سلمة، فلما نظر إليّ تهلّل وجهه وتبسّم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق، فقال لي: يا علي أبشر فإن اللّه تبارك وتعالى قد كفاني ما كان همني من أمر تزويجك، قلت: وكيف كان ذاك يا رسول اللّه؟
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أتاني جبرئيل (عليه السلام) ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها، فناولنيهما فأخذتهما فشممتهما وقلت: يا جبرئيل ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟
فقال: إن اللّه تبارك وتعالى أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا
ص: 125
الجنان كلها بمغارسها وأنهارها وثمارها وأشجارها وقصورها، وأمر رياحها فهبت بأنواع العطر والطيب، وأمر حور عينها بالقراءة فيها طه وطس وحمعسق، ثم أمر اللّه عزّ وجلّ منادياً فنادى: ألا يا ملائكتي وسكان جنتي اشهدوا أني قد زوّجت فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من علي بن أبي طالب، رضىً مني بعضهما لبعض، ثم أمر اللّه تبارك وتعالى ملكاً من ملائكة الجنة يقال له: راحيل وليس في الملائكة أبلغ منه، فخطب بخطبة لم يخطب بمثلها أهل السماء ولا أهل الأرض، ثم أمر منادياً فنادى: ألا يا ملائكتي وسكان جنتي باركوا على علي بن أبي طالب (عليه السلام) حبيب محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة بنت محمد (عليها السلام) فإني قد باركت عليهما، فقال راحيل: يا رب وما بركتك عليهما أكثر مما رأينا لهما في جنانك ودارك؟ فقال اللّه عزّ وجلّ: يا راحيل إن من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجتي على خلقي، وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقاً ولأنشأن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي، ومعادن لحكمي، بهم أحتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين..
ثم قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فأبشر يا علي فإني قد زوّجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن، وقد رضيت لها بما رضي اللّه لها، فدونك أهلك فإنك أحق بها مني، ولقد أخبرني جبريل (عليه السلام) : أن الجنة وأهلها مشتاقون إليكما، ولولا أن اللّه تبارك وتعالى أراد أن يتخذ منكما ما يتخذ به على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة وأهلها، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضاء اللّه رضى.
فقال علي (عليه السلام) :{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}(1)، فقال رسول
ص: 126
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : آمين»(1).
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «يا علي إنك اُعطيت ثلاثاً لم يُعطها أحد(2)
من قبلك» قلت: «فداك أبي وأمي وما أعطيت؟»
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «اُعطيت صهراً مثلي، واُعطيت مثل زوجتك، واُعطيت مثل ولديك الحسن والحسين»(3).
إن المهر رمز لتكريم المرأة، لابدّ منه في كل نكاح، وليس عوضاً عن المرأة، فليس النكاح بيعاً ولا يشتمل على ثمن كعوض عن المبيع، من هنا يحبذ الإسلام قلة المهر، حيث ورد في الروايات: أن من «بركة المرأة قلّة مهرها، ومن شؤمها كثرة مهرها»(4).
وكان مهر الصديقة فاطمة (عليها السلام) وهي أشرف نساء العالمين، خمسمائة درهم فقط، على المشهور، وربما أقل، ليكون سنة لأمة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكان مهر السنة (خمسمائة درهم).. ولكن اللّه منح فاطمة (عليها السلام) ونحلها الكثير الكثير في الدنيا والآخرة..
عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه قال: «لما زوّج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة من علي (عليهما السلام) أتاه أناس من قريش
ص: 127
فقالوا: إنك زوّجت علياً بمهر خسيس! فقال: ما أنا زوّجت علياً ولكن اللّه عزّ وجلّ زوّجه، ليلة أسرى بي عند سدرة المنتهى أوحى اللّه إلى السدرة أن انثري ما عليك، ونثرت الدر والجوهر والمرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه ويتفاخرن ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).
وفي بعض الروايات: أن مهر فاطمة (عليها السلام) كان أربعمائة درهم، وفي بعضها: أربعمائة وثمانين، وربما كان ذلك بسبب اختلاف المثاقيل والأوزان.
قال الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) : «زوّج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة علياً (عليهما السلام) على أربعمائة وثمانين درهماً»(2).
وروي أن مهرها (عليها السلام) : «أربعمائة مثقال فضة»(3). وروي أنه كان «خمسمائة درهم»(4). وورد في تزويج أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أنه قال: «إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد اللّه المأمون وبذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة (عليها السلام) وهو خمسمائة درهم جياداً»(5).
وعن ابن بكير(6) قال سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «زوّج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 128
علياً فاطمة (صلوات اللّه عليه وعليها) على درع له حطمية(1) تسوى ثلاثين درهماً»(2).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان صداق فاطمة (عليها السلام) جرد برد حبرة ودرع حطمية، وكان فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه»(3).
عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث عن اللّه عزّ وجلّ: «وجعلتُ نحلتها من علي (عليها السلام) خُمس الدنيا وثُلث الجنة، وجعلتُ لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، فزوّجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك»(4).
عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي إن اللّه تعالى زوّجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لها مشى حراماً»(5).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن اللّه تبارك وتعالى أمهر فاطمة (عليها السلام) ربع الدنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار، تدخل أعداءها النار، وتدخل أولياءها الجنة،
ص: 129
وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى»(1).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «دخلت أم أيمن على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي ملحفتها شيء، فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما معك يا أم أيمن؟
فقالت: إن فلانة أملكوها(2)
فنثروا عليها فأخذت من نثارها، ثم بكت أم أيمن وقالت: يا رسول اللّه، فاطمة زوّجتها ولم تنثر عليها شيئاً!.
فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أم أيمن، لم تبكين؟.
فإن اللّه تبارك وتعالى لما زوّجت فاطمة علياً (عليهما السلام) أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم من حليّها وحللها وياقوتها ودرّها وزمردها وستبرقها، فأخذوا منها ما لايعلمون، ولقد نحل اللّه طوبى في مهر فاطمة (عليها السلام) فجعلها في منزل علي (عليه السلام) »(3).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لما زوّج رسولُ اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) دخل عليها وهي تبكي، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: ما يبكيك؟ فو اللّه لو كان في أهلي خير منه ما زوّجتكه، وما أنا زوّجته ولكن اللّه زوّجك وأصدق عنك الخمس ما دامت السماوات والأرض»(4).
ص: 130
كان جهاز الصديقة فاطمة (عليها السلام) من ثياب وأثاث بيت وما أشبه، جهازاً بسيطاً عادياً جداً، جُلّ ذلك من الخزف، أما ما تعارف اليوم من ضرورة إعداد جهاز فخم فهو مما سبّب تأخير الزواج وبقاء الشباب والفتيات في العزوبة(1).
قال علي (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «قم فبع الدرع، فقمتُ فبعته وأخذت الثمن ودخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسكبت الدراهم في حجره، فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته، ثم قبض قبضة ودعا بلالاً فأعطاه فقال: ابتع لفاطمة (عليها السلام) طيباً، ثم قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الدراهم بكلتا يديه فكانت ثلاثة وستين أو ستة وستين، فأعطاها أم أيمن وبعض الأصحاب لابتياع لمتاع البيت، فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وسرير مزمل بشريط، وفراشين من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر، وستر من صوف، وحصير هجري، ورحى لليد، ومخضب من نحاس، وسقاء من أدم، وقعب للبن، وشن للماء، ومطهرة مزفتة، وجرة خضراء، وكيزان خزف، فلما عرض المتاع على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعل يقلّبه بيده ويقول: بارك اللّه لأهل
ص: 131
البيت»(1).
وفي رواية: «أنه لما وضع بين يديه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكى ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف»(2).
وروي أنه كان جهاز الزهراء (عليها السلام) عند زفافها: قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة(3) سوداء خيبرية، وسرير مزمل(4) بشريط(5)، وفراشان من خيش(6) حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم، وأربع مرافق(7) من أدَم(8) الطائف حشوها أذخر(9)، وستر رقيق من صوف، وحصير هجري(10)، ورحى لليد، ومخضب من نحاس وهو إناء تغسل فيه الثياب، وسقاء(11) من أدم، وقعب(12) للبن، وشن(13)
للماء، ومطهرة(14) مزفّتة، وجرة
ص: 132
خضراء، وكيزان خزف، (ونطع(1) من أدَم، وعباءة قطوانية(2) وقربة ماء)(3).
وفي الرواية: «كان من تجهيز علي (عليه السلام) داره انتشار رمل لين، ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب وبسط أهاب كبش ومخدة ليف»(4).
وفي رواية عن بعض من حضر إهداء فاطمة (عليها السلام) من النساء قالت: (فدخلنا بيت علي (عليه السلام) فإذا أهاب شاة على دكان - مصطبة - ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح)(5).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كان فراش علي وفاطمة (عليهما السلام) حين دخلت عليه إهاب كبش، إذا أرادا أن يناما عليه قلباه فناما على صوفه».
قال: «وكانت وسادتهما أدما حشوها ليف».
قال: «وكان صداقها درعاً من حديد»(6).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن علياً (عليه السلام) تزوج فاطمة (عليها السلام) على جرد برد(7)
ودرع وفراش كان من إهاب كبش»(8).
ص: 133
وعن أسماء قالت: (لقد جهزت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما كان حشو فرشهما ووسائدهما إلاّ ليف)(1).
بعد مضي شهر - حسب بعض الروايات - على العقد الشريف بين فاطمة وعلي (عليهما السلام) .. كان الزواج المبارك.
قال علي (عليه السلام) : «... فأقمت بعد ذلك شهراً أصلي مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأرجع إلى منزلي ولا أذكر شيئاً من أمر فاطمة (عليها السلام) .. ثم قلن أزواج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ألا نطلب لك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخول فاطمة عليك؟ فقلت: افعلن، فدخلن عليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقالت أم أيمن: يا رسول اللّه لو أن خديجة (عليها السلام) باقية لقرت عينها بزفاف فاطمة (عليها السلام) وإن علياً (عليه السلام) يريد أهله، فقرّ عين فاطمة ببعلها واجمع شملها وقرّ عيوننا بذلك، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما بال علي لا يطلب مني زوجته فقد كنا نتوقع ذلك منه؟ قال علي (عليه السلام) : فقلت: الحياء يمنعني يا رسول اللّه، فالتفت إلى النساء فقال: مَن هاهنا؟ فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هيئن لابنتي وابن عمي في حجري بيتاً، فقالت أم سلمة: في أي حجرة يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : في حجرتك وأمر نساءه أن يزين ويصلحن من شأنها.
قالت أم سلمة: فسألت فاطمة (عليها السلام) هل عندك طيب ادخرتيه لنفسك؟ قالت: نعم، فأتت بقارورة فسكبت منها في راحتي فشممت منها رائحة ما شممت مثلها قط، فقلت: ما هذا؟ فقالت: كان يدخل دحية الكلبي على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 134
فيقول لي: يا فاطمة هات الوسادة فاطرحيها لعمك، فأطرح له الوسادة فيجلس عليها، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه، فسأل علي (عليه السلام) رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن ذلك؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل»(1).
وروي أنه أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أزواجه أن يزينّ فاطمة (عليها السلام) ويطيّبنها ويفرشن لها بيتاً ليدخلنها على بعلها، ففعلن ذلك(2).
وفي رواية: قال عقيل (عليه السلام) لأخيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : ألا تسأل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يدخل عليك أهلك؟ قال: «الحياء يمنعني» قال: أقسمت عليك إلاّ قمت معي، فقاما فلقيا أم أيمن مولاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فذكرا لها ذلك، فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها وأعلمت نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاجتمعن عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقلن: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول اللّه، إنا قد اجتمعنا لأمر لو كانت خديجة (عليها السلام) في الأحياء لقرت عينها، قالت أم سلمة: فلما ذكرنا خديجة (عليها السلام) بكى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «خديجة وأين مثل خديجة؟ صدقتني حين كذبني الناس ووازرتني على دين اللّه وأعانتني عليه بمالها، إن اللّه عزّ وجلّ أمرني أن أبشر خديجة (عليها السلام) ببيت في الجنة من قصب الزمرد لا صخب فيه ولا نصب».
قالت أم سلمة: فديناك بآبائنا وأمهاتنا إنك لم تذكر من خديجة (عليها السلام) أمراً إلاّ وقد كانت كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها اللّه بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته، يا رسول اللّه هذا أخوك وابن عمّك في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحب أن تُدخل عليه زوجته.
ص: 135
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حُباً وكرامة» فدعا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) فدخل وهو مطرق حياءً وقمن أزواجه فدخلن البيت، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أتحب أن أدخل عليك زوجتك»؟
فقال (عليه السلام) وهو مرق: «أجل فداك أبي وأمي».
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أدخلها عليك إن شاء اللّه» ثم التفت (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى النساء فقال: من هاهنا؟
فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة، فأمرهن أن يزينّ فاطمة (عليها السلام) ويطيّبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة، وأن يفرشن لها بيتاً كان قد هيأه علي (عليه السلام) بالأجرة وكان بعيداً عن بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قليلاً فلما بنى بها حوّله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى بيت قريب منه.
ففعلن النسوة ما أمرهن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلّقن عليها من حليهن وطيبنها.
وأتى الصحابة بالهدايا، فأمر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بطحن البر وخبزه، وأمر علياً (عليه السلام) بذبح البقر والغنم، فلما فرغوا من الطبخ أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن ينادي على رأس داره:
أجيبوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة ورفعوا ما أرادوا، ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالصحاف فملئت ووجه إلى منازل أزواجه ثم أخذ صحفة فقال: «هذه لفاطمة وبعلها»(1).
عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه قال: «...فلما كان ليلة الزفاف أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ببغلته الشهباء وثنّى عليها
ص: 136
قطيفة، وقال لفاطمة (عليها السلام) : اركبي، وأمر سلمان (رحمه اللّه) أن يقودها والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسوقها، فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجبة فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً.
فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) إلى زوجها (عليه السلام) .. فكبّر جبرئيل وكبّر ميكائيل وكبّرت الملائكة وكبّر محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة»(1).
عن ابن عباس قال: (لما زُفّت فاطمة (عليها السلام) إلى علي (عليه السلام) كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قدّامها، وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبحون اللّه ويقدسونه حتى طلع الفجر)(2).
وروي أنه لما زُفّت فاطمة إلى علي (عليهما السلام) نزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل (عليهم السلام) ومعهم سبعون ألف ملك، وقدمت بغلة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الدلدل وعليها فاطمة (عليها السلام) مشتملة، قال: فأمسك جبرئيل باللجام، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميكائيل بالثفر، ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسوي عليها الثياب، فكبرّ جبرئيل وكبّر إسرافيل وكبّر ميكائيل وكبّرت الملائكة، وجرت السنة بالتكبير في الزفاف إلى يوم القيامة(3).
وروي أنه لما كان الليل قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لسلمان: «ايتني ببغلتي الشهباء» فأتاه
ص: 137
بها، فحمل عليها فاطمة (عليها السلام) ، فكان سلمان يقودها ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم بها، فبينا هو كذلك إذ سمع حساً خلف ظهره فالتفت فإذا هو جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جمع كثير من الملائكة، فقال: «يا جبرئيل ما أنزلكم»؟ قال: نزفّ فاطمة (عليها السلام) إلى زوجها، فكبّر جبرئيل ثم كبّر ميكائيل ثم كبّر إسرافيل ثم كبّرت الملائكة ثم كبّر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم كبرّ سلمان الفارسي، فصار التكبير خلف العرائس سنة من تلك الليلة.
فجاء بها فأدخلها على علي (عليه السلام) فأجلسها إلى جنبه على الحصير القطري ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي هذه بنتي فمن أكرمها فقد أكرمني، ومن أهانها فقد أهانني»، ثم قال: «اللّهم بارك لهما وبارك عليهما واجعل لهما ذرية طيبة إنك سميع الدعاء»، ثم وثب فتعلقت (عليها السلام) به وبكت، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: «ما يبكيك فقد زوّجتك أعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً»(1).
وروي أنه أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة (عليها السلام) وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرض اللّه(2).
قال جابر: فأركب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) على ناقته - وفي رواية على بغلته الشهباء - وأخذ سلمان زمامها، وحولها سبعون ألف حوراء، والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحمزة وعقيل وأهل البيت (عليهم السلام) يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قدامها يرجزن، فأنشأت أم سلمة شعراً وقالت:
ص: 138
سرن بعون اللّه جاراتي***واشكرنه في كل حالات
واذكرن ما أنعم رب العلى***من كشف مكروه وآفات
فقد هدانا بعد كفر وقد***أنعشنا رب السماوات
وسرن مع خير نساء الورى***تفدى بعمات وخالات
وسرن مع خير نساء الورى***تفدى بعمات وخالات
يا بنت من فضله ذو العلى***بالوحي منه والرسالات
وقالت بعض النسوة:
يا نسوة استرن بالمعاجر***واذكرن ما يحسن في المحاضر
واذكرن رب الناس إذ يخصنا***بدينه مع كل عبد شاكر
والحمد لله على إفضاله***والشكر لله العزيز القادر
سرن بها فاللّه أعلى ذكرها***وخصها منه بطهر طاهر
وقالت بعض النسوة:
فاطمة خير نساء البشر***ومن لها وجه كوجه القمر
فضّلك اللّه على كل الورى***بفضل من خص بآي الزمر
زوّجك اللّه فتى فاضلا***أعني علياً خير من في الحضر
فسرن جاراتي بها فإنها***كريمة عند بنت عظيم الخطر
وقالت بعض النسوة:
أقول قولا فيه ما فيه***وأذكر الخير وابديه
محمد خير بني آدم***ما فيه من كبر ولا تيه
بفضله عرفنا رشدنا***فاللّه بالخير يجازيه
ونحن مع بنت نبي الهدى***ذي شرف قد مكنت فيه
في ذروة شامخة أصلها***فما أرى شيئا يدانيه
ص: 139
وكانت النسوة يرجّعن أول بيت من كل رجز، ثم يكبرن ودخلن الدار(1).
قال علي (عليه السلام) : «ثم قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا علي اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، ثم قال: من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن، فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن ذراعه وجعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذه حيساً(2)، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح، وخُبز لنا خبز كثير.
ثم قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ادع من أحببت، فأتيت المسجد وهو مشحن بالصحابة فأحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثم صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة (عليها السلام) ، فأقبل الناس أرسالاً، فاستحييت من كثرة الناس وقلة الطعام، فعلم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما تداخلني فقال: يا علي إني سأدعو اللّه بالبركة، قال علي (عليه السلام) : فأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ولم ينقص من الطعام شيء.
ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال: هذا لفاطمة وبعلها..»(3).
وعن أسماء بنت عميس قالت: (ولقد أولم علي (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام) فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته، رهن درعه عند يهودي وكانت وليمته آصعاً من شعير وتمر وحيس)(4).
ص: 140
وقال علي (عليه السلام) : «وأخذ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الدراهم التي سلّمها إلى أم سلمة عشرة دراهم فدفعها إليّ وقال: اشتر سمناً وتمراً وأقطاً، فاشتريت وأقبلت به إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فحسّر عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم، وجعل يشدخ التمر والسمن ويخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيساً، ثم قال: يا علي ادع من أحببت، فخرجت إلى المسجد وأصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) متوافرون، فقلت: أجيبوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقاموا جميعاً وأقبلوا نحو النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته أن القوم كثير، فجلل السفرة بمنديل، وقال: أدخل عليّ عشرة بعد عشرة، ففعلت وجعلوا يأكلون ويخرجون ولا ينقص الطعام، حتى لقد أكل من ذلك الحيس سبعمائة رجل وامرأة ببركة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).
وروي أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «يا علي، إنه لابد للعرس من وليمة»(2)، فقال سعد: عندي كبش، وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة(3).
قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : حدثني جبرئيل (عليه السلام) : «إن اللّه تعالى لما زوّج فاطمة علياً (عليهما السلام) أمر رضوان فأمر شجرة طوبى، فحملت رقاعاً لمحبي آل بيت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم أمطرها
ص: 141
ملائكة من نور بعدد تلك الرقاع، فأخذ تلك الملائكة الرقاع، فإذا كان يوم القيامة واستوت بأهلها أهبط اللّه الملائكة بتلك الرقاع، فإذا لقي ملك من هؤلاء الملائكة رجلاً من محبي آل بيت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دفع إليه رقعة براءة من النار»(1).
في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقص فيه زواجه من فاطمة (عليهما السلام) : «... حتى إذا انصرفت الشمس للغروب قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أم سلمة هلمّي فاطمة (عليها السلام) ، فانطلقت فأتت بها وهي تسحب أذيالها، وقد تصببت عرقاً حياءً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعثرت، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أقالك اللّه العثرة في الدنيا والآخرة، فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها علي (عليه السلام) ثم أخذ يدها فوضعها في يد علي (عليه السلام) وقال: بارك اللّه لك في ابنة رسول اللّه، يا علي نعم الزوجة فاطمة، ويا فاطمة نعم البعل علي، انطلقا إلى منزلكما ولا تحدثا أمراً حتى آتيكما»(2).
قالت أم سلمة: ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بابنته فاطمة (عليها السلام) ودعا بعلي (عليه السلام) فأخذ علياً بيمينه وفاطمة بشماله وجمعهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، ودفع فاطمة إلى علي وقال: «يا علي نعم الزوجة زوجتك»، ثم أقبل على فاطمة وقال: «يا فاطمة نعم البعل بعلك»، ثم قام يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيئ لهما، ثم خرج من عندهما، فأخذ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعضادتي الباب فقال: «طهّركما اللّه وطهّر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما، أنا حرب لمن حاربكما،
ص: 142
أستودعكما اللّه وأستخلفه عليكما»(1).
قال علي (عليه السلام) : «... فأخذت بيد فاطمة (عليها السلام) وانطلقت بها حتى جلست في جانب الصفة وجلست في جانبها وهي مطرقة إلى الأرض حياءً مني، وأنا مطرق إلى الأرض حياءً منها، ثم جاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: من هاهنا؟، فقلنا: ادخل يا رسول اللّه مرحباً بك زائراً وداخلاً، فدخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأجلس فاطمة (عليها السلام) من جانبه ثم قال: يا فاطمة ايتيني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فملأته ماء ثم أتته به، فأخذ جرعة فتمضمض بها ثم مجها في القعب ثم صب منها على رأسها، ثم قال: أقبلي، فلما أقبلت نضح منه بين ثدييها، ثم قال: أدبري فأدبرت فنضح منه بين كتفيها، ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «اللّهم هذه ابنتي وأحب الخلق إليّ، اللّهم وهذا أخي وأحب الخلق إليّ، اللّهم اجعله لك ولياً وبك حفياً وبارك له في أهله، ثم قال: يا علي ادخل بأهلك بارك اللّه لك ورحمة اللّه وبركاته عليكم إنه حميد مجيد»(2). وكان من دعاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في ليلة زفافها: «اللّهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شبليهما»(3).
وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال ليلة عرسها (عليها السلام) :
«اللّهم إنهما أحبّ خلقك إليّ فأحبهما، وبارك لي في ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم»(4).
ص: 143
وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعا لابنته فاطمة (عليها السلام) ليلة زفافها فقال: «أذهب اللّه عنك الرجس وطهرك تطهيرًا»(1).
وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لعلي وفاطمة (عليهما السلام) : «مرحباً ببحرين يلتقيان، ونجمين يقترنان».. ثم خرج (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الباب يقول: «طهّركما وطهّر نسلكما» الدعاء(2).
وروي أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعا ليلة زفاف فاطمة (عليها السلام) وقال: «بارك اللّه لكما في سيركما، وجمع شملكما، وألّف على الإيمان بين قلوبكما، شأنك بأهلك، السلام عليكما»(3).
وفي رواية: أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:
«اللّهم هذه ابنتي وأحب الخلق إليّ، اللّهم وهذا أخي وأحب الخلق إليّ، اجعله لك ولياً وبك حفياً وبارك له في أهله».. ثم قال: «يا علي ادخل بأهلك بارك اللّه تعالى لك ورحمة اللّه وبركاته عليكم إنه حميد مجيد»(4).
ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال: «طهّركما اللّه وطهّر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما، وحرب لمن حاربكما، أستودعكما اللّه واستخلفه عليكما»(5).
ص: 144
وروي أنه لما كان ليلة البناء بفاطمة (عليها السلام) قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «لاتحدثن شيئاً حتى تلقاني»، فأتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي وقال: «اللّهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شبليهما». وفي رواية: «في نسليهما»(1).
قالت أسماء(2):
حضرتُ وفاة خديجة (عليها السلام) فبكت، فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين، وأنت زوجة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مبشرة على لسانه بالجنة؟
فقالت: ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لابد لها من امرأة تفضي إليها بسرها، وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة (عليها السلام) حديثة عهد بصبى، وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ.
فقلت: يا سيدتي لك عليّ عهد اللّه إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر.
فلما كانت تلك الليلة وجاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمر النساء فخرجن وبقيتُ، فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أنت»؟ فقلت: أسماء بنت عميس، فقال: «ألم آمرك أن تخرجي»؟ فقلت: بلى يا رسول اللّه فداك أبي وأمي، وما
ص: 145
قصدت خلافك، ولكني أعطيت خديجة (عليها السلام) عهداً، وحدثته، فبكى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «باللّه لهذا وقفت»؟ فقلت: نعم واللّه، فدعا لي(1).
قالت أسماء بنت عميس: سمعت سيدتي فاطمة (عليها السلام) تقول: «ليلة دخل بي علي بن أبي طالب (عليه السلام) أفزعني في فراشي، فقلت: ممّ فزعت يا سيدة النساء؟ قالت: سمعت الأرض تحدثه ويحدثها، فأصبحت وأنا فزعة، فأخبرت أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه وقال: يا فاطمة أبشري بطيب النسل، فإن اللّه عزّ وجلّ فضّل بعلك على سائر خلقه، وأمر الأرض أن تحدثه بأخبارها، وما يجري على وجهها من مشرق الأرض إلى مغربها»(2).
روي أنه لما كان صبيحة عرس فاطمة (عليها السلام) جاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعس فيه لبن فقال لفاطمة (عليها السلام) : «اشربي فداك أبوك» وقال لعلي (عليه السلام) : «اشرب فداك ابن عمك»(3).
ص: 146
25
إن اللّه تعالى خلق الإنسان - ذكراً وأنثى - وأودع في فطرته أموراً وأسراراً، هي بصالح الإنسان وفي نفعه، وكان منها: حب الاقتداء بالعظماء، والإحتذاء بعملهم وسيرتهم، وهذه الفطرة يحس بها كل إنسان في ضميره، ويعترف بها من أعماقه، وإن أنكرها في لفظه جدلاً، فإنه لايستطيع إنكارها في عمله حقيقة وواقعاً، إذ كل إنسان يقتدي ويحتذي وإن كان ذلك عفوياً وبلا توجّه، وحيث إن اللّه جبل الإنسان على هذه الفطرة لم يتركه من دون أن يقيم له القدوة ويعرفه عليها، وإنما أقام له القدوة وعرّفه عليها، كي لا يضل الإنسان في الاقتداء والاحتذاء، فيقتدي بالظالمين ويحتذي بظلمهم وتعسّفهم.
وأما الذين أقامهم اللّه تعالى قدوةً لنا، وأسوةً نتأسى بهم في أعمالنا، فهم الطراز الأول من بين الخلق كله، والنخبة والصفوة من الناس أجمعين، إنهم المعصومون الأربعة عشر (صلوات اللّه عليهم أجمعين) الذين خلقهم اللّه تعالى أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين، حتى منّ علينا بهم، فجعلهم في بيوت أذن اللّه أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه.
إنهم: محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) والسبطان الحسن والحسين (عليهما السلام) ،
ص: 147
والتسعة المعصومون من ذرية الحسين (عليهم السلام) وآخرهم المهدي المنتظر (عليه السلام) قال اللّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}(1)، ثم عيّن الرسولُ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أهلَ بيته (عليهم السلام) بأمر من اللّه قدوةً وأسوةً لنا. وإنما أراد اللّه تعالى لهؤلاء الطاهرين (عليهم السلام) أن يكونوا قدوة لنا، لأن القدوة التي يختارها اللّه لعباده، لابد وأن يكون معصوماً من كل خطأ واشتباه، ومُطهّراً من كل نقص وعيب، وذلك لأنه تعالى يريد لنا أن نقتدي بهم في الخيرات والصالحات، وغير المعصوم لا يتمحض في الصلاح والخير كما هو واضح.
وذلك حتى يستطيع الإنسان أن يرفع نفسه في سماء الطهارة والمعنويات، ويحلّق في فضاء القدس والخير، إلى درجة لائقة بكرامته، وجديرة لإنسانيته.
إن اللّه تبارك وتعالى، أراد الخير لعباده، والكرامة والسعادة للبشر، إذ جعل رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، قدوة وأسوة لهم.
ولم يكتف تعالى بجعل المعصومين (عليهم السلام) القدوة رجالاً كلهم، أو نساءً كلهم، وإن كان كل من المعصوم، سواء الرجل المعصوم، أم المرأة المعصومة، هو قدوة للرجال والنساء معاً، بل جعل للنساء قدوة منهم أيضاً، وهي فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) رغم أنها قدوة في إيمانها وجهادها، وعبادتها وزهدها، وعلمها وثقافتها، وغير ذلك من الأمور المشتركة بين النساء والرجال، فهي قدوة للرجال والنساء معاً، إلاّ أنها (عليها السلام) في حيائها وعفتها، وسترها وحجابها، وحسن تبعّلها وإدارتها لأطفالها وشؤون بيتها وغيرها من الأمور الخاصة بالنساء، هي
ص: 148
قدوة للنساء جميعاً، ومن هذه الجهة، يقال لفاطمة الزهراء (عليها السلام) : إنها أفضل مثال وخير قدوة للنساء.
إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل مثال، وخير قدوة بعد أبيها وبعلها (عليهما السلام) للرجال والنساء معاً، إذ كانت (عليها السلام) القمة في كل خير وبر، وكل فضيلة ومكرمة.
إنها (عليها السلام) كانت مثال التقوى والإيمان، ومثال العبادة والزهد، ومثال الكفاح والجهاد، ومثال التضحية والفداء حتى رحلت من الحياة وهي في مقتبل عمرها، وقضت شهيدةً مظلومةً بعد أن أسقطوا جنينها الذي سماه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) محسناً(1) وقضى شهيداً، قبل أن يرى عالم النور!
استشهدت (عليها السلام) في الدفاع عن ولاية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
ص: 149
حين غصب القوم حقه، وقد قال اللّه تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1)، حيث صرّح المفسرون بأن الذين آمنوا الموصوفين بإيتاء الزكاة في حال الركوع هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) دون غيره(2).
وقد حصرت الآية الكريمة الولاية لله تبارك وتعالى وهو الحاكم المطلق، ولرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو الحاكم بتعيين من اللّه تعالى، وللإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو المنصوص عليه بالحاكمية بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) خير مثال للزوجة الصالحة، وكان زوجها علي ابن أبي طالب (عليه السلام) خير مثال للزوج الصالح، وكانت هذه العائلة المباركة خير أسوة للاُسر السعيدة، فلا مشاكل ولا جدال ولا كذب ولا خيانة، بل الحنان والمحبة والإيثار وحسن الخلق والتفاهم والطاعة والاهتمام بالآخر.. مضافاً إلى الإيمان والتقوى وخدمة الناس والسعي في هدايتهم.
فهي (صلوات اللّه عليها) لم تكذب ولم تخن ولم تخالف زوجها منذ عاشرته، وقد قالت في اللحظات الأخيرة من حياتها: «يا ابن عمّ ما عهدتَني كاذبة ولا
ص: 150
خائنة، ولا خالفتُك منذ عاشرتَني»(1).
ونرى أيضاً أن الحب والحنان والإيثار تجاه زوجها وأولادها (عليهم السلام) هو الذي كان يخيّم على حياتها الزوجية، وهكذا كان علي (عليه السلام) بالنسبة لها.
قال علي (عليه السلام) لها وهي توصيه بوصاياها: «قد عزّ عليّ مفارقتك وتفقدك... واللّه جدّدتِ عليّ مصيبة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وقد عظُمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها.. هذه واللّه مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها..» ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (عليه السلام) رأسها وضمّها إلى صدره، ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفياً أمضي فيها كما أمرتيني به واختار أمرك على أمري»(2).
وكان من مقومات السعادة الزوجية في حياة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ(3) البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب نقل الحطب وأن يجيء بالطعام»(4).
أما اليوم فقد تغيرت الموازين وأصبحت المرأة خارج البيت أكثر مما هي في البيت(5).
ص: 151
مما يؤكد الإسلام عليه هو الزواج المبكر، فإن فيه صون المجتمع من الفساد والانحراف الخلقي.
وما أكثر الروايات في الحث على الزواج ومدحه وذم العزوبة، كما ذكرناها في بعض كتبنا(1).
إن الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم تزوجت بأمير المؤمنين (عليه السلام) كان عمرها تسع سنين أو عشر سنين أو إحدى عشرة سنة(2)، حسب الروايات المختلفة، لأنها (عليها السلام) تزوجت بعلي (عليه السلام) بعد الهجرة بسنة(3)..
وقيل(4): بسنتين..
ص: 152
وقيل(1):
بثلاث سنين.
قال ابن شهرآشوب في المناقب: تزوّجها علي (عليهما السلام) أول يوم من ذي الحجة ودخل بها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة بعد بدر(2).
كان البيت الذي تسكنه الصديقة فاطمة (عليها السلام) في بداية زواجها بيت أجار، حيث استأجر البيت أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ثم بنى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها ولعلي (عليهما السلام) بيتاً ملاصقاً للمسجد النبوي الشريف، وكان للبيت بابان، باب يفتح إلى المسجد وباب من الخارج، ولما جاء الأمر من الباري عزّ وجلّ بسد الأبواب استثنى سبحانه وتعالى من ذلك باب بيت فاطمة (عليها السلام) (3).
ص: 153
روي أنه «أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) النساء أن يزينّ فاطمة (عليها السلام) ويطيّبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة، وأن يفرشن لها بيتاً كان قد هيأه علي (عليه السلام) بالأجرة وكان بعيداً عن بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قليلاً، فلما بنى بها حوّله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى بيت قريب منه»(1).
وكان بيتها بيتاً متواضعاً جداً، فرشها الرمل وأثاثها الخزف(2)..
ص: 154
كانت البساطة والقناعة هي الصبغة الواضحة في زواج الصديقة فاطمة (عليها السلام) .. وقد روي أن وليمة العرس كان في المسجد النبوي الشريف، حيث ورد أنه «لما فرغوا من الطبخ أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن ينادي على رأس داره: أجيبوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأجابوا من النخلات والزروع، فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة...»(1).
والبساطة في مختلف أمور الزواج من أهم المقومات لتسهيل هذا الأمر الحيوي، أما التعقيد والبذخ والترف فمن معوقات الزواج ومن أسباب كثرة العزوبة والفساد والعياذ باللّه.
لقد كانت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى جانب القيام بتربية أولادها بنيناً وبناتاً، من رضاع وحضانة، وتعليم وتهذيب، تقوم بإدارة بيتها والأعمال المنزلية فيها: من كنس وطبخ، وطحن وخبز، وخياطة وغزل، وغير ذلك مما أرهقها وأتعبها، حيث قد مجلت على إثر ذلك يداها، وتربت ثيابها، وبان التعب على وجهها ومحيّاها، فتأثر من مشاهدة حالها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال لها (عليها السلام) وكان قد فتح اللّه على يديه خيبر وغنم المسلمون أموالاً كثيرة، وإماءً وعبيداً كثيرين: يا بنت رسول اللّه: لو أتيت أباك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسألتيه خادماً يعينك على أمور بيتك؟
فأتت فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فرأت عنده أحداً فرجعت.
فعلم بها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأقبل ليلاً إلى دارها واستأذن في الدخول.
ص: 155
فلما دخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سألها (عليها السلام) عن سبب مجيئها ورجوعها؟ وكان علي (عليه السلام) موجوداً في الدار أيضاً، فاستحيت (عليها السلام) أن تبين لأبيها سبب مجيئها.
عند ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا رسول اللّه لقد كان سبب مجيئها هو: أن قلبي رقّ لها مما أصابها من عمل البيت ومشقته، فقلت لها: لو أتيت أباك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسألتيه خادماً يعينك على أمر بيتك؟
فلما سمع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذلك التفت إلى حبيبته فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقال لها: ألا أدلّك على ما هو أنفع لك من الخادم؟
فقالت: بلى يا رسول اللّه.
فعلّمها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) التسبيحة التي عرفت فيما بعد: بتسبيح الزهراء (عليها السلام) وهي مائة تسبيحة مركبة من: أربع وثلاثين تكبيرة (اللّه أكبر)، وثلاث وثلاثين تحميدة (الحمد لله)، وثلاث وثلاثين تسبيحة (سبحان اللّه)(1).
نعم إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مضافاً إلى أنها كانت ربة بيت، وتقوم بشؤون البيت خير قيام، وتقوم بتربية الأولاد بأفضل وجه، وتقوم بعمل الغزل والخياطة بأحسن صورة، كانت بالإضافة إلى كل ذلك، معلّمة قديرة، وأستاذة كريمة، تتلّمذ على يديها النساء المسلمات(2)، فيتعلمن منها (عليها السلام) الإسلام
ص: 156
والقرآن، ويراجعنها في مسائل الدين وأحكام الشريعة الإسلامية، وكانت تجيبهن بكل طلاقة وجه، ورحابة صدر، وربما تكرّر لهن الجواب مراراً عديدة فيما لو اقتضى الحال التكرار، حتى تفهم السائلة جواب مسألتها، وذلك بلا ملل ولا سأم مع كثرة مشغلتها.
إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع كل ما سبق من كثير شغلها في البيت، كانت تؤلف وتكتب الكتب، حتى جمعت ما اسمه: (مصحف فاطمة (عليها السلام) ) والمصحف يعني: الكتاب، فقد كانت (عليها السلام) هي أول امرأة كاتبة في الإسلام، كما أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) كان هو أول كاتب في الإسلام، حيث جمع ما اسمه: (كتاب علي (عليه السلام) )(1) وهذان الكتابان مشهوران ولا غبار عليهما،
ص: 157
وهما عند أولادهما المعصومين (عليهما السلام) يتوارثونهما بينهم، مما يكونان اليوم عند ولدهما الإمام المهدي (عليه السلام) .
وبالتالي وانطلاقاً من قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(1)، وتعيين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أهل بيته (عليهم السلام) أسوة لنا، وسيدتهم: السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قدوة للمجتمع الإنساني وللمرأة خاصة، يتضح أنه ينبغي للمرأة وخاصة المرأة المسلمة أن تقتدي بفاطمة الزهراء (عليها السلام) في كل شؤون حياتها، وتتأسى بها في جميع أمورها.
فتتعلم منها (عليها السلام) : الزواج المبكر، حيث إنها تزوجت في التاسعة من عمرها المبارك. وتتعلم منها (عليها السلام) : كيف تكون ربة بيت مؤمنة، ومربية أولاد فاضلة، وصاحبة عمل يليق بها وبكرامتها من غزل وخياطة وما أشبه.
وتتعلم منها (عليها السلام) : كيف تكون معلمة أحكام وقرآن، وأخلاق وآداب، ودين وعقيدة.
وتتعلم منها (عليها السلام) : التأليف والكتابة، والتصنيف والتحقيق، وسائر ما روي عنها (عليها الصلاة والسلام).
وتتعلم منها (عليها السلام) : الستر والحجاب، والحياء والعفة، والخدر والحصانة، إذ هي (عليها السلام) القائلة في جواب أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين قال متسائلاً: أي شيء خير
ص: 158
للمرأة؟ فقالت (عليها السلام) : «خير للمرأة أن لا ترى رجلاً، ولا يراها رجل» فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تأييداً لجوابها: «صدقت، إنها بضعة مني»(1)،
وفي بعض الروايات: «فضمها وقال: ذرية بعضها من بعض»(2)
وفي رواية قال: «فداها أبوها»، علماً بأن مرادها (عليها السلام) من الرجل: الأجانب غير الزوج والأرحام.
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في قمة الشفقة والمحبة.
قال عبد اللّه بن الحسن (عليه السلام) : دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على فاطمة (عليها السلام) فقدمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير، فأفطر عليها ثم قال: «يا بنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام» فجعلت فاطمة (عليها السلام) تبكي ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يمسح وجهها بيده(3).
عن أبي ثعلبة الخشني: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم ثنّى بفاطمة، ثم يأتي أزواجه.
فلما رجع خرج من المسجد فتلقته فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت تلثم فاه وعينيه وتبكي، فقال لها: «يا بنية ما يبكيك»؟ قالت: «يا رسول اللّه، ألا أراك شعثاً نصباً قد اخلولقت ثيابك»، قال: فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فلا تبكي، فإن اللّه عزوجل بعث أباك لأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ أدخل اللّه به عزاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل»(4).
ص: 159
هناك دروس عديدة يلزم أن يتعلمها الإنسان من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وخاصة في ما يرتبط بالأسرة المسلمة والبيت العائلي.
كما يلزم أن يتعلم منها: الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) .
وأيضاً يتعلم منها (عليها السلام) أخلاقها، وعبادتها، وإخلاصها، وتضحيتها في سبيل اللّه، وحسن تربيتها لأولادها، وحسن معاشرتها مع زوجها.
ومن أهم تلك الدروس: حجابها ووقارها وما أرادته من الكرامة للمرأة المسلمة وغيرها.
إن الأسرة تتكون من الزوج والزوجة ولكل منهما دوره في الحياة، وأفضل الأدوار ما قسمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة (عليها السلام) وصهره علي (عليه السلام) ..
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «تقاضى علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي بما خلفه، قال: فقالت فاطمة (عليها السلام) : فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا اللّه بإكفائي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تحمل رقاب الرجال»(1).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز»(2).
الاهتمام بالآخرين من صفات الأولياء، وقد كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تهتم
ص: 160
بالآخرين وبهدايتهم وإسعادهم وإرشادهم نحو الفضيلة وطلب الخير لهم.
عن الحسين بن علي (عليه السلام) عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: لها يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: «يا بني: الجار ثم الدار»(1).
ومن تلك الدروس التي تستفاد من المدرسة الفاطمية: حسن اهتمامها وإدارتها للأعمال البيتية.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد»(2).
ص: 161
26
إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي في سترها وحجابها، وعفتها وحيائها، وإدارة بيتها وبعلها، وتربية أطفالها وأشبالها، أفضل مثال للمرأة ولو كانت غير مسلمة، فكيف بالمسلمة، وذلك ليس في هذه المذكورات فقط، بل في كل شؤونها وأحوالها.
وقد ورد في الحديث: «إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللّه ذريتها على النار»(1) يعني: إن اللّه عزّوجلّ قد رتب تحريم الذرية على النار لهذه الصفة المذكورة وهي: الحصانة، مع أن لها (عليها السلام) من الصفات الفاضلة ما لا يضاهيها أحد فيها إلاّ أبوها وبعلها (عليهما السلام) وكل تلك الصفات كانت بحيث تستوجب تحريم ذريتها على النار، لكن تخصيص هذه الصفة بالذكر، مما يدل على أهمية قصوى في هذه الصفة الحسنة، والتنصيص عليها في هذا الحديث الشريف مما يشعر بعناية كبرى فيها، ألا وهو: الترغيب لجميع النساء والفتيات في الاقتداء بها (عليها السلام) في هذه الخصلة، والتنديد بنساء الجاهلية، للاجتناب عما اعتادت عليه المرأة في تلك المجتمعات من الابتذال والهتك، والتبرج وترك الحصانة، سواء كانت متزوجة أم بلا زوج.
ص: 162
فالمرأة في الجاهلية كانت تبيح عرضها كما تبيح اليوم المرأة عرضها في الغرب، بحيث أصبحت المرأة على إثر ذلك منهوكة متعبة، وأصبح المجتمع الذي تعيش فيها مجتمعاً مريضاً وعليلاً.
فأراد الإسلام إنقاذ المجتمع من علّته وسقمه، وانتشال المرأة من أتعابها وآلامها وذلّها وعدم كرامتها، فجعل لها قدوة قدسية طاهرة هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومدحها بخصوص هذه الصفة، ورتب عليها هذا الأجر العظيم وهو: تحريم النار على ذريتها، ذلك لتقتدي المرأة بطواعية ورغبة - كانت غير مسلمة - بها (عليها السلام) في هذه الصفة بصورة خاصة، وببقية الصفات الخيرة التي فيها (عليها السلام) بصورة عامة، فتسعد المرأة في الحياة ويسعد المجتمع بسعادتها.
وهذا هو أحد معاني الحديث الشريف القائل: «إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللّه ذريتها على النار»(1)، ويمكن أن يكون من معانيه أيضاً: التمجيد بمقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) عند اللّه تبارك وتعالى، وأنها نالت كلّ ما نالته مريم بنت عمران (عليها السلام) من الفضائل والمزايا بل زادت عليها.
فإن مريم (عليها السلام) سيدة نساء عالمها(2)، بينما فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين
ص: 163
من الأولين والآخرين.
إن هذا الحديث الشريف يقول: كما أن مريم (عليها السلام) أحصنت فرجها فوهب اللّه لها كلمته عيسى (عليه السلام) ، كذلك فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحصنت فرجها، فوهب اللّه لها ذرية طيبة هما ريحانتا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسبطيه(1)، وسيدا شباب أهل الجنة، الحسن المجتبى (عليه السلام) والحسين الشهيد (عليه السلام) الذي من ذريته الإمام المهدي (عليه السلام) والذي يصلي المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، ويقتدي به، وذلك عند ظهور
ص: 164
المهدي (عليه السلام) ونزول عيسى (عليه السلام) من السماء.
قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}(1)، وقال سبحانه: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ}(2).
إذن: فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد حازت من المكرمات والمزايا، كل ما حازته مريم (عليها السلام) وازدادت عليها كرامة بأن المسيح (عليه السلام) سوف ينزل من السماء عند ظهور المهدي (عليه السلام) لينال كرامة الاقتداء بالمهدي (عليه السلام) ويفوز بشرف الائتمام به (عليه السلام) دون العكس(3).
ص: 165
إن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لم حجبته وهو لا يراك فقالت: يا رسول اللّه إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أشهد أنك بضعة مني(1).
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال علي (عليه السلام) : «استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: لم حجبتيه وهو لا يراك؟
ص: 166
فقالت (عليها السلام) : إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أشهد أنك بضعة مني»(1).
روي عن علي (عليه السلام) قال: كنا عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: أخبروني أي شيء خير للنساء؟
فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا، فرجعتُ إلى فاطمة (عليها السلام) فأخبرتها الذي قال لنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وليس أحد منا علمه ولا عرفه، فقالت: ولكني أعرفه، خير للنساء أن لا يرين الرجال، ولا يراهن الرجال، فرجعت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول اللّه سألتنا أي شيء خير للنساء؟ خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال!.
فقال: من أخبرك فلم تعلمه وأنت عندي؟
فقلت: فاطمة (عليها السلام).
فأعجب ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: إن فاطمة بضعة مني»(2).
أقول: التعبير بعدم معرفة الإمام (عليه السلام) بذلك تسامحي وكنائي، أي بحسب الظاهر، وإلاّ فالإمام (عليه السلام) عالم بالعلم اللدني كما هو ثابت في محله.
وهذا دليل على أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت شديدة المحافظة على الستر والعفاف والحجاب، وفي رواية أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : أي شيء خير للمرأة؟ قالت: «أن لا ترى رجلاً، ولا يراها رجل. فضمها إليه وقال: ذرية
ص: 167
بعضها من بعض»(1).
إن الصديقة الطاهرة (عليها السلام) أفضل أسوة للحجاب، فقد أوصت بصنع تابوت لها ليستر جسمها بعد موتها.
عن أسماء أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت لها: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى.
فقالت أسماء: يا بنت رسول اللّه أنا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة (عليها السلام) ما أحسن هذا وأجمله، لا تعرف به المرأة من الرجل..(2).
وفي الحديث أنها (عليها السلام) لما شكت إلى أسماء وضع جنازة المرأة على السرير وحملها ظاهرة، فوصفت لها النعش، تبسمت فاطمة (عليها السلام) فرحاً بذلك بعد أن لم تر ضاحكة ولا متبسمة بعد وفاة أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى ذلك الحين، ومن هنا يعرف قدر اهتمامها (عليها السلام) بالستر والحجاب.
روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: قد مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً فقالت لأسماء بنت عميس: «ألا ترين إلى ما بلغت، اُحمل على السرير ظاهراً؟»، فقالت أسماء: لا، لعمري ولكن أصنع لك نعشاً كما رأيت يصنع بأرض الحبشة، قالت: «فأرينيه»، فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواف وجعلت على السرير نعشاً، وهو أول ما كان النعش، قالت أسماء:
ص: 168
فتبسمت فاطمة (عليها السلام) وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلاّ يومئذ، ثم حملناها ودفناها ليلاً(1).
إن الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) كانت تؤكد على ضرورة الحجاب للمرأة، فإن الحجاب زينة المرأة وكرامتها وعفتها وشرفها. وقد أمرت أسماء بأن تصنع لها تابوتاً لكي لا يرى حجم جسدها الطاهر بعد موتها.
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة (عليها السلام) إنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء: إني نحلت وذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني؟
قالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك صنعت لك؟
قالت: نعم.
فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه ثم جللته ثوباً فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون.
فقالت: اصنعي لي مثله، استريني سترك اللّه من النار(2).
ص: 169
27
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في أعلى درجات حسن الخلق، فإنها تربت في مدرسة أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد شهد القرآن له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالخُلُق العظيم حيث قال عزّوجلّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(1).
فكانت فاطمة (عليها السلام) متصفة بجميع المحامد وصفات الخير والكمالات النفسية والأخلاقية، من الصدق والوفاء والزهد والإيثار وحسن الجوار والعطف والمحبة والتضحية في سبيل اللّه.
وكانت (عليها السلام) بعيدة كل البعد عن الرذائل وصفات الشر، من الكذب والبخل والخيانة وحب الدنيا وغيرها.
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) بارة بوالديها، كثيرة الاهتمام بهما، فكانت تحدث أمّها خديجة (عليها السلام) وتسلّيها وتصبّرها وهي في بطنها وتقول: يا أماه لاتحزني..
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها من بطنها، وتصبرها»(2).
ص: 170
وكانت تبكي على أمها خديجة (عليها السلام) وتذكرها وتترحم عليها بعدما فارقت روحها الدنيا.
أما بالنسبة إلى أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبلغت في محبتها وشفقتها عليها حتى كُنّيت ب- «أم أبيها».
ورد أنه لما ألقت قريش سلا(1) الجزور على ظهر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو ساجد، جاءت فاطمة فطرحته عنه(2).
ص: 171
وفي الغزوات كانت تأتي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتمسح الدم والتراب عن وجهه، كما ورد في غزوة أحُد أنه «لما جُرح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم أحُد جعل علي (عليه السلام) ينقل له الماء في درقته من المهراس(1)، ويغسله فلم ينقطع الدم، فأتت فاطمة (عليها السلام) وجعلت تعانقه وتبكي، وأحرقت حصيراً وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم»(2).
وكانت (عليها السلام) كثيرة الحنان على والدها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (3).
وكانت كثيرة البكاء على أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عندما فقدته(4).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منزله فإذا عائشة مقبلة على
ص: 172
فاطمة (عليها السلام) تصايحها وهي تقول: واللّه يا بنت خديجة!! ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً؟! وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاّ كبعضنا!.
فسمع (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مقالتها فاطمة، فلمّا رأت فاطمة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكت، فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟
قالت: ذكرت اُمّي فتنقّصتها فبكيتُ..»(1).
عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلاّ أن يكون الذي ولّدها)(2) أي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . رواه في الاستيعاب(3).
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عائشة: (ما رأيت أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها)(4).
كانت الصديقة (عليها السلام) كثيرة الحنان على أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولادها (عليهم السلام) بل وحتى على شيعتها ومحبيها والمذنبين من أمة والدها الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
ص: 173
عن أبي أيوب الأنصاري قال: (إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرض مرضة، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده، وهو ناقه من مرضه، فلما رأت ما برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدها...)(1).
وعن علي (عليه السلام) قال: «غسّلتُ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه، فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول: أرني القميص، فإذا شمته غُشي عليها، فلما رأيت ذلك غيّبته»(2).
وفي ليلة الدفن عند ما أراد علي (عليه السلام) أن يعقد الكفن ويدفنها نادى: «يا حسن.. يا حسين.. هلموا تزودوا من أمكم... فهذا الفراق، واللقاء في الجنة».
فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان: واحسرة، لا تنطفئ أبداً، من فقد جدنا محمد المصطفى، وأمنا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن يا أم الحسين، إذا لقيت جدنا محمد المصطفى، فاقرئيه منا السلام، وقولي له: إن قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا.
فقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «إني أشهد اللّه أنها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً..»(3).
إلى غيرها مما هو كثير مذكور في طيات الكتاب.
كثرة البكاء من الصفات المحمودة، البكاء من خوف اللّه، والبكاء على فقد المعصوم (عليه السلام) والبكاء على فقد الأحبة، والبكاء بما يرضي الرب، فإن الدمعة
ص: 174
محبوبة عند اللّه عزّ وجلّ.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «البكّاءون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين (عليهم السلام) ..
فأما آدم (عليه السلام) فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية.
وأما يعقوب (عليه السلام) فبكى على يوسف (عليه السلام) حتى ذهب بصره وحتى قيل له: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ}(1).
وأما يوسف (عليه السلام) فبكى على يعقوب (عليه السلام) حتى تأذى به أهل السجن. فقالوا: إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار، وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما.
وأما فاطمة (عليها السلام) فبكت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، وكانت (عليها السلام) تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.
وأما علي بن الحسين (عليه السلام) فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين(2)، ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى، حتى قال له مولى له: جُعلت فداك، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}(3)، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة (عليها السلام) إلاّ خنقتني لذلك عبرة»(4).
ص: 175
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) قمة في الإحسان إلى الغير، والإيثار والتضحية في سبيل اللّه عزّ وجلّ.
عن جابر بن عبد اللّه قال: إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه، وطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة (عليها السلام) فقال: «يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع»؟
فقالت: «لا واللّه بأبي أنت وأمي».
فلما خرج (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من عندها، بعث إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت: «لأوثرن بها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على نفسي ومن عندي»، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً (عليهما السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فرجع إليها، فقالت: «بأبي أنت وأمي قد أتانا اللّه بشيء فخبأته».
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هلمّي»، فأتته فكشفت عن الجفنة، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليه بهتت، فعرفت أنها كرامة من اللّه عزّ وجلّ، فحمدت اللّه، وصلّت على نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أين لك هذا يا بنية»؟
فقالت: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1).
فحمد اللّه عزّ وجلّ وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء العالمين في نساء بني إسرائيل في وقتهم، فإنها كانت إذا رزقها اللّه تعالى فسُئلت
ص: 176
عنه {قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1)».
فبعث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) ثم أكل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجميع أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) جميعاً وشبعوا، وبقيت الجفنة كما هي، قالت فاطمة (عليها السلام) : «فأوسعت منها على جميع جيراني وجعل اللّه فيها البركة والخير كما فعل اللّه بمريم (عليها السلام) »(2).
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في إيمانها وأفعالها ومواقفها ونواياها خالصة مخلصة لله عزّوجلّ، وهي التي تقول في خطبتها: «كلمة جعل الإخلاص تأويلها»(3).
روي أن بديل الهروي(4) سأل الحسين بن روح (رحمه اللّه) (5) فقال: (كم بنات رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: أربع، فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة (عليها السلام) قال: ولم صارت أفضل، وكانت أصغرهن سناً، وأقلهنّ صحبة لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قال: لخصلتين خصها اللّه بهما: إنها ورثت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منها، ولم يخصها بذلك إلاّ بفضل إخلاصٍ عرفه من نيتها)(6).
ص: 177
تحمل المشاق في سبيل اللّه من أفضل المكرمات وصفات الخير، وهكذا كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) .
لقد لاقت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الكثير من المصاعب والمتاعب منذ الأيام الأولى من حياتها، بل وحتى قبل ولادتها، حيث كانت النساء في مكة قد قاطعن أمها خديجة (عليها السلام) على إثر زواجها من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولذلك لم يحضرن لمساعدتها عند الولادة، مع أن المرأة بحاجة إلى من يساعدنها في ذلك الوقت.
ثم بعد الولادة لاقت المصاعب الشديدة أيضاً، إذ كان المشركون قد اجتمعوا على مقاطعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومن معه، ومحاصرتهم في شعب أبي طالب (عليه السلام) ، وقضى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع من كان معه في الشعب أياماً عجافاً، حيث لا لقاء مع أحد، ولا مواصلة من أحد، وكانوا يطوون جوعاً وعطشاً، وكان ينال فاطمة الزهراء (عليها السلام) على صغر سنّها ما ينال الجميع من أتعاب وأشجان.
وكانت السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في سنيها الخامسة - وقد تراكم عليها صعوبات الشعب - إذ فوجئت بارتحال أمها الحنون السيدة خديجة (عليها السلام) وكانت هذه المصيبة المفاجئة ثقيلة وصعبة على البنت الصغيرة السن، العظيمة الحب والعاطفة، والجليلة القدر والشأن، وعندما سلّم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جثمان زوجته الوفية أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) إلى القبر وأهال عليها التراب، وتغيب شخص خديجة (عليها السلام) عن عيني البنت الحبيبة، فلم تر البنت المفجوعة بعد ذلك أمها وكانت تفتقد أمها في مكانها، فكانت تذهب إلى كل نقطة كانت تتواجد فيها خديجة (عليها السلام) من ذي قبل، وحيث لم تجدها كانت تأتي إلى أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتجلس إلى جانبه، ثم تفاتحه بمسألتها وتقول بكل لهفة: أبتاه أين والدتي؟ أبتاه أين ذهبت بأمي؟
ص: 178
فكانت تدمع عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويختنق بعبرته، ولا يستطيع الجواب على سؤال حبيبته ويتيمته فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فكان جبرائيل (عليه السلام) يهبط إلى الأرض، ليبلغ من عند اللّه تبارك وتعالى السلام إلى حبيب اللّه وحبيبة حبيبه فاطمة الزهراء (عليها السلام) ويقول: بأن أمك يا فاطمة في الجنة، وقد ذهب اللّه بها إلى الفردوس الأعلى(1).
نعم إن تحمل المشاق والصعاب في سبيل اللّه من أفضل المكرمات، وهكذا كان أهل البيت (عليهم السلام) وعلى رأسهم الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، فكم من ليلة باتت جائعة وقد أنفقت ما عندها في مرضاة اللّه، وهكذا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حيث كان يشدّ حجر المجاعة على بطنه فيجوع ويُشبع الآخرين، وكذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتصدق بما عنده فيبقى جائعاً.
روي أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طحنت حتى مجلت يداها وطب الرحى في يدها(2).
وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رأى فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعليها كساء من أجلة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فقال: «يا بنتاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة». فقالت: «يا رسول اللّه، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه، فأنزل اللّه سبحانه: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}(3)»(4).
ص: 179
نعم هكذا تكون حياة العظماء فإنها مقرونة بالمصاعب، لأن العظيم الرباني - كفاطمة الزهراء (عليها السلام) - لا يتحمل أن يرى الناس في فقر وجهل، وظلم وعدوان، فيكابد لإنقاذهم، وفي المقابل الظالمون لا يتحملون العظماء لأنهم يرونهم خطراً على مصالحهم الشخصية ومنافعهم الفردية، فيكيدونهم ويزرعون طريقهم بالأشواك.
إن ما نشاهده اليوم في العالم من الآداب والأخلاق، والأمن والرفاه، والصلح والسلام، وغير ذلك من معاني الخير - ولو نسبياً - حتى عند غير المسلمين فإنما هو من نتائج أتعاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وسيدتهم: الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وكل ذلك من آثارهم الطيبة، وثمار جهودهم القيّمة، وحصاد هممهم العالية.
وذلك لأن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) غيّروا الدنيا عما كانت عليه من الجاهلية الجهلاء، وما كانت فيه من الحرب والشقاء، والعنف والإرهاب، إلى ما يليق بالإنسان والإنسانية، وإلى ما هو في صالح البشرية كلها، وليس ما هو صالح للمسلمين فحسب.
ومن هذا المنطلق يأتي الحديث الشريف الصادع بقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المعروف: «أنا الرحمة المهداة»، أي: الرحمة التي أشار إليها رب العالمين في كتابه الحكيم وقرآنه القويم والذي أهداه إلى الناس أجمعين حيث يقول تعالى مخاطباً رسوله الكريم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(1)، فكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هو وأهل بيته
ص: 180
الطاهرون (عليهم السلام) وسيدتهم: السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بما تحمّلوا وبما بيّنوا لنا من ثقافة السماء: الرحمة لكل العالمين حقاً.
ويُعرف هذا المعنى جلياً، من مقارنة ولو سطحية وعابرة بين الدنيا قبل ظهور الإسلام، وبين الدنيا بعد الإسلام وفي الحال الحاضر أيضاً، فإن التغيير الكبير في صالح الإنسان والإنسانية، الحاصل في الدنيا بعد ظهور الإسلام إنما هو ببركة الجهود العظيمة والتضحيات الكبيرة وتحمل الصعاب والمشاق من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) والصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
إن آلاف القوانين السماوية التي جاء بها الرسول الكريم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من عند اللّه تعالى في الكتاب الكريم، وفي سنته الشريفة، وذكرها أهل بيته المعصومون (عليهم السلام) والسيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في رواياتهم وكلماتهم النوارنية، وما بيّنوه للعالم من عملهم بتلك القوانين، هي التي استطاعت أن تغيّر الدنيا وما فيها، وتحوّلها من الشقاء إلى السعادة، ومن الضيق إلى السعة، ومن الفقر إلى الرضا والرفاه، ومن البدائية والتوحش إلى التمدن والحضارة.
نعم، لو أن هناك لجنة مثابرة، مجدة وناشطة، تقوم بجمع واستقصاء المستمسكات التاريخية، التي تعرضت لبيان أحوال العالم قبل الإسلام، وتجمع وتستقصي أيضاً ما كتب في التاريخ من أحوال العالم حين ظهور الإسلام وحتى هذا اليوم - وهو يحتاج إلى مجلدات ضخمة وكثيرة - لظهر جلياً ما أشرنا إليه من الفرق الكبير والتغيير العظيم الذي أحدثه الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرون (عليهم السلام) وسيدتهم فاطمة الزهراء (عليها السلام) في العالم.
إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت قد وقفت نفسها وبذلت عمرها في سبيل اللّه جنباً إلى جنب أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فكانوا هم (صلوات اللّه
ص: 181
وسلامه عليهم أجمعين) والأصحاب الأوفياء لأهل البيت (عليهم السلام) والمخلصون لله تعالى، مؤسّسي الحضارة الموجودة، ومعماري الدنيا المتمدنة والعالم المتحضر، في حين أنهم (عليهم السلام) كانوا في أشد التعب والنصب، وأعظم العناء والمشقة.
من أفضل الصفات الحسنة: الإنفاق، وقد ورد التأكيد عليها في الآيات القرآنية والروايات الشريفة كثيراً..
وهكذا كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) خير أسوة في الإنفاق في سبيل اللّه تعالى.
ففي رواية قدوم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها من سفرة: نزعت فاطمة (عليها السلام) قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... وهي تقول: «تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل اللّه»(1).
وعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «حدثتني أسماء بنت عميس، قالت: كنت عند فاطمة جدتك (عليها السلام) إذ دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي عنقها قلادة من ذهب كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) اشتراها لها من فيء له.
فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يغرنكِ الناس أن يقولوا بنت محمد وعليكِ لبس الجبابرة»!
فقطعتها (عليها السلام) وباعتها واشترت بها رقبة فأعقتها، فسر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لذلك»(2).
وهكذا في قصة أخرى أنفقت (عليها السلام) عِقدها المبارك لذلك الأعرابي، على ما هو
ص: 182
مذكور في طيات هذا الكتاب(1).
وهكذا أوقفت الصديقة فاطمة (عليها السلام) ما بقي بيدها من بساتينها، على بني هاشم وبني عبد المطلب.
روي(2) أنه كانت للصديقة فاطمة (عليها السلام) سبعة بساتين وقفتها على بني هاشم وبني المطلب، وجعلت النظر فيها والولاية لعلي (عليه السلام) مدة حياته، وبعده للحسن (عليه السلام) وبعده للحسين (عليه السلام) وبعده للأكبر من ولدها..
وهذه البساتين(3)، هي:
العواف(4)، و(الدلال، والبرقة، والميثب، والصافية)(5)، والحسنى(6)، ومال أم ابراهيم(7).
ص: 183
28
من أخلاقيات الصديقة فاطمة (عليها السلام) الزهد في الدنيا، وعدم الرغبة في زخارفها وزينتها. وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يربيها على الزهد ويقول لها: «ليس لكِ الدنيا، إنما لكِ الآخرة، وميعادكِ الجنة، ما تصنعين بالدنيا، فإنها زائلة غرارة»(1).
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كان فراش علي وفاطمة (عليهما السلام) حين دخلت عليه: إهاب كبش إذا أرادا أن يناما عليه قلباه فناما على صوفه».
وقال (عليه السلام) : «وكانت وسادتهما أدما حشوها ليف».
وقال (عليه السلام) : «وكان صداقها درعاً من حديد»(2).
روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) سألت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خاتماً، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ألا أعلمك ما هو خير من الخاتم؟ إذا صلّيت صلاة الليل، فاطلبي من اللّه عزّوجلّ خاتماً، فإنك تنالين حاجتك».
قال: فدعت (عليها السلام) ربها تعالى، فإذا بهاتف يهتف: يا فاطمة الذي طلبت مني
ص: 184
تحت المصلى، فرفعت المصلى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له(1)، فجعلته في إصبعها وفرحت، فلما نامت من ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنة، فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنة مثلها، قالت: لمن هذه القصور؟
قالوا: لفاطمة بنت محمد (عليها السلام) .
قال: فكأنها دخلت قصراً من ذلك ودارت فيه فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم، فقالت (عليها السلام) : ما لهذا السرير قد مالت على ثلاث؟
قالوا: لأن صاحبته طلبت من اللّه خاتماً، فنزع أحد القوائم وصيغ لها خاتماً وبقي السرير على ثلاث قوائم.
فلما أصبحت دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقصت القصة، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : معاشر آل عبد المطلب! ليس لكم الدنيا، إنما لكم الآخرة، وميعادكم الجنة، ما تصنعون بالدنيا، فإنها زائلة غرارة، فأمرها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن ترد الخاتم تحت المصلى، فردت ثم نامت فرأت السرير على أربع قوائم، فسألت عن حاله، فقالوا: ردت الخاتم ورجع السرير إلى هيئته»(2).
وفي رواية قدوم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من سفره حيث رأى ستراً من كساء خيبرية، فخرج حتى جلس عند المنبر، أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) «نزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر، فبعثت به إلى أبيها وقالت: اجعل هذا في سبيل اللّه، فلما أتاه(3)، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : قد فعَلَتْ فداها أبوها، ثلاث مرات، ما لآل محمد
ص: 185
وللدنيا، فإنهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لهم»(1).
وفي رواية الإمام السجاد (عليه السلام) : أن فاطمة (عليها السلام) قطعت قلادتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها، فسر بذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).
روي أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال يوماً لابنته فاطمة (عليها السلام) : «ما لي أرى وجهك أصفر»؟
قالت: «يا رسول اللّه الجوع»(3).
وعن عمران بن الحصين قال: (كنت عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالساً، إذ أقبلت فاطمة (عليها السلام) وقد تغير وجهها من الجوع! فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: «ادني» فدنت، فرفع يده حتى وضعها على صدرها - وهي صغيرة - في موضع القلادة.
ثم قال: «اللّهم مشبّع الجاعة ورافع الوضيعة، لا تجع فاطمة»، قال: فرأيت الدم قد غلب على وجهها كما كانت الصفرة، فقالت: ما جعتُ بعد ذلك)(4).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أقبلت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعرف في وجهها الخمص، قال: يعني الجوع، فقال لها: يا بنية هاهنا، فأجلسها على فخذه الأيمن، فقالت: يا أبتاه إني جائعة، فرفع يديه إلى السماء فقال: اللّهم رافع الوضعة ومشبع الجاعة أشبع فاطمة بنت نبيك، قال أبو جعفر (عليه السلام) : فو اللّه
ص: 186
ما جاعت بعد يومها حتى فارقت الدنيا»(1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجن والخبز وقمّ البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟
قالت: لا والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام إلاّ شيء نقريك به، قال: أفلا أخبرتني، قالت: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لاتسألي ابن عمك شيئاً، إن جاءك بشيء عفوي وإلاّ فلا تسأليه.
قال: فخرج (عليه السلام) فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً، ثم أقبل به وقد أمسى، فلقي مقداد بن الأسود فقال لمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين.
قال الراوي(2): قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حي؟ قال: ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حي.
قال (عليه السلام) : فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً، وسنؤثرك به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالساً وفاطمة (عليها السلام) تصلي وبينهما شيء مغطى، فلما فرغت اختبرت ذلك الشيء، فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة {أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(3)، قال له رسول
ص: 187
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب ف{وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1) فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها القائم (عليه السلام) ، وهي عندنا»(2).
روي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}(3)، بكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكاءً شديداً وبكت صحابته لبكائه ولم يدروا ما نزل به جبرئيل (عليه السلام) ، ولم يستطع أحد من صحابته أن يكلّمه، وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رأى فاطمة (عليها السلام) فرح بها..
فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها (عليها السلام) ، فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه، وتقول: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأَبْقَى}(4)، فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبكائه، فنهضت (عليها السلام) والتفت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل، فلما خرجت نظر سلمان الفارسي (رحمه اللّه) إلى الشملة وبكى وقال: وا حزناه إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً.
فلما دخلت فاطمة (عليها السلام) على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: «يا رسول اللّه إن سلمان
ص: 188
تعجب من لباسي فوالذي بعثك بالحق ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف». فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا سلمان إن ابنتي لفي الخيل السوابق».
ثم قالت: «يا أبت فديتك ما الذي أبكاك»؟ فذكر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدمتين. قال: فسقطت فاطمة (عليها السلام) على وجهها وهي تقول: «الويل ثم الويل لمن دخل النار»(1).
«القناعة كنز لا يفنى» كما في الحديث الشريف(2).
وهكذا كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، فلم تطلب من زوجها علي (عليه السلام) شيئاً من أمور الدنيا، ولم تكلّفه يوماً بما لا يطيقه بل حتى بما يطيقه.
روى أبو سعيد الخدري، قال: أصبح علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم ساغباً، فقال: «يا فاطمة، هل عندك شيء تغذينيه؟».
قالت (عليها السلام) : «لا، والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية، ما أصبح اليوم عندي شيء أغديكه، وما كان عندي منذ يومين إلاّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي، وعلى ابني هذين الحسن والحسين». فقال علي (عليه السلام) : «يا فاطمة، ألا كنت أعلمتيني، فأبغيكم شيئاً»؟. فقالت: «يا أبا الحسن: إني لأستحيي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه»(3).
ص: 189
وقد قالت الصديقة (عليها السلام) في حديث سبق: «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نهاني أن أسألك شيئاً فقال: لا تسألي ابن عمك شيئاً إن جاءك بشيء عفواً وإلاّ فلا تسأليه»(1).
ص: 190
29
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) كثيرة العبادة، شديدة الإخلاص والخوف من اللّه عزّ وجلّ.. فتقوم الليل بالصلاة وتصوم النهار.
وكان يرتعد فرائصها من خوف اللّه لما تقف بين يدي ربّها في صلاتها..
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وأما ابنتي فاطمة... متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله يزهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول اللّه جلّ وعلا: يا ملائكتي انظروا إلى أمَتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترعد فرائصها من خشيتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي»(1).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفها (عليها السلام) حينما جلس عند رأسها وهي توصيه: «أنتِ أعلم باللّه، وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من اللّه..»(2).
وعن الشيخ ابن فهد الحلي(3) في عدة الداعي: (وكانت فاطمة (عليها السلام) تنهج في
ص: 191
الصلاة من خيفة اللّه تعالى)(1).
وعن علي بن الحسين (عليه السلام) عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن علي (عليه السلام) عن أخيه الحسن (عليه السلام) ، قال: «رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء.
فقلت لها: يا أماه، لم لا تدعين لنفسكِ كما تدعين لغيرك؟.
فقالت: يا بني، الجار ثم الدار»(2).
وقال الحسن البصري(3):
(ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورم قدماها)(4).
وكانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) من شدة خوفها من اللّه أنها لو سمعت بآيات النار وعذاب الآخرة بكت حتى سقطت على وجهها وهي تقول: «الويل ثم الويل لمن دخل النار» روي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}(5). سقطت فاطمة (عليها السلام) على
ص: 192
وجهها وهي تقول: «الويل ثم الويل لمن دخل النار»(1).
عن هشام بن سالم(2)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : قال: «من صلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة خمسين مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كانت صلاة فاطمة (عليها السلام) وهي صلاة الأوابين»(3).
وهنالك صلاة أخرى للصديقة فاطمة (عليها السلام) حيث روى المفضل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كانت لأمي فاطمة (عليها السلام) ركعتان تصليهما علّمها جبرئيل (عليه السلام) ركعتان تقرأ في الأولى الحمد مرة و{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} مائة مرة، وفي الثانية الحمد مرة ومائة مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فإذا سلّمت سبّحت التسبيح وهو:(سبحان ذي العز الشامخ المُنيف،سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي المُلك الفاخر القديم، سبحان من لبس البَهْجَة والجمال، سبحان من تردّى بالنور والوقاء، سبحان من يرى أثر النمل في الصفاء، سبحان من يرى وَقْعَ الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره) وروي: تسبيحها المنقول بعقب كل فريضة، ثم الصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مائة مرة»(4).
ص: 193
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن ابنتي فاطمة (عليها السلام) ملأ اللّه قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً»(1).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن جابر الأنصاري (رحمه اللّه) : «أنه رأى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: «يا رسول اللّه، الحمد لله على نعمائه والشكر اللّه على آلائه»(2).
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) كثيرة الدعاء والابتهال إلى اللّه عزّوجلّ، فتدعو الليل إلى طلوع الفجر. والأدعية المروية عن مولاتنا فاطمة (عليها السلام) كثيرة، وقد جمعها بعض العلماء في صحف خاصة(3).
روي أن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شكت إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الأرق(4)،
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «قولي يا بنية: (يا مشبع البطون الجائعة، ويا كاسي الجنوب العارية، ويا مسكن العروق الضاربة، ويا منوّم العيون الساهرة، سكّن عروقي الضاربة، وادن لعيني نوماً عاجلاً)، فقالته فاطمة (عليها السلام) ، فذهب عنها ما كانت تجده»(5).
ص: 194
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستين يوماً، ثم مرضت فاشتدت عليها، فكان من دعائها في شكواها: (يَا حَيُّ يَا قَيّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ فَأغِثْني، اللّهُمَّ زَحْزِحْني عَنِ النّارِ، وَأدْخِلْني الجنّةَ، وَألحِقْني بِأبي محمّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ). فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لها: يعافيك اللّه ويبقيك. فتقول: يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق باللّه..»(1).
روي أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) علّمت سلمان الفارسي (رضوان اللّه عليه) هذه الكلمات وقالت (عليها السلام) : من واظب على الدعاء بها(2) لم تمسه الحمى وهي: (بسم اللّه النور، بسم اللّه نور النور، بسم اللّه نورٌ على نور، بسم اللّه الذي هو مُدَبّر الأمور، بسم اللّه خالق النور من النور، والحمد لله الذي خلق النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور بقَدَر مَقدُور على نبي محَبُور، الحمد لله الذي هو بالعزّ مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور، وصلى اللّه على سيدنا خير خلقه محمد وآله الطاهرين الميامين المباركين الأطهار، وسلّم تسليماً دائماً كثيراً)(3).
عن كتاب البلد الأمين: أدعية الأسبوع لفاطمة (عليها السلام) :
ص: 195
(اللّهم افتح لنا خزائنَ رَحمتك، وَهَبْ لنا اللّهم رحمةً لا تُعذّبنا بعدَها في الدنيا والآخرة، وارزقنا من فضلك الواسع رزقاً حلالاً طيباً، ولا تحُوجنا ولاتُفقرنا إلى أحد سواك، وزدنا لك شكراً وإليك فقراً وفاقةً، وبك عمن سواك غناً وتعففاً. اللّهم وسّع علينا في الدنيا، اللّهم إنا نعوذ بك أن تزوي وجهك عنا في حال، ونحن نرغب إليك فيه، اللّهم صل على محمد وآل محمد، وأعطنا ما تحب واجعله لنا قوة فيما تحب يا أرحم الراحمين).
(اللّهم اجعل أول يومي هذا فلاحاً، وآخره نجاحاً، وأوسطه صلاحاً، اللّهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا ممن أناب إليك فقبلته، وتوكّل عليك فكفيته، وتضرع إليك فرحمته).
(اللّهم إني أسألك قوةً في عبادتك، وتبصراً في كتابك، وفهماً في حكمك، اللّهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعل القرآن بنا ماحلاً، والصراط زائلاً، ومحمداً صلى اللّه عليه وآله عنا مولّياً).
(اللّهم اجعل غفلة الناس لنا ذكراً، واجعل ذكرهم لنا شكراً، واجعل صالح ما تقول بألسنتنا نية في قلوبناً، اللّهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبناً، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، اللّهم صل على محمد وآل محمد، ووفقنا لصالح الأعمال والصواب من الفعال).
ص: 196
(اللّهم احرسنا بعينك التي لا تنام، وركنك الذي لا يُرام، وبأسمائك العظام، وصل على محمد وآله، واحفظ علينا ما لو حفظه غيرك ضاع، واستر علينا ما لو ستره غيرك شاع، واجعل كل ذلك لنا مطواعاً، إنك سميع الدعاء قريب مجيب).
(اللّهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والعمل بما تحب وترضى اللّهم إني أسألك من قوتك لضعفنا، ومن غناك لفقرنا وفاقتنا، ومن حلمك وعلمك لجهلنا، اللّهم صل على محمد وآل محمد، وأعنا على شكرك وذكرك، وطاعتك وعبادتك، برحمتك يا أرحم الراحمين).
(اللّهم اجعلنا من أقرب من تقرب إليك وأوجه من توجه إليك، وأنجح من سألك وتضرع إليك، اللّهم اجعلنا ممن كأنه يراك إلى يوم القيامة الذي فيه يلقاك، ولا تمتنا إلاّ على رضاك، اللّهم واجعلنا ممن أخلص لك بعمله وأحبك في جمع خلقك. اللّهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا مغفرة جزماً حتماً، لا نقترف بعدها ذنباً، ولا نكتسب خطيئة ولا إثماً، اللّهم صل على محمد وآل محمد، صلاة نامية دائمة زاكية متتابعة متواصلة مترادفة، برحمتك يا أرحم الراحمين)(1).
عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) عن أمه فاطمة بنت رسول اللّه (عليهم السلام) قالت: «قال
ص: 197
لي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): يا فاطمة، ألا أعلمك دعاءً لايدعو به أحد إلاّ استجيب له، ولا يحيك(1) في صاحبه سم ولا سحر، ولايعرض له شيطان بسوء، ولا ترد له دعوة، وتقضى حوائجه كلها، التي يرغب إلى اللّه فيها عاجلها وآجلها؟ قلت: أجل يا أبه، لَهذا واللّه، أحب إليّ من الدنيا وما فيها.
قال: تقولين: (يا اللّه، يا أعزَّ مذكور وأقدمَه قِدَماً في العزة والجبروت، يا اللّه، يا رحيمَ كلّ مُسترحِم، ومفزع كل ملهوف، يا اللّه، يا راحم كل حزين يشكو بثَّه وحُزنَهُ إليه، يا اللّه، يا خيرَ من طُلب المعروف منه وأسرعه إعطاءً، يا اللّه، يا من تخاف الملائكة المتوقدة بالنور منه، أسألك بالأسماء التي يدعوك بها حملةُ عرشك ومن حولَ عرشك، يسبحون بها شفقةً من خوف عذابك، وبالأسماء التي يدعوك بها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل إلاّ أجبتني وكشفتَ يا إلهي كُربتي، وسترتَ ذنوبي. يا من يأمر بالصيحة في خلقه فإذا هم بالساهرة يحشرون، أسألك بذلك الاسم الذي تحُيي به العظام وهي رَميم، أن تحيي قلبي، وتَشرح صدري، وتُصلح شأني. يا من خصّ نفسه بالبقاء، وخلق لبريته الموت والحياة، يا من فِعلُهُ قول، وقولُهُ أمر، وأمرُهُ ماض على ما يشاء. أسألك بالاسم الذي دعاك به خليلك حين اُلقي في النار، فاستجبت له وقلت: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}(2)، وبالاسم الذي دعاك به موسى من جانب الطور الأيمن فاستجبتَ له دعاءَه. وبالاسم الذي كشفتَ به عن أيوب الضُّر، وتُبْتَ به على داود، وسخّرتَ به لسليمان الريح تجري بأمره والشياطين، وعلّمتَهُ منطق الطير. وبالاسم الذي وهبتَ به لزكريا يحيى، وخلقتَ عيسى من روح القدس من غير
ص: 198
أب. وبالاسم الذي خلقتَ به العرش والكرسي. وبالاسم الذي خلقت به الروحانيين. وبالاسم الذي خلقت به الجن والإنس. وبالاسم الذي خلقت به جميع الخلق وجميع ما أردت من شيء، وبالاسم الذي قدرتَ به على كل شيء، أسألك بهذه الأسماء لما أعطيتَني سؤلي، وقضيتَ بها حوائجي).
فإنه يقال لك: يا فاطمة نعم، نعم»(1).
روي أنه كان نقش خاتم الصديقة فاطمة (عليها السلام) : «أمن المتوكلون»(2).
الكثير الذي قال اللّه عزّ وجلّ: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}(1)»(2).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة، غفر اللّه له، وليبدأ بالتكبير»(3).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من سبّح اللّه في دبر الفريضة قبل أن يثني رجليه تسبيح فاطمة الزّهراء (عليها السلام) المائة مرّة، وأتبعها بلا إله إلاّ اللّه، مرة واحدة غفر اللّه له»(4).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ما عُبد اللّه بشيء من التمجيد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة»(5).
وعن علي (عليه السلام) أنه قال لرجل من بني سعد: «ألا أحدثك عني وعن فاطمة (عليها السلام) .. إنها كانت عندي وكانت من أحب أهله إليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك ضر ما
ص: 200
أنت فيه من هذا العمل؟ فأتت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوجدت عنده حُدّاثاً(1)، فاستحت فانصرفت.
قال: فعلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنها جاءت لحاجة، قال: فغدا علينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونحن في لفاعنا(2)، فقال: السلام عليكم يا أهل اللفاع فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا(3)، ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك يسلّم ثلاثاً فإن أُذن له وإلاّ انصرف، فقلت: وعليك السلام يا رسول اللّه ادخل.. فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟
قال: فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، قال: فأخرجت رأسي، فقلت: أنا واللّه أخبرك يا رسول اللّه، إنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك ضر ما أنت فيه من هذا العمل؟
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين(4)، فقالت
ص: 201
فاطمة (عليها السلام) : رضيت عن اللّه ورسوله، ورضيت عن اللّه ورسوله، ورضيت عن اللّه ورسوله»(1).
وفي مستدرك الوسائل(2):
باب استحباب اتخاذ سبحة من طين عن الصادق (عليه السلام) : «فمن سبّح بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة كتب اللّه له أربعمائة حسنة، ومحا عنه أربعمائة سيّئة، وقضيت له أربعمائة حاجة، ورفع له أربعمائة درجة». ثمّ قال (عليه السلام) : «وتكون السّبحة بخيوط زرق أربعاً وثلاثين خرزة، وهي سبحة مولاتنا فاطمة الزّهراء (عليها السلام) لمّا قُتل حمزة (عليه السلام) عملت من طين قبره سبحة، تسبّح بها بعد كلّ صلاة»(3).
روي أنه: «إذا فرغت من تسبيح فاطمة (عليها السلام) فقل: اللّهمّ أنت السّلام، ومنك السّلام، ولك السّلام، وإليك يعود السّلام، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للّه ربّ العالمين، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السّلام على الأئمّة الهادين المهديّين، السّلام على جميع أنبياء اللّه ورسله وملائكته، السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، ثمّ تسلّم على الأئمّة واحداً واحداً (عليهم السلام) وتدعو بما أحببت»(4).
ص: 202
30
إن المعصومين (عليهم السلام) خير أسوة في الاهتمام بالشعائر الدينية والحسينية، والصديقة فاطمة (عليها السلام) منهم بل هي حجة حتى على أولادها الأئمة الميامين (عليهم السلام) كما في الحديث الشريف. فكانت الصديقة (عليها السلام) كثيرة الاهتمام بالصلاة، وزيارة القبور، ورثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وخاصة البكاء والنياحة على ولدها المذبوح يوم عاشوراء سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهذه نماذج من الشعائر التي كانت تقوم بها (صلوات اللّه عليها).
من المستحبات المؤكدة في الشريعة الإسلامية زيارة القبور والترحم على الموتى، وفي ذلك روايات كثيرة، وخاصة في زيارة قبور أولياء اللّه والأنبياء والأئمة المعصومين وذويهم الأطهار (عليهم السلام) ...
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة (عليه السلام) وتترحم عليه وتستغفر له»(1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة
ص: 203
وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين والخميس، فتقول: هاهنا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، هاهنا كان المشركون»(1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «أنها (عليها السلام) كانت تصلي هناك وتدعو حتى ماتت»(2).
ومنه يعلم جواز الصلاة عند القبور ورجحانها في الجملة(3).
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «غسّلت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه، فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول: أرني القميص، فإذا شمّته غُشي عليها، فلما رأيت ذلك غيّبته»(4).
كانت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) ترثي أباها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتبكي عليه كثيراً، مما يدل على استحباب البكاء على الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) .
ص: 204
روي أن فاطمة (عليها السلام) كانت تبكي على أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتقول لولديها: «أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة؟
أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلا يدعكما تمشيان على الأرض، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فُقِدَ واللّه جدّكما وحبيب قلبي، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما..»(1).
وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) : «أن فاطمة (عليها السلام) لما توفي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت تقول»:
«وا أبتاه مِن ربّه ما أدناه.. أبتاه جنان الخلد مثواه.. وا أبتاه يكرمه ربه إذ أتاه.. يا أبتاه الرب والرسل تسلم عليه حين تلقاه..»(2).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى سارية في المسجد وهي تقول وتخاطب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة***لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختل قومك فأشهدهم ولا تغب»(3)
وروي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) أنشدت بعد وفاة أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :
وقد رزئنا به محضا خليقته***صافي الضرائب والأعراق والنسب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به***عليك تنزل من ذي العزة الكتب
وكان جبرئيل روح القدس زائرنا***فغاب عنا وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا***لما مضيت وحالت دونك الحجب
ص: 205
إنا رزئنا بما لم يرز ذو شجن***من البرية لا عجم ولا عرب
ضاقت عليّ بلاد بعد ما رحبت***وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب
فأنت واللّه خير الخلق كلهم***وأصدق الناس حيث الصدق والكذب
سوف نبكيك ما عشنا وما بقيت***منا العيون بتهمال لها سكب»(1)
وروي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) «ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يُغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما...؟»(2). وهكذا كانت تبكي ليل نهار على أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
وعن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال: «البكّاءون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) ..
إلى أن قال (عليه السلام) :
وأما فاطمة (عليها السلام) بنت محمد فبكت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى تأذى به أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت (عليها السلام) تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف(3).
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تبكي على ظلامة بعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) بل على ما سيقوم به القوم من بعدها من ظلم عليه (عليه السلام) .. وهذا يدل على استحباب البكاء لما جرى على المعصومين (عليهم السلام) من ظلم وجور..
ص: 206
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت:
أبكي لما تلقى بعدي، فقال لها: لا تبكي فو اللّه إن ذلك لصغير عندي في ذات اللّه، قال: وأوصته أن لا يؤذن بها الشيخين، ففعل»(1).
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) - ولا زالت - كثيرة البكاء والنحيب واللطم على ولدها الإمام الحسين (عليه السلام) وهي تلبس السواد عليه.
روي أنّ سكينة بنت الحسين (عليها السلام) قالت: «يا يزيد رأيت البارحة رؤيا، وذكرت الرّؤيا إلى أن قالت: فإذا بخمس نسوة قد عظّم اللّه خلقتهنّ، وزاد في نورهنّ، وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة، ناشرة شعرها، وعليها ثياب سود، وبيدها قميص مضمّخ بالدّم، إلى أن ذكرت أنّها كانت فاطمة الزّهراء (عليها السلام) ..»(2).
وفي الرواية أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت في آخر لحظات حياتها وهي توصي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) :
أبكني وأبك لليتامى ولا***تنس قتيل العدى بطف العراق
فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى***يحلف اللّه فهو يوم الفراق(3)
وروي أنه لما أخبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ابنتَه فاطمة (عليها السلام) بقتل ولدها الحسين (عليه السلام) وما يجري
ص: 207
عليه من المحن بكت فاطمة (عليها السلام) بكاءً شديداً، وقالت (عليها السلام) : «يا أبت متى يكون ذلك؟»
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «في زمان خالٍ مني ومنك ومن علي».
فاشتد بكاؤها وقالت (عليها السلام) : «يا أبت فمن يبكي عليه ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟»
فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة إن نساء أمتي يبكين على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين (عليه السلام) أخذنا بيده وأدخلناه الجنة، يا فاطمة كل عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين (عليه السلام) فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة»(1).
وهكذا تصرخ وتبكي الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم المحشر على ولدها الحسين (عليه السلام) كما في الروايات(2).
عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما عُرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}(3)، فأبصرته بقلبي ولم أره بعيني، فسمعت أذاناً مثنى مثنى، وإقامة وتراً وترا. فسمعت منادياً ينادي: يا
ص: 208
ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي اشهدوا أني لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، قالوا: شهدنا وأقررنا.
قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن محمداً عبدي ورسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا.
قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن علياً وليي وولي رسولي وولي المؤمنين بعد رسولي، قالوا شهدنا وأقررنا»(1).
روي عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) : إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لها: «المهدي من ولدك»(2). وفي حديث قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة (عليها السلام) : «أفلا أزيدكِ في زوجك من مزيد الخير كله، قالت (عليها السلام) : بلى يا رسول اللّه، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن علياً أول من آمن باللّه... والمهدي الذي يصلي عيسى خلفه منك ومنه، فهذه يا بنية خصال لم يعطها أحد قبله ولا أحد بعده، يا بنتي بنية هل سررتك»؟
قالت: «نعم يا رسول اللّه»(3).
ص: 209
31
إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت عالمة بإذن اللّه تعالى بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.
وقد منحها اللّه العلم اللدني، كما تربت في مدرسة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتعلمت منه مختلف العلوم، وهذه خطبتها الشريفة تحتوي على علوم مختلفة في أصول الدين وفروعها، في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وفي الصوم والصلاة والحج والجهاد وغيرها، وكذلك في علوم القرآن والحديث، والفقه والأصول، وعلم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد وغيرها.
عن سلمان قال: حدثني عمار وقال: أخبرك عجباً، قلت: حدثني يا عمار، قال: نعم، شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ولج على فاطمة (عليها السلام) فلما بصرت به نادت: «ادن لأحدثك بما كان، وبما هو كائن، وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة!».
قال عمار: فرأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يرجع القهقرى، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له: «ادن يا أبا الحسن»، فدنا، فلما اطمأن به المجلس قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) له: «تحدثني أم أحدثك»؟ قال: «الحديث منك أحسن يا رسول اللّه»،
ص: 210
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كأني بك وقد دخلت على فاطمة وقالت لك: كيت وكيت فرجعت؟»، فقال علي (عليه السلام) : «نور فاطمة من نورنا»،فقال (عليه السلام) : «أو لا تعلم»، فسجد علي (عليه السلام) شكراً لله تعالى.
أقول: أسئلة الأئمة (عليهم السلام) مع علمهم اللدني كان من باب سؤال العارف أو ما أشبه(1)، كما في قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىَ}(2).
قال عمار: فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجتُ بخروجه، فولج على فاطمة (عليها السلام) وولجت معه، فقالت (عليها السلام) : «كأنك رجعت إلى أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته بما قلته لك؟».
قال: «كان كذلك يا فاطمة»، فقالت: «اعلم يا أبا الحسن أن اللّه تعالى خلق نوري وكان يسبح اللّه جلّ جلاله، ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي إلى الجنة أوحى اللّه تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل فأودعني اللّه سبحانه تعالى صلب أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم أودعني خديجة بنت خويلد (عليها السلام) فوضعتني، وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن: المؤمن ينظر بنور اللّه تعالى»(3).
ومما يدل على أن الصديّقة فاطمة (عليها السلام) عالمة بالعلم اللدني وأن اللّه قطعها عن الجهل بسبب العلم، ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم، وفطمتك عن الطمث».
ص: 211
ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) : «واللّه لقد فطمها اللّه تبارك وتعالى بالعلم، وعن الطمث في الميثاق»(1).
أشرف العلوم علم التوحيد، وقد كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) أعلم الناس بذلك بعد أبيها وبعلها (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، قال علي (عليه السلام) حينما جلس عند رأسها وهي توصيه: «أنتِ أعلم باللّه..»(2).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لمّا توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتدور حوله وتقول: «يا أبه، أين اُمّي؟». قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: «ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام»، وتقول لها: «إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة (عليها السلام) : إنّ اللّه هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»(3).
قالت أم سلمة: (تزوّجني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفوّض أمر ابنته - فاطمة (عليها السلام) - إليّ، فكنت أدلّها وأؤدبها، وكانت واللّه آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(4).
إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت فقيهة عالمة بجميع الأحكام الشرعية بالعلم
ص: 212
اللدني وبما علّمها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وهي معصومة لا تخطأ أبداً، وهي حجة اللّه على أولادها الطاهرين (عليهم السلام) ، من هنا كانت أقوالها وأفعالها حجة يُستنبط منها الأحكام الشرعية، الإلزامية وغيرها(1).
روي أن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخل عليها علي (عليه السلام) وبه كآبة شديدة، فقالت: (ما هذه الكآبة؟ فقال: سألنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن مسألة ولم يكن عندنا جواب لها، فقالت: وما المسألة؟ قال: سألنا عن المرأة ما هي؟ قلنا: عورة، قال: فمتى تكون أدنى من ربها؟ فلم ندر، فقالت: ارجع عليه فأعلمه أن أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها، فانطلق فأخبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذلك فقال: ما ذا من تلقاء نفسك يا علي، فأخبره أن فاطمة (عليها السلام) أخبرته، فقال: صدقت، إن فاطمة بضعة مني (عليها السلام) )(2).
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تهتم بنشر الثقافة والعلم، فهناك العديد من الروايات التي روتها عن أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
كما كانت (عليها السلام) تعقد مجالس العلم وحلقات البحث للنساء والفتيات، تعلّمهن القرآن وعلومه، والفقه وأحكامه، وكانت النساء والفتيات يأتين فاطمة (عليها السلام) ويسألنها عن أحكامهن، وهي (عليها السلام) تجيب برحابة صدر بل تشجّعهن على السؤال والتعلم.
ص: 213
قال أبو محمّد العسكريّ (عليه السلام) : «حضرت امرأة عند الصّدّيقة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، ثم ثنّت(1) فأجابت، ثمّ ثلّثت فأجابت إلى أن عشّرت فأجابت، ثمّ خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول اللّه.
قالت فاطمة (عليها السلام) : هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكتري يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار، أيثقل عليه؟
فقالت: لا.
فقالت: اكتريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من مل ء ما بين الثّرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لايثقل عليّ، سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنّ علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على كثرة علومهم، وجدّهم في إرشاد عباد اللّه، حتّى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثمّ ينادي منادي ربّنا عزّوجلّ: أيّها الكافلون لأيتام آل محمّد (عليهم السلام) النّاعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الّذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الّذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما خلعتوهم خلع العلوم في الدّنيا، فيخلعون على كلّ واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتى أن فيهم - يعني في الأيتام - لمن يُخلع عليه مائة ألف خلعة، وكذلك يخُلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم، ثم إن اللّه تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن
ص: 214
يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم.
وقالت فاطمة (عليها السلام) : يا أمة اللّه إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة، وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر»(1).
فضة(2) من تلامذتها
قال بعضهم: انقطعتُ في البادية عن القافلة فوجدتُ امرأة فقلت لها: من أنت؟ فقالت: {وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}(3)، فسلّمت عليها، فقلت: ما تصنعين هاهنا؟
قالت: {ومَنْ يَهْدِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّضِلّ}(4).
فقلت: أمن الجن أنت أم من الإنس؟
قالت: {يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ}(5).
فقلت: من أين أقبلت؟
قالت: {يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ}(6).
فقلت أين تقصدين؟
قالت {ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}(7).
ص: 215
فقلت: متى انقطعت؟
قالت: {ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والأرْضَ... فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}(1).
فقلت: أتشتهين طعاماً؟
فقالت {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاّ يَأْكُلُونَ الطّعَامَ}(2)، فأطعمتها.
ثم قلت: هرولي ولا تعجلي.
قالت: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}(3).
فقلت: أردفك.
فقالت: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتا}(4).
فنزلت فأركبتها، فقالت {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا}(5).
فلما أدركنا القافلة قلت: ألك أحد فيها؟
قالت: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ}(6). {وما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ}(7). {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتابَ}(8). {يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ}(9). فصحت بهذه الأسماء فإذا أنا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت من هؤلاء منك؟
ص: 216
قالت: {الْمالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا}(1).
فلما أتوها قالت: {يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ}(2)، فكافوني بأشياء، فقالت: {واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ}(3)، فزادوا عليّ. فسألتهم عنها؟ فقالوا: هذه أمنا فضة جارية الزهراء (عليها السلام) ما تكلمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن(4).
عن أبي بصير(5)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «قال أبي لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: إن لي إليك حاجة، فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟.
ص: 217
فقال له جابر: أي الأوقات أحببته. فخلا به في بعض الأيام. فقال (عليه السلام) له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب؟.
فقال جابر: أشهد باللّه أني دخلت على أمك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فهنيتها بولادة الحسين (عليه السلام) ، ورأيت في يديها لوحاً أخضر ظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس.
فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ما هذا اللوح؟
فقالت (عليها السلام) : هذا لوح أهداه اللّه إلى رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك.
قال جابر: فأعطَتْنيه أمك فاطمة (عليها السلام) فقرأته واستنسخته.
فقال له أبي (عليه السلام) : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟.
قال: نعم. فمشى معه أبي إلى منزل جابر، فأخرج صحيفة من رق.
فقال: يا جابر، انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك، فنظر جابر في نسخة فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً.
فقال جابر: فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً:
(بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نبيه، ونوره وسفيره، وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عَظّمْ يا محمد أسمائي، واشكُرْ نعمائي، ولا تجحد آلائي. إني أنا اللّه لا إله إلا أنا قاصم الجبارين، ومديل المظلومين، وديان الدين. إني أنا اللّه لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي عذّبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل..
ص: 218
إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلاّ جعلت له وصياً، وإني فضّلتك على الأنبياء، وفضلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبلَيك وسبطَيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه، وحجتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أولهم علي سيد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جده المحمود محمد، الباقر علمي، والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليَّ، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر، ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة، وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه، وخليفته من بعده، ووارث علمه، فهو معدن علمي، وموضع سري، وحجتي على خلقي، لايؤمن عبد به إلاّ جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، وأكمل ذلك بابنه محمد رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، فيذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك
ص: 219
والديلم، فيُقتلون ويُحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون».
قال عبد الرحمن بن سالم(1): قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصُنه إلاّ عن أهله(2).
كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) عالمة بالغيب بإذن اللّه تعالى، ويظهر ذلك من مختلف الروايات، كإخبارها بقصة عاشوراء، وإخبارها بولدها المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، وإخبارها بما سينال القوم بعد غصب الخلافة، كما في خطبتها لنساء المهاجرين والأنصار حيث عدنها في البيت وذلك في مرضها (صلوات اللّه عليها)(3).
روي أن الحسن والحسين (عليهما السلام) كان عليهما ثياب خلق وقد قرب العيد، فقالا لأمهما فاطمة (عليها السلام) : إن بني فلان خيطت لهم الثياب الفاخرة، أفلا تخيطين لنا ثياباً للعيد يا أماه؟ فقالت: يخُاط لكما إن شاء اللّه. فلما أن جاء العيد جاء جبرئيل (عليه السلام) بقميصين من حُلل الجنة إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما هذا يا
ص: 220
أخي جبرئيل؟ فأخبره بقول الحسن والحسين لفاطمة (عليهم السلام) وبقول فاطمة (عليها السلام) : يخاط لكما إن شاء اللّه، ثم قال جبرئيل: قال اللّه تعالى لما سمع قولها: لا نستحسن أن نكذّب فاطمة بقولها: يخُاط لكما إن شاء اللّه(1).
ص: 221
32
مصحف فاطمة (عليها السلام) كتاب من تأليف الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يتضمن علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو اليوم عند ولدها الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).
وهذا المصحف ليس القرآن بل هو كتاب كسائر الكتب التي كتبها الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) ..
قال الإمام الصادق (عليه السلام) عن مصحف فاطمة (عليها السلام) : «إن فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام) »(1).
وقال الصادق (عليه السلام) : «وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليها السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة»(2).
ص: 222
وعن حماد(1) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال في حديث: «تظهر الزنادقة(2)
في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام) ... قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن اللّه تعالى لما قبض نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته(3) من الحزن ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّوجلّ، فأرسل اللّه إليها ملكاً يسلي غمها ويحدّثها، فشكت ذلك(4) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا، ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون»(5).
وفي حديث عن الإمام الصادق: «مصحف فاطمة (عليها السلام) ما فيه شيء من كتاب اللّه وإنما هو شيء اُلقي عليها بعد موت أبيها صلى اللّه عليهما»(6).
ص: 223
33
كانت الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليها) خير قدوة وأسوة للجهاد والتضحية في سبيل اللّه، وخير مثال لنصرة الحق والدفاع عن المظلوم، حيث رأت (عليها السلام) أنه لا مدافع عن حق أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقامت هي (صلوات اللّه وسلامه عليها) بالدفاع عن حقه، فلما رآها القوم خطراً على حكومتهم، حاولوا التخلص منها، وكذلك فعلوا، فقضت شهيدةً في سبيل اللّه وهي في سن الثامنة عشر من عمرها المبارك.
وينبغي لكل مسلم أن يقتدي بها (عليها السلام) في الدفاع عن الحق ومجابهة الظالمين والطغاة.
كما أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) وقفت إلى جنب والدها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في جهاد الأعداء، وشاطرته في المصاعب التي كان يتلقاها في طريق تبليغ رسالات اللّه، فكانت (عليها السلام) تضمّد له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جروحه، وتذود الغبار عن وجهه، وتغسل التراب والرماد الذي كان المشركون يصبونه على رأسه، وهي تبكي رحمة لأبيها، حتى لقّبها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : بأم أبيها.
لقد تحملت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في مسيرة الجهاد في سبيل اللّه، مصاعب الشعب(1)،
ومقاطعة المشركين، ومصائب فقد الأم الحنون، وكانت تشارك أباها
ص: 224
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما كان يواجهه من المشركين والمنافقين.
كما تحملت (عليها السلام) متاعب الهجرة من مكة إلى المدينة، وكانت تعاني من المشاكل والشدائد حتى يوم استشهادها (عليها السلام) أي: إن المشاكل والمكاره لم تفارقها يوماً، بل بقيت (عليها السلام) في شدة حتى اللحظات الأخيرة من عمرها المبارك، وحتى أن زواجها المبارك والمبكر بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة المنورة، كان في أيام عجاف، حيث كان فيها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) والمسلمون، في أشد الحالات المعاشية، وأصعب الظروف الاقتصادية، وأحلك الأجواء السياسية، التي أوجبتها لهم حالة استمرارهم في تبليغ رسالات اللّه، وإيصال أحكام اللّه إلى الناس.
من أهم ما يلزم أن نتعلمه من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قامت الصديقة (عليها السلام) بمواجهة القوم ثقافياً وإعلامياً وسياسياً وعاطفياً وغير ذلك، وبيّنت للناس عدم شرعية من غصب الخلافة(1).
وكانت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) تبكي على ظلامة بعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) بل على ما سيقوم به القوم من بعدها من ظلم عليه (عليه السلام) ..
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا سيدتي ما يبكيك؟
قالت: أبكي لما تلقى بعدي، فقال لها: لا تبكي فو اللّه إن ذلك لصغير عندي في ذات اللّه»(2).
ص: 225
إن اللّه سبحانه جعل للماديات مخازن تستمد منها، مثل الشمس فإنها مخزن النور والدفء، والبحار مخزن الماء والأسماك، والهواء مخزن تنفس الإنسان والنبات والحيوان، والأرض مخزن التراب وما ينشأ منها من آلات ووسائل.
وكذلك جعل للمعنويات مخازن، إما للاستمداد منها بالمباشرة أو بالأسوة، فالأنبياء (عليهم السلام) خزنة علم اللّه سبحانه، وكذلك الأوصياء، والناس يستمدون منهم مختلف العلوم والمعارف.
وكذلك جعل اللّه سبحانه للشجاعة والكرم والعاطفة وغيرها من الفضائل مخازن، فإن تلك الصفات في العظماء من الناس توحي بالأسوة والاتباع.
ولعلّ بكاء يعقوب (عليه السلام) تلك المدة الطويلة كان من ذلك، حيث يستمد الناس منه العاطفة بالأسوة، وكذلك بكاء الصديقة الطاهرة والإمام السجاد (عليهما السلام) إلى غير ذلك.
فلا يقال: كيف بكى يعقوب (عليه السلام) وهو يعلم أن ولده حي ويرجع إليه ملكاً؟ وكيف بكى الإمام السجاد والصديقة الزهراء (عليهما السلام) وهما يعلمان بأن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته والمستشهدين بين يديه (عليهم السلام) ذهبوا إلى جنان اللّه الوسيعة، بل هما كان يريان ذلك رؤية العين.
هذا بالإضافة إلى أن بكاءها (عليها السلام) كان سياسياً حيث فضحت المخالفين، فإن كلاً من الهجوم والدفاع قد يكون عاطفياً بالبكاء ونحوها، وبالسياسة كوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعكسه، واقتصادياً وغير ذلك.
لا يقال: إذا كانوا يعلمون بأن ذويهم في روح وريحان وجنة ورضوان وفي كمال الراحة كما أراهم الإمام الحسين (عليه السلام) الجنة ليلة العاشر إلى غير ذلك، فلماذا
ص: 226
كانوا يبكون، وهل يأتي البكاء لمن يرى ذويه في راحة ونعيم؟
لأنه يقال: قد ذكرنا في بعض مباحث الكلام أن علمهم (عليهم السلام) وحسهم الواقعي لا يؤثر في شؤونهم الدنيوية - عادة - وإلاّ لم يكونوا أسوة، وكذا بالنسبة إلى القدرة الغيبية، على تفصيل ذكرناه هناك.
روي أنه: دخلت أم سلمة على فاطمة (عليها السلام) فقالت لها: كيف أصبحتِ عن ليلتك يا بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قالت: «أصبحتُ بين كمد وكرب(1)، فقد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وظلم الوصي (عليه السلام) ، هتك واللّه حجابه، من أصبحت إمامته مقبضة مقتضبة(2)، على غير ما شرع اللّه في التنزيل، وسنّها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في التأويل، ولكنها أحقاد بدرية وترات أحُدية، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة، لإمكان الوشاة، فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق(3)، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها، ولبئس - على ما وعد اللّه من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين - أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد استنصار، ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب ومنازل الشهادات»(4).
وكان القوم يعلمون بأن الصديقة فاطمة (عليها السلام) تكون سدّاً منيعاً أمامهم في غصب الخلافة، وأنها تسلب شرعيتهم يوماً بعد يوم، ولذا تم التخطيط على القضاء عليها وقتلها (صلوات اللّه عليها) فكان هجوم الدار.. وإحراق البيت..
ص: 227
وضربها.. وعصرها بين الحائط والباب.. وكسر ضلعها.. وإسقاط جنينها محسناً.. وغير ذلك. وفي بعض الروايات: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر في حياة فاطمة (عليها السلام) ، ولا بايعه أحد من بني هاشم إلاّ بعد موتها(1).
أقول: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع القوم قط، وإنما عبّر البعض بأنه بايعهم لسكوته وصبره، فإنه (عليه السلام) كان موصَى بوصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أن يصبر ويصبر إن لم يجد أعواناً(2)، وقد اكتفى القوم بصبره لما يئسوا من بيعته.. فقالوا:
ص: 228
إنه (عليه السلام) بايع.
وفي بعض الروايات إنهم جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد فأرادوا منه البيعة فلم يبايع، فضرب ابن أبي قحافة يده على يد علي (عليه السلام) من دون أن يفتح علي (عليه السلام) يده الشريفة(1)، ثم قالوا: قد بايع الإمامُ (عليه السلام) .
وكان لجهاد الصديقة فاطمة (عليها السلام) دور كبير في فضح هذه الأحداث والتصدي للظالمين.
وكان من جهادها (عليها السلام) أيضاً ضد الغاصبين: عدد من خطبها، وأهمها خطبة المسجد، وكذلك خطبة الدار.
ص: 229
34
المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس وعطية العوفي وعبد اللّه بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين (عليهم السلام) ، أنه: (لما مرضت فاطمة الزهراء (عليها السلام) المرضة التي توفيت فيها)(1)،
دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها(2):
كيف أصبحت(3) من علّتك (يا بنت رسول اللّه؟ فحمدت اللّه تعالى، وصلّت على أبيها، ثم)(4) قالت: «أصبحت واللّه عائفةً(5) لدنياكن، قاليةً(6)
ص: 231
لرجالكن(1)، لفظتهم(2) بعد أن عجمتهم(3)(4)، وسئمتهم بعد أن سبرتهم(5)(6)، فقبحاً لفلول الحد(7)، (واللعب بعد الجد(8)، وقرع الصفاة(9)، وصدع القناة(10)،
ص: 232
وختل الآراء، وزلل الأهواء)(1)(2)، (وخور القناة، وخطل الرأي)(3)(4)، و{لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}(5)، لا جرم(6)، لقد قلّدتهم ربقتها(7)، (وحملّتهم أوقتها)(8)، وشننت عليهم غاراتها(9)، فجدعاً(10) وعقراً وبعداً(11) للقوم الظالمين(12)، ويحهم أنّى(13)
الحسن (عليه السلام) ).
زعزعوها(1)، عن (رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة(2)، ومهبط الروح الأمين(3)، والطبين(4) بأمور الدنيا والدين(5)، {أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ}(6) وما الذي نقموا من)(7)، أبي الحسن (عليه السلام) (8) نقم على وزن ضرب، أو كما قال الكسائي: على وزن علم، وهو العتب والكره والإنكار.(9) النكير: اسم المصدر ومصدره التنكير، وهو الانكار، أو التنكر وهو التغير من حال السرور إلى حال الكره، وقال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : وما هنا يحتمل المعنيين والأول أظهر أي إنكار سيفه فإنه (عليه السلام) كان لا يسل سيفه إلا لتغيير المنكرات.(10) في الأمالي: (ما نقموا واللّه منه إلاّ نكير سيفه، ونكال وقعه..).(11) مابين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار.(12) عبارة: (وقلة مبالاته لحتفه، وشدة وطأته) غير موجودة في الامالي، والوطأة: الأخذة الشديدة والضغطة، وهو كناية عن الغزو والقتل.(13) تنّمر فلان: إذا تغير وتنكر وأوعد وتشبه بالنمر في غضبه وبأسه.(14) ذات اللّه: أي في حقيقة اللّه أو في الأمور التتي تتعلق باللّه من دينه وشرعه وغير ذلك.(15) المحجة: جادة الطريق، والمعنى أنهم لو مالوا عن جادة الطريق الظاهرة بعد تمكينهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) من الخلافة لردهم إلى الحق بحال رضاهم في العودة، وحملهم عليها بحال عدم رضاهم على الرجوع إلى الحق، ولكنهم لم يمكنوه منها.
لردهم إليها، وحملهم عليها)(1). (واللّه(2) لو تكافوا عن زمام نبذه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لاعتلقه)(3)(4).
ولسار بهم سيراً سُجُحاً(5).. لا يكلِم حشاشه(6)، (ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه)(7)، (ولا يتعتع راكبه)(8)...
ولأوردهم منهلاً نميراً(9)، (صافياً، رويّاً)(10)، (فضفاضاً)(11)...
ص: 235
تطفح ضفتاه(1)(2)، (ولا يترنق جانباه)(3)(4)، ولأصدرهم بطاناً(5).
(ونصح لهم سراً واعلاناً، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل(6)، ولا يحظى منها بنائل؛ غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل(7)، ولبان لهم: الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(8)، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما
ص: 236
كسبوا وما هم بمعجزين!)(1).
(قد تحير بهم الري(2)(3)، غير متحل منه بطائل(4)، إلاّ بغمر الماء وردعه سورة الساغب(5)، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم
اللّه بما كانوا يكسبون)(6). ألا هلم(7) فاسمع..
وما عشت أراك الدهر عجبا(8)، وإن تعجب فعجب قولهم!(9)، (ليت
ص: 237
شعري)(1) إلى أي إسناد استندوا(2)..
(وإلى أي عماد اعتمدوا؟!)(3) وبأي عروة تمسكوا(4)،
(وعلى أي ذرية اقدموا واحتنكوا)(5)، لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا)(6).
استبدلوا واللّه الذنابى بالقوادم(7)، (والحرون بالقاحم)(8) والعجز بالكاهل، فرغماّ لمعاطس قوم(9){يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(10)، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكِنْ لا يَشْعُرُونَ}(11)، ويحهم(12)،{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي
ص: 238
إِلاّ أنْ يُهْدَى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1). (أما لعمري لقد)(2) لقحت(3) فنظِرة، ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دماً عبيطاً، وزعافاً مبيدا(4)، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف البطالون(5)، غِبَّ ما اسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً(6)، واطمأنوا للفتنة جأشاً(7).
وأبشروا بسيف صارم، (وسطوة معتد غاشم)(8)، وبهرج شامل(9)، واستبداد من الظالمين: يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً(10).
فياحسرة لكم(11)، (وأنّى بكم)(12)
وقد عميت عليكم(13) ،{أَنُلْزِمُكُمُوها وأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ}(14)».
ص: 239
(قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها على رجالهن، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار متعذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره.
فقالت (عليها السلام) :
إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم)(1).
ص: 240
35
خطبة المسجد(1)
واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك(2)
روى عبد اللّه بن الحسن، بإسناده عن آبائه (عليهم السلام) : أنه لما أجمع(3) أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكاً(4)، وبلغها ذلك.. لاثت(5) خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها(6).. وأقبلت في لمّة(7)..
ص: 241
من حفدتها(1) ونساء قومها، تطأ ذيولها(2)..
ما تخرم(3) مشيتها مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد(4) من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة(5)، فجلست.. ثم أنّت أنةً أجهش(6) القوم لها
ص: 242
بالبكاء، فارتج(1) المجلس...
ثم أمهلت هنيئة(2).. حتى إذا سكن نشيج(3) القوم، وهدأت فورتهم(4)، افتتحت الكلام بحمد اللّه والثناء عليه، والصلاة على رسوله.. فعاد القوم في بكائهم..
فلما أمسكوا، عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام) :
«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم(5)، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها(6).. وتمام منن أولاها(7)..
جمّ(8) عن الإحصاء عددها.. ونأى عن الجزاء أمدها(9)..
ص: 243
وتفاوت عن الإدراك أبدها(1)..
وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها(2)..
واستحمد إلى الخلائق بإجزالها(3)، وثنى بالندب إلى أمثالها(4).
وأشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له..
كلمة جعل الإخلاص تأويلها(5)..
ص: 244
وضمن القلوب موصولها(1)..
وأنار في التفكر معقولها(2)، الممتنع من الأبصار رؤيته(3)، ومن الألسن صفته(4)،
ومن الأوهام كيفيته.
ابتدع الأشياء لا من شيء(5)
كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء(6) أمثلة امتثلها..
كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً(7) على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبداً
ص: 245
لبريته(1)، وإعزازاً لدعوته(2)، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة(3) لعباده من نقمته، وحياشة(4) لهم إلى جنته.
وأشهد أن أبي محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه(5)، واصطفاه قبل أن ابتعثه..
إذ الخلائق بالغيب مكنونة..
وبستر الأهاويل مصونة(6)، وبنهاية العدم مقرونة..
علماً من اللّه تعالى بمآيل الأمور(7)، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور(8).
ص: 246
ابتعثه اللّه إتماماً لأمره(1)، وعزيمةً على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه(2)..
فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها(3)، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها(4).
فأنار اللّه بأبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ظلمها(5)، وكشف عن القلوب بهمها(6)، وجلى عن الأبصار غممها(7)، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.
ثم قبضه اللّه إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار(8)..
فمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (9) من تعب هذه الدار في راحة قد حفّ بالملائكة الأبرار،
ص: 247
ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى اللّه على أبي، نبيّه وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه(1)، والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته.
ثم التفتت (عليها السلام) إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد اللّه نصب أمره(2) ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء اللّه على أنفسكم، وبلغاءه إلى الأمم(3)..
زعيم حق له فيكم(4).. وعهد قدمه إليكم.. وبقية(5) استخلفها عليكم:
كتاب اللّه الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة
ص: 248
بصائره(1)، منكشفة سرائره(2)، منجلية ظواهره، مغتبطة(3) به أشياعه، قائداً إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه(4)، به تنال حجج اللّه المنورة، وعزائمه(5) المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله(6) المندوبة، ورخصه(7) الموهوبة، وشرائعه(8) المكتوبة.
فجعل اللّه الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس(9) ونماءً في الرزق(10)..
ص: 249
والصيام تثبيتاً للإخلاص(1)، والحج تشييداً للدين(2)، والعدل تنسيقاً للقلوب(3)، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر(4)، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط(5)، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد(6)..
والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة..
ص: 250
وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس(1)، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس(2).. واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة(3)، وترك السرقة إيجاباً للعفة(4). وحرّم اللّه الشرك إخلاصاً له بالربوبية، ف{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(5)، وأطيعوا اللّه فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ}(6).
- ثم قالت: - أيها الناس، اعلموا أني فاطمة وأبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
أقول عوداً وبدواً(7)..
ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً(8){لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(9)..
ص: 251
فإن تعزوه(1) وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى(2) إليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فبلّغ الرسالة صادعاً(3) بالنذارة(4) مائلاً عن مدرجة المشركين(5)، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم(6)، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة(7).
ص: 252
يجف الأصنام، وينكث الهام(1)، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه(2)، ونطق زعيم الدين(3)، وخرست شقاشق الشياطين(4)، وطاح وشيظ النفاق(5)، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(6)..
ص: 253
وكنتم على شفا حفرة من النار(1)، مذقة الشارب..
ونهزة الطامع(2)، وقبسة العجلان(3)، وموطئ الأقدام(4)، تشربون الطرق، وتقتاتون القد(5)، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم(6).
ص: 254
فأنقذكم اللّه تبارك وتعالى بمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي(1)..
وبعد أن مُني ببُهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب(2)..
{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}(3).. أو نجم(4) قرن(5) الشيطان، أو فغرت(6) فاغرة(7) من المشركين..
قذف(8) أخاه في لهواتها(9)، فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه(10).
ص: 255
مكدوداً في ذات اللّه(1)،
مجتهداً في أمر اللّه، قريباً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، سيداً في أولياء اللّه(2). مشمراً(3) ناصحاً، مجداً كادحاً(4)، لا تأخذه في اللّه لومة لائم..
وأنتم في رفاهية من العيش وادعون(5) فاكهون(6) آمنون، تتربصون بنا الدوائر(7)، وتتوكفون الأخبار(8)، وتنكصون عند النزال(9)، وتفرون من القتال.
ص: 256
فلما اختار اللّه لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة(1) النفاق، وسمل(2) جلباب(3) الدين، ونطق كاظم(4) الغاوين، ونبغ(5) خامل(6) الأقلين(7)، وهدر(8) فنيق(9) المبطلين..
فخطر(10) في عرصاتكم..
وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه(11) هاتفاً(12) بكم.. فألفاكم(13) لدعوته
ص: 257
مستجيبين.. وللغرة(1) فيه ملاحظين(2)..
ثم استنهضكم(3)
فوجدكم خفافاً(4)، وأحشمكم(5) فألفاكم غضاباً..
فوسمتم(6) غير إبلكم، ووردتم(7) غير مشربكم(8)..
هذا والعهد قريب، والكلم(9) رحيب(10)..
والجرح(11) لما يندمل(12).. والرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما يُقبر(13)..
ص: 258
ابتداراً(1) زعمتم خوف الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}(2).. فهيهات(3) منكم.. وكيف بكم وأنى تؤفكون(4)..
وكتاب اللّه بين أظهركم، أموره ظاهرة(5)، وأحكامه زاهرة(6)..
وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم.. أرغبة عنه تريدون(7)، أم بغيره تحكمون..
{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}(8)، {وّمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيْناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(9). ثم لم تلبثوا إلاّ ريث(10)
أن تسكن نفرتها(11)..
ص: 259
ثم أخذتم تورون(3)وقدتها(4)، وتهيجون جمرتها(5)..
وتستجيبون لهتاف(6)
الشيطان الغوي..
أنوار الدين الجلي..
وإهمال(7) سنن النبي الصفي..
تشربون(8) حسواً(9) في ارتغاء(10)..
ص: 260
وتمشون لأهله وولده في الخمرة(1) والضراء(2)، ويصير منكم على مثل حز(3) المدى(4)، ووخز(5) السنان في الحشا، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا..
أفحكم الجاهلية تبغون {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(6) أفلاتعلمون، بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية(7) أني ابنته. {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(8).
أيها المسلمون، أأغلب على إرثي؟.
يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللّه ترث أباك ولا أرث أبي..
لقد جئت شيئاً فرياً(9)، أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم إذ
ص: 261
يقول: {ووَرِثَ سُلَيْمَانُ داوُدَ}(1)، وقال - فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا - إذ قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}(2)، وقال: {وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}(3)، وقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}(4)، وقال: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}(5).
وزعمتم أن لا حظوة(6) لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا..
أفخصكم اللّه بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون إن أهل ملتين لا يتوارثان، أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟
ص: 262
فدونكها(1) مخطومة(2) مرحولة(3)، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه والزعيم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (4) والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون(5)، ولاينفعكم إذ تندمون، و{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ(6) وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}(7)(8) {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}(9).
- ثم رمت بطرفها(10) نحو الأنصار فقالت -:
يا معشر(11) النقيبة(12)، وأعضاد(13) الملة، وحضنة الإسلام..
ص: 263
ما هذه الغميزة(1) في حقي..
والسنة(2)
عن ظلامتي(3)..
أما كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبي يقول: المرء يحفظ في ولده. سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(4)،
ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول،
ص: 264
أتقولون: مات محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطب(1) جليل، استوسع وهيه(2)، واستنهر فتقه(3)، وانفتق رتقه.. وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر(4)، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت(5) الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم(6)، وأزيلت الحرمة(7) عند مماته.
فتلك واللّه النازلة(8) الكبرى، والمصيبة العظمى..
لا مثلها نازلة، ولا بائقة(9) عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه جل ثناؤه في
ص: 265
أفنيتكم(1)، وفي ممساكم ومصبحكم(2)، يهتف في أفنيتكم هتافاً(3) وصراخاً(4)،
ولقبله ما حل بأنبياء اللّه ورسله، حكم فصل(7)،
وقضاء حتم(8){وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ(9) مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإِنْ مَاتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْ(10) ومَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(11)(12).
ص: 266
ص: 267
أأهضم(3) تراث(4) أبي، وأنتم بمرأى مني ومسمع(5)..
الدعوة(8)، وتشملكم الخبرة(9)..
وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة. توافيكم
ص: 268
الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح(1)، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت(2)، والخيرة(3) التي اختيرت لنا أهل البيت. قاتلتم العرب(4)، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم(5)، وكافحتم البهم(6)..
لا نبرح أو تبرحون(7)، نأمركم فتأتمرون(8)،
حتى إذا دارت بنا رحى
ص: 269
الإسلام(1)، ودرّ(2) حلب الأيام(3)..
وخضعت ثغرة(4) الشرك، وسكنت فورة الإفك(5)..
وخمدت نيران(6) الكفر..
وهدأت(7) دعوة الهرج(8)، واستوسق(9) نظام الدين..
بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم(12) بعد الإقدام
ص: 270
وأشركتم بعد الإيمان، بؤساً لقوم نكثوا(1) أيمانهم من بعد عهدهم، {وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ(2) وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(3). ألا وقد أرى(4)
أن قد أخلدتم(5) إلى الخفض(6)..
ص: 271
وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض(1)..
وخلوتم(2) بالدعة(3)، ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم(4) ما وعيتم(5)، ودسعتم(6) الذي تسوغتم(7)، ف- {إِنْ تَكْفُرُوا(8) أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرض جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ
ص: 272
لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}(1).
ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة(2)..
التي خامرتكم(3)..
والغدرة(4) التي استشعرتها(5) قلوبكم..
ولكنها فيضة النفس(6)..
ونفثة الغيظ(7)..
ص: 273
وبثة الصدر(1)، وتقدمة الحجة(2)..
فدونكموها فاحتقبوها(3)، دبرة(4) الظهر، نقبة(5) الخف..
باقية العار(6)، موسومة(7) بغضب الجبار..
وشنار(8) الأبد، موصولة ب- {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ(9)* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ}(10)(11). فبعين اللّه ما تفعلون(12)..
ص: 274
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ(1) يَنْقَلِبُونَ}(2)، وأنا ابنة {نَذِيرٌ لَكُمْ(3) بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}(4)، فاعملوا(5) إنا عاملون، {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}(6)».
فأجابها(7) أبو بكر عبد اللّه بن عثمان وقال: يا بنت رسول اللّه، لقد كان أبوكِ
ص: 275
بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً. إن عزوناه(1) وجدناه أباكِ دون النساء، وأخا إلفكِ دون الأخلاء(2)، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم.
لايحبكم إلاّ سعيد، ولا يبغضكم إلاّ شقي بعيد، فأنتم عترة رسول اللّه الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا.
وأنتِ يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولكِ، سابقة في وفور عقلكِ، غير مردودة عن حقكِ، ولا مصدودة عن صدقكِ، واللّه ما عدوت رأي رسول اللّه، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله(3)..
وإني أُشهد اللّه وكفى به شهيداً، أني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنما نورث الكتاب والحكمة
ص: 276
والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا، أن يحكم فيه بحكمه. وقد جعلنا ما حاولته في الكراع(1) والسلاح، يقاتل بها المسلمون، ويجاهدون الكفار، ويجالدون(2) المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين(3)، لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد(4) بما كان الرأي عندي، وهذه حالي ومالي، هي لكِ وبين يديكِ، لا تزوى(5) عنكِ، ولا ندخر دونكِ، وإنك وأنت سيدة أمة أبيكِ، والشجرة الطيبة لبنيكِ، لا ندفع ما لكِ من فضلكِ، ولا يوضع في فرعكِ وأصلكِ(6)، حكمكِ نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين(7) أن أخالف في ذاك أباكِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فقالت (عليها السلام) : «سبحان اللّه! ما كان أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن كتاب اللّه صادفاً(8).. ولا لأحكامه مخالفاً.. بل كان يتبع أثره(9)، ويقفو(10) سوره(11)،
ص: 277
أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً(1) عليه بالزور(2)، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي(3) له من الغوائل(4)
في حياته، هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول: {يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}(5)، ويقول: {ووَرِثَ سُلَيْمَانُ داوُدَ}(6)..
وبين عزّ وجلّ فيما وزع(7) من الأقساط(8)..
وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح(9) به علة المبطلين، وأزال التظني(10) والشبهات في الغابرين(11)، كلا {بَلْ سَوَّلَتْ(12)
ص: 278
لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ(1) وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(2)».
فقال أبو بكر: صدق اللّه ورسوله وصدقت ابنته، أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابكِ، ولاأنكر خطابكِ(3)، هؤلاء المسلمون بيني وبينكِ قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر(4)، ولا مستبد ولا مستأثر(5)، وهم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت: «معاشر المسلمين المسرعة(6) إلى قيل(7) الباطل، المغضية(8) على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبرون {الْقُرْآنَ(9) أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفَالُها}(10)، كلا بل ران(11) على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ
ص: 279
بسمعكم وأبصاركم..
ولبئس ما تأولتم(1)، وساء ما به أشرتم(2)..
لتجدن واللّه محمله(5) ثقيلاً، وغبه(6) وبيلاً(7) إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضراء(8)، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون(9)،{وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ}(10)(11).
ص: 280
ثم عطفت (عليها السلام) على قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقالت(1):
قد كان بعدك أنباء وهنبثة(2)***لو كنت شاهدها(3) لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها(4)***واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(5)
وكل أهل له قربى(6) ومنزلة***عند الإله على الأدنين(7) مقترب(8)
ص: 281
أبدت(1) جال لنا نجوى صدورهم(2)***لما مضيت وحالت(3) دونك(4) الترب(5)
تجهمتنا(6) رجال واستخف بنا***لما فقدت وكل الأرض مغتصب(7)
وكنت بدراً ونوراً يستضاء به***عليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبرئيل بالآيات يؤنسنا***فقد فقدت وكل الخير محتجب(8)
فليت قبلك كان الموت صادفنا(9)***لما مضيت وحالت دونك الكثب(10)
إنا رزينا(11) بما لم يرز ذو شجن(12)***من البرية لا عجم(13) ولا عرب
ص: 282
ثم انكفأت(1) (عليها السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) يتوقع(2) رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها(3) عليه، فلما استقرت بها الدار(4) قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام) : «يا ابن أبي طالب، اشتملت(5) شملة(6) الجنين(7)، وقعدت حجرة(8) الظنين(9)..
ص: 283
في كلامي(1).. حتى حبستني قيلة(2) نصرها، والمهاجرة(3) وصلها(4)، وغضّت(5) الجماعة دوني طرفها(6)..
فلا دافع ولا مانع(7)..
خرجت كاظمة(8)، وعدت راغمة(9)، أضرعت(10) خدك..
يوم أضعت(11) حدّك(12).. افترست(13) الذئاب.. وافترشت التراب..
ص: 285
ما كففت(1) قائلاً.. ولا أغنيت(2) طائلاً(3).. ولا خيار لي، ليتني متّ قبل هنيئتي(4) ودون ذلتي(5).. عذيري(6) اللّه.. منه(7) عادياً(8)، ومنك حامياً(9)..
ص: 286
ويلاي(1)..
في كل شارق(2)..
ويلاي في كل غارب..
مات العمد(3)..
ووهن العضد..
شكواي(4) إلى أبي..
وعدواي(5) إلى ربي..
اللّهم إنك أشد منهم قوة وحولاً(6)..
ص: 287
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
«لا ويل لكِ، بل الويل لشانئك(1).. ثم نهنهي(2) عن وجدكِ(3) يا ابنة الصفوة(4) وبقية النبوة.. فما ونيتُ(5) عن ديني.. ولا أخطأتُ مقدوري.. فإن كنتِ تريدين البلغة(6)، فرزقكِ مضمون(7)، وكفيلكِ مأمون.. وما أعد لكِ(8)
أفضل مما قطع عنكِ.. فاحتسبي(9) اللّه»..
فقالت (عليها السلام) : «حسبي اللّه»..
وأمسكت(10).
ص: 288
36
إن القوم ظلموا الصديقة فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فهجموا على دارها، وأحرقوا الباب، وضربوها، وكسروا ضلعها، وأسقطوا جنينها، وهم يريدون بذلك قتلها (صلوات اللّه عليها) لأنهم علموا بأن الصديقة (عليها السلام) تفضحهم كل يوم، وتطالبهم بإرجاع الخلافة إلى علي (عليه السلام) وصي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فخطّطوا للقضاء عليها.. وهكذا أصبحت مظلومة مقهورة حتى ماتت شهيدة بسبب ما جرى عليها.
قال علي (عليه السلام) : «إن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم تزل مظلومةً، من حقها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم تحُفَظ فيها وصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولا روعي فيها حقّه، ولا حق اللّه عزّوجلّ، وكفى باللّه حاكماً ومن الظالمين منتقماً»(1).
إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يذكّر بما يجري على أهل بيته (عليهم السلام) وعلى الصديقة
ص: 289
فاطمة (عليها السلام) من بعده وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يبكي على مصابهم، ويحذّر القوم من ظلمهم وإيذائهم، ويلعن الظالمين لهم والغاصبين لحقوقهم..
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وإني لما رأيتُها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذُلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغُصبت حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأُسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجُاب، وتستغيث فلاتغاث، فلا تزال بعدي محزونةً مكروبةً باكيةً، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلةً بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها اللّه تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ}(1).. يا فاطمة {اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}(2) ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث اللّه عزّوجلّ إليها مريم بنت عمران (عليها السلام) تمرّضها وتؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة وتبرمّت بأهل الدنيا فألحقني بأبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيلحقها اللّه عزّوجلّ بي، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونةً مكروبةً مغمومةً مغصوبةً مقتولةً، فأقول عند ذلك: اللّهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وأذل من أذلّها وخلّد في نارك من ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك: آمين»(3).
ص: 290
عن عبد اللّه بن العباس قال: لما حضرَت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوفاة بكى حتى بلّت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول اللّه، ما يبكيك؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبكي لذريتي، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة (عليها السلام) بنتي وقد ظُلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه، يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي»!.
فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تبكي يا بنية»، فقالت: «لست أبكي لما يُصنع بي من بعدك، ولكني أبكي لفراقك يا رسول اللّه»، فقال لها: «أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي»(1).
وفي المناقب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ التفت إليّ فبكى فقلت: «ما يبكيك يا رسول اللّه؟». قال: «أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه والسم الذي يُسقاه، وقتل الحسين»(2).
إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي أول شهيدة بعد جنينها محسن السقط (عليه السلام) (3) في
ص: 292
الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وفضح من غصب الخلافة..
وقد لبثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قليلاً.
روي: أنها لبثت أربعين يوماً(1). وقيل: سبعين(2).
وروي: خمسةً وسبعين(3)، وخمسة وتسعين(4).
وقيل: غير ذلك(5).
ص: 293
قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن فاطمة مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه في الجنة، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام) »(1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة
ص: 294
وسبعين يوماً لم تُرَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الإثنين والخميس، فتقول: هاهنا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، هاهنا كان المشركون»(1).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «ما رُؤيت فاطمة (عليها السلام) ضاحكة قط منذ قُبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى قُبضت»(2).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستين يوماً، ثم مرضت فاشتدت علّتها، فكان من دعائها في شكواها: (يَا حَيُّ يَا قَيّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ فَأغِثْني، اللّهُمَّ زَحْزِحْني عَنِ النّارِ، وَأدْخِلْني الجنّةَ، وَألحِقْني بِأبي محمّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ).
فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لها: «يعافيك اللّه ويبقيك». فتقول (عليها السلام) :
«يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق باللّه»(3).
وعن ابن عباس قال: رأت فاطمة (عليها السلام) في منامها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: «فشكوت إليه ما نالنا من بعده» قالت: «فقال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لكم الآخرة التي أعدّت للمتقين، وإنك قادمة عليّ عن قريب»(4).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لما قُبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما ترك إلاّ الثقلين: كتاب اللّه وعترته أهل بيته، وكان قد أسرّ إلى فاطمة (صلوات اللّه عليها) أنها لاحقة به أول أهل بيته لحوقاً».
قالت: «بينا أني بين النائمة واليقظانة بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كأن أبي قد
ص: 295
أشرف عليّ، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه انقطع عنا خبر السماء، فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفاً يقدمها ملكان حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار تطرد، وقصر بعد قصر وبستان بعد بستان، وإذا قد اطلع عليّ من تلك القصور جواري كأنهن اللعب، وهن يتباشرن ويضحكن إليّ، ويقلن: مرحباً بمن خُلقت الجنة وخُلقنا من أجل أبيها، فلم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور، في كل قصر من البيوت ما لا عين رأت، ولا أذُن سمعت، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرّة الكثير، وعليها ألحاف من ألوان الحرير والديباج، وآنية الذهب والفضة، وفيها موائد عليها من ألوان الطعام، وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضاً من اللبن، وأطيب رائحةً من المسك الأذفر..
فقلت: لمن هذه الدار، وما هذا النهر؟
فقالوا: هذه الدار الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب اللّه.
قلت: فما هذا النهر؟ قالوا: هذا الكوثر الذي وعده أن يعطيه إياه.
فقلت: فأين أبي؟ قالوا: الساعة يدخل عليك.
فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشد بياضاً وأنور من تلك، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا بفرش مرتفعة على أسرة، وإذا أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس على تلك الفرش ومعه جماعة، فلما رآني أخذني فضمّني وقبل ما بين عينيّ وقال: مرحباً بابنتي، وأخذني وأقعدني في حجره، ثم قال لي: يا حبيبتي أما ترين ما أعد اللّه لك وما تقدمين عليه..
فأراني قصوراً مشرقات فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل، وقال: هذه
ص: 296
مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما، فطيبي نفساً فإنك قادمة عليّ إلى أيام.
قالت: فطار قلبي واشتد شوقي وانتبهت من رقدتي مرعوبة»(1).
ورووا عن عائشة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعا فاطمة (عليها السلام) في شكواه الذي قُبض فيه، فسارّها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارّها فضحكت، فسألتها عن ذلك؟ فقالت (عليها السلام) : «سارني النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفى فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله بيته اتبعه؛ فضحكت»(2).
روي أنه في اللحظات الأخيرة من حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أكبّت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه***ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ففتح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عينه وقال بصوت ضئيل: «يا بنية هذا قول عمّك أبي طالب (عليه السلام) ، لا تقوليه ولكن قولي: {وما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ}(3)» فبكت طويلاً، فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلّل وجهها له، ثم قُبض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فقيل لفاطمة (عليها السلام) : ما الذي أسرّ إليك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسري عنك ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته؟
قالت: «إنه خبّرني أنني أول أهل بيته لحوقاً به، وأنه لن تطول المدة بي بعده
ص: 297
حتى أدركه، فسري ذلك عني»(1).
أخبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ابنتها الصديقة فاطمة (عليها السلام) بما يجري عليها من الظلم وكسر الضلع وقتل المحسن السقط وغصب فدك وغيرها.
ففي الحديث قالت فاطمة (عليها السلام) : «يا أبة، فما كنت أحب أن أرى يومك ولا أبقى بعدك»؟
فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا ابنتي لقد أخبرني جبرئيل عن اللّه عزّوجلّ أنك أول من تلحقني من أهل بيتي، فالويل كله لمن ظلمك، والفوز العظيم لمن نصرك»(2).
روى ورقة بن عبد اللّه الأزدي قال: خرجت حاجاً إلى بيت اللّه الحرام راجياً لثواب اللّه رب العالمين، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء، ومليحة الوجه عذبة الكلام، وهي تنادي بفصاحة منطقها، وهي تقول:
(اللّهم ربّ الكعبة الحرام، والحفظة الكرام، وزمزم والمقام، والمشاعر العظام، وربّ محمد خير الأنام، صلى اللّه عليه وآله البررة الكرام، أسألك أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين، وأبنائهم الغُر المحجلين الميامين، ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين، إن موالي خيرة الأخيار، وصفوة الأبرار، والذين علا قدرهم على الأقدار، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار، المرتدين بالفخار).
قال ورقة بن عبد اللّه: فقلت: يا جارية إني لأظنك من موالي أهل
ص: 297
البيت (عليهم السلام) . فقالت: أجل.
قلت لها: ومن أنت من مواليهم؟
قالت: أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى (صلى اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).
فقلت لها: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً، فلقد كنت مشتاقاً إلى كلامك ومنطقك، فأريد منك الساعة أن تجيبيني من مسألة أسألك، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك، وأنت مثابة مأجورة، فافترقنا، فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس، فأقبلت عليها واعتزلت بها وأهديت إليها هدية ولم أعتقد أنها صدقة، ثم قلت لها: يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء (عليها السلام) وما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟
قال ورقة: فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت: يا ورقة بن عبد اللّه هيّجت عليّ حزناً ساكناً وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة، فاسمع الآن ما شاهدت منها (عليها السلام) :
اعلم أنه لما قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) افتجع له الصغير والكبير، وكثر عليه البكاء وقلّ العزاء، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب، والأولياء والأحباب، والغرباء والأنساب، ولم تلق إلاّ كل باك وباكية، ونادب ونادبة، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب والأقرباء والأحباب أشد حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) وكان حزنها يتجدد ويزيد، وبكاؤها يشتد، فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ولا يسكن منها الحنين، كل يوم جاء كان
ص: 298
بكاؤها أكثر من اليوم الأول، فلما في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبراً إذ خرجت وصرخت فكأنها من فم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تنطق، فتبادرت النسوان وخرجت الولائد والولدان، وضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وجاء الناس من كل مكان، واُطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء، وخُيّل إلى النسوان أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد قام من قبره، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم وهي (عليها السلام) تنادي وتندب أباه: «وا أبتاه، واصفياه، وا محمداه، وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، مَن للقبلة والمصلى، ومَن لابنتك الوالهة الثكلى»..
ثم أقبلت (عليها السلام) تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئاً من عبرتها، ومن تواتر دمعتها، حتى دنت من قبر أبيها محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها ودام نحيبها وبكاها إلى أن اُغمي عليها..
فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي (عليها السلام) تقول: «رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمُت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيتُ والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي، ولا راداً لدمعتي، ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية، وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك ولا حزني عليك»، ثم نادت (عليها السلام) : «يا أبتاه.. وا لباه»، ثم قالت:
إن حزني عليك حزن جديد***وفؤادي واللّه صب عنيد
ص: 299
كل يوم يزيد فيه شجوني***واكتيابي عليك ليس يبيد
جل خطبي فبان عني عزائي***فبكائي كل وقت جديد
إن قلبا عليك يألف صبرا***أو عزاء فإنه لجليد
ثم نادت (عليها السلام) : «يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها، وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق، يا أبتاه مَن للأرامل والمساكين، ومَن للأمة إلى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين، ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين، فأي دمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليك لايتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لا تغور، والأرض كيف لم تتزلزل، رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول، بكتك يا أبتاه الأملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك، يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك، إلى أن أقدم عاجلاً عليك، وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك، الحسن والحسين، وأخوك ووليك وحبيبك، ومن ربيته صغيراً، وواخيته كبيراً، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك، من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا»..
ثم زفرت زفرةً.. وأنّت أنة.. كادت روحها أن تخرج، ثم قالت (عليها السلام) :
قلّ صبري وبان عني عزائي***بعد فقدي لخاتم الأنبياء
ص: 300
عين يا عين اسكبي الدمع سحا***ويك لا تبخلي بفيض الدماء
يا رسول الإله يا خيرة اللّه***وكهف الأيتام والضعفاء
قد بكتك الجبال والوحش جمعا***والطير والأرض بعد بكي السماء
وبكاك الحجون والركن والمشعر***يا سيدي مع البطحاء
وبكاك المحراب والدرس***للقرآن في الصبح معلنا والمساء
وبكاك الإسلام إذ صار في الناس***غريبا من سائر الغرباء
لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه***علاه الظلام بعد الضياء
يا إلهي عجّل وفاتي سريعا***فلقد تنغصت الحياة يا مولائي
قالت: ثم رجعَت (عليها السلام) إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي لا ترقأ دمعتها، ولا تهدأ زفرتها..
واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة (عليها السلام) تبكي الليل والنهار، فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً.
فقال (عليه السلام) : «حباً وكرامة».. فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دخل على فاطمة (عليها السلام) وهي لا تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء، فلمّا رأته سكنت هنيئة له، فقال (عليه السلام) لها: «يا بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً».
فقالت: «يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فو اللّه لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».
فقال لها علي (عليه السلام) : «افعلي يا بنت رسول اللّه ما بدا لك».
ثم إنه (عليه السلام) بنى لها (عليها السلام) بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان،
ص: 301
وكانت (عليها السلام) إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسين (عليهما السلام) أمامها، وخرجت إلى البقيع باكيةً فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) إليها وساقها بين يديه إلى منزلها، ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سبعة وعشرون يوماً واعتلت العلة التي توفيت فيها، فبقيت إلى يوم الأربعين، وقد صلّى أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الظهر وأقبل يريد المنزل إذا استقبلته الجواري باكيات حزينات، فقال لهن: «ما الخبر؟ وما لي أراكن متغيرات الوجوه والصور»؟ فقلن: يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمك الزهراء (عليها السلام) وما نظنك تدركها..
فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) مسرعاً حتى دخل عليها وإذا بها ملقاة على فراشها وهو من قباطي مصر وهي تقبض يميناً وتمد شمالاً، فألقى الرداء عن عاتقه، والعمامة عن رأسه، وحلّ أزراره، وأقبل حتى أخذ رأسها، وتركه في حجره وناداها: «يا زهراء..» فلم تكلمه.
فناداها: «يا بنت محمد المصطفى»، فلم تكلمه.
فناداها: «يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء»، فلم تكلمه.
فناداها: «يا ابنة من صلّى بالملائكة في السماء مثنى مثنى»، فلم تكلمه.
فناداها: «يا فاطمة كلّميني، فأنا ابن عمّك علي بن أبي طالب».
قال: ففتحت (عليها السلام) عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى، وقال: «ما الذي تجدينه فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب»؟
فقالت (عليها السلام) : «يا ابن العم إني أجد الموت الذي لابد منه ولا محيص عنه، وأنا أعلم أنك بعدي لا تصبر على قلة التزويج، فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادي يوماً وليلة، يا أبا الحسن ولا تصح في وجوههما
ص: 302
فيصبحان يتيمين غريبين منكسرَين، فإنهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان أمّهما، فالويل لأمة تقتلهما وتبغضهما، ثم أنشأت (عليها السلام) تقول:
أبكني إن بكيت يا خير هادي***وأسبل الدمع فهو يوم الفراق
يا قرين البتول أوصيك بالنسل***فقد أصبحا حليف اشتياق
أبكني وأبك لليتامى ولا***تنس قتيل العدي بطف العراق
فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى***يحلف اللّه فهو يوم الفراق
قالت: فقال لها علي (عليه السلام) : من أين لك يا بنت رسول اللّه هذا الخبر والوحي قد انقطع عنا؟
فقالت: «يا أبا الحسن رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قصر من الدر الأبيض، فلما رآني قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هلمي إلي يا بنية، فإني إليك مشتاق، فقلت: واللّه إني لأشد شوقاً منك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد، فإذا أنت قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبي»(1)، الحديث.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) (2): «قُبضت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان سبب وفاتها أن قنفذاً
ص: 303
مولى عمر لكزها بنعل السيف(1)
بأمره، فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها، وكان الرجلان من أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سألا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول اللّه؟ قالت: بخير بحمد اللّه، ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: (فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه) قالا: بلى، قالت: فو اللّه لقد آذيتماني، قال: فخرجا من عندها (عليها السلام) وهي ساخطة عليهما»(2).
فقد جاء في رواية سليم، عن سلمان وعبداللّه ابن عباس قالا: (.. ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: «يا أبتاه، يا رسول اللّه»، فرفع عمر السيف وهو في غمده، فوجأ به جنبها، فصرخت: «يا أبتاه»، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: «يا رسول اللّه، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر».
فوثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيبه، ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما أوصاه به، فقال: «والذي كرّم محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالنبوة يا ابن صهاك، لولا كتاب من اللّه سبق وعهد عهده إليّ رسول اللّه لعلمت أنك لا تدخل بيتي».
فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي بسيفه، لما قد عُرف من بأسه وشدته.
فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار.
فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج(1)، من ضربته.. وقد كان قنفذ ضرب فاطمة بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر:
ص: 305
إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلوات اللّه عليها من ذلك شهيدة..)(1).
وفي كتاب الاحتجاج(2): فيما احتج به الإمام الحسن (عليه السلام) على معاوية وأصحابه أنه قال للمغيرة بن شعبة: «.. أنت الذي ضربتَ فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى أدميتها وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومخالفةً منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا فاطمة أنتِ سيدة نساء أهل الجنة، واللّه مصيرك إلى النار..»(3).
وفي كامل الزيارات(4): عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قدسي: «وأول من يحكم فيهم محسن بن علي وفي قاتله(5)، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه،
ص: 305
فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، فيضربان بها..»(1).
وفي كتاب سليم(2): فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر أبي المختار(3)، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئاً وكان من عماله وردّ عليه ما أخذ منه... قال أبان: قال سليم: فلقيت علياً (عليه السلام) فسألته عما صنع
ص: 306
عمر، فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئاً؟ قلت: لا. قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة (عليها السلام) بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات اللّه عليها وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.
قال سليم: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليس فيها إلاّ هاشمي غير سلمان، وأبي ذر، والمقداد، ومحمد بن أبي بكر، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعلي: ما ترى عمر منعه أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عمّاله؟
فنظر علي (عليه السلام) إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة (عليها السلام) بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج(1).
وفي المناقب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ التفت إليّ فبكى فقلت: «ما يبكيك يا رسول اللّه؟». قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها...»(2).
وقال الفيض الكاشاني(3): (ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) فوافوا بابه مغلق، فصاحوا به: أخرج يا علي، فإن خليفة رسول اللّه يدعوك، فلم يفتح لهم الباب. فأتوه بحطب فوضعوه على الباب وجاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر وقال: واللّه لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار،
ص: 307
فلما عرفت فاطمة (عليها السلام) أنهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب، فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبأت فاطمة (عليها السلام) وراء الباب فدفعها عمر حتى ضغطها بين الباب والحائط، ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره ملببا بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة (عليها السلام) بينهم وبين بعلها، وقالت: واللّه لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلماً. ويلكم ما أسرع ما خنتم اللّه ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا، فقال اللّه تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(1)، قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذا ابن عمران أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف، وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها، وقد كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) سماه محسنا(2).
روي بطرق معتبرة عن سلمان وعبد اللّه بن العباس قالا:
توفي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف، واشتغل علي (عليه السلام) برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن(3)، وشغل عنهم بوصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
ص: 308
فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس قد بايعوك(1)، ما خلا هذا الرجل وأهل بيته، فابعث إليه، فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له: قنفذ، فقال له: يا قنفذ انطلق إلى علي، فقل له: أجب خليفة رسول اللّه! فبعثاه مراراً وأبَى علي (عليه السلام) أن يأتيهم.. فوثب عمر غضبان ونادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً. ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي وفاطمة (صلوات اللّه عليهما) وفاطمة (عليها السلام) قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: يا ابن أبي طالب افتح الباب!
فقالت فاطمة (عليها السلام) : يا عمر ما لنا ولك؟ لا تدعنا وما نحن فيه.
قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم!.
فقالت: يا عمر أما تتقي اللّه عزّوجلّ تدخل على بيتي وتهجم على داري!.
فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه يا رسول اللّه، فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه، فوثب علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما أوصاه به
ص: 309
من الصبر والطاعة، فقال (عليه السلام) : «والذي كرّم محمداً بالنبوة يا ابن صهاك، لولا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي..».
فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، فكاثروه وألقوا في عنقه حبلاً، فحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته (لعنه اللّه) فألجأها إلى عضادة بيتها ودفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت (صلّى اللّه عليها) من ذلك شهيدة»(1).
إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بمواقفها ضد الظلم والباطل فضحت من تقمّص الخلافة، وبيّنت للعالم بأن خليفة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هو علي أمير المؤمنين (عليه السلام) دون غيره. ومن هنا كانت (عليها السلام) مصرّة في مواقفها على عدم تأييدهم بل على سلب الشرعية عنهم.
قال ابن عباس: ثم إن فاطمة (عليها السلام) بلغها أن أبا بكر قبض فدكاً، فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: «يا أبا بكر تريد أن تأخذ مني أرضاً جعلها لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وتصدق بها عليّ من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أما كان قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : المرء يحفظ في ولده، وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئاً غيرها؟
فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها، دعا أبو بكر بدواة ليكتب به لها، فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول اللّه! لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي!
ص: 310
فقالت فاطمة (عليها السلام) : «نعم أقيم البينة»، قال: من؟ قالت: «علي (عليه السلام) وأم أيمن»، فقال عمر: لا تُقبل شهادة امرأة أعجمية لا تفصح، وأما علي فيجر النار إلى قرصته.. فرجعت فاطمة (عليها السلام) وقد دخلها من الغيظ ما لايوصف، فمرضت، وكان علي (عليه السلام) يصلي في المسجد الصلوات الخمس(1)، فلمّا صلّى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول اللّه؟... إلى أن ثقلت (عليها السلام) فسألا عنها وقالا: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا لنعتذر إليها من ذنبنا.
قال: «ذاك إليكما»، فقاما فجلسا بالباب، ودخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فقال لها: «أيتها الحرة، فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك، فما ترين»؟
قالت (عليها السلام) : «البيت بيتك والحرة زوجتك افعل ما تشاء».
فقال: «سدي قناعك»، فسدت قناعها وحوّلت وجهها إلى الحائط، فدخلا وسلّما وقالا: ارضي عنا رضي اللّه عنكِ.
فقالت: «ما دعاكما إلى هذا»؟
فقالا: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا، وتخرجي سخيمتك.
فقالت: «إن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلاّ وأنا عارفة بأنكما تعلمانه...».
قالا: سلي عما بدا لك.
قالت: «نشدتكما باللّه هل سمعتما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: (فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني)»؟
قالا: نعم.
ص: 311
فرفعت (عليها السلام) يدها إلى السماء فقالت: «اللّهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك، لا واللّه لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما».
قال فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعاً شديداً(1)، فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول اللّه من قول امرأة!..(2).
لماّ رأى المنافقون أن الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) أخذت بالدفاع عن بعلها علي أمير المؤمنين (عليه السلام) كل يوم، وأنها تبين للناس أن الخلافة حق لعلي (عليه السلام) دون غيره، وصارت تطالب بفدك،وأخذت بفضحهم وسلب الشرعية عنهم، خططوا للقضاء على فاطمة (عليها السلام) وقتلها.
فهجموا على الدار وأحرقوا الباب، ولما أحسوا بأنها (عليها السلام) وراء الباب ركلوه بأرجلهم وكانوا يقصدون قتلها وقتل جنينها.. فكسروا ضلعها وقتلوا ولدها المحسن، وكان ذلك سبباً لاستشهادها بعد فترة قصيرة. كما إنهم أرادوا قتل علي (عليه السلام) وقتل الحسنين (عليهما السلام) يومذاك ولكن اللّه حفظهم من كيد المنافقين.
ثم إن ما جرى عليها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الظلم والجور متواتر، ورد في كتب الفريقين(3):
قال البلاذري في (أنساب الأشراف): «إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا بن
ص: 312
الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك...»(1).
وروى البلاذري أيضاً في (أنساب الأشراف) بسنده عن ابن عباس قال: «بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف...»(2).
والنوفلي في كتاب (الأخبار) عنه (مروج الذهب): «كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إياهم في الشعب وجمعه لهم الحطب لتحريقهم، ويقول: إنما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته (كما اُرهب بنو هاشم وجُمع لهم الحطب لإحراقهم)(3) إذ هم أبوا البيعة فيما سلف»(4).
وابن أبي الحديد عن المسعودي: «كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم، لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار»(5).
ص: 313
وابن أبي الحديد في شرح النهج، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز البغدادي في كتابه (السقيفة وفدك) بسنده عن الشعبي: «سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟ فقيل: عند علي وقد تقلد سيفه، فقال: قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد، انطلقا حتى تأتياني بهما، فانطلقا.... ثم قال (عمر) لعلي: قم فبايع لأبي بكر، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير وأخرجه، ورأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللّه، واللّه لا أكلم عمر حتى ألقى اللّه»(1).
وأيضاً ابن أبي الحديد عن كتاب (السقيفة وفدك) بسنده عن الشعبي أيضاً: (ثم دخل عمر فقال لعلي قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير ثم أمسكهما خالد وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، فرأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللّه، واللّه لا أكلم عمر حتى ألقى اللّه...»(2).
وابن أبي الحديد في شرح النهج عن كتاب (السقيفة وفدك) بسنده: «جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم... ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقاً عنيفاً، حتى بايعوا أبابكر»(3).
ص: 314
وأيضاً في شرح النهج عن كتاب (السقيفة وفدك) أيضاً: «فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة تبكي وتصيح فنهنهت من الناس»(1).
وابن أبي الحديد عن أستاذه أبي جعفر النقيب، أنه قال: (إذا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أباح دم هبار بن الأسود، لأنه روّع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها)، فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: إن فاطمة رُوّعت فألقت المحسن؟ فقال: لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه، فإني متوقف في هذا الموضع(2)، لتعارض الأخبار عندي فيه»(3).
واليعقوبي في (تاريخه): «وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر فصرعه وكسر سيفه ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: واللّه لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى اللّه...»(4).
والطبري في (تاريخه): «أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: واللّه لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة»(5).
والهندي في (كنز العمال): عن أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول
ص: 315
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان علي والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويشاورونها ويرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللّه، ما من الخلق أحد أحب إلي من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرهم أن يحرق عليهم الباب، فلما خرج عليهم عمر جاؤوا، قالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف باللّه لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب وأيم اللّه ليمضين لما حلف عليه(1).
وهذا رواه السيوطي أيضاً في (مسند فاطمة)(2).
وقريباً منه رواه ابن عبد البر في (الاستيعاب في معرفة الأصحاب)(3).
والنويري في (نهاية الارب في فنون الأدب)(4).
والشاه ولي اللّه الدهلوي في كتابه (إزالة الخفاء)(5)، وأيضاً في كتابه (قرة العينين)(6).
وابن أبي شيبة في كتاب (المصنف)(7).
وابن عبد ربه في (العقد الفريد): «الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة، حتى بعث إليهم أبوبكر عمرَ بن
ص: 316
الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة»(1).
وابن حنزابة في كتابه (الغرر): «قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة، حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلاّ أحرقته ومن فيه، قال: وفي البيت علي والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقالت فاطمة: أفتحرق علي وولدي، فقال: أي واللّه أو ليخرجن وليبايعن).
عنه ابن شهر آشوب في (مثالب النواصب)(2)، والسيد بن طاووس في (الطرائف)(3)، والعلامة الحلي في (نهج الحق)(4).
وأبو الفداء في (المختصر في أخبار البشر): «ثم إن أبابكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي اللّه عنها وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي اللّه عنها وقالت: إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو يدخلوا فيما دخل فيه الأمة»(5).
والشهرستاني في (الملل والنحل): «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى
ص: 317
ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين»(1).
وابن تيمية في (منهاج السنة) بعد ذكر اعتراف أبي بكر بالهجوم: «غاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال اللّه الذي يقسمه»(2).
وابن قتيبة الدينوري في (الإمامة والسياسة): «وإن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم اللّه وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة، فقال: وإن!، فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً فإنه زعم أنه قال: (حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن) فوقفت فاطمة رضي اللّه عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدنا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا، فأتى عمر أبابكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبوبكر لقنفذ وهو مولى له: أذهب فادع لي علياً، قال: فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك: فقال: يدعوك خليفة رسول اللّه، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً(3)، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول اللّه يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان
ص: 318
اللّه لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبوبكر طويلاً، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت (فاطمة) أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول اللّه، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً واللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، فقال: إذاً تقتلون عبد اللّه وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد اللّه فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبوبكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصيح ويبكي وينادي يا {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي}(1)، فقال عمر لأبي بكر:... انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها، فلم ترد عليهما السلام. فتكلم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول اللّه، واللّه إن قرابة رسول اللّه أحب إليّ من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك مت، ولا أبقى بعده(2)، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول اللّه إلا أني سمعت أباك رسول اللّه يقول: لا نورث، ما تركناه صدقة!. فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما
ص: 319
اللّه ألم تسمعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول اللّه، قالت: فإني أشهد اللّه وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأشكونكما إليه، فقال أبوبكر: أنا عائذ باللّه تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: واللّه لأدعون عليك في كل صلاة أصليها، ثم خرج باكياً، فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته، مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي»(1). الحديث.
والشاه عبد العزيز الدهلوي قال في الرد على الطعن الثاني من مطاعن عمر: «إنما هدد عمر من التجأ إلى بيت فاطمة بزعم أنه ملجأ ومعاذ للخائنين، فجعلوه مثل مكة المكرمة وقصدوا الفتنة والفساد وتشاوروا في نقض خلافة أبي بكر، والحق أن فاطمة كانت تكره اجتماعهم في بيتها ولكنها لحسن خلقها لم تمنعهم من ذلك صريحاً، فلما تبين ذلك لعمر هددهم بإحراق البيت عليهم!»(2).
والمقريزي في الخطط (المواعظ والاعتبار): «وزعم (أي النظام) أنه (أي عمر) ضرب فاطمة ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومنع ميراث العترة»(3).
والحمويني في (فرائد السمطين): عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث: «... وأما ابنتي فاطمة... وإني لما رأيتها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل
ص: 320
الذل بيتها وانتهكت حرمتها وغصب حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية...»(1).
والصفدي في (الوافي بالوفيات): «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن»(2).
والحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) و(سير أعلام النبلاء): قال عند ذكر أحمد بن محمد بن السري بن يحيى المعروف بابن أبي دارم: «... ثم كان في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن»(3).
ورواه ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان)(4).
وأبو الوليد محمد بن شحنة في (روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر) هامش الكامل لابن الأثير: «ثم إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه، فلقيته فاطمة فقال: ادخلوا فيما دخلت فيه الأمة»(5).
وهناك من العامة من تطرق إلى حديث حرق الدار وما أشبه ونسبه إلى الشيعة، فمنهم:
المقدسي في (البدء والتاريخ) عند ذكر أولاد فاطمة (عليها السلام) : «وولدت محسناً وهو الذي تزعم الشيعة أنها أسقطته من ضربة عمر»(6).
ص: 321
وأبو الحسين الملطي الشافعي في (التنبيه والرد): «... فزعم هشام (أي هشام بن الحكم)... أن أبا بكر مرّ بفاطمة فرفس في بطنها فأسقطت وكان سبب علتها ووفاتها، وأنه غصبها فدك»(1).
والقاضي أبو الحسن عبد الجبار الأسد آبادي: «ومن جملة ما ذكروه من الطعن: ادعاؤهم أن فاطمة لغضبها على أبي بكر وعمر أوصت أن لا يصليا عليها وأن تدفن سراً منهما، فدُفنت ليلاً، وادعوا برواية رووها عن جعفر بن محمد وغيره: أن عمر ضرب فاطمة بسوط وضرب الزبير بالسوط... ثم نقل قول عمر لفاطمة: وأيم اللّه لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك ليحرقن عليهم، ثم قال: إلى غير ذلك من الروايات البعيدة(2).
وابن تيمية في (منهاج السنة): «إنما ينقل مثل هذا جهّال الكذابين، ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون: إن الصحابة هدموا بيت فاطمة وضربوا بطنها حتى أسقطت»(3).
وابن حجر الهيتمي في (الصواعق المحرقة): «ألا ترى إلى قولهم (أي قول الشيعة) إن عمر قاد علياً بحمائل سيفه وحصر فاطمة فهابت فأسقطت ولداً اسمه المحسن»(4).
والبرزنجي في (النواقض للروافض والنواقض): «إنهم قالوا: إن عمر بن الخطاب ذهب إلى دار علي... وخافت فاطمة منه وأسقطت ولداً اسمه
ص: 322
المحسن»(1).
يقول شاعر النيل: محمد حافظ إبراهيم:
وقولة لعلي قالها عمر***أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها***إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها***أمام فارس عدنان وحاميها
إلى غير ذلك..
أما ما كتموه فأكثر بكثير، رعاية لسمعة خلفائهم.
روي أنه لما قُبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) امتنع بلال من الأذان، وقال: لا أؤذن لأحد بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وإن فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: «اشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان»، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلما قال: (اللّه أكبر، اللّه أكبر) ذكرت (عليها السلام) أباها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأيامه، فلم تتمالك من البكاء، فلما بلغ إلى قوله: (أشهد أن محمداً رسول اللّه) شهقت فاطمة (عليها السلام) وسقطت لوجهها وغُشي عليها، فقال الناس لبلال: أمسك، فقد فارقت ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الدنيا، وظنوا أنها قد ماتت، ولم يتم الأذان، فأفاقت فسألته أن يتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيدة النسوان إني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته من ذلك(2).
أقول: كان بلال من شيعة علي (عليه السلام) ومن المؤمنين بولايته وخلافته بعد رسول
ص: 322
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1)، ولما رأى أن القوم غصبوا الخلاقة، امتنع من الأذان لهم، وقال: لا أؤذن لأحد بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. ولكن القوم أصرّوا.. وبعد هذه القصة حيث اُغمي على الصديقة الزهراء (عليها السلام) عند ما سمعت أذان بلال... تخلص بلال منهم وهاجر من المدينة إلى الشام، أو هُجّر.
وربما طلبت الصديقة فاطمة (عليها السلام) منه الأذان لكي يتخلص من هؤلاء.
ص: 323
37
لما أحسّت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بقرب وفاتها، بعد ما لاقته من الأذى وعظيم المصائب حيث كسروا ضلعها وأسقطوا جنينها وضربوها بالسياط وبغلاف السيف وغيرها.
وصّت وصاياها إلى بعلها علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأكّدت على دفنها ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً، وأن لا يحضر جنازتها من غصب حقها وظلمها سيما ابن أبي قحافة وابن الخطاب.
قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «لما حضرَت فاطمة (عليها السلام) الوفاة دعتني فقالت: أمنفّذ أنت وصيتي وعهدي؟ قال (عليه السلام) : قلت: بلى أنفّذها، فأوصت إليّ وقالت: إذا أنا مُتّ فادفني ليلاً، ولا تؤذننّ رجلَين ذكرتهما..»(1).
وقال الواقدي: (إن فاطمة (عليها السلام) لما حضرتها الوفاة أوصت علياً (عليه السلام) أن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر فعمل بوصيتها)، وعن ابن جبير عن ابن عباس قال: (أوصت فاطمة (عليها السلام) أن لا يُعلم إذا ماتت: أبو بكر ولا عمر، ولا يصليا عليها،
ص: 324
قال: فدفنها علي (عليه السلام) ليلاً ولم يعلمهما بذلك)(1).
وهذا متواتر، ورد أيضا من طرق العامة، روى البخاري عن عائشة: (.. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً فوَجَدَتْ(2) فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها..)(3).
روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) لم تزل بعد وفاة أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مهمومةً مغمومةً محزونةً مكروبةً كئيبةً باكيةً، ثم مرضت مرضاً شديداً على أثر ما لاقته من الظلم والجور، فمكثت أربعين ليلةً - وقيل أكثر - في مرضها إلى أن توفيت (عليها السلام) ..
ص: 325
فلما نُعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وأرسلت خلف علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فأحضرته فقالت: «يا ابن عمّ إنه قد نُعيت إليّ نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلاّ أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي». قال لها علي (عليه السلام) : «أوصيني بما أحببت يا بنت رسول اللّه». فجلس (عليه السلام) عند رأسها (عليها السلام) وأخرج من كان في البيت.. ثم قالت (عليها السلام) : «يا ابن عمّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني»، فقال (عليه السلام) : «معاذ اللّه، أنت أعلم باللّه وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من اللّه من أن أوبخك بمخالفتي، وقد عزّ عليّ مفارقتك وفقدك، إلاّ أنه أمر لابد منه، واللّه جددت عليّ مصيبة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه واللّه مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها». ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (عليه السلام) رأسها (عليها السلام) وضمها إلى صدره ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجدينني وفياً أمضي فيها كما أمرتني به واختار أمرك على أمري»، قالت (عليها السلام) : «جزاك اللّه عني خير الجزاء يا ابن عم رسول اللّه»(1)، ثم أوصته بما أرادت، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) بجميع ما وصته به.
في رواية أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) أوصت إلى علي (عليه السلام) بثلاث وصايا:
الوصية الأولى: أن يتزوج بأمامة(2) بنت أختها زينب، لحبها أولادَها،
ص: 326
وقالت (عليها السلام) : «إنها تكون لوُلدي بعدي مثلي»(1).
وفي رواية ابن عباس أن فاطمة (عليها السلام) قالت لعلي (عليه السلام) : «... يا ابن عم.. وأنا أوصيك بأن تتزوج بأمامة بنت أختي زينب تكون لولدي مثلي..»(2).
فلما توفيت الزهراء (عليها السلام) تزوّج أمير المؤمنين (عليه السلام) أمامة كما أوصته، وقد قال (عليه السلام) : «أربعة ليس إلى فراقهن سبيل، وعدّ منهن أمامة، قال: أوصت بها فاطمة»(3).
الوصية الثانية: أن يُتخذ لها نعشاً، ووصفته للإمام (عليه السلام) .
في رواية ابن عباس أن فاطمة (عليها السلام) قالت لعلي (عليه السلام) : «... واتخذ لي نعشاً فإني رأيت الملائكة يصفونه لي»(4).
وفي رواية: أن أسماء بنت عميس قالت لها: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك صنعت لك، قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه ثم جللته ثوباً، فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت فاطمة (عليها السلام) : «اصنعي لي مثله، استريني سترك اللّه من النار»(5).
ص: 327
وفي الاستيعاب: (إن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت لأسماء بنت عميس: «يا أسماء إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها»، فقالت أسماء: يا بنت رسول اللّه ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة (عليها السلام) : «ما أحسن هذا وأجمله، لا تُعرف به المرأة من الرجل».. ثم قال: فاطمة أول من غطي نعشها في الإسلام على الصفة المذكورة، ثم بعدها زينب بنت جحش)(1).
وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: (قد مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً فقالت لأسماء بنت عميس: «ألا ترين إلى ما بلغت اُحمل على السرير ظاهراً؟»، فقالت أسماء: لا لعمري ولكن أصنع لك نعشاً كما رأيت يصنع بأرض الحبشة، قالت: «فأرينيه»، فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواف(2)، وجعلت على السرير نعشاً، وهو أول ما كان النعش، قالت أسماء: فتبسمت فاطمة (عليها السلام) وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلاّ يومئذ، ثم حملناها ودفناها ليلا)(3).
الوصية الثالثة: أن لا يشهد أحد جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم، وأن لايصلي عليها أحد منهم، وأن تُدفن ليلاً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار(4)،
ص: 328
ويُعفى قبرها.
وقد عمل أمير المؤمنين (عليه السلام) بكامل وصاياها (صلوات اللّه عليها).
وفي رواية ابن عباس أن فاطمة (عليها السلام) قالت لعلي (عليه السلام) : «... وأن لا يشهد أحد من أعداء اللّه جنازتي ولا دفني، ولا الصلاة عليّ»(1).
في بعض الروايات أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بعد أن وصّت بوصاياها لفظاً، قامت بكتابة وصية خطية في ذلك للتأكيد، وهذا مما يستفاد منه استحباب كتابة الوصية.
روي أن علياً (عليه السلام) وجد عند رأس فاطمة (عليها السلام) بعد ما توفيت رقعة فيها:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور، يا علي أنا فاطمة بنت محمد زوّجني اللّه منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي
ص: 329
من غيري، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل وصلّ عليّ، ادفني بالليل ولا تُعلم أحداً، واستودعك اللّه واقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة»(1).
روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت لأسماء: «فإذا أنا متّ فاغسليني أنت وعلي ولا يدخلن عليّ أحد»(2). أو «ولا تدخلي عليّ أحداً»(3).
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فلما توفيت - أي فاطمة (عليها السلام) - جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر فقالت: إن هذه الخثعمية!! تحول بيننا وبين بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء فوقف على الباب فقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يدخلن على بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعلت لها مثل هودج العروس؟ قالت: هي (عليها السلام) أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأريتُها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها، قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف(4).
وروي أن فاطمة (عليها السلام) لما أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) القصة، فهجرته ولم تكلّمه حتى توفيت ولم يؤذن بها أبو بكر(5).
وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة
ص: 330
بكت... وأوصت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن لا يؤذن بها الشيخين، ففعل»(1).
وكانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تريد أن يعرف الجميع بأنها ماتت وهي غاضبة عليهما.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بدو مرض فاطمة (عليها السلام) بعد خمسين ليلة من وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعلمت أنها الوفاة، فاجتمعت لذلك تأمر علياً (عليه السلام) بأمرها وتوصيه بوصيتها، وتعهد إليه عهودها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يجزع لذلك، ويطيعها في جميع ما تأمره، فقالت: يا أبا الحسن إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عهد إليّ وحدثني أني أول أهله لحوقاً به ولابد مما لابد منه، فاصبر لأمر اللّه تعالى وارض بقضائه» قال (عليه السلام) : «وأوصته بغسلها وجهازها ودفنها ليلاً، ففعل» قال (عليه السلام) : «وأوصته بصدقتها وتركتها» قال (عليه السلام) : «فلما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من دفنها لقيه الرجلان فقالا له: ما حملك على ما صنعت؟»، قال (عليه السلام) : «وصيتها وعهدها»(2).
عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه الحسين (عليه السلام) قال: «لما مرضت فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك.
وكان يمرّضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها اللّه) على استسرار بذلك، كما وصت به. فلما حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن
ص: 331
يتولى أمرها، ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها، فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها، وعفى موضع قبرها..»(1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وأوصت فاطمة (عليها السلام) بصدقتها ومتاع البيت، وأوصته أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص، وقالت: بنت أختي وتحنّن على وُلدي»(2).
كان مما أوصت به الصديقة فاطمة (عليها السلام) علياً (عليه السلام) : أن يحنّطها بفاضل حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي جاء به جبرئيل من الجنة، وكان أربعين درهماً، فقسّمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أثلاثاً: ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعلي، وثلثاً لفاطمة، وأن يغسّلها في قميصها، ولا يكشفه عنها، فإنها طاهرة مطهرة.
وروي أن فاطمة (عليها السلام) لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء: «إن جبرئيل أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة، فقسمه أثلاثاً: ثلثاً لنفسه وثلثاً لعلي وثلثاً لي، وكان أربعين درهماً».
فقالت: «يا أسماء ائتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، فضعيه عند رأسي»، فوضعته ثم تسجت بثوبها وقالت: «انتظريني هنيئة ثم ادعيني فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أني قد قدمت على أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..»(3).
وهكذا أوصت الصديقة فاطمة (عليها السلام) علياً (عليه السلام) بأن لا يحضرها أحد ممن ظلمها
ص: 332
وخاصة الأول والثاني وابنتاهما، لا للصلاة عليها ولا للدفن ولا لغير ذلك.
روي أنه مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت (صلوات اللّه عليها) فلما نُعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهت خلف علي (عليه السلام) وأحضرته فقالت: «يا ابن عم، إنه قد نعيت إليّ نفسي، وإني لا أرى ما بي إلاّ أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي».
قال لها علي (عليه السلام) : «أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول اللّه». فجلس (عليه السلام) عند رأسها وأخرج من كان في البيت، ثم قالت: «يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني».
فقال (عليه السلام) : «معاذ اللّه، أنت أعلم باللّه وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من اللّه من أن أوبخك غداً بمخالفتي، فقد عزّ عليّ بمفارقتك وبفقدك، إلاّ أنه أمر لابد منه، واللّه جددتِ عليّ مصيبة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه واللّه مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها». ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (عليه السلام) رأسها وضمها إلى صدره ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجديني فيها وفياً أمضي كل ما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري».
ثم قالت (عليها السلام) : «جزاك اللّه عني خير الجزاء، يا ابن عم، أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لا بدّ لهم من النساء». قال: «فمن أجل ذلك، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعة ليس لي إلى فراقه سبيل: بنت أبي العاص أمامة أوصتني بها فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ...».
ص: 333
ثم قالت (عليها السلام) : «أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا صورته». فقال (عليه السلام) لها: «صفيه لي» فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذاك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد.
ثم قالت (عليها السلام) : «أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأن لا يصلي عليّ أحد منهم، ولا من أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار(1)».
قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) لأسماء بنت عميس، حين توضأت وضوءها للصلاة: «هاتي طيبي الذي أتطيب به، وهاتي ثيابي التي أصلّي فيها»، فتوضأت ثم وضعت رأسها، فقالت لها: «اجلسي عند رأسي، فإذا جاء وقت الصلاة فأقيميني، فإن قمت وإلاّ فأرسلي إلى علي (عليه السلام) ».
فلما جاء وقت الصلاة قالت أسماء: الصلاة يا بنت رسول اللّه، فإذا هي قد قُبضت، فجاء علي (عليه السلام) فقالت له: قد قبضت ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).
وروي أنه لما كان في اليوم الذي ماتت فيه فاطمة (عليها السلام) ، قالت (عليها السلام) لأسماء: «هيئي لي ماءً»، فصببت لها، فاغتسلت (عليها السلام) كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: «ائتيني بثيابي الجدد»، فلبستها، ثم أتت البيت الذي كانت فيه، فقالت: «افرشي لي في وسطه»، ثم اضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت
ص: 334
خدّها وقالت: «إني مقبوضة الآن»..(1).
حضرت الملائكة وعلى رأسهم جبرائيل (عليه السلام) عند الصديقة فاطمة (عليها السلام) لما أراد اللّه أن يقبض روحها إليه، كما حضرها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
عن زيد بن علي (عليه السلام) : «أن فاطمة (عليها السلام) لما احتضرت سلّمت على جبرئيل، وعلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسلّمت على ملك الموت، وسمعوا حس الملائكة، ووجدوا رائحة طيبة كأطيب ما يكون من الطيب»(2).
وعن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عن جده (عليهم السلام) : «أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما احتضرت نظرت نظراً حاداً، ثم قالت: السلام على جبرئيل، السلام على رسول اللّه، اللّهم مع رسولك، اللّهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام، ثم قالت: أترون ما أرى؟ فقيل لها: ما ترى؟
قالت: هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول اللّه ويقول: يا بنية اقدمي فما أمامك خير لك»(3).
وقال علي (عليه السلام) : «لما كانت الليلة التي أراد اللّه أن يكرمها - أي فاطمة (عليها السلام) - ويقبضها إليه، أقبلت تقول: وعليكم السلام، وهي تقول لي: يا ابن عم، قد أتاني جبرئيل مسلّماً، وقال لي: السلام يقرئك السلام، يا حبيبة حبيب اللّه، وثمرة فؤاده، اليوم تلحقين به الرفيع الأعلى وجنة المأوى، ثم انصرف عني».
ص: 335
قال (عليه السلام) : «ثم سمعناها ثانية تقول: وعليكم السلام، فقالت: يا ابن عم، هذا واللّه ميكائيل، ويقول لي كقول صاحبه، ثم أخذت ثالثاً تقول: وعليكم السلام، ورأيناها قد فتحت عينيها فتحاً شديداً ثم قالت: يا ابن عم، هذا واللّه الحق، وهو عزرائيل قد نشر جناحه بالمشرق والمغرب، وقد وصفه لي أبي وهذه صفته». ثم سمعناها تقول: «وعليك السلام يا قابض الأرواح، عجّل بي ولا تعذبني». ثم سمعناها تقول: «إليك ربي لا إلى النار، ثم غمضت عينيها، ومدّت يديها ورجليها، كأنها لم تكن حية قط»(1).
روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) لما علمت بقرب وفاتها، تسجت بثوبها وقالت لأسماء: «انتظريني هنيئة وادعيني، فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أني قد قدمت على أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».
فانتظرتها هنيئة ثم نادتها فلم تجبها، فنادت:
يا بنت محمد المصطفى.. يا بنت أكرم من حملته النساء.. يا بنت خير من وطئ الحصا.. يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى.. فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام..
فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالا: «يا أسماء ما يُنيم أمّنا في هذه الساعة».
ص: 336
قالت: يا ابني رسول اللّه ليست أمكما نائمة، قد فارقت الدنيا!.
فوقع عليها الحسن (عليه السلام) يقبّلها مرة ويقول: «يا أماه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني».
قالت: وأقبل الحسين (عليه السلام) يقبّل رجلها، ويقول: «يا أماه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت».
قالت لهما أسماء: يا ابني رسول اللّه انطلقا إلى أبيكما علي، فأخبراه بموت أمكما.
فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول اللّه، لا أبكى اللّه أعينكما، لعلّكما نظرتما إلى موقف جدّكما فبكيتما شوقاً إليه؟
فقالا: «لا، أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة صلوات اللّه عليها»؟
قال: فوقع علي (عليه السلام) على وجهه يقول: «بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك»؟ ثم قال:
لكل اجتماع من خليلين فرقة***وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل(1)
وروي أنه لما سمع الإمام علي (عليه السلام) بموت الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) غشي عليه لشدة المصاب.
قال ابن عباس: لما توفيت فاطمة (عليها السلام) شقت أسماء جيبها، وخرجت فتلقاها الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالا: أين أمنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممددة،
ص: 337
فحركها الحسين (عليه السلام) فإذا هي ميتة فقال: «يا أخاه آجرك اللّه في الوالدة»، وخرجا يناديان: «يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا».
ثم أخبرا علياً (عليه السلام) وهو في المسجد، فغُشي عليه حتى رُش عليه الماء، ثم أفاق فحملهما حتى أدخلهما بيت فاطمة (عليها السلام) وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: «وا يتامى محمد، كنا نتعزى بفاطمة بعد موت جدكما فيمن نتعزى بعدها»؟(1).
روي أنه لما توفيت فاطمة (صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) مظلومة شهيدة: (صاحت أهل المدينة صيحة واحدة، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع من صراخهن، وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول اللّه..
وأقبل الناس مثل عرف الفرس(2)
إلى علي (عليه السلام) وهو جالس والحسن والحسين (عليهما السلام) بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم (عليها السلام) وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسحبها وهي تقول: «يا أبتاه يا رسول اللّه، الآن حقاً فقدناك، فقداً لا لقاء بعده أبداً».
واجتمع الناس فجلسوا، وهم يضجون وينتظرون أن تخرج الجنازة، فيصلوا عليها)(3)، ولكنها (عليها السلام) كانت قد أوصت بأن تجهّز وتدفن ليلاً.
عتد ذلك خرج أبوذر (رحمه اللّه) إلى الناس وقال: انصرفوا فإن ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 338
قد أخّر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا..
فلما أن هدأت العيون، ومضى شطر من الليل، قام علي (عليه السلام) حسب وصيتها بتكفينها ودفنها، فكفّنها في سبعة أثواب، وحنّطها بفاضل حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم صلّى عليها، وكبّر خمساً، ودفنها في جوف الليل، وعفى قبرها، وسوّى حواليها قبوراً مزورة حتى لا يعرف قبرها(1).
قام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بغُسل الصديقة فاطمة (عليها السلام) من تحت الثياب، فإنها قالت فيما وصته به: «فغسّلني ولا تكشف عني، فإني طاهرة مطهرة، وليصلّ عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى ومن رزق أجري، وادفني ليلاً في قبري، بهذا أخبرني حبيبي رسول اللّه» (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).
وعن المفضل قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : جُعلت فداك من غسّل فاطمة (عليها السلام) ؟ قال: «ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام) ».
قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله، فقال (عليه السلام) : «كأنك ضقت مما أخبرتك به»؟ قلت: قد كان ذلك جُعلت فداك. قال (عليه السلام) : «لاتضيقن، فإنها صديقة لا يُغسّلها إلاّ صدّيق، أما علمت أن مريم (عليها السلام) لم يغسلها إلاّ عيسى (عليه السلام) ..»(3).
وعن محمد بن المنكدر(1): (أن علياً (عليه السلام) كفّن فاطمة في سبعة أثواب)(2).
وفي رواية ورقة قال علي (عليه السلام) : «واللّه لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها، ولم أكشفه عنها فواللّه لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها» الحديث(3).
لم يحضر جنازة فاطمة (عليها السلام) والصلاة عليها إلاّ البعض الخلص من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) .. وقد منعت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في وصيتها أن يحضر جنازتها من ظلمها وخاصة الأول والثاني.
عن علي (عليه السلام) قال: «خلقت الأرض لسبعة، بهم يُرزقون وبهم يمُطرون وبهم يُنصرون: أبو ذر، وسلمان، والمقداد، وعمار، وحذيفة، وعبد اللّه بن مسعود، قال علي (عليه السلام) : وأنا إمامهم.. وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة (عليها السلام) »(4).
وفي الحديث: لما جنّ الليل غسّلها علي (عليهما السلام) ووضعها على السرير، وقال للحسن (عليه السلام) : «ادع لي أبا ذر»، فدعاه فحملاه إلى المصلّى، فصلّى عليها، ثم صلّى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: «هذه بنت نبيك فاطمة، أخرجتَها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلا في ميل»، فلما أرادوا أن يدفنوها
ص: 340
نودوا من بقعة من البقيع: إليّ إليّ، فقد رفع تربتها مني، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها فدفنوها، فجلس علي (عليه السلام) على شفير القبر فقال: «يا أرض استودعتك وديعتي هذه بنت رسول اللّه»، فنودي منها: يا علي أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تهتم، فرجع وانسد القبر واستوى بالأرض، فلم يعلم أين كان - قبرها - إلى يوم القيامة(1).
نقل الفريقان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) دُفنت ليلاً بحسب وصيتها وعفي موضع قبرها، ولم يحضرها ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب ولا غيرهما ممن ظلموها.
روى الحاكم بسنده عن عائشة قالت: (دُفنت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلاً دفنها علي، ولم يشعر بها أبو بكر حتى دُفنت، وصلى عليها علي بن أبي طالب)(2).
وروى ابن سعد في الطبقات عدة روايات عن الزهري وعن عروة وعن الإمام الباقر (عليه السلام) وعن موسى بن علي، وعن عائشة، وعن يحيى بن سعيد: (أن فاطمة (عليها السلام) دُفنت ليلاً)(3).
وروي في الطبقات أيضاً بسنده عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفناها بليل بعد هدأة، قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي»(4).
ص: 341
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (صلّى عليها علي بن أبي طالب وهو الذي غسّلها مع أسماء بنت عميس.. وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا)(1).
وأورد السمهودي في (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) عدة روايات دالة على أن فاطمة (عليها السلام) دفنت ليلاً.
ومنها ما حكاه ابن حجر عن البيهقي أنه قال: (وقد ثبت أن أبا بكر لما يعلم بوفاة فاطمة (عليها السلام) لما في الصحيح من حديث عائشة: أن علياً دفنها ليلاً ولم يُعلم أبا بكر)(2).
وعن الطبري(3) في دلائل الإمامة(4) عن محمد بن همام: (أن علياً (عليه السلام) دفنها بالروضة وعفى موضع قبرها، قال: وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدّدا)(5).
وفي رواية: (دفنها علي (عليه السلام) في قبر في البقيع قد حُفر من قبل، فانسد القبر
ص: 342
واستوى بالأرض فلم يعلم أين كان قبرها إلى يوم القيامة)(1).
وقيل(2):
إنها (صلوات اللّه عليها) دُفنت في الروضة بجوار النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين القبر والمنبر الشريفين..
وقيل(3):
إنها (عليها السلام) دُفنت في بيتها وهو الآن ضمن المسجد النبوي الشريف، وربما كان هذا الرأي أقرب.
عن البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قبر فاطمة (عليها السلام) فقال: «دُفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد»(4).
وقيل: إنها (عليها السلام) دُفنت في موضع من البقيع(5)،
وقيل: غير ذلك(6).
وهكذا حصل الاختلاف في موضع دفنها، ليكون قبرها المجهول إلى يوم القيامة دليلاً على مظلوميتها (عليها السلام) وعدم شرعية من غصب الخلافة.
روي أنه (عليه السلام) قال: «غسّلوها وكفّنوها وحنّطوها وصلّوا عليها ليلاً، ودفنوها بالبقيع، وماتت بعد العصر»(7).
وفي رواية: «فغسّلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يحضرها غيره والحسن والحسين
ص: 342
وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام) وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع في الليل»(1).
وقال الشيخ ابن شهر آشوب: قال الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : (الأصوب أنها مدفونة في دارها أو في الروضة)، ويؤيد قوله قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة»(2).
وقد روى الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة»، لأن قبر فاطمة (عليها السلام) بين قبره ومنبره، وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة(3).
وقال ابن بابويه (رحمه اللّه) : (الصحيح عندي أنها دفنت في بيتها)(4).
وفي الحديث الشريف أنه: «كان بيت فاطمة (عليها السلام) ملاصقاً لبيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه»(5).
وهكذا سوّى أمير المؤمنين (عليه السلام) قبر الصديقة فاطمة (عليها السلام) مع الأرض مستوياً، وسوّى حواليها قبوراً مزورة حتى لا يُعرف قبرها.
ص: 343
فروي أنه رشّ أربعين قبراً حتى لا يبين قبرها من غيره من القبور، فيصلوا عليها(1).
كان دفن الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) ليلاً وفي خفاء كامل، قد أغضب من ظلمها غضباً شديداً، لأنهم أرادوا بمشاركتهم في جنازتها أن يغطوا على ما فعلوه من الظلم تجاهها، ولكن اللّه تعالى فضحهم.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ودَفَنَها ليلاً»(2). أي عليٌ (عليه السلام) فاطمةَ (عليها السلام) .
وعن الأصبغ بن نباتة(3) قال: سُئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن علة دفنه لفاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلاً؟ فقال (عليه السلام) : «إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها»(4).
وعن ابن البطائني عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) لأي علة دُفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل؟ ولم تُدفن بالنهار؟ قال: «لأنها أوصت أن لا يصلي عليها الرجلان الأعرابيان»(5) أي الأول والثاني.
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «فلما انتبهت - فاطمة (عليها السلام) - من
ص: 344
مرقدها صاحت بي، فأتيتها وقلت لها: ما تشكين؟ فخبرتني بخبر الرؤيا(1)،
ثم أخذت عليّ عهداً لله ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنها إذا توفت لا اُعلم أحداً إلاّ أم سلمة زوج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأم أيمن وفضة، ومن الرجال ابنيها وعبد اللّه بن عباس وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر والمقداد وأبو ذر وحذيفة، وقالت: إني أحللتك من أن تراني بعد موتي، فكن مع النسوة فيمن يغسلني، ولا تدفني إلاّ ليلاً، ولا تعلم أحداً قبري»(2).
وروي أن علياً (عليه السلام) دفن فاطمة (عليها السلام) ليلاً وسوّى قبرها، فعوتب على ذلك فقال: «بذلك أمرتني»(3).
قال علي (عليه السلام) : «واللّه لقد أخذت في أمرها، وغسّلتها في قميصها، ولم أكشفه عنها، فواللّه لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنّطتها من فضلة حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديتُ:
يا أم كلثوم.. يا زينب.. يا سكينة.. يا فضة.. يا حسن.. يا حسين.. هلمّوا تزوّدوا من أمكم، فهذا الفراق واللقاء في الجنة.
فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان: وا حسرتا وا حسرة لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمنا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن ويا أم الحسين، إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا».
ص: 345
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إني أشهد اللّه أنها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا واللّه ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب».
قال: «فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء، وأنا أنشد بهذه الأبيات:
فراقك أعظم الأشياء عندي***وفقدك فاطم أدهى الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجوا***على خل مضى أسنى سبيل
ألا يا عين جودي وأسعديني***فحزني دائم أبكي خليلي»
ثم حملها أمير المؤمنين (عليه السلام) على يده وأقبل بها إلى قبر أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونادى: «السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا حبيب اللّه، السلام عليك يا نور اللّه، السلام عليك يا صفوة اللّه، مني السلام عليك، والتحية واصلة مني إليك ومن ولديك، ومن ابنتك النازلة عليك بفنائك، وإن الوديعة قد استُردّت، والرهينة قد اُخذت، فوا حزناه على الرسول، ثم من بعده على البتول، ولقد اسودّت عليّ الغبراء، وبعُدَت عنّي الخضراء، فوا حزناه، ثم وا أسفاه». ثم عدل بها على الروضة فصلى عليها... ثم دفنها ليلاً وعفى موضع قبرها(1).
عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه الحسين (عليه السلام) قال:
«.. فلما نفض علي (عليه السلام) يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال:
السلام عليك يا رسول اللّه مني.. والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة
ص: 346
عينك، وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار اللّه لها سرعة اللحاق بك، قَلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلّدي، إلاّ أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزي، فلقد وسدّتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب اللّه أنعم القبول، {إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}(1).
لقد استُرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء..
يا رسول اللّه أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي، أو يختار اللّه لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهمّ مهيج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى اللّه أشكو، وستُنبؤك ابنتك بتظاهر أمتك عليّ وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول، ويحكم اللّه وهو خير الحاكمين.
سلام عليك يا رسول اللّه، سلام مودع لا سئم ولا قال، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً، وللبثت عنده معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين اللّه تُدفن ابنتك سراً، وتهتضم حقها قهراً، وتمنع إرثها جهراً، ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، فإلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى، وفيك أجمل العزاء، وصلوات اللّه عليك وعليها ورحمة
ص: 347
اللّه وبركاته»(1).
وروي أنه (عليه السلام) لما صار بها (عليها السلام) إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولتها، وانصرف(2). وربما كان ذلك يد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حيث استرجع الوديعة..
بعد أن أتم علي (عليه السلام) دفن الصديقة فاطمة (عليها السلام) ليلاً، وعفّى موضع قبرها كما وصّت بذلك، هاج به الحزن واشتد بكاؤه.. فحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال:«... وستنبّؤك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فاحفّها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول، ويحكم اللّه وهو خير الحاكمين.
والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين، واهاً واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين اللّه تُدفن ابنتك سراً؟ وتهضم حقها؟ وتمنع إرثها؟ ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى وفيك يا رسول اللّه أحسن العزاء، صلى اللّه عليك وعليها، السلام والرضوان(3).
لا زال القبر المجهول للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .. يفضح الظالمين
ص: 348
الذين اغتصبوا الخلافة، فكم من شخص اهتدى إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بعد علمه بما جرى على ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الظلم والجور(1).
ومن هنا يُعلم أن الأعداء لماذا كانوا يصرون على معرفة قبرها، حتى جمعوا بعض نساء المدينة لينبشوا القبور، فمنعهم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ..
روي أن فاطمة (عليها السلام) لما توفيت ولها ثمان عشرة سنة وشهران، وقد أقامت بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً - أو أربعين يوماً - وتولى غُسلها وتكفينها أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخرجها ومعه الحسن والحسين (عليهم السلام) في الليل وصلّوا عليها ولم يعلم بها أحد، ودفنها في البقيع أو في مكان آخر، جدّد أربعين قبراً.
فاشتكل على الناس قبرها، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: إن نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خلّف بنا بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ولا نعرف قبرها فنزورها!
فقال من تولى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور! حتى نجد فاطمة (عليها السلام) فنصلي عليها ونزور قبرها.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه وقد تقلّد سيفه ذا
ص: 348
الفقار حتى بلغ البقيع وقد اجتمعوا فيه، فقال (عليه السلام) : لو نبشتم قبراً من هذه القبور لوضعت السيف فيكم، فتولى القوم عن البقيع(1).
وفي رواية: إن المسلمين لما علموا وفاة الصديقة فاطمة (عليها السلام) وأنها دُفنت في الليل، جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضجّ الناس ولام بعضهم بعضاً وقالوا: لم يخلّف نبيكم فيكم إلاّ بنتاً واحدة تموت وتُدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها..
ثم قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها، فنصلي عليها، ونزور قبرها.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) فخرج مغضباً، قد احمرت عيناه، ودرّت أوداجه، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو متوكئ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، فسار إلى الناس النذيرُ وقالوا: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم باللّه لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآمر.
فتلقاه ابن الخطاب ومن معه من أصحابه وقال له: ما لك يا أبا الحسن، واللّه لننبشن قبرها ولنصلين عليها.
فضرب علي (عليه السلام) بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض وقال له: «يا ابن السوداء، أمّا حقّي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة (عليها السلام) فو الذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم، فإن شئت فأعرض يا عمر».. فتلقاه أبوبكر فقال: يا أبا
ص: 349
الحسن بحق رسول اللّه، وبحق من فوق العرش إلاّ خليت عنه، فإنا غير فاعلين شيئاً تكرهه، قال: فخلّى (عليه السلام) عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك»(1).
رواه أيضاً الطبري في دلائل الإمامة(2) عن محمد بن همام(3).
وقال علي (عليه السلام) في حديث: «.. وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، واللّه لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيتها إليّ فيكما».
فقال ابن الخطاب: دع عنك هذه الهمهمة أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلي عليها! فقال له علي (عليه السلام) : «واللّه لو ذهبت تروم من ذلك شيئاً وعلمت أنك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك فإني كنت لا أعاملك إلاّ بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك».
فوقع بين علي (عليه السلام) وابن الخطاب كلام حتى تلاحيا واستبسل، واجتمع المهاجرون والأنصار قالوا: واللّه ما نرضى بهذا أن يقال في ابن عم رسول اللّه وأخيه ووصيه، وكادت أن تقع فتنة فتفرقا(4).
وهكذا أراد أعداء فاطمة (عليها السلام) والذين قتلوها أن يتظاهروا أمام الناس بأنهم
ص: 350
ندموا مما فعلوا، ليُنسى ما ارتكبوا في حقها من ظلم وجور.. فأقبلوا يعزون علياً (عليه السلام) بوفاة الصديقة (عليها السلام) ويطلبون منه المشاركة في تجهيز ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. لكن الصديقة (عليها السلام) كانت قد أوصت من قبل بأن لايُؤذن لأحد من هؤلاء المنافقين بحضور جنازتها..
قال ابن عباس في حديث: فقُبضت فاطمة (عليها السلام) من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قُبض فيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..
فأقبل أبوبكر وعمر يعزيان علياً (عليه السلام) ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول اللّه.
فلما كان في الليل دعا علي (عليه السلام) : العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً، فتقدم علي (عليه السلام) وصلّى عليها وهم معه، ودفنوها ليلاً.
وفي رواية: (فقدّم العباس فصلى عليها ودفنوها) أي قدم العباسُ علياً (عليه السلام) فصلى علي (عليه السلام) عليها.
فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة (عليها السلام) .. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة!
فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: لم أقل لك إنهم سيفعلون.
قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها.
فقال عمر: واللّه لا تتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبداً!.
إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب واللّه!، لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها!.
فقال علي (عليه السلام) : واللّه لو رمت ذاك يا ابن صهاك لا رجعت إليك يمينك، واللّه لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك، فرم ذلك.
ص: 351
فانكسر عمر وسكت، وعلم أن علياً (عليه السلام) إذا حلف صدق(1).
إن وصية الصديقة فاطمة (عليها السلام) بدفنها ليلاً وإخفاء قبرها وعدم حضور أعدائها جنازتها، كانت ضربة قوية عليهم، تسلب منهم الشرعية، وتثبت للناس أنها (عليها السلام) ماتت وهي غاضبة عليهم، وغضبها غضب اللّه تعالى..
ص: 352
38
أما ما يرتبط بفضائل الصديقة فاطمة (عليها السلام) ومقامها وأحوالها في يوم القيامة فهي كثيرة، منها:
أنها (عليها السلام) تشفع لشيعتها ومحبيها وتلتقطهم واحداً بعد واحد وتدخلهم الجنة.
وأنها (عليها السلام) تزفّ إلى الفردوس على ناقة من نوق الجنة ومعها عشرات الآلاف من الملائكة بل أكثر(1).
وأنها (عليها السلام) تأخذ بقميص ولدها الحسين (عليه السلام) وتصرخ وتبكي حتى يبكي لبكائها جميع الخلق، فيأمر اللّه عزّوجلّ بقتلته ومن رضي بقتله إلى النار.
وأنها (عليها السلام) تطالب بأن يحكم اللّه بينها وبين من ظلمها واغتصب حقها، ومن قَتَل سائر ولدها وذريتها، كالمحسن السقط (عليه السلام) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين قُتلوا بالسم.
ص: 351
إن اللّه عزّوجلّ منح الصديقة فاطمة (عليها السلام) مقاماً عالياً في الشفاعة قليل النظير، فهي تشفع - بإذن اللّه تعالى - لجميع شيعتها ومحبيها، وتُدخلهم الجنة، كما في الروايات.
روي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال في حديث مواقف فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة: «فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سلي تعطي، واشفعي تشفّعي..»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ثم يقول جبرئيل (عليه السلام) : يا فاطمة سلي حاجتك.
فتقولين: يا رب شيعتي، فيقول اللّه عزّ وجلّ: قد غفرتُ لهم.
فتقولين: يا رب شيعة ولدي، فيقول اللّه: قد غفرتُ لهم.
فتقولين: يا رب شيعة شيعتي، فيقول اللّه: انطلقي فمن اعتصم بكِ فهو معكِ في الجنة.
فعند ذلك يودّ الخلائق أنهم كانوا فاطميين، فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين، آمنةً روعاتهم، مستورةً عوراتهم، قد ذهبت عنهم الشدائد، وسُهّلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس وهم لا يظمئون..»(2).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن اللّه تبارك وتعالى أمهر فاطمة (عليها السلام) ربع الدنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار، تُدخل أعداءها النار، وتُدخل أولياءها الجنة..»(3).
ص: 354
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في وصف ابنته الصديقة فاطمة (عليها السلام) : «... تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة، فأيما امرأة صلّت في اليوم والليلة خمس صلوات وصامت شهر رمضان، وحجّت بيت اللّه الحرام، وزكّت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت علياً (عليه السلام) بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة، وإنها سيدة نساء العالمين»(1).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في سبب تسمية ابنته (عليها السلام) بفاطمة: «لأنها فُطمت هي وشيعتها من النار»(2).
وعن محمد بن مسلم الثقفي(3) قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لفاطمة (عليها السلام) وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة (عليها السلام) بين عينيه محبّاً، فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول اللّه عزّوجلّ: صدقت يا فاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك، وأحب ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فأشفعك، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده
ص: 355
وأدخليه الجنة»(1).
أقول: (مؤمناً) أي موالياً لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) .
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (عليها السلام) »(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث: «وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة (عليها السلام) قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور، عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك..»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكّسوا رؤوسكم، وغضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (عليها السلام) على الصراط». قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فتمر ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع»(4).
وروي: «أن آسية بنت مزاحم (عليها السلام) ومريم بنت عمران (عليها السلام) وخديجة (عليها السلام) يمشين أمام فاطمة (عليها السلام) كالحُجّاب لها إلى الجنة»(5).
وعن ابن عباس قال: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتكون أول من تُكسى ويستقبلها من الفردوس اثنى عشر ألف حوراء لم يستقبلن أحداً قبلها ولا أحداً بعدها، على نجائب من ياقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ، عليها رحائل من درّ، على كل
ص: 355
رحالة منها نمرقة من سندس، وركائبها زبرجد، فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس، فيتباشر بها أهل الجنان، وفي بطنان الفردوس قصور بيض وقصور صفر من لؤلؤة من غرز واحد، إن في القصور البيض لسبعين ألف دار منازل محمد وآله (صلوات اللّه عليهم)، وإن في القصور الصفر لسبعين ألف دار مساكن إبراهيم وآله (عليهم السلام) .. فتجلس على كرسي من نور يجلسون حولها، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلى أحد قبلها ولا يبعث إلى أحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرئك السلام، ويقول: سليني أعطك، فتقول: قد أتم عليّ نعمته وهنّأني كرامته وأباحني جنته، أسأله وُلدي وذريتي ومن ودّهم، وحفظهم فيها، فتقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}(1) وأقر عيني.
قال جعفر (عليه السلام) : كان أبي (عليه السلام) يقول: كان ابن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية:
{والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}(2)»(3).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث مواقف فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة:
«فإذا بلغتِ باب الجنة تلقّتك اثنا عشر ألف حوراء لم يتلقين أحداً قبلك ولايتلقين أحداً بعدك، بأيديهم حراب من نور، على نجائب من نور، رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت الأحمر، أزمّتها من لؤلؤ رطب، على كل نجيب نمرقة من سندس منضود، فإذا دخلت الجنة تباشر بك أهلها، ووضع لشيعتك
ص: 356
موائد من جوهر، على عمد من نور، فيأكلون منها والناس في الحساب، {وهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ}(1)»(2).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث مواقف فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة: «وإذا استقر أولياء اللّه في الجنة زاركِ آدم (عليه السلام) ومن دونه من النبيين (عليهم السلام) .. وإن في بطنان الفردوس لؤلؤتان من عرق واحد، لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء، فيهما قصور ودور في كل واحدة سبعون ألف دار، فالبيضاء منازل لنا ولشيعتنا، والصفراء منازل لإبراهيم وآل إبراهيم صلوات اللّه عليهم أجمعين»(3).
عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قالت فاطمة (عليها السلام) لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم، ويوم الأهوال، ويوم الفزع الأكبر»؟
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة عند باب الجنة، ومعي لواء الحمد لله، وأنا الشفيع لأمتي إلى ربّي». قالت: «يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك»؟
قال: «القيني على الحوض وأنا أسقي أمتي».
قالت: «يا أبتاه فإن لم ألقك هناك»؟
قال: «القيني على الصراط وأنا قائم أقول: رب سلّم أمتي».
قالت: «فإن لم ألقك هناك»؟
ص: 356
قال: «القيني وأنا عند الميزان أقول: رب سلّم أمتي».
قالت: «فإن لم ألقك هناك»؟
قال: «القيني عند شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أمتي». فاستبشرت فاطمة (عليها السلام) بذلك صلى اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها»(1).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم على فاطمة (عليها السلام) وهي حزينة، فقال لها: ما حزنك يا بنية؟
قالت: يا أبة ذكرتُ المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة..
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا بنية إنه ليوم عظيم، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن اللّه عزّوجلّ أنه قال: أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي إبراهيم (عليه السلام) ، ثم بعلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم يبعث اللّه إليكِ جبرئيل في سبعين ألف ملك، فيضرب على قبرك سبع قباب من نور، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور، فيقف عند رأسك فيناديك: يا فاطمة بنت محمد قومي إلى محشرك، فتقومين آمنةً روعتك، مستورة عورتك، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها، ويأتيك روفائيل(2) بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محفة من ذهب، فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك، بأيديهم ألوية التسبيح، فإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور، يسطع منها ريح العود من غير نار،
ص: 358
وعليهن أكاليل الجوهر المرصع بالزبرجد الأخضر، فيسرن عن يمينك..
فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقيتك، إلى أن استقبلتك مريم بنت عمران (عليها السلام) في مثل من معك من الحور، فتسلم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك أمك خديجة بنت خويلد (عليها السلام) أول المؤمنات باللّه ورسوله، ومعها سبعون ألف ملك، بأيديهم ألوية التكبير.
فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء (عليها السلام) في سبعين ألف حوراء، ومعها آسية بنت مزاحم، فتسير هي ومن معها معك، فإذا توسطت الجمع وذلك أن اللّه يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الأقدام.
ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد ومن معها، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل الرحمن (صلوات اللّه وسلامه عليه) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) .. ويطلب آدم حواء فيراها مع أمك خديجة أمامك..
ثم ينصب لك منبر من النور فيه سبع مراقٍ، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة، بأيديهم ألوية النور، وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء معك عن يسارك حواء وآسية بنت مزاحم..»(1).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث عن يوم القيامة: «إن فاطمة (عليها السلام) في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة، مدبجة الجنبين، واضحة الخدين، شهلاء العينين، رأسها من الذهب المصفى، وأعناقها من المسك والعنبر، خطامها من الزبرجد الأخضر،
ص: 359
رحائلها مفضضة بالجوهر، على الناقة هودج غشاوته من نور اللّه، وحشوها من رحمة اللّه، خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا، يحف بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح والتمجيد والتهليل والتكبير والثناء على رب العالمين، ثم ينادي مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة غضوا أبصاركم، فهذه فاطمة بنت محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تمرّ على الصراط، فتمرّ فاطمة (عليها السلام) وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف، قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ويُلقى أعداؤها وأعداء ذريتها في جهنم»(1).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة (عليها السلام) على ناقة من نوق الجنة، مدبجة الجنبين، خطامها من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو اللّه، وخارجها رحمة اللّه، وعلى رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كل ركن مرصع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في أفق السماء.
وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل (عليه السلام) آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد، فلا بقى يومئذ نبي مرسل ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلاّ غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة. فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزخ بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني.. اللّهم احكم بيني وبين من قتل وُلدي.
ص: 360
فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي واشفعي تشفعي، فو عزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم.
فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحب ذريتي.
فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبو ذريتها؟ فيقومون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة (عليها السلام) حتى تدخلهم الجنة»(1).
يستفاد من الروايات الشريفة أن أكبر مجلس عزاء للإمام الحسين (عليه السلام) سيعقد يوم القيامة ويحضره جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة بما فيهم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، وذلك لمّا ترى يومذاك الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) رأس ولدها الحسين (عليه السلام) المقطوع وجسده المضرج بالدماء.. فتبكي وتصرخ وتقول: ووالداه.. فيضج جميع الخلق بالبكاء والنحيب...
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يمثل لفاطمة (عليها السلام) رأس الحسين (عليه السلام) متشخطاً بدمه، فتصيح وا ولداه، وا ثمرة فؤاداه، فتصيح الملائكة لصيحة فاطمة (عليها السلام) وينادي أهل القيامة: قتل اللّه قاتل ولدك يا فاطمة.
قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه»(2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «تحشر ابنتي فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل احكم بيني وبين
ص: 361
قاتل ولدي». قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فيحكم اللّه تعالى لابنتي ورب الكعبة، وإن اللّه عزّوجلّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث يبين فيها مقام فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة:
«...أتاكِ جبرئيل (عليه السلام) فيقول لك: يا فاطمة سلي حاجتك، فتقولين: يا رب أرني الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فيأتيانك وأوداج الحسين (عليه السلام) تشخب دماً، وهو يقول: يا رب خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ثم يخرج فوج من النار فيلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم،ويقولون: يا رب إنا لم نحضر الحسين، فيقول اللّه لزبانية جهنم:خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار، فإنهم كانوا أشد على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه..»(2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة (صلوات اللّه عليها) في لمة من نسائها، فيقال لها: ادخلي الجنة فتقول: لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي؟ فيقال لها: انظري.
فتنظر إلى الحسين (صلوات اللّه عليه) قائماً وليس عليه رأس، فتصرخ (عليها السلام) صرخة، وأصرخ لصراخها، وتصرخ الملائكة لصراخنا، فتنادي: يا ولداه، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فيغضب اللّه عزّ وجلّ لنا، عند ذلك فيأمر ناراً اسمها: هبهب، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، لا يدخلها روح أبداً ولا يخرج منها غم
ص: 362
أبداً،فيقال لها: التقطي قتلة الحسين (صلوات اللّه عليه) وحملة القرآن(1) فتلتقطهم، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها، فينطقون بألسن ذلقة: يا ربنا بما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟، فيأتيهم الجواب: إن من علم ليس كمن لا يعلم..»(2).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين والآخرين في صعيد واحد... فتأتي فاطمة (عليها السلام) على نجيب من نجب الجنة يشيعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي (عليه السلام) بيدها مضمخاً بدمه، وتقول: يا رب هذا قميص ولدي وقد علمتَ ما صنع به.
فيأتيها النداء من قبل اللّه عزّ وجلّ: يا فاطمة لك عندي الرضا.
فتقول: يا رب انتصر لي من قاتله، فيأمر اللّه تعالى عُنُقاً(3)
من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي (عليه السلام) كما يلتقط الطير الحب، ثم يعود العنق بهم إلى النار، فيعذبون فيها بأنواع العذاب. ثم تركب فاطمة (عليها السلام) نجيبها حتى تدخل الجنة، ومعها الملائكة المشيعون لها، وذريتها بين يديها، وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها»(4).
عن الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام)
ص: 363
لفاطمة (عليها السلام) : «سألتِ أباك فيما سألت أين تلقينه يوم القيامة؟
قالت: نعم، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي: اطلبيني عند الحوض. قلت: إن لم أجدك هاهنا؟ قال: تجديني إذاً مستظلاً بعرش ربي، ولن يستظل به غيري.
قالت فاطمة (عليها السلام) : فقلت: يا أبة أهل الدنيا يوم القيامة عراة؟
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نعم يا بنية. فقلت له: وأنا عريانة؟
قال: نعم، وأنت عريانة، وإنه لا يلتفت فيه أحد إلى أحد.
قالت فاطمة (عليها السلام) : فقلت له: وا سوأتاه يومئذ من اللّه عزّ وجلّ.
فما خرجتُ حتى قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي: هبط عليّ جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام) ، فقال لي: يا محمد أقرئ فاطمة السلام،وأعلمها أنها استحيت من اللّه تبارك وتعالى، فاستحى اللّه منها، فقد وعدها أن يكسوها يوم القيامة حلتين من نور.
قال علي (عليه السلام) : فقلت لها: فهلا سألتيه عن ابن عمك؟
فقالت: قد فعلت، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن علياً أكرم على اللّه عزّوجلّ من أن يعريه يوم القيامة»(1).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال جابر لأبي جعفر (عليه السلام) : جُعلت فداك يا ابن رسول اللّه حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة (عليها السلام) إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك. قال أبو جعفر (عليه السلام) : حدثني أبي (عليه السلام) عن جدي (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:
«إذا كان يوم القيامة نُصب للأنبياء والرسل (عليهم السلام) منابر من نور، فيكون منبري
ص: 364
أعلى منابرهم يوم القيامة، ثم يقول اللّه: يا محمد اخطب.
فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم يُنصب للأوصياء منابر من نور ويُنصب لوصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أوساطهم منبر من نور، فيكون منبره أعلى منابرهم، ثم يقول اللّه: يا علي اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.
ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابنيّ وسبطيّ وريحانتي أيام حياتي منبر من نور، ثم يقال لهما: اخطبا، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.
ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل (عليه السلام) : أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن، فيقول اللّه تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟
فيقول محمد وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) : لله الواحد القهار.
فيقول اللّه تعالى: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) ، يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس، وغضّوا الأبصار، فإن هذه فاطمة (عليها السلام) تسير إلى الجنة، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ الرطب، عليها رحل من المرجان، فتناخ بين يديها، فتركبها، فيبعث اللّه إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا على يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيروها على باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول اللّه: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟
فتقول: يا رب أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم.
ص: 365
فيقول اللّه: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة.
قال أبو جعفر (عليه السلام) : واللّه يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي اللّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا فيقول اللّه عزّوجلّ: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة (عليها السلام) بنت حبيبي؟
فيقولون: يا رب أحببنا أن يُعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.
فيقول اللّه: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحُبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة (عليها السلام) ، خذوا بيده وأدخلوه الجنة.
قال أبو جعفر (عليه السلام) : واللّه لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال اللّه تعالى: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ * ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}(1) فيقولون: {فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(2)، قال أبو جعفر (عليه السلام) : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا {ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ}(3)»(4).
وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) برواية ابن عباس أنه قال: «لن يركب يومئذ إلاّ أربعة: أنا وعلي وفاطمة وصالح نبي اللّه، فأما أنا فعلى البراق، وأما فاطمة ابنتي فعلى
ص: 366
ناقتي العضباء..»(1).
وعن ابن عباس في حديث عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «... فيقول اللّه عزّوجلّ: صدقتِ يا فاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبكِ وتولاكِ وأحب ذريتكِ وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعكِ، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفكِ مني ومكانتكِ عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة»(2).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أول شخص تدخل الجنة فاطمة»(3).
وعن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: حدثتني فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ألا أبشرك؟ إذا أراد اللّه أن يتحف زوجة وليه في الجنة بعث إليكِ، تبعثين إليها من حليك»(4).
عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إن اللّه تعالى لما أمرني
ص: 367
أن أزوّج فاطمة من علي (عليهما السلام) ففعلت، فقال لي جبرئيل: إن اللّه تعالى بنى جنة من لؤلؤة، بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب، وجعل سقوفها زبرجداً أخضر، وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، ثم جعل غرفها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ولبنة من درّ، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، ثم جعل فيها عيوناً تنبع من نواحيها، وحفّت بالأنهار، وجعل على الأنهار قباباً من درّ، قد شعبت بسلاسل الذهب، وحفت بأنواع الشجر، وبنى في كل غصن قبة، وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء، غشاؤها السندس والإستبرق، وفرش أرضها بالزعفران، وفتق بالمسك والعنبر، وجعل في كل قبة حوراء، والقبة لها مائة باب، على كل باب جاريتان وشجرتان، في كل قبة مفرش وكتاب، مكتوب حول القباب آية الكرسي.
فقلت: يا جبرئيل لمن بنى اللّه هذه الجنة؟
قال: بناها لعلي بن أبي طالب وفاطمة ابنتك (عليهما السلام) سوى جنانهما، تحفة أتحفهما اللّه ولتقر بذلك عينك يا رسول اللّه»(1).
وعن ابن عباس، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «لما أسري بي ودخلت الجنة بلغت إلى قصر فاطمة، فرأيت سبعين قصراً من مرجانة حمراء مكللة باللؤلؤ، أبوابها وحيطانها وأسرتها من عرق واحد»(2).
ص:1
إن اللّه عزّ وجلّ زيّن عرشه وكرسيه وجنانه وسماواته باسم الصديقة فاطمة (عليها السلام) وأبيها وبعلها وبنيها (صلوات اللّه عليهم أجمعين).
عن ابن عباس عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «لما عُرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه، علي ولي اللّه، والحسن والحسين سبطا رسول اللّه، وفاطمة الزهراء صفوة اللّه، على ناكرهم وباغضهم لعنة اللّه تعالى»(1).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «بينما أهل الجنة في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يُعذّبون، إذا لأهل الجنة نور ساطع، فيقول بعضهم لبعض: ما هذا النور؟
لعلّ رب العزة اطلع فنظر إلينا، فيقول لهم رضوان: لا ولكن علي (عليه السلام) مازح فاطمة (عليها السلام) فتبسمت فأضاء ذلك النور من ثناياها»(2).
ص: 369
39
من المستحب تعظيم الشعائر الفاطمية بمختلف أقسامها، ومنها: نشر علومها (عليها السلام) وتعليم سيرتها وتعلّمها، واتخاذها (عليها السلام) أسوة في مختلف مجالات الحياة، وكذلك تأليف وطبع ونشر الكتب والنشرات وتأسيس الإذعات والفضائيات(1)
وغيرها من وسائل الإعلام باسمها المبارك والتي تقوم ببيان فضائلها وتاريخها وظلامتها (صلوات اللّه عليها).
وكذلك إقامة مجالس العزاء والمواكب في أيام الفاطمية الأولى والثانية والثالثة(2)، والبكاء لمصابها، فإنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والحسنين (عليهما السلام) وسائر الأئمة (عليهم السلام) بكوا على مصابها.. وهم أسوة لنا.
ص: 370
عن عبد اللّه بن العباس قال:
لما حضرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوفاة بكى حتى بلّت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول اللّه ما يبكيك؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأنّي بفاطمة (عليها السلام) بنتي وقد ظُلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه، يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي!»(1).
ومن شعائرها: إقامة مجالس الفرح والمهرجانات في مولدها الشريف(2)، وفي عيد الزهراء (عليها السلام) يوم التاسع من ربيع الأول عيد البراءة من أعدائها.
ومن شعائرها: إنشاء الإشعار والقصائد وإنشادها في مدحها(3) ورثائها(4).
ومنها: الصلوات عليها وعلى أبنائها الطاهرين (عليهم السلام) ، واللعن على أعدائها
ص: 371
وأعدائهم.
ومنها: إكرام ذريتها محبةً لها.
ومنها: زيارة قبور أولادها الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وذراريهم الطاهرين.
ومن شعائرها: انتظار فرج ولدها الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) والدعاء لتعجيل فرجه المبارك، والعمل بما يقتضيه الانتظار.
إلى غير ذلك من مصاديق تعظيم الشعائر الفاطمية المقدسة.
أول من رثا الصديقة فاطمة (عليها السلام) هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فقد روي أنه (عليه السلام) لما واراها وألحدها في لحدها قال:
أرى علل الدنيا عليّ كثيرة***وصاحبها حتى الممات عليل
لكل اجتماع من خليلين فرقة***وإن بقائي عندكم لقليل
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل(1)
وفي رواية قال (عليه السلام) :
ذكرت أبا ودي فبت كأنني***بردّ الهموم الماضيات وكيل
لكل اجتماع من خليلين فرقة***وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل
فأجاب هاتف:
يريد الفتى أن لا يموت خليله***وليس له إلاّ الممات سبيل
فلابدّ من موت ولابد من بلى***وإن بقائي عندكم لقليل
إذا انقطعت يوما من العيش مدتي***فإن بكاء الباكيات قليل
ص: 372
ستعرض عن ذكري وتنسى مودتي***ويحدث بعدي للخليل بديل(1)
ولما ماتت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مظلومة شهيدة، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يرثيها ويبكي عليها، ويقول:
نفسي على زفراتها محبوسة***يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنما***أخشى مخافة أن تطول حياتي(2)
وكان فيما أنشده علي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رثائها (صلوات اللّه عليها):
ألا هل إلى طول الحياة سبيل***وأنى وهذا الموت ليس يحول
وإني وإن أصبحت بالموت موقناً***فلي أمل من دون ذاك طويل
وللدهر ألوان تروح وتغتدي***وإنّ نفوساً بينهن تسيل
ومنزل حق لا معرج دونه***لكل امرئ منها إليه سبيل
قطعت بأيام التعزز ذكره***وكل عزيز ما هناك ذليل
أرى علل الدنيا عليّ كثيرة***وصاحبها حتى الممات عليل
وإني لمشتاق إلى من أحبه***فهل لي إلى من قد هويت سبيل
وإني وإن شطّت بي الدار نازحا***وقد مات قبلي بالفراق جميل
فقد قال في الأمثال في البين قائل***أضرّ به يوم الفراق رحيل
لكل اجتماع من خليلين فرقة***وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل
ص: 373
وكيف هنأك العيش من بعد فقدهم***لعمرك شي ء ما إليه سبيل
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي***ويظهر بعدي للخليل عديل
وليس خليلي بالملول ولا الذي***إذا غبت يرضاه سواي بديل
ولكن خليلي من يدوم وصاله***ويحفظ سري قلبه ودخيل
إذا انقطعت يوماً من العيش مدتي***فإن بكاء الباكيات قليل
يريد الفتى أن لا يموت حبيبه***وليس إلى ما يبتغيه سبيل
وليس جليلا رزء مال وفقده***ولكن رزء الأكرمين جليل
لذلك جنبي لا يؤاتيه مضجع***وفي القلب من حر الفراق غليل(1)
لذلك جنبي لا يؤاتيه مضجع***وفي القلب من حر الفراق غليل(2)
وقال علي (عليه السلام) في رحيلها (عليها السلام) :
حبيب ليس يعدله حبيب***وما لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن عيني وجسمي***وعن قلبي حبيبي لا يغيب(3)
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لماّ وقف على قبرها (عليها السلام) :
ما لي وقفت على القبور مسلّماً***قبر الحبيب فلم يرد جوابي
أحبيب مالك لا ترد جوابنا***أنسيت بعدي خلة الأحباب
فقال (عليه السلام) في جواب نفسه:
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم***وأنا رهين جنادل وتراب
أكل التراب محاسني فنسيتكم***وحجبت عن أهلي وعن أترابي
ص: 374
فعليكم مني السلام تقطعت***عني وعنكم خلة الأحباب(1)
الجزع في مصاب أهل البيت (عليهم السلام) راجح، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجزع في مصاب الصديقة فاطمة (عليها السلام) ..
في الحديث عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بدو مرض فاطمة (عليها السلام) بعد خمسين ليلة من وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعلمت أنها الوفاة، فاجتمعت لذلك تأمر علياً (عليه السلام) بأمرها وتوصيه بوصيتها، وتعهد إليه عهودها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يجزع لذلك، الحديث»(2).
وفي أحوال الإمام الباقر (عليه السلام) أنه إذا وعك استعان بالماء البارد، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار: يا فاطمة بنت محمد (عليها السلام) .
قال المحدث القمي (رحمه اللّه) في كتابه (بيت الأحزان) بعد أن نقل هذا الخبر: قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (لعل النداء كان استشفاعا بها صلوات اللّه عليها للشفاء)، أقول(3): (إني أحتمل قوياً كما أنه أثّر الحمى في جسده اللطيف، كذلك أثر كتمان حزنه على أمه المظلومة في قلبه الشريف، فكما أنه يطفي حرارة جسده بالماء يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيدة النساء (عليها السلام) ، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفس الصعداء فإن تأثير مصيبتها صلوات اللّه عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) آلم من حزّ الشفار وأحرّ من جمرة النار)(4).
ص: 375
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) حينما يذكر فاطمة (عليها السلام) يتغير لونه ويتأوه، فعن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد اللّه قالا: أتى رجل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال له: يرحمك اللّه، هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال: فتغير لون أبي عبداللّه (عليه السلام) من ذلك واستوى جالساً، ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة، ثم ساق الإمام (عليه السلام) حديثاً طويل يذكر فيه أحوال الزهراء (عليها السلام) في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعده(1).
وعن السكوني قال: دخلت على أبي عبداللّه (عليه السلام) وأنا مغموم مكروب، فقال (عليه السلام) لي: «يا سكوني مما غمك»؟ قلت: ولدت لي ابنة، فقال (عليه السلام) : «يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى اللّه رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك»، فسرى واللّه عني، فقال لي: «ما سميتها»؟ قلت: فاطمة، قال (عليه السلام) : «آه، آه، ثم وضع يده على جبهته.. أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولاتلعنها، ولا تضربها»(2).
وعن أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) : «لما حضرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوفاة دعا الأنصار، وقال: يا معاشر الأنصار قد حان الفراق.. واللّه يا معاشر الأنصار ألا فاسمعوا.. ألا إن باب فاطمة بابي وبيتها بيتي فمن هتكه هتك حجاب اللّه، قال الراوي(3): فبكى أبو الحسن صلوات اللّه عليه طويلاً وقطع عنه بقية الحديث وأكثر البكاء وقال (عليه السلام) : هُتك حجاب اللّه، هُتك واللّه حجاب اللّه، هُتك واللّه
ص: 375
حجاب اللّه، يا أماه صلوات اللّه عليها(1).
وعن زكريا بن آدم قال: إني لعند الرضا (عليه السلام) إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) وسنّه أقل من أربع سنين، فضرب بيده على الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا (عليه السلام) : بنفسي أنت، لم طال فكرك؟ فقال (عليه السلام) : فيما صُنع بأمي فاطمة (عليه السلام) ، أما واللّه لأخرجنهما ثم لأحرقنهما، ثم لأذرينهما، ثم لأنسفنهما في اليم نسفاً، فاستدناه، وقبّل ما بين عينيه، ثم قال (عليه السلام) : بأبي أنت وأمي، أنت لها. يعني الإمامة(2).
من الشعائر الفاطمية لعن ظالمي الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، وكان على ذلك سيرة أهل البيت (عليهم السلام) ..
في تفسير القمي، في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً}(3) قال: نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه وأخذ حق فاطمة (عليها السلام) وآذاها، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، وهو قول اللّه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ} الآية»(4).
ص: 375
وهذه الآيات الشريفة تدل على جواز لعن من ظلم الصديقة فاطمة (عليها السلام) وغصب فدك وآذاها، وكل من غضبت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
وعن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذى اللّه لعنه اللّه مل ء السماوات والأرض»(1).
وعن الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخلت الجنة فرأيت على بابها مكتوباً بالذهب: لا إله إلا اللّه، محمد حبيب اللّه، علي بن أبي طالب ولي اللّه، فاطمة آية اللّه، الحسن والحسين صفوتا اللّه، على مبغضيهم لعنة اللّه»(2).
وفي رواية سلمان قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا سلمان من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار.. ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب اللّه عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً وويل لمن يظلم شيعتها وذريتها»(3).
وعن عبد اللّه بن عباس في حديث طويل: ثم أقبل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على ابنته فقال: «إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً حتى تُضربي ويُكسر ضلع من أضلاعك، لعن اللّه قاتلك ولعن الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك»(4).
ص: 377
وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «قال جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها».
ثم قال: «يا فاطمة البشرى، فلك عند اللّه مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين. يا فاطمة، لو أن كل نبي بعثه اللّه، وكل ملك قرّبه شفعوا في كل مبغض لك غاصب لك، ما أخرجه اللّه من النار أبداً»(1).
وفي خبر الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «وحب أولياء اللّه والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد (عليهم السلام) وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك، ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهمّوا بإحراق بيتها، وأسسوا الظلم وغيّروا سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..»(2).
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «لما كانت الليلة التي قُبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في صبيحتها دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليه وعليهم الباب.. قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام) : فما لبث أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يبكي ويجود بنفسه، فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي:... إنما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه - أي فاطمة (عليها السلام) - أن تضيع بعدي فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد أستودعكم اللّه، وقبلكم مني وديعة يا علي، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمها إليه وقبل
ص: 378
رأسها، وقال: فداك أبوك يا فاطمة، فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه، وقال: أما واللّه لينتقمن اللّه ربي، وليغضبن لغضبك فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين..»(1).
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: «فرفع (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رأسه إليهم ويدها في يده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوضعها في يد علي (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة اللّه ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ اللّه واحفظني فيها.. واعلم يا علي، أني راض عمن رضيَتْ عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته: يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها، اللّهم إني منهم برئ، وهم مني براء.
ثم سماهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وضمّ فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال: اللّهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار، ثم واللّه يا فاطمة لا أرضى حتى ترضي، ثم لا واللّه لا أرضى حتى ترضي، ثم لا واللّه لا أرضى حتى ترضي»(2).
إلى غير ذلك من الروايات الشريفة الواردة في لعن أعدائها.
من أكثر المستحبات الشرعية ثواباً: زيارة قبور الأنبياء والأولياء المعصومين (عليهم السلام) .. وبما أن قبر الصديقة فاطمة (عليها السلام) مجهول فتُزار في المدينة المنورة في البقيع أو في
ص: 379
الروضة النبوية الشريفة، وربما في مكان آخر(1)، وفي ذلك عظيم الأجر والثواب.
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث العِقد المبارك وهو يبين بعض فضائل ابنته فاطمة (عليها السلام) : «ألا وأزيدكم من فضلها؟ إن اللّه قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها وهم معها في حياتها وعند قبرها وعند موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة (عليها السلام) فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكأنما زار فاطمة (عليها السلام) ، ومن زار الحسن والحسين (عليها السلام) فكأنما زار علياً (عليه السلام) ، ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما»(2).
وروى يزيد بن عبدالملك عن أبيه عن جده(3)، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) فبدأتني بالسلام، ثم قالت: «ما غدا بك»؟
قلت: طلب البركة، قالت: «أخبرني أبي وهو ذا: أنه من سلّم عليه وعليّ ثلاثة أيام أوجب اللّه له الجنة».
قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: «نعم، وبعد موتنا»(4).
ص: 380
وعن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن محمد العريضي، قال: حدثنا أبو جعفر (عليه السلام) ذات يوم قال: «إذا صرت إلى قبر جدتك فاطمة (عليها السلام) ، فقل: يا ممتحنةُ امتحنكِ الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة، وزعمنا أنّا لكِ أولياء ومصدّقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأتانا به وصيه، فإنا نسألكِ إن كنّا صدقناك إلاّ ألحقتنا بتصديقنا لهما بالبشرى لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك»(1).
وروي أن من زار الصديقة الزهراء (عليها السلام) بهذه الزيارة واستغفر اللّه، غفر اللّه له وأدخله الجنة، وهي أن تقول:
«السلام عليكِ يا سيدة نساء العالمين، السلام عليكِ يا والدة الحجج على الناس أجمعين، السلام عليكِ أيتها المظلومة الممنوعة حقها».
ثم قل: «اللّهم صلّ على أمَتك وابنة نبيك وزوجة وصي نبيك، صلاةً تُزلفها فوق زُلفَى عبادك المكرمين من أهل السماوات وأهل الأرضين»(2).
وروي أنه إذا أردت زيارتها (عليها السلام) فقف بالروضة، وقل: «السلام عليك يا رسول اللّه، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليكِ يا فاطمة بنت رسول اللّه، يا سيدة نساء العالمين، أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن اللّه مانعَكِ إرثَك، ودافعَكِ عن حقك، والرادَ عليك قولَكِ، لعن اللّه أشياعَهم وأتباعَهم وألحقهم بدرك الجحيم، صلى اللّه عليكِ وعلى أبيكِ وبعلكِ ووُلدكِ الأئمة الراشدين وعليهم السلام ورحمة اللّه وبركاته»(3).
وذكر السيد ابن طاووس (رحمه اللّه) زيارة مولاتنا فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليها)
ص: 381
في يوم مولدها، تقول:
«السلام عليكِ يا بنتَ رسول اللّه، السلام عليكِ يا بنت نبي اللّه، السلام عليكِ يا بنتَ حبيب اللّه، السلام عليكِ يا بنتَ خليلِ اللّه، السلام عليكِ يا بنت أمين اللّه، السلام عليكِ يا بنتَ خير خلق اللّه، السلام عليكِ يا بنت أفضل أنبياء اللّه. السلام عليكِ يا بنتَ خيرِ البرية، السلام عليكِ يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. السلام عليكِ يا زوجة ولي اللّه وخيرِ خلقه بعد رسول اللّه، السلام عليكِ يا اُمّ الحسن والحسين سيدَي شباب أهل الجنة، السلام عليكِ يا اُم المؤمنين، السلام عليكِ أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليكِ أيتها الرضية المرضية. السلام عليكِ أيتها الصادقة الرشيدة، السلام عليكِ أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليكِ أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليكِ أيتها التقية النقية، السلام عليكِ أيتها المحدثة العليمة، السلام عليكِ أيتها المعصومة المظلومة. السلام عليكِ أيتها الطاهرة المطهرة، السلام عليكِ أيتها المضطهدة المغصوبة، السلام عليكِ أيتها الغراء الزهراء، السلام عليكِ يا فاطمة بنت محمد رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته. صلى اللّه عليكِ يا مولاتي وابنة مولاي وعلى روحك وبدنك. أشهد أنكِ مضيت على بينة من ربكِ، وأن من سرّكِ فقد سرّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن جفاكِ فقد جفا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن آذاكِ فقد آذى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن وصلكِ فقد وصل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،ومن قطعكِ فقد قطع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام. اُشهد اللّه وملائكته أني راضٍ عمن رضيت عنه، وساخط على من سخطت عليه، ولي لمن والاك، عدو لمن عاداك، وحرب لمن حاربك، أنا يا مولاتي بك وبأبيك وبعلك والأئمة من ولدك موقن، وبولايتهم مؤمن، وبطاعتهم ملتزم،
ص: 382
أشهد أن الدينَ دينُهم، والحكمَ حكمُهم، وأنهم قد بلّغوا عن اللّه عزوجل ودعوا إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، لا تأخذهم في اللّه لومة لائم، وصلوات اللّه عليكِ وعلى أبيك وبعلك وذريتك الأئمة الطاهرين. اللّهم صلّ على محمد وأهل بيته، وصلّ على البتول الطاهرة، الصديقة المعصومة، التقية النقية، الرضية المرضية، الزكية الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقها، الممنوعة إرثها، المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت رسول اللّه، وبضعةِ لحمه، وصميمِ قلبه، وفلذةِ كبده، والنخبةِ منك له، والتحفةِ خصصت بها وصيه، حبيبةِ المصطفى وقرينةِ المرتضى، وسيدةِ النساء ومبشرةِ الأولياء، حليفةِ الورع والزهد، وتفاحةِ الفردوس والخلد، التي شرفت مولدها بنساء الجنة، وسللت منها أنوار الأئمة، وأرخيت دونها حجاب النبوة. اللّهم صلّ عليها صلاةً تزيد في محلها عندك وشرفها لديك ومنزلتها من رضاك، وبلغها منا تحية وسلاماً، وآتنا من لدنك في حبها فضلاً وإحساناً ورحمةً وغفراناً، إنك ذو الفضل الكريم».
ثم تصلي صلاة الزيارة، وإن استطعت أن تصلي صلاتها صلى اللّه عليها فافعل، وهي ركعتان تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وستين مرة{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فإن لم تستطع فصلّ ركعتين بالحمد وسورة الإخلاص، والحمد و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، فإذا سلمت قلت:
«اللّهم إني أتوجه إليك بنبينا محمد وبأهل بيته صلواتك عليهم، وأسألك بحقك العظيم عليهم، الذي لا يعلم كنهَهُ سواك، وأسألك بحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى التي أمرتني أن أدعوك بها. وأسألك باسمك الأعظم الذي أمرت به إبراهيم أن يدعو به الطير فأجابته، وباسمك العظيم الذي قلت للنار:
ص: 383
{كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فكانت برداً، وبأحب الأسماء إليك وأشرفها وأعظمها لديك، وأسرعها إجابةً وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه، وأتوسل إليك وأرغب إليك وأتضرع إليك وألح عليك. وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم، من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم، فإن فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى، أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفرج عن محمد وآل محمد وشيعتهم ومحبيهم وعني، وتفتح أبواب السماء لدعائي وترفعه في عليين، وتأذن في هذا اليوم وفي هذه الساعة بفرجي وإعطاء أملي وسؤلي في الدنيا والآخرة. يا من لايعلم أحد كيف هو وقدرته إلاّ هو، يا من سدّ الهواء بالسماء، وكبس الأرض على الماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمى نفسه بالاسم الذي يقضى به حاجة من يدعوه. أسألك بحق ذلك الاسم فلا شفيع أقوى لي منه، أن تصلي على محمد وآل محمد وتقضي لي حوائجي، وتسمع بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة المنتظر لأذنك، صلواتك وسلامك ورحمتك وبركاتك عليهم، صوتي، ليشفعوا لي إليك وتشفعهم في، ولا تردني خائباً، بحق لا إله إلاّ أنت».
وتسأل حوائجك تُقضى إن شاء اللّه تعالى(1).
يستحب الصلاة على الصديقة فاطمة (عليها السلام) بأن يقول مثلاً:
ص: 383
«اللّهم صَلّ عَلَى فاطمةَ وأبيها وبَعْلِهَا وَبَنِيهَا عَدَدَ مَا أحاطَ بِهِ عِلْمُكَ»(1).
وفي مصباح المتهجد(2): (اللّهم صَلّ عَلَى الصدّيقةِ فاطمةَ الزكيةِ، حبيبةِ حبيبك ونبيك، وأم أحبائك وأصفيائك، التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء
ص: 384
العالمين. اللّهم كن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها، وكن الثائر اللّهم بدم أولادها، اللّهم وكما جعلتَهَا أمّ أئمةِ الهُدى وحليلةَ صاحب اللواء والكريمةَ عند الملأ العلى، فَصَلّ عليها وعلى أمّها خديجة الكبرى صلاةً تُكرم بها وجهَ أبيها محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتُقرّ بها أعين ذريتها، وأبلغهم عني في هذه الساعة أفضل التحية والسلام)(1).
وفي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) :
«.. اللّهمّ صَلّ على فاطمةَ بنتِ نبيّك، وزوجِ وليك، وأمِ السبطين الحسن والحسين، الطاهرة المطهّرة، الصديقة الزكية، سيدة نساء أهل الجنة أجمعين، صلاة لايقوى على إحصائها غيرك..»(2).
وقد روي عن علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) قالت:
قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة من صلّى عليك غفر اللّه له، وألحقه بي حيث كنت من الجنة»(3).
بالبتول (عليها السلام) ) وهي:
تصلي ركعتين، ثم تسجد وتقول: (يا فاطمة) مائة مرة، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مثل ذلك، وتضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مثله، ثم تسجد وتقول ذلك مائة مرة وعشر دفعات، وتقول: يَا آمِناً مِن كُلّ شَيء، وكُلُّ شَيءٍ منك خائفٌ حَذِر، أسألك بأمْنِكَ من كلّ شيء وخوفِ كلّ شيءٍ منك، أن تُصَلّي عَلَى محمدٍ وآلِ محمد وأن تعطيَني أمَاناً لنفسي وأهلي ومالي ووُلدي حتى لا أخاف أحَداً ولا أحْذَر من شَيءٍ أبَدَاً إنّك عَلَى كُلّ شيء قدير)(1).
وفي أحوال الإمام الباقر (عليه السلام) :
أنه (عليه السلام) كان إذا وعك استعان بالماء البارد.. ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار:
يا فاطمة بنت محمد.
يقول العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (لعل النداء كان استشفاعاً بها صلوات اللّه عليها للشفاء)(2).
وقال الميرزا النوري (رحمه اللّه) (3) في مستدرك الوسائل: عن بعض المعاصرين من أهل السنة في كتاب خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام:
ص: 386
ولبعض العارفين دعاء مشتمل على قوله:
(اللّهم ربَّ الكعبة وبانيها وفاطمةَ وأبيها وبَعلِها وَبَنيها: نَوّر بَصَري وبَصيرتي وسِرّي وَسَريرَتي).
وقد جُرّب هذا الدعاء لتنوير البصر، وأن من ذكره عند الاكتحال نوّر اللّه بصره(1).
من الشعائر الفاطمية: إقامة المجالس في مولد الصديقة فاطمة (عليها السلام) (2)، وفي ذكرى استشهادها، الفاطمية الأولى والثانية والثالثة.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «رحم اللّه من أحيى أمرنا»(3).
من الشعائر الفاطمية: محبة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ومودتها، فإن حبها واجب، كما أن بغض أعدائها واجب.
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أحبّوا أهل بيتي لحبي»(4).
ص: 387
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي جعفر الأحول(1): «ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: {قُلْ لا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(2)»، قلتُ: جُعلت فداك إنهم يقولون: إنها لأقارب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال (عليه السلام) : «كذبوا إنما نزلت فينا خاصة، في أهل البيت، في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء (عليهم السلام) »(3).
وعن ابن عباس قال: (لما نزلت {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، قالوا: يا رسول اللّه ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي وفاطمة وابناهما»(4).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي»(5).
ص: 388
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ومن سرّها فقد سرّني»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن فاطمة بضعة مني، وهي روحي التي بين جنبيّ، يسؤوني ما ساءها، ويسرني ما سرها»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي..»(4).
هذا وقد قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في حديث: «اللّهم إني أشهدك، فاشهدوا يا من حضرني: أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، واللّه لا أكلّمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما مني»، فدعا ابن أبي قحافة: بالويل والثبور، وقال: ليت أمي لم تلدني.
فقال ابن الخطاب: عجباً للناس كيف ولّوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة، وقاما وخرجا!(5).
من الشعائر الفاطمية: إكرام ذرية الصديقة فاطمة (عليها السلام) وبنيها وبرّهم، وفي
ص: 389
مقدمتهم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) ومن بعدهم ذراريهم، وخاصة العلماء منهم(1).
وقد روي في معنى (حي على خير العمل) أنه (عليه السلام) قال: «خير العمل برّ فاطمة ووُلدها»، وفي خبر آخر: «الولاية»(2).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة(3): المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه»(4).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا»(5).
وقال (عليه السلام) : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكلّمكم، فتنصت الخلائق فيقوم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافئه.
فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا، وأي يد أو أي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على جميع الخلائق.
ص: 390
فيقول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : بلى من آوى أحداً من أهل بيتي، أو بَرّهم، أو كساهم من عري، أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافئه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك.
فيأتي النداء من عند اللّه تعالى: يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافاتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته (صلوات اللّه عليهم)»(1).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أيما رجل اصطنع إلى رجل من ولدي صنيعة فلم يكافئه عليها فأنا المكافئ له عليها»(2).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته يوم القيامة»(3).
وعن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من أراد التوسل إليّ، وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم»(4).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين والآخرين فينادي مناد: من كانت له عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يد فليقم، فيقوم عنق من الناس فيقول: ما كانت أياديكم عند رسول اللّه؟
ص: 391
فيقولون: كنا نصل أهل بيته من بعده، فيقال لهم: اذهبوا فطوفوا في الناس، فمن كانت له عندكم يد فخذوا بيده فأدخلوه الجنة»(1).
ص: 392
40
عن فاطمة الكبرى قالت: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كل بني أم ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة، فإني أنا أبوهم وعصبتهم»(1).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم، ما خلا بني فاطمة (عليها السلام) فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن اللّه عزوجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن اللّه جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب»(3).
وأولاد الصديقة فاطمة (عليها السلام) ستة، وهم:
1 و2: الحسن والحسين (عليهما السلام) سبطا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
3: المحسن السقط الشهيد (عليه السلام) .
4: زينب (عليها السلام) .
ص: 393
5: أم كلثوم (عليها السلام) .
6: وبنت أخرى(1).
وقد ذكرنا في (الدعاء والزيارة): أنه كان للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاث بنات كلها يسمين بزينب ويلقّبن بأم كلثوم.. الكبرى دُفنت بالشام، والوسطى دُفنت في مصر، والصغرى دُفنت في المدينة(2).
وقال ابن شهر آشوب: (وَلدَتْ الحسنَ (عليه السلام) ولها اثنتا عشرة سنة... وأولادها: الحسن والحسين والمحسن سقط. وفي معارف القتيبي: إن محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي، وزينب وأم كلثوم)(3).
***
ص: 393
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.
قم المقدسة
محمد الشيرازي
ص: 394
المقدمة... 5
1- النسب الشريف... 6
الأشبه بالرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 7
مزيد الخير... 9
2- تفسير الأسماء والألقاب... 11
فاطمة... 11
الزهراء... 13
البتول... 17
الحوراء... 18
المنصورة... 18
الحانية... 19
حبيبة اللّه... 20
المحدِثة... 20
الطاهرة... 21
الصديقة الكبرى... 22
سيدة نساء العالمين... 22
سيدة بنات آدم... 22
ألقاب أخرى... 22
3- النطفة الطاهرة... 24
تفاحة الجنة... 25
4- الولادة المباركة... 27
الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسميها بأمر اللّه... 30
5- فصل: الفضائل الفاطمية... 31
فاطمة (عليها السلام) في القرآن... 31
آية التطهير... 32
آية المباهلة... 34
سورة الإنسان... 35
إجلالا لفاطمة (عليها السلام) ... 37
سورة الكوثر... 38
نصر اللّه... 39
مرج البحرين... 39
الذكر والأنثى... 39
الكلمات المعهودة... 40
النساء المصطفيات... 40
ليلة القدر... 40
ولسوف يعطيك ربك... 41
لإحدى الكبر... 41
الصالحون... 41
آية الإيذاء... 42
آية ذي القربى... 42
6- فدك فاطمة (عليها السلام) ... 44
وقف الحيطان على فاطمة (عليها السلام) ... 49
7- تحية من اللّه لفاطمة (عليها السلام) ... 51
إن اللّه اختار فاطمة (عليها السلام) ... 52
الملائكة تسلم على فاطمة (عليها السلام) ... 53
حلة من الجنة... 53
حلي من الجنان... 54
8- أعز الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55
أحب الناس إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55
هؤلاء أهل بيتي... 56
9- أفضل حتى من الأنبياء (عليهم السلام) ... 57
10- سيدة النساء... 60
سيدة نساء المؤمنين... 60
سيدة نساء العالمين... 61
خيرة النساء... 61
أفضل نساء أهل الأرض... 61
11- السماوات من نور فاطمة (عليه السلام) ... 63
معرفة فاطمة (عليها السلام) ... 65
12- وفي ليلة المعراج... 66
13- أمان لشيعة فاطمة (عليها السلام) ... 67
14- بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام) ... 68
رائحة الجنة... 69
الأولى والأخيرة... 70
فداها أبوها 71
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إجلالا لها 72
أيكما أعيى؟... 72
ما حبسك يا بلال؟... 73
هل سررتك؟... 73
15- بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 75
16- غضب اللّه لغضب فاطمة (عليها السلام) ... 80
17- من آذى فاطمة (عليها السلام) ... 82
18- من حارب فاطمة (عليها السلام) ... 84
19- وجوب حب فاطمة (عليها السلام) ... 85
20- بغض فاطمة (عليها السلام) ودخول النار... 87
21- فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه... 88
22- مقام العصمة... 92
23- فصل: المعاجز والكرامات الفاطمية... 95
من كرامات الولادة... 95
الملاءة المباركة... 95
محدَثة الملائكة... 96
تحدثها من بطنها 96
أنى لك هذا؟... 97
ولادة الأطهار... 98
زهرة الوجه... 99
لا حيض ولا نفاس... 99
دلو من السماء... 99
العِقد المبارك... 100
مثل مريم بنت عمران (عليها السلام) ... 104
الملائكة في خدمتها 106
وتدور الرحى... 107
ويتحرك المهد... 108
الدعاء المستجاب... 108
نور يغلب نور الهلال... 109
24- فصل: زواج فاطمة (عليها السلام) ... 110
إن اللّه زوّجهما فزوّجهما 111
عقد في السماء... 112
خطبة راحيل... 113
خطبة اللّه تعالى... 114
خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 114
خطبة علي (عليه السلام) ... 115
زواج النور من النور... 116
لا لغير علي (عليه السلام) ... 117
علي (عليه السلام) يخطبها 117
سكوتها رضاها 118
وأقبل علي (عليه السلام) ... 119
اخطب فاطمة (عليها السلام) ... 124
زوجة لا مثيل لها 127
المهر المبارك... 127
الفرات... 129
الأرض... 129
الجنة والنار... 129
شجرة طوبى... 130
الخمس... 130
الجهاز البسيط... 131
الزفاف الشريف... 134
جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) ... 136
التكبير والتحميد... 137
وليمة الزواج... 140
رقعة البراءة من النار... 141
نعم الزوج والزوجة... 142
دعاء ليلة الزفاف... 143
وفاءً لخديجة (عليها السلام) ... 145
كرامات في ليلة العرس... 146
صبيحة العرس... 146
25- فصل: المدرسة الفاطمية... 147
القدوة الصالحة... 147
من هم القدوة؟... 148
فاطمة (عليها السلام) هي القدوة... 149
العائلة السعيدة... 150
الزواج المبكر... 152
بيت فاطمة (عليها السلام) ... 153
صالة العرس... 155
ربّة بيت ورائدة أمة... 155
التأليف ونشر العلم... 157
ما ينبغي للمرأة... 158
الشفقة والمحبة... 159
تقسيم الأدوار... 160
الجار ثم الدار... 160
الأعمال البيتية... 161
26- الحجاب الفاطمي... 162
الحياء والعفة... 162
التمجيد بمقام فاطمة (عليها السلام) ... 163
إن لم يكن يراني فإني أراه! ... 166
أي شيء خير للمرأة؟... 167
الحجاب في الحياة والممات... 168
الحجاب شرف المرأة... 169
27- الأخلاق الفاطمية... 170
حسن الخلق... 170
بِرُّ الوالدين... 170
احترام الأم... 172
الصدق... 173
الحنان... 173
البكاء... 174
الإيثار... 176
الإخلاص... 177
تحمل المشاق... 178
السلبيات الصعبة تتحول إلى إيجابيات طيبة... 180
الإنفاق... 182
الأوقاف والصدقات... 183
28- الزهد الفاطمي... 184
ما تصنعون بالدنيا؟... 184
ما لآل محمد وللدنيا 185
شدة الجوع... 186
لا شيء في البيت... 187
الشملة الخلقة... 188
القناعة... 189
29- العبادة الفاطمية... 191
صلاة فاطمة (عليها السلام) ... 193
قمة الإيمان... 194
الشكر الدائم... 194
الأدعية الفاطمية... 194
يا حي يا قيوم... 195
دعاء النور... 195
أدعية الأسبوع... 195
دعاء يوم السبت... 196
دعاء يوم الأحد... 196
دعاء يوم الاثنين... 196
دعاء يوم الثلاثاء... 196
دعاء يوم الأربعاء... 197
دعاء يوم الخميس... 197
دعاء يوم الجمعة... 197
دعاء عظيم الشأن... 197
نقش الخاتم... 199
التسبيح الفاطمي... 199
دعاء بعد التسبيحة... 202
30- الشعائر الدينية والحسينية... 203
زيارة القبور... 203
قميص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204
رثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204
في ظلامة الوصي... 206
لا تنس قتيل الطف... 207
الشهادة الثالثة... 208
الإمام المهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)... 209
31- العلوم الفاطمية... 210
علم ماكان ومايكون... 210
العلم اللدني... 211
علم التوحيد... 212
المعرفة بالأشياء كلها 212
فقه فاطمة (عليها السلام) ... 212
مجالس العلم... 213
فضة من تلامذتها 215
اللوح الأخضر... 217
علم الغيب... 220
32- المصحف الفاطمي... 222
33- الجهاد الفاطمي... 224
الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 225
البكاء الكثير... 226
كيف أصبحتِ؟... 227
34- خطبة الدار... 230
35- خطبة المسجد... 241
واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك... 241
36- فصل: استشهاد فاطمة (عليها السلام) ... 289
المظلومة المقهورة... 289
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذكر بمصاب فاطمة (عليها السلام) ... 289
أبكي لذريتي... 291
أول من لحقت بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 291
وفي اللحظات الأخيرة... 296
الويل لمن ظلمك... 297
فضة تحدث عن مولاتها (عليها السلام) ... 297
سبب الوفاة... 303
المغيرة يضرب فاطمة (عليها السلام) ... 304
الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام) ... 309
واللّه لا أرضى عنكما أبدا 311
قصة الهجوم... 313
أذان بلال... 324
37- الوصايا الفاطمية... 326
وصية فاطمة (عليها السلام) ... 326
ما عهدتني كاذبة ولا خائنة... 327
الزواج من امامة... 328
النعش الساتر... 329
رفض الظالمين... 330
الوصية المكتوبة... 331
لا يدخلن عليّ أحد... 332
الوصية بالصبر... 333
أدفني ليلا... 333
الصدقات ومتاع البيت... 334
فاضل حنوط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 334
وفي اللحظات الأخيرة... 335
التهيؤ للقاء اللّه... 336
حضور الملائكة وجبرائيل... 337
ماتت أمنا فاطمة (عليها السلام) ... 338
لما توفيت فاطمة (عليها السلام) ... 340
انصرفوا.. تأخرت الجنازة... 340
الغسل... 341
الكفن... 341
صلاة الجنازة... 342
القبر المجهول... 343
لماذا دفنت ليلا؟... 347
الوداع الأخير... 348
لقد استرجعت الوديعة... 349
وهاج الحزن... 351
مؤامرات لنبش القبور... 351
قد دفنا فاطمة (عليها السلام) البارحة... 354
38- فصل: الأحوال الفاطمية يوم القيامة... 357
مقام الشفاعة... 358
غضوا أبصاركم... 360
على باب الجنة... 361
زيارة الأنبياء (عليهم السلام) ... 362
أين ألقاك؟... 362
ما يحزنك يا بنية؟... 363
ناقة فاطمة (عليها السلام) ... 364
احكم بين وبين من ظلمني... 365
عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة... 366
كسوة النور... 368
أين فاطمة (عليها السلام) ... 369
أول من تدخل الجنة... 372
جنة من لؤلؤة... 372
هكذا زينت أبواب الجنان... 374
تبسم فاطمة (عليها السلام) ... 374
39- فصل: الشعائر الفاطمية... 375
رثاء الصديقة (عليها السلام) ... 377
لا خير بعدك في الحياة... 378
وللدهر ألوان... 378
حبيب غاب عني... 379
قبر الحبيب... 379
الجزع في مصابها (عليها السلام) ... 380
لعن ظالميها (عليها السلام) ... 382
زيارة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ... 385
الصلاة على فاطمة (عليها السلام) ... 390
الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ... 392
إقامة المجالس... 394
المودة... 394
إكرام الذرية... 396
40- أولاد فاطمة (عليها السلام) ... 400
الفهرس... 403
ص: 395
5- فصل: الفضائل الفاطمية... 31
فاطمة (عليها السلام) في القرآن... 31
آية التطهير... 32
آية المباهلة... 34
سورة الإنسان... 35
إجلالا لفاطمة (عليها السلام) ... 37
سورة الكوثر... 38
نصر اللّه... 39
مرج البحرين... 39
الذكر والأنثى... 39
الكلمات المعهودة... 40
النساء المصطفيات... 40
ليلة القدر... 40
ولسوف يعطيك ربك... 41
لإحدى الكبر... 41
الصالحون... 41
آية الإيذاء... 42
آية ذي القربى... 42
6- فدك فاطمة (عليها السلام) ... 44
وقف الحيطان على فاطمة (عليها السلام) ... 49
7- تحية من اللّه لفاطمة (عليها السلام) ... 51
إن اللّه اختار فاطمة (عليها السلام) ... 52
الملائكة تسلم على فاطمة (عليها السلام) ... 53
حلة من الجنة... 53
حلي من الجنان... 54
8- أعز الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55
ص: 396
أحب الناس إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55
هؤلاء أهل بيتي... 56
9- أفضل حتى من الأنبياء (عليهم السلام) ... 57
10- سيدة النساء... 60
سيدة نساء المؤمنين... 60
سيدة نساء العالمين... 61
خيرة النساء... 61
أفضل نساء أهل الأرض... 61
11- السماوات من نور فاطمة (عليه السلام) ... 63
معرفة فاطمة (عليها السلام) ... 65
12- وفي ليلة المعراج... 66
13- أمان لشيعة فاطمة (عليها السلام) ... 67
14- بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام) ... 68
رائحة الجنة... 69
الأولى والأخيرة... 70
فداها أبوها 71
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إجلالا لها 72
أيكما أعيى؟... 72
ما حبسك يا بلال؟... 73
هل سررتك؟... 73
15- بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 75
16- غضب اللّه لغضب فاطمة (عليها السلام) ... 80
17- من آذى فاطمة (عليها السلام) ... 82
18- من حارب فاطمة (عليها السلام) ... 84
ص: 397
19- وجوب حب فاطمة (عليها السلام) ... 85
20- بغض فاطمة (عليها السلام) ودخول النار... 87
21- فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه... 88
22- مقام العصمة... 92
23- فصل: المعاجز والكرامات الفاطمية... 95
من كرامات الولادة... 95
الملاءة المباركة... 95
محدَثة الملائكة... 96
تحدثها من بطنها 96
أنى لك هذا؟... 97
ولادة الأطهار... 98
زهرة الوجه... 99
لا حيض ولا نفاس... 99
دلو من السماء... 99
العِقد المبارك... 100
مثل مريم بنت عمران (عليها السلام) ... 104
الملائكة في خدمتها 106
وتدور الرحى... 107
ويتحرك المهد... 108
الدعاء المستجاب... 108
نور يغلب نور الهلال... 109
24- فصل: زواج فاطمة (عليها السلام) ... 110
إن اللّه زوّجهما فزوّجهما 111
عقد في السماء... 112
خطبة راحيل... 113
خطبة اللّه تعالى... 114
ص: 398
خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 114
خطبة علي (عليه السلام) ... 115
زواج النور من النور... 116
لا لغير علي (عليه السلام) ... 117
علي (عليه السلام) يخطبها 117
سكوتها رضاها 118
وأقبل علي (عليه السلام) ... 119
اخطب فاطمة (عليها السلام) ... 124
زوجة لا مثيل لها 127
المهر المبارك... 127
الفرات... 129
الأرض... 129
الجنة والنار... 129
شجرة طوبى... 130
الخمس... 130
الجهاز البسيط... 131
الزفاف الشريف... 134
جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) ... 136
التكبير والتحميد... 137
وليمة الزواج... 140
رقعة البراءة من النار... 141
نعم الزوج والزوجة... 142
دعاء ليلة الزفاف... 143
وفاءً لخديجة (عليها السلام) ... 145
كرامات في ليلة العرس... 146
صبيحة العرس... 146
ص: 399
25- فصل: المدرسة الفاطمية... 147
القدوة الصالحة... 147
من هم القدوة؟... 148
فاطمة (عليها السلام) هي القدوة... 149
العائلة السعيدة... 150
الزواج المبكر... 152
بيت فاطمة (عليها السلام) ... 153
صالة العرس... 155
ربّة بيت ورائدة أمة... 155
التأليف ونشر العلم... 157
ما ينبغي للمرأة... 158
الشفقة والمحبة... 159
تقسيم الأدوار... 160
الجار ثم الدار... 160
الأعمال البيتية... 161
26- الحجاب الفاطمي... 162
الحياء والعفة... 162
التمجيد بمقام فاطمة (عليها السلام) ... 163
إن لم يكن يراني فإني أراه! ... 166
أي شيء خير للمرأة؟... 167
الحجاب في الحياة والممات... 168
الحجاب شرف المرأة... 169
27- الأخلاق الفاطمية... 170
حسن الخلق... 170
بِرُّ الوالدين... 170
احترام الأم... 172
الصدق... 173
ص: 400
الحنان... 173
البكاء... 174
الإيثار... 176
الإخلاص... 177
تحمل المشاق... 178
السلبيات الصعبة تتحول إلى إيجابيات طيبة... 180
الإنفاق... 182
الأوقاف والصدقات... 183
28- الزهد الفاطمي... 184
ما تصنعون بالدنيا؟... 184
ما لآل محمد وللدنيا 185
شدة الجوع... 186
لا شيء في البيت... 187
الشملة الخلقة... 188
القناعة... 189
29- العبادة الفاطمية... 191
صلاة فاطمة (عليها السلام) ... 193
قمة الإيمان... 194
الشكر الدائم... 194
الأدعية الفاطمية... 194
يا حي يا قيوم... 195
دعاء النور... 195
أدعية الأسبوع... 195
دعاء يوم السبت... 196
دعاء يوم الأحد... 196
دعاء يوم الاثنين... 196
دعاء يوم الثلاثاء... 196
دعاء يوم الأربعاء... 197
ص: 401
دعاء يوم الخميس... 197
دعاء يوم الجمعة... 197
دعاء عظيم الشأن... 197
نقش الخاتم... 199
التسبيح الفاطمي... 199
دعاء بعد التسبيحة... 202
30- الشعائر الدينية والحسينية... 203
زيارة القبور... 203
قميص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204
رثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204
في ظلامة الوصي... 206
لا تنس قتيل الطف... 207
الشهادة الثالثة... 208
الإمام المهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)... 209
31- العلوم الفاطمية... 210
علم ماكان ومايكون... 210
العلم اللدني... 211
علم التوحيد... 212
المعرفة بالأشياء كلها 212
فقه فاطمة (عليها السلام) ... 212
مجالس العلم... 213
فضة من تلامذتها 215
اللوح الأخضر... 217
علم الغيب... 220
32- المصحف الفاطمي... 222
33- الجهاد الفاطمي... 224
ص: 402
الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 225
البكاء الكثير... 226
كيف أصبحتِ؟... 227
34- خطبة الدار... 230
35- خطبة المسجد... 241
واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك... 241
36- فصل: استشهاد فاطمة (عليها السلام) ... 289
المظلومة المقهورة... 289
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذكر بمصاب فاطمة (عليها السلام) ... 289
أبكي لذريتي... 291
أول من لحقت بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 291
وفي اللحظات الأخيرة... 296
الويل لمن ظلمك... 297
فضة تحدث عن مولاتها (عليها السلام) ... 297
سبب الوفاة... 303
المغيرة يضرب فاطمة (عليها السلام) ... 304
الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام) ... 309
واللّه لا أرضى عنكما أبدا 311
قصة الهجوم... 313
أذان بلال... 324
37- الوصايا الفاطمية... 326
وصية فاطمة (عليها السلام) ... 326
ما عهدتني كاذبة ولا خائنة... 327
الزواج من امامة... 328
ص: 403
النعش الساتر... 329
رفض الظالمين... 330
الوصية المكتوبة... 331
لا يدخلن عليّ أحد... 332
الوصية بالصبر... 333
أدفني ليلا... 333
الصدقات ومتاع البيت... 334
فاضل حنوط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 334
وفي اللحظات الأخيرة... 335
التهيؤ للقاء اللّه... 336
حضور الملائكة وجبرائيل... 337
ماتت أمنا فاطمة (عليها السلام) ... 338
لما توفيت فاطمة (عليها السلام) ... 340
انصرفوا.. تأخرت الجنازة... 340
الغسل... 341
الكفن... 341
صلاة الجنازة... 342
القبر المجهول... 343
لماذا دفنت ليلا؟... 347
الوداع الأخير... 348
لقد استرجعت الوديعة... 349
وهاج الحزن... 351
مؤامرات لنبش القبور... 351
قد دفنا فاطمة (عليها السلام) البارحة... 354
38- فصل: الأحوال الفاطمية يوم القيامة... 357
مقام الشفاعة... 358
غضوا أبصاركم... 360
على باب الجنة... 361
ص: 404
زيارة الأنبياء (عليهم السلام) ... 362
أين ألقاك؟... 362
ما يحزنك يا بنية؟... 363
ناقة فاطمة (عليها السلام) ... 364
احكم بين وبين من ظلمني... 365
عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة... 366
كسوة النور... 368
أين فاطمة (عليها السلام) ... 369
أول من تدخل الجنة... 372
جنة من لؤلؤة... 372
هكذا زينت أبواب الجنان... 374
تبسم فاطمة (عليها السلام) ... 374
39- فصل: الشعائر الفاطمية... 375
رثاء الصديقة (عليها السلام) ... 377
لا خير بعدك في الحياة... 378
وللدهر ألوان... 378
حبيب غاب عني... 379
قبر الحبيب... 379
الجزع في مصابها (عليها السلام) ... 380
لعن ظالميها (عليها السلام) ... 382
زيارة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ... 385
الصلاة على فاطمة (عليها السلام) ... 390
الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ... 392
إقامة المجالس... 394
ص: 405
المقدمة... 5
1- النسب الشريف... 6
الأشبه بالرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 7
مزيد الخير... 9
2- تفسير الأسماء والألقاب... 11
فاطمة... 11
الزهراء... 13
البتول... 17
الحوراء... 18
المنصورة... 18
الحانية... 19
حبيبة اللّه... 20
المحدِثة... 20
الطاهرة... 21
الصديقة الكبرى... 22
سيدة نساء العالمين... 22
سيدة بنات آدم... 22
ألقاب أخرى... 22
3- النطفة الطاهرة... 24
تفاحة الجنة... 25
4- الولادة المباركة... 27
الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسميها بأمر اللّه... 30
5- فصل: الفضائل الفاطمية... 31
فاطمة (عليها السلام) في القرآن... 31
آية التطهير... 32
آية المباهلة... 34
سورة الإنسان... 35
إجلالا لفاطمة (عليها السلام) ... 37
سورة الكوثر... 38
نصر اللّه... 39
مرج البحرين... 39
الذكر والأنثى... 39
الكلمات المعهودة... 40
النساء المصطفيات... 40
ليلة القدر... 40
ولسوف يعطيك ربك... 41
لإحدى الكبر... 41
الصالحون... 41
آية الإيذاء... 42
آية ذي القربى... 42
6- فدك فاطمة (عليها السلام) ... 44
وقف الحيطان على فاطمة (عليها السلام) ... 49
7- تحية من اللّه لفاطمة (عليها السلام) ... 51
إن اللّه اختار فاطمة (عليها السلام) ... 52
الملائكة تسلم على فاطمة (عليها السلام) ... 53
حلة من الجنة... 53
حلي من الجنان... 54
8- أعز الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55
أحب الناس إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55
هؤلاء أهل بيتي... 56
9- أفضل حتى من الأنبياء (عليهم السلام) ... 57
10- سيدة النساء... 60
سيدة نساء المؤمنين... 60
سيدة نساء العالمين... 61
خيرة النساء... 61
أفضل نساء أهل الأرض... 61
11- السماوات من نور فاطمة (عليه السلام) ... 63
معرفة فاطمة (عليها السلام) ... 65
12- وفي ليلة المعراج... 66
13- أمان لشيعة فاطمة (عليها السلام) ... 67
14- بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام) ... 68
رائحة الجنة... 69
الأولى والأخيرة... 70
فداها أبوها 71
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إجلالا لها 72
أيكما أعيى؟... 72
ما حبسك يا بلال؟... 73
هل سررتك؟... 73
15- بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 75
16- غضب اللّه لغضب فاطمة (عليها السلام) ... 80
17- من آذى فاطمة (عليها السلام) ... 82
18- من حارب فاطمة (عليها السلام) ... 84
19- وجوب حب فاطمة (عليها السلام) ... 85
20- بغض فاطمة (عليها السلام) ودخول النار... 87
21- فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه... 88
22- مقام العصمة... 92
23- فصل: المعاجز والكرامات الفاطمية... 95
من كرامات الولادة... 95
الملاءة المباركة... 95
محدَثة الملائكة... 96
تحدثها من بطنها 96
أنى لك هذا؟... 97
ولادة الأطهار... 98
زهرة الوجه... 99
لا حيض ولا نفاس... 99
دلو من السماء... 99
العِقد المبارك... 100
مثل مريم بنت عمران (عليها السلام) ... 104
الملائكة في خدمتها 106
وتدور الرحى... 107
ويتحرك المهد... 108
الدعاء المستجاب... 108
نور يغلب نور الهلال... 109
24- فصل: زواج فاطمة (عليها السلام) ... 110
إن اللّه زوّجهما فزوّجهما 111
عقد في السماء... 112
خطبة راحيل... 113
خطبة اللّه تعالى... 114
خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 114
خطبة علي (عليه السلام) ... 115
زواج النور من النور... 116
لا لغير علي (عليه السلام) ... 117
علي (عليه السلام) يخطبها 117
سكوتها رضاها 118
وأقبل علي (عليه السلام) ... 119
اخطب فاطمة (عليها السلام) ... 124
زوجة لا مثيل لها 127
المهر المبارك... 127
الفرات... 129
الأرض... 129
الجنة والنار... 129
شجرة طوبى... 130
الخمس... 130
الجهاز البسيط... 131
الزفاف الشريف... 134
جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) ... 136
التكبير والتحميد... 137
وليمة الزواج... 140
رقعة البراءة من النار... 141
نعم الزوج والزوجة... 142
دعاء ليلة الزفاف... 143
وفاءً لخديجة (عليها السلام) ... 145
كرامات في ليلة العرس... 146
صبيحة العرس... 146
25- فصل: المدرسة الفاطمية... 147
القدوة الصالحة... 147
من هم القدوة؟... 148
فاطمة (عليها السلام) هي القدوة... 149
العائلة السعيدة... 150
الزواج المبكر... 152
بيت فاطمة (عليها السلام) ... 153
صالة العرس... 155
ربّة بيت ورائدة أمة... 155
التأليف ونشر العلم... 157
ما ينبغي للمرأة... 158
الشفقة والمحبة... 159
تقسيم الأدوار... 160
الجار ثم الدار... 160
الأعمال البيتية... 161
26- الحجاب الفاطمي... 162
الحياء والعفة... 162
التمجيد بمقام فاطمة (عليها السلام) ... 163
إن لم يكن يراني فإني أراه! ... 166
أي شيء خير للمرأة؟... 167
الحجاب في الحياة والممات... 168
الحجاب شرف المرأة... 169
27- الأخلاق الفاطمية... 170
حسن الخلق... 170
بِرُّ الوالدين... 170
احترام الأم... 172
الصدق... 173
الحنان... 173
البكاء... 174
الإيثار... 176
الإخلاص... 177
تحمل المشاق... 178
السلبيات الصعبة تتحول إلى إيجابيات طيبة... 180
الإنفاق... 182
الأوقاف والصدقات... 183
28- الزهد الفاطمي... 184
ما تصنعون بالدنيا؟... 184
ما لآل محمد وللدنيا 185
شدة الجوع... 186
لا شيء في البيت... 187
الشملة الخلقة... 188
القناعة... 189
29- العبادة الفاطمية... 191
صلاة فاطمة (عليها السلام) ... 193
قمة الإيمان... 194
الشكر الدائم... 194
الأدعية الفاطمية... 194
يا حي يا قيوم... 195
دعاء النور... 195
أدعية الأسبوع... 195
دعاء يوم السبت... 196
دعاء يوم الأحد... 196
دعاء يوم الاثنين... 196
دعاء يوم الثلاثاء... 196
دعاء يوم الأربعاء... 197
دعاء يوم الخميس... 197
دعاء يوم الجمعة... 197
دعاء عظيم الشأن... 197
نقش الخاتم... 199
التسبيح الفاطمي... 199
دعاء بعد التسبيحة... 202
30- الشعائر الدينية والحسينية... 203
زيارة القبور... 203
قميص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204
رثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204
في ظلامة الوصي... 206
لا تنس قتيل الطف... 207
الشهادة الثالثة... 208
الإمام المهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)... 209
31- العلوم الفاطمية... 210
علم ماكان ومايكون... 210
العلم اللدني... 211
علم التوحيد... 212
المعرفة بالأشياء كلها 212
فقه فاطمة (عليها السلام) ... 212
مجالس العلم... 213
فضة من تلامذتها 215
اللوح الأخضر... 217
علم الغيب... 220
32- المصحف الفاطمي... 222
33- الجهاد الفاطمي... 224
الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 225
البكاء الكثير... 226
كيف أصبحتِ؟... 227
34- خطبة الدار... 230
35- خطبة المسجد... 241
واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك... 241
36- فصل: استشهاد فاطمة (عليها السلام) ... 289
المظلومة المقهورة... 289
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذكر بمصاب فاطمة (عليها السلام) ... 289
أبكي لذريتي... 291
أول من لحقت بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 291
وفي اللحظات الأخيرة... 296
الويل لمن ظلمك... 297
فضة تحدث عن مولاتها (عليها السلام) ... 297
سبب الوفاة... 303
المغيرة يضرب فاطمة (عليها السلام) ... 304
الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام) ... 309
واللّه لا أرضى عنكما أبدا 311
قصة الهجوم... 313
أذان بلال... 324
37- الوصايا الفاطمية... 326
وصية فاطمة (عليها السلام) ... 326
ما عهدتني كاذبة ولا خائنة... 327
الزواج من امامة... 328
النعش الساتر... 329
رفض الظالمين... 330
الوصية المكتوبة... 331
لا يدخلن عليّ أحد... 332
الوصية بالصبر... 333
أدفني ليلا... 333
الصدقات ومتاع البيت... 334
فاضل حنوط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 334
وفي اللحظات الأخيرة... 335
التهيؤ للقاء اللّه... 336
حضور الملائكة وجبرائيل... 337
ماتت أمنا فاطمة (عليها السلام) ... 338
لما توفيت فاطمة (عليها السلام) ... 340
انصرفوا.. تأخرت الجنازة... 340
الغسل... 341
الكفن... 341
صلاة الجنازة... 342
القبر المجهول... 343
لماذا دفنت ليلا؟... 347
الوداع الأخير... 348
لقد استرجعت الوديعة... 349
وهاج الحزن... 351
مؤامرات لنبش القبور... 351
قد دفنا فاطمة (عليها السلام) البارحة... 354
38- فصل: الأحوال الفاطمية يوم القيامة... 357
مقام الشفاعة... 358
غضوا أبصاركم... 360
على باب الجنة... 361
زيارة الأنبياء (عليهم السلام) ... 362
أين ألقاك؟... 362
ما يحزنك يا بنية؟... 363
ناقة فاطمة (عليها السلام) ... 364
احكم بين وبين من ظلمني... 365
عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة... 366
كسوة النور... 368
أين فاطمة (عليها السلام) ... 369
أول من تدخل الجنة... 372
جنة من لؤلؤة... 372
هكذا زينت أبواب الجنان... 374
تبسم فاطمة (عليها السلام) ... 374
39- فصل: الشعائر الفاطمية... 375
رثاء الصديقة (عليها السلام) ... 377
لا خير بعدك في الحياة... 378
وللدهر ألوان... 378
حبيب غاب عني... 379
قبر الحبيب... 379
الجزع في مصابها (عليها السلام) ... 380
لعن ظالميها (عليها السلام) ... 382
زيارة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ... 385
الصلاة على فاطمة (عليها السلام) ... 390
الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ... 392
إقامة المجالس... 394
المودة... 394
إكرام الذرية... 396
40- أولاد فاطمة (عليها السلام) ... 400
الفهرس... 403
ص: 406