من حياة المعصومين عليهم السلام المجلد 3

هوية الكتاب

من حياة المعصومين عليهم السلام

الجزء الثالث

فاطمة الزهراء عليها السلام

المرجع الديني الراحل

السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

الشجرة الطيبة

1443 ه 2022 م

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی للناشر

1443 ه 2022 م

مؤسسة الشجرة الطيبة النجف الأشرف

تهميش

مؤسسة المجتبی للتحقيق والنشر

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

أما بعد، فهذا هو الجزء الثالث من سلسلة (من حياة المعصومين) صلوات اللّه عليهم أجمعين، ويتضمن إشارات مختصرة لجوانب من حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

أسأل اللّه تعالى التوفيق والقبول إنه سميع مجيب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 5

1

النسب الشريف

اشارة

هي الصديقة الطاهرة: فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بن عبد اللّه بن عبدالمطلب بن هاشم (عليهم السلام) .

* ألقابها: الزهراء، البتول، سيدة نساء العالمين، سيدة بنات آدم، الحوراء، حبيبة اللّه، المنصورة، الحرّة، السيدة، العذراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدَِّثة، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى، النورية، الحانية، بضعة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وغيرها.

* كنيتها: أم أبيها، أم الحسن، أم الحسين، أم المحسن، أم الأئمة (عليهم السلام) .

* عن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : «إن فاطمة (عليها السلام) كانت تُكنّى أمّ أبيها»(1).

* أبوها: خاتم الأنبياء محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

* أمها: أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) بنت خويلد(2).

ص: 6


1- (1) بحار الأنوار: ج43 ص19ب1 ح19، وقد روى العامة هذا المعنى أيضاً انظر (المعجم الكبير): ج22 ص397، (أسد الغابة): ج5 ص520، (تهذيب الكمال): ج35 ص247 وغيرها من المصادر.
2- أم المؤمنين خديجة بنت خويلد (عليها السلام) بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، ولدت سنة 67 قبل الهجرة، وتوفيت سنة 3 قبل الهجرة، وهي أول امرأة أسلمت وثاني من أسلم وصدّق بالرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهي أفضل نساء العالمين ونساء الجنة بعد ابنتها الزهراء فاطمة (عليها السلام) ، وهي أفضل نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالإجماع، تزوجها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكانت عذراء كما روى ذلك البلاذري وأبو القاسم الكوفي والسيد المرتضى وابن شهر آشوب، بل مشهور الإمامية على ذلك، وقد ولدت للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جميع أولاده ماعدا إبراهيم، وهم: القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم والزهراء والطاهر والطيب، وقيل: إن زينب ورقية وأم كلثوم ربائبه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وفضلها ومكانتها أشهر من أن يذكر أو يوصف.

الأشبه بالرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى في مشيتها، وكانت كأنها القمر ليلة البدر.

عن أم سلمة قالت: (كانت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) )(1).

وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رحمه اللّه) قال: (ما رأيت فاطمة (عليها السلام) تمشي إلاّ ذكرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تميل على جانبها الأيمن مرة وعلى جانبها الأيسر مرة)(2).

وفي المناقب(3)

عن أم أنس(4) قالت في صفة فاطمة (عليها السلام) :

ص: 7


1- كشف الغمة: ج2 ص100 باب فضل فاطمة (عليها السلام) .
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص132 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- كتاب مناقب آل أبي طالب، للشيخ الجليل الحافظ مشير الدين أبي عبداللّه محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني توفي سنة 588ه من أعلام الشيعة وشيوخها، والكتاب يدور حول فضائل ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) مع بيان نبذة مختصرة للمعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين وبيان كراماتهم ومعجزاتهم والأحداث التي جرت عليهم.
4- الرميصاء أو الغميصاء وقيل غير ذلك، وهي بنت ملحان بن خالد الأنصارية الخزرجية المكناة بأم سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري وهي أم أنس بن مالك بن النضر خادم الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

(كانت كأنها القمر ليلة البدر، أو الشمس كفرت غماماً(1)

أو خرجت من السحاب، وكانت بيضاء بيضة)(2).

ورووا أنها (عليها السلام) (كانت كالقمر ليلة البدر أو الشمس كفر غماماً إذا خرج من السحاب، بيضاء مشربة حمرة، لها شعر أسود، من أشد الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شبهاً واللّه)(3).

وروي عن عائشة أنها قالت:

(ما رأيت من الناس أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من فاطمة (عليها السلام) ..)(4).

رواه الحاكم في المستدرك(5)، وغيره في غيره(6).

ص: 8


1- الكفر بالفتح: التغطية، قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في بيان المعنى: كفرت على البناء للمجهول أي إن شئت شبهتها بالشمس المستورة بالغمام لسترها وعفافها أو لامكان النظر إليها، وإن شئت بالشمس الخارجة من تحت الغمام لنورها ولمعانها، ويحتمل أن يكون الغرض التشبيه بالشمس في حالتي ابتداء الدخول في الغمام والخروج منها تشبيهاً لها بالشمس ولقناعها بالسحاب التي أحاطت ببعض الشمس أو يقال: التشبيه بها في الحالتين لجمعها فيهما بين الستر والتمكن من النظر، وعدم محو الضوء والشعاع، وعلى التقادير مأخوذ من الكفر بمعنى التغطية، يقال: كفرت الشيء أكفره بالكسر كفراً أي سترته.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص132 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص161. عن أم أنس بن مالك.
4- انظر (الأمالي) للشيخ الطوسي: ص400 ح41، وحلية الأبرار: ج1 ص188.
5- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154وص160، وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
6- رواه ابن عبد البر في الاستيعاب: ج4 ص1897، وابن حبان في صحيحه: ج15 ص403، والبيهقي في السنن الكبرى: ج7 ص101، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ج2 ص127.

وفي الخطبة الفدكية: «ما تخرم(1) مشيتها مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).

وفي الرواية عن زيد بن الحسن(3) قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «كان علي (عليه السلام) أشبه الناس طعمة وسيرة برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكان يأكل الخبز والزيت ويُطعم الناس الخبز واللحم، قال (عليه السلام) : وكان علي (عليه السلام) يستقي ويحتطب، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز وترقع، وكانت (عليها السلام) من أحسن الناس وجهاً كأن وجنتيها وردتان صلى اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها الطاهرين»(4).

مزيد الخير

عن أبي أيوب الأنصاري(5)،

قال: إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرض مرضة فأتته فاطمة (عليها السلام) تعوده وهو ناقه(6) من مرضه، فلما رأت ما برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدّها، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها:

«يا فاطمة إن اللّه جلّ ذكره اطّلع على الأرض اطلاعة فاختار منها أباك، واطّلع ثانية فاختار منها بعلك، فأوحى إليّ فأنكحتكه، أما علمت يا فاطمة أن

ص: 9


1- وفي بعض النسخ: من مشي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، و(الخرم): الترك والنقص والعدول. و(المشية): بالكسر الإسم من مشى يمشي مشياً: أي لم تنقص مشيها (عليها السلام) من مشيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شيئاً، كأنه هو بعينه.
2- الاحتجاج: ج1 ص132، الطرائف: ص264.
3- زيد بن الحسن الأنماطي أخو أبي الديداء من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) أسند عنه، وقد روى عنه حماد بن عثمان وهو من أصحاب الإجماع.
4- الكافي: ج8 ص165ح176.
5- خالد بن زيد بن كليب الخزرجي المكنى بأبي أيوب الأنصاري من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) المخلصين ومن الأثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر، ولاه أمير المؤمنين (عليه السلام) المدينة وتوفي سنة 50 أو 52ه.
6- نقه من مرضه: إذا صحّ وهو في عقب علته.

لكرامة اللّه إياك زوّجك أقدمهم سِلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً؟».

قال: فسرّت بذلك فاطمة (عليها السلام) واستبشرت بما قال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فأراد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يزيدها مزيد الخير كله من الذي قسّمه اللّه لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وآل محمد، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

«يا فاطمة لعلي ثمان خصال: إيمانه باللّه وبرسوله، وعلمه، وحكمته، وزوجته، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقضاؤه بكتاب اللّه، يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يُعطَها أحد من الأولين قبلنا، ولا يدركها أحد من الآخرين بعدنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة وهو جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك(1)، ومنّا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة»(2).

ص: 10


1- إلى هنا موجود في (الخصال): ص412 باب الثمانية ح16.
2- انظر (الطرائف) للسيد ابن طاووس: ص134 ح212.

2

تفسير الأسماء والألقاب

فاطمة

سمّيت الصديقة (عليها السلام) بفاطمة، لأن اللّه فَطَمها وفَطَم ذريتها وفطم شيعتها من النار، ولأن الخلق فُطِموا عن معرفتها، ولأنها فُطِمت من الشر، ولأنها فُطمت من الطمث، ولأن أعداءها فُطِموا عن حبّها وعن الجنة، ولغير ذلك.

عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إني سميتُ ابنتي فاطمة(1)؛ لأن اللّه عزّ وجلّ فَطَمها، وفطم من أحبها من النار»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «سُمّيت فاطمة لأن اللّه فَطَمها وذريتَها من النار، من لقي اللّه منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به»(3).

وفي حديث التفاحة قال جبرئيل (عليه السلام) : «سُمّيت فاطمة في الأرض لأنه فُطمت شيعتها من النار، وفُطموا أعداؤها عن حبها»(4).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :«يا فاطمة أتدرين لم سُمّيتِ فاطمة؟ قال علي (عليه السلام) : «يا

ص: 11


1- تسمية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) بهذا الاسم المبارك بأمر من اللّه تعالى كما سيأتي.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص51 ب31 ح174.
3- بحار الأنوار: ج43 ص18 ب2 ح18.
4- تفسير فرات الكوفي: ص322 ح451 سورة الروم.

رسول اللّه لم سُمّيت»؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لأنها فُطِمت هي وشيعتها من النار»(1).

وفي حديث عن أحوال يوم القيامة، يقول اللّه عزّوجلّ للصديقة فاطمة (عليها السلام) : «صدقت يا فاطمة، إني سَمّيتك فاطمة وفَطَمتُ بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد»(2).

وعن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) والإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) قالا: «سمعنا(3)

المأمون يحدث عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده قال: قال ابن عباس لمعاوية: أتدري لم سميت فاطمة فاطمة؟ قال: لا، قال: لأنها فُطِمت هي وشيعتها من النار، سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوله»(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنما سُمّيت فاطمة لأن الخلق فُطموا عن معرفتها»(5).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء(6)

عند اللّه عزّوجلّ: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء».

ثم قال (عليه السلام) : تدري لأي شيء سُمّيت فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي، قال: «فُطِمت من الشر» قال: ثم قال (عليه السلام) : «لولا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوّجها لما كان

ص: 12


1- كشف الغمة: ج2 ص91 باب في فضائل فاطمة (عليها السلام) .
2- علل الشرائع: ج1 ص179 ب142 ح6.
3- نقل الإمامان الهمامان هذه الرواية عن المأمون عن آبائه من باب: (من فمك أدينك) وما أشبه.
4- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص78 ب31 ح336.
5- اللمعة البيضاء: ص98.
6- قد قرر في علم الأصول أن العدد لا مفهوم له، وبالتالي: فإن ذكر الإمام (عليه السلام) لهذا العدد لا ينافي وجود أسماء أخرى للزهراء (عليها السلام) كما هو الثابت بل يحتمل أن يكون مقصوده (عليه السلام) أن هذه الأسماء من أشهر أسمائها.

لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة، آدم فمن دونه»(1).

وروي: «إنما سُميت فاطمة (عليها السلام) لأنها فطمت عن الطمث»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعائشة: «إن فاطمة ليست كنساء الآدميين، لا تعتل كما تعتلن»(3).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما وُلدت فاطمة (عليها السلام) أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمّاها فاطمة، ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم وفطمتك من الطمث»، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) : «واللّه لقد فَطَمها اللّه تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث في الميثاق»(4).

الزهراء

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالزهراء، لأن نورها كان يزهر لأهل السماوات ولأمير المؤمنين (عليه السلام) .. ولغير ذلك(5).

عن ابن عمارة، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) لِمَ سُمّيت زهراء؟ فقال (عليه السلام) : «لأنها كانت إذا قامت في محرابها، زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض»(6).

ص: 13


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص688 المجلس86 ح18.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص110 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- بحار الأنوار: ج43 ص16 ب2 ح14.
4- الكافي: ج1 ص460 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح6.
5- فقد روت عائشة: (كنا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة) انظر (شرح إحقاق الحق): ج10 ص244، عن العلامة الشيخ أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني في كتابه (أخبار الدول وآثار الملل) ص87 ط. بغداد.
6- معاني الأخبار: ص64 باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) ح15.

وعن أبان بن تغلب(1)،

قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه لِمَ سُمّيت الزهراء (عليها السلام) زهراءً؟ فقال: «لأنها (عليها السلام) تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فراشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة، فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة (عليها السلام) ، فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر نور وجهها (عليها السلام) بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيرونها قائمةً في محرابها وقد زهر نور وجهها (صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) بالصفرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة (عليها السلام) فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّوجلّ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيرونها جالسة تسبح اللّه وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة (عليها السلام) ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى وُلد الحسين (عليه السلام) فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا

ص: 14


1- أبان بن تغلب أبو سعيد البكري الجريري من أصحاب الإمام السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام) كان عظيم المنزلة عند الإئمة وكان من وجوه القراء، فقيهاً لغوياً مفسراً، وكان مقدماً في كل فن من العلوم توفي سنة 141ه وعند ورود نبأ وفاته للإمام الصادق قال (عليه السلام) : (رحمه اللّه، أما واللّه لقد أوجع قلبي موت أبان).

أهل البيت (عليهم السلام) إمام بعد إمام»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وقد سُئل(2): لِمَ سُمّيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) زهراءً؟ فقال: «لأن اللّه عزّوجلّ خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقتُه من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضّله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمةً يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي»(3).

وقال أبو هاشم العسكري(4): سألت صاحب العسكر (عليه السلام) : لم سُمّيت فاطمة (عليها السلام) الزهراء؟ فقال (عليه السلام) : «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند الغروب كالكوكب الدري»(5).

وعن الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : لم سميت فاطمة

ص: 15


1- بحار الأنوار: ج43 ص11 ب2 ح2.
2- السائل هو: جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي الكوفي، أبو عبداللّه أو أبو محمد، من أصحاب الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) إمامي تابعي عظيم الشأن والمنزلة، وكان من أصحاب سرهما وخاصتهما، توفي سنة 127أو 128ه.
3- الإمامة والتبصرة: ص133 ح144.
4- داود بن القاسم بن إسحاق بن عبداللّه بن جعفر الطيار المكنى بأبي هاشم الجعفري، من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري والصاحب (عليهم السلام) وكان عظيم المنزلة عندهم جليل القدر شريفاً ثقة، حمل إلى سر من رأى، فحبس هنالك وذلك لثمان خلون من شعبان سنة 252ه وتوفي في جمادى الأولى سنة 261ه
5- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص110-111 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

الزهراء؟ قال: «لأن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلّقة بقدرة الجبار، لا علاّقة لها من فوقها فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها، لها مائة ألف باب، على كل باب ألف من الملائكة، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدري الزاهر في أفق السماء، فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة (عليها السلام) »(1).

وقال سلمان الفارسي (رحمه اللّه) : كنت جالساً عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المسجد، إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلّم، فردّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورحّب به، فقال: يا رسول اللّه بما فضل اللّه علينا أهل البيت علي بن أبي طالب والمعادن واحدة؟ فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذن أخبرك يا عم، إن اللّه خلقني وخلق علياً (عليه السلام) ولا سماء ولا أرض، ولا جنة ولا نار، ولا لوح ولا قلم، فلما أراد اللّه عزّوجلّ بدو خلقنا تكلم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلّم كلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما واعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش، ثم فتق من نور علي نور السماوات، فعلي (عليه السلام) أجلّ من السماوات، ثم فتق من نور الحسن (عليه السلام) نور الشمس، ومن نور الحسين (عليه السلام) نور القمر، فهما أجلّ من الشمس والقمر.

وكانت الملائكة تسبح اللّه تعالى وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس مِن أنوار ما أكرمها على اللّه تعالى، فلما أراد اللّه تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا، فقال اللّه عزّ وجلّ: وعزتي وجلالي لأفعلن،

ص: 16


1- بحار الأنوار: ج43 ص16 ب2 ح14.

فخلق نور فاطمة الزهراء (عليها السلام) يومئذ كالقنديل، وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، من أجل ذلك سُميت فاطمة: الزهراء، وكانت الملائكة تسبح اللّه وتقدسه، فقال اللّه: وعزتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها».

قال سلمان: فخرج العباس فلقيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال: بأبي عترة المصطفى، من أهل بيت ما أكرمكم على اللّه تعالى»(1).

البتول

ولُقّبت فاطمة (عليها السلام) بالبتول: لأنها تَبَتّلت عن النظير وعما تراه النساء من الدم، ولغير ذلك(2). روي «أن مريم (عليها السلام) سُمّيت بتولاً لأنها بتلت(3)

عن الرجال، وسميت فاطمة (عليها السلام) بتولاً لأنها بتلت عن النظير»(4).

وعن علي (عليه السلام) أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سُئل ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول اللّه تقول: «إن مريم بتول وفاطمة بتول»؟ فقال (عليه السلام) : «البتول التي لم تر حمرة قط أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء»(5).

ص: 17


1- نفس الرحمن في فضائل سلمان: ص424-425.
2- فعن أم سلمة (رضوان اللّه عليها) أنها قالت: (سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «.. وسميت فاطمة بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة». راجع (ينابيع المودة لذوي القربى): ج2 ص305 ح872.
3- البتول من النساء: العذراء المنقطعة من الأزواج، والتبتل الانقطاع عن الدنيا إلى اللّه تعالى، وهو وصف مختص بالمرأة.
4- اللمعة البيضاء: ص202.
5- كشف الغمة: ج2 ص92 باب فضائل فاطمة (عليها السلام) .

الحوراء

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالحوراء الإنسية: لأن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»(1).

المنصورة

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالمنصورة، لأن اللّه سمّاها في السماء بذلك وفي الأرض بفاطمة.

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «معاشر الناس تدرون لما خُلقت فاطمة؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: خُلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، وقال: خُلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه، قالوا: يا رسول اللّه اشتكل ذلك علينا تقول حوراء إنسية لا إنسية، ثم تقول من عرق جبرئيل ومن زغبه؟

قال: إذاً(2) أنبئكم، أهدى إليّ ربي تفاحة من الجنة، أتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل (عليه السلام) وعرقت التفاحة فصار عرقهما شيئاً واحداً، ثم قال: السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته، قلت: وعليك السلام يا جبرئيل، فقال: إن اللّه أهدى إليك تفاحة من الجنة، فأخذتها فقبّلتها ووضعتها

ص: 18


1- الاحتجاج: ج2 ص191.
2- أي إذ اشتكل ذلك عليكم أنبئكم، ويدل عليه التنوين اللاحق ب- (إذ) فإنه يسمى باصطلاح النحاة تنوين العوض عن الجملة، ومنه قوله تعالى: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} سورة الحاقة: 16، ومنه قوله تعالى: {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} سورة الروم: 4.

على عيني وضممتها إلى صدري، ثم قال: يا محمد كُلها، قلت: يا حبيبي يا جبرئيل هدية ربي تُؤكل؟ قال: نعم قد اُمرتَ بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نوراً ساطعاً، ففزعت من ذلك النور، قال: كُل فإن ذلك نور المنصورة فاطمة، قلت: يا جبرئيل ومن المنصورة؟ قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة، فقلت: يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟ قال: سُميت فاطمة في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار، وفطموا أعداؤها عن حبها... وهي في السماء المنصورة وذلك قول اللّه في كتابه {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ}(1) بنصر فاطمة (عليها السلام) لمحبيها»(2) الحديث.

الحانية

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالحانية: لشفقتها على أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وزوجها وأولادها، وكذلك شيعتها ومحبيها.

روى الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «كنا مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة (عليها السلام) ومعها كسرة خبز فدفعتها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما هذه الكسرة؟ قالت: قرصاً خبزتها للحسن والحسين (عليهما السلام) جئتك منه بهذه الكسرة،فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث»(3).

وعن أبي أيوب الأنصاري، قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرض مرضة فأتته

ص: 19


1- سورة الروم: 4-5.
2- تفسير فرات الكوفي: ص321 ح435 سورة الروم. وانظر معاني الأخبار: ص396-397 باب معنى نوادر المعاني ح53.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص43 ب31 ح123.

فاطمة (عليها السلام) تعوده وهو ناقه من مرضه، فلما رأت ما برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدها...»(1).

إلى غير ذلك(2).

حبيبة اللّه

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بحبيبة اللّه: لأن اللّه يخاطبها يوم القيامة ويقول لها:

«يا حبيبتي وابنة حبيبي»(3).

المحدِثة

المحدِثة(4)

ولُقّبت فاطمة (عليها السلام) بالمحدِّثة، بالكسر: لأنها كانت تحدث أمها خديجة (عليها السلام) وهي حمل في بطنها.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث: «فلما حملت - خديجة (عليها السلام) - بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها من بطنها وتصبرها»(5).

المحدَثة

المحدَثة(6)

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالمحدَّثة، بالفتح: لأن اللّه كان يحدّثها وكذلك جبرائيل والملائكة. عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنما سُمّيت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت

ص: 20


1- الخصال: ص412 باب الثمانية ح16.
2- انظر ما سيأتي في هذا الكتاب تحت عنوان (الشفقة والمحبة) في فصل (المدرسة الفاطمية)، و(مقام الشفاعة) في فصل (الأحوال الفاطمية يوم القيامة).
3- روضة الواعظين: ج1 ص149 مجلس في ذكر مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
4- بكسر الدال.
5- الخرائج والجرائح: ج2 ص524 فصل: في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) ح1.
6- بفتح الدال.

تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ}(1)، يا فاطمة {اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}(2)، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريمُ بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن اللّه عزّ وجلّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»(3).

الطاهرة

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالطاهرة: لطهارتها من كل عيب ودنس، عن أبي جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «إنما سمُيت فاطمة بنت محمد الطاهرة لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث(4)، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً»(5).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «حرّم اللّه النساء على علي (عليه السلام) ما دامت فاطمة (عليها السلام) حية، لأنها طاهرة لا تحيض»(6).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث: «يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني: إنها أنثى، وإنها النسلة الطاهرة الميمونة»(7).

ص: 21


1- سورة آل عمران: 42.
2- سورة آل عمران: 43.
3- تفسير الصافي: ج1 ص336 سورة آل عمران الآية 43.
4- الرفث: هو الفحش من القول، والحمرة: المراد منها الحيض، والنفاس: ما تراه المرأة عند خروج أول جزء من المولود والذي أقله مسماه وأكثره عادتها أو عشرة أيام، وسيأتي ما يدل على هذا المعنى أكثر من رواية أسماء بنت عميس وأم سليم (أم أنس) الأنصارية في فصل (المعاجز والكرامات الفاطمية).
5- بحار الأنوار: ج43 ص19 ب2 ح20.
6- تهذيب الأحكام: ج7 ص475 باب من الزيادات في فقه النكاح ح117.
7- الأنوار البهية: ص56 فصل في ذكر ولادتها صلوات اللّه عليها.

الصديقة الكبرى

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بالصديقة الكبرى: لما ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «هي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى»(1).

سيدة نساء العالمين

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بسيدة نساء العالمين، للروايات الشريفة الكثيرة التي وردت بذلك(2).

قالت الملائكة: «إن اللّه عزّ وجلّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»(3).

سيدة بنات آدم

ولُقبت فاطمة (عليها السلام) بسيدة نساء بنات آدم: لما روي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قصة الأعرابي وعِقد فاطمة (عليها السلام) المبارك أنه بكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقال: «وكيف لا يصنع اللّه لك، وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم»(4).

ألقاب أخرى

ومن ألقابها (عليها السلام) : سيدة نساء الأولين والآخرين، لما مرّ من الحديث الشريف عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (5).

ص: 22


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص668 المجلس36 ح6.
2- انظر في هذا الكتاب: عنوان (سيدة النساء).
3- علل الشرائع: ج1 ص182 ب146 ح1.
4- بشارة المصطفى: ص219 ح44.
5- انظر(دلائل الإمامة): ص81 ح20، وانظر أيضاً فصل: (المحدَّثة) و(سيدة نساء العالمين).

ومنها: بضعة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1). ومنها: قلب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . روي أنه خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه جل وعلا»(2).

إلى غيرها من الألقاب الشريفة(3).

ص: 23


1- سيأتي البحث عن هذا الحديث الشريف في فصل (بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) فضلاً عن ورود الحديث في موارد متعددة في هذا الكتاب.
2- المحتضر: ص133.
3- قال الشيخ ابن شهرآشوب في كتابه المناقب: ج3 ص132-133: (وكناها: أم الحسن، وأم الحسين، وأم المحسن، وأم الأئمة، وأم أبيها، وأسماؤها على ما ذكره أبو جعفر القمي (وهو الشيخ الصدوق والظاهر أن الشيخ ابن شهر آشوب نقل كلامه من كتابه (مولد الزهراء (عليها السلام) ) المفقود): فاطمة، البتول، الحصان، الحرة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدثة، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى، ويقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية. قال الشيخ ابن شهرآشوب في شرح أسمائها: الصديقة بالأقوال، والمباركة بالأحوال، والطاهرة بالأفعال، والزكية بالعدالة، والرضية بالمقالة، والمرضية بالدلالة، المحدثة بالشفقة، والحرة بالنفقة، والسيدة بالصدقة، الحصان بالمكان، والبتول في الزمان، والزهراء بالإحسان، مريم الكبرى في الستر، وفاطم بالسر، وفاطمة بالبر، النورية بالشهادة، والسماوية بالعبادة، والحانية بالزهادة، والعذراء بالولادة، الزاهدة الصفية، العابدة الرضية، الراضية المرضية، المتهجدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيد النسوان، وحبيبة حبيب الرحمن، والمحتجبة عن خزان الجنان، وصفية الرحمن، ابنة خير المرسلين، وقرة عين سيد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيدات نساء العالمين، المتظلمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوة، وأم الأئمة، وزهرة فؤاد شفيع الامة، الزهراء المحترمة، والغراء المحتشمة، المكرمة تحت القبة الخضراء، والانسية الحوراء، والبتول العذراء، ست النساء، وارثة سيد الانبياء. وقرينة سيد الأوصياء، فاطمة الزهراء، الصديقة الكبرى، راحة روح المصطفى، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى، وصاحبة شجرة طوبى، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى، ابنة النبي، وصاحبة الوصي، وأم السبطين، وجدة الأئمة، وسيدة نساء الدنيا والآخرة، زوجة المرتضى، ووالدة المجتبى، وابنة المصطفى، السيدة المفقودة، الكريمة المظلومة الشهيدة، السيدة الرشيدة، شقيقة مريم، وابنة محمد الأكرم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، المقطوعة من كل شر، المعلومة بكل خير، المنعوتة في الإنجيل، الموصوفة بالبر والتبجيل، درة صاحب الوحي والتنزيل، جدها الخليل، ومادحها الجليل، وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل).

3

النطفة الطاهرة

اشارة

قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلتُه، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلما أهبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة (عليها السلام) »(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه قال: قيل: يا رسول اللّه إنك تلثم فاطمة (عليها السلام) وتلزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماء في صلبي، ثم واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) فأنا أشم منها رائحة الجنة»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) ..

ص: 24


1- التوحيد: ص118 باب ما جاء في الرؤية ح21.
2- منازل الآخرة والمطالب الفاخرة: ص298.

فأنكرت ذلك عائشة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلته، فحول اللّه ذلك ماء في ظهري، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) فما قبّلتها قط إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى منها»(1).

أقول: والجمع بين الروايات في الرطب والتفاحة وما أشبه بجمعها(2).

تفاحة الجنة

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خُلق نور فاطمة (عليها السلام) قبل أن تخلق الأرض والسماء» فقال بعض الناس: يا نبي اللّه فليست هي إنسية؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة حوراء إنسية» قال: يا نبي اللّه وكيف هي حوراء إنسية؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خلقها اللّه عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) إذ كانت الأرواح، فلما خلق اللّه عزّ وجلّ آدم عرضت على آدم» قيل: يا نبي اللّه وأين كانت فاطمة؟ قال: «كانت في حقة(3)

تحت ساق العرش»، قالوا: يا نبي اللّه فما كان طعامها؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «التسبيح والتهليل والتحميد، فلما خلق اللّه عزّ وجلّ آدم وأخرجني من صلبه أحب اللّه عزّ وجلّ أن يخرجها من صلبي، جعلها تفاحة في الجنة، وأتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فقال لي: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته يا محمد، قلت: وعليك السلام ورحمة اللّه حبيبي جبرئيل، فقال: يا محمد إن ربك يُقرئك السلام، قلت: منه السلام وإليه يعود السلام، قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها اللّه عزّ وجلّ إليك من الجنة، فأخذتها وضممتها إلى صدري،

ص: 25


1- بحار الأنوار: ج8 ص120 ب23 ح10.
2- أي إن جبرئيل (عليه السلام) قدم كلها للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأكلها.
3- الحقة: بالضم، منحوتة من الخشب والعاج وغير ذلك مما يصلح أن ينحت منه.

قال: يا محمد يقول اللّه جل جلاله: كُلها، ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً ففزعت منه، فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كُلها ولا تخف، فإن ذلك النور للمنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة.

قلت: حبيبي جبرئيل ولمَ سميت في السماء المنصورة؟ وفي الأرض فاطمة؟

قال: سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار، وفُطم أعداؤها عن حبها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول اللّه عزّوجلّ: {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ}(1)، يعني: نصر فاطمة (عليها السلام) لمحبيها»(2).

ص: 26


1- سورة الروم: 4-5.
2- معاني الأخبار: ص396-397 باب معنى نوادر المعاني ح53.

4

الولادة المباركة

اشارة

وُلدت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بمكة المكرمة يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة، بعد المبعث الشريف بخمس سنوات(1)، كما في الرواية المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) (2).

وكان ولادتها بعد الإسراء بثلاث سنين، فأقامت (عليها السلام) مع أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمكة ثماني

ص: 27


1- روى ابن الخشاب البغدادي في تاريخه ص8-10، باسنادين الأول عن الإمام الصادق (عليه السلام) والثاني عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنهما قالا: (وُلدت فاطمة بعدما أظهر اللّه نبوة نبيه وأنزل عليه الوحي بخمس سنين). * وروى الكليني بإسناده عن الإمام الباقر (عليه السلام) في الكافي ج1 ص457 باب مولد أمير المؤمنين (عليه السلام) ح10: (ولدت فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد مبعث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بخمس سنين). * وفي الهداية الكبرى ص175: (ولدت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد خمس سنين من ظهور الرسالة ونزول الوحي).
2- روى الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص79 ح18 وص134 ح43: باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) : (وُلدت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وتسعين يؤماً (وفي بعض النسخ: «وسبعين يوماً» وهو الموافق للحديث 43 الذي رواه الطبري)، وقُبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة (صلوات اللّه وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

سنين، ثم هاجرت معه إلى المدينة، فزوّجها من علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقدمها المدينة بسنتين أول يوم من ذي الحجة، - وروي أنه كان يوم السادس منه - ودخل بها يوم الثلاثاء لستّ خلون من ذي الحجة بعد بدر، وولدت الحسن (عليه السلام) ولها اثنتا عشرة سنة، وقُبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولفاطمة (عليها السلام) ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر(1).

عن المفضل(2)،

قال: قلت لأبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) : كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام) ؟

قال (عليه السلام) : «نعم، إن خديجة (عليها السلام) لما تزوّج بها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة (عليها السلام) لذلك، وكان جزعها وغمها حذراً عليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلما حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة (عليها السلام) تحُدّثها من بطنها وتُصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فدخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً فسمع خديجة (عليها السلام) تحدّث فاطمة (عليها السلام) فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني!.

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنها أنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأن اللّه تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة

ص: 28


1- انظر (مناقب آل أبي طالب): ج3 ص132 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- المفضل بن عمر أبو عبداللّه وقيل أبو محمد، الجعفي الكوفي، إمامي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وخاصته بطانته، ومن ثقاته ومن الفقهاء الصالحين الممدوحين، وممن روى النص بالإمامة من أبي عبداللّه (عليه السلام) على الإمام الكاظم (عليه السلام) وكان من أصحابه أيضاً، له جملة من الكتب أشهرها كتاب (فكر) المعروف ب- (توحيد المفضل) توفي في حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) .

ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش: أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب، فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمت خديجة (عليها السلام) لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم أخت موسى بن عمران، بعثنا اللّه إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة..

فلما سقطت (عليها السلام) إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية ثم استنطقتها، فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سيد الأنبياء، وأن بعلي (عليه السلام) سيد الأوصياء، وولدي (عليهم السلام) سادة الأسباط، ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) ، وحدث في

ص: 29

السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها فدر عليها، فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر، وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة»(1).

الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسميها بأمر اللّه

وقد سمّاها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) بأمر من اللّه عزّ وجلّ، لأن اللّه فطمها وفطم شيعتها من النار(2).

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما وُلدت فاطمة (عليها السلام) أوحى اللّه عزّوجلّ إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمّاها فاطمة (عليها السلام) »(3).

وقال (عليه السلام) : «.. فتقول - أي فاطمة (عليها السلام) -: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول اللّه عزّ وجلّ: صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار..»(4).

ص: 30


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص690-692 المجلس87 ح1.
2- قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إني سميتُ ابنتي فاطمة لأن اللّه عزّوجلّ فطمها وفطم من أحبها من النار» بشارة المصطفى: ص209 ح33.
3- علل الشرائع: ج1 ص179 ب142 ح4.
4- كشف الغمة: ج2 ص91-92 باب فضائل فاطمة (عليها السلام) .

5

فصل: الفضائل الفاطمية

اشارة

إن فضائل الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي أكثر من أن يتمكن أحدنا من إحصائها بل ومعرفتها، فهي التي فُطم الخلق عن معرفتها، كما في الحديث الشريف(1)، وهذه نماذج من فضائلها:

فاطمة (عليها السلام) في القرآن

هناك العشرات - بل المئات - من الآيات الشريفة التي وردت في فضل الصديقة فاطمة (عليها السلام) بخصوصها أو مع أهل بيتها (عليهم السلام) .. تنزيلاً أو تفسيراً أو تأويلاً(2)،

وقد جمع السيد الأخ(3) في ذلك كتاباً، منها:

ص: 31


1- فقد ورد هذا المعنى في جملة من الأحاديث، منها ما ورد في تفسير فرات الكوفي: ص581 ح747 سورة القدر، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: ({إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الليلة فاطمة، والقدر اللّه، فمن عرف فاطمة حق معرفتها قد أدرك ليلة القدر، وإنما سمّيت فاطمة لأن الخلق فُطموا عن معرفتها).
2- التنزيل هو: بيان مورد نزول الآية وسببها، التفسير: بيان ظاهر القرآن الكريم أو بيان المصداق، التأويل: بيان باطن القرآن الكريم أو بيان الفرد الأكمل وقيل: غير هذه المعاني.
3- هو المرجع الديني سماحة آية اللّه العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كتابه (فاطمة (عليها السلام) في القرآن): قال سماحته في المقدمة: (فهذه آيات بينات من القرآن الكريم وردت بحق سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) تنزيلاً، أو تفسيراً، أو تأويلاً، أو تطبيقاً، جمعتها من كتب غير الشيعة ولم أذكر ما تفرد بذكره علماء الشيعة ليكون أقوى حجة وأظهر دليلاً).

آية التطهير

قال اللّه تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاً}(1)، وهذه الآية نزلت في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وابنيهما (عليهم السلام) ، كما في روايات الفريقين(2).

وفي حديث الكساء المشهور، بل المتواتر، وقد رواه والدي (رحمه اللّه) بسند معتبر متصل إلى المعصوم (عليه السلام).

روى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد قال: (نزلت في خمسة: في النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) )(3).

وفي الإصابة: وقالت أم سلمة: (في بيتي نزلت {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}(4) قالت: فأرسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: «هؤلاء أهل بيتي» الحديث(5).

وأخرجه الترمذي(6) أيضاً.

وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} وفي البيت جبريل وميكائيل (عليهما السلام)

ص: 32


1- سورة الأحزاب: 33.
2- وهذه بعض مصادر الحديث من كتب الإمامية (أعزهم اللّه تعالى): الإمامة والتبصرة: ص47 ح29، الكافي: ج1 ص287 باب ما نص اللّه عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة (عليهم السلام) واحداً فواحداً ح1، علل الشرائع: ج1 ص205 ب156 ح2، الخصال: ص403 ح113، الأمالي، للصدوق: ص559 ح745، كمال الدين: ص278 ح25، كفاية الأثر: ص66.
3- أسباب نزول الآيات: ص239 قوله تعالى: {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}.
4- سورة الأحزاب: 33.
5- الإصابة: ج8 ص265 ترجمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
6- سنن الترمذي: ج5 ص30 ح3258، وص328 ح3875، وص361 ح3963.

وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول اللّه ألستُ من أهل البيت؟ قال: «إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

وروى البيهقي في سننه(2) عن عائشة قالت: خرج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات غداة وعليه مرط مرحل(3) من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال: {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}، رواه مسلم في الصحيح(4).

وروى الحاكم في المستدرك(5) أنه: نزل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوحي فأدخل علياً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهلي أهل بيتي»(6).

ورووا أيضاً: عن عبد اللّه بن جعفر ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما نظر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الرحمة هابطة قال: «ادعوا لي ادعوا لي». فقالت صفية: مَن يا رسول اللّه؟ قال: «أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين» فجيء بهم فألقى

ص: 33


1- الدر المنثور: ج5 ص198.
2- السنن الكبرى: ج2 ص149.
3- المرط: بكسر الميم وسكون الراء، كساء يؤتزر به ويكون إما من صوف أو من شعر أو كتان أو خز، المرحل: بفتح الراء وهو الذي فيه خطوط.
4- صحيح مسلم: ج7 ص130 باب فضائل أهل بيت النبي صلى اللّه عليه وآله.
5- روى الحاكم النيسابوري الحديث بأسانيد متعددة فروى الحديث الأول وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، والحديث الثاني والثالث قال فيه: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والحديث الخامس قال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والذي ذكره المصنف هو الحديث الرابع، وللحاكم أسانيد أخرى في كتابه غير هذا الموضع، انظر (المستدرك على الصحيحين) ج2 ص416 قال فيه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وج3 ص132 وقال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة.
6- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص147.

عليهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كساءه ثم رفع يديه ثم قال: «اللّهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد» وأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1)(2).

آية المباهلة

في قصة المباهلة(3)

مع وفد نجران نزلت هذه الآية: {فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(4)، فدعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ليباهل بهم النصارى فالمقصود ب{أَبْنَاءَنَا} الحسن والحسين، وب- {نِسَآءَنَا}: فاطمة، وب- {أَنْفُسَنَا}: علي (عليهم السلام) .

قال الإمام الحسن (عليه السلام) في حديث: «فأدخلنا فله الحمد فيما أدخل فيه نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 34


1- انظر (المستدرك على الصحيحين): ج3 ص148، شواهد التنزيل: ج2 ص55 ح675، ينابيع المودة: ج1 ص323.
2- وانظر من كتب العامة: مسند أحمد: ج6 ص304، مسند أبي يعلى: ج12 ص451 ح7021، المعجم الأوسط: ج4 ص134، المعجم الكبير: ج3 ص55 ح2668، ج9 ص26، وج23 ص249 و...
3- حديث المباهلة من الأحاديث المشهورة المتواترة، وهذه بعض المصادر من كتب العامة: مسلم في صحيحه: ج7 ص120-121، سنن الترمذي: ج4 ص293-294 ح4085، فتح الباري: ج7 ص60، تحفة الأحوذي: ج8 ص278، معرفة علوم الحديث: ص50 وقد قال الحاكم فيه: (وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبداللّه بن عباس وغيره أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال: هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا فهلموا أنفسكم وأبناؤكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين)، وغيرها من المصادر الكثيرة وأما روايات الإمامية فكثيرة بحيث لا يخلو كتاب من كتب الحديث والسير إلا ولهذا الحديث والواقعة ذكر.
4- سورة آل عمران: 61.

وأخرجنا ونزّهنا مما أخرجه منه ونزّهه عنه، كرامة أكرمنا اللّه عزّ وجلّ بها وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد، فقال اللّه تعالى لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه: {فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ} فأخرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الأنفس معه أبي، ومن البنين إياي وأخي، ومن النساء أمي فاطمة من الناس جميعاً فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهو منا»(1) الحديث.

سورة الإنسان

عن الإمام السجاد (عليه السلام) قال: «مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضاً شديداً، فعادهما سيد ولد آدم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : إن عافى اللّه ولدي مما بهما صمتُ لله ثلاثة أيام متواليات، وقالت الزهراء (عليها السلام) مثل ما قال زوجها، وكانت لهما جارية بربرية تدعى فضة قالت: إن عافى اللّه سيدَيّ مما بهما صمت لله ثلاثة أيام، وساق الحديث نحواً مما مر إلى أن قال: وإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخذ بيد الغلامين وهما كالفرخين لا ريش لهما يرتعشان من الجوع، فانطلق بهما إلى منزل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما نظر إليهما النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اغرورقت عيناه بالدموع وأخذ بيد الغلامين فانطلق بهما إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلما نظر إليها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد تغير لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها انكب عليها يقبّل بين عينيها، ونادته باكية: وا غوثاه باللّه ثم بك يا رسول اللّه من الجوع، قال: فرفع رأسه إلى السماء وهو يقول: اللّهم أشبع آل محمد، فهبط جبرئيل فقال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ {إِنّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّهِ

ص: 35


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص565 المجلس21 ح1.

يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنّا نَخَافُ مِن رّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنّةً وَحَرِيراً * مّتّكِئِينَ فِيهَا عَلَىَ الأرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مّن فِضّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمّىَ سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مّخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلّوَاْ أَسَاوِرَ مِن فِضّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنّ هََذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مّشْكُوراً}(1)(2).

وروي أنّ الإمامين الحسنين (عليهما السلام) مرضا، فنذر علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) صيام ثلاثة أيام، فلمّا عافاهما اللّه وكان الزمان قحطاً، أخذ علي بن أبي طالب (عليه السلام) من يهودي ثلاث جزات(3) صوفاً لتغزلها فاطمة (عليها السلام) بثلاثة أصواع شعيراً.. فصاموا وغزلت فاطمة (عليها السلام) جزة ثم طحنت صاعاً من شعير وخبزته. فلمّا كان عند الإفطار أتى مسكين فأعطوه طعامهم ولم يذوقوا إلاّ الماء. ثمّ غزلت (عليها السلام) جزة أُخرى من الغد ثم طحنت صاعاً وخبزته، فلمّا كان عند الإفطار أتى يتيم فأعطوه طعامهم ولم يذوقوا إلاّ الماء.

وغزلت (عليها السلام) اليوم الثالث الجزة الباقية ثم طحنت الصاع وخبزته، وأتى أسير عند الإفطار فأعطوه طعامهم، وكان مضى على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أربعة أيام

ص: 36


1- سورة الإنسان: 5-22.
2- بحار الأنوار: ج35 ص249-250 ب6 ح7.
3- جزات: جمع جزة، ويسمى صوف كل شاة ب- (جزة).

والحجر على بطنه وقد علم بحالهم فخرج ودخل حديقة المقداد ولم يبق على نخلاتها ثمرة ومعه علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال: يا أبا الحسن؟ خذ السلّة وانطلق إلى تلك النخلة وأشار إلى واحدة، فقل لها: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سألتك بحقّ اللّه لما أطعمتينا من ثمرك.

قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام) : فلقد تطأطأت بحمل ما نظر الناظرون إلى مثلها والتقطت من أطائبها وحملت بها إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأكل وأكلت، وأطعم المقداد وجميع عياله، وحمل إلى فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ما كفاهم، فلمّا بلغ المنزل إذا فاطمة (عليها السلام) يأخذها الصداع، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أبشري واصبري، فلن تنالي ما عند اللّه إلاّ بالصبر. فنزل جبرئيل بسورة {هَلْ أَتَى}(1)(2).

إجلالا لفاطمة (عليها السلام)

في المناقب لابن شهرآشوب: سُئل عالم فقيل: إن اللّه تعالى قد أنزل {هَلْ

ص: 37


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص539-540 ح15 فصل: في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) .
2- نزول الآيات الشريفة في أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنين (عليهم السلام) مما اشتهر بين الخاصة والعامة، فمن العامة: العيني في عمدة القاري ج19 ص270: (وجاء أخبار فيها أنها نزلت بالمدينة في شأن علي وفاطمة وابنيهما)، وذكر القرطبي قول القشيري بأن هذه السورة نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، راجع (تفسير القرطبي): ج19 ص118، كما روى الزمخشري في الكشاف ج4 ص169 ط. مصطفى محمد بمصر: رواية ابن عباس في بيان الواقعة السابقة القريبة في المعنى من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ، وكذلك الواحدي الحسكاني في أسباب النزول: ص331 ط. الهندية بمصر، والبغوي في معالم التنزيل المطبوع بهامش تفسير الخازن ج7 ص159 ط.مصر: عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس: أنها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وساق الرواية، والفخر الرازي في تفسيره: ج30 ص243 ط.البهية بمصر: عن الواحدي والزمخشري عن ابن عباس، وغيرهم كثير وللمزيد راجع (شرح إحقاق الحق).

أَتَى} في أهل البيت (عليهم السلام) وليس شيء من نعيم الجنة إلاّ وذكر فيه إلاّ الحور العين؟ قال: ذلك إجلالاً لفاطمة (عليه السلام) ..(1).

سورة الكوثر

انقطع نسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلاّ من فاطمة (عليها السلام) ، فبارك اللّه في ذريتها، كماً وكيفاً. وأشرف ذريتها (عليها السلام) هم: الحسن والحسين (عليهما السلام) ثم الأئمة التسعة من ولد الحسين (عليهم السلام) . وقد قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوثَرَ}(2)، حيث ورد أن (الكوثر) هي فاطمة (صلوات اللّه عليها)(3).

وفي حديث زواج علي وفاطمة (عليهما السلام) قال اللّه عزّ وجلّ: «يا راحيل(4)، إن من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجتي على خلقي، وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقاً ولأنشأن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي، ومعادن لحكمي، بهم أحتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين»(5).

ص: 38


1- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص106 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقد ذكر هذا المعنى الآلوسي في تفسيره: ج29 ص158.
2- سورة الكوثر: 1.
3- قال الفخر الرازي في تفسيره ج32 ص125: (الرابع - أي من معاني الكوثر -: الكوثر أولاده، قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه (عليه السلام) بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت؟ ثم العالَم ممتليء منهم، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء؟ كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم).
4- اسم ملك من الملائكة ليس في الملائكة من هو أبلغ منه، وكان من أخطب الملائكة وأعظمهم شأناً.
5- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص202 ب21 ح1.

نصر اللّه

في رواية عن جبرئيل (عليه السلام) قال: «.. وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ}(1) يعني نصر فاطمة (عليها السلام) لمحبيها»(2).

مرج البحرين

عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ}(3)، قال: «علي وفاطمة (عليهما السلام) بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه»(4).

الذكر والأنثى

عن عمار بن ياسر في قوله تعالى: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى}(5).قال: فالذكر علي (عليه السلام) والأنثى فاطمة (عليها السلام) ، وقت الهجرة إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الليلة(6)»(7).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنْثى}(8): «فالذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) والأنثى فاطمة (عليها السلام) »(9).

ص: 39


1- سورة الروم: 4-5.
2- معاني الأخبار: ص396-397 باب معنى نوادر المعاني ح53.
3- سورة الرحمن: 19.
4- تفسير القمي: ج2 ص344 سورة الرحمن.
5- سورة آل عمران: 195.
6- أي إنها نزلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الليلة التي أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) الهجرة والمسير بالفواطم إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المدينة.
7- بحار الأنوار: ج43 ص32 ب3 ح39.
8- سورة الليل: 3.
9- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص102 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

الكلمات المعهودة

عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: {ولَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ}(1) «كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم (عليهم السلام) كذا نزلت على محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).

أي نزلت بهذا التفسير والتأويل، وهكذا في أمثال هذه الموارد مما ذكرناه في بحث عدم تحريف القرآن(3).

النساء المصطفيات

عن محمد بن الحنفية (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قرأ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ}(4) الآية فقال: «يا علي خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم»(5).

ليلة القدر

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(6)، الليلة: فاطمة، والقدر: اللّه(7)،

فمن عرف فاطمة (عليها السلام) حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سُمّيت فاطمة لأن الخلق فُطموا عن معرفتها»(8).

ص: 40


1- سورة طه: 115.
2- تفسير نور الثقلين: ج3 ص402-403 ح158 سورة طه.
3- انظر كتاب (متى جمع القرآن) للإمام الشيرازي (رحمه اللّه) .
4- سورة آل عمران: 42.
5- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص104 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
6- سورة القدر: 1.
7- أي من اللّه عزّوجلّ، أو ليلة القدر بمعنى ليلة اللّه أي ليلة منسوبة إليه، كما يقال ذلك في يوم اللّه.
8- راجع تفسير فرات الكوفي: ص583 ح747 سورة القدر.

ولسوف يعطيك ربك

عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن جابر الأنصاري (رحمه اللّه) : «أنه رأى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: «يا رسول اللّه، الحمد لله على نعمائه والشكر اللّه على آلائه، فأنزل اللّه: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}(1)»(2).

لإحدى الكبر

عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: {إِنَّها لإحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ}(3) قال: «يعني فاطمة (عليها السلام) »(4).

الصالحون

عن أنس بن مالك في حديث: قلنا: يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسّر لنا قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهِ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}(5)، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فأخي علي، وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين (عليهم السلام) »(6).

ص: 41


1- سورة الضحى: 5.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص120 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- سورة المدثر: 35-36.
4- تفسير القمي: ج2 ص396 سورة المدثر.
5- سورة النساء: 69.
6- راجع تأويل الآيات: ج1 ص137سورة النساء.

آية الإيذاء

قال القمي (رحمه اللّه) (1) في تفسير قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً}(2): (نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه، وأخذ حق فاطمة (عليها السلام) وآذاها، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه»(3).

وهو قول اللّه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ} الآية. وقوله: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ}، يعني: علياً وفاطمة (عليهما السلام) )(4).

وهذه الآيات الشريفة تدل على جواز لعن من ظلم الصديقة فاطمة (عليها السلام) وغصب فدك وآذاها، ولعن كل من غضبت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

آية ذي القربى

قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ}(5) وقال عزّ وجلّ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ}(6). وفي الحديث: «نزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: إن اللّه عزّ وجلّ يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقه، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا جبرئيل ومن قرباي وما حقها؟ قال: فاطمة فأعطها حوائط

ص: 42


1- القمي: علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي، شيخ شيوخ الطائفة ومسند عصره، كان ثقة ثبتاً معتمداً وكان من طبقة أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) وعاش إلى سنة 307ه.
2- سورة الأحزاب: 57.
3- انظر(علل الشرائع): ج1 ص187 ب149 ح2.
4- تفسير القمي: ج2 ص196 سورة الأحزاب.
5- سورة الإسراء: 24.
6- سورة الروم: 38.

فدك»(1).

وفيما احتجّ الإمام الرضا (عليه السلام) في فضل العترة الطاهرة (عليهم السلام) قال: «والآية الخامسة قول اللّه عزّ وجلّ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} خصوصيّة خصّهم العزيز الجبّار بها، واصطفاهم على الأمّة.

فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: ادعوا لي فاطمة. فدعيت له، فقال: يا فاطمة، قالت: لبّيك يا رسول اللّه. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هذه فدك هي ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصّة دون المسلمين، وقد جعلتها لك، لما أمرني اللّه به، فخذيها لك ولولدك..»(2).

وعن أبي سعيد الخدري قال: (لمّا نزلت {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) وأعطاها فدكا)(3).

وفي تفسير القمي: (قوله {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}: يعني قرابة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنزلت في فاطمة (عليها السلام) فجعل لها فدك، والمسكين من وُلد فاطمة، وابن السبيل من آل محمد ووُلد فاطمة (عليها السلام) )(4).

إلى غيرها من الآيات الكثيرة(5).

ص: 43


1- إعلام الورى: ج1 ص209 باب غزوة خيبر.
2- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص619 المجلس79 ح1.
3- رواه من العامة أبو يعلى الموصلي في مسنده: ج2 ص334.
4- تفسير القمي: ج2 ص18 سورة الإسراء.
5- للتفصيل انظر كتاب (فاطمة الزهراء (عليها السلام) في القرآن) لسماحة المرجع آية اللّه العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) فقد ذكر فيه أكثر من (260) آية من (68) سورة نزلت في حق الزهراء (عليها السلام) إما بشكل خاص أو عام.

6

فدك فاطمة (عليها السلام)

اشارة

كانت فدك منطقة زراعية خصبة ذات حوائط عامرة سبعة(1)، وكان يسكنها اليهود، وكبيرهم يوشع بن نون.

فلما فرغ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من خيبر عقد لواءً ثم التفت (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) وقال: يا علي قم إليه فخذه، فقام علي (عليه السلام) إلى اللواء فأخذه، فبعثه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) به إلى فدك(2).

وكان أهل فدك قد سمعوا بما دمّر اللّه على أهل خيبر، وبمسير علي (عليه السلام) فاتح خيبر إليهم، فامتلأت قلوبهم من ذلك خوفاً ورعباً، فأرسلوا إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبل وصول علي (عليه السلام) إليهم يصالحونه على فدك(3)، ويسألونه أن يسترهم بأثواب، ويحقن دماءهم، ويتركوا له أرضهم وأموالهم، وكان الذي مشى بينهم

ص: 44


1- فدك نسبة إلى فدك ابن حام وكان أول من نزلها وهي قرية واسعة بالحجاز وهي من أعمال المدينة بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة، وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة، ولها حصن يطلق عليه: الشمروخ، ولها قرى ونواحي عديدة: منها الشق.
2- انظر (إعلام الورى بأعلام الهدى): ج1 ص209 غزوة خيبر.
3- قال الشيخ الكليني (رحمه اللّه) : (وكانت فدك لرسول اللّه خاصة، لأنه صلى اللّه عليه وآله فتحها وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، لم يكن معهما أحد فزال عنها اسم الفيء ولزمها اسم الأنفال).

وبين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني حارثة(1).

فصالحهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أن يحقن دماءهم ويسترهم كما أرادوا.

فكانت حوائط فدك ملكاً لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خاصة خالصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب(2)، وقد وهبها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حياته لابنته فاطمة (عليها السلام) وسلّمها إياها بأمر من اللّه عزّوجلّ، فهي ملك خاص للصديقة فاطمة (عليها السلام) ، ولكن القوم غصبوا فدك منها(3)، وأخرجوا عُمّالها، وذلك بعد وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مباشرة ضمن الخطة التي أعدت لغصب خلافة علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لعلمهم بأن فدك لو بقيت في يد فاطمة (عليها السلام) لجعلت واردها تحت تصرف الإمام (عليه السلام) .. فأرادوا أن يضغطوا على الإمام (عليه السلام) حتى من الناحية الاقتصادية..

قال أبان: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لمّا نزلت الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}(4)، أعطى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة فدكا» فقال أبان بن تغلب: رسول اللّه

ص: 45


1- محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر الأنصاري الأوسي أبو سعد، من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شهد أحداً والخندق وما بعدها.
2- انظر كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) للإمام المؤلف (قدس سره) : ج2 ص27 (حوائط فدك).
3- فأول من غصبها ابن أبي قحافة، ثم أعادها الثاني إلى أمير المؤمنين والعباس بعنوان أن يكونا على صدقتها، فجعلها العباس في يد علي (عليه السلام) لأنه أحق بها منه، وفي زمن الثالث أخذها من أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعطاها خالصة لإبن عمه مروان بن الحكم طريد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وابن طريده وورّثها مروان أولاده، إلى أن وصلت بيد عمر بن عبدالعزيز فأرجعها إلى الإمام الباقر (عليه السلام) كمتولٍ على صدقتها ثم انتزعها يزيد بن عبدالملك، وبعد قدوم العباسين أعطاها السفاح إلى الحسن بن الإمام الحسن (عليه السلام) ثم أخذها المنصور عند قيام الحسنيين ضده، ثم أعادها المهدي العباسي ثم قبضها الهادي العباسي ثم ردها المأمون إلى الفاطميين وكانت في أيديهم مدة ملك المأمون والمعتصم والواثق، ثم أخذها المتوكل العباسي، وردها بعده المعتضد، ثم أخذها المكتفي ولم ترجع إليهم بعد ذلك.
4- سورة الإسراء: 24.

أعطاها؟! قال: فغضب أبو جعفر (عليه السلام) ثم قال: «اللّه أعطاها»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لمّا بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منها.

فجاءت فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى أبي بكر ثم قالت: يا أبا بكر لم تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ وأخرجتَ وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأمر اللّه تعالى؟

فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبا بكر حتّى أحتجّ عليك بما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنشدك باللّه ألست تعلم أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: إنّ أمّ أيمن امرأة من أهل الجنة؟ فقال: بلى.

قالت: فأشهد أنّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}، فجعل فدكا لفاطمة (عليها السلام) طعمة بأمر اللّه.

وجاء عليّ (عليه السلام) فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً ودفعه إليها.

فدخل عمر، فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إنّ فاطمة ادّعت في فدك وشهدت لها أمّ أيمن وعليّ فكتبته. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة (عليها السلام) فتفل فيه ومزّقه. فخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي.

فلمّا كان بعد ذلك جاء عليّ (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد ملكته في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فقال أبو بكر: هذا فيء للمسلمين، فإن

ص: 46


1- بحار الأنوار: ج29 ص121 ب11 ح19.

أقامت شهوداً أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعله لها، وإلاّ فلا حقّ لها فيه.

فقال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه وآله): يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة. قال: فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يدها؟ وقد ملكته في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعده، ولم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادعوها شهوداً، كما سألتني على ما ادعيت عليهم، فسكت أبو بكر، فقال عمر: يا عليّ دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوى على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول، و إلاّ فهو فيء للمسلمين، لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه!.

فقال عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا أبا بكر تقرأ كتاب اللّه؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا} فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم.

قال: فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحدّ! كما أقيمه على نساء المسلمين. قال: إذاً كنت عند اللّه من الكافرين. قال: ولم؟ قال: لأنّك رددت شهادة اللّه لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم اللّه وحكم رسوله أن جعل لها فدك قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابيّ بائل على عقبيه عليها(1)، وأخذت منها فدكاً، وزعمت أنّه فيء للمسلمين، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه»(2) فرددت قول رسول

ص: 47


1- وهو أوس بن الحدثان كما في (غاية المرام) أو مالك بن أوس بن الحدثان كما في (المسترشد).
2- وهو من الأحاديث المشهورة عند الفريقين: انظر (الكافي): ج7 ص415 باب أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ح1 وح2، و(صحيح البخاري): ج3 ص146 كتاب الشهادات باب ما جاء في البينة على المدعي.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه.

قال: فدمدم الناس وأنكروا ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا: صدق واللّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، ورجع عليّ (عليه السلام) إلى منزله. قال: ثم دخلت فاطمة (عليها السلام) المسجد، وطافت بقبر أبيها، وهي تقول:

قد كان بعدك أنباء و هنبثة***لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا***فغاب عنا فكل الخير محتجب

وكنت بدراً ونوراً يستضاء به***عليك ينزل من ذي العزة الكتب

تجهمتنا رجال واستخف بنا***إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت***منا العيون بتهمال لها سكب

قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه، ثم قال له: أما رأيت مجلس عليّ منّا في هذا اليوم؟ واللّه لئن قعد مقعداً آخر مثله ليفسدنّ علينا أمرنا، فما الرأي؟. فقال عمر: الرأي أن تأمر بقتله(1)..

الحديث(2).

ص: 48


1- روى الراوندي في الخرائج والجرائح: ج2 ص757 ب15ح75: إن أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يقتل علياً إذا ما سلّم من صلاة الفجر بالناس، فأتى خالد وجلس إلى جنب علي ومعه السيف، فكان أبوبكر يتفكر في صلاته في عاقبة ذلك فخطر بباله أن علياً إن قتله خالد ثارت الفتنة وإن بني هاشم يقتلونني فلما فرغ من التشهد التفت إلى خالد قبل أن يسلم وقال: لا تفعل ما أمرتك به ثم قال: السلام عليكم، فقال علي لخالد: أكنت تريد أن تفعل ذلك، قال: نعم فمد يده إلى عنقه وخنقه بإصبعين كادت عيناه تسقط من رأسه وناشده باللّه أن يتركه وشفع إليه الناس في تخليته فخلاه..
2- الاحتجاج: ج1 ص119-124 فصل احتجاج امير المؤمنين (عليه السلام) على أبي بكر وعمر لما منعا فاطمة الزهراء (عليها السلام) فدك بالكتاب والسنة.

وقف الحيطان على فاطمة (عليها السلام)

ثم إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهب لفاطمة (عليها السلام) حيطاناً سبعة مضافاً إلى فدك، فأعطاها في حياته وجعلها وقفاً لها. وكانت: الدلال والعواف والحسنى والصافية وماء لأم إبراهيم والميثب والبرقة(1). والصديقة فاطمة (عليها السلام) أوصت بها إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده الحسن والحسين (عليهما السلام) وهكذا.

سُئل أبو الحسن الثاني(2) (عليه السلام) عن الحيطان السبعة التي كانت ميراث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) فقال: «إنما كانت وقفاً وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأخذ إليه منها ما ينفق على أضيافه والتابعة(3) يلزمه فيها، فلما قُبض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جاء العباس يخاصم فاطمة(4) (عليها السلام) فيها فشهد علي (عليه السلام) وغيره أنها وقف على فاطمة (عليها السلام) وهي: الدلال

ص: 49


1- سيأتي بيان هذه المواضع بالتفصيل لاحقاً.
2- المقصود به الإمام الرضا (عليه السلام) ، علماً بأنه لو أطلق في كتب الحديث: (أبو الحسن) أو قيل: (أبو الحسن الأول) أو (أبو الحسن الماضي) فالمراد به الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وإن أطلق في كتب الحديث: (أبو الحسن الثالث) فالمراد الإمام الهادي (عليه السلام) .
3- التابعة: ما يتبع النوائب من أموال وما أشبه، وفي بعض المصادر: النائبة.
4- المقصود بالخصومة ما ظاهره ذلك، وإلاّ فالمسألة صورية لإثبات وبيان الحق، أي كما قال هشام بن الحكم عندما سئله يحيى البرمكي وهو في مجلس هارون: أي الخصمين كان على الحق؟ فقال هشام: فذكرت قول أبي عبداللّه (عليه السلام) وهو يقول لي: (يا هشام لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك) فعلمت أني لا أخذل، وعنّ لي الجواب في الحال فقلت له: لم يكن من أحدهما خطأ وكان جميعاً محقين ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود (عليه السلام) حيث يقول اللّه جل اسمه: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} إلى قوله: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} (سورة ص: 21-22) فأي الملكين كان مخطأ وأيهما كان مصيباً أم تقول إنهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي بعينه؟ فقال يحيى: لست أقول إن الملكين أخطئا بل أقول إنهما أصابا، وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم، وإنما أظهرا ذلك لينبها داود (عليه السلام) على الخطيئة ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه. قال: فقلت له: كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة وإنما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطئه ويدلاه على ظلمه لهما في الميراث ولم يكونا في ريب من أمرهما وإنما كان ذلك منهما على حد ما كان من الملكين) انظر(الفصول المختارة للسيد المرتضى): ص49-50، ويدل على ذلك ما رواه الطبري الكبير في المسترشد ص578: (عن أبي رافع أنه كان عند أبي بكر إذ جاء علي والعباس، فقال العباس: أنا عم رسول اللّه ووارثه، وقد حال علي بينه وبين تركته، فقال أبو بكر: فأين كنت يا عباس حين جمع النبي بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال: أيكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي وينجز عدتي ويقضي ديني؟ فقال له العباس: بمجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه (تعريضاً بأبي بكر) فقال أبو بكر: أغدراً يا بني عبد المطلب (أي فهمها أبو بكر).

والعواف والحسنى والصافية وما لأم إبراهيم والميثب والبرقة»(1).

وعن أبي بصير: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «ألا أحدثك بوصية فاطمة (عليها السلام) ؟» قلت: بلى، فأخرج (عليه السلام) حقاً أو سفطاً فأخرج منه كتاباً فقرأه:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصت بحوائطها السبعة: العواف والدلال والبرقة والميثب والحسنى والصافية ومال أم إبراهيم إلى علي بن أبي طلب (عليه السلام) فإن مضى علي فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي، شهد اللّه على ذلك والمقداد بن الأسود الكندي والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب (عليه السلام) »(2).

ص: 50


1- الكافي: ج7 ص47 باب صدقات النبي (صلى اللّه عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) والأئمة (عليهم السلام) ح1.
2- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص244 كتاب الوقف ح5579.

7

تحية من اللّه لفاطمة (عليها السلام)

اشارة

كثيراً مّا كان ينزل جبرائيل (عليه السلام) من السماء ويقول: يا محمد أقرِئ فاطمة السلام من اللّه عزّوجلّ.

عن ابن عباس قال: كنت جالساً بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم وبين يديه علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) وبيده تفاحة، فحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) فتحيّا بها علي (عليه السلام) وردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها الحسن (عليه السلام) وقبّلها وردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها الحسين (عليه السلام) فتحيّا بها الحسين (عليه السلام) وقبّلها وردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحيّا بها فاطمة (عليها السلام) فقبّلتها وردّتها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فتحيّا بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثانية وحيّا بها علياً (عليه السلام) فتحيّا بها علي (عليه السلام) ثانية. فلما همّ أن يردّها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سقطت التفاحة من أطراف أنامله فانفلقت بنصفين، فسطع منها نور حتى بلغ سماء الدنيا وإذا عليه سطران مكتوبان:

(بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذه تحية من اللّه عزّ وجلّ إلى محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين سبطي رسول اللّه، وأمان لمحبيهم يوم القيامة من النار)(1).

ص: 51


1- مدينة المعاجز: ج1 ص370 ب1 فصل131 ح236.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «إن خديجة (عليها السلام) لما توفيت جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتدور حوله وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ فجعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لايجيبها، فجعلت تدور وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لايدري ما يقول؟ فنزل جبرئيل فقال: إن ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: إن أمّك في بيت من قَصَب، كعابه من ذهب، وعمده من ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران (عليهما السلام) ، فقالت فاطمة (عليها السلام) : إن اللّه هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»(1). وأيضا نزل جبرائيل بتحية اللّه تعالى لفاطمة (عليها السلام) في حديث إكساء فاطمة (عليها السلام) حلتين من نور يوم القيامة وأنها لا تكون عارية(2).

وفي غيرها من الأحاديث(3).

إن اللّه اختار فاطمة (عليها السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي إن اللّه عزّ وجلّ أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطّلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطّلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطّلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين»(4).

ص: 52


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص529-530 فصل في ذكر أعلام فاطمة الزهراء (عليها السلام) ح4.
2- انظر(الخصائص الفاطمية): ج2 ص47-48، وقد جاء فيه: (وعد الباري لها بأن يكسوها يوم القيامة حلتين من نور).
3- انظر (كتاب الأربعين) للماحوزي ص369 وفيه: (وقال له جبرئيل: اقرأ فاطمة ابنتك مني السلام وقل لها تسميه الحسين فقد سماه اللّه جل اسمه)، وانظر(الخصائص الفاطمية): ج2 ص385 وفيه:(فبكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وضمني إلى صدره، وقال: هبط الأمين جبرئيل وقال: اقرأ فاطمة السلام وقل لها: فلتطلب ما في الغبراء والخضراء، وبشرها أني أحبها)، وغيرها.
4- الخصال: 206-207 باب الأربعة ح25.

وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

«لما اُسري بي إلى السماء قال لي العزيز الجبار: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها، واشتققت لك اسماً من أسمائي، لا أذكر في مكان إلاّ ذكرت معي، فأنا محمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية اطلاعة فاخترت منها علياً، واشتققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أشباح نور من نوري، وعرضت ولايتكم على السماوات وعلى الأرضين ومن فيهن، فمن قبل ولايتكم كان عندي من الأظفرين، ومن جحدها كان عندي من الكفار، يا محمد لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم»(1).

الملائكة تسلم على فاطمة (عليها السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في فاطمة (عليها السلام) : «.. وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ}(2)»(3).

حلة من الجنة

روي أن جبرئيل (عليه السلام) أتى بحُلة قيمتها الدنيا، فلما لبستها - الصديقة فاطمة (عليها السلام) - تحيرت نسوة قريش منها، وقلن: من أين لك هذا؟ قالت فاطمة (عليها السلام) : «هذا من

ص: 53


1- بحار الأنوار: ج16 ص361-362 ب11 ح61.
2- سورة آل عمران: 42.
3- روضة الواعظين: ج1 ص149 مجلس في ذكر مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

عند اللّه تعالى»(1).

حلي من الجنان

روي أن اليهود كان لهم عرس فجاءوا إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقالوا: لنا حق الجوار فنسألك أن تبعث فاطمة (عليها السلام) بنتك إلى دارنا حتى يزدان عرسنا بها، وألحوا عليه. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنها زوجة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي بحكمه، وسألوه أن يشفع إلى علي (عليه السلام) في ذلك. وقد جمع اليهود الطم والرم(2) من الحلي والحلل، وظن اليهود أن فاطمة (عليها السلام) تدخل عليهم في بذلتها وأرادوا استهانة بها، فجاء جبرئيل بثياب من الجنة وحلي وحلل لم ير الراؤون مثلها، فلبستها فاطمة (عليها السلام) وتحلّت بها، فتعجب الناس من زينتها وألوانها وطيبها، فلما دخلت فاطمة (عليها السلام) دار هؤلاء اليهود سجد لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها، وأسلم بسبب ما رأوا خلق كثير من اليهود(3).

ص: 54


1- الأنوار العلوية: ص55.
2- يقال: جاء بالطم والرم أي جاء بكل ما عنده، أو جاء بالمال الكثير، أو بالبحري والبري، أو الرطب واليابس، أو التراب والماء.
3- الخرائج والجرائح: ج2 ص538-539 فصل: في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) ح14.

8

أعز الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

اشارة

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) أعزّ الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة أعز الناس عليّ»(1).

أحب الناس إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

كان علي (عليه السلام) والصديقة فاطمة (عليها السلام) وبنوهما الحسن والحسين (عليهما السلام) أحبّ الناس إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

روى ابن شهرآشوب بعدة أسانيد عن عائشة: أن علياً (عليه السلام) قال للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما جلس (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بينه وبين فاطمة (عليها السلام) «أينا أحب إليك أنا أو هي»؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هي أحب إليّ- وأنت أعز عليّ»(2).

وفي الاستيعاب: (سُئلت عائشة أي الناس كان أحب إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قالت: فاطمة، قلت: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمته صواماً قواماً)(3).

ص: 55


1- بشارة المصطفى: ص119 ح63.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص111 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- الاستيعاب: ج4 ص1897.

ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك(1)(2).

هؤلاء أهل بيتي

عن ابن عباس قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال:

«اللّهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي، وأكرم الناس عليّ، فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيدهم بروح القدس»(3).

ص: 56


1- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص157، وقال عنه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
2- وعن أسامة بن زيد قال: (اجتمع جعفر وعلي وزيد بن حارثة.. فقالوا: يا رسول اللّه جئناك نسألك من أحب الناس إليك، قال: فاطمة) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين: ج3 ص217، والخطيب في تاريخه: ج9 ص63، وعن بريدة أنه قال: (كان أحب النساء إلى رسول اللّه فاطمة، ومن الرجال علي) رواه من العامة: الترمذي في سننه: ج5 ص360 ح3960، والحاكم في المستدرك: ج3 ص155، والطبراني في المعجم الأوسط: ج7 ص199، وابن عبد البر في الاستيعاب: ج4 ص1897، وروى النسائي عنه أنه سُئل أيّ الناس أحب إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: (كان أحب الناس إلى رسول اللّه من النساء فاطمة...) في السنن الكبرى: ج5 ص140 ح8498، خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) : ص110. وروي عن عائشة أنها سُئلت: (أي الناس كان أحب إلى رسول اللّه، قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواماً قواماً). رواه من العامة: الترمذي في سننه: ج5 ص362 ح3965، والحاكم في المستدرك: ج3 ص157، ورواه مقتصراً على فاطمة: الطبراني في المعجم الكبير: ج22 ص404، وروي أن عمر دخل على فاطمة بنت رسول اللّه (عليها السلام) فقال: (يا فاطمة واللّه ما رأيت أحداً أحب إلى رسول اللّه منك). رواه الحاكم في المستدرك: ج3 ص155.
3- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص574 المجلس73 ح18.

9

أفضل حتى من الأنبياء (عليهم السلام)

يستفاد من الروايات الشريفة أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام) غير أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإن النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أفضل الخلق على الإطلاق.

ومما يدل عليه: أن اللّه لم يغضب لغضب يونس (عليه السلام) (1)، ولكنه يغضب لغضب الصديقة فاطمة (عليها السلام) (2).

وأن فاطمة (عليها السلام) كفو لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعلي (عليه السلام) أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام) غير النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (3).

وزيارة جميع الأنبياء (عليهم السلام) لفاطمة (عليها السلام) ، وغير ذلك(4).

ص: 57


1- قال تعالى: {وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىَ فِي الظّلُمَاتِ أَن لاّ إِلَهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجّيْنَاهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} سورة الأنبياء: 87-88.
2- قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن اللّه يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها». مستدرك سفينة البحار: ج4 ص147، وسيأتي ذكر تفصيل مصادر الحديث بألفاظه المتعددة في فصل: (غضب اللّه لغضب فاطمة).
3- بدلالة قوله تعالى: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} سورة آل عمران: 61.
4- كما يدل عليه حديث البضعة والمضغة والشجنة: فإنه يدل بمعناه الحقيقي على أنها (عليها السلام) جزء حقيقي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكما أن كل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أفضل من جميع الأنبياء فكذلك جزؤه، وكذلك حديث قَسَم أبي لبابة وغيرها من الأدلة؛ وإلى هذا يمكن أن يشير كلام بعض العلماء من العامة قبل الخاصة، منهم: المقريزي في إمتاع الأسماع: ج10 ص273: حيث قال: (وقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فاطمة بضعة مني، فلا شرف أعلى منه إلاّ شرف أبيها المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) )، ونقل المقريزي في نفس الصفحة عن ابن دحية في كتابه (مرج البحرين): (سئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن علي من أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: إن فاطمة بضعة مني ولا أعدل ببضعة من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أحد). ثم نقل المقريزي عن السهيلي قوله: (وهذا استقراء حسن وشهد لصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ربط نفسه وحلف ألاّ يحله إلاّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فجاءت فاطمة تحله فأبي من أجل قسمه فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنما فاطمة بضعة مني فحلته، قال السهيلي: هذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر، وأن من صلى عليها فقد صلى على أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) انتهى.

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث يصف مقام فاطمة (عليها السلام) في الجنة: «وإذا استقر أولياء اللّه في الجنة زاركِ آدم (عليه السلام) ومن دونه من النبيين (عليهم السلام) »(1).

وقال اللّه عزّ وجلّ في حديث قدسي: «لو لم أخلق علياً (عليه السلام) لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه»(2).

وروي أنه عوتب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أمر فاطمة (عليها السلام) فقال: «لو لم يخلق اللّه علي بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفو»(3). وفي خبر: «لولاك لما كان لها كفو على وجه الأرض»(4).

وروى المفضل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لولا أن اللّه تعالى خلق أمير

ص: 58


1- تفسير فرات الكوفي: ص446 ح587 سورة الطور.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص203 ب21 ح3.
3- روضة الواعظين: ج1 ص146 باب في ذكر تزويج فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
4- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص29 باب ما تفرد من مناقبها (عليها السلام) .

المؤمنين (عليه السلام) لم يكن لفاطمة (عليها السلام) كفو على ظهر الأرض، آدم فمن دونه»(1).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «رائحة الأنبياء (عليهم السلام) رائحة السّفرجل، ورائحة الحور العين رائحة الآس، ورائحة الملائكة رائحة الورد، ورائحة ابنتي فاطمة الزّهراء (عليها السلام) رائحة السّفرجل والآس والورد»(2).

ص: 59


1- تهذيب الأحكام: ج7 ص470 باب من الزيادات في فقه النكاح ح90.
2- مستدرك الوسائل: ج1 ص434 باب77 من أبواب آداب الحمام والتنظيف والزينة ح1093/3.

10

سيدة النساء

سيدة نساء المؤمنين

سيدة نساء المؤمنين(1)

عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة (عليها السلام) تمشي، لا واللّه الذي لا إله إلاّ هو ما مشيها تخرم من مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما رآها قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «مرحباً بابنتي، مرتين، قالت فاطمة (عليها السلام) فقال لي: أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟(2).

وعن الحسن بن زياد العطار(3) قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» أسيدة نساء عالمها؟ قال (عليه السلام) : «تلك مريم، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين»، فقلت: فقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحسن والحسين سيدا شباب الجنة»؟ قال (عليه السلام) : «هما واللّه سيدا

ص: 60


1- حديث (سيدة نساء المؤمنين) أو (سيدة نساء هذه الأمة) مشهور عند الفريقين فممن رواه من العامة: البخاري في صحيحه: ج7 ص142 كتاب الاستئذان، ومسلم في صحيحه: ج7 ص143 باب فضائل فاطمة بنت النبي عليهما الصلاة والسلام، وابن ماجه في سننه: ج1 ص518 ح1621، وغيرها من المصادر.
2- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص333 المجلس12 ح9.
3- الحسن بن زياد العطار الضبي، وقيل: الطائي، إمامي ثقة من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وكان من خواصه، وهو من أصحاب الأصول وروى عنه إبن أبي عمير.

شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين»(1).

سيدة نساء العالمين

في حديث: قيل: يا رسول اللّه، أهي سيدة نساء عالمها؟

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين»(2).

خيرة النساء

عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن اللّه تعالى اختار من النساء أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(3).

أفضل نساء أهل الأرض

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما،

ص: 61


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص187 المجلس26 ح7.
2- تفسير كنز الدقائق: ج2 ص85 سورة آل عمران. وحديث (سيدة نساء العالمين) رواه العامة أيضاً فمن مصادره: المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج3 ص156، مسند أبي داود الطيالسي: ص197، المصنف لإبن أبي شيبة: ج7 ص527، السنن الكبرى للنسائي: ج4 ص252 ح7078، وج5 ص147 ح8517، خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) للنسائي: ص120، الذرية الطاهرة النبوية للدولابي: ص142 ح179، وغيرها من المصادر.
3- بحار الأنوار:ج43 ص19 ب3 ح3. وورد في رواية العامة عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (خير نساء العالمين مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد) رواه منهم: الضحاك في الآحاد والمثاني: ج5 ص363 ح2961، وابن حبان في صحيحه: ج15 ص402، والطبراني في معجمه الكبير: ج22 ص402، وابن عبد البر في الاستيعاب: ج4 ص1821-1822 وص1896، وغيرها من المصادر.

وأمهما أفضل نساء أهل الأرض»(1).

ص: 62


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص67 ب31 ح252. وروى العامة عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) منهم: الحاكم في المستدرك: ج2 ص594، وابن عبد البر في الاستيعاب: ج4 ص1822 قريب منه، وفي بعض رواياتهم: (حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم) رواه منهم: ابن حبان في صحيحه: ج15 ص464، والطبراني في معجمه الكبير: ج23 ص7، وفي بعض رواياتهم: (أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) رواه منهم الطبراني في المعجم الكبير: ج23 ص7، وابن عبد البر في الاستيعاب: ج4 ص1821-1822، وغيرها من المصادر.

السماوات من نور فاطمة (عليها السلام)

اشارة

في الروايات أن اللّه عزّوجلّ خلق السماوات والأرض من نور الصديقة فاطمة (عليها السلام) .

عن أنس بن مالك قال: (بينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلى صلاة الفجر ثم استوى في محرابه كالبدر في تمامه، فقلنا: يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسّر لنا هذه الآية قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهِ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}(1)، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فعلي بن أبي طالب، وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين (عليهم السلام) ».

فنهض العباس من زاوية المسجد إلى بين يديه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا رسول اللّه ألست أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من ينبوع واحد؟

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وما وراء ذلك يا عماه»؟

قال: لأنك لم تذكرني حين ذكرتهم، ولم تشرفني حين شرفتهم.

فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا عمّاه أما قولك أنا وأنت وعلي والحسن والحسين من

ص: 63


1- سورة النساء: 69.

ينبوع واحد فصدقت، ولكن خلقنا اللّه نحن حيث لا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا عرش ولا جنة ولا نار، كنا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس، فلما أراد اللّه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فنور العرش من نوري، ونوري من نور اللّه، وأنا أفضل من العرش.

ثم فتق نور ابن أبي طالب فخلق منه الملائكة، فنور الملائكة من نور ابن أبي طالب، ونور ابن أبي طالب من نور اللّه، ونور ابن أبي طالب أفضل من الملائكة.

وفتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فنور السماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور فاطمة من نور اللّه، وفاطمة أفضل من السماوات والأرض. ثم فتق نور الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فنور الشمس والقمر من نور الحسن، ونور الحسن من نور اللّه، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فنور الجنة والحور العين من نور الحسين، ونور الحسين من نور اللّه، والحسين أفضل من الجنة والحور العين.

ثم إن اللّه خلق الظلمة بالقدرة فأرسلها في سحائب البصر فقالت الملائكة: سبّوح قدوس ربنا مذ عرفنا هذه الأشباح ما رأينا سوءً فبحرمتهم إلاّ كشفت ما نزل بنا، فهنالك خلق اللّه تعالى قناديل الرحمة وعلقها على سرادق العرش، فقالت: إلهنا لمن هذه الفضيلة وهذه الأنوار؟ فقال: هذا نور أمَتي فاطمة الزهراء، فلذلك سمّيتُ أمَتي الزهراء لأن السماوات والأرضين بنورها ظهرت، وهي ابنة نبيي وزوجة وصيي وحجتي على خلقي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها إلى يوم القيامة» فعند ذلك نهض العباس إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقبّل ما بين عينيه وقال: يا علي

ص: 64

لقد جعلك اللّه حجة بالغة على العباد إلى يوم القيامة)(1).

معرفة فاطمة (عليها السلام)

قال الإمام الصادق (عليه السلام) في جدّته الصديقة فاطمة (عليها السلام) : «وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأول»(2).

ص: 65


1- بحار الأنوار: ج25 ص16-17 ب1 ح30.
2- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص668 المجلس36 ح6.

وفي ليلة المعراج

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما اُسري بي إلى السماء نظرت فإذا مكتوب على العرش: (لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه، أيّدتُهُ بعلي ونصرتُه بعلي).

ورأيت أنواراً: نور علي وفاطمة والحسن والحسين، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي (عليهم السلام) ورأيت نور الحجة (عليه السلام) يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هذا ومن هؤلاء؟ فنوديت: يا محمد هذا نور علي وفاطمة (عليهما السلام) وهذا نور سبطيك الحسن والحسين (عليهما السلام) وهذا نور الأئمة بعدك من ولد الحسين، مطهرون معصومون، وهذا الحجة الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً»(1).

ص: 66


1- الجواهر السنية: ص286.

13

أمان لشيعة فاطمة (عليها السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول اللّه عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمَتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلَتْ بقلبها على عبادتي، اُشهدكم أني قد آمنتُ شيعتها من النار»(1).

ص: 67


1- مستدرك سفينة البحار: ج8 ص246.

14

بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام)

اشارة

هناك ارتباط خاص وعلاقة مميزة كانت بين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وابنته الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يبيّن ذلك للناس لكي يعلموا بمكانة فاطمة (عليها السلام) عند اللّه عزّوجلّ، ويعرفوا أنها (عليها السلام) وزوجَها علياً (عليه السلام) معيار الحق، وأن معاداتها حرام، وأن من يعاديها على باطل ومن أهل النار.

فكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكثر من تقبيل ابنته فاطمة (عليها السلام) ، ويقول: إنني أشم منها رائحة الجنة، وربما قبّل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يديها وقال لها: «بأبي أنتِ وأمي»!!.

وكان يصرّح بأن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي وزوجها علياً (عليه السلام) أحب الناس إليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).. وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنها بضعة منه، وإنها روحه التي بين جنبيه، وإنها قلبه، وإن رضاها رضاه، وإن غضبها غضبه.

وربما فدّاها بنفسه وقال: «فداها أبوها»(2).. وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فداك أبوك» كما في

ص: 68


1- مرّ البحث عن ذلك في فصل: (أعز الناس عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ).
2- عن أبي هريرة وثوبان أنهما قالا: (كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يبدأ في سفره بفاطمة (عليها السلام) ويختم بها، فجعلت وقتاً ستراً من كساء خيبرية لقدوم أبيها وزوجها، فلما رآه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تجاوز عنها، حتى جلس عند المنبر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر، فبعثت به إلى أبيها وقالت: اجعل هذا في سبيل اللّه، فلما أتاه قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : قد فعلت فداها أبوها، ثلاث مرات، ما لآل محمد وللدنيا، فإنهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لهم). مناقب آل أبي طالب: ج3 ص121 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) : عن ابن شاهين في مناقب فاطمة (عليها السلام) ، وأحمد في مسند الأنصار، ورواه الصدوق قريباً من اللفظ السابق في الأمالي: ص305 المجلس41 ح7.

صبيحة عرس فاطمة (عليها السلام) حيث جاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعس(1)

فيه لبن فقال لفاطمة (عليها السلام) : «اشربي فداك أبوك» وقال لعلي (عليه السلام) : «اشرب فداك ابن عمك»(2).

رائحة الجنة

عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) فأنكرت عليه بعض نسائه(3)، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنه لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلتها - وفي رواية: فناولني منها تفاحة فأكلتها - فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي»(4).

ص: 69


1- العس: القدح الكبير.
2- إعلام الورى: ج1 ص298-299، وقد فدّاها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في موارد أخرى منها: حينما دخل عليها وهو جائع لم يأكل منذ ثلاث أيام فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (يا فاطمة، فداك أبوك هل عندك طعام..) رواه ابن حمزة في الثاقب في المناقب: ص222 ب2 فصل11 ح24، والسيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز: ج1 ص333، وحين دخلت عليه باكية متفقدة الحسنين حيث إنهما خرجا ولم يعودا إليها فقال لها: (فداك أبوك ما يبكيك..) رواه السيد ابن طاووس في الطرائف: ص91، والطبري في ذخائر العقبى: ص130، وحين احتضاره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حيث قال لها: (يا فاطمة لا تبكي فداك أبوك) رواه الخزاز القمي في كفاية الأثر: ص36، والمجلسي في بحار الأنوار: ج22 ص491، وج36 ص288، وغيرها.
3- وهي عائشة انظر(تفسير القمي): ج1 ص22 مقدمة المصنف.
4- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص114 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

الأولى والأخيرة

كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رجع إلى المدينة أتى أولاً بيت فاطمة (عليها السلام) فكانت أول من يزورها، وإذا أراد الخروج من المدينة كانت فاطمة (عليها السلام) آخر الناس عهداً به، وذلك لشدة حبه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها (عليها السلام) ، ولكي يبين للناس مكانتها عنده وعند اللّه تعالى، وهذا ما رواه الفريقان.

روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ثعلبة الخشني(1):

(كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنى بفاطمة (عليها السلام) ثم يأتي أزواجه..)(2).

وبسنده عن ابن عمر: (أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدم من سفر كان أول الناس به عهداً فاطمة)(3).

وروى أحمد بن حنبل في مسنده عن ثوبان(4) مولى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: (كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة..)(5).

ص: 70


1- أبو ثعلبة الخشني اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كبيراً، قدم على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يتجهز إلى حنين فأسلم، وخشينة حي من قضاعة وهم خشين بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، مات سنة 75ه.
2- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص155، وقال عنه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، مسند الشاميين: ج1 ص299 ح523.
3- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص156.
4- ثوبان بن بجدد أو ابن جحدر أبو عبد اللّه الهاشمي بالولاء مولى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعرض للسبي فاشتراه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واعتقه ولم يزل معه في الحضر والسفر حتى توفي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخرج إلى الشام فابتنى في حمص داراً ولم يزل بها إلى أن مات سنة 54ه.
5- مسند أحمد: ج5 ص275، سنن أبي داود: ج2 ص291 ح4213.

فداها أبوها

روي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يطيل المكث عند ابنته فاطمة (عليها السلام) كلما قدم من سفر، وبدأ بفاطمة (عليها السلام) ، فخرج مرة في سفر، فصنعت فاطمة (عليها السلام) مسكتين من ورق(1)

وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها (عليهما السلام) .. فلما قدم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخل عليها، فوقف أصحابه على الباب لايدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها..

فخرج عليهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكأنه غير مرتاح حتى جلس عند المنبر.. فظنّت فاطمة (عليها السلام) أنه إنما فعل ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقالت للرسول: قل له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل اللّه».

فلما أتاه قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فعلت فداها أبوها، ثلاث مرات، ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند اللّه من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ماء»، ثم قام (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدخل عليها(2).

أقول: ربما كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) فعلت ذلك بأمر من الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم نزعت ذلك ليكون درساً للناس وأسوة، فالقصة شبه تمثيلية لتعليم الناس، كما في وضوء الإمامين الحسنين (عليهما السلام) لتعليم ذلك الشيخ الكبير في السن(3).

ص: 71


1- المسكة: واحد المسك وهي الأسورة والخلاخيل من الذبل (شيء كالعاج، ظهر السلحفاة البحرية) والقرون والعاج والفضة وغيرها، الورق: الفضة.
2- انظر(الأمالي)، للشيخ الصدوق: ص305 المجلس41 ح7.
3- انظر (مناقب آل أبي طالب): ج3 ص168-169 باب إمامة السبطين (عليهما السلام) .

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إجلالا لها

كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم احتراماً وإجلالاً للصديقة فاطمة (عليها السلام) كلما دخلت عليه، وكان يقبّل يدها تكريماً لها.. وكان يبين للناس في مختلف المواقف حبه لها، وأنها عزيزة عليه، وأن مَن أحبها فقد أحبه، ومن آذاها فقد آذاه... على ما رواه الفريقان: روي عن عائشة أنها قالت: (كانت فاطمة إذا دخلت قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليها فقبّلها ورحب بها كما كانت تصنع هي به)(1).

وفي رواية: (كان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا دخلت - فاطمة (عليها السلام) - عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها)(2).

رواه الحاكم في المستدرك(3)، وغيره في غيره(4).

أيكما أعيى؟

كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأتي أحياناً إلى بيت فاطمة (عليها السلام) ويقوم بمساعدتها في أمور البيت. روي أنه دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على علي (عليه السلام) فوجده هو وفاطمة (عليها السلام) يطحنان في الجاروش(5)،

فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أيكما أعيا؟».

فقال علي (عليه السلام) : «فاطمة، يا رسول اللّه». فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: «قومي يا بنية»،

ص: 72


1- مناقب أهل البيت: ص233، وانظر (سير أعلام النبلاء): ج2 ص127.
2- حلية الأبرار: ج1 ص188 ب21 ح6.
3- المستدرك على الصحيحين: ج4 ص272، وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة.
4- رواه أبو داود في سننه: ج2 ص522 ح5217.
5- الجاروس أو الجاروش، قال الفيروزآبادي في القاموس إنه: حب معروف.

فقامت وجلس النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) موضعها مع علي (عليه السلام) فواساه في طحن الحب(1).

ما حبسك يا بلال؟

روي أنه بينما النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والناس في المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذن، إذ أتى بعد زمان، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما حبسك يا بلال»؟

فقال: إني اجتزت بفاطمة (عليها السلام) وهي تطحن، واضعة ابنها الحسن عند الرحى وهو يبكي، فقلت لها: أيما أحب إليك إن شئت كفيتك ابنك وإن شئت كفيتك الرحى؟ فقالت: «أنا أرفق بابني»، فأخذت الرحى فطحنت، فذاك الذي حبسني. فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «رحمتَها رحمك اللّه»(2).

هل سررتك؟

كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رأى الصديقة فاطمة (عليها السلام) تبكي يتأثر ويقول: ما يبكيك يا بنية؟ ثم يسعى في أن يسرها..

قال سلمان الفارسي (رحمه اللّه) : لما أن مرض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المرضة التي قبضه اللّه فيها دخلتُ فجلست بين يديه، ودخلت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلما رأت ما به خنقتها العبرة حتى فاضت دموعها على خديها، فلما أن رآها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «ما يبكيك يا بنية»؟ قالت: «وكيف لا أبكي وأنا أرى ما بك من الضعف، فمن لنا بعدك يا رسول اللّه»؟ قال لها: «لكم اللّه، فتوكلي عليه واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء وأمهاتك من أزواجهم، يا فاطمة أوما علمت أن اللّه تعالى اختار أباك فجعله نبياً وبعثه رسولاً، ثم علياً فزوجتك إياه وجعله وصياً، فهو أعظم الناس

ص: 73


1- بحار الأنوار: ج43 ص50 ب3 ح47.
2- تنبيه الخاطر: ج2 ص230، ط. مكتبة الفقيه قم.

حقاً على المسلمين بعد أبيك، وأقدمهم سلماً، وأعزهم خطراً، وأجملهم خلقاً، وأشدهم في اللّه وفيّ غضباً، وأشجعهم قلباً، وأثبتهم وأربطهم جأشاً، وأسخاهم كفاً». ففرحت بذلك فاطمة الزهراء (عليها السلام) فرحاً شديداً، فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هل سررت يا بُنية»؟ قالت: «نعم يا رسول اللّه لقد سررتني وأحزنتني».

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كذلك أمور الدنيا يشوب سرورها بحزنها»، قال: «أفلا أزيدك في زوجك من مزيد الخير كله، قالت: بلى يا رسول اللّه، قال: إن علياً أول من آمن باللّه، وهو ابن عم رسول اللّه، وأخو الرسول، ووصي رسول اللّه، وزوج بنت رسول اللّه، وابناه سبطا رسول اللّه، وعمه سيد الشهداء عم رسول اللّه، وأخوه جعفر الطيار في الجنة ابن عم رسول اللّه، والمهدي الذي يصلي عيسى خلفه منك ومنه، فهذه يا بنية خصال لم يعطها أحد قبله ولا أحد بعده، يا بنية هل سررتك»؟ قالت: «نعم يا رسول اللّه».

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أو لا أزيدك مزيد الخير كله؟» قالت: «بلى»، قال: «إن اللّه تبارك وتعالى خلق الخلق قسمين فجعلني وزوجك في أخيرهما قسماً، وذلك قوله عزّ وجلّ: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}(1) ثم جعل الاثنين ثلاثاً فجعلني وزوجك في أخيرها ثلثاً، وذلك قوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(2)»(3).

ص: 74


1- سورة الواقعة: 8.
2- سورة الواقعة: 10-12.
3- تفسير فرات الكوفي: ص465 ح607 سورة الواقعة.

15

بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

لم يرد عن الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كلمة (بضعة مني)(1)

حسب علمنا إلاّ في الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) والإمام الرضا (عليه السلام) (2).

وربما وردت هذه اللفظة في بعض المعصومين الأخر أيضاً(3).

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة بضعة مني.. يؤذيني ما آذاها.. يغضبني من أغضبها»(4).

ص: 75


1- البَضعة، بفتح الباء: القطعة من اللحم، وسيأتي حديث المضغة: بضم الميم وهي كذلك.
2- قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ستدفن بَضعة مني بخراسان ما زارها مكروب إلاّ نفس اللّه عزّ وجلّ كربه، ولا مذنب إلاّ غفر اللّه له ذنبه». من لا يحضره الفقيه: ج2 ص583 ح3187.
3- ورد في تفسير فرات الكوفي: ص479 ح623-624 سورة الحشر، عن أبي سعيد الخدري: (.. ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ألا إن علياً بضعة مني فمن حاربه فقد حاربني..)، وورد في بشارة المصطفى ج6 ص307 ح6 عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: (وأما الحسن فإنه ابني وولدي وبضعة مني وقرة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي..).
4- حديث البضعة له ألفاظ عديدة وموارد متعددة مروية عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فهذه بعض مصادر الإمامية (أعزهم اللّه تعالى): منها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (أشهد أنكِ بضعة مني) انظر(النوادر، للراوندي): ص119 عن الجعفريات، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (إنها بضعة مني) انظر (دعائم الإسلام): ج2 ص214-215 ح792-793، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (إن فاطمة بضعة مني) انظر (النوادر، للراوندي) ص119 عن الجعفريات، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (وهي بضعة مني) انظر (الخصال): ص573 أبواب السبعين وما فوقه ح1، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (وهي بضعة مني وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي الحوراء الأنسية) انظر (الأمالي، للشيخ الصدوق): ص175 المجلس24 ح2 و(بشارة المصطفى): ج6 ص306-307 ح6، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (إن فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني وثمرة فؤادي يسؤني ماساءها ويسرني ما سرها) انظر (الأمالي، للشيخ الصدوق): ص575 المجلس73 ح18 و(بشارة المصطفى): ص275 ح89، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (إن فاطمة بضعة مني وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي) انظر (علل الشرائع): ج1 ص186-187 ب149 ح2، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (يا أباذر، إنها بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني) انظر (كفاية الأثر): ص37 وص65 و(كتاب سليم بن قيس): ص391، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (ألا إنك بضعة مني، من آذاك فقد آذاني) انظر (كفاية الأثر): ص64، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه) انظر (دلائل الإمامة): ص135 ح43 والاستغاثة: ج1 ص11، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (إن فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن غاضها فقد غاضني، ومن سرها فقد سرني) انظر (الاعتقادات، للشيخ المفيد): ص105، ومنها قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (إن فاطمة بضعة مني وهي روحي التي بين جنبي، يسؤوني ما ساءها، ويسرني ما سرها) انظر (الاعتقادات، للشيخ المفيد): ص105، وغيرها من الموارد.

وهذا حديث متفق عليه مروي عند الفريقين، وفي بعض الروايات(1):

«شجنة مني»(2).

ص: 76


1- ونص الحديث تجده في (قرب الإسناد): ص113 ح389 بلفظ: (إنما فاطمة شجنة مني، يسرني ما سرها، ويسؤوني ما ساءها)، و(معاني الأخبار): ص303 باب معنى الشجنة ح2 بلفظ: (إن فاطمة شجنة مني يؤذيني ما آذاها ويسرني ما يسرها)، ومن كتب العامة: (مسند أحمد): ج4 ص332 بلفظ: (فاطمة شجنة مني يبسطني ما بسطها ويقبضني ما قبضها)، و(الآحاد والمثاني): ج5 ص362 ح2956 بلفظ: (فاطمة شجنة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها)، و(المعجم الكبير): ج22 ص405 بلفظ: (إن فاطمة شجنة مني يغضبني ما أغضبها، ويبسطني ما يبسطها)، والمستدرك، للحاكم: ج3 ص154 بلفظ: (إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها)، وتاريخ دمشق: ج70 ص21 بلفظ:(إنما فاطمة شجنة مني يرضيني ما أرضاها، ويسخطني ما أسخطها)، وغيرها من المصادر.
2- الشجنة: عروق الشجر المشتبكة.

وقال النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فاطمة بضعة مني، من سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز البرية عليّ»(1).

وروي أنه التفت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) فقال: «يا علي إن فاطمة بضعة مني، ونور عيني، وثمرة فؤادي، يسوؤني ما ساءها، ويسرني ما سرّها، وإنها أول لحوق يلحقني من أهل بيتي، فأحسن إليها بعدي، وأما الحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي وهما سيدا شباب أهل الجنة فليكونا عليك كسمعك وبصرك» ثم رفع (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يديه إلى السماء فقال: «اللّهم إني اُشهدك أني محب لمن أحبهم، ومبغض لمن أبغضهم، وسلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، وعدو لمن عاداهم، وولي لمن والاهم»(2).

وهذه الروايات الشريفة تدل بوضوح على أن من عادى الصديقة فاطمة (عليها السلام) فقد عادى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحاربه وأغضبه وآذاه...

روى البخاري في صحيحه: أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني»(3).

وروى النسائي في الخصائص: أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «فاطمة بضعة مني،

ص: 77


1- الأمالي، للشيخ المفيد: ص260 المجلس31 ح2، الأمالي، للشيخ الطوسي: ص24 المجلس1 ح31.
2- بشارة المصطفى: ص275 ح89.
3- صحيح البخاري: ج4 ص210 كتاب بدء الخلق باب مناقب المهاجرين وفضلهم. (المصنف) لإبن أبي شيبة: ج7 ص527، الآحاد والمثاني: ج5 ص361، الجامع الصغير: ج2 ص208، وغيرها من المصادر، علماً بأن السهيلي وهو من كبار علماء العامة قد استدل بهذا الحديث على أن: (من سبها (عليها السلام) فإنه يكفر، وتوجيهه أنه تغضب ممن سبها وقد سوى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين غضبها وغضبه ومن أغضبه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكفر) انظر (فتح الباري): ج7 ص83، بل قال المناوي في فيض القدير: ج4 ص554: (استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنها أفضل من الشيخين).

من أغضبها أغضبني»(1).

وروى الترمذي عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أنها بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها»(2).

والترمذي أيضاً عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها»(3).

وروى مسلم في صحيحه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قوله: «إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها»(4).

وفي رواية أخرى عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها»(5).

وروى الحاكم في المستدرك: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها»(6). وقال: صحيح.

ص: 78


1- خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) : ص121، فضائل الصحابة: ص78، السنن الكبرى: ج5 ص97 ح8371، المعجم الكبير: ج22 ص404، وغيرها من المصادر.
2- سنن الترمذي: ج5 ص359 ح3959 وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، وقريب منه في: صحيح مسلم: ج7 ص141 باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام، سنن ابن ماجة: ج1 ص644 ح1998، السنن الكبرى للبيهقي: ج7 ص307، السنن الكبرى للنسائي: ج5 ص147 ح8518، خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) : ص120، وغيرها من المصادر.
3- سنن الترمذي: ج5 ص360 ح3961 وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، وقريب منه: مسند أحمد: ج4 ص5، فضائل سيدة النساء: ص30، وغيرها من المصادر.
4- صحيح مسلم: ج7 ص141 باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها السلام والسلام، فضائل سيدة النساء: ص31، وغيرها من المصادر.
5- صحيح ابن حبان: ج15 ص406، المعجم الكبير: ج22 ص404.
6- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، وقريب منه: مسند أحمد: ج4 ص332، المعجم الكبير: ج20 ص26، مجمع الزوائد: ج9 ص203، سير أعلام النبلاء: ج2 ص132، وغيرها من المصادر.

وروى أحمد في مسنده عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في فاطمة (عليها السلام): «إنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها»(1).

وفي الإصابة: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على المنبر يقول: «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها»(2).

وعن سعد بن مالك - يعني ابن أبي وقاص - قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «فاطمة بضعة مني، من سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز الناس عليَّ»(3)(4).

ص: 79


1- مسند أحمد: ج4 ص328، سنن أبي داود: ج1 ص460 ح2071، وقريب منه في صحيح البخاري: ج6 ص158 كتاب النكاح، فضائل الصحابة للنسائي: ص78، السنن الكبرى للنسائي: ج5 ص97 ح8370، فضائل سيدة النساء: ص33 وص36.
2- الإصابة: ج8 ص265، خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) : ص121.
3- بشارة المصطفى: ج2 ص119 ح63.
4- كما ورد حديث المضغة وقد رواه من العامة: أحمد في مسنده: ج4 ص323، وابن عساكر في تاريخه: ج58 ص159 بلفظ: (فاطمة مضغة مني يقبضني ما قبضها ويبسطني ما بسطها)، ومسلم في صحيحه: ج7 ص142باب فضائل فاطمة بنت النبي عليهما الصلاة والسلام، والحاكم في مستدركه: ج3 ص159، والنسائي في السنن الكبرى: ج5 ص148 ح8521 وح8522 بلفظ: (فاطمة بنت محمد مضغة مني)، والحاكم في المستدرك: ج3 ص159 بلفظ: (إنما فاطمة مضغة مني فمن آذاها فقد آذاني)، والنسائي في السنن الكبرى: ج5 ص148 ح8520 بلفظ: (إن فاطمة مضغة مني من أغضبها أغضبني)، وغيرها من المصادر.

16

غضب اللّه لغضب فاطمة (عليها السلام)

إن اللّه عزوجل يغضب لغضب الصديقة فاطمة (عليها السلام) كما في صريح الروايات الشريفة، ومن هنا يعلم أن من أغضبها فقد أغضب اللّه سبحانه.

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث متواتر بين الفريقين: «إن اللّه ليغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها»(1).

رواه الإمام الباقر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) (2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن اللّه تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها»(3).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : «يا فاطمة إن اللّه عزّ وجلّ يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»(4)(5).

ص: 80


1- معاني الأخبار: ص203 باب معنى الشجنة ح2، كنز العمال: ج12 ص111 ح34237.
2- الأمالي، للشيخ المفيد: ص95 المجلس11 ح4.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص51 ب31 ح176، التعجب: ص55، إعلام الورى: ج1 ص294.
4- الاحتجاج: ج2 ص103 باب قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) : إن اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
5- من مصادر الحديث في كتب العامة: (المستدرك على الصحيحين): ج3 ص153 وقال عنه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، و(مجمع الزوائد): ج9 ص203 وقال عنه: رواه الطبراني واسناده حسن، و(الآحاد والمثاني): ج5 ص363 ح2959، و(الذرية الطاهرة النبوية): ص119، و(المعجم الكبير): ج1 ص108 ح182 وج22 ص401، و(تاريخ دمشق): ج3 ص156، و(أسد الغابة): ج5 ص522، و(ذيل تاريخ بغداد): ج2 ص140-141، و(الإصابة): ج8 ص266، وغيرها من المصادر.

ص: 81

17

من آذى فاطمة (عليها السلام)

من أشد المحرمات إيذاء الصديقة فاطمة (عليها السلام) فإن إيذاءها إيذاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإيذاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إيذاء اللّه عزّ وجلّ(1).

روى جابر عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال في ابنته فاطمة (عليها السلام) : «فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه»(2).

وفي كتب العامة: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة ابنتي بضعة مني، يريبني

ص: 82


1- جاء في كتاب (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) لابن حجر: ج9 ص287-288 عند شرحه لقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (ويؤذيني ما آذاها) تعليقة لطيفة حيث قال: (وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بتأذيه، لأن أذى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حرام اتفاقاً قليله وكثيره وقد جزم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأنه يؤذيه مايؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شيء أعظم في ادخال الأذى عليها من قتل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك أي قتل ولدها، بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد)، وهكذا جاء مختصراً عن العيني في عمدة القاري: ج20 ص212، وجاء بالعبارة عينها المباركفوري في تحفة الأحوذي ولم ينسبها إلى ابن حجر: ج10 ص251، وكذا صنع العظيم آبادي في عون المعبود: ج6 ص57، ونقل المناوي التعليقة السابقة عن ابن حجر في فيض القدير: ج4 ص554، علماً بأن كلاً من العيني والمباركفوري والعظيم آبادي والمناوي لم يتعقبوا على تعليقة ابن حجر.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص112 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

ما أرابها(1)،

ويؤذيني ما آذاها»(2).

وروى الفريقان أنه خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه جل وعلا»(3).

وعن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذى اللّه لعنه اللّه ملء السماوات والأرض»(4).

ص: 83


1- أي يسوؤني ما أساءها.
2- الآحاد والمثاني للضحاك: ج5 ص361 ح2955، المعجم الكبير: ج22 ص404 باسنادين، أمالي الحافظ الأصبهاني: ص45 وقال عنه: صحيح متفق عليه، وغيرها من المصادر وقد مرّ بعضها فراجع.
3- المحتضر: ص133رواه عن تفسير الثعلبي، الفصول المهمة لإبن الصباغ المالكي: ج1 ص664-665.
4- كشف الغمة: ج2 ص95 في فضائل فاطمة (عليها السلام) .

18

من حارب فاطمة (عليها السلام)

في روايات الفريقين: إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم»(1).

رواه أحمد بن حنبل عن أبي هريرة(2).

وعن زيد بن أرقم عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) : «أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم»(3).

وعن أبي سعيد الخدري، قال: لما دخل علي (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام) جاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أربعين صباحاً إلى بابها فيقول: «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(4).

ص: 84


1- روضة الواعظين: ج1 ص158 مجلس في ذكر إمامة السبطين ومناقبهما (عليهما السلام) ، شرح الأخبار: ج3 ص13 ح944، مناقب آل أبي طالب: ج3 ص18 باب فيما يتعلق بالآخرة من مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ومن مصادر العامة: المستدرك على الصحيحين: ج3 ص149، المعجم الكبير: ج3 ص40 ح2621، سير أعلام النبلاء: ج2 ص122، مجمع الزوائد: ج9 ص169، وغيرها من المصادر.
2- مسند أحمد: ج2 ص442.
3- سنن الترمذي: ج5 ص360 ح3962، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص149، المصنف، لإبن أبي شيبة: ج7 ص512 ح7، صحيح ابن حبان: ج15 ص434، المعجم الكبير: ج3 ص40 ح2620، وج5 ص184، وغيرها من المصادر.
4- فضائل سيدة النساء: ص29، وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قريباً منه: انظر (الدر المنثور): ج5 ص199.

19

وجوب حب فاطمة (عليها السلام)

يجب حب الصديقة فاطمة (عليها السلام) ويحرم بغضها.

روى الفريقان عن ابن عباس عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: «أحبوا اللّه لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب اللّه، وأحبوا أهل بيتي لحبي»(1). والصديقة فاطمة من أهل البيت (عليهم السلام) كما مرّ، وحبها واجب على كل مسلم ومسلمة وبغضها حرام.

وفي رواية سلمان قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا سلمان من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة، ومن أبغضها فهو في النار.

يا سلمان: حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن الموت، أيسرها: القبر والمحشر والصراط والمحاسبة، فمن رضيَتْ عنه فاطمة رضيتُ عنه، ومن رضيتُ عنه رضي اللّه عنه، ومن غضبَتْ عليه فاطمة غضبتُ عليه، ومن غضبتُ عليه غضب اللّه عليه.

يا سلمان: ويل لمن يظلمها(2) ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن ظلم

ص: 85


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص279 المجلس10 ح69، بشارة المصطفى: ص106 ح43، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص150، الجامع الصغير: ج1 ص39 ح224، وغيرها من المصادر.
2- قد قرر في محله أن الفعل المضارع يدل على الحدوث والاستمرار، وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف فمن ظلمها في حياتها (عليها السلام) وبعد شهادتها فالويل كل الويل له، وتتحقق الأذية بعد شهادتها في صور عدة: منها إساءة الأدب بحقها، أو التقصير في شانها، أو انكار فضلها أو إنكار مظلوميتها أو أذية أولادها وشيعتها ومحبيها وهكذا.

ذريتها وشيعتها»(1).

ص: 86


1- غاية المرام: ج1 ص71 ب8 ح17.

20

بغض فاطمة (عليها السلام) ودخول النار

روى الحاكم في المستدرك أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال في حديث: «فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي اللّه وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار»(1).

وفاطمة (عليها السلام) من أهل البيت (عليهم السلام) كما ورد النص بذلك(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «والذي نفسي بيده لايبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أدخله اللّه النار»(3).

وفي رواية: «إلاّ أكبّه اللّه في النار»(4).

ص: 87


1- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص149.
2- انظر الروايات في (الفضائل القرآنية: فاطمة في القرآن / آية التطهير) من هذا الكتاب.
3- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص150، صحيح ابن حبان: ج15 ص435.
4- المستدرك على الصحيحين: ج4 ص352، كنز العمال: ج15 ص34 ح39955.

21

فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه

في العديد من الروايات ما يدل على أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه تعالى، بل حجة على حجج اللّه عزّ وجلّ.

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : «نحن حجج اللّه وفاطمة حجة اللّه علينا»(1).

وعن أبي ذر الغفاري والمقداد وسلمان (رضوان اللّه عليهم) قالوا: قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «إني مررت بالصهاكي يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلاّ كمثل نخلة نبتت في كناسة(2)! قال: فأتيت رسول

ص: 88


1- انظر تفسير أطيب البيان: ج13 ص225.
2- كان من عادة الصهاكي إهانة البيت الهاشمي في زمن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعده، فعند ما مات ابن لصفية بنت عبدالمطلب عمة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لها: غطي قرطك، فإن قرابتك من رسول اللّه لا تنفعك شيئاً، فقالت له: هل رأيت لي قرطاً يا بن اللخناء، ثم دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع، لو قد قربت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم، لا يسألني اليوم أحد من أبويه إلاّ أخبرته، فقام إليه رجل فقال: من أبي؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أبوك غير الذي تدعى له، أبوك فلان بن فلان، فقام آخر فقال: من أبي يا رسول اللّه؟ فقال: أبوك الذي تدعى له، ثم قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه؟ فقام إليه الثاني فقال له: أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله اعف عني عفى اللّه عنك. انظر (تفسير القمي): ج1 ص188، وروي قريب منه في مجمع الزوائد: ج8 ص216، وكذلك صنع بعد رحيله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومنها ما جرى بينه وبين ابن عباس من محاورة حتى قال له: هيهات أبت واللّه قلوبكم يا بني هاشم إلاّ حسداً ما يحول وضغناً وغشاً ما يزول، فقال ابن عباس: مهلاً لا تصف قلوب قوم أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بالحسد والغش فإن قلب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من قلوب بني هاشم، فقال: إليك عني يا ابن عباس، فقال افعل..) انظر (تاريخ الطبري): ج3 ص290، الكامل في التاريخ: ج3 ص64.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فذكرت له ذلك، فغضب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غضباً شديداً فقام مغضباً وصعد المنبر، ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح لما رأوا من غضبه، ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي وقد سمعوني أقول في فضلهم ما قلت، وخصصتهم بما خصهم اللّه تعالى به، وفضل علي (عليه السلام) عند اللّه وكرامته وسبقه إلى الإسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، بلغني قول من زعم أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن اللّه سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين، فجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلةً، ثم جعلها بيوتاً فجعلني من خيرها بيتاً حتى حصلت في أهل بيتي وعترتي وفي بنتي وابناي وأخي علي بن أبي طالب، ثم إن اللّه اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها، ثم اطلع ثانية فاختار منها أخي وابن عمي ووزيري ووارثي وخليفتي ووصيي في أمتي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة بعدي، فمن والاه فقد والى اللّه، ومن عاداه فقد عادى اللّه، ومن أحبه فقد أحبه اللّه، ومن أبغضه فقد أبغضه اللّه، لا يحبه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ كافر، هو زينة الأرض ومن ساكنها، وهو كلمة التقوى وعروة اللّه الوثقى».

ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره، أيها الناس ليبلغ مقالتي منكم الشاهد الغائب، اللّهم اشهد عليهم، إن اللّه عزّوجلّ نظر إلى الأرض نظرة ثالثة فاختار منها اثنا عشر إماماً، فهم خيار أمتي،

ص: 89

وهم أحد عشر إماماً بعد أخي، كلما قبض واحد قام واحد، كمثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم، أئمة هادين مهديين، لا يضرهم كيد من كادهم، ولا خذلان من خذلهم، لعن اللّه من خذلهم، لعن اللّه من كادهم، وهم حجج اللّه في أرضه، وشُهّاده على خلقه، من أطاعهم فقد أطاع اللّه، ومن عصاهم فقد عصى اللّه، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا عليّ الحوض، أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو خيرهم وأفضلهم، ثم ابني الحسن ثم الحسين (عليهما السلام) ثم فاطمة الزهراء (عليها السلام) والتسعة من أولاد الحسين (عليهم السلام) .. ثم من بعدهم جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ثم عمي حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) .. أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي (عليه السلام) خير الأوصياء من أهل بيتي، علي (عليه السلام) خير الوصيين، وأهل بيته خير بيوت النبيين، وابنتي فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء أهل الجنة في الخلق أجمعين..

أيها الناس، أتُرجى شفاعتي وأعجز عن أهل بيتي، أيها الناس ما من أحد يلقى اللّه غداً مؤمناً لا يشرك به شيئاً إلاّ أدخله الجنة، ولو كان ذنوبه كتراب الأرض، أيها الناس إني آخذ بحلقة باب الجنة ثم يتجلى لي اللّه عزّ وجلّ فأسجد بين يديه ثم يأذن لي في الشفاعة، فلم أوثر على أهل بيتي أحداً، أيها الناس عظّموا أهل بيتي في حياتي ومماتي، وأكرموهم وفضلوهم، لا يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي(1)، ألا فانسبوني من أنا»؟

قال: فقاموا إليه الأنصار وقد أخذوا بأيديهم السلاح وقالوا: نعوذ باللّه من

ص: 90


1- أي قياماً يعتقد بأنه من حجج اللّه تعالى، وربما كان المراد القيام بالسيف فإنه لا يحل إلاّ إذا كان دفاعاً عن أهل البيت (عليهم السلام) وكان بأمرهم.

غضب اللّه وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول اللّه من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه؟.

قال: «فانسبوني، أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، ثم أنهى النسبة إلى نزار، ثم مضى إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل اللّه، ثم مضى إلى نوح (عليه السلام) .. ثم قال: أهل بيتي كطينة آدم (عليه السلام) نكاح غير سفاح، سلوني فو اللّه لا يسألني رجل إلاّ أخبرته عن نفسه وعن أبيه»(1).

الشاهد في قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (وهم حجج اللّه في أرضه)...

وفي حديث تزويج فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) في السماوات والجنان أن اللّه عزّ وجلّ قال: «يا راحيل إن من بركتي عليهما أني أجمعهما وأجعلهما حجة على خلقي»(2).

وفي رواية: «وأجعلهما حجتي على خلقي»(3).

ص: 91


1- بحار الأنوار: ج36 ص294-295 ب41 ح124، وجاء قريب منه في (مجمع الزوائد) للهيثمي ج8 ص216-217 عن البزار باسناده عن ابن عباس، فيه: إن عمر مرّ على نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقال: منا رسول اللّه، فقالوا: إن الشجرة لتنبت في الكبا، قال: فمررت إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته فقال: يا بلال.. وساق الحديث كما رواه العلامة المجلسي رضوان اللّه عليه، وآثار التلاعب في رواية البزار واضحة فإن عمر لا قرابة له مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لكي يقول: إنه منا، والصحيح كما نقله القندوزي في ينابيع المودة: ج2 ص347-348 مختصراً عن البزار حيث قال: إن صفية بنت عبدالمطلب مرت على ملأ من قريش وساق الرواية.
2- الجواهر السنية: ص234.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص201-202 ب21 ح1.

22

مقام العصمة

إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) معصومة بالعصمة الإلهية، كأبيها وبعلها وبنيها الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) .. ويشهد لذلك آية التطهير حيث نزلت فيهم، وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرأها على بابهم كل يوم.

عن نافع عن أبي الحمراء(1) قال: شهدت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثمانية أشهر إذا خرج إلى صلاة الغداة مرّ بباب فاطمة (عليها السلام) فقال: «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته الصلاة أهل البيت، {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(2)»(3).

ص: 92


1- أبو الحمراء: هلال بن الحارث مولى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخادمه سكن حمص بعد رحيل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأما نافع: وقال الأكثر: إن اسمه نفيع فهو ابن الحارث الأعمى المكنى بأبي داود الدارمي الكوفي القاص ضُعّف من قبل القوم لتشيعه ولرواياته في فضل أهل البيت (عليهم السلام) .
2- سورة الأحزاب: 33.
3- انظر(شواهد التنزيل): ج2 ص80 ح698، والقضية مشهورة مروية برواية أبي الحمراء وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وأم سلمة، وفيها اختلاف في العدد، ستة أشهر أوسبعة أو أو ثمانية أو تسعة أشهر، ولا تضارب بين المثبتين، فإنه يحمل على الأكثر في مثل هذه الموارد فيشمل الأقل أيضاً، حيث من الممكن أنه روى الخبر بعد ستة أشهر من مشاهدة ذلك، ورواه أيضا بعد مرور سبعة أشهر وهكذا، إن كان الرواي شخصاً واحداً، أما بالاختلاف فالمسألة أوضح. وانظر أيضاً: (شواهد التنزيل): ج2 ص18-25 ح637-644، (سنن الترمذي): ج5 ص31 ح3259، (المعجم الكبير): ج3 ص56 ح2671-2672، (تاريخ دمشق): ج42 ص136 وص137، وغيرها من المصادر.

ثم إن عصمة الصديقة فاطمة (عليها السلام) عصمة كبرى، فلا يصدر منها ذنب، ولا خطأ ولا سهو، ولا مكروه، ولا ترك أولى، بل كل أقوالها وأفعالها ومواقفها ورضاها وغضبها عين الصواب ومطابق لما أراده اللّه عزّ وجلّ تماماً.

ومن هنا ذكرنا في الفقه أن سيرتها (عليها السلام) من قول وفعل وتقرير، من مصادر التشريع الإسلامي، ويستنبط من ذلك آلاف المسائل الشرعية(1).

فقد روى الشيخ الكليني بإسناده عن محمد بن سنان(2) قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: «يا محمد إن اللّه تبارك وتعالى لم يزل متفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة (صلوات اللّه عليهم) فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرّمون ما يشاؤون ولن يشاؤا إلاّ أن يشاء اللّه تبارك وتعالى»..

ص: 93


1- للتفصيل انظر (من فقه الزهراء (عليها السلام) ) للإمام المؤلف (قدس سره) حيث قال (قدس سره) في مقدمة الكتاب: (إن سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) مجهولة قدراً ومهضومة حقّاً، ولعل من مصاديق مجهولية قدرها عدم الإستفادة من كلماتها وخطبها في: الفقه، وعدم إدراجها ضمن الأدلة أو المؤيدات التي يعتمد عليها في استنباط الأحكام الشرعية، ولذلك فقد استعنت بالباري جل وعلا في الكتابة حول ذلك رجاءً المثوبة وأداءً لبعض الواجب، واللّه الموفق).
2- من أصحاب الإمام الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام) ، ترحّم عليه الامام الجواد (عليه السلام) وترضّى عليه وكان أنيس الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام) كما نُقل ذلك عن الإمام الكاظم (عليه السلام) وكان مكثراً في الرواية، وثّقه الشيخ المفيد (رحمه اللّه) وغيره، ومدحه الشيخ (رحمه اللّه) وجماعة، نعم تكلم فيه جماعة لشبهة (الغلو)، وليس بشيء، وتفصيل الكلام في علم الرجال.

ثم قال (عليه السلام) : «يا محمد، هذه الديانة التي من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها مُحق ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد»(1).

ص: 94


1- الكافي: ج1 ص441 باب مولد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ووفاته ح5.

23

فصل: المعاجز والكرامات الفاطمية

من كرامات الولادة

سبق أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) عند ما وُلدت: (أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، وأنها (عليها السلام) نطقت بالشهادتين - بل الشهادات الثلاث - وقالت: «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأن أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سيد الأنبياء، وأن بعلي (عليه السلام) سيد الأوصياء، ووُلدي (عليهم السلام) سادة الأسباط»، ثم سلّمت على النساء الأربع وسمّت كل واحدة منهن باسمها.. وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك..)(1).

الملاءة المباركة

كان أهل البيت (عليهم السلام) ملاذاً للفقراء ومأوى للمحتاجين في كلّ الظروف، ولشدة جودهم وكرمهم ربما اضطروا إلى الاقتراض من الآخرين.

ورد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) استقرض شعيراً من يهودي فاسترهنه شيئاً، فدفع إليه ملاءة فاطمة (عليها السلام) رهناً وكانت من الصوف، فأدخلها اليهودي إلى داره ووضعها في بيت(2)..

ص: 95


1- بيت الأحزان: ص23.
2- البيت هنا بمعنى الغرفة.

فلمّا كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل فرأت نوراً ساطعاً أضاء به البيت، فانصرفت إلى زوجها وأخبرته بأنّها رأت في ذلك البيت ضوءً عظيماً، فتعجّب زوجها اليهودي من ذلك وقد نسي أنّ في بيتهم ملاءة فاطمة (عليها السلام) ، فنهض مسرعاً ودخل البيت، فإذا ضياء الملاءة ينتشر شعاعها كأنّه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب، فتعجّب من ذلك، فأنعم النظر في موضع الملاءة فعلم أنّ ذلك النور من ملاءة فاطمة (عليها السلام) .. فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه، وزوجته تعدو إلى أقربائها واستحضرهم دارهما، فاستجمع نيف وثمانون نفراً من اليهود فرأوا ذلك وأسلموا كلّهم(1).

وروي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة، واستقرضت الشعير، فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا؟ قالت: لكسوة فاطمة (عليها السلام) فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً(2).

محدَثة الملائكة

في الرواية أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بنت محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت محُدَّثة ولم تكن نبية(3).

و(المحدَّثة) بفتح الدال أي من يحُدّثها اللّه عزّ وجلّ وملائكته.

تحدثها من بطنها

قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث: «فلما حملت - خديجة (عليها السلام) بفاطمة (عليها السلام) -

ص: 96


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص537-538 فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) ح13.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص117-118 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- بصائر الدرجات: ص392 الجزء 8 ب1 ح16.

وكانت خديجة تغتم وتحزن إذا خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها من بطنها وتُصبّرها..»(1).

أنى لك هذا؟

عن أبي سعيد الخدري قال: اُهديت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قطيفة منسوجة بالذهب، أهداها له ملك الحبشة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لأعطينّها رجلاً يحب اللّه َ ورسولَه ويحبه اللّهُ ورسولُه»، فمدّ أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعناقهم إليها، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أين علي»؟

قال عمار بن ياسر: فلما سمعت ذلك وثبت حتى أتيت علياً (عليه السلام) فأخبرته، فجاء، فدفع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) القطيفة إليه، فقال: «أنت لها».

فخرج بها إلى سوق الليل المدينة، فنقضها سلكاً سلكاً فقسمها في المهاجرين والأنصار، ثم رجع إلى منزله وما معه منها دينار.

فلما كان من غد استقبله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاث آلاف مثقال من ذهب فأنا والمهاجرون والأنصار نتغدى عندك غداً».

فقال علي (عليه السلام) : «نعم يا رسول اللّه».

فلما كان الغد أقبل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب، فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير، فدخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا، ودخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فإذا هم بجفنة مملوءة ثريداً، عليها عراق(2)، يفور منها

ص: 97


1- دلائل الإمامة: ص77 خبر ولادتها (عليها السلام) .
2- عُراق بالضم: جمع العرق، وهو العظم الذي أخذ عنه اللحم.

ريح المسك الأذفر، فضرب علي (عليه السلام) بيده عليها فلم يقدر على حملها، فعاونته فاطمة (عليها السلام) على حملها حتى أخرجها فوضعها بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فدخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على فاطمة (عليها السلام) فقال: «أي بنية أنى لك هذا»؟

قالت: «يا أبت {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1)».

فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا في مريم بنت عمران (عليهم السلام) ».

فقالت فاطمة (عليها السلام) : «يا أبة أنا خير أم مريم»؟

فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أنت في قومك، ومريم في قومها»(2).

وقد سبق الروايات التي تدل على أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين(3).

ولادة الأطهار

قالت أسماء بنت عميس: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - وقد كنت شهدت فاطمة (عليها السلام) وقد ولدت بعض وُلدها فلم أر لها دماً -: «إن فاطمة خُلقت حورية في صورة إنسية»(4).

ص: 98


1- سورة آل عمران: 37.
2- سعد السعود: ص90-91.
3- مضافاً إلى أن أمة نبينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أفضل الأمم، وذلك لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} سورة آل عمران: 110، فتكون الصديقة فاطمة (عليها السلام) أفضل من مريم (عليها السلام) .
4- المحتضر: ص138.

زهرة الوجه

قال أبو هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر (عليه السلام) (1): لم سميت فاطمة (عليها السلام) الزهراء؟ فقال (عليه السلام) : «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري»(2).

لا حيض ولا نفاس

عن أنس بن مالك عن أمه أم سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري أنها قالت: (لم تر فاطمة (عليها السلام) دماً قط في حيض ولا في نفاس)(3).

دلو من السماء

روي أن أم أيمن لما توفيت فاطمة (عليها السلام) حلفت أن لا تكون بالمدينة، إذ لاتطيق النظر إلى مواضع كانت (عليها السلام) بها، فخرجت إلى مكة، فلما كانت في بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً، فرفعت يديها وقالت: يا رب أنا خادمة فاطمة (عليها السلام) تقتلني عطشاً؟!

فأنزل اللّه عليها دلواً من السماء فشربت، فلم تحتج إلى الطعام والشراب سبع سنين، وكان الناس يبعثونها في اليوم الشديد الحر فما يصيبها عطش(4).

ص: 99


1- صاحب العسكر لقب اُطلق على الإمام الهادي (عليه السلام) حينما أسكنه الحاكم العباسي سر من رأى، وكانت معروفة بعسكر أو (عسكرا)، قال صاحب رياض العلماء: (وكأن هذا الوجه مما لا وجه له، بل الصواب كونه من جهة إظهاره عسكر اللّه تعالى وجيشه للخليفة العباسي معجزةً كما رواه جماعة من علمائنا).
2- بيت الأحزان: ص25.
3- انظر (إعلام الورى): ج1 ص291، (تاريخ دمشق): ج40 ص354.
4- الخرائج والجرائح: ج2 ص530 فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) ح5.

وفي رواية: خرجت أم أيمن إلى مكة لما توفيت فاطمة (عليها السلام) وقالت: لا أرى المدينة بعدها، فأصابها عطش شديد في الجحفة(1)، حتى خافت على نفسها، قال: فكسرت عينيها نحو السماء ثم قالت: يا رب أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيك؟ قال: فنزل إليها دلو من ماء الجنة فشربت، ولم تجع ولم تطعم سبع سنين(2).

العِقد المبارك

عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رحمه اللّه) قال: «صلّى بنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلاة العصر، فلما انفتل جلس في قبلته والناس حوله، فبينما هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل(3) قد تهلل وأخلق، وهو لا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يستجليه الخبر؟.

فقال الشيخ: يا نبي اللّه أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فارشني.

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما أجد لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحب اللّهَ ورسولَه ويحبه اللّهُ ورسولُه، يؤثر اللّه على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة (عليها السلام) » وكان بيتها ملاصقَ بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه، وقال: «يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة (عليها السلام) ».

ص: 100


1- الجحفة: قرية كبيرة على طريق المدينة إلى مكة، تبعد عن مكة أربع مراحل وقيل: ثلاث، وتبعد عن المدينة بست مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا بالمدينة، وكان اسمها مهيعة، ولكنها سميت بالجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص117 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- السمل: بالتحريك الثوب الخلق.

فانطلق الأعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة (عليها السلام) نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين.

فقالت فاطمة (عليها السلام) : «وعليك السلام، من أنت يا هذا»؟

قال: شيخ من العرب، أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجراً من شُقّة(1) بعيدة، وأنا يا بنت محمد عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني رحمك اللّه.

وكان لفاطمة وعلي (عليهما السلام) ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذلك من شأنهما.. فعمدت فاطمة (عليها السلام) إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ(2)، كان ينام عليه الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فقالت: «خذ هذا أيها الطارق، فعسى اللّه أن يرتاح(3) لك ما هو خير منه».

قال الأعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتيني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟

قال: فعمدت (عليها السلام) لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها، أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) (4) فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي.

ص: 101


1- الشُقة، بالضم: السفر البعيد.
2- القرظ، بالتحريك: ورق السلم يدبغ به الأديم.
3- في بعض النسخ: (يتاح لك)، وعلى نسخة المصدر فإنه يقال: أرتاح اللّه لفلان: أي رحمه اللّه.
4- فاطمة بنت حمزة أسد اللّه وأسد رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أمها سلمى بنت عميس أخت أسماء، وتكنى فاطمة بأم الفضل، زوّجها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من سلمة ابن أبي سلمة بن عبد الأسد، وهي من رواة حديث الغدير، رواه عنها الحافظ ابن عقدة، وروت أيضاً حديث المنزلة، رواه عنها الحافظ ابن عساكر، وهي واحدة من الفواطم.

فقالت: «خذه وبعه فعسى اللّه أن يعوّضك به ما هو خير منه».

فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول اللّه، والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس في أصحابه فقال: يا رسول اللّه أعطتني فاطمة بنت محمد (عليها السلام) هذا العقد فقالت: «بعه فعسى أن يصنع اللّه لك».

قال: فبكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: «وكيف لا يصنع اللّه لك وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم».

فقام عمار بن ياسر (رحمة اللّه عليه) فقال: يا رسول اللّه أتأذن لي بشراء هذا العقد؟

قال: «اشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبهم اللّه بالنار».

فقال عمار: بكم هذا العقد يا أعرابي؟

قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية أستر بها عورتي وأصلي فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي.

وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من خيبر ولم يبق منه شيئاً، فقال لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية، وبردة يمانية، وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البر واللحم.

فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال أيها الرجل.

وانطلق به عمار فوفاه ما ضمن له، وعاد الأعرابي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أشبعت واكتسيت»؟

قال الأعرابي: نعم واستغنيت بأبي أنت وأمي.

قال: «فأجز فاطمة (عليها السلام) بصنيعها».

فقال الأعرابي: اللّهم إنك إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك، وأنت

ص: 102

رازقنا على كل الجهات، اللّهم أعط فاطمة (عليها السلام) ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.

فأمّن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على دعائه، وأقبل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أصحابه فقال: «إن اللّه قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك، أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعلي (عليه السلام) بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفو أبداً، وأعطاها الحسن والحسين (عليهما السلام) وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا أهل الجنة»، وكان بإزائه مقداد وعمار وسلمان (رضي اللّه عنهم) فقال: «وأزيدكم»؟

فقالوا: نعم يا رسول اللّه.

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أتاني الروح الأمين - يعني جبرئيل (عليه السلام) - أنها إذا هي قُبضت ودُفنت يسألها الملكان في قبرها: من ربك؟ فتقول: اللّه ربي، فيقولان: فمن نبيك؟ فتقول: أبي، فيقولان: فمن وليك؟ فتقول: هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب (عليه السلام) »..

«ألا وأزيدكم من فضلها؟ إن اللّه قد وكل بها رعيلاً(1) من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة (عليها السلام) فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكأنما زار فاطمة (عليها السلام) ومن زار الحسن والحسين (عليها السلام) فكأنما زار علياً (عليه السلام) ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما».

فعمد عمار إلى العقد وطيّبه بالمسك ولفّه في بردة يمانية وكان له عبد اسمه: سهم، ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال

ص: 103


1- الرعيل: القطيع من الفرسان.

له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنت له، فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأخبره بقول عمار (رحمه اللّه).

فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «انطلق إلى فاطمة (عليها السلام) فادفع إليها العقد وأنت لها».

فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخذت فاطمة (عليها السلام) العقد وأعتقت المملوك، فضحك الغلام، فقالت (عليها السلام) : «ما يضحكك يا غلام»؟ فقال: أضحكني عِظَمَ بركة هذا العقد: أشبع جائعاً، وكسا عرياناً، وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربه»(1).

أي إلى صاحبه.

مثل مريم بنت عمران (عليها السلام)

روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) .. أتى أبا جبلة الأنصاري(2) فقال له: «يا أبا جبلة هل من قرض دينار»؟

قال: نعم يا أبا الحسن، اُشهد اللّه وملائكته أن أكثر مالي لك، حلال من اللّه ومن رسوله، قال (عليه السلام) : «لا حاجة لي في شيء من ذلك، إن يك قرضاً قبلته»، قال: فدفع إليه ديناراً، ومرّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يتخرق أزقة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً فإذا هو بمقداد بن الأسود الكندي قاعد على الطريق، فدنا منه وسلّم عليه وقال: «يا مقداد ما لي أراك في هذا الموضع كئيباً حزيناً»؟.

فقال: أقول كما قال العبد الصالح موسى بن عمران (عليه الصلاة والسلام):

ص: 104


1- بشارة المصطفى: ص217-221 ح44.
2- لم يأت في المصادر الرجالية بهذا العنوان، ويحتمل التصحيف في الاسم، فربما يكون جبلة بن ثعلبة الأنصاري، شهد بدراً، وقد ذكره عبيداللّه بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه تسمية من شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) صفين، فيكون (أبو) من زيادة النساخ.

{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(1)، قال (عليه السلام) : «ومنذ كم يا مقداد»؟

قال: هذا أربع، فرجع أمير المؤمنين (عليه السلام) ملياً ثم قال: «اللّه أكبر، اللّه أكبر، آل محمد منذ ثلاث وأنت يا مقداد مذ أربع، أنت أحق بالدينار مني».

قال: فدفع إليه الدينار، ومضى حتى دخل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في مسجده، فلما انفتل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ضرب بيده إلى كتفه ثم قال: «يا علي انهض بنا إلى منزلك لعلنا نصيب طعاماً فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة»، قال: فمضى وأمير المؤمنين (عليه السلام) مستحي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رابط على بطنه حجراً من الجوع، حتى قرعا على فاطمة (عليها السلام) الباب، فلما نظرت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد أثّر الجوع في وجهه ولّت هاربة قالت: «وا سوأتاه من اللّه ومن رسوله، كأن أبا الحسن ما علم أن ليس عندنا شيء مذ ثلاث» ثم دخلت (عليها السلام) مخدعاً لها فصلّت ركعتين، ثم نادت: «يا إله محمد، هذا محمد نبيك، وفاطمة بنت نبيك، وعلي خَتَن نبيك وابن عمّه، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيك، اللّهم فإن بني إسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها، اللّهم فإن آل محمد لايكفرون بها».

ثم التفتت مسلّمة فإذا هي بصحفة مملوءة من ثريد ومرق، فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأهوى بيده إلى الصحفة فسبحت الصحفة والثريد والمرق، فتلا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}(2)، ثم قال: «كلوا من جوانب القصعة ولا تهدموا صومعتها فإن فيها البركة».

ص: 105


1- سورة القصص: 24.
2- سورة الإسراء: 44.

فأكل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) .. والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأكل وينظر إلى علي (عليه السلام) متبسماً، وعلي (عليه السلام) يأكل وينظر إلى فاطمة (عليهما السلام) متعجباً، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كُل يا علي ولا تسأل فاطمة (عليها السلام) عن شيء، الحمد لله الذي جعل مثلك ومثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا، {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(1).

يا علي هذا بالدينار الذي أقرضته، لقد أعطاك الليلة خمسة وعشرين جزءً من المعروف، فأما جزء واحد فجعل لك في دنياك أن أطعمك من جنته، وأما أربعة وعشرون جزءً قد ذخرها لك لآخرتك»(2).

الملائكة في خدمتها

روي أن سلمان (رحمه اللّه) قال: كانت فاطمة (عليها السلام) جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين (عليه السلام) في ناحية الدار يبكي، فقلت: يا بنت رسول اللّه دبرت كفاك(3) وهذه فضة، فقالت: «أوصاني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً فكان أمس يوم خدمتها»، قال سلمان: إني مولى عتاقة(4) إما أنا أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين (عليه السلام) ، فقالت: «أنا بتسكيته أرفق وأنت تطحن الشعير»، فطحنت شيئاً من الشعير، فإذا

ص: 106


1- سورة آل عمران: 37.
2- تفسير فرات الكوفي: ص525-526 ح676 سورة الدهر.
3- دبرت كفاك: أي أصابها الجرح والقرح.
4- عَتَقَ العبد يَعتِق بالكسر، ومصدره العِتق والعَتاق بالفتح والعتاقة فهو عتيق وعاتق، ويقال: فلان مولى عتاقة ومولى عتيق ومولاة عتيقة وموال عتقاء ونساء عتائق: وذلك إذا أعتقوا.

أنا بالإقامة، فمضيت وصليت مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما فرغت قلت لعلي (عليه السلام) ما رأيت. فبكى وخرج، ثم عاد يتبسم، فسأله عن ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. قال: «دخلت على فاطمة (عليها السلام) وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها وقدامها الرحى تدور من غير يد» فتبسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: «يا علي أما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة»(1).

وعن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: «بعث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سلمان إلى فاطمة (عليها السلام) قال: فوقفت بالباب وقفة حتى سلّمت، فسمعت فاطمة (عليها السلام) تقرأ القرآن من جوّا، والرحى تدور من برّا، ما عندها أنيس...

إلى أن قال: فتبسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: «يا سلمان إن ابنتي فاطمة ملأ اللّه قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها، تفرغت لطاعة اللّه، فبعث اللّه ملكاً اسمه زوقابيل، وفي خبر آخر: جبرئيل، فأدار لها الرحى وكفاها اللّه مئونة الدنيا مع مئونة الآخرة»(2).

وتدور الرحى

روي عن عمار(3) وميمونة(4) أن كلاً منهما قالا: وجدت فاطمة (عليها السلام) نائمة

ص: 107


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص530-531 فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) ح6.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص116-117 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- انظر (شرح الأخبار): ج3 ص61 ح983.
4- ميمونة بنت الحارث بن خزن الهلالي زوج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهي خالة عبداللّه بن عباس توفيت سنة 51 ه وقيل 63 عام الحرة، وروى عنها الحديث الموفق الخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) ص68 ط. الغري كما في شرح إحقاق الحق: ج10 ص316، ورواه أيضاً أبو صالح المؤذن في كتابه (مناقب فاطمة (عليها السلام) ) كما في ميزان الاعتدال: ج3 ص468.

والرحى تدور، فأخبرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بذلك، فقال: «إن اللّه علم ضعف أمَته، فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت»(1).

ويتحرك المهد

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) ربما اشتغلت بصلاتها وعبادتها، فربما بكى ولدها، فرُؤي المهد يتحرك وكان ملك يحركه(2).

الدعاء المستجاب

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن سلمان الفارسي: أنه لما استُخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله، خرجت فاطمة (عليها السلام) حتى انتهت إلى القبر، فقالت: «خلوا عن ابن عمي، فو الذي بعث محمداً بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على رأسي ولأصرخن إلى اللّه، فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي». قال سلمان: فرأيت واللّه أساس حيطان المسجد تقطّعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي إن اللّه تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت(3)

الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا(4).

ص: 108


1- بحار الأنوار: ج43 ص45 ب3 ح44. وروي قريب منه أيضا عن أبي ذر؛ انظر (الثاقب في المناقب): ص290 ح247، وعن سلمان، انظر (الخرائج والجرائح): ج2 ص527 فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) ح2.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص116 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- سطع الغبار: إذا ارتفع، الخياشيم: جمع الخيشوم وهو أقصى الأنف، ويظهر أن تعبيره (رضوان اللّه عليه) بالخياشيم بدل الأنوف إشارة لشدة الغبار بحيث إنه وصل إلى أقصى أنوفهم.
4- خاتمة المستدرك: ج2 ص288-289.

نور يغلب نور الهلال

عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال في حديث طويل: «كانت فاطمة (عليها السلام) .. فإذا طلع هلال شهر رمضان فكان نورها يغلب الهلال ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر»(1).

إلى غيرها من الكرامات والمعاجز والتي هي مستمرة إلى يومنا هذا، فكم من مريض شوفي ببركة الزهراء (عليها السلام) .. وكم مكروب كشف عن كربه ببركتها (عليها السلام) .. وكم من صاحب حاجة توسل بها إلى اللّه تعالى فقضى اللّه حاجته.

ص: 109


1- فضائل الأشهر الثلاثة: ص99 ح84.

24

فصل: زواج فاطمة (عليها السلام)

اشارة

إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي أشرف الخلق بعد أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يكن لها كفو إلاّ ابن عمها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ... وقد زوّجهما اللّه تعالى في سمائه وأمر نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بزواجها من علي (عليه السلام) .

وتقدم الكثير من الصحابة للزواج من فاطمة (عليها السلام) فردّهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يزوّجها منهم، وكان فيهم أبو بكر وعمر فإنهما خطبا إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) مرة بعد أخرى فردّهما.

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لولا أن اللّه تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليهما السلام) ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه»(1).

وعن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) : «إن أبا بكر أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوّجني فاطمة، فأعرض عنه، فأتاه عمر فقال مثل ذلك، فأعرض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنه، فأتيا عبد الرحمن بن عوف فقالا: أنت أكثر قريش مالاً، فلو أتيت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطبت إليه فاطمة، زادك اللّه مالاً إلى مالك، وشرفاً إلى شرفك، فأتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له ذلك، فأعرض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنه،

ص: 110


1- الكافي: ج1 ص461 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح10.

فأتاهما فقال: قد نزل بي مثل الذي نزل بكما، فأتيا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يسقي نخلاً، فقالا: قد عرفنا قرابتك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقدمتك في الإسلام، فلو أتيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطبت إليه فاطمة لزادك اللّه فضلاً إلى فضلك، وشرفاً إلى شرفك، فقال: لقد نبهتماني، فانطلق فتوضأ ثم اغتسل ولبس كساءً قطرياً، وصلى ركعتين ثم أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا رسول اللّه زوّجني فاطمة، قال: إذا زوجتكها فما تصدقها؟ قال: أصدقها سيفي وفرسي ودرعي وناضحي، قال: أما ناضحك وسيفك وفرسك فلا غنى بك عنها تقاتل المشركين، وأما درعك فشأنك بها، فانطلق علي (عليه السلام) وباع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً قطرية، فصبّها بين يدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم يسأله عن عددها ولا هو أخبره، فأخذ منها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبضة فدفعها إلى المقداد بن الأسود فقال: ابتع من هذا ما تجهز به فاطمة، وأكثر لها من الطيب، فانطلق المقداد فاشترى لها رحى وقربة ووسادة من أدم، وحصيراً قطرياً فجاء به فوضعه بين يدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ...» الخبر(1).

إن اللّه زوّجهما فزوّجهما

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوّجكم إلاّ فاطمة (عليها السلام) فإن تزويجها نزل من السماء»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما زوّجت فاطمة إلاّ لما أمرني اللّه بتزويجها»(3).

وعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن

ص: 111


1- كشف الغمة: ج1 ص378-379 في ذكر تزويجه فاطمة (عليها السلام) .
2- وسائل الشيعة: ج20 ص74 ب27 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح5.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص64 ب31 ح226.

علي (عليه السلام) قال: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة (عليها السلام) وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوّجت علياً؟ فقلت لهم: واللّه ما أنا منعتكم وزوّجته، بل اللّه منعكم وزوّجه، فهبط عليّ جبرئيل فقال: يا محمد إن اللّه جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه»(1).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أتاني ملك فقال: يا محمد إن اللّه عزّوجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد زوّجتُ فاطمة من علي فزوّجها منه، وقد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدر والياقوت والمرجان، وإن أهل السماء قد فرحوا لذلك، وسيولد منها ولدان سيدا شباب أهل الجنة، وبهما يزيّن أهل الجنة، فأبشر يا محمد فإنك خير الأولين والآخرين»(2).

وعن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: بينما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس إذ جاء علي (عليه السلام) فقال: «يا علي ما جاء بك»؟ قال: «جئت أسلّم عليك»، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هذا جبرئيل يخبرني أن اللّه عزّوجلّ زوّجك فاطمة وأشهدَ على تزويجها أربعين ألف ملك، وأوحى اللّه إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر والياقوت، فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر والياقوت وهن يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة، وكانوا يتهادون ويقولون: هذه تحفة خير النساء»(3).

عقد في السماء

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «.. وعقد جبرئيل وميكائيل في السماء نكاح علي

ص: 112


1- بحار الأنوار: ج43 ص92-93 ب6 ح3.
2- روضة الواعظين: ج1 ص146 في ذكر تزويج فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص123-124 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

وفاطمة (عليهما السلام) ، فكان جبرئيل المتكلم عن علي وميكائيل الراد عني..»(1).

عن بلال بن حمامة(2) قال: طلع علينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم مبتسماً ضاحكاً ووجهه مسرور كدارة القمر، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول اللّه ما هذا النور؟ قال: «بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، بأن اللّه زوّج علياً (عليه السلام) من فاطمة (عليهما السلام) وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً يعني صكاكاً بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكةً من نور ودفع إلى كل ملك صكاكاً،فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محب لأهل البيت إلاّ دفعت له صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء أمتي من النار»(3).

خطبة راحيل

روى ابن شهرآشوب: أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع فقال: «الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكةً روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات، وحجب عنا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلّ على إلحاد أهل الأرض

ص: 113


1- شرح الأخبار: ج3 ص66-67 باب فاطمة الزهراء (عليها السلام) وفضائلها ح992.
2- بلال بن رباح، وأمه حمامة، نسب في هذا الحديث لأمه، هو أبو عبد اللّه مؤذن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شهد بدراً وتوفي بدمشق سنة 18ه، وكان من الموالين لأمير المؤمنين (عليه السلام) المخلصين له، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (كان بلال عبداً صالحاً).
3- الغدير: ج2 ص316، وقد رواه العامة، منهم: أسد الغابة: ج1 ص206.

من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين»، ثم قال بعد كلام: «اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه المصدق دعوته، المبادر إلى كلمته، على الوصول بفاطمة البتول ابنة الرسول...»(1).

خطبة اللّه تعالى

وروي أن جبرئيل (عليه السلام) روى عن اللّه تعالى عقيبها قوله عزّوجلّ: «الحمد ردائي والعظمة كبريائي والخلق كلّهم عبيدي وإمائي، زوّجت فاطمة أمتي من عليّ صفوتي، اشهدوا ملائكتي» وكان بين تزويج أمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام) في السماء إلى تزويجهما في الأرض أربعين يوماً، زوّجها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من علي (عليه السلام) أول يوم من ذي الحجة(2).

خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

خطب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على المنبر في تزويج فاطمة (عليها السلام) فقال: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع في سلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم إن اللّه جعل المصاهرة نسباً لاحقا وأمراً مفترضاً، وشج بها الأرحام، وألزمها الأنام فقال تبارك اسمه وتعالى جده: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}(3)،

ص: 114


1- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص125 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص125-126 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- سورة الفرقان: 54.

فأمر اللّه يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قَدَره، فلكل قضاء قَدَر، ولكل قَدَر أجل، ولكل أجل كتاب، {يَمْحُواْ اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(1).

ثم إني أشهدكم أني قد زوّجت فاطمة من علي» - وفي رواية المناقب(2): «ثم إن اللّه أمرني أن أزوّج فاطمة من علي، وقد زوّجتها إياه» - «على أربعمائة مثقال فضة... أرضيت؟ قال: رضيت يا رسول اللّه، ثم خرّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لله ساجداً، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : جعل اللّه فيكما الخير الكثير الطيب وبارك فيكما».

قال أنس: واللّه لقد أخرج منهما الكثير الطيب(3).

خطبة علي (عليه السلام)

في رواية قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «تكلّم خطيباً لنفسك» فقال (عليه السلام) : «الحمد لله الذي قرُب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنة من يتقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمدَ من يعلم أنه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، وسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه، ونشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وأن محمداً عبده ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلاة تزلفه وتحظيه، وترفعه وتصطفيه، وهذا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوّجني ابنته فاطمة (عليها السلام) على خمسمائة درهم وقد رضيت فاسألوه واشهدوا»، وفي خبر قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «زوّجتك ابنتي فاطمة على ما زوّجك الرحمن، وقد رضيت بما رضي اللّه لها دونك أهلك فإنك أحق بها مني». وفي

ص: 115


1- سورة الرعد: 39.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص127 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- راجع بحار الأنوار: ج43 ص119-120 ب5 ح29.

خبر: «فنعم الأخ أنت ونعم الختن(1) أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضى اللّه رضى»(2).

زواج النور من النور

عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «بينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجهاً، فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : حبيبي جبرئيل لم أرك في مثل هذه الصورة، قال الملك: لست بجبرئيل يا محمد، بعثني اللّه عزّوجلّ أن أزوّج النور من النور، قال: من ممن؟ قال: فاطمة من علي (عليهما السلام) ، قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه: (محمد رسول اللّه، علي وصيه) فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟ فقال: من قبل أن يخلق اللّه آدم (عليه السلام) باثنين وعشرين ألف عام»(3).

وفي رواية(4): «إن اللّه تعالى أوحى إلى جبرئيل: زوّج النور من النور، وكان

ص: 116


1- الخَتَن، بفتحتين: زوج البنت.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص127 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- الكافي: ج1 ص460-461 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح8، وقد روى الخطيب الخوارزمي من علماء العامة قريباً من هذه الرواية جاء فيها: إن اسم الملك صرصائيل. انظر (شرح إحقاق الحق): ج6 ص613 عن المناقب: ص238 ط. تبريز.
4- وهي رواية خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي، أبي عبداللّه، سبي في الجاهلية فبيع بمكة، ثم حالف بني زهرة، وكان من المسلمين الأوائل ومن المستضعفين، حيث عُذّب عذاباً شديداً، وفيه وفي سلمان وأبي ذر وعمار أنزل اللّه تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} سورة الأنعام: 52، شهد بدراً وغيرها ونزل الكوفة ومات بها سنة 37ه ودفن في ظهر الكوفة، مرّ أمير المؤمنين (عليه السلام) على قبره في منصرفه من صفين فقال: (رحم اللّه خباباً، أسلم راغباً وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً وابتلى في جسمه أحوالاً ولن يضيع اللّه أجره).

الولي اللّه، والخطيب جبرئيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين، ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك، فنثرت الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض»(1).

لا لغير علي (عليه السلام)

روي أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) مرة بعد أخرى فردهما(2).

وفي كتب أبناء العامة: (إن أبا بكر خطب فاطمة (عليها السلام) إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «يا أبا بكر انتظر بها القضاء» فذكر ذلك أبو بكر لعمر فقال له عمر: ردّك، ثم إن أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة (عليها السلام) إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطبها، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) له مثل ما قال لأبي بكر: «انتظر بها القضاء»، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره فقال له: ردّك يا عمر..)(3).

علي (عليه السلام) يخطبها

عن بريدة أنه قال نفر من الأنصار لعلي ابن أبي طالب (عليه السلام) : عندك اخطب فاطمة، فأتى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسلّم عليه فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما حاجة علي ابن أبي طالب»؟ قال: «يا رسول اللّه ذكرت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «مرحباً وأهلاً» لم يزد عليها، فخرج علي (عليه السلام) على أولئك الرهط

ص: 117


1- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص124 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- بحار الأنوار: ج43 ص109 ب5 ح22.
3- الطبقات الكبرى: ج8 ص19.

وكانوا ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: مرحباً وأهلاً، قالوا: يكفيك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أحدهما أعطاك الأهل والرحب(1).

سكوتها رضاها

روي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : «إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ممن قد عرفتِ قرابته وفضله من الإسلام، وإني سألت ربي أن يزوّجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين»؟

فسكتت (عليها السلام) فخرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يقول: «اللّه أكبر، سكوتها إقرارها(2)»(3).

وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «أتيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما رآني ضحك ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن، وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي، فقال: يا علي صدقت فأنت أفضل مما تذكر، فقلت: يا رسول اللّه فاطمة تزوجنيها؟ فقال: يا علي إنه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى

ص: 118


1- كشف الغمة: ج1 ص374-375 في ذكر تزويجه بفاطمة (عليها السلام) .
2- قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في مرآة العقول: المشهور بين الأصحاب أنه يكفي في إذن البكر سكوتها، ولا يعتبر النطق، وخالف ابن ادريس، فإنه لم يعتبر السكوت في أي موضع دليلاً على الرضا كما قال السيد محمد العاملي صاحب المدارك، ونقل عن ابن البراج أنه ألحق بالسكوت الضحك والبكاء وهو مشكل، وأما الثيب فيعتبر نطقها بلا خلاف، وألحق العلامة بالبكر من زالت بكارتها بطفرة أو سقط أو نحو ذلك لأن حكم الابكار إنما يزول بمخالطة الرجال وهو غير بعيد وإن كان الأولى، وقيد صاحب العروة الوثقى وغيره هذا الحكم بما: (إذا ظهر رضاها وكان سكوتها بسبب حيائها عن النطق بذلك) ووافقه على ذلك أغلب من علّق على العروة من الفقهاء.
3- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص127 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

أخرج إليك، فدخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها فقامت (عليها السلام) فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته الوضوء فوضأته بيدها وغسلت رجليه ثم قعدت، فقال لها: يا فاطمة، فقالت: لبيك، حاجتك يا رسول اللّه؟ قال: إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه, وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟

فسكتت (عليها السلام) ولم تول وجهها ولم ير فيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كراهة، فقام وهو يقول: اللّه أكبر سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد زوّجها علي بن أبي طالب، فإن اللّه قد رضيها له ورضيه لها.

قال علي (عليه السلام) : فزوّجني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم أتاني فأخذ بيدي فقال: قم بسم اللّه وقُل: «عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ» ثم جاءني حتى أقعدني عندها (عليها السلام) ثم قال: «اللّهم إنهما أحب خلقك إليّ فأحبهما، وبارك في ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم»(1).

قال ابن عبد البر في الإستيعاب: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : «زوّجتك سيداً في الدنيا والآخرة، وأنه لأول أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً»(2).

وأقبل علي (عليه السلام)

روي إنه لما أدركت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مدرك النساء، خطبها أكابر

ص: 119


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص39-40 المجلس2 ح13.
2- الاستيعاب: ج4 ص1895.

قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام والشرف والمال، وكان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعرض عنه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بوجهه حتى كان الرجل منهم يظن في نفسه أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ساخط عليه، أو قد نزل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه وحي من السماء، ولقد خطبها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبو بكر فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أمرها إلى ربها»، وخطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كمقالته لأبي بكر...

قال: ثم إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) حلّ عن ناضحه وأقبل يقوده إلى منزله، فشدّه فيه ولبس نعله وأقبل إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في منزل زوجته أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة المخزومي(1)، فدقّ علي (عليه السلام) الباب، فقالت أم سلمة: من بالباب؟ فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من قبل أن يقول علي أنا علي: «قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب ومريه بالدخول، فهذا رجل يحبه اللّهُ ورسولُه ويحبهما»، فقالت أم سلمة: فداك أبي وأمي ومن هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره؟ فقال: «مه، يا أم سلمة فهذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق هذا أخي وابن عمي وأحب الخلق إليّ»، قالت أم سلمة: فقمت مبادرة أكاد أن أعثر بمرطي، ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وواللّه ما دخل حين فتحت حتى علم أني قد رجعت إلى خدري، ثم إنه دخل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 120


1- أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم، أم المؤمنين ومن أفضل أزواج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) ، تزوّجها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في شهر شوال السنة الثانية بعد بدر، وقيل: قبل بدر، أما القول بأن زواجها كان في شوال من السنة الرابعة فضعيف وإن اشتهر لدى بعض المؤرخين، لأنها كانت حاضرة في زفاف أمير المؤمنين (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام) الذي حصل في أول ذي الحجة أو السادس منه بعد وقعة بدر الواقعة في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة.

فقال: «السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته»، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وعليك السلام يا أبا الحسن اجلس»(1).

قالت أم سلمة: فجلس علي بن أبي طالب (عليه السلام) بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعل ينظر إلى الأرض كأنه قصد الحاجة وهو يستحيي أن يبديها، فهو مطرق إلى الأرض حياءً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقالت أم سلمة: فكأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علم ما في نفس علي (عليه السلام) فقال له: «يا أبا الحسن إني أرى أنك أتيت لحاجة فقل حاجتك وأبد ما في نفسك، فكل حاجة لك عندي مقضية»، قال علي (عليه السلام) : «فقلت: فداك أبي وأمي إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي لا عقل لي فغذيتني بغذائك، وأدبتني بأدبك، فكنتَ إليّ أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البر والشفقة، وإن اللّه تعالى هداني بك وعلى يديك، واستنقذني مما كان عليه آبائي وأعمامي من الحيرة والشك(2)، وإنك واللّه يا رسول اللّه ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة، يا رسول اللّه فقد أحببت مع ما شدّ اللّه من عضدي بك أن يكون لي بيت وأن يكون لي زوجة أسكن إليها، وقد أتيتك خاطباً راغباً أخطب إليك ابنتك فاطمة (عليها السلام) فهل أنت مزوّجي يا رسول اللّه»؟

ص: 121


1- الناضح: البعير الذي يستقى عليه، (الخرق) له عدة معانٍ منها: ما كان نقيض الرفق، ويكون بمعنى الجهل والحمق، (النزق): الخفة والطيش، (المرط) بالكسر: واحد المروط وهي أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها.
2- بالنسبة إلى آبائه (عليهم السلام) فكانوا مؤمنين باللّه بأجمعهم، والحيرة والشك ربما يرجع إلى بعض الأعمام، وربما يكون المراد الحيرة والشك بحسب الظاهر حيث لم يكن يعلم الناس بأنهم مؤمنين، وإلاّ ففي الواقع كانوا مؤمنين على تفصيل مذكور في مظانه، وربما يراد من الحيرة أنهم محتارون وشاكون في بعض أمورهم حتى يبعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالرسالة لا في أصل الإيمان باللّه...

قالت أم سلمة: فرأيت وجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يتهلل فرحاً وسروراً، ثم تبسم في وجه علي (عليه السلام) فقال: «يا أبا الحسن فهل معك شيء أزوّجك به»؟ فقال علي (عليه السلام) : «فداك أبي وأمي واللّه ما يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي، وما أملك شيئاً غير هذا».

فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي أما سيفك فلا غنا بك عنه تجاهد به في سبيل اللّه وتقاتل به أعداء اللّه، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك، يا أبا الحسن أبشّرك»؟

قال علي (عليه السلام) : «قلت: نعم، فداك أبي وأمي، بشّرني فإنك لم تزل ميمون النقيبة، مبارك الطائر، رشيد الأمر، صلى اللّه عليك».

فقال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبشر يا أبا الحسن فإن اللّه عزّ وجلّ قد زوّجكها في السماء من قبل أن أزوّجك في الأرض، ولقد هبط عليّ في موضعي من قبل أن تأتيني ملك من السماء له وجوه شتى وأجنحة شتى لم أر قبله من الملائكة مثله فقال لي: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته، أبشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل، فقلت: وما ذاك أيها الملك؟ فقال لي: يا محمد أنا سيطائيل الملك الموكل بإحدى قوائم العرش، سألت ربي عزّ وجلّ أن يأذن لي في بشارتك، وهذا جبرئيل (عليه السلام) في أثري يخبرك عن ربك عزّ وجلّ بكرامة اللّه عزّ وجلّ، قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فما استتم كلامه حتى هبط عليّ جبرئيل فقال: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته يا نبي اللّه، ثم إنه وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة وفيه سطران مكتوبان بالنور، فقلت: حبيبي جبرئيل ما هذه الحريرة وما هذه الخطوط؟ فقال جبرئيل: يا محمد إن اللّه عزّ وجلّ اطلّع إلى الأرض اطلاعة

ص: 122

فاختارك من خلقه فبعثك برسالته ثم اطلّع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخاً ووزيراً وصاحباً وختناً فزوّجه ابنتك فاطمة، فقلت: حبيبي جبرئيل ومن هذا الرجل؟ فقال لي: يا محمد أخوك في الدنيا وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب، وإن اللّه أوحى إلى الجنان: أن تزخرفي فتزخرفت الجنان، وإلى شجرة طوبى: احملي الحلي والحلل، وتزينت الحور العين، وأمر اللّه الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور، فهبط مَن فوقها إليها وصعد مَن تحتها إليها، وأمر اللّه عزّوجلّ رضوان فنصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور وهو الذي خطب عليه آدم، عرض الأسماء على الملائكة، وهو منبر من نور، فأوحى إلى ملك من ملائكة حجبه يقال له: راحيل أن يعلو ذلك المنبر، وأن يحمده بمحامده ويمجده بتمجيده وأن يثني عليه بما هو أهله، وليس في الملائكة أحسن منطقاً ولا أحلى لغةً من راحيل الملك، فعلا المنبر وحمد ربه ومجده وقدسه وأثنى عليه بما هو أهله، فارتجت السماوات فرحاً وسروراً.

قال جبرئيل: ثم أوحى اللّه إليّ أن أعقد عقدة النكاح، فإني قد زوّجت أمتي فاطمة بنت حبيبي محمد عبدي علي بن أبي طالب، فعقدت عقدة النكاح وأشهدت على ذلك الملائكة أجمعين وكتب شهادتهم في هذه الحريرة، وقد أمرني ربي عزّوجلّ أن أعرضها عليك وأن أختمها بخاتم مسك وأن أدفعها إلى رضوان، وإن اللّه عزّوجلّ لما أشهد الملائكة على تزويج علي (عليه السلام) من فاطمة (عليها السلام) أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها من الحلي والحلل فنثرت ما فيها، فالتقطته الملائكة والحور العين، وإن الحور العين ليتهادينه ويفخرن به إلى يوم القيامة، يا محمد إن اللّه عزّ وجلّ أمرني أن آمرك أن تزوج علياً في الأرض فاطمة وتبشرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين طيبين خيرين فاضلين في الدنيا والآخرة، يا أبا الحسن فو اللّه ما عرج الملك من عندي حتى دققت الباب، ألا وإني منفذ فيك أمر ربي عزّ وجلّ، امض يا أبا

ص: 123

الحسن أمامي فإني خارج إلى المسجد ومزوّجك على رؤوس الناس وذاكر من فضلك ما تقرّ به عينك وأعين محبيك في الدنيا والآخرة...

فما توسطناه حتى لحق بنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإن وجهه ليتهلل سروراً وفرحاً فقال: يا بلال، فأجابه فقال: لبيك يا رسول اللّه، قال: اجمع إليّ المهاجرين والأنصار، فجمعهم، ثم رقى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) درجة من المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: معاشر المسلمين إن جبرئيل أتاني آنفا فأخبرني عن ربي عزّ وجلّ أنه جمع الملائكة عند البيت المعمور وأنه أشهدهم جميعاً أنه زوّج أمته فاطمة ابنة رسول اللّه من عبده علي بن أبي طالب، وأمرني أن أزوّجه في الأرض وأشهدكم على ذلك، ثم جلس وقال لعلي (عليه السلام) : قم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك، قال: فقام (عليه السلام) فحمد اللّه وأثنى عليه وصلى على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: الحمد لله شكراً لأنعمه وأياديه، ولا إله إلا اللّه شهادة تبلغه وترضيه، وصلى اللّه على محمد صلاةً تزلفه وتحظيه، والنكاح مما أمر اللّه عزّوجلّ به ويرضيه، ومجلسنا هذا مما قضاه اللّه وأذن فيه، وقد زوّجني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة (عليها السلام) وجعل صداقها درعي هذا، وقد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا، فقال المسلمون لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : زوّجته يا رسول اللّه، فقال: نعم، فقالوا: بارك اللّه لهما وعليهما وجمع شملهما..(1).

اخطب فاطمة (عليها السلام)

قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) : (اخطب فاطمة (عليها السلام) فأتى رسول

ص: 124


1- بحار الأنوار: ج43 ص124-129 ب5 ح32.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسلّم عليه، فقال له: ما حاجة علي بن أبي طالب؟ قال: يا رسول اللّه ذكرتُ فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليها، فخرج علي (عليه السلام) على أولئك الرهط من الأنصار وكانوا ينتظرونه قالوا: ما وراك؟ قال: ما أدري غير أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: مرحباً وأهلاً، قالوا: يكفيك من رسول اللّه أحدهما، أعطاك الأهل والرحب)(1).

هل لك في التزويج؟

قال الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:

«لقد هممتُ بالتزويج فلم أجترئ أن أذكر ذلك لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإن ذلك اختلج في صدري ليلي ونهاري، حتى دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول اللّه، قال: هل لك في التزويج؟ قلت: رسول اللّه أعلم، وظننت أنه يريد أن يزوجني بعض نساء قريش وإني لخائف على فوت فاطمة (عليها السلام) ، فما شعرت بشيء إذ دعاني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأتيته في بيت أم سلمة، فلما نظر إليّ تهلّل وجهه وتبسّم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق، فقال لي: يا علي أبشر فإن اللّه تبارك وتعالى قد كفاني ما كان همني من أمر تزويجك، قلت: وكيف كان ذاك يا رسول اللّه؟

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أتاني جبرئيل (عليه السلام) ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها، فناولنيهما فأخذتهما فشممتهما وقلت: يا جبرئيل ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟

فقال: إن اللّه تبارك وتعالى أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا

ص: 125


1- كشف الغمة: ج1 ص374-375 في ذكر تزويجه بفاطمة (عليها السلام) .

الجنان كلها بمغارسها وأنهارها وثمارها وأشجارها وقصورها، وأمر رياحها فهبت بأنواع العطر والطيب، وأمر حور عينها بالقراءة فيها طه وطس وحمعسق، ثم أمر اللّه عزّ وجلّ منادياً فنادى: ألا يا ملائكتي وسكان جنتي اشهدوا أني قد زوّجت فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من علي بن أبي طالب، رضىً مني بعضهما لبعض، ثم أمر اللّه تبارك وتعالى ملكاً من ملائكة الجنة يقال له: راحيل وليس في الملائكة أبلغ منه، فخطب بخطبة لم يخطب بمثلها أهل السماء ولا أهل الأرض، ثم أمر منادياً فنادى: ألا يا ملائكتي وسكان جنتي باركوا على علي بن أبي طالب (عليه السلام) حبيب محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة بنت محمد (عليها السلام) فإني قد باركت عليهما، فقال راحيل: يا رب وما بركتك عليهما أكثر مما رأينا لهما في جنانك ودارك؟ فقال اللّه عزّ وجلّ: يا راحيل إن من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجتي على خلقي، وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقاً ولأنشأن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي، ومعادن لحكمي، بهم أحتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين..

ثم قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فأبشر يا علي فإني قد زوّجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن، وقد رضيت لها بما رضي اللّه لها، فدونك أهلك فإنك أحق بها مني، ولقد أخبرني جبريل (عليه السلام) : أن الجنة وأهلها مشتاقون إليكما، ولولا أن اللّه تبارك وتعالى أراد أن يتخذ منكما ما يتخذ به على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة وأهلها، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضاء اللّه رضى.

فقال علي (عليه السلام) :{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}(1)، فقال رسول

ص: 126


1- سورة النمل: 19.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : آمين»(1).

زوجة لا مثيل لها

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «يا علي إنك اُعطيت ثلاثاً لم يُعطها أحد(2)

من قبلك» قلت: «فداك أبي وأمي وما أعطيت؟»

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «اُعطيت صهراً مثلي، واُعطيت مثل زوجتك، واُعطيت مثل ولديك الحسن والحسين»(3).

المهر المبارك

إن المهر رمز لتكريم المرأة، لابدّ منه في كل نكاح، وليس عوضاً عن المرأة، فليس النكاح بيعاً ولا يشتمل على ثمن كعوض عن المبيع، من هنا يحبذ الإسلام قلة المهر، حيث ورد في الروايات: أن من «بركة المرأة قلّة مهرها، ومن شؤمها كثرة مهرها»(4).

وكان مهر الصديقة فاطمة (عليها السلام) وهي أشرف نساء العالمين، خمسمائة درهم فقط، على المشهور، وربما أقل، ليكون سنة لأمة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكان مهر السنة (خمسمائة درهم).. ولكن اللّه منح فاطمة (عليها السلام) ونحلها الكثير الكثير في الدنيا والآخرة..

عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه قال: «لما زوّج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة من علي (عليهما السلام) أتاه أناس من قريش

ص: 127


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص201-202 ب21 ح1.
2- وهذه من خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) التى اختص بها على العالمَين ومنهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، علماً بأن الخصيصة لا تعني الفضيلة.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص52 ب31 ح188.
4- وسائل الشيعة: ج20 ص112 ب52 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح4.

فقالوا: إنك زوّجت علياً بمهر خسيس! فقال: ما أنا زوّجت علياً ولكن اللّه عزّ وجلّ زوّجه، ليلة أسرى بي عند سدرة المنتهى أوحى اللّه إلى السدرة أن انثري ما عليك، ونثرت الدر والجوهر والمرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه ويتفاخرن ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

وفي بعض الروايات: أن مهر فاطمة (عليها السلام) كان أربعمائة درهم، وفي بعضها: أربعمائة وثمانين، وربما كان ذلك بسبب اختلاف المثاقيل والأوزان.

قال الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) : «زوّج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة علياً (عليهما السلام) على أربعمائة وثمانين درهماً»(2).

وروي أن مهرها (عليها السلام) : «أربعمائة مثقال فضة»(3). وروي أنه كان «خمسمائة درهم»(4). وورد في تزويج أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أنه قال: «إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد اللّه المأمون وبذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة (عليها السلام) وهو خمسمائة درهم جياداً»(5).

وعن ابن بكير(6) قال سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «زوّج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 128


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص257-258 المجلس10 ح2.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص128 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- روضة الواعظين: ج1 ص147 خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما أراد تزويج فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) ، مكارم الأخلاق: ص207.
4- مستدرك الوسائل: ج15 ص65 ب4 من أبواب المهور ح10.
5- وسائل الشيعة: ج21 ص249 ب4 من أبواب المهور ح11.
6- عبد اللّه بن بكير بن أعين بن سنسن أبو علي الشيباني ابن أخ زرارة، من أصحاب الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام) ، فطحي المذهب لكنه ثقة، عملت الطائفة برواياته لوثاقته وفقاهته وكونه من أصحاب الإجماع.

علياً فاطمة (صلوات اللّه عليه وعليها) على درع له حطمية(1) تسوى ثلاثين درهماً»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان صداق فاطمة (عليها السلام) جرد برد حبرة ودرع حطمية، وكان فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه»(3).

الفرات

عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث عن اللّه عزّ وجلّ: «وجعلتُ نحلتها من علي (عليها السلام) خُمس الدنيا وثُلث الجنة، وجعلتُ لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، فزوّجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك»(4).

الأرض

عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي إن اللّه تعالى زوّجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لها مشى حراماً»(5).

الجنة والنار

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن اللّه تبارك وتعالى أمهر فاطمة (عليها السلام) ربع الدنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار، تدخل أعداءها النار، وتدخل أولياءها الجنة،

ص: 129


1- الحطمية: سميت كذلك إما لأنها تحطّم السيوف، أو نسبة إلى حطم بن محارب بن وديعة وكان يعمل الدروع.
2- قرب الاسناد، للحميري: ص173 ح634.
3- الكافي: ج5 ص377 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة (عليهما السلام) ح5.
4- مستدرك الوسائل: ج15 ص65 ب4 من أبواب المهور ح9، وفي بعض المصادر: (وثُلثي الجنة).
5- الطرائف: ج1 ص254 ح353.

وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى»(1).

شجرة طوبى

عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «دخلت أم أيمن على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي ملحفتها شيء، فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما معك يا أم أيمن؟

فقالت: إن فلانة أملكوها(2)

فنثروا عليها فأخذت من نثارها، ثم بكت أم أيمن وقالت: يا رسول اللّه، فاطمة زوّجتها ولم تنثر عليها شيئاً!.

فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أم أيمن، لم تبكين؟.

فإن اللّه تبارك وتعالى لما زوّجت فاطمة علياً (عليهما السلام) أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم من حليّها وحللها وياقوتها ودرّها وزمردها وستبرقها، فأخذوا منها ما لايعلمون، ولقد نحل اللّه طوبى في مهر فاطمة (عليها السلام) فجعلها في منزل علي (عليه السلام) »(3).

الخمس

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لما زوّج رسولُ اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) دخل عليها وهي تبكي، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: ما يبكيك؟ فو اللّه لو كان في أهلي خير منه ما زوّجتكه، وما أنا زوّجته ولكن اللّه زوّجك وأصدق عنك الخمس ما دامت السماوات والأرض»(4).

ص: 130


1- بحار الأنوار: ج43 ص105 ب5 ح19.
2- الإملاك: التزويج.
3- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص362-363 المجلس48 ح3.
4- الكافي: ج5 ص378 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة (عليها السلام) ح6.

الجهاز البسيط

كان جهاز الصديقة فاطمة (عليها السلام) من ثياب وأثاث بيت وما أشبه، جهازاً بسيطاً عادياً جداً، جُلّ ذلك من الخزف، أما ما تعارف اليوم من ضرورة إعداد جهاز فخم فهو مما سبّب تأخير الزواج وبقاء الشباب والفتيات في العزوبة(1).

قال علي (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «قم فبع الدرع، فقمتُ فبعته وأخذت الثمن ودخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسكبت الدراهم في حجره، فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته، ثم قبض قبضة ودعا بلالاً فأعطاه فقال: ابتع لفاطمة (عليها السلام) طيباً، ثم قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الدراهم بكلتا يديه فكانت ثلاثة وستين أو ستة وستين، فأعطاها أم أيمن وبعض الأصحاب لابتياع لمتاع البيت، فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وسرير مزمل بشريط، وفراشين من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر، وستر من صوف، وحصير هجري، ورحى لليد، ومخضب من نحاس، وسقاء من أدم، وقعب للبن، وشن للماء، ومطهرة مزفتة، وجرة خضراء، وكيزان خزف، فلما عرض المتاع على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعل يقلّبه بيده ويقول: بارك اللّه لأهل

ص: 131


1- كشفت دراسة حديثة إلى أن ثلث عدد الفتيات في الدول العربية بلغن سن الثلاثين ومن دون زواج، وأشارت دراسة أجراها مركز الدراسات الاجتماعية في مصر إلى وجود: (تسعة ملايين فتاة فاتهن قطار الزواج)، وعدّت الدراسة أن أكثر الأسباب التي تدفع بالشباب إلى العزوف عن الزواج هو العائق المادي، وكشفت دراسة رسمية أيضاً أن في مصر فقط حوالي تسعة ملايين شخص تجاوزت أعمارهم (35) عاماً لم يتزوجوا منهم (5/5) مليون شاب و(5/3) فتاة فوق سنة ال- (35) ومعدل العنوسة في مصر يمثل حوالي (17%) والنسبة في تزايد مستمر، ومن أهم أسباب العنوسة حسب هذه الدراسة: هو ارتفاع معدلات البطالة، وغلاء المهور والاسكان وغيرها.

البيت»(1).

وفي رواية: «أنه لما وضع بين يديه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكى ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف»(2).

وروي أنه كان جهاز الزهراء (عليها السلام) عند زفافها: قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة(3) سوداء خيبرية، وسرير مزمل(4) بشريط(5)، وفراشان من خيش(6) حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم، وأربع مرافق(7) من أدَم(8) الطائف حشوها أذخر(9)، وستر رقيق من صوف، وحصير هجري(10)، ورحى لليد، ومخضب من نحاس وهو إناء تغسل فيه الثياب، وسقاء(11) من أدم، وقعب(12) للبن، وشن(13)

للماء، ومطهرة(14) مزفّتة، وجرة

ص: 132


1- انظر(الأمالي، للشيخ الطوسي): ص40-41 المجلس2 ح14.
2- انظر(بحار الأنوار): ج43 ص130 ب5 ح32.
3- القطيفة: دثار له حمل.
4- مزمل: ملفوف.
5- الشريط: خوص مفتول يشرط به السرير ونحوه.
6- الخيش: ثياب في نسجها رقة وخيوطها غلاظ من مشاقة الكتان.
7- المرافق: جمع مرفقة، وهي ما يتكأ عليها.
8- أدم، بفتحتين أو ضمتين: جمع أديم، وهو الجلد.
9- الأذخر: نبات طيب الرائحة.
10- هجري: منسوب إلى هجر، بلدة في البحرين. وفي رواية (قطري) منسوب إلى قطر قرية في البحرين.
11- السقاء: جلد السخل يكون للماء واللبن.
12- القعب: قدح من خشب.
13- الشن، بالفتح: السقاء الخلق.
14- المطهرة: إناء يتطهر به، ولعلها كانت من ورق النخل وطليت بالزفت.

خضراء، وكيزان خزف، (ونطع(1) من أدَم، وعباءة قطوانية(2) وقربة ماء)(3).

وفي الرواية: «كان من تجهيز علي (عليه السلام) داره انتشار رمل لين، ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب وبسط أهاب كبش ومخدة ليف»(4).

وفي رواية عن بعض من حضر إهداء فاطمة (عليها السلام) من النساء قالت: (فدخلنا بيت علي (عليه السلام) فإذا أهاب شاة على دكان - مصطبة - ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح)(5).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كان فراش علي وفاطمة (عليهما السلام) حين دخلت عليه إهاب كبش، إذا أرادا أن يناما عليه قلباه فناما على صوفه».

قال: «وكانت وسادتهما أدما حشوها ليف».

قال: «وكان صداقها درعاً من حديد»(6).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن علياً (عليه السلام) تزوج فاطمة (عليها السلام) على جرد برد(7)

ودرع وفراش كان من إهاب كبش»(8).

ص: 133


1- النطع: بساط من جلد.
2- قطوانية: بالتحريك، عباءة بيضاء قصيرة الخمل، نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة.
3- مابين الهلالين: نقله الشيخ ابن شهر آشوب في كتابه (مناقب آل أبي طالب): ج3 ص129 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) حيث قال: (وفي رواية..) وأما ما سبق عن الهلالين فقد نقله الشيخ ابن شهر آشوب عن رواية الشيخ الطوسي في أماليه.
4- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص129 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
5- الطبقات الكبرى: ج8 ص24.
6- قرب الاسناد: ص113 ح388.
7- أي برد خَلِق.
8- الكافي: ج5 ص377 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) ح1.

وعن أسماء قالت: (لقد جهزت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما كان حشو فرشهما ووسائدهما إلاّ ليف)(1).

الزفاف الشريف

بعد مضي شهر - حسب بعض الروايات - على العقد الشريف بين فاطمة وعلي (عليهما السلام) .. كان الزواج المبارك.

قال علي (عليه السلام) : «... فأقمت بعد ذلك شهراً أصلي مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأرجع إلى منزلي ولا أذكر شيئاً من أمر فاطمة (عليها السلام) .. ثم قلن أزواج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ألا نطلب لك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخول فاطمة عليك؟ فقلت: افعلن، فدخلن عليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقالت أم أيمن: يا رسول اللّه لو أن خديجة (عليها السلام) باقية لقرت عينها بزفاف فاطمة (عليها السلام) وإن علياً (عليه السلام) يريد أهله، فقرّ عين فاطمة ببعلها واجمع شملها وقرّ عيوننا بذلك، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما بال علي لا يطلب مني زوجته فقد كنا نتوقع ذلك منه؟ قال علي (عليه السلام) : فقلت: الحياء يمنعني يا رسول اللّه، فالتفت إلى النساء فقال: مَن هاهنا؟ فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هيئن لابنتي وابن عمي في حجري بيتاً، فقالت أم سلمة: في أي حجرة يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : في حجرتك وأمر نساءه أن يزين ويصلحن من شأنها.

قالت أم سلمة: فسألت فاطمة (عليها السلام) هل عندك طيب ادخرتيه لنفسك؟ قالت: نعم، فأتت بقارورة فسكبت منها في راحتي فشممت منها رائحة ما شممت مثلها قط، فقلت: ما هذا؟ فقالت: كان يدخل دحية الكلبي على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 134


1- كشف الغمة: ج1 ص376 في ذكر تزويجه فاطمة (عليها السلام) .

فيقول لي: يا فاطمة هات الوسادة فاطرحيها لعمك، فأطرح له الوسادة فيجلس عليها، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه، فسأل علي (عليه السلام) رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن ذلك؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل»(1).

وروي أنه أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أزواجه أن يزينّ فاطمة (عليها السلام) ويطيّبنها ويفرشن لها بيتاً ليدخلنها على بعلها، ففعلن ذلك(2).

وفي رواية: قال عقيل (عليه السلام) لأخيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : ألا تسأل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يدخل عليك أهلك؟ قال: «الحياء يمنعني» قال: أقسمت عليك إلاّ قمت معي، فقاما فلقيا أم أيمن مولاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فذكرا لها ذلك، فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها وأعلمت نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاجتمعن عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقلن: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول اللّه، إنا قد اجتمعنا لأمر لو كانت خديجة (عليها السلام) في الأحياء لقرت عينها، قالت أم سلمة: فلما ذكرنا خديجة (عليها السلام) بكى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «خديجة وأين مثل خديجة؟ صدقتني حين كذبني الناس ووازرتني على دين اللّه وأعانتني عليه بمالها، إن اللّه عزّ وجلّ أمرني أن أبشر خديجة (عليها السلام) ببيت في الجنة من قصب الزمرد لا صخب فيه ولا نصب».

قالت أم سلمة: فديناك بآبائنا وأمهاتنا إنك لم تذكر من خديجة (عليها السلام) أمراً إلاّ وقد كانت كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها اللّه بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته، يا رسول اللّه هذا أخوك وابن عمّك في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحب أن تُدخل عليه زوجته.

ص: 135


1- بيت الأحزان: ص50.
2- كشف الغمة: ج1 ص370 في ذكر تزويجه بفاطمة (عليها السلام) .

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حُباً وكرامة» فدعا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) فدخل وهو مطرق حياءً وقمن أزواجه فدخلن البيت، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أتحب أن أدخل عليك زوجتك»؟

فقال (عليه السلام) وهو مرق: «أجل فداك أبي وأمي».

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أدخلها عليك إن شاء اللّه» ثم التفت (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى النساء فقال: من هاهنا؟

فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة، فأمرهن أن يزينّ فاطمة (عليها السلام) ويطيّبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة، وأن يفرشن لها بيتاً كان قد هيأه علي (عليه السلام) بالأجرة وكان بعيداً عن بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قليلاً فلما بنى بها حوّله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى بيت قريب منه.

ففعلن النسوة ما أمرهن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلّقن عليها من حليهن وطيبنها.

وأتى الصحابة بالهدايا، فأمر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بطحن البر وخبزه، وأمر علياً (عليه السلام) بذبح البقر والغنم، فلما فرغوا من الطبخ أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن ينادي على رأس داره:

أجيبوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة ورفعوا ما أرادوا، ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالصحاف فملئت ووجه إلى منازل أزواجه ثم أخذ صحفة فقال: «هذه لفاطمة وبعلها»(1).

جئنا نزف فاطمة (عليها السلام)

عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه قال: «...فلما كان ليلة الزفاف أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ببغلته الشهباء وثنّى عليها

ص: 136


1- أعيان الشيعة: ج1 ص312.

قطيفة، وقال لفاطمة (عليها السلام) : اركبي، وأمر سلمان (رحمه اللّه) أن يقودها والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسوقها، فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجبة فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً.

فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) إلى زوجها (عليه السلام) .. فكبّر جبرئيل وكبّر ميكائيل وكبّرت الملائكة وكبّر محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة»(1).

التكبير والتحميد

عن ابن عباس قال: (لما زُفّت فاطمة (عليها السلام) إلى علي (عليه السلام) كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قدّامها، وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبحون اللّه ويقدسونه حتى طلع الفجر)(2).

وروي أنه لما زُفّت فاطمة إلى علي (عليهما السلام) نزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل (عليهم السلام) ومعهم سبعون ألف ملك، وقدمت بغلة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الدلدل وعليها فاطمة (عليها السلام) مشتملة، قال: فأمسك جبرئيل باللجام، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميكائيل بالثفر، ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسوي عليها الثياب، فكبرّ جبرئيل وكبّر إسرافيل وكبّر ميكائيل وكبّرت الملائكة، وجرت السنة بالتكبير في الزفاف إلى يوم القيامة(3).

وروي أنه لما كان الليل قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لسلمان: «ايتني ببغلتي الشهباء» فأتاه

ص: 137


1- وسائل الشيعة: ج20 ص92 ب37 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح4.
2- إقبال الأعمال: ج3 ص92-93.
3- بحار الأنوار: ج43 ص139-140 ب5 ح35.

بها، فحمل عليها فاطمة (عليها السلام) ، فكان سلمان يقودها ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم بها، فبينا هو كذلك إذ سمع حساً خلف ظهره فالتفت فإذا هو جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جمع كثير من الملائكة، فقال: «يا جبرئيل ما أنزلكم»؟ قال: نزفّ فاطمة (عليها السلام) إلى زوجها، فكبّر جبرئيل ثم كبّر ميكائيل ثم كبّر إسرافيل ثم كبّرت الملائكة ثم كبّر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم كبرّ سلمان الفارسي، فصار التكبير خلف العرائس سنة من تلك الليلة.

فجاء بها فأدخلها على علي (عليه السلام) فأجلسها إلى جنبه على الحصير القطري ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي هذه بنتي فمن أكرمها فقد أكرمني، ومن أهانها فقد أهانني»، ثم قال: «اللّهم بارك لهما وبارك عليهما واجعل لهما ذرية طيبة إنك سميع الدعاء»، ثم وثب فتعلقت (عليها السلام) به وبكت، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: «ما يبكيك فقد زوّجتك أعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً»(1).

وروي أنه أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة (عليها السلام) وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرض اللّه(2).

قال جابر: فأركب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) على ناقته - وفي رواية على بغلته الشهباء - وأخذ سلمان زمامها، وحولها سبعون ألف حوراء، والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحمزة وعقيل وأهل البيت (عليهم السلام) يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قدامها يرجزن، فأنشأت أم سلمة شعراً وقالت:

ص: 138


1- بحار الأنوار: ج43 ص141 ب5 ح36.
2- مستدرك الوسائل: ج14 ص198 ب31 من أبواب مقدمات النكاح ح10.

سرن بعون اللّه جاراتي***واشكرنه في كل حالات

واذكرن ما أنعم رب العلى***من كشف مكروه وآفات

فقد هدانا بعد كفر وقد***أنعشنا رب السماوات

وسرن مع خير نساء الورى***تفدى بعمات وخالات

وسرن مع خير نساء الورى***تفدى بعمات وخالات

يا بنت من فضله ذو العلى***بالوحي منه والرسالات

وقالت بعض النسوة:

يا نسوة استرن بالمعاجر***واذكرن ما يحسن في المحاضر

واذكرن رب الناس إذ يخصنا***بدينه مع كل عبد شاكر

والحمد لله على إفضاله***والشكر لله العزيز القادر

سرن بها فاللّه أعلى ذكرها***وخصها منه بطهر طاهر

وقالت بعض النسوة:

فاطمة خير نساء البشر***ومن لها وجه كوجه القمر

فضّلك اللّه على كل الورى***بفضل من خص بآي الزمر

زوّجك اللّه فتى فاضلا***أعني علياً خير من في الحضر

فسرن جاراتي بها فإنها***كريمة عند بنت عظيم الخطر

وقالت بعض النسوة:

أقول قولا فيه ما فيه***وأذكر الخير وابديه

محمد خير بني آدم***ما فيه من كبر ولا تيه

بفضله عرفنا رشدنا***فاللّه بالخير يجازيه

ونحن مع بنت نبي الهدى***ذي شرف قد مكنت فيه

في ذروة شامخة أصلها***فما أرى شيئا يدانيه

ص: 139

وكانت النسوة يرجّعن أول بيت من كل رجز، ثم يكبرن ودخلن الدار(1).

وليمة الزواج

قال علي (عليه السلام) : «ثم قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا علي اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، ثم قال: من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن، فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن ذراعه وجعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذه حيساً(2)، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح، وخُبز لنا خبز كثير.

ثم قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ادع من أحببت، فأتيت المسجد وهو مشحن بالصحابة فأحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثم صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة (عليها السلام) ، فأقبل الناس أرسالاً، فاستحييت من كثرة الناس وقلة الطعام، فعلم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما تداخلني فقال: يا علي إني سأدعو اللّه بالبركة، قال علي (عليه السلام) : فأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ولم ينقص من الطعام شيء.

ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال: هذا لفاطمة وبعلها..»(3).

وعن أسماء بنت عميس قالت: (ولقد أولم علي (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام) فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته، رهن درعه عند يهودي وكانت وليمته آصعاً من شعير وتمر وحيس)(4).

ص: 140


1- بحار الأنوار: ج43 ص115-116 ب5 ح24.
2- الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط، والأقط: نوع من اللبن المخيض يطبخ ويترك.
3- بيت الأحزان: ص51.
4- كشف الغمة: ج1 ص376 في ذكر تزويجه فاطمة (عليها السلام) .

وقال علي (عليه السلام) : «وأخذ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الدراهم التي سلّمها إلى أم سلمة عشرة دراهم فدفعها إليّ وقال: اشتر سمناً وتمراً وأقطاً، فاشتريت وأقبلت به إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فحسّر عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم، وجعل يشدخ التمر والسمن ويخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيساً، ثم قال: يا علي ادع من أحببت، فخرجت إلى المسجد وأصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) متوافرون، فقلت: أجيبوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقاموا جميعاً وأقبلوا نحو النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته أن القوم كثير، فجلل السفرة بمنديل، وقال: أدخل عليّ عشرة بعد عشرة، ففعلت وجعلوا يأكلون ويخرجون ولا ينقص الطعام، حتى لقد أكل من ذلك الحيس سبعمائة رجل وامرأة ببركة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

وروي أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «يا علي، إنه لابد للعرس من وليمة»(2)، فقال سعد: عندي كبش، وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة(3).

رقعة البراءة من النار

قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : حدثني جبرئيل (عليه السلام) : «إن اللّه تعالى لما زوّج فاطمة علياً (عليهما السلام) أمر رضوان فأمر شجرة طوبى، فحملت رقاعاً لمحبي آل بيت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم أمطرها

ص: 141


1- بحار الأنوار: ج43 ص133 ب5 ح32.
2- يستحب الوليمة للعرس، للأخبار منها ما ذكر في المتن ومنها ما رواه الكليني بسنده عن معاوية بن عمار، قال: قال رجل لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : (إنا نجد لطعام العرس رائحة ليست برائحة غيره، فقال لنا: ما من عرس يكون ينحر فيه جزور أو تذبح بقرة أو شاة إلاّ بعث اللّه إليه ملكاً معه قيراط من مسك الجنة حتى يذيفه في طعامهم فتلك الرائحة التي تشم لذا).وسائل الشيعة: ج24 ص307 ب31 من أبواب آداب المائدة ح1.
3- كشف الغمة: ج1 ص375 في ذكر تزويجه بفاطمة (عليها السلام) .

ملائكة من نور بعدد تلك الرقاع، فأخذ تلك الملائكة الرقاع، فإذا كان يوم القيامة واستوت بأهلها أهبط اللّه الملائكة بتلك الرقاع، فإذا لقي ملك من هؤلاء الملائكة رجلاً من محبي آل بيت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دفع إليه رقعة براءة من النار»(1).

نعم الزوج والزوجة

في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقص فيه زواجه من فاطمة (عليهما السلام) : «... حتى إذا انصرفت الشمس للغروب قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أم سلمة هلمّي فاطمة (عليها السلام) ، فانطلقت فأتت بها وهي تسحب أذيالها، وقد تصببت عرقاً حياءً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعثرت، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أقالك اللّه العثرة في الدنيا والآخرة، فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها علي (عليه السلام) ثم أخذ يدها فوضعها في يد علي (عليه السلام) وقال: بارك اللّه لك في ابنة رسول اللّه، يا علي نعم الزوجة فاطمة، ويا فاطمة نعم البعل علي، انطلقا إلى منزلكما ولا تحدثا أمراً حتى آتيكما»(2).

قالت أم سلمة: ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بابنته فاطمة (عليها السلام) ودعا بعلي (عليه السلام) فأخذ علياً بيمينه وفاطمة بشماله وجمعهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، ودفع فاطمة إلى علي وقال: «يا علي نعم الزوجة زوجتك»، ثم أقبل على فاطمة وقال: «يا فاطمة نعم البعل بعلك»، ثم قام يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيئ لهما، ثم خرج من عندهما، فأخذ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعضادتي الباب فقال: «طهّركما اللّه وطهّر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما، أنا حرب لمن حاربكما،

ص: 142


1- اللمعة البيضاء: ص55.
2- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص42 المجلس2 ح14.

أستودعكما اللّه وأستخلفه عليكما»(1).

دعاء ليلة الزفاف

قال علي (عليه السلام) : «... فأخذت بيد فاطمة (عليها السلام) وانطلقت بها حتى جلست في جانب الصفة وجلست في جانبها وهي مطرقة إلى الأرض حياءً مني، وأنا مطرق إلى الأرض حياءً منها، ثم جاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: من هاهنا؟، فقلنا: ادخل يا رسول اللّه مرحباً بك زائراً وداخلاً، فدخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأجلس فاطمة (عليها السلام) من جانبه ثم قال: يا فاطمة ايتيني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فملأته ماء ثم أتته به، فأخذ جرعة فتمضمض بها ثم مجها في القعب ثم صب منها على رأسها، ثم قال: أقبلي، فلما أقبلت نضح منه بين ثدييها، ثم قال: أدبري فأدبرت فنضح منه بين كتفيها، ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «اللّهم هذه ابنتي وأحب الخلق إليّ، اللّهم وهذا أخي وأحب الخلق إليّ، اللّهم اجعله لك ولياً وبك حفياً وبارك له في أهله، ثم قال: يا علي ادخل بأهلك بارك اللّه لك ورحمة اللّه وبركاته عليكم إنه حميد مجيد»(2). وكان من دعاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في ليلة زفافها: «اللّهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شبليهما»(3).

وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال ليلة عرسها (عليها السلام) :

«اللّهم إنهما أحبّ خلقك إليّ فأحبهما، وبارك لي في ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم»(4).

ص: 143


1- كشف الغمة: ج1 ص371 في ذكر تزويجه بفاطمة (عليها السلام) .
2- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص42-43 المجلس2 ح14.
3- إعلام الورى: ج1 ص298.
4- المحتضر: ص137.

وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعا لابنته فاطمة (عليها السلام) ليلة زفافها فقال: «أذهب اللّه عنك الرجس وطهرك تطهيرًا»(1).

وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لعلي وفاطمة (عليهما السلام) : «مرحباً ببحرين يلتقيان، ونجمين يقترنان».. ثم خرج (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الباب يقول: «طهّركما وطهّر نسلكما» الدعاء(2).

وروي أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعا ليلة زفاف فاطمة (عليها السلام) وقال: «بارك اللّه لكما في سيركما، وجمع شملكما، وألّف على الإيمان بين قلوبكما، شأنك بأهلك، السلام عليكما»(3).

وفي رواية: أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:

«اللّهم هذه ابنتي وأحب الخلق إليّ، اللّهم وهذا أخي وأحب الخلق إليّ، اجعله لك ولياً وبك حفياً وبارك له في أهله».. ثم قال: «يا علي ادخل بأهلك بارك اللّه تعالى لك ورحمة اللّه وبركاته عليكم إنه حميد مجيد»(4).

ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال: «طهّركما اللّه وطهّر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما، وحرب لمن حاربكما، أستودعكما اللّه واستخلفه عليكما»(5).

ص: 144


1- انظر (مناقب آل أبي طالب): ج3 ص131 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- الخصائص الفاطمية: ج2 ص344، وتكملة الدعاء: «أنا سلم لمن سالمكما، وحرب لمن حاربكما، استودعكما اللّه واستخلفه عليكما»، قالت أسماء وهي بنت السكن أو سلمى بنت عميس كما سيأتي: (إنها رمقت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم يزل يدعو لهما خاصة ولا يشركهما في دعائه حتى توارى في حجرته).
3- كشف الغمة: ج2 ص101 في فضائل فاطمة (عليها السلام) .
4- بيت الأحزان: ص52.
5- بحار الأنوار: ج43 ص133 ب5 ح32.

وروي أنه لما كان ليلة البناء بفاطمة (عليها السلام) قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «لاتحدثن شيئاً حتى تلقاني»، فأتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي وقال: «اللّهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شبليهما». وفي رواية: «في نسليهما»(1).

وفاءً لخديجة (عليها السلام)

قالت أسماء(2):

حضرتُ وفاة خديجة (عليها السلام) فبكت، فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين، وأنت زوجة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مبشرة على لسانه بالجنة؟

فقالت: ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لابد لها من امرأة تفضي إليها بسرها، وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة (عليها السلام) حديثة عهد بصبى، وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ.

فقلت: يا سيدتي لك عليّ عهد اللّه إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر.

فلما كانت تلك الليلة وجاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمر النساء فخرجن وبقيتُ، فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أنت»؟ فقلت: أسماء بنت عميس، فقال: «ألم آمرك أن تخرجي»؟ فقلت: بلى يا رسول اللّه فداك أبي وأمي، وما

ص: 145


1- إعلام الورى: ج1 ص298.
2- نقل العلامة المجلسي (رحمه اللّه) عن الكنجي الشافعي محمد بن يوسف: (إن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة (عليها السلام) إنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري، أما أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر (عليه السلام) بالحبشة وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع)، أو إنها سلمى بنت عميس أختها، زوجة حمزة بن عبدالمطلب كما مال إليه الأربلي في كشف الغمة حيث قال: (ولعل الأخبار عنها، وكانت أسماء أشهر من أختها عند الرواة فرووا عنها أو سها راو واحد فتبعوه).

قصدت خلافك، ولكني أعطيت خديجة (عليها السلام) عهداً، وحدثته، فبكى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «باللّه لهذا وقفت»؟ فقلت: نعم واللّه، فدعا لي(1).

كرامات في ليلة العرس

قالت أسماء بنت عميس: سمعت سيدتي فاطمة (عليها السلام) تقول: «ليلة دخل بي علي بن أبي طالب (عليه السلام) أفزعني في فراشي، فقلت: ممّ فزعت يا سيدة النساء؟ قالت: سمعت الأرض تحدثه ويحدثها، فأصبحت وأنا فزعة، فأخبرت أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه وقال: يا فاطمة أبشري بطيب النسل، فإن اللّه عزّ وجلّ فضّل بعلك على سائر خلقه، وأمر الأرض أن تحدثه بأخبارها، وما يجري على وجهها من مشرق الأرض إلى مغربها»(2).

صبيحة العرس

روي أنه لما كان صبيحة عرس فاطمة (عليها السلام) جاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعس فيه لبن فقال لفاطمة (عليها السلام) : «اشربي فداك أبوك» وقال لعلي (عليه السلام) : «اشرب فداك ابن عمك»(3).

ص: 146


1- بحار الأنوار: ج43 ص139 ب5 ح34.
2- المحتضر: ص96.
3- إعلام الورى: ج1 ص298-299.

25

فصل: المدرسة الفاطمية

القدوة الصالحة

إن اللّه تعالى خلق الإنسان - ذكراً وأنثى - وأودع في فطرته أموراً وأسراراً، هي بصالح الإنسان وفي نفعه، وكان منها: حب الاقتداء بالعظماء، والإحتذاء بعملهم وسيرتهم، وهذه الفطرة يحس بها كل إنسان في ضميره، ويعترف بها من أعماقه، وإن أنكرها في لفظه جدلاً، فإنه لايستطيع إنكارها في عمله حقيقة وواقعاً، إذ كل إنسان يقتدي ويحتذي وإن كان ذلك عفوياً وبلا توجّه، وحيث إن اللّه جبل الإنسان على هذه الفطرة لم يتركه من دون أن يقيم له القدوة ويعرفه عليها، وإنما أقام له القدوة وعرّفه عليها، كي لا يضل الإنسان في الاقتداء والاحتذاء، فيقتدي بالظالمين ويحتذي بظلمهم وتعسّفهم.

وأما الذين أقامهم اللّه تعالى قدوةً لنا، وأسوةً نتأسى بهم في أعمالنا، فهم الطراز الأول من بين الخلق كله، والنخبة والصفوة من الناس أجمعين، إنهم المعصومون الأربعة عشر (صلوات اللّه عليهم أجمعين) الذين خلقهم اللّه تعالى أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين، حتى منّ علينا بهم، فجعلهم في بيوت أذن اللّه أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه.

إنهم: محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) والسبطان الحسن والحسين (عليهما السلام) ،

ص: 147

والتسعة المعصومون من ذرية الحسين (عليهم السلام) وآخرهم المهدي المنتظر (عليه السلام) قال اللّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}(1)، ثم عيّن الرسولُ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أهلَ بيته (عليهم السلام) بأمر من اللّه قدوةً وأسوةً لنا. وإنما أراد اللّه تعالى لهؤلاء الطاهرين (عليهم السلام) أن يكونوا قدوة لنا، لأن القدوة التي يختارها اللّه لعباده، لابد وأن يكون معصوماً من كل خطأ واشتباه، ومُطهّراً من كل نقص وعيب، وذلك لأنه تعالى يريد لنا أن نقتدي بهم في الخيرات والصالحات، وغير المعصوم لا يتمحض في الصلاح والخير كما هو واضح.

وذلك حتى يستطيع الإنسان أن يرفع نفسه في سماء الطهارة والمعنويات، ويحلّق في فضاء القدس والخير، إلى درجة لائقة بكرامته، وجديرة لإنسانيته.

من هم القدوة؟

إن اللّه تبارك وتعالى، أراد الخير لعباده، والكرامة والسعادة للبشر، إذ جعل رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، قدوة وأسوة لهم.

ولم يكتف تعالى بجعل المعصومين (عليهم السلام) القدوة رجالاً كلهم، أو نساءً كلهم، وإن كان كل من المعصوم، سواء الرجل المعصوم، أم المرأة المعصومة، هو قدوة للرجال والنساء معاً، بل جعل للنساء قدوة منهم أيضاً، وهي فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) رغم أنها قدوة في إيمانها وجهادها، وعبادتها وزهدها، وعلمها وثقافتها، وغير ذلك من الأمور المشتركة بين النساء والرجال، فهي قدوة للرجال والنساء معاً، إلاّ أنها (عليها السلام) في حيائها وعفتها، وسترها وحجابها، وحسن تبعّلها وإدارتها لأطفالها وشؤون بيتها وغيرها من الأمور الخاصة بالنساء، هي

ص: 148


1- سورة الأحزاب: 21.

قدوة للنساء جميعاً، ومن هذه الجهة، يقال لفاطمة الزهراء (عليها السلام) : إنها أفضل مثال وخير قدوة للنساء.

فاطمة (عليها السلام) هي القدوة

إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل مثال، وخير قدوة بعد أبيها وبعلها (عليهما السلام) للرجال والنساء معاً، إذ كانت (عليها السلام) القمة في كل خير وبر، وكل فضيلة ومكرمة.

إنها (عليها السلام) كانت مثال التقوى والإيمان، ومثال العبادة والزهد، ومثال الكفاح والجهاد، ومثال التضحية والفداء حتى رحلت من الحياة وهي في مقتبل عمرها، وقضت شهيدةً مظلومةً بعد أن أسقطوا جنينها الذي سماه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) محسناً(1) وقضى شهيداً، قبل أن يرى عالم النور!

استشهدت (عليها السلام) في الدفاع عن ولاية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 149


1- شهادة المحسن (عليه السلام) بإسقاطه من قبل الظلمة أمر لا ينكره من الإمامية الشيعة أحد، حتى عُرف عنهم هذا الأمر، ونقله علماء العامة عن الشيعة على نحو التسليم، فممن نقل ذلك عن الشيعة أبو الحسن العمري في كتابه المجدي في النسب: (وقد روت الشيعة خبر المحسن والرفسة)، والمقدسي: (وولدت محسناً، وهو الذي تزعم الشيعة أنها أسقطته من ضربة عمر)، وابن الصباغ المالكي: (وذكروا أن فيهم - أي في أولاد الإمام - محسناً شقيقاً للحسن والحسين، ذكرته الشيعة وأنه كان سقطاً)، والزبيدي في تاج العروس: (المحسن بتشديد السين ذهب أكثر الإمامية من أنه كان حملاً فأسقطته فاطمة الزهراء (عليها السلام) لستة أشهر وذلك بعد وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) )، وابن حجر الهيثمي: (ألا ترى إلى قولهم - أي الشيعة - أن عمر قاد علياً بحمائل سيفه، وحصر فاطمة فهابت فأسقطت ولداً اسمه المحسن)، وابن أبي الحديد: (فأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة.. وأن عمر أضغطها بين الباب والجدار فصاحت يا أبتاه يارسول اللّه، وألقت جنيناً ميتاً..) وغيرهم، وقد نقلها بعض العامة رغم التعتيم الإعلامي حول هذه القضية المهمة كما سيأتي.

حين غصب القوم حقه، وقد قال اللّه تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1)، حيث صرّح المفسرون بأن الذين آمنوا الموصوفين بإيتاء الزكاة في حال الركوع هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) دون غيره(2).

وقد حصرت الآية الكريمة الولاية لله تبارك وتعالى وهو الحاكم المطلق، ولرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو الحاكم بتعيين من اللّه تعالى، وللإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو المنصوص عليه بالحاكمية بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

العائلة السعيدة

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) خير مثال للزوجة الصالحة، وكان زوجها علي ابن أبي طالب (عليه السلام) خير مثال للزوج الصالح، وكانت هذه العائلة المباركة خير أسوة للاُسر السعيدة، فلا مشاكل ولا جدال ولا كذب ولا خيانة، بل الحنان والمحبة والإيثار وحسن الخلق والتفاهم والطاعة والاهتمام بالآخر.. مضافاً إلى الإيمان والتقوى وخدمة الناس والسعي في هدايتهم.

فهي (صلوات اللّه عليها) لم تكذب ولم تخن ولم تخالف زوجها منذ عاشرته، وقد قالت في اللحظات الأخيرة من حياتها: «يا ابن عمّ ما عهدتَني كاذبة ولا

ص: 150


1- سورة المائدة: 55.
2- روي هذا المعنى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعمار بن ياسر وابن عباس وأبي رافع ومحمد بن الحنفية وسلمة بن كهيل والسدي وعتبة بن أبي حكيم ومجاهد وغيرهم. انظر (جامع البيان): ج6 ص389-390، شواهد التنزيل: ج1 ص216 ح224، تفسير القرطبي: ج6 ص221، أحكام القرآن: ج2 ص557-558، زاد المسير: ج2 ص292، الدر المنثور: ج2 ص294 تاريخ دمشق: ج42 ص357، وغيرها من المصادر.

خائنة، ولا خالفتُك منذ عاشرتَني»(1).

ونرى أيضاً أن الحب والحنان والإيثار تجاه زوجها وأولادها (عليهم السلام) هو الذي كان يخيّم على حياتها الزوجية، وهكذا كان علي (عليه السلام) بالنسبة لها.

قال علي (عليه السلام) لها وهي توصيه بوصاياها: «قد عزّ عليّ مفارقتك وتفقدك... واللّه جدّدتِ عليّ مصيبة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وقد عظُمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها.. هذه واللّه مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها..» ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (عليه السلام) رأسها وضمّها إلى صدره، ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفياً أمضي فيها كما أمرتيني به واختار أمرك على أمري»(2).

وكان من مقومات السعادة الزوجية في حياة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ(3) البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب نقل الحطب وأن يجيء بالطعام»(4).

أما اليوم فقد تغيرت الموازين وأصبحت المرأة خارج البيت أكثر مما هي في البيت(5).

ص: 151


1- الأنوار البهية: ص59 فصل في وفاة فاطمة (عليها السلام) .
2- الأنوار البهية: ص59 فصل في وفاة فاطمة (عليها السلام) .
3- قممت البيت: إذا كنسته.
4- مستدرك الوسائل: ج13 ص25 ب8 من أبواب مقدمات التجارة ح11.
5- وقد عدّت دراسات أكاديمية حديثية أن من أهم الأسباب في ازدياد الطلاق هي: عمل الزوجة الخارجي.

الزواج المبكر

مما يؤكد الإسلام عليه هو الزواج المبكر، فإن فيه صون المجتمع من الفساد والانحراف الخلقي.

وما أكثر الروايات في الحث على الزواج ومدحه وذم العزوبة، كما ذكرناها في بعض كتبنا(1).

إن الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم تزوجت بأمير المؤمنين (عليه السلام) كان عمرها تسع سنين أو عشر سنين أو إحدى عشرة سنة(2)، حسب الروايات المختلفة، لأنها (عليها السلام) تزوجت بعلي (عليه السلام) بعد الهجرة بسنة(3)..

وقيل(4): بسنتين..

ص: 152


1- انظر كتاب (كيف نزوج العازبات؟) من مؤلفات الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) : وفي الكتاب المذكور بعض الروايات الحاثة على الزواج منها: ما ورد في ص61 عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (ما بني في الإسلام بناء أحب إلى اللّه عزوجل من التزويج)، وبعض الروايات الذامة للعزوبة منها: ما ورد في ص68 عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (شراركم عزابكم، والعزاب إخوان الشياطين).
2- قد مرّ أن ولادة السيدة الطاهرة (عليها السلام) كان بعد البعثة بخمس سنين، فكان عمرها الشريف في عام الهجرة تسع سنين، وعلى رواية أن الزواج كان بعد الهجرة بسنتين يكون عمرها عشر سنين، وعلى رواية الثلاث سنين يكون عمرها الشريف إحدى عشرة سنة.
3- حيث روى الشيخ الكليني (رحمه اللّه) في الكافي: ج8 ص340 ح536 بإسناده أن سعيد بن المسيب سأل الإمام زين العابدين: (متى زوج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة من علي؟ فقال: بالمدينة بعد الهجرة بسنة وكان لها يومئذ تسع سنين).
4- حيث روى الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) في أماليه: ص43 المجلس2 ح16: (وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل بفاطمة بعد وفاة أختها رقية زوجة عثمان بستة عشر يوماً، وذلك بعد رجوعه من بدر وذلك لأيام خلت من شوال)، وروي عن الصادق (عليه السلام) : (تزوج علي فاطمة (عليهما السلام) في شهر رمضان، وبنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة) وهو قول الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في كتابه مسار الشيعة: ص36 حيث قال: (وأول يوم منه - أي من ذي الحجة - لسنتين من الهجرة زوج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء البتول (عليهما السلام) )، وهو قول الشيخ في مصباح المتهجد والشيخ ابن شهر آشوب وصاحب بشارة المصطفى والإربلي في كشف الغمة وغيرهم.

وقيل(1):

بثلاث سنين.

قال ابن شهرآشوب في المناقب: تزوّجها علي (عليهما السلام) أول يوم من ذي الحجة ودخل بها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة بعد بدر(2).

بيت فاطمة (عليها السلام)

كان البيت الذي تسكنه الصديقة فاطمة (عليها السلام) في بداية زواجها بيت أجار، حيث استأجر البيت أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ثم بنى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها ولعلي (عليهما السلام) بيتاً ملاصقاً للمسجد النبوي الشريف، وكان للبيت بابان، باب يفتح إلى المسجد وباب من الخارج، ولما جاء الأمر من الباري عزّ وجلّ بسد الأبواب استثنى سبحانه وتعالى من ذلك باب بيت فاطمة (عليها السلام) (3).

ص: 153


1- حكا السيد ابن طاووس (رحمه اللّه) في الإقبال: ج3 ص92 عن الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في كتابه حدائق الرياض أنه قال: (ليلة إحدى وعشرين من المحرم وكانت ليلة خميس سنة ثلاث من الهجرة كان زفاف فاطمة ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) يستحب صومه شكراً لله تعالى لما وفق من جمع حجته وصفوته).
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص132 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وهذا القول هو جمع لما ورد في مصباح المتهجد: ص672 من أن (أول يوم من ذي الحجة زوج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة من أمير المؤمنين (عليهما السلام) وروي: أنه كان يوم السادس).
3- حديث سدّ الأبواب إلاّ باب علي (عليه السلام) من الأحاديث المتواترة المشهورة، رواه أمير المؤمنين (عليه السلام) وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وزيد بن الأرقم وعبد اللّه بن عمر وجابر بن سمرة وجابر بن عبداللّه وعائشة وغيرهم، وهذه بعض مصادره: مسند أحمد: ج1 ص175 وص331 وج4 ص369، والترمذي في سننه: ج5 ص305 ح3815، والحاكم في المستدرك: ج3 ص125 وقال عنه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وص133 وقال عنه أيضاً: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وعمرو بن أبي عاصم في كتابه السنة: ص585 ح1326، وص589 ح1351، وص595 ح1384، والنسائي في السنن الكبرى: ج5 ص112 ح8409، وص118 ح8423، وص119 ح8425، وص119 ح8426 وح8427، والنسائي أيضاً في خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) : ص64 وذكر في ص72-76 (باب قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أمرت بسد هذه البواب غير باب علي وروى فيها خمسة أحاديث عن زيد بن أرقم وسعد وابن عباس)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده: ج2 ص61 ح703، والطبراني في المعجم الأوسط: ج4 ص186، والمعجم الكبير: ج2 ص246، وج12 ص78 عن ابن عباس، وقد نقل ابن حجر (فتح الباري: ج7 ص13) جملة من هذه الأحاديث ثم قال: (وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصراً على بعض طرقه عنهم وأعلّه ببعض من تكلم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق.. وأخطأ في ذلك خطأ شنيعاً فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه..)، وقال السيوطي في اللآلي: (هو حديث مشهور له طرق متعددة كل طريق لا يقصر عن رتبة الحسن وبمجموعها يقطع بصحته)، ونقل الفتني عن صاحب الوجيز قوله: (ولبعضها أي بعض الطرق طريق آخر صحيح وصحح الحاكم حديث سعد وأخرجه غير واحد).

روي أنه «أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) النساء أن يزينّ فاطمة (عليها السلام) ويطيّبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة، وأن يفرشن لها بيتاً كان قد هيأه علي (عليه السلام) بالأجرة وكان بعيداً عن بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قليلاً، فلما بنى بها حوّله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى بيت قريب منه»(1).

وكان بيتها بيتاً متواضعاً جداً، فرشها الرمل وأثاثها الخزف(2)..

ص: 154


1- راجع (أعيان الشيعة): ج1 ص379.
2- قد مرّ سابقاً جملة من الروايات في فصل: (زواج فاطمة (عليها السلام) - الجهاز البسيط).

صالة العرس

كانت البساطة والقناعة هي الصبغة الواضحة في زواج الصديقة فاطمة (عليها السلام) .. وقد روي أن وليمة العرس كان في المسجد النبوي الشريف، حيث ورد أنه «لما فرغوا من الطبخ أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن ينادي على رأس داره: أجيبوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأجابوا من النخلات والزروع، فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة...»(1).

والبساطة في مختلف أمور الزواج من أهم المقومات لتسهيل هذا الأمر الحيوي، أما التعقيد والبذخ والترف فمن معوقات الزواج ومن أسباب كثرة العزوبة والفساد والعياذ باللّه.

ربّة بيت ورائدة أمة

لقد كانت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى جانب القيام بتربية أولادها بنيناً وبناتاً، من رضاع وحضانة، وتعليم وتهذيب، تقوم بإدارة بيتها والأعمال المنزلية فيها: من كنس وطبخ، وطحن وخبز، وخياطة وغزل، وغير ذلك مما أرهقها وأتعبها، حيث قد مجلت على إثر ذلك يداها، وتربت ثيابها، وبان التعب على وجهها ومحيّاها، فتأثر من مشاهدة حالها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال لها (عليها السلام) وكان قد فتح اللّه على يديه خيبر وغنم المسلمون أموالاً كثيرة، وإماءً وعبيداً كثيرين: يا بنت رسول اللّه: لو أتيت أباك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسألتيه خادماً يعينك على أمور بيتك؟

فأتت فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فرأت عنده أحداً فرجعت.

فعلم بها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأقبل ليلاً إلى دارها واستأذن في الدخول.

ص: 155


1- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص129 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

فلما دخل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سألها (عليها السلام) عن سبب مجيئها ورجوعها؟ وكان علي (عليه السلام) موجوداً في الدار أيضاً، فاستحيت (عليها السلام) أن تبين لأبيها سبب مجيئها.

عند ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا رسول اللّه لقد كان سبب مجيئها هو: أن قلبي رقّ لها مما أصابها من عمل البيت ومشقته، فقلت لها: لو أتيت أباك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسألتيه خادماً يعينك على أمر بيتك؟

فلما سمع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذلك التفت إلى حبيبته فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقال لها: ألا أدلّك على ما هو أنفع لك من الخادم؟

فقالت: بلى يا رسول اللّه.

فعلّمها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) التسبيحة التي عرفت فيما بعد: بتسبيح الزهراء (عليها السلام) وهي مائة تسبيحة مركبة من: أربع وثلاثين تكبيرة (اللّه أكبر)، وثلاث وثلاثين تحميدة (الحمد لله)، وثلاث وثلاثين تسبيحة (سبحان اللّه)(1).

نعم إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مضافاً إلى أنها كانت ربة بيت، وتقوم بشؤون البيت خير قيام، وتقوم بتربية الأولاد بأفضل وجه، وتقوم بعمل الغزل والخياطة بأحسن صورة، كانت بالإضافة إلى كل ذلك، معلّمة قديرة، وأستاذة كريمة، تتلّمذ على يديها النساء المسلمات(2)، فيتعلمن منها (عليها السلام) الإسلام

ص: 156


1- سيأتي تخريج هذا الحديث في فصل: (التسبيح الفاطمي).
2- فممن روى عنها (عليها السلام) من النساء: زينب الحوراء (عليها السلام) ، وأم سلمة، وأم أيمن، وأم هانئ أخت أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وخادمتها فضة، وأسماء بنت عميس، وسلمى أم رافع زوج أبي رافع، وزينب بنت أبي رافع جدة علي الرافعي، وبرة بن أمية الخزاعي، وعائشة، وغيرهن، فضلاً عمن روى عنها من الرجال مثل: أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وابناها الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) ، وسلمان، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبداللّه الأنصاري، وعبداللّه بن عباس، وأبو سعيد الخدري، ومحمود بن لبيد، والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب زوج أمامة بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد الأنصاري، وغيرهم.

والقرآن، ويراجعنها في مسائل الدين وأحكام الشريعة الإسلامية، وكانت تجيبهن بكل طلاقة وجه، ورحابة صدر، وربما تكرّر لهن الجواب مراراً عديدة فيما لو اقتضى الحال التكرار، حتى تفهم السائلة جواب مسألتها، وذلك بلا ملل ولا سأم مع كثرة مشغلتها.

التأليف ونشر العلم

إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع كل ما سبق من كثير شغلها في البيت، كانت تؤلف وتكتب الكتب، حتى جمعت ما اسمه: (مصحف فاطمة (عليها السلام) ) والمصحف يعني: الكتاب، فقد كانت (عليها السلام) هي أول امرأة كاتبة في الإسلام، كما أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) كان هو أول كاتب في الإسلام، حيث جمع ما اسمه: (كتاب علي (عليه السلام) )(1) وهذان الكتابان مشهوران ولا غبار عليهما،

ص: 157


1- سيأتي البحث عنه في فصل خاص عنوانه (مصحف فاطمة (عليها السلام) ) وأما (كتاب علي (عليه السلام) ) فإنه محفوظ عند الإئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن توارثه بعضهم عن البعض، وهو الآن عند مولانا الحجة (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) ، وكانوا في بعض الأحيان يظهرونه لبعض الخواص، ويستدلون به على إثبات جملة من الأحكام الشرعية عند النقاش مع علماء العامة أو غيرهم، ويسمى أيضاً بالصحيفة أو بالجامعة أو بمصحف علي (عليه السلام) وفي بعض الأحاديث أن طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعرض الأديم وهو باطن الجلد الذي يلي اللحم مثل فخذ الفالج والفالج هو الجمل الضخم ذو السنامين، وفي بعض الروايات: (أنه كتاب مدرج عظيم وإنه من إملاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخط علي (عليه السلام) ) وفيه كما صرّح الإمام الصادق (عليه السلام) : (كل حلال وحرام) وفي بعض الأخبار: (ما من حلال ولا حرام إلاّ وهو فيها حتى أرش الخدش)، بل في بعضها: (كل شيء يحتاج إليه الناس)، بل وفي بعضها أن فيه: (ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى)، وهنالك غيره من الصحف التي توارثها أهل البيت (عليهم السلام) منها: المبهرجة والجفر الأبيض والجفر الأحمر وغيرها وهي تحتوي على علوم كثيرة من الأحكام الشرعية وأخبار القبائل والملوك والأنبياء والأوصياء وأسماء الشيعة واسماء آبائهم ومايصار إليه من أحداث وغيرها.

وهما عند أولادهما المعصومين (عليهما السلام) يتوارثونهما بينهم، مما يكونان اليوم عند ولدهما الإمام المهدي (عليه السلام) .

ما ينبغي للمرأة

وبالتالي وانطلاقاً من قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(1)، وتعيين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أهل بيته (عليهم السلام) أسوة لنا، وسيدتهم: السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قدوة للمجتمع الإنساني وللمرأة خاصة، يتضح أنه ينبغي للمرأة وخاصة المرأة المسلمة أن تقتدي بفاطمة الزهراء (عليها السلام) في كل شؤون حياتها، وتتأسى بها في جميع أمورها.

فتتعلم منها (عليها السلام) : الزواج المبكر، حيث إنها تزوجت في التاسعة من عمرها المبارك. وتتعلم منها (عليها السلام) : كيف تكون ربة بيت مؤمنة، ومربية أولاد فاضلة، وصاحبة عمل يليق بها وبكرامتها من غزل وخياطة وما أشبه.

وتتعلم منها (عليها السلام) : كيف تكون معلمة أحكام وقرآن، وأخلاق وآداب، ودين وعقيدة.

وتتعلم منها (عليها السلام) : التأليف والكتابة، والتصنيف والتحقيق، وسائر ما روي عنها (عليها الصلاة والسلام).

وتتعلم منها (عليها السلام) : الستر والحجاب، والحياء والعفة، والخدر والحصانة، إذ هي (عليها السلام) القائلة في جواب أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين قال متسائلاً: أي شيء خير

ص: 158


1- سورة الأحزاب: 21.

للمرأة؟ فقالت (عليها السلام) : «خير للمرأة أن لا ترى رجلاً، ولا يراها رجل» فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تأييداً لجوابها: «صدقت، إنها بضعة مني»(1)،

وفي بعض الروايات: «فضمها وقال: ذرية بعضها من بعض»(2)

وفي رواية قال: «فداها أبوها»، علماً بأن مرادها (عليها السلام) من الرجل: الأجانب غير الزوج والأرحام.

الشفقة والمحبة

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في قمة الشفقة والمحبة.

قال عبد اللّه بن الحسن (عليه السلام) : دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على فاطمة (عليها السلام) فقدمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير، فأفطر عليها ثم قال: «يا بنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام» فجعلت فاطمة (عليها السلام) تبكي ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يمسح وجهها بيده(3).

عن أبي ثعلبة الخشني: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم ثنّى بفاطمة، ثم يأتي أزواجه.

فلما رجع خرج من المسجد فتلقته فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت تلثم فاه وعينيه وتبكي، فقال لها: «يا بنية ما يبكيك»؟ قالت: «يا رسول اللّه، ألا أراك شعثاً نصباً قد اخلولقت ثيابك»، قال: فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فلا تبكي، فإن اللّه عزوجل بعث أباك لأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ أدخل اللّه به عزاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل»(4).

ص: 159


1- انظر (مستدرك الوسائل): ج14 ص183 ب22 من أبواب مقدمات النكاح ح4.
2- انظر (جامع السعادات): ج1 ص239.
3- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص113 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
4- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص155 وقال عنه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

تقسيم الأدوار

هناك دروس عديدة يلزم أن يتعلمها الإنسان من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وخاصة في ما يرتبط بالأسرة المسلمة والبيت العائلي.

كما يلزم أن يتعلم منها: الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وأيضاً يتعلم منها (عليها السلام) أخلاقها، وعبادتها، وإخلاصها، وتضحيتها في سبيل اللّه، وحسن تربيتها لأولادها، وحسن معاشرتها مع زوجها.

ومن أهم تلك الدروس: حجابها ووقارها وما أرادته من الكرامة للمرأة المسلمة وغيرها.

إن الأسرة تتكون من الزوج والزوجة ولكل منهما دوره في الحياة، وأفضل الأدوار ما قسمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة (عليها السلام) وصهره علي (عليه السلام) ..

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «تقاضى علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي بما خلفه، قال: فقالت فاطمة (عليها السلام) : فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا اللّه بإكفائي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تحمل رقاب الرجال»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز»(2).

الجار ثم الدار

الاهتمام بالآخرين من صفات الأولياء، وقد كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تهتم

ص: 160


1- قرب الاسناد: ص52 ح170.
2- الكافي: ج5 ص86 باب عمل الرجل في بيته ح1.

بالآخرين وبهدايتهم وإسعادهم وإرشادهم نحو الفضيلة وطلب الخير لهم.

عن الحسين بن علي (عليه السلام) عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: لها يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: «يا بني: الجار ثم الدار»(1).

الأعمال البيتية

ومن تلك الدروس التي تستفاد من المدرسة الفاطمية: حسن اهتمامها وإدارتها للأعمال البيتية.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد»(2).

ص: 161


1- علل الشرائع: ج1 ص182 ب145 ح1.
2- بحار الأنوار: ج43 ص82 ب4 ح5.

26

الحجاب الفاطمي

الحياء والعفة

إن السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي في سترها وحجابها، وعفتها وحيائها، وإدارة بيتها وبعلها، وتربية أطفالها وأشبالها، أفضل مثال للمرأة ولو كانت غير مسلمة، فكيف بالمسلمة، وذلك ليس في هذه المذكورات فقط، بل في كل شؤونها وأحوالها.

وقد ورد في الحديث: «إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللّه ذريتها على النار»(1) يعني: إن اللّه عزّوجلّ قد رتب تحريم الذرية على النار لهذه الصفة المذكورة وهي: الحصانة، مع أن لها (عليها السلام) من الصفات الفاضلة ما لا يضاهيها أحد فيها إلاّ أبوها وبعلها (عليهما السلام) وكل تلك الصفات كانت بحيث تستوجب تحريم ذريتها على النار، لكن تخصيص هذه الصفة بالذكر، مما يدل على أهمية قصوى في هذه الصفة الحسنة، والتنصيص عليها في هذا الحديث الشريف مما يشعر بعناية كبرى فيها، ألا وهو: الترغيب لجميع النساء والفتيات في الاقتداء بها (عليها السلام) في هذه الخصلة، والتنديد بنساء الجاهلية، للاجتناب عما اعتادت عليه المرأة في تلك المجتمعات من الابتذال والهتك، والتبرج وترك الحصانة، سواء كانت متزوجة أم بلا زوج.

ص: 162


1- الجرائح والخرائج: ج1 ص281 ب6 ح13.

فالمرأة في الجاهلية كانت تبيح عرضها كما تبيح اليوم المرأة عرضها في الغرب، بحيث أصبحت المرأة على إثر ذلك منهوكة متعبة، وأصبح المجتمع الذي تعيش فيها مجتمعاً مريضاً وعليلاً.

فأراد الإسلام إنقاذ المجتمع من علّته وسقمه، وانتشال المرأة من أتعابها وآلامها وذلّها وعدم كرامتها، فجعل لها قدوة قدسية طاهرة هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومدحها بخصوص هذه الصفة، ورتب عليها هذا الأجر العظيم وهو: تحريم النار على ذريتها، ذلك لتقتدي المرأة بطواعية ورغبة - كانت غير مسلمة - بها (عليها السلام) في هذه الصفة بصورة خاصة، وببقية الصفات الخيرة التي فيها (عليها السلام) بصورة عامة، فتسعد المرأة في الحياة ويسعد المجتمع بسعادتها.

التمجيد بمقام فاطمة (عليها السلام)

وهذا هو أحد معاني الحديث الشريف القائل: «إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللّه ذريتها على النار»(1)، ويمكن أن يكون من معانيه أيضاً: التمجيد بمقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) عند اللّه تبارك وتعالى، وأنها نالت كلّ ما نالته مريم بنت عمران (عليها السلام) من الفضائل والمزايا بل زادت عليها.

فإن مريم (عليها السلام) سيدة نساء عالمها(2)، بينما فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين

ص: 163


1- معاني الأخبار: ص106 باب معنى ما روي أن فاطمة (عليها السلام) أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريتها على النار ح2.
2- قال الشوكاني وهو من علماء العامة، في فتح القدير: ج1 ص340: (وفي المعنى أحاديث كثيرة وكلها تفيد أن مريم (عليها السلام) سيدة نساء عالمها، لا نساء جميع العالم، ويؤيده ما أخرجه ابن عساكر عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: (أربع نسوة سادات نساء عالمهن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت النبي، وأفضلهن عالماً فاطمة)، وقال الآلوسي في تفسيره: ج3 ص155: (وقيل: المراد نساء عالمها فلا يلزم منه أفضليتها على فاطمة رضي اللّه تعالى عنها، ويؤيده ما أخرجه ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (أربع نسوة سادات عالمهن، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخدجية بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه وآله وأفضلهن عالماً فاطمة) وما رواه الحرث بن أسامة في (مسنده) بسند صحيح لكنه مرسل (مريم خير نساء عالمها) وإلى هذا ذهب أبو جعفر رضي اللّه تعالى عنه، وهو المشهور عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والذي أميل إليه: أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات من حيث إنها بضعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بل ومن حيثيات أخر أيضاً، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلية غيرها عليها من بعض الجهات وبحيثية من الحيثيات وبه يجمع بين الآثار، وهذا سائغ على القول بنبوة مريم أيضا إذ البضعية من روح الوجود وسيد كل موجود لا أراها تقابل بشيء، وأين الثريا من يد المتناول)، وروى عمران بن حصين أيضاً عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قوله لفاطمة (عليها السلام) : (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ قالت فاطمة: وأين مريم بنت عمران؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك). تاريخ دمشق: ج42 ص134، فضائل سيدة النساء: ص25، الاستيعاب: ج4 ص1895، الإصابة: ج8 ص102، وغيرها من المصادر وقد مرّ البحث أكثر فراجعه.

من الأولين والآخرين.

إن هذا الحديث الشريف يقول: كما أن مريم (عليها السلام) أحصنت فرجها فوهب اللّه لها كلمته عيسى (عليه السلام) ، كذلك فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحصنت فرجها، فوهب اللّه لها ذرية طيبة هما ريحانتا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسبطيه(1)، وسيدا شباب أهل الجنة، الحسن المجتبى (عليه السلام) والحسين الشهيد (عليه السلام) الذي من ذريته الإمام المهدي (عليه السلام) والذي يصلي المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، ويقتدي به، وذلك عند ظهور

ص: 164


1- قال حسان بن ثابت: وإن مريم أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى انظر (الغدير): ج2 ص61.

المهدي (عليه السلام) ونزول عيسى (عليه السلام) من السماء.

قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}(1)، وقال سبحانه: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ}(2).

إذن: فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد حازت من المكرمات والمزايا، كل ما حازته مريم (عليها السلام) وازدادت عليها كرامة بأن المسيح (عليه السلام) سوف ينزل من السماء عند ظهور المهدي (عليه السلام) لينال كرامة الاقتداء بالمهدي (عليه السلام) ويفوز بشرف الائتمام به (عليه السلام) دون العكس(3).

ص: 165


1- سورة التحريم: 15.
2- سورة الأنبياء: 91.
3- صلاة عيسى (عليه السلام) خلف المهدي (عليه السلام) من القضايا المشهورة المتواترة، والتي جاء ذكرها في الروايات تصريحاً أم تلويحاً فمنها: ما رواه البخاري في صحيحه: ج4 ص143 كتاب بدء الخلق، ومسلم في صحيحه: ج1 ص94، وابن حبان في صحيحه: ج15 ص213 عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (كيف أنتم إذ نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم)، وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه قال: سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الأمة)، وروى أحمد في مسنده: ج3 ص368 عن جابر: (وإذا هم بعيسى فيقال: تقدم يا روح اللّه، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم) وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد باسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، وروى ابن ماجه عن أبي أمامة في سننه: ج2 ص1361: (وكلهم أي المسلمون، ببيت المقدس وامامهم رجل صالح قد تقدم ليصلي بهم إذ نزل عيسى فرجع الإمام ينكس ليتقدم عيسى فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول تقدم فإنها لك أقيمت)، وفي الجامع الصغير: ج2 ص546 ح8262 وكنز العمال: ج14 ص266: (منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه) وروى عبدالرزاق في المصنف: ج11 ص399 ح20838: (باسناده عن ابن سيرين قال: ينزل ابن مريم.. فيقولون له: تقدم فيقول: بل يصلي بكم إمامكم أنتم أمراء بعضكم على بعض) وفي ح20839:(عن معمر كان ابن سيرين يرى: أنه المهدي الذي يصلي وراءه عيسى)، وروى ابن أبي شيبة في المصنف ج8 ص69 ح195: عن ابن سيرين أيضاً: قال: (المهدي من هذه الأمة وهو الذي يؤم عيسى ابن مريم)، ورواه نعيم بن حماد في كتابه الفتن: ص230 وروى في نفس الصفحة عن عبد اللّه بن عمر: (المهدي الذي ينزل عليه عيسى بن مريم ويصلي خلفه عيسى) وفي ص352:(وتقام الصلاة فيرجع إمام المسلمين المهدي فيقول عيسى تقدم فلك أقيمت الصلاة). وقال ابن حجر في فتح الباري: ج6 ص358: (وقال أبو الحسن الآبري في مناقب الشافعي: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه)، ونقله عنه المزي في تهذيبه: ج25 ص149، وابن حجر في تهذيب التهذيب: ج9 ص126 ولم يعقبا عليه، وقال المناوي: في شرح حديث أبي هريرة: (أي الخليفة من قريش على ما وجب واطرد، أو وإمامكم في الصلاة رجل منكم كما في مسلم، أن يقال له أي لعيسى: صل بنا فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الامة) وقال المناوي أيضاً في فيض القدير: ج5 ص383 ح7384: (لأن نزول عيسى لقتل الدجال يكون في زمن المهدي ويصلي عيسى خلفه كما جاه به الأخبار وجزم به جمع من الأخيار) وقال في ج6 ص23 ح8262: (فإنه أي عيسى ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيحس به فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى ويصلي خلفه، فأعظم به فضلا وشرفا لهذه الأمة)، وقال الآلوسي في تفسيره: ج25 ص96: (فيتأخر الإمام وهو المهدي فيقدمه عيسى ويصلي خلفه ويقول: إنما أقيمت لك، وقيل: بل يتقدم هو ويؤم الناس، والأكثرون على اقتدائه بالمهدي في تلك الصلاة..).

إن لم يكن يراني فإني أراه!

إن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لم حجبته وهو لا يراك فقالت: يا رسول اللّه إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أشهد أنك بضعة مني(1).

عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال علي (عليه السلام) : «استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: لم حجبتيه وهو لا يراك؟

ص: 166


1- مستدرك الوسائل: ج14 ص289 ب100 من أبواب مقدمات النكاح ح1.

فقالت (عليها السلام) : إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أشهد أنك بضعة مني»(1).

أي شيء خير للمرأة؟

روي عن علي (عليه السلام) قال: كنا عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: أخبروني أي شيء خير للنساء؟

فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا، فرجعتُ إلى فاطمة (عليها السلام) فأخبرتها الذي قال لنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وليس أحد منا علمه ولا عرفه، فقالت: ولكني أعرفه، خير للنساء أن لا يرين الرجال، ولا يراهن الرجال، فرجعت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول اللّه سألتنا أي شيء خير للنساء؟ خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال!.

فقال: من أخبرك فلم تعلمه وأنت عندي؟

فقلت: فاطمة (عليها السلام).

فأعجب ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: إن فاطمة بضعة مني»(2).

أقول: التعبير بعدم معرفة الإمام (عليه السلام) بذلك تسامحي وكنائي، أي بحسب الظاهر، وإلاّ فالإمام (عليه السلام) عالم بالعلم اللدني كما هو ثابت في محله.

وهذا دليل على أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت شديدة المحافظة على الستر والعفاف والحجاب، وفي رواية أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) : أي شيء خير للمرأة؟ قالت: «أن لا ترى رجلاً، ولا يراها رجل. فضمها إليه وقال: ذرية

ص: 167


1- النوادر، للقطب الراوندي: ص119.
2- وسائل الشيعة: ج20 ص67 ب24 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح7.

بعضها من بعض»(1).

الحجاب في الحياة والممات

إن الصديقة الطاهرة (عليها السلام) أفضل أسوة للحجاب، فقد أوصت بصنع تابوت لها ليستر جسمها بعد موتها.

عن أسماء أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت لها: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى.

فقالت أسماء: يا بنت رسول اللّه أنا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة (عليها السلام) ما أحسن هذا وأجمله، لا تعرف به المرأة من الرجل..(2).

وفي الحديث أنها (عليها السلام) لما شكت إلى أسماء وضع جنازة المرأة على السرير وحملها ظاهرة، فوصفت لها النعش، تبسمت فاطمة (عليها السلام) فرحاً بذلك بعد أن لم تر ضاحكة ولا متبسمة بعد وفاة أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى ذلك الحين، ومن هنا يعرف قدر اهتمامها (عليها السلام) بالستر والحجاب.

روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: قد مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً فقالت لأسماء بنت عميس: «ألا ترين إلى ما بلغت، اُحمل على السرير ظاهراً؟»، فقالت أسماء: لا، لعمري ولكن أصنع لك نعشاً كما رأيت يصنع بأرض الحبشة، قالت: «فأرينيه»، فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواف وجعلت على السرير نعشاً، وهو أول ما كان النعش، قالت أسماء:

ص: 168


1- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص119 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- كشف الغمة: ج2 ص126 في وفاة فاطمة (عليها السلام) .

فتبسمت فاطمة (عليها السلام) وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلاّ يومئذ، ثم حملناها ودفناها ليلاً(1).

الحجاب شرف المرأة

إن الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) كانت تؤكد على ضرورة الحجاب للمرأة، فإن الحجاب زينة المرأة وكرامتها وعفتها وشرفها. وقد أمرت أسماء بأن تصنع لها تابوتاً لكي لا يرى حجم جسدها الطاهر بعد موتها.

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة (عليها السلام) إنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء: إني نحلت وذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني؟

قالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك صنعت لك؟

قالت: نعم.

فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه ثم جللته ثوباً فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون.

فقالت: اصنعي لي مثله، استريني سترك اللّه من النار(2).

ص: 169


1- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص162.
2- تهذيب الأحكام: ج1 ص469 باب تلقين المحتضرين ح185.

27

الأخلاق الفاطمية

حسن الخلق

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في أعلى درجات حسن الخلق، فإنها تربت في مدرسة أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد شهد القرآن له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالخُلُق العظيم حيث قال عزّوجلّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(1).

فكانت فاطمة (عليها السلام) متصفة بجميع المحامد وصفات الخير والكمالات النفسية والأخلاقية، من الصدق والوفاء والزهد والإيثار وحسن الجوار والعطف والمحبة والتضحية في سبيل اللّه.

وكانت (عليها السلام) بعيدة كل البعد عن الرذائل وصفات الشر، من الكذب والبخل والخيانة وحب الدنيا وغيرها.

بِرُّ الوالدين

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) بارة بوالديها، كثيرة الاهتمام بهما، فكانت تحدث أمّها خديجة (عليها السلام) وتسلّيها وتصبّرها وهي في بطنها وتقول: يا أماه لاتحزني..

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها من بطنها، وتصبرها»(2).

ص: 170


1- سورة القلم: 4.
2- دلائل الإمامة: ص77 خبر الولادة.

وكانت تبكي على أمها خديجة (عليها السلام) وتذكرها وتترحم عليها بعدما فارقت روحها الدنيا.

أما بالنسبة إلى أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبلغت في محبتها وشفقتها عليها حتى كُنّيت ب- «أم أبيها».

ورد أنه لما ألقت قريش سلا(1) الجزور على ظهر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو ساجد، جاءت فاطمة فطرحته عنه(2).

ص: 171


1- وهو وعاء جنين الجزور الذي يخرج المولود من بطن أمه ملفوفاً فيه.
2- انظر (مسند أبي داود الطيالسي): ص43، وفيه: (وجاءت فاطمة فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك)، وفي شرح ابن أبي الحديد: ج6 ص282: (وروى أهل الحديث أن النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص، عهدوا إلى سلا جمل فرفعوه بينهم ووضعوه على رأس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو ساجد بفناء الكعبة، فسال عليه فصبر ولم يرفع رأسه وبكى في سجوده ودعا عليهم، فجاءت ابنته فاطمة وهي باكية، فاحتضنت ذلك السلا فرفعته عنه فألقته وقامت على رأسه تبكي فرفع رأسه وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (اللّهم عليك بقريش)، قالها ثلاثاً ثم قال: رافعاً صوته: (إني مظلوم فانتصر)، قالها ثلاثاً، ثم قام فدخل منزله وذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين). ولهذه الحادثة سابقة ولكنها في حياة أبي طالب (عليه السلام) فقد روى العلامة المجلسي: ج35 ص127 ب3 ضمن ح69: (وروي من طريق آخر أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما رمي بالسلا جاءت ابنته فأماطت عنه بيدها، ثم جاءت إلى أبي طالب فقالت: يا عم ما حسب أبي فيكم؟ فقال: يا ابنة، أبوك فينا السيد المطاع، العزيز الكريم، فما شأنك؟ فأخبرته بصنع القوم ففعل ما فعل بالسادات من قريش (وهوما رواه العلامة في نفس المصدر السابق عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) يقول: مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنفر من قريش وقد نحروا جزورا وكانوا يسمونها الفهيرة ويجعلونها على النصب فلم يسلّم عليهم، فلما انتهى إلى دار الندوة، قالوا: يمرّ بنا يتيم أبي طالب ولم يسلم! فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه؟ فقال عبد اللّه ابن الزبعري السهمي: أنا أفعل، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وهو ساجد فملا به ثيابه، فانصرف النبي صلى اللّه عليه وآله حتى أتى عمه أبا طالب، فقال: يا عم من أنا ؟ فقال: ولمَ يا ابن أخ، فقص عليه القصة، فقال: وأين تركتهم؟ فقال: بالأبطح، فنادى في قومه: يا آل عبد المطلب يا آل هاشم يا آل عبد مناف، فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين، فقال: كم أنتم؟ فقالوا: نحن أربعون، قال: خذوا سلاحكم، فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إليهم، فلما رأت قريش أبا طالب أرادت أن تتفرق، فقال لهم: ورب البنية لا يقوم منكم أحد إلا جللته بالسيف، ثم أتى إلى صفاة كانت وهي حجر كبير، بالأبطح فضربها ثلاث ضربات فقطع منها ثلاثة أفهار وهو حجر رقيق تسحق به الأدوية، ثم قال: يا محمد سألت: من أنت؟! ثم أنشأ يقول ويومئ بيده إلى النبي صلى اللّه عليه وآله: (أنت النبي محمد * قرم أغر مسود) حتى أتى على آخر الأبيات، ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي صلى اللّه عليه وآله إلى عبد اللّه بن الزبعري السهمي الشاعر، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها، ثم أمر بالفرث والدم فأَمَرَّ على رؤوس الملا كلهم، ثم قال: يا ابن أخ أرضيت؟ ثم قال: سألت من أنت؟ أنت محمد بن عبد اللّه، ثم نسبه إلى آدم (عليه السلام) ثم قال: أنت واللّه أشرفهم حياً وأرفعهم منصباً، يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل، أنا الذي تعرفوني)..

وفي الغزوات كانت تأتي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتمسح الدم والتراب عن وجهه، كما ورد في غزوة أحُد أنه «لما جُرح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم أحُد جعل علي (عليه السلام) ينقل له الماء في درقته من المهراس(1)، ويغسله فلم ينقطع الدم، فأتت فاطمة (عليها السلام) وجعلت تعانقه وتبكي، وأحرقت حصيراً وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم»(2).

وكانت (عليها السلام) كثيرة الحنان على والدها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (3).

وكانت كثيرة البكاء على أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عندما فقدته(4).

احترام الأم

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منزله فإذا عائشة مقبلة على

ص: 172


1- المهراس: ماء بجبل أحد، دفن بقربه حمزة بن عبدالمطلب (عليه السلام) أسد اللّه وأسد رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
2- بحار الأنوار: ج20 ص144 ب12 ح52، وانظر (الكامل في التاريخ): ج2 ص157-158.
3- سيأتي ذلك بعد قليل تحت عنوان: الحنان.
4- سيأتي ذلك بعد قليل تحت عنوان: البكاء.

فاطمة (عليها السلام) تصايحها وهي تقول: واللّه يا بنت خديجة!! ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً؟! وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاّ كبعضنا!.

فسمع (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مقالتها فاطمة، فلمّا رأت فاطمة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكت، فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟

قالت: ذكرت اُمّي فتنقّصتها فبكيتُ..»(1).

الصدق

عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلاّ أن يكون الذي ولّدها)(2) أي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . رواه في الاستيعاب(3).

وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عائشة: (ما رأيت أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها)(4).

الحنان

كانت الصديقة (عليها السلام) كثيرة الحنان على أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولادها (عليهم السلام) بل وحتى على شيعتها ومحبيها والمذنبين من أمة والدها الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ص: 173


1- الخصال: ص406 باب السبعة خبر: كان لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سبعة أولاد ح116.
2- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص160-161 وفيه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، سير أعلام النبلاء: ج2 ص131.
3- الاستيعاب: ج4 ص1896.
4- حلية الأبرار: ج2 ص41 ط.السعادة بمصر عنه: شرح إحقاق الحق: ج10 ص259، مسند أبي يعلى الموصلي: ج8 ص153 ح4700، وغيرها من المصادر.

عن أبي أيوب الأنصاري قال: (إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرض مرضة، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده، وهو ناقه من مرضه، فلما رأت ما برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها على خدها...)(1).

وعن علي (عليه السلام) قال: «غسّلتُ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه، فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول: أرني القميص، فإذا شمته غُشي عليها، فلما رأيت ذلك غيّبته»(2).

وفي ليلة الدفن عند ما أراد علي (عليه السلام) أن يعقد الكفن ويدفنها نادى: «يا حسن.. يا حسين.. هلموا تزودوا من أمكم... فهذا الفراق، واللقاء في الجنة».

فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان: واحسرة، لا تنطفئ أبداً، من فقد جدنا محمد المصطفى، وأمنا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن يا أم الحسين، إذا لقيت جدنا محمد المصطفى، فاقرئيه منا السلام، وقولي له: إن قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا.

فقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «إني أشهد اللّه أنها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً..»(3).

إلى غيرها مما هو كثير مذكور في طيات الكتاب.

البكاء

كثرة البكاء من الصفات المحمودة، البكاء من خوف اللّه، والبكاء على فقد المعصوم (عليه السلام) والبكاء على فقد الأحبة، والبكاء بما يرضي الرب، فإن الدمعة

ص: 174


1- العمدة: ص267 فصل33 ح423.
2- بحار الأنوار: ج43 ص158 ب7 ح6.
3- الأنوار البهية: ص62-63 فصل في وفاة فاطمة (عليها السلام) .

محبوبة عند اللّه عزّ وجلّ.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «البكّاءون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين (عليهم السلام) ..

فأما آدم (عليه السلام) فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية.

وأما يعقوب (عليه السلام) فبكى على يوسف (عليه السلام) حتى ذهب بصره وحتى قيل له: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ}(1).

وأما يوسف (عليه السلام) فبكى على يعقوب (عليه السلام) حتى تأذى به أهل السجن. فقالوا: إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار، وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما.

وأما فاطمة (عليها السلام) فبكت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، وكانت (عليها السلام) تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.

وأما علي بن الحسين (عليه السلام) فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين(2)، ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى، حتى قال له مولى له: جُعلت فداك، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}(3)، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة (عليها السلام) إلاّ خنقتني لذلك عبرة»(4).

ص: 175


1- سورة يوسف: 85.
2- الترديد من الراوي، ويظهر من التاريخ أنه (عليه السلام) بكى على أبيه الحسين (عليه السلام) أربعة وثلاثين عاماً، إن لم يكن أكثر، فقد وُلد (عليه السلام) سنة 38 ه واستشهد سنة 95ه فيكون عمره المبارك سبعة وخمسين عاماً تقريباً، بقي مع أبيه (عليه السلام) ثلاثة وعشرين سنة، وبعد أبيه (عليه السلام) أربعة وثلاثين عاماً تقريباً.
3- سورة يوسف: 86.
4- وسائل الشيعة: ج3 ص281 ب87 من أبواب الدفن وما يناسبه ح7.

الإيثار

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) قمة في الإحسان إلى الغير، والإيثار والتضحية في سبيل اللّه عزّ وجلّ.

عن جابر بن عبد اللّه قال: إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه، وطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة (عليها السلام) فقال: «يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع»؟

فقالت: «لا واللّه بأبي أنت وأمي».

فلما خرج (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من عندها، بعث إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت: «لأوثرن بها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على نفسي ومن عندي»، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً (عليهما السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فرجع إليها، فقالت: «بأبي أنت وأمي قد أتانا اللّه بشيء فخبأته».

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «هلمّي»، فأتته فكشفت عن الجفنة، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليه بهتت، فعرفت أنها كرامة من اللّه عزّ وجلّ، فحمدت اللّه، وصلّت على نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أين لك هذا يا بنية»؟

فقالت: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1).

فحمد اللّه عزّ وجلّ وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء العالمين في نساء بني إسرائيل في وقتهم، فإنها كانت إذا رزقها اللّه تعالى فسُئلت

ص: 176


1- سورة آل عمران: 37.

عنه {قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1)».

فبعث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) ثم أكل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجميع أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) جميعاً وشبعوا، وبقيت الجفنة كما هي، قالت فاطمة (عليها السلام) : «فأوسعت منها على جميع جيراني وجعل اللّه فيها البركة والخير كما فعل اللّه بمريم (عليها السلام) »(2).

الإخلاص

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في إيمانها وأفعالها ومواقفها ونواياها خالصة مخلصة لله عزّوجلّ، وهي التي تقول في خطبتها: «كلمة جعل الإخلاص تأويلها»(3).

روي أن بديل الهروي(4) سأل الحسين بن روح (رحمه اللّه) (5) فقال: (كم بنات رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: أربع، فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة (عليها السلام) قال: ولم صارت أفضل، وكانت أصغرهن سناً، وأقلهنّ صحبة لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قال: لخصلتين خصها اللّه بهما: إنها ورثت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منها، ولم يخصها بذلك إلاّ بفضل إخلاصٍ عرفه من نيتها)(6).

ص: 177


1- سورة آل عمران: 37.
2- بيت الأحزان: ص37، وانظر (تفسير ابن كثير): ج1 ص368.
3- دلائل الإمامة: ص111 حديث فدك.
4- الحافظ بديل بن أحمد الهروي روى عن أبي العباس الأصم وطبقته.
5- الحسين بن روح أبو القاسم النوبختي، النائب الثالث من النواب الأربعة لصاحب الأمر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، وفضله ومكانه أشهر من أن يذكر، توفي في شعبان سنة 326ه وقبره ببغداد معروف.
6- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص105 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

تحمل المشاق

تحمل المشاق في سبيل اللّه من أفضل المكرمات وصفات الخير، وهكذا كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) .

لقد لاقت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الكثير من المصاعب والمتاعب منذ الأيام الأولى من حياتها، بل وحتى قبل ولادتها، حيث كانت النساء في مكة قد قاطعن أمها خديجة (عليها السلام) على إثر زواجها من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولذلك لم يحضرن لمساعدتها عند الولادة، مع أن المرأة بحاجة إلى من يساعدنها في ذلك الوقت.

ثم بعد الولادة لاقت المصاعب الشديدة أيضاً، إذ كان المشركون قد اجتمعوا على مقاطعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومن معه، ومحاصرتهم في شعب أبي طالب (عليه السلام) ، وقضى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع من كان معه في الشعب أياماً عجافاً، حيث لا لقاء مع أحد، ولا مواصلة من أحد، وكانوا يطوون جوعاً وعطشاً، وكان ينال فاطمة الزهراء (عليها السلام) على صغر سنّها ما ينال الجميع من أتعاب وأشجان.

وكانت السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في سنيها الخامسة - وقد تراكم عليها صعوبات الشعب - إذ فوجئت بارتحال أمها الحنون السيدة خديجة (عليها السلام) وكانت هذه المصيبة المفاجئة ثقيلة وصعبة على البنت الصغيرة السن، العظيمة الحب والعاطفة، والجليلة القدر والشأن، وعندما سلّم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جثمان زوجته الوفية أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) إلى القبر وأهال عليها التراب، وتغيب شخص خديجة (عليها السلام) عن عيني البنت الحبيبة، فلم تر البنت المفجوعة بعد ذلك أمها وكانت تفتقد أمها في مكانها، فكانت تذهب إلى كل نقطة كانت تتواجد فيها خديجة (عليها السلام) من ذي قبل، وحيث لم تجدها كانت تأتي إلى أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتجلس إلى جانبه، ثم تفاتحه بمسألتها وتقول بكل لهفة: أبتاه أين والدتي؟ أبتاه أين ذهبت بأمي؟

ص: 178

فكانت تدمع عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويختنق بعبرته، ولا يستطيع الجواب على سؤال حبيبته ويتيمته فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فكان جبرائيل (عليه السلام) يهبط إلى الأرض، ليبلغ من عند اللّه تبارك وتعالى السلام إلى حبيب اللّه وحبيبة حبيبه فاطمة الزهراء (عليها السلام) ويقول: بأن أمك يا فاطمة في الجنة، وقد ذهب اللّه بها إلى الفردوس الأعلى(1).

نعم إن تحمل المشاق والصعاب في سبيل اللّه من أفضل المكرمات، وهكذا كان أهل البيت (عليهم السلام) وعلى رأسهم الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، فكم من ليلة باتت جائعة وقد أنفقت ما عندها في مرضاة اللّه، وهكذا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حيث كان يشدّ حجر المجاعة على بطنه فيجوع ويُشبع الآخرين، وكذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتصدق بما عنده فيبقى جائعاً.

روي أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طحنت حتى مجلت يداها وطب الرحى في يدها(2).

وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رأى فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعليها كساء من أجلة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فقال: «يا بنتاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة». فقالت: «يا رسول اللّه، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه، فأنزل اللّه سبحانه: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}(3)»(4).

ص: 179


1- انظر (الجواهر السنية): ص264.
2- المناقب: ج3 ص341 فصل في سيرتها (عليها السلام) .
3- سورة الضحى: 5.
4- التمحيص، لمحمد بن همام الإسكافي: ص6.

نعم هكذا تكون حياة العظماء فإنها مقرونة بالمصاعب، لأن العظيم الرباني - كفاطمة الزهراء (عليها السلام) - لا يتحمل أن يرى الناس في فقر وجهل، وظلم وعدوان، فيكابد لإنقاذهم، وفي المقابل الظالمون لا يتحملون العظماء لأنهم يرونهم خطراً على مصالحهم الشخصية ومنافعهم الفردية، فيكيدونهم ويزرعون طريقهم بالأشواك.

السلبيات الصعبة تتحول إلى إيجابيات طيبة

إن ما نشاهده اليوم في العالم من الآداب والأخلاق، والأمن والرفاه، والصلح والسلام، وغير ذلك من معاني الخير - ولو نسبياً - حتى عند غير المسلمين فإنما هو من نتائج أتعاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وسيدتهم: الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وكل ذلك من آثارهم الطيبة، وثمار جهودهم القيّمة، وحصاد هممهم العالية.

وذلك لأن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) غيّروا الدنيا عما كانت عليه من الجاهلية الجهلاء، وما كانت فيه من الحرب والشقاء، والعنف والإرهاب، إلى ما يليق بالإنسان والإنسانية، وإلى ما هو في صالح البشرية كلها، وليس ما هو صالح للمسلمين فحسب.

ومن هذا المنطلق يأتي الحديث الشريف الصادع بقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المعروف: «أنا الرحمة المهداة»، أي: الرحمة التي أشار إليها رب العالمين في كتابه الحكيم وقرآنه القويم والذي أهداه إلى الناس أجمعين حيث يقول تعالى مخاطباً رسوله الكريم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(1)، فكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هو وأهل بيته

ص: 180


1- سورة الأنبياء: 107.

الطاهرون (عليهم السلام) وسيدتهم: السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بما تحمّلوا وبما بيّنوا لنا من ثقافة السماء: الرحمة لكل العالمين حقاً.

ويُعرف هذا المعنى جلياً، من مقارنة ولو سطحية وعابرة بين الدنيا قبل ظهور الإسلام، وبين الدنيا بعد الإسلام وفي الحال الحاضر أيضاً، فإن التغيير الكبير في صالح الإنسان والإنسانية، الحاصل في الدنيا بعد ظهور الإسلام إنما هو ببركة الجهود العظيمة والتضحيات الكبيرة وتحمل الصعاب والمشاق من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) والصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

إن آلاف القوانين السماوية التي جاء بها الرسول الكريم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من عند اللّه تعالى في الكتاب الكريم، وفي سنته الشريفة، وذكرها أهل بيته المعصومون (عليهم السلام) والسيدة العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في رواياتهم وكلماتهم النوارنية، وما بيّنوه للعالم من عملهم بتلك القوانين، هي التي استطاعت أن تغيّر الدنيا وما فيها، وتحوّلها من الشقاء إلى السعادة، ومن الضيق إلى السعة، ومن الفقر إلى الرضا والرفاه، ومن البدائية والتوحش إلى التمدن والحضارة.

نعم، لو أن هناك لجنة مثابرة، مجدة وناشطة، تقوم بجمع واستقصاء المستمسكات التاريخية، التي تعرضت لبيان أحوال العالم قبل الإسلام، وتجمع وتستقصي أيضاً ما كتب في التاريخ من أحوال العالم حين ظهور الإسلام وحتى هذا اليوم - وهو يحتاج إلى مجلدات ضخمة وكثيرة - لظهر جلياً ما أشرنا إليه من الفرق الكبير والتغيير العظيم الذي أحدثه الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرون (عليهم السلام) وسيدتهم فاطمة الزهراء (عليها السلام) في العالم.

إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت قد وقفت نفسها وبذلت عمرها في سبيل اللّه جنباً إلى جنب أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فكانوا هم (صلوات اللّه

ص: 181

وسلامه عليهم أجمعين) والأصحاب الأوفياء لأهل البيت (عليهم السلام) والمخلصون لله تعالى، مؤسّسي الحضارة الموجودة، ومعماري الدنيا المتمدنة والعالم المتحضر، في حين أنهم (عليهم السلام) كانوا في أشد التعب والنصب، وأعظم العناء والمشقة.

الإنفاق

من أفضل الصفات الحسنة: الإنفاق، وقد ورد التأكيد عليها في الآيات القرآنية والروايات الشريفة كثيراً..

وهكذا كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) خير أسوة في الإنفاق في سبيل اللّه تعالى.

ففي رواية قدوم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها من سفرة: نزعت فاطمة (عليها السلام) قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... وهي تقول: «تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل اللّه»(1).

وعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «حدثتني أسماء بنت عميس، قالت: كنت عند فاطمة جدتك (عليها السلام) إذ دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي عنقها قلادة من ذهب كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) اشتراها لها من فيء له.

فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يغرنكِ الناس أن يقولوا بنت محمد وعليكِ لبس الجبابرة»!

فقطعتها (عليها السلام) وباعتها واشترت بها رقبة فأعقتها، فسر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لذلك»(2).

وهكذا في قصة أخرى أنفقت (عليها السلام) عِقدها المبارك لذلك الأعرابي، على ما هو

ص: 182


1- حلية الأبرار: ج1 ص208 ب23 ح2.
2- صحيفة الرضا (عليه السلام) : ص256 متن الصحيفة ح185.

مذكور في طيات هذا الكتاب(1).

الأوقاف والصدقات

وهكذا أوقفت الصديقة فاطمة (عليها السلام) ما بقي بيدها من بساتينها، على بني هاشم وبني عبد المطلب.

روي(2) أنه كانت للصديقة فاطمة (عليها السلام) سبعة بساتين وقفتها على بني هاشم وبني المطلب، وجعلت النظر فيها والولاية لعلي (عليه السلام) مدة حياته، وبعده للحسن (عليه السلام) وبعده للحسين (عليه السلام) وبعده للأكبر من ولدها..

وهذه البساتين(3)، هي:

العواف(4)، و(الدلال، والبرقة، والميثب، والصافية)(5)، والحسنى(6)، ومال أم ابراهيم(7).

ص: 183


1- انظر من هذا الكتاب ما ذكره الإمام المؤلف (رحمه اللّه) تحت عنوان (الكرامات الفاطمية / العقد المبارك).
2- راجع (مختلف الشيعة): ج6 ص303.
3- وهذه البساتين أو الحيطان كان قد أوصى بها مخيريق اليهودي للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد ما أسلم، وقيل: هي من أموال بني النضير مما أفاءها اللّه على رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقيل: غير ذلك، وكانت ملكاً خاصاً لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعطاها للصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في حياته.
4- العواف أو الأعرف: جِزع، بالكسر، منعطف الوادي معروف بالعالية (اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمارها إلى تهامة) يسقيه سيل مهزور، وهو وادي قريظة، وهو بالعالية في المدينة يهبط من حرة ينصب منه مياه عذبة من مياه الأمطار).
5- هذه بساتين متجاورات في شرق المدينة يسقيها سيل مهزور أيضاً.
6- موضع بالقف (وهو واد بالمدينة) بقرب الدلال يسقيها مهزور أيضاً.
7- مشربة أم إبراهيم أي غرفتها، وهو موضع بالعوالي بالفتح، ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال، وقيل: أكثر، وقيل: أقل. بين النخيل وهو أكمة قد حوّط عليها بلبن.

28

الزهد الفاطمي

اشارة

من أخلاقيات الصديقة فاطمة (عليها السلام) الزهد في الدنيا، وعدم الرغبة في زخارفها وزينتها. وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يربيها على الزهد ويقول لها: «ليس لكِ الدنيا، إنما لكِ الآخرة، وميعادكِ الجنة، ما تصنعين بالدنيا، فإنها زائلة غرارة»(1).

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كان فراش علي وفاطمة (عليهما السلام) حين دخلت عليه: إهاب كبش إذا أرادا أن يناما عليه قلباه فناما على صوفه».

وقال (عليه السلام) : «وكانت وسادتهما أدما حشوها ليف».

وقال (عليه السلام) : «وكان صداقها درعاً من حديد»(2).

ما تصنعون بالدنيا؟

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) سألت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خاتماً، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ألا أعلمك ما هو خير من الخاتم؟ إذا صلّيت صلاة الليل، فاطلبي من اللّه عزّوجلّ خاتماً، فإنك تنالين حاجتك».

قال: فدعت (عليها السلام) ربها تعالى، فإذا بهاتف يهتف: يا فاطمة الذي طلبت مني

ص: 184


1- راجع (مناقب آل أبي طالب): ج3 ص118 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- بحار الأنوار: ج43 ص104 ب5 ح14.

تحت المصلى، فرفعت المصلى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له(1)، فجعلته في إصبعها وفرحت، فلما نامت من ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنة، فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنة مثلها، قالت: لمن هذه القصور؟

قالوا: لفاطمة بنت محمد (عليها السلام) .

قال: فكأنها دخلت قصراً من ذلك ودارت فيه فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم، فقالت (عليها السلام) : ما لهذا السرير قد مالت على ثلاث؟

قالوا: لأن صاحبته طلبت من اللّه خاتماً، فنزع أحد القوائم وصيغ لها خاتماً وبقي السرير على ثلاث قوائم.

فلما أصبحت دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقصت القصة، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : معاشر آل عبد المطلب! ليس لكم الدنيا، إنما لكم الآخرة، وميعادكم الجنة، ما تصنعون بالدنيا، فإنها زائلة غرارة، فأمرها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن ترد الخاتم تحت المصلى، فردت ثم نامت فرأت السرير على أربع قوائم، فسألت عن حاله، فقالوا: ردت الخاتم ورجع السرير إلى هيئته»(2).

ما لآل محمد وللدنيا

وفي رواية قدوم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من سفره حيث رأى ستراً من كساء خيبرية، فخرج حتى جلس عند المنبر، أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) «نزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر، فبعثت به إلى أبيها وقالت: اجعل هذا في سبيل اللّه، فلما أتاه(3)، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : قد فعَلَتْ فداها أبوها، ثلاث مرات، ما لآل محمد

ص: 185


1- أي ثمين جداً بحيث لا يمكن أن يجعل له قيمة.
2- مستدرك سفينة البحار: ج3 ص20-21.
3- أي رسول فاطمة (عليها السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو ثوبان مولى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وللدنيا، فإنهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لهم»(1).

وفي رواية الإمام السجاد (عليه السلام) : أن فاطمة (عليها السلام) قطعت قلادتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها، فسر بذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

شدة الجوع

روي أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال يوماً لابنته فاطمة (عليها السلام) : «ما لي أرى وجهك أصفر»؟

قالت: «يا رسول اللّه الجوع»(3).

وعن عمران بن الحصين قال: (كنت عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالساً، إذ أقبلت فاطمة (عليها السلام) وقد تغير وجهها من الجوع! فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: «ادني» فدنت، فرفع يده حتى وضعها على صدرها - وهي صغيرة - في موضع القلادة.

ثم قال: «اللّهم مشبّع الجاعة ورافع الوضيعة، لا تجع فاطمة»، قال: فرأيت الدم قد غلب على وجهها كما كانت الصفرة، فقالت: ما جعتُ بعد ذلك)(4).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أقبلت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعرف في وجهها الخمص، قال: يعني الجوع، فقال لها: يا بنية هاهنا، فأجلسها على فخذه الأيمن، فقالت: يا أبتاه إني جائعة، فرفع يديه إلى السماء فقال: اللّهم رافع الوضعة ومشبع الجاعة أشبع فاطمة بنت نبيك، قال أبو جعفر (عليه السلام) : فو اللّه

ص: 186


1- راجع (بحار الأنوار): ج43 ص86 ب4 ح8.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص48 ب31 ح161.
3- مستدرك الوسائل: ج14 ص282 ب92 من أبواب مقدمات النكاح ح2.
4- الخرائج والجرائح: ج1 ص52 ح80.

ما جاعت بعد يومها حتى فارقت الدنيا»(1).

لا شيء في البيت

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجن والخبز وقمّ البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟

قالت: لا والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام إلاّ شيء نقريك به، قال: أفلا أخبرتني، قالت: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لاتسألي ابن عمك شيئاً، إن جاءك بشيء عفوي وإلاّ فلا تسأليه.

قال: فخرج (عليه السلام) فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً، ثم أقبل به وقد أمسى، فلقي مقداد بن الأسود فقال لمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين.

قال الراوي(2): قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حي؟ قال: ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حي.

قال (عليه السلام) : فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً، وسنؤثرك به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالساً وفاطمة (عليها السلام) تصلي وبينهما شيء مغطى، فلما فرغت اختبرت ذلك الشيء، فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة {أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(3)، قال له رسول

ص: 187


1- بحار الأنوار: ج43 ص77 ب3 ح64.
2- وهو نجم بن حطيم العجلي الغنوي الكوفي، من أصحاب الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) مات في حياة الامام الكاظم (عليه السلام) من الإمامية الثقات.
3- سورة آل عمران: 37.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب ف{وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}(1) فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها القائم (عليه السلام) ، وهي عندنا»(2).

الشملة الخلقة

روي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}(3)، بكى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكاءً شديداً وبكت صحابته لبكائه ولم يدروا ما نزل به جبرئيل (عليه السلام) ، ولم يستطع أحد من صحابته أن يكلّمه، وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا رأى فاطمة (عليها السلام) فرح بها..

فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها (عليها السلام) ، فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه، وتقول: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأَبْقَى}(4)، فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبكائه، فنهضت (عليها السلام) والتفت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل، فلما خرجت نظر سلمان الفارسي (رحمه اللّه) إلى الشملة وبكى وقال: وا حزناه إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً.

فلما دخلت فاطمة (عليها السلام) على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: «يا رسول اللّه إن سلمان

ص: 188


1- سورة آل عمران: 37.
2- تفسير كنز الدقائق: ج2 ص73-74 سورة مريم.
3- سورة الحجر: 43-44.
4- سورة القصص: 60.

تعجب من لباسي فوالذي بعثك بالحق ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف». فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا سلمان إن ابنتي لفي الخيل السوابق».

ثم قالت: «يا أبت فديتك ما الذي أبكاك»؟ فذكر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدمتين. قال: فسقطت فاطمة (عليها السلام) على وجهها وهي تقول: «الويل ثم الويل لمن دخل النار»(1).

القناعة

«القناعة كنز لا يفنى» كما في الحديث الشريف(2).

وهكذا كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، فلم تطلب من زوجها علي (عليه السلام) شيئاً من أمور الدنيا، ولم تكلّفه يوماً بما لا يطيقه بل حتى بما يطيقه.

روى أبو سعيد الخدري، قال: أصبح علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم ساغباً، فقال: «يا فاطمة، هل عندك شيء تغذينيه؟».

قالت (عليها السلام) : «لا، والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية، ما أصبح اليوم عندي شيء أغديكه، وما كان عندي منذ يومين إلاّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي، وعلى ابني هذين الحسن والحسين». فقال علي (عليه السلام) : «يا فاطمة، ألا كنت أعلمتيني، فأبغيكم شيئاً»؟. فقالت: «يا أبا الحسن: إني لأستحيي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه»(3).

ص: 189


1- بيت الأحزان: ص44-45 في زهدها (عليها السلام) .
2- مشكاة الأنوار: ص233.
3- حلية الأبرار: ج2 ص269 ب31 ح7.

وقد قالت الصديقة (عليها السلام) في حديث سبق: «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نهاني أن أسألك شيئاً فقال: لا تسألي ابن عمك شيئاً إن جاءك بشيء عفواً وإلاّ فلا تسأليه»(1).

ص: 190


1- تفسير العياشي: ج1 ص171 سورة آل عمران ح41.

29

العبادة الفاطمية

اشارة

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) كثيرة العبادة، شديدة الإخلاص والخوف من اللّه عزّ وجلّ.. فتقوم الليل بالصلاة وتصوم النهار.

وكان يرتعد فرائصها من خوف اللّه لما تقف بين يدي ربّها في صلاتها..

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وأما ابنتي فاطمة... متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله يزهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول اللّه جلّ وعلا: يا ملائكتي انظروا إلى أمَتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترعد فرائصها من خشيتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي»(1).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفها (عليها السلام) حينما جلس عند رأسها وهي توصيه: «أنتِ أعلم باللّه، وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من اللّه..»(2).

وعن الشيخ ابن فهد الحلي(3) في عدة الداعي: (وكانت فاطمة (عليها السلام) تنهج في

ص: 191


1- المحتضر: ص109.
2- بيت الأحزان: ص176 فصل: في وصيتها لعلي (عليهما السلام) لإخفاء قبرها.
3- الشيخ الجليل والعابد الزاهد والفقيه المتكلم والمحدث الأجل الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الأسدي الحلي، ولد في الحلة سنة 757ه وعاش ودرس فيها ثم انتقل إلى كربلاء المقدسة فأسس حوزة علمية عامرة بالعلم والعمل، له عدة مؤلفات من أهمها: (المهذب البارع إلى شرح المختصر النافع) وغيرها، توفي في كربلاء المقدسة ودفن قرب مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) سنة 841ه وقد بُني على قبره قبة ومدرسة علمية عامرة.

الصلاة من خيفة اللّه تعالى)(1).

وعن علي بن الحسين (عليه السلام) عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن علي (عليه السلام) عن أخيه الحسن (عليه السلام) ، قال: «رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء.

فقلت لها: يا أماه، لم لا تدعين لنفسكِ كما تدعين لغيرك؟.

فقالت: يا بني، الجار ثم الدار»(2).

وقال الحسن البصري(3):

(ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورم قدماها)(4).

وكانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) من شدة خوفها من اللّه أنها لو سمعت بآيات النار وعذاب الآخرة بكت حتى سقطت على وجهها وهي تقول: «الويل ثم الويل لمن دخل النار» روي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}(5). سقطت فاطمة (عليها السلام) على

ص: 192


1- عدة الداعي: ص138، تنهج، النهج بالتحريك: البهر وتتابع النفس.
2- وسائل الشيعة: ج7 ص113 ب42 من أبواب الدعاء ح7.
3- الحسن بن أبي الحسن البصري: من علماء العامة، قال عنه الفضل بن شاذان: (والحسن كان يلقي كل أهل فرقة بما يهوون، ويتصنع للرئاسة، وكان رئيس القدرية) وكانوا يعدّونه من كبار الزهاد، وكان من المدلسين، توفي سنة 110ه.
4- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص119 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
5- سورة الحجر: 43-44.

وجهها وهي تقول: «الويل ثم الويل لمن دخل النار»(1).

صلاة فاطمة (عليها السلام)

عن هشام بن سالم(2)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : قال: «من صلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة خمسين مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كانت صلاة فاطمة (عليها السلام) وهي صلاة الأوابين»(3).

وهنالك صلاة أخرى للصديقة فاطمة (عليها السلام) حيث روى المفضل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كانت لأمي فاطمة (عليها السلام) ركعتان تصليهما علّمها جبرئيل (عليه السلام) ركعتان تقرأ في الأولى الحمد مرة و{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} مائة مرة، وفي الثانية الحمد مرة ومائة مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فإذا سلّمت سبّحت التسبيح وهو:(سبحان ذي العز الشامخ المُنيف،سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي المُلك الفاخر القديم، سبحان من لبس البَهْجَة والجمال، سبحان من تردّى بالنور والوقاء، سبحان من يرى أثر النمل في الصفاء، سبحان من يرى وَقْعَ الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره) وروي: تسبيحها المنقول بعقب كل فريضة، ثم الصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مائة مرة»(4).

ص: 193


1- انظر (الدروع الواقية): ص274-276 التذكير بالآخرة وحسابها.
2- هشام بن سالم الجواليقي أبو محمد من أصحاب الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام) كان من كبار المتكلمين والمحدثين ثقة، وكان من الرؤساء والأعلام المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام من الذين لا يطعن عليهم بشيء.
3- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص564 ح1557، وقد أفرد الشيخ الكليني (قدس سره) لهذه الصلاة باباً خاصاً جمع فيه جملة من الأحاديث التي تذكر فضائل هذه الصلاة، انظر (الكافي): ج3 ص468-470 باب صلاة فاطمة (عليها السلام) ..
4- انظر مستدرك الوسائل: ج6 ص293 ب8 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح1.

قمة الإيمان

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن ابنتي فاطمة (عليها السلام) ملأ اللّه قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً»(1).

الشكر الدائم

عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن جابر الأنصاري (رحمه اللّه) : «أنه رأى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: «يا رسول اللّه، الحمد لله على نعمائه والشكر اللّه على آلائه»(2).

الأدعية الفاطمية

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) كثيرة الدعاء والابتهال إلى اللّه عزّوجلّ، فتدعو الليل إلى طلوع الفجر. والأدعية المروية عن مولاتنا فاطمة (عليها السلام) كثيرة، وقد جمعها بعض العلماء في صحف خاصة(3).

روي أن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شكت إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الأرق(4)،

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «قولي يا بنية: (يا مشبع البطون الجائعة، ويا كاسي الجنوب العارية، ويا مسكن العروق الضاربة، ويا منوّم العيون الساهرة، سكّن عروقي الضاربة، وادن لعيني نوماً عاجلاً)، فقالته فاطمة (عليها السلام) ، فذهب عنها ما كانت تجده»(5).

ص: 194


1- الثاقب في المناقب: ص291 ب4 فصل3 ح2.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص120 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- منها: ما جاء في كتاب (كلمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ) لآية اللّه الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) .
4- الأرق: السهر.
5- مستدرك الوسائل: ج5 ص125 ب35 من أبواب التعقيب وما يناسبه ح8.

يا حي يا قيوم

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستين يوماً، ثم مرضت فاشتدت عليها، فكان من دعائها في شكواها: (يَا حَيُّ يَا قَيّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ فَأغِثْني، اللّهُمَّ زَحْزِحْني عَنِ النّارِ، وَأدْخِلْني الجنّةَ، وَألحِقْني بِأبي محمّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ). فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لها: يعافيك اللّه ويبقيك. فتقول: يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق باللّه..»(1).

دعاء النور

روي أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) علّمت سلمان الفارسي (رضوان اللّه عليه) هذه الكلمات وقالت (عليها السلام) : من واظب على الدعاء بها(2) لم تمسه الحمى وهي: (بسم اللّه النور، بسم اللّه نور النور، بسم اللّه نورٌ على نور، بسم اللّه الذي هو مُدَبّر الأمور، بسم اللّه خالق النور من النور، والحمد لله الذي خلق النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور بقَدَر مَقدُور على نبي محَبُور، الحمد لله الذي هو بالعزّ مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور، وصلى اللّه على سيدنا خير خلقه محمد وآله الطاهرين الميامين المباركين الأطهار، وسلّم تسليماً دائماً كثيراً)(3).

أدعية الأسبوع

عن كتاب البلد الأمين: أدعية الأسبوع لفاطمة (عليها السلام) :

ص: 195


1- مستدرك الوسائل: ج2 ص134 ب29 من أبواب الاحتضار وما يناسبه ح7.
2- أي بهذه الكلمات.
3- الدعوات، للقطب الراوندي: ص208 ح564.

دعاء يوم السبت

(اللّهم افتح لنا خزائنَ رَحمتك، وَهَبْ لنا اللّهم رحمةً لا تُعذّبنا بعدَها في الدنيا والآخرة، وارزقنا من فضلك الواسع رزقاً حلالاً طيباً، ولا تحُوجنا ولاتُفقرنا إلى أحد سواك، وزدنا لك شكراً وإليك فقراً وفاقةً، وبك عمن سواك غناً وتعففاً. اللّهم وسّع علينا في الدنيا، اللّهم إنا نعوذ بك أن تزوي وجهك عنا في حال، ونحن نرغب إليك فيه، اللّهم صل على محمد وآل محمد، وأعطنا ما تحب واجعله لنا قوة فيما تحب يا أرحم الراحمين).

دعاء يوم الأحد

(اللّهم اجعل أول يومي هذا فلاحاً، وآخره نجاحاً، وأوسطه صلاحاً، اللّهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا ممن أناب إليك فقبلته، وتوكّل عليك فكفيته، وتضرع إليك فرحمته).

دعاء يوم الاثنين

(اللّهم إني أسألك قوةً في عبادتك، وتبصراً في كتابك، وفهماً في حكمك، اللّهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعل القرآن بنا ماحلاً، والصراط زائلاً، ومحمداً صلى اللّه عليه وآله عنا مولّياً).

دعاء يوم الثلاثاء

(اللّهم اجعل غفلة الناس لنا ذكراً، واجعل ذكرهم لنا شكراً، واجعل صالح ما تقول بألسنتنا نية في قلوبناً، اللّهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبناً، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، اللّهم صل على محمد وآل محمد، ووفقنا لصالح الأعمال والصواب من الفعال).

ص: 196

دعاء يوم الأربعاء

(اللّهم احرسنا بعينك التي لا تنام، وركنك الذي لا يُرام، وبأسمائك العظام، وصل على محمد وآله، واحفظ علينا ما لو حفظه غيرك ضاع، واستر علينا ما لو ستره غيرك شاع، واجعل كل ذلك لنا مطواعاً، إنك سميع الدعاء قريب مجيب).

دعاء يوم الخميس

(اللّهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والعمل بما تحب وترضى اللّهم إني أسألك من قوتك لضعفنا، ومن غناك لفقرنا وفاقتنا، ومن حلمك وعلمك لجهلنا، اللّهم صل على محمد وآل محمد، وأعنا على شكرك وذكرك، وطاعتك وعبادتك، برحمتك يا أرحم الراحمين).

دعاء يوم الجمعة

(اللّهم اجعلنا من أقرب من تقرب إليك وأوجه من توجه إليك، وأنجح من سألك وتضرع إليك، اللّهم اجعلنا ممن كأنه يراك إلى يوم القيامة الذي فيه يلقاك، ولا تمتنا إلاّ على رضاك، اللّهم واجعلنا ممن أخلص لك بعمله وأحبك في جمع خلقك. اللّهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا مغفرة جزماً حتماً، لا نقترف بعدها ذنباً، ولا نكتسب خطيئة ولا إثماً، اللّهم صل على محمد وآل محمد، صلاة نامية دائمة زاكية متتابعة متواصلة مترادفة، برحمتك يا أرحم الراحمين)(1).

دعاء عظيم الشأن

عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) عن أمه فاطمة بنت رسول اللّه (عليهم السلام) قالت: «قال

ص: 197


1- بحار الأنوار: ج87 ص338-339 ح48.

لي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): يا فاطمة، ألا أعلمك دعاءً لايدعو به أحد إلاّ استجيب له، ولا يحيك(1) في صاحبه سم ولا سحر، ولايعرض له شيطان بسوء، ولا ترد له دعوة، وتقضى حوائجه كلها، التي يرغب إلى اللّه فيها عاجلها وآجلها؟ قلت: أجل يا أبه، لَهذا واللّه، أحب إليّ من الدنيا وما فيها.

قال: تقولين: (يا اللّه، يا أعزَّ مذكور وأقدمَه قِدَماً في العزة والجبروت، يا اللّه، يا رحيمَ كلّ مُسترحِم، ومفزع كل ملهوف، يا اللّه، يا راحم كل حزين يشكو بثَّه وحُزنَهُ إليه، يا اللّه، يا خيرَ من طُلب المعروف منه وأسرعه إعطاءً، يا اللّه، يا من تخاف الملائكة المتوقدة بالنور منه، أسألك بالأسماء التي يدعوك بها حملةُ عرشك ومن حولَ عرشك، يسبحون بها شفقةً من خوف عذابك، وبالأسماء التي يدعوك بها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل إلاّ أجبتني وكشفتَ يا إلهي كُربتي، وسترتَ ذنوبي. يا من يأمر بالصيحة في خلقه فإذا هم بالساهرة يحشرون، أسألك بذلك الاسم الذي تحُيي به العظام وهي رَميم، أن تحيي قلبي، وتَشرح صدري، وتُصلح شأني. يا من خصّ نفسه بالبقاء، وخلق لبريته الموت والحياة، يا من فِعلُهُ قول، وقولُهُ أمر، وأمرُهُ ماض على ما يشاء. أسألك بالاسم الذي دعاك به خليلك حين اُلقي في النار، فاستجبت له وقلت: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}(2)، وبالاسم الذي دعاك به موسى من جانب الطور الأيمن فاستجبتَ له دعاءَه. وبالاسم الذي كشفتَ به عن أيوب الضُّر، وتُبْتَ به على داود، وسخّرتَ به لسليمان الريح تجري بأمره والشياطين، وعلّمتَهُ منطق الطير. وبالاسم الذي وهبتَ به لزكريا يحيى، وخلقتَ عيسى من روح القدس من غير

ص: 198


1- أي لا يؤثر.
2- سورة الأنبياء: 69.

أب. وبالاسم الذي خلقتَ به العرش والكرسي. وبالاسم الذي خلقت به الروحانيين. وبالاسم الذي خلقت به الجن والإنس. وبالاسم الذي خلقت به جميع الخلق وجميع ما أردت من شيء، وبالاسم الذي قدرتَ به على كل شيء، أسألك بهذه الأسماء لما أعطيتَني سؤلي، وقضيتَ بها حوائجي).

فإنه يقال لك: يا فاطمة نعم، نعم»(1).

نقش الخاتم

روي أنه كان نقش خاتم الصديقة فاطمة (عليها السلام) : «أمن المتوكلون»(2).

التسبيح الفاطمي

من أفضل الأذكار وأهمها تسبيح(3) الصديقة فاطمة (عليها السلام) وقد علّمه أياها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وفي ذلك روايات كثيرة.

عن زرارة(4)،

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الذكر

ص: 199


1- دلائل الإمامة: ص73-74 ح12.
2- مستدرك سفينة البحار: ج3 ص20.
3- روى الميرزا النوري في مستدركه: ج4 ص12-13 ب9 من أبواب ما يسجد عليه ح2:عن الصادق (عليه السلام) : (إن فاطمة بنت رسول اللّه (عليها السلام) كان سبحتها من خيط صوف مفتل، معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت (عليها السلام) تديرها بيدها: تكبر، وتسبح حتى قُتل حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) فاستعملت تربته وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلما قُتل الحسين (عليه السلام) عُدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته، لما فيه من الفضل والمزية).
4- زرارة بن أعين بن سنسن أبو الحسن واسمه عبد ربه، و(زرارة) لقبه، شيخ الإمامية، كان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً من أفقه الأولين، من أصحاب الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) وكان من خواصهم وأصحاب سرهم ومن حواري الصادقين (عليهما السلام) توفي سنة 150ه ووردت في حقه وفي حق عدد من الأصحاب جملة كبيرة من المدائح من قبل الإئمة (عليهم السلام) منها قول الإمام الصادق (عليه السلام) : (ما أجد أحداً أحيى ذكرنا، وأحاديث أبي إلاّ زرارة وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي (عليه السلام) على حلال اللّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة).

الكثير الذي قال اللّه عزّ وجلّ: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}(1)»(2).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة، غفر اللّه له، وليبدأ بالتكبير»(3).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من سبّح اللّه في دبر الفريضة قبل أن يثني رجليه تسبيح فاطمة الزّهراء (عليها السلام) المائة مرّة، وأتبعها بلا إله إلاّ اللّه، مرة واحدة غفر اللّه له»(4).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ما عُبد اللّه بشيء من التمجيد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة»(5).

وعن علي (عليه السلام) أنه قال لرجل من بني سعد: «ألا أحدثك عني وعن فاطمة (عليها السلام) .. إنها كانت عندي وكانت من أحب أهله إليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك ضر ما

ص: 200


1- سورة الأحزاب: 41.
2- الكافي: ج2 ص500 باب ذكر اللّه عزّ وجلّ كثيراً ح4.
3- المعتبر، للمحقق الحلي: ج2 ص250.
4- المحاسن: ج1 ص36 ح34 كتاب ثواب الأعمال ب29 ثواب تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) ح34.
5- مجمع الفائدة، للأردبيلي: ج2 ص311.

أنت فيه من هذا العمل؟ فأتت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوجدت عنده حُدّاثاً(1)، فاستحت فانصرفت.

قال: فعلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنها جاءت لحاجة، قال: فغدا علينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونحن في لفاعنا(2)، فقال: السلام عليكم يا أهل اللفاع فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا(3)، ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك يسلّم ثلاثاً فإن أُذن له وإلاّ انصرف، فقلت: وعليك السلام يا رسول اللّه ادخل.. فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟

قال: فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، قال: فأخرجت رأسي، فقلت: أنا واللّه أخبرك يا رسول اللّه، إنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك ضر ما أنت فيه من هذا العمل؟

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين(4)، فقالت

ص: 201


1- الحُدّاث: وهم الجماعة في حال تحادث بعضهم مع البعض الآخر.
2- اللفاع، على وزن كتاب: وهو كالكساء تتلفع به المرأة.
3- السلام أنواع منه: سلام التحية، وسلام الاستئذان، وسلام الوداع، والواجب هو رد سلام التحية دون غيره. وما جاء في الخبر من باب سلام الاستذان.
4- المشهور أن تسبيح الزهراء (عليها السلام) هو: التكبير أربع وثلاثين مرة، ثم التحميد ثلاثاً وثلاثين مرة، ثم التسبيح ثلاثاً وثلاثين مرة. وهذا أفضلها وأكثرها ثواباً، وما ورد بغير هذا الترتيب فإنه جائز لكن الاختلاف محمول على درجات الفضل.

فاطمة (عليها السلام) : رضيت عن اللّه ورسوله، ورضيت عن اللّه ورسوله، ورضيت عن اللّه ورسوله»(1).

وفي مستدرك الوسائل(2):

باب استحباب اتخاذ سبحة من طين عن الصادق (عليه السلام) : «فمن سبّح بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة كتب اللّه له أربعمائة حسنة، ومحا عنه أربعمائة سيّئة، وقضيت له أربعمائة حاجة، ورفع له أربعمائة درجة». ثمّ قال (عليه السلام) : «وتكون السّبحة بخيوط زرق أربعاً وثلاثين خرزة، وهي سبحة مولاتنا فاطمة الزّهراء (عليها السلام) لمّا قُتل حمزة (عليه السلام) عملت من طين قبره سبحة، تسبّح بها بعد كلّ صلاة»(3).

دعاء بعد التسبيحة

روي أنه: «إذا فرغت من تسبيح فاطمة (عليها السلام) فقل: اللّهمّ أنت السّلام، ومنك السّلام، ولك السّلام، وإليك يعود السّلام، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للّه ربّ العالمين، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السّلام على الأئمّة الهادين المهديّين، السّلام على جميع أنبياء اللّه ورسله وملائكته، السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، ثمّ تسلّم على الأئمّة واحداً واحداً (عليهم السلام) وتدعو بما أحببت»(4).

ص: 202


1- علل الشرائع: ج2 ص366 ب88 علة تسبيح فاطمة (عليها السلام) ح1.
2- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: لخاتمة المحدثين العلامة الميرزا حسين النوري المتوفى سنة 1320ه وقد تم طبعه لأول مرة سنة 1321ه ويحتوي على (23129) حديثاً.
3- مستدرك الوسائل: ج5 ص56 ب14 من أبواب التعقيب وما يناسبه ح5.
4- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص322 ذيل ح947.

30

الشعائر الدينية والحسينية

اشارة

إن المعصومين (عليهم السلام) خير أسوة في الاهتمام بالشعائر الدينية والحسينية، والصديقة فاطمة (عليها السلام) منهم بل هي حجة حتى على أولادها الأئمة الميامين (عليهم السلام) كما في الحديث الشريف. فكانت الصديقة (عليها السلام) كثيرة الاهتمام بالصلاة، وزيارة القبور، ورثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وخاصة البكاء والنياحة على ولدها المذبوح يوم عاشوراء سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهذه نماذج من الشعائر التي كانت تقوم بها (صلوات اللّه عليها).

زيارة القبور

من المستحبات المؤكدة في الشريعة الإسلامية زيارة القبور والترحم على الموتى، وفي ذلك روايات كثيرة، وخاصة في زيارة قبور أولياء اللّه والأنبياء والأئمة المعصومين وذويهم الأطهار (عليهم السلام) ...

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة (عليه السلام) وتترحم عليه وتستغفر له»(1).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة

ص: 203


1- الدعوات، للراوندي: ص273 ح781.

وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين والخميس، فتقول: هاهنا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، هاهنا كان المشركون»(1).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «أنها (عليها السلام) كانت تصلي هناك وتدعو حتى ماتت»(2).

ومنه يعلم جواز الصلاة عند القبور ورجحانها في الجملة(3).

قميص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «غسّلت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه، فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول: أرني القميص، فإذا شمّته غُشي عليها، فلما رأيت ذلك غيّبته»(4).

رثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

كانت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) ترثي أباها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتبكي عليه كثيراً، مما يدل على استحباب البكاء على الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) .

ص: 204


1- الكافي: ج3 ص228 باب زيارة القبور ح3.
2- وسائل الشيعة: ج14 ص357 ب13 من أبواب المزار وما يناسبه ح2.
3- قال بعض الفقهاء بكراهة الصلاة عند القبور، والأكثر على خلاف ذلك لما ورد: «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ لِرَجُلٍ يَا فُلانُ مَا يَمْنَعُكَ إِذَا عَرَضَتْ لَكَ حَاجَةٌ أَنْ تَأْتِيَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَتُصَلِّيَ عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَسْأَلَ حَاجَتَكَ فَإِنَّ الصَّلاةَ الْمَفْرُوضَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ حَجَّةً وَالصَّلاةَ النَّافِلَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ عُمْرَةً». وسائل الشيعة ج14 ص518 ب 69 باب استحباب كثرة الصلاة عند قبر الحسين (عليه السلام) فرضاً ونفلاً عند رأسه وخلفه والإتمام فيه سفراً. وقال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي زِيَارَةِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) : «ثُمَّ تَمْضِي يَا مُفَضَّلُ إِلَى صَلاتِكَ وَلَكَ بِكُلِّ رَكْعَةٍ تَرْكَعُهَا عِنْدَهُ كَثَوَابِ مَنْ حَجَّ أَلْفَ حَجَّةٍ وَاعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ وَأَعْتَقَ أَلْفَ رَقَبَةٍ وَكَأَنَّمَا وَقَفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ مَرَّةٍ مَعَ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ» الحديث. وسائل الشيعة: ج14 ص518 ب69 ح19727.
4- بحار الأنوار: ج43 ص157 ب7 ح6.

روي أن فاطمة (عليها السلام) كانت تبكي على أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتقول لولديها: «أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة؟

أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلا يدعكما تمشيان على الأرض، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فُقِدَ واللّه جدّكما وحبيب قلبي، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما..»(1).

وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) : «أن فاطمة (عليها السلام) لما توفي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت تقول»:

«وا أبتاه مِن ربّه ما أدناه.. أبتاه جنان الخلد مثواه.. وا أبتاه يكرمه ربه إذ أتاه.. يا أبتاه الرب والرسل تسلم عليه حين تلقاه..»(2).

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى سارية في المسجد وهي تقول وتخاطب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة***لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختل قومك فأشهدهم ولا تغب»(3)

وروي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) أنشدت بعد وفاة أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

وقد رزئنا به محضا خليقته***صافي الضرائب والأعراق والنسب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به***عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبرئيل روح القدس زائرنا***فغاب عنا وكل الخير محتجب

فليت قبلك كان الموت صادفنا***لما مضيت وحالت دونك الحجب

ص: 205


1- روضة الواعظين:ج1 ص150-151 مجلس في ذكر وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- بحار الأنوار: ج43 ص214 ب7 ح44.
3- الكافي: ج8 ص376 ح564.

إنا رزئنا بما لم يرز ذو شجن***من البرية لا عجم ولا عرب

ضاقت عليّ بلاد بعد ما رحبت***وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب

فأنت واللّه خير الخلق كلهم***وأصدق الناس حيث الصدق والكذب

سوف نبكيك ما عشنا وما بقيت***منا العيون بتهمال لها سكب»(1)

وروي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) «ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يُغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما...؟»(2). وهكذا كانت تبكي ليل نهار على أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

وعن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال: «البكّاءون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) ..

إلى أن قال (عليه السلام) :

وأما فاطمة (عليها السلام) بنت محمد فبكت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى تأذى به أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت (عليها السلام) تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف(3).

في ظلامة الوصي

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تبكي على ظلامة بعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) بل على ما سيقوم به القوم من بعدها من ظلم عليه (عليه السلام) .. وهذا يدل على استحباب البكاء لما جرى على المعصومين (عليهم السلام) من ظلم وجور..

ص: 206


1- بحار الأنوار: ج43 ص196 ب7 ح27.
2- بيت الأحزان: ص166 فصل: أشعارها عند قبر أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
3- مكارم الأخلاق: ص316 ب10 فصل3.

عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت:

أبكي لما تلقى بعدي، فقال لها: لا تبكي فو اللّه إن ذلك لصغير عندي في ذات اللّه، قال: وأوصته أن لا يؤذن بها الشيخين، ففعل»(1).

لا تنس قتيل الطف

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) - ولا زالت - كثيرة البكاء والنحيب واللطم على ولدها الإمام الحسين (عليه السلام) وهي تلبس السواد عليه.

روي أنّ سكينة بنت الحسين (عليها السلام) قالت: «يا يزيد رأيت البارحة رؤيا، وذكرت الرّؤيا إلى أن قالت: فإذا بخمس نسوة قد عظّم اللّه خلقتهنّ، وزاد في نورهنّ، وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة، ناشرة شعرها، وعليها ثياب سود، وبيدها قميص مضمّخ بالدّم، إلى أن ذكرت أنّها كانت فاطمة الزّهراء (عليها السلام) ..»(2).

وفي الرواية أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت في آخر لحظات حياتها وهي توصي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) :

أبكني وأبك لليتامى ولا***تنس قتيل العدى بطف العراق

فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى***يحلف اللّه فهو يوم الفراق(3)

وروي أنه لما أخبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ابنتَه فاطمة (عليها السلام) بقتل ولدها الحسين (عليه السلام) وما يجري

ص: 207


1- بحار الأنوار: ج43 ص218 ب7 ح49.
2- مستدرك الوسائل: ج3 ص327 ب48 من أبواب أحكام الملابس ولو في غير الصلاة ح32، والرواية تجدها كاملة في (بحار الأنوار): ج45 ص194-196 ب39 حديث الرؤيا التي رآتها سكينة (عليها السلام) .
3- انظر (بحار الأنوار): ج43 ص178-179 ب7 ح15.

عليه من المحن بكت فاطمة (عليها السلام) بكاءً شديداً، وقالت (عليها السلام) : «يا أبت متى يكون ذلك؟»

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «في زمان خالٍ مني ومنك ومن علي».

فاشتد بكاؤها وقالت (عليها السلام) : «يا أبت فمن يبكي عليه ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟»

فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة إن نساء أمتي يبكين على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين (عليه السلام) أخذنا بيده وأدخلناه الجنة، يا فاطمة كل عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين (عليه السلام) فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة»(1).

وهكذا تصرخ وتبكي الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم المحشر على ولدها الحسين (عليه السلام) كما في الروايات(2).

الشهادة الثالثة

عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما عُرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}(3)، فأبصرته بقلبي ولم أره بعيني، فسمعت أذاناً مثنى مثنى، وإقامة وتراً وترا. فسمعت منادياً ينادي: يا

ص: 208


1- العوالم، للإمام الحسين (عليه السلام) : ص534 باب فيما ورد في ثواب البكاء عليه خصوصاً ح9.
2- سيأتي البحث أكثر عن هذا الموضوع في فصل: (الأحوال الفاطمية يوم القيامة / عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة).
3- سورة النجم: 9.

ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي اشهدوا أني لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، قالوا: شهدنا وأقررنا.

قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن محمداً عبدي ورسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا.

قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن علياً وليي وولي رسولي وولي المؤمنين بعد رسولي، قالوا شهدنا وأقررنا»(1).

الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)

روي عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) : إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لها: «المهدي من ولدك»(2). وفي حديث قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة (عليها السلام) : «أفلا أزيدكِ في زوجك من مزيد الخير كله، قالت (عليها السلام) : بلى يا رسول اللّه، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن علياً أول من آمن باللّه... والمهدي الذي يصلي عيسى خلفه منك ومنه، فهذه يا بنية خصال لم يعطها أحد قبله ولا أحد بعده، يا بنتي بنية هل سررتك»؟

قالت: «نعم يا رسول اللّه»(3).

ص: 209


1- تفسير فرات الكوفي: ص342-343 ح468 سورة سبأ.
2- مقاتل الطالبيين: ص98.
3- نفس الرحمن في فضائل سلمان: ص403. وسيأتي حديث اللوح في الفصل القادم وفيها ذكر الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) عن طريقها (عليها السلام) .

31

العلوم الفاطمية

اشارة

إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت عالمة بإذن اللّه تعالى بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

وقد منحها اللّه العلم اللدني، كما تربت في مدرسة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتعلمت منه مختلف العلوم، وهذه خطبتها الشريفة تحتوي على علوم مختلفة في أصول الدين وفروعها، في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وفي الصوم والصلاة والحج والجهاد وغيرها، وكذلك في علوم القرآن والحديث، والفقه والأصول، وعلم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد وغيرها.

علم ماكان ومايكون

عن سلمان قال: حدثني عمار وقال: أخبرك عجباً، قلت: حدثني يا عمار، قال: نعم، شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ولج على فاطمة (عليها السلام) فلما بصرت به نادت: «ادن لأحدثك بما كان، وبما هو كائن، وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة!».

قال عمار: فرأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يرجع القهقرى، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له: «ادن يا أبا الحسن»، فدنا، فلما اطمأن به المجلس قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) له: «تحدثني أم أحدثك»؟ قال: «الحديث منك أحسن يا رسول اللّه»،

ص: 210

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كأني بك وقد دخلت على فاطمة وقالت لك: كيت وكيت فرجعت؟»، فقال علي (عليه السلام) : «نور فاطمة من نورنا»،فقال (عليه السلام) : «أو لا تعلم»، فسجد علي (عليه السلام) شكراً لله تعالى.

أقول: أسئلة الأئمة (عليهم السلام) مع علمهم اللدني كان من باب سؤال العارف أو ما أشبه(1)، كما في قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىَ}(2).

قال عمار: فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجتُ بخروجه، فولج على فاطمة (عليها السلام) وولجت معه، فقالت (عليها السلام) : «كأنك رجعت إلى أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته بما قلته لك؟».

قال: «كان كذلك يا فاطمة»، فقالت: «اعلم يا أبا الحسن أن اللّه تعالى خلق نوري وكان يسبح اللّه جلّ جلاله، ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي إلى الجنة أوحى اللّه تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل فأودعني اللّه سبحانه تعالى صلب أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم أودعني خديجة بنت خويلد (عليها السلام) فوضعتني، وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن: المؤمن ينظر بنور اللّه تعالى»(3).

العلم اللدني

ومما يدل على أن الصديّقة فاطمة (عليها السلام) عالمة بالعلم اللدني وأن اللّه قطعها عن الجهل بسبب العلم، ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم، وفطمتك عن الطمث».

ص: 211


1- أو من باب تعليم الجاهل.
2- سورة طه: 17.
3- عيون المعجزات: ص46-47.

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) : «واللّه لقد فطمها اللّه تبارك وتعالى بالعلم، وعن الطمث في الميثاق»(1).

علم التوحيد

أشرف العلوم علم التوحيد، وقد كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) أعلم الناس بذلك بعد أبيها وبعلها (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، قال علي (عليه السلام) حينما جلس عند رأسها وهي توصيه: «أنتِ أعلم باللّه..»(2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لمّا توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتدور حوله وتقول: «يا أبه، أين اُمّي؟». قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: «ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام»، وتقول لها: «إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة (عليها السلام) : إنّ اللّه هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»(3).

المعرفة بالأشياء كلها

قالت أم سلمة: (تزوّجني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفوّض أمر ابنته - فاطمة (عليها السلام) - إليّ، فكنت أدلّها وأؤدبها، وكانت واللّه آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(4).

فقه فاطمة (عليها السلام)

إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت فقيهة عالمة بجميع الأحكام الشرعية بالعلم

ص: 212


1- مختصر بصائر الدرجات: ص172.
2- روضة الواعظين: ص151 مجلس في ذكر وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص175 المجلس6 ح46.
4- دلائل الإمامة: ص82 ح21.

اللدني وبما علّمها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وهي معصومة لا تخطأ أبداً، وهي حجة اللّه على أولادها الطاهرين (عليهم السلام) ، من هنا كانت أقوالها وأفعالها حجة يُستنبط منها الأحكام الشرعية، الإلزامية وغيرها(1).

روي أن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخل عليها علي (عليه السلام) وبه كآبة شديدة، فقالت: (ما هذه الكآبة؟ فقال: سألنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن مسألة ولم يكن عندنا جواب لها، فقالت: وما المسألة؟ قال: سألنا عن المرأة ما هي؟ قلنا: عورة، قال: فمتى تكون أدنى من ربها؟ فلم ندر، فقالت: ارجع عليه فأعلمه أن أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها، فانطلق فأخبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذلك فقال: ما ذا من تلقاء نفسك يا علي، فأخبره أن فاطمة (عليها السلام) أخبرته، فقال: صدقت، إن فاطمة بضعة مني (عليها السلام) )(2).

مجالس العلم

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تهتم بنشر الثقافة والعلم، فهناك العديد من الروايات التي روتها عن أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

كما كانت (عليها السلام) تعقد مجالس العلم وحلقات البحث للنساء والفتيات، تعلّمهن القرآن وعلومه، والفقه وأحكامه، وكانت النساء والفتيات يأتين فاطمة (عليها السلام) ويسألنها عن أحكامهن، وهي (عليها السلام) تجيب برحابة صدر بل تشجّعهن على السؤال والتعلم.

ص: 213


1- للتفصيل انظر كتاب (من فقه الزهراء (عليها السلام) ) للإمام المؤلف (قدس سره) ، وقد جمع فيه الأحكام المستفادة من أقوالها وأفعالها وقسّم الكتاب إلى مقدمة وثلاثة فصول، الأول: في الأحكام المستفادة من حديث الكساء، والثاني: في الأحكام المستفادة من الخطبة الشريفة، والثالث: في الأحكام المستفادة من سائر ما روي عنها.
2- انظر (العدد القوية): ص224-225 ح17 مناقبها (عليها السلام) .

قال أبو محمّد العسكريّ (عليه السلام) : «حضرت امرأة عند الصّدّيقة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، ثم ثنّت(1) فأجابت، ثمّ ثلّثت فأجابت إلى أن عشّرت فأجابت، ثمّ خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول اللّه.

قالت فاطمة (عليها السلام) : هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكتري يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار، أيثقل عليه؟

فقالت: لا.

فقالت: اكتريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من مل ء ما بين الثّرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لايثقل عليّ، سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنّ علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على كثرة علومهم، وجدّهم في إرشاد عباد اللّه، حتّى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثمّ ينادي منادي ربّنا عزّوجلّ: أيّها الكافلون لأيتام آل محمّد (عليهم السلام) النّاعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الّذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الّذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما خلعتوهم خلع العلوم في الدّنيا، فيخلعون على كلّ واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتى أن فيهم - يعني في الأيتام - لمن يُخلع عليه مائة ألف خلعة، وكذلك يخُلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم، ثم إن اللّه تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن

ص: 214


1- أي سألت سؤالاً ثانياً، وهكذا إلى أن سألت عشرة أسئلة فقهية وأجابت الصديقة فاطمة (عليها السلام) على كلها.

يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم.

وقالت فاطمة (عليها السلام) : يا أمة اللّه إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة، وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر»(1).

فضة من تلامذتها

فضة(2) من تلامذتها

قال بعضهم: انقطعتُ في البادية عن القافلة فوجدتُ امرأة فقلت لها: من أنت؟ فقالت: {وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}(3)، فسلّمت عليها، فقلت: ما تصنعين هاهنا؟

قالت: {ومَنْ يَهْدِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّضِلّ}(4).

فقلت: أمن الجن أنت أم من الإنس؟

قالت: {يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ}(5).

فقلت: من أين أقبلت؟

قالت: {يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ}(6).

فقلت أين تقصدين؟

قالت {ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}(7).

ص: 215


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : ص340-341 ح216.
2- فضة النوبية جارية الزهراء (عليها السلام) أخدمها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) وجعل لها يوم خدمة ويوم استراحة، دفنت في دمشق في الباب الصغير.
3- سورة الزخرف: 89.
4- سورة الزمر: 37.
5- سورة الأعراف: 31.
6- سورة فصلت: 44.
7- سورة آل عمران: 97.

فقلت: متى انقطعت؟

قالت: {ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والأرْضَ... فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}(1).

فقلت: أتشتهين طعاماً؟

فقالت {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاّ يَأْكُلُونَ الطّعَامَ}(2)، فأطعمتها.

ثم قلت: هرولي ولا تعجلي.

قالت: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}(3).

فقلت: أردفك.

فقالت: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتا}(4).

فنزلت فأركبتها، فقالت {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا}(5).

فلما أدركنا القافلة قلت: ألك أحد فيها؟

قالت: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ}(6). {وما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ}(7). {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتابَ}(8). {يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ}(9). فصحت بهذه الأسماء فإذا أنا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت من هؤلاء منك؟

ص: 216


1- سورة ق: 38.
2- سورة الأنبياء: 8.
3- سورة البقرة: 286.
4- سورة الأنبياء: 22.
5- سورة الزخرف: 13.
6- سورة ص: 26.
7- سورة آل عمران: 144.
8- سورة مريم: 12.
9- سورة القصص: 30.

قالت: {الْمالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا}(1).

فلما أتوها قالت: {يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ}(2)، فكافوني بأشياء، فقالت: {واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ}(3)، فزادوا عليّ. فسألتهم عنها؟ فقالوا: هذه أمنا فضة جارية الزهراء (عليها السلام) ما تكلمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن(4).

اللوح الأخضر

عن أبي بصير(5)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «قال أبي لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: إن لي إليك حاجة، فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟.

ص: 217


1- سورة الكهف: 46.
2- سورة القصص: 26.
3- سورة البقرة: 261.
4- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص121-122 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
5- أبو بصير: كنية مشتركة بين جماعة، وهم: يحيى بن القاسم، وليث بن البختري، وعبد اللّه بن محمد الأسدي، ويوسف بن الحارث، وحماد بن عبد اللّه بن أسيد الهروي، ولكن عند الإطلاق وكون المروي عنه أبا عبد اللّه (عليه السلام) يتعين الثاني، فإن الأول يقيد بأبي بصير الأسدي، وأما الثالث فهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) ولم يثبت روايته عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، وأما الرابع فوقع الخلاف في أنه من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) أو أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، وعلى كل فهو خارج لعدم ثبوت روايته عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً، وأما الأخير فقد روى عن أبي هاشم الجعفري رضوان اللّه عليه وهو يروي عن جمع من الأئمة (عليهم السلام) ابتداءً بالرضا (عليه السلام) إلى صاحب الأمر (عليه السلام) . هو ليث بن البختري: إمامي من أصحاب الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) عدّه البعض من أصحاب الإجماع، وصفه الإمام الصادق (عليه السلام) كما ورد في الصحيح:(بأنهم نجباء أمناء اللّه على حلاله وحرامه ولولاهم لانقطعت آثار النبوة واندرست) وكفى بهذا شرفاً، وما ورد في حقه من قدح من قبل الإمام (عليه السلام) فالثابت منه فهو تقية كما ورد في زرارة رحمه اللّه.

فقال له جابر: أي الأوقات أحببته. فخلا به في بعض الأيام. فقال (عليه السلام) له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب؟.

فقال جابر: أشهد باللّه أني دخلت على أمك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فهنيتها بولادة الحسين (عليه السلام) ، ورأيت في يديها لوحاً أخضر ظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس.

فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ما هذا اللوح؟

فقالت (عليها السلام) : هذا لوح أهداه اللّه إلى رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك.

قال جابر: فأعطَتْنيه أمك فاطمة (عليها السلام) فقرأته واستنسخته.

فقال له أبي (عليه السلام) : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟.

قال: نعم. فمشى معه أبي إلى منزل جابر، فأخرج صحيفة من رق.

فقال: يا جابر، انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك، فنظر جابر في نسخة فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً.

فقال جابر: فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً:

(بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نبيه، ونوره وسفيره، وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عَظّمْ يا محمد أسمائي، واشكُرْ نعمائي، ولا تجحد آلائي. إني أنا اللّه لا إله إلا أنا قاصم الجبارين، ومديل المظلومين، وديان الدين. إني أنا اللّه لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي عذّبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل..

ص: 218

إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلاّ جعلت له وصياً، وإني فضّلتك على الأنبياء، وفضلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبلَيك وسبطَيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه، وحجتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أولهم علي سيد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جده المحمود محمد، الباقر علمي، والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليَّ، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر، ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة، وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه، وخليفته من بعده، ووارث علمه، فهو معدن علمي، وموضع سري، وحجتي على خلقي، لايؤمن عبد به إلاّ جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، وأكمل ذلك بابنه محمد رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، فيذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك

ص: 219

والديلم، فيُقتلون ويُحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون».

قال عبد الرحمن بن سالم(1): قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصُنه إلاّ عن أهله(2).

علم الغيب

كانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) عالمة بالغيب بإذن اللّه تعالى، ويظهر ذلك من مختلف الروايات، كإخبارها بقصة عاشوراء، وإخبارها بولدها المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، وإخبارها بما سينال القوم بعد غصب الخلافة، كما في خطبتها لنساء المهاجرين والأنصار حيث عدنها في البيت وذلك في مرضها (صلوات اللّه عليها)(3).

روي أن الحسن والحسين (عليهما السلام) كان عليهما ثياب خلق وقد قرب العيد، فقالا لأمهما فاطمة (عليها السلام) : إن بني فلان خيطت لهم الثياب الفاخرة، أفلا تخيطين لنا ثياباً للعيد يا أماه؟ فقالت: يخُاط لكما إن شاء اللّه. فلما أن جاء العيد جاء جبرئيل (عليه السلام) بقميصين من حُلل الجنة إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما هذا يا

ص: 220


1- عبدالرحمن بن سالم بن عبدالرحمن الأشل الكوفي العطار، من أصحاب الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) روى عنه كبار الفقهاء والرواة أمثال محمد بن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي وأحمد بن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف (رضوان اللّه عليهم) وغيرهم، وهي علامة التوثيق عند محققي الأصول خصوصاً من الثلاثة الأول.
2- الكافي: ج1 ص527-528 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) ح3.
3- انظر (خطبة الدار) في هذا الكتاب.

أخي جبرئيل؟ فأخبره بقول الحسن والحسين لفاطمة (عليهم السلام) وبقول فاطمة (عليها السلام) : يخاط لكما إن شاء اللّه، ثم قال جبرئيل: قال اللّه تعالى لما سمع قولها: لا نستحسن أن نكذّب فاطمة بقولها: يخُاط لكما إن شاء اللّه(1).

ص: 221


1- بحار الأنوار: ج43 ص75 ب3 ح62.

32

المصحف الفاطمي

مصحف فاطمة (عليها السلام) كتاب من تأليف الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يتضمن علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو اليوم عند ولدها الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).

وهذا المصحف ليس القرآن بل هو كتاب كسائر الكتب التي كتبها الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) ..

قال الإمام الصادق (عليه السلام) عن مصحف فاطمة (عليها السلام) : «إن فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام) »(1).

وقال الصادق (عليه السلام) : «وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليها السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة»(2).

ص: 222


1- مجمع البحرين: ج2 ص588 باب الصاد.
2- بصائر الدرجات: ج3 ص172 ب14 ح3.

وعن حماد(1) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال في حديث: «تظهر الزنادقة(2)

في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام) ... قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن اللّه تعالى لما قبض نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته(3) من الحزن ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّوجلّ، فأرسل اللّه إليها ملكاً يسلي غمها ويحدّثها، فشكت ذلك(4) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا، ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون»(5).

وفي حديث عن الإمام الصادق: «مصحف فاطمة (عليها السلام) ما فيه شيء من كتاب اللّه وإنما هو شيء اُلقي عليها بعد موت أبيها صلى اللّه عليهما»(6).

ص: 223


1- حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري الكوفي المشهور ب- (الناب) أو (ذي الناب) من أصحاب الإمام الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) ومن أصحاب الإجماع ومن الفقهاء الثقات، توفي سنة 190ه.
2- الزنادقة: هم القائلون بأن العالم وجد بلا صانع، فجحدوا وجود اللّه الصانع المدبر، وقيل: هم القائلون بدوام الدهر من أصحاب زرادشت، وقيل: غير ذلك
3- أي دخل على الزهراء (عليها السلام) بسبب وفاته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
4- أي شَكَت عدم كتابتها لما يحدثها الملك، وربما كان ذلك لشدة مرضها.
5- الكافي: ج1 ص240 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام) ح2.
6- بصائر الدرجات: ج3 ص180 ب14ح27.

33

الجهاد الفاطمي

اشارة

كانت الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليها) خير قدوة وأسوة للجهاد والتضحية في سبيل اللّه، وخير مثال لنصرة الحق والدفاع عن المظلوم، حيث رأت (عليها السلام) أنه لا مدافع عن حق أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقامت هي (صلوات اللّه وسلامه عليها) بالدفاع عن حقه، فلما رآها القوم خطراً على حكومتهم، حاولوا التخلص منها، وكذلك فعلوا، فقضت شهيدةً في سبيل اللّه وهي في سن الثامنة عشر من عمرها المبارك.

وينبغي لكل مسلم أن يقتدي بها (عليها السلام) في الدفاع عن الحق ومجابهة الظالمين والطغاة.

كما أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) وقفت إلى جنب والدها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في جهاد الأعداء، وشاطرته في المصاعب التي كان يتلقاها في طريق تبليغ رسالات اللّه، فكانت (عليها السلام) تضمّد له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جروحه، وتذود الغبار عن وجهه، وتغسل التراب والرماد الذي كان المشركون يصبونه على رأسه، وهي تبكي رحمة لأبيها، حتى لقّبها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : بأم أبيها.

لقد تحملت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في مسيرة الجهاد في سبيل اللّه، مصاعب الشعب(1)،

ومقاطعة المشركين، ومصائب فقد الأم الحنون، وكانت تشارك أباها

ص: 224


1- أي شعب أبي طالب (عليه السلام) حيث حاصرهم المشركون وقاطعوهم.

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما كان يواجهه من المشركين والمنافقين.

كما تحملت (عليها السلام) متاعب الهجرة من مكة إلى المدينة، وكانت تعاني من المشاكل والشدائد حتى يوم استشهادها (عليها السلام) أي: إن المشاكل والمكاره لم تفارقها يوماً، بل بقيت (عليها السلام) في شدة حتى اللحظات الأخيرة من عمرها المبارك، وحتى أن زواجها المبارك والمبكر بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة المنورة، كان في أيام عجاف، حيث كان فيها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) والمسلمون، في أشد الحالات المعاشية، وأصعب الظروف الاقتصادية، وأحلك الأجواء السياسية، التي أوجبتها لهم حالة استمرارهم في تبليغ رسالات اللّه، وإيصال أحكام اللّه إلى الناس.

الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)

من أهم ما يلزم أن نتعلمه من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قامت الصديقة (عليها السلام) بمواجهة القوم ثقافياً وإعلامياً وسياسياً وعاطفياً وغير ذلك، وبيّنت للناس عدم شرعية من غصب الخلافة(1).

وكانت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) تبكي على ظلامة بعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) بل على ما سيقوم به القوم من بعدها من ظلم عليه (عليه السلام) ..

عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا سيدتي ما يبكيك؟

قالت: أبكي لما تلقى بعدي، فقال لها: لا تبكي فو اللّه إن ذلك لصغير عندي في ذات اللّه»(2).

ص: 225


1- كما سيأتي في (خطبة الدار)، وغيرها من الموارد المذكورة في هذا الكتاب.
2- الأنوار البهية: ص60فصل: في وفاة فاطمة (عليها السلام) .

البكاء الكثير

إن اللّه سبحانه جعل للماديات مخازن تستمد منها، مثل الشمس فإنها مخزن النور والدفء، والبحار مخزن الماء والأسماك، والهواء مخزن تنفس الإنسان والنبات والحيوان، والأرض مخزن التراب وما ينشأ منها من آلات ووسائل.

وكذلك جعل للمعنويات مخازن، إما للاستمداد منها بالمباشرة أو بالأسوة، فالأنبياء (عليهم السلام) خزنة علم اللّه سبحانه، وكذلك الأوصياء، والناس يستمدون منهم مختلف العلوم والمعارف.

وكذلك جعل اللّه سبحانه للشجاعة والكرم والعاطفة وغيرها من الفضائل مخازن، فإن تلك الصفات في العظماء من الناس توحي بالأسوة والاتباع.

ولعلّ بكاء يعقوب (عليه السلام) تلك المدة الطويلة كان من ذلك، حيث يستمد الناس منه العاطفة بالأسوة، وكذلك بكاء الصديقة الطاهرة والإمام السجاد (عليهما السلام) إلى غير ذلك.

فلا يقال: كيف بكى يعقوب (عليه السلام) وهو يعلم أن ولده حي ويرجع إليه ملكاً؟ وكيف بكى الإمام السجاد والصديقة الزهراء (عليهما السلام) وهما يعلمان بأن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته والمستشهدين بين يديه (عليهم السلام) ذهبوا إلى جنان اللّه الوسيعة، بل هما كان يريان ذلك رؤية العين.

هذا بالإضافة إلى أن بكاءها (عليها السلام) كان سياسياً حيث فضحت المخالفين، فإن كلاً من الهجوم والدفاع قد يكون عاطفياً بالبكاء ونحوها، وبالسياسة كوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعكسه، واقتصادياً وغير ذلك.

لا يقال: إذا كانوا يعلمون بأن ذويهم في روح وريحان وجنة ورضوان وفي كمال الراحة كما أراهم الإمام الحسين (عليه السلام) الجنة ليلة العاشر إلى غير ذلك، فلماذا

ص: 226

كانوا يبكون، وهل يأتي البكاء لمن يرى ذويه في راحة ونعيم؟

لأنه يقال: قد ذكرنا في بعض مباحث الكلام أن علمهم (عليهم السلام) وحسهم الواقعي لا يؤثر في شؤونهم الدنيوية - عادة - وإلاّ لم يكونوا أسوة، وكذا بالنسبة إلى القدرة الغيبية، على تفصيل ذكرناه هناك.

كيف أصبحتِ؟

روي أنه: دخلت أم سلمة على فاطمة (عليها السلام) فقالت لها: كيف أصبحتِ عن ليلتك يا بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قالت: «أصبحتُ بين كمد وكرب(1)، فقد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وظلم الوصي (عليه السلام) ، هتك واللّه حجابه، من أصبحت إمامته مقبضة مقتضبة(2)، على غير ما شرع اللّه في التنزيل، وسنّها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في التأويل، ولكنها أحقاد بدرية وترات أحُدية، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة، لإمكان الوشاة، فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق(3)، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها، ولبئس - على ما وعد اللّه من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين - أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد استنصار، ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب ومنازل الشهادات»(4).

وكان القوم يعلمون بأن الصديقة فاطمة (عليها السلام) تكون سدّاً منيعاً أمامهم في غصب الخلافة، وأنها تسلب شرعيتهم يوماً بعد يوم، ولذا تم التخطيط على القضاء عليها وقتلها (صلوات اللّه عليها) فكان هجوم الدار.. وإحراق البيت..

ص: 227


1- الكمد: الحزن المكتوم، الكرب والكربة بالضم: الغم الذي يأخذ بالنفس.
2- أي من أصبحت إمامته مقبضة أي مأخوذة، ومقتضبة أي مقتطعة منه.
3- الشؤبوب: الدفعة من المطر وغيره، والجمع الشآبيب.
4- بحار الأنوار: ج43 ص157 ب7 ح5.

وضربها.. وعصرها بين الحائط والباب.. وكسر ضلعها.. وإسقاط جنينها محسناً.. وغير ذلك. وفي بعض الروايات: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر في حياة فاطمة (عليها السلام) ، ولا بايعه أحد من بني هاشم إلاّ بعد موتها(1).

أقول: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع القوم قط، وإنما عبّر البعض بأنه بايعهم لسكوته وصبره، فإنه (عليه السلام) كان موصَى بوصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أن يصبر ويصبر إن لم يجد أعواناً(2)، وقد اكتفى القوم بصبره لما يئسوا من بيعته.. فقالوا:

ص: 228


1- روى البخاري في صحيحه عن عائشة ج5 ص82-83 باب غزوة خيبر: (فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر..) وقريب منه ما رواه مسلم في صحيحه ج5 ص154، وصحيح ابن حبان: ج14 ص573، ونصب الراية: ج2 ص360، وقال ابن حبان في كتابه (مشاهير علماء الأمصار) ص22: (إلا أن علي بن أبي طالب وجماعة معه من بني هاشم تخلفوا عن بيعته إلى أن ماتت فاطمة على رأس ستة أشهر)، وروى البيهقي في سننه: ج6 ص300 عن معمر قلت للزهري: (كم مكثت فاطمة بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: ستة أشهر، فقال رجل: فلم يبايعه علي حتى ماتت فاطمة، قال الزهري: ولا أحد من بني هاشم)، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ج3 ص973: (وقد قيل إن علياً لم يبايعه إلا بعد موت فاطمة) وكذا الصفدي في (الوافي بالوفيات): ج17 ص166، وقال الحلبي في (السيرة الحلبية): ج3 ص485: (وفي كلام المسعودي لم يبايع أبا بكر أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة وقال رجل للزهري لم يبايع علي أبا بكر ستة أشهر فقال: لا واللّه لا أحد من بني هاشم بايعه) وقال ابن الأثير في (الكامل في التاريخ): ج2 ص331: (قال الزهري: بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة فبايعوه).
2- فقد روى العياشي في تفسيره: ج2 ص68 سورة الأنفال، والمفيد في (الاختصاص): ص187 قالا: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : عندما أتوا به إلى أبي بكر لكي يبايعه: (فرفع رأسه إلى السماء اللّهم إنك تعلم أن النبي صلى اللّه عليه وآله قد قال لي: إن تموا عشرين فجاهدهم، وهو قولك في كتابك: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}) سورة الأنفال: 65، قال الراوي: وسمعته يقول: (اللّهم وإنهم لم يتموا عشرين، حتى قالها ثلاثاً ثم انصرف)، وروى الشيخ الجليل علي بن يونس العاملي في (الصراط المستقيم): ج2 ص79: حينما جاءه جمع من أصحابه ليعرضوا عليه النصرة بعد السقيفة قال: (ولو أتيتموني شاهري سيوفكم لما ألجأوني إلى البيعة وهددوني بالقتل، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أوعز إليّ أن الأمة تغدر بي، قلت: فما أصنع؟ قال: إن وجدت أعواناً فجاهد وإلاّ كف يدك، وأحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً..).

إنه (عليه السلام) بايع.

وفي بعض الروايات إنهم جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد فأرادوا منه البيعة فلم يبايع، فضرب ابن أبي قحافة يده على يد علي (عليه السلام) من دون أن يفتح علي (عليه السلام) يده الشريفة(1)، ثم قالوا: قد بايع الإمامُ (عليه السلام) .

وكان لجهاد الصديقة فاطمة (عليها السلام) دور كبير في فضح هذه الأحداث والتصدي للظالمين.

وكان من جهادها (عليها السلام) أيضاً ضد الغاصبين: عدد من خطبها، وأهمها خطبة المسجد، وكذلك خطبة الدار.

ص: 229


1- روي عن عدي بن حاتم، أنه قال: (واللّه ما رحمت أحداً قط رحمتي على علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين أُتي به ملبباً بثوبه، يقودونه إلى أبي بكر، وقالوا: بايع!! قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الذي فيه عيناك، قال: فرفع رأسه الى السماء، وقال: (اللّهم إني أشهدك أنهم أتوا أن يقتلوني، فإني عبد اللّه وأخي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله) فقالوا له: مد يدك فبايع! فأبى عليهم فمدوا يده كرهاً فقبض (عليه السلام) على أنامله، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها أبو بكر وهي مضمومة، وهو (عليه السلام) يقول وينظر إلى قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: (يا بن عم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني) انظر (بيت الأحزان: ص118-119).

34

خطبة الدار

خطبت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار عندما جئنها لعيادتها في بيتها، وقد أكدت الصديقة في هذه الخطبة أيضاً على حق علي أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة وحذرتهم من عواقب غصب الخلافة..

روى الطبرسي(1) في الاحتجاج عن سويد بن غلفة(2)، وغيره(3) أيضاً عن أمير

ص: 230


1- الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب أبو منصور الطبرسي، العالم الفاضل الفقيه المحدث من أجلاء علماء الإمامية، له عدة مؤلفات منها كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج) و(تاريخ الأئمة (عليهم السلام) ) و(فضائل فاطمة الزهراء (عليها السلام) ) و(الكافي) و(كتاب الصلاة في الفقه) وغيرها، وكان من أعلام القرن السادس الهجري ومن مشايخ الشيخ ابن شهر آشوب المتوفى سنة 588ه.
2- سويد بن غفلة الجعفي من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسن (عليه السلام) وكان من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان من المعمرين، وقد ولد عام الفيل أو بعده بسنتين، قدم المدينة حين دفن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان فيها، وسكن الكوفة بعد ذلك وهو من رجال كتاب (تفسير القمي) روى عنه جابر بن يزيد الجعفي وحنان بن سدير وغيرهما، مات سنة 80 أو 81 أو 82 ه.
3- الخطبة مروية في مصادر عديدة، ولكن باختلاف يسير مع الألفاظ المثبتة في المتن، ومن تلك المصادر: 1. معاني الأخبار، للشيخ الصدوق: ص354-355 باب معاني قول فاطمة (عليها السلام) لنساء المهاجرين والأنصار في علتها، باسنادين الأول: عن عبداللّه بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) ، والثاني: في ص356 عن أمير المؤمنين (عليه السلام) . 2. الأمالي، للشيخ الطوسي: ص374-376 المجلس13 ح55، بإسناده عن ابن عباس. 3. الاحتجاج، للشيخ الطبرسي: ج1 ص146-149، عن سويد بن غفلة، ورواية سويد للخطبة مباشرة لأنه كان في المدينة حينئذ. 4. كشف الغمة، للشيخ الإربلي: ج2 ص114-115 باب خطبة فاطمة (عليها السلام) ، وغيرها من المصادر. ومن مصادر أهل العامة: 1. السقيفة وفدك، للجوهري: ص120-121باسناده عن عبد اللّه بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) . 2. بلاغات النساء، لابن طيفور: باسناده عن عطية العوفي. 3. شرح نهج البلاغة، لإبن أبي الحديد المعتزلي: ج16 ص233-234. 4. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) : ج1 ص164-169، وغيرها من المصادر.

المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس وعطية العوفي وعبد اللّه بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين (عليهم السلام) ، أنه: (لما مرضت فاطمة الزهراء (عليها السلام) المرضة التي توفيت فيها)(1)،

دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها(2):

كيف أصبحت(3) من علّتك (يا بنت رسول اللّه؟ فحمدت اللّه تعالى، وصلّت على أبيها، ثم)(4) قالت: «أصبحت واللّه عائفةً(5) لدنياكن، قاليةً(6)

ص: 231


1- في معاني الأخبار: (لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليها).
2- في معاني الأخبار: (اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها)، وفي امالي الشيخ: (عن ابن عباس قال: دخلت نسوة من المهاجرين والأنصار على فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يعدنها في علتها، فقلن لها).
3- في أمالي الشيخ الطوسي: (فقلن لها: السلام عليك يا بنت رسول اللّه، كيف أصبحت؟ فقالت)..
4- ما بين الهلالين غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.
5- العائفة: الكارهة، من قولك: عفت الشيء وأعافه إذا كرهته وكرهه.
6- القالية: المبغضة، من قولك: قليت فلاناً إذا أبغضته، ومنه قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} سورة الضحى: 3.

لرجالكن(1)، لفظتهم(2) بعد أن عجمتهم(3)(4)، وسئمتهم بعد أن سبرتهم(5)(6)، فقبحاً لفلول الحد(7)، (واللعب بعد الجد(8)، وقرع الصفاة(9)، وصدع القناة(10)،

ص: 232


1- في معاني الأخبار: (قالت: أصبحت واللّه عائفة لدنياكم قالية لرجالكم)، وفي بعض نسخ المعاني نفس ما في لفظ الاحتجاج.
2- اللفظ: هو طرح الشيء من الفم كراهة له، من قولك: عضضت على الطعام ثم لفظته أي رميت به من فمك.
3- العجم: العض، من قولك عجمت الشيء أي عضضت عليه وقولهم عود معجوم أي معضوض.
4- في معاني الأخبار: (لفظتهم قبل أن عجمتهم)، وفي الأمالي: (لفظتهم بعد إذ عجمتهم)، والمعنى واللّه العالم على رواية المعاني: إني لفظتهم قبل أن أختبر عودهم لقبح أفعالهم وعدم وفائهم للحق وأهله، وعلى رواية الامالي والاحتجاج: إني لفظتهم بعد ان اختبرتهم فلم يفلحوا في الاختبار ولم يقفوا مع الحق وأهله.
5- السأم: الملل، والسبر: الامتحان، من قولك: سبرت الرجل إذ اختبرته وخبرته.
6- في معاني الأخبار: (وشنأتهم بعد أن سبرتهم)، وفي الأمالي: (وسئمتهم بعد إذ سبرتهم)، والشنآن: هو البغض.
7- (فقبحاً لفلول الحد): الفلول: الانثلام، والحد: السيف، أي قبحاً لانثلام سيفكم، والسيف كناية عن القوة والمنعة، فتقبيحها لهم لضعفهم بعد قوتهم، وعلى رواية الأمالي: (فقبحاً لأفون الرأي): والأفن بالتحريك ضعف الرأي، وعليه فالتقبيح لضعف الرأي بعد أن كان منيعاً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
8- قيل: أي أخذتم دينكم باللعب والباطل بعد أن كنتم مجدّين فيه آخذين بالحجة.
9- قيل: الصفاة الحجر الأملس، أي جعلتم أنفسكم مقرعاً لخصومكم، وهي كناية عن عدم تأثير حيلتكم بعد ذلك، خصوصاً مع انثلام سيفكم فضربكم يكون على حجر أملس لا يؤثر فيهم بل يزيد من انثلامه.
10- الصدع: الشق، أي شق قناتكم، والقناة هو الرمح، وهو كناية عن القوة، وهو مثل قولها (عليها السلام) : (وفلول حدكم).

وختل الآراء، وزلل الأهواء)(1)(2)، (وخور القناة، وخطل الرأي)(3)(4)، و{لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}(5)، لا جرم(6)، لقد قلّدتهم ربقتها(7)، (وحملّتهم أوقتها)(8)، وشننت عليهم غاراتها(9)، فجدعاً(10) وعقراً وبعداً(11) للقوم الظالمين(12)، ويحهم أنّى(13)

الحسن (عليه السلام) ).


1- الختل: الخداع، والزلل: هو الوقوع، والآراء: جمع الرأي وهو الاعتقاد وهو مظنة العقل، والأهواء: جمع الهوى وهو مظنة النفس، أي إنكم تخدعون عقولكم وتقعون في أهوائكم لتحصيل اللذات الدنيوية.
2- مابين الهلالين غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.
3- الخور: الضعف، والخطل: الاضطراب. أي إن قناتكم - وهي كناية عن المنعة والقوة - ضعيفة ورأيكم مضطرب.
4- في أمالي الشيخ: (وخطل القول وخور القناة).
5- سورة المائدة: 80.
6- لاجرم: كلمة تورد لتحقيق الشيء وتأكيده.
7- في أمالي الشيخ: (ولا جرم واللّه لقد قلدتهم ربقتها)، والتقليد هو تعليق الشيء في عنقه، والربقة: هي حبل يربط في عنق الدابة أو يدها ليمسكها عن الفرار، أي إن تضييع حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في الخلافة وغصب أموالهم من فدك وما شابه وإسقاط الجنين وغيرها لازم إثمها في أعناقكم كالقلادة.
8- ما بين الهلالين غير موجود في معاني الأخبار والأمالي. والأوق: الثقل، أي حملتهم ثقل حقوق أهل البيت (عليهم السلام) المتمثلة بالخلافة وما أشبه.
9- الشَن: هو التفريق، من قولك: شننت الماء على وجهه أي فرقته عليه، ويقال: شن عليهم الغارة إذا فرقها عليهم من كل وجه، أي إني فرقت آثام ما حصل من غصب حقوق أهل البيت (عليهم السلام) وظلمهم عليكم من كل جهة بحيث لا حجة لهم يدافعون بها عن أنفسهم، وأما على رواية المعاني والأمالي: (وشننت عليهم عارها): أي فرّقت عار ظلمهم لأهل البيت (عليهم السلام) على الجماعة الواقع عليهم الذم.
10- فجدعاً: معطوف على (قبحاً) وهو مصدر حذف فعله، والتقدير: قبحه اللّه قبحاً، وجدعه اللّه جدعاً، وهكذا في العقر والبعد.
11- الجدع: هو قطع الأنف أو الأذن أو الشفة، العقر: بالفتح: الجرح وأصله من عقرت الناقة أو الشاة بالسيف ثم اتسع استخدامه للقتل والهلاك، السُحق بالضم: البُعد.
12- في معاني الأخبار: (فجدعاً وعقراً وسُحقاً للقوم الظالمين)، وفي أمالي الشيخ: (فجدعاً ورغماً للقوم الظالمين)، والرغم: مصدر رغم أنفه، أي التصق بالرَغام بالفتح وهو التراب، ويستعمل في الذل.
13- في معاني الأخبار وأمالي الشيخ: (ويحهم أنى زحزحوها)، والزحزحة: وهو التبعيد والتنحية.

زعزعوها(1)، عن (رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة(2)، ومهبط الروح الأمين(3)، والطبين(4) بأمور الدنيا والدين(5)، {أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ}(6) وما الذي نقموا من)(7)، أبي الحسن (عليه السلام) (8) نقم على وزن ضرب، أو كما قال الكسائي: على وزن علم، وهو العتب والكره والإنكار.(9) النكير: اسم المصدر ومصدره التنكير، وهو الانكار، أو التنكر وهو التغير من حال السرور إلى حال الكره، وقال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : وما هنا يحتمل المعنيين والأول أظهر أي إنكار سيفه فإنه (عليه السلام) كان لا يسل سيفه إلا لتغيير المنكرات.(10) في الأمالي: (ما نقموا واللّه منه إلاّ نكير سيفه، ونكال وقعه..).(11) مابين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار.(12) عبارة: (وقلة مبالاته لحتفه، وشدة وطأته) غير موجودة في الامالي، والوطأة: الأخذة الشديدة والضغطة، وهو كناية عن الغزو والقتل.(13) تنّمر فلان: إذا تغير وتنكر وأوعد وتشبه بالنمر في غضبه وبأسه.(14) ذات اللّه: أي في حقيقة اللّه أو في الأمور التتي تتعلق باللّه من دينه وشرعه وغير ذلك.(15) المحجة: جادة الطريق، والمعنى أنهم لو مالوا عن جادة الطريق الظاهرة بعد تمكينهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) من الخلافة لردهم إلى الحق بحال رضاهم في العودة، وحملهم عليها بحال عدم رضاهم على الرجوع إلى الحق، ولكنهم لم يمكنوه منها.


1- الويح: كلمة تستعمل في الترحم والتوجع والتعجب، الزعزعة: التحريك.
2- كلمة: (والدلالة) غير موجودة في معاني الأخبار.
3- في معاني الأخبار: (ومهبط الوحي الأمين).
4- الطبن: بالتحريك الفطنة، والطبين: الفطن الحاذق العارف.
5- في معاني الأخبار: (والطبين بأمر الدنيا والدين).
6- سورة الزمر: 15.
7- مابين الهلالين: غير موجود في أمالي الشيخ.
8- في معاني الأخبار: (وما نقموا من أبي نقموا
9- واللّه منه نكير
10- سيفه
11- ، (وقلة مبالاته لحتفه)
12- ، وشدة وطأته)
13- ، ونكال وقعته، وتنّمره
14- في ذات اللّه
15- عزّوجلّ. (وتاللّه لو مالوا عن المحجة اللايحة

لردهم إليها، وحملهم عليها)(1). (واللّه(2) لو تكافوا عن زمام نبذه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لاعتلقه)(3)(4).

ولسار بهم سيراً سُجُحاً(5).. لا يكلِم حشاشه(6)، (ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه)(7)، (ولا يتعتع راكبه)(8)...

ولأوردهم منهلاً نميراً(9)، (صافياً، رويّاً)(10)، (فضفاضاً)(11)...

ص: 235


1- مابين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار وأمالي الشيخ.
2- في أمالي الشيخ: (وتاللّه).
3- التكاف: الكف، والزمام: المقود، والنبذ: الطرح، واعتلقه: أحبه أو أخذه، أي إنهم لو كفوا وتركوا مقوداً طرحه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأخذه ولم يكف عنه.
4- ما بين الهلالين: غير موجود في الاحتجاج.
5- في الأمالي: (ثم لسار بهم سيراً سُجُحاً، فإنه قواعد الرسالة، ورواسي النبوة، ومهبط الروح الأمين، والبطين بأمر الدنيا والدين ألا {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} سورة الحج:11)، والسُجُح بضمتين: اللين السهل.
6- في معاني الأخبار: (لا يكلم خشاشه)، وفي الأمالي: (واللّه لا يكتلم خشاشه)، والكلِم: الجرح، والخشاش بكسر الخاء: ما يجعل في أنف البعير ويشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده، وفي رواية الاحتجاج (حشاشه): وهي بقية الروح في المريض.
7- ما بين الهلالين: غير موجود في المعاني والأمالي. و(الكَلُّ): الثقل، و(الملل): السئم.
8- ما بين الهلالين: غير موجود في الاحتجاج. وتعتعتُ الرجلَ: إذا اقلقته وأزعجته.
9- المنهل: مورد الماء، وهو عين ماء ترده الأبل، وتسمى المنازل في المفاوز على طرق المسافرين بالمناهل، النمير: الناجع العذب أو غير العذب، وقيل: الماء النامي في الحشد وهو ما لا ينقطع ماؤها.
10- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار.
11- ما بين الهلالين: غير موجود في رواية الاحتجاج، والروي: هي السحابة العظيمة القطر الشديدة الوقع، الفضفاض: الواسع.

تطفح ضفتاه(1)(2)، (ولا يترنق جانباه)(3)(4)، ولأصدرهم بطاناً(5).

(ونصح لهم سراً واعلاناً، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل(6)، ولا يحظى منها بنائل؛ غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل(7)، ولبان لهم: الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب.

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(8)، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما

ص: 236


1- تطفح: أي تمتليء حتى تفيض، (ضفتا النهر) بكسر الضاد، وقيل بفتحها: جانبا النهر.
2- في الأمالي: (ولأوردهم منهلاً روياً فضفاضاً، تطفح ضفته).
3- قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : رنق الماء وترنق: كدر، وصار الماء رونقة: أي غلب الطين على الماء، والترنوق: الطين الذي في الأنهار والمسيل، فالمراد بقولها: (ولا يترنق جانباه): أنه لا ينقص الماء حتى يظهر الطين والحمأ من جانبي النهر ويتكدر الماء بذلك.
4- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.
5- الإصدار: الارجاع، والبطان: جمع بطين وهو الريان، وهذه الجملة معطوفة على قولها (عليها السلام) : (ولأوردهم منهلاً..) والمعنى أنه (عليه السلام) يورد القوم لو كان على الأمر، منهلاً صافياً، ولأرجعهم مروين بطنين، لأن الإيراد لا يلازم الارجاع، ولكنه (عليه السلام) يفعل الأمرين معاً.
6- التحلي: التزين، الطائل: الغنى والمزية، أي لم يتزين من الدنيا بمزية دون المسلمين.
7- النائل: العطاء، (الناهل): الريان، و(الكافل): الذي يكفل غيره، أي إنه (عليه السلام) لو كان على الأمر فإنه لا يحظى من الخلافة بعطاء إلاّ بمقدار أضعف ما يكون من المسلمين، بأن يسدّ رمقه وجوعه، بل أكثر من هذا فإنها (عليها السلام) تخبر بأنه لا يشرب من الماء إلا بقدر ما يشرب المرتوي الريان وهو لا يشرب عادة إلاّ القليل، ولا يأكل إلاّ ما يأكل الكافل وهو عادة لا يأكل إلاّ القليل رعاية لمن يكفله، وهكذا كان (عليه السلام) حينما وصل إلى الخلافة الظاهرية بعد مقتل عثمان إلى حين استشهاده وآثار زهده وحيطته على أموال المسلمين تدهش العقول وتجفل النفوس.
8- سورة الأعراف: 96.

كسبوا وما هم بمعجزين!)(1).

(قد تحير بهم الري(2)(3)، غير متحل منه بطائل(4)، إلاّ بغمر الماء وردعه سورة الساغب(5)، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم

اللّه بما كانوا يكسبون)(6). ألا هلم(7) فاسمع..

وما عشت أراك الدهر عجبا(8)، وإن تعجب فعجب قولهم!(9)، (ليت

ص: 237


1- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.
2- الحير: مصدر حيرته فتحير: إذا اجتمع ودار فيهم الري، أو مصدر تحير في أمره أي صاروا حياري لكثرة الري، والري: ضد العطش.
3- في المعاني: (قد تخيّر لهم الريّ) وربما يكون تخيّر تصحيف تحيّر، وفي الأمالي: (قد خثر بهم الريّ)، والمعنى: قد أثقلهم الري لأن الخثورة ضد الرقة.
4- في الأمالي: (غير متحل بطائل)، أي كان لا يأخذ من مالهم قليلاً ولا كثيراً ولم يستفد منها كثير فائدة.
5- الغمر بالكسر: الشرب، والتغمر: الشرب القليل دون الري، سورة الشيء: حدته وشدته، الساغب: الجائع، الناهل: الريان، وفي معاني الأخبار: (إلاّ بغمر الماء، وردعه سورة الساغب)، وفي الأمالي: (إلاّ بغمر الناهل، وردع سورة الساغب)، والمعنى أنه صلوات اللّه عليه لا يستفيد من الأمر لو كان عليه إلا بمقدار شرب الماء القليل كشرب الريان للماء فلا يشرب منه إلاّ قليلاً، وإلاّ بمقدار ما يسد حدة الجوع وشدته.
6- ما بين الهلالين: غير موجود في رواية الاحتجاج.
7- ألا: أداة عرض وحث، وهو من معاني الطلب، (هلُمَّ) بفتح الميم: أي تعال.
8- في معاني الأخبار: (وما عشت أراك الدهر العجب)، وفي الأمالي: (فهلم فاسمع، فما عشت أراك الدهر العجب).
9- في معاني الأخبار: (وإن تعجب وقد أعجبك الحادث)، وفي الأمالي: (وإن تعجب بعد الحادث).

شعري)(1) إلى أي إسناد استندوا(2)..

(وإلى أي عماد اعتمدوا؟!)(3) وبأي عروة تمسكوا(4)،

(وعلى أي ذرية اقدموا واحتنكوا)(5)، لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا)(6).

استبدلوا واللّه الذنابى بالقوادم(7)، (والحرون بالقاحم)(8) والعجز بالكاهل، فرغماّ لمعاطس قوم(9){يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(10)، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكِنْ لا يَشْعُرُونَ}(11)، ويحهم(12)،{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي

ص: 238


1- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.
2- في معاني الأخبار: (إلى أي سناد استندوا)، وفي الأمالي: (فما بالهم بأي سند استندوا).
3- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.
4- في الأمالي: (أم بأية عروة تمسكوا).
5- ما بين الهلالين: غير موجود في الأمالي، الاحتناك: الاستيلاء ومنه قوله تعالى: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} سورة الإسراء: 64، تشابهت قلوبهم فتشابهت أفعالهم.
6- ما بين الهلالين: من قولها (عليها السلام) : (وعلى أي ذرية أقدموا.. وبئس للظالمين بدلاً) غير موجود في معاني الأخبار.
7- الذنابى: ذنب الطائر، وأيضاً بمعنى الأتباع والسفلة، وبمعنى شبه المخاط يقع من أنوف الإبل، القوادم: مقاديم ريش الطائر وهي عشر في كل جناح، والقوادم جمع القادم وهو رأس الإنسان، في معاني الأخبار: (استبدلوا الذنابى واللّه بالقوادم)، وفي الأمالي: (استبدلوا الذنابى بالقوادم).
8- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار والاحتجاج، و(الحرون): الفرس الذي لا ينقاد، والحرون فرس من جياد الخيل العزيزة، (القاحم): اسم للفرس الذي يرمي فارسه على وجهه، و(العجز): مؤخر الشيء، و(الكاهل): ما بين الكتفين.
9- في الأمالي: (فتعساً لقوم)، المعاطس: جمع معطس وهو الأنف.
10- سورة الكهف: 103.
11- سورة البقرة: 11.
12- كلمة (ويحهم): غير موجودة في معاني الأخبار والأمالي.

إِلاّ أنْ يُهْدَى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1). (أما لعمري لقد)(2) لقحت(3) فنظِرة، ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دماً عبيطاً، وزعافاً مبيدا(4)، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف البطالون(5)، غِبَّ ما اسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً(6)، واطمأنوا للفتنة جأشاً(7).

وأبشروا بسيف صارم، (وسطوة معتد غاشم)(8)، وبهرج شامل(9)، واستبداد من الظالمين: يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً(10).

فياحسرة لكم(11)، (وأنّى بكم)(12)

وقد عميت عليكم(13) ،{أَنُلْزِمُكُمُوها وأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ}(14)».

ص: 239


1- سورة يونس: 35.
2- ما بين الهلالين: غير موجود في الأمالي.
3- في المعاني: (اما لعمر آلهك لقد لقحت..)، لقحت: أي حملت.
4- في معاني الأخبار: (ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وزعافاً ممقراً)، وفي الأمالي: (ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وذعافاً ممضاً)، القعب: قدح من خشب ضخم، طلاع: هو الامتلاء، العبيط: الخالص الطري، زعاف: اسم يطلق على الموت السريع والسم القاتل، الممقر: المر، الذعاف: السم، الممض: المحرق.
5- في معاني الأخبار والأمالي: (ويعرف التالون)، الغِبَّ: العاقبة.
6- في معاني الأخبار: (ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً)، وفي الأمالي: (ثم طيبوا بعد ذلك عن أنفسكم لفتنتها).
7- في الأمالي: (ثم اطمئنوا للفتنة جأشاً)، الجأش: جأش القلب: إذا راع واضطرب عند الفزع.
8- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.
9- في الأمالي: (وهرج دائم شامل).
10- في معاني الأخبار: (وزرعكم حصيداً).
11- في معاني الأخبار: (فيا حسرتي لكم)، وفي الأمالي: (فيا حسرة لهم).
12- ما بين الهلالين: غير موجود في الأمالي.
13- في الأمالي: (وقد عميت عليهم الأنباء).
14- سورة هود: 28.

(قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها على رجالهن، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار متعذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره.

فقالت (عليها السلام) :

إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم)(1).

ص: 240


1- ما بين الهلالين: غير موجود في معاني الأخبار والأمالي.

35

خطبة المسجد

اشارة

خطبة المسجد(1)

واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك

واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك(2)

روى عبد اللّه بن الحسن، بإسناده عن آبائه (عليهم السلام) : أنه لما أجمع(3) أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكاً(4)، وبلغها ذلك.. لاثت(5) خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها(6).. وأقبلت في لمّة(7)..

ص: 241


1- نقلنا هذه الخطبة الشريفة نصاً وتعليقاً من كتاب (عوالم العلوم ومستدركاتها) مجلد فاطمة الزهراء (عليها السلام) ج2 ص652-697 الباب الخامس الحديث الأول، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) قم المقدسة.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج1 ص97-108، احتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك.
3- أجمع أبوبكر وعمر: أي أحكما النية والعزيمة عليه.
4- فدك من الكلمات التي يجوز فيها الصرف ومنع الصرف.
5- أي عصبته وجمعته، يقال: لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثاً: أي شدها وربطها.
6- الجلباب، بالكسر: يطلق على الملحفة والرداء والإزار والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة والثوب كالمقنعة تغطي بها المرأة رأسها وصدرها وظهرها، والأول أظهر.
7- اللمة - بضم اللام وتخفيف الميم -: الجماعة. قال في النهاية ج4 ص273: في حديث فاطمة (عليها السلام) : (إنها خرجت في لُمة من نسائها تتوطأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته) أي في جماعة من نسائها. قيل: هي ما بين الثلاثة إلى العشرة. وقيل: اللمة: المثل في السن والترب. وقال الجوهري في الصحاح: ج5 ص2026: الهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه، وهو مما أخذت عينه كسر ومد،وأصلها (فعلة) من الملائمة وهي الموافقة. انتهى. ويحتمل أن يكون بتشديد الميم. قال الفيروز آبادي في القاموس: ج4 ص177: اللمة بالضم: الصاحب والأصحاب في السفر، والمؤنس للواحد والجمع.

من حفدتها(1) ونساء قومها، تطأ ذيولها(2)..

ما تخرم(3) مشيتها مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد(4) من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة(5)، فجلست.. ثم أنّت أنةً أجهش(6) القوم لها

ص: 242


1- الحفدة، بالتحريك: الأعوان والخدم.
2- أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، وتضع عليها قدمها عند المشي، وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدد الثياب.
3- في بعض النسخ: (من مشي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ). والخرم: الترك والنقص والعدول. والمشية: بالكسر الإسم من مشى يمشي مشياً: أي لم تنقص مشيها (عليها السلام) من مشيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شيئاً، كأنه هو بعينه. قال في النهاية: ج2 ص27: فيه ما خرمت من صلاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شيئاً، أي ما تركت. ومنه الحديث: (لم أخرم عنه حرفاً) أي لم أدع.
4- الحشد، بالفتح وقد يحرّك: الجماعة. وفي كشف الغمة: (إن فاطمة (عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً، لاثت خمارها وأقبلت في لميمة من حفدتها ونساء قومها، تجرّ أدراعها، وتطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى دخلت على أبي بكر، وقد حشد المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطة بيضاء، وقيل: قبطية، فأنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء، ثم أمهلت طويلاً حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت: أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد، الحمد لله على ما أنعم...).
5- الملاءة، بالضم والمد: الريطة والإزار، ونيطت: بمعنى علّقت، أي ضربوا بينها (عليها السلام) وبين القوم ستراً وحجاباً. والريطة بالفتح: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين، أو هي كل ثوب ليّن رقيق. والقبطية، بالكسر: ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر، وقد يضم لأنهم يغيرون في النسبة. وفي رواية لابن أبي الحديد في شرح النهج، وصاحب كتاب (السقيفة وفدك): (فضرب بينها وبينهم ريطة بيضاء)، وقال بعضهم: قبطية، وقالوا: قُبطية، بالكسر والضم. والريطة: الإزار، والقبطية: ثياب منسوبة إلى القبط. وقال في معجم البلدان: ج4 ص306: القبط، بالكسر ثم السكون: بلاد القبط بالديار المصرية سميت بالجبل الذي كان يسكنه.
6- الجهش: أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيأ للبكاء، يقال: جهش إليه كمنع وأجهش..

بالبكاء، فارتج(1) المجلس...

ثم أمهلت هنيئة(2).. حتى إذا سكن نشيج(3) القوم، وهدأت فورتهم(4)، افتتحت الكلام بحمد اللّه والثناء عليه، والصلاة على رسوله.. فعاد القوم في بكائهم..

فلما أمسكوا، عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام) :

«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم(5)، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها(6).. وتمام منن أولاها(7)..

جمّ(8) عن الإحصاء عددها.. ونأى عن الجزاء أمدها(9)..

ص: 243


1- الارتجاج: الاضطراب.
2- هنيئة: صبرت زماناً قليلاً.
3- النشيج: صوت معه توجع وبكاء، كما يردد الصبي بكاءه في صدره.
4- هدأت، كمنعت: أي سكنت. وفورة الشيء: شدته، وفار القدر: أي جاشت.
5- أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها. ويحتمل أن يكون المراد بالتقديم: الإيجاد والفعل من غير ملاحظة معنى الابتداء فيكون تأسيساً.
6- السبوغ: الكمال. والآلاء: النعماء، جمع ألى بالفتح والقصر، وقد تكسر الهمزة. وأسدى وأولى وأعطى بمعنى واحد.
7- أولاها: أي تابعها بإعطاء نعمة بعد أخرى بلا فصل.
8- جمّ الشيء: أي كثر. والجمّ: الكثير، والتعدية ب- (عن) لتضمين معنى التعدي والتجاوز.
9- الأمد، بالتحريك: الغاية المنتهى، أي بَعُد عن الجزاء بالشكر غايتها. فالمراد بالأمد إما الأمد المفروض، إذ لا أمد لها على الحقيقة، أو الأمد الحقيقي لكل حد من حدودها المفروضة، ويحتمل أن يكون المراد بأمدها: ابتداؤها، وقد مر في كثير من الخطب ما بهذا المعنى. وقال في النهاية: (في حديث الحجاج، قال الحسن: ما أمدك؟ قال: سنتان من خلافة عمر، أراد أنه ولد لسنتين من خلافته، وللإنسان أمدان: مولده وموته) انتهى. وإذا حمل عليه يكون أبلغ، ويحتمل على بُعد أن يقرأ بكسر الميم. قال الفيروز آبادي: الأمد: المملو من خير وشر، والسفينة المشحونة.

وتفاوت عن الإدراك أبدها(1)..

وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها(2)..

واستحمد إلى الخلائق بإجزالها(3)، وثنى بالندب إلى أمثالها(4).

وأشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له..

كلمة جعل الإخلاص تأويلها(5)..

ص: 244


1- التفاوت: البُعد. والأبد: الدهر. والدائم: القديم الأزلي، وبُعده عن الإدراك لعدم الانتهاء.
2- ندبهم: يقال ندبه للأمر،وإليه فانتدب: أي دعاه فأجاب. واللام في قولها (عليها السلام) : (لاتصالها) لتعليل الندب، أي رغّبهم في استزادة النعمة بسبب الشكر، لتكون نعمة متصلة لهم غير منقطعة عنهم، وجعل اللام الأولى للتعليل، والثانية للصلة. وفي بعض النسخ: (لإفضالها) فيحتمل تعلقه بالشكر.
3- أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم، يقال: أجزلت له من العطاء أي أكثرت. وأجزلك النعم كأنه طلب الحمد أو طلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم، وعلى التقديرين التعدية ب- إلى لتضمين معنى الانتهاء، أو التوجه، وهذه التعدية في الحمد شائع بوجه آخر، يقال: أحمد إليك اللّه، قيل: أي أحمده معك، وقيل: أي أحمد إليك نعمة اللّه بتحديثك إياها، ويحتمل أن يكون استحمد بمعنى تحمّد، يقال: فلان يتحمّد عليّ، أي يمتنّ، فيكون إلى بمعنى على، وفيه بُعد.
4- أي بعد أن أكمل لهم النعم الدنيوية، ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم الأخروية، أو الأعم منها، ومن مزيد النعم الدنيوية. ويحتمل أن يكون المراد بالندب إلى أمثالها: أمر العباد بالإحسان والمعروف وهو إنعام على المحسن إليه وعلى المحسن أيضاً، لأنه به يصير مستوجباً للأعواض والمثوبات الدنيوية والأخروية.
5- المراد بالإخلاص: جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة، وعدم التوسل بغيره تعالى - مستقلا - في شيء من الأمور، فهذا تأويل كلمة التوحيد، لأن من أيقن بأنه الخالق والمدبر، وبأنه لا شريك له في الإلهية، فحق له أن لا يشرك في العبادة غيره، ولا يتوجه في شيء من الأمور إلى غيره.

وضمن القلوب موصولها(1)..

وأنار في التفكر معقولها(2)، الممتنع من الأبصار رؤيته(3)، ومن الألسن صفته(4)،

ومن الأوهام كيفيته.

ابتدع الأشياء لا من شيء(5)

كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء(6) أمثلة امتثلها..

كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً(7) على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبداً

ص: 245


1- هذه الفقرة تحتمل وجوهاً: الأول: أن اللّه تعالى ألزم وأوجب على القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركّبه تعالى وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك مما يؤول إلى التوحيد. الثاني: أن يكون المعنى جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكلمة مدرجا في القلوب بما أراهم من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، أو بما فطرهم عليه من التوحيد. الثالث: أن يكون المعنى لم يكلف العقول الوصول إلى منتهى دقائق كلمة التوحيد وتأويلها، بل إنما كلف عامة القلوب بالإذعان بظاهر معناها وصريح مغزاها وهو المراد بالموصول. الرابع: أن يكون الضمير في (موصولها) راجعاً إلى القلوب، أي لم يلزم القلوب إلاّ ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة، والدقائق المستنبطة منها، أو مطلقا. ولولا التفكيك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأول، بل مطلقا.
2- أي أوضح في الأذهان ما يتعقل من تلك الكلمة، بالتفكر في الدلائل والبراهين، ويحتمل إرجاع الضمير إلى القلوب أو الفكر بصيغة الجمع، أي أوضح بالتفكر ما يعقلها العقول، وهذا يؤيد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة.
3- ويمكن أن يقرأ: (الأبصار) بصيغة الجمع والمصدر، والمراد بالرؤية: العلم الكامل والظهور التام.
4- الظاهر أن الصفة هنا مصدر، ويحتمل المعنى المشهور بتقدير.
5- أي بيان صفته. (لا من شيء): أي مادة.
6- احتذى مثاله: اقتدى به، و(امتثلها): أي تبعها. و(لم يتعد عنها): أي لم يخلقها على وفق صنع غيره.
7- لأن ذوي العقول يتنبهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها والمنعم بها واجب، أو أن خالقها مستحق للعبادة، أو بأن من قدر عليها يقدر على الإعادة والانتقام.

لبريته(1)، وإعزازاً لدعوته(2)، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة(3) لعباده من نقمته، وحياشة(4) لهم إلى جنته.

وأشهد أن أبي محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه(5)، واصطفاه قبل أن ابتعثه..

إذ الخلائق بالغيب مكنونة..

وبستر الأهاويل مصونة(6)، وبنهاية العدم مقرونة..

علماً من اللّه تعالى بمآيل الأمور(7)، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور(8).

ص: 246


1- أي خلق البرية ليتعبّدهم، أو خلق الأشياء ليتعبّد البرايا بمعرفته والاستدلال بها عليه.
2- أي خلق الأشياء ليغلب ويظهر دعوة الأنبياء (عليهم السلام) إليه بالاستدلال بها.
3- الذود والذياد، بالذال المعجمة: السوق والطرد والدفع والإبعاد.
4- حشت الصيد أوحشته: إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبال، ولعل التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عما يوجب دخول الجنة.
5- في بعض النسخ: (قبل أن اجتبله) الجبل: الخلق، يقال جبلهم اللّه أي خلقهم، وجبله على الشيء: أي طبعه عليه. ولعل المعنى: أنه تعالى سماه لابتنائه قبل أن يخلقه، ولعل زيادة البناء للمبالغة تنبيهاً على أنه خلق عظيم. وفي بعض النسخ: بالحاء المهملة، يقال احتبل الصيد: أي أخذه بالحبالة، فيكون المراد به الخلق أو البعث مجازاً. وفي بعضها: (قبل أن اجتباه واصطفاه بالبعثة).
6- لعل المراد بالستر: ستر العدم، أو حجب الأصلاب والأرحام، ونسبته إلى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود وعوائقه. ويحتمل أن يكون المراد: أنها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم، إذ هي إنما تلحقها بعد الوجود. وقيل: التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات.
7- الأمور، على صيغة الجمع: أي عواقبها. وفي بعض النسخ: بصيغة المفرد
8- في بعض النسخ: (ومعرفة بمواقع المقدور) أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الأمور الممكنة المقدورة وأمكنتها، ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور: المقدّر، بل هو أظهر.

ابتعثه اللّه إتماماً لأمره(1)، وعزيمةً على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه(2)..

فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها(3)، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها(4).

فأنار اللّه بأبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ظلمها(5)، وكشف عن القلوب بهمها(6)، وجلى عن الأبصار غممها(7)، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.

ثم قبضه اللّه إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار(8)..

فمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (9) من تعب هذه الدار في راحة قد حفّ بالملائكة الأبرار،

ص: 247


1- أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجله.
2- الإضافة في (مقادير حتمه) من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة، أي مقاديره المحتومة.
3- يقال: عكف على الشيء، كضرب ونصر: أي أقبل عليه مواظباً ولازمه، فهو عاكف، ويجمع على (عُكّف) بضم العين وفتح الكاف المشددة، كما هو الغالب في فاعل الصفة، نحو شهد وغيّب، و(النيران): جمع نار وهو قياس مطرد في جمع الأجوف، نحو تيجان وجيران.
4- لكون معرفته تعالى فطرية، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه.
5- الضمير في (ظلمها) راجع إلى الأمم، والضميران التاليان له يمكن إرجاعهما إليها، وإلى القلوب والأبصار. و(الظُلَم)، بضم الظاء وفتح اللام: جمع ظلمة، استعيرت هنا للجهالة.
6- البهم: جمع بُهمة، بالضم: هي مشكلات الأمور. و(جلوت الأمر): أوضحته وكشفته.
7- الغمم: جمع غمة، يقال: (أمر غمّة) أي مبهم ملتبس. قال اللّه تعالى: {ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} سورة يونس: 71. قال أبو عبيدة: مجازها ظلمة وضيق، وتقول: غممت الشيء إذا غطيته وسترته، والغمامة: الغواية واللجاج، ذكره الفيروز آبادي.
8- اختيار: أي من اللّه له ما هو خير له، أو باختيار منه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورضا، وكذا الإيثار، والأول أظهر فيهما.
9- لعل الظرف متعلق بالإيثار بتضمين معنى الضنة أو نحوها. وفي بعض النسخ: (بمحمد)، وفي بعض النسخ: (محمد) بدون الباء، فتكون الجملة استينافية أو مؤكدة للفقرة السابقة أو حالية بتقدير الواو. وفي بعض النسخ القديمة: (فمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) وهو أظهر. وفي رواية كشف الغمة: (رغبته بمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن تعب هذه الدار). وفي رواية أحمد ابن أبي طاهر: (أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عرّت هذه الدار) وهو أظهر، ولعل المراد بالدار: دار القرار، ولو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة.

ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى اللّه على أبي، نبيّه وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه(1)، والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته.

ثم التفتت (عليها السلام) إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد اللّه نصب أمره(2) ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء اللّه على أنفسكم، وبلغاءه إلى الأمم(3)..

زعيم حق له فيكم(4).. وعهد قدمه إليكم.. وبقية(5) استخلفها عليكم:

كتاب اللّه الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة

ص: 248


1- في بعض النسخ: (وأمينه على الوحي وصفيّه وخيرته من الخلق ورضيّه).
2- قال الفيروز آبادي: (النصب) بالفتح: العلم المنصوب، ويحرّك، و(هذا نصب عيني) بالضم والفتح، انتهى. أي نصبكم اللّه لأوامره ونواهيه وهو خبر الضمير، و(عباد اللّه) منصوب على النداء.
3- أي تؤدون الأحكام إلى سائر الناس، لأنكم أدركتم صحبة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
4- في بعض النسخ: (وزعمتم حق لكم لله فيكم) أي زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم، وتلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق، ويمكن أن يقرأ على الماضي المجهول. وفي إيراد لفظ الزعم إشارة بأنهم ليسوا متصفين بها حقيقة، وإنما يدعون ذلك كذبا، ويمكن أن يكون (حق لكم) جملة أخرى مستأنفة، أي زعمتم أنكم كذلك، وكان يحق لكم وينبغي أن تكونوا كذلك لكن قصرتم. وفي بعض النسخ: (وزعمتم حق له فيكم وعهد)، وفي كتاب المناقب القديم: (زعمتم أن لا حق لي فيكم عهداً قدمه إليكم) فيكون (عهدا) منصوبا بأذكروا أو نحوه. وفي الكشف: (إلى الأمم خولكم اللّه فيكم عهد).
5- عهد وبقية، (العهد): الوصية. و(بقية الرجل): ما يخلفه في أهله. والمراد بهما: القرآن، أو بالأول ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته، وبالثاني: القرآن. وفي رواية أحمد ابن أبي طاهر: (وبقية استخلفنا عليكم) ومعناها: كتاب اللّه، فالمراد بالبقية: أهل البيت (عليهم السلام) ، وبالعهد: ما أوصاهم به فيهم.

بصائره(1)، منكشفة سرائره(2)، منجلية ظواهره، مغتبطة(3) به أشياعه، قائداً إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه(4)، به تنال حجج اللّه المنورة، وعزائمه(5) المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله(6) المندوبة، ورخصه(7) الموهوبة، وشرائعه(8) المكتوبة.

فجعل اللّه الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس(9) ونماءً في الرزق(10)..

ص: 249


1- البصائر: جمع بصيرة، وهي الحجة.
2- انكشاف السرائر: وضوحها عند حملة القرآن وأهله.
3- الغبطة:أن يتمنى المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها منه، تقول: غبطته فاغتبط. والباء للسببية أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه، وتلك الفقرة غير موجودة في سائر الروايات.
4- على بناء الإفعال أي تلاوته. وفي بعض نسخ الاحتجاج وسائر الروايات: (احتجاجه).
5- المراد بالعزائم: الفرائض.
6- المراد بالفضائل: السنن.
7- المراد بالرُخَص: المباحات، بل ما يشمل المكروهات أيضا.
8- الشرائع: ما سوى ذلك من الأحكام، كالحدود والديات، أو الأعم. أما (الحجج والبينات والبراهين): فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض، ويمكن تخصيص كل منها ببعض ما يتعلق بأصول الدين لبعض المناسبات. وفي رواية ابن أبي طاهر: (وبيانه الجالية وجمله الكافية)، فالمراد بالبينات: المحكمات، وبالجمل: المتشابهات، ووصفها بالكافية لدفع توهم نقص فيه لإجمالها، فإنها كافية فيما أريد منها، ويكفي معرفة الراسخين في العلم بالمقصود منها فإنهم المفسرون لغيرهم. ويحتمل أن يكون المراد بالجمل: العمومات التي يستنبط منها الأحكام الكثيرة.
9- أي من دنس الذنوب، او من رذيلة البخل، إشارة إلى قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103.
10- إيماء إلى قوله تعالى: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} سورة الروم: 39على بعض التفاسير.

والصيام تثبيتاً للإخلاص(1)، والحج تشييداً للدين(2)، والعدل تنسيقاً للقلوب(3)، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر(4)، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط(5)، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد(6)..

والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة..

ص: 250


1- أي لتشييد الإخلاص وإبقائه، أو للإثباته وبيانه، ويؤيد الأخير أن في بعض الروايات: (تبييناً) وهذا تخصيص الصوم بذلك، لكونه أمراً عدمياً لا يظهر لغيره تعالى، فهو أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص، وهذا أحد الوجوه في تفسير الحديث المشهور: (الصوم لي وأنا أجزي به).
2- إنما خص التشييد به لظهوره ووضوحه، وتحمل المشاق فيه، وبذل النفس والمال، فالإتيان به أدل دليل على ثبوت الدين، أو يوجب استقرار الدين في النفس، لتلك العلل وغيرها مما لا نعرفه، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في الأخبار الكثيرة من أن علة الحج: التشرف بخدمة الإمام (عليه السلام) وعرض النصرة عليه وتعلم الشرائع منه، فالتشييد لا يحتاج إلى تكلف. وفي (العلل) ورواية ابن أبي طاهر: (تسلية للدين) فلعل المعنى تسلية للنفس بتحمل المشاق وبذل الأموال بسبب التقييد بالدين، أو المراد بالتسلية الكشف والإيضاح فإنها كشف الهم، أو المراد بالدين أهل الدين، أو أسند إليه مجازاً، والظاهر أنه تصحيف (تسنيه) وكذا في(الكشف) وفي بعض نسخ العلل، أي يصير سبباً لرفعة الدين وعلوه.
3- التنسيق: التنظيم. وفي العلل: (مسكاً للقلوب) أي ما يمسكها. وفي القاموس: (المسكة، بالضم: ما يتمسك به وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب، والجمع: مُسَك كصُرَد، والمسك محرّكة: الموضع يمسك الماء). وفي رواية ابن أبي طاهر وكشف الغمة: (تنسكاً للقلوب) أي عبادة لها، لأن العدل أمر نفساني يظهر آثاره على الجوارح.
4- إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات.
5- أي سخطهما، أو سخط اللّه تعالى، والأول أظهر.
6- المنماة: اسم مكان أو مصدر ميمي، أي يصير سبباً لكثرة عدد الأولاد والعشائر، كما أن قطعها تذر الديار بلاقع من أهلها.

وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس(1)، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس(2).. واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة(3)، وترك السرقة إيجاباً للعفة(4). وحرّم اللّه الشرك إخلاصاً له بالربوبية، ف{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(5)، وأطيعوا اللّه فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ}(6).

- ثم قالت: - أيها الناس، اعلموا أني فاطمة وأبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

أقول عوداً وبدواً(7)..

ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً(8){لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(9)..

ص: 251


1- في سائر الروايات: (للبخسة) أي لئلا ينقص مال من ينقص المكيال والميزان، إذ التوفية موجب للبركة وكثرة المال، أو لئلا ينقصوا أموال الناس، فيكون المقصود: إن هذا أمر يحكم العقل بقبحه.
2- اي النجس، أو ما يجب التنزه عنه عقلاً، والأول أوضح في التعليل، فيمكن الاستدلال على نجاستها.
3- اي لعنة اللّه، أو لعنة المقذوف أو القاذف، فيرجع إلى الوجه الأخير في السابقة، والأول أظهر، إشارة إلى قوله تعالى: {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} سورة النور: 23.
4- أي للعفة عن التصرف في أموال الناس مطلقاً، أو يرجع إلى ما مر، وكذا الفقرة الثانية. وفي (كشف الغمة) بعد قوله للعفة: (والتنزه عن أكل أموال الأيتام والاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام إيناساً للرعية، والتبري من الشرك إخلاصاً للربوبية).
5- سورة آل عمران: 102.
6- سورة فاطر: 28
7- أي أولاً وآخراً، وفي رواية ابن أبي الحديد وغيره: (أقول عوداً على بدء) والمعنى واحد.
8- الشَطَط، بالتحريك: البُعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء.
9- سورة التوبة: 128. (من أنفسكم): أي لم يصبه شيء من ولاة الجاهلية، بل عن نكاح طيب، كما روي عن الصادق (عليه السلام) . وقيل: أي من جنسكم من البشر، ثم من العرب من بني إسماعيل. (عزيز عليه ما عنتم): أي شديد شاق عليه عنتكم وما يلحقكم من الضرر، بترك الإيمان أو مطلقا. (حريص عليكم): أي على إيمانكم وصلاح شأنكم. (بالمؤمنين رؤوف رحيم): أي رحيم بالمؤمنين منكم ومن غيركم، والرأفة: شدة الرحمة، والتقديم لرعاية الفواصل. وقيل: رؤوف بالمطيعين، رحيم بالمذنبين. وقيل: رؤوف بأقربائه، رحيم بأوليائه. وقيل: رؤوف بمن رآه، رحيم بمن لم يره، فالتقديم للاهتمام بالمتعلق.

فإن تعزوه(1) وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى(2) إليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فبلّغ الرسالة صادعاً(3) بالنذارة(4) مائلاً عن مدرجة المشركين(5)، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم(6)، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة(7).

ص: 252


1- عزوته إلى أبيه: أي نسبته إليه،أي إن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي وأخا ابن عمي، فالأخوة ذكرت استطراداً، ويمكن أن يكون الانتساب أعم من النسب ومما طرأ أخيرا، ويمكن أن يقرأ (وأخا) بصيغة الماضي، وفي بعض الروايات: (فإن تعزروه وتوقروه).
2- المعزى: الانتساب.
3- الصدع: الإظهار، تقول: صدعت الشيء أي أظهرته، وصدعت بالحق: إذا تكلمت به جهارا، قال اللّه تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} سورة الحجر: 94.
4- النذارة، بالكسر: الإنذار، وهو الإعلام على وجه التخويف.
5- المدرجة: المذهب والمسلك، وفي كشف الغمة: (ناكباً عن سنن مدرجة المشركين). وفي رواية ابن أبي طاهر: (مائلا عن مدرجة) أي قائماً للرد عليهم، وهو تصحيف.
6- الثبج، بالتحريك: وسط الشيء ومعظمه. و(الكظم) بالتحريك: مخرج النفس من الحلق، أي كان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يبالي بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة.
7- كما أمره سبحانه بقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة النور: 125، وقيل المراد بالحكمة: البراهين القاطعة وهي للخواص، وبالموعظة الحسنة: الخطابات المقنعة والعبر النافعة وهي للعوام، وبالمجادلة بالتي هي أحسن: إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدمات المشهورة والمسلّمة، وأما المغالطات والشعريات فلا يناسب درجة أصحاب النبوات.

يجف الأصنام، وينكث الهام(1)، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه(2)، ونطق زعيم الدين(3)، وخرست شقاشق الشياطين(4)، وطاح وشيظ النفاق(5)، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(6)..

ص: 253


1- في بعض النسخ: (يكسر الأصنام وينكث الهام)، النكث إلقاء الرجل على رأسه، يقال: طعنه فنكثه، و(الهام): جمع الهامة بالتخفيف فيهما وهي الرأس، والمراد قتل رؤساء المشركين وقمعهم وإذلالهم والمشركين مطلقا. وقيل: أريد به إلقاء الأصنام على رؤوسها، ولا يخفى بُعده لا سيما بالنظر إلى ما بعده، وفي بعض النسخ: (ينكس الهام) وفي الكشف وغيره: (يجذ الأصنام) من قولهم: جذذت الشيء أي كسرته، ومنه قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} سورة الأنبياء: 58.
2- أي كشف الغطاء عن محضه وخالصه، والواو مكان (حتى) كما في رواية ابن أبي طاهر: (أظهره). و(تفرى الليل): أي انشق حتى ظهر ضوء الصباح. و(أسفر الحق) ويقال أسفر الصبح: أي أضاء.
3- زعيم القوم: سيدهم والمتكلم عنهم، والزعيم أيضاً: الكفيل، والإضافة لامية ويحتمل البيانية.
4- خرس بكسر الراء، و(الشقاشق): جمع شقشقة بالكسر، وهي شيء كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب: ذو شقشقة فإنما يشبه بالفحل، وإسناد الخرس إلى الشقاشق مجازي.
5- طاح فلان يطوح: إذا هلك أو أشرف على الهلاك وتاه في الأرض وسقط. و(الوشيط) بالمعجمتين: الرذل والسفلة من الناس، ومنه قولهم: (إياكم والوشايظ)، وقال الجوهري: الوشيظ: لفيف من الناس ليس أصلهم واحد، أو بنو فلان وشيظة في قومهم، أي هم حشو فيهم. و(الوسيط) بالمهملتين: أشرف القوم نسباً وأرفعهم محلاً، وكذا في بعض النسخ، وهو أيضا مناسب.
6- يقال: فاه فلان بالكلام كقال أي لفظ به كتفوه، وكلمة الإخلاص: كلمة التوحيد، وفيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم. و(البيض): جمع أبيض، وهو من الناس خلاف الأسود. و(الخماص) بالكسر: جمع خميص، و(الخماصة): تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام، يقال: فلان خميص البطن من أموال الناس، أي عفيف منها، وفي الحديث: (كالطير تغدو خماصا وتروح بطانا) والمراد بالبيض الخماص: إما أهل البيت (عليهم السلام) ويؤيده ما في كشف الغمة: (في نفر من البيض الخماص الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً). ووصفهم بالبيض، لبياض وجوههم، أو هو من قبيل وصف الرجل بالأغر، وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلة الأكل، أو لعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل، أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان (رضوان اللّه عليه) وغيره، يقال لأهل فارس بيض، لغلبة البياض على ألوانهم وأموالهم، إذ الغالب في أموالهم الفضة، كما يقال لأهل الشام حمر، لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم، والأول أظهر. ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين، فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان، وبالبيض الخماص: الكمّل منهم.

وكنتم على شفا حفرة من النار(1)، مذقة الشارب..

ونهزة الطامع(2)، وقبسة العجلان(3)، وموطئ الأقدام(4)، تشربون الطرق، وتقتاتون القد(5)، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم(6).

ص: 254


1- شفا كل شيء: طرفه وشفيره، أي كنتم على شفير جهنم، مشرفين على دخولها، لشرككم وكفركم.
2- مذقة الشارب: شربته. والنهزة بالضم: الفرصة، أي محل نهزته، أي كنتم قليلين أذلاء يتخطفكم الناس بسهولة.
3- القبسة، بالضم: شعلة من نار يقتبس من معظمها، والإضافة إلى العجلان لبيان القلة والحقارة.
4- وطئ الأقدام: مثل مشهور في المغلوبية والمذلة.
5- في بعض النسخ: (وتشربون الطرق وتقتاتون الورق). الطرق بالفتح: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر. و(الورق) بالتحريك: ورق الشجر. وفي بعض النسخ: (وتقتاتون القدّ) وهو بكسر القاف وتشديد الدال: سير يقدّ من جلد غير مدبوغ، والمقصود: وصفهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل لعدم اهتدائهم إلى ما يصلحهم في دنياهم ولفقرهم وقلة ذات يدهم وخوفهم من الأعادي.
6- الخاسئ: المبعد المطرود. و(التخطف): استلاب الشيء وأخذه بسرعة، اقتبس من قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة الأنفال: 26. وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن الخطاب في تلك الآية لقريش خاصة، فالمراد بالناس سائر العرب، أو الأعم.

فأنقذكم اللّه تبارك وتعالى بمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي(1)..

وبعد أن مُني ببُهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب(2)..

{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}(3).. أو نجم(4) قرن(5) الشيطان، أو فغرت(6) فاغرة(7) من المشركين..

قذف(8) أخاه في لهواتها(9)، فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه(10).

ص: 255


1- (اللتيا) بفتح اللام وتشديد الياء: تصغير التي، وجوز بعضهم فيه ضم اللام، وهما كنايتان عن الداهية الصغيرة والكبيرة.
2- يقال: مُني بكذا، على صيغة المجهول أي ابتلي، و(بُهَم الرجال) كصُرَد: الشجعان منهم لأنهم لشدة بأسهم لا يدرى من أين يؤتون، و(ذؤبان العرب): لصوصهم وصعاليكهم الذين لا مال لهم ولا اعتماد عليهم، و(المردة): العتاة المتكبرون المجاوزون للحد.
3- سورة المائدة: 64.
4- نجم الشيء، كنصر، نجوماً: ظهر وطلع.
5- المراد بالقرن: القوة، وفسّر (قرن الشيطان) بأمته ومتابعيه.
6- فغر فاه: أي فتحه، وفغر فوه: أي انفتح، يتعدى ولا يتعدى.
7- الفاغرة من المشركين: الطائفة العادية منهم، تشبيهاً بالحية أو السبع. ويمكن تقدير الموصوف مذكراً على أن يكون التاء للمبالغة.
8- القذف: الرمي، ويستعمل في الحجارة، كما أن الخذف يستعمل في الحصا، يقال: (هم بين خاذف وقاذف).
9- اللّهوات، بالتحريك: جمع لهاة، وهي اللحمة في أقصى سقف الفم. وفي بعض الروايات: (في مهواتها) بالميم والتسكين، الحفرة وما بين الجبلين ونحو ذلك، وعلى أي حال المراد أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كلما أراده طائفة من المشركين أو عرضت له داهية عظيمة بعث علياً (عليه السلام) لدفعها وعرّضه للمهالك، وفي رواية الكشف وابن أبي طاهر: (كلما حشوا ناراً للحرب، ونجم قرن للضلال)، قال الجوهري: حششت النار: أوقدتها.
10- في بعض النسخ: (فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه). (انكفأ) بالهمزة: أي رجع، من قولهم كفأت القوم كفاءً: إذا أرادوا وجهاً فصرفتهم عنه إلى غيره، فانكفئوا أي رجعوا. و(الصماخ) بالكسرة: ثقب الأذن والأذن نفسها، وبالسين كما في بعض الروايات لغة فيه، و(الأخمص): ما لا يصيب الأرض من باطن القدم عند المشي، و(وطئ الصماخ بالأخمص) عبارة عن القهر والغلبة على أبلغ وجه، وكذا إخماد اللّهب بماء السيف استعارة بليغة شائعة.

مكدوداً في ذات اللّه(1)،

مجتهداً في أمر اللّه، قريباً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، سيداً في أولياء اللّه(2). مشمراً(3) ناصحاً، مجداً كادحاً(4)، لا تأخذه في اللّه لومة لائم..

وأنتم في رفاهية من العيش وادعون(5) فاكهون(6) آمنون، تتربصون بنا الدوائر(7)، وتتوكفون الأخبار(8)، وتنكصون عند النزال(9)، وتفرون من القتال.

ص: 256


1- المكدود: من بلغه التعب والأذى، و(ذات اللّه): أمره ودينه وكلما يتعلق به سبحانه. وفي كشف الغمة: (مكدوداً دؤوباً في ذات اللّه).
2- وفي بعض النسخ: (سيد أولياء اللّه) بالجر صفة لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أو بالنصب عطفاً على الأحوال السابقة، ويؤيد الأخير ما في رواية ابن أبي طاهر: (سيداً في أولياء اللّه).
3- والتشمير في الأمر: الجدّ والاهتمام فيه.
4- الكدح: العمل والسعي.
5- قال الجوهري: الدعة الخفض، تقول: منه ودع الرجل فهو وديع أي ساكن ووادع أيضاً، يقال: نال فلان المكارم وادعى من غير كلفة.
6- الفكاهة، بالضم: المزاح. وبالفتح: مصدر فكه الرجل بالكسر فهو فكه، إذا كان طيب النفس مزّاحاً، والفكه أيضاً: الأشر والبطر، وقرئ (ونعمة كانوا فيها فكهين) أي أشرين، و(فاكهين) أي ناعمين، والمفاكهة الممازحة. وفي رواية ابن أبي طاهر: (وأنتم في بلهنية وادعون آمنون). قال الجوهري: هو في بلهنية من العيش: أي سعة ورفاهية وهو ملحق بالخماسي بألف في آخره، وإنما صارت ياء لكسرة ما قبلها.وفي كشف الغمة: (وأنتم في رفهينة) وهي مثلها لفظاً ومعنى.
7- الدوائر: صروف الزمان وحوادث الأيام والعواقب المذمومة، وأكثر ما تستعمل الدائرة في تحول النعمة إلى الشدة، أي كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا وزوال النعمة والغلبة عنا.
8- التوكف: التوقع، والمراد أخبار المصائب والفتن. وفي بعض النسخ: (تتواكفون الأخيار) يقال: واكفه في الحرب أي واجهه.
9- النكوص: الإحجام والرجوع عن الشيء، و(النزال) بالكسر: أن ينزل القرنان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضاربا، والمقصود من تلك الفقرات أنهم لم يزالوا منافقين لم يؤمنوا قط.

فلما اختار اللّه لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة(1) النفاق، وسمل(2) جلباب(3) الدين، ونطق كاظم(4) الغاوين، ونبغ(5) خامل(6) الأقلين(7)، وهدر(8) فنيق(9) المبطلين..

فخطر(10) في عرصاتكم..

وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه(11) هاتفاً(12) بكم.. فألفاكم(13) لدعوته

ص: 257


1- وفي بعض النسخ (الحسيكة) وهي العداوة، قال الجوهري: قولهم في صدره على حسيكة وحساكة، أي ضغن وعداوة. وفي بعض الروايات: (حسكة النفاق) فهو على الاستعارة.
2- وسمل الثوب، كنَصَر: صار خلقا.
3- الجلباب، بالكسر: الملحفة، وقيل: ثوب واسع للمرأة غير الملحفة، وقيل: هو إزار ورداء، وقيل: هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها.
4- والكظوم: السكوت.
5- نبغ الشيء، كمنع ونصر: أي ظهر، ونبغ الرجل إذا لم يكن في أرث الشعر ثم قال وأجاد.
6- الخامل: من خفي ذكره وصوته وكان ساقطاً لا نباهة له.
7- والمراد بالأقلين: الأذلون، وفي بعض الروايات (الأولين). وفي كشف الغمة (فنطق كاظم، ونبغ حامل).
8- الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته.
9- الفنيق: الفحل المكرّم من الأبل الذي لا يركب ولا يهان لكرامته على أهله.
10- يقال: خطر البعير بذنبه، يخطر - بالكسر - خطراً وخطراناً: إذا رفعه مرة بعد مرة، وضرب به فخذيه، ومنه قول الحجاج لما نصب المنجنيق على الكعبة: خطارة كالجمل الفنيق***أعددتها للمسجد العتيق شبّه رميها بخطران الفنيق
11- مغرز الرأس، بالكسر: ما يختفي فيه، وقيل: لعل في الكلام تشبيهاً للشيطان بالقنفذ، فإنه إنما يطلع رأسه عند زوال الخوف، أو بالرجل الحريص المقدم على أمر، فإنه يمد عنقه إليه.
12- الهتاف: الصياح.
13- وألفاكم: أي وجدكم.

مستجيبين.. وللغرة(1) فيه ملاحظين(2)..

ثم استنهضكم(3)

فوجدكم خفافاً(4)، وأحشمكم(5) فألفاكم غضاباً..

فوسمتم(6) غير إبلكم، ووردتم(7) غير مشربكم(8)..

هذا والعهد قريب، والكلم(9) رحيب(10)..

والجرح(11) لما يندمل(12).. والرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما يُقبر(13)..

ص: 258


1- الغرة، بالكسر: الاغترار والانخداع، والضمير المجرور راجع إلى الشيطان.
2- ملاحظة الشيء: مراعاته، وأصله من اللحظ وهو النظر بمؤخر العين، وهو إنما يكون عند تعلق القلب بشيء، أي وجدكم الشيطان لشدة قبولكم للانخداع، كالذي كان مطمح نظره أن يغتر بأباطيله، ويحتمل أن يكون (للعزة) بتقديم المهملة على المعجمة. وفي الكشف: (وللعزة ملاحظين)، أي وجدكم طالبين للعزة.
3- النهوض: القيام. واستنهضه لأمر: أي أمره بالقيام إليه.
4- أي مسرعين إليه.
5- في بعض النسخ: (وأحمشكم). وأحمشت الرجل: أغضبته. وأحمشت النار: ألهبتها. أي حملكم الشيطان على الغضب، فوجدكم مغضبين لغضبه، أو من عند أنفسكم، وفي المناقب القديم: (عطافاً) بالعين المهملة والفاء، من العطف بمعنى الميل والشفقة، ولعله أظهر لفظا ومعنى.
6- الوسم: أثر الكيّ، يقال: وسمته كوعدته، وسماً.
7- في بعض النسخ: (أوردتم) والورود: حضور الماء للشرب. والإيراد: الإحضار.
8- في بعض النسخ: (شربكم) والشرب بالكسر: الحظ من الماء، وهما كنايتان عن أخذ ما ليس لهم بحق من الخلافة والإمامة وميراث النبوة. وفي كشف الغمة: (وأوردتموها شربا ليس لكم).
9- الكلم: الجرح.
10- الرحب، بالضم: السعة.
11- والجرح، بالضم: الاسم. وبالفتح: المصدر.
12- أي لم يصلح بعدُ.
13- قبرته: دفنته.

ابتداراً(1) زعمتم خوف الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}(2).. فهيهات(3) منكم.. وكيف بكم وأنى تؤفكون(4)..

وكتاب اللّه بين أظهركم، أموره ظاهرة(5)، وأحكامه زاهرة(6)..

وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم.. أرغبة عنه تريدون(7)، أم بغيره تحكمون..

{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}(8)، {وّمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيْناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(9). ثم لم تلبثوا إلاّ ريث(10)

أن تسكن نفرتها(11)..

ص: 259


1- ابتداراً: مفعول له للأفعال السابقة، ويحتمل المصدر بتقدير الفعل. وفي بعض الروايات: (بداراً زعمتم خوف الفتنة) أي ادعيتم وأظهرتم للناس كذباً وخديعة إنا إنما اجتمعنا في السقيفة دفعاً للفتنة، مع أن الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها، فهو عين الفتنة، والالتفات في (سقطوا) الموافقة مع الآية الكريمة، (ابتدر القوم): تسابقوا في الأمر.
2- سورة التوبة: 49.
3- هيهات: للتبعيد، وفيه معنى التعجب، كما صرح به الشيخ الرضي (رحمه اللّه) وكذلك كيف وأنى تستعملان في التعجب.
4- أفكه، كضربه: صرفه عن الشيء وقلبه. أي إلى أين يصرفكم الشيطان وأنفسكم والحال أن كتاب اللّه بينكم. و(فلان بين أظهر قوم وبين ظهرانيهم) أي مقيم بينهم محفوف من جانبيه أو من جوانبه بهم.
5- وفي كشف الغمة: (بين أظهركم، قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيرة شرائعه، زواجره واضحة، وأوامره لائحة، أرغبة عنه).
6- والزاهر: المتلألئ المشرق.
7- تدبرون، خ ل.
8- سورة الكهف: 50. أي من الكتاب ما اختاروه من الحكم الباطل.
9- سورة آل عمران: 85.
10- ريث، بالفتح: بمعنى قدر، وهي كلمة يستعملها أهل الحجاز كثيراً، وقد يستعمل مع ما، يقال: لم يلبث إلاّ ريثما فعل كذا، وفي كشف الغمة هكذا: (لم تبرحوا ريثا). وقال بعضهم: هذا ولم تريثوا حتّها إلا ريث. وفي رواية ابن أبي طاهر: (ثم لم تريثوا أختها). وعلى التقديرين ضمير المؤنث راجع إلى فتنة وفاة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . توضيح: (حتها) حت الورق من الغصن: نثرها، أي لم تصبروا إلى ذهاب أثر تلك المصيبة.
11- نفرت الدابة، بالفتح: ذهابها وعدم انقيادها.

ويسلس(1) قيادها(2)..

ثم أخذتم تورون(3)وقدتها(4)، وتهيجون جمرتها(5)..

وتستجيبون لهتاف(6)

الشيطان الغوي..

أنوار الدين الجلي..

وإهمال(7) سنن النبي الصفي..

تشربون(8) حسواً(9) في ارتغاء(10)..

ص: 260


1- السلس، بكسر اللام: اللين المنقاد، ذكره الفيروز آبادي. وفي مصباح اللغة: (سلس سلساً من باب تعب: سهل ولان).
2- القياد، بالكسر: ما يقاد به الدابة من حبل وغيره.
3- في الصحاح: ورى الزند يري ورياً، إذا خرجت تارة. وفي لغة أخرى: (وري الزند يري) بالكسر فيهما (وأوريته أنا) وكذلك وريته تورية، وفلان يستوري زناد الضلالة.
4- وقدة النار، بالفتح: وقودها. ووقدها: لهبها.
5- الجمرة: المتوقد من الحطب، فإذا برد فهو فحم، والجمر بدون التاء جمعها.
6- والهتاف، بالكسر: الصياح، وهتف به: أي دعاه.
7- في بعض النسخ: (وإهماد النار): اطفاؤها بالكلية، والحاصل أنكم إنما صبرتم حتى استقرت الخلافة المغصوبة عليكم، ثم شرعتم في تهييج الشرور والفتن واتباع الشيطان وإبداع البدع وتغيير السنن.
8- في بعض النسخ: (تسرون) الإسرار: ضد الإعلان.
9- الحسو، بفتح الحاء وسكون السين المهملتين: شرب المرق وغيره، شيئاً بعد شيء.
10- الارتغاء: شرب الرغوة وهو زبد اللبن، قال الجوهري: الرغوة مثلثة زبد اللبن، وارتغيت: شربت الرغوة، وفي المثل: (يسرّ حسواً في ارتغاء) يضرب لمن يظهر أمراً ويريد غيره. قال الشعبي: لمن سأله عن رجل قبّل أم امرأته؟ قال: يسرّ حسواً في ارتغاء وقد حرمت عليه امرأته. وقال الميداني: قال أبو زيد والأصمعي: أصله الرجل يوتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولايريد غيرها فيشربها، وهو في ذلك ينال من اللبن. يضرب لمن يريك أنه يعينك وإنما يجر النفع إلى نفسه.

وتمشون لأهله وولده في الخمرة(1) والضراء(2)، ويصير منكم على مثل حز(3) المدى(4)، ووخز(5) السنان في الحشا، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا..

أفحكم الجاهلية تبغون {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(6) أفلاتعلمون، بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية(7) أني ابنته. {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(8).

أيها المسلمون، أأغلب على إرثي؟.

يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللّه ترث أباك ولا أرث أبي..

لقد جئت شيئاً فرياً(9)، أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم إذ

ص: 261


1- في بعض النسخ: (الخمر) بالتحريك: ما واراك من شجر وغيره، يقال: توارى الصيد عني في خمر الوادي. ومنه قولهم: دخل فلان في خمار الناس - بالضم - أي ما يواريه ويستره منهم.
2- الضراء، بالضاد المعجمة المفتوحة والراء المخففة: الشجر الملتف في الوادي، ويقال: لمن ختل صاحبه وخادمه: يدب له الضراء ويمشي له الخمر، وقال الميداني: قال ابن الأعرابي: الضراء ما انخفض من الأرض.
3- الحزّ، بفتح الحاء المهملة: القطع، أو قطع الشيء من غير إبانته.
4- المدى، بالضم: جمع مدية، وهي: السكين والشفرة.
5- الوخز: الطعن بالرمح ونحوه لا يكون نافذا، يقال: وخزه بالخنجر. وفي كشف الغمة: (ثم أنتم أولا تزعمون أن لا إرث إلي) فهو أيضا كذلك.
6- سورة المائدة: 50.
7- كالشمس الضاحية: أي الظاهرة البينة، يقال: فعلت ذلك الأمر ضاحية أي علانية.
8- سورة الكهف: 104.
9- أي أمراً عظيماً بديعاً، وقيل: أي أمراً منكراً قبيحاً، وهو مأخوذ من الافتراء بمعنى الكذب. وأعلم أنه وردت الروايات المتظافرة كما ستعرف في أنها (عليها السلام) ادعت أن فدكا كانت نحلة لها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلعل عدم تعرضها (عليها السلام) في هذه الخطبة لتلك الدعوى ليأسها عن قبولهم إياها. إذ كانت الخطبة بعد ما ردّ أبوبكر شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن شهد معه وقد كان المنافقون الحاضرون معتقدين لصدقها فتمسكت بحديث الميراث لكونه من ضروريات الدين.

يقول: {ووَرِثَ سُلَيْمَانُ داوُدَ}(1)، وقال - فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا - إذ قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}(2)، وقال: {وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}(3)، وقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}(4)، وقال: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}(5).

وزعمتم أن لا حظوة(6) لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا..

أفخصكم اللّه بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون إن أهل ملتين لا يتوارثان، أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟

ص: 262


1- سورة النمل: 16.
2- سورة مريم: 5-6.
3- سورة الأنفال: 75، سورة الأحزاب: 6.
4- سورة النساء: 11.
5- سورة البقرة: 180.
6- في بعض النسخ: (وزعمتم أن لا خظوة لي) الخظوة، بكسر الخاء وضمها وسكون الظاء المعجمة: المكانة والمنزلة، ويقال: (خظيت المرأة عند زوجها) إذا دنت من قلبه، وفي كشف الغمة: (فزعمتم أن لا حظ لي ولا إرث لي من أبيه، أفحكم اللّه بآية أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} سورة المائدة: 50، إيهاً معاشر المسلمة أأبتزّ ارثيه، أآلله أن ترث أباك ولا أرث أبيه، لقد جئتم شيئا فريا، فدونكها مرحولة مخطومة مزمومة). وفي رواية ابن أبي طاهر: (ويهاً معشر المهاجرة أبتز إرث أبيه). قال الجوهري: إذا أغريته بالشيء قلت: ويهاً يا فلان وهو تحريض. انتهى. ولعل الأنسب هنا التعجب. والهاء في (أبيه) في الموضعين و(إرثيه) بكسر الهمزة بمعنى الميراث، للسكت كما في سورة الحاقة: (كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه) تثبت في الوقف وتسقط في الوصل، وقرئ بإثباتها في الوصل أيضاً.

فدونكها(1) مخطومة(2) مرحولة(3)، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه والزعيم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (4) والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون(5)، ولاينفعكم إذ تندمون، و{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ(6) وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}(7)(8) {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}(9).

- ثم رمت بطرفها(10) نحو الأنصار فقالت -:

يا معشر(11) النقيبة(12)، وأعضاد(13) الملة، وحضنة الإسلام..

ص: 263


1- الضمير راجع إلى فدك، المدلول عليها بالمقام والأمر بأخذها للتهديد.
2- الخطام، بالكسر: كل ما يوضع في أنف البعير ليقاد به.
3- الرحل، بالفتح للناقة: كالسرج للفرس، ورحل البعير كمنع: شدّ على ظهره الرحل، شبّهتها (عليها السلام) في كونها مسلمة لا يعارضه في أخذها أحد بالناقة المنقادة المهيأة للركوب.
4- في بعض النسخ: (والغريم) أي طالب الحق.
5- في بعض النسخ: (وعند الساعة ما تخسرون) كلمة ما مصدرية، أي في القيامة يظهر خسرانكم.
6- أي لكل خبر يريد العذاب أو الايعاد به وقت استقرار ووقوع.
7- سورة الأنعام: 67.
8- سوف تعلمون أي عند وقوعه من يأتيه عذاب يخزيه، والاقتباس من موضعين: أحدهما سورة الأنعام، والآخر سورة هود في قصة نوح (عليه السلام) حيث قال: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} سورة هود: 38-39، فالعذاب الذي يخزيهم: الغرق. والعذاب المقيم: عذاب النار.
9- سورة هود: 39، سورة الزمر: 40.
10- الطرف، بالفتح: مصدر، طرفت عين فلان: إذا نظرت، وهو أن ينظر ثم يغمض، والطرف أيضا: العين.
11- المعشر: الجماعة.
12- في بعض النسخ: (الفتية) بالكسر: جمع فتى وهو الشاب، والكريم: السخي. وفي كشف الغمة: (يا معشر البقية، ويا عماد الملة، وحصنة الإسلام).
13- الأعضاد: جمع عضد، بالفتح: الأعوان، يقال: عضدته كنصرته لفظا ومعنى.

ما هذه الغميزة(1) في حقي..

والسنة(2)

عن ظلامتي(3)..

أما كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبي يقول: المرء يحفظ في ولده. سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(4)،

ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول،

ص: 264


1- قال الجوهري: ليس في فلان غميزة، أي مطعن ونحوه، ذكره الفيروز آبادي، وهو لا يناسب المقام إلاّ بتكلف، وقال الجوهري: رجل غمز أي ضعيف. وقال الخليل في كتاب العين: الغمز، بفتح الغين المعجمة والزاء: ضعفة في العمل وجهلة في العقل، ويقال: سمعت كلمة فاغتمزتها في عقله: أي علمت أنه أحمق، وهذا المعنى أنسب. وفي الكشف: (ما هذه الفترة) بالفاء المفتوحة وسكون التاء وهو السكون وهو أيضا مناسب. وفي رواية ابن أبي طاهر: بالراء المهملة، ولعله من قولهم: غمر على أخيه أي حقد وضغن، أو من قولهم: غمر عليه، أي أغمي عليه، أو من الغمر بمعنى الستر، ولعله كان بالضاد المعجمة فصحف، فإن استعمال إغماض العين في مثل هذا المقام شائع.
2- مصدر وسن يوسن، كعلم يعلم، وسناً وسنةً: أول النوم، أو النوم الخفيف، والهاء عوض عن الواو.
3- الظلامة بالضم: كالمظلمة بالكسر، ما أخذه الظالم منك فتطلبه عنده، والغرض تهييج الأنصار لنصرتها أو توبيخهم على عدمها. وفي كشف الغمة بعد ذلك: (أما كان لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يحفظ).
4- سرعان، مثلثة السين، وعجلان بفتح العين: كلاهما من أسماء الأفعال، بمعنى سرع وعجل، وفيهما معنى التعجب، أي ما أسرع وأعجل. وفي رواية ابن أبي طاهر: (سرعان ما أجدبتم فأكديتم) يقال: أجدب القوم أي أصابهم الجدب، وأكدى الرجل إذا قل خيره، والإهالة - بكسر الهمزة - الودك، وهو دسم اللحم. وقال الفيروزآبادي: قولهم سرعان ذا إهالة، أصله: إن رجلا كانت له نعجة عجفاء، وكانت رعامها يسيل من منخريها لهزالها، فقيل له: ما هذا الذي يسيل؟ فقال: ودكها، فقال السائل: سرعان ذا إهالة، ونصب (إهالة) على الحال، و(ذا) إشارة إلى الرعام، أو تمييز على تقدير نقل الفعل كقولهم: تصبب زيد عرقا، والتقدير سرعان إهالة هذه، وهو مثل يُضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وفاته، انتهى. والرعام، بالضم: ما يسيل من أنف الشاة والخيل، ولعل المثل كان بلفظ (عجلان) فاشتبه على الفيروزآبادي أو غيره، أو كان كل منهما مستعملاً في هذا المثل، وغرضها (صلوات اللّه عليها) التعجب من تعجيل الأنصار، ومبادرتهم إلى إحداث البدع وترك السنن والأحكام والتخاذل عن نصرة عترة سيد الأنام (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع قرب عهدهم به، وعدم نسيانهم ما أوصاهم به فيهم، وقدرتهم على نصرتها، وأخذ حقها ممن ظلمها، ولا يبعد أن يكون المثل إخبارا مجملا بما يترتب على هذه البدعة من المفاسد الدينية وذهاب الآثار النبوية.

أتقولون: مات محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخطب(1) جليل، استوسع وهيه(2)، واستنهر فتقه(3)، وانفتق رتقه.. وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر(4)، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت(5) الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم(6)، وأزيلت الحرمة(7) عند مماته.

فتلك واللّه النازلة(8) الكبرى، والمصيبة العظمى..

لا مثلها نازلة، ولا بائقة(9) عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه جل ثناؤه في

ص: 265


1- الخطب، بالفتح: الشأن والأمر، عظم أو صغر.
2- الوهي، كالرمي: الشق والخرق، يقال: وهي الثوب إذا بلي وتخرق، واستوسع واستنهر: استفعل من النهر - بالتحريك - بمعنى السعة أي اتسع.
3- الفتق: الشق، والرتق ضده، وانفتق أي انشق، والضمائر المجرورات الثلاثة، راجعة إلى الخطب، بخلاف المجرورين بعدها، فإنهما راجعان إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
4- في بعض النسخ: (كسفت النجوم) وكسف النجوم: ذهاب نورها، والفعل منه يكون متعدياً ولازماً، والفعل كضرب، وفي رواية ابن أبي طاهر: (مكان الفقرة الأخيرة: واكتأبت خيرة اللّه لمصيبته). والاكتئاب: افتعال من الكآبة بمعنى الحزن. وفي كشف الغمة: (واستهر فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض، واكتأبت لخيرة اللّه) إلى قولها (عليها السلام) : (وأديلت الحرمة) من الإدالة بمعنى الغلبة. وفي بحار الأنوار: (واستنهر فتقه).
5- يقال: أكدى فلان أي بخل أو قلّ خيره.
6- حريم الرجل: ما يحميه ويقاتل عنه.
7- الحرمة: ما لا يحل انتهاكه، وفي بعض النسخ: (الرحمة) مكان (الحرمة).
8- النازلة: الشديدة.
9- البائقة: الداهية.

أفنيتكم(1)، وفي ممساكم ومصبحكم(2)، يهتف في أفنيتكم هتافاً(3) وصراخاً(4)،

وتلاوة(5) وألحاناً(6)..

ولقبله ما حل بأنبياء اللّه ورسله، حكم فصل(7)،

وقضاء حتم(8){وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ(9) مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإِنْ مَاتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْ(10) ومَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(11)(12).

ص: 266


1- فناء الدار، ككساء: العرصة المتسعة أمامها.
2- الممسي والمصبح، بضم الميم فيهما: مصدران وموضعان من الإصباح والإمساء.
3- الهتاف، بالكسر: الصياح.
4- الصراخ، كغُراب: الصوت أو الشديد منه.
5- التلاوة، بالكسر: القراءة.
6- الإلحان: الإفهام، يقال: ألحنه القول أي أفهمه إياه، ويحتمل أن يكون من اللحن بمعنى الغناء والطرب. قال الجوهري: اللحن واحد الألحان واللحون، ومنه الحديث: (اقرؤوا القرآن بلحون العرب) وقد لحن في قراءته: إذا طرب بها وغرّد، وهو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناءً. انتهى. ويمكن أن يقرأ على هذا بصيغة الجمع أيضا، والأول أظهر. وفي كشف الغمة: (فتلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه في قبلتكم ممساكم ومصبحكم هتافا هتافا، ولقبلة ما حل بأنبياء اللّه ورسله).
7- الحكم الفصل: هو المقطوع به الذي لا ريب فيه ولا مردّ له، وقد يكون بمعنى القاطع، الفارق بين الحق والباطل.
8- الحتم في الأصل: إحكام الأمر، و(القضاء الحتم): هو الذي لا يتطرق إليه التغيير.
9- خلت: أي مضت.
10- الانقلاب على العقب: الرجوع القهقرى، أريد به الارتداد بعد الإيمان.
11- سورة آل عمران: 144.
12- الشاكرون: المطيعون المعترفون بالنِعَم، الحامدون عليها، قال بعض الأماثل: واعلم أن الشبهة العارضة للمخاطبين بموت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إما عدم تحتم العمل بأوامره وحفظ حرمته في أهله لغيبته، فإن العقول الضعيفة مجبولة على رعاية الحاضر أكثر من الغائب، وأنه إذا غاب عن أبصارهم ذهب كلامه عن أسماعهم ووصاياه عن قلوبهم، فدفعها ما أشارت إليه (صلوات اللّه عليها) من إعلان اللّه جل ثناؤه وإخباره بوقوع تلك الواقعة الهائلة قبل وقوعها، وأن الموت مما قد نزل بالماضين من أنبياء اللّه ورسله (عليهم السلام) تثبيتاً للأمة على الإيمان، وإزالة لتلك الخصلة الذميمة عن نفوسهم. ويمكن أن يكون معنى الكلام: أتقولون مات محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعد موته ليس لنا زاجر ولا مانع عما نريد، ولا نخاف أحداً في ترك الانقياد للأوامر وعدم الانزجار عن النواهي. ويكون الجواب ما يستفاد من حكاية قوله تعالى {أفَإِنْ مَاتَ أَو قُتِلَ} الآية، لكن لا يكون حينئذ لحديث إعلان اللّه سبحانه وإخباره بموت الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مدخل في الجواب إلا بتكلف. ويحتمل أن يكون شبهتهم عدم تجويزهم الموت على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما أفصح عنه عمر بن الخطاب، وسيأتي في مطاعنه، فبعد تحقق موته عرض لهم شك في الإيمان ووهن في الأعمال، فلذلك خذلوها وقعدوا عن نصرتها، وحينئذ مدخلية حديث الإعلان وما بعده في الجواب واضح. وعلى التقادير لايكون قولها (صلوات اللّه عليها): فخطب جليل، داخلاً في الجواب، ولامقولاً لقول المخاطبين على الاستفهام التوبيخي، بل هو كلام مستأنف لبث الحزن والشكوى، بل يكون الجواب ما بعد قولها: (فتلك واللّه النازلة الكبرى). ويحتمل أن يكون مقولا لقولهم، فيكون حاصل شبهتهم: أن موته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي هو أعظم الدواهي، قد وقع فلا يبالي بما وقع بعده من المحذورات، فلذلك لم ينهضوا بنصرها والانتصاف ممن ظلمها، ولما تضمن ما زعموه كون مماته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعظم المصائب، سلّمت (عليها السلام) أولاً في مقام الجواب تلك المقدمة، لكونها محض الحق، ثم نبهت على خطأهم في أنها مستلزمة لقلة المبالات بما وقع، والقعود عن نصرة الحق، وعدم إتباع أوامره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقولها: أعلن بها كتاب اللّه، إلى آخر الكلام، فيكون حاصل الجواب: إن اللّه قد أعلمكم بها قبل الوقوع، وأخبركم بأنها سنة ماضية في السلف من أنبيائه (عليهم السلام) وحذركم الانقلاب على أعقابكم كيلا تتركوا اعمل بلوازم الإيمان بعد وقوعها، ولا تهنوا عن نصرة الحق وقمع الباطل، وفي تسليمها ما سلمته أولاً دلالة على أن كونها أعظم المصائب مما يؤيد وجوب نصرتي، فإني أنا المصاب بها حقيقة وإن شاركني فيها غيري، فمن نزلت به تلك النازلة الكبرى فهو بالرعاية أحق وأحرى. ويحتمل أن يكون قولها (عليها السلام) : (فخطب جليل) من أجزاء الجواب فتكون شبهتهم بعض الوجوه المذكورة أو المركب من بعضها مع بعض. وحاصل الجواب حينئذ: أنه إذا نزل بي مثل تلك النازلة الكبرى، وقد كان اللّه عزّ وجلّ أخبركم بها وأمركم أن لا ترتدوا بعدها على أعقابكم، فكان الواجب عليكم دفع الضيم عني والقيام بنصرتي، ولعل الأنسب بهذا الوجه ما في رواية ابن أبي طاهر، من قولها: (وتلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه) بالواو دون الفاء، ويحتمل أن لا تكون الشبهة العارضة للمخاطبين مقصورة على أحد الوجوه المذكورة، بل تكون الشبهة لبعضهم بعضها، وللأخرى أخرى، ويكون كل مقدمة من مقدمات الجواب إشارة إلى دفع واحدة منها. أقول: ويحتمل أن لا تكون هناك شبهة حقيقة، بل يكون الغرض أنه ليس لهم في ارتكاب تك الأمور الشنيعة حجة ومتمسك إلا أن يتمسك أحد بأمثال تلك الأمور الباطلة الواهية التي لا يخفى على أحد بطلانها، وهذا شائع في الاحتجاج.

ص: 267

إيهاً(1) بني قيلة(2)..

أأهضم(3) تراث(4) أبي، وأنتم بمرأى مني ومسمع(5)..

ومنتدى ومجمع(6).. تلبسكم(7)

الدعوة(8)، وتشملكم الخبرة(9)..

وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة. توافيكم

ص: 268


1- إيهاً، بفتح الهمزة والتنوين: بمعنى هيهات.
2- بنو قيلة: الأوس والخزرج قبيلتا الأنصار، و(قيلة) بالفتح: اسم أم لهم قديمة، وهي قيلة بنت كامل.
3- الهضم: الكسر، يقال: هضمت الشيء أي كسرته، وهضمه حقه واهتضمه: إذا ظلمه وكسر عليه حقه.
4- في بعض النسخ: (تراث أبيه) والتراث بالضم: الميراث، وأصل التاء فيه واو.
5- أي بحيث أراكم وأسمع كلامكم. وفي رواية ابن أبي طاهر: (منه) أي من الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . والمبتدأ في أكثر النسخ بالباء الموحدة مهموزاً، فلعل المعنى: أنكم في مكان يبتدأ منه الأمور والأحكام.
6- المنتدى، بالنون غير مهموز: بمعنى المجلس، وكذا في المناقب القديم، فيكون المجمع كتفسير له، والغرض الاحتجاج عليهم بالاجتماع الذي هو من أسباب القدرة على دفع الظلم، واللفظان غير موجودين في رواية ابن أبي طاهر.
7- تلبسكم، على بناء المجرد: أي تغطيكم وتحيط بكم.
8- الدعوة: المرة من الدعاء أي النداء.
9- الخبرة، بالفتح: من الخبرة بالضم، بمعنى العلم، أو الخبرة بالكسر بمعناه. والمراد بالدعوة نداء المظلوم للنصرة، وبالخبرة علمهم بمظلوميتها صلوات اللّه عليها، والتعبير بالإحاطة والشمول للمبالغة، أو للتصريح بأن ذلك قد عمهم جميعا، وليس من قبيل الحكم على الجماعة بحكم البعض أو الأكثر، وفي رواية ابن أبي طاهر: (الحيرة) بالحاء المهملة، ولعله تصحيف، ولا يخفى توجيهه.

الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح(1)، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت(2)، والخيرة(3) التي اختيرت لنا أهل البيت. قاتلتم العرب(4)، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم(5)، وكافحتم البهم(6)..

لا نبرح أو تبرحون(7)، نأمركم فتأتمرون(8)،

حتى إذا دارت بنا رحى

ص: 269


1- الكفاح: استقبال العدو في الحرب بلا ترس ولا جُنة، ويقال: فلان يكافح الأمور، أي يباشرها بنفسه.
2- في بعض النسخ: (النجبة التي انتجبت) النجبة، كهمزة: النجيب الكريم. وقيل: يحتمل أن يكون بفتح الخاء المعجمة أو سكونها، بمعنى المنتخب المختار، ويظهر من ابن الأثير أنها بالسكون تكون جمعا.
3- والخيرة: كعنبة، المفضل من القوم، المختار منهم.
4- في المناقب: (لنا أهل البيت قاتلتم وناطحتم الأمم وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأمرون).
5- أي حاربتم الخصوم ودافعتموهم بجدّ واهتمام كما يدافع الكبش قرنه بقرنه.
6- البهم: الشجعان، كما مر، ومكافحتها: التعرض لدفعها من غير توان أو ضعف.
7- أو تبرحون: معطوف على دخول النفي، فالمنفي أحد الأمرين، ولا ينتفي إلاّ بانتفائهما معاً، فالمعنى لا نبرح ولا تبرحون.
8- أي كنا لم نزل آمرين وكنتم مطيعين لنا في أوامرنا. وفي كشف الغمة: (وتبرحون) بالواو، فالعطف على مدخول النفي أيضا، ويرجع إلى ما مر. وعطفه على النفي إشعار بأنه قد كان يقع منه براح عن الإطاعة، كما في غزوة أحد وغيرها، بخلاف أهل البيت (عليهم السلام) إذ لم يعض لهم كلال عن الدعوة والهداية، بعيد عن المقام. وفي الكشف: (فباديتم العرب، وبادهتم الأمور) إلى قولها (حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب البلاد، وخبت نيران الحرب) يقال: بدهه بأمر أي استقبله، وبادهه: فاجأه. والأظهر ما في رواية ابن أبي طاهر من ترك المعطوف رأسا: (لا نبرح نأمركم) أي لم يزل عادتنا الأمر وعادتكم الائتمار. وفي المناقب: (لا نبرح ولا تبرحون نأمركم) فيحتمل أن يكون (أو) في تلك النسخة أيضا بمعنى الواو، أي لا نزال نأمركم ولا تزالون تأتمرون، ولعل ما في المناقب أظهر النسخ وأصوبها.

الإسلام(1)، ودرّ(2) حلب الأيام(3)..

وخضعت ثغرة(4) الشرك، وسكنت فورة الإفك(5)..

وخمدت نيران(6) الكفر..

وهدأت(7) دعوة الهرج(8)، واستوسق(9) نظام الدين..

فأنى(10) حزتم(11)

بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم(12) بعد الإقدام

ص: 270


1- دوران الرحى: كناية عن انتظام أمرها، والباء للسببية.
2- درّ اللبن: جريانه وكثرته.
3- الحلب، بالفتح: استخراج ما في الضرع من اللبن، وبالتحريك: اللبن المحلوب، والثاني أظهر، للزوم ارتكاب تجوز في الإسناد أو في المسند إليه على الأول.
4- في نسخة (النعرة) بالنون والعين والراء المهملتين: مثال همزة الخيشوم والخيلاء والكبر، أو بفتح النون من قولهم: نعر العرق بالدم، أي فار، فيكون الخضوع بمعنى السكون، أو بالغين المعجمة، من نغرت القدر أي فارت. وقال الجوهري: نغر الرجل - بالكسر - أي اغتاظ. وقال الأصمعي: هو الذي يغلي جوفه من اليغظ. وقال ابن السكيت: يقال ظل فلان يتنغّر على فلان: أي يتذمّر عليه. وفي أكثر النسخ: بالثاء المثلثة المضمومة، والغين المعجمة، وهي نقرة النحر بين الترقوتين، فخضوع ثغرة الشرك كناية عن محقه وسقوطه كالحيوان الساقط على الأرض، نظيره قول أمير المؤمنين (صلوات اللّه وسلامه عليه): (أنا وضعت كلكل العرب) أي صدورهم.
5- الإفك، بالكسر: الكذب. وفورة الإفك: غليانه وهيجانه.
6- خمدت النار: أي سكن لهبها ولم يطفأ جمرها، ويقال: (همدت) بالهاء: إذا طفى جمرها، وفيه إشعار بنفاق بعضهم، وبقاء مادة الكفر في قلوبهم. وفي رواية ابن أبي طاهر: (وباخت نيران الحرب). قال الجوهري: (باخ الحرب والنار والغضب والحمّى أي سكن وفتر).
7- هدأت: أي سكنت.
8- الهرج: الفتنة والاختلاط، وفي الحديث: (الهرج: القتل).
9- أي اجتمع وانضم من الوسق، بالفتح، وهو ضم الشيء إلى الشيء، واتساق الشيء: انتظامه.
10- كلمة (أنى) ظرف مكان بمعنى أين، وقد يكون بمعنى كيف، أي من أين حزتم وما كان منشأه.
11- في نسخة: (جرتم) إما بالجيم من الجور وهو الميل عن القصد، والعدول عن الطريق، أي لماذا تركتم سبيل الحق بعد ما تبين لكم؟. أو بالحاء المهملة المضمومة، من الحور بمعنى الرجوع أو النقصان، قال: نعوذ باللّه من الحور بعد الكور، أي من النقصان بعد الزيادة. وإما بكسرها من الحيرة.
12- النكوص: الرجوع إلى الخلف.

وأشركتم بعد الإيمان، بؤساً لقوم نكثوا(1) أيمانهم من بعد عهدهم، {وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ(2) وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(3). ألا وقد أرى(4)

أن قد أخلدتم(5) إلى الخفض(6)..

ص: 271


1- نكث العهد، بالفتح: نقضه. و(الأيمان) جمع اليمين، وهو القسم {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة التوبة: 13. والمشهور بين المفسرين: أن الآية نزلت في اليهود الذين نقضوا عهدهم، وخرجوا مع الأحزاب، وهمّوا بإخراج الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من المدينة، وبدؤوا بنقض العهد والقتال. وقيل: نزلت في مشركي قريش وأهل مكة حيث تقضوا أيمانهم التي عقدوها مع الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والمؤمنين على أن لايعاونوا عليهم أعداءهم، فعاونوا بني بكر على خزاعة، وقصدوا إخراج الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من مكة حين تشاوروا بدارالندوة، وأتاهم إبليس بصورة شيخ نجدي، إلى آخر القصة، فهم بدؤوا بالمعاداة والمقاتلة في هذا الوقت، أو يوم بدر، أو بنقض العهد. والمراد بالقوم الذين نكثوا أيمانهم في كلامها صلوات اللّه عليها: إما الذين نزلت فيهم الآية، فالغرض بيان وجوب قتال الغاصبين للإمامة ولحقها، الناكثين لما عهد إليهم الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في وصيه (عليه السلام) وذوي قرباه وأهل بيته (عليهم السلام) كما وجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآية فيهم، أو المراد بهم الغاصبون لحق أهل البيت (عليهم السلام) فالمراد بنكثهم أيمانهم نقض ما عهدوا إلى الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين بايعوه من الانقياد له في أوامره والانتهاء عند نواهيه، وأن لا يضمروا له العداوة، فنقضوه وناقضوا ما أمرهم به.
2- المراد بقصدهم إخراج الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : عزمهم على إخراج من هو كنفس الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقائم مقامه بأمر اللّه وأمره عن مقام الخلافة، وعلى إبطال أوامره ووصاياه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أهل بيته (عليهم السلام) النازلة منزلة إخراجه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من مستقره، وحينئذ يكون من قبيل الاقتباس، وفي بعض الروايات: (لقوم نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم) فقوله (لقوم) متعلق بقوله (تخشونهم).
3- سورة التوبة: 13.
4- الرؤية هنا بمعنى: العلم، أو النظر بالعين.
5- أخلد إليه: ركن ومال.
6- الخفض، بالفتح: سعة العيش.

وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض(1)..

وخلوتم(2) بالدعة(3)، ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم(4) ما وعيتم(5)، ودسعتم(6) الذي تسوغتم(7)، ف- {إِنْ تَكْفُرُوا(8) أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرض جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ

ص: 272


1- المراد بمن هو أحق بالبسط والقبض: أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} سورة الفرقان: 15.
2- خلوت بالشيء: انفردت به واجتمعت معه في خلوة.
3- الدعة: الراحة والسكون.
4- مج الشراب من فيه: رمى.
5- وعيتم: أي حفظتم.
6- الدسع، كالمنع: الدفع والقيء، وإخراج البعير جرته إلى فيه.
7- ساغ الشراب يسوغ سوغاً: إذا سهل مدخله في الحلق، وتسوغه: شربه بسهولة.
8- وصيغة (تكفروا) في كلامها (عليها السلام) إما من الكفران وترك الشكر، كما هو الظاهر من سياق الكلام المجيد، حيث قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ * وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} سورة إبراهيم: 7-8. وإما من الكفر بالمعنى الأخص، والتغيير في المعنى لا ينافي الاقتباس، مع أن في الآية أيضا يحتمل هذا المعنى، والمراد إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا من الثقلين، فلا يضرّ ذلك إلا أنفسكم، فإنه سبحانه غني عن شكركم وطاعتكم، مستحق للحمد في ذاته، أو محمود تحمده الملائكة، بل جميع الموجودات بلسان الحال، فضرر الكفران عائد إليكم حيث حرمتم من فضله تعالى ومزيد إنعامه وإكرامه، والحاصل: إنكم إنما تركتم الإمام بالحق وخلعتم بيعته من رقابكم ورضيتم ببيعة أبي بكر لعلمكم بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يتهاون ولا يداهن في دين اللّه، ولا تأخذه في اللّه لومة لائم، ويأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد وغيره، وترك ما تشتهون من زخارف الدنيا، ويقسّم الفيء بالسوية، ولا يفضل الرؤساء والأمراء، وإن أبابكر رجل سلس القيادة ومداهن في الدين لإرضاء العباد، فلذا رفضتم الإيمان وخرجتم عن طاعته سبحانه إلى طاعة الشيطان ولا يعود وباله إلا إليكم. وفي كشف الغمة: (ألا وقد أرى واللّه أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فمحجتم الذي أوعيتم، ولفظتم الذي سوغتم) يقال ركن إليه، بفتح الكاف وقد يكسر، أي مال وسكن. وفي رواية ابن أبي طاهر: (فعجتم عن الدين) وقال الجوهري: عجت بالمكان أعوج، أي أقمت به عجت غيري، يتعدى ولايتعدى. وعجّت البعير: عطفت رأسه بالزمام، والعايج: الواقف، وذكر ابن الأعرابي: فلان ما يعوجّ من شيء، أي ما يرجع عنه.

لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}(1).

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة(2)..

التي خامرتكم(3)..

والغدرة(4) التي استشعرتها(5) قلوبكم..

ولكنها فيضة النفس(6)..

ونفثة الغيظ(7)..

وخور(8) القناة(9)..

ص: 273


1- سورة إبراهيم: 8.
2- في بعض النسخ: (الخذلة) أي ترك النصر.
3- خامرتكم:أي خالطتكم.
4- الغدر: ضد الوفاء.
5- استشعره: أي لبسه، والشعار: الثوب الملاصق للبدن.
6- الفيض: في الأصل كثرة الماء وسيلانه، يقال: فاض الخبر: أي شاع، وفاض صدره بالسرّ: أي باح به وأظهره، ويقال: فاضت نفسه: أي خرجت روحه، والمراد به هنا: إظهار المضمر في النفس لاستيلاء الهم وغلبة الحزن.
7- النفث بالفم: شبيه النفخ، وقد يكون للمغتاظ تنفس عال تسكيناً لحر القلب وإطفاءً لنائرة الغضب.
8- الخور، بالفتح والتحريك: الضعف.
9- القنا: جمع قناة وهي الرمح، وقيل: كل عصا مستوية أو معوجّة قناة، ولعل المراد بخور القناة ضعف النفس عن الصبر على الشدة وكتمان الضر، أو ضعف ما يعتمد عليه في النصر على العدو، والأول أنسب.

وبثة الصدر(1)، وتقدمة الحجة(2)..

فدونكموها فاحتقبوها(3)، دبرة(4) الظهر، نقبة(5) الخف..

باقية العار(6)، موسومة(7) بغضب الجبار..

وشنار(8) الأبد، موصولة ب- {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ(9)* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ}(10)(11). فبعين اللّه ما تفعلون(12)..

ص: 274


1- البثّ: النشر والإظهار والهمّ الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثّه أي يفرّقه.
2- تقدمة الحجة: إعلام الرجل قبل وقت الحاجة قطعاً لاعتذاره بالغفلة. والحاصل: أن استنصاري منكم وتظلمي لديكم وإقامة الحجة عليكم لم يكن رجاءً للعون والمظاهرة، بل تسلية للنفس وتسكيناً للغضب وإتماماً للحجة لئلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
3- الحقب، بالتحريك: حبل يشد به الرجل إلى بطن البعير، يقال: أحقبت البعير أي شددته به، وكل ما شد في مؤخر رحل أو قتب فقد احتقب، ومنه قيل: (احتقب فلان الإثم) كأنه جمعه واحتقبه من خلفه. والأنسب في هذا المقام: أحقبوها بصيغة الإفعال، أي شدوا عليها ذلك وهيؤها للركوب، وفيما وصل إلينا من الروايات على بناء الافتعال.
4- الدبر، بالتحريك: الجرح في ظهر البعير، وقيل: جرح الدابة مطلقا.
5- النقب، بالتحريك: رقة خف البعير.
6- العار الباقي: عيب لا يكون في معرض الزوال.
7- وسمته وسماً وسمةً: إذا أثرت فيه بسمة وكيّ.
8- الشنار: العيب والعار.
9- الموقدة: المؤججة على الدوام.
10- سورة الهمزة: 6-7.
11- الاطلاع على الأفئدة: إشرافها على القلوب بحيث يبلغه ألمها كما يبلغ ظواهر البدن. وقيل: إن معناه أن هذه النار تخرج من الباطن إلى الظاهر، بخلاف نيران الدنيا. وفي كشف الغمة: (إنها عليهم مؤصدة) والمؤصدة: المطبقة.
12- أي متلبس بعلم اللّه أعمالكم ويطلع عليها كما يعلم أحدكم ما يراه ويبصره، وقيل في قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} سورة القمر: 14، إن المعنى تجري بأعين أوليائنا من الملائكة والحفظة.

{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ(1) يَنْقَلِبُونَ}(2)، وأنا ابنة {نَذِيرٌ لَكُمْ(3) بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}(4)، فاعملوا(5) إنا عاملون، {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}(6)».

فأجابها(7) أبو بكر عبد اللّه بن عثمان وقال: يا بنت رسول اللّه، لقد كان أبوكِ

ص: 275


1- المنقلب: المرجع والمنصرف، و(أي) منصوب على أنه صفة مصدر محذوف، والعامل فيه ينقلبون، لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه، وإنما يعمل فيه ما بعده، والتقدير: سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون انقلاباً أي انقلاب.
2- سورة الشعراء: 227.
3- أي أنا ابنة من أنذركم بعذاب اللّه على ظلمكم، فقد تمت الحجة عليكم.
4- سورة سبأ: 46.
5- الأمر في (اعملوا) و(انظروا) للتهديد.
6- سورة هود: 122.
7- في دلائل الإمامة: ص39، قال: فأطلعت أم سلمة من بابها وقالت: ألمثل فاطمة (عليها السلام) يقال هذا؟ وهي الحوراء بين الإنس، والأنس للنفس، وبيت في حجور أمهات الأنبياء وتداولتها أيدي الملائكة، ونمت في المغارس الطاهرات، نشأت خير منشأ، وربيت خير مربى، أتزعمون أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حرم عليها ميراثه ولم يعلمها، وقد قال اللّه تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} سورة الشعراء: 214، أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان، وأم سادة الشبان، وعديلة مريم ابنة عمران، وحليلة ليث الأقران. تمت بأبيها رسالات ربه، فواللّه لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، فيوسّدها يمينه ويدثّرها بشماله رويدا، فرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمرأى لأعينكم وعلى اللّه تردون، فواهاً لكم وسوف تعلمون، أنسيتم قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (لعلي (عليه السلام) ): أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقوله: إني تارك فيكم الثقلين، ما أسرع ما أحدثتم وأعجل ما نكثتم. فحرمت أم سلمة عطاءها تلك السنة. عنه وفاة الصديقة (عليها السلام) لابن المقرم: ص98. وفي شرح النهج: ج16 ص214: قال أبو بكر: وحدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال: فلما سمع أبوبكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر وقال: أيها الناس، ما هذه الرعبة إلى كل قالة! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيدة ذنبة، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت، ولو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت، ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحق ذلك منا، ثم نزل، فانصرفت فاطمة (عليها السلام) إلى منزلها. قلت: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري، وقلت له: بمن يعرّض؟ فقال: بل يصرّح. قلت: لو صرّح لم أسألك. فضحك وقال: بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) . قلت: هذا الكلام كله لعلي (عليه السلام) يقوله!! قال: نعم، إنه الملك يا بني!! قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر علي (عليه السلام) فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم. عنه البحار: ج8 ص128 ط حجرية.

بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً. إن عزوناه(1) وجدناه أباكِ دون النساء، وأخا إلفكِ دون الأخلاء(2)، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم.

لايحبكم إلاّ سعيد، ولا يبغضكم إلاّ شقي بعيد، فأنتم عترة رسول اللّه الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا.

وأنتِ يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولكِ، سابقة في وفور عقلكِ، غير مردودة عن حقكِ، ولا مصدودة عن صدقكِ، واللّه ما عدوت رأي رسول اللّه، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله(3)..

وإني أُشهد اللّه وكفى به شهيداً، أني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنما نورث الكتاب والحكمة

ص: 276


1- عزوناه: نسبناه.
2- الأخلاء: مفرده الخليل وهو الصديق.
3- هذا مثل استشهد به في صدق الخبر الذي افتراه على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والرائد: من يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء والماء ومساقط الغيث، حيث جعل نفسه لاحتماله الخلافة التي هي الرياسة العامة بمنزلة الرائد للأمة الذي يجب عليه أن ينصحهم ويخبرهم بالصدق.

والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا، أن يحكم فيه بحكمه. وقد جعلنا ما حاولته في الكراع(1) والسلاح، يقاتل بها المسلمون، ويجاهدون الكفار، ويجالدون(2) المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين(3)، لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد(4) بما كان الرأي عندي، وهذه حالي ومالي، هي لكِ وبين يديكِ، لا تزوى(5) عنكِ، ولا ندخر دونكِ، وإنك وأنت سيدة أمة أبيكِ، والشجرة الطيبة لبنيكِ، لا ندفع ما لكِ من فضلكِ، ولا يوضع في فرعكِ وأصلكِ(6)، حكمكِ نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين(7) أن أخالف في ذاك أباكِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فقالت (عليها السلام) : «سبحان اللّه! ما كان أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن كتاب اللّه صادفاً(8).. ولا لأحكامه مخالفاً.. بل كان يتبع أثره(9)، ويقفو(10) سوره(11)،

ص: 277


1- الكُراع بضم الكاف: جماعة الخيل.
2- المجالدة: المضاربة بالسيوف.
3- قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 ص221: إنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلاّ أبوبكر وحده. وله كلام في ذلك أيضا في ص227 و22 فراجع. وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: ص68: وأخرج أبو القاسم البغوي وأبوبكر الشافعي في فوائده وابن عساكر عن عائشة قالت: اختلفوا في ميراثه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فما وجدوا عند أحد من ذلك علما، فقال أبوبكر: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنا معاشر الأنبياء لانورّث ما تركناه صدقة.
4- استبد فلان بالرأي: أي انفرد به واستقل.
5- لا نزوي عنك: أي لا نقبض ولا نصرف.
6- أي لا نحط درجتك ولا ننكر فضل أصولك وأجدادك وفروعك وأولادك.
7- ترين: من الرأي بمعنى الاعتقاد.
8- الصادف عن الشيء: المعرض عنه.
9- الأثر، بالتحريك وبالكسر: أثر القدم.
10- القفو: الاتباع.
11- السور، بالضم: كل مرتفع عال، ومنه (سور المدينة)، ويكون جمع سورة، وهي كل منزلة من البناء، ومنه سورة القرآن لأنها منزلة بعد منزلة، ويجمع على سُوَر بفتح الواو، وفي العبارة يحتملها، والضمائر المجرورة تعود إلى اللّه تعالى أو إلى كتابه، والثاني أظهر.

أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً(1) عليه بالزور(2)، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي(3) له من الغوائل(4)

في حياته، هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول: {يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}(5)، ويقول: {ووَرِثَ سُلَيْمَانُ داوُدَ}(6)..

وبين عزّ وجلّ فيما وزع(7) من الأقساط(8)..

وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح(9) به علة المبطلين، وأزال التظني(10) والشبهات في الغابرين(11)، كلا {بَلْ سَوَّلَتْ(12)

ص: 278


1- الاعتلال: إبداء العلة والاعتذار.
2- الزور: الكذب.
3- البغي: الطلب.
4- الغوائل: المهالك والدواهي، أشارت (عليها السلام) بذلك إلى ما دبروا - لعنهم اللّه - من إهلاك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واستيصال أهل بيته (عليهم السلام) في العقبتين وغيرهما.
5- سورة مريم: 6.
6- سورة النمل: 16.
7- التوزيع: التقسيم.
8- القسط، بالكسر: الحصة والنصيب.
9- الإزاحة: الإذهاب والإبعاد.
10- التظني: إعمال الظن وأصله التظنن.
11- الغابر: الباقي، وقد يطلق على الماضي.
12- التسويل: تحسين ما ليس بحسن، وتزيينه وتحبيبه إلى الإنسان ليفعله أو يقوله، وقيل: هو تقدير معنى في النفس على الطمع في تمامه.

لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ(1) وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(2)».

فقال أبو بكر: صدق اللّه ورسوله وصدقت ابنته، أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابكِ، ولاأنكر خطابكِ(3)، هؤلاء المسلمون بيني وبينكِ قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر(4)، ولا مستبد ولا مستأثر(5)، وهم بذلك شهود.

فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت: «معاشر المسلمين المسرعة(6) إلى قيل(7) الباطل، المغضية(8) على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبرون {الْقُرْآنَ(9) أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفَالُها}(10)، كلا بل ران(11) على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ

ص: 279


1- أي فصبري جميل، أو الصبر الجميل أولى من الجزع الذي لا يغني شيئاً. وقيل: إنما يكون الصبر جميلا إذا قصد به وجه اللّه تعالى وفعل للوجه الذي وجب، ذكره السيد المرتضى (رحمه اللّه) .
2- سورة يوسف: 18.
3- خطابك - في قول أبي بكر - من المصدر المضاف إلى الفاعل، ومراده بما تقلدوا، ما أخذ فدك أو الخلافة أي أخذت الخلافة بقول المسلمين واتفاقهم، فلزمني القيام بحدودها التي من جملتها أخذ فدك للحديث المذكور..
4- المكابرة: المغالبة.
5- الاستبداد والاستيثار: الانفراد بالشيء.
6- في بعض النسخ: (معاشر الناس المبتغية المسرعة).
7- القيل: بمعنى القول، وكذا القال، وقيل: (القول في الخير، والقيل والقال في الشر)، وقيل: (القول مصدر، والقيل والقال اسمان له).
8- الإغضاء: إدناء الجفون، وأغضى على الشيء: أي سكت ورضي به.
9- روي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) في الآية أن المعنى: أفلا يتدبرون القرآن فيقضوا بما عليهم من الحق. وتنكير (القلوب) لإرادة قلوب هؤلاء ومن كان مثلهم من غيرهم.
10- سورة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : 24.
11- الرين: الطبع والتغطية، وأصله الغلبة.

بسمعكم وأبصاركم..

ولبئس ما تأولتم(1)، وساء ما به أشرتم(2)..

وشر(3) ما منه اغتصبتم(4)..

لتجدن واللّه محمله(5) ثقيلاً، وغبه(6) وبيلاً(7) إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضراء(8)، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون(9)،{وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ}(10)(11).

ص: 280


1- التأول والتأويل: التصيير والإرجاع ونقل الشيء عن موضعه، ومنه تأويل الألفاظ أي نقل اللفظ عن الظاهر.
2- الإشارة: الأمر بأحسن الوجوه في أمر.
3- شرّ، كفرّ: بمعنى ساء.
4- في بعض النسخ: (اعتضتم) والاعتياض: أخذ العوض والرضا به، والمعنى: ساء ما أخذتم منه عوضاً عما تركتم.
5- المحمل: كمجلس، مصدر.
6- الغبّ، بالكسر: العاقبة.
7- في الأصل الثقل والمكروه، ويراد به في عرف الشرع: عذاب الآخرة، والعذاب الوبيل: الشديد.
8- الضراء، بالفتح والتخفيف: الشجر الملتف، كما مر. يقال: توارى الصيد مني في ضراء. و(الوراء) يكون بمعنى قّدام كما يكون بمعنى خلف، وبالأول فسّر قوله تعالى: {وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصْباً} سورة الكهف: 79. ويحتمل أن تكون الهاء زيدت من النساخ، أو الهمزة فيكون على الأخير بتشديد الراء من قولهم: (ورّى الشيء تورية): أي أخفاه، وعلى التقادير فالمعنى: ظهر لكم ما ستره عنكم الضراء.
9- أي ظهر لكم من صنوف العذاب ما لم تكونوا تنتظرونه ولا تظنونه واصلاً إليكم ولم يكن في حسبانكم.
10- سورة غافر: 78.
11- المبطل: صاحب الباطل، من أبطل الرجل إذا أتى بالباطل.

ثم عطفت (عليها السلام) على قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقالت(1):

قد كان بعدك أنباء وهنبثة(2)***لو كنت شاهدها(3) لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها(4)***واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(5)

وكل أهل له قربى(6) ومنزلة***عند الإله على الأدنين(7) مقترب(8)

ص: 281


1- في كشف الغمة: (ثم التفتت إلى قبر أبيها متمثلة بقول هند ابنة اُثاثة) ثم ذكر الأبيات.
2- قال في النهاية: الهنبثة: واحدة الهنابث، وهي الأمور الشداد المختلفة. والهنبثة: الاختلاط في القول، والنون زائدة، وذكر فيه أن فاطمة (عليها السلام) قالت بعد موت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : قد كان بعدك أنباء... إلى آخر البيتين، إلا أنه قال: فاشهدهم ولا تغبُ.
3- الشهود: الحضور. (الخطب)، بالفتح: الأمر الذي تقع فيه المخاطبة، والشأن والحال.
4- الوابل: المطر الشديد.
5- في بعض النسخ: (فقد نكب) ونكب فلان عن الطريق، كنصر وفرح: أي عدل ومال.
6- القربى: في الأصل القرابة في الرحم. (المنزلة): المرتبة والدرجة، ولا تجمع.
7- الأدنين: هم الأقربون.
8- اقترب: أي تقارب. وقال في مجمع البيان: في اقترب زيادة مبالغة على قرب، كما أن في اقتدر زيادة مبالغة على قدر، ويمكن تصحيح تركيب البيت وتأويل معناه على وجوه: الأول: وهو الأظهر أن جملة (له قربى) صفة لأهل، والتنوين في (منزلة) للتعظيم، والظرفان متعلقان بالمنزلة لما فيها من معنى الزيادة والرجحان. و(مقترب خبر لكل، أي ذو القرب الحقيقي أو عند ذي الأهل كل أهل كانت له مزية وزيادة على غيره من الأقربين عند اللّه تعالى. والثاني: تعلق الظرفين بقولها: (مقترب) أي كل أهل له قرب ومنزلة من ذي الأهل فهو عند اللّه تعالى مقترب مفضل على سائر الأدنين. والثالث: تعلق الظرف الأول بالمنزلة، والثاني بالمقترب، أي كل أهل اتصف بالقربى بالرجل وبالمنزلة عند اللّه فهو مفضل على سائر الأدنين. والرابع: أن يكون جملة (له قربى) خبراً للكل، و(مقترب) خبراً ثانيا. وفي الظرفين يجري الاحتمالات السابقة، والمعنى: أن كل أهل نبي من الأنبياء له قرب ومنزلة عند اللّه ومفضل على سائر الأقارب عند الأمة.

أبدت(1) جال لنا نجوى صدورهم(2)***لما مضيت وحالت(3) دونك(4) الترب(5)

تجهمتنا(6) رجال واستخف بنا***لما فقدت وكل الأرض مغتصب(7)

وكنت بدراً ونوراً يستضاء به***عليك ينزل من ذي العزة الكتب

وكان جبرئيل بالآيات يؤنسنا***فقد فقدت وكل الخير محتجب(8)

فليت قبلك كان الموت صادفنا(9)***لما مضيت وحالت دونك الكثب(10)

إنا رزينا(11) بما لم يرز ذو شجن(12)***من البرية لا عجم(13) ولا عرب

ص: 282


1- دون الشيء: قريب منه، يقال: دون النهر جماعة، أي قبل أن تصل إليه.
2- قال الفيروزآبادي: الترب والتراب والتربة: معروف، وجمع التراب: أتربة وتربان، ولم يسمع لسائرها بجمع، انتهى. فيمكن أن يكون بصيغة المفرد والتأنيث بتأويل الأرض كما قيل، والأظهر أنه بضم التاء وفتح الراء جمع تربة، قال في مصباح اللغة: التربة: المقبرة، والجمع ترب، مثل غرفة وغرف.
3- بدى الأمر بدواً: ظهر. وأبداه: أظهره.
4- النجوى: الاسم من نجوته إذا ساررته، ونجوى صدورهم: ما أضمروه من نفوسهم من العداوة ولم يتمكنوا من إظهاره في حياته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وفي بعض النسخ: (فحوى صدورهم) وفحوى القول: معناه، والمآل واحد.
5- حال الشيء بيني وبينك: أي منعني من الوصول إليك.
6- المغتصب: على بناء المفعول المغصوب.
7- التهجم: الاستقبال بالوجه الكريه.
8- المحتجب: على بناء الفاعل.
9- الكثب، بضمتين: جمع كثيب وهو التل من الرمل.
10- صادفه: وجده ولقيه.
11- الشجن، بالتحريك: الحزن.
12- في القاموس: العجم، بالضم والتحريك، خلاف العرب. انتهى ما قاله المجلسي (رحمه اللّه) .
13- الرزء، بالضم مهموزاً: المصيبة بفقد الأعزة، و(رُزينا) على بناء المجهول.

ثم انكفأت(1) (عليها السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) يتوقع(2) رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها(3) عليه، فلما استقرت بها الدار(4) قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام) : «يا ابن أبي طالب، اشتملت(5) شملة(6) الجنين(7)، وقعدت حجرة(8) الظنين(9)..

نقضت قادمة(10) الأجدل(11)..

ص: 283


1- الانكفاء: الرجوع. وفي نسخة قديمة لكشف الغمة منقولة من خط المصنف، مكتوباً على هامشها بعد إيراد خطبتها (صلوات اللّه عليها) ما هذا لفظه: وجدت بخط السيد المرتضى علم الهدى الموسوي (قدس اللّه روحه) أنه لما خرجت فاطمة (عليها السلام) من عند أبي بكر، حين ردّها عن فدك، استقبلها أمير المؤمنين (عليه السلام) فجعلت تعنّفه ثم قال: اشتملت... إلى آخر كلامها (عليها السلام) .
2- وتوقّعت الشيء واستوقعته: أي انتظرت وقوعه.
3- وطلعت على القوم: أتيتهم، وتطلع الطلوع انتظاره.
4- أي سكنت كأنها اضطربت وتحركت لخروجها، أو على سبيل القلب وهذا شائع، يقال: استقرت نوى القوم، واستقرت بهم النوى، أي أقاموا.
5- اشتمل بالثوب: أي أداره على جسده كله.
6- الشملة، بالفتح: كساء يشتمل به، والشملة بالكسر: هيئة الاشتمال، فالشملة إما مفعول مطلق من غير الباب كقوله تعالى: {نَبَاتَاً} أو في الكلام حذف وإيصال. وفي رواية السيد: (مشيمة الجنين): وهي محل الولد في الرحم، ولعله أظهر.
7- الولد ما دام في البطن.
8- الحجرة، بالضم: حظيرة الإبل، ومنه حجرة الدار.
9- الظنين: المتهم. والمعنى: اختفيت عن الناس كالجنين، وقعدت عن طلب الحق، ونزلت منزلة الخائف المتهم، وفي رواية السيد: (الحجزة) بالزاي المعجمة. وفي بعض النسخ: (قعدت حجزة الظنين) وقال في النهاية: الحجزة موضع شد الإزار، ثم قيل: للإزار، حجزة للمجاورة. وفي القاموس: الحجزة بالضم: معقد الإزار، ومن الفرس مركب مؤخر الصفاق بالحقو، وقال: شدة الحجز، كناية عن الصبر.
10- قوادم الطير: مقاديم ريشه، وهي عشر في كل جناح، واحدتها: قادمة.
11- الصقر.

فخانك ريش الأعزل(1)..

هذا ابن أبي قحافة يبتزني(2) نحيلة(3) أبي..

وبلغة(4) ابنيَّ(5)..

لقد أجهد(6) في خصامي(7)..

وألفيته(8) ألدّ..

ص: 284


1- الأعزل: الذي لا سلاح معه، قيل: لعلّها (صلوات اللّه عليها) شبّهت الصقر الذي نقضت قوادمه بمن لا سلاح له، والمعنى: تركت طلب الخلافة في أول الأمر قبل أن يتمكنوا منها ويشيدوا أركانها وظننت أن الناس لا يرون غيرك أهلا للخلافة، ولا يقدّمون عليك أحداً، فكنت كمن يتوقع الطيران من صقر منقوضة القوادم. ويحتمل أن يكون المراد أنك نازلت الأبطال، وخضت الأهوال، ولم تبال بكثرة الرجال، حتى نقضت شوكتهم، واليوم غلبت من هؤلاء الضعفاء والأرزال، وسلمت لهم الأمر ولاتنازعهم، وعلى هذا ربما كان في الأصل: خاتك، بالتاء المثناة الفوقانية. قال الجوهري: خات البازي واختات أي انقضّ ليأخذه، وقال الشاعر: يخوتون أخرى القوم خوت الأجادل، والخائنة: العقاب إذا انقضت فسمعت صوت انقضاضها، والخوات: دوي جناح العقاب، والخوّات بالتشديد: الرجل الجريء، وفي رواية السيد (نفضت) بالفاء، وهو يؤيد المعنى الأول.
2- الابتزاز: الاستلاب وأخذ الشيء بقهر وغلبة، من البزّ بمعنى السلب.
3- فعلية بمعنى مفعول من النحلة، بالكسر، بمعنى الهبة والعطية عن طيبة نفس من غير مطالبة أو عوض.
4- البُلغة، بالضم: ما يبلغ به من العيش ويكتفى به. وفي أكثر النسخ: (بُليغة) بالتصغير، فالتصغير في النحيلة أيضاً أنسب.
5- ابني: إما بتخفيف الياء فالمراد به الجنس، أو تشديدها على التثنية.
6- في بعض النسخ: (وأجهر) وإجهار الشيء: إعلانه.
7- الخصام: مصدر كالمخاصمة، ويحتمل أن يكون جمع خصم، أي أجهر العداوة أو الكلام لي بين الخصام والأول أظهر.
8- ألفيته: أي وجدته.

في كلامي(1).. حتى حبستني قيلة(2) نصرها، والمهاجرة(3) وصلها(4)، وغضّت(5) الجماعة دوني طرفها(6)..

فلا دافع ولا مانع(7)..

خرجت كاظمة(8)، وعدت راغمة(9)، أضرعت(10) خدك..

يوم أضعت(11) حدّك(12).. افترست(13) الذئاب.. وافترشت التراب..

ص: 285


1- الألدّ: شديد الخصومة، وليس فعلاً ماضياً، فإن فعله على بناء المجرد، والإضافة في (كلامي) إما من قبيل الإضافة إلى المخاطب أو إلى المتكلم، وفي للظرفية أو السببية. وفي رواية السيد: (هذا بني أبي قحافة) إلى قوله (لقد أجهد في ظلامتي وألدّ في خصامتي). قال الجزري: ويقال: جهد الرجل في الأمر، إذا جدّ وبالغ فيه، وأجهد دابته، إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها.
2- قيلة، بالفتح: اسم أم قديمة لقبيلتي الأنصار، والمراد بنو قيلة. وفي رواية السيد: (حين منعتني الأنصار نصرها).
3- موصوف المهاجرة: الطائفة أو نحوها.
4- المراد بوصلها: عونها.
5- غضه: حفظه، وفي النهاية: ج3 ص371: غضّ طرفه أي كسره وأطرق ولم يفتح عينه.
6- في بعض النسخ: (الطرف) بالفتح: العين.
7- في رواية السيد بعد قولها (ولا مانع): (ولا ناصر ولا شافع خرجت كاظمة وعدت راغمة).
8- كظم الغيض: تجرعه والصبر عليه.
9- رغم فلان، بالفتح: إذا ذلّ وعجز عن الانتصاف ممن ظلمه، والظاهر من الخروج، الخروج من البيت وهو لا يناسب كاظمة، إلاّ أن يراد بها الامتلاء من الغيظ، فإنه من لوازم الكظم، ويحتمل أن يكون المراد الخروج من المسجد المعبّر عنه ثانيا بالعود كما قيل. وفي رواية السيد مكان (عدت): (رجعت).
10- ضرع الرجل، مثلثة: خضع وذلّ، وأضرعه غيره، وإسناد الضراعة إلى الخد لأن أظهر أفرادها وضع الخد على التراب، أو لأن الذل يظهر في الوجه.
11- إضاعة الشيء وتضييعه: إهماله وإهلاكه.
12- حدّ الرجل، بالحاء المهملة: بأسه وبطشه. وفي بعض النسخ بالجيم، أي تركت اهتمامك وسعيك، وفي رواية السيد: (فقد أضعت جدّك يوم أصرعت خدّك).
13- فرس الأسد فريسته كضرب وافترسها: دقّ عنقها، ويستعمل في كل قتل، ويمكن أن يقرأ بصيغة الغائب، فالذئاب مرفوع. والمعنى قعدت عن طلب الخلافة، ولزمت الأرض مع أنك أسد اللّه والخلافة كانت فريستك، حتى افترسها وأخذها الذئب الغاصب لها، ويحتمل أن يكون بصيغة الخطاب، أي كنت تفترس الذئاب واليوم افترشت التراب. وفي بعض النسخ: (الذباب) بالبائين الموحدتين: جمع ذبابة، فيتعين الأول. وفي بعضها: (افترست الذئاب وافترستك الذئاب). وفي رواية السيد مكانهما: (وتوسدت الوراء كالوزغ، ومسّتك الهناة والنزغ) والوراء: بمعنى الخلف، والهناء: الشدة والفتنة، والنزغ: الطعن والفساد.

ما كففت(1) قائلاً.. ولا أغنيت(2) طائلاً(3).. ولا خيار لي، ليتني متّ قبل هنيئتي(4) ودون ذلتي(5).. عذيري(6) اللّه.. منه(7) عادياً(8)، ومنك حامياً(9)..

ص: 286


1- الكف: المنع.
2- الإغناء: الصرف والكف، يقال: أغن عني شرك، أي اصرفه وكفه، به فسّر قوله سبحانه: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} سورة الجاثية: 19. وفي رواية السيد: (ولا أغنيت طائلا) وهو أظهر. قال الجوهري: يقال هذا أمر لا طائل فيه، إذا لم يكن فيه غناء ومزية، انتهى. فالمراد بالغناء: النفع، ويقال: ما يغني عنك هذا، أي ما يجديك وما ينفعك.
3- في بعض النسخ: (باطلا).
4- في بعض النسخ: (الهينة) بالفتح: العادة في الرفق والسكون، ويقال: امش على هنينك، أي على رسلك، أي ليتني مت قبل هذا اليوم الذي لابد لي من الصبر على ظلمهم، ولا محيص لي عن الرفق.
5- في بعض النسخ: (زلتي) والزلة بفتح الزاي: الإسم من قولك زللت في طين، أو منطق، إذا زلقت ويكون بمعنى السقطة، والمراد بها عدم القدرة على دفع الظلم، ولو كانت الكلمة بالذال المعجمة كان أظهر وأوضح كما في رواية السيد فإن فيها (وا لهفتاه ليتني متّ قبل ذلتي ودون هينتي عذيري اللّه منك عادياً ومنك حامياً).
6- العذير: بمعنى العاذر، كالسميع، أو بمعنى العذر كالأليم.
7- في بعض النسخ: (منك) أي من أجل الإساءة إليك وإيذائك، و(عذيري اللّه) مرفوعان بالابتدائية والخبرية.
8- عادياً: إما من قولهم: عدوت فلانا عن الأمر، أي صرفته عنه، أو من العدوان، بمعنى تجاوز الحدّ، وهو حال عن ضمير المخاطب، أي اللّه يقيم العذر من قبلي في إساءتي إليك حال صرفك المكاره ودفعك الظلم عني، أو حال تجاوزك الحدّ في القعود عن نصري، أي عذيري في هكذا خطاب: أنك قصرت في إعانتي والذب عني. أي بحسب الظاهر.
9- الحماية عن الرجل: الدفع عنه، ويحتمل أن يكون (عذيري) منصوبا كما هو الشائع في هذه الكلمة، واللّه مجرورا بالقسم، يقال: عذيرك من فلان، أي هات من يعذرك فيه. ومنه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) حين نظر إلى ابن ملجم لعنه اللّه: عذيريك من خليلك من مراد. والأول أظهر.

ويلاي(1)..

في كل شارق(2)..

ويلاي في كل غارب..

مات العمد(3)..

ووهن العضد..

شكواي(4) إلى أبي..

وعدواي(5) إلى ربي..

اللّهم إنك أشد منهم قوة وحولاً(6)..

وأشد بأساً(7) وتنكيلاً(8)».

ص: 287


1- قال الجوهري: ويل كلمة مثل ويح، إلا أنها كلمة عذاب، يقال: ويله وويلك وويلي، وفي الندبة: ويلاه، ولعله جمع فيها بين ألف الندبة وياء المتكلم. ويحتمل أن يكون بصيغة التثنية، فيكون مبتدأ والظرف خبره، والمراد به تكرر الويل. وفي رواية السيد: (ويلاه في كل شارق، ويلاه في كل غارب، ويلاه مات العمد، وذلّ العضد) إلى قولها (عليها السلام) : (اللّهم أنت أشد قوة وبطشا).
2- الشارق: الشمس، أي عند كل شروق شارق وطلوع صباح كل يوم. قال الجوهري: الشرق المشرق والشرق: الشمس، يقال: طلع الشرق ولا آتيك، ما ذرّ شارق وشرقت الشمس تشرق شروقاً وشرقاً أيضا، أي طلعت، وأشرقت أي أضاءت.
3- العمد، بالتحريك وبضمتين: جمع العمود، ولعل المراد هنا ما يعتمد عليه في الأمور.
4- الشكوى: الاسم من قولك: شكوت فلاناً شكاية.
5- العدوى: طلبك إلى وال لينتقم لك ممن ظلمك.
6- الحول: القوة والحيلة والدفع والمنع، الكل هنا محتمل.
7- البأس: العذاب.
8- التنكيل: العقوبة، وجعل الرجل نكالاً وعبرة لغيرة.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

«لا ويل لكِ، بل الويل لشانئك(1).. ثم نهنهي(2) عن وجدكِ(3) يا ابنة الصفوة(4) وبقية النبوة.. فما ونيتُ(5) عن ديني.. ولا أخطأتُ مقدوري.. فإن كنتِ تريدين البلغة(6)، فرزقكِ مضمون(7)، وكفيلكِ مأمون.. وما أعد لكِ(8)

أفضل مما قطع عنكِ.. فاحتسبي(9) اللّه»..

فقالت (عليها السلام) : «حسبي اللّه»..

وأمسكت(10).

ص: 288


1- أي العذاب والشر لمبغضك، والشناءة: البغض، وفي رواية السيد: (لمن أحزنك).
2- نهنتُ الرجل عن الشيء فتنهنه: أي كففته وزجرته فكفّ.
3- الوجد: الغضب، أي امنعي نفسك عن غضبك. وفي بعض النسخ: (تنهنهي) وهو أظهر.
4- الصفوة، مثلثة: خلاصة الشيء وخياره.
5- الونى، كفتى: الضعف والفتور والكلال. والفعل كوقى يقي، أي ما عجزت عن القيام بما أمرني به ربي، وما تركت ما دخل تحت قدرتي.
6- البُلغة، بالضم: ما يكفي من العيش ولا يفضل.
7- والضامن والكفيل للرزق هو اللّه تعالى.
8- وما أعد لها: هو ثواب الآخرة.
9- الاحتساب: الاعتداد، ويقال لمن ينوي بعمله وجه اللّه تعالى: احتسبه. أي اصبري وادخري ثوابه عند اللّه تعالى. وفي رواية السيد: (فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا ويل لك، بل الويل لمن أحزنك، نهنهي عن وجدك يا بنية الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت عن حظّك، ولا أخطأت مقدرتي، فقد ترى فإن ترزئي حقك فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما عند اللّه خير لك مما قطع عنك، فرفعت يدها الكريمة، وقالت: رضيت وسلّمت. قال في القاموس: رزأه ماله كجعله وعمله، رُزءً بالضم: أصاب منه شيئاً.
10- انتهى ما نقلناه من كتاب (عوالم العلوم ومستدركاتها) نصاً وتعليقاً.

36

فصل: استشهاد فاطمة (عليها السلام)

المظلومة المقهورة

إن القوم ظلموا الصديقة فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فهجموا على دارها، وأحرقوا الباب، وضربوها، وكسروا ضلعها، وأسقطوا جنينها، وهم يريدون بذلك قتلها (صلوات اللّه عليها) لأنهم علموا بأن الصديقة (عليها السلام) تفضحهم كل يوم، وتطالبهم بإرجاع الخلافة إلى علي (عليه السلام) وصي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فخطّطوا للقضاء عليها.. وهكذا أصبحت مظلومة مقهورة حتى ماتت شهيدة بسبب ما جرى عليها.

قال علي (عليه السلام) : «إن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم تزل مظلومةً، من حقها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم تحُفَظ فيها وصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولا روعي فيها حقّه، ولا حق اللّه عزّوجلّ، وكفى باللّه حاكماً ومن الظالمين منتقماً»(1).

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذكر بمصاب فاطمة (عليها السلام)

إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يذكّر بما يجري على أهل بيته (عليهم السلام) وعلى الصديقة

ص: 289


1- انظر (الأمالي، للشيخ الطوسي): ص156 المجلس6 ح11، الدرجات الرفيعة: ص96 ترجمة العباس ابن عبد المطلب.

فاطمة (عليها السلام) من بعده وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يبكي على مصابهم، ويحذّر القوم من ظلمهم وإيذائهم، ويلعن الظالمين لهم والغاصبين لحقوقهم..

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وإني لما رأيتُها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذُلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغُصبت حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأُسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجُاب، وتستغيث فلاتغاث، فلا تزال بعدي محزونةً مكروبةً باكيةً، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلةً بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها اللّه تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ}(1).. يا فاطمة {اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}(2) ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث اللّه عزّوجلّ إليها مريم بنت عمران (عليها السلام) تمرّضها وتؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة وتبرمّت بأهل الدنيا فألحقني بأبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيلحقها اللّه عزّوجلّ بي، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونةً مكروبةً مغمومةً مغصوبةً مقتولةً، فأقول عند ذلك: اللّهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وأذل من أذلّها وخلّد في نارك من ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك: آمين»(3).

ص: 290


1- سورة آل عمران: 42.
2- سورة آل عمران: 43.
3- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص176 المجلس24 ح2.

أبكي لذريتي

عن عبد اللّه بن العباس قال: لما حضرَت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوفاة بكى حتى بلّت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول اللّه، ما يبكيك؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبكي لذريتي، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة (عليها السلام) بنتي وقد ظُلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه، يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي»!.

فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تبكي يا بنية»، فقالت: «لست أبكي لما يُصنع بي من بعدك، ولكني أبكي لفراقك يا رسول اللّه»، فقال لها: «أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي»(1).

وفي المناقب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ التفت إليّ فبكى فقلت: «ما يبكيك يا رسول اللّه؟». قال: «أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه والسم الذي يُسقاه، وقتل الحسين»(2).

أول من لحقت بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي أول شهيدة بعد جنينها محسن السقط (عليه السلام) (3) في

ص: 292


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص188 المجلس7 ح18.
2- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص52 فصل في مصائب أهل البيت (عليهم السلام) .
3- قضية إسقاط السبط المحسن (عليه السلام) من القضايا المتواترة المقطوع بصدورها لدى الإمامية، وأما من ذكر إسقاط السبط المحسن من العامة على رغم خطورة المسألة، فمنهم: النظام المتوفى سنة 231ه كما نقل عنه ذلك الشهرستاني في الملل والنحل، والصفدي في الوافي بالوفيات، وابن قتيبة المتوفى سنة 276ه ونقل عنه ذلك ابن شهر آشوب في المناقب والكنجي الشافعي، وأبو الحسن العمري الذي كان حياً سنة 425ه، وصاحب مطالب السؤول كمال الدين الشافعي المتوفى سنة 652ه، والحافظ الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658ه، وشرف الدين الموصلي الشافعي المتوفى سنة 668ه، والحمويني في فرائد السمطين المتوفى سنة 730ه، والحافظ المزي سنة 742ه، والصلاح الصفدي في الوافي بالوفيات المتوفى سنة 764ه، وغيرهم.

الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وفضح من غصب الخلافة..

وقد لبثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قليلاً.

روي: أنها لبثت أربعين يوماً(1). وقيل: سبعين(2).

وروي: خمسةً وسبعين(3)، وخمسة وتسعين(4).

وقيل: غير ذلك(5).

ص: 293


1- انظر (مقاتل الطالبيين): ص31، و(عيون المعجزات): ص47.
2- انظر (تاريخ خليفة بن خياط): ص59، و(البداية والنهاية): ج6 ص367.
3- انظر (الكافي): ج1 ص241 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة وصحف فاطمة (عليها السلام) ح5، وص468 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح1، وج3 ص228 باب زيارة القبور ح3، وج4 ص561 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء ح4، مستدرك الوسائل: ج2 ص304 ب10 من أبواب الدفن وما يناسبه ح2، عيون المعجزات: ص46، الخرائج والجرائح: ج2 ص525 فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول (عليها السلام) ح1، مناقب آل أبي طالب: ج3 ص116 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، المحتضر: ص26، منتقى الجمان: ج1 ص308 باب زيارة القبور، كشف الغمة: ج3 ص268، ومن مصادر العامة: مجمع الزوائد: ج9 ص166، المعجم الأوسط: ج6 ص328، المعجم الكبير: ج3 ص58 ح2675، تاريخ دمشق: ج42 ص130 وغيرها من المصادر.
4- انظر (كفاية الأثر): ص65، دلائل الإمامة: ص79 ح18، إعلام الورى: ج1 ص300، ومن مصادر العامة: الإصابة: ج8 ص267 عن الذرية الطاهرة للدولابي.
5- وفي رواية: (اثنين وسبعين يوماً) انظر روضة الواعظين: ص143. وفي خبر أنها (عليها السلام) عاشت اثنين وسبعين يوماً ونصف اليوم، انظر قصص الأنبياء، للراوندي: ص308 ح411، بحار الأنوار: ج43 ص156 ب7 ح3 عن الراوندي. وفي رواية محمد بن همام: خمس وثمانون يوماً. انظر دلائل الإمامة: ص136 ح43، بحار الأنوار: ج43 ص171 ب7 ح11 عن الطبري بإسناده عن ابن همام. وقيل: تسعون يوماً. انظر ذخائر العقبى: ص52 عن أبي عمر. وقيل: نحو مائة يوم. قال الشيخ والد البهائي في كتابه: وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص41: (واصطفاها ربها إليه بعد أبيها بنحو مائة يوم)، وكذا السيد التفريشي في نقد الرجال: ج5 ص318، وهو قول ابن قتيبة في معارفه، وعنه الإربلي في كشف الغمة: ج2 ص125. وقيل: شهران. رواه العامة: انظر الحاكم في (المستدرك على الصحيحين): ج3 ص163 عن عائشة وجابر. وقيل: إنها (عليها السلام) لبثت بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثلاثة أشهر. وهي رواية العامة عن الإمام الباقر (عليه السلام) والزهري وعمرو بن دينار، انظر: الذرية الطاهرة النبوية: ص109، المعجم الكبير: ج22 ص399، مجمع الزوائد: ج9 ص212، الطبقات الكبرى: ج8 ص28، تاريخ دمشق: ج3 ص160، تهذيب الكمال: ج35 ص251، الإصابة: ج8 ص266. وقيل: ستة أشهر. انظر (مستدرك الوسائل): ج14 ص54 ب6 من أبواب كتاب الوقوف والصدقات ح7 عن كتاب مصباح الأنوار عن الإمام الباقر (عليه السلام) ، وهي الرواية المعتمدة عند العامة: انظر (مسند أحمد): ج1 ص6، صحيح البخاري: ج4 ص42، وج5 ص82، صحيح مسلم: ج5 ص154 المستدرك على الصحيحين: ج3 ص162، وغيرها من مصادر العامة. وقيل: ثمانية أشهر. وهي رواية العامة عن عبد اللّه بن الحارث وعمرو بن دينار، انظر (تاريخ خليفة بن خياط): ص60، تاريخ دمشق: ج3 ص159-160، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص162.

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن فاطمة مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه في الجنة، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام) »(1).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة

ص: 294


1- بصائر الدرجات: ج3 ص173-174 ب14 ح6.

وسبعين يوماً لم تُرَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الإثنين والخميس، فتقول: هاهنا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، هاهنا كان المشركون»(1).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «ما رُؤيت فاطمة (عليها السلام) ضاحكة قط منذ قُبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى قُبضت»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مكثت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستين يوماً، ثم مرضت فاشتدت علّتها، فكان من دعائها في شكواها: (يَا حَيُّ يَا قَيّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ فَأغِثْني، اللّهُمَّ زَحْزِحْني عَنِ النّارِ، وَأدْخِلْني الجنّةَ، وَألحِقْني بِأبي محمّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ).

فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لها: «يعافيك اللّه ويبقيك». فتقول (عليها السلام) :

«يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق باللّه»(3).

وعن ابن عباس قال: رأت فاطمة (عليها السلام) في منامها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: «فشكوت إليه ما نالنا من بعده» قالت: «فقال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لكم الآخرة التي أعدّت للمتقين، وإنك قادمة عليّ عن قريب»(4).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لما قُبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما ترك إلاّ الثقلين: كتاب اللّه وعترته أهل بيته، وكان قد أسرّ إلى فاطمة (صلوات اللّه عليها) أنها لاحقة به أول أهل بيته لحوقاً».

قالت: «بينا أني بين النائمة واليقظانة بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كأن أبي قد

ص: 295


1- وسائل الشيعة: ج3 ص224 ب55 من أبواب الدفن وما يناسبه ح1.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص119 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- مستدرك الوسائل: ج2 ص134 ب29 من أبواب الاحتضار وما يناسبه ح7.
4- بيت الأحزان: ص170 فصل 45 وصيتها لعلي (عليهما السلام) .

أشرف عليّ، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه انقطع عنا خبر السماء، فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفاً يقدمها ملكان حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار تطرد، وقصر بعد قصر وبستان بعد بستان، وإذا قد اطلع عليّ من تلك القصور جواري كأنهن اللعب، وهن يتباشرن ويضحكن إليّ، ويقلن: مرحباً بمن خُلقت الجنة وخُلقنا من أجل أبيها، فلم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور، في كل قصر من البيوت ما لا عين رأت، ولا أذُن سمعت، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرّة الكثير، وعليها ألحاف من ألوان الحرير والديباج، وآنية الذهب والفضة، وفيها موائد عليها من ألوان الطعام، وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضاً من اللبن، وأطيب رائحةً من المسك الأذفر..

فقلت: لمن هذه الدار، وما هذا النهر؟

فقالوا: هذه الدار الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب اللّه.

قلت: فما هذا النهر؟ قالوا: هذا الكوثر الذي وعده أن يعطيه إياه.

فقلت: فأين أبي؟ قالوا: الساعة يدخل عليك.

فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشد بياضاً وأنور من تلك، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا بفرش مرتفعة على أسرة، وإذا أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس على تلك الفرش ومعه جماعة، فلما رآني أخذني فضمّني وقبل ما بين عينيّ وقال: مرحباً بابنتي، وأخذني وأقعدني في حجره، ثم قال لي: يا حبيبتي أما ترين ما أعد اللّه لك وما تقدمين عليه..

فأراني قصوراً مشرقات فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل، وقال: هذه

ص: 296

مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما، فطيبي نفساً فإنك قادمة عليّ إلى أيام.

قالت: فطار قلبي واشتد شوقي وانتبهت من رقدتي مرعوبة»(1).

ورووا عن عائشة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعا فاطمة (عليها السلام) في شكواه الذي قُبض فيه، فسارّها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارّها فضحكت، فسألتها عن ذلك؟ فقالت (عليها السلام) : «سارني النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفى فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله بيته اتبعه؛ فضحكت»(2).

وفي اللحظات الأخيرة

روي أنه في اللحظات الأخيرة من حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أكبّت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه***ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ففتح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عينه وقال بصوت ضئيل: «يا بنية هذا قول عمّك أبي طالب (عليه السلام) ، لا تقوليه ولكن قولي: {وما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ}(3)» فبكت طويلاً، فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلّل وجهها له، ثم قُبض (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فقيل لفاطمة (عليها السلام) : ما الذي أسرّ إليك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسري عنك ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته؟

قالت: «إنه خبّرني أنني أول أهل بيته لحوقاً به، وأنه لن تطول المدة بي بعده

ص: 297


1- دلائل الإمامة: ص131-132 ح42.
2- صحيح البخاري: ج4 ص183 باب علامات النبوة في الإسلام.
3- الأنوار البهية: ص40 فصل في وفاته صلى اللّه عليه وآله.

حتى أدركه، فسري ذلك عني»(1).

الويل لمن ظلمك

أخبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ابنتها الصديقة فاطمة (عليها السلام) بما يجري عليها من الظلم وكسر الضلع وقتل المحسن السقط وغصب فدك وغيرها.

ففي الحديث قالت فاطمة (عليها السلام) : «يا أبة، فما كنت أحب أن أرى يومك ولا أبقى بعدك»؟

فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا ابنتي لقد أخبرني جبرئيل عن اللّه عزّوجلّ أنك أول من تلحقني من أهل بيتي، فالويل كله لمن ظلمك، والفوز العظيم لمن نصرك»(2).

فضة تحدث عن مولاتها (عليها السلام)

روى ورقة بن عبد اللّه الأزدي قال: خرجت حاجاً إلى بيت اللّه الحرام راجياً لثواب اللّه رب العالمين، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء، ومليحة الوجه عذبة الكلام، وهي تنادي بفصاحة منطقها، وهي تقول:

(اللّهم ربّ الكعبة الحرام، والحفظة الكرام، وزمزم والمقام، والمشاعر العظام، وربّ محمد خير الأنام، صلى اللّه عليه وآله البررة الكرام، أسألك أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين، وأبنائهم الغُر المحجلين الميامين، ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين، إن موالي خيرة الأخيار، وصفوة الأبرار، والذين علا قدرهم على الأقدار، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار، المرتدين بالفخار).

قال ورقة بن عبد اللّه: فقلت: يا جارية إني لأظنك من موالي أهل

ص: 297


1- انظر (الإرشاد): ج1 ص187.
2- بحار الأنوار: ج43 ص227 ب8 ح13.

البيت (عليهم السلام) . فقالت: أجل.

قلت لها: ومن أنت من مواليهم؟

قالت: أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى (صلى اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

فقلت لها: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً، فلقد كنت مشتاقاً إلى كلامك ومنطقك، فأريد منك الساعة أن تجيبيني من مسألة أسألك، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك، وأنت مثابة مأجورة، فافترقنا، فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس، فأقبلت عليها واعتزلت بها وأهديت إليها هدية ولم أعتقد أنها صدقة، ثم قلت لها: يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء (عليها السلام) وما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟

قال ورقة: فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت: يا ورقة بن عبد اللّه هيّجت عليّ حزناً ساكناً وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة، فاسمع الآن ما شاهدت منها (عليها السلام) :

اعلم أنه لما قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) افتجع له الصغير والكبير، وكثر عليه البكاء وقلّ العزاء، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب، والأولياء والأحباب، والغرباء والأنساب، ولم تلق إلاّ كل باك وباكية، ونادب ونادبة، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب والأقرباء والأحباب أشد حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) وكان حزنها يتجدد ويزيد، وبكاؤها يشتد، فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ولا يسكن منها الحنين، كل يوم جاء كان

ص: 298

بكاؤها أكثر من اليوم الأول، فلما في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبراً إذ خرجت وصرخت فكأنها من فم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تنطق، فتبادرت النسوان وخرجت الولائد والولدان، وضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وجاء الناس من كل مكان، واُطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء، وخُيّل إلى النسوان أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد قام من قبره، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم وهي (عليها السلام) تنادي وتندب أباه: «وا أبتاه، واصفياه، وا محمداه، وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، مَن للقبلة والمصلى، ومَن لابنتك الوالهة الثكلى»..

ثم أقبلت (عليها السلام) تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئاً من عبرتها، ومن تواتر دمعتها، حتى دنت من قبر أبيها محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها ودام نحيبها وبكاها إلى أن اُغمي عليها..

فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي (عليها السلام) تقول: «رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمُت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيتُ والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي، ولا راداً لدمعتي، ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية، وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك ولا حزني عليك»، ثم نادت (عليها السلام) : «يا أبتاه.. وا لباه»، ثم قالت:

إن حزني عليك حزن جديد***وفؤادي واللّه صب عنيد

ص: 299

كل يوم يزيد فيه شجوني***واكتيابي عليك ليس يبيد

جل خطبي فبان عني عزائي***فبكائي كل وقت جديد

إن قلبا عليك يألف صبرا***أو عزاء فإنه لجليد

ثم نادت (عليها السلام) : «يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها، وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق، يا أبتاه مَن للأرامل والمساكين، ومَن للأمة إلى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين، ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين، فأي دمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليك لايتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لا تغور، والأرض كيف لم تتزلزل، رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول، بكتك يا أبتاه الأملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك، يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك، إلى أن أقدم عاجلاً عليك، وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك، الحسن والحسين، وأخوك ووليك وحبيبك، ومن ربيته صغيراً، وواخيته كبيراً، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك، من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا»..

ثم زفرت زفرةً.. وأنّت أنة.. كادت روحها أن تخرج، ثم قالت (عليها السلام) :

قلّ صبري وبان عني عزائي***بعد فقدي لخاتم الأنبياء

ص: 300

عين يا عين اسكبي الدمع سحا***ويك لا تبخلي بفيض الدماء

يا رسول الإله يا خيرة اللّه***وكهف الأيتام والضعفاء

قد بكتك الجبال والوحش جمعا***والطير والأرض بعد بكي السماء

وبكاك الحجون والركن والمشعر***يا سيدي مع البطحاء

وبكاك المحراب والدرس***للقرآن في الصبح معلنا والمساء

وبكاك الإسلام إذ صار في الناس***غريبا من سائر الغرباء

لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه***علاه الظلام بعد الضياء

يا إلهي عجّل وفاتي سريعا***فلقد تنغصت الحياة يا مولائي

قالت: ثم رجعَت (عليها السلام) إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي لا ترقأ دمعتها، ولا تهدأ زفرتها..

واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة (عليها السلام) تبكي الليل والنهار، فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً.

فقال (عليه السلام) : «حباً وكرامة».. فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دخل على فاطمة (عليها السلام) وهي لا تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء، فلمّا رأته سكنت هنيئة له، فقال (عليه السلام) لها: «يا بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً».

فقالت: «يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فو اللّه لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

فقال لها علي (عليه السلام) : «افعلي يا بنت رسول اللّه ما بدا لك».

ثم إنه (عليه السلام) بنى لها (عليها السلام) بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان،

ص: 301

وكانت (عليها السلام) إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسين (عليهما السلام) أمامها، وخرجت إلى البقيع باكيةً فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) إليها وساقها بين يديه إلى منزلها، ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سبعة وعشرون يوماً واعتلت العلة التي توفيت فيها، فبقيت إلى يوم الأربعين، وقد صلّى أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الظهر وأقبل يريد المنزل إذا استقبلته الجواري باكيات حزينات، فقال لهن: «ما الخبر؟ وما لي أراكن متغيرات الوجوه والصور»؟ فقلن: يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمك الزهراء (عليها السلام) وما نظنك تدركها..

فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) مسرعاً حتى دخل عليها وإذا بها ملقاة على فراشها وهو من قباطي مصر وهي تقبض يميناً وتمد شمالاً، فألقى الرداء عن عاتقه، والعمامة عن رأسه، وحلّ أزراره، وأقبل حتى أخذ رأسها، وتركه في حجره وناداها: «يا زهراء..» فلم تكلمه.

فناداها: «يا بنت محمد المصطفى»، فلم تكلمه.

فناداها: «يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء»، فلم تكلمه.

فناداها: «يا ابنة من صلّى بالملائكة في السماء مثنى مثنى»، فلم تكلمه.

فناداها: «يا فاطمة كلّميني، فأنا ابن عمّك علي بن أبي طالب».

قال: ففتحت (عليها السلام) عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى، وقال: «ما الذي تجدينه فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب»؟

فقالت (عليها السلام) : «يا ابن العم إني أجد الموت الذي لابد منه ولا محيص عنه، وأنا أعلم أنك بعدي لا تصبر على قلة التزويج، فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادي يوماً وليلة، يا أبا الحسن ولا تصح في وجوههما

ص: 302

فيصبحان يتيمين غريبين منكسرَين، فإنهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان أمّهما، فالويل لأمة تقتلهما وتبغضهما، ثم أنشأت (عليها السلام) تقول:

أبكني إن بكيت يا خير هادي***وأسبل الدمع فهو يوم الفراق

يا قرين البتول أوصيك بالنسل***فقد أصبحا حليف اشتياق

أبكني وأبك لليتامى ولا***تنس قتيل العدي بطف العراق

فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى***يحلف اللّه فهو يوم الفراق

قالت: فقال لها علي (عليه السلام) : من أين لك يا بنت رسول اللّه هذا الخبر والوحي قد انقطع عنا؟

فقالت: «يا أبا الحسن رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قصر من الدر الأبيض، فلما رآني قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : هلمي إلي يا بنية، فإني إليك مشتاق، فقلت: واللّه إني لأشد شوقاً منك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد، فإذا أنت قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبي»(1)، الحديث.

سبب الوفاة

قال الإمام الصادق (عليه السلام) (2): «قُبضت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان سبب وفاتها أن قنفذاً

ص: 303


1- بحار الأنوار: ج43 ص174-179 ب7 ح15.
2- وذلك في حديث حسن معتبر، كما عبر عنه جملة من العلماء، بل هو صحيح السند ومن أشد الأسانيد قوةً، حيث قد رواه أعاظم فقهاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وكبارهم ورؤساء الطائفة في وقتهم أمثال: (محمد بن جرير بن رستم الصغير، وهارون بن موسى التلعكبري، ومحمد بن همام، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وعبد الرحمن بن أبي نجران، وعبد اللّه بن سنان، وعبد اللّه بن مسكان، وأبي بصير) وهم شيوخ الطائفة وفقهاؤها.

مولى عمر لكزها بنعل السيف(1)

بأمره، فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها، وكان الرجلان من أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سألا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول اللّه؟ قالت: بخير بحمد اللّه، ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: (فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه) قالا: بلى، قالت: فو اللّه لقد آذيتماني، قال: فخرجا من عندها (عليها السلام) وهي ساخطة عليهما»(2).

المغيرة يضرب فاطمة (عليها السلام)

ثم إن في بعض الروايات أن الثاني ضرب الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، وفي بعضها أن المغيرة(3) ضربها، وفي بعضها قنفذ(4)، والجمع يقتضي أنهم ضربوها بأجمعهم.

ص: 304


1- نعل السيف: ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة.
2- دلائل الإمامة: ص134-135 ح43.
3- المغيرة بن شعبة كان من المنافقين، قال عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) :(فإنه واللّه دائماً يلبس الحق بالباطل، ويموه فيه، ولن يتعلق من الدين إلاّ بما يوافق الدنيا) وقد ولاه عمر الكوفة وفي ولايته شهد الشهود عليه بالزنا إلاّ زياداً فقد انقذه لما بينهما من الصحبة والمكر، اعتزل حرب صفين وبعد الهدنة بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية ولاه معاوية على الكوفة فجعل يتتبع شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقصيهم ويؤذيهم ويقرب شيعة عثمان ويدنيهم، ويشتم أمير المؤمنين (عليه السلام) ويذمه، كل ذلك بأمر من معاوية، كما رواه علماء العامة، وكان شتاماً لأمير المؤمنين (عليه السلام) وكان السبب في قتل حجر بن عدي وأصحابه (رضوان اللّه عليهم) هلك سنة 49 أو 50 ه فأراح اللّه منه الإسلام والمسلمين.
4- قنفذ العدوي: قيل عنه والقائل عمر بن الخطاب: هو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، ويحتمل أن يكون: قنفذ بن عمير التيمي والد المهاجر بن قنفذ ولاه عمر مكة ثم صرفه عنها.

فقد جاء في رواية سليم، عن سلمان وعبداللّه ابن عباس قالا: (.. ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: «يا أبتاه، يا رسول اللّه»، فرفع عمر السيف وهو في غمده، فوجأ به جنبها، فصرخت: «يا أبتاه»، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: «يا رسول اللّه، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر».

فوثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيبه، ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما أوصاه به، فقال: «والذي كرّم محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالنبوة يا ابن صهاك، لولا كتاب من اللّه سبق وعهد عهده إليّ رسول اللّه لعلمت أنك لا تدخل بيتي».

فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي بسيفه، لما قد عُرف من بأسه وشدته.

فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار.

فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج(1)، من ضربته.. وقد كان قنفذ ضرب فاطمة بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر:

ص: 305


1- الدملج: هو المعضد.

إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلوات اللّه عليها من ذلك شهيدة..)(1).

وفي كتاب الاحتجاج(2): فيما احتج به الإمام الحسن (عليه السلام) على معاوية وأصحابه أنه قال للمغيرة بن شعبة: «.. أنت الذي ضربتَ فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى أدميتها وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومخالفةً منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا فاطمة أنتِ سيدة نساء أهل الجنة، واللّه مصيرك إلى النار..»(3).

وفي كامل الزيارات(4): عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قدسي: «وأول من يحكم فيهم محسن بن علي وفي قاتله(5)، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه،

ص: 305


1- كتاب سليم بن قيس: رواية سلمان ص150-153، وقريب منه برواية ابن عباس في ص387.
2- كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج) للشيخ الطبرسي، وفيه: احتجاجات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) وبعض الصحابة وبعض العلماء وبعض الذرية الطاهرة (عليهم السلام) ، قال في المقدمة:(ولا نأتي في أكثر مانورده من الأخبار باسناده إما لوجود الإجماع عليه أو لاشتهاره في السير والكتب من المخالف والمؤالف) وكتابه من الكتب المعتبرة المعتمد عليها.
3- الاحتجاج: ج1 ص414 احتجاج الإمام الحسن (عليه السلام) على جماعة من لمنكرين لفضله وفضل أبيه (عليهما السلام) .
4- كتاب كامل الزيارات للشيخ الجليل أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه من تلامذة الشيخ الكليني ومن مشايخ الشيخ المفيد، والكتاب يحتوي على (108) أبواب في مختلف المواضيع المرتبطة بالزيارات وتحتوي الأبواب على (843) حديثاً، ويُعدّ الكتاب من الأصول المعتمدة في هذا الموضوع ويعتبر من أصح الكتب الحديثية من ناحية الأسانيد.
5- وهو ابن الخطاب كما سيأتي بيانه مفصلاً، مضافاً إلى قرينة (صاحبه) في نفس الرواية.

فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، فيضربان بها..»(1).

وفي كتاب سليم(2): فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر أبي المختار(3)، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئاً وكان من عماله وردّ عليه ما أخذ منه... قال أبان: قال سليم: فلقيت علياً (عليه السلام) فسألته عما صنع

ص: 306


1- كامل الزيارات: ص551 ب108 ح12.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي، أبي صادق العامري الكوفي من أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر (عليهم السلام) توفي في حياة الإمام السجاد (عليه السلام) متستراً من جبروت الحجّاج وظلمه، وكان من الموالين المخلصين الصادقين بنص من أهل البيت (عليهم السلام) ، قال النعماني وهو من كبار المفسرين المحدثين المتكلمين وكان من تلاميذ الشيخ الكليني وأحد رواة كتابه الكافي الشريف توفي سنة 360ه، وصفاً لهذا الكتاب: (ليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة (عليهم السلام) خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت (عليهم السلام) وأقدمها لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنما هو عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسمع منهما، وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها، وروي عن أبي عبداللّه الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء، ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) )، وبعد تأليف سليم رحمه اللّه لهذا الكتاب عرضه على الإمام السجاد والباقر (عليهما السلام) فأقراه على ذلك، ثم قرأه أحد رواة الكتاب على الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً بحضرة جماعة من خلص أصحابه، فيقول الراوي: فأغرورقت عيناه، وقال: (صدق سليم، قد أتى أبي بعد قتل جدي الحسين وأنا قاعد عنده فحدثه بهذا الحديث بعينه فقال أبي: (صدق، وقد حدثني أبي وعمي الحسن بهذا الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ).
3- أبو المختار يزيد بن قيس، وقد نظم قصيدة شكا فيها عمال عمر بن الخطاب وطالبه بمقاسمتهم، انظر (الإصابة): ج6 ص552، فتوح البلدان: ج2 ص473-474.

عمر، فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئاً؟ قلت: لا. قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة (عليها السلام) بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات اللّه عليها وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.

قال سليم: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليس فيها إلاّ هاشمي غير سلمان، وأبي ذر، والمقداد، ومحمد بن أبي بكر، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعلي: ما ترى عمر منعه أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عمّاله؟

فنظر علي (عليه السلام) إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة (عليها السلام) بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج(1).

وفي المناقب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ التفت إليّ فبكى فقلت: «ما يبكيك يا رسول اللّه؟». قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها...»(2).

وقال الفيض الكاشاني(3): (ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) فوافوا بابه مغلق، فصاحوا به: أخرج يا علي، فإن خليفة رسول اللّه يدعوك، فلم يفتح لهم الباب. فأتوه بحطب فوضعوه على الباب وجاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر وقال: واللّه لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار،

ص: 307


1- كتاب سليم بن قيس: ص224-225.
2- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص52 فصل في مصائب أهل البيت (عليهم السلام) .
3- الفيض الكاشاني: الشيخ الجليل محسن بن مرتضى الكاشي كان من كبار علماء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وكان مفسراً محدثاً فقيهاً متألهاً حكيماً، له نحو ثمانين مصنفاً، من أشهرها الوافي والصافي والمحجة البيضاء، وُلد سنة 1008ه وتوفي سنة 1090ه.

فلما عرفت فاطمة (عليها السلام) أنهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب، فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبأت فاطمة (عليها السلام) وراء الباب فدفعها عمر حتى ضغطها بين الباب والحائط، ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره ملببا بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة (عليها السلام) بينهم وبين بعلها، وقالت: واللّه لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلماً. ويلكم ما أسرع ما خنتم اللّه ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا، فقال اللّه تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(1)، قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذا ابن عمران أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف، وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها، وقد كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) سماه محسنا(2).

الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام)

روي بطرق معتبرة عن سلمان وعبد اللّه بن العباس قالا:

توفي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف، واشتغل علي (عليه السلام) برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن(3)، وشغل عنهم بوصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

ص: 308


1- سورة الشورى: 23.
2- علم اليقين في أصول الدين: ج2 ص686-687 ط.انتشارات بيدار قم.
3- أي تأليف تفسير القرآن وعلومه، وإلاّ فإن القرآن قد جُمع في عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبإشراف منه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بهذا الترتيب الموجود بين أيدينا بلا زيادة ولا نقيصة. منه (قدس سره) .

فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس قد بايعوك(1)، ما خلا هذا الرجل وأهل بيته، فابعث إليه، فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له: قنفذ، فقال له: يا قنفذ انطلق إلى علي، فقل له: أجب خليفة رسول اللّه! فبعثاه مراراً وأبَى علي (عليه السلام) أن يأتيهم.. فوثب عمر غضبان ونادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً. ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي وفاطمة (صلوات اللّه عليهما) وفاطمة (عليها السلام) قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: يا ابن أبي طالب افتح الباب!

فقالت فاطمة (عليها السلام) : يا عمر ما لنا ولك؟ لا تدعنا وما نحن فيه.

قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم!.

فقالت: يا عمر أما تتقي اللّه عزّوجلّ تدخل على بيتي وتهجم على داري!.

فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه يا رسول اللّه، فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه، فوثب علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما أوصاه به

ص: 309


1- بيعة الناس لأبي بكر ليست سواسية، فمنهم من بايع تحت وطئة السيف، ومنهم من بايع غدراً وحقداً بأهل البيت (عليهم السلام) ، ومنهم من رغب بالمال والجاه، ومنهم من سار مع القوم من باب: حشر مع الناس عيد، فقلة سالكي الحق لا تغير من أحقيته لأنها سنة الحياة التي أكدها القرآن الكريم بقوله تعالى: {لَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} سورة الزخرف: 78، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه»، فضلاً عن أن غير المبايعين لم يكونوا بالقلة فكان منهم: بنو هاشم وعلى رأسهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن قريش خالد بن سعيد بن العاص وأبو سفيان ومن الأنصار سعد بن عبادة وغيرهم.

من الصبر والطاعة، فقال (عليه السلام) : «والذي كرّم محمداً بالنبوة يا ابن صهاك، لولا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي..».

فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، فكاثروه وألقوا في عنقه حبلاً، فحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته (لعنه اللّه) فألجأها إلى عضادة بيتها ودفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت (صلّى اللّه عليها) من ذلك شهيدة»(1).

واللّه لا أرضى عنكما أبدا

إن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بمواقفها ضد الظلم والباطل فضحت من تقمّص الخلافة، وبيّنت للعالم بأن خليفة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هو علي أمير المؤمنين (عليه السلام) دون غيره. ومن هنا كانت (عليها السلام) مصرّة في مواقفها على عدم تأييدهم بل على سلب الشرعية عنهم.

قال ابن عباس: ثم إن فاطمة (عليها السلام) بلغها أن أبا بكر قبض فدكاً، فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: «يا أبا بكر تريد أن تأخذ مني أرضاً جعلها لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وتصدق بها عليّ من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أما كان قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : المرء يحفظ في ولده، وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئاً غيرها؟

فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها، دعا أبو بكر بدواة ليكتب به لها، فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول اللّه! لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي!

ص: 310


1- بحار الأنوار: ج43 ص197-198 ب7 ح29.

فقالت فاطمة (عليها السلام) : «نعم أقيم البينة»، قال: من؟ قالت: «علي (عليه السلام) وأم أيمن»، فقال عمر: لا تُقبل شهادة امرأة أعجمية لا تفصح، وأما علي فيجر النار إلى قرصته.. فرجعت فاطمة (عليها السلام) وقد دخلها من الغيظ ما لايوصف، فمرضت، وكان علي (عليه السلام) يصلي في المسجد الصلوات الخمس(1)، فلمّا صلّى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول اللّه؟... إلى أن ثقلت (عليها السلام) فسألا عنها وقالا: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا لنعتذر إليها من ذنبنا.

قال: «ذاك إليكما»، فقاما فجلسا بالباب، ودخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فقال لها: «أيتها الحرة، فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك، فما ترين»؟

قالت (عليها السلام) : «البيت بيتك والحرة زوجتك افعل ما تشاء».

فقال: «سدي قناعك»، فسدت قناعها وحوّلت وجهها إلى الحائط، فدخلا وسلّما وقالا: ارضي عنا رضي اللّه عنكِ.

فقالت: «ما دعاكما إلى هذا»؟

فقالا: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا، وتخرجي سخيمتك.

فقالت: «إن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلاّ وأنا عارفة بأنكما تعلمانه...».

قالا: سلي عما بدا لك.

قالت: «نشدتكما باللّه هل سمعتما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: (فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني)»؟

قالا: نعم.

ص: 311


1- كان علي (عليه السلام) يصلي صلواته فرادى من دون أن يأتم بهم. منه (قدس سره) .

فرفعت (عليها السلام) يدها إلى السماء فقالت: «اللّهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك، لا واللّه لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما».

قال فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعاً شديداً(1)، فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول اللّه من قول امرأة!..(2).

قصة الهجوم

لماّ رأى المنافقون أن الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) أخذت بالدفاع عن بعلها علي أمير المؤمنين (عليه السلام) كل يوم، وأنها تبين للناس أن الخلافة حق لعلي (عليه السلام) دون غيره، وصارت تطالب بفدك،وأخذت بفضحهم وسلب الشرعية عنهم، خططوا للقضاء على فاطمة (عليها السلام) وقتلها.

فهجموا على الدار وأحرقوا الباب، ولما أحسوا بأنها (عليها السلام) وراء الباب ركلوه بأرجلهم وكانوا يقصدون قتلها وقتل جنينها.. فكسروا ضلعها وقتلوا ولدها المحسن، وكان ذلك سبباً لاستشهادها بعد فترة قصيرة. كما إنهم أرادوا قتل علي (عليه السلام) وقتل الحسنين (عليهما السلام) يومذاك ولكن اللّه حفظهم من كيد المنافقين.

ثم إن ما جرى عليها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الظلم والجور متواتر، ورد في كتب الفريقين(3):

قال البلاذري في (أنساب الأشراف): «إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا بن

ص: 312


1- والظاهر أن ابن أبي قحافة كان يتظاهر بذلك علّه ينال رضاها.
2- بحار الأنوار: ج28 ص302-304 ب4 ضمن ح48.
3- للتفصيل انظر (الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) ) لمؤلفه عبد الزهراء مهدي.

الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك...»(1).

وروى البلاذري أيضاً في (أنساب الأشراف) بسنده عن ابن عباس قال: «بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف...»(2).

والنوفلي في كتاب (الأخبار) عنه (مروج الذهب): «كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إياهم في الشعب وجمعه لهم الحطب لتحريقهم، ويقول: إنما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته (كما اُرهب بنو هاشم وجُمع لهم الحطب لإحراقهم)(3) إذ هم أبوا البيعة فيما سلف»(4).

وابن أبي الحديد عن المسعودي: «كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم، لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار»(5).

ص: 313


1- أنساب الأشراف: ج1 ص586 ط مصر، وج2 ص268 ط دار الفكر.
2- أنساب الأشراف: ج1 ص587 ط مصر، وج2 ص269 ط دار الفكر.
3- ما بين الهلالين حذفت من طبعة مؤسسة الأعلمي وغيرها من الطبعات، ولكنها موجودة في طبعة دار الهجرة سنة 1404ه وهي عبارة عن طبعة اوفسيت مصورة للطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية المصرية سنة 1303ه ونقلها عنه الشيخ عباس القمي في (الكنى والالقاب) و(بيت الأحزان)، وهي محرفة أيضاًً حيث لم يذكر فيها اسم (عمر) كما نقل ذلك عنه ابن أبي الحديد كما سيأتي وما جاء في المطبعة الميمنية.
4- مروج الذهب: ج3 ص77 ط دار الهجرة، وفي ط الميمنية جاءت العبارة على طبق ما في شرح نهج البلاغة.
5- شرح نهج البلاغة: ج20 ص147، قال ابن أبي الحديد: (قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبداللّه في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول: إنما أراد بذلك ألاّ تنتشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطاب...).

وابن أبي الحديد في شرح النهج، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز البغدادي في كتابه (السقيفة وفدك) بسنده عن الشعبي: «سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟ فقيل: عند علي وقد تقلد سيفه، فقال: قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد، انطلقا حتى تأتياني بهما، فانطلقا.... ثم قال (عمر) لعلي: قم فبايع لأبي بكر، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير وأخرجه، ورأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللّه، واللّه لا أكلم عمر حتى ألقى اللّه»(1).

وأيضاً ابن أبي الحديد عن كتاب (السقيفة وفدك) بسنده عن الشعبي أيضاً: (ثم دخل عمر فقال لعلي قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير ثم أمسكهما خالد وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، فرأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللّه، واللّه لا أكلم عمر حتى ألقى اللّه...»(2).

وابن أبي الحديد في شرح النهج عن كتاب (السقيفة وفدك) بسنده: «جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم... ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقاً عنيفاً، حتى بايعوا أبابكر»(3).

ص: 314


1- شرح نهج البلاغة: ج2 ص57.
2- شرح نهج البلاغة: ج6 ص49.
3- شرح نهج البلاغة: ج6 ص48.

وأيضاً في شرح النهج عن كتاب (السقيفة وفدك) أيضاً: «فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة تبكي وتصيح فنهنهت من الناس»(1).

وابن أبي الحديد عن أستاذه أبي جعفر النقيب، أنه قال: (إذا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أباح دم هبار بن الأسود، لأنه روّع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها)، فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: إن فاطمة رُوّعت فألقت المحسن؟ فقال: لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه، فإني متوقف في هذا الموضع(2)، لتعارض الأخبار عندي فيه»(3).

واليعقوبي في (تاريخه): «وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر فصرعه وكسر سيفه ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: واللّه لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى اللّه...»(4).

والطبري في (تاريخه): «أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: واللّه لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة»(5).

والهندي في (كنز العمال): عن أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول

ص: 315


1- شرح نهج البلاغة: ج2 ص56.
2- توقف أبو جعفر النقيب بعد أن صرّح بما قال، خوفاً من السلطة ومن العامة، وإلا فلا مجال للتوقف لعدم وجود المعارض، فقوله (لتعارض الأخبار) مجرد عذر.
3- شرح نهج البلاغة: ج14 ص193.
4- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص126.
5- تاريخ الطبري: ج3 ص101 ط بيروت، وج2 ص203 ط مصر.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان علي والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويشاورونها ويرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللّه، ما من الخلق أحد أحب إلي من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرهم أن يحرق عليهم الباب، فلما خرج عليهم عمر جاؤوا، قالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف باللّه لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب وأيم اللّه ليمضين لما حلف عليه(1).

وهذا رواه السيوطي أيضاً في (مسند فاطمة)(2).

وقريباً منه رواه ابن عبد البر في (الاستيعاب في معرفة الأصحاب)(3).

والنويري في (نهاية الارب في فنون الأدب)(4).

والشاه ولي اللّه الدهلوي في كتابه (إزالة الخفاء)(5)، وأيضاً في كتابه (قرة العينين)(6).

وابن أبي شيبة في كتاب (المصنف)(7).

وابن عبد ربه في (العقد الفريد): «الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة، حتى بعث إليهم أبوبكر عمرَ بن

ص: 316


1- كنز العمال: ج5 ص651 ح14138.
2- مسند فاطمة (عليها السلام) : ص36.
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج3 ص975 ط القاهرة.
4- نهاية الارب في فنون الأدب: ج19 ص40.
5- إزالة الخفاء: ج2 ص29 وص179.
6- قرة العينين: ص78.
7- المصنف: ج7 ص432 ح37045.

الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة»(1).

وابن حنزابة في كتابه (الغرر): «قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة، حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلاّ أحرقته ومن فيه، قال: وفي البيت علي والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقالت فاطمة: أفتحرق علي وولدي، فقال: أي واللّه أو ليخرجن وليبايعن).

عنه ابن شهر آشوب في (مثالب النواصب)(2)، والسيد بن طاووس في (الطرائف)(3)، والعلامة الحلي في (نهج الحق)(4).

وأبو الفداء في (المختصر في أخبار البشر): «ثم إن أبابكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي اللّه عنها وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي اللّه عنها وقالت: إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو يدخلوا فيما دخل فيه الأمة»(5).

والشهرستاني في (الملل والنحل): «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى

ص: 317


1- العقد الفريد: ج4 ص242، وفي طبعة أخرى ج4 ص259.
2- مثالب النواصب: ص419.
3- الطرائف: ص239.
4- نهج الحق: ص271.
5- المختصر في أخبار البشر: ج1 ص156 ط دار المعرفة بيروت.

ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين»(1).

وابن تيمية في (منهاج السنة) بعد ذكر اعتراف أبي بكر بالهجوم: «غاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال اللّه الذي يقسمه»(2).

وابن قتيبة الدينوري في (الإمامة والسياسة): «وإن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم اللّه وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة، فقال: وإن!، فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً فإنه زعم أنه قال: (حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن) فوقفت فاطمة رضي اللّه عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدنا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا، فأتى عمر أبابكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبوبكر لقنفذ وهو مولى له: أذهب فادع لي علياً، قال: فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك: فقال: يدعوك خليفة رسول اللّه، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً(3)، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول اللّه يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان

ص: 318


1- الملل والنحل: ج1 ص57 تحت عنوان النظامية وما يعتقد به النظام.
2- منهاج السنة: ج4 ص220.
3- كان البكاء من ابن أبي قحافة تظاهراً بالصلاح كما لا يخفى.

اللّه لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبوبكر طويلاً، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت (فاطمة) أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول اللّه، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً واللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، فقال: إذاً تقتلون عبد اللّه وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد اللّه فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبوبكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصيح ويبكي وينادي يا {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي}(1)، فقال عمر لأبي بكر:... انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها، فلم ترد عليهما السلام. فتكلم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول اللّه، واللّه إن قرابة رسول اللّه أحب إليّ من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك مت، ولا أبقى بعده(2)، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول اللّه إلا أني سمعت أباك رسول اللّه يقول: لا نورث، ما تركناه صدقة!. فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما

ص: 319


1- سورة الأعراف: 150.
2- كل هذا الكلام تظاهر بالصلاح وإخداع الآخرين.

اللّه ألم تسمعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول اللّه، قالت: فإني أشهد اللّه وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأشكونكما إليه، فقال أبوبكر: أنا عائذ باللّه تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: واللّه لأدعون عليك في كل صلاة أصليها، ثم خرج باكياً، فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته، مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي»(1). الحديث.

والشاه عبد العزيز الدهلوي قال في الرد على الطعن الثاني من مطاعن عمر: «إنما هدد عمر من التجأ إلى بيت فاطمة بزعم أنه ملجأ ومعاذ للخائنين، فجعلوه مثل مكة المكرمة وقصدوا الفتنة والفساد وتشاوروا في نقض خلافة أبي بكر، والحق أن فاطمة كانت تكره اجتماعهم في بيتها ولكنها لحسن خلقها لم تمنعهم من ذلك صريحاً، فلما تبين ذلك لعمر هددهم بإحراق البيت عليهم!»(2).

والمقريزي في الخطط (المواعظ والاعتبار): «وزعم (أي النظام) أنه (أي عمر) ضرب فاطمة ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومنع ميراث العترة»(3).

والحمويني في (فرائد السمطين): عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث: «... وأما ابنتي فاطمة... وإني لما رأيتها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل

ص: 320


1- الإمامة والسياسة: ص17-20.
2- تحفة اثنى عشرية: ص464.
3- المواعظ والاعتبار: ج2 ص346.

الذل بيتها وانتهكت حرمتها وغصب حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية...»(1).

والصفدي في (الوافي بالوفيات): «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن»(2).

والحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) و(سير أعلام النبلاء): قال عند ذكر أحمد بن محمد بن السري بن يحيى المعروف بابن أبي دارم: «... ثم كان في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن»(3).

ورواه ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان)(4).

وأبو الوليد محمد بن شحنة في (روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر) هامش الكامل لابن الأثير: «ثم إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه، فلقيته فاطمة فقال: ادخلوا فيما دخلت فيه الأمة»(5).

وهناك من العامة من تطرق إلى حديث حرق الدار وما أشبه ونسبه إلى الشيعة، فمنهم:

المقدسي في (البدء والتاريخ) عند ذكر أولاد فاطمة (عليها السلام) : «وولدت محسناً وهو الذي تزعم الشيعة أنها أسقطته من ضربة عمر»(6).

ص: 321


1- فرائد السمطين: ج3 ص34-35.
2- الوافي بالوفيات: ج6 ص17 في ترجمة النظام.
3- ميزان الاعتدال: ج1 ص139. سير أعلام النبلاء: ج15 ص578.
4- لسان الميزان: ج1 ص268.
5- روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر، هامش الكامل لابن الأثير: ج11 ص113.
6- البدء والتاريخ: ج5 ص20.

وأبو الحسين الملطي الشافعي في (التنبيه والرد): «... فزعم هشام (أي هشام بن الحكم)... أن أبا بكر مرّ بفاطمة فرفس في بطنها فأسقطت وكان سبب علتها ووفاتها، وأنه غصبها فدك»(1).

والقاضي أبو الحسن عبد الجبار الأسد آبادي: «ومن جملة ما ذكروه من الطعن: ادعاؤهم أن فاطمة لغضبها على أبي بكر وعمر أوصت أن لا يصليا عليها وأن تدفن سراً منهما، فدُفنت ليلاً، وادعوا برواية رووها عن جعفر بن محمد وغيره: أن عمر ضرب فاطمة بسوط وضرب الزبير بالسوط... ثم نقل قول عمر لفاطمة: وأيم اللّه لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك ليحرقن عليهم، ثم قال: إلى غير ذلك من الروايات البعيدة(2).

وابن تيمية في (منهاج السنة): «إنما ينقل مثل هذا جهّال الكذابين، ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون: إن الصحابة هدموا بيت فاطمة وضربوا بطنها حتى أسقطت»(3).

وابن حجر الهيتمي في (الصواعق المحرقة): «ألا ترى إلى قولهم (أي قول الشيعة) إن عمر قاد علياً بحمائل سيفه وحصر فاطمة فهابت فأسقطت ولداً اسمه المحسن»(4).

والبرزنجي في (النواقض للروافض والنواقض): «إنهم قالوا: إن عمر بن الخطاب ذهب إلى دار علي... وخافت فاطمة منه وأسقطت ولداً اسمه

ص: 322


1- التنبيه والرد: ص25.
2- المغني: ج20 ص335.
3- منهاج السنة: ج4 ص220.
4- الصواعق المحرقة: ص51.

المحسن»(1).

يقول شاعر النيل: محمد حافظ إبراهيم:

وقولة لعلي قالها عمر***أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها***إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها***أمام فارس عدنان وحاميها

إلى غير ذلك..

أما ما كتموه فأكثر بكثير، رعاية لسمعة خلفائهم.

أذان بلال

روي أنه لما قُبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) امتنع بلال من الأذان، وقال: لا أؤذن لأحد بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وإن فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: «اشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان»، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلما قال: (اللّه أكبر، اللّه أكبر) ذكرت (عليها السلام) أباها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأيامه، فلم تتمالك من البكاء، فلما بلغ إلى قوله: (أشهد أن محمداً رسول اللّه) شهقت فاطمة (عليها السلام) وسقطت لوجهها وغُشي عليها، فقال الناس لبلال: أمسك، فقد فارقت ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الدنيا، وظنوا أنها قد ماتت، ولم يتم الأذان، فأفاقت فسألته أن يتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيدة النسوان إني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته من ذلك(2).

أقول: كان بلال من شيعة علي (عليه السلام) ومن المؤمنين بولايته وخلافته بعد رسول

ص: 322


1- النواقض للروافض والنواقض: ص41.
2- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص297-298 ح907.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1)، ولما رأى أن القوم غصبوا الخلاقة، امتنع من الأذان لهم، وقال: لا أؤذن لأحد بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. ولكن القوم أصرّوا.. وبعد هذه القصة حيث اُغمي على الصديقة الزهراء (عليها السلام) عند ما سمعت أذان بلال... تخلص بلال منهم وهاجر من المدينة إلى الشام، أو هُجّر.

وربما طلبت الصديقة فاطمة (عليها السلام) منه الأذان لكي يتخلص من هؤلاء.

ص: 323


1- روى الوحيد البهبهاني في تعليقته عن جده المولى التقي المجلسي أنه رأى في بعض كتب أصحابنا عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق (عليه السلام) وعن أبي البختري عن عبد اللّه بن الحسن: (أن بلالاً أبى أن يبايع أبا بكر وأن عمر أخذ بتلابيبه وقال له: يا بلال هذا جزاء أبي بكر منك أن أعتقك فلا تجيء تبايعه، فقال: إن كان أبو بكر أعتقني لله فليدعني لله، وإن كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا، وأما بيعته فما كنت أبايع من لم يستخلفه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والذي استخلفه بيعته في أعناقنا إلى يوم القيامة، فقال عمر: لا أبا لك لا تقم معنا فارتحل إلى الشام).

37

الوصايا الفاطمية

وصية فاطمة (عليها السلام)

لما أحسّت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بقرب وفاتها، بعد ما لاقته من الأذى وعظيم المصائب حيث كسروا ضلعها وأسقطوا جنينها وضربوها بالسياط وبغلاف السيف وغيرها.

وصّت وصاياها إلى بعلها علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأكّدت على دفنها ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً، وأن لا يحضر جنازتها من غصب حقها وظلمها سيما ابن أبي قحافة وابن الخطاب.

قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «لما حضرَت فاطمة (عليها السلام) الوفاة دعتني فقالت: أمنفّذ أنت وصيتي وعهدي؟ قال (عليه السلام) : قلت: بلى أنفّذها، فأوصت إليّ وقالت: إذا أنا مُتّ فادفني ليلاً، ولا تؤذننّ رجلَين ذكرتهما..»(1).

وقال الواقدي: (إن فاطمة (عليها السلام) لما حضرتها الوفاة أوصت علياً (عليه السلام) أن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر فعمل بوصيتها)، وعن ابن جبير عن ابن عباس قال: (أوصت فاطمة (عليها السلام) أن لا يُعلم إذا ماتت: أبو بكر ولا عمر، ولا يصليا عليها،

ص: 324


1- معاني الأخبار: ص356 باب معاني قول فاطمة (عليها السلام) لنساء المهاجرين والانصار في علتها ح2.

قال: فدفنها علي (عليه السلام) ليلاً ولم يعلمهما بذلك)(1).

وهذا متواتر، ورد أيضا من طرق العامة، روى البخاري عن عائشة: (.. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً فوَجَدَتْ(2) فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها..)(3).

ما عهدتني كاذبة ولا خائنة

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) لم تزل بعد وفاة أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مهمومةً مغمومةً محزونةً مكروبةً كئيبةً باكيةً، ثم مرضت مرضاً شديداً على أثر ما لاقته من الظلم والجور، فمكثت أربعين ليلةً - وقيل أكثر - في مرضها إلى أن توفيت (عليها السلام) ..

ص: 325


1- انظر (مناقب آل أبي طالب): ج3 ص137 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- أي غضبت، قال في لسان العرب: (ووجد عليه في الغضب، يَجُدُ ويجِدُ وجداً وجدة وموجدة ووجدانا: غضب، وفي حديث الإيمان: إني سائلك فلا تجد علي، أي لا تغضب من سؤالي).
3- صحيح البخاري: ج5 ص82-83 كتاب المغازي باب غزوة خيبر، صحيح مسلم: ج5 ص153 كتاب الجهاد والسير باب الفيء، المصنف لعبدالرزاق: ج5 ص472 ح9774، صحيح ابن حبان: ج11 ص153 ح4823، مسند الشاميين: ج4 ص198 ح3097، نصب الراية: ج2 ص36، الثقات: ج2 ص170، وقريب منه في المستدرك على الصحيحين: ج3 ص162-163 وفيه عن عائشة أيضا: (دُفنت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلاً دفنها علي ولم يشعر بها أبو بكر حتى دفنت وصلى عليها علي بن ابي طالب)، وفي كتاب المصنف، لعبدالرزاق الصنعاني: ج3 ص521 ح6554: عن الحسن بن محمد: (أن فاطمة بنت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دُفنت بالليل قال: فرّ بها علي (عليه السلام) من أبي بكر أن يصلي عليها، كان بينهما شيء)، وفي ح6555: مثله، إلا أنه قال: (أوصته بذلك)، وفي ح6556: عن عائشة: (أن علياً دفن فاطمة ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر)، وفي كتاب تأويل مختلف الحديث: ص280: (قالوا وقد طالبت فاطمة أبا بكر بميراث أبيها رسول اللّه فلما لم يعطها إياه حلفت لا تكلمه أبدا وأوصت أن تدفن ليلا لئلا يحضرها فدفنت ليلا).

فلما نُعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وأرسلت خلف علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فأحضرته فقالت: «يا ابن عمّ إنه قد نُعيت إليّ نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلاّ أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي». قال لها علي (عليه السلام) : «أوصيني بما أحببت يا بنت رسول اللّه». فجلس (عليه السلام) عند رأسها (عليها السلام) وأخرج من كان في البيت.. ثم قالت (عليها السلام) : «يا ابن عمّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني»، فقال (عليه السلام) : «معاذ اللّه، أنت أعلم باللّه وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من اللّه من أن أوبخك بمخالفتي، وقد عزّ عليّ مفارقتك وفقدك، إلاّ أنه أمر لابد منه، واللّه جددت عليّ مصيبة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه واللّه مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها». ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (عليه السلام) رأسها (عليها السلام) وضمها إلى صدره ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجدينني وفياً أمضي فيها كما أمرتني به واختار أمرك على أمري»، قالت (عليها السلام) : «جزاك اللّه عني خير الجزاء يا ابن عم رسول اللّه»(1)، ثم أوصته بما أرادت، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) بجميع ما وصته به.

الزواج من امامة

في رواية أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) أوصت إلى علي (عليه السلام) بثلاث وصايا:

الوصية الأولى: أن يتزوج بأمامة(2) بنت أختها زينب، لحبها أولادَها،

ص: 326


1- الأنوار البهية: ص59 فصل في وفاة فاطمة (عليها السلام) .
2- هي أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبدالشمس بن عبدالمناف، وأمها زينب بنت الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، خطبها أمير المؤمنين (عليه السلام) من الزبير بن العوام حيث إن أباها قد أوصاه بها، وقد تزوجها بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المغيرة بن نوفل بن الحارث فولدت له ابن اسمه يحيى وقيل لم تلد له كما لم تلد لأمير المؤمنين (عليه السلام) وكان زواجها بالمغيرة بأمر من أمير المؤمنين (عليه السلام) لكي لا يخطبها معاوية (الطاغية) كما عبر (عليه السلام) . انظر (الإصابة): ج8 ص25-26.

وقالت (عليها السلام) : «إنها تكون لوُلدي بعدي مثلي»(1).

وفي رواية ابن عباس أن فاطمة (عليها السلام) قالت لعلي (عليه السلام) : «... يا ابن عم.. وأنا أوصيك بأن تتزوج بأمامة بنت أختي زينب تكون لولدي مثلي..»(2).

فلما توفيت الزهراء (عليها السلام) تزوّج أمير المؤمنين (عليه السلام) أمامة كما أوصته، وقد قال (عليه السلام) : «أربعة ليس إلى فراقهن سبيل، وعدّ منهن أمامة، قال: أوصت بها فاطمة»(3).

النعش الساتر

الوصية الثانية: أن يُتخذ لها نعشاً، ووصفته للإمام (عليه السلام) .

في رواية ابن عباس أن فاطمة (عليها السلام) قالت لعلي (عليه السلام) : «... واتخذ لي نعشاً فإني رأيت الملائكة يصفونه لي»(4).

وفي رواية: أن أسماء بنت عميس قالت لها: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك صنعت لك، قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه ثم جللته ثوباً، فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت فاطمة (عليها السلام) : «اصنعي لي مثله، استريني سترك اللّه من النار»(5).

ص: 327


1- الحدائق الناضرة: ج4 ص90
2- مستدرك الوسائل: ج2 ص360 ب43 من أبواب الدفن ومايناسبه ح4.
3- انظر (روضة الواعظين): ج1 ص151 مجلس في ذكر وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
4- اللمعة البيضاء: ص873.
5- وسائل الشيعة: ج3 ص220 ب52 من أبواب الدفن ومايناسبه ح2.

وفي الاستيعاب: (إن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت لأسماء بنت عميس: «يا أسماء إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها»، فقالت أسماء: يا بنت رسول اللّه ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة (عليها السلام) : «ما أحسن هذا وأجمله، لا تُعرف به المرأة من الرجل».. ثم قال: فاطمة أول من غطي نعشها في الإسلام على الصفة المذكورة، ثم بعدها زينب بنت جحش)(1).

وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: (قد مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً فقالت لأسماء بنت عميس: «ألا ترين إلى ما بلغت اُحمل على السرير ظاهراً؟»، فقالت أسماء: لا لعمري ولكن أصنع لك نعشاً كما رأيت يصنع بأرض الحبشة، قالت: «فأرينيه»، فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواف(2)، وجعلت على السرير نعشاً، وهو أول ما كان النعش، قالت أسماء: فتبسمت فاطمة (عليها السلام) وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلاّ يومئذ، ثم حملناها ودفناها ليلا)(3).

رفض الظالمين

الوصية الثالثة: أن لا يشهد أحد جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم، وأن لايصلي عليها أحد منهم، وأن تُدفن ليلاً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار(4)،

ص: 328


1- الاستيعاب: ج4 ص1897-1898.
2- الأسواف: حرم المدينة، وقيل: موضع معين بناحية البقيع.
3- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص162.
4- ففي الرواية: ثم قالت (عليها السلام) : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأن لا يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار... واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها، وخرج أبو ذر، فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول اللّه قد أخّر إخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا، فلما أن هدأت العيون ومضى من الليل أخرجها علي والحسن والحسين وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواصه وصلوا عليها، ودفنوها في جوف الليل وسوّى علي (عليه السلام) حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها، وقال بعضهم من الخواص: قبرها سوي مع الارض مستويا، فمسحها مسحا سواء مع الأرض حتى لا يعرف أحد موضعه).انظر(روضة الواعظين): ص151-152 مجلس في ذكر وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

ويُعفى قبرها.

وقد عمل أمير المؤمنين (عليه السلام) بكامل وصاياها (صلوات اللّه عليها).

وفي رواية ابن عباس أن فاطمة (عليها السلام) قالت لعلي (عليه السلام) : «... وأن لا يشهد أحد من أعداء اللّه جنازتي ولا دفني، ولا الصلاة عليّ»(1).

الوصية المكتوبة

في بعض الروايات أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بعد أن وصّت بوصاياها لفظاً، قامت بكتابة وصية خطية في ذلك للتأكيد، وهذا مما يستفاد منه استحباب كتابة الوصية.

روي أن علياً (عليه السلام) وجد عند رأس فاطمة (عليها السلام) بعد ما توفيت رقعة فيها:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور، يا علي أنا فاطمة بنت محمد زوّجني اللّه منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي

ص: 329


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص392.

من غيري، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل وصلّ عليّ، ادفني بالليل ولا تُعلم أحداً، واستودعك اللّه واقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة»(1).

لا يدخلن عليّ أحد

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت لأسماء: «فإذا أنا متّ فاغسليني أنت وعلي ولا يدخلن عليّ أحد»(2). أو «ولا تدخلي عليّ أحداً»(3).

قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فلما توفيت - أي فاطمة (عليها السلام) - جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر فقالت: إن هذه الخثعمية!! تحول بيننا وبين بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء فوقف على الباب فقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يدخلن على بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعلت لها مثل هودج العروس؟ قالت: هي (عليها السلام) أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأريتُها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها، قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف(4).

وروي أن فاطمة (عليها السلام) لما أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) القصة، فهجرته ولم تكلّمه حتى توفيت ولم يؤذن بها أبو بكر(5).

وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة

ص: 330


1- بيت الأحزان: ص180.
2- كشف الغمة: ج2 ص126 فصل: في وفاة فاطمة (عليها السلام) .
3- أسد الغابة: ج5 ص524.
4- الاستيعاب: ج4 ص1897-1898، وانظر (السنن الكبرى): ج4 ص34-35.
5- انظر (صحيح البخاري): ج5 ص82-83 كتاب المغازي باب غزوة خيبر.

بكت... وأوصت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن لا يؤذن بها الشيخين، ففعل»(1).

وكانت الصديقة فاطمة (عليها السلام) تريد أن يعرف الجميع بأنها ماتت وهي غاضبة عليهما.

الوصية بالصبر

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بدو مرض فاطمة (عليها السلام) بعد خمسين ليلة من وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعلمت أنها الوفاة، فاجتمعت لذلك تأمر علياً (عليه السلام) بأمرها وتوصيه بوصيتها، وتعهد إليه عهودها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يجزع لذلك، ويطيعها في جميع ما تأمره، فقالت: يا أبا الحسن إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عهد إليّ وحدثني أني أول أهله لحوقاً به ولابد مما لابد منه، فاصبر لأمر اللّه تعالى وارض بقضائه» قال (عليه السلام) : «وأوصته بغسلها وجهازها ودفنها ليلاً، ففعل» قال (عليه السلام) : «وأوصته بصدقتها وتركتها» قال (عليه السلام) : «فلما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من دفنها لقيه الرجلان فقالا له: ما حملك على ما صنعت؟»، قال (عليه السلام) : «وصيتها وعهدها»(2).

أدفني ليلا

عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه الحسين (عليه السلام) قال: «لما مرضت فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك.

وكان يمرّضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها اللّه) على استسرار بذلك، كما وصت به. فلما حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن

ص: 331


1- مستدرك الوسائل: ج2 ص290 ب34 من أبواب صلاة الجنازة ح3.
2- بحار الأنوار: ج43 ص201 ب7 ح30.

يتولى أمرها، ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها، فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها، وعفى موضع قبرها..»(1).

الصدقات ومتاع البيت

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وأوصت فاطمة (عليها السلام) بصدقتها ومتاع البيت، وأوصته أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص، وقالت: بنت أختي وتحنّن على وُلدي»(2).

فاضل حنوط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

كان مما أوصت به الصديقة فاطمة (عليها السلام) علياً (عليه السلام) : أن يحنّطها بفاضل حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي جاء به جبرئيل من الجنة، وكان أربعين درهماً، فقسّمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أثلاثاً: ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعلي، وثلثاً لفاطمة، وأن يغسّلها في قميصها، ولا يكشفه عنها، فإنها طاهرة مطهرة.

وروي أن فاطمة (عليها السلام) لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء: «إن جبرئيل أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة، فقسمه أثلاثاً: ثلثاً لنفسه وثلثاً لعلي وثلثاً لي، وكان أربعين درهماً».

فقالت: «يا أسماء ائتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، فضعيه عند رأسي»، فوضعته ثم تسجت بثوبها وقالت: «انتظريني هنيئة ثم ادعيني فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أني قد قدمت على أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..»(3).

وهكذا أوصت الصديقة فاطمة (عليها السلام) علياً (عليه السلام) بأن لا يحضرها أحد ممن ظلمها

ص: 332


1- الأمالي، للشيخ المفيد: ص281 المجلس33 ح7.
2- اللمعة البيضاء: ص890.
3- كشف الغمة: ج2 ص122-123 فصل: ذكر حالها بعد أبيها.

وخاصة الأول والثاني وابنتاهما، لا للصلاة عليها ولا للدفن ولا لغير ذلك.

وفي اللحظات الأخيرة

روي أنه مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت (صلوات اللّه عليها) فلما نُعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهت خلف علي (عليه السلام) وأحضرته فقالت: «يا ابن عم، إنه قد نعيت إليّ نفسي، وإني لا أرى ما بي إلاّ أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي».

قال لها علي (عليه السلام) : «أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول اللّه». فجلس (عليه السلام) عند رأسها وأخرج من كان في البيت، ثم قالت: «يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني».

فقال (عليه السلام) : «معاذ اللّه، أنت أعلم باللّه وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من اللّه من أن أوبخك غداً بمخالفتي، فقد عزّ عليّ بمفارقتك وبفقدك، إلاّ أنه أمر لابد منه، واللّه جددتِ عليّ مصيبة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه واللّه مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها». ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (عليه السلام) رأسها وضمها إلى صدره ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجديني فيها وفياً أمضي كل ما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري».

ثم قالت (عليها السلام) : «جزاك اللّه عني خير الجزاء، يا ابن عم، أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لا بدّ لهم من النساء». قال: «فمن أجل ذلك، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعة ليس لي إلى فراقه سبيل: بنت أبي العاص أمامة أوصتني بها فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ...».

ص: 333

ثم قالت (عليها السلام) : «أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا صورته». فقال (عليه السلام) لها: «صفيه لي» فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذاك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد.

ثم قالت (عليها السلام) : «أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأن لا يصلي عليّ أحد منهم، ولا من أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار(1)».

التهيؤ للقاء اللّه

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) لأسماء بنت عميس، حين توضأت وضوءها للصلاة: «هاتي طيبي الذي أتطيب به، وهاتي ثيابي التي أصلّي فيها»، فتوضأت ثم وضعت رأسها، فقالت لها: «اجلسي عند رأسي، فإذا جاء وقت الصلاة فأقيميني، فإن قمت وإلاّ فأرسلي إلى علي (عليه السلام) ».

فلما جاء وقت الصلاة قالت أسماء: الصلاة يا بنت رسول اللّه، فإذا هي قد قُبضت، فجاء علي (عليه السلام) فقالت له: قد قبضت ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

وروي أنه لما كان في اليوم الذي ماتت فيه فاطمة (عليها السلام) ، قالت (عليها السلام) لأسماء: «هيئي لي ماءً»، فصببت لها، فاغتسلت (عليها السلام) كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: «ائتيني بثيابي الجدد»، فلبستها، ثم أتت البيت الذي كانت فيه، فقالت: «افرشي لي في وسطه»، ثم اضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت

ص: 334


1- روضة الواعظين:ج1 ص151 مجلس في ذكر وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- كشف الغمة: ج2 ص122 فصل: ذكر حالها بعد أبيها.

خدّها وقالت: «إني مقبوضة الآن»..(1).

حضور الملائكة وجبرائيل

حضرت الملائكة وعلى رأسهم جبرائيل (عليه السلام) عند الصديقة فاطمة (عليها السلام) لما أراد اللّه أن يقبض روحها إليه، كما حضرها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

عن زيد بن علي (عليه السلام) : «أن فاطمة (عليها السلام) لما احتضرت سلّمت على جبرئيل، وعلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسلّمت على ملك الموت، وسمعوا حس الملائكة، ووجدوا رائحة طيبة كأطيب ما يكون من الطيب»(2).

وعن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عن جده (عليهم السلام) : «أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما احتضرت نظرت نظراً حاداً، ثم قالت: السلام على جبرئيل، السلام على رسول اللّه، اللّهم مع رسولك، اللّهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام، ثم قالت: أترون ما أرى؟ فقيل لها: ما ترى؟

قالت: هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول اللّه ويقول: يا بنية اقدمي فما أمامك خير لك»(3).

وقال علي (عليه السلام) : «لما كانت الليلة التي أراد اللّه أن يكرمها - أي فاطمة (عليها السلام) - ويقبضها إليه، أقبلت تقول: وعليكم السلام، وهي تقول لي: يا ابن عم، قد أتاني جبرئيل مسلّماً، وقال لي: السلام يقرئك السلام، يا حبيبة حبيب اللّه، وثمرة فؤاده، اليوم تلحقين به الرفيع الأعلى وجنة المأوى، ثم انصرف عني».

ص: 335


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص400-401 المجلس14 ح41.
2- بحار الأنوار: ج43 ص200 ب7 ح30.
3- انظر (بيت الأحزان): ص178-179 باب سلامها (عليها السلام) على جبرئيل والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين نزلا عليها.

قال (عليه السلام) : «ثم سمعناها ثانية تقول: وعليكم السلام، فقالت: يا ابن عم، هذا واللّه ميكائيل، ويقول لي كقول صاحبه، ثم أخذت ثالثاً تقول: وعليكم السلام، ورأيناها قد فتحت عينيها فتحاً شديداً ثم قالت: يا ابن عم، هذا واللّه الحق، وهو عزرائيل قد نشر جناحه بالمشرق والمغرب، وقد وصفه لي أبي وهذه صفته». ثم سمعناها تقول: «وعليك السلام يا قابض الأرواح، عجّل بي ولا تعذبني». ثم سمعناها تقول: «إليك ربي لا إلى النار، ثم غمضت عينيها، ومدّت يديها ورجليها، كأنها لم تكن حية قط»(1).

ماتت أمنا فاطمة (عليها السلام)

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) لما علمت بقرب وفاتها، تسجت بثوبها وقالت لأسماء: «انتظريني هنيئة وادعيني، فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أني قد قدمت على أبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

فانتظرتها هنيئة ثم نادتها فلم تجبها، فنادت:

يا بنت محمد المصطفى.. يا بنت أكرم من حملته النساء.. يا بنت خير من وطئ الحصا.. يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى.. فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام..

فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالا: «يا أسماء ما يُنيم أمّنا في هذه الساعة».

ص: 336


1- دلائل الإمامة: ص133 خبر منامها قبل وفاتها (عليها السلام) .

قالت: يا ابني رسول اللّه ليست أمكما نائمة، قد فارقت الدنيا!.

فوقع عليها الحسن (عليه السلام) يقبّلها مرة ويقول: «يا أماه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني».

قالت: وأقبل الحسين (عليه السلام) يقبّل رجلها، ويقول: «يا أماه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت».

قالت لهما أسماء: يا ابني رسول اللّه انطلقا إلى أبيكما علي، فأخبراه بموت أمكما.

فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول اللّه، لا أبكى اللّه أعينكما، لعلّكما نظرتما إلى موقف جدّكما فبكيتما شوقاً إليه؟

فقالا: «لا، أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة صلوات اللّه عليها»؟

قال: فوقع علي (عليه السلام) على وجهه يقول: «بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك»؟ ثم قال:

لكل اجتماع من خليلين فرقة***وكل الذي دون الفراق قليل

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل(1)

وروي أنه لما سمع الإمام علي (عليه السلام) بموت الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) غشي عليه لشدة المصاب.

قال ابن عباس: لما توفيت فاطمة (عليها السلام) شقت أسماء جيبها، وخرجت فتلقاها الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالا: أين أمنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممددة،

ص: 337


1- بحار الأنوار: ج43 ص186-187 ب7 ح18.

فحركها الحسين (عليه السلام) فإذا هي ميتة فقال: «يا أخاه آجرك اللّه في الوالدة»، وخرجا يناديان: «يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا».

ثم أخبرا علياً (عليه السلام) وهو في المسجد، فغُشي عليه حتى رُش عليه الماء، ثم أفاق فحملهما حتى أدخلهما بيت فاطمة (عليها السلام) وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: «وا يتامى محمد، كنا نتعزى بفاطمة بعد موت جدكما فيمن نتعزى بعدها»؟(1).

لما توفيت فاطمة (عليها السلام)

روي أنه لما توفيت فاطمة (صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) مظلومة شهيدة: (صاحت أهل المدينة صيحة واحدة، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع من صراخهن، وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول اللّه..

وأقبل الناس مثل عرف الفرس(2)

إلى علي (عليه السلام) وهو جالس والحسن والحسين (عليهما السلام) بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم (عليها السلام) وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسحبها وهي تقول: «يا أبتاه يا رسول اللّه، الآن حقاً فقدناك، فقداً لا لقاء بعده أبداً».

واجتمع الناس فجلسوا، وهم يضجون وينتظرون أن تخرج الجنازة، فيصلوا عليها)(3)، ولكنها (عليها السلام) كانت قد أوصت بأن تجهّز وتدفن ليلاً.

انصرفوا.. تأخرت الجنازة

عتد ذلك خرج أبوذر (رحمه اللّه) إلى الناس وقال: انصرفوا فإن ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 338


1- بحار الأنوار: ج43 ص214 ب7 ح44.
2- أي تتابعوا في الدخول عليه كعرف الفرس.
3- روضة الواعظين: ج1 ص151-152 مجلس في ذكر فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

قد أخّر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا..

فلما أن هدأت العيون، ومضى شطر من الليل، قام علي (عليه السلام) حسب وصيتها بتكفينها ودفنها، فكفّنها في سبعة أثواب، وحنّطها بفاضل حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم صلّى عليها، وكبّر خمساً، ودفنها في جوف الليل، وعفى قبرها، وسوّى حواليها قبوراً مزورة حتى لا يعرف قبرها(1).

الغسل

قام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بغُسل الصديقة فاطمة (عليها السلام) من تحت الثياب، فإنها قالت فيما وصته به: «فغسّلني ولا تكشف عني، فإني طاهرة مطهرة، وليصلّ عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى ومن رزق أجري، وادفني ليلاً في قبري، بهذا أخبرني حبيبي رسول اللّه» (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

وعن المفضل قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : جُعلت فداك من غسّل فاطمة (عليها السلام) ؟ قال: «ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام) ».

قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله، فقال (عليه السلام) : «كأنك ضقت مما أخبرتك به»؟ قلت: قد كان ذلك جُعلت فداك. قال (عليه السلام) : «لاتضيقن، فإنها صديقة لا يُغسّلها إلاّ صدّيق، أما علمت أن مريم (عليها السلام) لم يغسلها إلاّ عيسى (عليه السلام) ..»(3).

الكفن

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة (عليها السلام) كُفّنت في سبعة أثواب»(4).

ص: 339


1- انظر (اللمعة البيضاء): ص869.
2- بحار الأنوار: ج43 ص179 ب7 ضمن ح15.
3- علل الشرائع: ج1 ص184 ب148 ح1.
4- مستدرك الوسائل: ج2 ص208 ب1 من أبواب الكفن ح9.

وعن محمد بن المنكدر(1): (أن علياً (عليه السلام) كفّن فاطمة في سبعة أثواب)(2).

وفي رواية ورقة قال علي (عليه السلام) : «واللّه لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها، ولم أكشفه عنها فواللّه لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها» الحديث(3).

صلاة الجنازة

لم يحضر جنازة فاطمة (عليها السلام) والصلاة عليها إلاّ البعض الخلص من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) .. وقد منعت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في وصيتها أن يحضر جنازتها من ظلمها وخاصة الأول والثاني.

عن علي (عليه السلام) قال: «خلقت الأرض لسبعة، بهم يُرزقون وبهم يمُطرون وبهم يُنصرون: أبو ذر، وسلمان، والمقداد، وعمار، وحذيفة، وعبد اللّه بن مسعود، قال علي (عليه السلام) : وأنا إمامهم.. وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة (عليها السلام) »(4).

وفي الحديث: لما جنّ الليل غسّلها علي (عليهما السلام) ووضعها على السرير، وقال للحسن (عليه السلام) : «ادع لي أبا ذر»، فدعاه فحملاه إلى المصلّى، فصلّى عليها، ثم صلّى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: «هذه بنت نبيك فاطمة، أخرجتَها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلا في ميل»، فلما أرادوا أن يدفنوها

ص: 340


1- محمد بن المنكدر بن عبداللّه بن الهذير القرشي التيمي أبو عبداللّه كان محدثاً مقرئاً وكان من علماء العامة الذين لهم ميل ومحبة شديدة بأهل البيت (عليهم السلام) كما قال الشيخ الكشي رحمه اللّه توفي سنة 130 أو 131ه.
2- مستدرك الوسائل: ج2 ص208 ب1 من أبواب الكفن ح10.
3- الأنوار البهية: ص62.
4- الخصال: ص361 باب السبعة ح50.

نودوا من بقعة من البقيع: إليّ إليّ، فقد رفع تربتها مني، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها فدفنوها، فجلس علي (عليه السلام) على شفير القبر فقال: «يا أرض استودعتك وديعتي هذه بنت رسول اللّه»، فنودي منها: يا علي أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تهتم، فرجع وانسد القبر واستوى بالأرض، فلم يعلم أين كان - قبرها - إلى يوم القيامة(1).

القبر المجهول

نقل الفريقان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) دُفنت ليلاً بحسب وصيتها وعفي موضع قبرها، ولم يحضرها ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب ولا غيرهما ممن ظلموها.

روى الحاكم بسنده عن عائشة قالت: (دُفنت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلاً دفنها علي، ولم يشعر بها أبو بكر حتى دُفنت، وصلى عليها علي بن أبي طالب)(2).

وروى ابن سعد في الطبقات عدة روايات عن الزهري وعن عروة وعن الإمام الباقر (عليه السلام) وعن موسى بن علي، وعن عائشة، وعن يحيى بن سعيد: (أن فاطمة (عليها السلام) دُفنت ليلاً)(3).

وروي في الطبقات أيضاً بسنده عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفناها بليل بعد هدأة، قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي»(4).

ص: 341


1- بحار الأنوار: ج43 ص215 ب7 ح44.
2- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص162-163.
3- الطبقات الكبرى: ج8 ص29-30 ترجمة فاطمة (عليها السلام) .
4- الطبقات الكبرى: ج8 ص30 ترجمة فاطمة (عليها السلام) .

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (صلّى عليها علي بن أبي طالب وهو الذي غسّلها مع أسماء بنت عميس.. وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا)(1).

وأورد السمهودي في (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) عدة روايات دالة على أن فاطمة (عليها السلام) دفنت ليلاً.

ومنها ما حكاه ابن حجر عن البيهقي أنه قال: (وقد ثبت أن أبا بكر لما يعلم بوفاة فاطمة (عليها السلام) لما في الصحيح من حديث عائشة: أن علياً دفنها ليلاً ولم يُعلم أبا بكر)(2).

وعن الطبري(3) في دلائل الإمامة(4) عن محمد بن همام: (أن علياً (عليه السلام) دفنها بالروضة وعفى موضع قبرها، قال: وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدّدا)(5).

وفي رواية: (دفنها علي (عليه السلام) في قبر في البقيع قد حُفر من قبل، فانسد القبر

ص: 342


1- الاستيعاب: ج4 ص1898.
2- تلخيص الحبير: ج5 ص274 عن البيهقي.
3- محمد بن جرير بن رستم الآملي أبو جعفر الصغير من أعلام القرن الخامس الهجري وكان معاصراً للشيخ الطوسي والنجاشي بل أعلى منهما طبقة، وثقه السيد ابن طاووس واعتمد على كتابه، له جملة من المصنفات منها نوادر الإمامة ونوادر المعجزات.
4- دلائل الإمامة أو دلائل الإئمة أو الإمامة أو غيرها للشيخ محمد بن جرير الصغير ألفه بعد سنة 411ه وقد جمع جملة من الأحاديث حول أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم وقد سقطت من النسخة المعتمد عليها باب أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) فابتدأت النسخة المطبوعة باب أخبار فاطمة الزهراء (عليها السلام) وانتهى بذكر أخبار الإمام الحجة (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) ، وقد ألحق في المطبوع من الكتاب مستدركاً في أول الكتاب نقلوا فيها الأخبار التي رواها السيد ابن طاووس المتوفى سنة 664ه عن نسخته التامة التي كانت عنده والمتعلقة بباب بأمير المؤمنين (عليه السلام) .
5- انظر (دلائل الإمامة): ص136 خبر وفاتها ودفنها (عليها السلام) وما جرى لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع القوم.

واستوى بالأرض فلم يعلم أين كان قبرها إلى يوم القيامة)(1).

وقيل(2):

إنها (صلوات اللّه عليها) دُفنت في الروضة بجوار النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين القبر والمنبر الشريفين..

وقيل(3):

إنها (عليها السلام) دُفنت في بيتها وهو الآن ضمن المسجد النبوي الشريف، وربما كان هذا الرأي أقرب.

عن البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قبر فاطمة (عليها السلام) فقال: «دُفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد»(4).

وقيل: إنها (عليها السلام) دُفنت في موضع من البقيع(5)،

وقيل: غير ذلك(6).

وهكذا حصل الاختلاف في موضع دفنها، ليكون قبرها المجهول إلى يوم القيامة دليلاً على مظلوميتها (عليها السلام) وعدم شرعية من غصب الخلافة.

روي أنه (عليه السلام) قال: «غسّلوها وكفّنوها وحنّطوها وصلّوا عليها ليلاً، ودفنوها بالبقيع، وماتت بعد العصر»(7).

وفي رواية: «فغسّلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يحضرها غيره والحسن والحسين

ص: 342


1- انظر (اللمعة البيضاء): ص879.
2- وهو قول الشيخ المفيد وظاهر قول الشيخ الطوسي والشيخ ابن شهر آشوب.
3- وهو الظاهر من قول الشيخ الكليني وصريح قول الشيخ الصدوق.
4- الكافي: ج1 ص461 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح9.
5- كما عليه جملة من الروايات السابقة الذكر واللاحقة.
6- قيل: إن قبرها عند المسجد الذي يصلون على جنائزهم بالبقيع وكان يسمى بمسجد رقية وهي امرأة كانت قد عمرته، وقيل: إنه في زاوية دار عقيل في المدينة بالقرب من البقيع مما يلي دار الجحشيين.
7- كشف الغمة: ج2 ص123 باب ذكر حالها بعد أبيها.

وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام) وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع في الليل»(1).

وقال الشيخ ابن شهر آشوب: قال الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : (الأصوب أنها مدفونة في دارها أو في الروضة)، ويؤيد قوله قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة»(2).

وقد روى الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة»، لأن قبر فاطمة (عليها السلام) بين قبره ومنبره، وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة(3).

وقال ابن بابويه (رحمه اللّه) : (الصحيح عندي أنها دفنت في بيتها)(4).

وفي الحديث الشريف أنه: «كان بيت فاطمة (عليها السلام) ملاصقاً لبيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه»(5).

وهكذا سوّى أمير المؤمنين (عليه السلام) قبر الصديقة فاطمة (عليها السلام) مع الأرض مستوياً، وسوّى حواليها قبوراً مزورة حتى لا يُعرف قبرها.

ص: 343


1- دلائل الإمامة: 136 ح43.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص139 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
3- انظر (معاني الأخبار): ص368 باب معنى الخبر الذي روي عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: مابين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة.. ح1، مع أن الشيخ الصدوق روى هذه الرواية إلا أنه اختار الرواية القائلة أنها مدفونة في بيتها (عليها السلام) .
4- انظر (من لا يحضره الفقيه): ج2 ص572 زيارة فاطمة بنت النبي صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
5- انظر (بشارة المصطفى): ص218 ح44.

فروي أنه رشّ أربعين قبراً حتى لا يبين قبرها من غيره من القبور، فيصلوا عليها(1).

لماذا دفنت ليلا؟

كان دفن الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) ليلاً وفي خفاء كامل، قد أغضب من ظلمها غضباً شديداً، لأنهم أرادوا بمشاركتهم في جنازتها أن يغطوا على ما فعلوه من الظلم تجاهها، ولكن اللّه تعالى فضحهم.

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ودَفَنَها ليلاً»(2). أي عليٌ (عليه السلام) فاطمةَ (عليها السلام) .

وعن الأصبغ بن نباتة(3) قال: سُئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن علة دفنه لفاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلاً؟ فقال (عليه السلام) : «إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها»(4).

وعن ابن البطائني عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) لأي علة دُفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل؟ ولم تُدفن بالنهار؟ قال: «لأنها أوصت أن لا يصلي عليها الرجلان الأعرابيان»(5) أي الأول والثاني.

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «فلما انتبهت - فاطمة (عليها السلام) - من

ص: 344


1- بحار الأنوار: ج43 ص183 ضمن ح16.
2- مستدرك الوسائل: ج2 ص134 ب29 من أبواب الاحتضار وما يناسبه ح7.
3- الأصبغ بن نباتة المجاشعي أبو القاسم الكوفي من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الرواة ومن خاصته وثقاته ومن شرطة الخميس، وكان من أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) وهو الراوي لعهد مالك الأشتر ووصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لمولانا الإمام الحسن (عليه السلام) .
4- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص755-756 المجلس94 ح9.
5- بحار الأنوار: ج43 ص206-207 ب7 ح34.

مرقدها صاحت بي، فأتيتها وقلت لها: ما تشكين؟ فخبرتني بخبر الرؤيا(1)،

ثم أخذت عليّ عهداً لله ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنها إذا توفت لا اُعلم أحداً إلاّ أم سلمة زوج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأم أيمن وفضة، ومن الرجال ابنيها وعبد اللّه بن عباس وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر والمقداد وأبو ذر وحذيفة، وقالت: إني أحللتك من أن تراني بعد موتي، فكن مع النسوة فيمن يغسلني، ولا تدفني إلاّ ليلاً، ولا تعلم أحداً قبري»(2).

وروي أن علياً (عليه السلام) دفن فاطمة (عليها السلام) ليلاً وسوّى قبرها، فعوتب على ذلك فقال: «بذلك أمرتني»(3).

الوداع الأخير

قال علي (عليه السلام) : «واللّه لقد أخذت في أمرها، وغسّلتها في قميصها، ولم أكشفه عنها، فواللّه لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنّطتها من فضلة حنوط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديتُ:

يا أم كلثوم.. يا زينب.. يا سكينة.. يا فضة.. يا حسن.. يا حسين.. هلمّوا تزوّدوا من أمكم، فهذا الفراق واللقاء في الجنة.

فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان: وا حسرتا وا حسرة لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمنا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن ويا أم الحسين، إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا».

ص: 345


1- أي الرؤيا التي رأت فيها أباها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد بشرها بأنها تكون عنده بعد أيام.
2- دلائل الإمامة: ص133 ح42 خبر منامها قبل وفاتها (عليها السلام) .
3- كشف الغمة: ج2 ص122 باب ذكر حالها بعد أبيها.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إني أشهد اللّه أنها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا واللّه ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب».

قال: «فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء، وأنا أنشد بهذه الأبيات:

فراقك أعظم الأشياء عندي***وفقدك فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة وأنوح شجوا***على خل مضى أسنى سبيل

ألا يا عين جودي وأسعديني***فحزني دائم أبكي خليلي»

ثم حملها أمير المؤمنين (عليه السلام) على يده وأقبل بها إلى قبر أبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونادى: «السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا حبيب اللّه، السلام عليك يا نور اللّه، السلام عليك يا صفوة اللّه، مني السلام عليك، والتحية واصلة مني إليك ومن ولديك، ومن ابنتك النازلة عليك بفنائك، وإن الوديعة قد استُردّت، والرهينة قد اُخذت، فوا حزناه على الرسول، ثم من بعده على البتول، ولقد اسودّت عليّ الغبراء، وبعُدَت عنّي الخضراء، فوا حزناه، ثم وا أسفاه». ثم عدل بها على الروضة فصلى عليها... ثم دفنها ليلاً وعفى موضع قبرها(1).

لقد استرجعت الوديعة

عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه الحسين (عليه السلام) قال:

«.. فلما نفض علي (عليه السلام) يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال:

السلام عليك يا رسول اللّه مني.. والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة

ص: 346


1- اللمعة البيضاء: ص859-861.

عينك، وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار اللّه لها سرعة اللحاق بك، قَلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلّدي، إلاّ أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزي، فلقد وسدّتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب اللّه أنعم القبول، {إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}(1).

لقد استُرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء..

يا رسول اللّه أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي، أو يختار اللّه لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهمّ مهيج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى اللّه أشكو، وستُنبؤك ابنتك بتظاهر أمتك عليّ وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول، ويحكم اللّه وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول اللّه، سلام مودع لا سئم ولا قال، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً، وللبثت عنده معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين اللّه تُدفن ابنتك سراً، وتهتضم حقها قهراً، وتمنع إرثها جهراً، ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، فإلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى، وفيك أجمل العزاء، وصلوات اللّه عليك وعليها ورحمة

ص: 347


1- سورة البقرة: 156.

اللّه وبركاته»(1).

وروي أنه (عليه السلام) لما صار بها (عليها السلام) إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولتها، وانصرف(2). وربما كان ذلك يد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حيث استرجع الوديعة..

وهاج الحزن

بعد أن أتم علي (عليه السلام) دفن الصديقة فاطمة (عليها السلام) ليلاً، وعفّى موضع قبرها كما وصّت بذلك، هاج به الحزن واشتد بكاؤه.. فحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال:«... وستنبّؤك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فاحفّها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول، ويحكم اللّه وهو خير الحاكمين.

والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين، واهاً واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين اللّه تُدفن ابنتك سراً؟ وتهضم حقها؟ وتمنع إرثها؟ ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى وفيك يا رسول اللّه أحسن العزاء، صلى اللّه عليك وعليها، السلام والرضوان(3).

مؤامرات لنبش القبور

لا زال القبر المجهول للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .. يفضح الظالمين

ص: 348


1- الأمالي، للشيخ المفيد: ص281-283 المجلس33 ح7.
2- بحار الأنوار: ج43 ص184 ب7 ضمن ح16.
3- الكافي: ج1 ص460 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح3.

الذين اغتصبوا الخلافة، فكم من شخص اهتدى إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بعد علمه بما جرى على ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الظلم والجور(1).

ومن هنا يُعلم أن الأعداء لماذا كانوا يصرون على معرفة قبرها، حتى جمعوا بعض نساء المدينة لينبشوا القبور، فمنعهم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ..

روي أن فاطمة (عليها السلام) لما توفيت ولها ثمان عشرة سنة وشهران، وقد أقامت بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً - أو أربعين يوماً - وتولى غُسلها وتكفينها أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخرجها ومعه الحسن والحسين (عليهم السلام) في الليل وصلّوا عليها ولم يعلم بها أحد، ودفنها في البقيع أو في مكان آخر، جدّد أربعين قبراً.

فاشتكل على الناس قبرها، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: إن نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خلّف بنا بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ولا نعرف قبرها فنزورها!

فقال من تولى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور! حتى نجد فاطمة (عليها السلام) فنصلي عليها ونزور قبرها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه وقد تقلّد سيفه ذا

ص: 348


1- يقول أحدهم في كتابه وهو الكاتب السوداني المتشيع عبد المنعم حسن: (بنور فاطمة اهتديت): (الاهداء: إلى الشمعة التي أخذتني إلى حيث الهداية.. وفتحت لي آفاق نور الولاية.. سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) ..)، وقال في ص63-64: (كيفما كانت التساؤلات ومهما كان التبرير، ها هي فاطمة (عليها السلام) كما وجدت بين طيات الكتب غاضبة على الخليفتين.. وكما سأبين لك عزيز القاريء في الفصول القادمة.. وبرغم كل الحواجز قررت مواصلة البحث والتنقيب على ألا أجعل بين نفسي والحقائق حجاب الخوف أو الرهبة أو التبرير ومضيت في طريق ربما كان شائكاً في بدايته ولكني بفضل بركات الصديقة الطاهرة وصلت إلى شاطيء اليقين، ومعها روحي فداها كانت البداية المفجعة والنهاية الممزوجة بحلاوة الإيمان وقمة المعرفة..).

الفقار حتى بلغ البقيع وقد اجتمعوا فيه، فقال (عليه السلام) : لو نبشتم قبراً من هذه القبور لوضعت السيف فيكم، فتولى القوم عن البقيع(1).

وفي رواية: إن المسلمين لما علموا وفاة الصديقة فاطمة (عليها السلام) وأنها دُفنت في الليل، جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضجّ الناس ولام بعضهم بعضاً وقالوا: لم يخلّف نبيكم فيكم إلاّ بنتاً واحدة تموت وتُدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها..

ثم قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها، فنصلي عليها، ونزور قبرها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) فخرج مغضباً، قد احمرت عيناه، ودرّت أوداجه، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو متوكئ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، فسار إلى الناس النذيرُ وقالوا: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم باللّه لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآمر.

فتلقاه ابن الخطاب ومن معه من أصحابه وقال له: ما لك يا أبا الحسن، واللّه لننبشن قبرها ولنصلين عليها.

فضرب علي (عليه السلام) بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض وقال له: «يا ابن السوداء، أمّا حقّي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة (عليها السلام) فو الذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم، فإن شئت فأعرض يا عمر».. فتلقاه أبوبكر فقال: يا أبا

ص: 349


1- عيون المعجزات: ص47-48.

الحسن بحق رسول اللّه، وبحق من فوق العرش إلاّ خليت عنه، فإنا غير فاعلين شيئاً تكرهه، قال: فخلّى (عليه السلام) عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك»(1).

رواه أيضاً الطبري في دلائل الإمامة(2) عن محمد بن همام(3).

وقال علي (عليه السلام) في حديث: «.. وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، واللّه لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيتها إليّ فيكما».

فقال ابن الخطاب: دع عنك هذه الهمهمة أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلي عليها! فقال له علي (عليه السلام) : «واللّه لو ذهبت تروم من ذلك شيئاً وعلمت أنك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك فإني كنت لا أعاملك إلاّ بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك».

فوقع بين علي (عليه السلام) وابن الخطاب كلام حتى تلاحيا واستبسل، واجتمع المهاجرون والأنصار قالوا: واللّه ما نرضى بهذا أن يقال في ابن عم رسول اللّه وأخيه ووصيه، وكادت أن تقع فتنة فتفرقا(4).

قد دفنا فاطمة (عليها السلام) البارحة

وهكذا أراد أعداء فاطمة (عليها السلام) والذين قتلوها أن يتظاهروا أمام الناس بأنهم

ص: 350


1- انظر (اللمعة البيضاء): ص852-853.
2- دلائل الإمامة: ص136-137 ذيل ح43.
3- محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي أبو علي شيخ الامامية ومتقدمهم كان عظيم المنزلة جليل القدر كثير الحديث ثقة وكان قد ولد بدعاء الإمام العسكري (عليه السلام) ، له من المؤلفات: (التمحيص) وغيره، توفي سنة 336ه.
4- علل الشرائع: ج1 ص189 ب149 ح2.

ندموا مما فعلوا، ليُنسى ما ارتكبوا في حقها من ظلم وجور.. فأقبلوا يعزون علياً (عليه السلام) بوفاة الصديقة (عليها السلام) ويطلبون منه المشاركة في تجهيز ابنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. لكن الصديقة (عليها السلام) كانت قد أوصت من قبل بأن لايُؤذن لأحد من هؤلاء المنافقين بحضور جنازتها..

قال ابن عباس في حديث: فقُبضت فاطمة (عليها السلام) من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قُبض فيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..

فأقبل أبوبكر وعمر يعزيان علياً (عليه السلام) ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول اللّه.

فلما كان في الليل دعا علي (عليه السلام) : العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً، فتقدم علي (عليه السلام) وصلّى عليها وهم معه، ودفنوها ليلاً.

وفي رواية: (فقدّم العباس فصلى عليها ودفنوها) أي قدم العباسُ علياً (عليه السلام) فصلى علي (عليه السلام) عليها.

فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة (عليها السلام) .. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة!

فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: لم أقل لك إنهم سيفعلون.

قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها.

فقال عمر: واللّه لا تتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبداً!.

إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب واللّه!، لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها!.

فقال علي (عليه السلام) : واللّه لو رمت ذاك يا ابن صهاك لا رجعت إليك يمينك، واللّه لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك، فرم ذلك.

ص: 351

فانكسر عمر وسكت، وعلم أن علياً (عليه السلام) إذا حلف صدق(1).

إن وصية الصديقة فاطمة (عليها السلام) بدفنها ليلاً وإخفاء قبرها وعدم حضور أعدائها جنازتها، كانت ضربة قوية عليهم، تسلب منهم الشرعية، وتثبت للناس أنها (عليها السلام) ماتت وهي غاضبة عليهم، وغضبها غضب اللّه تعالى..

ص: 352


1- راجع كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص392-393.

38

فصل: الأحوال الفاطمية يوم القيامة

اشارة

أما ما يرتبط بفضائل الصديقة فاطمة (عليها السلام) ومقامها وأحوالها في يوم القيامة فهي كثيرة، منها:

أنها (عليها السلام) تشفع لشيعتها ومحبيها وتلتقطهم واحداً بعد واحد وتدخلهم الجنة.

وأنها (عليها السلام) تزفّ إلى الفردوس على ناقة من نوق الجنة ومعها عشرات الآلاف من الملائكة بل أكثر(1).

وأنها (عليها السلام) تأخذ بقميص ولدها الحسين (عليه السلام) وتصرخ وتبكي حتى يبكي لبكائها جميع الخلق، فيأمر اللّه عزّوجلّ بقتلته ومن رضي بقتله إلى النار.

وأنها (عليها السلام) تطالب بأن يحكم اللّه بينها وبين من ظلمها واغتصب حقها، ومن قَتَل سائر ولدها وذريتها، كالمحسن السقط (عليه السلام) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين قُتلوا بالسم.

ص: 351


1- في بعض الروايات عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة (عليها السلام) قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور، عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك..»، انظر (بشارة المصطفى): ص274، وفي بعض الأحاديث: (إن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلقة بقدرة الجبار، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها، لها مائة ألف باب، على كل باب ألف من الملائكة..)، انظر (الخصائص الفاطمية): ج1 ص206.

مقام الشفاعة

إن اللّه عزّوجلّ منح الصديقة فاطمة (عليها السلام) مقاماً عالياً في الشفاعة قليل النظير، فهي تشفع - بإذن اللّه تعالى - لجميع شيعتها ومحبيها، وتُدخلهم الجنة، كما في الروايات.

روي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال في حديث مواقف فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة: «فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سلي تعطي، واشفعي تشفّعي..»(1).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ثم يقول جبرئيل (عليه السلام) : يا فاطمة سلي حاجتك.

فتقولين: يا رب شيعتي، فيقول اللّه عزّ وجلّ: قد غفرتُ لهم.

فتقولين: يا رب شيعة ولدي، فيقول اللّه: قد غفرتُ لهم.

فتقولين: يا رب شيعة شيعتي، فيقول اللّه: انطلقي فمن اعتصم بكِ فهو معكِ في الجنة.

فعند ذلك يودّ الخلائق أنهم كانوا فاطميين، فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين، آمنةً روعاتهم، مستورةً عوراتهم، قد ذهبت عنهم الشدائد، وسُهّلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس وهم لا يظمئون..»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن اللّه تبارك وتعالى أمهر فاطمة (عليها السلام) ربع الدنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار، تُدخل أعداءها النار، وتُدخل أولياءها الجنة..»(3).

ص: 354


1- الفضائل، لشاذان بن جبرئيل القمي: ص11-12.
2- تفسير فرات الكوفي: ص446 ح587 سورة الطور.
3- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص668 المجلس36 ح6.

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في وصف ابنته الصديقة فاطمة (عليها السلام) : «... تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة، فأيما امرأة صلّت في اليوم والليلة خمس صلوات وصامت شهر رمضان، وحجّت بيت اللّه الحرام، وزكّت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت علياً (عليه السلام) بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة، وإنها سيدة نساء العالمين»(1).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في سبب تسمية ابنته (عليها السلام) بفاطمة: «لأنها فُطمت هي وشيعتها من النار»(2).

وعن محمد بن مسلم الثقفي(3) قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لفاطمة (عليها السلام) وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة (عليها السلام) بين عينيه محبّاً، فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول اللّه عزّوجلّ: صدقت يا فاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك، وأحب ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فأشفعك، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده

ص: 355


1- بشارة المصطفى: ص274 ح89.
2- دلائل الإمامة: ص148 ح57.
3- محمد بن مسلم بن رياح أبو جعفر الأوقص الطحان الثقفي ولد سنة 80ه وتوفي سنة 150ه من أصحاب الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) وجه الإمامية وكان من أوثق الناس وكان من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم وكان من أصحاب الإجماع وكان من أوعية العلم وفضله أشهر من أن يذكر أو يوصف.

وأدخليه الجنة»(1).

أقول: (مؤمناً) أي موالياً لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) .

غضوا أبصاركم

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (عليها السلام) »(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث: «وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة (عليها السلام) قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور، عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك..»(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكّسوا رؤوسكم، وغضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (عليها السلام) على الصراط». قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فتمر ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع»(4).

وروي: «أن آسية بنت مزاحم (عليها السلام) ومريم بنت عمران (عليها السلام) وخديجة (عليها السلام) يمشين أمام فاطمة (عليها السلام) كالحُجّاب لها إلى الجنة»(5).

وعن ابن عباس قال: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فتكون أول من تُكسى ويستقبلها من الفردوس اثنى عشر ألف حوراء لم يستقبلن أحداً قبلها ولا أحداً بعدها، على نجائب من ياقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ، عليها رحائل من درّ، على كل

ص: 355


1- علل الشرائع: ج1 ص179 ب142 ح6.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص36 ب31 ح55.
3- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص575 المجلس73 ح18.
4- دلائل الإمامة: ص153 ح67.
5- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص105 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

رحالة منها نمرقة من سندس، وركائبها زبرجد، فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس، فيتباشر بها أهل الجنان، وفي بطنان الفردوس قصور بيض وقصور صفر من لؤلؤة من غرز واحد، إن في القصور البيض لسبعين ألف دار منازل محمد وآله (صلوات اللّه عليهم)، وإن في القصور الصفر لسبعين ألف دار مساكن إبراهيم وآله (عليهم السلام) .. فتجلس على كرسي من نور يجلسون حولها، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلى أحد قبلها ولا يبعث إلى أحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرئك السلام، ويقول: سليني أعطك، فتقول: قد أتم عليّ نعمته وهنّأني كرامته وأباحني جنته، أسأله وُلدي وذريتي ومن ودّهم، وحفظهم فيها، فتقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}(1) وأقر عيني.

قال جعفر (عليه السلام) : كان أبي (عليه السلام) يقول: كان ابن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية:

{والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}(2)»(3).

على باب الجنة

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث مواقف فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة:

«فإذا بلغتِ باب الجنة تلقّتك اثنا عشر ألف حوراء لم يتلقين أحداً قبلك ولايتلقين أحداً بعدك، بأيديهم حراب من نور، على نجائب من نور، رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت الأحمر، أزمّتها من لؤلؤ رطب، على كل نجيب نمرقة من سندس منضود، فإذا دخلت الجنة تباشر بك أهلها، ووضع لشيعتك

ص: 356


1- سورة فاطر: 34.
2- سورة الطور: 21.
3- تفسير فرات الكوفي: ص443-444 ح585 سورة الطور.

موائد من جوهر، على عمد من نور، فيأكلون منها والناس في الحساب، {وهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ}(1)»(2).

زيارة الأنبياء (عليهم السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث مواقف فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة: «وإذا استقر أولياء اللّه في الجنة زاركِ آدم (عليه السلام) ومن دونه من النبيين (عليهم السلام) .. وإن في بطنان الفردوس لؤلؤتان من عرق واحد، لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء، فيهما قصور ودور في كل واحدة سبعون ألف دار، فالبيضاء منازل لنا ولشيعتنا، والصفراء منازل لإبراهيم وآل إبراهيم صلوات اللّه عليهم أجمعين»(3).

أين ألقاك؟

عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قالت فاطمة (عليها السلام) لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم، ويوم الأهوال، ويوم الفزع الأكبر»؟

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة عند باب الجنة، ومعي لواء الحمد لله، وأنا الشفيع لأمتي إلى ربّي». قالت: «يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك»؟

قال: «القيني على الحوض وأنا أسقي أمتي».

قالت: «يا أبتاه فإن لم ألقك هناك»؟

قال: «القيني على الصراط وأنا قائم أقول: رب سلّم أمتي».

قالت: «فإن لم ألقك هناك»؟

ص: 356


1- سورة الأنبياء: 102.
2- بيت الأحزان: ص34.
3- بحار الأنوار: ج43 ص227 ب8 ح12.

قال: «القيني وأنا عند الميزان أقول: رب سلّم أمتي».

قالت: «فإن لم ألقك هناك»؟

قال: «القيني عند شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أمتي». فاستبشرت فاطمة (عليها السلام) بذلك صلى اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها»(1).

ما يحزنك يا بنية؟

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم على فاطمة (عليها السلام) وهي حزينة، فقال لها: ما حزنك يا بنية؟

قالت: يا أبة ذكرتُ المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة..

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا بنية إنه ليوم عظيم، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن اللّه عزّوجلّ أنه قال: أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي إبراهيم (عليه السلام) ، ثم بعلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم يبعث اللّه إليكِ جبرئيل في سبعين ألف ملك، فيضرب على قبرك سبع قباب من نور، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور، فيقف عند رأسك فيناديك: يا فاطمة بنت محمد قومي إلى محشرك، فتقومين آمنةً روعتك، مستورة عورتك، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها، ويأتيك روفائيل(2) بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محفة من ذهب، فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك، بأيديهم ألوية التسبيح، فإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور، يسطع منها ريح العود من غير نار،

ص: 358


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص350 المجلس46 ح14.
2- في بعض المصادر (زوقائيل) وفي بعضها (روفائيل) وروفائيل ملك بعثه اللّه إلى فاطمة (عليها السلام) ليعينها في المنزل على أعمالها المنزلية، انظر (الثاقب في المناقب): ص290-291 ح2.

وعليهن أكاليل الجوهر المرصع بالزبرجد الأخضر، فيسرن عن يمينك..

فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقيتك، إلى أن استقبلتك مريم بنت عمران (عليها السلام) في مثل من معك من الحور، فتسلم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك أمك خديجة بنت خويلد (عليها السلام) أول المؤمنات باللّه ورسوله، ومعها سبعون ألف ملك، بأيديهم ألوية التكبير.

فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء (عليها السلام) في سبعين ألف حوراء، ومعها آسية بنت مزاحم، فتسير هي ومن معها معك، فإذا توسطت الجمع وذلك أن اللّه يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الأقدام.

ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد ومن معها، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل الرحمن (صلوات اللّه وسلامه عليه) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) .. ويطلب آدم حواء فيراها مع أمك خديجة أمامك..

ثم ينصب لك منبر من النور فيه سبع مراقٍ، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة، بأيديهم ألوية النور، وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء معك عن يسارك حواء وآسية بنت مزاحم..»(1).

ناقة فاطمة (عليها السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث عن يوم القيامة: «إن فاطمة (عليها السلام) في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة، مدبجة الجنبين، واضحة الخدين، شهلاء العينين، رأسها من الذهب المصفى، وأعناقها من المسك والعنبر، خطامها من الزبرجد الأخضر،

ص: 359


1- تفسير فرات الكوفي: ص445-446 ح587 سورة الطور.

رحائلها مفضضة بالجوهر، على الناقة هودج غشاوته من نور اللّه، وحشوها من رحمة اللّه، خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا، يحف بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح والتمجيد والتهليل والتكبير والثناء على رب العالمين، ثم ينادي مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة غضوا أبصاركم، فهذه فاطمة بنت محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تمرّ على الصراط، فتمرّ فاطمة (عليها السلام) وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف، قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ويُلقى أعداؤها وأعداء ذريتها في جهنم»(1).

احكم بين وبين من ظلمني

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة (عليها السلام) على ناقة من نوق الجنة، مدبجة الجنبين، خطامها من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو اللّه، وخارجها رحمة اللّه، وعلى رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كل ركن مرصع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في أفق السماء.

وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل (عليه السلام) آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد، فلا بقى يومئذ نبي مرسل ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلاّ غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة. فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزخ بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني.. اللّهم احكم بيني وبين من قتل وُلدي.

ص: 360


1- ثواب الأعمال: ص219-220 عقاب من قتل الحسين (عليه السلام) .

فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي واشفعي تشفعي، فو عزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم.

فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحب ذريتي.

فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبو ذريتها؟ فيقومون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة (عليها السلام) حتى تدخلهم الجنة»(1).

عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة

يستفاد من الروايات الشريفة أن أكبر مجلس عزاء للإمام الحسين (عليه السلام) سيعقد يوم القيامة ويحضره جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة بما فيهم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، وذلك لمّا ترى يومذاك الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) رأس ولدها الحسين (عليه السلام) المقطوع وجسده المضرج بالدماء.. فتبكي وتصرخ وتقول: ووالداه.. فيضج جميع الخلق بالبكاء والنحيب...

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يمثل لفاطمة (عليها السلام) رأس الحسين (عليه السلام) متشخطاً بدمه، فتصيح وا ولداه، وا ثمرة فؤاداه، فتصيح الملائكة لصيحة فاطمة (عليها السلام) وينادي أهل القيامة: قتل اللّه قاتل ولدك يا فاطمة.

قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «تحشر ابنتي فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل احكم بيني وبين

ص: 361


1- بشارة المصطفى: ص42-43 ح32.
2- ثواب الأعمال: ص219 باب عقاب من قتل الحسين (عليه السلام) .

قاتل ولدي». قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «فيحكم اللّه تعالى لابنتي ورب الكعبة، وإن اللّه عزّوجلّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها»(1).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث يبين فيها مقام فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة:

«...أتاكِ جبرئيل (عليه السلام) فيقول لك: يا فاطمة سلي حاجتك، فتقولين: يا رب أرني الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فيأتيانك وأوداج الحسين (عليه السلام) تشخب دماً، وهو يقول: يا رب خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ثم يخرج فوج من النار فيلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم،ويقولون: يا رب إنا لم نحضر الحسين، فيقول اللّه لزبانية جهنم:خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار، فإنهم كانوا أشد على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه..»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة (صلوات اللّه عليها) في لمة من نسائها، فيقال لها: ادخلي الجنة فتقول: لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي؟ فيقال لها: انظري.

فتنظر إلى الحسين (صلوات اللّه عليه) قائماً وليس عليه رأس، فتصرخ (عليها السلام) صرخة، وأصرخ لصراخها، وتصرخ الملائكة لصراخنا، فتنادي: يا ولداه، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فيغضب اللّه عزّ وجلّ لنا، عند ذلك فيأمر ناراً اسمها: هبهب، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، لا يدخلها روح أبداً ولا يخرج منها غم

ص: 362


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص29 ب31 ح6.
2- تفسير فرات الكوفي: ص446 ح587 سورة الطور.

أبداً،فيقال لها: التقطي قتلة الحسين (صلوات اللّه عليه) وحملة القرآن(1) فتلتقطهم، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها، فينطقون بألسن ذلقة: يا ربنا بما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟، فيأتيهم الجواب: إن من علم ليس كمن لا يعلم..»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين والآخرين في صعيد واحد... فتأتي فاطمة (عليها السلام) على نجيب من نجب الجنة يشيعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي (عليه السلام) بيدها مضمخاً بدمه، وتقول: يا رب هذا قميص ولدي وقد علمتَ ما صنع به.

فيأتيها النداء من قبل اللّه عزّ وجلّ: يا فاطمة لك عندي الرضا.

فتقول: يا رب انتصر لي من قاتله، فيأمر اللّه تعالى عُنُقاً(3)

من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي (عليه السلام) كما يلتقط الطير الحب، ثم يعود العنق بهم إلى النار، فيعذبون فيها بأنواع العذاب. ثم تركب فاطمة (عليها السلام) نجيبها حتى تدخل الجنة، ومعها الملائكة المشيعون لها، وذريتها بين يديها، وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها»(4).

كسوة النور

عن الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 363


1- (وحملة القرآن) كما في بعض النسخ، أي الحملة الذين لم يعملوا بالقرآن بل خالفوه. منه (قدس سره) .
2- مثير الأحزان: ص62-63.
3- قال الجزري: العنق طائفة من النار.
4- الأمالي، للشيخ المفيد: ص130 المجلس15 ح6.

لفاطمة (عليها السلام) : «سألتِ أباك فيما سألت أين تلقينه يوم القيامة؟

قالت: نعم، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي: اطلبيني عند الحوض. قلت: إن لم أجدك هاهنا؟ قال: تجديني إذاً مستظلاً بعرش ربي، ولن يستظل به غيري.

قالت فاطمة (عليها السلام) : فقلت: يا أبة أهل الدنيا يوم القيامة عراة؟

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نعم يا بنية. فقلت له: وأنا عريانة؟

قال: نعم، وأنت عريانة، وإنه لا يلتفت فيه أحد إلى أحد.

قالت فاطمة (عليها السلام) : فقلت له: وا سوأتاه يومئذ من اللّه عزّ وجلّ.

فما خرجتُ حتى قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي: هبط عليّ جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام) ، فقال لي: يا محمد أقرئ فاطمة السلام،وأعلمها أنها استحيت من اللّه تبارك وتعالى، فاستحى اللّه منها، فقد وعدها أن يكسوها يوم القيامة حلتين من نور.

قال علي (عليه السلام) : فقلت لها: فهلا سألتيه عن ابن عمك؟

فقالت: قد فعلت، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن علياً أكرم على اللّه عزّوجلّ من أن يعريه يوم القيامة»(1).

أين فاطمة (عليها السلام)

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال جابر لأبي جعفر (عليه السلام) : جُعلت فداك يا ابن رسول اللّه حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة (عليها السلام) إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك. قال أبو جعفر (عليه السلام) : حدثني أبي (عليه السلام) عن جدي (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:

«إذا كان يوم القيامة نُصب للأنبياء والرسل (عليهم السلام) منابر من نور، فيكون منبري

ص: 364


1- كشف الغمة: ج2 ص118-119 قصة فدك.

أعلى منابرهم يوم القيامة، ثم يقول اللّه: يا محمد اخطب.

فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم يُنصب للأوصياء منابر من نور ويُنصب لوصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أوساطهم منبر من نور، فيكون منبره أعلى منابرهم، ثم يقول اللّه: يا علي اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابنيّ وسبطيّ وريحانتي أيام حياتي منبر من نور، ثم يقال لهما: اخطبا، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.

ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل (عليه السلام) : أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن، فيقول اللّه تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول محمد وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) : لله الواحد القهار.

فيقول اللّه تعالى: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) ، يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس، وغضّوا الأبصار، فإن هذه فاطمة (عليها السلام) تسير إلى الجنة، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ الرطب، عليها رحل من المرجان، فتناخ بين يديها، فتركبها، فيبعث اللّه إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا على يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيروها على باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول اللّه: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟

فتقول: يا رب أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم.

ص: 365

فيقول اللّه: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر (عليه السلام) : واللّه يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي اللّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا فيقول اللّه عزّوجلّ: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة (عليها السلام) بنت حبيبي؟

فيقولون: يا رب أحببنا أن يُعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول اللّه: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحُبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة (عليها السلام) ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة (عليها السلام) ، خذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال أبو جعفر (عليه السلام) : واللّه لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال اللّه تعالى: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ * ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}(1) فيقولون: {فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(2)، قال أبو جعفر (عليه السلام) : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا {ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ}(3)»(4).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) برواية ابن عباس أنه قال: «لن يركب يومئذ إلاّ أربعة: أنا وعلي وفاطمة وصالح نبي اللّه، فأما أنا فعلى البراق، وأما فاطمة ابنتي فعلى

ص: 366


1- سورة الشعراء: 100-101.
2- سورة الشعراء: 102.
3- سورة الأنعام: 28.
4- بحار الأنوار: ج8 ص51-52 ب21 ح59.

ناقتي العضباء..»(1).

وعن ابن عباس في حديث عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «... فيقول اللّه عزّوجلّ: صدقتِ يا فاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبكِ وتولاكِ وأحب ذريتكِ وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعكِ، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفكِ مني ومكانتكِ عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة»(2).

أول من تدخل الجنة

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أول شخص تدخل الجنة فاطمة»(3).

وعن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: حدثتني فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالت: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ألا أبشرك؟ إذا أراد اللّه أن يتحف زوجة وليه في الجنة بعث إليكِ، تبعثين إليها من حليك»(4).

جنة من لؤلؤة

عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إن اللّه تعالى لما أمرني

ص: 367


1- تفسير نور الثقلين: ج1 ص715 ح71 سورة الأنعام.
2- علل الشرائع: ج1 ص179 ب142 ح6.
3- بحار الأنوار: ج43 ص44 ب3 ح44، وروى هذا المعنى علماء العامة منهم أبو الحسن أحمد بن ميمون في كتابه فضائل علي (عليه السلام) ، والرافعي، وأبو صالح المؤذن في مناقب فاطمة (عليها السلام) ونقله عنهم كل من: المتقي الهندي في كنز العمال: ج12 ص110 ح34234، ميزان الاعتدال: ج2 ص618، لسان الميزان: ج4 ص16، نظم درر السمطين: ص180، وغيرهم.
4- دلائل الإمامة: ص67 ح3.

أن أزوّج فاطمة من علي (عليهما السلام) ففعلت، فقال لي جبرئيل: إن اللّه تعالى بنى جنة من لؤلؤة، بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب، وجعل سقوفها زبرجداً أخضر، وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، ثم جعل غرفها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ولبنة من درّ، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، ثم جعل فيها عيوناً تنبع من نواحيها، وحفّت بالأنهار، وجعل على الأنهار قباباً من درّ، قد شعبت بسلاسل الذهب، وحفت بأنواع الشجر، وبنى في كل غصن قبة، وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء، غشاؤها السندس والإستبرق، وفرش أرضها بالزعفران، وفتق بالمسك والعنبر، وجعل في كل قبة حوراء، والقبة لها مائة باب، على كل باب جاريتان وشجرتان، في كل قبة مفرش وكتاب، مكتوب حول القباب آية الكرسي.

فقلت: يا جبرئيل لمن بنى اللّه هذه الجنة؟

قال: بناها لعلي بن أبي طالب وفاطمة ابنتك (عليهما السلام) سوى جنانهما، تحفة أتحفهما اللّه ولتقر بذلك عينك يا رسول اللّه»(1).

وعن ابن عباس، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «لما أسري بي ودخلت الجنة بلغت إلى قصر فاطمة، فرأيت سبعين قصراً من مرجانة حمراء مكللة باللؤلؤ، أبوابها وحيطانها وأسرتها من عرق واحد»(2).

ص:1


1- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص113 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، ورواه علماء العامة منهم: ابن عساكر في تاريخ دمشق: ج42 ص129-130، مجمع الزوائد: ج9 ص204-205، المعجم الكبير: ج22 ص408.
2- بحار الأنوار: ج43 ص76 ب3 ح62.

هكذا زينت أبواب الجنان

إن اللّه عزّ وجلّ زيّن عرشه وكرسيه وجنانه وسماواته باسم الصديقة فاطمة (عليها السلام) وأبيها وبعلها وبنيها (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

عن ابن عباس عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «لما عُرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه، علي ولي اللّه، والحسن والحسين سبطا رسول اللّه، وفاطمة الزهراء صفوة اللّه، على ناكرهم وباغضهم لعنة اللّه تعالى»(1).

تبسم فاطمة (عليها السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «بينما أهل الجنة في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يُعذّبون، إذا لأهل الجنة نور ساطع، فيقول بعضهم لبعض: ما هذا النور؟

لعلّ رب العزة اطلع فنظر إلينا، فيقول لهم رضوان: لا ولكن علي (عليه السلام) مازح فاطمة (عليها السلام) فتبسمت فأضاء ذلك النور من ثناياها»(2).

ص: 369


1- الفضائل، لشاذان بن جبرئيل القمي: ص83.
2- مجمع النورين: ص30-31.

39

فصل: الشعائر الفاطمية

اشارة

من المستحب تعظيم الشعائر الفاطمية بمختلف أقسامها، ومنها: نشر علومها (عليها السلام) وتعليم سيرتها وتعلّمها، واتخاذها (عليها السلام) أسوة في مختلف مجالات الحياة، وكذلك تأليف وطبع ونشر الكتب والنشرات وتأسيس الإذعات والفضائيات(1)

وغيرها من وسائل الإعلام باسمها المبارك والتي تقوم ببيان فضائلها وتاريخها وظلامتها (صلوات اللّه عليها).

وكذلك إقامة مجالس العزاء والمواكب في أيام الفاطمية الأولى والثانية والثالثة(2)، والبكاء لمصابها، فإنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والحسنين (عليهما السلام) وسائر الأئمة (عليهم السلام) بكوا على مصابها.. وهم أسوة لنا.

ص: 370


1- كان الإمام المؤلف (رحمه اللّه) يحث دائماً على إقامة الإذاعات والفضائيات التي تعني بنشر فكر أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد تم تأسيس بعض ما كان يدعو إليه بعيد وفاته (أعلى اللّه درجاته)، منها فضائية (الأنوار) و(المهدي (عليه السلام) ) و(الزهراء (عليها السلام) ) و(الأنوار2) و(أهل البيت (عليهم السلام) ) و(سلام) وغيرها.
2- الفاطمية الأولى: وهي ماتعارف عليها من إقامة المآتم والعزاء لفاجعتها (عليها السلام) في يوم الثامن من شهر ربيع الأول تبعاً للرواية القائلة بأن شهادتها بعد أربعين يوماً من وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، * الفاطمية الثانية: وهي ماتعارف عليها من إقامة العزاء لشهادتها (عليها السلام) في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من شهر جمادى الأولى، وذلك تبعاً لرواية ال- (75) يوماً. * الفاطمية الثالثة: وهي ماتعارف عليها من إقامة العزاء لمصابها (عليها السلام) في اليوم الثالث من شهر جمادى الثانية تبعاً لرواية ال- (95) يوماً.

عن عبد اللّه بن العباس قال:

لما حضرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوفاة بكى حتى بلّت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول اللّه ما يبكيك؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأنّي بفاطمة (عليها السلام) بنتي وقد ظُلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه، يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي!»(1).

ومن شعائرها: إقامة مجالس الفرح والمهرجانات في مولدها الشريف(2)، وفي عيد الزهراء (عليها السلام) يوم التاسع من ربيع الأول عيد البراءة من أعدائها.

ومن شعائرها: إنشاء الإشعار والقصائد وإنشادها في مدحها(3) ورثائها(4).

ومنها: الصلوات عليها وعلى أبنائها الطاهرين (عليهم السلام) ، واللعن على أعدائها

ص: 371


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص188 المجلس7 ح18.
2- قال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص672: (وفيه - أي في اليوم الأول من شهر ذي الحجة - زوّج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) من أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وروي: أنه كان يوم السادس، ويستحب أن تصلي فيه صلاة فاطمة (عليها السلام) ، وروي أنها أربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) كل ركعة بالحمد مرة، وخمسين مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ويسبح عقبها بتسبيح الزهراء (عليها السلام) ويقول: (سبحان ذي العز الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، سبحان من يرى أثر النملة في الصفا، سبحان من يرى وقع الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره).
3- ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) : (ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلاّ بنى اللّه له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره كل ملك مقرب وكل نبي مرسل) انظر (عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ): ج1 ص15 في ثواب من قال في مدح الأئمة (عليهم السلام) بيتاً ح3.
4- ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (من قال فينا بيت شعر بنى اللّه له بيتاً في الجنة) وقال (عليه السلام) : (ماقال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس) انظر (بحار الأنوار): ج26 ص231 ب2 من أبواب سائر فضائلهم ومناقبهم وغرائب شؤونهم صلوات اللّه عليهم ح4 وح5، والروايتان مطلقتان تشمل حالتي المدح والرثاء.

وأعدائهم.

ومنها: إكرام ذريتها محبةً لها.

ومنها: زيارة قبور أولادها الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وذراريهم الطاهرين.

ومن شعائرها: انتظار فرج ولدها الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) والدعاء لتعجيل فرجه المبارك، والعمل بما يقتضيه الانتظار.

إلى غير ذلك من مصاديق تعظيم الشعائر الفاطمية المقدسة.

رثاء الصديقة (عليها السلام)

أول من رثا الصديقة فاطمة (عليها السلام) هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فقد روي أنه (عليه السلام) لما واراها وألحدها في لحدها قال:

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة***وصاحبها حتى الممات عليل

لكل اجتماع من خليلين فرقة***وإن بقائي عندكم لقليل

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل(1)

وفي رواية قال (عليه السلام) :

ذكرت أبا ودي فبت كأنني***بردّ الهموم الماضيات وكيل

لكل اجتماع من خليلين فرقة***وكل الذي دون الفراق قليل

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل

فأجاب هاتف:

يريد الفتى أن لا يموت خليله***وليس له إلاّ الممات سبيل

فلابدّ من موت ولابد من بلى***وإن بقائي عندكم لقليل

إذا انقطعت يوما من العيش مدتي***فإن بكاء الباكيات قليل

ص: 372


1- بحار الأنوار:ج43 ص180 ب7 ح15.

ستعرض عن ذكري وتنسى مودتي***ويحدث بعدي للخليل بديل(1)

لا خير بعدك في الحياة

ولما ماتت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مظلومة شهيدة، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يرثيها ويبكي عليها، ويقول:

نفسي على زفراتها محبوسة***يا ليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنما***أخشى مخافة أن تطول حياتي(2)

وللدهر ألوان

وكان فيما أنشده علي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رثائها (صلوات اللّه عليها):

ألا هل إلى طول الحياة سبيل***وأنى وهذا الموت ليس يحول

وإني وإن أصبحت بالموت موقناً***فلي أمل من دون ذاك طويل

وللدهر ألوان تروح وتغتدي***وإنّ نفوساً بينهن تسيل

ومنزل حق لا معرج دونه***لكل امرئ منها إليه سبيل

قطعت بأيام التعزز ذكره***وكل عزيز ما هناك ذليل

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة***وصاحبها حتى الممات عليل

وإني لمشتاق إلى من أحبه***فهل لي إلى من قد هويت سبيل

وإني وإن شطّت بي الدار نازحا***وقد مات قبلي بالفراق جميل

فقد قال في الأمثال في البين قائل***أضرّ به يوم الفراق رحيل

لكل اجتماع من خليلين فرقة***وكل الذي دون الفراق قليل

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد***دليل على أن لا يدوم خليل

ص: 373


1- اللمعة البيضاء: ص864.
2- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص207 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

وكيف هنأك العيش من بعد فقدهم***لعمرك شي ء ما إليه سبيل

سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي***ويظهر بعدي للخليل عديل

وليس خليلي بالملول ولا الذي***إذا غبت يرضاه سواي بديل

ولكن خليلي من يدوم وصاله***ويحفظ سري قلبه ودخيل

إذا انقطعت يوماً من العيش مدتي***فإن بكاء الباكيات قليل

يريد الفتى أن لا يموت حبيبه***وليس إلى ما يبتغيه سبيل

وليس جليلا رزء مال وفقده***ولكن رزء الأكرمين جليل

لذلك جنبي لا يؤاتيه مضجع***وفي القلب من حر الفراق غليل(1)

لذلك جنبي لا يؤاتيه مضجع***وفي القلب من حر الفراق غليل(2)

حبيب غاب عني

وقال علي (عليه السلام) في رحيلها (عليها السلام) :

حبيب ليس يعدله حبيب***وما لسواه في قلبي نصيب

حبيب غاب عن عيني وجسمي***وعن قلبي حبيبي لا يغيب(3)

قبر الحبيب

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لماّ وقف على قبرها (عليها السلام) :

ما لي وقفت على القبور مسلّماً***قبر الحبيب فلم يرد جوابي

أحبيب مالك لا ترد جوابنا***أنسيت بعدي خلة الأحباب

فقال (عليه السلام) في جواب نفسه:

قال الحبيب وكيف لي بجوابكم***وأنا رهين جنادل وتراب

أكل التراب محاسني فنسيتكم***وحجبت عن أهلي وعن أترابي

ص: 374


1- اللمعة البيضاء: ص888-889.
2- اللمعة البيضاء: ص888-889.
3- بحار الأنوار: ج43 ص217 ب7 ضمن ح48.

فعليكم مني السلام تقطعت***عني وعنكم خلة الأحباب(1)

الجزع في مصابها (عليها السلام)

الجزع في مصاب أهل البيت (عليهم السلام) راجح، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجزع في مصاب الصديقة فاطمة (عليها السلام) ..

في الحديث عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بدو مرض فاطمة (عليها السلام) بعد خمسين ليلة من وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعلمت أنها الوفاة، فاجتمعت لذلك تأمر علياً (عليه السلام) بأمرها وتوصيه بوصيتها، وتعهد إليه عهودها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يجزع لذلك، الحديث»(2).

وفي أحوال الإمام الباقر (عليه السلام) أنه إذا وعك استعان بالماء البارد، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار: يا فاطمة بنت محمد (عليها السلام) .

قال المحدث القمي (رحمه اللّه) في كتابه (بيت الأحزان) بعد أن نقل هذا الخبر: قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (لعل النداء كان استشفاعا بها صلوات اللّه عليها للشفاء)، أقول(3): (إني أحتمل قوياً كما أنه أثّر الحمى في جسده اللطيف، كذلك أثر كتمان حزنه على أمه المظلومة في قلبه الشريف، فكما أنه يطفي حرارة جسده بالماء يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيدة النساء (عليها السلام) ، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفس الصعداء فإن تأثير مصيبتها صلوات اللّه عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) آلم من حزّ الشفار وأحرّ من جمرة النار)(4).

ص: 375


1- انظر (اللمعة البيضاء): ص889.
2- بيت الأحزان: ص170 وصيتها لعلي (عليهما السلام) .
3- من هنا تعليق المحدث القمي (رحمه اللّه) .
4- بيت الأحزان: ص124-125 ذكر ما تأسفوا وتأثروا (عليهم السلام) على مصيبة فاطمة (عليها السلام) .

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) حينما يذكر فاطمة (عليها السلام) يتغير لونه ويتأوه، فعن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد اللّه قالا: أتى رجل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال له: يرحمك اللّه، هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال: فتغير لون أبي عبداللّه (عليه السلام) من ذلك واستوى جالساً، ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة، ثم ساق الإمام (عليه السلام) حديثاً طويل يذكر فيه أحوال الزهراء (عليها السلام) في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعده(1).

وعن السكوني قال: دخلت على أبي عبداللّه (عليه السلام) وأنا مغموم مكروب، فقال (عليه السلام) لي: «يا سكوني مما غمك»؟ قلت: ولدت لي ابنة، فقال (عليه السلام) : «يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى اللّه رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك»، فسرى واللّه عني، فقال لي: «ما سميتها»؟ قلت: فاطمة، قال (عليه السلام) : «آه، آه، ثم وضع يده على جبهته.. أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولاتلعنها، ولا تضربها»(2).

وعن أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) : «لما حضرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الوفاة دعا الأنصار، وقال: يا معاشر الأنصار قد حان الفراق.. واللّه يا معاشر الأنصار ألا فاسمعوا.. ألا إن باب فاطمة بابي وبيتها بيتي فمن هتكه هتك حجاب اللّه، قال الراوي(3): فبكى أبو الحسن صلوات اللّه عليه طويلاً وقطع عنه بقية الحديث وأكثر البكاء وقال (عليه السلام) : هُتك حجاب اللّه، هُتك واللّه حجاب اللّه، هُتك واللّه

ص: 375


1- انظر (علل الشرائع): ج1 ص186 ب149 ح2.
2- الكافي: ج6 ص48-49 باب حق الأولاد ح6.
3- وهو عيسى بن المستفاد البجلي أبو موسى الضرير من أصحاب الإمام الكاظم والجواد (عليهما السلام) .

حجاب اللّه، يا أماه صلوات اللّه عليها(1).

وعن زكريا بن آدم قال: إني لعند الرضا (عليه السلام) إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) وسنّه أقل من أربع سنين، فضرب بيده على الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا (عليه السلام) : بنفسي أنت، لم طال فكرك؟ فقال (عليه السلام) : فيما صُنع بأمي فاطمة (عليه السلام) ، أما واللّه لأخرجنهما ثم لأحرقنهما، ثم لأذرينهما، ثم لأنسفنهما في اليم نسفاً، فاستدناه، وقبّل ما بين عينيه، ثم قال (عليه السلام) : بأبي أنت وأمي، أنت لها. يعني الإمامة(2).

لعن ظالميها (عليها السلام)

من الشعائر الفاطمية لعن ظالمي الصديقة فاطمة (عليها السلام) ، وكان على ذلك سيرة أهل البيت (عليهم السلام) ..

في تفسير القمي، في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً}(3) قال: نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه وأخذ حق فاطمة (عليها السلام) وآذاها، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، وهو قول اللّه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ} الآية»(4).

ص: 375


1- غاية المرام: ج2 ص119 ب21 ضمن ح58.
2- دلائل الإمامة: ص400-401 ح358.
3- سورة الأحزاب: 57.
4- تفسير القمي: ج2 ص196 سورة الأحزاب.

وهذه الآيات الشريفة تدل على جواز لعن من ظلم الصديقة فاطمة (عليها السلام) وغصب فدك وآذاها، وكل من غضبت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

وعن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذى اللّه لعنه اللّه مل ء السماوات والأرض»(1).

وعن الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخلت الجنة فرأيت على بابها مكتوباً بالذهب: لا إله إلا اللّه، محمد حبيب اللّه، علي بن أبي طالب ولي اللّه، فاطمة آية اللّه، الحسن والحسين صفوتا اللّه، على مبغضيهم لعنة اللّه»(2).

وفي رواية سلمان قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا سلمان من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار.. ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب اللّه عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً وويل لمن يظلم شيعتها وذريتها»(3).

وعن عبد اللّه بن عباس في حديث طويل: ثم أقبل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على ابنته فقال: «إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً حتى تُضربي ويُكسر ضلع من أضلاعك، لعن اللّه قاتلك ولعن الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك»(4).

ص: 377


1- كشف الغمة: ج2 ص95 في فضائل فاطمة (عليها السلام) .
2- كنز الفوائد، للكراجكي: ص63.
3- مائة منقبة، لمحمد بن أحمد القمي: ص127 المنقبة الحادية والستون.
4- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص427.

وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «قال جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها».

ثم قال: «يا فاطمة البشرى، فلك عند اللّه مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين. يا فاطمة، لو أن كل نبي بعثه اللّه، وكل ملك قرّبه شفعوا في كل مبغض لك غاصب لك، ما أخرجه اللّه من النار أبداً»(1).

وفي خبر الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «وحب أولياء اللّه والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد (عليهم السلام) وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك، ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهمّوا بإحراق بيتها، وأسسوا الظلم وغيّروا سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..»(2).

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «لما كانت الليلة التي قُبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في صبيحتها دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليه وعليهم الباب.. قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام) : فما لبث أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يبكي ويجود بنفسه، فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي:... إنما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه - أي فاطمة (عليها السلام) - أن تضيع بعدي فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد أستودعكم اللّه، وقبلكم مني وديعة يا علي، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمها إليه وقبل

ص: 378


1- العدد القوية: ص225 ح19 في ذكر مناقبها (عليها السلام) .
2- الخصال، للصدوق: ص608 ح9 (خصال من شرايع الدين).

رأسها، وقال: فداك أبوك يا فاطمة، فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه، وقال: أما واللّه لينتقمن اللّه ربي، وليغضبن لغضبك فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين..»(1).

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: «فرفع (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رأسه إليهم ويدها في يده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوضعها في يد علي (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة اللّه ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ اللّه واحفظني فيها.. واعلم يا علي، أني راض عمن رضيَتْ عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته: يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها، اللّهم إني منهم برئ، وهم مني براء.

ثم سماهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. وضمّ فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال: اللّهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار، ثم واللّه يا فاطمة لا أرضى حتى ترضي، ثم لا واللّه لا أرضى حتى ترضي، ثم لا واللّه لا أرضى حتى ترضي»(2).

إلى غير ذلك من الروايات الشريفة الواردة في لعن أعدائها.

زيارة الصديقة فاطمة (عليها السلام)

من أكثر المستحبات الشرعية ثواباً: زيارة قبور الأنبياء والأولياء المعصومين (عليهم السلام) .. وبما أن قبر الصديقة فاطمة (عليها السلام) مجهول فتُزار في المدينة المنورة في البقيع أو في

ص: 379


1- انظر بحار الأنوار: ج22 ص490-491 ب1 من أبواب ما يتعلق بارتحاله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ح36.
2- بحار الأنوار: ج22 ص484-485 ب1 من أبواب ما يتعلق بارتحاله صلى اللّه عليه وآله.. ح31.

الروضة النبوية الشريفة، وربما في مكان آخر(1)، وفي ذلك عظيم الأجر والثواب.

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث العِقد المبارك وهو يبين بعض فضائل ابنته فاطمة (عليها السلام) : «ألا وأزيدكم من فضلها؟ إن اللّه قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها وهم معها في حياتها وعند قبرها وعند موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة (عليها السلام) فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكأنما زار فاطمة (عليها السلام) ، ومن زار الحسن والحسين (عليها السلام) فكأنما زار علياً (عليه السلام) ، ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما»(2).

وروى يزيد بن عبدالملك عن أبيه عن جده(3)، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) فبدأتني بالسلام، ثم قالت: «ما غدا بك»؟

قلت: طلب البركة، قالت: «أخبرني أبي وهو ذا: أنه من سلّم عليه وعليّ ثلاثة أيام أوجب اللّه له الجنة».

قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: «نعم، وبعد موتنا»(4).

ص: 380


1- كما في بعض الروايات أو الأقوال من أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) دُفنت في بيتها (عليها السلام) ، أو في دار عقيل، أو في مسجد رقية بالبقيع.
2- بشارة المصطفى: ص220.
3- يزيد بن عبد الملك أبو خالد المدني من أصحاب الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) وهو من رواة كتاب كامل الزيارات، واما والده أبو محمد المدني النوفلي توفي في زمن عمر بن عبد العزيز وقد روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأما جده فهو المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ولد قبل الهجرة وقد صحب أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه وهو الذي قبض على ابن ملجم (لعنه اللّه) بعد أن ضرب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهو الذي تزوج بامامة زوج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده بوصية منه لكي لا يتزوجها معاوية.
4- وسائل الشيعة: ج14 ص367 ب18 من أبواب المزار وما يناسبه ح1.

وعن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن محمد العريضي، قال: حدثنا أبو جعفر (عليه السلام) ذات يوم قال: «إذا صرت إلى قبر جدتك فاطمة (عليها السلام) ، فقل: يا ممتحنةُ امتحنكِ الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة، وزعمنا أنّا لكِ أولياء ومصدّقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأتانا به وصيه، فإنا نسألكِ إن كنّا صدقناك إلاّ ألحقتنا بتصديقنا لهما بالبشرى لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك»(1).

وروي أن من زار الصديقة الزهراء (عليها السلام) بهذه الزيارة واستغفر اللّه، غفر اللّه له وأدخله الجنة، وهي أن تقول:

«السلام عليكِ يا سيدة نساء العالمين، السلام عليكِ يا والدة الحجج على الناس أجمعين، السلام عليكِ أيتها المظلومة الممنوعة حقها».

ثم قل: «اللّهم صلّ على أمَتك وابنة نبيك وزوجة وصي نبيك، صلاةً تُزلفها فوق زُلفَى عبادك المكرمين من أهل السماوات وأهل الأرضين»(2).

وروي أنه إذا أردت زيارتها (عليها السلام) فقف بالروضة، وقل: «السلام عليك يا رسول اللّه، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليكِ يا فاطمة بنت رسول اللّه، يا سيدة نساء العالمين، أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن اللّه مانعَكِ إرثَك، ودافعَكِ عن حقك، والرادَ عليك قولَكِ، لعن اللّه أشياعَهم وأتباعَهم وألحقهم بدرك الجحيم، صلى اللّه عليكِ وعلى أبيكِ وبعلكِ ووُلدكِ الأئمة الراشدين وعليهم السلام ورحمة اللّه وبركاته»(3).

وذكر السيد ابن طاووس (رحمه اللّه) زيارة مولاتنا فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليها)

ص: 381


1- تهذيب الأحكام: ج6 ص10 ب3 من أبواب ح12.
2- إقبال الأعمال: ج3 ص162 فصل3 ب7.
3- المزار، للشيخ المفيد: ص179 مختصر زيارة أخرى لها (عليها السلام) .

في يوم مولدها، تقول:

«السلام عليكِ يا بنتَ رسول اللّه، السلام عليكِ يا بنت نبي اللّه، السلام عليكِ يا بنتَ حبيب اللّه، السلام عليكِ يا بنتَ خليلِ اللّه، السلام عليكِ يا بنت أمين اللّه، السلام عليكِ يا بنتَ خير خلق اللّه، السلام عليكِ يا بنت أفضل أنبياء اللّه. السلام عليكِ يا بنتَ خيرِ البرية، السلام عليكِ يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. السلام عليكِ يا زوجة ولي اللّه وخيرِ خلقه بعد رسول اللّه، السلام عليكِ يا اُمّ الحسن والحسين سيدَي شباب أهل الجنة، السلام عليكِ يا اُم المؤمنين، السلام عليكِ أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليكِ أيتها الرضية المرضية. السلام عليكِ أيتها الصادقة الرشيدة، السلام عليكِ أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليكِ أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليكِ أيتها التقية النقية، السلام عليكِ أيتها المحدثة العليمة، السلام عليكِ أيتها المعصومة المظلومة. السلام عليكِ أيتها الطاهرة المطهرة، السلام عليكِ أيتها المضطهدة المغصوبة، السلام عليكِ أيتها الغراء الزهراء، السلام عليكِ يا فاطمة بنت محمد رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته. صلى اللّه عليكِ يا مولاتي وابنة مولاي وعلى روحك وبدنك. أشهد أنكِ مضيت على بينة من ربكِ، وأن من سرّكِ فقد سرّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن جفاكِ فقد جفا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن آذاكِ فقد آذى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن وصلكِ فقد وصل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،ومن قطعكِ فقد قطع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام. اُشهد اللّه وملائكته أني راضٍ عمن رضيت عنه، وساخط على من سخطت عليه، ولي لمن والاك، عدو لمن عاداك، وحرب لمن حاربك، أنا يا مولاتي بك وبأبيك وبعلك والأئمة من ولدك موقن، وبولايتهم مؤمن، وبطاعتهم ملتزم،

ص: 382

أشهد أن الدينَ دينُهم، والحكمَ حكمُهم، وأنهم قد بلّغوا عن اللّه عزوجل ودعوا إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، لا تأخذهم في اللّه لومة لائم، وصلوات اللّه عليكِ وعلى أبيك وبعلك وذريتك الأئمة الطاهرين. اللّهم صلّ على محمد وأهل بيته، وصلّ على البتول الطاهرة، الصديقة المعصومة، التقية النقية، الرضية المرضية، الزكية الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقها، الممنوعة إرثها، المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت رسول اللّه، وبضعةِ لحمه، وصميمِ قلبه، وفلذةِ كبده، والنخبةِ منك له، والتحفةِ خصصت بها وصيه، حبيبةِ المصطفى وقرينةِ المرتضى، وسيدةِ النساء ومبشرةِ الأولياء، حليفةِ الورع والزهد، وتفاحةِ الفردوس والخلد، التي شرفت مولدها بنساء الجنة، وسللت منها أنوار الأئمة، وأرخيت دونها حجاب النبوة. اللّهم صلّ عليها صلاةً تزيد في محلها عندك وشرفها لديك ومنزلتها من رضاك، وبلغها منا تحية وسلاماً، وآتنا من لدنك في حبها فضلاً وإحساناً ورحمةً وغفراناً، إنك ذو الفضل الكريم».

ثم تصلي صلاة الزيارة، وإن استطعت أن تصلي صلاتها صلى اللّه عليها فافعل، وهي ركعتان تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وستين مرة{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فإن لم تستطع فصلّ ركعتين بالحمد وسورة الإخلاص، والحمد و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، فإذا سلمت قلت:

«اللّهم إني أتوجه إليك بنبينا محمد وبأهل بيته صلواتك عليهم، وأسألك بحقك العظيم عليهم، الذي لا يعلم كنهَهُ سواك، وأسألك بحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى التي أمرتني أن أدعوك بها. وأسألك باسمك الأعظم الذي أمرت به إبراهيم أن يدعو به الطير فأجابته، وباسمك العظيم الذي قلت للنار:

ص: 383

{كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فكانت برداً، وبأحب الأسماء إليك وأشرفها وأعظمها لديك، وأسرعها إجابةً وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه، وأتوسل إليك وأرغب إليك وأتضرع إليك وألح عليك. وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم، من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم، فإن فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى، أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفرج عن محمد وآل محمد وشيعتهم ومحبيهم وعني، وتفتح أبواب السماء لدعائي وترفعه في عليين، وتأذن في هذا اليوم وفي هذه الساعة بفرجي وإعطاء أملي وسؤلي في الدنيا والآخرة. يا من لايعلم أحد كيف هو وقدرته إلاّ هو، يا من سدّ الهواء بالسماء، وكبس الأرض على الماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمى نفسه بالاسم الذي يقضى به حاجة من يدعوه. أسألك بحق ذلك الاسم فلا شفيع أقوى لي منه، أن تصلي على محمد وآل محمد وتقضي لي حوائجي، وتسمع بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة المنتظر لأذنك، صلواتك وسلامك ورحمتك وبركاتك عليهم، صوتي، ليشفعوا لي إليك وتشفعهم في، ولا تردني خائباً، بحق لا إله إلاّ أنت».

وتسأل حوائجك تُقضى إن شاء اللّه تعالى(1).

الصلاة على فاطمة (عليها السلام)

يستحب الصلاة على الصديقة فاطمة (عليها السلام) بأن يقول مثلاً:

ص: 383


1- إقبال الأعمال: ج3 ص164-167 فصل6 ب7.

«اللّهم صَلّ عَلَى فاطمةَ وأبيها وبَعْلِهَا وَبَنِيهَا عَدَدَ مَا أحاطَ بِهِ عِلْمُكَ»(1).

وفي مصباح المتهجد(2): (اللّهم صَلّ عَلَى الصدّيقةِ فاطمةَ الزكيةِ، حبيبةِ حبيبك ونبيك، وأم أحبائك وأصفيائك، التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء

ص: 384


1- اشتهر بين المحدثين والفقهاء بل حتى المعصومين والملائكة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) الصلوات على الزهراء (عليها السلام) بكيفيات متعددة متقاربة المعنى مثل قولهم: (صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) فقد جاء في كتاب فقه الرضا منسوباً إلى العالم (عليه السلام) ، وجاء في الرواية: (إن اللّه قد وكل بفاطمة رعيلاً من الملائكة.. وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها يكثرون الصلاة على أبيها وبعلها وبنيها..) انظر مستدرك الوسائل: ج10 ص182 ب2 من أبواب المزار ح4. ومن المحدثين: ابن عباس أو أم سلمة (رضوان اللّه عليهما) كما جاء في دلائل الإمامة: ص82 ذيل ح21، والشيخ الكليني في الكافي: ج8 ص165 ذيل ح176، والشيخ الصدوق في الأمالي: ص350 المجلس46ح14 وكذلك في من لا يحضره الفقيه: ج2 ص572 باب زيارة فاطمة بنت النبي صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين: ص151، ومحمد بن جرير الطبري الإمامي في دلائل الإمامة: ص79 ذيل ح18، والطبرسي في مجمع البيان: ج2 ص290، والسيد ابن طاووس في جملة من كتبه، وابن فهد الحلي: في عدة الداعي: ص218، والكفعمي في المصباح نقلا عن الشيخ المفيد في مزاره، والعلامة المجلسي في مواضع متعددة من بحاره، وغيرهم. ومن الفقهاء: المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة، ج7 ص429، والسيد محمد جواد العاملي في مفتاح الكرامة: ج10 ص10، والشيخ الأنصاري في القضاء والشهادات: ص94، وغيرهم كثير.
2- كتاب (مصباح المتهجد الكبير في أعمال السنة) لشيخ الطائفة الطوسي المتوفى سنة 460ه: ويحتوي على أمهات الأدعية والزيارات وقدم فصولا في أقسام العبادات وفي آخره ذكراً أحكام الزكاة والأمر بالمعروف، قال صاحب الذريعة رحمه اللّه: (والمصباح هذا من أجل الكتب في الأعمال والأدعية وقدوتها ومنه اقتبس كثير من كتب الباب فهو أصلها كاختيار المصباح وإيضاح المصباح وتتمات المصباح وقبس المصباح ومنهاج الصلاح وهو كتاب العلامة الذي أضاف في آخره الباب الحادي عشر من الكتب العقائدية المشهورة، ومختصر المصباح) وأول من اختصر المصباح هو نفسه الشيخ الطوسي سماه بمصباح المتهجد الصغير.

العالمين. اللّهم كن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها، وكن الثائر اللّهم بدم أولادها، اللّهم وكما جعلتَهَا أمّ أئمةِ الهُدى وحليلةَ صاحب اللواء والكريمةَ عند الملأ العلى، فَصَلّ عليها وعلى أمّها خديجة الكبرى صلاةً تُكرم بها وجهَ أبيها محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتُقرّ بها أعين ذريتها، وأبلغهم عني في هذه الساعة أفضل التحية والسلام)(1).

وفي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) :

«.. اللّهمّ صَلّ على فاطمةَ بنتِ نبيّك، وزوجِ وليك، وأمِ السبطين الحسن والحسين، الطاهرة المطهّرة، الصديقة الزكية، سيدة نساء أهل الجنة أجمعين، صلاة لايقوى على إحصائها غيرك..»(2).

وقد روي عن علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) قالت:

قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة من صلّى عليك غفر اللّه له، وألحقه بي حيث كنت من الجنة»(3).

الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام)

ذكر الشيخ الطبرسي(4)

في كتابه مكارم الأخلاق(5): (صلاة الاستغاثة

ص: 385


1- مصباح المتهجد: ص401 الصلاة على السيدة فاطمة (عليها السلام) .
2- كامل الزيارات: ص404 ب79 ح23.
3- مستدرك الوسائل: ج10 ص211 ب14 من أبواب المزار وما يناسبه ح2.
4- الشيخ الجليل أبو نصر رضي الدين الحسن بن أمين الإسلام الشيخ الطبرسي الفضل بن الحسن صاحب المؤلفات الشهيرة.
5- كتاب مكارم الأخلاق: من أشهر الكتب المؤلفة في الآداب الدينية رتبه الشيخ الطبرسي على إثنى عشر باباً ولكل باب جملة من الفصول، ولولده الشيخ علي أبي الفضل ثقة الإسلام تتميم الكتاب المذكور سماه ب- (مشكاة الأنوار في غرر الأخبار) وقد رتبه على تسعة أبواب ولكل باب جملة من الفصول.

بالبتول (عليها السلام) ) وهي:

تصلي ركعتين، ثم تسجد وتقول: (يا فاطمة) مائة مرة، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مثل ذلك، وتضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مثله، ثم تسجد وتقول ذلك مائة مرة وعشر دفعات، وتقول: يَا آمِناً مِن كُلّ شَيء، وكُلُّ شَيءٍ منك خائفٌ حَذِر، أسألك بأمْنِكَ من كلّ شيء وخوفِ كلّ شيءٍ منك، أن تُصَلّي عَلَى محمدٍ وآلِ محمد وأن تعطيَني أمَاناً لنفسي وأهلي ومالي ووُلدي حتى لا أخاف أحَداً ولا أحْذَر من شَيءٍ أبَدَاً إنّك عَلَى كُلّ شيء قدير)(1).

وفي أحوال الإمام الباقر (عليه السلام) :

أنه (عليه السلام) كان إذا وعك استعان بالماء البارد.. ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار:

يا فاطمة بنت محمد.

يقول العلامة المجلسي (رحمه اللّه) : (لعل النداء كان استشفاعاً بها صلوات اللّه عليها للشفاء)(2).

وقال الميرزا النوري (رحمه اللّه) (3) في مستدرك الوسائل: عن بعض المعاصرين من أهل السنة في كتاب خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام:

ص: 386


1- مكارم الأخلاق: ص330 ب10 فصل4.
2- انظر (بحار الأنوار): ج59 ص102-103 ب52 ح31.
3- خاتمة المحدثين ومن إليه انتهت أسانيد الرواية الشيخ الجليل الحسين بن محمد تقي النوري المازندراني الطبرسي، كان فقيهاً محدثاً صدوقاً ولد سنة 1254ه وتوفي في النجف الأشرف سنة 1320ه.

ولبعض العارفين دعاء مشتمل على قوله:

(اللّهم ربَّ الكعبة وبانيها وفاطمةَ وأبيها وبَعلِها وَبَنيها: نَوّر بَصَري وبَصيرتي وسِرّي وَسَريرَتي).

وقد جُرّب هذا الدعاء لتنوير البصر، وأن من ذكره عند الاكتحال نوّر اللّه بصره(1).

إقامة المجالس

من الشعائر الفاطمية: إقامة المجالس في مولد الصديقة فاطمة (عليها السلام) (2)، وفي ذكرى استشهادها، الفاطمية الأولى والثانية والثالثة.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «رحم اللّه من أحيى أمرنا»(3).

المودة

من الشعائر الفاطمية: محبة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ومودتها، فإن حبها واجب، كما أن بغض أعدائها واجب.

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أحبّوا أهل بيتي لحبي»(4).

ص: 387


1- مستدرك الوسائل: ج1 ص446 ب78 من أبواب آداب الحمام والتنظيف والزينة ح29.
2- قال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في مسار الشيعة ص54: وفي اليوم العشرين منه أي من شهر جمادى الآخرة، سنة اثنتين من المبعث كان مولد السيدة الزهراء فاطمة بنت رسول اللّه (عليهما السلام) ، وهو يوم شريف يتجدد فيه سرور المؤمنين، ويستحب فيه التطوع بالخيرات، والصدقة على المساكين، وقد مرّ أنه يستحب أن تزار بالزيارة التي رواه السيد ابن طاووس في خصوص يوم ولادتها (عليها السلام) .
3- قرب الاسناد: ص32ح105.
4- علل الشرائع: ج1 ص139 ب117 ح1، الأمالي، للشيخ الصدوق: ص446 المجلس58 ح7، ومن مصادر الحديث في كتب العامة المعجم الكبير: ج3 ص46 ح2639، وج10 ص281 ح10664، كنز العمال: ج12 ص95 ح34150، وغيرها.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي جعفر الأحول(1): «ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: {قُلْ لا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(2)»، قلتُ: جُعلت فداك إنهم يقولون: إنها لأقارب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال (عليه السلام) : «كذبوا إنما نزلت فينا خاصة، في أهل البيت، في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء (عليهم السلام) »(3).

وعن ابن عباس قال: (لما نزلت {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، قالوا: يا رسول اللّه ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي وفاطمة وابناهما»(4).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي»(5).

ص: 388


1- محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي أبو جعفر الأحول الشهير ب- (مؤمن الطاق) وعند المخالفين ب- (شيطان الطاق) حقداً وكرهاً له، هو من أصحاب الإمام زين العابدين والباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) كان من المتكلمين الحاذقين حاضر الجواب وله جملة من المناظرات مع أبي حنيفة مشهورة مذكورة في الكتب وله جملة من المؤلفات المتخصصة بالاحتجاج والمناظرة مع أصحاب البدع والأهواء، وغيرها من التأليفات، كان من خواص الإمام الصادق (عليه السلام) وفضائله كثيرة منها قول الإمام الصادق (عليه السلام) : (زرارة وبريد بن معاوية ومحمد بن مسلم والأحول أحب الناس إليّ أحياءً وأمواتاً).
2- سورة الشورى: 23.
3- الكافي: ج8 ص93 ح66.
4- المعجم الكبير: ج3 ص47 ح2641، وج11 ص351، معاني القرآن: ج6 ص311 المعنى الرابع، شواهد التنزيل: ج2 ص189-196 ح828-828، تفسير القرطبي: ج16 ص21-22، الدر المنثور: ج6 ص7، فتح القدير: ج4 ص536-537، وغيرها من المصادر.
5- مسند أحمد: ج4 ص367، سنن الدارمي: ج2 ص432، صحيح مسلم: ج7 ص122 باب من فضائل علي (عليه السلام) . فضائل الصحابة للنسائي: ص22، صحيح ابن خزيمة: ج4 ص63، وغيرها من المصادر.

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ومن سرّها فقد سرّني»(1).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن فاطمة بضعة مني، وهي روحي التي بين جنبيّ، يسؤوني ما ساءها، ويسرني ما سرها»(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنما فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها»(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي..»(4).

هذا وقد قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في حديث: «اللّهم إني أشهدك، فاشهدوا يا من حضرني: أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، واللّه لا أكلّمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما مني»، فدعا ابن أبي قحافة: بالويل والثبور، وقال: ليت أمي لم تلدني.

فقال ابن الخطاب: عجباً للناس كيف ولّوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة، وقاما وخرجا!(5).

إكرام الذرية

من الشعائر الفاطمية: إكرام ذرية الصديقة فاطمة (عليها السلام) وبنيها وبرّهم، وفي

ص: 389


1- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص125 ذيل ح5258.
2- الاعتقادات، للشيخ المفيد: ص106.
3- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
4- بحار الأنوار: ج43 ص202 ب7 ح31.
5- علل الشرائع: ج1 ص187 ب149 ح2.

مقدمتهم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) ومن بعدهم ذراريهم، وخاصة العلماء منهم(1).

وقد روي في معنى (حي على خير العمل) أنه (عليه السلام) قال: «خير العمل برّ فاطمة ووُلدها»، وفي خبر آخر: «الولاية»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة(3): المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه»(4).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا»(5).

وقال (عليه السلام) : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكلّمكم، فتنصت الخلائق فيقوم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافئه.

فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا، وأي يد أو أي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على جميع الخلائق.

ص: 390


1- لأنهم جمعوا فضيلة النسب والعلم.
2- التوحيد، للشيخ الصدوق: ص241 ب34 ح2.
3- في بعض المصادر زيادة: ولو أتوني بذنوب أهل الأرض.
4- كفاية الأثر: ص300، وقد رواه العامة أيضاً منهم: الطبري في ذخائر العقبى: ص19، كنز العمال: ج12 ص100 ح34180، سبل الهدى والصلاح: ج11 ص11 وغيرها من المصادر.
5- تهذيب الأحكام: ج4 ص111 باب من الزيادات في الزكاة ح57.

فيقول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : بلى من آوى أحداً من أهل بيتي، أو بَرّهم، أو كساهم من عري، أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافئه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك.

فيأتي النداء من عند اللّه تعالى: يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافاتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته (صلوات اللّه عليهم)»(1).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أيما رجل اصطنع إلى رجل من ولدي صنيعة فلم يكافئه عليها فأنا المكافئ له عليها»(2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته يوم القيامة»(3).

وعن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من أراد التوسل إليّ، وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم»(4).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين والآخرين فينادي مناد: من كانت له عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يد فليقم، فيقوم عنق من الناس فيقول: ما كانت أياديكم عند رسول اللّه؟

ص: 391


1- تأويل الآيات: ج2 ص549 ح17 سورة الشورى.
2- وسائل الشيعة: ج16 ص334 ب17من أبواب فعل المعروف ح5.
3- الكافي: ج4 ص60 باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ح8، وورد في كتب العامة ومن ذلك: الجامع الصغير: ج2 ص619 ح8821، كنز العمال: ج12 ص95 ح34152، تاريخ دمشق: ج45 ص303.
4- كشف الغمة: ج2 ص26 ذكر مناقب شتى وأحاديث متفرقة.

فيقولون: كنا نصل أهل بيته من بعده، فيقال لهم: اذهبوا فطوفوا في الناس، فمن كانت له عندكم يد فخذوا بيده فأدخلوه الجنة»(1).

ص: 392


1- المحاسن: ج1 ص62 كتاب ثواب الأعمال باب ثواب صلة آل محمد ح109.

40

أولاد فاطمة (عليها السلام)

عن فاطمة الكبرى قالت: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كل بني أم ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة، فإني أنا أبوهم وعصبتهم»(1).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم، ما خلا بني فاطمة (عليها السلام) فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم»(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن اللّه عزوجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن اللّه جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب»(3).

وأولاد الصديقة فاطمة (عليها السلام) ستة، وهم:

1 و2: الحسن والحسين (عليهما السلام) سبطا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

3: المحسن السقط الشهيد (عليه السلام) .

4: زينب (عليها السلام) .

ص: 393


1- بحار الأنوار: ج43 ص228 ب9 ح1، وقريب منه تجده في المعجم الكبير: ج3 ص44 ح2632، الجامع الصغير: ج2 ص278 ح6293، وغيرها من المصادر.
2- مستدرك الوسائل: ج14 ص168 ب7 من أبواب مقدمات النكاح ح4، قريب منه تجده: في المعجم الكبير: ج3 ص44 ح2631، والجامع الصغير: ج2 ص278 ح6294، وغيرها من المصادر.
3- كتاب الأربعين للشيخ الماحوزي: ص72، المعجم الكبير: ج3 ص44 ح2630.

5: أم كلثوم (عليها السلام) .

6: وبنت أخرى(1).

وقد ذكرنا في (الدعاء والزيارة): أنه كان للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاث بنات كلها يسمين بزينب ويلقّبن بأم كلثوم.. الكبرى دُفنت بالشام، والوسطى دُفنت في مصر، والصغرى دُفنت في المدينة(2).

وقال ابن شهر آشوب: (وَلدَتْ الحسنَ (عليه السلام) ولها اثنتا عشرة سنة... وأولادها: الحسن والحسين والمحسن سقط. وفي معارف القتيبي: إن محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي، وزينب وأم كلثوم)(3).

***

ص: 393


1- راجع كتاب (السيدة زينب عالمة غير معلمة) للإمام الشيرازي الراحل (رحمه اللّه) تحت عنوان (بنات أمير المؤمنين (عليه السلام) ) وفيه: كان لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ثلاث بنات: 1. زينب الصغرى: وقد ماتت في زمان الإمام الحسين (عليه السلام) في المدينة المنورة ودُفنت في البقيع، ولم يصلنا من أحوالها شيء يذكر - حسب التتبع غير الكامل. 2. زينب الوسطى: وهي المعروفة بأم كلثوم، أخذاً من اسم ولقب بنات رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله). وهي التي حضرت كربلاء وكانت تعين أختها (زينب الكبرى)، وهي صاحبة القضايا المعروفة في المقتل، وقد ناداها الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: (يا أم كلثوم..). 3. زينب الكبرى: وهي المشهورة التي كانت شريكة للإمام الحسين (عليه السلام) في مسيرته إلى كربلاء وفي نهضته المباركة ضد الظلم والطغيان، ثم بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) كانت زعيمة قافلة الأسرى إلى الكوفة، ثم إلى الشام، ثم الرجوع إلى كربلاء في يوم الأربعين، ثم القفول إلى المدينة المنورة... ثم أبعدت عن وطن جدها إلى الشام لتكون قريبة من مركز السلطة ليزيد وتحت سيطرته ورقابته، وقد توفيت هناك - مسمومة شهيدة - ودفنت في مقامها المشهور الآن حيث تزار.
2- الدعاء والزيارة: ص1045 فصل في زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) .
3- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص134 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 394

الفهرس

المقدمة... 5

1- النسب الشريف... 6

الأشبه بالرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 7

مزيد الخير... 9

2- تفسير الأسماء والألقاب... 11

فاطمة... 11

الزهراء... 13

البتول... 17

الحوراء... 18

المنصورة... 18

الحانية... 19

حبيبة اللّه... 20

المحدِثة... 20

الطاهرة... 21

الصديقة الكبرى... 22

سيدة نساء العالمين... 22

سيدة بنات آدم... 22

ألقاب أخرى... 22

3- النطفة الطاهرة... 24

تفاحة الجنة... 25

4- الولادة المباركة... 27

الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسميها بأمر اللّه... 30

5- فصل: الفضائل الفاطمية... 31

فاطمة (عليها السلام) في القرآن... 31

آية التطهير... 32

آية المباهلة... 34

سورة الإنسان... 35

إجلالا لفاطمة (عليها السلام) ... 37

سورة الكوثر... 38

نصر اللّه... 39

مرج البحرين... 39

الذكر والأنثى... 39

الكلمات المعهودة... 40

النساء المصطفيات... 40

ليلة القدر... 40

ولسوف يعطيك ربك... 41

لإحدى الكبر... 41

الصالحون... 41

آية الإيذاء... 42

آية ذي القربى... 42

6- فدك فاطمة (عليها السلام) ... 44

وقف الحيطان على فاطمة (عليها السلام) ... 49

7- تحية من اللّه لفاطمة (عليها السلام) ... 51

إن اللّه اختار فاطمة (عليها السلام) ... 52

الملائكة تسلم على فاطمة (عليها السلام) ... 53

حلة من الجنة... 53

حلي من الجنان... 54

8- أعز الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55

أحب الناس إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55

هؤلاء أهل بيتي... 56

9- أفضل حتى من الأنبياء (عليهم السلام) ... 57

10- سيدة النساء... 60

سيدة نساء المؤمنين... 60

سيدة نساء العالمين... 61

خيرة النساء... 61

أفضل نساء أهل الأرض... 61

11- السماوات من نور فاطمة (عليه السلام) ... 63

معرفة فاطمة (عليها السلام) ... 65

12- وفي ليلة المعراج... 66

13- أمان لشيعة فاطمة (عليها السلام) ... 67

14- بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام) ... 68

رائحة الجنة... 69

الأولى والأخيرة... 70

فداها أبوها 71

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إجلالا لها 72

أيكما أعيى؟... 72

ما حبسك يا بلال؟... 73

هل سررتك؟... 73

15- بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 75

16- غضب اللّه لغضب فاطمة (عليها السلام) ... 80

17- من آذى فاطمة (عليها السلام) ... 82

18- من حارب فاطمة (عليها السلام) ... 84

19- وجوب حب فاطمة (عليها السلام) ... 85

20- بغض فاطمة (عليها السلام) ودخول النار... 87

21- فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه... 88

22- مقام العصمة... 92

23- فصل: المعاجز والكرامات الفاطمية... 95

من كرامات الولادة... 95

الملاءة المباركة... 95

محدَثة الملائكة... 96

تحدثها من بطنها 96

أنى لك هذا؟... 97

ولادة الأطهار... 98

زهرة الوجه... 99

لا حيض ولا نفاس... 99

دلو من السماء... 99

العِقد المبارك... 100

مثل مريم بنت عمران (عليها السلام) ... 104

الملائكة في خدمتها 106

وتدور الرحى... 107

ويتحرك المهد... 108

الدعاء المستجاب... 108

نور يغلب نور الهلال... 109

24- فصل: زواج فاطمة (عليها السلام) ... 110

إن اللّه زوّجهما فزوّجهما 111

عقد في السماء... 112

خطبة راحيل... 113

خطبة اللّه تعالى... 114

خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 114

خطبة علي (عليه السلام) ... 115

زواج النور من النور... 116

لا لغير علي (عليه السلام) ... 117

علي (عليه السلام) يخطبها 117

سكوتها رضاها 118

وأقبل علي (عليه السلام) ... 119

اخطب فاطمة (عليها السلام) ... 124

زوجة لا مثيل لها 127

المهر المبارك... 127

الفرات... 129

الأرض... 129

الجنة والنار... 129

شجرة طوبى... 130

الخمس... 130

الجهاز البسيط... 131

الزفاف الشريف... 134

جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) ... 136

التكبير والتحميد... 137

وليمة الزواج... 140

رقعة البراءة من النار... 141

نعم الزوج والزوجة... 142

دعاء ليلة الزفاف... 143

وفاءً لخديجة (عليها السلام) ... 145

كرامات في ليلة العرس... 146

صبيحة العرس... 146

25- فصل: المدرسة الفاطمية... 147

القدوة الصالحة... 147

من هم القدوة؟... 148

فاطمة (عليها السلام) هي القدوة... 149

العائلة السعيدة... 150

الزواج المبكر... 152

بيت فاطمة (عليها السلام) ... 153

صالة العرس... 155

ربّة بيت ورائدة أمة... 155

التأليف ونشر العلم... 157

ما ينبغي للمرأة... 158

الشفقة والمحبة... 159

تقسيم الأدوار... 160

الجار ثم الدار... 160

الأعمال البيتية... 161

26- الحجاب الفاطمي... 162

الحياء والعفة... 162

التمجيد بمقام فاطمة (عليها السلام) ... 163

إن لم يكن يراني فإني أراه! ... 166

أي شيء خير للمرأة؟... 167

الحجاب في الحياة والممات... 168

الحجاب شرف المرأة... 169

27- الأخلاق الفاطمية... 170

حسن الخلق... 170

بِرُّ الوالدين... 170

احترام الأم... 172

الصدق... 173

الحنان... 173

البكاء... 174

الإيثار... 176

الإخلاص... 177

تحمل المشاق... 178

السلبيات الصعبة تتحول إلى إيجابيات طيبة... 180

الإنفاق... 182

الأوقاف والصدقات... 183

28- الزهد الفاطمي... 184

ما تصنعون بالدنيا؟... 184

ما لآل محمد وللدنيا 185

شدة الجوع... 186

لا شيء في البيت... 187

الشملة الخلقة... 188

القناعة... 189

29- العبادة الفاطمية... 191

صلاة فاطمة (عليها السلام) ... 193

قمة الإيمان... 194

الشكر الدائم... 194

الأدعية الفاطمية... 194

يا حي يا قيوم... 195

دعاء النور... 195

أدعية الأسبوع... 195

دعاء يوم السبت... 196

دعاء يوم الأحد... 196

دعاء يوم الاثنين... 196

دعاء يوم الثلاثاء... 196

دعاء يوم الأربعاء... 197

دعاء يوم الخميس... 197

دعاء يوم الجمعة... 197

دعاء عظيم الشأن... 197

نقش الخاتم... 199

التسبيح الفاطمي... 199

دعاء بعد التسبيحة... 202

30- الشعائر الدينية والحسينية... 203

زيارة القبور... 203

قميص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204

رثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204

في ظلامة الوصي... 206

لا تنس قتيل الطف... 207

الشهادة الثالثة... 208

الإمام المهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)... 209

31- العلوم الفاطمية... 210

علم ماكان ومايكون... 210

العلم اللدني... 211

علم التوحيد... 212

المعرفة بالأشياء كلها 212

فقه فاطمة (عليها السلام) ... 212

مجالس العلم... 213

فضة من تلامذتها 215

اللوح الأخضر... 217

علم الغيب... 220

32- المصحف الفاطمي... 222

33- الجهاد الفاطمي... 224

الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 225

البكاء الكثير... 226

كيف أصبحتِ؟... 227

34- خطبة الدار... 230

35- خطبة المسجد... 241

واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك... 241

36- فصل: استشهاد فاطمة (عليها السلام) ... 289

المظلومة المقهورة... 289

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذكر بمصاب فاطمة (عليها السلام) ... 289

أبكي لذريتي... 291

أول من لحقت بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 291

وفي اللحظات الأخيرة... 296

الويل لمن ظلمك... 297

فضة تحدث عن مولاتها (عليها السلام) ... 297

سبب الوفاة... 303

المغيرة يضرب فاطمة (عليها السلام) ... 304

الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام) ... 309

واللّه لا أرضى عنكما أبدا 311

قصة الهجوم... 313

أذان بلال... 324

37- الوصايا الفاطمية... 326

وصية فاطمة (عليها السلام) ... 326

ما عهدتني كاذبة ولا خائنة... 327

الزواج من امامة... 328

النعش الساتر... 329

رفض الظالمين... 330

الوصية المكتوبة... 331

لا يدخلن عليّ أحد... 332

الوصية بالصبر... 333

أدفني ليلا... 333

الصدقات ومتاع البيت... 334

فاضل حنوط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 334

وفي اللحظات الأخيرة... 335

التهيؤ للقاء اللّه... 336

حضور الملائكة وجبرائيل... 337

ماتت أمنا فاطمة (عليها السلام) ... 338

لما توفيت فاطمة (عليها السلام) ... 340

انصرفوا.. تأخرت الجنازة... 340

الغسل... 341

الكفن... 341

صلاة الجنازة... 342

القبر المجهول... 343

لماذا دفنت ليلا؟... 347

الوداع الأخير... 348

لقد استرجعت الوديعة... 349

وهاج الحزن... 351

مؤامرات لنبش القبور... 351

قد دفنا فاطمة (عليها السلام) البارحة... 354

38- فصل: الأحوال الفاطمية يوم القيامة... 357

مقام الشفاعة... 358

غضوا أبصاركم... 360

على باب الجنة... 361

زيارة الأنبياء (عليهم السلام) ... 362

أين ألقاك؟... 362

ما يحزنك يا بنية؟... 363

ناقة فاطمة (عليها السلام) ... 364

احكم بين وبين من ظلمني... 365

عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة... 366

كسوة النور... 368

أين فاطمة (عليها السلام) ... 369

أول من تدخل الجنة... 372

جنة من لؤلؤة... 372

هكذا زينت أبواب الجنان... 374

تبسم فاطمة (عليها السلام) ... 374

39- فصل: الشعائر الفاطمية... 375

رثاء الصديقة (عليها السلام) ... 377

لا خير بعدك في الحياة... 378

وللدهر ألوان... 378

حبيب غاب عني... 379

قبر الحبيب... 379

الجزع في مصابها (عليها السلام) ... 380

لعن ظالميها (عليها السلام) ... 382

زيارة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ... 385

الصلاة على فاطمة (عليها السلام) ... 390

الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ... 392

إقامة المجالس... 394

المودة... 394

إكرام الذرية... 396

40- أولاد فاطمة (عليها السلام) ... 400

الفهرس... 403

ص: 395

5- فصل: الفضائل الفاطمية... 31

فاطمة (عليها السلام) في القرآن... 31

آية التطهير... 32

آية المباهلة... 34

سورة الإنسان... 35

إجلالا لفاطمة (عليها السلام) ... 37

سورة الكوثر... 38

نصر اللّه... 39

مرج البحرين... 39

الذكر والأنثى... 39

الكلمات المعهودة... 40

النساء المصطفيات... 40

ليلة القدر... 40

ولسوف يعطيك ربك... 41

لإحدى الكبر... 41

الصالحون... 41

آية الإيذاء... 42

آية ذي القربى... 42

6- فدك فاطمة (عليها السلام) ... 44

وقف الحيطان على فاطمة (عليها السلام) ... 49

7- تحية من اللّه لفاطمة (عليها السلام) ... 51

إن اللّه اختار فاطمة (عليها السلام) ... 52

الملائكة تسلم على فاطمة (عليها السلام) ... 53

حلة من الجنة... 53

حلي من الجنان... 54

8- أعز الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55

ص: 396

أحب الناس إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55

هؤلاء أهل بيتي... 56

9- أفضل حتى من الأنبياء (عليهم السلام) ... 57

10- سيدة النساء... 60

سيدة نساء المؤمنين... 60

سيدة نساء العالمين... 61

خيرة النساء... 61

أفضل نساء أهل الأرض... 61

11- السماوات من نور فاطمة (عليه السلام) ... 63

معرفة فاطمة (عليها السلام) ... 65

12- وفي ليلة المعراج... 66

13- أمان لشيعة فاطمة (عليها السلام) ... 67

14- بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام) ... 68

رائحة الجنة... 69

الأولى والأخيرة... 70

فداها أبوها 71

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إجلالا لها 72

أيكما أعيى؟... 72

ما حبسك يا بلال؟... 73

هل سررتك؟... 73

15- بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 75

16- غضب اللّه لغضب فاطمة (عليها السلام) ... 80

17- من آذى فاطمة (عليها السلام) ... 82

18- من حارب فاطمة (عليها السلام) ... 84

ص: 397

19- وجوب حب فاطمة (عليها السلام) ... 85

20- بغض فاطمة (عليها السلام) ودخول النار... 87

21- فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه... 88

22- مقام العصمة... 92

23- فصل: المعاجز والكرامات الفاطمية... 95

من كرامات الولادة... 95

الملاءة المباركة... 95

محدَثة الملائكة... 96

تحدثها من بطنها 96

أنى لك هذا؟... 97

ولادة الأطهار... 98

زهرة الوجه... 99

لا حيض ولا نفاس... 99

دلو من السماء... 99

العِقد المبارك... 100

مثل مريم بنت عمران (عليها السلام) ... 104

الملائكة في خدمتها 106

وتدور الرحى... 107

ويتحرك المهد... 108

الدعاء المستجاب... 108

نور يغلب نور الهلال... 109

24- فصل: زواج فاطمة (عليها السلام) ... 110

إن اللّه زوّجهما فزوّجهما 111

عقد في السماء... 112

خطبة راحيل... 113

خطبة اللّه تعالى... 114

ص: 398

خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 114

خطبة علي (عليه السلام) ... 115

زواج النور من النور... 116

لا لغير علي (عليه السلام) ... 117

علي (عليه السلام) يخطبها 117

سكوتها رضاها 118

وأقبل علي (عليه السلام) ... 119

اخطب فاطمة (عليها السلام) ... 124

زوجة لا مثيل لها 127

المهر المبارك... 127

الفرات... 129

الأرض... 129

الجنة والنار... 129

شجرة طوبى... 130

الخمس... 130

الجهاز البسيط... 131

الزفاف الشريف... 134

جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) ... 136

التكبير والتحميد... 137

وليمة الزواج... 140

رقعة البراءة من النار... 141

نعم الزوج والزوجة... 142

دعاء ليلة الزفاف... 143

وفاءً لخديجة (عليها السلام) ... 145

كرامات في ليلة العرس... 146

صبيحة العرس... 146

ص: 399

25- فصل: المدرسة الفاطمية... 147

القدوة الصالحة... 147

من هم القدوة؟... 148

فاطمة (عليها السلام) هي القدوة... 149

العائلة السعيدة... 150

الزواج المبكر... 152

بيت فاطمة (عليها السلام) ... 153

صالة العرس... 155

ربّة بيت ورائدة أمة... 155

التأليف ونشر العلم... 157

ما ينبغي للمرأة... 158

الشفقة والمحبة... 159

تقسيم الأدوار... 160

الجار ثم الدار... 160

الأعمال البيتية... 161

26- الحجاب الفاطمي... 162

الحياء والعفة... 162

التمجيد بمقام فاطمة (عليها السلام) ... 163

إن لم يكن يراني فإني أراه! ... 166

أي شيء خير للمرأة؟... 167

الحجاب في الحياة والممات... 168

الحجاب شرف المرأة... 169

27- الأخلاق الفاطمية... 170

حسن الخلق... 170

بِرُّ الوالدين... 170

احترام الأم... 172

الصدق... 173

ص: 400

الحنان... 173

البكاء... 174

الإيثار... 176

الإخلاص... 177

تحمل المشاق... 178

السلبيات الصعبة تتحول إلى إيجابيات طيبة... 180

الإنفاق... 182

الأوقاف والصدقات... 183

28- الزهد الفاطمي... 184

ما تصنعون بالدنيا؟... 184

ما لآل محمد وللدنيا 185

شدة الجوع... 186

لا شيء في البيت... 187

الشملة الخلقة... 188

القناعة... 189

29- العبادة الفاطمية... 191

صلاة فاطمة (عليها السلام) ... 193

قمة الإيمان... 194

الشكر الدائم... 194

الأدعية الفاطمية... 194

يا حي يا قيوم... 195

دعاء النور... 195

أدعية الأسبوع... 195

دعاء يوم السبت... 196

دعاء يوم الأحد... 196

دعاء يوم الاثنين... 196

دعاء يوم الثلاثاء... 196

دعاء يوم الأربعاء... 197

ص: 401

دعاء يوم الخميس... 197

دعاء يوم الجمعة... 197

دعاء عظيم الشأن... 197

نقش الخاتم... 199

التسبيح الفاطمي... 199

دعاء بعد التسبيحة... 202

30- الشعائر الدينية والحسينية... 203

زيارة القبور... 203

قميص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204

رثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204

في ظلامة الوصي... 206

لا تنس قتيل الطف... 207

الشهادة الثالثة... 208

الإمام المهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)... 209

31- العلوم الفاطمية... 210

علم ماكان ومايكون... 210

العلم اللدني... 211

علم التوحيد... 212

المعرفة بالأشياء كلها 212

فقه فاطمة (عليها السلام) ... 212

مجالس العلم... 213

فضة من تلامذتها 215

اللوح الأخضر... 217

علم الغيب... 220

32- المصحف الفاطمي... 222

33- الجهاد الفاطمي... 224

ص: 402

الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 225

البكاء الكثير... 226

كيف أصبحتِ؟... 227

34- خطبة الدار... 230

35- خطبة المسجد... 241

واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك... 241

36- فصل: استشهاد فاطمة (عليها السلام) ... 289

المظلومة المقهورة... 289

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذكر بمصاب فاطمة (عليها السلام) ... 289

أبكي لذريتي... 291

أول من لحقت بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 291

وفي اللحظات الأخيرة... 296

الويل لمن ظلمك... 297

فضة تحدث عن مولاتها (عليها السلام) ... 297

سبب الوفاة... 303

المغيرة يضرب فاطمة (عليها السلام) ... 304

الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام) ... 309

واللّه لا أرضى عنكما أبدا 311

قصة الهجوم... 313

أذان بلال... 324

37- الوصايا الفاطمية... 326

وصية فاطمة (عليها السلام) ... 326

ما عهدتني كاذبة ولا خائنة... 327

الزواج من امامة... 328

ص: 403

النعش الساتر... 329

رفض الظالمين... 330

الوصية المكتوبة... 331

لا يدخلن عليّ أحد... 332

الوصية بالصبر... 333

أدفني ليلا... 333

الصدقات ومتاع البيت... 334

فاضل حنوط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 334

وفي اللحظات الأخيرة... 335

التهيؤ للقاء اللّه... 336

حضور الملائكة وجبرائيل... 337

ماتت أمنا فاطمة (عليها السلام) ... 338

لما توفيت فاطمة (عليها السلام) ... 340

انصرفوا.. تأخرت الجنازة... 340

الغسل... 341

الكفن... 341

صلاة الجنازة... 342

القبر المجهول... 343

لماذا دفنت ليلا؟... 347

الوداع الأخير... 348

لقد استرجعت الوديعة... 349

وهاج الحزن... 351

مؤامرات لنبش القبور... 351

قد دفنا فاطمة (عليها السلام) البارحة... 354

38- فصل: الأحوال الفاطمية يوم القيامة... 357

مقام الشفاعة... 358

غضوا أبصاركم... 360

على باب الجنة... 361

ص: 404

زيارة الأنبياء (عليهم السلام) ... 362

أين ألقاك؟... 362

ما يحزنك يا بنية؟... 363

ناقة فاطمة (عليها السلام) ... 364

احكم بين وبين من ظلمني... 365

عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة... 366

كسوة النور... 368

أين فاطمة (عليها السلام) ... 369

أول من تدخل الجنة... 372

جنة من لؤلؤة... 372

هكذا زينت أبواب الجنان... 374

تبسم فاطمة (عليها السلام) ... 374

39- فصل: الشعائر الفاطمية... 375

رثاء الصديقة (عليها السلام) ... 377

لا خير بعدك في الحياة... 378

وللدهر ألوان... 378

حبيب غاب عني... 379

قبر الحبيب... 379

الجزع في مصابها (عليها السلام) ... 380

لعن ظالميها (عليها السلام) ... 382

زيارة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ... 385

الصلاة على فاطمة (عليها السلام) ... 390

الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ... 392

إقامة المجالس... 394

ص: 405

المقدمة... 5

1- النسب الشريف... 6

الأشبه بالرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 7

مزيد الخير... 9

2- تفسير الأسماء والألقاب... 11

فاطمة... 11

الزهراء... 13

البتول... 17

الحوراء... 18

المنصورة... 18

الحانية... 19

حبيبة اللّه... 20

المحدِثة... 20

الطاهرة... 21

الصديقة الكبرى... 22

سيدة نساء العالمين... 22

سيدة بنات آدم... 22

ألقاب أخرى... 22

3- النطفة الطاهرة... 24

تفاحة الجنة... 25

4- الولادة المباركة... 27

الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسميها بأمر اللّه... 30

5- فصل: الفضائل الفاطمية... 31

فاطمة (عليها السلام) في القرآن... 31

آية التطهير... 32

آية المباهلة... 34

سورة الإنسان... 35

إجلالا لفاطمة (عليها السلام) ... 37

سورة الكوثر... 38

نصر اللّه... 39

مرج البحرين... 39

الذكر والأنثى... 39

الكلمات المعهودة... 40

النساء المصطفيات... 40

ليلة القدر... 40

ولسوف يعطيك ربك... 41

لإحدى الكبر... 41

الصالحون... 41

آية الإيذاء... 42

آية ذي القربى... 42

6- فدك فاطمة (عليها السلام) ... 44

وقف الحيطان على فاطمة (عليها السلام) ... 49

7- تحية من اللّه لفاطمة (عليها السلام) ... 51

إن اللّه اختار فاطمة (عليها السلام) ... 52

الملائكة تسلم على فاطمة (عليها السلام) ... 53

حلة من الجنة... 53

حلي من الجنان... 54

8- أعز الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55

أحب الناس إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 55

هؤلاء أهل بيتي... 56

9- أفضل حتى من الأنبياء (عليهم السلام) ... 57

10- سيدة النساء... 60

سيدة نساء المؤمنين... 60

سيدة نساء العالمين... 61

خيرة النساء... 61

أفضل نساء أهل الأرض... 61

11- السماوات من نور فاطمة (عليه السلام) ... 63

معرفة فاطمة (عليها السلام) ... 65

12- وفي ليلة المعراج... 66

13- أمان لشيعة فاطمة (عليها السلام) ... 67

14- بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام) ... 68

رائحة الجنة... 69

الأولى والأخيرة... 70

فداها أبوها 71

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إجلالا لها 72

أيكما أعيى؟... 72

ما حبسك يا بلال؟... 73

هل سررتك؟... 73

15- بضعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 75

16- غضب اللّه لغضب فاطمة (عليها السلام) ... 80

17- من آذى فاطمة (عليها السلام) ... 82

18- من حارب فاطمة (عليها السلام) ... 84

19- وجوب حب فاطمة (عليها السلام) ... 85

20- بغض فاطمة (عليها السلام) ودخول النار... 87

21- فاطمة (عليها السلام) حجة اللّه... 88

22- مقام العصمة... 92

23- فصل: المعاجز والكرامات الفاطمية... 95

من كرامات الولادة... 95

الملاءة المباركة... 95

محدَثة الملائكة... 96

تحدثها من بطنها 96

أنى لك هذا؟... 97

ولادة الأطهار... 98

زهرة الوجه... 99

لا حيض ولا نفاس... 99

دلو من السماء... 99

العِقد المبارك... 100

مثل مريم بنت عمران (عليها السلام) ... 104

الملائكة في خدمتها 106

وتدور الرحى... 107

ويتحرك المهد... 108

الدعاء المستجاب... 108

نور يغلب نور الهلال... 109

24- فصل: زواج فاطمة (عليها السلام) ... 110

إن اللّه زوّجهما فزوّجهما 111

عقد في السماء... 112

خطبة راحيل... 113

خطبة اللّه تعالى... 114

خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 114

خطبة علي (عليه السلام) ... 115

زواج النور من النور... 116

لا لغير علي (عليه السلام) ... 117

علي (عليه السلام) يخطبها 117

سكوتها رضاها 118

وأقبل علي (عليه السلام) ... 119

اخطب فاطمة (عليها السلام) ... 124

زوجة لا مثيل لها 127

المهر المبارك... 127

الفرات... 129

الأرض... 129

الجنة والنار... 129

شجرة طوبى... 130

الخمس... 130

الجهاز البسيط... 131

الزفاف الشريف... 134

جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) ... 136

التكبير والتحميد... 137

وليمة الزواج... 140

رقعة البراءة من النار... 141

نعم الزوج والزوجة... 142

دعاء ليلة الزفاف... 143

وفاءً لخديجة (عليها السلام) ... 145

كرامات في ليلة العرس... 146

صبيحة العرس... 146

25- فصل: المدرسة الفاطمية... 147

القدوة الصالحة... 147

من هم القدوة؟... 148

فاطمة (عليها السلام) هي القدوة... 149

العائلة السعيدة... 150

الزواج المبكر... 152

بيت فاطمة (عليها السلام) ... 153

صالة العرس... 155

ربّة بيت ورائدة أمة... 155

التأليف ونشر العلم... 157

ما ينبغي للمرأة... 158

الشفقة والمحبة... 159

تقسيم الأدوار... 160

الجار ثم الدار... 160

الأعمال البيتية... 161

26- الحجاب الفاطمي... 162

الحياء والعفة... 162

التمجيد بمقام فاطمة (عليها السلام) ... 163

إن لم يكن يراني فإني أراه! ... 166

أي شيء خير للمرأة؟... 167

الحجاب في الحياة والممات... 168

الحجاب شرف المرأة... 169

27- الأخلاق الفاطمية... 170

حسن الخلق... 170

بِرُّ الوالدين... 170

احترام الأم... 172

الصدق... 173

الحنان... 173

البكاء... 174

الإيثار... 176

الإخلاص... 177

تحمل المشاق... 178

السلبيات الصعبة تتحول إلى إيجابيات طيبة... 180

الإنفاق... 182

الأوقاف والصدقات... 183

28- الزهد الفاطمي... 184

ما تصنعون بالدنيا؟... 184

ما لآل محمد وللدنيا 185

شدة الجوع... 186

لا شيء في البيت... 187

الشملة الخلقة... 188

القناعة... 189

29- العبادة الفاطمية... 191

صلاة فاطمة (عليها السلام) ... 193

قمة الإيمان... 194

الشكر الدائم... 194

الأدعية الفاطمية... 194

يا حي يا قيوم... 195

دعاء النور... 195

أدعية الأسبوع... 195

دعاء يوم السبت... 196

دعاء يوم الأحد... 196

دعاء يوم الاثنين... 196

دعاء يوم الثلاثاء... 196

دعاء يوم الأربعاء... 197

دعاء يوم الخميس... 197

دعاء يوم الجمعة... 197

دعاء عظيم الشأن... 197

نقش الخاتم... 199

التسبيح الفاطمي... 199

دعاء بعد التسبيحة... 202

30- الشعائر الدينية والحسينية... 203

زيارة القبور... 203

قميص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204

رثاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 204

في ظلامة الوصي... 206

لا تنس قتيل الطف... 207

الشهادة الثالثة... 208

الإمام المهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)... 209

31- العلوم الفاطمية... 210

علم ماكان ومايكون... 210

العلم اللدني... 211

علم التوحيد... 212

المعرفة بالأشياء كلها 212

فقه فاطمة (عليها السلام) ... 212

مجالس العلم... 213

فضة من تلامذتها 215

اللوح الأخضر... 217

علم الغيب... 220

32- المصحف الفاطمي... 222

33- الجهاد الفاطمي... 224

الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 225

البكاء الكثير... 226

كيف أصبحتِ؟... 227

34- خطبة الدار... 230

35- خطبة المسجد... 241

واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك... 241

36- فصل: استشهاد فاطمة (عليها السلام) ... 289

المظلومة المقهورة... 289

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يذكر بمصاب فاطمة (عليها السلام) ... 289

أبكي لذريتي... 291

أول من لحقت بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 291

وفي اللحظات الأخيرة... 296

الويل لمن ظلمك... 297

فضة تحدث عن مولاتها (عليها السلام) ... 297

سبب الوفاة... 303

المغيرة يضرب فاطمة (عليها السلام) ... 304

الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام) ... 309

واللّه لا أرضى عنكما أبدا 311

قصة الهجوم... 313

أذان بلال... 324

37- الوصايا الفاطمية... 326

وصية فاطمة (عليها السلام) ... 326

ما عهدتني كاذبة ولا خائنة... 327

الزواج من امامة... 328

النعش الساتر... 329

رفض الظالمين... 330

الوصية المكتوبة... 331

لا يدخلن عليّ أحد... 332

الوصية بالصبر... 333

أدفني ليلا... 333

الصدقات ومتاع البيت... 334

فاضل حنوط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 334

وفي اللحظات الأخيرة... 335

التهيؤ للقاء اللّه... 336

حضور الملائكة وجبرائيل... 337

ماتت أمنا فاطمة (عليها السلام) ... 338

لما توفيت فاطمة (عليها السلام) ... 340

انصرفوا.. تأخرت الجنازة... 340

الغسل... 341

الكفن... 341

صلاة الجنازة... 342

القبر المجهول... 343

لماذا دفنت ليلا؟... 347

الوداع الأخير... 348

لقد استرجعت الوديعة... 349

وهاج الحزن... 351

مؤامرات لنبش القبور... 351

قد دفنا فاطمة (عليها السلام) البارحة... 354

38- فصل: الأحوال الفاطمية يوم القيامة... 357

مقام الشفاعة... 358

غضوا أبصاركم... 360

على باب الجنة... 361

زيارة الأنبياء (عليهم السلام) ... 362

أين ألقاك؟... 362

ما يحزنك يا بنية؟... 363

ناقة فاطمة (عليها السلام) ... 364

احكم بين وبين من ظلمني... 365

عزاء الحسين (عليه السلام) يوم القيامة... 366

كسوة النور... 368

أين فاطمة (عليها السلام) ... 369

أول من تدخل الجنة... 372

جنة من لؤلؤة... 372

هكذا زينت أبواب الجنان... 374

تبسم فاطمة (عليها السلام) ... 374

39- فصل: الشعائر الفاطمية... 375

رثاء الصديقة (عليها السلام) ... 377

لا خير بعدك في الحياة... 378

وللدهر ألوان... 378

حبيب غاب عني... 379

قبر الحبيب... 379

الجزع في مصابها (عليها السلام) ... 380

لعن ظالميها (عليها السلام) ... 382

زيارة الصديقة فاطمة (عليها السلام) ... 385

الصلاة على فاطمة (عليها السلام) ... 390

الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ... 392

إقامة المجالس... 394

المودة... 394

إكرام الذرية... 396

40- أولاد فاطمة (عليها السلام) ... 400

الفهرس... 403

ص: 406

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.