من حياة المعصومين عليهم السلام المجلد 2

هوية الكتاب

من حياة المعصومين عليهم السلام

الجزء الثاني

أميرالمؤمنين عليه السلام

المرجع الديني الراحل

السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

الشجرة الطيبة

1443 ه 2022 م

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی للناشر

1443 ه 2022 م

مؤسسة الشجرة الطيبة النجف الأشرف

تهميش

مؤسسة المجتبی للتحقيق والنشر

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

أما بعد، فهذا هو الجزء الثاني من سلسلة (من حياة المعصومين) صلوات اللّه عليهم أجمعين، ويتضمن إشارات مختصرة لجوانب من حياة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وقد أمرنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بإتباعه ومشايعته، وقال: «يا علي، أنت وشيعتك هم الفائزون»(1).

أسأل اللّه تعالى التوفيق والقبول، إنه سميع مجيب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1410ه

ص: 5


1- الأمالي للطوسي: ص551 مجلس20 ح1168.

ص: 6

1

النسب الشريف

الاسم المبارك

هو الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.

الكنية الشريفة

كنيته (عليه السلام) : أبو الحسن، وأبو الحسين، وأبو تراب، وأبو السبطين.

الألقاب الطاهرة

لقبه (عليه السلام) : أمير المؤمنين، والمرتضى، والوصي، وحيدر، ويعسوب الدين، والكرار.

والده

والد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : هو أبو طالب (عليه السلام) مؤمن قريش، وقد صرّح بإيمانه في مواقفه الشجاعة التي دافع فيها عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي أبياته العديدة التي قالها في حق النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وكان أبو طالب (عليه السلام) من أوائل من أسلم على يد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هو وبنوه وأكثر أخوته وأخواته - أي أولاد عبد المطلب - وذلك بدعوة من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، كما

ص: 7

قال:

ودعوتني وعلمت أنك صادق***ولقد صدقت وكنت ثم أمينا

ولقد علمت بأن دين محمد***من خير أديان البرية دينا(1)

ولكنه لم يجاهر بإسلامه بأمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لكي يستطيع من حمايته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قبال مشركي قريش، لما كان يتمتع به أبو طالب من منزلة كبيرة عندهم.

كما أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حمزة والعباس (عليهما السلام) بإخفاء إيمانهم في بدو بعثته، على تفصيل ذكرناه في بعض كتبنا(2).

وأبو طالب (عليه السلام) هو أخو عبد اللّه والد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمه وأبيه.

وقد كفل أبو طالب (عليه السلام) رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صغيراً، وقام بنصره وذب عنه كبيراً، ومنعه من مشركي قريش، وصبر على نصره والقيام بأمره، حتى أن قريشاً لم تطمع في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مادام أبو طالب (عليه السلام) في الحياة، ولم يُؤمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالهجرة إلاّ بعد وفاته.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

«أول جماعة كانت أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) معه، إذ مر به أبو طالب وجعفر معه، قال - لابنه جعفر -: يا بنيّ صِل جناح ابن عمك، فلما أحسه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تقدمهما، وانصرف أبو طالب مسروراً وهو يقول:

ص: 8


1- أبو طالب حامي الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ص52و59 الطبعة الرابعة 1380ه، مطبعة الآداب - النجف الأشرف.
2- انظر كتاب: (من المساجد والمزارات في الحرمين الشريفين)، و(من حياة الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) )، للإمام الشيرازي (قدس سره) .

إن علياً وجعفراً ثقتي***عند ملم الزمان والكرب

واللّه لا أخذل النبي ولا***يخذله من بني ذو حسب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما***أخي لأمي من بينهم وأبي(1)

وكان أبو طالب (عليه السلام) يحث ابنه علياً (عليه السلام) ويحضه على نصرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . قال علي (عليه السلام) : «قال لي: يا بني، الزم ابن عمك؛ فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل - ثم قال لي -:

إن الوثيقة في لزوم محمد***فاشدد بصحبته على يديكا»(2)

وروى الكراجكي: إن أبا جهل بن هشام جاء إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومعه حجر يريد أن يرميه به إذا سجد، فلما سجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رفع أبو جهل يده فيبست على الحجر، فرجع وقد التصق الحجر بيده، فقال له أشياعه من المشركين: أجبُنت؟.

قال: لا، ولكني رأيت بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه.

فقال في ذلك أبو طالب (عليه السلام) هذه الأبيات:

أفيقوا بني غالب وانتهوا***عن الغي في بعض ذا المنطق

وإلا فإني إذا خائف***بواثق في داركم تلتقي

تكون لغابركم عبرة***ورب المغارب والمشرق

كما ذاق من كان من قبلكم***ثمود وعاد فمن ذا بقي

غداة أتتهم بها صرصر***وناقة ذي العرش إذ تستقي

فحل عليهم بها سخطة***من اللّه في ضربة الأزرق

غداة يعض بعرقوبها***حسام من الهند ذو رونق

ص: 9


1- بحار الأنوار: ج35 ص68 ب3 ح2.
2- شرح نهج البلاغة: ج14 ص75 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب.

وأعجب من ذاك في أمركم***عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام من جبنه***إلى الصابر الصادق المتقي

فأيبسه اللّه في كفه***على رغم ذي الخائن الأحمق(1)

ومما يدل على إيمان أبي طالب (عليه السلام) بنبوة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بل وبولاية ولده علي (عليه السلام) ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:

«إن فاطمة بنت أسد (رحمها اللّه) جاءت إلى أبي طالب (رحمه اللّه) تبشره بمولد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال لها أبو طالب: اصبري لي سبتاً آتيك بمثله إلاّ النبوة..

- وقال (عليه السلام) -: السبت ثلاثون سنة، وكان بين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاثون سنة»(2).

والدته

والدته(3)

أم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : هي فاطمة بنت أسد بن هاشم (عليها السلام) ، وهي أول هاشمية تزوجها هاشمي.

وكانت لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمنزلة الأم، حيث رُبي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حجرها، وكان شاكراً لبرها وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسميها أمي، وكانت تفضله على أولادها.

وكانت من السابقات إلى الإسلام، وهاجرت إلى المدينة مع الفواطم، ولما توفيت كفنها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه وأمر من يحفر قبرها، فلما بلغوا لحدها

ص: 10


1- كنز الفوائد: ج1 ص172 فصل في ذكر شيء من معجزات رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وباهر آياته.
2- معاني الأخبار: ص403 باب نوادر المعاني ح68.
3- للتفصيل انظر كتاب (من المساجد والمزارات في الحرمين الشريفين) للإمام الشيرازي (قدس سره) .

حفره بيده واضطجع فيه، وقال: «اللّهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد - ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) -: إنها كانت من أحسن خلق اللّه صنيعاً إليَّ بعد أبي طالب»(1).

ص: 11


1- بحار الأنوار: ج35 ص179-180 ب3.

2

النطفة الطاهرة

خلق اللّه عزوجل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من نفس النور الذي خلق منه محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فعن سلمان الفارسي (رحمه اللّه) قال: سمعت حبيبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه عزوجل قبل أن يخلق اللّه عزوجل آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق اللّه آدم (عليه السلام) قسّم ذلك النور جزءين، فجزء أنا وجزء علي»(1). وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، خُلق الناس من شجر شتى، وخُلقت أنا وأنت من شجرة واحدة، أنا أصلها وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، وشيعتنا ورقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله اللّه الجنة»(2). كما أن نطفة الإمام (عليه السلام) انعقدت من ثمار الجنة - ففي خبر طويل -: «إن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) رأت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأكل تمراً له رائحة تزداد على كل الأطايب من المسك والعنبر، من نخلة لا شماريخ لها، فقالت: ناولني أنل منها. قال: لا تصلح إلاّ أن تشهدي معي أن لا إله إلاّ اللّه وأني محمد رسول اللّه. فشهدت الشهادتين فناولها، فأكلت فازدادت رغبتها وطلبت أخرى لأبي طالب (عليه السلام) ، فعاهدها أن لا تعطيه إلاّ بعد الشهادتين.. فلما جن عليه الليل اشتم أبو

ص: 12


1- العمدة: ج209 ف24.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص73 ب31 ح340.

طالب (عليه السلام) نسيماً ما اشتم مثله قط، فأظهرت ما معها فالتمسه منها فأبت عليه إلاّ أن يشهد الشهادتين، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين، غير أنه سألها أن تكتم عليه لئلا تعيره قريش، فعاهدته على ذلك فأعطته ما معها، وآوى إلى زوجته فعلقت بعلي (عليه السلام) في تلك الليلة... ولما حملت بعلي (عليه السلام) ازداد حسنها، فكان يتكلم في بطنها...»(1).

ص: 13


1- المناقب: ج2 ص172 فصل في آثار حمله وكيفية ولادته.

3

الولادة المباركة

وُلد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في الكعبة المشرفة، ولم يولد بها ولن يُولَد فيها غيره، إكراماً من اللّه عزوجل له (عليه السلام) . وكانت ولادته (عليه السلام) يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة.

قال يزيد بن قعنب: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزى بإزاء بيت اللّه الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: «رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكُتُب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وأنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت عليَّ ولادتي». قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر اللّه عزوجل.

ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قالت: «إني فُضلت على من تقدمني من النساء؛ لأن آسية بنت مزاحم (عليها السلام) عبدت اللّه عزوجل سراً في موضع لا يحب أن يعبد اللّه فيه إلا اضطراراً، وإن مريم بنت عمران (عليها السلام) هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنياً، وإني دخلت بيت اللّه الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرواقها، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة،

ص: 14

سميه علياً فهو علي، واللّه العلي الأعلى يقول: إني شققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي، ووقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي، ويقدسني ويمجدني، فطوبى لمن أحبه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه»(1).

ص: 15


1- الأمالي للصدوق: ص132-133 المجلس27 ح9.

4

الاسم الشريف

إن اللّه عزوجل هو الذي اختار اسم (علي) لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما ظهر مما مر من الحديث الشريف، حيث قال الهاتف: «يا فاطمة، سميه علياً فهو علي، واللّه العلي الأعلى يقول: إني شققتُ اسمه من اسمي»(1).

وكذلك حينما توجه أبو طالب (عليه السلام) إلى السماء منادياً: «يا رب، اختر لهذا المولود اسماً».

ففي الحديث: «أنه لما ولد علي (عليه السلام) أخذ أبو طالب (عليه السلام) بيد فاطمة (عليها السلام) - بنت أسد - وعلي (عليه السلام) على صدره، وخرج إلى الأبطح ونادى:

يا رب يا ذا الغسق الدجي***والقمر المبتلج المضي

بين لنا من حكمك المقضي***ماذا ترى في اسم ذا الصبي

قال: فجاء شيء يدب على الأرض كالسحاب حتى حصل في صدر أبي طالب فضمه مع علي إلى صدره، فلما أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب:

خصصتما بالولد الزكي***والطاهر المنتجب الرضي

فاسمه من شامخ علي***علي اشتق من العلي

قال: فعلقوا اللوح في الكعبة، وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد

ص: 16


1- الأمالي للصدوق: ص132-133 المجلس27 ح9.

الملك»(1).

وقد أشرنا إلى بعض أسماء الإمام (عليه السلام) وكناه وألقابه, وكلها تدل على عظيم فضله ومقامه عند اللّه عزوجل.

عن عباية بن ربعي، قال: قلت لعبد اللّه بن عباس: لِمَ كنّى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) أبا تراب؟.

قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة اللّه على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها، ولقد سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إنه إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد اللّه تبارك وتعالى لشيعة علي (عليه السلام) من الثواب والزلفى والكرامة يقول: يا ليتني كنت ترابياً، أي يا ليتني من شيعة علي، وذلك قول اللّه عزوجل: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً}(2)»(3).

ص: 17


1- بحار الأنوار: ج35 ص18-19 ب1 ضمن ح14.
2- سورة النبأ: 40.
3- بحار الأنوار: ج35 ص51 ب2 ح4.

5

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يربيه (عليه السلام) ويغذيه

في الحديث: «إن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) ولدت علياً (عليه السلام) ولرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثلاثون سنة، وأحبه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حباً شديداً. وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي. وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يلي أكثر تربيته، وكان يطهر علياً (عليه السلام) في وقت غسله، ويؤجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله على صدره، ويقول: هذا أخي ووليي، وناصري وصفيي، وذخري وكهفي، وظهري وظهيري، ووصيي وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي وخليفتي، وكان يحمله دائماً ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها»(1).

وفي الحديث: «أنه انفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة فيه، ثم عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه ثلاثة أيام، فأكلت من ثمار الجنة، فلما خرجت قال علي (عليه السلام) - لأبي طالب (عليه السلام) -: السلام عليك يا أبه ورحمة اللّه وبركاته، ثم تنحنح وقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}(2) الآيات.

فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «قد أفلحوا بك، أنت واللّه أميرهم، تميرهم من علمك فيمتارون، وأنت واللّه دليلهم وبك واللّه يهتدون».. ووضع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 18


1- بحار الأنوار: ج35 ص9-10 ب1 ضمن ح11.
2- سورة المؤمنون: 1.

لسانه في فيه فانفجرت اثنتا عشرة عيناً...»(1).

وقال علي (عليه السلام) في (نهج البلاغة) في خطبته المسماة بالقاصعة:

«وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ، يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ، وَلا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ، وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ إِتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاقِهِ عَلَماً، وَيَأْمُرُنِي بِالإِقْتِدَاءِ بِهِ، وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلا يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَخَدِيجَةَ (عليها السلام) وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ»(2).

وعن ابن عباس، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال:

«أنا أديب اللّه وعلي (عليه السلام) أديبي، أمرني ربي بالسخاء والبر، ونهاني عن البخل والجفاء، وما شيء أبغض إلى اللّه عزوجل من البخل وسوء الخلق، وإنه ليفسد العمل كما يفسد الطين العسل»(3).

ص: 19


1- المناقب: ج2 ص174 فصل في آثار حمله وكيفية ولادته.
2- نهج البلاغة، الخطب: رقم192 ومن خطبة له (عليه السلام) تسمى القاصعة، وهي تتضمن ذم إبليس (لعنه اللّه) على استكباره وتركه السجود لآدم (عليه السلام) ، وأنه أول من أظهر العصبية وتبع الحمية، وتحذير الناس من سلوك طريقته.
3- بحار الأنوار: ج 16 ص231 ب9 ضمن ح35.

6

أول المسلمين والمؤمنين

اشارة

كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أول من أسلم وآمن بنبوة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الرجال والنساء. ولم يسجد لصنم قط.

وقد دل على ذلك ما تواتر عند الفريقين، مضافاً إلى شواهد من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وأقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه، وأقوال الصحابة والمحدثين والمؤرخين، ما تكل الأقلام وتعجز عن تسطيره.

شواهد من القرآن

عن ابن عباس في قوله تعالى جل ذكره: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}(1)، قال:

(سابق هذه الأمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع}(2).

وعن ابن عباس:

(إنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) ، سبق واللّه كل أهل الإيمان إلى الإيمان، ثم قال: والسابقون كذلك يسبق العباد يوم القيامة إلى الجنة)(3).

ص: 20


1- سورة الواقعة: 10-11.
2- تفسير فرات الكوفي: ص463 ومن سورة الواقعة ح605.
3- المناقب: ج2 ص5 فصل في المسابقة بالإسلام.

وعن ابن عباس، في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ}(1)، قال:

نزلت في علي (عليه السلام) ، سبق الناس كلهم بالإيمان باللّه وبرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وصلى القبلتين، وبايع البيعتين، وهاجر الهجرتين، ففيه نزلت هذه الآية)(2).

وروى أصحابنا عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}، نزلت في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهما أول من صلّى وركع(3).

وعن ابن عباس، قال: مما نزل من القرآن خاصة في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) من سورة البقرة، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(4) نزلت في علي (عليه السلام) خاصة، وهو أول مؤمن وأول مصل بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (5).

وعن ابن عباس، في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ}(6) فأول من صلى مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب(7).

وعن ابن عباس - في خبر يذكر فيه كيفية بعثة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - ثم قال: بينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قائم يصلي مع خديجة (عليها السلام) إذ طلع عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) . فقال له: «ما هذا يا محمد؟». قال: «هذا دين اللّه». فآمن به وصدقه، ثم كانا يصليان

ص: 21


1- سورة التوبة: 100.
2- شواهد التنزيل: ج1 ص336 ومن سورة التوبة ح346.
3- بحار الأنوار: ج38 ص201 ب65 ح1.
4- سورة البقرة: 82.
5- شواهد التنزيل: ج1 ص117 ومن سورة البقرة ح127.
6- سورة المزمل: 20.
7- المناقب: ج2 ص14 فصل في المسابقة بالصلاة.

ويركعان ويسجدان، فأبصرهما أهل مكة ففشا الخبر فيهم أن محمداً قد جن، فنزل:

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}(1)»(2).

وقال ابن مسعود: قال علي (عليه السلام) : «يا رسول اللّه، ما أقول في السجود في الصلاة؟». فنزل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}(3). قال: «فما أقول في الركوع؟». فنزل: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}(4)، فكان أول من قال ذلك(5).

شواهد من السنة النبوية

في (أسد الغابة): عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لقد صلت الملائكة عليَّ وعلى علي (عليه السلام) سبع سنين؛ وذاك أنه لم يصل معي رجل غيره»(6).

وعن عمر بن الخطاب، قال: كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة، إذ ضرب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منكب علي بن أبي طالب (رحمه اللّه) فقال: «يا علي، أنت أول المؤمنين إيماناً، وأولهم إسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى»(7).

ص: 22


1- سورة القلم: 1-2.
2- بحار الأنوار: ج38 ص202 ب65 ضمن ح1.
3- سورة الأعلى: 1.
4- سورة الواقعة: 74و96، سورة الحاقة: 52.
5- المناقب: ج2 ص15 فصل في المسابقة بالصلاة.
6- أسد الغابة لابن الأثير: ج4 ص18.
7- ينابيع المودة لذوي القربى، للقندوزي: ج2 ص146 ب56 ذكر فضائل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ح403.

وعن ابن عباس: قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أول من صلى معي علي (عليه السلام) »(1).

وعن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، أنت أول المسلمين إسلاماً، وأول المؤمنين إيماناً»(2).

وعن ابن عباس، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي أول من آمن بي وصدقني»(3).

وأخرج أبو نعيم في (حليته) قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «لك سبع خصال لا يحاجك أحد فيهن يوم القيامة: أنت أول المؤمنين باللّه إيماناً، وأوفاهم بعهد اللّه، وأقومهم بأمر اللّه، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم يوم القيامة مزية»(4).

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «سبّاق الأمم ثلاثة، لم يكفروا باللّه طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون، فهم الصديقون. وعلي (عليه السلام) أفضلهم»(5).

وعن أبي ذر، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن الملائكة صلت عليَّ وعلى علي سبع سنين قبل أن يسلم بشر»(6).

وفي مناقب الخوارزمي، عن بريدة، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «قم بنا يا بريدة نعود فاطمة (عليها السلام) ». فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها دمعت عيناها.

ص: 23


1- بحار الأنوار: ج38 ص202 ب65 ضمن ح1.
2- المناقب: ج2 ص6 فصل في المسابقة بالإسلام.
3- المناقب: ج2 ص6 فصل في المسابقة بالإسلام.
4- الصراط المستقيم: ج1 ص330-331 ب9.
5- راجع بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية: ص258-259.
6- شواهد التنزيل: ج2 ص184 ومن سورة حم المؤمن ح818.

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما يبكيك يا ابنتي؟».

قالت: «قلة الطعم، وكثرة الهم، وشدة السقم».

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها: «أما واللّه ما عند اللّه خير مما ترغبين إليه. يا فاطمة، أما ترضين أني زوجتكِ خير أمتي: أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً، واللّه إن ابنيكِ سيدا شباب أهل الجنة»(1).

وعن ابن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن أمتي عرضت عليَّ في الميثاق، فكان أول من آمن بي علي، وهو أول من صدقني حين بعثت، وهو الصديق الأكبر، والفاروق يفرق بين الحق والباطل»(2).

وعن أنس بن مالك، أنه قال: قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن أول هذه الأمة وروداً عليَّ أولها إسلاماً، وإن علي بن أبي طالب أولها إسلاماً»(3).

أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام)

قال علي (عليه السلام) : «كنتُ أول الناس إسلاماً، بُعث (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء، وبقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام»(4).

وفي (تاريخ بغداد)، و(الرسالة القوامية)، و(مسند الموصلي)، و(خصائص النطنزي)، أنه قال حبة العرني: قال علي (عليه السلام) : «بُعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم الاثنين

ص: 24


1- كشف الغمة: ج1 ص149 في بيان أنه (عليه السلام) أفضل الأصحاب.
2- تفسير العياشي: ج2 ص41 من سورة الأعراف ح115.
3- كنز الفوائد: ج1 ص263 فصل من البيان عن أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أول بشر سبق إلى الإسلام بعد خديجة (عليها السلام) .
4- بحار الأنوار: ج38 ص209 ب65 ح5.

وأسلمت يوم الثلاثاء»(1).

وقال أحمد بن حنبل في (مسند العشرة)، وفي (الفضائل) أيضاً، والنسوي في (المعرفة)، والترمذي في (الجامع)، وابن بطة في (الإبانة): روى علي بن الجعد، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حبة العرني، قال: سمعت علياً يقول: «أنا أول من صلى مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(2).

وفي (مسند أبي يعلى) عن علي (عليه السلام) : «ما أعلم أحداً من هذه الأمة بعد نبيها عبد اللّه غيري»(3).

وفي (مسند أحمد بن حنبل)، عن عبد اللّه بن عباس، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: «أنا عبد اللّه وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها غيري إلا كاذب مفتر، ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين»(4).

أقوال الصحابة

في (تاريخ النسوي)، قال زيد بن أرقم: «أول من صلى مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علي»(5).

وفي (جامع الترمذي) و(مسند أبي يعلى الموصلي)، عن أنس. و(تاريخ الطبري)، عن جابر، قالا: بُعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم الاثنين وصلى علي (عليه السلام) يوم

ص: 25


1- المناقب: ج2 ص7 فصل في المسابقة بالإسلام.
2- المناقب: ج2 ص15 فصل في المسابقة بالصلاة.
3- المناقب: ج2 ص15 فصل في المسابقة بالصلاة.
4- كشف اليقين: ص167 ف3 ب1 المطلب الثاني، المبحث الثالث.
5- المناقب: ج2 ص14 فصل في المسابقة بالصلاة.

الثلاثاء(1).

قال أبو المؤيد: وبهذا الإسناد، عن محمد بن إسحاق: إن أول ذكر آمن برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصدق بما جاء به عن اللّه تعالى، وعمره يومئذ عشر سنين، وكان من نعمة اللّه عليه أنه ربي في حجره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

وعن مروان وعبد الرحمن التميمي، قالا: مكث الإسلام سبع سنين ليس فيه إلاّ ثلاثة: رسول اللّه، وخديجة، وعلي(3).

وعن جابر بن الحر، عن عبد الرحمن بن ميمون، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول: أول من آمن برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الرجال علي، ومن النساء خديجة (رضوان اللّه عليهم)(4).

وفي سنن ابن ماجة، وتفسير الثعلبي، عن عبد اللّه بن أبي رافع، عن أبيه: أن علياً صلى مستخفياً مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سبع سنين وأشهر(5).

وقال ابن البيع في (معرفة أصول الحديث): لا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أول الناس إسلاماً(6).

ص: 26


1- المناقب: ج2 ص14 فصل في المسابقة بالصلاة.
2- كشف الغمة: ج1 ص79 ما جاء في إسلامه وسبقه وسنه يومئذ.
3- المناقب: ج2 ص7 فصل في المسابقة بالإسلام.
4- بحار الأنوار: ج38 ص211 ب65 ح12.
5- المناقب: ج2 ص16 فصل في المسابقة بالصلاة.
6- بحار الأنوار: ج38 ص235 ب65.

7

ليلة المبيت

روى المفسرون أن قول اللّه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}(1) أنزلت في علي (عليه السلام) ليلة المبيت على الفراش.

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لو وُزن عمل علي (عليه السلام) ليلة المبيت بأعمال الخلائق لرجح»(2).

وفي (الخصال): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب اليهودي الذي سأل عما فيه من علامات الأوصياء - فقال فيما قال -: «وأما الثانية يا أخا اليهود، فإن قريشاً لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو نائم على فراشه فيضربوه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدراً..

فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأنبأه بذلك، وأخبره بالليلة التي يجتمعون

ص: 27


1- سورة البقرة: 207.
2- الصراط المستقيم: ج2 ص72 ب9 ف12.

فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالخبر وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن اُقتل دونه. فمضى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لوجهه واضطجعت في مضجعه، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه اللّه والناس»(1).

وروي: أن المشركين ضربوا علياً (عليه السلام) وحبسوه ساعة ثم تركوه(2).

وعن أنس بن مالك، قال: «لما توجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الغار ومعه أبوبكر، أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) أن ينام على فراشه ويتغشى ببردته. فبات علي (عليه السلام) موطناً نفسه على القتل، وجاءت رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلما أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكون أنه محمد فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه. فلما أيقظوه فرأوه علياً تركوه وتفرقوا في طلب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأنزل اللّه عزوجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}(3)»(4).

وروى الفريقان: «أن ليلة بات علي بن أبي طالب (عليه السلام) على فراش رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل: أني آخيت بينكما وجعلت عمر

ص: 28


1- الخصال: ج2 ص366-367 امتحان اللّه عزوجل أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن وبعد وفاتهم في سبعة مواطن ح58
2- بحار الأنوار: ج19 ص39 ب6 ح6.
3- سورة البقرة: 207.
4- الأمالي للطوسي: ص446-447 المجلس16 ح998.

أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بحياته؟.

فاختار كل منهما الحياة وأحباها، فأوحى اللّه تعالى إليهما:

«أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) آخيت بينه وبين محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه.

فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل (عليه السلام) ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة، فأنزل اللّه عزوجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}(1)»(2).

وكان دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة المبيت على فراش النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

«أمسيتُ اللّهم مُعتصماً بذِمامك المنيع الذي لا يُطاول ولا يحُاول، من شر كل غاشم وطارق، من سائر من خلقتَ وما خلقتَ من خلقك الصامت والناطق، في جُنة من كل مخوف بلباس سابغة بولاء أهل بيت نبيك محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، محتجباً من كل قاصد لي بأذية، بجدار حصين الإخلاص في الاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم، موقناً أن الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم، أوالي من والوا وأجانب من جانبوا، فصلّ على محمد وآله وأعِذني اللّهم بهم من شر كل ما أتقيه، يا عظيمُ حجزتُ الأعادي عني ببديع السماوات والأرض، إنا جعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يُبصرون»(3).

ص: 29


1- سورة البقرة: 207.
2- شواهد التنزيل: ج1 ص123 ومن سورة البقرة ح133.
3- البلد الأمين: ص27-28 ثم تدعو بدعاء العشرات عند المساء والصباح.

8

الزواج المبارك

تزوج أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بسيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولولاه لم يكن لها كفو. وقد زوّجه اللّه في سماواته ثم أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بتزويجه.

وقد خطب فاطمة (عليها السلام) العديد من الصحابة فلم يزوجها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أحداً، وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إن أمرها بيد ربها، وما أنا زوّجتها بعلي بل اللّه زوّجها»(1).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما زوجت فاطمة إلاّ بعدما أمرني اللّه عزوجل بتزويجها»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «لولا أن اللّه خلق أمير المؤمنين لفاطمة (عليهما السلام) ما كان لها كفؤ على الأرض»(3).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن علي (عليه السلام) ، قال: «لقد هممت بتزويج فاطمة (عليها السلام) ابنة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولم أتجرأ أن أذكر ذلك للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإن ذلك ليختلج في صدري ليلي ونهاري حتى دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقال: يا علي. قلت: لبيك يا رسول اللّه. قال: هل لك في التزويج؟.

ص: 30


1- راجع كشف اليقين: ص195 ب2 المبحث الثاني.
2- بحار الأنوار: ج43 ص104 ب5 ح16.
3- بشارة المصطفى: ص267.

قلت: رسول اللّه أعلم. وإذا هو يريد أن يزوجني بعض نساء قريش وإني لخائف على فوت فاطمة، فما شعرت بشيء إذ أتاني رسول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال لي: أجب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأسرع. فما رأينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أشد فرحاً منه اليوم. قال: فأتيته مسرعاً فإذا هو في حجرة أم سلمة، فلما نظر إليَّ تهلل وجهه فرحاً وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق، فقال: أبشر يا علي؛ فإن اللّه عزوجل قد كفاني ما قد كان أهمني من أمر تزويجك.

فقلت: وكيف ذلك يا رسول اللّه؟. قال: أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فناولنيهما فأخذتهما وشممتهما، فقلت: ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟. فقال: إن اللّه تبارك وتعالى أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب، وأمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة طه وطواسين ويس وحمعسق، ثم نادى مناد من تحت العرش: ألا إن اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ألا إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة بنت محمد من علي بن أبي طالب رضاً مني بعضهما لبعض.

ثم بعث اللّه تبارك وتعالى سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها, وقامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنة وقرنفلها، هذا مما نثرت الملائكة. ثم أمر اللّه تبارك وتعالى ملكاً من ملائكة الجنة يقال له: راحيل - وليس في الملائكة أبلغ منه - فقال: اخطب يا راحيل. فخطب بخطبة لم يسمع بمثلها أهل السماء ولا أهل الأرض، ثم نادى مناد: ألا يا ملائكتي وسكان جنتي باركوا على علي بن أبي طالب حبيب محمد، وفاطمة بنت محمد فقد باركت عليهما، ألا إني قد زوجت أحب النساء إليَّ من أحب الرجال إليَّ بعد النبيين والمرسلين.

ص: 31

فقال راحيل الملك: يا رب، وما بركتك فيهما بأكثر مما رأينا لهما في جنانك ودارك. فقال عزوجل: يا راحيل، إن من بركتي عليهما أن أجمعهما على محبتي واجعلهما حجة على خلقي، وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقاَ، ولأنشأن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي، ومعادن لعلمي، ودعاة إلى ديني، بهم أحتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين.

فأبشر يا علي؛ فإن اللّه عزوجل أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحداً، وقد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن، وقد رضيت لها بما رضي اللّه لها، فدونك أهلك فإنك أحق بها مني. ولقد أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أن الجنة مشتاقة إليكما، ولولا أن اللّه عزوجل قدّر أن يخرج منكما ما يتخذه على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة وأهلها، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضا اللّه رضاً.

قال علي (عليه السلام) : فقلت: يا رسول اللّه، بلغ من قدري حتى أني ذكرت في الجنة وزوجني اللّه في ملائكته. فقال: إن اللّه عزوجل إذا أكرم وليه وأحبه أكرمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فحباها اللّه لك يا علي.

فقال علي (عليه السلام) : {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}(1).

فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : آمين»(2).

وعن جابر بن عبد اللّه، قال: لما زوج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) ، أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت علياً بمهر خسيس!

ص: 32


1- سورة النمل: 19، سورة الأحقاف: 15.
2- بحار الأنوار: ج43 ص101-103 ب5 ح12.

فقال: «ما أنا زوّجت علياً ولكن اللّه عزوجل زوّجه ليلة أسرى بي عند سدرة المنتهى، أوحى اللّه إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدر والجوهر والمرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن فهن يتهادينه ويتفاخرن ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة (عليها السلام) : «اركبي». وأمر سلمان أن يقودها والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسوقها، فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجبة فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً وميكائيل في سبعين ألفاً، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما أهبطكم إلى الأرض؟». قالوا: «جئنا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب».

فكبرّ جبرئيل وكبر ميكائيل وكبرت الملائكة وكبر محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة(1).

ص: 33


1- دلائل الإمامة: ص23-24 خبر ليلة الزفاف.

9

المؤاخاة

الأخوة من الأسس التي سنّها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المجتمع الإسلامي، فجعل المسلمين بعضهم أخوة بعض، والمؤمنين كذلك، وكذلك المسلمات والمؤمنات أخوات. قال تعالى: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(1).

وقد آخى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين المهاجرين مرةً، وآخى بين المهاجرين والأنصار مرة ثانية، ولم يختر لنفسه أخاً غير علي (عليه السلام) فقال له في كل منهما: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(2).

وربما يستفاد من بعض التواريخ أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) آخى بين المسلمين ثلاث مرات بل أكثر.

فمضافا إلى ما سبق روي أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) آخى بين الأنصار والأنصار أيضاً.

وروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلاً، فنزل جبرئيل وقال: «إن اللّه تعالى آخى بين الملائكة، وبيني وبين ميكائيل، وبين إسرافيل وبين عزرائيل، وبين دردائيل وبين راحيل»، فآخى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين أصحابه(3).

ص: 34


1- سورة الحجرات: 10.
2- تفسير القمي: ج2 ص109 ملك في سورة الديك.
3- المناقب: ج2 ص185 فصل في الإخوة.

كما آخى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين المسلمين يوم بيعة العشيرة بمكة، ويوم الثاني عشر من شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة في المدينة المنورة، ويوم المباهلة الرابع والعشرين من ذي الحجة في العام العاشر من الهجرة، وغيرها. وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في كل مرة يترك أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يؤاخي بينه وبين أحد، فاغتم أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذلك فقال (عليه السلام) : «يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمي لم لاتؤاخي بيني وبين أحد؟». فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «واللّه يا علي ما حبستك إلاّ لنفسي، أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخوك، وأنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتتولى عليَّ غسلي ولا يليه غيرك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي». فاستبشر أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك(1).

وعن زيد بن أرقم، قال: دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «إني مؤاخ بينكم كما آخى اللّه تعالى بين الملائكة»، ثم قال لعلي (عليه السلام) : «أنت أخي ورفيقي» ثم تلا هذه الآية: {إِخْوَاناً عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}(2) الأخلاء في اللّه ينظر بعضهم إلى بعض»(3).

وعن حذيفة بن اليمان، قال: آخى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار، كان يؤاخي بين الرجل ونظيره، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: «هذا أخي». قال حذيفة: فرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب

ص: 35


1- تفسير القمي: ج2 ص109.
2- سورة الحجر: 47.
3- كشف الغمة: ج1 ص328 في ذكر المؤاخاة له (عليه السلام) .

العالمين الذي ليس له شبيه ولا نظير، وعلي (عليه السلام) أخوه(1).

وعن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(2) آخى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين الأشكال والأمثال. فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرحمن، وبين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري، وبين أبي ذر وابن مسعود، وبين سلمان وحذيفة، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي الدرداء وبلال، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل، وبين المقداد وعمار، وبين عائشة وحفصة، وبين زينب بنت جحش وميمونة، وبين أم سلمة وصفية، حتى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم(3).

وعن أنس، قال: لما كان يوم المباهلة آخى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار، وعلي (عليه السلام) واقف يراه ويعرف مكانه ولم يؤاخ بينه وبين أحد. فانصرف علي باكي العين فافتقده النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: «ما فعل أبو الحسن؟». قالوا: انصرف باكي العين يا رسول اللّه. قال: «يا بلال، اذهب فائتني به». فمضى بلال إلى علي (عليه السلام) وقد دخل منزله باكي العين، فقالت فاطمة (عليها السلام) : «ما يبكيك، لا أبكى اللّه عينيك». قال: «يا فاطمة، آخى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني، ولم يؤاخ بيني وبين أحد». قالت (عليها السلام) : «لا يحزنك اللّه، لعله إنما ادخرك لنفسه». فقال بلال: «يا علي، أجب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». فأتى علي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما يبكيك يا أبا الحسن؟».

ص: 36


1- كشف الغمة: ج1 ص329 في ذكر المؤاخاة له (عليه السلام) .
2- سورة الحجرات: 10.
3- المناقب: ج2 ص185 فصل في الإخوة.

فقال: «واخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول اللّه وأنا واقف تراني وتعرف مكاني، ولم تؤاخ بيني وبين أحد». قال: «إنما ذخرتك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك». قال: «بلى يا رسول اللّه أنى لي بذلك». فأخذه بيده فأرقاه المنبر فقال: «اللّهم إن هذا مني وأنا منه، ألا أنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه». قال: فانصرف علي (عليه السلام) قرير العين، فاتبعه عمر فقال: بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مسلم(1).

ص: 37


1- كشف الغمة: ج1 ص328 في ذكر المؤاخاة له (عليه السلام) .

10

أخلاق الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قمةً في الأخلاق الحسنة والمعاشرة الطيبة، كما كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تماماً، فكان يُكرم الجميع ويقضي حوائجهم، حتى بالنسبة إلى قاتله فإنه أكرمه أحسن الإكرام.

هدايا إلى قاتله

في التاريخ أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبر ابن ملجم بأنه قاتله، ولكن لم يمنعه ذلك من إكرامه، حيث أمر (عليه السلام) له بخلعة سنية وعمامتين وفرسين وسيفين ورمحين، فسار ابن ملجم إلى بلده(1).

وقال ابن ملجم لقطام عند ما أرادت منه أن يقتل علياً (عليه السلام) : ويلكِ إنه (عليه السلام) قد أعزني وأكرمني وأحبني ورفعني وآثرني على غيري، فلا يكون ذلك جزاؤه مني أبداً. ولكنها خدعته حتى ارتكب ما ارتكب من عظيم الجرم(2).

ومرة أراد ابن ملجم من أمير المؤمنين (عليه السلام) حاجة، فقضاها له، حيث خرج ابن ملجم وجاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخبره بما جاء إليه لأجله، وسأله أن يكتب إلى ابن المنتجب كتاباً ليعينه على استخلاص حقه، فأمر كاتبه فكتب له ما أراد، ثم

ص: 38


1- راجع بحار الأنوار: ج42 ص263 ب127.
2- راجع بحار الأنوار: ج42 ص266 ب127.

أعطاه فرساً من جياد خيله، فخرج(1).

سخاء الإمام (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أسخى الناس بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، حتى قال في حقه معاوية: «لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفق تبره قبل تبنه»(2).

وقد أعتق الإمام (عليه السلام) ألف عبد من كسب يده، ولم يقل لسائل: لا، قط.

وكان (عليه السلام) يصوم ويطوي ويؤثر بزاده، وفيه نزل قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَنُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنّا نَخَافُ مِن رّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنّةً وَحَرِيراً} الآيات(3).

وروى المفسرون(4)

أنه (عليه السلام) لم يكن يملك إلاّ أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فنزل فيه قوله تعالى: {الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(5).

وروي أنه (عليه السلام) كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يده ويتصدق بالأجرة ويشد على بطنه حجراً(6).

ص: 39


1- راجع بحار الأنوار: ج42 ص267 ب127.
2- شرح نهج البلاغة: ج1 ص22 القول في نسب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذكر لمع يسيرة من فضائله.
3- سورة الإنسان: 8-12.
4- تفسير العياشي: ج1 ص151 من سورة البقرة ح502.
5- سورة البقرة: 274.
6- شرح نهج البلاغة: ج1 ص22 القول في نسب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذكر لمع يسيرة من فضائله.

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) هشاً بشاً يتبسم في وجوه المؤمنين، حتى قال معاوية لقيس بن سعد: رحم اللّه أبا حسن فلقد كان هشاً بشاً ذا فكاهة، قال قيس: نعم كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يمزح ويبسم إلى أصحابه(1).

صف لي عليا (عليه السلام)

في (إرشاد القلوب) قال: دخل ضرار بن ضمرة الليثي على معاوية، فقال له: صف لي علياً؟.

فقال: أ ولا تعفيني عن ذلك.

فقال: لا أعفيك.

فقال: كان واللّه بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطلق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنف بالليل ووحشته. كان واللّه غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويناجي ربه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب. كان واللّه فينا كأحدنا، يدنينا إذا سألناه، وكنا مع دنوه منا وقربنا منه لا نكلمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته، فإن تبسم ظهر أسنانه مثل اللؤلؤ المنظوم. يقرب أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله(2)، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد باللّه لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السقيم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو

ص: 40


1- راجع بحار الأنوار: ج41 ص147 ب107.
2- أي لا يطمع بأن يصدر منه باطل.

يقول: «يا دنيا، يا دنيا، أ بي تعرضتِ، أم إليَّ تشوقتِ، هيهات هيهات غري غيري، لا حاجة لي فيكِ، قد طلقتكِ ثلاثاً لا رجعة لي فيكِ، فعمركِ قصير، وأملكِ حقير، آه آه من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق، وعظم المورد».

فسالت دمعة معاوية على لحيته فنشفها بكمه، واختنق القوم بالبكاء، ثم قال: كان واللّه أبو الحسن علي كذلك، فكيف صبرك عنه يا ضرار؟.

قال: صبر من ذبح ولدها على صدرها، فهي لا ترقى عبرتها، ولا تسكن حرارتها. ثم قام فخرج وهو باك.

فقال معاوية: أما إنكم لو تفقدوني لما كان فيكم من يثني عليَّ هذا الثناء.

فقال بعض من كان حاضراً: الصاحب على قدر صاحبه(1).

قال الشاعر صفي الدين الحلي (رحمه اللّه) (2):

ص: 41


1- إرشاد القلوب: ج2 ص218 في فضائل ومناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغزواته (عليه السلام) .
2- صفي الدين عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي قاسم بن أحمد بن نصر بن عبد العزيز ابن سرايا بن باقي بن عبد اللّه بن العريض الحلي الطائي السنبسي، من بني سنبس بطن من طي. شاعر من الطراز الأول، فاق شعره بجزالة اللفظ ورقة المعنى، وكان إماماً من أئمة الأدب ومعدوداً من علماء الشيعة المشاركين في الفنون. ولد 5 ربيع الآخر سنة 677ه- ونشأ في الحلة بين الكوفة وبغداد. اشتغل بالتجارة فكان يرحل إلى الشام ومصر وماردين وغيرها في التجارة ثم يرجع إلى بلاده، وفي غضون ذلك يمدح الملوك والأعيان وانقطع مدة إلى ملوك ماردين وله في مدائحهم الغرر، وامتدح الناصر محمد بن قلاون، والمؤيد إسماعيل بحماة. ثم رحل إلى القاهرة عام 726ه- فمدح السلطان الملك الناصر. توفي (رحمه اللّه) ببغداد عام 750ه. وله عدة مآثر، منها: 1- منظومة في علم العروض، 2- العاطل الحالي، رسالة في الزجل والموالي، 3- الخدمة الجليلة، رسالة في وصف الصيد بالبندق، 4- درر النحور في مدائح الملك المنصور، وهي القصائد (الأرتقيات) تحوي 29 قصيدة مرتبة على حروف المعجم، وأول أبياتها كآخرها من الحروف وكل قصيدة منها 29 بيتاً، 5- ديوان شعره، 6- رسالة الدار عن محاورات الفار، 7- الرسالة المهملة كتبها إلى الملك الناصر محمد بن قلاون سنة 723ه، 8- الرسالة الثومية، أنشأها بماردين سنة 700ه، 9- الكافية، هي بديعيته الشهيرة الحاوية لمائة وواحد وخمسين نوعاً من محاسن البديع في 145 بيتاً من بحر (البسيط) يمدح بها النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

جمعت في صفاتك الأضداد***فلهذا عزت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجاع***ناسك فاتك فقير جواد

شيم ما جمعن في بشر***قط ولا حاز مثلهن العباد

وأطفأ السراج

عن الحارث الهمداني، قال: سامرت أمير المؤمنين (عليه السلام) . فقلت: يا أمير المؤمنين، عرضت لي حاجة.

قال: «فرأيتني لها أهلاً؟».

قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: «جزاك اللّه عني خيراً».

ثم قام إلى السراج فأغشاها وجلس، ثم قال: «إنما أغشيت السراج لئلا أرى ذل حاجتك في وجهك فتكلم؛ فإني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «الحوائج أمانة من اللّه في صدور العباد فمن كتمها كتب له عبادة، ومن أفشاها كان حقاً على من سمعها أن يعينه»(1).

أتبخل أنت؟

عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «أن أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة، وكان الرجل ممن يرجو نوافله ويؤمل نائله ورفده، وكان لا يسأل علياً (عليه السلام) ولا غيره شيئاً.

ص: 42


1- بحار الأنوار: ج41 ص36 ب102 ح13.

فقال رجل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : واللّه ما سألك فلان، ولقد كان يجزئه من الخمسة الأوساق وسق واحد.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا كثر اللّه في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل أنت!، لله أنت إذا أنا لم أعطِ الذي يرجوني إلا من بعد المسألة ثم أعطيه بعد المسألة فلم أعطه ثمن ما أخذت منه؛ وذلك لأني عرضته أن يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عند تعبده له وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق اللّه عزوجل في دعائه له حيث يتمنى له الجنة بلسانه، ويبخل عليه بالحطام من ماله، وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل»(1).

لقد أغنيته

وعن أحمد بن أبي المقدام العجلي، قال: يروى أن رجلاً جاء إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) . فقال له: يا أمير المؤمنين، إن لي إليك حاجة. فقال: «اكتبها في الأرض؛ فإني أرى الضر فيك بيناً». فكتب في الأرض: أنا فقير محتاج.

فقال علي (عليه السلام) : «يا قنبر، اكسه حلتين». فأنشأ الرجل يقول:

كسوتني حلة تبلى محاسنها***فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة***ولست تبغي بما قد نلته بدلا

إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه***كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في عرف بدأت به***فكل عبد سيجزى بالذي فعلا

ص: 43


1- الكافي: ج4 ص22-23 باب من أعطى بعد المسألة ح1.

فقال (عليه السلام) : «أعطوه مائة دينار».

فقيل له: يا أمير المؤمنين، لقد أغنيته.

فقال (عليه السلام) : «إني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: أنزل الناس منازلهم».

ثم قال علي (عليه السلام) : «إني لأعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم ولايشترون الأحرار بمعروفهم»(1).

كيف أصبحت؟

قال الصادق (عليه السلام) : «مرض أمير المؤمنين (عليه السلام) فعاده قوم، فقالوا له كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟. فقال: أصبحت بشرّ!.

فقالوا له: سبحان اللّه هذا كلام مثلك؟!

فقال: يقول اللّه تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ}(2) فالخير الصحة والغنى، والشر المرض والفقر، ابتلاءً واختباراً»(3).

حلم الإمام وعفوه (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أحلم الناس بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وفي (شرح النهج): وأما الحلم والصفح فكان (عليه السلام) أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهر ذلك يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان أعدى الناس له وأشدهم بغضاً، فصفح عنه.

وكان عبد اللّه بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة

ص: 44


1- بحار الأنوار: ج41 ص34-35 ب102 ح7، والبحار: ج71 ص407-408 ب30 ح2.
2- سورة الأنبياء: 35.
3- الدعوات: ص168 ب3 فصل في صلاة المريض وصلاحه وأدبه ودعائه عند المرض ح469.

فسب الإمام (عليه السلام) ، فظفر به يوم الجمل فأخذه أسيراً وصفح عنه، وقال: «اذهب فلا أرينك»، لم يزده على ذلك.

وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة وكان له عدواً فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً.

ولما ظفر بعائشة أكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم وقلدهن بالسيوف، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به، وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي، فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها: إنما نحن نسوة.

وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف وشتموه ولعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم ونادى مناديه في أقطار العسكر: «ألا لايتبع مول، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن». ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبى ذراريهم، ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى إلاّ الصفح والعفو، وتقيل سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة؛ فإنه عفا والأحقاد لم تبرد والإساءة لم تنس.

وفي صفين لما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات، وقالت رؤساء الشام له: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً! سألهم علي (عليه السلام) وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا واللّه ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفان! فلما رأى (عليه السلام) أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه

ص: 45

وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب. فقال (عليه السلام) : «لا واللّه لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك»(1).

ص: 46


1- شرح نهج البلاغة: ج1 ص23-24 القول في نسب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذكر لمع يسيرة من فضائله.

11

علم الإمام (عليه السلام)

اشارة

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلم الناس بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقد منحه اللّه عزوجل العلم اللدني مضافاً إلى ما أخذه من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكان (عليه السلام) يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني»(1)، ولا يجرؤ أحد على هذا القول إلاّ المعصوم (عليه السلام) .

وقد أجاب الإمام (عليه السلام) على ما يرتبط بالدين والدنيا والآخرة، والسماوات والأرضين، وحتى أدق المسائل الحسابية، وأسرار العلوم، وما يرتبط بالأحكام الشرعية وتفسير القرآن، وأخبار الماضين والأمم السابقة، وقصص الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) ، وما يرتبط بالجنة والنار، وعالم الجن والملك، مضافاً إلى إحاطته بسائر العلوم، وقد أسس علم النحو ووضع أصوله في كلمات معروفة وقال لأبي الأسود الدؤلي: «أنح هذا النحو»، فزاد عليها أبو الأسود حتى كان علم النحو.

روي أنه دخل أبو الأسود الدؤلي على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فرآه متفكراً. فقال له: فيما أنت متفكر؟. قال (عليه السلام) : «سمعت في بلدكم لحناً، وأردت أن أصنع في اللغة كتاباً». قال: فأتيته بعد أيام فألقى إليَّ صحيفة فيها:

«الكلام كله ثلاثة: اسم وفعل وحرف، والأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر

ص: 47


1- وسائل الشيعة: ج15 ص128 ب49 ح20137.

وغيرهما، فانح هذا النحو»(1).

وعن ابن عباس: أن عمر بن الخطاب قال له: يا أبا الحسن، إنك لتعجل في الحكم والفصل للشيء إذا سُئلت عنه. قال: فأبرز علي (عليه السلام) كفه وقال له: «كم هذا؟». فقال عمر: خمسة. فقال (عليه السلام) : «عَجِلتَ أبا حفص». قال: لم يخف عليَّ. فقال علي (عليه السلام) : «وأنا أسرع فيما لا يخفى عليَّ»(2).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من الباب»(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أعلمكم علي»(4)، وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أقضاكم علي»(5).

وقال سليم بن قيس: حدثني سلمان والمقداد، وحدثنيه بعد ذلك أبو ذر، ثم سمعته من علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قالوا: إن رجلاً فاخر علي بن أبي طالب (عليه السلام) . فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما سمع به لعلي (عليه السلام) : «فاخر العرب، فأنت فيهم أكرمهم ابن عم، وأكرمهم صهراً، وأكرمهم نفساً، وأكرمهم زوجةً، وأكرمهم أخاً، وأكرمهم عماً، وأكرمهم ولداً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً، وأقدمهم سلماً، وأعظمهم غناءً بنفسك ومالك، وأنت أقرؤهم لكتاب اللّه، وأعلمهم بسنتي، وأشجعهم لقاءً، وأجودهم كفاً، وأزهدهم في الدنيا، وأشدهم اجتهاداً، وأحسنهم خلقاً، وأصدقهم لساناً، وأحبهم إلى اللّه وإليَّ،

ص: 48


1- الصراط المستقيم: ج1 ص220 ب7 ف19.
2- بحار الأنوار: ج40 ص147 ب93 ضمن ح53.
3- المناقب: ج2 ص34 فصل في المسابقة بالعلم.
4- الكافي: ج7 ص424 باب النوادر ح6.
5- مستدرك الوسائل: ج17 ص242 ب3 ح21231.

وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد اللّه وتصبر على ظلم قريش لك، ثم تجاهدهم في سبيل اللّه إذا وجدت أعواناً، فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتَ معي على تنزيله، ثم تُقتل شهيداً تخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى اللّه والبعد منه»(1).

وخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: «سلوني؛ فإني لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلاّ جاهل مدع أو كذاب مفتر»(2).

وروي أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في آخر لحظات حياته قال لعلي (عليه السلام) : «ادن مني» فلما دنا منه أومأ إليه فأكب عليه، فناجاه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طويلاً، ثم قام فجلس ناحية حتى أغفى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقال له الناس: ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن؟.

فقال: «علمني ألف باب، فتح لي كل باب ألف باب، ووصاني بما أنا قائم به إن شاء اللّه». ثم ثقل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحضره الموت وأمير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده، فلما قرب خروج نفسه قال له: «ضع رأسي يا علي في حجرك فقد جاء أمر اللّه عزوجل، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري، وصل عليَّ أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن باللّه تعالى»(3).

وقال ابن عباس: «واللّه لقد أُعطي علي بن أبي طالب (عليه السلام) تسعة أعشار العلم، وأيم اللّه لقد شاركهم في العشر العاشر»(4).

ص: 49


1- بحار الأنوار: ج40 ص1 ب91 ح1.
2- بحار الأنوار: ج54 ص231 ب1 تحقيق في دفع شبهة ح188.
3- الإرشاد: ج1 ص186 فصل.
4- كشف الغمة: ج1 ص117 في فضل مناقبه وما أعده اللّه تعالى لمحبيه وذكر غزارة علمه وكونه أقضى الأصحاب.

وسُئل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن علي (عليه السلام) ، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «قُسّمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً»(1).

وقال علي (عليه السلام) : «إن ها هنا - وأشار بيده إلى صدره - لعلماً جماً»(2).

وقال (عليه السلام) : «كنت إذا سألت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعطاني،وإذا سكتّ ابتدأني»(3).

قصة الأرغفة

في (الاختصاص): عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام) ، قال:

«اجتمع رجلان يتغديان، مع واحد ثلاثة أرغفة ومع واحد خمسة أرغفة، قال: فمر بهما رجل فقال: سلام عليكما. فقالا: وعليك السلام، الغداء رحمك اللّه. فقعد وأكل معهما، فلما فرغ قام وطرح إليهما ثمانية دراهم. فقال: هذه عوض لكما بما أكلت من طعامكما.

قال: فتنازعا بها. فقال صاحب الثلاثة: النصف لي والنصف لك. وقال صاحب الخمسة: لي خمسة بقدر خمستي، ولك ثلاثة بقدر ثلاثتك. فأبيا وتنازعا حتى ارتفعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فاقتصا عليه القصة.

فقال (عليه السلام) : إن هذا الأمر الذي أنتما فيه دني ولا ينبغي أن ترفعا فيه إلى حكم - ثم أقبل علي (عليه السلام) إلى صاحب الثلاثة فقال - أرى أن صاحبك قد عرض عليك أن يعطيك ثلاثة وخبزه أكثر من خبزك فارض به.

ص: 50


1- شواهد التنزيل: ج1 ص135 ومن سورة البقرة ح146.
2- الأمالي للطوسي: ص20 المجلس1 ح23.
3- الأمالي للصدوق: ص243 المجلس42 ح13.

فقال: لا واللّه يا أمير المؤمنين لا أرضى إلاّ بمرّ الحق.

قال: فإنما لك في مر الحق درهم! فخذ درهماً وأعطه سبعة.

فقال: سبحان اللّه يا أمير المؤمنين عرض عليَّ ثلاثة فأبيت وآخذ واحداً؟.

فقال: عرض ثلاثة للصلح فحلفت أن لا ترضى إلاّ بمرّ الحق، وإنما لك بمرّ الحق درهم!.

قال: فأوقفني على هذا.

قال: أليس تعلم أن ثلاثتك تسعة أثلاث؟.

قال: بلى.

قال: أوليس تعلم أن خمسته خمسة عشر ثلثاً؟.

قال: بلى.

قال: فذلك أربعة وعشرون ثلثاً، أكلت أنت ثمانية وأكل الضيف ثمانية، وأكل هو ثمانية، فبقي من تسعتك واحد أكل الضيف، وبقي من خمسة عشر سبعة أكلها الضيف، فله سبعة بسبعة ولك بواحدك الذي أكله الضيف واحد»(1).

التاريخ الهجري

روي أنه: جمع عمر الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ؟.

فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «من يوم هاجر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وترك أرض الشرك»، ففعله عمر(2).

دفاعاً عن المسلمين

قال بعض المؤرخين: لما اجتمعت جموع كثيرة في فارس لغزو المسلمين،

ص: 51


1- الاختصاص: ص107-108 حديث محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وعمه عبد اللّه بن موسى.
2- إقبال الأعمال: ص542.

وانتهى خبر ذلك إلى من بالكوفة من المسلمين، وفزع عمر لذلك فزعاً شديداً، ولم يعلم كيف يتصرف، استشار المسلمين وقال: إن الشيطان قد جمع لكم جموعاً وأقبل بها ليطفئ بها نور اللّه؟.

فأشار عليه طلحة بالمسير بنفسه، وقال عثمان: أرى أن تشخص أهل الشام من شامهم، وأهل اليمن من يمنهم، وتسير أنت في أهل هذين الحرمين وأهل المصرين الكوفة والبصرة، فتلقى جميع المشركين بجميع المؤمنين.

ولما رأى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أن الخطر قد أحدق بالمسلمين، قال: «إنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل هذين الحرمين انتقضت عليك العرب من أطرافها، فأما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم فإنا لم نكن نقاتل على عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالبصيرة، وإن الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا: هذا رجل العرب فإن قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم، ولكني أرى أن تقر هؤلاء في أمصارهم وتكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق: فلتقم فرقة منهم على ذراريهم، ولتقم فرقة على أهل عهدهم لئلا ينتقضوا، ولتسر فرقة منهم إلى إخوانهم مدداً لهم».

فقال عمر: أجل هذا هو الرأي وقد كنت أحب أن أتابع عليه، وجعل يكرر قول علي وينسقه إعجاباً به واختياراً له(1).

ص: 52


1- راجع الإرشاد: ج1 ص207-210 فصل.

12

عبادة الإمام (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أعبد الخلق بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فإن العبودية على درجات المعرفة باللّه عزوجل، وقد قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي ما عرف اللّه إلاّ أنا وأنت»(1).

وكان (عليه السلام) أكثر الناس صلاةً وصوماً، وتضرعاً وخشوعاً.

وكان (عليه السلام) أشدهم خوفاً من اللّه عزوجل، حتى أنه يُغمى عليه من مخافته، وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده، وكان يصلي في الليلة ألف ركعة.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في النهج: «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ»(2).

وقال علي (عليه السلام) : «ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : صلاة الليل نور». فقال ابن الكواء: ولا ليلة الهرير؟! قال: «ولا ليلة الهرير»(3).

وعن أم سعيد سرية علي (عليه السلام) سألوها عن صلاة علي (عليه السلام) في شهر رمضان؟.

ص: 53


1- تأويل الآيات الظاهرة: ص145 سورة النساء، ص227 سورة يونس.
2- نهج البلاغة: قصار الحكم 237.
3- حلية الأبرار، للسيد هاشم البحراني: ج2 ص178 ب20 ح11.

فقالت: رمضان وشوال سواء يحيي الليل كله(1).

وفي مستدرك الوسائل: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلوّن. فيقال له: ما لك يا أمير المؤمنين؟. فيقول: «جاء وقت أمانة اللّه التي عرضها على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، فلا أدري أحسن أداء ما حملت أم لا»(2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «واللّه ما أكل علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الدنيا حراماً قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران كلاهما لله رضا إلاّ أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نازلة قط إلاّ دعاه ثقةً به، وما أطاق أحد عمل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من هذه الأمة غيره، وإن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه اللّه والنجاة من النار مما كد بيديه ورشح منه جبينه، وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلاّ الكرابيس، إذا فضل شيء عن يده دعا بالجلم فقطعه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقه من علي بن الحسين (عليه السلام) ، ولقد دخل أبو جعفر (عليه السلام) ابنه عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر، ورمصت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخزم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، وقال أبو جعفر (عليه السلام) : فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء فبكيت رحمة له، فإذا هو يفكر فالتفت إليَّ

ص: 54


1- المناقب: ج2 ص123 فصل في المسابقة بصالح الأعمال.
2- مستدرك الوسائل: ج4 ص93-94 ب2 ضمن ح4216.

بعد هنيهة من دخولي. فقال: يا بني، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) . فأعطيته فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثم تركها من يده تضجراً وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) »(1).

ص: 55


1- وسائل الشيعة: ج1 ص91-92 ب20 ح215.

13

زهد الإمام (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أزهد الناس بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكان حاكماً على أكبر دولة في العالم آنذاك، تضم ما يقارب خمسين دولة من دول اليوم، وهو يلبس الخشن ويأكل الجشب ويقول: «يا دنيا غُرّي غيري».

وكانت الدنيا في عينه أهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. وكانت الحكومة عنده لا تساوي نعلاً قيمتها ثلاثة دراهم إلاّ أن يقيم حقاً أو يدفع باطلاً.

ولم يشبع (عليه السلام) من طعام قط.

وقال (عليه السلام) : «لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلاَ تَنْبِذُهَا عَنْكَ!! فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى»(1).

وخطب (عليه السلام) الناس يوماً فقال: «واللّه الذي لا إله إلاّ هو ما رزأت من فيئكم إلاّ هذه». قال: وأخرج قارورة من كمّ قميصه وأشار إليها، وقال: «أهداها إليَّ دهقان»، ثم دفعها لخازن بيت المال(2).

وأنه (عليه السلام) أتي بفالوذج، فوُضع بين يديه، فقال (عليه السلام) : «إنك طيب الريح،

ص: 56


1- نهج البلاغة، الخطب: رقم160 ومن خطبة له (عليه السلام) .
2- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، لابن الدمشقي: ج1 ص284 ب43.

حسن اللون، طيب الطعم، لكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتده»(1).

وقال عمار بن ياسر: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «يا علي، إن اللّه تعالى زيّنك بزينة لم يزين العباد بزينة هي أحب إليه منها، زهدك فيها وبغضها إليك، وحبب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعاً ورضوا بك إماماً»(2).

وفي الحديث: إن علياً (عليه السلام) كان يكنس بيت المال كل يوم جمعة ثم ينضحه بالماء، ثم يصلي فيه ركعتين ثم يقول: «تشهدان لي يوم القيامة»(3).

وعن سويد بن غفلة، قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) العصر، فوجدته جالساً بين يديه صحيفة فيها لبن حازر أجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه، وهو يكسر بيده أحياناً فإذا غلبه كسره بركبته وطرحه فيه. فقال: «ادن فأصب من طعامنا هذا». فقلت: إني صائم. فقال: «سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: من منعه الصوم من طعام يشتهيه كان حقاً على اللّه أن يطعمه من طعام الجنة، ويسقيه من شرابها». قال: فقلت لجاريته - وهي قائمة بقريب منه -: ويحكِ يا فضة، ألا تتقين اللّه في هذا الشيخ، ألا تنخلون له طعاماً مما أرى فيه من النخالة. فقالت: لقد تقدم إلينا أن لا ننخل له طعاماً. قال: «ما قلتَ لها؟». فأخبرته، فقال: «بأبي وأمي من لم ينخل له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طعام، ولم يشبع (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه اللّه عزوجل»(4).

وعن زاذان، قال: انطلقت مع قنبر إلى علي (عليه السلام) . فقال: قم يا أمير المؤمنين

ص: 57


1- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، لابن الدمشقي: ج1 ص285 ب43.
2- كشف الغمة: ج1 ص162 في وصف زهده في الدنيا وسنته في رفضها وقناعته باليسير منها وعبادته.
3- الغارات: ج1 ص31 سيرته (عليه السلام) في المال.
4- بحار الأنوار: ج40 ص331 ب98 ضمن ح13.

فقد خبأت لك خبيئة. قال: «فما هو؟». قال: قم معي. فقام وانطلق إلى بيته فإذا بأسنة مملوة جامات من ذهب وفضة. فقال: يا أمير المؤمنين، إنك لا تترك شيئاً إلاّ قسمته، فادخرت هذا لك. قال علي (عليه السلام) : «لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً كثيرة». فسل سيفه فضربها فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه أو ثلثه، ثم قال: «اقسموه بالحصص». ففعلوا فجعل يقول:

«هذا جناي وخياره فيه***إذ كل جان يده إلى فيه

يا بيضاء ويا صفراء غرى غيري». قال: وفي البيت مسال وإبر. فقال: «اقسموا هذا». فقالوا: لا حاجة لنا فيه. قال: وكان يأخذ من كل عامل مما يعمل. فقال: «والذي نفسي بيده لتأخذن شره مع خيره»(1).

وقال هارون بن عنترة، قال: حدثني أبي قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن اللّه تعالى قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال ما يعم، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟. فقال: «واللّه ما أرزأكم من أموالكم شيئاً، وإن هذه لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي من المدينة ما عندي غيرها»(2).

وخرج الإمام (عليه السلام) يوماً إلى السوق ومعه سيفه ليبيعه. فقال: «من يشتري مني هذا السيف، فو الذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولو كان عندي من إزار لما بعته»(3).

ص: 58


1- الغارات: ج1 ص36-38 سيرته (عليه السلام) في المال.
2- كشف الغمة: ج1 ص173 في وصف زهده في الدنيا وسنته في رفضها وقناعته باليسير منها وعبادته.
3- كشف اليقين: ص87 ف3 ب1 المطلب الأول المبحث الخامس.

وكان (عليه السلام) قد ولى على عكبرا رجلاً من ثقيف، قال: قال له علي (عليه السلام) : «إذا صليت الظهر غداً فعُد إليَّ».

فعدت إليه في الوقت المعين، فلم أجد عنده حاجباً يحبسني دونه، فوجدته جالساً وعنده قدح وكوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إليَّ جوهراً، فكسر الختم وحلّه فإذا فيه سويق، فأخرج منه فصبه في القدح وصب عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا في العراق وطعامه كما ترى في كثرته؟!

فقال: «أما واللّه ما أختم عليه بخلاً به، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينقص فيوضع فيه من غيره، وأنا أكره أن أدخل بطني إلاّ طيباً، فلذلك أحترز عليه كما ترى، فإياك وتناول ما لا تعلم حله»(1).

وروي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في بعض حيطان فدك وفي يده مسحاة، فهجمت عليه امرأة من أجمل النساء. فقالت: يا ابن أبي طالب، إن تزوجتني أغنيك عن هذه المسحاة، وأدلك على خزائن الأرض، ويكون لك الملك ما بقيت. قال (عليه السلام) لها: «فمن أنتِ حتى أخطبكِ من أهلكِ؟». قالت: أنا الدنيا. فقال (عليه السلام) : «ارجعي فاطلبي زوجاً غيري فلستِ من شأني»، وأقبل على مسحاته(2).

وعن الأحنف بن قيس، قال: دخلت على علي (عليه السلام) وقت إفطاره، إذ دعا بجراب مختوم فيه سويق الشعير. قلت له: يا أمير المؤمنين، خفت أن يؤخذ منه فختمت فيه؟. قال (عليه السلام) : «لا، ولكني خفت أن يلينه الحسن أو الحسين بسمن أو زيت». قلت: هما حرام عليك؟. قال (عليه السلام) : «لا، ولكن يجب على الأئمة أن

ص: 59


1- بحار الأنوار: ج40 ص335 ب98 ضمن ح15.
2- المناقب: ج2 ص102 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.

يغتذوا بغداء ضعفاء الناس وأفقرهم؛ كيلا يشكو الفقير من فقره، ولا يطغى الغنى لغناه»(1).

وروي أن علياً (عليه السلام) كان معتكفاً في مسجد الكوفة فجاء أعرابي وقت إفطاره فأخرج علي (عليه السلام) من جراب سويق شعير فأعطاه منه شيئاً. فلم يأكله الأعرابي فعقده في طرف عمامته، فجاء إلى دار الحسنين (عليهما السلام) فأكل معهما. فقال لهما: رأيت شيخاً غريباً في المسجد لا يجد غير هذا السويق فترحمت عليه، فأحمل من هذا الطعام إليه ليأكله. فبكيا وقالا: «إنه أبونا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يجاهد نفسه بهذه الرياضة»(2).

وروي: أنه ترصَّد غداءه عمرو بن حريث، فأتت فضة بجراب مختوم فأخرج منه خبزاً متغبراً خشناً. فقال عمرو: يا فضة، لو نخلت هذا الدقيق وطيبته. قالت: كنت أفعل فنهاني، وكنت أصنع في جرابه طعاماً طيباً فختم جرابه. ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) فتّه في قصعة وصب عليه الماء، ثم ذرّ عليه الملح وحسر عن ذراعه، فلما فرغ قال: «يا عمرو، لقد هانت هذه - ومدّ يده إلى محاسنه - وخسرت هذه أن أدخلها النار من أجل الطعام وهذا يجزئني»(3).

وعن محلى بن خليفة: أنه دخل مع عدي بن حاتم على علي بن أبي طالب (عليه السلام) عشية في بعض مقامه بصفين ومعه عشاء. قال: فلقيناه وإذا بين يديه شنة فيها ماء قراح، وكسرات من خبز شعير وملح، لم يخلط به غيره. قال: فقال

ص: 60


1- ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج1 ص447-448 ب51 ح16 نشر دار الأسوة، الطبعة الأولى عام 1416ه.
2- ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج1 ص448 ب51 ح17نشر دار الأسوة،ط1.
3- مستدرك الوسائل: ج16 ص298 ب72 ج19944.

له عدي: إني لأرثي لك يا أمير المؤمنين؛ إنك لتظل نهارك طاوياً مجاهداً، وبالليل ساهراً مكابداً، ثم يكون هذا فطورك. فرفع رأسه وقال: «يا عدي،

الغنى في النفوس والفقر فيها***إن تجزت فقل ما يجزيها

علل النفس بالقنوع وإلا***طلبت منك فوق ما يكفيها

ليس فيما مضى ولا في الذي***لم يأت من لذة لمستحليها

إنما أنت طول عمرك ما***عمرت بالساعة التي أنت فيها(1)

وعن جندب: أن علياً (عليه السلام) قدم إليه لحم غث. فقيل له: نجعل لك فيه سمناً؟. فقال (عليه السلام) : «إنا لا نأكل أدمين جميعاً»(2).

وروي أن علياً (عليه السلام) تزوج امرأة فنجدت له بيتاً، فأبى أن يدخله»(3).

هذا وكان بعض الصحابة في زمن عثمان وقبله قد بنوا الدور، وشيدوا القصور، واختزنوا الأموال، وخلفوها بعدهم..

روى المسعودي: أنه في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال، فكان لعثمان يوم قُتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار، وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه في وادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلف إبلاً وخيلاً كثيرة.

وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف ألف فرس وألف أمة.

وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم، ومن ناحية السراة أكثر من

ص: 61


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص77.
2- المناقب: ج2 ص99 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.
3- المناقب: ج2 ص100 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.

ذلك.

وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً.

وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفئوس، غير ما خلف من الأموال والضياع.

وبنى الزبير داره بالبصرة وبنى أيضاً بمصر والكوفة والإسكندرية، وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة وشيّد داره بالمدينة، وبناها بالجص والآجر والساج.

وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق ورفع سمكها، وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها شرفات.

وخلف يعلى ابن منبه خمسين ألف دينار وعقاراً وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم(1).

إلى غيرها وغيرها مما هو كثير.

ص: 62


1- راجع تاريخ ابن خلدون: ج1 ص204-205.

14

عدل الإمام (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أعدل الناس بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكان يساوي بين الناس في العطاء ويأخذ هو كأحدهم، وكان لا يُظلم في عهده أحد إلاّ أخذ له بحقه.

وكان (عليه السلام) يقسّم جميع ما في بيت المال على المسلمين ثم يأمر به فيكنس ثم يصلي فيه رجاء أن يشهد له.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له يتبرأ من الظلم: «وَاللَّهِ لأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أَوْ أُجَرَّ فِي الأَغْلاَلِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا. وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ، غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي، فَأَحْمَيْتُ له حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا. فَقُلْتُ له: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ، أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ

ص: 63

سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ، أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظَى»(1).

وفي البحار: قدم على أمير المؤمنين (عليه السلام) عقيل. فقال (عليه السلام) للحسن (عليه السلام) : «اكسُ عمك». فكساه قميصاً من قمصه ورداء من أرديته، فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح. فقال عقيل: ليس إلاّ ما أرى! فقال (عليه السلام) : «أو ليس هذا من نعمة اللّه وله الحمد كثيراً». فقال: أعطني ما أقضي به ديني، وعجل سراحي حتى أرحل عنك». قال (عليه السلام) : «فكم دينك يا أبا يزيد؟». قال: مائة ألف درهم. قال (عليه السلام) : «لا و اللّه ما هي عندي ولا أملكها، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنه لابدّ للعيال من شيء لأعطيتك كله». فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك، وكم عطاؤك! وما عساه يكون ولو أعطيتنيه كله. فقال (عليه السلام) : «ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين - وكانا يتكلمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق، فقال له علي - إن أبيت يا با يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه». فقال: وما في هذه الصناديق؟. قال (عليه السلام) : «فيها أموال التجار». قال: أ تأمروني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا على اللّه وجعلوا فيها أموالهم. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم وقد توكلوا على اللّه وأقفلوا عليها، وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعاً إلى الحيرة فإن بها تجاراً مياسير فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله». فقال: أو سارقاً جئت. قال (عليه السلام) : «تسرق من واحد خير من أن تسرق عن المسلمين جميعاً»(2).

ص: 64


1- نهج البلاغة، الخطب: 224 ومن كلام له (عليه السلام) يتبرأ من الظلم.
2- بحار الأنوار: ج41 ص113-114 ب107 ضمن ح23.

وفي حديث: أن عقيلاً لما سأل عطاءه من بيت المال. قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : «تقيم إلى يوم الجمعة». فأقام فلما صلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الجمعة قال لعقيل: «ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين؟». قال: بئس الرجل ذاك. قال (عليه السلام) : «فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء وأعطيك»(1).

ولايخفى أن هذه التصرفات من عقيل كانت لكي يعرّف الناس بعدل أخيه أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وعن علي بن أبي رافع، قال: كنت على بيت مال علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكاتبه، وكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة - قال - فأرسلت إليَّ بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) . فقالت لي: «بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين (عليه السلام) عقد لؤلؤ وهو في يدك، وأنا أحب أن تعيرنيه أتجمل به في أيام عيد الأضحى». فأرسلتُ إليها عارية مضمونة مردودة يا بنت أمير المؤمنين. فقالت: «نعم، عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام». فدفعته إليها وإن أمير المؤمنين (عليه السلام) رآه عليها فعرفه. فقال لها: «من أين صار إليكِ هذا العقد؟».

فقالت: استعرته من علي بن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين؛ لأتزين به في العيد ثم أرده».

قال: فبعث إليَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فجئته. فقال لي: «أ تخون المسلمين يا ابن أبي رافع».

فقلت له: معاذ اللّه أن أخون المسلمين.

فقال (عليه السلام) : «كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين

ص: 65


1- بحار الأنوار: ج41 ص114 ب107 ضمن ح23.

بغير إذني ورضاهم؟».

فقلت: يا أمير المؤمنين، إنها ابنتك وسألتني أن أعيرها إياه تتزين به، فأعرتها إياه عارية مضمونة مردودة فضمنته في مالي، وعليَّ أن أرده سليماً إلى موضعه».

قال: «فرده من يومك وإياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي»(1).

ص: 66


1- تهذيب الأحكام: ج10 ص151-152 ب10 ح37.

15

شجاعة الإمام (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أشجع الناس بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلم يفر في موطن قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلاّ قتله، ولا صارع أحداً إلاّ صرعه، ولا ضرب ضربةً قط فاحتاجت إلى ثانية، وكانت ضرباته وتراً، إذا علا قد، وإذا اعترض قط، ولا دُعي إلى مبارزة فنكل.

وقد رباه والده أبو طالب (عليه السلام) على الشجاعة حيث كان يقول له بأن يبيت في مكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أيام حصار الشعب، ليدفع الخطر عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وظهرت شجاعته العالية في مبيته على فراش النبي (عليه السلام) ليلة الهجرة موطناً نفسه على الأخطار، غير هياب ولا حزين، والنفر من قريش محيطون بالدار ليفتكوا بمن في الفراش.

وظهرت شجاعته البالغة أيضاً لما سار بالفواطم بعد الهجرة جهاراً من مكة وليس معه إلاّ ابن أم أيمن وأبو واقد الليثي وهما لا يغنيان شيئاً، فلحقه ثمانية فرسان من قريش أمامهم جناح مولى حرب بن أمية، فأهوى إليه جناح بالسيف وهو فارس وعلي (عليه السلام) راجل، فحاد علي (عليه السلام) عن ضربته، وضربه لما انحنى على كتفه فقطعه نصفين حتى وصلت الضربة إلى قربوس فرسه وانهزم الباقون.

وفي يوم بدر قتل علي (عليه السلام) الوليد بن عتبة، وشرك في قتل عتبة، وقتل جماعة

ص: 67

من صناديد المشركين حتى روي أنه قتل يوم بدر نصف المقتولين أو أزيد من النصف بواحد، وقتل باقي المسلمين مع الملائكة المسومين النصف الثاني.

وفي يوم أحُد قتل (عليه السلام) أصحاب اللواء جميعهم وهم تسعة وانهزم بقتلهم المشركون، ولولا مخالفة الرماة أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لتم النصر الشامل للمسلمين، وجميع من قُتل يوم أحد من المشركين ثمانية وعشرون، قتل علي (عليه السلام) منهم ثمانية عشر. ثم أخذ الإمام (عليه السلام) يدافع وبكل شجاعة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكلما هجموا على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فرقهم وقتل فيهم حتى عجب جبرائيل من مواساته للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: «يا رسول اللّه، إن هذه للمواساة - ونادى -

لا سيف إلا ذو الفقار***ولا فتى إلا علي

وفي وقعة الخندق لما أقحم عمرو بن عبد ود وجماعة معه خيلهم وعبروا الخندق، جاء علي (عليه السلام) ومعه نفر حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا خيلهم منها، ولم يجسر على ذلك أحد غيره. ولما طلب عمرو المبارزة جبن المسلمون كلهم وسكتوا كأنما على رؤوسهم الطير، فجعل عمرو يؤنبهم ويوبخهم والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «من لعمرو وقد ضمنت له على اللّه الجنة؟»، فلم يقم إليه أحد إلاّ علي (عليه السلام) ، فقال: «أنا له يا رسول اللّه»، والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول له: «اقعد فإنه عمرو» حتى فعل ذلك ثلاثا، ثم خرج (عليه السلام) إليه وقتل عمراً وانهزم من معه، فلحقهم علي (عليه السلام) وقتل بعضهم وانكسرت بذلك شوكة المشركين وكفى اللّه المؤمنين القتال بعلي (عليه السلام) . وقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم الخندق: «لمبارزة علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة»(1).

ص: 68


1- تأويل الآيات الظاهرة: ص664 سورة الصف وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة.

وفي يوم خيبر كان علي (عليه السلام) أرمد لا يبصر سهلاً ولا جبلاً، فبعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اثنين غيره من المهاجرين فرجعا منهزمين، أحدهما يجبن أصحابه ويجبنونه، الآخر يؤنب أصحابه ويؤنبونه. فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللّهَ ورسولَه ويحبه اللّهُ ورسولُه، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح اللّه عليه». فدعا بعلي (عليه السلام) فتفل في عينيه فبرئا وأعطاه الراية، فلقيه مرحب وعلى رأسه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة، فضربه علي (عليه السلام) فقدّ الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه، وسمع أهل العسكر صوت تلك الضربة، واقتلع باب الحصن وجعله جسراً على الخندق، وكان يغلقه أكثر من عشرين رجلاً.

وفي غزوة حنين ثبت علي (عليه السلام) مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد هرب عنه الناس غير عشرة، تسعة منهم من بني هاشم هو أحدهم وفيهم العباس وابنه، وقتل علي (عليه السلام) أبا جرول وأربعين من المشركين غيره، وانهزم المشركون بقتله وقتلهم، ورجع المسلمون من هزيمتهم بثباته. وهكذا في سائر الغزوات والحروب التي خاضها مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وكذلك في الحروب التي فُرضت عليه بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في يوم الجمل وصفين والنهروان، حيث باشر الحرب بنفسه وقتل صناديد الأعداء وأبطالهم. ففي يوم الجمل تناول علي (عليه السلام) الراية بيده اليسرى وذو الفقار في يمنى يديه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته، فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار: نحن نكفيك يا أمير المؤمنين. فلم يجب أحداً منهم ولا رد إليهم بصره، وظل ينحط ويزأر زئير الأسد حتى فرق من حوله وتبادروه، وإنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يرد حواراً، ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدماً قدماً، والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى

ص: 69

خضب الأرض بدماء القتلى، ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته، فاعصوصب به أصحابه وناشدوه اللّه في نفسه وفي الإسلام، وقالوا: إنك إن تصب يذهب الدين فأمسك ونحن نكفيك. فقال: «واللّه ما أريد بما ترون إلا وجه اللّه والدار الآخرة»(1).

ومن مواقفه بصفين ما كان يوم الهرير، قال بعض الرواة: فو اللّه الذي بعث محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالحق نبياً ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللّه السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي (عليه السلام) ، إنه قتل في ما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب، يخرج بسيفه منحنياً فيقول: «معذرة إلى اللّه وإليكم من هذا», فكنا نأخذه ونقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف، فلا واللّه ما ليث أشد نكاية منه بعدوه.

ص: 70


1- راجع شرح نهج البلاغة: ج1 ص257 من أخبار يوم الجمل.

16

هكذا يكون الحاكم الإسلامي

اشارة

الحاكم الإسلامي يختلف تماماً عن سائر الحكام والملوك الذين عرفتهم البشرية، حيث إنهم يكنزون الذهب والفضة ويسرقون أموال الشعب، ولكن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يُقسم كل ما في بيت المال حتى لا يبقي شيئاً، وربما أنفق ما عنده أيضاً، وفي الحديث أنه (عليه السلام) قُتل وهو مديون!!. كما كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مديوناً عند وفاته.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «قد مات رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعليه دَين، وقُتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وعليه دَين، ومات الحسن (عليه السلام) وعليه دَين، وقُتل الحسين (عليه السلام) وعليه دَين»(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قُبض علي (عليه السلام) وعليه دَين ثمانمائة ألف درهم، فباع الحسن (عليه السلام) ضيعةً له بخمسمائة ألف فقضاها عنه، وباع ضيعةً له بثلاثمائة ألف فقضاها عنه»(2).

ما شأنكم؟

كان الإمام (عليه السلام) في حكومته العادلة بعيداً كل البعد عن الدنيا وزخارفها، وعن

ص: 71


1- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص182 باب الدين والقرض ح3683.
2- وسائل الشيعة: ج18 ص322 ب2 ح23768.

الظلم والاستبداد، وعن كل ما ربما يؤدي إلى ذلك، حتى أنه لم يقبل بأخذ الحراس ومن أشبه.

ورد أنه كان بعض أصحابه يخرجون خلفه ليحرسوه من الأعداء، فلما رآهم على تلك الحالة قال (عليه السلام) : «ما شأنكم؟».

فأخبروه، فدعا لهم وتبسم ضاحكاً، وقال: «جئتم تحفظوني من أهل السماء أم من أهل الأرض؟».

قالوا: من أهل الأرض.

قال: «ما يكون شيء في السماء إلا هو في الأرض(1)، وما يكون شيء في الأرض إلا هو في السماء(2)، ثم تلا {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلاّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}(3)» ثم أمرهم أن يأتوا منازلهم ولا يعودوا لمثلها(4).

إن هذا المال ليس لي ولا لك

قدم على أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد اللّه بن زمعة - وهو من شيعته - في خلافته يطلب منه مالاً. فقال (عليه السلام) : «إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَلْبُ أَسْيَافِهِمْ؛ فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ، وَإِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ»(5).

وجاء إليه (عليه السلام) عاصم بن ميثم وهو يقسم مالاً. فقال: يا أمير المؤمنين، إني

ص: 72


1- أي إن من هو في السماء ناظر إلى من هو في الأرض.
2- أي إنه مقدر في السماء.
3- سورة التوبة: 51.
4- بحار الأنوار: ج42 ص263 ب127.
5- نهج البلاغة، الخطب:232 ومن كلام له (عليه السلام) كلم به عبد اللّه بن زمعة.

شيخ كبير مثقل. قال (عليه السلام) : «واللّه ما هو بكد يدي ولا بتراثي عن والدي، ولكنها أمانة أوعيتها - ثم قال: - رحم اللّه من أعان شيخاً كبيراً مثقلاً»(1).

ودخل عليه (عليه السلام) عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال، فطفئ السراج وجلس في ضوء القمر، ولم يستحل أن يجلس في الضوء بغير استحقاق(2).

وقد أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) عمار بن ياسر وعبيد اللّه بن أبي رافع وأبا الهيثم بن تيهان: أن يقسموا فيئاً بين المسلمين، وقال لهم: «اعدلوا فيه ولا تفضلوا أحداً على أحد». فحسبوا فوجدوا الذي يصيب كل رجل من المسلمين ثلاثة دنانير، فأعطوا الناس، فأقبل إليهم طلحة والزبير ومع كل واحد منهما ابنه، فدفعوا إلى كل واحد منهم ثلاثة دنانير. فقال طلحة والزبير: ليس هكذا كان يعطينا عمر، فهذا منكم أو عن أمر صاحبكم؟. قالوا: بل هكذا أمرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) . فمضيا إليه فوجداه في بعض أمواله قائماً في الشمس على أجير له يعمل بين يديه. فقالا: ترى أن ترتفع معنا إلى الظل. قال (عليه السلام) : «نعم».

فقالا له: إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفيء، فأعطوا كل واحد منا مثل ما أعطوا سائر الناس. قال (عليه السلام) : «وما تريدان؟». قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر. قال (عليه السلام) : «فما كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يعطيكما». فسكتا، فقال (عليه السلام) : «أليس كان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقسم بالسوية بين المسلمين من غير زيادة». قالا: نعم. قال (عليه السلام) : «أ فسنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أولى بالإتباع عندكما أم سنة عمر؟». قالا: سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وغناء وقرابة؛ فإن رأيت أن

ص: 73


1- بحار الأنوار: ج41 ص115 ب107 ضمن ح23.
2- بحار الأنوار: ج41 ص116 ب107 ضمن ح23.

لا تسوينا بالناس فافعل.

قال (عليه السلام) : «سابقتكما أسبق أم سابقتي؟». قالا: سابقتك.

قال (عليه السلام) : «فقرابتكما أقرب أم قرابتي؟». قالا: قرابتك.

قال (عليه السلام) : «فغناؤكما أعظم أم غنائي؟». قالا: بل أنت يا أمير المؤمنين أعظم غناء.

قال (عليه السلام) : «فو اللّه ما أنا وأجيري هذا في هذا المال إلا بمنزلة واحدة»، وأومى بيده إلى الأجير الذي بين يديه(1).

ص: 74


1- دعائم الإسلام: ج1 ص384 ذكر قسمة الغنائم.

17

مع المظلوم دائماً

اشارة

كان أمير المؤمنين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نموذجاً للدفاع عن المظلوم والأخذ بحقه، والوقوف بوجه الظالم وردعه عن ظلمه، وما أكثر القصص في هذا الباب:

عن عاصم بن حمزة السلولي، قال: سمعت غلاماً بالمدينة وهو يقول: يا أحكم الحاكمين، احكم بيني وبين أمي.

فقال له عمر بن الخطاب: يا غلام، لم تدعو على أمك؟.

فقال: يا أمير، إنها حملتني في بطنها تسعة أشهر وأرضعتني حولين، فلما ترعرعتُ وعرفتُ الخير من الشر، ويميني عن شمالي، طردتني وانتفت مني وزعمت أنها لا تعرفني!.

فقال عمر: أين تكون الوالدة؟.

قال: في سقيفة بني فلان.

فقال عمر: عليَّ بأم الغلام.

قال: فأتوا بها مع أربعة إخوة لها، وأربعين قسامة يشهدون لها أنها لاتعرف الصبي، وأن هذا الغلام غلام مدع ظلوم غشوم يريد أن يفضحها في عشيرتها، وأن هذه جارية من قريش لم تتزوج قط، وأنها بخاتم ربها.

فقال عمر: يا غلام، ما تقول؟.

ص: 75

فقال: يا أمير، هذه واللّه أمي حملتني في بطنها تسعة أشهر وأرضعتني حولين، فلما ترعرعت وعرفت الخير من الشر، ويميني من شمالي، طردتني وانتفت مني وزعمت أنها لا تعرفني.

فقال عمر: يا هذه، ما يقول الغلام؟.

فقالت: يا أمير، والذي احتجب بالنور فلا عين تراه، وحق محمد وما ولد، ما أعرفه ولا أدري من أي الناس هو، وإنه غلام مدع يريد أن يفضحني في عشيرتي، وإني جارية من قريش لم أتزوج قط، وإني بخاتم ربي.

فقال عمر: أ لكِ شهود؟.

فقالت: نعم هؤلاء.

فتقدم الأربعون القسامة فشهدوا عند عمر أن الغلام مدع يريد أن يفضحها في عشيرتها، وأن هذه جارية من قريش لم تتزوج قط، وأنها بخاتم ربها.

فقال عمر: خذوا هذا الغلام وانطلقوا به إلى السجن حتى نسأل عن الشهود، فإن عدلت شهادتهم جلدته حد المفتري.

فأخذوا الغلام يُنطلق به إلى السجن، فتلقاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض الطريق، فنادى الغلام: يا ابن عم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إنني غلام مظلوم.

وأعاد عليه الكلام الذي كلم به عمر، ثم قال: وهذا عمر قد أمر بي إلى الحبس!!.

فقال علي (عليه السلام) : «ردوه إلى عمر».

فلما ردوه قال لهم عمر: أمرت به إلى السجن فرددتموه إليَّ.

فقالوا: يا أمير، أمرنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن نرده إليك، وسمعناك وأنت تقول: لا تعصوا لعلي (عليه السلام) أمراً.

ص: 76

فبينا هم كذلك إذ أقبل علي (عليه السلام) فقال: «عليَّ بأم الغلام».

فأتوا بها، فقال علي (عليه السلام) : «يا غلام، ما تقول؟».

فأعاد الكلام، فقال علي (عليه السلام) لعمر: «أ تأذن لي أن أقضي بينهم».

فقال عمر: سبحان اللّه، وكيف لا وقد سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: أعلمكم علي بن أبي طالب.

ثم قال للمرأة: «يا هذه، أ لكِ شهود».

قالت: نعم. فتقدم الأربعون قسامة فشهدوا بالشهادة الأولى. فقال علي (عليه السلام) : «لأقضين اليوم بقضية بينكما هي مرضاة الرب من فوق عرشه علمنيها حبيبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - ثم قال لها - ألكِ ولي؟».

قالت: نعم هؤلاء إخوتي.

فقال لإخوتها: «أمري فيكم وفي أختكم جائز؟».

فقالوا: نعم يا ابن عم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أمرك فينا وفي أختنا جائز.

فقال علي (عليه السلام) : «أشهد اللّه وأشهد من حضر من المسلمين أني قد زوّجت هذا الغلام من هذه الجارية بأربعمائة درهم والنقد من مالي، يا قنبر عليَّ بالدراهم».

فأتاه قنبر بها فصبها في يد الغلام، قال: «خذها فصبها في حجر امرأتك، ولا تأتنا إلاّ وبك أثر العرس» يعني الغُسل.

فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة، ثم تلببها فقال لها: قومي.

فنادت المرأة: النار، النار يا ابن عم محمد، تريد أن تزوجني من ولدي هذا، واللّه ولدي زوجني إخوتي هجيناً فولدت منه هذا الغلام، فلما ترعرع وشب أمروني أن أنتفي منه وأطرده، وهذا واللّه ولدي وفؤادي يتقلى أسفاً على ولدي.

قال: ثم أخذت بيد الغلام وانطلقت، ونادى عمر: وا عمراه، لولا علي

ص: 77

لهلك عمر»(1).

سلها كيف فجرت

وفي رواية: أن امرأة أتت عمر فقالت: يا أمير، إني فجرت فأقم فيَّ حد اللّه عزوجل. فأمر برجمها، وكان علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضراً. فقال: «سلها كيف فجرت؟».

فسألها، فقالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلاً أعرابياً، فسألته ماءً أبى عليَّ أن يسقيني إلاّ أن أمكّنه من نفسي، فوليت منه هاربة، فاشتد بي العطش حتى غارت عيناي وذهب لساني، فلما بلغ مني العطش أتيته فسقاني ووقع عليَّ.

فقال علي (عليه السلام) : «هذه التي قال اللّه عزوجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}(2)، هذه غير باغية ولا عادية فخل سبيلها». فقال عمر: لولا علي لهلك عمر(3).

أهي حامل؟

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه نظر إلى امرأة يُسار بها. فقال: «ما هذه؟».

قالوا: أمر بها عمر لترجم؛ لأنها حملت من غير زوج.

قال: «أو هي حامل؟». قالوا: نعم. فاستنقذها من أيديهم ثم جاء إلى عمر،

ص: 78


1- الكافي: ج7 ص423-424 باب النوادر ح6.
2- سورة البقرة: 173.
3- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص35-36 باب ما يجب به التعزير والحد والرجم والقتل والنفي في الزنا ح5025.

فقال له: «إن كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل على ما في بطنها».

فقال عمر: لولا علي لهلك عمر(1).

لا حد على المجنونة

أُتي عمر بمجنونة وقد زنت، فأمر برجمها.

فقال له علي (عليه السلام) : «أ ما علمت أن القلم قد رفع عنها حتى تصح».

فقال: لولا علي لهلك عمر(2).

ما بال هذه؟

عن علي (عليه السلام) ، قال: لما كان في ولاية عمر أتي بامرأة حامل، فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر أن ترجم. فلقيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال: «ما بال هذه؟».

فقالوا: أمر بها الأمير أن ترجم.

فردها علي فقال: «أمرت بها أن ترجم؟».

فقال: نعم، اعترفت عندي بالفجور.

فقال: «هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها - ثم قال له علي (عليه السلام) - فلعلك انتهرتها أو أخفتها؟».

فقال: قد كان ذلك.

قال: «أو ما سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: لا حد على معترف بعد بلاء، إنه من قُيدت أو حُبست أو تُهددت فلا إقرار له».

ص: 79


1- دعائم الإسلام: ج2 ص453 ف2 ح1584.
2- الاختصاص: ص111 مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة في الطلاق.

فخلى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر(1).

ص: 80


1- كشف الغمة: ج1 ص112-113 في فضل مناقبه وما أعده اللّه تعالى لمحبيه.

18

حق الرعية

اشارة

حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل نموذج للحكومة الإسلامية التي ينعم فيها الشعب ويتمتع بكامل حقوقه. وكان (عليه السلام) يبين للناس حقوقهم عليه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ. فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلاَ تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا. وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ: فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ»(1).

وعن الأصبغ بن نباتة، قال: خطب علي (عليه السلام) فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فصلى عليه، ثم قال: «... إن أحق ما يتعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله عليهم في وظائف دينهم، وإنما علينا أن نأمركم كما أمركم اللّه به، وأن ننهاكم عما نهاكم اللّه عنه، وأن نقيم أمر اللّه في قريب الناس وبعيدهم لا نبالي فيمن جاء الحق عليه...»(2).

وعن رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب (عليه السلام) على مدرج

ص: 81


1- نهج البلاغة، الخطب: رقم 34 ومن خطبة له (عليه السلام) في استنفار الناس إلى أهل الشام بعد فراغه من أمر الخوارج.
2- الغارات: ج2 ص342 غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار.

سابور، فقال: «لا تضربن رجلاً سوطاً في جباية درهم، ولا تتيعن لهم رزقاً، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون عليها، ولا تقيمن رجلاً قائماً في طلب درهم».

قلت: يا أمير المؤمنين، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك!.

قال: «وإن رجعت، ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل»(1).

مقتطفات من كتابه إلى مالك الأشتر

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر النخعي لما ولاه مصر:

«وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لهمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لهمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ. فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ، وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلاَكَ بِهِمْ.

وقال (عليه السلام) : وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، وَيَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ.

وقال (عليه السلام) : إِيّاكَ وَمُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ.

ص: 82


1- أسد الغابة لابن الأثير: ج4 ص24 زهده وعدله (عليه السلام) .

وقال (عليه السلام) : «أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ؛ فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْع إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ».

وقال (عليه السلام) : «وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَا الرَّعِيَّةِ؛ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَا الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَا الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً له فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالإِلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الإِعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لهمْ وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ.

وقال (عليه السلام) : «وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ.

وقال (عليه السلام) : «أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ، وَتَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لاَ يَضِحُ لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ؛ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ.

وقال (عليه السلام) : «وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ

ص: 83

له قِبَلَهُمْ، فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ؛ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلاً، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ.

وقال (عليه السلام) : «وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثِْيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ»(1).

ص: 84


1- نهج البلاغة، الرسائل: رقم53 ومن كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

19

لا قصاص قبل الجناية

اشارة

للعقوبات الإسلامية قوانين عادلة وحكيمة تفوق القوانين الجزائية فهي أعدلها وأحسنها على الإطلاق، على تفصيل ذكرناه في بعض كتبنا(1)، ومن مصاديقها عدم جواز القصاص قبل الجناية، وعدم الأخذ بسوء النية. نعم سيُحاسب ويُعاتب الشخص حتى على نيته يوم القيامة، وربما يُعاقب أيضاً، أما في الدنيا فلا يجازى بذلك.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً لقاتله ابن ملجم: «وأنت واللّه قاتلي لا محالة، وستخضب هذه من هذه - وأشار إلى لحيته ورأسه - ولقد قرب وقتك وحان زمانك!!». فقال ابن ملجم: واللّه يا أمير المؤمنين، إنك أحب إليَّ من كل ما طلعت عليه الشمس! ولكن إذا عرفت ذلك مني فسيرني إلى مكان تكون ديارك من دياري بعيدة.

فقال (عليه السلام) : «كن مع أصحابك حتى آذن لكم بالرجوع إلى بلادكم»، ثم أمرهم بالنزول في بني تميم، فأقاموا ثلاثة أيام، ثم أمرهم بالرجوع إلى اليمن، فلما عزموا على الخروج مرض ابن ملجم مرضاً شديداً فذهبوا وتركوه، فلما

ص: 85


1- انظر كتاب: (الفقه: القانون)، و(الفقه: الحدود والتعزيرات)، و(الفقه: القصاص) للإمام الشيرازي (قدس سره) .

برئ أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً ويسارع في قضاء حوائجه، وكان (عليه السلام) يكرمه ويدعوه إلى منزله ويقربه!! وكان مع ذلك يقول له: «أنت قاتلي»، ويكرر عليه الشعر:

أريد حياته ويريد قتلي***عذيرك من خليلك من مراد

وكان يقول ابن ملجم له: يا أمير المؤمنين، إذا عرفت ذلك مني فاقتلني. فيقول: «إنه لا يحل ذلك أن أقتل رجلاً قبل أن يفعل بي شيئاً».

فسمعت الشيعة ذلك، فوثب مالك الأشتر والحارث بن الأعور وغيرهما من الشيعة فجردوا سيوفهم وقالوا: يا أمير المؤمنين، أنت إمامنا وولينا وابن عم نبينا فمرنا بقتله.

فقال لهم: «اغمدوا سيوفكم بارك اللّه فيكم، ولا تشقوا عصا هذه الأمة، أترون أني أقتل رجلاً لم يصنع بي شيئاً»(1).

رفقاً بالجنين

هناك شروط كثيرة لإجراء الحدود الشرعية ذكرناها في الفقه، وعلى الحاكم أن لا يتسرع في إجرائها، بل يترك المذنب وشأنه(2)، فربما تاب إلى اللّه عزوجل ولم يرجع.

أما عنف الحاكم والأخذ بمجرد الظنة وما أشبه فلا يجوز، كما كان بعض من غصب الخلافة في منتهى العنف والخشونة على الناس، فإنه ليس من الإسلام في شيء.

عن أبي بصير، بسنده قال: أتت امرأة مجح أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقالت: يا أمير

ص: 86


1- بحار الأنوار: ج42 ص262 ب127.
2- هذا في الحدود وهي المرتبطة بحق اللّه عزوجل.

المؤمنين، إني زنيت فطهّرني طهرك اللّه؛ فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع.

فقال (عليه السلام) لها: «مما أطهّرك؟».

فقالت: إني زنيت.

فقال (عليه السلام) لها: «أو ذات بعل أنتِ أم غير ذلك؟».

فقالت: بل ذات بعل.

فقال (عليه السلام) لها: «أفحاضراً كان بعلكِ إذ فعلتِ ما فعلتِ أم غائباً كان عنكِ؟». فقالت: بل.. حاضراً.

فقال (عليه السلام) لها: «انطلقي فضعي ما في بطنكِ، ثم ائتني أطهركِ».

فلما ولت عنه المرأة، فصارت حيث لا تسمع كلامه، قال (عليه السلام) : «اللّهم إنها شهادة». فلم يلبث أن أتته، فقالت: قد وضعت فطهرني.

قال: فتجاهل عليها، فقال (عليه السلام) : «أطهركِ يا أمة اللّه مما ذا؟».

فقالت: إني زنيت فطهرني.

فقال (عليه السلام) : «وذات بعل إذ فعلتِ ما فعلتِ؟». قالت: نعم.

قال (عليه السلام) : «وكان زوجكِ حاضراً أم غائباً؟». قالت: بل حاضراً.

قال (عليه السلام) : «فانطلقي وأرضعيه حولين كاملين كما أمركِ اللّه».

قال: فانصرفت المرأة، فلما صارت من حيث لا تسمع كلامه، قال (عليه السلام) : «اللّهم إنهما شهادتان».

قال: فلما مضى حولان أتت المرأة، فقالت: قد أرضعته حولين، فطهرني يا أمير المؤمنين. فتجاهل عليها وقال (عليه السلام) : «أطهركِ مما ذا؟».

فقالت: إني زنيت فطهرني.

ص: 87

قال (عليه السلام) : «وذات بعل أنتِ إذ فعلتِ ما فعلتِ؟». فقالت: نعم.

قال (عليه السلام) : «وبعلكِ غائب عنكِ إذ فعلتِ ما فعلتِ أو حاضر؟».

قالت: بل حاضر.

قال (عليه السلام) : «فانطلقي فاكفليه، حتى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردى من سطح، ولا يتهور في بئر».

قال: فانصرفت وهي تبكي، فلما ولت فصارت حيث لا تسمع كلامه، قال (عليه السلام) : «اللّهم إنها ثلاث شهادات».

قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي، فقال لها: ما يبكيكِ يا أمة اللّه، وقد رأيتكِ تختلفين إلى علي (عليه السلام) ، تسألينه أن يطهركِ؟.

فقالت: إني أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فسألته أن يطهرني، فقال: اكفلي ولدكِ حتى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردى من سطح، ولا يتهور في بئر، وقد خفت أن يأتي عليَّ الموت ولم يطهرني.

فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أكفله.

فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين (عليه السلام) بقول عمرو.

فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو متجاهل عليها: «ولِمَ يكفل عمرو ولدكِ؟». فقالت: يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهرني.

فقال (عليه السلام) : «وذات بعل أنتِ إذ فعلتِ ما فعلتِ؟». قالت: نعم.

قال (عليه السلام) : «أفغائباً كان بعلكِ إذ فعلتِ ما فعلتِ أم حاضراً؟».

فقالت: بل حاضراً.

قال: فرفع رأسه إلى السماء، وقال (عليه السلام) : «اللّهم إنه قد ثبت لك عليها أربع شهادات، وإنك قد قلت لنبيك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما أخبرته به من دينك: يا محمد من عطل

ص: 88

حداً من حدودي، فقد عاندني وطلب بذلك مضادتي، اللّهم فإني غير معطل حدودك، ولا طالب مضادتك، ولا مضيع لأحكامك، بل مطيع لك، ومتبع سنة نبيك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». قال: فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرمان يفقأ في وجهه، فلما رأى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين، إنني إنما أردت أكفله، إذ ظننت أنك تحب ذلك، فأما إذا كرهته فإني لست أفعل.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أبعد أربع شهادات باللّه، لتكفلنه وأنت صاغر».

فصعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر فقال: «يا قنبر، ناد في الناس: الصلاةُ جامعةً»، فنادى قنبر في الناس، فاجتمعوا حتى غص المسجد بأهله، وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، إن إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر، ليقيم عليها الحد إن شاء اللّه، فعزم عليكم أمير المؤمنين لما خرجتم وأنتم متنكرون، ومعكم أحجاركم، لا يتعرف أحد منكم إلى أحد، حتى تنصرفوا إلى منازلكم إن شاء اللّه».

قال: ثم نزل، فلما أصبح الناس بكرةً خرج بالمرأة، وخرج الناس متنكرين، متلثمين بعمائمهم وبأرديتهم، والحجارة في أرديتهم وفي أكمامهم، حتى انتهى بها والناس معه إلى الظهر بالكوفة، فأمر أن يحفر لها حفيرة، ثم دفنها فيها، ثم ركب بغلته وأثبت رجليه في غرز الركاب، ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه، ثم نادى بأعلى صوته: «يا أيها الناس، إن اللّه تبارك وتعالى عهد إلى نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عهداً عهده محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليًّ بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد، فمن كان عليه حد مثل ما عليها فلا يقيم عليها الحد».

قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم، ما خلا أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن

ص: 89

والحسين (عليهما السلام) ، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم(1).

اذهب حتى نسأل عنك

عن أحمد بن محمد بن خالد، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: أتاه رجل بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهرني. قال (عليه السلام) : «ممن أنت؟».

قال: من مزينة.

قال (عليه السلام) : «أ تقرأ من القرآن شيئاً؟». قال: بلى.

قال (عليه السلام) : «فاقرأ». فقرأ فأجاد.

فقال (عليه السلام) : «أبك جِنة؟». قال: لا.

قال (عليه السلام) : «فاذهب حتى نسأل عنك». فذهب الرجل ثم رجع إليه بعد، فقال: يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهرني.

فقال (عليه السلام) : «ألك زوجة؟». قال: بلى.

قال (عليه السلام) : «فمقيمة معك في البلد؟». قال: نعم.

قال: فأمره أمير المؤمنين (عليه السلام) فذهب، وقال (عليه السلام) : «حتى نسأل عنك».

فبعث إلى قومه فسأل عن خبره. فقالوا: يا أمير المؤمنين، صحيح العقل. فرجع إليه الثالثة فقال له مثل مقالته، فقال (عليه السلام) له: «اذهب حتى نسأل عنك».

فرجع إليه الرابعة فلما أقر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لقنبر: «احتفظ به»، ثم غضب ثم قال (عليه السلام) : «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أفلا تاب في بيته، فو اللّه لتوبته فيما بينه وبين اللّه، أفضل من إقامتي عليه الحد».

ص: 90


1- الكافي: ج7 ص185-187 باب آخر منه ح1.

ثم أخرجه ونادى في الناس: «يا معشر المسلمين، اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحد، ولا يعرفن أحدكم صاحبه»، فأخرجه إلى الجبان. فقال: يا أمير المؤمنين، أنظرني أصلي ركعتين. ثم وضعه في حفرته واستقبل الناس بوجهه، فقال (عليه السلام) : «يا معاشر المسلمين، إن هذا حق من حقوق اللّه عزوجل، فمن كان لله في عنقه حق فلينصرف، ولا يقيم حدود اللّه من في عنقه لله حد». فانصرف الناس وبقي هو والحسن والحسين (عليهم السلام) ، فأخذ حجراً فكبر ثلاث تكبيرات، ثم رماه بثلاثة أحجار في كل حجر ثلاث تكبيرات، ثم رماه الحسن (عليه السلام) مثل ما رماه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثم رماه الحسين (عليه السلام) فمات الرجل، فأخرجه أمير المؤمنين (عليه السلام) فأمر فحفر له وصلّى عليه ودفنه.

فقيل: يا أمير المؤمنين، ألا تغسله؟.

فقال (عليه السلام) : «قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة، لقد صبر على أمر عظيم»(1).

ص: 91


1- بحار الأنوار: ج40 ص292-294 ب97 ح48.

20

مع المنافقين

كان تعامل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع المنافقين كتعامل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) معهم، فعفا عنهم وأصفح، ولم يعاقبهم ولم يمنعهم من حقوقهم، بل أحسن إليهم.

وكان الإمام (عليه السلام) لم يبدأ بحرب أحد منهم إلاّ من بدأ هو بحربه وحرب المسلمين.

وكان المنافقون يتمتعون في حكومته العادلة بكامل حرياتهم المشروعة.

خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: «سلوني؛ فإني لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلا جاهل مدع أو كذاب مفتر». فقام رجل من جانب مسجده في عنقه كتاب كأنه مصحف، وهو رجل آدم ضرب طوال، جعد الشعر كأنه من مهودة العرب، فقال رافعاً صوته لعلي (عليه السلام) : أيها المدعي ما لا يعلم! والمقلد ما لا يفهم! أنا السائل فأجب.

فوثب به أصحاب علي (عليه السلام) وشيعته من كل ناحية فهمّوا به، فنهرهم علي (عليه السلام) فقال لهم: «دعوه ولا تعجلوه؛ فإن الطيش لا تقوم به حجج اللّه، ولا به تظهر براهين اللّه».

ص: 92

ثم التفت (عليه السلام) إلى الرجل وقال له: «سل بكل لسانك وما في جوانحك فإني أجيبك، إن اللّه تعالى لا تعتلج عليه الشكوك، ولا يهيجه وسن»(1).

ص: 93


1- بحار الأنوار: ج54 ص231-232 ب1 تحقيق في دفع شبهة ح188.

21

مع الكفار والمشركين

كان تعامل أمير المؤمنين (عليه السلام) كتعامل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع الكفار والمشركين وأهل الذمة والمعاهدين. حيث كان ينظر إليهم نظرة إنسانية ويعاملهم بأفضل ما يمكن. ففي (نهج البلاغة) - في كتابه إلى الأشتر النخعي - قال (عليه السلام) :

«وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لهمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ»(1).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من آذى ذمياً فكأنما آذاني»(2).

وفي كتاب (الجعفريات) - باب من ظلم ذمياً وأخذ شيئاً من أموالهم، وباب الاستئذان على أهل الذمة -: عن علي (عليه السلام) ، قال: «سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: من أخذ شيئاً من أموال أهل الذمة ظلماً فقد خان اللّه ورسوله وجميع المؤمنين»(3). وعن علي (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا تدخلوا على نساء

ص: 94


1- نهج البلاغة، الرسائل: رقم53 ومن كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.
2- شرح نهج البلاغة: ج17 ص147 الكتب والرسائل رقم60 ومن كتاب له (عليه السلام) إلى العمال الذين يطأ عملهم الجيوش.
3- الجعفريات: ص81 باب من ظلم ذمياً وأخذ شيئاً من أموالهم.

أهل الذمة إلاّ بإذن»(1).

هذا وقد خاطب (عليه السلام) المشركين بالأخوة، كما قال في جواب اليهودي الذي سأله عن بعض المسائل: «يا أخا اليهود...»(2).

ص: 95


1- الجعفريات: ص81-82 باب الاستئذان على أهل الذمة.
2- المناقب: ج2 ص306 فصل في انقياد الحيوانات له.

22

ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)

ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والاعتقاد بإمامته من أهم الواجبات والفرائض، وقد جعلها اللّه تعالى المتمم لنعمته والمكمل لدينه، وبها رضي الباري الإسلام لنا ديناً.

قال عزوجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(1).

عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لما أسري بي إلى السماء قال لي العزيز الجبار: يا محمد، إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها، واشتققت لك اسماً من أسمائي، لا أذكر في مكان إلاّ ذكرت معي، فأنا محمود وأنت محمد. ثم اطلعت الثانية اطلاعة فاخترت منها علياً، واشتققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي. يا محمد، خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أشباح نور من نوري، وعرضت ولايتكم على السماوات وعلى الأرضين ومن فيهن، فمن قبل ولايتكم كان عندي من الأظفرين، ومن جحدها كان عندي من الكفار. يا محمد، لو أن عبداً

ص: 96


1- سورة المائدة: 3.

عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم»(1)،

الخبر.

وعن سالم الحناط، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) اخبرني عن قول اللّه تبارك وتعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}(2)؟. قال: «هي الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) »(3).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً}(4)، قال: «هي الولاية»(5).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}(6)، قال: «النبأ العظيم الولاية». وسألته عن قوله: {هُنالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ}(7)، قال: «ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) »(8).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بُني الإسلام على خمس، على: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية»(9).

وكان النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يؤكد دائماً على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي مختلف

ص: 97


1- بحار الأنوار: ج16 ص361-362 ب11 ح61.
2- سورة الشعراء: 193-195.
3- الكافي: ج1 ص412 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ح1.
4- سورة الروم: 30.
5- تفسير القمي: ج2 ص154 سورة الروم مكية.
6- سورة النبأ: 1-2.
7- سورة الكهف: 44.
8- بحار الأنوار: ج24 ص352 ب67 ح71.
9- الكافي: ج2 ص18 باب دعائم الإسلام ح1.

المناسبات، من يوم الدار(1)

إلى آخر لحظة من حياته الشريفة، وكان من أهمها يوم الغدير على ما سيأتي.

قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، أنت ولي كل مؤمن بعدي»، وهذا حديث رواه الفريقان(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنك لأفضل الخليقة بعدي. يا علي، أنت وصيي وإمام أمتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني»(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من سرّه أن يجوز على الصراط كالريح العاصف، ويلج الجنة بغير حساب، فليتول وليي ووصيي وصاحبي وخليفتي على أهلي وأمتي علي بن أبي طالب (عليه السلام) . ومن سره أن يلج النار فليترك ولايته، فو عزة ربي وجلاله إنه لباب اللّه الذي لا يؤتى إلاّ منه، وإنه الصراط المستقيم، وإنه الذي يسأل اللّه عن ولايته يوم القيامة»(4).

ص: 98


1- حيث نزلت الآية الكريمة: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} - سورة الشعراء: 214 -.
2- ينابيع المودة للقندوزي: ج2 ص86 ب56 ح165، نشر دار الأسوة، الطبعة الأولى عام 1416ه.
3- بحار الأنوار: ج38 ص90 ب61 ح2.
4- الأمالي للصدوق: ص288 المجلس48 ح4.

23

مكانة القرآن الكريم

كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد على دور القرآن الكريم، وضرورة الأخذ به، والاهتمام بعلومه، والعمل بأوامره، وتطبيقه في الحياة، حتى قال (عليه السلام) في آخر وصيته: «اللّه اللّه في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم»(1).

وقام الإمام (عليه السلام) بجمع علوم القرآن وتفسيره وتأويله في كتاب خاص توارثه الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، وهو موجود اليوم عند الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) . وعندما سمع الإمام (عليه السلام) بلحن البعض في القراءة وضع علم النحو، كما سبق.

عن أبي الطفيل قال: شهدت علياً (عليه السلام) يخطب وهو يقول: «سلوني، فو اللّه لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به. واسألوني عن كتاب اللّه، فو اللّه ما من آية إلا وأنا أعلم أ بليل نزلت أم نهار، أم في سهل أم في جبل»(2).

وخطب (عليه السلام) فقال: «لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، وما من آية

ص: 99


1- نهج البلاغة، الرسائل: رقم47 ومن وصية له (عليه السلام) للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه).
2- بحار الأنوار: ج40 ص179 ب93 ح61.

في كتاب اللّه أنزلت في سهل أو جبل إلاّ وأنا عالم متى أنزلت وفيمن أنزلت»(1).

وقال علي (عليه السلام) : «إن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به»(2).

وقال (عليه السلام) : «كفى بالقرآن داعياً»(3).

وقال (عليه السلام) في القرآن: «نور لمن استضاء به، وشاهد لمن خاصم به، وفلج لمن حاج به، وعلم لمن وعى، وحكم لمن قضى»(4).

وقال (عليه السلام) في القرآن: «هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الشبه والآراء»(5).

وقال (عليه السلام) في القرآن: «هو الفصل ليس بالهزل، هو الناطق بسنة العدل، والأمر بالفضل، هو حبل اللّه المتين، والذكر الحكيم، هو وحي اللّه الأمين، وحبله المتين، وهو ربيع القلوب، وينابيع العلم، وهو الصراط المستقيم، هو هدى لمن أتم به، وزينة لمن تحلى به، وعصمة لمن اعتصم به، وحبل لمن تمسك به»(6).

وقال (عليه السلام) : «القرآن أفضل الهدايتين»(7).

وقال (عليه السلام) في القرآن: «اتبعوا النور الذي لا يطفأ، والوجه الذي لا يبلى،

ص: 100


1- شرح نهج البلاغة: ج6 ص136من خطب الإمام علي أيضاً.
2- نهج البلاغة، الخطب: رقم18 ومن كلام له (عليه السلام) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا، وفيه يذم أهل الرأي، ويكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف4 حقيقة القرآن ح1966.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف4 حقيقة القرآن ح1967.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف4 حقيقة القرآن ح1968.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: ص110-111 ق1 ب4 ف4 حقيقة القرآن ح1969.
7- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 هداية القرآن ح1971.

واستسلموا وسلموا لأمره، فإنكم لن تضلوا مع التسليم»(1).

وقال (عليه السلام) : «إن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لايضل، والمحدث الذي لا يكذب»(2).

وقال (عليه السلام) : «من اتخذ قول اللّه دليلا هُدي إلى التي هي أقوم»(3).

وقال (عليه السلام) : «ما جالس أحد هذا القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى أو نقصان في عمى»(4).

وقال (عليه السلام) : «لن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه»(5).

وقال (عليه السلام) : «إذا دعاك القرآن إلى خلة جميلة فخذ نفسك بأمثالها»(6).

وقال (عليه السلام) : «تمسك بحبل القرآن وانتصحه، وحلل حلاله، وحرم حرامه، واعمل بعزائمه وأحكامه»(7).

وقال (عليه السلام) : «سلوا اللّه الإيمان واعملوا بموجب القرآن»(8).

وقال (عليه السلام) : «ما آمن بما حرمه القرآن من استحله»(9).

ص: 101


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 هداية القرآن ح1972.
2- نهج البلاغة، الخطب: رقم176 ومن خطبة له (عليه السلام) وفيها يعظ ويبين فضل القرآن وينهى عن البدعة.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 هداية القرآن ح1974.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 هداية القرآن ح1975.
5- نهج البلاغة، الخطب: رقم147 ومن خطبة له (عليه السلام) .
6- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 العمل بالقرآن ح1977.
7- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 العمل بالقرآن ح1978.
8- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 العمل بالقرآن ح1979.
9- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 العمل بالقرآن ح1980.

وقال (عليه السلام) : «يأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه، ولا من الإسلام إلاّ اسمه، مساجدهم يومئذ عامرة من البنى، خالية عن الهدى»(1).

وقال (عليه السلام) : «تدبروا آيات القرآن واعتبروا به؛ فإنه أبلغ العبر»(2).

وقال (عليه السلام) : «عليكم بهذا القرآن، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وردوا متشابهه إلى عالمه؛ فإنه شاهد عليكم، وأفضل ما به توسلتم»(3).

وقال (عليه السلام) : «أهل القرآن أهل اللّه وخاصته»(4).

وقال (عليه السلام) : «ليكن سميرك القرآن»(5).

وقال (عليه السلام) : «ليس لأحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن غنى»(6).

ص: 102


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 العمل بالقرآن ح1981.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 التدبير في القرآن ح1985.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 التدبير في القرآن ح1986.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 أهل القرآن ح1987.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 أهل القرآن ح1988.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 أهل القرآن ح1989.

24

منزلة أهل البيت (عليهم السلام)

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كأخيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يؤكد كثيراً على مكانة أهل البيت (عليهم السلام) وضرورة التمسك بهم، كما كان يؤكد على ضرورة الإقتداء بهدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وطاعته.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنا أهل بيت قد أذهب اللّه عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن»(1).

وقال علي (عليه السلام) : «يا أيها الناس، إنه لم يكن لله سبحانه حجة في أرضه أوكد من نبينا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولا حكمة أبلغ من كتابه القرآن العظيم، ولا مدح اللّه تعالى منكم إلاّ من اعتصم بحبله واقتدى بنبيه، وإنما هلك من هلك عندما عصاه، وخالفه واتبع هواه، فلذلك يقول عز من قائل:

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}(2)»(3).

وقال (عليه السلام) : «أسعد الناس من عرف فضلنا، وتقرب إلى اللّه بنا، وأخلص حبنا، وعمل بما إليه ندبنا، وانتهى عما عنه نهينا، فذاك منا وهو في دار المقامة

ص: 103


1- بحار الأنوار: ج23 ص116 ب7 ح29، والبحار: ج38 ص62 ب59 ضمن ح1.
2- سورة النور: 63.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف3 ح1961.

معنا»(1).

وقال (عليه السلام) : «من مات على فراشه وهو على معرفة حق ربه ورسوله وحق أهل بيته مات شهيداً، ووقع

أجره على اللّه سبحانه، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت نيته مقام إصلاته سيفه؛ فإن لكل شيء أجلاً لايعدوه»(2).

وقال (عليه السلام) : «ألا وإنا أهل البيت أبواب الحكم، وأنوار الظلم، وضياء الأمم»(3).

وقال (عليه السلام) : «أين تتيهون، ومن أين تؤتون، وأنى تؤفكون، وعلامَ تعمهون، وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الصدق، وألسنة الحق؟»(4).

وقال (عليه السلام) : «أنا وأهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء»(5).

وقال (عليه السلام) : «نحن دعاة الحق، وأئمة الخلق، وألسنة الصدق، من أطاعنا ملك، ومن عصانا هلك»(6).

وقال (عليه السلام) : «من تمسك بنا لحق ومن تخلف عنا محق»(7).

وقال (عليه السلام) : «من ركب غير سفينتنا غرق»(8).

ص: 104


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص115 ق1 ب5 ف1 في ضرورة الإمامة ووصف من عرفهم ح1995.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص115 ق1 ب5 ف1 في ضرورة الإمامة ووصف من عرفهم ح1997.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص115 ق1 ب5 ف1 في فضائلهم ح1999.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص115 ق1 ب5 ف1 في فضائلهم ح2000.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص116 ق1 ب5 ف1 في فضائلهم ح2005.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: ص116 ق1 ب5 ف1 في فضائلهم ح2008.
7- تحف العقول: ص116 آدابه (عليه السلام) لأصحابه وهي أربعمائة باب للدين والدنيا.
8- غرر الحكم ودرر الكلم: ص116 ق1 ب5 ف1 التمسك بهم ح2029.

25

آيات في فضل الإمام (عليه السلام)

هناك مئات الآيات الشريفة من القرآن الكريم نزلت في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) ، بل أكثر من ذلك، وقد جمع بعض تلك الآيات سماحة الأخ في كتابه (علي في القرآن)(1).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «نزل القرآن أثلاثاً، ثُلث فينا وفي عدونا، وثُلث سنن وأمثال، وثُلث فرائض وأحكام»(2).

وقال ابن عباس: نزلت في علي (عليه السلام) أكثر من ثلاثمائة آية(3).

ومن تلك الآيات:

ص: 105


1- من تأليفات سماحة آية اللّه العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كربلاء المقدسة، ويقع في مجلدين، ويشتمل على 711 آية شريفة من القرآن الكريم نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، على ما جاء في مصادر العامة وكتبهم المعتبرة، تبدأ من سورة الفاتحة إلى سورة الإخلاص. فالجزء الأول يقع في 503 صفحة قياس 24 (عليه السلام) 17 ويشتمل على 248 آية كريمة من سورة الفاتحة إلى سورة الكهف. والجزء الثاني يقع في 688 صفحة قياس 24 (عليه السلام) 17 ويشتمل على 463 آية كريمة من سورة مريم إلى سورة الإخلاص.
2- الكافي: ج2 ص627 باب النوادر ح2.
3- ينابيع المودة: ج2 ص406 ب59 في ثناء الصحابة والسلف على علي (عليه السلام) ح72،نشر دار الأسوة، الطبعة الأولى عام 1416ه. قال القندوزي الحنفي: أخرج الطبراني، عن ابن عباس قال: (نزلت في علي (عليه السلام) ثلاثمائة آية).

قوله تعالى: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}(1)، فإنه صراط علي (عليه السلام) .

وقوله سبحانه: {إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(2).

وقوله تعالى: {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}(3).

وقوله سبحانه: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ}(4).

وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(5).

وقوله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}(6).

وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(7).

وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(8).

وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ

ص: 106


1- سورة الفاتحة: 6.
2- سورة المائدة: 55.
3- سورة الحاقة: 12.
4- سورة آل عمران: 61.
5- سورة البقرة: 43.
6- سورة البقرة: 207.
7- سورة البقرة: 274.
8- سورة النساء: 59.

دِيناً}(1).

وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(2).

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(3).

وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(4).

وقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}(5).

وقوله سبحانه: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}(6).

وقوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(7).

عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما في القرآن آية {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}(8) إلاّ وعلي (عليه السلام) أميرها وشريفها، وما من أصحاب محمد رجل إلاّ وقد عاتبه اللّه وما ذكر علياً إلاّ بخير. قال عكرمة: إني لأعلم لعلي (عليه السلام) منقبة لو

ص: 107


1- سورة المائدة: 3.
2- سورة المائدة: 54.
3- سورة المائدة: 56.
4- سورة المائدة: 67.
5- سورة هود: 17.
6- سورة الرعد: 7.
7- سورة الإسراء: 71.
8- وردت في 47 موضعاً من القرآن الكريم.

حدثت بها لبعدت أقطار السماوات والأرض(1).

وفي روايات عديدة بأسناد مختلفة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: «ما أنزل اللّه تعالى آية في القرآن فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}(2) إلاّ وعلي أميرها و شريفها»(3).

ص: 108


1- تفسير العياشي: ج2 ص352 من سورة الكهف ح91.
2- وردت في 89 موضعاً من القرآن المجيد.
3- بحار الأنوار: ج37 ص333 ب54 ح76.

26

روايات في فضل الإمام (عليه السلام)

اشارة

لا يمكن لأحد أن يحصي فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلو كانت البحار مداداً والأشجار أقلاماً والخلق كُتّاباً لما تمكنوا من إحصائها.

قال تعالى: {قُل لّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لّكَلِمَاتِ رَبّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبّي}(1).

ونشير إلى بعض تلك الفضائل التي وردت على لسان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، رواه الفريقان(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه كيفما دار»، رواه الفريقان(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أراد أن ينظر إلى آدم (عليه السلام) في علمه، وإلى نوح (عليه السلام) في تقواه، وإلى إبراهيم (عليه السلام) في حلمه، وإلى موسى (عليه السلام) في هيبته، وإلى عيسى (عليه السلام) في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب»، رواه الفريقان(4).

ص: 109


1- سورة الكهف: 109.
2- صحيح مسلم: ج7 ص120 كتاب فضائل الصحابة، من فضائل علي (عليه السلام) .
3- تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص449 نشر دار الفكر، بيروت - لبنان، عام 1415ه/1995م.
4- ذخائر العقبى للطبري: ص93 نشر مكتبة القدسي، سنة 1356. وهو مروي بألفاظ مختلفة.

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي مني وأنا منه»، رواه الفريقان(1).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من آذى علياً فقد آذاني»، رواه الفريقان(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي»، رواه الفريقان(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي؛ فإنهم عترتي، خُلقوا من طينتي، رُزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي»، رواه الفريقان(4).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من سبّ علياً فقد سبني»، رواه الفريقان(5).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصى اللّه، ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني»، رواه الفريقان(6).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، رواه الفريقان(7).

ص: 110


1- السنن الكبرى للنسائي: ج5 ص45 فضائل علي (عليه السلام) ح8147.، ص126 ح8452 و8453 و8454 ص128 ح8459، نشر دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى سنه 1411ه/1991م.
2- مسند أحمد: ج3 ص483، نشر دار صادر - بيروت.
3- ينابيع المودة للقندوزي: ج2 ص86 ب56 ح159، نشر دار الأسوة، الطبعة الأولى عام 1416ه.
4- شرح نهج البلاغة: ج9 ص170 ذكر الأحاديث والأخبار الواردة في فضل على (عليه السلام) .
5- المستدرك للحاكم: ج3 ص121 من سبّ علياً، نشر دار المعرفة - بيروت، عام 1406م.
6- كنز العمال: ج11 ص614 ب3 ف2 فضائل علي (عليه السلام) ح32973، نشر مؤسسة الرسالة بيروت.
7- الجامع الصغير للسيوطي: ج2 ص177 حرف العين ح5594، نشر دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى عام 1401ه.

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «النظر إلى وجه علي عبادة»، رواه الفريقان(1).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك»، رواه الفريقان(2).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»، رواه الفريقان(3).

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتُقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وأن هذه ستُخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه»، رواه الفريقان(4).

إنه (عليه السلام) خير البشر

كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) خير البشر بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «كان علي (عليه السلام) أفضل الناس بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأولى

ص: 111


1- مناقب الخوارزمي: ص361 ف23 ح373، نشر مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط2 عام 1411ه.
2- مسند أبي يعلى الموصلي: ج3 ص178-179 ح1602، نشر المأمون للتراث - دمشق، دار الثقافة العربية - دمشق.
3- روى الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري: أن كنا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. - سنن الترمذي: ج5 ص298 مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ب83 ح3800، نشر دار الفكر- بيروت، الطبعة الثانية عام 1403ه. وروى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أبي ذر: (ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم اللّه ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب). المستدرك للحاكم: ج3 ص129 من علامات المنافق بغض علي، نشر دار المعرفة - بيروت، عام 1406م.
4- كنز العمال: ج11 ص297 فتن الخوارج ح31562، نشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان.

الناس بالناس»، حتى قالها ثلاثاً(1).

وعن سالم بن أبي الجعد، قال: سُئل جابر بن عبد اللّه الأنصاري - وقد سقط حاجباه على عينيه - فقيل له: أخبرنا عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟. فرفع حاجبه بيده ثم قال: (ذاك خير البرية لا يبغضه إلاّ منافق، ولا يشك فيه إلاّ كافر)(2).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي مبتدئاً: «{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(3) هم أنت وشيعتك، وميعادي وميعادكم الحوض إذا حشر الناس حيث أنت وشيعتك شباعاً مرويين، غراً محجلين»(4).

وفي رواية جابر: (كان أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ أقبل علي قالوا: جاء خير البرية)(5).

وعن مطر بن ميمون: أنه سمع أنس بن مالك يقول: حدثني سلمان الفارسي: أنه سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إن أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) »(6).

وقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن

ص: 112


1- الكافي: ج8 ص80 وصية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) ح36.
2- مستدرك الوسائل: ج18 ص182 ب8 ح22448.
3- سورة البينة: 7.
4- روضة الواعظين: ج1 ص105 مجلس في ذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
5- بحار الأنوار: ج38 ص9 ب56 ضمن ح13.
6- مناقب الخوارزمي: ص112 ف10 ح121، نشر مؤسسة النشر الإسلامي - قم المقدسة، الطبعة الثانية عام 1411ه.

والحسين، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد»(1).

وروي عن سلمان أنه قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خير هذه الأمة علي بن أبي طالب»(2).

وكان جابر بن عبد اللّه الأنصاري يدور في سكك الأنصار بالمدينة وهو يقول: (علي خير البشر فمن أبى فقد كفر. يا معاشر الأنصار، أدّبوا أولادكم على حبّ علي، فمن أبى فانظروا في شأن أمه)(3).

ص: 113


1- تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر: ج41 ص167 ترجمة الحسين بن علي رقم 1566، نشر دار الفكر، بيروت - لبنان، عام 1415ه/1995م.
2- شرح الأخبار، للقاضي النعمان المغربي: ج1 ص431-432 ح76، نشر مؤسسة النشر الإسلامي - قم المقدسة.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص493 باب تأديب الولد وامتحانه ح4744.

27

حرب الجمل

أخبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث رواه الفريقان بحرب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مع أهل الجمل وصفين ونهروان، وأن علياً (عليه السلام) على الحق ومن يحاربه على الباطل.

روى النسائي في (الخصائص) بسنده عن أبي سعيد الخدري: كنا جلوساً ننتظر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فخرج إلينا وقد انقطع شسع نعله. فرمى به إلى علي، فقال: «إن منكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله». قال أبو بكر: أنا؟. قال: «لا». قال عمر: أنا؟. قال: «لا، ولكن خاصف النعل»(1).

وفي التاريخ: أنه لما قُتل عثمان اجتمع أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من المهاجرين والأنصار - وفيهم طلحة والزبير - فأتوا علياً (عليه السلام) لمبايعته.. فقالوا له: إنه لابد للناس من إمام. قال (عليه السلام) : «لا حاجة لي في أمركم اختاروا من شئتم». فقالوا: ما نختار غيرك. وترددوا إليه مراراً، وقالوا له في آخر ذلك: إننا لا نعلم أحداً أحق به منك، ولا أقدم سابقةً، ولا أقرب قرابةً من رسول اللّه.

فقال (عليه السلام) : «لا تفعلوا؛ فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً».

ص: 114


1- خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) للنسائي: ص131 علي يقاتل على تأويل القرآن،ط مكتبة نينوى الحديثة.

فقالوا: واللّه ما نحن بفاعلين حتى نبايعك.

قال (عليه السلام) : «ففي المسجد؛ فإن بيعتي لا تكون خفية، ولا تكون إلاّ في المسجد»(1).

فبايعه جميع الناس وكان أول من بايعه من الناس طلحة والزبير. وأكد عليهما أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه إن أحببتما بايعا، وإلاّ فلا تبايعا، فقالا: بل نبايعك.. ثم بايعه الناس بأجمعهم. وقد بُويع (عليه السلام) يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة.

وكانت البيعة باختيار من الناس فلا إكراه لأحد، فإنه قال بعضهم قبل أن يبايع: لا نبايع حتى يبايع الناس، فقال (عليه السلام) : خلّوا سبيلهم. فلما بايع الناس بايع هؤلاء أيضاً باختيارهم.

وروي: أنهم لما أتوا علياً (عليه السلام) ليبايعوه، قال (عليه السلام) : «دعوني والتمسوا غيري؛ فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول». فقالوا: ننشدك اللّه، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى الإسلام، ألا ترى الفتنة، ألا تخاف اللّه!.

فقال (عليه السلام) : «قد أجبتكم، واعلموا أني إن أجبتكم أركب بكم ما أعلم؛ فإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم».

ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد، فلما أصبحوا يوم البيعة - وهو يوم الجمعة - حضر الناس المسجد، وجاء علي (عليه السلام) فصعد المنبر. وقال:

«أيها الناس، عن ملأ وإذن إن هذا أمركم، ليس لأحد فيه حق إلاّ من أمرتم،

ص: 115


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج3 ص81 ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية عام 1415ه/1995م.

وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم، ألا وإنه ليس لي دونكم إلاّ مفاتيح ما لكم معي، وليس لي أن آخذ درهماً دونكم؛ فإن شئتم قعدت لكم وإلاّ فلا آخذ على أحد».

فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس.

فقال (عليه السلام) : «اللّهم اشهد»(1).

يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج: لما بويع علي (عليه السلام) كتب إلى معاوية: «أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع. فإذا أتاك كتابي فبايع لي وأوفد إليَّ أشراف أهل الشام قبلك».

فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه، بعث رجلاً من بني عميس وكتب معه كتاباً إلى الزبير بن العوام وفيه:

(بسم اللّه الرحمن الرحيم، لعبد اللّه الزبير أمير المؤمنين! من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك. أما بعد، فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب؛ فإنه لا شيء بعد هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد اللّه من بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير أظفركما اللّه وخذل مناوئكما).

فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سرّ به وأعلم به طلحة وأقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية، وأجمعا عند ذلك على خلاف علي (عليه السلام) .

وجاء الزبير وطلحة إلى علي (عليه السلام) بعد البيعة بأيام. فقالا له: يا أمير المؤمنين قد

ص: 116


1- بحار الأنوار: ج32 ص8 ب1 ح2.

رأيتَ ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها، وعلمتَ رأي عثمان كان في بني أمية، وقد ولاك اللّه الخلافة من بعده فولّنا بعض أعمالك.

فقال (عليه السلام) لهما: «ارضيا بقسم اللّه لكما حتى أرى رأيي، واعلما أني لاأشرك في أمانتي إلاّ من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيلته». فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس، فاستأذناه في العمرة.

فقال (عليه السلام) : «ما العمرة تريدان». فحلفا له باللّه أنهما ما يريدان غير العمرة.

فقال (عليه السلام) لهما: «ما العمرة تريدان، وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة». فحلفا باللّه ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان، وما رأيهما غير العمرة.

قال (عليه السلام) لهما: «فأعيدا البيعة لي ثانية». فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق. فأذن لهما، فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضراً: «واللّه لاترونهما إلاّ في فتنة يقتتلان فيها». قالوا: يا أمير المؤمنين، فمر بردّهما عليك. قال (عليه السلام) : «ليقضي اللّه أمراً كان مفعولاً».

ولما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحداً إلاّ وقالا له: ليس لعلي (عليه السلام) في أعناقنا بيعة!، وإنما بايعناه مكرهين!. فبلغ علياً (عليه السلام) قولهما، فقال (عليه السلام) : «أبعدهما اللّه وأغرب دارهما، أما واللّه لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل، ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم، واللّه ما العمرة يريدان. ولقد أتياني بوجهي فاجرين، ورجعا بوجهي غادرين ناكثين. واللّه لا يلقيانني بعد اليوم إلاّ في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما، فبُعداً لهما وسحقاً»(1).

ص: 117


1- شرح نهج البلاغة: ج1 ص230-232 أمر طلحة والزبير مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد بيعتهما له.

ثم إن طلحة والزبير لما خرجا إلى البصرة قاما بتسيير عائشة معهما بحجة إسباغ الشرعية على بغيهما على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعندما وردوا البصرة قاموا بأعمال شنيعة مخالفة للدين والإنسانية أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له عندما جمع أصحابه في البصرة وهو يحرضهم على قتالهم، فكان مما قال (عليه السلام) : «عباد اللّه انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم؛ فإنهم نكثوا بيعتي، وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة، وقتلوا السيابجة، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي، وقتلوا رجالاً صالحين، ثم تتبعوا منهم من نجا يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية، ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبراً»(1).

وقد أرسل أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد اللّه بن عباس إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل، وقال له: «لاَ تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ، يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ، وَلَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ؛ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ له: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ: عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا»(2).

وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) ، قال: «سألت ابن عباس (رضي اللّه عنه) عن ذلك. فقال: إني قد أتيت الزبير فقلت له. فقال: قل له: إني أريد ما تريد. كأنه يقول الملك، لم يزدني على ذلك، فرجعت إلى

ص: 118


1- الإرشاد: ج1 ص252-253 فصل ومن كلامه (عليه السلام) حين دخل البصرة وجمع أصحابه فحرضهم على الجهاد.
2- نهج البلاغة، الخطب: رقم31 ومن كلام له (عليه السلام) لما أنفذ عبد اللّه بن عباس إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل.

علي (عليه السلام) فأخبرته»(1).

وقام الأعداء بتشكيل جيش في البصرة لمحاربة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فزحف علي (عليه السلام) بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس، وعلى ميسرته عمار وشريح بن هاني، وعلى القلب محمد بن أبي بكر وعدي بن حاتم، وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن عدي، وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير، وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري، وأعطى رايته محمد بن الحنفية. ثم أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم، ويقول لعائشة: «إن اللّه أمركِ أن تقري في بيتكِ فاتقي اللّه وارجعي».

ويقول لطلحة والزبير: «خبأتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واستفززتماها».

فيقولان: إنما جئنا للطلب بدم عثمان، وأن يرد الأمر شورى.

وأُلبست عائشة درعاً وضُربت على هودجها صفائح الحديد، وأُلبس الهودج درعاً، وكان الهودج لواء أهل البصرة وهو على جمل يدعى: عسكراً(2).

فجدّ الناس في القتال، فنهاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: «اللّهم إني أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين». ثم أخذ المصحف وطلب من يقرؤه عليهم {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما}(3)، الآية.

فقال مسلم المجاشعي: ها أنا ذا.

ص: 119


1- شرح نهج البلاغة: ج2 ص165.
2- المناقب: ج3 ص153 فصل في حرب الجمل.
3- سورة الحجرات: 9.

فخوفه بقطع يمينه وشماله وقتله.

فقال: لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات اللّه.

فأخذه ودعاهم إلى اللّه فقطعت يده اليمنى، فأخذه بيده اليسرى فقطعت، فأخذه بأسنانه، فقُتل.

فقال (عليه السلام) : «الآن طاب الضراب». وقال لمحمد بن الحنفية - والراية في يده -: «يا بني، تزول الجبال ولا تزل، عض على ناجذك، أعر اللّه جمجمتك، تِد في الأرض قدميك، ارم ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من اللّه».

ثم صبر سويعة فصاح الناس من كل جانب من وقع النبال..

فقال (عليه السلام) : «تقدم يا بني». فتقدم وطعن طعناً منكراً(1).

فأمر (عليه السلام) الأشتر أن يحمل، فحمل وقَتَل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل. ثم احتدم القتال بين الجيشين وكثرت القتلى من أصحاب الجمل، فكان طلحة يحث الناس ويقول: عباد اللّه، الصبر الصبر؛ فإن بعد الصبر النصر والأجر. فقال له جندب بن عبد اللّه: النجاء النجاء ثكلتك أمك، فو اللّه ما أجرت ولا نصرت؛ ولكنك وزرت وخسرت. ثم صاح بأصحابه فانذعروا عنه ولو شاء أن يطعنه لطعنه(2)..

وبعدما رأى الناس كثرة القتلى. قالوا: يا عائشة، قُتل طلحة والزبير وجرح عبد اللّه بن عامر من يدي علي فصالحي علياً (عليه السلام) . فقالت: كبر عمرو عن الطوق،

ص: 120


1- بحار الأنوار: ج32 ص174-175 ب3.
2- راجع شرح نهج البلاغة: ج9 ص114-115 مقتل طلحة و الزبير.

وجل أمر عن العتاب. ثم تقدمت فحزن علي (عليه السلام) وقال: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ». فجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتى قتل ثمان وتسعون رجلاً.

ثم شكت السهام الهودج حتى كأنه جناح نسر أو شوك قنفذ. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج اعقروا الجمل». وفي رواية أخرى: «عرقبوه؛ فإنه شيطان». وقال لمحمد بن أبي بكر: «انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها».

فعُرقب رِجلٌ منه، فدخل تحته رجل ضبي، ثم عُرقب رِجل أخرى منه عبد الرحمن فوقع على جنبه، فقطع عمار نسعه فأتاه علي (عليه السلام) ودق رمحه على الهودج. وقال: «يا عائشة، أهكذا أمركِ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن تفعلي».

فقالت: يا أبا الحسن، ظفرت فأحسن، وملكت فأسجح.

فقال علي (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر: «شأنك وأختك، فلا يدنو أحد منها سواك».

فقال محمد: فقلت لها: ما فعلتِ بنفسكِ، عصيتِ ربكِ، وهتكتِ ستركِ، ثم أبحتِ حرمتكِ، وتعرضتِ للقتل.

فذهب بها إلى دار عبد اللّه بن خلف الخزاعي. فقالت: أقسمت عليك أن تطلب عبد اللّه بن الزبير جريحاً كان أو قتيلاً. فقال: إنه كان هدفاً للأشتر. فانصرف محمد إلى العسكر فوجده. فقال: اجلس يا ميشوم أهل بيته. فأتاها به فصاحت وبكت، ثم قالت: يا أخي، استأمن له من علي (عليه السلام) . فأتى محمد أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستأمن له منه. فقال (عليه السلام) : «أمنته وأمنت جميع الناس».

كانت وقعة الجمل بالخريبة، ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء،

ص: 121

فكان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) عشرون ألف رجل، منهم: البدريون ثمانون رجلاً، وممن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون، ومن الصحابة ألف وخمسمائة رجل. وكانت عائشة في ثلاثين ألف أو يزيدون.

قال قتادة: قُتل يوم الجمل عشرون ألفاً. وقال الكلبي: قُتل من أصحاب علي (عليه السلام) ألف راجل وسبعون فارساً، منهم: زيد بن صوحان، وهند الجملي، وأبو عبد اللّه العبدي، وعبد اللّه بن رقية.

وقال أبو مخنف والكلبي: قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصة أربعة آلاف رجل، ومن بني عدي ومواليهم تسعون رجلاً، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل، ومن بني ناجية أربعمائة رجل، والباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلاّ تسعين رجلاً(1).

وهكذا حاربوا أمير المؤمنين (عليه السلام) وسفكوا دماء المسلمين، والإمام (عليه السلام) يعظهم ولم يبدأهم بقتال.

وبعد انتهاء المعركة كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة يخبرهم بما جرى في البصرة، فكتب (عليه السلام) :

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة.

سلام عليكم؛ فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلا هو.

أما بعد، فإن اللّه حَكَم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد اللّه بقوم سوءاً فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال. أخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة، ومن تأشب إليهم من قريش، وغيرهم مع طلحة

ص: 122


1- راجع بحار الأنوار: ج32 ص178-183 ب3.

والزبير ونكثهم صفقة أيمانهم، فنهضت من المدينة حين انتهى إليَّ خبر من سار إليها وجماعتها، وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار.

فبعثت الحسن بن علي، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد، فاستنفرتكم بحق اللّه وحق رسوله وحقي، فأقبل إليَّ إخوانكم سراعاً حتى قدموا عليَّ، فسرت بهم حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء، وقمت بالحجة، وأقلت العثرة والزلة من أهل الردة من قريش وغيرهم، واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعهد اللّه عليهم، فأبوا إلاّ قتالي وقتال من معي والتمادي في البغي، فناهضتهم بالجهاد فقتل اللّه من قتل منهم ناكثاً، وولي من ولي إلى مصرهم، وقتل طلحة والزبير على نكثهما وشقاقهما، وكانت المرأة عليهم أشأم من ناقة الحجر، فخذلوا وأدبروا، وتقطعت بهم الأسباب.

فلما رأوا ما حلّ بهم سألوني العفو فقبلت منهم، وغمدت السيف عنهم، وأجريت الحق والسنة بينهم، واستعملت عبد اللّه بن العباس على البصرة، وأنا سائر إلى الكوفة إن شاء اللّه.

وقد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعفي لتسألوه فيخبركم عنا وعنهم، وردهم الحق علينا ورد اللّه لهم وهم كارهون. والسلام عليكم و رحمة اللّه وبركاته»(1).

ص: 123


1- الإرشاد: ج1 ص258-259 فصل ثم كتب (عليه السلام) بالفتح إلى أهل الكوفة.

28

حرب صفين

لما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من الجمل نزل في الرحبة السادس من رجب، وخطب فقال: «الحمد لله الذي نصر وليه، وخذل عدوه، وأعز الصادق المحق، وأذل الناكث المبطل». ثم إنه (عليه السلام) دعا الأشعث بن قيس من ثغر آذربيجان، والأحنف بن قيس من البصرة، وجرير بن عبد اللّه البجلي من همدان، فأتوه إلى الكوفة.

فوجه جرير إلى معاوية يدعوه إلى طاعته، فلما بلغها توقف معاوية في ذلك حتى قدم شرحبيل الكندي، ثم خطب فقال: «أيها الناس، قد علمتم أني خليفة عمر وخليفة عثمان، وقد قُتل عثمان مظلوماً وأنا وليه وابن عمه وأولى الناس بطلب دمه، فماذا رأيكم؟».

فقالوا: نحن طالبون بدمه.

فدعا عمرو بن العاص على أن يطعمه مصر، فكان عمرو يأمر بالحمل والحط مراراً. فقال له غلامه وردان: تفكر أن الآخرة مع علي والدنيا مع معاوية.

فانصرف جرير. فكتب معاوية إلى أهل المدينة: أن عثمان قُتل مظلوماً، وعليٌ آوى قتلته؛ فإن دفعهم إلينا كففنا عنه وجعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين كما جعله عمر عند وفاته، فانهضوا رحمكم اللّه معنا إلى حربه».

وجاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من معاوية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يذكر فيه: (وكان أنصحهم لله خليفته، ثم خليفة خليفته، ثم الخليفة الثالث المقتول ظلماً،

ص: 124

فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت عرفنا ذلك، ثم نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفسك الصعداء، وإبطاؤك عن الخلفاء، وفي كل ذلك تقاد كما يقاد الجمل المغشوش، ولم تكن لأحد منهم أشد حسداً منك لابن عمك، وكان أحقهم أن لا تفعل ذلك لقرابته وفضله، فقطعت رحمه، وقبحت حسنه، فأظهرت له العداوة، وبطنت له بالغش، وألبت الناس عليه، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع الهائعة، ولا تدرأ عنه بقول ولا فعل!!). فلما وصل الخولاني وقرأ الكتاب على الناس، قالوا: كلنا قاتلون ولأفعاله منكرون.

وكان جواب أمير المؤمنين (عليه السلام) : «وبعد، فإني رأيت قد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي، ثم حاكم القوم إليَّ أحملك وإياهم على كتاب اللّه وسنة نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وأما تلك التي تريدها؛ فإنها خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لعلمت أني من أبرأ الناس من دم عثمان، وقد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة».

ثم جمع معاوية جيشاً لمحاربة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فأجمع (عليه السلام) على المسير وحض الناس على ذلك، فكان مما قال (عليه السلام) : «انفروا إلى بقية الأحزاب أولياء الشيطان، انفروا إلى من يقول كذب اللّه ورسوله».

ثم جاء رجل من عبس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فسأل: «ما الخبر؟». فقال: إن في الشام يلعنون قاتلي عثمان، ويبكون على قميصه. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ما قميص عثمان بقميص يوسف، ولا بكاؤهم عليه إلا كبكاء أولاد يعقوب». فلما فتح الكتاب وجده بياضاً، فحولق.

وكتب معاوية: (اتق اللّه يا علي وذر الحسد!، فلطالما لم ينتفع به أهله، ولاتفسدن سابقة قدمك بشرّ من حديثك؛ فإن الأعمال بخواتيمها، ولا تعمدن

ص: 125

بباطل في حق من لا حق له؛ فإنك إن تفعل ذلك فلا تضر إلا نفسك، ولن تمحق إلا عملك).

فأجابه (عليه السلام) بعد كلام: «عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب، ولم يخف العقاب، ولا يرجو لله وقاراً، ولم يخف حذاراً، فشأنك وما أنت عليه من الضلالة والحيرة والجهالة، تجد اللّه عزوجل في ذلك بالمرصاد - ثم قال في آخره: - فأنا أبو الحسن قاتل جدك عتبة، وعمك شيبة، وأخيك حنظلة، الذين سفك اللّه دماءهم على يدي في يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي - ومن كلامه - متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين، وبالسيوف مخوفين، فالبث قليلاً يلحق الهيجاء جمل، فسيطلبك من تطلب، وتقرب منك من تستبعد. وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، قد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك، وما هي من الظالمين ببعيد».

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «قاتلتُ الناكثين، وهؤلاء القاسطين، وسأقاتل المارقين».

ثم ركب (عليه السلام) فرس النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقصده في تسعين ألفاً. قال سعيد بن جبير: منها تسعمائة رجل من الأنصار، وثمانمائة من المهاجرين. وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: سبعون رجلاً من أهل بدر. ويقال: أكثر من مائة. وخرج معاوية في مائة و عشرين ألفاً، يتقدمهم مروان وقد تقلد بسيف عثمان، فنزل صفين في المحرم على شريعة الفرات. ومنعوا علياً (عليه السلام) وأصحابه الماء، فأنفذ علي (عليه السلام) شبث بن ربعي الرياحي وصعصعة بن صوحان، فقالا في ذلك لطفاً وعنفاً. فقالوا:

ص: 126

أنتم قتلتم عثمان عطشاً. فقال (عليه السلام) : «أرووا السيوف من الدماء ترووا من الماء، والموت في حياتكم مقهورين خير من الحياة في موتكم قاهرين».

وحملا في سبعة عشر ألف رجل حملة رجل واحد ففرق بعضهم وانهزم الباقون. فسيطر علي (عليه السلام) على الماء ثم أمر أن لا يمنعوا جيش معاوية من الماء.

وهكذا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حيث أجاز للمشركين في يوم بدر أن يأخذوا من الماء بعد ما منعوه منه.

وكان نزول علي (عليه السلام) بصفين لليالي بقين من ذي الحجة سنة ست وثلاثين.

ولما اصطف الجيشان وعظهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم ينفعهم، وبدأ أصحاب معاوية بالقتال وقتلوا بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذن الإمام (عليه السلام) بعد ذلك بمقاتلتهم.

ثم إن عليا (عليه السلام) أنفذ سعيد بن قيس الهمداني وبشر بن عمرو الأنصاري إلى معاوية ليدعواه إلى الحق، فانصرفا بعد ما احتجا عليه. ثم أنفذ شبث بن ربعي الرياحي وعدي بن حاتم الطائي وبريدة بن قيس الأرجي وزياد بن حفص بمثل ذلك، فلم ينفع.

فتقاتلوا في ذي الحجة وأمسكوا في المحرم، فلما استهل صفر سنة سبع وثلاثين أمر علي (عليه السلام) فنودي بالشام والإعذار والإنذار، ثم عبى عسكره فجعل على ميمنته الحسن والحسين (عليهما السلام) وعبد اللّه بن جعفر ومسلم بن عقيل، وعلى ميسرته محمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وهاشم بن عتبة المرقال، وعلى القلب عبد اللّه بن العباس والعباس بن ربيعة بن الحارث والأشتر والأشعث، وعلى الجناح سعد بن قيس الهمداني وعبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي ورفاعة بن شداد البجلي وعدي بن حاتم، وعلى الكمين عمار بن ياسر وعمرو بن الحمق وعامر

ص: 127

بن واثلة الكناني وقبيصة بن جابر الأسدي.

وجعل معاوية على ميمنته ذا الكلاع الحميري وحوشب ذا الظليم، وعلى الميسرة عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة، وعلى القلب الضحاك بن قيس الفهري وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى الساقة بسر بن أرطاة الفهري، وعلى الجناح عبد اللّه بن مسعدة الفزاري وهمام بن قبيصة النمري، وعلى الكمين أبا الأعور السلمي وحابس بن سعد الطائي.

فبعث علي (عليه السلام) إلى معاوية أن اخرج إليَّ أبارزك، فلم يفعل، وقد جرى بين العسكرين أربعون وقعة يغلبها أهل العراق، أولها يوم الأربعاء بين الأشتر وحبيب بن مسلمة، والثاني بين المرقال وأبي الأعور السلمي، والثالث بين عمار وعمرو بن العاص، والرابع بين ابن الحنفية وعبيد اللّه بن عمر، والخامس بين عبد اللّه بن العباس والوليد بن عقبة، والسادس بين سعد بن قيس وذي الكلاع إلى تمام الأربعين وقعة آخرها ليلة الهرير.

ثم حث معاوية غلامه حريثاً أن يغتال علياً (عليه السلام) في قتله، فطير أمير المؤمنين (عليه السلام) قحفه في الهواء. وقُتل من أهل العراق: عمير بن عبيد المحاربي، وبكر بن هوذة النخعي، وابنه حيان، وسعيد بن نعيم، وأبان بن قيس. فحمل علي (عليه السلام) فهزمهم. فقال معاوية: كنت أرجو اليوم ظفراً. وبرز الأشتر وجعل يقتل واحداً بعد واحد. فقال معاوية في ذلك فبرز عمرو بن العاص في أربعمائة فارس إليه، وتبع الأشتر مائتا رجل من نخع ومذحج، وحمل الأشتر عليه فوقعت الطعنة في القربوس، فانكسر وخر عمرو صريعاً وسقطت ثناياه فاستأمنه. وخرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبرز إليه حارثة بن قدامة السعدي فقتله. وخرج أبو الأعور السلمي فانصرف من طعنة زياد بن كعب الهمداني مجروحاً، وقتل بنو

ص: 128

همدان خلقاً كثيراً من أهل الشام، فقال معاوية: بنو همدان أعداء عثمان.

ونادى خالد السدوسي: من يبايعني على الموت. فأجابه تسعة آلاف فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية، فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه. وأنفذ معاوية إليه فقال: يا خالد، لك عندي إمرة خراسان متى ظفرت، فاقصر ويحك عن فعالك هذا. فنكل عنها فتفل أصحابه في وجهه وحاربوا إلى الليل.

ثم أمر معاوية بتقديم سبعين راية، وبرز عمار في رايات، فقُتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل، ومن أصحاب علي مائتا رجل.

وخرج حجل بن أثال العبسي فطلب البراز إليه ابنه أثال، فلما رآه قال: انصرف إلى الشام؛ فإن فيها أموالاً جمة. فقال ابنه: يا أبة، انصرف إلينا وجنة الخلد مع علي (عليه السلام) .

وعبى معاوية أربعة صفوف فتقدم أبو الأعور السلمي يحرضهم و يقول: يا أهل الشام، إياكم والفرار؛ فإنها سبة وعار، فدقوا على أهل العراق؛ فإنهم أهل فتنة ونفاق. فبرز سعيد بن قيس وعدي بن حاتم والأشتر والأشعث فقتلوا منهم ثلاثة آلاف ونيفاً وانهزم الباقون. وبرز عبد اللّه بن جعفر في ألف رجل فقتل خلقاً حتى استغاث عمرو بن العاص. وأتى أويس القرني متقلداً بسيفين ويقال كان معه مرماة ومخلاة من الحصى، فسلّم على أمير المؤمنين (عليه السلام) وودعه وبرز مع رجالة ربيعة، فقُتل من يومه، فصلى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنه.

ثم إن عمار (رحمه اللّه) جعل يقاتل ويقول:

نحن ضربناكم على تنزيله***ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله***أو يرجع الحق إلى سبيله

فلم يزل يقاتل حتى قُتل رحمه اللّه.

ص: 129

وبرز أمير المؤمنين (عليه السلام) ودعا معاوية، قال: «أسألك أن تحقن الدماء وتبرز إليَّ وأبرز إليك، فيكون الأمر لمن غلب». فبُهت معاوية ولم ينطق بحرف.. فحمل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الميمنة فأزالها، ثم حمل على الميسرة فطحنها، ثم حمل على القلب وقتل منهم جماعة. ثم انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثم برز متنكراً فخرج عمرو بن العاص، مرتجزاً:

يا قادة الكوفة من أهل الفتن***يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن

كفى بهذا حزنا مع الحزن***أضربكم و لا أرى أبا الحسن

فتناكل عنه علي (عليه السلام) حتى تبعه عمرو، ثم ارتجز:

أنا الغلام القرشي المؤتمن***الماجد الأبيض ليث كالشطن

يرضى به السادة من أهل اليمن***من ساكني نجد و من أهل عدن

أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن

فولى عمرو هارباً فطعنه أمير المؤمنين (عليه السلام) فوقعت في ذيل درعه، فاستلقى على قفاه وأبدى عورته، فصفح (عليه السلام) عنه استحياءً وتكرماً.

فقال معاوية:

الحمد لله الذي عافاك***واحمد استك الذي وقاك

وبرز علي (عليه السلام) ودعا معاوية فنكل عنه، فخرج بسر بن أرطاة يطمع في علي فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فاستلقى على قفاه وكشف عن عورته فانصرف عنه علي (عليه السلام) ، فقال: «ويلكم يا أهل الشام، أما تستحيون من معاملة المخانيث، لقد علمكم رأس المخانيث عمرو، لقد روى هذه السيرة عن أبيه عن جده في كشف الأستار وسط عرصة الحروب».

فلما رأى معاوية كثرة براز أمير المؤمنين (عليه السلام) أخذ في الخديعة، فأنفذ عمرو إلى

ص: 130

ربيعة رجالاته فوقعوا فيه. فقال: اكتب إلى ابن عباس وغره. ثم كتب معاوية إليه يذكر فيه: إنما بقي من قريش ستة: أنا، وعمرو بالشام ناصبان، وسعد وابن عمر بالحجاز، وعلي وأنت بالعراق على خطب عظيم، ولو بويع لك بعد عثمان لأسرعنا فيه. وكتب إلى علي (عليه السلام) : أما بعد، فإنا لو علمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يحنها بعضنا إلى بعض، وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا ما نرم به ما مضى، ونصلح به ما بقي، وقد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت عليَّ، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس؛ فإنك لا ترجو من البقاء إلاّ ما أرجو، ولا تخاف من الفناء إلاّ ما أخاف، وقد واللّه رقت الأجساد، وذهبت الرجال، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عزيز، ويسترق به حر.

فأجابه (عليه السلام) : «أما قولك إن الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت ألا ومن أكله الحق فإلى النار، وأما طلبتك إليَّ الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا في الخوف والرضا فلست أمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة، وأما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن، وليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا الطليق كالمهاجر، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، وفي أيدينا فضل النبوة الذي ذللنا بها العزيز، ونعثنا بها الذليل، وبعنا به الحر».

وأمر معاوية لابن الخديج الكندي أن يكاتب الأشعث، والنعمان بن البشير أن يكاتب قيس بن سعد في الصلح، ثم أنفذ عمراً وعتبة وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما كلّموه، قال: «أدعوكم إلى كتاب

ص: 131

اللّه وسنة نبيه؛ فإن تجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم وللخير وفقتم، وإن تأبوا لم تزدادوا من اللّه إلاّ بعداً». فقالوا: قد رأينا أن تنصرف عنا فنخلي بينكم وبين عراقكم، وتخلون بيننا وبين شامنا فنحن نحقن دماء المسلمين. فقال (عليه السلام) : «لم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل اللّه عزوجل على محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

ثم برز الأشتر وقال: سووا صفوفكم.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أيها الناس، من يبع يربح في هذا اليوم، ألا إن خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير في عواقب الأمور، ألا إنها إحن بدرية، وضغائن أحدية، وأحقاد جاهلية - وقرأ - {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لهمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}(1)».

فتقدم وهو يرتجز:

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا***وأصبحوا في حربكم وبيتوا

كيما تنالوا الدين أو تموتوا***أو لا فإني طال ما عصيت

قد قلتم لو جئتنا فجئت

فحمل في سبعة عشر ألف رجل فكسروا الصفوف، فقال معاوية لعمرو: اليوم صبر وغداً فخر.

فقال عمرو: صدقت يا معاوية، ولكن الموت حق والحياة باطل، ولو حمل علي في أصحابه حملة أخرى فهو البوار.فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنة». فلم يزالوا يقاتلون حتى دخل وقعة الخميس وهي ليلة الهرير، وكان أصحاب علي (عليه السلام) يضربون الطبول من أربع جوانب عسكر معاوية

ص: 132


1- سورة التوبة: 12.

ويقولون: علي المنصور. وهو يرفع رأسه إلى السماء ساعة بعد ساعة، ويقول: «اللّهم إليك نقلت الأقدام، وإليك أفضت القلوب، ورفعت الأيدي، ومدت الأعناق، وطلبت الحوائج، وشُخصت الأبصار، اللّهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين». وكان يحمل عليهم مرة بعد مرة ويدخل في غمارهم، ويقول: «اللّه اللّه في الحرم والذرية»، فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل. فلما أصبح كان قتلى عسكره أربعة آلاف رجل، وقتلى عسكر معاوية اثنين وثلاثين ألف رجل. فصاحوا: يا معاوية، هلكت العرب. فاستغاث هو بعمرو، فأمره برفع المصاحف. فقال معاوية: يا عمرو، نفرّ أو نستأمن. قال: نرفع المصاحف على الرماح ونقرأ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}(1)؛ فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب ورافعنا بهم إلى أجل، وإن أبى بعضهم إلاّ القتال فللنا شوكتهم وتقع بينهم الفرقة، وآمر بالنداء فلسنا ولستم من المشركين ولا المجمعين على الردة؛ فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين وللبلدة، وإن تدفعوها ففيها الفناء وكل بلاء إلى مدة.

فقال مسعر بن فدكي وزيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس الكندي: أجب القوم إلى كتاب اللّه. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ويحكم واللّه، إنهم ما رفعوا المصاحف إلاّ خديعة ومكيدة حين علوتموهم». وقال خالد بن معمر السدوسي: «يا أمير المؤمنين، أحب الأمور إلينا ما كفينا مئونته». فقصد إليه عشرون ألف رجل يقولون: يا علي، أجب إلى كتاب اللّه إذا دعيت، وإلاّ دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان!. فقال: «فاحفظوا عني مقالتي، فإني آمركم

ص: 133


1- سورة آل عمران: 23.

بالقتال فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم». قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتينك.

فبعث (عليه السلام) يزيد بن هاني السبيعي يدعوه. فقال الأشتر: إني قد رجوت أن يفتح اللّه لا تعجلني. وشدد في القتال فقالوا: حرضته في الحرب، فابعث إليه بعزيمتك ليأتيك وإلاّ واللّه اعتزلناك. قال (عليه السلام) : «يا يزيد، عد إليه وقل له: أقبل إلينا؛ فإن الفتنة قد وقعت». فأقبل الأشتر يقول لأهل العراق: يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم القوم وعلموا أنكم لهم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكراً. فقالوا: قاتلناهم في اللّه. فقال: أمهلوني ساعة وأحسست بالفتح وأيقنت بالظفر. قالوا: لا. قال: أمهلوني عدوة فرسي. قالوا: إنا لسنا نطيعك ولا لصاحبك، ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح ندعى إليها. فقال: خُدعتم واللّه فانخدعتم، ودُعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم.

فقام جماعة من بكر بن وائل فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن أجبت القوم أجبنا وإن أبيت أبينا. فقال (عليه السلام) : «نحن أحق من أجاب إلى كتاب اللّه، وإن معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين وقرآن، أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً».

فقال أهل الشام: فإنا قد اخترنا عمراً. فقال الأشعث وابن الكواء ومسعر بن فدكي وزيد الطائي: نحن اخترنا أبا موسى. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن». فقالوا: إنه قد كان يحذرنا مما قد وقعنا فيه. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إنه ليس بثقة، قد فارقني وقد خذل الناس، ثم هرب مني حتى أمنته بعد شهر، ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك». قالوا: واللّه ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس. قال (عليه السلام) : «فالأشتر». قال الأشعث: وهل سعر الحرب غير الأشتر، وهل نحن إلا في حكم الأشتر.

ص: 134

قال الأعمش: حدثني من رأى علياً (عليه السلام) يوم صفين يصفق بيديه ويقول: «يا عجباً اُعصى ويُطاع معاوية - وقال - قد أبيتم إلا أبا موسى». قالوا: نعم. قال (عليه السلام) : «فاصنعوا ما بدا لكم، اللّهم إني أبرأ إليك من صنيعهم».وقال الأحنف: إذا اخترتم أبا موسى فارقبوا ظهره.

فلما اجتمعوا كان كاتب علي (عليه السلام) عبيد اللّه بن أبي رافع، وكاتب معاوية عمير بن عباد الكلبي، فكتب عبيد اللّه: هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. فقال عمرو: اكتبوا اسمه واسم أبيه، هو أميركم فأما أميرنا فلا. فقال الأحنف: لا تمح اسم إمارة المؤمنين امح ترحه من اللّه. فقال علي (عليه السلام) : «اللّه أكبر سُنة بسُنة ومثل بمثل، وإني لكاتب يوم الحديبية» فقال عمرو: يا سبحان اللّه، تشبه بالكفار ونحن مؤمنون». فقال علي (عليه السلام) : «يا ابن النابغة، أو لم تكن للمشركين ولياً وللمؤمنين عدواً، أو لم تكن في الضلالة رأساً وفي الإسلام ذنباً». فكتبوا أن يحكموا بما في كتاب اللّه وينصرفوا والمدة سنة واحدة كاملة ويكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل.

فلما اجتمعا قال عمرو: يا أبا موسى، أنت أولى أن تسمي رجلاً يلي أمر هذه الأمة، فسم لي فإني أقدر أن أبايعك منك على أن تبايعني. قال أبو موسى: أسمي لك عبد اللّه بن عمر فيمن اعتزله. فقال عمرو: فإني أسمي لك معاوية بن أبي سفيان. وفي رواية قال عمرو: إنهما ظالمان، وإن عليا آوى قتلة عثمان وإن معاوية خاذله، فنخلعهما ونبايع عبد اللّه بن عمر لزهادته واعتزاله عن الحرب. فقال أبو موسى: نعم ما رأيت. قال: فإني قد خلعت معاوية فاخلع علياً إن شئت، وإن شئت فاخلعه غداً فإنه يوم الاثنين.

قال: فلما أصبحا خرجا إلى الناس فقالا: قد اتفقنا. فقال أبو موسى لعمرو:

ص: 135

تقدم واخلع صاحبك بحضرة الناس. فقال عمرو: سبحان اللّه، أتقدم عليك وأنت في موضعك وسنك، وفضلك مقدم في الإسلام والهجرة، ووفد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى اليمن، وصاحب مقاسم أبي بكر، وعامل عمر، وحاكم أهل العراق، فتقدم أنت فقدمه. فقال أبو موسى: إنا واللّه أيها الناس قد اجتهدنا رأينا لم نر أصلح للأمة من خلع هذين الرجلين، وقد خلعت علياً ومعاوية كخلع خاتمي هذا. فقال عمرو: ولكني خلعت صاحبه علياً كما خلع، واثبت معاوية كخاتمي هذا وجعله في شماله(1).

وعن محمد بن عبد اللّه الرعيني بإسناده، عن علي (عليه السلام) أنه قال: لما انصرف الناس من صفين خاض الناس في أمر الحكمين. فقال بعض الناس: ما يمنع أمير المؤمنين (عليه السلام) من أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلم؟. فقال للحسن: «قم يا حسن فقل في هذين الرجلين عبد اللّه بن قيس وعمرو بن العاص». فقام الحسن (عليه السلام) فقال: «أيها الناس، إنكم قد أكثرتم في أمر عبد اللّه بن قيس وعمرو بن العاص، فإنما بُعثا ليحكما بكتاب اللّه فحكما بالهوى على الكتاب، ومن كان هكذا لم يسم حكماً ولكنه محكوم عليه، وقد أخطأ عبد اللّه بن قيس في أن أوصى إلى عبد اللّه بن عمر، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال: في أن أباه لم يرضه لها، وفي أنه لم يستأمره، وفي أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين نفذوها لمن بعده. وإنما الحكومة فرض من اللّه، وقد حكم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سعداً في بني قريظة، فحكم فيهم بحكم اللّه لا شك فيه، فنفذ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حكمه، ولو خالف ذلك لم يجزه»، ثم جلس.

ص: 136


1- المناقب: ج3 ص163-185 فصل في حرب صفين، وفصل في الحكمين والخوارج.

ثم قال علي (عليه السلام) لعبد اللّه بن العباس: «قم فتكلم». فقام وقال: (أيها الناس، إن للحق أهلاً أصابوه بالتوفيق والناس بين راض به وراغب عنه، وإنما بعث عبد اللّه بن قيس لهدى إلى ضلالة، وبعث عمرو بن العاص لضلالة إلى الهدى، فلما التقيا رجع عبد اللّه عن هداه، وثبت عمرو على ضلالته. واللّه لئن حكما بالكتاب لقد حكما عليه، وإن حكما بما اجتمعا عليه معاً ما اجتمعا على شيء، وإن كانا حكما بما سار إليه لقد سار عبد اللّه وإمامه علي، وسار عمرو وإمامه معاوية، فما بعد هذا من عيب ينتظر، ولكنهم سئموا الحرب وأحبوا البقاء ودفعوا البلاء، ورجا كل قوم صاحبه)، ثم جلس.

ثم قال (عليه السلام) لعبد اللّه بن جعفر: «قم فتكلم». فقام عبد اللّه وقال: (أيها الناس، إن هذا الأمر كان النظر فيه إلى علي والرضا فيه لغيره، فجئتم بعبد اللّه بن قيس فقلتم لا نرضى إلاّ بهذا فارض به فإنه رضانا، وايم اللّه ما استفدناه علماً، ولا انتظرنا منه غائباً، ولا أملنا ضعفه، ولا رجونا به صاحبه، ولا أفسدا بما عملا العراق، ولا أصلحا الشام، ولا أماتا حق علي، ولا أحييا باطل معاوية، ولا يذهب الحق رقية راق، ولا نفخة شيطان، وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس)، وجلس(1).

وهكذا انتهت حرب صفين ولكن معاوية كان يخطط دوماً لمحاربة أهل العراق، ويجمع الجيوش لذلك. فخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) خطبة قبل استشهاده بقليل وقال: الجهاد الجهاد، وكان هكذا كعرض عسكري، ليمنع معاوية من شن هجوم على أهل العراق.

ص: 137


1- المناقب: ج3 ص193 فصل في الحكمين والخوارج.

عن نوف البكالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنه نادى بعد الخطبة بأعلى صوته: «الجهاد الجهاد عباد اللّه، ألا وإني معسكر في يومي هذا، فمن أراد الرواح إلى اللّه فليخرج». قال نوف: وعقد للحسين (عليه السلام) في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر وهو يريد الرجعة إلى صفين، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم فتراجعت العساكر(1).

ص: 138


1- المناقب: ج3 ص194 فصل في الحكمين والخوارج.

29

حرب النهروان

اشارة

لما دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة بعد صفين جاء إليه الخوارج، منهم زرعة بن البزرج الطائي، وحرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية. فقال: لا حكم إلاّ لله. فقال (عليه السلام) : «كلمة حق يراد بها باطل».

قال حرقوص: فتب من خطيئتك!، وارجع عن قصتك، واخرج بنا إلى عدونا - أي معاوية وأصحابه - نقاتلهم حتى نلقى ربنا.

فقال علي (عليه السلام) : «قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وشروطاً، وأعطينا عليها عهوداً ومواثيق، وقد قال اللّه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}(1) الآية».

فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه.

فقال علي (عليه السلام) : «ما هو ذنب، ولكنه عجز من الرأي، وضعف في العقل، وقد تقدمت فنهيتكم عنه».

فقال ابن الكواء: الآن صح عندنا أنك لست بإمام، ولو كنت إماماً لما رجعت. فقال علي (عليه السلام) : «ويلكم قد رجع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عام الحديبية عن قتال أهل مكة».

ص: 139


1- سورة النحل: 91.

ثم إن هؤلاء حرضوا الناس على قتال علي (عليه السلام) وقتال أصحابه، وشكلوا جيشاً من الخوارج للهجوم على المسلمين، وقالوا: (لا حكم إلاّ لله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). وكانوا اثني عشر ألفاً من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما. ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي، وأمير الصلاة عبد اللّه ابن الكواء، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستعرضوا الناس وقتلوا عبد اللّه بن خباب بن الأرت، وكان عامل علي (عليه السلام) على النهروان.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «يا ابن عباس، امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ولماذا اجتمعوا». فلما وصل إليهم قالوا: ويلك يا ابن عباس، أكفرت بربك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب!. وخرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي فقال ابن عباس: من بنى الإسلام؟. فقال: اللّه ورسوله. فقال: النبي أحكم أموره ودخل بين حدوده أم لا؟. قال: بلى. قال: فالنبي بقي في دار الإسلام أم ارتحل؟. قال: بل ارتحل. قال: فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده؟. قال: بل بقيت. قال: و هل قام أحد بعده بعمارة ما بناه. قال: نعم الذرية والصحابة. قال: أفعمروها أو خربوها؟. قال: بل عمّروها. قال: فالآن هي معمورة أم خراب؟. قال: بل خراب. قال: خربها ذريته أم أمته؟. قال: بل أمته. قال: وأنت من الذرية أو من الأمة؟. قال: من الأمة. قال: أنت من الأمة وخربت دار الإسلام، فكيف ترجو الجنة؟!

وجرى بينهم كلام كثير، فحضر أمير المؤمنين (عليه السلام) في مائة رجل، فلما قابلهم خرج ابن الكواء في مائة رجل فقال (عليه السلام) : «أنشدكم اللّه هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم: نجيبهم إلى كتاب اللّه، فقلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم - وذكر

ص: 140

مقاله إلى أن قال - فلما أبيتم إلاّ الكتاب أشرطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن؛ فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه، وإن أبيا فنحن منه برآء». فقالوا له: أخبرنا أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟. فقال (عليه السلام) : «إنا لسنا الرجال حكمنا وإنما حكمنا القرآن، والقرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال». قالوا: فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟. قال (عليه السلام) : «ليعلم الجاهل ويثبت العالم، ولعل اللّه يصلح في هذه المدة لهذه الأمة».

وجرت بينهم مخاطبات فجعل بعضهم يرجع، فأعطى أمير المؤمنين (عليه السلام) راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري. فناداهم أبو أيوب: من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن. فرجع منهم ثمانية آلاف رجل، فأمرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتميزوا منهم، وأقام الباقون على الخلاف وقصدوا إلى النهروان. فخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) واستنفرهم فلم يجيبوه فتمثل:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى***فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد

ثم استنفرهم فنفر ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم، وهو يقول:

إلى شر خلق من شراة تحزبوا

وعادوا إله الناس رب المشارق

فوجه أمير المؤمنين (عليه السلام) نحوهم، وكتب إليهم على يدي عبد اللّه بن أبي عقب وفيها: «والسعيد من سعد به رعيته، والشقي من شقيت به رعيته، وخير الناس خيرهم لنفسه، وشر الناس شرهم لنفسه، وليس بين اللّه وبين أحد قرابة، و{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(1)». فلما أتاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستعطفهم فأبوا إلا قتاله

ص: 141


1- سورة المدثر: 38.

وتنادوا: أن دعوا مخاطبة علي وأصحابه وبادروا الجنة. وصاحوا: الرواح الرواح إلى الجنة. وأمير المؤمنين (عليه السلام) يعبئ أصحابه ونهاهم أن يتقدم إليهم أحد.

فهجم القوم على جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتلوا بعض أصحابه، عند ذلك أمر علي (عليه السلام) بالدفاع.

وخرج من الخوارج أخنس بن العيزار الطائي فقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وخرج إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الوضاح بن الوضاح من جانب وابن عمه حرقوص من جانب، فقتل الوضاح وضرب ضربة على رأس الحرقوص فقطعه، ووقع رأس سيفه على الفرس فشرد وأرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب.. فكان المقتولون من أصحاب علي (عليه السلام) : رؤبة بن وبر البجلي، ورفاعة بن وائل الأرحبي، والفياض بن خليل الأزدي، وكيسوم بن سلمة الجهني، وحبيب بن عاصم الأزدي إلى تمام تسعة، وانفلت من الخوارج تسعة. وكان ذلك لتسع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين.

عن عبد اللّه بن أبي رافع، وأبي موسى، وجندب، وأبي الوضاح، قال علي (عليه السلام) : «اطلبوا المخدج». فقالوا: لم نجده. فقال (عليه السلام) : «واللّه ما كذبت ولا كذبت. يا عجلان، ايتني ببغلة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». فأتاه بالبغلة فركبها وجال في القتلى، ثم قال: «اطلبوه هاهنا». قال: فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين. و في رواية أبي نعيم، عن سفيان، فقيل: قد أصبناه، فسجد لله تعالى (عليه السلام) .

إنه (عليه السلام) لم يبدأ بحرب

وكل هذه الحروب الثلاثة، لم يبدأ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بها، بل فرضوها عليه، ولما كان يصطف القوم، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينصحهم بترك القتال، فلم

ص: 142

يقبلوا، كما أنه (عليه السلام) لم يأذن أصحابه بالبدء بقتالهم حتى يبدأ القوم فبعد ذلك كان (عليه السلام) يأذن بالدفاع.

ص: 143

30

اللين واللاعنف

كان منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته السياسية وغيرها منهج اللين واللاعنف، وكان يعدّ اللين وعدم العنف ومصاديقهما من صفات المؤمن وعلائم المتقين، كما ورد ذلك في خطبة همام حيث قال علي (عليه السلام) : «فمن علامات أحدهم أنك ترى له: قوةً في دين، وحزماً في لين... وعلماً في حلم... يمزج العلم بالحلم... تراه... سهلاً أمره... مكظوماً غيظه... يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، بعيداً فحشه، ليّناً قوله...»(1).

وعن علي (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أشار إلى أخيه المسلم بسلاحه لعنته الملائكة حتى ينحيه عنه»(2).

وعن علي (عليه السلام) ، قال: «إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مر على قوم وهم يتعاطون فيما بينهم سيفاً مسلولاً. فقال: من هؤلاء لعنهم اللّه»(3).

وعن علي (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «نعم وزير الإيمان العلم، ونعم وزير العلم الحلم، ونعم وزير الحلم الرفق، ونعم وزير الرفق اللين»(4). وعن

ص: 144


1- نهج البلاغة، الخطب: رقم193 ومن خطبة له (عليه السلام) يصف فيها المتقين.
2- مستدرك الوسائل: ج9 ص148 ب142 ح10512.
3- الجعفريات: ص83 باب من أشهر السلاح.
4- الجعفريات: ص88 باب وجوب الاهتمام بأمور المسلمين وإعانتهم.

علي (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يأمر بالمعروف ولاينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث: رفيقاً بما يأمر به، رفيقاً بما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه»(1).

وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) «المؤمنون هينون لينون، كالجمل الأنوف إن استنخته أناخ»(2).

ص: 145


1- مستدرك الوسائل: ج12 ص186 ب2 ح13838.
2- الجعفريات: ج170 باب صفة المؤمنين.

31

بيت المال

بيت المال هو رصيد اقتصادي للمسلمين، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) كرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أميناً على ثروات المسلمين وأموالهم، فلم يتصرف في بيت المال إلاّ بما كان فيه رضا اللّه عزوجل، ولم يدخر لنفسه شيئاً منها، على عكس سائر الحكام ومن سموا أنفسهم بالخلفاء.

عن كليب، قال: قدم على علي (عليه السلام) مال من أصبهان فقسمه على سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفاً فكسره على سبعة، وجعل على كل قسم منها كسرة، ثم دعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أولاً(1).

وعن أبي صالح السمان، قال: رأيت علياً (عليه السلام) دخل بيت المال فرأى فيه شيئاً. فقال (عليه السلام) : «ألا أرى هذا ها هنا وبالناس إليه حاجة». فأمر به فقسم، وأمر بالبيت فكنس ونضح فصلى فيه(2).

وعن زاذان، قال: انطلقت مع قنبر إلى علي (عليه السلام) . فقال: قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئة. قال (عليه السلام) : «فما هو؟». قال: قم معي. فقام وانطلق إلى بيته، فإذا باسنة مملوة جامات من ذهب وفضة. فقال: يا أمير المؤمنين، إنك

ص: 146


1- كنز العمال، للمتقي الهندي: ج5 ص773 ب2 آداب الإمارة ح14347.
2- تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر: ج42 ص476.

لاتترك شيئاً إلاّ قسمته، فادخرت هذا لك. قال علي (عليه السلام) : «لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً كثيرة». فسل سيفه فضربها فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه أو ثلثه، ثم قال:

«اقسموه بالحصص». ففعلوا فجعل يقول:

«هذا جناي وخياره فيه***إذ كل جان يده إلى فيه

يا بيضاء ويا صفراء غري غيري»(1).

وعن عبد اللّه بن أبي سفيان، قال: أهدى إلي دهقان من دهاقين السواد برداً وإلى الحسن أو الحسين برداً مثله. فقام علي (عليه السلام) يخطب بالمدائن يوم الجمعة عليهما. فبعث إليَّ وإلى الحسين، فقال: «ما هذان البردان؟».

قال: بعث إليَّ وإلى الحسين دهقان من دهاقين السواد. قال: فأخذهما فجعلهما في بيت المال(2).

وروي أنه (عليه السلام) رأى حبلاً في بيت المال. فقال: «أعطوه الناس». فأخذه بعضهم(3).

وعن أبي حكيم صاحب الحفاء، عن أبيه: أن علياً (عليه السلام) أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان. فقال (عليه السلام) : «اغدوا إلى العطاء الرابع، إني لست لكم بخازن».

قال: وقسم الحبال فأخذها قوم وردّها قوم(4).

ودخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً. فسألت

ص: 147


1- الغارات: ج1 ص36-37 سيرته (عليه السلام) في المال.
2- تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر: ج42 ص478.
3- المناقب: ج2 ص112 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.
4- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج42 ص477.

أم هاني مولاتها العجمية، فقالت: كم دفع إليكِ أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟. فقالت: عشرين درهماً. فانصرفت مسخطة. فقال (عليه السلام) لها: «انصرفي رحمكِ اللّه، ما وجدنا في كتاب اللّه فضلاً لإسماعيل على إسحاق»(1).

وبُعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمته.

فقالت له ابنته أم كلثوم: يا أمير المؤمنين، أتجمل به ويكون في عنقي. فقال (عليه السلام) لها: «يا با رافع، أدخله إلى بيت المال ليس إلى ذلك سبيل حتى لا تبقى امرأة من المسلمين إلاّ ولها مثل ما لكِ»(2).

وولى (عليه السلام) بيت مال المدينة عمار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيهان، فكتب: «العربي والقرشي والأنصاري والعجمي وكل من في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء». فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود، فقال: كم يؤتى هذا؟. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : «كم أخذت؟».

فقال: ثلاثة دنانير، وكذلك أخذ الناس.

فقال (عليه السلام) : «فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير»(3).

وسمع (عليه السلام) مقلي في بيته فنهض، وهو يقول: «في ذمة علي بن أبي طالب مقلي الكراكر». قال: ففزع عياله وقالوا: يا أمير المؤمنين، إنها امرأتك فلانة نحرت جزوراً في حيها، فأخذ لها نصيب منها، فأهدى أهلها إليها. قال: «فكلوا هنيئاً مريئاً»(4).

ص: 148


1- الاختصاص: ص151 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار: ج40 ص106 ب91 ضمن ح117.
3- مستدرك الوسائل: ج11 ص94 ب35 ح12502.
4- الاختصاص: ص153 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) .

32

الحياء والعفة

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) في قمة الحياء والعفة، وكان يأمر المؤمنين بذلك.

فإن المجتمع إذا تخلى عن الحياء أصبح مجتمعاً فاسداً ضاراً مضراً، ويكون حينئذ أشبه شيء بالمجتمع الحيواني بل أخطر منه بكثير.

في الحديث: «إن عليا (عليه السلام) مرّ على بهيمة وفحل يسفدها على وجه الطريق فأعرض بوجهه. فقيل له: لِمَ فعلت ذلك يا أمير المؤمنين؟.

فقال (عليه السلام) : إنه لا ينبغي لهم أن يصنعوا ما صنعوا وهو من المنكر، ولكن ينبغي لهم أن يواروه حيث لا يراه رجل ولا امرأة»(1).

وهذه بعض روايات الإمام (عليه السلام) في الحياء أخذناها من (الغرر):

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ثلاث هن جماع الدين: العفة، والورع، والحياء»(2).

وقال (عليه السلام) : «الإيمان شجرة أصلها اليقين، وفرعها التُقى، ونورها الحياء، وثمرها السخاء»(3).

ص: 149


1- الجعفريات: ص88 باب من له أن يأمر بالمعروف.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص85 ق1 ب2 ف5 قواعد الدين ح1397.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص87 ق1 ب2 ف6 حقيقة الإيمان ح1441.

وقال (عليه السلام) : «غاية الحياء أن يستحيي المرء من نفسه»(1).

وقال (عليه السلام) : «على قدر الحياء تكون العفة»(2).

وقال (عليه السلام) : «الحياء جميل»(3).

وقال (عليه السلام) : «الحياء تمام الكرم».

وقال (عليه السلام) : «الحياء قرين العفاف».

وقال (عليه السلام) : «الحياء خلق جميل». وقال (عليه السلام) : «الحياء خلق مرضي».

وقال (عليه السلام) : «العقل شجرة ثمرها الحياء والسخاء».

وقال (عليه السلام) : «الحياء تمام الكرم وأحسن الشيم».

وقال (عليه السلام) : «الإيمان والحياء مقرونان في قرن ولا يفترقان».

وقال (عليه السلام) : «أعفّكم أحياكم».

وقال (عليه السلام) : «أعقل الناس أحياهم»(4).

وقال (عليه السلام) : «أحسن ملابس الدين (الدنيا) الحياء».

وقال (عليه السلام) : «إن الحياء والعفة من خلائق الإيمان، وإنهما لسجية الأحرار، وشيمة الأبرار».

وقال (عليه السلام) : «تسربل الحياء، وأدرع الوفاء، واحفظ الإخاء، وأقلل محادثة النساء، يكمل لك السناء».

ص: 150


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص236 ق3 ب2 ف1 محاسبة النفس ح4758.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص256 ق3 ب2 ف2 العفة ح5414.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص256 ق3 ب2 ف2 فضيلة الحياء ح5431.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص256 ق3 ب2 ف2 فضيلة الحياء ح5432-5440.

وقال (عليه السلام) : «سبب العفة الحياء».

وقال (عليه السلام) : «عليك بالحياء؛ فإنه عنوان النبل».

وقال (عليه السلام) : «كثرة حياء الرجل دليل إيمانه».

وقال (عليه السلام) : «نعم قرين السخاء الحياء».

وقال (عليه السلام) : «نعم قرين الإيمان الحياء».

وقال (عليه السلام) : «لا شيمة كالحياء». وقال (عليه السلام) : «لا إيمان كالحياء والسخاء».

وقال (عليه السلام) : «أفضل الحياء استحياؤك من اللّه».

وقال (عليه السلام) : «أحسن الحياء استحياؤك من نفسك»(1).

وقال (عليه السلام) : «الحياء مفتاح كل الخير».

وقال (عليه السلام) : «الحياء يصدّ عن فعل القبيح».

وقال (عليه السلام) : «الحياء من اللّه يمحو كثيراً من الخطايا».

وقال (عليه السلام) : «الحياء من اللّه سبحانه وتعالى يقي من عذاب النار».

وقال (عليه السلام) : «ثمرة الحياء العفة».

وقال (عليه السلام) : «من كساه الحياء ثوبه خفي عن الناس عيبه».

وقال (عليه السلام) : «من صحبه الحياء في قوله زايله الخنى في فعله»(2).

وقال (عليه السلام) : «القحة عنوان الشر».

وقال (عليه السلام) : «إياك والقحة! فإنها تحدوك على ركوب القبائح، والتهجم على السيئات».

ص: 151


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص257 ق3 ب2 ف2 فضيلة الحياء ح5441-5452.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص257 ق3 ب2 ف2 آثار الحياء ح5453-5459.

وقال (عليه السلام) : «بئس الوجه الوقاح». وقال (عليه السلام) : «رأس كل شر القحة».

وقال (عليه السلام) : «شر الأشرار من لا يستحيي من الناس، ولا يخاف اللّه سبحانه».

وقال (عليه السلام) : «من لا حياء له فلا خير فيه».

وقال (عليه السلام) : «من قل حياؤه قلّ ورعه».

وقال (عليه السلام) : «من لم يكن له سخاء ولا حياء فالموت خير له من الحياة».

وقال (عليه السلام) : «من لم يستحي من الناس لم يستحي من اللّه سبحانه».

وقال (عليه السلام) : «من لم يتق وجوه الرجال لم يتق اللّه سبحانه».

وقال (عليه السلام) : «ما أبعد الصلاح من ذي الشر الوقاح».

وقال (عليه السلام) : «وقاحة الرجل تشينه»(1).

ص: 152


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5460-5471.

33

الشورى والاستشارة

اشارة

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينهى عن الاستبداد بالرأي ويؤكد على الاستشارة، كما كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كذلك.

وكان (عليه السلام) يترك الناس عند ما يصرون على رأيهم وإن لم يرض هو بذلك، كما سبق في قصة الحكمين، وما ورد في صلاة التروايح من أنه (عليه السلام) نهاهم عن الجماعة في صلاة التراويح التي أبدعها عمر فامتنعوا ورفعوا أصواتهم قائلين: واعمراه واعمراه، حتى تركهم في خوضهم يلعبون(1).

روايات في الاستشارة

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «حق على العاقل أن يستديم الاسترشاد، ويترك الاستبداد»(2).

وقال (عليه السلام) : «حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء، ويضم إلى علمه علوم الحكماء»(3).

وقال (عليه السلام) : «اللجوج لا رأي له».

ص: 153


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5460-5471.
2- انظر وسائل الشيعة: ج8 ص46 ب10 ح10063.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص55 ق1 ب1 ف4 رأي العاقل ح496.

وقال (عليه السلام) : «اللجاج يفسد الرأي»(1).

وقال (عليه السلام) : «المستبد متهور في الخطأ والغلط».

وقال (عليه السلام) : «الاستبداد برأيك يزلك ويهورك في المهاوي»(2).

وقال (عليه السلام) : «ما أعجب برأيه إلاّ جاهل»(3).

وقال (عليه السلام) : «بئس الاستعداد الاستبداد»(4).

وقال (عليه السلام) : «من قنع برأيه فقد هلك»(5).

وقال (عليه السلام) : «من استبد برأيه زلَّ». وقال (عليه السلام) : «من استبد برأيه خفّت وطأته على أعدائه». وقال (عليه السلام) : «من استبد برأيه خاطر وغرر»(6).

وقال (عليه السلام) : «المشاورة استظهار».

وقال (عليه السلام) : «كفى بالمشاورة ظهيراً».

وقال (عليه السلام) : «نِعمَ المظاهرة المشاورة».

وقال (عليه السلام) : «نِعم الاستظهار المشاورة»(7).

وقال (عليه السلام) : «أفضل الناس رأياً من لا يستغني عن رأي مشير»(8).

ص: 154


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص65 ق1 ب1 ف12 اللجاج والجدل ح852-853.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص65 ق1 ب1 ف12 الموانع المتفرقة ح864-865.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص308 ق3 ب3 ف6 عدم العقل ح7094.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص347 ق4 ب2 ف7 الاستبداد ح7985.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص347 ق4 ب2 ف7 الاستبداد ح7988.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: ص347 ق4 ب2 ف7 الاستبداد ح7990-7992.
7- غرر الحكم ودرر الكلم: ص441 ق6 ب4 ف1 مدح المشاورة ح10043-10046.
8- غرر الحكم ودرر الكلم: ص441 ق6 ب4 ف1 مدح المشاورة ح10048.

وقال (عليه السلام) : «إذا أمضيت أمراً فأمضه بعد الروية ومراجعة المشورة».

وقال (عليه السلام) : «شاوروا فالنجح في المشاورة».

وقال (عليه السلام) : «جماع الخير في المشاورة والأخذ بقول النصيح».

وقال (عليه السلام) : «شاور قبل أن تعزم، وتفكر قبل أن تقدم».

وقال (عليه السلام) : «عليك بالمشاورة؛ فإنها نتيجة الحزم».

وقال (عليه السلام) : «قد أصاب المسترشد»(1).

وقال (عليه السلام) : «لا يستغني العاقل عن المشاورة».

وقال (عليه السلام) : «المشورة تجلب لك صواب غيرك»(2).

وقال (عليه السلام) : «أمخضوا الرأي مخض السقاء ينتج سديد الآراء»(3).

وقال (عليه السلام) : «اضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب».

وقال (عليه السلام) : «من لزم المشاورة لم يعدم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً». وقال (عليه السلام) : «ما استنبط الصواب بمثل المشاورة»(4).

وقال (عليه السلام) : «المستشير متحصن من السقط».

وقال (عليه السلام) : «المستشير على طرف النجاح»(5).

وقال (عليه السلام) : «خوافي الآراء تكشفها المشاورة»(6).

ص: 155


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص441 ق6 ب4 ف1 مدح المشاورة ح10051-10056.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص441 ق6 ب4 ف1 فوائد المشاورة ح10059-10060.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص441 ق6 ب4 ف1 فوائد المشاورة ح10062.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 فوائد المشاورة ح10063-10065.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 فوائد المشاورة ح10068-10069.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 فوائد المشاورة ح10072.

وقال (عليه السلام) : «ما ضل من استشار»(1).

وقال (عليه السلام) : «شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم»(2).

وقال (عليه السلام) : «من شاور ذوي العقول استضاء بأنوار العقول».

وقال (عليه السلام) : «من شاور ذوي النهى والألباب، فاز بالنجح والصواب».

وقال (عليه السلام) : «من استشار ذوي النهى والألباب، فاز بالحزم والسداد»(3).

وقال (عليه السلام) : «من استغنى بعقله ضل»(4).

وقال (عليه السلام) : «لا تستبد برأيك، فمن استبد برأيه هلك»(5).

ص: 156


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 فوائد المشاورة ح10074.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 شاور هؤلاء ح10078.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 شاور هؤلاء ح10080-10082.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص443 ق6 ب4 ف1 من استبد برأيه زل ح10107.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص443 ق6 ب4 ف1 من استبد برأيه زل ح10111.

34

العلم والعلماء

اشارة

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكّد كثيراً على العلم وضرورته، ويحثّ على التعليم والتعلّم، ويشيد بدور العلماء.

مع طالب العلم

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «يا طالب العلم، إن العلم ذو فضائل كثيرة: فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النية، وعقله معرفة الأسباب والأمور، ويده الرحمة، ورجله زيارة العلماء، وهمته السلامة، وحكمته الورع، ومستقره النجاة، وقائده العافية، ومركبه الوفاء، وسلاحه لين الكلمة، وسيفه الرضا، وقوسه المداراة، وجيشه محاورة العلماء، وماله الأدب، وذخيرته اجتناب الذنوب، وزاده المعروف، ومأواه الموادعة، ودليله الهدى، ورفيقه محبة الأخيار»(1).

كمال الدين

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أيها الناس، اعلموا أن كمال الدين طلب العلم

ص: 157


1- منية المريد: ص148 ب1 ن1 ق1 الأمر الثاني.

والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم، قد قسّمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه»(1).

الناس ثلاثة

قال (عليه السلام) : «إن الناس آلوا بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى ثلاثة: آلوا إلى عالم على هدى من اللّه قد أغناه اللّه بما علم عن غيره، وجاهل مدع للعلم لا علم له معجب بما عنده قد فتنته الدنيا وفتن غيره، ومتعلم من عالم على سبيل هدى من اللّه ونجاة، ثم هلك من ادعى، وخاب من افترى»(2).

من الفقيه؟

عن أبي حمزة الثمالي مرفوعاً، قال: أقبل الناس على علي (عليه السلام) فقالوا: يا أمير المؤمنين، أنبئنا بالفقيه؟. قال: «نعم، أنبئكم بالفقيه حق الفقيه: من لم يرخص الناس في معاصي اللّه، ولم يقنطهم من رحمته، ولم يؤمنهم من مكر اللّه، ولم يدع القرآن رغبةً إلى غيره. ألا لاخير في قراءة لا تدبر فيها، ألا لاخير في عبادة لا فقه فيها، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه»(3).

قلب العالم

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لا يكون السفه والغرة في قلب العالم»(4).

ص: 158


1- الكافي: ج1 ص30 باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه ح4.
2- وسائل الشيعة: ج27 ص18 ب3 ح33093.
3- مشكاة الأنوار: ص137-138 ب3 ف8.
4- الكافي: ج1 ص36 باب صفة العلماء ح5.

علائم العالم

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن للعالم ثلاث علامات: العلم والحلم والصمت. وللمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه بالمعصية، ويظلم من دونه بالغلبة، ويظاهر الظلمة»(1).

من حق العالم

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) يقول: إن من حق العالم أن لاتكثر عليه السؤال، ولا تجر بثوبه، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلّم عليهم جميعاً وخصه بالتحية دونهم، واجلس بين يديه، ولا تجلس خلفه، ولا تغمز بعينيك، ولا تشر بيدك، ولا تكثر من قول قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله، ولا تضجر بطول صحبته؛ فإنما مثل العالم مثل النخلة ينتظر بها متى يسقط عليك منها شيء، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة»(2).

العالم غير العامل

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - في كلام له خطب به على المنبر -:

«أيها الناس، إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلّكم تهتدون، إن العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله؛ بل قد رأيت أن الحجة عليه أعظم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما حائر بائر.

ص: 159


1- منية المريد: ص183 ب1 ن2 ق1 الرابع.
2- بحار الأنوار: ج2 ص43 ب10 ح9.

لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا، ولا تدهنوا في الحق فتخسروا. وإن من الحق أن تفقهوا، ومن الفقه أن لا تغتروا. وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وأغشكم لنفسه أعصاكم لربه، ومن يطع اللّه يأمن ويستبشر، ومن يعص اللّه يخب ويندم»(1)..

ص: 160


1- الكافي: ج1 ص45 باب استعمال العلم ح6.

35

التعددية

كانت سياسة أمير المؤمنين (عليه السلام) على احترام التعددية وعدم إلغاء الآخرين، وإن كانوا مخالفين ومنافقين، حيث فسح الإمام (عليه السلام) لهم المجال ولم يحاربهم إلاّ بعد ما حاربوه.

ويظهر ذلك من قصص عديدة مروية في التاريخ، كقصة ابن الكوا وغيره.

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن علياً (عليه السلام) كان في صلاة الصبح، فقرأ ابن الكواء وهو خلفه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1). فأنصت علي (عليه السلام) تعظيماً للقرآن حتى فرغ من الآية ثم عاد (عليه السلام) في قراءته.

ثم أعاد ابن الكواء الآية، فأنصت علي (عليه السلام) أيضاً ثم قرأ..

فأعاد ابن الكواء فأنصت علي (عليه السلام) ، ثم قال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ}(2). ثم أتم السورة ثم ركع»(3).

وترك الإمام (عليه السلام) ابن الكواء وشأنه.

ص: 161


1- سورة الزمر: 65.
2- سورة الروم: 60.
3- وسائل الشيعة: ج8 ص367 ب34 ح10923.

36

الحريات الإسلامية

كانت حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) نموذجاً للحريات الإسلامية، فالأمة حرة في أعمالها، وتجارتها، وسفرها، وحضرها، وفي جميع نشاطاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها، إلاّ في المحرمات الشرعية وهي قليلة.

ومن هنا لم يمنع الإمام (عليه السلام) طلحة والزبير من سفرهما حيث ادعيا أنهما يريدان العمرة، مع أن الإمام (عليه السلام) كان يعلم بأنها يريدان الغدرة(1).

وقد كان الناس في عصر الإمام (عليه السلام) يسافرون من مختلف البلدان إلى الكوفة ومنها إلى سائر البلدان، ويقيم من شاء في أي بلد شاء، وحتى لم يمنع الكفار من السفر، من وإلى البلد الإسلامي الكبير.

وكذلك لم يمنع أحد من أي نشاط سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو غير ذلك.

وقد سبق قصة صلاة التراويح وتركه (عليه السلام) الناس على ما أرادوا.

إن الإسلام جاء بمبادئ ومقررات لم يسبقه إليها أحد. وقد شرّعها رب العالمين لسعادة البشر وإسعاد العالم بما تحتاج إليه النفس البشرية، فجاءت

ص: 162


1- راجع (حرب الجمل) في هذا الكتاب.

متطابقة تماماً مع الفطرة الإنسانية التي جبلها اللّه تعالى على الحرية والأخوة والمحبة والعمل والتقدم ورفض القيود وغيرها.

ولكن أكثر المسلمين اليوم، ونتيجة لابتعادهم عن الإسلام والإعراض عن منهج القرآن تناسوا ما قرره الإسلام من قوانين ومقررات تغنيهم عن الآخرين وتجعلهم أسياداً في دنياهم وأخراهم، فأخذوا يخطبون خبطاً عشواء بأن أخذوا قوانينهم ومقرراتهم من الغرب والشرق، فمرة من الشيوعية ومرة من الاشتراكية ومرة من الرأسمالية ومرة من القومية ومرة من البعثية وهلمّ جراً، والنتيجة كلها عيش ضنك وقيود مكبلة وقوانين كابتة واقتصاد مريض وأراض بائرة وتجارة خاسرة وغير ذلك.

لقد شرّع الإسلام مبدأ الحريات الإسلامية، حيث قال عزوجل: {هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ مّا فِي الأرْضِ جَمِيعاً}(1).

وقال تعالى في وصف نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(2)، فكان من أهم مهمات الرسول الأكرم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بعثته الكريمة رفع كل القيود والأغلال التي تحدّ من حرية البشر؛ لأن الإسلام دين الحرية والتحرر، فقد أعطى الإنسانَ كامل الحرية يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء. فأعطاه الحرية في الفكر والعقيدة، والعمل والاكتساب، وطلب العلم والدراسة، والبناء والعمران وغيرها كثير.

كما أعطاه الحرية بإقامة التجمعات والمنظمات والأحزاب السياسية، وإبداء

ص: 163


1- سورة البقرة: 29.
2- سورة الأعراف: 157.

الآراء وإعلان الانتقادات وتقديم الأطروحات البناءة عبر كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.

وبعبارة أخرى فإن الإسلام يضمن لكل الناس حرياتهم المشروعة الأعم من الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

وقد عاش المسلمون الأوائل في ظل هذه النعمة وتنعموا بها، ولذا رأيناهم تقدموا سريعاً وأصبحوا سادة العالم، بينما نرى المسلمين اليوم يتقهقرون يوماً بعد يوم.

ص: 164

37

حقوق المعارضة

اشارة

كانت المعارضة تتمتع في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) بكامل حرياتها، وهذه نماذج من ذلك:

مع المتخلفين عن البيعة

عند بايع عمومُ الناس أميرَ المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، تخلف عنه البعض أو تأخر في بيعته، فلم يجبرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) على البيعة وإنما تركهم وشأنهم.. ذكر المؤرخون: إنه جاؤوا بسعد بن أبي وقاص، فقال علي (عليه السلام) : «بايع». فقال: «حتى يبايع الناس، واللّه ما عليك مني بأس». فقال (عليه السلام) : «خلوا سبيله».

وجاءوا بابن عمر، فقالوا: بايع. قال: «لا حتى يبايع الناس». قال (عليه السلام) : «ائتني بكفيل». قال: «لا أرى كفيلاً». قال الأشتر: دعني أضرب عنقه. قال علي (عليه السلام) : «دعوه أنا كفيله، إنك ما علمت لسيء الخلق صغيراً وكبيراً».

وقيل: لما بايعت الأنصار تخلف نفر يسير، منهم: كعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، ومحمد بن مسلمة، ورافع بن خديج، وكعب بن عجرة.

وقيل: إنه لم يبايعه عبد اللّه بن سلام، وصهيب بن سنان، وسلمة بن سلامة بن وقش، وقدامة بن مظعون، والمغيرة بن شعبة(1).

ص: 165


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج3 ص82 ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية عام 1415ه/1995م.

فتركهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وشأنهم، ثم إنه بايعه معظمهم بعد ذلك.

مع الطلحة والزبير

قال علي (عليه السلام) للزبير يوم بايعه: «إني لخائف أن تغدر بي وتنكث بيعتي». قال: لا تخافن؛ فإن ذلك لا يكون مني أبداً. فقال (عليه السلام) : «فلي اللّه عليك بذلك راع وكفيل». قال: نعم اللّه لك عليَّ بذلك راع وكفيل(1).

واكتفى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا المقدار وتركه وشأنه.

وروي: أنه دخل الزبير وطلحة على علي (عليه السلام) فاستأذناه في العمرة. فقال (عليه السلام) : «ما العمرة تريدان». فحلفا له باللّه أنهما ما يريدان غير العمرة. فقال (عليه السلام) لهما: «ما العمرة تريدان، وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة». فحلفا باللّه ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان، وما رأيهما غير العمرة. قال (عليه السلام) لهما: «فأعيدا البيعة لي ثانية». فأعاداها بأشدّ ما يكون من الإيمان والمواثيق، فأذن لهما. فلما خرجا من عنده قال (عليه السلام) لمن كان حاضراً: «واللّه لا ترونهما إلاّ في فتنة يقتتلان فيها». قالوا: يا أمير المؤمنين، فمر بردهما عليك.

قال (عليه السلام) : «{لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً}(2)».

وهكذا كان (عليه السلام) يترك المعارضة ليعملوا ما شاؤوا...(3).

ص: 166


1- شرح نهج البلاغة: ج1 ص230.
2- سورة الأنفال: 42و44.
3- للتفصيل انظر شرح نهج البلاغة: ج1 ص232-233 أمر طلحة والزبير مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد بيعتهما له.

بدعة التراويح

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة، أمر الحسن بن علي (عليه السلام) أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة.

فنادى في الناس الحسن بن علي (عليه السلام) بما أمره به أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا: واعمراه واعمراه.

فلما رجع الحسن (عليه السلام) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له: ما هذا الصوت؟.

فقال: يا أمير المؤمنين، الناس يصيحون وا عمراه وا عمراه.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قل لهم صلوا»(1).

هذه بهذه

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بشر بن عطارد التميمي في كلام بلغه. فمر به رسول أمير المؤمنين (عليه السلام) في بني أسد وأخذه، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته. فبعث إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتوه به وأمر به أن يضرب. فقال له نعيم: أما واللّه إن المقام معك لذل، وإن فراقك لكفر - قال - فلما سمع ذلك منه قال له: يا نعيم، قد عفونا عنك إن اللّه عزوجل يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}(2)، أما قولك: إن المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها، وأما قولك: إن فراقك لكفر فحسنة اكتسبتها، فهذه بهذه، ثم أمر أن يخلى عنه»(3).

ص: 167


1- تهذيب الأحكام: ج3 ص70 ب4 ح30.
2- سورة المؤمنون: 96.
3- الكافي: ج7 ص268 باب النوادر ح40.

عفو عن ذنب

روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان جالساً في أصحابه، فمرت بهم امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم. فقال (عليه السلام) : «إن أبصار هذه الفحول طوامح؛ وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته». فقال رجل من الخوارج: قاتله اللّه كافراً ما أفقهه. فوثب القوم ليقتلوه، فقال (عليه السلام) : «رويداً إنما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب»(1). وعفى (عليه السلام) عنه.

مع أسرى الجمل

ذكر المؤرخون: أنه أسر مالك الأشتر يوم الجمل مروان بن الحكم فعاتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأطلقه.

وقالت عائشة يوم الجمل: ملكت فأسجح. فعفى أمير المؤمنين (عليه السلام) عنها وجهزها أحسن الجهاز، وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين.

واستأمنت عائشة لعبد اللّه بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر، فآمنه وآمن معه سائر الناس.

وجيء بموسى بن طلحة بن عبيد اللّه، فقال له: «قل: أستغفر اللّه وأتوب إليه ثلاث مرات». وخلى سبيله وقال: «اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتق اللّه فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك»(2).

ص: 168


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم420.
2- المناقب: ج2 ص114 فصل في حلمه وشفقته.

مع أسرى الشام

عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «كان علي (عليه السلام) إذا أخذ أسيراً في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته واستحلفه أن لا يعين عليه»(1)

ثم تركه.

ص: 169


1- بحار الأنوار: ج41 ص50 ب104 ح3.

38

المرأة وحقوقها

اشارة

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي كثيراً بالمرأة وحقوقها، حتى أنه قال في وصيته الأخيرة وذلك عندما ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه):«اللّه اللّه في النساء وفيما ملكت أيمانكم؛ فإن آخر ما تكلم به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم»(1).

مع المرأة وأيتامها

رأى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يوماً امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة وحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها. فقالت: بعث علي بن أبي طالب (عليه السلام) صاحبي إلى بعض الثغور، فقُتل وترك عليَّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس.

فانصرف علي (عليه السلام) وبات ليلته قلقاً، فلما أصبح حمل زبيلاً فيه طعام. فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك؟.

فقال (عليه السلام) : «من يحمل وزري عني يوم القيامة».

فأتى (عليه السلام) وقرع الباب، فقالت: من هذا؟.

ص: 170


1- الكافي: ج7 ص52 باب صدقات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) ووصاياهم ح7.

قال (عليه السلام) : «أنا ذلك العبد الذي حمل معكِ القربة فافتحي؛ فإن معي شيئاً للصبيان.

فقالت: رضي اللّه عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب!.

فدخل (عليه السلام) وقال: «إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لأخبز أنا».

فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصبيان فعللهم حتى أفرغ من الخبز. فعمدَت إلى الدقيق فعجنته، وعمد علي (عليه السلام) إلى اللحم فطبخه، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره، فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئاً قال له: «يا بني، اجعل علي بن أبي طالب في حل مما مر في أمرك».

فلما اختمر العجين قالت: يا عبد اللّه، سجر التنور. فبادر لسجره، فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: «ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الأرامل واليتامى».

فرأته امرأة تعرفه، فقالت: ويحكِ هذا أمير المؤمنين!.

قال: فبادرت المرأة وهي تقول: «وا حياي منك يا أمير المؤمنين».

فقال (عليه السلام) : «بل وا حياي منكِ يا أمة اللّه فيما قصرت في أمركِ»(1).

مع جارية تبكي

عن مختار التمار، قال: كنت أبيت في مسجد الكوفة، وأنزل في الرحبة، وآكل الخبز من البقال - وكان من أهل البصرة - فخرجت ذات يوم فإذا رجل يصوت بي: «ارفع إزارك؛ فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك». فقلت: من هذا؟.

ص: 171


1- المناقب: ج2 ص115-116 فصل في حلمه وشفقته.

فقيل: علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

فخرجت أتبعه وهو متوجه إلى سوق الإبل، فلما أتاها وقف وقال: «يا معشر التجار، إياكم واليمين الفاجرة؛ فإنها تنفق السلعة، وتمحق البركة».

ثم مضى (عليه السلام) حتى أتى إلى التمارين، فإذا جارية تبكي على تمار. فقال (عليه السلام) : «ما لكِ؟».

قالت: إني أمة أرسلني أهلي أبتاع لهم بدرهم تمراً، فلما أتيتهم به لم يرضوه، فرددته فأبى أن يقبله.

فقال (عليه السلام) : «يا هذا، خذ منها التمر وردّ عليها درهمها».

فأبى، فقيل للتمار: هذا علي بن أبي طالب. فقبل التمر وردّ الدرهم على الجارية، وقال: ما عرفتك يا أمير المؤمنين فاغفر لي.

فقال (عليه السلام) : «يا معشر التجار، اتقوا اللّه وأحسنوا مبايعتكم يغفر اللّه لنا ولكم»، ثم مضى(1).

زوجي ظلمني

عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «رجع علي (عليه السلام) إلى داره في وقت القيظ، فإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني وأخافني وتعدى عليَّ، وحلف ليضربني!.

فقال (عليه السلام) : يا أمة اللّه، اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معكِ إن شاء اللّه.

فقالت: يشتد غضبه وحرده عليَّ.

فطأطأ (عليه السلام) رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا واللّه أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع، أين منزلكِ؟.

ص: 172


1- مكارم الأخلاق: ص100 ب6 ف1 في الدعاء عند اللبس.

فمضى (عليه السلام) إلى بابه فوقف فقال (عليه السلام) : السلام عليكم.

فخرج شاب، فقال علي (عليه السلام) : يا عبد اللّه، اتق اللّه فإنك قد أخفتها وأخرجتها.

فقال الفتى: وما أنت وذاك؟ واللّه لأحرقنها لكلامك!!.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر، تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف!.

قال: فأقبل الناس من الطرق ويقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين.

فسقط الرجل في يديه، فقال: يا أمير المؤمنين، أقلني عثرتي فو اللّه لأكون لها أرضاً تطؤني.

فأغمد علي (عليه السلام) سيفه وقال: يا أمة اللّه، ادخلي منزلكِ ولا تلجئي زوجكِ إلى مثل هذا وشبه»(1).

روايات في المرأة

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»(2).

وقال (عليه السلام) : «إنما النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه»(3).

وهذا كناية عن ضعفهن ولزوم مداراتهن؛ فإن العرب تقول - في الإنسان إذا كان ضعيفاً -: إنه لحم على وضم.

وقال (عليه السلام) : «إن النساء عند الرجال لا يملكن لأنفسهن ضراً ولا نفعاً، وإنهن

ص: 173


1- مستدرك الوسائل: ج12 ص337 ب40 ح14223.
2- الكافي: ج5 ص510 باب إكرام الزوجة ح3.
3- الجعفريات: ص95 باب فضل الغيرة.

أمانة اللّه عندكم فلا تضاروهن ولا تعضلوهن»(1).

وقال (عليه السلام) : «إنما المرأة لعبة فمن اتخذها فليغطها»(2).

وقال (عليه السلام) : «صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها»(3).

ص: 174


1- مستدرك الوسائل: ج14 ص251 ب66 ح16622.
2- غرر الحكم ودرر والكلم: ص408 ق6 ب1 ف4 ح9369.
3- غرر الحكم ودرر والكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوجة ح9286.

39

الشعائر الدينية

أكد أمير المؤمنين (عليه السلام) على ضرورة إقامة الشعائر الدينية، وذلك في العديد من خطبه وكلماته ومواقفه، فقد خطب (عليه السلام) يوم الفطر، فقال:

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ - إلى أن قال - وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهِ، مِنْ إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ»(1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث - قال: «وَأَمَّا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَزَوَجَلَّ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كِتَابِهِ فَدَعَائِمُ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ خَمْسُ دَعَائِمَ وَعَلَى هَذِهِ الْفَرَائِضِ بُنِيَ الإِسْلاَمُ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةَ حُدُودٍ لاَ يَسَعُ أَحَداً جَهْلُهَا، أَوَّلُهَا الصَّلاَةُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ، ثُمَّ الصِّيَامُ، ثُمَّ الْحَجُّ، ثُمَّ الْوَلاَيَةُ، وَهِيَ خَاتِمَتُهَا وَالْحَافِظَةُ لِجَمِيعِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ»(2).

وعن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : من شهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان مؤمناً؟.

ص: 175


1- وسائل الشيعة: ج1 ص20 ب1 ح19.
2- وسائل الشيعة: ج1 ص27-28 ب1 ح35.

قال: فأين فرائض اللّه»(1).

وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : «أن علياً (عليه السلام) أمر الناس بإقامة أربع: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ويتموا الحج والعمرة لله جميعاً»(2).

وعن سليم بن قيس، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسأله رجل عن الإيمان - إلى أن قال - قال له: يا أمير المؤمنين، ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمناً، وأدنى ما يكون به كافراً، وأدنى ما يكون به ضالاً؟.

قال (عليه السلام) : «قد سألت فاسمع الجواب، أدنى ما يكون به مؤمناً أن يعرفه اللّه نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية، وأن يعرفه نبيه فيقر له بالنبوة وبالبلاغة، وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة»(3).

ص: 176


1- الكافي: ج2 ص33 باب ح2.
2- الجعفريات: ص67-68 باب الرجل يموت ولم يحج وفضل الحج.
3- كتاب سليم بن قيس: ص615 ح 8.

40

الصلاة

أكد أمير المؤمنين (عليه السلام) على الصلاة وأهميتها والحث عليها.

قال علي (عليه السلام) وهو يوصي أصحابه: «تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلاَةِ وَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَتَقَرَّبُوا بِهَا؛ فَإِنَّهَا {كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}(1)، أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}(2)، وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ، وَتُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ الرِّبَقِ، وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ، وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لاَ تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ، وَلاَ قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَلاَ مَالٍ، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكاةِ}(3)، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نَصِباً بِالصَّلاَةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ له بِالْجَنَّةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}(4)، فَكَانَ يَأْمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا

ص: 177


1- سورة النساء: 103.
2- سورة المدثر: 42-43.
3- سورة النور: 37.
4- سورة طه: 132.

نَفْسَهُ»(1).

وفي حرب صفين عند ما كان علي (عليه السلام) مشتغلاً بالحرب والقتال، وهو مع ذلك بين الصفين يرقب الشمس، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين، ما هذا الفعل؟. فقال (عليه السلام) : «أنظر إلى الزوال حتى نصلي». فقال له ابن عباس: وهل هذا وقت صلاة! إن عندنا لشغلاً بالقتال عن الصلاة. فقال (عليه السلام) : «على ما نقاتلهم، إنما نقاتلهم على الصلاة»(2).

ص: 178


1- نهج البلاغة، الخطب: رقم199 ومن كلام له (عليه السلام) كان يوصي به أصحابه.
2- إرشاد القلوب: ج2 ص217 في فضائل ومناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغزواته (عليه السلام) .

41

الشعائر الحسينية

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كأخيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد أخبر بمقتل ولده الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء وبكى وأبكى لذلك.

عن عبد اللّه بن قيس، قال: كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين، وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس. فشكا المسلمون العطش، فأرسل فوارس على كشفه، فانحرفوا خائبين فضاق صدره. فقال له ولده الحسين (عليه السلام) : «أمضي إليه يا أبتاه؟».

فقال (عليه السلام) : «امض يا ولدي». فمضى مع فوارس فهزم أبا أيوب عن الماء، وبنى خيمته وحط فوارسه وأتى إلى أبيه وأخبره، فبكى علي (عليه السلام) ! فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، وهذا أول فتح ببركة الحسين (عليه السلام) ؟.

فقال: «ذكرت أنه سيُقتل عطشاناً بطف كربلاء حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول: الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها»(1).

وعن ابن عباس، قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في خرجته إلى صفين، فلما نزل بنينوى - وهو بشط الفرات - قال بأعلى صوته: «يا ابن عباس، أتعرف هذا الموضع؟. قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين؟.

ص: 179


1- بحار الأنوار: ج44 ص266 ب31 ح23.

فقال (عليه السلام) : «لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي!».

قال: فبكى (عليه السلام) طويلاً حتى أخضلت لحيته، وسالت الدموع على صدره وبكينا معاً وهو يقول: «أوه أوه ما لي ولآل أبي سفيان، ما لي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبراً يا أبا عبد اللّه، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم». ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة، فصلى ما شاء اللّه أن يصلي - ثم ذكر نحو كلامه الأول - إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ثم انتبه. فقال: «يا ابن عباس». فقلت: ها أنا ذا. فقال: «ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟». فقلت: نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين.

قال: «رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع، وقد خطوا حول هذه الأرض خطة، ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط، وكأني بالحسين (عليه السلام) سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث، وكان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون: صبراً آل الرسول؛ فإنكم تُقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنة يا أبا عبد اللّه إليك مشتاقة. ثم يعزونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشر فقد أقر اللّه به عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا، والذي نفس علي بيده لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء يُدفن فيها الحسين (عليه السلام) وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة (عليها السلام) ، وإنها لفي السماوات معروفة تُذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس».

ثم قال لي: «يا ابن عباس، اطلب في حولها بعر الظباء، فو اللّه ما كذبت ولا

ص: 180

كذبت وهي مصفرة لونها لون الزعفران».

قال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي.

فقال علي (عليه السلام) : «صدق اللّه ورسوله»، ثم قام (عليه السلام) يهرول إليها فحملها وشمها وقال: «هي هي بعينها، أتعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار، هذه قد شمها عيسى ابن مريم (عليه السلام) وذلك أنه مر بها ومعه الحواريون فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسى (عليه السلام) وجلس الحواريون معه فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا: يا روح اللّه، وكلمته ما يبكيك؟. قال: أتعلمون أي أرض هذه؟. قالوا: لا. قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرسول أحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وفرخ الحرة الطاهرة البتول (عليها السلام) شبيهة أمي، ويلحد فيها طينة أطيب من المسك؛ لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا يكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض. ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمها وقال: هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها، اللّهم فأبقها أبداً حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة. قال (عليه السلام) : فبقيت إلى يوم الناس هذا وقد اصفرت لطول زمنها وهذه أرض كرب وبلاء».

ثم قال (عليه السلام) بأعلى صوته: «يا رب عيسى ابن مريم، لا تبارك في قتلته والمعين عليه والخاذل له». ثم بكى بكاء طويلاً وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلاً، ثم أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك، ثم قال: «يا ابن عباس، إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً ويسيل منها دم عبيط، فاعلم أن أبا عبد اللّه قد قتل بها ودفن».

ص: 181

قال ابن عباس: فو اللّه لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض اللّه عزوجل عليَّ، وأنا لا أحلها من طرف كمي، فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا هي تسيل دماً عبيطاً، وكان كمي قد امتلأ دماً عبيطاً، فجلست وأنا باك وقلت: قد قُتل واللّه الحسين، واللّه ما كذبني علي (عليه السلام) قط في حديث حدثني، ولا أخبرني بشيء قط أنه يكون إلا كان كذلك؛ لأن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر فرأيت واللّه المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين، ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط، فجلست وأنا باك فقلت: قد قُتل واللّه الحسين، وسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول:

اصبروا آل الرسول***قتل الفرخ النحول

نزل الروح الأمين***ببكاء وعويل

ثم بكى بأعلى صوته وبكيت فأثبت عندي تلك الساعة، وكان شهر المحرم يوم عاشوراء لعشر مضين منه، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: واللّه لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة، ولا ندري ما هو فكنا نرى أنه الخضر (عليه السلام) (1).

وعن أصبغ بن نباتة، قال: بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب الناس وهو يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني، فو اللّه لا تسألوني عن شيء مضى ولا عن شيء يكون إلاّ نبأتكم به». فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة؟. فقال له: «أما واللّه لقد سألتني عن

ص: 182


1- كمال الدين: ج2 ص532-535 ب48 ح 1.

مسألة حدثني خليلي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنك ستسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلاّ وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني»، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه(1).

وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، عن أبيه (عليه السلام) ، قال: «مر علي (عليه السلام) بكربلاء في اثنين من أصحابه - قال - فلما مر بها ترقرقت عيناه للبكاء، ثم قال: هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، ها هنا تهراق دماؤهم، طوبى لكِ من تربة عليك تهراق دماء الأحبة»(2).

وعن أبي عبد اللّه الجدلي، قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسين إلى جنبه، فضرب بيده على كتف الحسين (عليه السلام) ثم قال: «إن هذا يُقتل ولاينصره أحد». قال: قلت: يا أمير المؤمنين، واللّه إن تلك لحياة سوء. قال: «إن ذلك لكائن»(3).

وعن هانئ بن هانئ، عن علي (عليه السلام) ، قال: «ليقتل الحسين قتلاً، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريباً من النهرين»(4).

وروي في (كامل الزيارات): أنه قالت زينب (عليها السلام) : فلما ضرب ابن ملجم (لعنه اللّه) أبي (عليه السلام) ، ورأيت عليه أثر الموت منه قلت له: يا أبة، حدثتني أم أيمن بكذا وكذا(5)، وقد أحببت أن أسمعه منك؟.

فقال (عليه السلام) : «يا بنية، الحديث كما حدثتك أم أيمن، وكأني بكِ وبنساء أهلكِ

ص: 183


1- بحار الأنوار: ج42 ص146-147 ب124 ح6، والبحار: ج44 ص256 ب31 ح5.
2- قرب الإسناد: ص14.
3- كامل الزيارات: ص71 ب23.
4- بحار الأنوار: ج44 ص262 ب31 ح16.
5- أي بقصة عاشوراء ومقتل الإمام الحسين (عليه السلام) .

سبايا بهذا البلد، أذلاء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبراً صبراً فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم. ولقد قال لنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين أخبرنا بهذا الخبر: إن إبليس (لعنه اللّه) في ذلك اليوم يطير فرحاً، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول: يا معاشر الشياطين، قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم النار، إلاّ من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ولا ينجو منهم ناج، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح، ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر»(1).

وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «كأني بالقصور قد شيدت حول قبر الحسين (عليه السلام) وكأني بالحامل تخرج من الكوفة إلى قبر الحسين ولا تذهب الليالي والأيام حتى يسار إليه من الآفاق وذلك عند انقطاع ملك بني مروان»(2).

ص: 184


1- كامل الزيارات: ص265-266 ب88.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2 ص48 ب31 ح190.

42

دعاء الفرج

روي: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) جاء إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يشكو إليه الحاجة. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ألا أعلمك كلمات أهداهن إليَّ جبرئيل... ما دعا بهن مكروب ولا ملهوف، ولا مهموم ولا مغموم، ولا من يخاف سلطاناً ولا شيطاناً إلا كفاه اللّه عزوجل، وهي:

يَا عِمَادَ مَنْ لا عِمَادَ لَهُ، وَيَا سَنَدَ مَنْ لا سَنَدَ لَهُ، وَيَا ذُخْرَ مَنْ لا ذُخْرَ لَهُ، وَيَا حِرْزَ مَنْ لا حِرْزَ لَهُ، وَيَا فَخْرَ مَنْ لا فَخْرَ لَهُ، وَيَا رُكْنَ مَنْ لا رُكْنَ لَهُ، يَا عَظيمَ الرّجَاءِ، يَا عِزَّ الضُّعَفَاءِ، يَا مُنْقِذَ الْغَرْقَى، يَا مُنْجِيَ الْهَلْكَى، يَا مجُمِلُ يَا مُنْعِمُ يَا مُفْضِلُ، أسْألُ اللّهَ الّذِي لا إلَهَ إلاّ أنْتَ، الّذِي سَجَدَ لَكَ سَوَادُ اللّيْلِ، وَضَوْءُ النَّهَارِ، وَشُعَاعُ الشَّمْسِ، وَنُورُ الْقَمَرِ، وَدَوِيُّ الماءِ، وَحَفِيفُ الشَّجَرِ، يَا اللّهُ يَا رَحْمَانُ، يَا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ».

وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يسمي هذا: «دعاء الفرج»(1).

ص: 185


1- الجعفريات: ص248 كتاب الرؤيا.

43

صفة المؤمن

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «قام رجل يقال له همام - وكان عابداً ناسكاً مجتهداً - إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين، صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه؟.

فقال (عليه السلام) : يا همام، المؤمن هو الكيّس الفطن، بُشره في وجهه، وحُزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذل شيء نفساً، زاجرٌ عن كل فان، حاضٌ على كل حسن، لا حقود ولا حسود، ولا وثاب ولا سباب، ولا غياب ولا مرتاب، يكره الرفعة، ويشنأ السُمعة، طويل الغمّ، بعيد الهمّ، كثير الصمت، وقور ذكور، صبورٌ شكور، مغموم بفكره، مسرور بفقره، سهل الخليقة، لين العريكة، رصين الوفاء، قليل الأذى، لا متأفك ولا متهتك، إن ضحك لم يخرق، وإن غضب لم ينزق، ضحكه تبسم، واستفهامه تعلم، ومراجعته تفهم، كثير علمه، عظيم حلمه، كثير الرحمة، لا يبخل ولا يعجل، ولا يضجر ولايبطر، ولا يحيف في حكمه، ولا يجور في علمه، نفسه أصلب من الصلد، ومكادحته أحلى من الشهد، لا جشع ولا هلع، ولا عنف ولا صلف، ولا متكلف ولا متعمق، جميل المنازعة، كريم المراجعة، عدل إن غضب، رفيق إن طلب، لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر، خالص الود، وثيق العهد، وفيّ العقد،

ص: 186

شفيقٌ وصول، حليمٌ خمول، قليل الفضول، راض عن اللّه عزوجل، مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ناصر للدين، محام عن المؤمنين، كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه، ولا ينكي الطمع قلبه، ولا يصرف اللعب حكمه، ولا يطلع الجاهل علمه، قوّال عمّال، عالم حازم، لا بفحاش ولا بطياش، وصول في غير عنف، بذول في غير سرف، لابختّال ولا بغدّار، ولا يقتفي أثراً، ولا يحيف بشراً، رفيق بالخلق، ساع في الأرض، عون للضعيف، غوث للملهوف، لا يهتك ستراً، ولا يكشف سراً، كثير البلوى، قليل الشكوى، إن رأى خيراً ذكره، وإن عاين شراً ستره، يستر العيب ويحفظ الغيب، ويقيل العثرة ويغفر الزلة، لا يطلع على نصح فيذره، ولايدع جنح حيف فيصلحه، أمين رصين، تقي نقي، زكي رضي، يقبل العذر ويجمل الذكر، ويحسن بالناس الظن، ويتهم على العيب نفسه، يحب في اللّه بفقه وعلم، ويقطع في اللّه بحزم وعزم، لا يخرق به فرح، ولا يطيش به مرح، مذكر للعالم، معلم للجاهل، لا يتوقع له بائقة، ولا يخاف له غائلة، كل سعي أخلص عنده من سعيه، وكل نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه، شاغل بغمه، لا يثق بغير ربه، غريب وحيد حزين، يحب في اللّه، ويجاهد في اللّه ليتبع رضاه، ولا ينتقم لنفسه بنفسه، ولا يوالي في سخط ربه، مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل الصدق، مؤازر لأهل الحق، عون للغريب، أب لليتيم، بعل للأرملة، حفي بأهل المسكنة، مرجو لكل كريمة، مأمول لكل شدة، هشاش بشاش، لا بعباس ولا بجساس، صليب كظّام بسّام، دقيق النظر، عظيم الحذر، لا يبخل، وإن بخل عليه صبر، عقل فاستحيا، وقنع فاستغنى، حياؤه يعلو شهوته، وودّه يعلو حسده، وعفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، ولايلبس إلاّ الاقتصاد، مشيه

ص: 187

التواضع، خاضع لربه بطاعته، راض عنه في كل حالاته، نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة، نظره عبرة، وسكوته فكرة، وكلامه حكمة، مناصحاً متباذلاً متواخياً، ناصح في السر والعلانية، لا يهجر أخاه، ولا يغتابه ولا يمكر به، ولا يأسف على ما فاته، ولا يحزن على ما أصابه، ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، ولا يفشل في الشدة، ولا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم، والعقل بالصبر، تراه بعيداً كسله، دائماً نشاطه، قريباً أمله، قليلاً زلله، متوقعاً لأجله، خاشعاً قلبه، ذاكراً ربه، قانعة نفسه، منفياً جهله، سهلاً أمره، حزيناً لذنبه، ميتةً شهوته، كظوماً غيظه، صافياً خلقه، آمناً منه جاره، ضعيفاً كبره، قانعاً بالذي قدر له، متيناً صبره، محكماً أمره، كثيراً ذكره، يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم، لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، فأراح الناس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتى يكون اللّه الذي ينتصر له، بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده تكبراً ولا عظمة، ولا دنوه خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن بعده من أهل البر.

قال: فصاح همام صيحة، ثم وقع مغشياً عليه»(1).

ص: 188


1- الكافي: ج2 ص226-230 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح1.

44

الحث على الزواج

أكّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على الزواج وضرورته وأهميته، وحثّ عليه، وكان يزوّج الشباب من بيت المال، ولما أُسرت بنات كسرى وجيء بهن، لم يرض بأن يكنّ إماءً، بل أنزلهن على أمان وقال لهن:«أزوجكن»؟.

قلن: لا إلاّ أن تزوجنا ابنيك؛ فإنا لا نرى لنا كفواً غيرهما.

فقال علي (عليه السلام) : «اذهبا حيث شئتما». فقام نرسا فقال: مر لي بهن؛ فإنها منك كرامة، وبيني وبينهن قرابة، ففعل(1).

وقال علي (عليه السلام) - في حديث الأربعمائة -: «تزوجوا؛ فإن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كثيراً ما كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنتي فليتزوج، فإن من سنتي التزويج. واطلبوا الولد؛ فإني أكاثر بكم الأمم غداً. وتوقوا على أولادكم لبن البغي من النساء والمجنونة؛ فإن اللبن يعدي»(2).

وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «خير نسائكم الخمس. قيل: يا أمير المؤمنين, وما الخمس؟. قال: الهينة اللينة المؤاتية التي إذا

ص: 189


1- راجع بحار الأنوار: ج32 ص357 ب10.
2- الخصال: ج2 ص614-615 علّم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه ح10.

غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمال اللّه وعامل اللّه لا يخيب»(1).

وعن السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما»(2).

وعن علي (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً ونحن عنده: «إذا جاءكم من ترضون خُلُقَه ودينه فزوّجوه. قال: قلت: يا رسول اللّه، وإن كان دنياً في نسبه؟. قال: إذا جاءكم من ترضون خُلُقَه ودينه فزوّجوه؛ إنكم {إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}(3)»(4).

وعن علي (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أحب أن يلقى اللّه تعالى طاهراً مطهراً فليلقاه بزوجته»(5). وعن علي (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كلما ازداد العبد إيماناً ازداد حباً للنساء»(6).

وقال علي (عليه السلام) : «من أساء إلى أهله لم يتصل به تأميل»(7).

وقال (عليه السلام) : «لا يكن أهلك وذو ودك أشقى الناس بك»(8).

ص: 190


1- الكافي: ج5 ص324-325 باب خير النساء ح5.
2- وسائل الشيعة: ج20 ص45 ب12 ح24993.
3- سورة الأنفال: 73.
4- تهذيب الأحكام: ج7 ص394 ب33 ح2.
5- الجعفريات: ص89 باب الترغيب في النكاح.
6- مستدرك الوسائل: ج14 ص157 ب3 ح16365.
7- غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوج ح9276.
8- غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوج ح9279.

وقال (عليه السلام) : «الزوجة الموافقة إحدى الراحتين»(1).

وقال (عليه السلام) : «الأنس في ثلاثة: الزوجة الموافقة، والولد الصالح البار، والأخ الموافق»(2). وقال (عليه السلام) : «أنعم الناس عيشاً من منحه اللّه سبحانه القناعة وأصلح له زوجه»(3). وقال (عليه السلام) : «شر الزوجات من لا تواتي»(4).

وقال (عليه السلام) : «صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها»(5).

ص: 191


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوجة ح9282.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوجة ح9283.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوجة ح9284.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوجة ح9285.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ق6 ب1 ف1 الزوجة ح9286.

45

مع الشباب

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يهتم بالشباب ويحترم مشاعرهم ويسعى في هدايتهم وسعادتهم، ويقضي حوائجهم، ويزوّجهم من بيت المال، ويبني لهم الدور والمحلات ويساعدهم على العمل، ويعلّمهم الأخلاق والآداب الإسلامية.

عن الإمام الباقر (عليه السلام) :

«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى البزازين... فأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين. فقال: يا قنبر، خذ الذي بثلاثة. فقال: أنت أولى به تصعد المنبر وتخطب الناس. فقال: وأنت شاب ولك شره الشباب، وأنا أستحي من ربي أن أتفضل عليك، سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون»(1).

وقال الحسن بن علي (عليه السلام) :

«ورد على أمير المؤمنين (عليه السلام) أخوان له مؤمنان أب وابن. فقام إليهما وأكرمهما، وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين أيديهما. ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وإبريق من خشب ومنديل لليبس. و جاء ليصب على يد الرجل ماء، فوثب أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخذ الإبريق ليصب على يد

ص: 192


1- مستدرك الوسائل: ج3 ص256-257 ب16 ح3525.

الرجل. فتمرغ الرجل في التراب وقال: يا أمير المؤمنين اللّه يراني وأنت تصب الماء على يدي! قال (عليه السلام) : اقعد واغسل يديك؛ فإن اللّه عزوجل يراك وأخاك الذي لا يتميز منك ولا يتفضل عنك، ويزيد بذلك في خدمه في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها.

فقعد الرجل، فقال له علي (عليه السلام) : أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته وبجلته، وتواضعك لله حتى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به من خدمتي لك لما غسلت مطمئناً كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبراً.

ففعل الرجل ذلك.

فلما فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية وقال: يا بني، لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت الماء على يده، ولكن اللّه عزوجل يأبى أن يسوي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صب الأب على الأب، فليصب الابن على الابن.

فصب محمد بن الحنفية على الابن»(1).

ص: 193


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : ص325 التواضع وفضل خدمة الضيف ح 173.

46

في متناول الفقراء

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أكبر حاكم على وجه الأرض، ولكنه بقي كما كان قبل حكومته، فهو دائماً مع الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل، يجالسهم ويؤكل معهم، ويقضي حوائجهم، ويتصدق بما يملك عليهم..

قال المدائني: كانت غلة علي (عليه السلام) أربعين ألف دينار فجعلها صدقة، وباع سيفه وقال: «لو كان عندي عشاء ما بعته»(1).

وروي أنه جاء رجل إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فشكا إليه الجوع. فبعث إلى بيوت أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء. فقال: «من لهذا الرجل الليلة؟». فقال علي ابن أبي طالب (عليه السلام) : «أنا له يا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». وأتى فاطمة (عليها السلام) فقال لها: «ما عندكِ؟». فقالت: «ما عندنا إلاّ قوت الصبية، لكنا نؤثر ضيفنا». فقال علي (عليه السلام) : «نوّمي الصبية وأطفئي المصباح». فلما أصبح علي (عليه السلام) غدا على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى أنزل اللّه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(2))(3).

ص: 194


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ص117 ح68 نشر مؤسسة الأعلمي - بيروت، ط1 عام 1394ه.
2- سورة الحشر: 9.
3- وسائل الشيعة: ج9 ص462 ب42 ح12503.

وعن عبيد، عن رجل من قومه يقال له: الحكم، قال: شهدت علياً وأتي بزقاق من عسل. فدعا اليتامى وقال: «ذبوا والعقوا»، حتى تمنيت أني يتيم. فقسمه بين الناس، وبقي منه زقاً فأمر أن يسقاه أهل المسجد(1).

وعن محمد بن الصمة، عن أبيه، عن عمه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة يقول: «اللّهم ولي المؤمنين، وجار المؤمنين، اقبل قرباني الليلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني؛ فإنك تعلم أني منعت نفسي مع شدة سغبي، أطلب القربة إليك غنماً. اللّهم فلا تخلق وجهي، ولا ترد دعوتي»، فأتيته حتى عرفته فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأتى رجلاً فأطعمه(2).

وفي رواية حذيفة: إن جعفراً أعطى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الفرع من العالية والقطيفة. فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله». وأعطاها علياً (عليه السلام) ، ففصل علي القطيفة سلكاً سلكاً، فباع الذهب فكان ألف مثقال، ففرّقه في فقراء المهاجرين كلها، فلقيه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومعه حذيفة وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد، فسأله النبي (عليه السلام) الغداء. فقال - حياءً -: «نعم» فدخلوا عليه فوجدوا الجفنة(3).

وعن ابن عباس: إن المقداد قال له (عليه السلام) : أنا منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئاً. فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وباع درعه بخمسمائة ودفع إليه بعضها(4).

ص: 195


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ص135-136 ح122 نشر مؤسسة الأعلمي - بيروت..
2- مستدرك الوسائل: ج7 ص215 ب26 ح8074.
3- المناقب: ج2 ص78 فصل في المسابقة بالسخاء والنفقة في سبيل اللّه.
4- بحار الأنوار: ج41 ص31 ب102 ضمن ح1.

47

جهاد النفس ومخالفة الهوى

اشارة

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كأخيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يخالف هواه ويجاهد نفسه، ويروّضها على التقوى، حيث قال (عليه السلام) كما في نهج البلاغة:

«وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى، لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ، وَلَوْ شِئْتُ لاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى؟»(1).

وعن ضرار بن حمزة الضبائي - لما دخل على معاوية فسأله معاوية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - قال:

فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: «يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي، أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ، لاَ حَانَ حِينُكِ هَيْهَاتَ غُرِّي

ص: 196


1- نهج البلاغة، الكتب: 35 ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها، قوله:

غَيْرِي، لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا، فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَطُولِ الطَّرِيقِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ»(1).

وروي: أنه أُتي (عليه السلام) بالمال، فكوم كومة من ذهب وكومة من فضة. فقال: «يا حمراء ويا بيضاء احمري وابيضي وغُرّي غيري»(2).

وفي التاريخ أنه رُئي على علي (عليه السلام) إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم، ورُئي عليه إزار مرقوع. فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام) : «يقتدي به المؤمنون، ويخشع له القلب، وتذل به النفس، ويقصد به المبالغ»(3).

وعن سويد بن غفلة، قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل رغيفاً يكسره برجله، ويلقيه في اللبن يجد ريحه من حموضته. فناديت فضة جارية: ويحكِ أما تتقون اللّه في هذا الشيخ، فتنخلون له طعاماً لما أرى فيه من النخال.

فقال (عليه السلام) : «بأبي وأمي من لم يُنخل له طعام، ولم يشبع من خبز البر حتى قبضه اللّه إليه». وقال (عليه السلام) لعقبة بن علقمة: «يا أبا الحتوف، أدركت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأكل أيبس من هذا، ويلبس أخشن من هذا؛ فإن أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به»(4).

وعن سويد بن غفلة، قال: دخلت عليه - أي على أمير المؤمنين (عليه السلام) - يوم عيد، فإذا عنده فاثور عليه خبز السمراء، وصفحة فيها خطيفة وملبنة. فقلت: يا

ص: 197


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم77.
2- شرح نهج البلاغة: ج19 ص126 نبذ من غريب كلام الإمام علي (عليه السلام) .
3- بحار الأنوار: ج40 ص323 ب98 ضمن ح6.
4- الأنوار العلوية، للشيخ جعفر النقدي: ص113 ب2 ف1 في زهده وعبادته وتقواه.

أمير المؤمنين، يوم عيد وخطيفة؟! فقال (عليه السلام) : «إنما هذا عيد من غفر له»(1).

وعن العرني، قال: وضع خوان من فالوذج بين يديه - أي أمير المؤمنين (عليه السلام) - فوجأ بإصبعه حتى بلغ أسفله، ثم سلها ولم يأخذ منه شيئاً وتلمظ بإصبعه. وقال: «طيب طيب وما هو بحرام، ولكن أكره أن أعود نفسي بما لم أعودها».

وفي خبر عن الصادق (عليه السلام) : «أنه (عليه السلام) مد يده إليه ثم قبضها. فقيل له في ذلك. فقال: ذكرت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه لم يأكله قط فكرهت أن آكله».

وفي خبر آخر عن الصادق (عليه السلام) : «أنه قال له: تحرمه؟.

قال: «لا، ولكن أخشى أن تتوق إليه نفسي - ثم تلا - {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}(2)»(3).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) - في خبر - قال:

«كان - أي أمير المؤمنين (عليه السلام) - ليطعم خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل»(4).

أحاديث في مخالفة الهوى

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «في مجاهدة النفس كمال الصلاح»(5).

وقال (عليه السلام) : «ما من جهاد أفضل من جهاد النفس»(6).

ص: 198


1- بحار الأنوار: ج40 ص325 ب98 ضمن ح7.
2- سورة الأحقاف: 20.
3- مستدرك الوسائل: ج16 ص299 ب72 ح19947.
4- بحار الأنوار: ج40 ص327 ب98 ضمن ح9.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص243 ق3 ب2 ف1 جهاد النفس فضيلته وآثاره ح4935.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: ص243 ق3 ب2 ف1 جهاد النفس فضيلته وآثاره ح4946.

وقال (عليه السلام) : «املكوا أنفسكم بدوام جهادها»(1).

وقال (عليه السلام) : «أقوى الناس من غلب هواه»(2).

وقال (عليه السلام) : «جهاد النفس مهر الجنة»(3).

وقال (عليه السلام) : «قاوم الشهوة بالقمع لها تظفر»(4).

وقال (عليه السلام) : «من لم يجاهد نفسه لم ينل الفوز»(5).

ص: 199


1- غرر الحكم ودرر الكلم: ص241 ق3 ب2 ف1 جهاد النفس فضيلته وآثاره ح4898.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص242 ق3 ب2 ف1 جهاد النفس فضيلته وآثاره ح4902.
3- مستدرك الوسائل: ج11 ص139 ب1 ح12648.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص243 ق3 ب2 ف1 جهاد النفس فضيلته وآثاره ح4937.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: ص243 ق3 ب2 ف1 جهاد النفس فضيلته وآثاره ح4944.

48

تكريم الإنسان

الإنسان بما هو إنسان هو المكرّم في مدرسة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، ولم يفرق في ذلك بين المسلم والكافر، والمخالف والمؤالف.

في الحديث أنه مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ما هذا؟».

فقالوا: يا أمير المؤمنين, نصراني.

قال: فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال»(1).

وعن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه (عليهم السلام) : «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلاً ذمياً. فقال له الذمي: أين تريد يا عبد اللّه؟. فقال (عليه السلام) : أريد الكوفة. فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال له الذمي: ألست زعمت أنك تريد الكوفة!. فقال له: بلى. فقال له الذمي: فقد تركت الطريق. فقال له: قد علمت. قال: فلِمَ عدلت معي وقد علمت ذلك!. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقال له الذمي: هكذا!.

ص: 200


1- تهذيب الأحكام: ج6 ص292-293 ب92 ح18.

قال: قال: نعم. قال الذمي: لا جرم أنما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك أني على دينك.

ورجع الذمي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلما عرفه أسلم»(1).

وكتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض أمرائه على البلاد: «مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ الْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ الْخَرَاجِ وَعُمَّالِ الْبِلاَدِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ الأَذَى، وَصَرْفِ الشَّذَا، وَأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَإِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ إِلاَّ مِنْ جَوْعَةِ الْمُضْطَرِّ لاَ يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ، فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ شَيْئاً ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَارَّتِهِمْ، وَالتَّعَرُّضِ لهمْ فِيمَا اسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ. وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ، وَمَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَا لاَ تُطِيقُونَ دَفْعَهُ إِلاَّ بِاللَّهِ وَبِي، فَأَنَا أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»(2).

وروي: أن المجوس أهدوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر، فقسم السكر بين أصحابه، وحسبها من جزيتهم(3).

ص: 201


1- الكافي: ج2 ص670 باب حسن الصحابة وحق الصاحب في السفر ح5.
2- نهج البلاغة، الرسائل: رقم60 ومن كتاب له (عليه السلام) إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم.
3- بحار الأنوار: ج41 ص118 ب107 ضمن ح25.

49

حق الناس

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد كثيراً على حق الناس، ويأمر برعايته..

قال علي (عليه السلام) - فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان -: «وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ الإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ؛ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ»(1).

وعن أبي صالح - الذي كان يخدم أم كلثوم ابنة علي (عليه السلام) - قال: دخلت على أم كلثوم وهي تمشط وستر بينها وبيني، فجلست أنتظرها حتى تأذن لي، فجاء حسن وحسين (عليهما السلام) فدخلا عليها وهي تمشط، فقالا: «ألا تطعمون أبا صالح شيئاً؟». قالت: بلى. قال: فأخرجوا قصعة فيها مرق بحبوب. فقلت: أتطعموني هذا وأنتم أمراء؟. فقالت أم كلثوم: يا أبا صالح، فكيف لو رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وأتي بأترنج فذهب حسن أو حسين يتناول منه أترنجة، فنزعها من يده ثم أمر به فقسم(2). وعن علي (عليه السلام) أنه جلس يقسم مالاً بين المسلمين، فوقف به شيخ كبير فقال: يا أمير المؤمنين، إني شيخ كبير كما ترى، وأنا مكاتب فأعني

ص: 202


1- نهج البلاغة، الخطب: رقم15 ومن كلام له (عليه السلام) فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان.
2- المصنف، لابن أبي شيبة الكوفي: ج8 ص156 ح7 كلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، نشر دار الفكر، الطبعة الأولى عام 1409ه.

من هذا المال. فقال (عليه السلام) : «واللّه ما هو بكدّ يدي ولا تراثي من الوالد، ولكنها أمانة أرعيتها فأنا أؤديها إلى أهلها، ولكن اجلس». فجلس والناس حول أمير المؤمنين (عليه السلام) فنظر إليهم، فقال (عليه السلام) : «رحم اللّه من أعان شيخاً كبيراً مثقلاً»، فجعل الناس يعطونه(1).

ص: 203


1- دعائم الإسلام: ج2 ص310-311 فصل ذكر المكاتبين ح1171.

50

من هم شيعة علي (عليه السلام) ؟

اشارة

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، أنت وشيعتك هم الفائزون»(1).

فمن هم شيعة علي (عليه السلام) ؟.

الشيعة: هم الموالون لعلي (عليه السلام) المعتقدون بإمامته بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإمامة ذريته من بعده (عليهم السلام) .

وللشيعة صفات، وللتشيع درجات ومراتب، وهناك روايات تشير إلى بعض تلك المراتب العالية: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «يا بني، اعرف منازل شيعة علي (عليه السلام) على قدر روايتهم ومعرفتهم»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن شيعة علي كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة وعلم وحلم، يعرفون بالرهبانية(3)، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد»(4). وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت

ص: 204


1- الأمالي للطوسي: ص551 مجلس20 ح1168.
2- مستدرك الوسائل: ج1 ص84 ب3 ح38، والمستدرك: ج17 ص284 ب8 ح21356
3- أي الزهد في الدنيا.
4- الكافي: ج2 ص233 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح10.

أولئك فأولئك شيعة جعفر»(1).

وقال (عليه السلام) : «اتقوا اللّه وحاسبوا أنفسكم، فإنما كان شيعة علي (عليه السلام) يعرفون بالورع والاجتهاد والمحافظة، ومجانبة الصغائن، والمحبة لأولياء اللّه»(2).

وقال أبو الحسن (عليه السلام) : «إنما شيعة علي من صدَّق قولُه فعلَه»(3).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «يا أبا المقدام، إنما شيعة علي (عليه السلام) الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، متغيرة ألوانهم، مصفرة وجوههم، إذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوا الأرض بجباههم، كثير سجودهم، كثيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزونون»(4).

وفي (تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ): ثم قال اللّه عزوجل: {وإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(5)، قال الإمام (عليه السلام) : «واذكروا إذ آتينا موسى الكتاب، وهو التوراة الذي أخذ على بني إسرائيل الإيمان به والانقياد لما يوجبه، والفرقان آتيناه أيضاً، فُرق به ما بين الحق والباطل، وفُرق ما بين المحقين والمبطلين، وذلك أنه لما أكرمهم اللّه تعالى بالكتاب والإيمان به والانقياد له، أوحى اللّه بعد ذلك إلى موسى (عليه السلام) : يا موسى، هذا الكتاب قد أقروا به، وقد بقي الفرقان فرق ما بين المؤمنين والكافرين والمحقين والمبطلين، فجدد عليهم العهد به، فإني قد آليت على نفسي قسماً حقاً لا أتقبل من أحد إيماناً ولا عملاً

ص: 205


1- وسائل الشيعة: ج1 ص86-87 ب20 ح204، والوسائل: ج15 ص251 ب22 ح20425.
2- بحار الأنوار: ج63 ص493 ب1 ضمن ح40.
3- الكافي: ج8 ص228 حديث يأجوج ومأجوج ح290.
4- وسائل الشيعة: ج1 ص90-91 ب20 ح214.
5- سورة البقرة: 53.

إلاّ مع الإيمان به. قال موسى (عليه السلام) : ما هو يا رب؟.

قال اللّه عزوجل: يا موسى، تأخذ على بني إسرائيل أن محمداً خير البشر وسيد المرسلين، وأن أخاه ووصيه علياً خير الوصيين، وأن أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق، وأن شيعته المنقادين له المسلمين له ولأوامره ونواهيه ولخلفائه نجوم الفردوس الأعلى وملوك جنات عدن»(1).

وقال أميرا لمؤمنين (عليه السلام) : «إن اللّه تعالى اطلع إلى الأرض فاختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أنفسهم وأموالهم فينا، فأولئك منا وهم معنا في الجنان»(2).

من ظلامة الشيعة

شيعة علي (عليه السلام) كانوا مظلومين كإمامهم (عليه السلام) . وستبقى هذه الظلامات ما دامت الأبالسة والشياطين والأحقاد والأضغان التي في صدور أعدائهم.

ويلزم على الشيعة تشكيل لجان ومنظمات حقوقية عالمية لبيان ظلاماتهم والمطالبة بحقوقهم ليردع ذلك الظالمين عن ظلمهم، حتى يأذن اللّه عزوجل لوليه (عليه السلام) بالفرَج ففي فرَجه الفرَج الحقيقي للمظلومين.

كان أبو ذر الغفاري (رحمه اللّه) - صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حقه: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر»(3) - يهتف دائماً بفضائل أمير المؤمنين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويقول:

ص: 206


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : ص252-253 نجاة بني إسرائيل لإقرارهم ولاية محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتجديدها ح123.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص117 ق1 ب5 ف1 في الشيعة ح2049.
3- الاحتجاج: ج1 ص260 احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلاً عليه بآيات من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل.

إنه (عليه السلام) وصي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخليفته.

فنفاه القوم عن حرم اللّه وحرم رسوله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطاء وهو يصيح فيهم: قد خاب القطار بحمل النار، سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين اللّه دخلاً، وعباد اللّه خولاً، ومال اللّه دولاً. فقتلوه فقراً وجوعاً وضراً وصبراً(1).

ص: 207


1- بحار الأنوار: ج22 ص398 ب12 ح4.

51

نهج البلاغة

الشريف الرضي (رحمه اللّه) (1) جمع في (نهج البلاغة) العديد من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) ورسائله وكلماته وحِكَمه، وهي قمة في البلاغة العربية، مضافاً إلى علو المضامين، ذكر فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يرتبط بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأسلوب التعامل مع مختلف الناس. و(نهج البلاغة) - وإن غلب عليه السجع - لكنه أبعد ما يكون عن الصنعة والتكلف، وكثير من كلماته لا يزال جارياً مجرى الأمثال.

كتاب كأن اللّه رصع لفظه***بجوهر آيات الكتاب المنزل

وقد اعترف بفصاحة الإمام (عليه السلام) وبلاغته الصديق والعدو. روي أن محفن بن

ص: 208


1- هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، ولد في بغداد عام 359ه- من أسرة شريفة وأصيلة، يصل نسبه إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام) . يعود نسبه من أبيه إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) ، ومن أمه إلى الإمام السجاد (عليه السلام) . وهو عالم مفكر ذو ذكاء خارق وفهم عال، أسس مدرسة في بغداد قام فيها بتربية وتدريس طلاب العلوم الدينية وفيها مكتبة كبيرة. لقبه بهاء الدولة سنة 388ه- ب- «الشريف الجليل»، ولقب سنة 398ه- ب- «ذي المنقبتين»، وفي تلك السنة لقبه بهاء الدولة ب- «الرضي ذي الحسبين»، ولقبه أيضاً قوام الدين ب- «الشريف الأجل». له مؤلفات قيمة وعلى رأسها جمعه كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب أسماه (نهج البلاغة). توفي عام 406ه- في السابعة والأربعين من عمره، بعد عمر قضاه في خدمة الإسلام والتشيع، ودفن في الروضة الكاظمية المطهرة بجوار قبر الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام) .

أبي محفن قال لمعاوية: جئتك من عند أعيا الناس!! فقال له: ويحك كيف يكون أعيا الناس، فو اللّه ما سن الفصاحة لقريش غيره(1).

ويمتاز كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بخصوصيات عديدة منها:

1. الجمال والفصاحة والانسجام التي لم ير لها نظير، فهو (فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق)(2).

2. التأثير العجيب في النفوس والنفوذ إليها، فلم يختص ذلك بزمانه بل ما زال كلامه وبعد أربعة عشر قرناً له تأثير كبير على كل سامع.

ولقد اعترف أكابر الفصحاء وأعاظم البلغاء بالفخر والاعتزار به، قال نباتة: (حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب (عليه السلام) )(3).

إن الناظر لكلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) يجده قد تكلم في جميع المجالات والمواضيع المتفرقة، فقد تكلم (عليه السلام) في جميع الفنون وتشعبت منها غصون وغصون. (إذ كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها. ومنه (عليه السلام) ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وتقدم وتأخروا؛ لأن كلامه (عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي)(4).

ص: 209


1- بحار الأنوار: ج41 ص146 ب107.
2- نهج الحق وكشف الصدق: ص238 من فضائله النفسانية، الثاني العلم.
3- بحار الأنوار: ج41 ص146 ب107.
4- نهج البلاغة: ص34 مقدمة السيد الشريف الرضي.

ومن يطالع كلماته (عليه السلام) في ميدان من الميادين لا يشك أبداً أن هذه الكلمات قد صدرت ممن أفنى عمره في هذا الميدان، يقول السيد الرضي (رحمه اللّه) : (ومن عجائبه (عليه السلام) التي انفرد بها وأمن المشاركة فيها، أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر إذا تأمله المتأمل، وفكر فيه المتفكر، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره، ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه كلام من لا حظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة. قد قبع في كسر بيت، أو انقطع إلى سفح جبل، لا يسمع إلا حسه، ولا يرى إلا نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه، فيقط الرقاب، ويجدل الأبطال، ويعود به ينطف دماً، ويقطر مهجاً. وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد، وبدل الأبدال، وهذه من فضائله العجيبة، وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد، وألف بين الأشتات)(1).

ونظراً لمكانة ومنزلة الإمام علي (عليه السلام) فإن أصحابه وأتباعه قاموا بحفظ خطبه وكلماته ونقلوها خلفاً عن سلف منذ القرن الأول الهجري، وقد كانت هناك ما يقرب من 120 كتاباً أُلفت قبل (نهج البلاغة) خصص البعض منها بتمامها لإيراد ذلك، واقتصر البعض الآخر على تخصيص جزء من الكتاب لذلك.

وإن أول من جمع كلمات الإمام (عليه السلام) في كتاب مستقل هو أحد أصحابه ويدعى زيد بن وهب (ت 96ه) تحت عنوان: (خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) ). وقد تبعه في ذلك جمع، منهم: إسماعيل بن مهران (ت 200ه)، ونصر بن مزاحم المنقري (ت 202ه)، والواقدي (ت 207ه)، ومسعدة بن صدقة، حيث جمع

ص: 210


1- نهج البلاغة: ص35-36 مقدمة السيد الشريف الرضي.

كل واحد منهم كتاباً في ذلك(1).

ص: 211


1- ثم إن من أسباب ظهور هذا السفر العظيم والأثر الخالد من مآثر أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرن الرابع الهجري دون غيره، الاهتمام الخاص والكبير من قبل الشيعة وعلمائها في حفظ وضبط كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) ، حيث كان القرن الرابع هو قرن بداية الغيبة الكبرى، فقامت الشيعة بخطوات هامة لأجل حفظ المذهب وحفظ التراث العظيم للأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ، وقد كانت حركة الشيعة في هذه الفترة بدرجة عرف فيها القرن الرابع بقرن التأليف والترجمة والتدوين للكتب الإسلامية. وشهد القرن الرابع تشكيل دولة للشيعة في العالم الإسلامي وهي الدولة البويهية، فقد فتح (آل بويه) في سنة 334ه- مدينة بغداد، وأخذ علماء الشيعة بنشر علوم آل محمد (عليهم السلام) ، وقاموا بنشاطات عديدة في هذا المجال. وقد خرج الشيعة من طوق الحصار الذي كان مضروباً عليهم، واستطاعوا ممارسة دورهم وإعلان آرائهم الفكرية بكل حرية. وكان القرن الرابع عصر ازدهار الشعر والأدب الشيعي، وكان السيد الرضي (رحمه اللّه) من الشخصيات البارزة والمشهورة في هذا القرن. وقد ازدهرت المكتبات الشيعية بحيث إن مكتبة السيد المرتضى (رحمه اللّه) في بغداد كانت تحوي ثمانين ألف كتاب، وكانت مكتبة دار الحكمة في بغداد تحوي عشرة آلاف نسخة خطية نفيسة وآلاف الكتب الأخرى، وكانت الفرصة مهيأة للسيد الرضي (قدس سره) لكي يكتب أهم أثر للشيعة بعد القرآن الكريم، وقد قام (رحمه اللّه) بذلك بأفضل صورة حيث جمع تراث أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيد البلغاء والمتكلمين، وأودعه في كتاب أسماه (نهج البلاغة) من المصادر الكثيرة المهمة المتوفرة في ذلك الزمان. وبذلك فقد أظهر السيد الرضي (رحمه اللّه) - الذي كان أديباً وشاعراً مقتدراً - بيان عظمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجال الفصاحة والبلاغة - كما يبدو من تسمية الكتاب ب- (نهج البلاغة) - علاوة على بيان فضائله الأخرى، كما أثبت (قدس سره) بهذا الكتاب أن الإمام علياً (عليه السلام) هو المقدم في ميادين السياسة والحرب والزهد والعبادة وهو أفضل المسلمين بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقد حاز (عليه السلام) أعلى الدرجات في مجال الأدب والخطابة، وأنه قد وصل إلى مقام لم يصل إليه أحد. وقد يظن البعض أن ما جاء في (نهج البلاغة) هو كل كلمات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وهذا ظن خاطئ إذ يقول المسعودي - الذي سبق السيد الرضي بمائة عام - في كتابه (مروج الذهب): إن بين أيدينا الآن أكثر من 480 خطبة لعلي (عليه السلام) ، ونقل الآمدي في كتابه (غرر الحكم ودرر الكلم) 15 ألف حكمة من قصار حكمه (عليه السلام) ، في حين أن (نهج البلاغة) لم يحو سوى 480 حكمة فقط. هذا وقد كتبت الكثير من الكتب حول كلماته (عليه السلام) ، مثل: (تحف العقول)، و(روضة الواعظين) وغيرهما مما يصل عددها إلى أكثر من 100 كتاب. وقد قام الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي (رحمه اللّه) بجمع كثير من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإضافة إلى (نهج البلاغة) وبوبه تبويباً جديداً رائعاً في موسوعته المعروفة ب- (موسوعة الكلمة) تحت عنوان: (كلمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ) في مجلدين قامت أخيراً مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر في بيروت بطبعه وذلك عام 1426ه/2006م، كما طبعت الموسوعة بأكملها دار العلوم / لبنان بيروت في حلتها الجديدة. ثم إنه يمكن تبويب (نهج البلاغة) إلى أبواب تالية، وهي: 1. الخطب وعددها 241 خطبة نطق بها أمير المؤمنين (عليه السلام) ما قبل حكومته، وأثناء قبوله الخلافة، وفي زمان حكومته (عليه السلام) . 2. الرسائل وعددها 79 رسالة كتبت جميعها تقريباً في زمان حكومته (عليه السلام) . 3. قصار الحِكَم وعددها480 كلمة. 4. غريب كلامه (عليه السلام) وعددها 9. وأما موضوعات (نهج البلاغة) فقد اتخذت عدة محاور، فبالنسبة إلى الخطب فقد تناولت: الأخلاق، والسياسة، والأحزاب، وعلم الاجتماع، والتنبؤ بالمستقبل أو الملاحم. وبالنسبة إلى الرسائل فقد تناولت: الأخلاق أيضاً، ورسائله إلى الأعداء والولاة والعمال، وقادة الجيوش، وخزنة بيت المال، ومخاطبة الناس، بالإضافة إلى وصاياه (عليه السلام) . وبالنسبة قصار الحِكَم فقد تطرقت إلى جميع ما يتعلق بالمجتمع ويحتاج إلى بيانه. وأما بالنسبة إلى غريب كلامه (عليه السلام) فهو المحتاج إلى تفسير. لقد قام العديد من العلماء والفضلاء بشرح هذا السفر العظيم لأمير المؤمنين (عليه السلام) (نهج البلاغة)، وكتبوا حوله شروحاً كثيرة بلغ عددها 370 شرحاً وربما زادت عن هذا العدد؛ لأن (نهج البلاغة) مثله مثل كتاب اللّه العظيم في كل يوم يظهر له تفسير جديد. وقد تعرض لذكرها العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه اللّه) في كتابه (الذريعة). ومن أشهر شروح (نهج البلاغة) هي: منهاج البراعة لقطب الدين الراوندي (ت 573ه)، وشرح الفخر الرازي المفسر الكبير (ت 606ه)، وشرح ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655ه)، وشرح ابن ميثم البحراني (ت 679ه)، وشرح الشيخ محمد عبدة (ت 1323ه)، وهناك شرح توضيحي للإمام الشيرازي (قدس سره) طبع عدة مرات في لبنان وقم المقدسة. كما كتبت لنهج البلاغة مستدركات عديدة؛ لما كان يحظى به كتاب (نهج البلاغة) من أهمية كبيرة، وهو ما فات الشريف الرضي (رحمه اللّه) مما لم يورده في كتابه بحيث يبقى(نهج البلاغة) هو الأصل على وضعه واعتباره وشهرته. ومن جملة هذه المستدركات هي: 1- مستدرك نهج البلاغة لهادي كاشف الغطاء، 2- نهج السعادة لمحمد باقر المحمودي، 3- غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، 4- التذييل لإسماعيل الحلبي، 5- ملحق نهج البلاغة لأحمد بن يحيى. ونظراً لأهمية كتاب (نهج البلاغة) - وحتى لا يحرم غير العرب من هذا المعين الصافي - فقد ترجم إلى لغات عدة وعلى رأسها اللغة الفارسية بحيث وصل عددها إلى 30 ترجمة باللغة الفارسية فقط، ومن أشهرها: 1- ترجمة (نهج البلاغة) لفيض الإسلام، 2- ترجمة (نهج البلاغة) للمبشري، 3- ترجمة (نهج البلاغة) لآية اللّه مكارم الشيرازي، 4- ترجمة (نهج البلاغة) للعلامة محمد تقي الجعفري، 5- ترجمة (نهج البلاغة) للدكتور الشهيدي، 6- ترجمة (نهج البلاغة) للشيخ مصطفى الزماني. كما قام البعض الآخر بوضع الفهارس الموضوعية لهذا السفر الخالد، واستخراج الموضوعات وتصنيف مطالب الكتاب على أساس موضوعاته. ولقد قام البعض من كبار علماء الشيعة وغير الشيعة بكتابة قائمة في الموضوعات الموجودة في (نهج البلاغة) مع الإشارة إلى مواضعها، في حين اختار آخرون موضوعات عامة وكتبوا شرح وتوضيحاً عليها. وأما من حيث النسخ الخطية ل- (نهج البلاغة) فهناك العديد من هذه النسخ المتوفرة منذ عصر المؤلف ولحد الآن، بحيث توجد أكثر من 130 نسخة خطية معتبرة ل- (نهج البلاغة) في المكتبات المختلفة مثل: نسخة يعود تاريخها إلى سنة 421ه- في مكتبة آية اللّه الآملي، ونسخة يعود تاريخها إلى سنة 483ه- وقد قوبلت هذه النسخة مع نسخة حسن بن يعقوب النيشابوري، ونسخة يعود تاريخها إلى سنة 485ه- عند العلامة السيد محمد علي الروضاتي، ونسخ أخرى عديدة في مكتبة الآستانة الرضوية في مشهد المقدسة، ومكتبة آية اللّه المرعشي النجفي (رحمه اللّه) في قم المقدسة.

ص: 212

ص: 213

قصة الغدير

في يوم غدير خم 18 ذي الحجة من عام حجة الوداع، جمع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المسلمين وخطب فيهم خطبة أخبرهم بقرب رحيله إلى عالم الآخرة، ثم نصب علي بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً وخليفةً من بعده، وذلك بأمر من اللّه عزوجل، ثم أخذ البيعة له من الجميع، وعند ذلك نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً}(1).

عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: لما رجع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ونحن معه، أقبل حتى انتهى إلى الجحفة فأمر أصحابه بالنزول. فنزل القوم منازلهم، ثم نودي بالصلاة فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أقبل بوجهه إليهم فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لهم: «إنه قد نبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون، وكأني قد دُعيتُ فأجبت، وأني مسئول عما أرسلت به إليكم، وعما خلّفت فيكم من كتاب اللّه وحجته، وأنكم مسئولون، فما أنتم قائلون لربكم؟».

قالوا: نقول: قد بلّغتَ ونصحتَ وجاهدتَ، فجزاك اللّه عنا أفضل الجزاء.

ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لهم: «ألستم تشهدون أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه إليكم، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث بعد الموت حق؟».

ص: 214


1- سورة المائدة: 3.

فقالوا: نشهد بذلك.

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «اللّهم اشهد على ما يقولون، ألا وإني اُشهدكم أني أشهد أن اللّه مولاي، وأنا مولى كل مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرون لي بذلك وتشهدون لي به؟».

فقالوا: نعم نشهد لك بذلك.

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ألا من كنتُ مولاه فإن علياً مولاه، وهو هذا - ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما ثم قال: - اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض غداً، وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت اللّه به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم على حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي، فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني».

قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول اللّه؟.

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أما الثقل الأكبر: فكتاب اللّه عزوجل سبب ممدود من اللّه ومني في أيديكم، طرفه بيد اللّه والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة. وأما الثقل الأصغر: فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته (عليهم السلام) ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال: «صدق أبو الطفيل رحمه اللّه هذا الكلام وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) وعرفناه»(1).

ص: 215


1- الخصال: ج1 ص65-67 السؤال عن الثقلين يوم القيامة ح98.

وعن أبي هارون، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم غدير خم أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منادياً فنادى: الصلاة جامعة. فأخذ بيد علي (عليه السلام) وقال:

«اللّهم من كنت مولاه فعليٌ مولاه. اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه».

فقال حسان بن ثابت: يا رسول اللّه، أقول في علي شعراً؟.

فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «افعل». فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم***بخم وأكرم بالنبي مناديا

يقول: فمن مولاكم ووليكم***فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت ولينا***ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك***من بعدي إماماً وهاديا

وكان علي أرمد العين***يبتغي لعينيه مما

يشتكيه مداويا***فداواه خير الناس منه بريقه

فبورك مرقياً وبورك راقيا(1)

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «لما نزلت الولاية وكان من قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بغدير خم، سلّموا على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين. فقالوا: أمِنَ اللّه ورسوله؟.

فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لهم: «نعم حقاً من اللّه و رسوله - فقال - إنه أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنة ويدخل أعداءه النار، وأنزل اللّه عزوجل: {وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها...}(2)»(3).

وحديث الغدير هذا وتنصيب علي (عليه السلام) أميراً للمؤمنين متواتر بين الفريقين كما فصّله العلامة الأميني (قدس سره) في موسوعة (الغدير).

ص: 216


1- الأمالي للصدوق: ص574-575 المجلس84 ح3.
2- سورة النحل: 91.
3- تفسير القمي: ج1 ص389 سورة النحل.

53

من معاجز الإمام (عليه السلام)

اشارة

إن اللّه تعالى خص أنبياءه وأوصياءهم (عليهم السلام) بالمعاجز، وذلك لمعرفة الناس بهم، وإتماماً للحجة.

ومعاجز أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرة جداً، لا يمكن جمعها في كتاب، ونشير إلى بعضها فحسب.

الإوز ومعرفتها بالإمام (عليه السلام)

عن البراء بن عازب - في خبر - عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنه عبر في السماء خيط من الإوز طائراً على رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) فصرصرن وصرخن. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «قد سلمن عليَّ وعليكم»، فتغامز أهل النفاق بينهم. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «يا قنبر، ناد بأعلى صوتك: أيها الإوز، أجيبوا أمير المؤمنين وأخا رسول رب العالمين».

فنادى قنبر بذلك، فإذا الطير ترفرف على رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) . فقال (عليه السلام) : «قل لها: انزلن». فلما قال لها رأيت الإوز وقد ضربت بصدورها إلى الأرض حتى صارت في صحن المسجد على أرض واحدة، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطبها بلغة لا نعرفها وهن يلززن بأعناقهن إليه ويصرصرن، ثم قال لهن: «انطقن بإذن اللّه العزيز الجبار». قال: فإذا هن ينطقن بلسان عربي مبين: السلام

ص: 217

عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين(1).

إرجعي خضراء مثمرة

عن القاسم بن وليد النهدي، عن الحارث، قال: خرجنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى انتهينا إلى العاقول، فإذا هو بأصل شجرة قد وقع لحاؤها وبقي عمودها. فضربها بيده ثم قال: «ارجعي بإذن اللّه خضراء مثمرة»، فإذا هي تهتز بأغصانها الكمثرى، فقطعنا وأكلنا وحملنا معنا، فلما كان من الغد غدونا فإذا نحن بها خضراء فيها الكمثرى(2).

تنقيص ماء الفرات

روى الحسن بن ذكردان الفارسي، قال: كنت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد شكا إليه الناس وأنا زيادة الفرات، وأنها قد أهلكت مزارعهم، وتحب أن تسأل اللّه أن ينقصه عنا. فقام (عليه السلام) ودخل بيته والناس مجتمعون ينتظرونه، فخرج وعليه جبة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعمامته وبرده وفي يده قضيبه، فدعا بفرسه فركبها ومشى ومعه أولاده والناس وأنا معهم رجالة حتى وقف على الفرات. فنزل عن فرسه فصلى ركعتين خفيفتين، ثم قام وأخذ القضيب بيده ومشى على الجسر وليس معه سوى ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) وأنا، فأهوى إلى الماء بالقضيب فنقص ذراعاً. فقال (عليه السلام) : «أيكفيكم؟». فقالوا: لا يا أمير المؤمنين. فقام وأومأ بالقضيب وأهوى به إلى الماء، فنقصت الفرات ذراعاً آخر هكذا إلى أن نقصت ثلاثة أذرع. فقالوا: حسبنا يا أمير المؤمنين. فركب (عليه السلام) فرسه وعاد إلى

ص: 218


1- المناقب: ج2 ص305-306 فصل في انقياد الحيوانات له.
2- بحار الأنوار: ج41 ص248 ب112 ح1.

منزله، وهذه كرامة عظيمة ونعمة من اللّه جسيمة(1).

الفرات والشهادات الثلاث

عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: «لما فرغ علي (عليه السلام) من وقعة صفين وقف على شاطئ الفرات وقال: أيها الوادي، من أنا؟. فاضطرب وتشققت أمواجه، وقد نظر الناس وقد سمعوا من الفرات صوتاً: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وأن علياً أمير المؤمنين حجة اللّه على خلقه»(2).

الحق فرسك

عن ثابت بن الأفلج، قال: ضلت لي فرس نصف الليل، فأتيت باب أمير المؤمنين (عليه السلام) . فلما وصلت الباب خرج إليَّ قنبر وقال لي: يا ابن الأفلج، الحق فرسك فخذه من عوف بن طلحة السعدي(3).

إخبار عن الغيب

عن الأصبغ بن نباتة، قال: بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب الناس وهو يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني، فو اللّه لا تسألوني عن شيء يكون إلا نبأتكم به». فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة؟. فقال (عليه السلام) له: «أما واللّه لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنك ستسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني». وعمر بن سعد

ص: 219


1- كشف الغمة: ج1 ص275 فصل في ذكر كراماته وما جرى على لسانه من إخباره بالمغيبات.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص231 ب2.
3- بحار الأنوار: ج41 ص304 ب114 ح37.

يومئذ يدرج بين يديه(1).

وعن أبي حمزة الثمالي، عن سويد بن غفلة، قال: كنت أنا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ أتاه رجل. فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إنه لم يمت». فأعاد عليه الرجل، فقال (عليه السلام) له: «لم يمت». وأعرض عنه بوجهه فأعاد عليه الثالثة، فقال: سبحان اللّه! أخبرك أنه قد مات وتقول لم يمت. فقال علي (عليه السلام) : «والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة حمل رايته حبيب بن جماز». قال: فسمع ذلك حبيب بن جماز، فأتى أمير المؤمنين (عليه السلام) . فقال له: أنشدك اللّه فيَّ فإني لك شيعة، وقد ذكرتني بأمر لا واللّه لا أعرفه من نفسي. فقال له علي (عليه السلام) : «ومن أنت؟». قال: أنا حبيب بن جماز. فقال له علي (عليه السلام) : «إن كنت حبيب بن جماز فلا يحملها غيرك» أو «فلتحملنها». فولى عنه حبيب وأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «إن كنت حبيب لتحملنها». قال أبو حمزة: فو اللّه ما مات خالد بن عرفطة حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي (عليه السلام) ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته، وحبيب بن جماز صاحب رايته(2).

رد الشمس

روي عن جويرية بن مسهر، أنه قال: أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس. فقال علي (عليه السلام) : «أيها الناس، إن هذه أرض

ص: 220


1- الأمالي للصدوق: ص133-134 المجلس28 ح1.
2- الاختصاص: ص280 حديث في زيارة المؤمن لله.

ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات - وفي خبر آخر - مرتين وهي تتوقع الثالثة، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أول أرض عبد فيها وثن، وإنه لايحل لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل».

فمال الناس عن جنبي الطريق يصلون، وركب هو (عليه السلام) بغلة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومضى. قال جويرية: فقلت: واللّه لأتبعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلدنه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه فو اللّه ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس(1)،

فشككت فالتفت إليَّ وقال: «يا جويرية، أشككت؟».

فقلت: نعم يا أمير المؤمنين.

فنزل (عليه السلام) عن ناحية فتوضأ ثم قام، فنطق بكلام لا أحسنه إلاّ كأنه بالعبراني، ثم نادى: «الصلاة». فنظرت واللّه إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلى العصر وصليت معه، فلما فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت إليَّ وقال:

«يا جويرية بن مسهر، إن اللّه عزوجل يقول: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}(2) وإني سألت اللّه عزوجل باسمه العظيم فرد عليَّ الشمس».

وروي: أن جويرية لما رأى ذلك قال: أنت وصي نبي ورب الكعبة(3).

ص: 221


1- أي أشرفت على الغروب.
2- سورة الواقعة: 74و96، سورة الحاقة: 52.
3- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص203-204 باب فرض الصلاة ح611.

54

استشهاد الإمام (عليه السلام)

اشارة

قُتل أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة أربعين من الهجرة في شهر رمضان، متأثراً بضربة ابن ملجم المرادي (لعنه اللّه) حيث ضربه ليلة تسع عشرة، ليلة الأربعاء، وقُبض ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين، وعمره ثلاث وستون سنة.

وكانت مدة خلافته الظاهرية - وإلاّ فهو خليفة اللّه بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مباشرة - خمس سنين إلاّ نحواً من أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر؛ لأنه بويع لخمس بقين من ذي الحجة سنة 35 ه.

وقد نعى الإمام (عليه السلام) نفسه قبل مقتله، فكان (عليه السلام) يقول: «ما يمنع أشقاكم أن يخضب هذه من هذه - يعني لحيته من دم رأسه - كما أخبرني أخي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

وروي: أنه (عليه السلام) لما أراد أن يخرج من البيت إلى مسجد الكوفة أقبل الأوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه، فقال: «ذروهن فإنهن صوائح تتبعها نوائح»، فضربه ابن ملجم في ليلته.

وورد أنه سهر علي (عليه السلام) في الليلة التي ضُرب في صبيحتها، فقال: «إني مقتول لو قد أصبحت». فجاء مؤذنه بالصلاة فمشى قليلاً. فقالت ابنته زينب (عليها السلام) : «يا

ص: 222


1- راجع بحار الأنوار: ج42 ص195 ب126 ح13.

أمير المؤمنين، مر جعدة يصلي بالناس». فقال: «لا مفر من الأجل»، ثم خرج.

وفي حديث آخر: جعل (عليه السلام) يعاود مضجعه فلا ينام، ثم يعاود النظر في السماء ويقول: «واللّه ما كذبت ولا كُذّبت، وإنها للّيلة التي وُعدت»، فلما طلع الفجر شد إزاره وهو يقول:

اشدد حيازيمك للموت***فإن الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت***وإن حل بواديكا(1)

وفي (البحار): عن الحسن بن الجهم، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عرف قاتله والليلة التي يُقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه، وقوله لما سمع صياح الإوز في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أم كلثوم (عليها السلام) : لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس، فأبى عليها، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف (عليه السلام) أن ابن ملجم قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه؟. فقال: «ذلك كان، ولكنه خُيّر تلك الليلة لتمضي مقادير اللّه عزوجل»(2).

وفي التاريخ أنه: كان سبب قتل الإمام (عليه السلام) أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبد اللّه التميمي الصريمي - واسمه الحجاج - وعمرو بن أبي بكر التميمي السعدي وهم من الخوارج، اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا الولاة، ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم! وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا لله! وقتلنا أئمة الضلال وأرحنا منهم البلاد.

فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علياً. وقال البرك بن عبد اللّه: أنا أكفيكم

ص: 223


1- راجع بحار الأنوار: ج42 ص238 ب127.
2- بحار الأنوار: ج42 ص246 ب127 ح47.

معاوية. وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا أن لاينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم فسموها واتعدوا لتسع عشرة أو سبع عشرة من رمضان.

فأتى ابن ملجم الكوفة فلقي أصحابه بها وكتمهم أمره، ورأى يوماً أصحاباً له من تيم الرباب ومعهم امرأة منهم اسمها قطام بنت الأخضر التيمية قُتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فخطبها فقالت: لا أتزوجك إلاّ على ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي!.

قال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في (الإرشاد): وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وواطأهم على ذلك، وحضر الأشعث في تلك الليلة لمعونتهم. وكان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتاً في المسجد، فسمع الأشعث يقول لابن ملجم: النجاء، النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح. فأحس حجر بما أراد الأشعث، فقال: قتلته يا أعور. وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ليخبره الخبر ويحذره من القوم، وخالفه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الطريق فدخل المسجد.

فلما خرج علي (عليه السلام) نادى: «الصلاة، الصلاة». فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطلق، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: «الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك». فقال علي (عليه السلام) : «فزتُ ورب الكعبة».

وقال ابن ملجم: لقد ابتعت سيفي بألف وسممته بألف، ولقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم(1).

ص: 224


1- راجع الإرشاد: ج1 ص19-21 فصل ومن الأخبار الواردة بسبب قتله وكيف جرى الأمر في ذلك.

تهدمت واللّه أركان الهدى

في (بحار الأنوار): أن ابن ملجم (لعنه اللّه) بات في المسجد ومعه رجلان أحدهما شبيب بن بحيرة والآخر وردان بن مجالد يساعدانه على قتل علي (عليه السلام) .

فلما أذّن الإمام (عليه السلام) ونزل من المئذنة وجعل يسبح اللّه ويقدسه ويكبره ويكثر من الصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... وكان من كرم أخلاقه (عليه السلام) أنه يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: «الصلاة يرحمك اللّه، الصلاة، قم إلى الصلاة المكتوبة عليك»، ثم يتلو (عليه السلام) : {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ}(1). ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النائمين في المسجد، حتى إذا بلغ إلى الملعون فرآه نائماً على وجهه قال له: «يا هذا، قم من نومك هذا؛ فإنها نومة يمقتها اللّه، وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار، بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء، أو على يسارك فإنها نومة الحكماء، ولا تنم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء».

قال: فتحرك الملعون كأنه يريد أن يقوم وهو من مكانه لا يبرح.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لقد هممت بشيء {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}(2)، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك» ثم تركه وعدل عنه إلى محرابه، وقام قائماً يصلي. وكان (عليه السلام) يطيل الركوع والسجود في الصلاة كعادته في الفرائض والنوافل حاضراً قلبه، فلما أحس به فنهض الملعون مسرعاً وأقبل يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام (عليه السلام) يصلي عليها، فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وركع وسجد السجدة الأولى منها ورفع

ص: 225


1- سورة العنكبوت: 45.
2- سورة مريم: 90.

رأسه، فعند ذلك أخذ السيف وهزه ثم ضربه على رأسه المكرم الشريف، فوقعت الضربة على الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري، ثم أخذت الضربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السجود. فلما أحس الإمام بالضرب لم يتأوه وصبر واحتسب، ووقع على وجهه وليس عنده أحد قائلا: «بسم اللّه وباللّه وعلى ملة رسول اللّه»، ثم صاح وقال: «قتلني ابن ملجم، قتلني اللعين ابن اليهودية ورب الكعبة. أيها الناس، لا يفوتنكم ابن ملجم». وسار السم في رأسه وبدنه، وثار جميع من في المسجد في طلب الملعون وماجوا بالسلاح، فما كنت أرى إلا صفق الأيدي على الهامات وعلو الصرخات، وكان ابن ملجم ضربه ضربة خائفاً مرعوباً ثم ولى هارباً وخرج من المسجد.. وأحاط الناس بأمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في محرابه يشد الضربة، ويأخذ التراب ويضعه عليها ثم تلا قوله تعالى:

{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}(1)..

- ثم قال (عليه السلام) : - جاء أمر اللّه وصدق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

ثم إنه لما ضربه الملعون ارتجت الأرض، وماجت البحار والسماوات، واصطفقت أبواب الجامع، قال: وضربه اللعين شبيب بن بجرة فأخطأه ووقعت الضربة في الطاق.

قال الراوي: فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كل من كان في المسجد، وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة، ثم أحاطوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يشد رأسه بمئزره والدم يجري على وجهه ولحيته، وقد

ص: 226


1- سورة طه: 55.

خضبت بدمائه وهو يقول: «هذا ما وعد اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله».

قال الراوي: فاصطفقت أبواب الجامع، وضجت الملائكة في السماء بالدعاء، وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادى جبرئيل (عليه السلام) بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ:

«تهدمت واللّه أركان الهدى، وانطمست واللّه نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت واللّه العروة الوثقى، قُتل ابن عم محمد المصطفى، قُتل الوصي المجتبى، قُتل علي المرتضى، قُتل واللّه سيد الأوصياء، قَتله أشقى الأشقياء».

قال: فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرئيل لطمت على وجهها وخدها وشقت جيبها وصاحت: «وا أبتاه، وا علياه، وا محمداه، وا سيداه»(1).

مع الأصبغ بن نباتة

روى الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في (أماليه): عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال: لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) غدونا عليه نفر من أصحابنا: أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: «يقول لكم أمير المؤمنين (عليه السلام) : انصرفوا إلى منازلكم». فانصرف القوم غيري واشتد البكاء من منزله فبكيت، فخرج الحسن (عليه السلام) فقال: «أ لم أقل لكم انصرفوا».

فقلت: لا واللّه يا ابن رسول اللّه ما تتابعني نفسي، ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين (عليه السلام) .

قال: فتلبث فدخل ولم يلبث أن خرج فقال لي: «ادخل»، فدخلت على

ص: 227


1- راجع بحار الأنوار: ج42 ص280-282 ب127.

أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة، فأكببت عليه فقبلته وبكيت، فقال لي: «لا تبكِ يا أصبغ؛ فإنها واللّه الجنة». فقلت له: جعلت فداك، إني أعلم واللّه إنك تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين. جُعلت فداك، حدثني بحديث سمعته من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإني أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً.

فقال: «نعم يا أصبغ، دعاني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً فقال لي: يا علي، انطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد على منبري ثم تدعو الناس إليك، فتحمد اللّه عزوجل وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاة كثيرة ثم تقول: أيها الناس، إني رسول رسول اللّه إليكم وهو يقول لكم: ألا إن لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمي إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

فأتيت مسجده وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي، فحمدت اللّه وأثنيت عليه وصليت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلاة كثيرة، ثم قلت: أيها الناس، إني رسولُ رسولِ اللّه إليكم وهو يقول لكم: ألا إن لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي: على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلاّ عمر بن الخطاب فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنك جئت بكلام غير مفسر. فقلت: أبلغ ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فرجعت إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته الخبر، فقال: ارجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد اللّه وأثن عليه وصل عليَّ ثم قل: أيها الناس، ما كنا لنجيئكم

ص: 228

بشيء إلا وعندنا تأويله وتفسيره(1).. ألا وإني وأنت أبوا هذه الأمة، فمن عقنا فلعنة اللّه عليه، وإني وأنت موليا هذه الأمة فعلى من أبق عنا لعنة اللّه، ألا إني وأنت أجيرا هذه الأمة فمن ظلمنا أجرتنا فلعنة اللّه عليه، ثم قال آمين، فقلت: آمين(2).

وروى الراوندي في (الخرائج): عن عمرو بن الحمق، قال: دخلت على علي (عليه السلام) حين ضرب الضربة بالكوفة فقلت: ليس عليك بأس إنما هو خدش.

قال (عليه السلام) : «لعمري إني لمفارقكم». ثم أغمي عليه فبكت أم كلثوم، فلما أفاق قال: «لا تؤذيني يا أم كلثوم فإنكِ لو ترين ما أرى، إن الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين (عليهم السلام) يقولون: انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه»(3).

ص: 229


1- الأمالي للمفيد: ج351-353 المجلس42 ح3.
2- بحار الأنوار: ج40 ص45 ب91 ح82.
3- الخرائج والجرائح: ج1 ص178 ب2.

55

من وصاياه (عليه السلام) الأخيرة

اشارة

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصية لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) عند قرب وفاته: «أوصيكما بتقوى اللّه، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم.

عليكم بتقوى اللّه، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم؛ فإني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام». وإن البغض محق الدين وفساد ذات البين ولا قوة إلا باللّه، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون اللّه عليكم الحساب.

اللّه اللّه في الأيتام، لا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم؛ فإني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «من عال يتيماً حتى يستغني أوجب اللّه له الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار».

اللّه اللّه في القرآن، فلا يسبقنكم بالعمل به غيركم.

اللّه اللّه في جيرانكم؛ فإن اللّه ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصيا بهم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

ص: 230

اللّه اللّه في بيت ربكم، فلا يخلون منكم ما بقيتم؛ فإنه إن ترك لم تناظروا.

اللّه اللّه في الصلاة؛ فإنها خير العمل، وإنها عمود دينكم.

اللّه اللّه في الزكاة؛ فإنها تطفئ غضب ربكم.

اللّه اللّه في صيام شهر رمضان؛ فإن صيامه جُنة من النار.

اللّه اللّه في الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم؛ فإنما يجاهد في سبيل اللّه رجلان: إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه.

اللّه اللّه في ذرية نبيكم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلا يُظلمن بين أظهركم.

اللّه اللّه في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثاً، ولم يؤووا محدثاً؛ فإن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصى بهم.

اللّه اللّه في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معايشكم.

اللّه اللّه في النساء وما ملكت أيمانكم؛ فإن آخر ما تكلم به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن قال: «أوصيكم بالضعيفين، نسائكم وما ملكت أيمانكم».

ثم قال: الصلاة الصلاة الصلاة، ولا تخافن في اللّه لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم، قولوا للناس حسناً كما أمركم اللّه عزوجل.

ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم.

وعليكم بالتواصل والتبادل والتبار، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ}(1)، حفظكم اللّه من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم»(2).

ص: 231


1- سورة المائدة: 2.
2- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص189-191 باب رسم الوصية ح5433.

وروي: إنه (عليه السلام) دعا الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال لهما: «أوصيكما بتقوى اللّه ولا تبغيا الدنيا وأن بغتكما، ولا تبكيا على شيء زوي عنكما منها، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم ناصراً، واعملا بما في كتاب اللّه ولا تأخذكما في اللّه لومة لائم».

ثم نظر إلى محمد بن الحنفية (عليه السلام) فقال: «هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟». قال: نعم.

قال: «فإني أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك العظيم حقهما عليك ولا تقطع دونهما أمراً - ثم قال - أوصيكما به؛ فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما إن أباكما كان يحبه».

وقال (عليه السلام) للحسن (عليه السلام) : «أوصيك أي بني بتقوى اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش»(1).

ثم قال (عليه السلام) للحسن (عليه السلام) : «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي - ثم قال (عليه السلام) للحسن (عليه السلام) -: إذا أنا مت فلا تغال في كفني، وصل عليَّ وكبر عليَّ خمساً وغيب قبري»(2).

توصيةً بقاتله!

كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أباً رحيماً للجميع، حتى أنه أخذ يوصي بقاتله

ص: 232


1- كشف الغمة: ج1 ص431 في ذكر قتله ومدة خلافته وذكر عدد أولاده (عليه السلام) .
2- كشف الغمة: ج1 ص433 في ذكر قتله ومدة خلافته وذكر عدد أولاده (عليه السلام) .

ابن ملجم (لعنه اللّه) ويأمر برعايته.

فقال (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) وهو يوصيه بوصاياه الأخيرة: «أبصروا ضاربي، أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي!».

كما كان يرسل إلى قاتله من اللبن المهداة إليه، وفي البحار: لما أفاق - أمير المؤمنين (عليه السلام) - ناوله الحسن (عليه السلام) قعباً من لبن، فشرب منه قليلاً ثم نحاه عن فيه. وقال: «احملوه إلى أسيركم - ثم قال للحسن (عليه السلام) - بحقي عليك يا بني إلاّ ما طيبتم مطعمه ومشربه، وارفقوا به إلى حين موتي، وتطعمه مما تأكل، وتسقيه مما تشرب حتى تكون أكرم منه».

فعند ذلك حملوا إليه اللبن وأخبروه بما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقه، فأخذ اللعين وشربه(1).

وفي رواية: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لابنه الحسن (عليه السلام) : «يا بني، أنت ولي الأمر من بعدي وولي الدم، فإن عفوتَ فلك، وإن قتلتَ فضربة مكان ضربة»(2).

وفي كلام آخر له (عليه الصلاة والسلام): أنه حثهم على أن لا يقتصوا من ابن ملجم، ويعفوا عنه، وإن أعطاهم الحق في القصاص(3).

ثم إن الإمام الحسن (عليه السلام) أجرى القصاص تلبية لضغط الناس وطلب الجماهير، ورأفة بابن ملجم وإلاّ لأخذه الناس وقتلوه شر قتلة(4).

ص: 233


1- بحار الأنوار: ج42 ص289 ب127-
2- الكافي: ج1 ص299 باب الإشارة والنص على الحسن بن علي (عليه السلام) ح5.
3- نهج البلاغة، الرسائل: رقم23 ومن كلام له (عليه السلام) قاله قبل موته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه).
4- روضة الواعظين: ج1 ص134 مجلس في ذكر وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وفي بعض الروايات قال علي (عليه السلام) وهو يوصي بقاتله: «قد ضربني فأحسنوا إليه وألينوا له فراشه؛ فإن أعش فهضم(1)

أو قصاص، وإن أمت فعاجلوه؛ فإني مخاصمه عند ربي عزوجل»(2).

عاجلوه: أي لا تؤخروه، فإما العفو وإما القصاص. أما تأخير المجرم وسجنه وعدم البت في أمره فهو على خلاف حقوق السجناء والمجرمين.

وفي قوله (عليه السلام) : «فإني مخاصمه عند ربي» دلالة على عدم جواز تعذيب المجرم وإيذائه بغير المقرر شرعاً؛ فإن الآخرة هي دار الجزاء، والحاكم هو اللّه العادل القادر القاهر الذي لا يفوته شيء.

لا لإراقة الدماء

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في آخر لحظات حياته:

«يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يُقتلن بي إلاّ قاتلي. انظروا إذا أنا متّ من ضربتي هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل؛ فإني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور»(3).

ص: 234


1- أي عفو، وفي اللغة: هضمت من حقي طائفة: أي تركته.
2- المستدرك، للحاكم النيسابوري: ج3 ص144 ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
3- نهج البلاغة، الرسائل: رقم47 ومن وصية له (عليه السلام) للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه).

56

خضر (عليه السلام) ينعاه

عن أسيد بن صفوان صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:

لما كان اليوم الذي قُبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ارتج الموضع بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجاء رجل باكياً وهو مسرع مسترجع، وهو يقول: «اليوم انقطعت خلافة النبوة» حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: «رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ، كُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلاَماً، وَأَخْلَصَهُمْ إِيمَاناً، وَأَشَدَّهُمْ يَقِيناً، وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ، وَأَعْظَمَهُمْ عَنَاءً، وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وَآمَنَهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَفْضَلَهُمْ مَنَاقِبَ، وَأَكْرَمَهُمْ سَوَابِقَ، وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وَأَشْبَهَهُمْ بِهِ هَدْياً وَخَلْقاً وَسَمْتاً وَفِعْلاً، وَأَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ. فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الإِسْلاَمِ وَعَنْ رَسُولِهِ وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً - إلى أن قال - فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ، وَلاَ أَحْرَمَنَا أَجْرَكَ، وَلاَ أَضَلَّنَا بَعْدَكَ».

وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى، وبكى أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم طلبوه فلم يصادفوه(1).

ص: 235


1- الكافي: ج1 ص454-456 باب مولد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ح4. وهذه الزيارة مروية عن النبي خضر (عليه السلام) انظر بيان العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج97 ص356 ب5 زياراته صلوات اللّه عليه المختصة بالأيام والليالي، منها زيارة يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان.

دفن الإمام (عليه السلام)

وصى أمير المؤمنين (عليه السلام) الحسن والحسين (عليه السلام) بإخفاء قبره فقال: «إذا مت فاحملاني إلى الغري من نجف الكوفة، واحملا آخر سريري فالملائكة يحملون أوله». وأمرهما أن يدفناه هناك ويعفيا قبره، لما يعلمه من دولة بني أمية بعده، وقال: «ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً»، فاحتفرا فوجدا ساجة مكتوباً عليها: «مما ادخرها نوح لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ». فدفناه فيه وعفيا أثره، ولم يزل قبره مخفياً حتى دل عليه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في أيام الدولة العباسية.

ولما قُتل أمير المؤمنين (عليه السلام) قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفاً من بني أمية أن يحدثوا في قبره حدثاً، فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة - وهي ليلة دفنه - إيهامات مختلفة، فشدوا على جمل تابوتاً موثقاً بالحبال يفوح منه روائح الكافور وأخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم، يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة (عليها السلام) .

وأخرجوا بغلاً وعليه جنازة مغطاة يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة.

وحفروا حفائر عدة منها بالمسجد، ومنها برحبة قصر الإمارة، ومنها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي، ومنها في أصل دار عبد اللّه بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد، ومنها في الكناسة، ومنها في

ص: 236

الثوية. فعمي على الناس موضع قبره، ولم يعلم دفنه على الحقيقة إلا بنوه والخواص المخلصون من أصحابه، فإنهم خرجوا به (عليه السلام) وقت السحر فدفنوه في النجف بالموضع المعروف بالغري.

وفي التاريخ: أنه خرج هارون العباسي يوماً يصيد، وأرسل الصقور والكلاب على الظباء بجانب الغريين، فجادلتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى الأكمة، فرجع الكلاب والصقور عنها، فسقطت في ناحية ثم هبطت الظباء من الأكمة فهبطت الصقور والكلاب ترجع إليها، فتراجعت الظباء إلى الأكمة فانصرفت عنها الصقور والكلاب، ففعلن ذلك ثلاثاً.

فتعجب هارون وسأل شيخاً من بني أسد: ما هذه الأكمة؟.

فقال: لي الأمان؟.

قال: نعم.

قال: فيها قبر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فتوضأ هارون وصلى ودعا، ثم أظهر الصادق (عليه السلام) موضع قبره بتلك الأكمة.

ص: 237

58

أولاد الإمام (عليه السلام)

قال بعض المؤرخين: إن عدد أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) خمسة وعشرون.

وقال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في (الإرشاد): إنهم سبعة وعشرون ما بين ذكر وأنثى(1).

وقال بعضهم: ثلاثة وثلاثون.

وقد رُزق الإمام (عليه السلام) من الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ستة وهم: الحسن والحسين ومحسن السقط، وزينب وأم كلثوم(2) وسكينة (عليهم السلام) (3).

ورُزق من أم البنين فاطمة الكلابية (عليها السلام) أربعة وهم: العباس وعون وجعفر وعثمان (عليهم السلام) ، وقد استشهدوا يوم عاشوراء في نصرة أخيهم الحسين (عليه السلام) . ورُزق من خولة الحنفية: محمد الأكبر (عليه السلام) المكنى بأبي القاسم المعروف بابن الحنفية، وله مقام كبير وشأن عظيم، أخبر بولادته النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال لعلي (عليه السلام) : «سيولد لك ولد سمّه باسمي وكنّه بكنيتي»(4).

ص: 238


1- الإرشاد: ج1 ص354 باب ذكر أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وعددهم وأسمائهم ومختصر من أخبارهم.
2- وهي زينب الصغرى.
3- راجع كتاب (الدعاء والزيارة) للإمام الشيرازي (قدس سره) : ص1045 فصل في زيارة السيدة زينب (عليها السلام) .
4- راجع الخرائج والجرائح: ج1 ص66 ب1 فصل من روايات العامة.

وقال الإمام الرضا (عليه السلام) : «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: تأبى المحامدة أن يُعصى اللّه عزوجل، وهم: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن الحنفية»(1). أما أنه لماذا لم يذهب مع أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء، فالظاهر أن الإمام (عليه السلام) أمره بالبقاء وأودع عنده بعض ودائع الإمامة لكي يسلّمها إلى زين العابدين (عليه السلام) ، وهكذا الحال بالنسبة إلى أم البنين (عليها السلام) حيث بقيت في المدينة بأمر من السيدة زينب (عليها السلام) .

ص: 239


1- رجال الكشي: ص70 محمد بن أبي حذيفة ح125.

59

زيارة الإمام (عليه السلام)

عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «ما خلق اللّه خلقاً أكثر من الملائكة، وإنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك، فيأتون البيت المعمور فيطوفون به، فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة، فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسلموا عليه، ثم أتوا قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فسلموا عليه، ثم أتوا قبر الحسين (عليه السلام) فسلموا عليه، ثم عرجوا وينزل مثلهم أبداً إلى يوم القيامة»..

وقال (عليه السلام) : «من زار قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) عارفاً بحقه غير متجبر ولامتكبر، كتب اللّه له أجر مائة ألف شهيد، وغفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبُعث من الآمنين، وهون عليه الحساب، واستقبلته الملائكة، فإذا انصرف شيّعته إلى منزله، فإن مرض عادوه، وإن مات شيعوه بالاستغفار إلى قبره»(1).

وعن أبي وهب القصري، قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك، أتيتك ولم أزر قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) .

فقال (عليه السلام) : «بئس ما صنعت، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره اللّه تعالى مع الملائكة، ويزوره الأنبياء (عليهم السلام) ، ويزوره المؤمنون».

قلت: جعلت فداك، ما علمت ذلك.

ص: 240


1- وسائل الشيعة: ج14 ص375 ب23 ح19419.

قال (عليه السلام) : «فاعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عند اللّه أفضل من الأئمة (عليهم السلام) كلهم، وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فضلوا»(1).

وعن المفضل بن عمر الجعفي، قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقلت له: إني أشتاق إلى الغري.

قال (عليه السلام) : «فما شوقك إليه؟».

فقلت: إني أحب أن أزور أمير المؤمنين (عليه السلام) .

فقال (عليه السلام) : «هل تعرف فضل زيارته؟».

فقلت: لا يا ابن رسول اللّه إلاّ أن تعرفني ذلك.

قال (عليه السلام) : «إذا زرت أمير المؤمنين فاعلم أنك زائر عظام آدم، وبدن نوح، وجسم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ». فقلت: إن آدم هبط بسرانديب في مطلع الشمس، وزعموا أن عظامه في بيت اللّه الحرام، فكيف صارت عظامه بالكوفة؟!. قال (عليه السلام) : «إن اللّه عزوجل أوحى إلى نوح وهو في السفينة أن يطوف بالبيت أسبوعاً، فطاف بالبيت كما أوحي إليه، ثم نزل في الماء إلى ركبتيه فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم (عليه السلام) ، فحمله في جوف السفينة حتى طاف ما شاء اللّه أن يطوف، ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال اللّه تعالى للأرض: {ابْلَعِي مَاءَكِ}(2)، فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه، وتفرق الجمع الذي كان مع نوح في السفينة، فأخذ نوح (عليه السلام) التابوت فدفنه في الغري، وهو قطعة من الجبل الذي كلم اللّه موسى تكليماً، وقدس عليه عيسى

ص: 241


1- تهذيب الأحكام: ج6 ص20 ب7 ح2.
2- سورة هود: 44.

تقديساً، واتخذ إبراهيم خليلاً، واتخذ محمداً حبيباً، وجعله للنبيين مسكناً. واللّه ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين، فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم، وبدن نوح، وجسم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؛ فإنك زائر الأنبياء الأولين ومحمداً خاتم النبيين وعلياً سيد الوصيين، وإن زائره يفتح اللّه له أبواب السماء عند دعوته فلا يكن عن الخير نواماً»(1).

وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، عن أبيه محمد بن علي (عليه السلام) ، عن أبيه علي بن الحسين بن علي (عليه السلام) ، قال: قال الحسين (صلوات اللّه عليه) لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا أبتاه، ما لمن زارنا؟.

قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا بني، من زارني حياً وميتاً، ومن زار أباك حياً وميتاً، ومن زارك حياً وميتاً، ومن زار أخاك حياً وميتاً، كان حقيق عليَّ أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه وأدخله الجنة»(2).

وعن محمد الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن اللّه عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلاّ أهل الكوفة، وإن إلى جانبها قبراً لا يأتيه مكروب فيصلي عنده أربع ركعات إلاّ رجعه اللّه مسروراً بقضاء حاجته»(3).

أقول: أي إن أهل الكوفة هم أول من قبلوا الولاية.

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن إلى جانب كوفان قبراً ما أتاه مكروب قط فصلى عنده ركعتين أو أربع ركعات إلاّ نفس اللّه عنه كربته وقضى حاجته».

ص: 242


1- جامع الأخبار: ص20-21 ف9.
2- انظر ثواب الأعمال: ص83 ثواب من زار النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة (صلوات اللّه عليهم أجمعين).
3- بحار الأنوار: ج97 ص259 ب3 ح7.

قلت: قبر الحسين بن علي (عليه السلام) ؟. فقال (عليه السلام) برأسه: «لا».

فقلت: فقبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟. قال (عليه السلام) برأسه: «نعم»(1).

وعن الحسين بن إسماعيل الصيمري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «من زار أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشياً كتب اللّه له بكل خطوة حجة وعمرة، فإن رجع ماشياً كتب اللّه له بكل خطوة حجتين وعمرتين»(2).

وعن الحسين بن محمد بن مالك، عن أخيه جعفر، عن رجاله يرفعه، قال: كنت عند جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وقد ذُكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) . فقال ابن مارد لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ما لمن زار جدك أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟. فقال (عليه السلام) : «يا ابن مارد، من زار جدي عارفاً بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة. واللّه يا ابن مارد، ما تطعم النار قدماً تغبرت في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشياً كان أو راكباً. يا ابن مارد، اكتب هذا الحديث بماء الذهب»(3).

وعن حسان بن مهران الجمال، قال: قال جعفر بن محمد (عليه السلام) : «يا حسان، أتزور قبور الشهداء قبلكم؟». قلت: أي الشهداء! قال (عليه السلام) : «علي وحسين». قلت: إنا لنزورهما فنكثر. قال (عليه السلام) : «أولئك الشهداء المرزوقون، فزوروهم وافزعوا عندهم بحوائجكم، فلو يكونون منا كموضعهم منكم لاتخذناهم هجرة»(4).

ص: 243


1- فرحة الغري: ص65-66 ب6.
2- تهذيب الأحكام: ج6 ص20 ب7 ح3.
3- وسائل الشيعة: ج14 ص376-377 ب23 ح19421.
4- فرحة الغري: ص79 ب6.

60

من روايات الإمام (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) سيد الفصحاء وإمام البلغاء، فكان كلامه بعد كلام الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، حتى قال معاوية في حقه: «واللّه ما سن الفصاحة لقريش غيره»(1).

وإليكم درر من كلماته الشريفة:

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «قيمة كل امرئ ما يحسنه»(2).

وقال (عليه السلام) : «أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ، وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ»(3).

وقال (عليه السلام) : «الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ، وَالْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ، وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ».

وقال (عليه السلام) : «الْعَجْزُ آفَةٌ، وَالصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ، وَالْوَرَعُ جُنَّةٌ، وَنِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَا».

وقال (عليه السلام) : «الْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ، وَالآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ، وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ».

ص: 244


1- بحار الأنوار: ج41 ص146 ب107.
2- نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم81.
3- نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم1-30.

وقال (عليه السلام) : «صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ، وَالْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ، وَالاِحْتِمَالُ قَبْرُ الْعُيُوبِ». وروي أنه (عليه السلام) قال في العبارة عن هذا المعنى أيضاً: «الْمَسْأَلَةُ خِبَاءُ الْعُيُوبِ، وَمَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ».

وقال (عليه السلام) : «وَالصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجَالِهِمْ».

وقال (عليه السلام) : «اعْجَبُوا لهذَا الإِنْسَانِ: يَنْظُرُ بِشَحْمٍ، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ، وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ».

وقال (عليه السلام) : «إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أَحَدٍ أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ».

وقال (عليه السلام) : «خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ».

وقال (عليه السلام) : «إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ».

وقال (عليه السلام) : «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ».

وقال (عليه السلام) :«إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ».

وقال (عليه السلام) : «مَنْ ضَيَّعَهُ الأَقْرَبُ أُتِيحَ له الأَبْعَدُ».

وقال (عليه السلام) : «تَذِلُّ الأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ فِي التَّدْبِيرِ».

وَسُئِلَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ؟. فَقَالَ (عليه السلام) : «إِنَّمَا قَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذَلِكَ وَالدِّينُ قُلٌّ، فَأَمَّا الآنَ وَقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَضَرَبَ بِجِرَانِهِ فَامْرُؤٌ وَمَا اخْتَارَ».

ص: 245

وقال (عليه السلام) - فِي الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْقِتَالَ مَعَهُ -: «خَذَلُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ».

وقال (عليه السلام) : «مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ».

وقال (عليه السلام) : «قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ، وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ».

وقال (عليه السلام) : «مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».

وقال (عليه السلام) : «مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ: إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّنْفِيسُ عَنِ الْمَكْرُوبِ». وقال (عليه السلام) : «يَا ابْنَ آدَمَ، إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ».

وقال (عليه السلام) :«مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ».

وقال (عليه السلام) : «أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ».

وقال (عليه السلام) : «إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ وَالْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ الْمُلْتَقَى».

وقال (عليه السلام) : «الْحَذَرَ الْحَذَرَ! فَوَ اللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ».

وقال (عليه السلام) : «أخذ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بيدي فقال: يا علي، التسبيح نصف الميزان، والحمد يملأ الميزان، واللّه أكبر يملأ بين السماء والأرض، والوضوء نصف الإيمان، والصوم نصف الصبر»(1).

وقال (عليه السلام) : «طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينس ذكر اللّه بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره»(2).

ص: 246


1- الجعفريات: ص169 باب الذكر.
2- بحار الأنوار: ج67 ص229 ب54 ح5، والبحار: ج81 ص261 ب16 ضمن ح59.

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة(1).

***

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، واللّه الموفق للصواب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قم المقدسة / 1410ه

محمد الشيرازي

ص: 247


1- للتفصيل انظر (موسوعة الكلمة: كلمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ج1 و2) لآية اللّه الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) ط دار العلوم.

ص: 248

الفهرس

المقدمة... 5

1- النسب الشريف... 7

الاسم المبارك... 7

الكنية الشريفة... 7

الألقاب الطاهرة... 7

والده... 7

والدته... 10

2- النطفة الطاهرة... 12

3- الولادة المباركة... 14

4- الاسم الشريف... 16

5- النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يربيه (عليه السلام) ويغذيه... 18

6- أول المسلمين والمؤمنين... 20

شواهد من القرآن... 20

شواهد من السنة النبوية... 22

أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 24

أقوال الصحابة... 25

7- ليلة المبيت... 27

8- الزواج المبارك... 30

9- المؤاخاة... 34

10- أخلاق الإمام (عليه السلام) ... 38

هدايا إلى قاتله... 38

سخاء الإمام (عليه السلام) ... 39

صف لي عليا (عليه السلام) ... 40

وأطفأ السراج... 42

أتبخل أنت؟... 42

لقد أغنيته... 43

كيف أصبحت؟... 44

حلم الإمام وعفوه (عليه السلام) ... 44

11- علم الإمام (عليه السلام) ... 47

قصة الأرغفة... 50

التاريخ الهجري... 51

دفاعاً عن المسلمين... 51

12- عبادة الإمام (عليه السلام) ... 53

13- زهد الإمام (عليه السلام) ... 56

14- عدل الإمام (عليه السلام) ... 63

15- شجاعة الإمام (عليه السلام) ... 67

16- هكذا يكون الحاكم الإسلامي... 71

ما شأنكم؟... 71

إن هذا المال ليس لي ولا لك... 72

17- مع المظلوم دائماً 75

سلها كيف فجرت... 78

أهي حامل؟... 78

لا حد على المجنونة... 79

ما بال هذه؟... 79

18- حق الرعية... 81

مقتطفات من كتابه إلى مالك الأشتر... 82

19- لا قصاص قبل الجناية... 85

رفقاً بالجنين... 86

اذهب حتى نسأل عنك... 90

20- مع المنافقين... 92

21- مع الكفار والمشركين... 94

22- ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 96

23- مكانة القرآن الكريم... 99

24- منزلة أهل البيت (عليهم السلام) ... 103

25- آيات في فضل الإمام (عليه السلام) ... 105

26- روايات في فضل الإمام (عليه السلام) ... 109

إنه (عليه السلام) خير البشر... 111

27- حرب الجمل... 114

28- حرب صفين... 124

29- حرب النهروان... 139

إنه (عليه السلام) لم يبدأ بحرب... 142

30- اللين واللاعنف... 144

31- بيت المال... 146

32- الحياء والعفة... 149

33- الشورى والاستشارة... 153

روايات في الاستشارة... 153

34- العلم والعلماء... 157

مع طالب العلم... 157

كمال الدين... 157

الناس ثلاثة... 158

من الفقيه؟... 158

قلب العالم... 158

علائم العالم... 159

من حق العالم... 159

العالم غير العامل... 159

35- التعددية... 161

36- الحريات الإسلامية... 162

37- حقوق المعارضة... 165

مع المتخلفين عن البيعة... 165

مع الطلحة والزبير... 166

بدعة التراويح... 167

هذه بهذه... 167

عفو عن ذنب... 168

مع أسرى الجمل... 168

مع أسرى الشام... 169

38- المرأة وحقوقها... 170

مع المرأة وأيتامها... 170

مع جارية تبكي... 171

زوجي ظلمني... 172

روايات في المرأة... 173

39- الشعائر الدينية... 175

40- الصلاة... 177

41- الشعائر الحسينية... 179

42- دعاء الفرج... 185

43- صفة المؤمن... 186

44- الحث على الزواج... 189

45- مع الشباب... 192

46- في متناول الفقراء... 194

47- جهاد النفس ومخالفة الهوى... 196

أحاديث في مخالفة الهوى... 198

48- تكريم الإنسان... 200

49- حق الناس... 202

50- من هم شيعة علي (عليه السلام) ؟... 204

من ظلامة الشيعة... 206

51- نهج البلاغة... 208

52- قصة الغدير... 214

53- من معاجز الإمام (عليه السلام) ... 217

الإوز ومعرفتها بالإمام (عليه السلام) ... 217

إرجعي خضراء مثمرة... 218

تنقيص ماء الفرات... 218

الفرات والشهادات الثلاث... 219

الحق فرسك... 219

إخبار عن الغيب... 219

رد الشمس... 220

54- استشهاد الإمام (عليه السلام) ... 222

تهدمت واللّه أركان الهدى... 225

مع الأصبغ بن نباتة... 227

55- من وصاياه (عليه السلام) الأخيرة... 230

توصيةً بقاتله! ... 232

لا لإراقة الدماء... 234

56- خضر (عليه السلام) ينعاه... 235

57- دفن الإمام (عليه السلام) ... 236

58- أولاد الإمام (عليه السلام) ... 238

59- زيارة الإمام (عليه السلام) ... 240

60- من روايات الإمام (عليه السلام) ... 244

الفهرس... 249

ص: 249

10- أخلاق الإمام (عليه السلام) ... 38

هدايا إلى قاتله... 38

سخاء الإمام (عليه السلام) ... 39

صف لي عليا (عليه السلام) ... 40

وأطفأ السراج... 42

أتبخل أنت؟... 42

لقد أغنيته... 43

كيف أصبحت؟... 44

حلم الإمام وعفوه (عليه السلام) ... 44

11- علم الإمام (عليه السلام) ... 47

قصة الأرغفة... 50

التاريخ الهجري... 51

دفاعاً عن المسلمين... 51

12- عبادة الإمام (عليه السلام) ... 53

13- زهد الإمام (عليه السلام) ... 56

14- عدل الإمام (عليه السلام) ... 63

15- شجاعة الإمام (عليه السلام) ... 67

16- هكذا يكون الحاكم الإسلامي... 71

ما شأنكم؟... 71

إن هذا المال ليس لي ولا لك... 72

17- مع المظلوم دائماً 75

سلها كيف فجرت... 78

أهي حامل؟... 78

لا حد على المجنونة... 79

ص: 250

ما بال هذه؟... 79

18- حق الرعية... 81

مقتطفات من كتابه إلى مالك الأشتر... 82

19- لا قصاص قبل الجناية... 85

رفقاً بالجنين... 86

اذهب حتى نسأل عنك... 90

20- مع المنافقين... 92

21- مع الكفار والمشركين... 94

22- ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 96

23- مكانة القرآن الكريم... 99

24- منزلة أهل البيت (عليهم السلام) ... 103

25- آيات في فضل الإمام (عليه السلام) ... 105

26- روايات في فضل الإمام (عليه السلام) ... 109

إنه (عليه السلام) خير البشر... 111

27- حرب الجمل... 114

28- حرب صفين... 124

29- حرب النهروان... 139

إنه (عليه السلام) لم يبدأ بحرب... 142

30- اللين واللاعنف... 144

31- بيت المال... 146

32- الحياء والعفة... 149

ص: 251

33- الشورى والاستشارة... 153

روايات في الاستشارة... 153

34- العلم والعلماء... 157

مع طالب العلم... 157

كمال الدين... 157

الناس ثلاثة... 158

من الفقيه؟... 158

قلب العالم... 158

علائم العالم... 159

من حق العالم... 159

العالم غير العامل... 159

35- التعددية... 161

36- الحريات الإسلامية... 162

37- حقوق المعارضة... 165

مع المتخلفين عن البيعة... 165

مع الطلحة والزبير... 166

بدعة التراويح... 167

هذه بهذه... 167

عفو عن ذنب... 168

مع أسرى الجمل... 168

مع أسرى الشام... 169

38- المرأة وحقوقها 170

مع المرأة وأيتامها 170

مع جارية تبكي... 171

زوجي ظلمني... 172

روايات في المرأة... 173

ص: 252

39- الشعائر الدينية... 175

40- الصلاة... 177

41- الشعائر الحسينية... 179

42- دعاء الفرج... 185

43- صفة المؤمن... 186

44- الحث على الزواج... 189

45- مع الشباب... 192

46- في متناول الفقراء... 194

47- جهاد النفس ومخالفة الهوى... 196

أحاديث في مخالفة الهوى... 198

48- تكريم الإنسان... 200

49- حق الناس... 202

50- من هم شيعة علي (عليه السلام) ؟... 204

من ظلامة الشيعة... 206

51- نهج البلاغة... 208

52- قصة الغدير... 214

53- من معاجز الإمام (عليه السلام) ... 217

الإوز ومعرفتها بالإمام (عليه السلام) ... 217

إرجعي خضراء مثمرة... 218

تنقيص ماء الفرات... 218

الفرات والشهادات الثلاث... 219

الحق فرسك... 219

ص: 253

المقدمة... 5

1- النسب الشريف... 7

الاسم المبارك... 7

الكنية الشريفة... 7

الألقاب الطاهرة... 7

والده... 7

والدته... 10

2- النطفة الطاهرة... 12

3- الولادة المباركة... 14

4- الاسم الشريف... 16

5- النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يربيه (عليه السلام) ويغذيه... 18

6- أول المسلمين والمؤمنين... 20

شواهد من القرآن... 20

شواهد من السنة النبوية... 22

أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 24

أقوال الصحابة... 25

7- ليلة المبيت... 27

8- الزواج المبارك... 30

9- المؤاخاة... 34

10- أخلاق الإمام (عليه السلام) ... 38

هدايا إلى قاتله... 38

سخاء الإمام (عليه السلام) ... 39

صف لي عليا (عليه السلام) ... 40

وأطفأ السراج... 42

أتبخل أنت؟... 42

لقد أغنيته... 43

كيف أصبحت؟... 44

حلم الإمام وعفوه (عليه السلام) ... 44

11- علم الإمام (عليه السلام) ... 47

قصة الأرغفة... 50

التاريخ الهجري... 51

دفاعاً عن المسلمين... 51

12- عبادة الإمام (عليه السلام) ... 53

13- زهد الإمام (عليه السلام) ... 56

14- عدل الإمام (عليه السلام) ... 63

15- شجاعة الإمام (عليه السلام) ... 67

16- هكذا يكون الحاكم الإسلامي... 71

ما شأنكم؟... 71

إن هذا المال ليس لي ولا لك... 72

17- مع المظلوم دائماً 75

سلها كيف فجرت... 78

أهي حامل؟... 78

لا حد على المجنونة... 79

ما بال هذه؟... 79

18- حق الرعية... 81

مقتطفات من كتابه إلى مالك الأشتر... 82

19- لا قصاص قبل الجناية... 85

رفقاً بالجنين... 86

اذهب حتى نسأل عنك... 90

20- مع المنافقين... 92

21- مع الكفار والمشركين... 94

22- ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 96

23- مكانة القرآن الكريم... 99

24- منزلة أهل البيت (عليهم السلام) ... 103

25- آيات في فضل الإمام (عليه السلام) ... 105

26- روايات في فضل الإمام (عليه السلام) ... 109

إنه (عليه السلام) خير البشر... 111

27- حرب الجمل... 114

28- حرب صفين... 124

29- حرب النهروان... 139

إنه (عليه السلام) لم يبدأ بحرب... 142

30- اللين واللاعنف... 144

31- بيت المال... 146

32- الحياء والعفة... 149

33- الشورى والاستشارة... 153

روايات في الاستشارة... 153

34- العلم والعلماء... 157

مع طالب العلم... 157

كمال الدين... 157

الناس ثلاثة... 158

من الفقيه؟... 158

قلب العالم... 158

علائم العالم... 159

من حق العالم... 159

العالم غير العامل... 159

35- التعددية... 161

36- الحريات الإسلامية... 162

37- حقوق المعارضة... 165

مع المتخلفين عن البيعة... 165

مع الطلحة والزبير... 166

بدعة التراويح... 167

هذه بهذه... 167

عفو عن ذنب... 168

مع أسرى الجمل... 168

مع أسرى الشام... 169

38- المرأة وحقوقها 170

مع المرأة وأيتامها 170

مع جارية تبكي... 171

زوجي ظلمني... 172

روايات في المرأة... 173

39- الشعائر الدينية... 175

40- الصلاة... 177

41- الشعائر الحسينية... 179

42- دعاء الفرج... 185

43- صفة المؤمن... 186

44- الحث على الزواج... 189

45- مع الشباب... 192

46- في متناول الفقراء... 194

47- جهاد النفس ومخالفة الهوى... 196

أحاديث في مخالفة الهوى... 198

48- تكريم الإنسان... 200

49- حق الناس... 202

50- من هم شيعة علي (عليه السلام) ؟... 204

من ظلامة الشيعة... 206

51- نهج البلاغة... 208

52- قصة الغدير... 214

53- من معاجز الإمام (عليه السلام) ... 217

الإوز ومعرفتها بالإمام (عليه السلام) ... 217

إرجعي خضراء مثمرة... 218

تنقيص ماء الفرات... 218

الفرات والشهادات الثلاث... 219

الحق فرسك... 219

إخبار عن الغيب... 219

رد الشمس... 220

54- استشهاد الإمام (عليه السلام) ... 222

تهدمت واللّه أركان الهدى... 225

مع الأصبغ بن نباتة... 227

55- من وصاياه (عليه السلام) الأخيرة... 230

توصيةً بقاتله! ... 232

لا لإراقة الدماء... 234

56- خضر (عليه السلام) ينعاه... 235

57- دفن الإمام (عليه السلام) ... 236

58- أولاد الإمام (عليه السلام) ... 238

59- زيارة الإمام (عليه السلام) ... 240

60- من روايات الإمام (عليه السلام) ... 244

الفهرس... 249

ص: 254

مؤلفات الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) حول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

أشعة من أمير المؤمنين (عليه السلام)

الحكومة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)

حكومة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

عدالة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام

فضائل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

گذری كوتاه بر زندگی و زمان حضرت أمير المؤمنين (عليه السلام) / فارسي

من حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) / ما بين يديك

من سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

من فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)

نحن والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

ص: 255

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.