بطاقة تعريف: مفید ، محمدبن محمد ، 413 - 336ق .
لقب واسم المنشئ: الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد / تاٴلیف الشیخ المفید الامام ابي عبدالله محمدبن محمدبن النعمان العکبري ، البغدادي ؛ تحقیق موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث .
مواصفات النشر: قم : موسسه آل البیت (علیهم السلام ) ، لاحیاآ التراث ، 1416ق = 1374.
مشخصات ظاهری : ج 2
فروست : (موسسه آل البیت (علیهم السلام ) لاحیاآ التراث ؛ 147 ، 148)
شابک : 964-319-000-52sS 10000ریال (دورة من مجلدين ) ؛ 964-319-000-52sS 10000ریال (دورة من مجلدين ) ؛ 964-319-000-52sS 10000ریال (دوره دوجلدی ) ؛ 964-319-000-52sS 10000ریال (دورة من مجلدين )
حالة الاستماع: قائمة المؤلفين السابقة
ملحوظة: ما قبل الطباعة ، الموتمر العالمی لالفیه الشیخ المفید ، 1413ق . = 1372
ملحوظة: كتاب الرسائل
موضوع : ائمه اثناعشر
امامت
المعرف المضاف: موسسه آل البیت (علیهم السلام ). لاحیاآ التراث
تصنيف الكونجرس: BP36 / 5 / م 7الف 4 1374
تصنيف ديوي: 297 / 95
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 74-7268
معلومات التسجيلة الببليوغرافية: القائمة السابقة
ص: 1
حقوق الطبع المحفوظة
الطبعة الثانية
1429 ه - 2018 م
مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث
بیروت - لبنان - ص ب 34 / 24 - تلفاکس 54131 - هاتف 5448.5
E-mail:alalbayt@inco.com.ib
ص: 2
ص: 3
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
ص: 4
باب
ذكرالإمامِ بعدَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ وتاريخَ مولدِه ، ودلائل إمامتهِ ، ومدّةِ خلافتِه ، ووقتِ
وفاتِه ، وموضعِ قبرِه ، وعددِ أولادِه ، وطرفٍ من أخبارِه
والإمامُ بعدَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ ابنهُ الحسنُ ابنُ سيدةِ نساءِ العالمينَ فاطمةَ بنتِ محمّد سيدِ المرسلينَ صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ الطاهرينَ.
كنيتُه أبومحمّدٍ. ولدَ بالمدينةِ ليلةَ النِّصفِ من شهر رمضانَ سنةَ ثلاثٍ منَ الهجرة ، وَ جَاءَتْ بِهِ فَاطِمَةُ إِلَى اَلنَّبِيِّ ع يَوْمَ اَلسَّابِعِ مِنْ مَوْلِدِهِ فِي خِرْقَةٍ مِنْ حَرِيرِ اَلْجَنَّةِ كَانَ جَبْرَئِيلُ ع نَزَلَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَسَمَّاهُ حَسَناً وَ عَقَّ عَنْهُ كَبْشاً ، رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ اَلتَّمِيمِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهِما السّلامُ (1) .
وَكَانَ اَلْحَسَنُ أَشْبَهَ اَلنَّاسِ بِرَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللهُ علیهِما)خَلْقاً (2)وَسُؤْدُداً وَهَدْياً. رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُعَمَّرٌ ، عَنِ اَلزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اَللَّهِ صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ
ص: 5
مِنَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام (1) .
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّافِعِيُّ (2)عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: (3)أَتَتْ فَاطِمَةُ بِابْنَيْهَا اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ
ص: 6
(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)في شَكْوَاهُ اَلَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ ، هَذَانِ اِبْنَاكَ وَرِّثْهُمَا (1)شَيْئاً» فَقَالَ: «أَمَّا اَلْحَسَنُ فَإِنَّ لَهُ هَدْيِي وَسُؤْدُدِي ، وَأَمَّا اَلْحُسَيْنُ فَإِنَّ لَهُ جُودِي وَشَجَاعَتِي» (2) .
وَكَانَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَصِيَّ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ صلوات الله علیهما عَلَى أَهْلِهِ وَوُلْدِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَوَصَّاهُ بِالنَّظَرِ فِي وُقُوفِهِ وَصَدَقَاتِهِ ، وَكَتَبَ لَهُ (3)عَهْداً مَشْهُوراً وَوَصِيَّةً ظَاهِرَةً فِي مَعَالِمِ اَلدِّينِ وَعُيُونِ اَلحِكْمَةِ وَاَلْآدَابِ ، وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء ، واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفقهاء.
وَلَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)خَطَبَ اَلنَّاسَ اَلْحَسَنُ ع وَذَكَرَ حَقَّهُ فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ أَبِيهِ عَلَى حَرْبِ مَنْ حَارَبَ وَسِلْمِ مَنْ سَالَمَ .
وَرَوَى أَبُومِخْنَفٍ لُوطُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ (4)عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ اَلسَّبِيعِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا : خَطَبَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع صَبِيحَةَ اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي قُبِضَ فِيهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ علیه
ص: 7
السلام ُ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ رَجُلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ اَلْأَوَّلُونَ بِعَمَلٍ ، وَلاَ يُدْرِكُهُ اَلْآخِرُونَ بِعَمَلٍ ، لَقَدْ كَانَ يُجَاهِدُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ فَيَقِيهِ بِنَفْسِهِ ، وَكَانَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)يُوَجِّهُهُ بِرَايَتِهِ فَيَكْنُفُهُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ ، فَلاَ يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اَللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ. وَلَقَدْ تُوُفِّيَ علیهِ السّلامُ فِي اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي عُرِجَ فِيهَا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ علیهِ السّلامُ وَفِيهَا قُبِضَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَصِيُّ مُوسَى ، وَمَا خَلَّفَ صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلاَّ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ ، أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ» ثُمَّ خَنَقَتْهُ اَلْعَبْرَةُ فَبَكَى وَبَكَى اَلنَّاسُ مَعَهُ .
ثُمَّ قَالَ «أَنَا اِبْنُ اَلْبَشِيرِ ، أَنَا اِبْنُ اَلنَّذِيرِ أَنَا اِبْنُ اَلدَّاعِي إِلَى اَللَّهِ بِإِذْنِهِ ، أَنَا اِبْنُ اَلسِّرَاجِ اَلْمُنِيرِ ، أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ أَذْهَبَ اَللَّهُ عَنْهُمُ اَلرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً ، أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ اِفْتَرَضَ اَللَّهُ حُبَّهُمْ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً) (1) فَالْحَسَنَةُ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ»
ثُمَّ جَلَسَ فَقَامَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْعَبَّاسِ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ ، هَذَا اِبْنُ نَبِيِّكُمْ وَوَصِيُّ إِمَامِكُمْ فَبَايِعُوهُ. فَاسْتَجَابَ لَهُ اَلنَّاسُ فَقَالُوا: مَا أَحَبَّهُ إِلَيْنَا ! وَأَوْجَبَ حَقَّهُ عَلَيْنَا!
ص: 8
وَتَبَادَرُوا إِلَى اَلْبَيْعَةِ لَهُ بِالْخِلاَفَةِ (1) ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ اَلْحَادِي وَاَلْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ. فَرَتَّبَ اَلْعُمَّالَ وَأَمَّرَ اَلْأُمَرَاءَ ، وَأَنْفَذَ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ اَلْعَبَّاسِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ إِلَى اَلْبَصْرَةِ ، وَنَظَرَ فِي اَلْأُمُورِ.
وَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَفَاةُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَبِيعَةُ اَلنَّاسِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) دَسَّ رَجُلاً مِنْ حِمْيَرٍ إِلَى اَلْكُوفَةِ ، وَرَجُلاً مِنْ بَلْقَيْنِ (2)إِلَى اَلْبَصْرَةِ ، لِيَكْتُبَا إِلَيْهِ بِالْأَخْبَارِ وَيُفْسِدَا عَلَى اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) اَلْأُمُورَ. فَعَرَفَ ذَلِكَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فَأَمَرَ بِاسْتِخْرَاجِ اَلْحِمْيَرِيِّ مِنْ عِنْدِ حَجَّامٍ بِالْكُوفَةِ فَأُخْرِجَ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ ، وَكَتَبَ إِلَى اَلْبَصْرَةِ فَاسْتُخْرِجَ اَلْقَيْنِيُّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَضُرِبَتْ عُنُقُهُ .
وَكَتَبَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) إِلَى مُعَاوِيَةَ:
«أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّكَ دَسَسْتَ اَلرِّجَالَ لِلاِحْتِيَالِ وَاَلاِغْتِيَالِ ، وَأَرْصَدْتَ اَلْعُيُونَ كَأَنَّكَ تُحِبُّ اَللِّقَاءَ ، (وَمَا أَوْشَكَ ذَلِكَ) (3)!فَتَوَقَّعْهُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ وَبَلَغَنِي أَنَّكَ شَمِتَّ بِمَا لاَ يَشْمَتُ بِهِ ذَوُواَلْحِجَى وَإِنَّمَا مَثَلُكَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اَلْأَوَّلُ:
ص: 9
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلاَفَ اَلَّذِي مَضَى *** تَجَهَّزْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ
فَإِنَّا وَمَنْ قَدْ مَاتَ مِنَّا لَكَالَّذِي *** يَرُوحُ فَيُمْسِي فِي اَلْمَبِيتِ لِيَغْتَدِي»
فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ كِتَابِهِ بِمَا لاَ حَاجَةَ بِنَا إِلَى ذِكْرِهِ (1) .
وكان بين اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وبينَه بعدَ ذلكَ مُكاتباتٌ ومُراسلاتٌ واحتجاجاتٌ للحسنِ (علیهِ السّلامُ) فِى استحقاقِه الأمرَ ، وَتَوَثُّب من تقدَّمَ على أبيه (علیهما السلام) وابتزازِه سُلطان ابنِ عمِّه رسولِ اللّهِ صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ وتحقُقِّهم به دونَه ، وأشياء يطولُ ذكرُها.
وَسَارَ مُعَاوِيَةُ نَحْوَاَلْعِرَاقِ لِيَغْلِبَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا بَلَغَ جِسْرَ مَنْبِجٍ (2)تَحَرَّكَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَبَعَثَ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ فَأَمَرَ اَلْعُمَّالَ بِالْمَسِيرِ ، وَاِسْتَنْفَرَ اَلنَّاسَ لِلْجِهَادِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ ، ثُمَّ خَفَّ مَعَهُ أَخْلاَطٌ مِنَ اَلنَّاسِ بَعْضُهُمْ شِيعَةٌ لَهُ وَلِأَبِيهِ علیهما السّلام ، وَبَعْضُهُمْ مُحَكِّمَةٌ (3)يُؤْثِرُونَ قِتَالَ مُعَاوِيَةَ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَصْحَابُ فِتَنٍ وَطَمَعٍ فِي اَلْغَنَائِمِ ، وَبَعْضُهُمْ شُكَّاكٌ ، وَبَعْضُهُمْ أَصْحَابُ عَصَبِيَّةٍ اِتَّبَعُوا رُؤَسَاءَ قَبَائِلِهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ إِلَى دِينٍ.
ص: 10
فَسَارَ حَتَّى أَتَى حَمَّامَ عُمَرَ (1)ثُمَّ أَخَذَ عَلَى دَيْرِ كَعْبٍ ، فَنَزَلَ سَابَاطَ دُونَ اَلْقَنْطَرَةِ وَبَاتَ هُنَاكَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرَادَ ع أَنْ يَمْتَحِنَ أَصْحَابَهُ وَيَسْتَبْرِئَ أَحْوَالَهُمْ فِي اَلطَّاعَةِ لَهُ ، لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ ، وَيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي لِقَاءِ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ اَلشَّامِ ، فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي اَلنَّاسِ بِ اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً ، فَاجْتَمَعُوا فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: « اَلْحَمْدُ لِلَّهِ بِكُلِّ مَا حَمِدَهُ حَامِدٌ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ كُلَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَاِئْتَمَنَهُ عَلَى اَلْوَحْيِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَوَاَللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُوأَنْ أَكُونَ قَدْ أَصْبَحْتُ -بِحَمْدِ اَللَّهِ - وَمَنِّهِ وَأَنَا أَنْصَحُ خَلْقِ اَللَّهِ لِخَلْقِهِ، وَمَا أَصْبَحْتُ مُحْتَمِلاً عَلَى مُسْلِمٍ ضَغِينَةً وَلاَ مُرِيداً لَهُ بِسُوءٍ وَلاَ غَائِلَةٍ، أَلاَ وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي اَلْجَمَاعَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي اَلْفُرْقَةِ، أَلاَ وَإِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَلاَ تُخَالِفُوا أَمْرِي ،وَلاَ تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِي غَفَرَ اَللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَأَرْشَدَنِي وَإِيَّاكُمْ لِمَا فِيهِ اَلْمَحَبَّةُ وَاَلرِّضَا (2)
قَالَ: فَنَظَرَ اَلنَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: مَا تَرَوْنَهُ يُرِيدُ بِمَا قَالَ؟ قَالُوا: نَظُنُّهُ - وَاَللَّهِ - يُرِيدُ أَنْ يُصَالِحَ مُعَاوِيَةَ وَيُسَلِّمَ اَلْأَمْرَ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: كَفَرَ - وَاَللَّهِ - اَلرَّجُلُ ثُمَّ شَدُّوا عَلَى فُسْطَاطِهِ فَانْتَهَبُوهُ ، حَتَّى أَخَذُوا مُصَلاَّهُ مِنْ تَحْتِهِ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جُعَالٍ اَلْأَزْدِيُّ فَنَزَعَ مِطْرَفَهُ (3)عَنْ عَاتِقِهِ، فَبَقِيَ جَالِساً مُتَقَلِّداً اَلسَّيْفَ بِغَيْرِ
ص: 11
رداءٍ.
ثُمَّ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ، وَأَحْدَقَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَمَنَعُوا مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ ، فَقَالَ «اُدْعُوا إِلَيَّ (1)رَبِيعَةَ وَهَمْدَانَ» فَدُعُوا لَهُ فَأَطَافُوا بِهِ وَدَفَعُوا اَلنَّاسَ عَنْهُ. وَسَارَ وَمَعَهُ شَوْبٌ (2)مِنَ اَلنَّاسِ، فَلَمَّا مَرَّ فِي مُظْلَمِ سَابَاطَ بَدَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ: اَلْجَرَّاحُ بْنُ سِنَانٍ، فَأَخَذَ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ وَبِيَدِهِ مِغْوَلٌ (3)وَقَالَ اَللَّهُ أَكْبَرُ ، أَشْرَكْتَ - يَا حَسَنُ -كَمَا أَشْرَكَ أَبُوكَ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ طَعَنَهُ فِي فَخِذِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى بَلَغَ اَلْعَظْمَ، فَاعْتَنَقَهُ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَخَرَّا جَمِيعاً إِلَى اَلْأَرْضِ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ اَلْحَسَنِ ع يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ خَطَلٍ اَلطَّائِيُّ ، فَانْتَزَعَ اَلْمِغْوَلَ مِنْ يَدِهِ وَخَضْخَضَ بِهِ جَوْفَهُ ، وَأَكَبَّ عَلَيْهِ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: ظَبْيَانُ بْنُ عُمَارَةَ : فَقَطَعَ أَنْفَهُ ، فَهَلَكَ مِنْ ذَلِكَ. وَأُخِذَ آخَرُ كَانَ مَعَهُ فَقُتِلَ.
وَحُمِلَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَلَى سَرِيرٍ إِلَى اَلْمَدَائِنِ، فَأُنْزِلَ بِهِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيِّ ، وَكَانَ عَامِلَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)بِهَا فَأَقَرَّهُ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَلَى ذَلِكَ وَاِشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ يُعَالِجُ جُرْحَهُ.
وَكَتَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اَلْقَبَائِلِ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي اَلسِّرِّ، وَاِسْتَحَثُّوهُ عَلَى اَلسَّيْرِ نَحْوَهُمْ وَضَمِنُوا لَهُ تَسْلِيمَ اَلْحَسَنِ ع إِلَيْهِ عِنْدَ دُنُوِّهِمْ مِنْ عَسْكَرِهِ أَوِ اَلْ فَتْكَ بِهِ وَبَلَغَ اَلْحَسَنَ ذَلِكَ. وَوَرَدَ
ص: 12
عَلَيْهِ كِتَابُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ قَدْ أَنْفَذَهُ مَعَ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ عِنْدَ مَسِيرِهِ مِنَ اَلْكُوفَةِ، لِيَلْقَى مُعَاوِيَةَ وَيَرُدَّهُ عَنِ اَلْعِرَاقِ ، وَجَعَلَهُ أَمِيراً عَلَى اَلْجَمَاعَةِ وَقَالَ: «إِنْ أُصِبْتَ فَالْأَمِيرُ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ» فَوَصَلَ كِتَابُ اِبْنِ سَعْدٍ يُخْبِرُهُ أَنَّهُمْ نَازَلُوا مُعَاوِيَةَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا اَلْحَبُّونِيَّةُ (1)بِإِزَاءِ مَسْكِنَ (2)، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَرْسَلَ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ يُرَغِّبُهُ فِي اَلْمَصِيرِ إِلَيْهِ، وَضَمِنَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، يُعَجِّلُ لَهُ مِنْهَا اَلنِّصْفَ وَيُعْطِيهِ اَلنِّصْفَ اَلْآخَرَ عِنْدَ دُخُولِهِ اَلْكُوفَةَ فَانْسَلَّ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْعَبَّاسِ فِي اَللَّيْلِ إِلَى مُعَسْكَرِ (3)مُعَاوِيَةَ فِي خَاصَّتِهِ، وَأَصْبَحَ اَلنَّاسُ قَدْ فَقَدُوا أَمِيرَهُمْ ، فَصَلَّى بِهِمْ قَيْسٌ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَنَظَرَ فِي أُمُورِهِمْ.
فَازْدَادَتْ بَصِيرَةُ اَلْحَسَنِ ع بِخِذْلاَنِ اَلْقَوْمِ لَهُ، وَفَسَادِ نِيَّاتِ اَلْمُحَكِّمَةِ فِيهِ بِمَا أَظْهَرُوهُ لَهُ مِنْ اَلسَّبِّ وَاَلتَّكْفِيرِ وَاِسْتِحْلاَلِ دَمِهِ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَنْ يَأْمَنُ غَوَائِلَهُ إِلاَّ خَاصَّةٌ مِنْ شِيعَتِهِ وَشِيعَةِ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ علیهِ السّلامُ ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ لاَ تَقُومُ لِأَجْنَادِ اَلشَّامِ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فِي اَلْهُدْنَةِ وَاَلصُّلْحِ وَأَنْفَذَ إِلَيْهِ بِكُتُبِ أَصْحَابِهِ اَلَّتِي ضَمِنُوا لَهُ فِيهَا اَلْفَتْكَ بِهِ وَتَسْلِيمَهُ إِلَيْهِ وَاِشْتَرَطَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى صُلْحِهِ شُرُوطاً كَثِيرَةً وَعَقَدَ لَهُ عُقُوداً كَانَ فِي اَلْوَفَاءِ بِهَا مَصَالِحُ
ص: 13
شَامِلَةٌ، فَلَمْ يَثِقْ بِهِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَعَلِمَ اِحْتِيَالَهُ بِذَلِكَ وَاِغْتِيَالَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ بُدّاً مِنْ إِجَابَتِهِ إِلَى مَا اِلْتَمَسَ (مِنْ تَرْكِ )(1)اَلْحَرْبِ وَإِنْفَاذِ اَلْهُدْنَةِ ،لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِمَّا وَصَفْنَاهُ مِنْ ضَعْفِ اَلْبَصَائِرِ فِي حَقِّهِ وَاَلْفَسَادِ عَلَيْهِ وَاَلْخَلَفِ مِنْهُمْ لَهُ، وَمَا اِنْطَوَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فِي اِسْتِحْلاَلِ دَمِهِ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى خَصْمِهِ، وَمَا كَانَ فِي خِذْلاَنِ اِبْنِ عَمِّهِ لَهُ وَمَصِيرِهِ إِلَى عَدُوِّهِ ،وَمِيلِ اَلْجُمْهُورِ مِنْهُمْ إِلَى اَلْعَاجِلَةِ وَزُهْدِهِمْ فِي اَلْآجِلَةِ.
فَتَوَثَّقَ ع لِنَفْسِهِ مِنْ مُعَاوِيَةَ لِتَأْكِيدِ اَلْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَاَلْإِعْذَارِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِنْدَ كَافَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ، وَاِشْتَرَطَ عَلَيْهِ تَرْكَ سَبِّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَاَلْعُدُولَ عَنِ اَلْقُنُوتِ عَلَيْهِ فِي اَلصَّلَوَاتِ، وَأَنْ يُؤْمِنَ شِيعَتَهُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ وَلاَ يَتَعَرَّضَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِسُوءٍ، وَيُوصِلَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْهُمْ حَقَّهُ . فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَاهَدَهُ عَلَيْهِ وَحَلَفَ لَهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ.
فَلَمَّا اِسْتَتَمَّتِ اَلْهُدْنَةُ عَلَى ذَلِكَ، سَارَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ بِالنُّخَيْلَةِ (2)، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ضُحَى اَلنَّهَارِ، فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنِّي وَاَللَّهِ مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا وَلاَ لِتَصُومُوا وَلاَ لِتَحُجُّوا وَلاَ لِتُزَكُّوا، إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَانِيَ اَللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ. أَلاَ وَإِنِّي كُنْتُ مَنَّيْتُ اَلْحَسَنَ وَأَعْطَيْتُهُ أَشْيَاءَ وَجَمِيعُهَا تَحْتَ قَدَمَيَّ لاَ أَفِي بِشَيْءٍ مِنْهَا لَهُ.
ص: 14
ثُمَّ سَارَ حَتَّى دَخَلَ اَلْكُوفَةَ فَأَقَامَ بِهَا أَيَّاماً، فَلَمَّا اِسْتَتَمَّتِ اَلْبَيْعَةُ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا، صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَخَطَبَ اَلنَّاسَ ، وَذَكَرَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَنَالَ مِنْهُ وَنَالَ مِنَ اَلْحَسَنِ ، وَكَانَ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ صلواتُ اللّه علیهما حَاضِرَيْنِ ، فَقَامَ اَلْحُسَيْنُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ اَلْحَسَنُ وَأَجْلَسَهُ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: «أَيُّهَا اَلذَّاكِرُ عَلِيّاً أَنَا اَلْحَسَنُ وَأَبِي عَلِيٌّ ، وَأَنْتَ مُعَاوِيَةُ وَأَبُوكَ صَخْرٌ ، وَأُمِّي فَاطِمَةُ وَأُمُّكَ هِنْدٌ ، وَجَدِّي رَسُولُ اَللَّهِ وَجَدُّكَ حَرْبٌ ، وَجَدَّتِي خَدِيجَةُ وَجَدَّتُكَ قُتَيْلَةُ ، فَلَعَنَ اَللَّهُ أَخْمَلَنَا ذِكْراً ، وَأَلْأَمَنَا حَسَباً ، وَشَرَّنَا قَدَماً ، وَأَقْدَمَنَا كُفْراً وَنِفَاقاً» فَقَالَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ اَلْمَسْجِدِ: آمِينَ آمِينَ.
وَلَمَّا اِسْتَقَرَّ اَلصُّلْحُ بَيْنَ اَلْحَسَنِ صلوات اللّه علیه وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، خَرَجَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) إِلَى اَلْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا كَاظِماً غَيْظَهُ ، لاَزِماً مَنْزِلَهُ ، مُنْتَظِراً لِأَمْرِ رَبِّهِ جَلَّ اِسْمُهُ ، إِلَى أَنْ تَمَّ لِمُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ مِنْ إِمَارَتِهِ وَعَزَمَ عَلَى اَلْبَيْعَةِ لاِبْنِهِ يَزِيدَ ، فَدَسَّ إِلَى جَعْدَةَ بِنْتِ اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَتْ زَوْجَةَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) مَنْ حَمَلَهَا عَلَى سَمِّهِ وَضَمِنَ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِابْنِهِ يَزِيدَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَقَتْهُ جَعْدَةُ اَلسَّمَّ ، فَبَقِيَ ع مَرِيضاً أَرْبَعِينَ يَوْماً ، وَمَضَى ع لِسَبِيلِهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً فَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ ، وَتَوَلَّى أَخُوهُ وَوَصِيُّهُ اَلْحُسَيْنُ ع غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ وَدَفَنَهُ عِنْدَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهَا بِالْبَقِيعِ .
ص: 15
فصل
فمن الأخبار التي جاءت بسبب وفاة اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وما ذكرناه من سم معاوية له ، وقصة دفنه وما جرى من الخوض في ذلك والخطاب:
مَا رَوَاهُ عِيسَى بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى جَعْدَةَ بِنْتِ اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: أَنِّي مُزَوِّجُكِ (يَزِيدَ اِبْنِي) (1)عَلَى أَنْ تَسُمِّي اَلْحَسَنَ ، وَبَعَثَ إِلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَتْ وَسَمَّتِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فَسَوَّغَهَا اَلْمَالَ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا مِنْ يَزِيدَ ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ آلِ طَلْحَةَ فَأَوْلَدَهَا ، فَكَانَ إِذَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بُطُونِ قُرَيْشٍ كَلاَمٌ عَيَّرُوهُمْ وَقَالُوا: يَا بَنِي مُسِمَّةِ اَلْأَزْوَاجِ (2) .
وَرَوَى عِيسَى بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ:حَدَّثَنَا اِبْنُ عَوْنٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:كُنْتُ مَعَ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ صلواتُ اللّه علیهما فِي اَلدَّارِ ، فَدَخَلَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) اَلْمَخْرَجَ (3)ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لَقَدْ سُقِيتُ اَلسَّمَّ مِرَاراً ، مَا سُقِيتُهُ مِثْلَ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ ، لَقَدْ لَفَظْتُ قِطْعَةً مِنْ كَبِدِي ، فَجَعَلْتُ أَقْلِبُهَا بِعُودٍ مَعِي» فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ
ص: 16
علیهِ السّلامُ: «وَمَنْ سَقَاكَهُ؟» فَقَالَ: «وَمَا تُرِيدُ مِنْهُ؟ أَ تُرِيدُ قَتْلَهُ ، إِنْ يَكُنْ هُوَهُوَفَاللَّهُ أَشَدُّ نَقِمَةً مِنْكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَفَمَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِي بَرِيءٌ» (1) .
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ زِيَادٍ اَلْمُخَارِقِيِّ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) اَلْوَفَاةُ اِسْتَدْعَى اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام فَقَالَ «يَا أَخِي ، إِنِّي مُفَارِقُكَ وَلاَحِقٌ بِرَبِّي جَلَّ وَعَزَّ وَقَدْ سُقِيتُ اَلسَّمَّ وَرَمَيْتُ بِكَبِدِي فِي اَلطَّسْتِ ، وَإِنِّي لَعَارِفٌ بِمَنْ سَقَانِيَ اَلسَّمَّ ، وَمِنْ أَيْنَ دُهِيتُ ، وَأَنَا أُخَاصِمُهُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى ، فَبِحَقِّي عَلَيْكَ إِنْ تَكَلَّمْتَ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ ، وَاِنْتَظِرْ مَا يُحْدِثُ اَللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيَّ ، فَإِذَا قَضَيْتُ فَغَمِّضْنِي وَغَسِّلْنِي وَكَفِّنِّي وَاِحْمِلْنِي عَلَى سَرِيرِي إِلَى قَبْرِ جَدِّي رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لِأُجَدِّدَ بِهِ عَهْداً ، ثُمَّ رُدَّنِي إِلَى قَبْرِ جَدَّتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهَا فَادْفِنِّي هُنَاكَ.
وَسَتَعْلَمُ يَا اِبْنَ أُمِّ أَنَّ اَلْقَوْمَ يَظُنُّونَ أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ دَفْنِي عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَيَجْلِبُونَ فِي مَنْعِكُمْ عَنْ ذَلِكَ ، وَبِاللَّهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ تُهَرِيقَ فِي أَمْرِي مِحْجَمَةَ دَمٍ ، ثُمَّ وَصَّى علیهِ السّلامُ إِلَيْهِ بِأَهْلِهِ وَوُلْدِهِ وَتَرِكَاتِهِ وَمَا كَانَ وَصَّى بِهِ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)حِينَ اِسْتَخْلَفَهُ وَأَهَّلَهُ لِمَقَامِهِ ، وَدَلَّ شِيعَتَهُ عَلَى اِسْتِخْلاَفِهِ وَنَصْبِهِ لَهُمْ عَلَماً مِنْ بَعْدِهِ.
ص: 17
فَلَمَّا مَضَى ع لِسَبِيلِهِ غَسَّلَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ وَكَفَّنَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى سَرِيرِهِ ، وَلَمْ يَشُكَّ مَرْوَانُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَنَّهُمْ سَيَدْفِنُونَهُ عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَتَجَمَّعُوا لَهُ وَلَبِسُوا اَلسِّلاَحَ ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ بِهِ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام إِلَى قَبْرِ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لِيُجَدِّدَ بِهِ عَهْداً أَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ فِي جَمْعِهِمْ ، وَلَحِقَتْهُمْ عَائِشَةُ عَلَى بَغْلٍ وَهِيَ تَقُولُ: مَا لِي وَلَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُدْخِلُوا بَيْتِي مَنْ لاَ أُحِبُّ وَجَعَلَ مَرْوَانُ يَقُولُ:
يَا رُبَّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهْ
أَ يُدْفَنُ عُثْمَانُ فِي أَقْصَى اَلْمَدِينَةِ ، وَيُدْفَنُ اَلْحَسَنُ مَعَ اَلنَّبِيِّ؟! لاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَبَداً وَأَنَا أَحْمِلُ اَلسَّيْفَ.
وَكَادَتِ اَلْفِتْنَةُ تَقَعُ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ ، فَبَادَرَ اِبْنُ عَبَّاسٍ إِلَى مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ : اِرْجِعْ يَا مَرْوَانُ مِنْ حَيْثُ جِئْتَ فَإِنَّا مَا نُرِيدُ (أَنْ نَدْفِنَ صَاحِبَنَا) (1)عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لَكِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُجَدِّدَ بِهِ عَهْداً بِزِيَارَتِهِ ، ثُمَّ نَرُدَّهُ إِلَى جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ ع فَنَدْفِنَهُ عِنْدَهَا بِوَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ وَصَّى بِدَفْنِهِ مَعَ اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لَعَلِمْتَ أَنَّكَ أَقْصَرُ بَاعاً مِنْ رَدِّنَا عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ ع كَانَ أَعْلَمَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِحُرْمَةِ قَبْرِهِ مِنْ أَنْ يُطَرِّقَ عَلَيْهِ هَدْماً كَمَا طَرَّقَ ذَلِكَ ، غَيْرُهُ وَدَخَلَ بَيْتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: وَا سَوْأَتَاهْ يَوْماً عَلَى بَغْلٍ وَيَوْماً عَلَى جَمَلٍ ، تُرِيدِينَ أَنْ تُطْفِئِي نُورَ اَللَّهِ ، وَتُقَاتِلِينَ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ ، اِرْجِعِي
ص: 18
فَقَدْ كُفِيتِ اَلَّذِي تَخَافِينَ وَبَلَغْتِ مَا تُحِبِّينَ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنْتَصِرٌ لِأَهْلِ هَذَا اَلْبَيْتِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ (1)
وَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ وَاَللَّهِ لَوْ لاَ عَهْدُ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) إِلَيَّ بِحَقْنِ اَلدِّمَاءِ وَأَنْ لاَ أُهَرِيقَ فِي أَمْرِهِ مِحْجَمَةَ دَمٍ لَعَلِمْتُمْ كَيْفَ تَأْخُذُ سُيُوفُ اَللَّهِ مِنْكُمْ مَأْخَذَهَا وَقَدْ نَقَضْتُمُ اَلْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَأَبْطَلْتُمْ مَا اِشْتَرَطْنَا عَلَيْكُمْ لِأَنْفُسِنَا.
وَمَضَوْا بِالْحَسَنِ ع فَدَفَنُوهُ بِالْبَقِيعِ عِنْدَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا وَأَسْكَنَهَا جَنَّاتِ اَلنَّعِيمِ (2) .
ص: 19
باب
ذكر ولد الحسنِ بنِ عليّ عليهماالسّلامُ وعددِهم وأسمائهم وطرفٍ من أخبارِهم
أولادُ الحسنِ بنِ عليٍّ خمسةَ عشرَ ولداً ذكراً وأُنثى : زيدُ بنُ الحسنِ وأُختاه أّمّ الحسنِ وأُمّ الحسينِ أُمُّهم أُمُّ بَشيرٍ بنتُ أبي مسعودٍ عُقْبة بن عمرو بنِ ثعلبةَ الخزرجيّةُ.
والحسنُ بنُ الحسنِ أُمُّه خَوْلةُ بنتُ منظورٍ الفَزاريّةُ.
وعَمْرُو بنُ الحسنِ وأخَواه القاسمُ وعبدُاللهِ ابنا الحسنِ أمُّهم أُمُّ ولدٍ.
وعبدُ الرحمن بن الحسنِ أُمُّه أُمُّ ولدٍ.
والحسين بنُ الحسنِ الملقّب بالأثرم وأخوه طلحةُ بنُ الحسنِ وأُختُهما فاطمةُ بنتُ الحسن ، أُمهم أُمُّ إِسحَاقَ بنتُ طلحةَ بن عبيدِاللهِ التّيميِّ.
وأُمُّ عبدِاللهِ وفاطمةُ وأُمُّ سَلَمَةَ ورُقيّةُ بناتُ الحسنِ 7 لأمهاتِ أولادٍ شتّى.
فصل
فأمّا زيدُ بن الحسن رضيَ الله عنه فكانَ على صدقاتِ رسولِ الله ِ
ص: 20
صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ وأسن ، وكانَ جليلَ القدر كريمَ الطّبِع ظَلِفَ النفس (1)كثيرَ البِرِّ ، ومدحَه الشّعراءُ وقصدَه النّاسُ منَ الآفاقِ لطلبِ فضلهِ.
فَذَكَرَ أَصْحَابُ اَلسِّيرَةِ : أَنَّ زَيْدَ بْنَ اَلْحَسَنِ كَانَ يَلِي صَدَقَاتِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَلَمَّا وُلِّيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اَلْمَلِكِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَاعْزِلْ زَيْداً عَنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَاِدْفَعْهَا إِلَى فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ - رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ - وَأَعِنْهُ عَلَى مَا اِسْتَعَانَكَ عَلَيْهِ ، وَاَلسَّلاَمُ .
فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ إِذَا كِتَابٌ قَدْ جَاءَ (2)مِنْهُ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ اَلْحَسَنِ شَرِيفُ بَنِي هَاشِمٍ وَذُوسِنِّهِمْ ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَارْدُدْ إِلَيْهِ صَدَقَاتِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَأَعِنْهُ عَلَى مَا اِسْتَعَانَكَ عَلَيْهِ وَاَلسَّلاَمُ (3)
وَفِي زَيْدِ بْنِ اَلْحَسَنِ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ اَلْخَارِجِيُّ:
إِذَا نَزَلَ اِبْنُ اَلْمُصْطَفَى بَطْنَ تَلْعَةٍ (4)*** نَفَى جَدْبَهَا وَاِخْضَرَّ بِالنَّبْتِ عُودُهَا
وَزَيْدٌ رَبِيعُ اَلنَّاسِ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ *** إِذَا أَخْلَفَتْ أَنْوَاؤُهَا (5)وَرُعُودُهَا
ص: 21
حَمُولٌ لِأَشْنَاقِ (1)اَلدِّيَاتِ كَأَنَّهُ *** سِرَاجُ اَلدُّجَى إِذْ قَارَنَتْهُ سُعُودُهَا (2).
وَمَاتَ زَيْدٌ وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً ، فَرَثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلشُّعَرَاءِ وَذَكَرُوا مَآثِرَهُ وَبَكَوْا فَضْلَهُ ، فَمِمَّنْ رَثَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى اَلْجُمَحِيُّ فَقَالَ:
فَإِنْ يَكُ زَيْدٌ غَالَتِ اَلْأَرْضُ شَخْصَهُ *** فَقَدْ بَانَ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ وَجُودُ
وَإِنْ يَكُ أَمْسَى رَهْنَ رَمْسٍ فَقَدْ ثَوَى *** بِهِ وَهُوَمَحْمُودُ اَلْفِعَالِ فَقِيدُ
سَمِيعٌ إِلَى اَلْمُعْتَرِّ يَعْلَمُ أَنَّهُ *** سَيَطْلُبُه اَلْمَعْرُوفُ ثُمَّ يَعُودُ
وَلَيْسَ بِقَوَّالٍ وَقَدْ حَطَّ رَحْلَهُ *** لِمُلْتَمِسِ اَلْمَعْرُوفِ أَيْنَ تُرِيدُ
إِذَا قَصَّرَ اَلْوَغْدُ اَلدَّنِيُّ نَمَا بِهِ *** إِلَى اَلْمَجْدِ آبَاءٌ لَهُ وَجُدُودُ
مَبَاذِيلُ لِلْمَوْلَى مَحَاشِيدُ لِلْقِرَى *** وَفِي اَلرَّوْعِ عِنْدَ اَلنَّائِبَاتِ أُسُودُ
إِذَا اُنْتُحِلَ اَلْعِزُّ اَلطَّرِيفُ فَإِنَّهُمْ *** لَهُمْ إِرْثُ مَجْدٍ مَا يُرَامُ تَلِيدُ
إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌ *** كَرِيمٌ يُبَنِّي بَعْدَهُ وَيَشِيدُ.(3).
فِي أَمْثَالِ هَذَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ اَلْكِتَابُ.
وَخَرَجَ زَيْدُ بْنُ اَلْحَسَنِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ مِنَ اَلدُّنْيَا وَلَمْ يَدَّعِ اَلْإِمَامَةَ ، وَلاَ اِدَّعَاهَا لَهُ مُدَّعٍ مِنَ اَلشِّيعَةِ وَلاَ غَيْرِهِمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ اَلشِّيعَةَ رَجُلاَنِ: إِمَامِيُّ
ص: 22
وَزَيْدِيٌّ ، فَالْإِمَامِيُّ يَعْتَمِدُ فِي اَلْإِمَامَةِ اَلنُّصُوصَ ، وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِي وُلْدِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بِاتِّفَاقٍ ، وَلَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ فَيَقَعَ فِيهِ اِرْتِيَابٌ .
وَاَلزَّيْدِيُّ يُرَاعِي فِي اَلْإِمَامَةِ بَعْدَ عَلِيٍّ وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ صلواتُ اللّه علیهما اَلدَّعْوَةَ وَاَلْجِهَادَ ، وَزَيْدُ بْنُ اَلْحَسَنِ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ مُسَالِماً لِبَنِي أُمَيَّةَ وَمُتَقَلِّداً مِنْ قِبَلِهِمُ اَلْأَعْمَالَ ، وَكَانَ رَأْيُهُ اَلتَّقِيَّةَ لِأَعْدَائِهِ وَاَلتَّأَلُّفَ لَهُمْ وَاَلْمُدَارَاةَ ، وَهَذَا يُضَادُّ عِنْدَ اَلزَّيْدِيَّةِ عَلاَمَاتِ اَلْإِمَامَةِ كَمَا حَكَيْنَاهُ.
فَأَمَّا اَلْحَشْوِيَّةُ فَإِنَّهَا تَدِينُ بِإِمَامَةِ بَنِي أُمَيَّةَ ، وَلاَ تَرَى لِوُلْدِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)إِمَامَةً عَلَى حَالٍ.
وَاَلْمُعْتَزِلَةُ لاَ تَرَى اَلْإِمَامَةَ إِلاَّ فِيمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهَا فِي اَلاِعْتِزَالِ ، وَمَنْ تَوَلَّوْا - هُمْ - اَلْعَقْدَ لَهُ بِالشُّورَى وَاَلاِخْتِيَارِ ، وَزَيْدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ اَلْأَحْوَالِ. وَاَلْخَوَارِجُ لاَ تَرَى إِمَامَةَ مَنْ تَوَلَّى أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ ، وَزَيْدٌ كَانَ مُتَوَلِّياً أَبَاهُ وَجَدَّهُ بِلاَ اِخْتِلاَفٍ.
فصل
فأما الحسن بن الحسن فكان جليلا رئيسا فاضلا ورعا ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين (علیهِ السّلامُ) في وقته ، وَلَهُ مَعَ اَلْحَجَّاجِ خَبَرٌ رَوَاهُ اَلزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: كَانَ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ وَالِياً صَدَقَاتِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)فِي عَصْرِهِ ، فَسَايَرَ يَوْماً اَلْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ فِي مَوْكِبِهِ - وَهُوَإِذْ ذَاكَ أَمِيرُ اَلْمَدِينَةِ - فَقَالَ لَهُ اَلْحَجَّاجُ: أَدْخِلْ
ص: 23
عُمَرَ بْنَ عَلِيٍّ مَعَكَ فِي صَدَقَةِ أَبِيهِ ، فَإِنَّهُ عَمُّكَ وَبَقِيَّةُ أَهْلِكَ ، فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ: لاَ أُغَيِّرُ شَرْطَ عَلِيٍّ وَلاَ أُدْخِلُ فِيهَا مَنْ لَمْ يُدْخِلْ ، فَقَالَ لَهُ اَلْحَجَّاجُ إِذاً أُدْخِلَهُ أَنَا مَعَكَ .
فَنَكَصَ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَنْهُ (حَتَّى غَفَلَ) (1)اَلْحَجَّاجُ ، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى عَبْدِ اَلْمَلِكِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ وَوَقَفَ بِبَابِهِ يَطْلُبُ اَلْإِذْنَ ، فَمَرَّ بِهِ يَحْيَى اِبْنُ أُمِّ اَلْحَكَمِ فَلَمَّا رَآهُ يَحْيَى مَالَ إِلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ مَقْدَمِهِ وَخَبَرِهِ ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَأَنْفَعُكَ عِنْدَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي عَبْدَ اَلْمَلِكِ - فَلَمَّا دَخَلَ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَلَى عَبْدِ اَلْمَلِكِ رَحَّبَ بِهِ وَأَحْسَنَ مُسَاءَلَتَهُ ، وَكَانَ اَلْحَسَنُ قَدْ أَسْرَعَ إِلَيْهِ اَلشَّيْبُ ، وَيَحْيَى اِبْنُ أُمِّ اَلْحَكَمِ فِي اَلْمَجْلِسِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَلْمَلِكِ: لَقَدْ أَسْرَعَ إِلَيْكَ اَلشَّيْبُ يَا بَا مُحَمَّدٍ فَقَالَ يَحْيَى: وَمَا يَمْنَعُهُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ؟ شَيَّبَهُ أَمَانِيُّ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ ، يَفِدُ (2)عَلَيْهِ اَلرَّكْبُ يُمَنُّونَهُ اَلْخِلاَفَةَ. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ اَلْحَسَنُ فَقَالَ: بِئْسَ وَاَللَّهِ اَلرِّفْدُ رَفَدْتَ ، لَسْتُ (3)كَمَا قُلْتَ ، ووَلَكِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يُسْرِعُ إِلَيْنَا اَلشَّيْبُ. وَعَبْدُ اَلْمَلِكِ يَسْمَعُ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اَلْمَلِكِ فَقَالَ:هَلُمَّ بِمَا (4)قَدِمْتَ لَهُ ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ اَلْحَجَّاجِ فَقَالَ:لَيْسَ ذذَلِكَ لَهُ أَكْتُبُ إِلَيْهِ كِتَاباً لاَ يَتَجَاوَزُهُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ وَوَصَلَ اَلْحَسَنَ بْنَ ااَلْحَسَنِ فَأَحْسَنَ صِلَتَهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ لَقِيَهُ يَحْيَى اِبْنُ أُمِّ اَلْحَكَمِ ، فَعَاتَبَهُ اَلْحَسَنُ عَلَى
ص: 24
سُوءِ مَحْضَرِهِ وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا اَلَّذِي وَعَدْتَنِي بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: إِيهاً عَنْكَ ، فَوَاَللَّهِ لاَ يَزَالُ يَهَابُكَ ، وَلَوْ لاَ هَيْبَتُكَ مَا قَضَى لَكَ حَاجَةً ، وَمَا أَلَوْتُكَ رِفْداً (1).
وَكَانَ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ حَضَرَ مَعَ عَمِّهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع اَلطَّفَّ ، فَلَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ وَأُسِرَ اَلْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِهِ ، جَاءَهُ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ فَانْتَزَعَهُ مِنْ بَيْنِ اَلْأَسْرَى وَقَالَ: وَاَللَّهِ لاَ يُوصَلُ إِلَى اِبْنِ خَوْلَةَ أَبَداً فَقَالَ:عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: دَعُوا لِأَبِي حَسَّانَ اِبْنَ أُخْتِهِ. وَيُقَالُ إِنَّهُ أُسِرَ وَكَانَ بِهِ جِرَاحٌ قَدْ أَشْفَى مِنْهَا.
وَرُوِيَ: أَنَّ اَلْحَسَنَ بْنَ اَلْحَسَنِ خَطَبَ إِلَى عَمِّهِ اَلْحُسَيْنِ ع إِحْدَى اِبْنَتَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ: «اِخْتَرْ يَا بُنَيَّ أَحَبَّهُمَا إِلَيْكَ» فَاسْتَحْيَا اَلْحَسَنُ وَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: «فَإِنِّي قَدِ اِخْتَرْتُ لَكَ اِبْنَتِي فَاطِمَةَ ، وَهِيَ أَكْثَرُهُمَا شَبَهاً بِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی الله علیهما ). (2)
وقُبضَ الحسنُ بنُ الحسنِ رضوانَ اللهِ عليه وله خمسُ وثلاثونَ سنةً وأخَوه زيدُ بنُ الحسنِ حيُّ ، ووصّى إِلى أخيه من أُمِّه إِبراهيم بن محمّدِ بنِ طلحةَ.
ص: 25
ولمّا ماتَ الحسنُ بنُ الحسنِ رحمةُ اللهِّ عليه ضَرَبَتْ زوجتُه فاطمةُ بنتُ الحسينِ على قبرِه فسطاطاً ، وكانتْ تقومُ الليلَ وتصومُ النّهارَ ، وكانتْ تُشبَّهُ بالحورِ العينِ لجمالِها ، فلمّا كانَ رأسُ السّنةِ قالتْ لمواليها : إِذا أظلمَ الليلُ فقَوِّضُوا هذا الفسطاطَ ، فلمّا أظلمَ الليلُ سَمِعَتْ قائلاً يقول هَلْ وَجَدُوا ما فَقَدُوا؟ فاجابَه آخرُ : بَلْ يَئِسُوْا فانْقَلَبُوْا.
ومضى الحسنُ بنُ الحسنِ ولم يَدَّعِ الأمامةَ ولا ادّعاها له مُدَّعٍ ، كما وصفْناه من حالِ أخيه زيدٍ رحمةُ اللّهِ عليهما.
وأمّا عَمْروٌ والقاسمُ وعبدُ اللهِ بنو الحسنِ بنِ عليّ رضوانُ اللهِ عليهم فإِنَّهم استُشْهِدُوا بينَ يَدَيْ عمِّهم الحسينِ علیهِ السّلامُ بالطّفِّ رضيَ الله عنهم وأرضاهم وأحسنَ عن الدِّينِ والإسلام وأهلهِ جَزاءهم.
وعبدُ الرّحمن بن الحسنِ رضيَ اللهُ عنه خرجَ معَ عمِّه الحسينِ علیهِ السّلامُ إِلى الحجِّ فتُوفِّيَ بالأبواءِ وهومُحْرِمٌ.
والحسينُ بنُ الحسنِ المعروفُ بالأثرم كانَ له فضلٌ ولم يكنْ له ذِكر في ذلك.
ص: 26
باب
ذكر الأمام بعدَ الحسنِ بنِ عليّ عليهما السّلامُ وتارَيخ مولدِه ، ودلائل إمامتهِ ،
ومبلغ سنِّه ، ومدّة خلافتِه ، ووقت وفاتِه وسببها ، وموضع قبرِه ، وعدد أولادِه ، ومختصر من أخبارِه.
والإمام بعد الحسن بن علي (علیهما السلام)أخوه الحسين بن عليٍّ ، ابنُ فاطمة بنت رسول الله(صلّی الله علیهم ) بنص أبيه وجده عليه ، ووصية أخيه الحسن إليه.
كنيتهُ أبو عبدِاللهِّ. وُلِدَ بالمدينةِ لخمسِ ليالٍ خَلَوْنَ من شَعبانَ سنةَ أربعٍ منَ الهجرةِ ، وجاءتْ به أُمُّه فاطمةُ علیهِما السلام إِلَى جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَاسْتَبْشَرَ بِهِ وَسَمَّاهُ حُسَيْناً وَعَقَّ عَنْهُ كَبْشاً ، وَهُوَوَأَخُوهُ بِشَهَادَةِ اَلرَّسُولِ(صلی الله علیه وعلیهما)سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ ، وَبِالاِتِّفَاقِ اَلَّذِي لاَ مِرْيَةَ فِيهِ سِبْطَا نَبِيِّ اَلرَّحْمَةِ .
وَكَانَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السّلام يُشْبِهُ بِالنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)مِنْ صَدْرِهِ إِلَى رَأْسِهِ ، وَاَلْحُسَيْنُ يُشْبِهُ بِهِ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى رِجْلَيْهِ ، وَكَانَا حَبِيبَيْ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ أَهْلِهِ وَوُلْدِهِ .
رَوَى زَاذَانُ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)يَقُولُ فِي اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ علیهما السّلام :
ص: 27
«اَللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا (وَأَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُمَا) (1)(2).
وَقَالَ علیهِ السّلامُ: «مَنْ أَحَبَّ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ - علیهما السّلام - أَحْبَبْتُهُ ، وَمَنْ أَحْبَبْتُهُ أَحَبَّهُ اَللَّهُ ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَدْخَلَهُ اَلْجَنَّةَ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا أَبْغَضْتُهُ وَمَنْ أَبْغَضْتُهُ ، أَبْغَضَهُ اَللَّهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُ اَللَّهُ خَلَّدَهُ فِي اَلنَّارِ» (3) .
وَقَالَ علیهِ السّلامُ: «إِنَّ اِبْنَيَّ هَذَيْنِ رَيْحَانَتَايَ مِنَ اَلدُّنْيَا» (4).
وَرَوَى زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ ، عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ اَلنَّبِيُّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)يُصَلِّي فَجَاءَهُ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فَارْتَدَفَاهُ ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا أَخْذاً رَفِيقاً فَلَمَّا عَادَ عَادَا ، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ أَجْلَسَ هَذَا عَلَى فَخِذِهِ وَهَذَا عَلَى فَخِذِهِ ، وَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ» (5) .
ص: 28
وَكَانَا علیهما السّلام حُجَّةَ اَللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ علیه وآلهِ السّلامُ فِي اَلْمُبَاهَلَةِ ، وَحُجَّةَ اَللَّهِ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِمَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنيِنَ ع عَلَى اَلْأُمَّةِ فِي اَلدِّينِ وَاَلْإِسْلاَمِ وَاَلْمِلَّةِ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: قَالَ «اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَدِينَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي اَلْمَشْرِقِ ، وَاَلْأُخْرَى فِي اَلْمَغْرِبِ ، فِيهِمَا خَلْقٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةٍ لَهُ قَطُّ ، وَاَللَّهِ مَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا حُجَّةٌ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ غَيْرِي وَغَيْرُ أَخِي اَلْحُسَيْنِ (1).
وَجَاءَتِ اَلرِّوَايَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنِ اَلْحُسَيْنِ ع أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِ اِبْنِ زِيَادٍ : «مَا بَالُكُمْ (2)تَنَاصَرُونَ عَلَيَّ؟! أَمَ وَاَللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لَتَقْتُلُنَّ حُجَّةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ ، لاَ وَاَللَّهِ مَا بَيْنَ جَابَلْقَا وَجَابَرْسَا اِبْنُ نَبِيٍّ اِحْتَجَّ اَللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ غَيْرِي» (3). يعني بجابلقا وجابرسا المدينتين اللتين ذكرهما الحسن أخوه علیهِ السّلامُ
وكانَ من برهانِ كمالِهما وحجّةِ اختصاصِ اللهِ لهما _ بعدَ الّذي ذكرْناه من مُباهلةِ رسولِ اللهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)بهما _ بيعةُ رسولِ اللهِ لهما ، ولم يُبايِعْ صبيّاً في ظاهرِ الحالِ غيرَهما ، ونزولُ القرآنِ بإِيجابِ
ص: 29
ثواب الجنّةِ لهما على عملِهما معَ ظاهر الطّفوليّةِ فيهما ، ولم ينزلْ بذلكَ في مثلِهماَ ، قالَ اللّهُ عزّ اسمُه في سورةِ هل أتى : «وَيُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً *إِنَّمٰا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اَللّٰهِ لاٰ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزٰاءً وَلاٰ شُكُوراً *إِنّٰا نَخٰافُ مِنْ رَبِّنٰا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً *فَوَقٰاهُمُ اَللّٰهُ شَرَّ ذٰلِكَ اَلْيَوْمِ وَلَقّٰاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً *وَجَزٰاهُمْ بِمٰا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (1) فعمَّهما هذا القولُ معَ أبيهما وأمِّهما علیهِما السلام : ، وتضمَّنَ الخبرُ نُطقَهما في ذلكَ وضميرَهما الدّالّينِ على الآيةِ الباهرةِ فيهما ، والحجّةِ العُظمى على الخلقِ بهما ، كما تضمَّنَ الخبر عن نُطقِ المسيح علیهِ السّلامُ في المهدِ وكانَ حُجَّةً لنًبُوَّته ، واختصاصِه منَ اللّهِ بالكرامةِ الدّالّةِ على محلِّه عندَه في الفضلِ ومكانِه.
وَقَدْ صَرَّحَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)بِالنَّصِّ عَلَى إِمَامَتِهِ وَإِمَامَةِ أَخِيهِ مِنْ قَبْلِهِ بِقَوْلِهِ : «اِبْنَايَ هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا» ودَلّت وصيّةُ الحسنِ علیهِ السّلامُ إِليه على إِمامتِه ، كما دَلّتْ وصيّةُ أميرِ المؤمنينَ إِلى الحسنِ على إِمامتهِ ، بحسبِ ما دَلّتْ وصيّةُ رسولِ اللّهِ (صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ) إِلى أميرِ المؤمنينَ على إِمامتهِ من بعدِه.
فصل
فَكَانَتْ إِمَامَةُ اَلْحُسَيْنِ ع بَعْدَ وَفَاةِ أَخِيهِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ ثَابِتَةً ، وَطَاعَتُهُ -لِجَمِيعِ اَلْخَلْقِ -لاَزِمَةً وَإِنْ لَمْ يَدْعُ إِلَى نَفْسِهِ علیهِ السّلامُُ
ص: 30
لِلتَّقِيَّةِ اَلَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ، وَاَلْهُدْنَةِ اَلْحَاصِلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَالْتَزَمَ اَلْوَفَاءَ بِهَا ، وَجَرَى فِي ذَلِكَ مَجْرَى أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَثُبُوتِ إِمَامَتِهِ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)مَعَ اَلصُّمُوتِ ، وَإِمَامَةِ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بَعْدَ اَلْهُدْنَةِ مَعَ اَلْكَفِّ وَاَلسُّكُوتِ ، فَكَانُوا فِي ذَلِكَ عَلَى سُنَنِ نَبِيِّ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَهُوَفِي اَلشِّعْبِ مَحْصُورٌ ، وَعِنْدَ خُرُوجِهِ مُهَاجِراً مِنْ مَكَّةَ مُسْتَخْفِياً فِي اَلْغَارِ وَهُوَمِنْ أَعْدَائِهِ مَسْتُورٌ.
فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَاِنْقَضَتْ مُدَّةُ اَلْهُدْنَةِ اَلَّتِي كَانَتْ تَمْنَعُ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام مِنَ اَلدَّعْوَةِ إِلَى نَفْسِهِ ، أَظْهَرَ أَمْرَهُ بِحَسَبِ اَلْإِمْكَانِ ، وَأَبَانَ عَنْ حَقِّهِ لِلْجَاهِلِينَ بِهِ حَالاً بِحَالٍ ، إِلَى أَنِ اِجْتَمَعَ لَهُ فِي اَلظَّاهِرِ اَلْأَنْصَارُ. فَدَعَا ع إِلَى اَلْجِهَادِ وَشَمَّرَ (1)لِلْقِتَالِ ، وَتَوَجَّهَ بِوُلْدِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ حَرَمِ اَللَّهِ وَحَرَمِ رَسُولِهِ نَحْوَاَلْعِرَاقِ ، لِلاِسْتِنْصَارِ بِمَنْ دَعَاهُ مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى اَلْأَعْدَاءِ. وَقَدَّمَ أَمَامَهُ اِبْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ - لِلدَّعْوَةِ إِلَى اَللَّهِ وَاَلْبَيْعَةِ لَهُ عَلَى اَلْجِهَادِ ، فَبَايَعَهُ أَهْلُ اَلْكُوفَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَاهَدُوهُ ، وَضَمِنُوا لَهُ اَلنُّصْرَةَ وَاَلنَّصِيحَةَ وَوَثِقُوا لَهُ فِي ذَلِكَ وَعَاقَدُوهُ ، ثُمَّ لَمْ تَطُلِ اَلْمُدَّةُ بِهِمْ حَتَّى نَكَثُوا بَيْعَتَهُ وَخَذَلُوهُ وَأَسْلَمُوهُ ، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَمْنَعُوهُ ، وَخَرَجُوا إِلَى اَلْحُسَيْنِ ع فَحَصَرُوهُ وَمَنَعُوهُ اَلْمَسِيرَ فِي بِلاَدِ اَللَّهِ ، وَاِضْطَرُّوهُ إِلَى حَيْثُ لاَ يَجِدُ نَاصِراً وَلاَ مَهْرَباً مِنْهُمْ ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاءِ اَلْفُرَاتِ حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْهُ وَقَتَلُوهُ ، فَمَضَى ع ظَمْآنَ مُجَاهِداً صَابِراً
ص: 31
مُحْتَسِباً مَظْلُوماً ، قَدْ نُكِثَتْ بَيْعَتُهُ ، وَاُسْتُحِلَّتْ حُرْمَتُهُ ، وَلَمْ يُوفَ لَهُ بِعَهْدٍ ، وَلاَ رُعِيَتْ (1)فِيهِ ذِمَّةُ عَقْدٍ ، شَهِيداً عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَبُوهُ وَأَخُوهُ عَلَيْهِمَا أَفْضَلُ اَلصَّلاَةِ وَاَلرَّحْمَةِ وَاَلتَّسْلِيمِ .
على الناس في الجهاد من بيعته وذكر جملة من أمره وخروجه ومقتله]
فصل
فمن مختصر الأخبارِ الّتي جاءتْ بسبب دعوته علیهِ السّلامُ وما أخذَه
على النّاسِ في الجهادِ من بيعتِه ، وذكرِ جملةٍ منَ أمرِه وخروجِه ومقتلِه.
مَا رَوَاهُ اَلْكَلْبِيُّ وَاَلْمَدَائِنِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ اَلسِّيرَةِ قَالُوا : لَمَّا مَاتَ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام تَحَرَّكَتِ اَلشِّيعَةُ بِالْعِرَاقِ وَكَتَبُوا إِلَى اَلْحُسَيْنِ ع فِي خَلْعِ مُعَاوِيَةَ وَاَلْبَيْعَةِ لَهُ ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ عَهْداً وَعَقْداً لاَ يَجُوزُ لَهُ نَقْضُهُ حَتَّى تَمْضِيَ اَلْمُدَّةُ ، فَإِنْ مَاتَ مُعَاوِيَةُ نَظَرَ فِي ذَلِكَ.
فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ - وَذَلِكَ لِلنِّصْفِ (2)مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ - كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى اَلْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - وَكَانَ عَلَى اَلْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ - أَنْ يَأْخُذَ اَلْحُسَيْنَ ع بِالْبَيْعَةِ لَهُ ، وَلاَ يُرَخِّصَ لَهُ فِي اَلتَّأَخُّرِ عَنْ ذَلِكَ. فَأَنْفَذَ اَلْوَلِيدُ إِلَى اَلْحُسَيْنِ ع فِي اَللَّيْلِ فَاسْتَدْعَاهُ ، فَعَرَفَ اَلْحُسَيْنُ اَلَّذِي أَرَادَ فَدَعَا جَمَاعَةً مِنْ مَوَالِيهِ وَأَمَرَهُمْ بِحَمْلِ اَلسِّلاَحِ ، وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ اَلْوَلِيدَ قَدِ
ص: 32
اِسْتَدْعَانِي فِي هَذَا اَلْوَقْتِ ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يُكَلِّفَنِي فِيهِ أَمْراً لاَ أُجِيبُهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَغَيْرُ مَأْمُونٍ فَكُونُوا مَعِي ، فَإِذَا دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَاجْلِسُوا عَلَى اَلْبَابِ ، فَإِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتِي قَدْ عَلاَ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ لِتَمْنَعُوهُ مِنِّي.
فَصَارَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ إِلَى اَلْوَلِيدِ فَوَجَدَ عِنْدَهُ مَرْوَانَ بْنَ اَلْحَكَمِ ، فَنَعَى اَلْوَلِيدُ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةَ فَاسْتَرْجَعَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ ، ثُمَّ قَرَأَ كِتَابَ يَزِيدَ وَمَا أَمَرَهُ فِيهِ مِنْ أَخْذِ اَلْبَيْعَةِ مِنْهُ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ: « إِنِّي لاَ أَرَاكَ تَقْنَعُ بِبَيْعَتِي لِيَزِيدَ سِرّاً حَتَّى أُبَايِعَهُ جَهْراً ، فَيَعْرِفَ اَلنَّاسُ ذَلِكَ» فَقَال اَلْوَلِيدُ لَهُ: أَجَلْ ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: «فَتُصْبِحُ وَتَرَى رَأْيَكَ فِي ذَلِكَ» فَقَالَ لَهُ اَلْوَلِيدُ: اِنْصَرِفْ عَلَى اِسْمِ اَللَّهِ حَتَّى تَأْتِيَنَا مَعَ جَمَاعَةِ اَلنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: وَاَللَّهِ لَئِنْ فَارَقَكَ اَلْحُسَيْنُ اَلسَّاعَةَ وَلَمْ يُبَايِعْ لاَ قَدَرْتَ مِنْهُ عَلَى مِثْلِهَا أَبَداً حَتَّى يَكْثُرَ اَلْقَتْلَى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، اِحْبِسِ اَلرَّجُلَ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ حَتَّى يُبَايِعَ أَوْ تَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَوَثَبَ عِنْدَ ذَلِكَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ وَقَالَ: «أَنْتَ - يَا اِبْنَ اَلزَّرْقَاءِ - تَقْتُلُنِي أَوْ هُوَك؟ا!کذَبْتَ وَاَللَّهِ وَأَثِمْتَ» وَخَرَجَ (َمْشِي وَمَعَهُ) (1)مَوَالِيهِ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ.
فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ: عَصَيْتَنِي ، لاَ وَاَللَّهِ لاَ يُمَكِّنُكَ مِثْلَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَبَداً ، فَقَالَ اَلْوَلِيدُ : (اَلْوَيْحُ لِغَيْرِكَ) (2)يَا مَرْوَانُ إِنَّكَ اِخْتَرْتَ لِيَ اَلَّتِي فِيهَا هَلاَكُ دِينِي وَاَللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ اَلشَّمْسُ وَغَرَبَتْ عَنْهُ مِنْ مَالِ اَلدُّنْيَا وَمُلْكِهَا وَأَنِّي قَتَلْتُ حُسَيْناً ، سُبْحَانَ اَللَّهِ! أَقْتُلُ حُسَيْناً أَنْ
ص: 33
قَالَ لاَ أُبَايِعُ؟! وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ اِمْرَأً يُحَاسَبُ بِدَمِ اَلْحُسَيْنِ خَفِيفُ اَلْمِيزَانِ عِنْدَ اَللَّهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ: فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: فَإِذَا كَانَ هَذَا رَأْيَكَ فَقَدْ أَصَبْتَ فِيمَا صَنَعْتَ ؛ يَقُولُ هَذَا وَهُوَغَيْرُ اَلْحَامِدِ لَهُ فِي رَأْيِهِ. (1)
فَأَقَامَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فِي مَنْزِلِهِ تِلْكَ اَللَّيْلَةَ ، وَهِيَ لَيْلَةُ اَلسَّبْتِ لِثَلاَثٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ. وَاِشْتَغَلَ اَلْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بِمُرَاسَلَةِ اِبْنِ اَلزُّبَيْرِ فِي اَلْبَيْعَةِ لِيَزِيدَ وَاِمْتِنَاعِهِ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ اِبْنُ اَلزُّبَيْرِ مِنْ لَيْلَتِهِ عَنِ اَلْمَدِينَةِ مُتَوَجِّهاً إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ اَلْوَلِيدُ سَرَّحَ فِي أَثَرِهِ اَلرِّجَالَ ، فَبَعَثَ رَاكِباً مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِباً فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ فَرَجَعُوا.
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ (نَهَارِ يَوْمِ) (2)اَلسَّبْتِ بَعَثَ اَلرِّجَالَ إِلَى اَلْحَسَینَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام لِيَحْضُرَ فَيُبَايِعَ اَلْوَلِيدَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُمُ اَلْحُسَيْنُ: «أَصْبِحُوا ثُمَّ تَرَوْنَ وَنَرَى» فَكَفُّوا تِلْكَ اَللَّيْلَةَ عَنْهُ وَلَمْ يُلِحُّوا عَلَيْهِ. فَخَرَجَ علیهِ السّلامُ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ - وَهِيَ لَيْلَةُ اَلْأَحَدِ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ رَجَبٍ - مُتَوَجِّهاً نَحْوَمَكَّةَ وَمَعَهُ بَنُوهُ وَإِخْوَتُهُ وَبَنُوأَخِيهِ وَجُلُّ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاَّ مُحَمَّدَ اِبْنَ اَلْحَنَفِيَّةِ - رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ عَزْمَهُ عَلَى اَلْخُرُوجِ عَنِ اَلْمَدِينَةِ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ فَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي أَنْتَ أَحَبُّ اَلنَّاسِ إِلَيَّ وَأَعَزُّهُمْ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَدَّخِرُ اَلنَّصِيحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ اَلْخَلْقِ إِلاَّ لَكَ وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا ، تَنَحَّ بِبَيْعَتِكَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَنِ اَلْأَمْصَارِ مَا اِسْتَطَعْتَ ، ثُمَّ اِبْعَثْ رُسُلَكَ إِلَى اَلنَّاسِ فَادْعُهُمْ إِلَى نَفْسِكَ ، فَإِنْ تَابَعَكَ اَلنَّاسُ وَبَايَعُوا لَكَ حَمِدْتَ اَللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ
ص: 34
أَجْمَعَ اَلنَّاسُ عَلَى غَيْرِكَ لَمْ يَنْقُصِ اَللَّهُ بِذَلِكَ دِينَكَ وَلاَ عَقْلَكَ وَلاَ تَذْهَبُ بِهِ مُرُوءَتُكَ وَلاَ فَضْلُكَ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَدْخُلَ مِصْراً مِنْ هَذِهِ اَلْأَمْصَارِ فَيَخْتَلِفَ اَلنَّاسُ بَيْنَهُمْ فَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مَعَكَ وَأُخْرَى عَلَيْكَ ، فَيَقْتَتِلُونَ فَتَكُونُ أَنْتَ لِأَوَّلِ اَلْأَسِنَّةِ ، فَإِذَا خَيْرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ كُلِّهَا نَفْساً وَأَباً وَأُمّاً أَضْيَعُهَا دَماً وَأَذَلُّهَا أَهْلاً ، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیه الشّلام: « فَأَيْنَ أَذْهَبُ يَا أَخِي؟» قَالَ: اِنْزِلْ مَكَّةَ فَإِنِ اِطْمَأَنَّتْ بِكَ اَلدَّارُ بِهَا فَسَبِيلُ ذَلِكَ ، وَإِنْ (نَبَتْ بِكَ ) (1). لَحِقْتَ بِالرِّمَالِ وَشَعَفِ اَلْجِبَالِ وَخَرَجْتَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُ اَلنَّاسِ إِلَيْهِ (2)فَإِنَّكَ أَصْوَبُ مَا تَكُونُ رَأْياً حِينَ تَسْتَقْبِلُ اَلْأَمْرَ اِسْتِقْبَالاً فَقَالَ:يَا أَخِي قَدْ نَصَحْتَ وَأَشْفَقْتَ وَأَرْجُوأَنْ يَكُونَ رَأْيُكَ سَدِيداً مُوَفَّقاً .
فَسَارَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَيَقْرَأُ:(فَخَرَجَ مِنْهٰا خٰائِفاً يَتَرَقَّبُ قٰالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ) (3) وَلَزِمَ اَلطَّرِيقَ اَلْأَعْظَمَ ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ: لَوْ تَنَكَّبْتَ اَلطَّرِيقَ اَلْأَعْظَمَ كَمَا صَنَعَ(4)اِبْنُ اَلزُّبَيْرِ لِئَلاَّ يَلْحَقَكَ اَلطَّلَبُ ، فَقَالَ:«لاَ وَاَللَّهِ لاَ أُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَ اَللَّهُ مَا هُوَقَاضٍ» .
وَلَمَّا دَخَلَ اَلْحُسَيْنُ مَكَّةَ كَانَ دُخُولُهُ إِلَيْهَا (5)لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ لِثَلاَثٍ مَضَيْنَ مِنْ شَعْبَانَ ، دَخَلَهَا وَهُوَيَقْرَأُ (وَلَمّٰا تَوَجَّهَ تِلْقٰاءَ مَدْيَنَ قٰالَ
ص: 35
عَسىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوٰاءَ اَلسَّبِيلِ) (1) ثُمَّ نَزَلَهَا وَأَقْبَلَ أَهْلُهَا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ ، وَمَنْ كَانَ بِهَا مِنَ اَلْمُعْتَمِرِينَ وَأَهْلِ اَلْآفَاقِ ، وَاِبْنُ اَلزُّبَيْرِ بِهَا قَدْ لَزِمَ جَانِبَ اَلْكَعْبَةِ فَهُوَقَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَهَا وَيَطُوفُ ، وَيَأْتِي اَلْحُسَيْنَ ع فِيمَنْ يَأْتِيهِ ، فَيَأْتِيهِ اَلْيَوْمَيْنِ اَلْمُتَوَالِيَيْنِ وَيَأْتِيهِ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مَرَّةً ، وَهُوَأَثْقَلُ خَلْقِ اَللَّهِ عَلَى اِبْنِ اَلزُّبَيْرِ ، قَدْ عَرَفَ أَنَّ أَهْلَ اَلْحِجَازِ لاَ يُبَايِعُونَهُ مَا دَامَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فِي اَلْبَلَدِ (2)وَأَنَّ اَلْحُسَيْنَ أَطْوَعُ فِي اَلنَّاسِ مِنْهُ وَأَجَلُّ .
وَبَلَغَ أَهْلَ اَلْكُوفَةِ هَلاَكُ مُعَاوِيَةَ فَأَرْجَفُوا بِيَزِيدَ ، وَعَرَفُوا خَبَرَ اَلْحُسَيْنِ ع وَاِمْتِنَاعَهُ مِنْ بَيْعَتِهِ ، وَمَا كَانَ مِنِ اِبْنِ اَلزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ وَخُرُوجِهِمَا إِلَى مَكَّةَ ، فَاجْتَمَعَتِ اَلشِّيعَةُ بِالْكُوفَةِ فِي مَنْزِلِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ ، فَذَكَرُوا هَلاَكَ مُعَاوِيَةَ فَحَمِدُوا اَللَّهَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ:إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ هَلَكَ ، وَإِنَّ حُسَيْناً قَدْ تَقَبَّضَ (3)عَلَى اَلْقَوْمِ بِبَيْعَتِهِ ، وَقَدْ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ ، وَأَنْتُمْ شِيعَتُهُ وَشِيعَةُ أَبِيهِ ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ نَاصِرُوهُ وَمُجَاهِدُوعَدُوِّهِ (فَأَعْلِمُوهُ وَإِنْ خِفْتُمُ اَلْفَشَلَ وَاَلْوَهْنَ فَلاَ تَغُرُّوا اَلرَّجُلَ فِي نَفْسِهِ ، قَالُوا: لاَ ، بَلْ نُقَاتِلُ عَدُوَّهُ ، وَنَقْتُلُ أَنْفُسَنَا دُونَهُ ، قَالَ:) (4) ؛ فَكَتَبُوا:
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
لِلْحُسَینِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ ، وَاَلْمُسَيَّبِ
ص: 36
بْنِ نَجَبَةَ ، وَرِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ ، وَحَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ (1) ، وَشِيعَتِهِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاَلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ:
سَلاَمٌ عَلَيْكَ ، فَإِنَّا نَحْمَدُ إِلَيْكَ اَللَّهَ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَالْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي قَصَمَ عَدُوَّكَ اَلْجَبَّارَ اَلْعَنِيدَ ، اَلَّذِي اِنْتَزَى عَلَى هَذِهِ اَلْأُمَّةِ فَابْتَزَّهَا أَمْرَهَا ، وَغَصَبَهَا فَيْئَهَا ، وَتَأَمَّرَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضًى مِنْهَا ، ثُمَّ قَتَلَ خِيَارَهَا وَاِسْتَبْقَى شِرَارَهَا ، وَجَعَلَ مَالَ اَللَّهِ دُولَةً بَيْنَ (جَبَابِرَتِهَا وَأَغْنِيَائِهَا) (2)فَبُعْداً لَهُ كَمٰا بَعِدَتْ ثَمُودُ. إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنَا إِمَامٌ ، فَأَقْبِلْ لَعَلَّ اَللَّهَ أَنْ يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى اَلْحَقِّ ؛ وَاَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فِي قَصْرِ اَلْإِمَارَةِ لَسْنَا نُجَمِّعُ مَعَهُ فِي جُمُعَةٍ وَلاَ نَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى عِيدٍ ، وَلَوْ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكَ أَقْبَلْتَ إِلَيْنَا أَخْرَجْنَاهُ حَتَّى نُلْحِقَهُ بِالشَّامِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ.
ثُمَّ سَرَّحُوا اَلْكِتَابَ (3)مَعَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مِسْمَعٍ اَلْهَمْدَانِيِّ وَعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ وَالٍ ، وَأَمَرُوهُمَا بِالنَّجَاءِ (4) ، فَخَرَجَا مُسْرِعَيْنِ حَتَّى قَدِمَا عَلَى اَلْحُسَيْنِ ع بِمَكَّةَ (5)لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
(وَلَبِثَ أَهْلُ اَلْكُوفَةِ يَوْمَيْنِ بَعْدَ تَسْرِيحِهِمْ) (6)بِالْكِتَابِ ، وَأَنْفَذُوا قَيْسَ بْنَ مُسْهِرٍ اَلصَّيْدَاوِيَّ وَ(عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَرْحَبِيَّ) (7)وَعُمَارَةَ
ص: 37
ابْنَ عَبْدٍ اَلسَّلُولِيَّ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَمَعَهُمْ نَحْوٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ صَحِيفَةً مِنَ اَلرَّجُلِ وَاَلاِثْنَيْنِ وَاَلْأَرْبَعَةِ.
ثُمَّ لَبِثُوا يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَسَرَّحُوا إِلَيْهِ هَانِئَ بْنَ هَانِئٍ اَلسَّبِيعِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحَنَفِيَّ ، وَكَتَبُوا إِلَيْهِ: بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ ، لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ شِيعَتِهِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاَلْمُسْلِمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَحَيَّ هَلاَ ، فَإِنَّ اَلنَّاسَ يَنْتَظِرُونَكَ ، لاَ رَأْيَ لَهُمْ غَيْرُكَ فَالْعَجَلَ اَلْعَجَلَ ، ثُمَّ اَلْعَجَلَ اَلْعَجَلَ وَاَلسَّلاَمُ.
وَكَتَبَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَحَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ وَيَزِيدُ بْنُ اَلْحَارِثِ بْنِ رُوَيْمٍ وَ(عُرْوَةُ بْنُ قَيْسٍ ) (1)وَعَمْرُوبْنُ اَلْحَجَّاجِ اَلزُّبَيْدِيُّ وَ(مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍواَلتَّيْمِيُّ ) (2): أَمَّا بَعْدُ: فَقَدِ اِخْضَرَّ اَلْجَنَابُ وَأَيْنَعَتِ اَلثِّمَارُ ، فَإِذَا شِئْتَ فَاقْدَمْ عَلَى جُنْدٍ لَكَ مُجَنَّدٍ وَاَلسَّلاَمُ .
وَتَلاَقَتِ اَلرُّسُلُ كُلُّهَا عِنْدَهُ ، فَقَرَأَ اَلْكُتُبَ وَسَأَلَ اَلرُّسُلَ عَنِ اَلنَّاسِ ، ثُمَّ كَتَبَ مَعَ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَكَانَا آخِرَ اَلرُّسُلِ:
ص: 38
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
مِنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى اَلْمَلَإِ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَاَلْمُؤْمِنِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ هَانِئاً وَسَعِيداً قَدِمَا عَلَيَّ بِكُتُبِكُمْ ، وَكَانَا آخِرَ مَنْ قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ رُسُلِكُمْ ، وَقَدْ فَهِمْتُ كُلَّ اَلَّذِي اِقْتَصَصْتُمْ وَذَكَرْتُمْ وَمَقَالَةُ جُلِّكُمْ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنَا إِمَامٌ فَأَقْبِلْ لَعَلَّ اَللَّهَ أَنْ يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى اَلْهُدَى وَاَلْحَقِّ. وَإِنِّي بَاعِثٌ إِلَيْكُمْ أَخِي وَاِبْنَ عَمِّي وَثِقَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَإِنْ كَتَبَ إِلَيَّ أَنَّهُ قَدِ اِجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ وَذَوِي اَلْحِجَا وَاَلْفَضْلِ (1)مِنْكُمْ عَلَى مِثْلِ مَا قَدِمَتْ بِهِ رُسُلُكُمْ وَقَرَأْتُ فِي كُتُبِكُمْ ، أَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَشِيكاً إِنْ شَاءَ اَللَّهِ. فَلَعَمْرِي مَا اَلْإِمَامُ إِلاَّ اَلْحَاكِمُ بِالْكِتَابِ اَلْقَائِمُ بِالْقِسْطِ اَلدَّائِنُ بِدِينِ اَلْحَقِّ اَلْحَابِسُ نَفْسَهُ عَلَى ذَاتِ اَللَّهِ وَاَلسَّلاَمُ».
وَدَعَااَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فَسَرَّحَهُ مَعَ قَيْسِ بْنِ مُسْهِرٍ اَلصَّيْدَاوِيِّ وَعُمَارَةَ بْنِ عَبْدٍ اَلسَّلُولِيِّ وَعَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَرْحَبِيِّ ، وَأَمَرَهُ بِتَقْوَى اَللَّهِ وَكِتْمَانِ أَمْرِهِ وَاَللُّطْفِ ، فَإِنْ رَأَى اَلنَّاسَ مُجْتَمِعِينَ مُسْتَوْسِقِينَ عَجَّلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
فَأَقْبَلَ مُسْلِمٌ حَتَّى أَتَى اَلْمَدِينَةَ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَوَدَّعَ مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ اِسْتَأْجَرَ دَلِيلَيْنِ مِنْ قَيْسٍ ،
ص: 39
فَأَقْبَلاَ بِهِ يَتَنَكَّبَانِ اَلطَّرِيقَ ، فَضَلاَّ وَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ فَعَجَزَا عَنِ اَلسَّيْرِ ، فَأَوْمَئَا لَهُ إِلَى سَنَنِ اَلطَّرِيقِ بَعْدَ أَنْ لاَحَ لَهُمَا ذَلِكَ ، فَسَلَكَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ اَلسَّنَنَ وَمَاتَ اَلدَّلِيلاَنِ عَطَشاً. فَكَتَبَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ - رَحِمَهُ اَللَّهُ - مِنَ اَلْمَوْضِعِ اَلْمَعْرُوفِ بِالْمَضِيقِ مَعَ قَيْسِ بْنِ مُسْهِرٍ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنِي أَقْبَلْتُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ مَعَ دَلِيلَيْنِ لِي فَجَارَا عَنِ اَلطَّرِيقِ فَضَلاَّ وَاِشْتَدَّ عَلَيْنَا (1)اَلْعَطَشُ فَلَمْ يَلْبَثَا أَنْ مَاتَا وَأَقْبَلْنَا حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى اَلْمَاءِ فَلَمْ نَنْجُ إِلاَّ بِحُشَاشَةِ أَنْفُسِنَا ، وَذَلِكَ اَلْمَاءُ بِمَكَانٍ يُدْعَى اَلْمَضِيقَ مِنْ بَطْنِ اَلْخَبْتِ (2)وَقَدْ تَطَيَّرْتُ مِنْ وَجْهِي هَذَا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَعْفَيْتَنِي مِنْهُ وَبَعَثْتَ غَيْرِي ، وَاَلسَّلاَمُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِاَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام .
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ خَشِيتُ (3)أَنْ لاَ يَكُونَ حَمَلَكَ عَلَى اَلْكِتَابِ إِلَيَّ فِي اَلاِسْتِعْفَاءِ مِنَ اَلْوَجْهِ اَلَّذِي وَجَّهْتُكَ لَهُ إِلاَّ اَلْجُبْنُ فَامْضِ لِوَجْهِكَ اَلَّذِي وَجَّهْتُكَ لَهُ ، وَاَلسَّلاَمُ.
فَلَمَّا قَرَأَ مُسْلِمٌ اَلْكِتَابَ قَالَ: أَمَّا هَذَا فَلَسْتُ أَتَخَوَّفُهُ عَلَى نَفْسِي. فَأَقْبَلَ حَتَّى مَرَّ بِمَاءٍ لِطَيْءٍ فَنَزَلَ بِهِ ثُمَّ اِرْتَحَلَ مِنْهُ ، فَإِذَا رَجُلٌ يَرْمِي اَلصَّيْدَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَدْ رَمَى ظَبْياً حِينَ أَشْرَفَ (4)لَهُ
ص: 40
فَصَرَعَهُ ، فَقَالَ:مُسْلِمٌ : نَقْتُلُ عَدُوَّنَا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ اَلْكُوفَةَ ، فَنَزَلَ فِي دَارِ اَلْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَهِيَ اَلَّتِي تُدْعَى اَلْيَوْمَ دَارَ سَلْمِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ. وَأَقْبَلَتِ اَلشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ ، فَكُلَّمَا اِجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اَلْحَسَینَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَهُمْ يَبْكُونَ ، وَبَايَعَهُ اَلنَّاسُ حَتَّى بَايَعَهُ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً ، فَكَتَبَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اَللَّهُ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ يُخْبِرُهُ بِبَيْعَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَيَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ. وَجَعَلَتِ اَلشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ حَتَّى عُلِمَ مَكَانُهُ (1)فَبَلَغَ اَلنُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ ذَلِكَ - وَكَانَ وَالِياً عَلَى اَلْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ فَأَقَرَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهَا - فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اَللَّهَ - عِبَادَ اَللَّهِ - وَلاَ تُسَارِعُوا إِلَى اَلْفِتْنَةِ وَاَلْفُرْقَةِ ، فَإِنَّ فِيهَا يَهْلِكُ اَلرِّجَالُ ، وَتُسْفَكُ اَلدِّمَاءُ وَتُغْتَصَبُ (2)اَلْأَمْوَالُ ، إِنِّي لاَ أُقَاتِلُ مَنْ لاَ يُقَاتِلُنِي وَلاَ آتِي عَلَى ، مَنْ لَمْ يَأْتِ عَلَيَّ وَلاَ أُنَبِّهُ نَائِمَكُمْ ، وَلاَ أَتَحَرَّشُ بِكُمْ ، وَلاَ آخُذُ بِالْقَرْفِ (3)وَلاَ اَلظِّنَّةِ وَلاَ اَلتُّهَمَةِ ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ أَبْدَيْتُمْ صَفْحَتَكُمْ لِي وَنَكَثْتُمْ بَيْعَتَكُمْ وَخَالَفْتُمْ إِمَامَكُمْ ، فَوَاَللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ ، لَأَضْرِبَنَّكُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْكُمْ نَاصِرٌ. أَمَا إِنِّي أَرْجُوأَنْ يَكُونَ مَنْ يَعْرِفُ اَلْحَقَّ مِنْكُمْ أَكْثَرَ مِمَّنْ يُردِيهِ اَلْبَاطِلُ.
فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ رَبِيعَةَ اَلْحَضْرَمِيُّ ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ ،
ص: 41
فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُصْلِحُ مَا تَرَى إِلاَّ اَلْغَشْمُ ؛ إِنَّ هَذَا اَلَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوِّكَ رَأْيُ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ. فَقَالَ لَهُ: اَلنُّعْمَانُ: أَكُونَ (1)مِنَ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي طَاعَةِ اَللَّهِ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْأَعَزِّينَ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ ثُمَّ نَزَلَ.
وَخَرَجَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ فَكَتَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ قَدْ قَدِمَ اَلْكُوفَةَ ، فَبَايَعَتْهُ اَلشِّيعَةُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَإِنْ يَكُنْ لَكَ فِي اَلْكُوفَةِ حَاجَةٌ فَابْعَثْ إِلَيْهَا رَجُلاً قَوِيّاً ، يُنَفِّذُ أَمْرَكَ وَيَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِكَ فِي عَدُوِّكَ ، فَإِنَّ اَلنُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَوْ هُوَيَتَضَعَّفُ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بِنَحْوٍ مِنْ كِتَابِهِ ؛ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ سَعْدِبْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلَ ذَلِكَ .
فَلَمَّا وَصَلَتِ اَلْكُتُبُ إِلَى يَزِيدَ دَعَا سَرْجُونَ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ؟ إِنَّ حُسَيْناً قَدْ وَجَّهَ إِلَى اَلْكُوفَةِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ يُبَايِعُ لَهُ ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنِ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ضَعْفٌ وَقَوْلٌ سَيِّئٌ ، فَمَنْ تَرَى أَنْ أَسْتَعْمِلَ عَلَى اَلْكُوفَةِ؟ وَكَانَ يَزِيدُ عَاتِباً عَلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ لَهُ: سَرْجُونُ: أَ رَأَيْتَ مُعَاوِيَةَ لَوْ نُشِرَ (2)لَكَ حَيّاً أَ مَا كُنْتَ آخِذاً بِرَأْيِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ فَأَخْرَجَ سَرْجُونُ عَهْدَ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ عَلَى اَلْكُوفَةِ وَقَالَ: هَذَا رَأْيُ مُعَاوِيَةَ مَاتَ وَقَدْ أَمَرَ بِهَذَا اَلْكِتَابِ فَضُمَّ اَلْمِصْرَيْنِ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ:أَفْعَلُ ، اِبْعَثْ بِعَهْدِ عُبَيْدِ اَللَّهِ إِلَيْهِ. ثُمَّ دَعَا مُسْلِمَ بْنَ عَمْرٍواَلْبَاهِلِيَّ وَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مَعَهُ:
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَيَّ شِيعَتِي مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ ، يُخْبِرُونِّي أَنَّ اِبْنَ
ص: 42
عَقِيلٍ بِهَا يَجْمَعُ اَلْجُمُوعَ وَيَشُقُّ (1)عَصَا اَلْمُسْلِمِينَ ، فَسِرْ حِينَ تَقْرَأُ كِتَابِي هَذَا حَتَّى تَأْتِيَ اَلْكُوفَةَ ، فَتَطْلُبَ اِبْنَ عَقِيلٍ طَلَبَ اَلْخُرْزَةِ حَتَّى تَثْقَفَهُ فَتُوثِقَهُ أَوْ تَقْتُلَهُ أَوْ تَنْفِيَهُ وَاَلسَّلاَمُ.
وَسَلَّمَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ عَلَى اَلْكُوفَةِ. فَسَارَ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍوحَتَّى قَدِمَ عَلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بِالْبَصْرَةِ ، فَأَوْصَلَ إِلَيْهِ اَلْعَهْدَ وَاَلْكِتَابَ ، فَأَمَرَ عُبَيْدُ اَللَّهِ بِالْجِهَازِ مِنْ وَقْتِهِ ، وَاَلْمَسِيرِ وَاَلتَّهَيُّؤِ إِلَى اَلْكُوفَةِ مِنَ اَلْغَدِ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ وَاِسْتَخْلَفَ أَخَاهُ عُثْمَانَ ، وَأَقْبَلَ إِلَى اَلْكُوفَةِ وَمَعَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍواَلْبَاهِلِيُّ وَشَرِيكُ بْنُ أَعْوَرَ اَلْحَارِثِيُّ وَحَشَمُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ ، حَتَّى دَخَلَ اَلْكُوفَةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَهُوَمُتَلَثِّمٌ ، وَاَلنَّاسُ قَدْ بَلَغَهُمْ إِقْبَالُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ إِلَيْهِمْ فَهُمْ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَهُ فَظَنُّوا حِينَ رَأَوْا عُبَيْدَ اَللَّهِ أَنَّهُ اَلْحُسَيْنُ ، فَأَخَذَ لاَ يَمُرُّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ اَلنَّاسِ إِلاَّ سَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا ، مَرْحَباً بِابْنِ رَسُولِ اَللَّهِ ، قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمٍ. فَرَأَى مِنْ تَبَاشُرِهِمْ بِالْحُسَيْنِ مَا سَاءَهُ ، فَقَالَ:مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍولَمَّا أَكْثَرُوا: تَأَخَّرُوا ، هَذَا اَلْأَمِيرُ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ زِيَادٍ .
وَسَارَ حَتَّى وَافَى اَلْقَصْرَ فِي اَللَّيْلِ ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ قَدِ اِلْتَفُّوا بِهِ لاَ يَشُكُّونَ أَنَّهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ ، فَأَغْلَقَ اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَلَيْهِ وَعَلَى حَامَّتِهِ (2)فَنَادَاهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ لِيَفْتَحَ لَهُمُ اَلْبَابَ ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِ اَلنُّعْمَانُ وَهُوَيَظُنُّهُ اَلْحُسَيْنَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اَللَّهَ إِلاَّ تَنَحَّيْتَ ، وَاَللَّهِ مَا أَنَا مُسَلِّمٌ إِلَيْكَ أَمَانَتِي ، وَمَا لِي فِي قِتَالِكَ مِنْ أَرَبٍ ، فَجَعَلَ لاَ يُكَلِّمُهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ دَنَا وَتَدَلَّى
ص: 43
اَلنُّعْمَانُ مِنْ شَرَفٍ فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ ، فَقَالَ: اِفْتَحْ لاَ فَتَحْتَ (1) ، فَقَدْ طَالَ لَيْلُكَ. وَسَمِعَهَا إِنْسَانٌ خَلْفَهُ فَنَكَصَ إِلَى اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ عَلَى أَنَّهُ اَلْحُسَيْنُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! اِبْنُ مَرْجَانَةَ وَاَلَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ. فَفَتَحَ لَهُ اَلنُّعْمَانُ وَدَخَلَ وَضَرَبُوا اَلْبَابَ فِي وُجُوهِ اَلنَّاسِ فَانْفَضُّوا .
وَأَصْبَحَ فَنَادَى فِي اَلنَّاسِ: اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلاَّنِي مِصْرَكُمْ وَثَغْرَكُمْ وَفَيْئَكُمْ ، وَأَمَرَنِي بِإِنْصَافِ مَظْلُومِكُمْ وَإِعْطَاءِ مَحْرُومِكُمْ ، وَاَلْإِحْسَانِ إِلَى سَامِعِكُمْ وَمُطِيعِكُمْ كَالْوَالِدِ اَلْبَرِّ ، وَسَوْطِي وَسَيْفِي عَلَى مَنْ تَرَكَ أَمْرِي وَخَالَفَ عَهْدِي ، فَلْيُبْقِ (2)اِمْرُؤٌ عَلَى نَفْسِهِ ؛ اَلصِّدْقُ يُنْبِي عَنْكَ (3)لاَ اَلْوَعِيدُ.
ثُمَّ نَزَلَ وَأَخَذَ اَلْعُرَفَاءَ (4)وَاَلنَّاسَ (5)أَخْذاً شَدِيداً فَقَالَ: اُكْتُبُوا إِلَى
ص: 44
اَلْعُرَفَاءِ وَمَنْ فِيكُمْ مِنْ طَلَبَةِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ فِيكُمْ مِنَ اَلْحَرُورِيَّةِ وَأَهْلِ اَلرَّيْبِ ، اَلَّذِينَ رَأْيُهُمُ اَلْخِلاَفُ وَاَلشِّقَاقُ ، (فَمَنْ يَجِيءْ بِهِمْ لَنَا فَبَرِئَ) (1)وَمَنْ لَمْ يَكْتُبْ لَنَا أَحَداً فَلْيَضْمَنْ لَنَا مَا فِي عِرَافَتِهِ أَنْ لاَ يُخَالِفَنَا مِنْهُمْ مُخَالِفٌ ، وَلاَ يَبْغِ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بَاغٍ ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ بَرِئَتْ مِنْهُ اَلذِّمَّةُ وَحَلاَلٌ لَنَا دَمُهُ وَمَالُهُ ، وَأَيُّمَا عَرِيفٍ وُجِدَ فِي عِرَافَتِهِ مِنْ بُغْيَةِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ أَحَدٌ لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَيْنَا ، صُلِبَ عَلَى بَابِ دَارِهِ ، وَأُلْغِيَتْ تِلْكَ اَلْعِرَافَةُ مِنَ اَلْعَطَاءِ.
وَلَمَّا سَمِعَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ بِمَجِيءِ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ اَلْكُوفَةَ ، وَمَقَالَتِهِ اَلَّتِي قَالَهَا وَمَا أَخَذَ بِهِ اَلْعُرَفَاءَ وَاَلنَّاسَ ، خَرَجَ مِنْ دَارِ اَلْمُخْتَارِ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى دَارِ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ فَدَخَلَهَا ، وَأَخَذَتِ اَلشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ فِي دَارِ هَانِئٍ عَلَى تَسَتُّرٍ وَاِسْتِخْفَاءٍ مِنْ عُبَيْدِ اَللَّهِ ، وَتَوَاصَوْا بِالْكِتْمَانِ.
فَدَعَا اِبْنُ زِيَادٍ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ مَعْقِلٌ ، فَقَالَ: خُذْ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اُطْلُبْ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ وَاِلْتَمِسْ أَصْحَابَهُ ، فَإِذَا ظَفِرْتَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ جَمَاعَةٍ فَأَعْطِهِمْ هَذِهِ اَلثَّلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ ، وَقُلْ لَهُمُ: اِسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى حَرْبِ عَدُوِّكُمْ ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ مِنْهُمْ ، فَإِنَّكَ لَوْ قَدْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُمْ لَقَدِ اِطْمَأَنُّوا إِلَيْكَ وَوَثِقُوا بِكَ وَلَمْ يَكْتُمُوكَ شَيْئاً مِنْ أَخْبَارِهِمْ ، ثُمَّ اُغْدُ عَلَيْهِمْ وَرُحْ حَتَّى تَعْرِفَ مُسْتَقَرَّ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ وَتَدْخُلَ عَلَيْهِ.
فَفَعَلَ ذَلِكَ وَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عَوْسَجَةَ اَلْأَسَدِيِّ فِي اَلْمَسْجِدِ اَلْأَعْظَمِ وَهُوَيُصَلِّي ، فَسَمِعَ قَوْماً يَقُولُونَ: هَذَا يُبَايَعُ لِلْحُسَيْنِ ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ:يَا عَبْدَ اَللَّهِ! إِنِّي اِمْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ ، أَنْعَمَ اَللَّهُ عَلَيَّ بِحُبِّ أَهْلِ هَذَا اَلْبَيْتِ
ص: 45
وَحُبِّ مَنْ أَحَبَّهُمْ ؛ وَتَبَاكَى لَهُ وَقَالَ: مَعِي ثَلاَثَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ ، أَرَدْتُ بِهَا لِقَاءَ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدِمَ اَلْكُوفَةَ يُبَايِعُ لاِبْنِ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ ، فَكُنْتُ أُرِيدُ لِقَاءَهُ فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يَدُلُّنِي عَلَيْهِ وَلاَ أَعْرِفُ مَكَانَهُ ، فَإِنِّي لَجَالِسٌ فِي اَلْمَسْجِدِ اَلْآنَ إِذْ سَمِعْتُ نَفَراً مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ: هَذَا رَجُلٌ لَهُ عِلْمٌ بِأَهْلِ هَذَا اَلْبَيْتِ ، وَإِنِّي أَتَيْتُكَ لِتَقْبِضَ مِنِّي هَذَا اَلْمَالَ وَتُدْخِلَنِي عَلَى صَاحِبِكَ ، فَإِنَّمَا أَنَا أَخٌ مِنْ إِخْوَانِكَ وَثِقَةٌ عَلَيْكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَذْتَ بَيْعَتِي لَهُ قَبْلَ لِقَائِهِ.
فَقَالَ لَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ رَحِمَهُ اَللَّهُ: أَحْمَدُ اَللَّهَ عَلَى لِقَائِكَ إِيَّايَ فَقَدْ سَرَّنِي ذَلِكَ ، لِتَنَالَ اَلَّذِي تُحِبُّ ، وَلِيَنْصُرَ اَللَّهُ بِكَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ ع وَلَقَدْ سَاءَنِي مَعْرِفَةُ اَلنَّاسِ إِيَّايَ بِهَذَا اَلْأَمْرِ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ مَخَافَةَ هَذَا اَلطَّاغِيَةِ وَسَطْوَتِهِ ؛ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: لاَ يَكُونُ إِلاَّ خَيْراً ، خُذِ اَلْبَيْعَةَ عَلَيَّ ، فَأَخَذَ بَيْعَتَهُ وَأَخَذَ عَلَيْهِ اَلْمَوَاثِيقَ اَلْمُغَلَّظَةَ لَيُنَاصِحَنَّ وَلَيَكْتُمَنَّ ، فَأَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَضِيَ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اِخْتَلِفْ إِلَيَّ أَيَّاماً فِي مَنْزِلِي فَأَنَا طَالِبٌ لَكَ اَلْإِذْنَ عَلَى صَاحِبِكَ. فَأَخَذَ يَخْتَلِفُ مَعَ اَلنَّاسِ ، فَطَلَبَ لَهُ اَلْإِذْنَ فَأَذِنَ لَهُ ، فَأَخَذَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ بَيْعَتَهُ ، وَأَمَرَ أَبَا ثُمَامَةَ اَلصَّائِدِيَّ فَقَبَضَ اَلْمَالَ مِنْهُ ، وَهُوَاَلَّذِي كَانَ يَقْبِضُ أَمْوَالَهُمْ وَمَا يُعِينُ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَيَشْتَرِي لَهُمُ اَلسِّلاَحَ ، وَكَانَ بَصِيراً وَمِنْ فُرْسَانِ اَلْعَرَبِ وَوُجُوهِ اَلشِّيعَةِ .
وَأَقْبَلَ ذَلِكَ اَلرَّجُلُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِمْ ، وَهُوَأَوَّلُ دَاخِلٍ وَآخِرُ خَارِجٍ ، حَتَّى فَهِمَ مَا اِحْتَاجَ إِلَيْهِ اِبْنُ زِيَادٍ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَكَانَ يُخْبِرُهُ بِهِ وَقْتاً فَوَقْتاً. وَخَافَ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ عُبَيْدَ اَللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَلَى نَفْسِهِ فَانْقَطَعَ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِهِ وَتَمَارَضَ ، فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: لِجُلَسَائِهِ مَا لِي لاَ أَرَى هَانِئاً؟ فَقَالُوا: هُوَ
ص: 46
شَاكٍ ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ بِمَرَضِهِ لَعُدْتُهُ ، وَدَعَا مُحَمَّدَ بْنَ اَلْأَشْعَثِ وَأَسْمَاءَ بْنَ خَارِجَةَ وَعَمْرَوبْنَ اَلْحَجَّاجِ اَلزُّبَيْدِيَّ ، وَكَانَتْ رُوَيْحَةُ بِنْتُ عَمْرٍوتَحْتَ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ وَهِيَ أُمُّ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا يَمْنَعُ هَانِئَ بْنَ عُرْوَةَ مِنْ إِتْيَانِنَا؟ فَقَالُوا: مَا نَدْرِي وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يَشْتَكِي ؛ قَالَ: قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ بَرَأَ وَهُوَيَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ ، فَالْقَوْهُ وَمُرُوهُ أَلاَّ يَدَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّنَا ، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ يَفْسُدَ عِنْدِي مِثْلُهُ مِنْ أَشْرَافِ اَلْعَرَبِ.
فَأَتَوْهُ حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهِ عَشِيَّةً وَهُوَجَالِسٌ عَلَى بَابِهِ فَقَالُوا: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ لِقَاءِ اَلْأَمِيرِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَكَ وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ شَاكٍ لَعُدْتُهُ ، فَقَالَ لَهُمْ: اَلشَّكْوَى تَمْنَعُنِي فَقَالُوا لَهُ: قَدْ بَلَغَهُ أَنَّكَ تَجْلِسُ كُلَّ عَشِيَّةٍ عَلَى بَابِ دَارِكَ ، وَقَدِ اِسْتَبْطَأَكَ ، وَاَلْإِبْطَاءُ وَاَلْجَفَاءُ لاَ يَحْتَمِلُهُ اَلسُّلْطَانُ ، أَقْسَمْنَا عَلَيْكَ لَمَّا رَكِبْتَ مَعَنَا. فَدَعَا بِثِيَابِهِ فَلَبِسَهَا ثُمَّ دَعَا بِبَغْلَتِهِ فَرَكِبَهَا ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ اَلْقَصْرِ كَأَنَّ نَفْسَهُ أَحَسَّتْ بِبَعْضِ اَلَّذِي كَانَ ، فَقَالَ لِحَسَّانَ بْنِ أَسْمَاءِ بْنِ خَارِجَةَ: يَا اِبْنَ أَخِي إِنِّي وَاَللَّهِ لِهَذَا اَلرَّجُلِ لَخَائِفٌ ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَيْ عَمِّ وَاَللَّهِ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ شَيْئاً ، وَلَمْ تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً ، وَلَمْ يَكُنْ حَسَّانُ يَعْلَمُ فِي أَيِّ شَيْءٍ بَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اَللَّهِ .
فَجَاءَ هَانِئٌ حَتَّى دَخَلَ عَلَى اِبْنِ زِيَادٍ وَمَعَهُ اَلْقَوْمُ ، فَلَمَّا طَلَعَ قَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: أَتَتْكَ بِحَائِنٍ (1)رِجْلاَهُ. فَلَمَّا دَنَا مِنِ اِبْنِ زِيَادٍ وَ - عِنْدَهُ شُرَيْحٌ اَلْقَاضِي - اِلْتَفَتَ نَحْوَهُ فَقَالَ:
ص: 47
أُرِيدُ حِبَاءَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي *** عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِ (1).
وَقَدْ كَانَ أَوَّلُ (مَا دَخَلَ) (2)عَلَيْهِ مُكْرِماً لَهُ مُلْطِفاً ، فَقَالَ لَهُ هَانِئٌ: وَمَا ذَلِكَ أَيُّهَا اَلْأَمِيرُ؟ قَالَ إِيهٍ يَا هَانِئَ بْنَ عُرْوَةَ ، مَا هَذِهِ اَلْأُمُورُ اَلَّتِي تَرَبَّصُ فِي دَارِكَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ جِئْتَ بِمُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ فَأَدْخَلْتَهُ دَارَكَ وَجَمَعْتَ لَهُ اَلسِّلاَحَ وَاَلرِّجَالَ فِي اَلدُّورِ حَوْلَكَ ، وَظَنَنْتَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَيَّ فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ ، وَمَا مُسْلِمٌ عِنْدِي ، قَالَ: بَلَى قَدْ فَعَلْتَ. فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا ، وَأَبَى هَانِئٌ إِلاَّ مُجَاحَدَتَهُ وَمُنَاكَرَتَهُ ، دَعَا اِبْنُ زِيَادٍ مَعْقِلاً - ذَلِكَ اَلْعَيْنَ (3) - فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ: أَ تَعْرِفُ هَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ ، وَعَلِمَ هَانِئٌ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَيْناً عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهُ قَدْ أَتَاهُ بِأَخْبَارِهِمْ ، فَأُسْقِطَ فِي يَدِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَاجَعَتْهُ نَفْسُهُ فَقَالَ: اِسْمَعْ مِنِّي وَصَدِّقْ مَقَالَتِي (4)فَوَاَللَّهِ لاَ كَذَبْتُ ، وَاَللَّهِ مَا دَعَوْتُهُ إِلَى مَنْزِلِي ، وَلاَ عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ حَتَّى جَاءَنِي يَسْأَلُنِي (5)اَلنُّزُولَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَدِّهِ ، وَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ ذِمَامٌ فَضَيَّفْتُهُ وَآوَيْتُهُ ، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ بَلَغَكَ ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُعْطِيَكَ اَلْآنَ مَوْثِقاً مُغَلَّظاً أَلاَّ أَبْغِيَكَ سُوءاً وَلاَ غَائِلَةً ، وَلَآتِيَنَّكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتُكَ رَهِينَةً تَكُونُ فِي يَدِكَ حَتَّى آتِيَكَ ، وَأَنْطَلِقَ إِلَيْهِ فَآمُرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ دَارِي إِلَى حَيْثُ شَاءَ مِنَ اَلْأَرْضِ ، فَأَخْرُجَ مِنْ ذِمَامِهِ وَجِوَارِهِ ، فَقَالَ: لَهُ
ص: 48
اِبْنُ زِيَادٍ: وَاَللَّهِ لاَ تُفَارِقُنِي أَبَداً حَتَّى تَأْتِيَنِي بِهِ ، قَالَ لاَ وَاَللَّهِ لاَ آتِيكَ (1)بِهِ أَبَداً ، أَجِيئُكَ بِضَيْفِي تَقْتُلُهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتَأْتِيَنَّ (2)بِهِ ، قَالَ: لاَ وَاَللَّهِ لاَ آتِيكَ بِهِ.
فَلَمَّا كَثُرَ اَلْكَلاَمُ بَيْنَهُمَا قَامَ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍواَلْبَاهِلِيُّ - وَلَيْسَ بِالْكُوفَةِ شَامِيٌّ وَلاَ بَصْرِيٌّ غَيْرَهُ - فَقَالَ: أَصْلَحَ اَللَّهُ اَلْأَمِيرَ ، خَلِّنِي وَإِيَّاهُ حَتَّى أُكَلِّمَهُ ، فَقَامَ فَخَلاَ بِهِ نَاحِيَةً مِنِ اِبْنِ زِيَادٍ ، وَهُمَا مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُمَا ، فَإِذَا رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا سَمِعَ مَا يَقُولاَنِ ، فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ:يَا هَانِئُ إِنِّي أَنْشُدُكَ اَللَّهَ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَكَ ، وَأَنْ تُدْخِلَ اَلْبَلاَءَ عَلَى عَشِيرَتِكَ ، فَوَاَللَّهِ إِنِّي لَأَنْفَسُ بِكَ عَنِ اَلْقَتْلِ ، إِنَّ هَذَا اَلرَّجُلَ اِبْنُ عَمِّ اَلْقَوْمِ وَلَيْسُوا قَاتِلِيهِ وَلاَ ضَائِرِيهِ ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ بِذَلِكَ مَخْزَاةٌ وَلاَ مَنْقَصَةٌ ، إِنَّمَا تَدْفَعُهُ إِلَى اَلسُّلْطَانِ. فَقَالَ هَانِئٌ: وَاَللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ للخزي [اَلْخِزْيَ] وَاَلْعَارَ ، أَنَا أَدْفَعُ جَارِي وَضَيْفِي وَأَنَا حَيٌّ صَحِيحٌ أَسْمَعُ وَأَرَى ، شَدِيدُ اَلسَّاعِدِ ، كَثِيرُ اَلْأَعْوَانِ؟! وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ أَكُنْ إِلاَّ وَاحِداً لَيْسَ لِي نَاصِرٌ لَمْ أَدْفَعْهُ حَتَّى أَمُوتَ دُونَهُ. فَأَخَذَ يُنَاشِدُهُ وَهُوَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لاَ أَدْفَعُهُ أَبَداً.
فَسَمِعَ اِبْنُ زِيَادٍ ذَلِكَ فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي فَأُدْنِيَ مِنْهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَتَأْتِيَنِّي بِهِ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ فَقَالَ هَانِئٌ: إِذاً وَاَللَّهِ تَكْثُرُ اَلْبَارِقَةُ حَوْلَ دَارِكَ :فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: وَا لَهْفَاهْ عَلَيْكَ! أَ بِالْبَارِقَةِ تُخَوِّفُنِي؟ وَهُوَيَظُنُّ أَنَّ عَشِيرَتَهُ سَيَمْنَعُونَهُ ؛ ثُمَّ قَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي ، فَأُدْنِيَ فَاعْتَرَضَ وَجْهَهُ بِالْقَضِيبِ فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُ وَجْهَهُ وَأَنْفَهُ وَجَبِينَهُ وَخَدَّهُ حَتَّى كَسَرَ
ص: 49
أَنْفَهُ وَسَيَّلَ اَلدِّمَاءَ عَلَى ثِيَابِهِ ، وَنَثَرَ لَحْمَ خَدِّهِ وَجَبِينِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ حَتَّى كُسِرَ اَلْقَضِيبُ. وَضَرَبَ هَانِئٌ يَدَهُ إِلَى قَائِمِ سَيْفِ شُرْطِيٍّ ، وَجَاذَبَهُ اَلرَّجُلُ وَمَنَعَهُ ، فَقَالَ: عُبَيْدُ اَللَّهِ: أَ حَرُورِيٌّ سَائِرَ اَلْيَوْمِ؟ قَدْ حَلَّ لَنَا دَمُكَ ، جُرُّوهُ فَجَرُّوهُ فَأَلْقَوْهُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اَلدَّارِ؟ وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِ بَابَهُ ، فَقَالَ: اِجْعَلُوا عَلَيْهِ حَرَساً ، فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ حَسَّانُ بْنُ أَسْمَاءَ فَقَالَ له: أَ رُسُلُ غَدْرٍ سَائِرَ اَلْيَوْمِ؟ أَمَرْتَنَا أَنْ نَجِيئَكَ بِالرَّجُلِ ، حَتَّى إِذَا جِئْنَاكَ بِهِ هَشَمْتَ وَجْهَهُ ، وَسَيَّلْتَ دِمَاءَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ ، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ تَقْتُلُهُ. فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اَللَّهِ: وَإِنَّكَ لَهَاهُنَا ، فَأَمَرَ بِهِ فَلُهِزَ (1)وَتُعْتِعَ (2)ثُمَّ أُجْلِسَ نَاحِيَةً. فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ: قَدْ رَضِينَا بِمَا رَآهُ (3)اَلْأَمِيرُ لَنَا كَانَ أَوْ عَلَيْنَا إِنَّمَا اَلْأَمِيرُ مُؤَدِّبٌ.
وَبَلَغَ عَمْرَوبْنَ اَلْحَجَّاجِ أَنَّ هَانِئاً قَدْ قُتِلَ ، فَأَقْبَلَ فِي مَذْحِجَ حَتَّى أَحَاطَ بِالْقَصْرِ وَمَعَهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ ، ثُمَّ نَادَى:أَنَا عَمْرُوبْنُ اَلْحَجَّاجِ ، وَهَذِهِ فُرْسَانُ مَذْحِجَ وَوُجُوهُهَا ، لَمْ تَخْلَعْ طَاعَةً ، وَلَمْ تُفَارِقْ جَمَاعَةً ، وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنْ صَاحِبَهُمْ قُتِلَ فَأَعْظَمُوا ذَلِكَ. فَقِيلَ لِعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ: هَذِهِ مَذْحِجُ بِالْبَابِ ، فَقَالَ لِشُرَيْحٍ اَلْقَاضِي: اُدْخُلْ عَلَى صَاحِبِهِمْ فَانْظُرْ إِلَيْهِ ، ثُمَّ اُخْرُجْ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُ حَيٌّ لَمْ يُقْتَلْ. فَدَخَلَ فَنَظَرَ شُرَيْحٌ إِلَيْهِ ، فَقَالَ هَانِئٌ لَمَّا رَأَى شُرَيْحاً: يَا لَلَّهِ !يَا لَلْمُسْلِمِينَ أَ هَلَكَتْ عَشِيرَتِي؟! أَيْنَ أَهْلُ اَلدِّينِ أَيْنَ أَهْلُ اَلْبَصَرِ (4)؟!وَاَلدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى
ص: 50
لِحْيَتِهِ إِذْ سَمِعَ اَلرَّجَّةَ (1)عَلَى بَابِ اَلْقَصْرِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَظُنُّهَا أَصْوَاتَ مَذْحِجَ وَشِيعَتِي مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ ، إِنَّهُ إِنْ (دَخَلَ عَلَيَّ ) (2)عَشَرَةُ نَفَرٍ أَنْقَذُونِي. فَلَمَّا سَمِعَ كَلاَمَهُ شُرَيْحٌ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ اَلْأَمِيرَ لَمَّا بَلَغَهُ مَكَانُكُمْ وَمَقَالَتُكُمْ فِي صَاحِبِكُمْ ، أَمَرَنِي بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ فَأَتَيْتُهُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَمَرَنِي (3)أَنْ أَلْقَاكُمْ وَأَنْ أُعْلِمَكُمْ أَنَّهُ حَيٌّ ، وَأَنَّ اَلَّذِي بَلَغَكُمْ مِنْ قَتْلِهِ بَاطِلٌ ، فَقَالَ عَمْرُوبْنُ اَلْحَجَّاجِ وَأَصْحَابُهُ: أَمَّا إِذْ لَمْ يُقْتَلْ (4)فَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ اِنْصَرَفُوا.
وَخَرَجَ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ ، وَمَعَهُ أَشْرَافُ اَلنَّاسِ وَشُرَطُهُ وَحَشَمُهُ فَقَالَ:
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ فَاعْتَصِمُوا بِطَاعَةِ اَللَّهِ وَطَاعَةِ أَئِمَّتِكُمْ ، وَلاَ تَفَرَّقُوا فَتَهْلِكُوا وَتَذِلُّوا وَتُقْتَلُوا وَتُجْفَوْا وَتُحْرَبُوا (5) ، إِنَّ أَخَاكَ مَنْ صَدَقَكَ ، وَقَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ. ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنْزِلَ فَمَا نَزَلَ عَنِ اَلْمِنْبَرِ حَتَّى دَخَلَتِ اَلنَّظَّارَةُ اَلْمَسْجِدَ مِنْ قِبَلِ بَابِ اَلتَّمَّارِينَ يَشْتَدُّونَ وَيَقُولُونَ: قَدْ جَاءَ اِبْنُ عَقِيلٍ! قَدْ جَاءَ اِبْنُ عَقِيلٍ! فَدَخَلَ عُبَيْدُ اَللَّهِ اَلْقَصْرَ مُسْرِعاً وَأَغْلَقَ أَبْوَابَهُ.
قَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ حَازِمٍ: أَنَا وَاَللَّهِ رَسُولُ اِبْنِ عَقِيلٍ إِلَى اَلْقَصْرِ لِأَنْظُرَ مَا فَعَلَ هَانِئٌ ، فَلَمَّا حُبِسَ وَضُرِبَ رَكِبْتُ فَرَسِي فَكُنْتُ أَوَّلَ أَهْلِ
ص: 51
اَلدَّارِ دَخَلَ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ بِالْخَبَرِ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ لِمُرَادَ مُجْتَمِعَاتٌ يُنَادِينَ: يَا عَبْرَتَاهْ !يَا ثُكْلاَهْ فَدَخَلْتُ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُنَادِيَ فِي أَصْحَابِهِ وَقَدْ مَلَأَ بِهِمُ (1)اَلدُّورَ حَوْلَهُ ، وَكَانُوا فِيهَا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُلٍ ، فَنَادَيْتُ يَا مَنْصُورُ أَمِتْ ، فَتَنَادَى أَهْلُ اَلْكُوفَةِ وَاِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ ، فَعَقَدَ مُسْلِمٌ لِرُءُوسِ اَلْأَرْبَاعِ عَلَى اَلْقَبَائِلِ كِنْدَةَ وَمَذْحِجَ وَأَسَدَ وَتَمِيمَ وَهَمْدَانَ ، وَتَدَاعَى اَلنَّاسُ وَاِجْتَمَعُوا ، فَمَا لَبِثْنَا إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى اِمْتَلَأَ اَلْمَسْجِدُ مِنَ اَلنَّاسِ وَاَلسُّوقُ ، وَمَا زَالُوا يَتَوَثَّبُونَ حَتَّى اَلْمَسَاءِ ، فَضَاقَ بِعُبَيْدِ اَللَّهِ أَمْرُهُ ، وَكَانَ أَكْثَرُ عَمَلِهِ أَنْ يُمْسِكَ بَابَ اَلْقَصْرِ وَلَيْسَ مَعَهُ فِي اَلْقَصْرِ إِلاَّ ثَلاَثُونَ رَجُلاً مِنَ اَلشُّرَطِ وَعِشْرُونَ رَجُلاً مِنْ أَشْرَافِ اَلنَّاسِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ ، وَأَقْبَلَ مَنْ نَأَى عَنْهُ مِنْ أَشْرَافِ اَلنَّاسِ يَأْتُونَهُ مِنْ قِبَلِ اَلْبَابِ اَلَّذِي يَلِي دَارَ اَلرُّومِيِّينَ وَجَعَلَ مَنْ فِي اَلْقَصْرِ مَعَ اِبْنِ زِيَادٍ يُشْرِفُونَ عَلَيْهِمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَرْمُونَهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَيَشْتِمُونَهُمْ وَيَفْتُرُونَ عَلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ وَعَلَى أَبِيهِ.
وَدَعَا اِبْنُ زِيَادٍ كَثِيرَ بْنَ شِهَابٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ مَذْحِجَ ، فَيَسِيرَ فِي اَلْكُوفَةِ وَيُخَذِّلَ اَلنَّاسَ عَنِ اِبْنِ عَقِيلٍ وَيُخَوِّفَهُمُ اَلْحَرْبَ (2)وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ اَلسُّلْطَانِ ، وَأَمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ اَلْأَشْعَثِ أَنْ يَخْرُجَ فِيمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ ، فَيَرْفَعَ رَايَةَ أَمَانٍ لِمَنْ جَاءَهُ مِنَ اَلنَّاسِ ، وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لِلْقَعْقَاعِ اَلذُّهْلِيِّ وَشَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ اَلتَّمِيمِيِّ وَحَجَّارِ بْنِ أَبْجَرَ اَلْعِجْلِيِّ وَشِمْرِ بْنِ ذِي اَلْجَوْشَنِ اَلْعَامِرِيِّ ، وَحَبَسَ بَاقِيَ وُجُوهِ اَلنَّاسِ عِنْدَهُ اِسْتِيحَاشاً إِلَيْهِمْ لِقِلَّةِ عَدَدِ مَنْ مَعَهُ مِنَ اَلنَّاسِ.
ص: 52
فَخَرَجَ كَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ يُخَذِّلُ (1)اَلنَّاسَ عَنِ اِبْنِ عَقِيلٍ ، وَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ حَتَّى وَقَفَ عِنْدَ دُورِ بَنِي عُمَارَةَ ، فَبَعَثَ اِبْنُ عَقِيلٍ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ مِنَ اَلْمَسْجِدِ عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ بْنَ شُرَيْحٍ اَلشِّبَامِيَّ ، فَلَمَّا رَأَى اِبْنُ اَلْأَشْعَثِ كَثْرَةَ مَنْ أَتَاهُ تَأَخَّرَ عَنْ مَكَانِهِ ، وَجَعَلَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ وَكَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ وَاَلْقَعْقَاعُ بْنُ شَوْرٍ اَلذُّهْلِيُّ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ يَرُدُّونَ اَلنَّاسَ عَنِ اَللُّحُوقِ بِمُسْلِمٍ وَيُخَوِّفُونَهُمُ اَلسُّلْطَانَ حَتَّى اِجْتَمَعَ إِلَيْهِمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ قَوْمِهِمْ وَغَيْرِهِمْ ، فَصَارُوا إِلَى اِبْنِ زِيَادٍ مِنْ قِبَلِ دَارِ اَلرُّومِيِّينَ وَدَخَلَ اَلْقَوْمُ مَعَهُمْ فَقَالَ لَهُ: كَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ أَصْلَحَ اَللَّهُ اَلْأَمِيرَ ، مَعَكَ فِي اَلْقَصْرِ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أَشْرَافِ اَلنَّاسِ وَمِنْ شُرَطِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ وَمَوَالِيكَ فَاخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ ، فَأَبَى عُبَيْدُ اَللَّهِ ؛ وَعَقَدَ لِشَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ لِوَاءً فَأَخْرَجَهُ .
وَأَقَامَ اَلنَّاسُ مَعَ اِبْنِ عَقِيلٍ يَكْثُرُونَ حَتَّى اَلْمَسَاءِ وَأَمْرُهُمْ شَدِيدٌ ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اَللَّهِ إِلَى اَلْأَشْرَافِ فَجَمَعَهُمْ ، ثُمَّ أَشْرَفُوا عَلَى اَلنَّاسِ فَمَنَّوْا أَهْلَ اَلطَّاعَةِ اَلزِّيَادَةَ وَاَلْكَرَامَةَ ، وَخَوَّفُوا أَهْلَ اَلْعِصْيَانِ (2)اَلْحِرْمَانَ وَاَلْعُقُوبَةَ ، وَأَعْلَمُوهُمْ وُصُولَ (3)اَلْجُنْدِ مِنَ اَلشَّامِ إِلَيْهِمْ . وَتَكَلَّمَ كَثِيرٌ حَتَّى كَادَتِ اَلشَّمْسُ أَنْ تَجِب َ ، فَقَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِلْحَقُوا بِأَهَالِيكُمْ وَلاَ تَعْجَلُوا اَلشَّرَّ ، وَلاَ تُعَرِّضُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْقَتْلِ ، فَإِنَّ هَذِهِ جُنُودُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ قَدْ أَقْبَلَتْ ، وَقَدْ أَعْطَى اَللَّهَ اَلْأَمِيرُ عَهْداً : لَئِنْ تَمَّمْتُمْ عَلَى حَرْبِهِ وَلَمْ تَنْصَرِفُوا مِنْ عَشِيَّتِكُمْ أَنْ يَحْرِمَ (4)ذُرِّيَّتَكُمُ اَلْعَطَاءَ ، وَيُفَرِّقَ مُقَاتِلَتَكُمْ فِي مَغَازِي اَلشَّامِ وَأَنْ يَأْخُذَ اَلْبَرِيءَ بِالسَّقِيمِ وَاَلشَّاهِدَ بِالْغَائِبِ ، حَتَّى لاَ
ص: 53
تَبْقَى لَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَعْصِيَةِ إِلاَّ أَذَاقَهَا وَبَالَ مَا جَنَتْ أَيْدِيهَا. وَتَكَلَّمَ اَلْأَشْرَافُ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَمَّا سَمِعَ اَلنَّاسُ مَقَالَهُمْ أَخَذُوا يَتَفَرَّقُونَ ، وَكَانَتِ اَلْمَرْأَةُ تَأْتِي اِبْنَهَا أَوْ أَخَاهَا فَتَقُولُ: اِنْصَرِفْ اَلنَّاسُ يَكْفُونَكَ ؛ وَيَجِيءُ اَلرَّجُلُ إِلَى اِبْنِهِ وَأَخِيهِ فَيَقُولُ: غَداً يَأْتِيكَ أَهْلُ اَلشَّامِ ، فَمَا تَصْنَعُ بِالْحَرْبِ وَاَلشَّرِّ؟ اِنْصَرِفْ ، فَيَذْهَبُ بِهِ فَيَنْصَرِفُ. فَمَا زَالُوا يَتَفَرَّقُونَ حَتَّى أَمْسَى اِبْنُ عَقِيلٍ وَصَلَّى اَلْمَغْرِبَ وَمَا (مَعَهُ إِلاَّ ثَلاَثُونَ) (1)نَفْساً فِي اَلْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَمَا مَعَهُ إِلاَّ أُولَئِكَ اَلنَّفَرُ ، خَرَجَ مِنَ اَلْمَسْجِدِ مُتَوَجِّهاً نَحْوَأَبْوَابِ كِنْدَةَ ، فَمَا بَلَغَ اَلْأَبْوَابَ وَمَعَهُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ اَلْبَابِ فَإِذَا لَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَلاَ يَحِسُّ أَحَداً يَدُلُّهُ عَلَى اَلطَّرِيقِ ، وَلاَ يَدُلُّهُ عَلَى مَنْزِلِهِ ، وَلاَ يُوَاسِيهِ بِنَفْسِهِ إِنْ عَرَضَ لَهُ عَدُوٌّ.
فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ مُتَلَدِّداً (2)فِي أَزِقَّةِ اَلْكُوفَةِ لاَ يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ ، حَتَّى خَرَجَ إِلَى دُورِ بَنِي جَبَلَةَ مِنْ كِنْدَةَ ، فَمَشَى حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَابِ اِمْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: طَوْعَةُ ، أُمُّ وَلَدٍ كَانَتْ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَأَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا أُسَيْدٌ اَلْحَضْرَمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ بِلاَلاً ، وَكَانَ بِلاَلٌ قَدْ خَرَجَ مَعَ اَلنَّاسِ فَأُمُّهُ قَائِمَةٌ تَنْتَظِرُهُ ؛ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا اِبْنُ عَقِيلٍ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَهَا: يَا أَمَةَ اَللَّهِ اِسْقِينِي مَاءً ، فَسَقَتْهُ وَجَلَسَ وَأَدْخَلَتِ اَلْإِنَاءَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اَللَّهِ أَ لَمْ تَشْرَبْ؟ قَالَ: بَلَى ، قَالَتْ: فَاذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ ، فَسَكَتَ ثُمَّ أَعَادَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَتْ لَهُ فِي اَلثَّالِثَةِ: سُبْحَانَ اَللَّهِ! يَا
ص: 54
عَبْدَ اَللَّهِ قُمْ عَافَاكَ اَللَّهُ إِلَى أَهْلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَكَ اَلْجُلُوسُ عَلَى بَابِي ، وَلاَ أُحِلُّهُ لَكَ.
فَقَامَ وَقَالَ: يَا أَمَةَ اَللَّهِ مَا لِي فِي هَذَا اَلْمِصْرِ مَنْزِلٌ وَلاَ عَشِيرَةٌ ، فَهَلْ لَكِ فِي (1)أَجْرٍ وَمَعْرُوفٍ لَعَلِّي مُكَافِئُكِ بَعْدَ اَلْيَوْمِ ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اَللَّهِ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ كَذَبَنِي هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمُ وَغَرُّونِي وَأَخْرَجُونِي قَالَتْ: أَنْتَ مُسْلِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ؛ قَالَتْ: اُدْخُلْ ، فَدَخَلَ بَيْتاً فِي دَارِهَا غَيْرَ اَلْبَيْتِ اَلَّذِي تَكُونُ فِيهِ ، وَفَرَشَتْ لَهُ وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ اَلْعَشَاءَ فَلَمْ يَتَعَشَّ.
وَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ أَنْ جَاءَ اِبْنُهَا ، فَرَآهَا تُكْثِرُ اَلدُّخُولَ فِي اَلْبَيْتِ وَاَلْخُرُوجَ مِنْهُ ، فَقَالَ: لَهَا: وَاَللَّهِ إِنَّهُ لَيُرِيبُنِي كَثْرَةُ دُخُولِكِ هَذَا اَلْبَيْتَ مُنْذُ اَللَّيْلَةِ وَخُرُوجِكِ مِنْهُ ؛ إِنَّ لَكِ لَشَأْناً قَالَتْ: يَا بُنَيَّ اِلْهَ عَنْ هَذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَتُخْبِرِينَنِي (2)قَالَتْ أَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ وَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ فَأَلَحَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ لاَ تُخْبِرَنَّ أَحَداً مِنَ اَلنَّاسِ بِشَيْءٍ مِمَّا أُخْبِرُكَ بِهِ ؛ قَالَ: نَعَمْ ، فَأَخَذَتْ عَلَيْهِ اَلْأَيْمَانَ فَحَلَفَ لَهَا ، فَأَخْبَرَتْهُ فَاضْطَجَعَ وَسَكَتَ.
وَلَمَّا تَفَرَّقَ اَلنَّاسُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ طَالَ عَلَى اِبْنِ زِيَادٍ وَجَعَلَ لاَ يَسْمَعُ لِأَصْحَابِ اِبْنِ عَقِيلٍ صَوْتاً كَمَا كَانَ يَسْمَعُ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَشْرِفُوا فَانْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ مِنْهُمْ أَحَداً ؟ فَأَشْرَفُوا فَلَمْ يَرَوْا أَحَداً قَالَ: فَانْظُرُوا لَعَلَّهُمْ تَحْتَ اَلظِّلاَلِ وَقَدْ كَمَنُوا لَكُمْ ،
ص: 55
فَنَزَعُوا تَخَاتِجَ (1)اَلْمَسْجِدِ وَجَعَلُوا يَخْفِضُونَ شُعَلَ اَلنَّارِ (2)فِي أَيْدِيهِمْ وَيَنْظُرُونَ ، فَكَانَتْ أَحْيَاناً تُضِيءُ لَهُمْ وَأَحْيَاناً لاَ تُضِيءُ كَمَا يُرِيدُونَ ، فَدَلَّوُا اَلْقَنَادِيلَ (وَأَطْنَانَ اَلْقَصَبِ تُشَدُّ) (3)بِالْحِبَالِ ثُمَّ تُجْعَلُ فِيهَا اَلنِّيرَانُ ثُمَّ تُدَلَّى حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اَلْأَرْضِ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فِي أَقْصَى اَلظِّلاَلِ (4)وَأَدْنَاهَا وَأَوْسَطِهَا حَتَّى فُعِلَ ذَلِكَ بِالظُّلَّةِ اَلَّتِي فِيهَا اَلْمِنْبَرُ ، فَلَمَّا لَمْ يَرَوْا شَيْئاً أَعْلَمُوا اِبْنَ زِيَادٍ بِتَفَرُّقِ اَلْقَوْمِ ، فَفَتَحَ بَابَ اَلسُّدَّةِ (5)اَلَّتِي فِي اَلْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ وَخَرَجَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ ، فَأَمَرَهُمْ فَجَلَسُوا قُبَيْلَ اَلْعَتَمَةِ وَأَمَرَ عَمْرَوبْنَ نَافِعٍ فَنَادَى: أَلاَ بَرِئَتِ اَلذِّمَّةُ مِنْ رَجُلٍ مِنَ اَلشُّرَطِ وَاَلْعُرَفَاءِ وَاَلْمَنَاكِبِ (6)أَوِ اَلْمُقَاتِلَةِ صَلَّى اَلْعَتَمَةَ إِلاَّ فِي اَلْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ سَاعَةٌ حَتَّى اِمْتَلَأَ اَلْمَسْجِدُ مِنَ اَلنَّاسِ، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَأَقَامَ اَلصَّلاَةَ، وَأَقَامَ اَلْحَرَسَ خَلْفَهُ وَأَمَرَهُمْ بِحِرَاسَتِهِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَغْتَالُهُ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اِبْنَ عَقِيلٍ اَلسَّفِيهَ اَلْجَاهِلَ قَدْ أَتَى مَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنَ
ص: 56
اَلْخِلاَفِ وَاَلشِّقَاقِ، فَبَرِئَتْ ذِمَّةُ اَللَّهِ مِنْ رَجُلٍ وَجَدْنَاهُ فِي دَارِهِ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ دِيَتُهُ، اِتَّقُوا (1)اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَاِلْزَمُوا طَاعَتَكُمْ وَبَيْعَتَكُمْ، وَلاَ تَجْعَلُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلاً. يَا حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ضَاعَ بَابُ سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ اَلْكُوفَةِ، أَوْ خَرَجَ هَذَا اَلرَّجُلُ وَلَمْ تَأْتِنِي بِهِ، وَقَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى دُورِ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ، فَابْعَثْ مَرَاصِدَ عَلَى أَهْلِ اَلسِّكَكِ، وَأَصْبِحْ غَداً فَاسْتَبِرِ (2)اَلدُّورَ وَجُسْ خِلاَلَهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي بِهَذَا اَلرَّجُلِ، وَكَانَ اَلْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَلَى شُرَطِهِ وَهُوَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ .
ثُمَّ دَخَلَ اِبْنُ زِيَادٍ اَلْقَصْرَ، وَقَدْ عَقَدَ لَعَمْرِوبْنِ حُرَيْثٍ رَايَةً وَأَمَّرَهُ عَلَى اَلنَّاسِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ جَلَسَ مَجْلِسَهُ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَأَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ، فَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ لاَ يُسْتَغَشُّ وَلاَ يُتَّهَمُ، ثُمَّ أَقْعَدَهُ إِلَى جَنْبِهِ.
وَأَصْبَحَ اِبْنُ تِلْكَ اَلْعَجُوزِ فَغَدَا إِلَى عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ فَأَخْبَرَهُ بِمَكَانِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ عِنْدَ أُمِّهِ، فَأَقْبَلَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ حَتَّى أَتَى أَبَاهُ وَهُوَعِنْدَ اِبْنِ زِيَادٍ فَسَارَّهُ، فَعَرَفَ اِبْنُ زِيَادٍ سِرَارَهُ فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: بِالْقَضِيبِ فِي جَنْبِهِ : قُمْ فَائْتِنِي بِهِ اَلسَّاعَةَ فَقَامَ وَبَعَثَ مَعَهُ قَوْمَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ قَوْمٍ يَكْرَهُونَ أَنْ يُصَابَ فِيهِمْ (مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ) (3)وَبَعَثَ مَعَهُ عُبَيْدَ اَللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ اَلسُّلَمِيَّ فِي سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ قَيْسٍ، حَتَّى أَتَوُا اَلدَّارَ اَلَّتِي فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ، فَلَمَّا سَمِعَ وَقْعَ حَوَافِرِ
ص: 57
اَلْخَيْلِ وَأَصْوَاتَ اَلرِّجَالِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أُتِيَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بِسَيْفِهِ، وَاِقْتَحَمُوا عَلَيْهِ اَلدَّارَ، فَشَدَّ عَلَيْهِمْ يَضْرِبُهُمْ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنَ اَلدَّارِ، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ فَشَدَّ عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ، فَاخْتَلَفَ هُوَوَبَكْرُ بْنُ حُمْرَانَ اَلْأَحْمَرِيُّ فَضَرَبَ فَمَ مُسْلِمٍ فَشَقَّ (1)شَفَتَهُ اَلْعُلْيَا وَأَسْرَعَ اَلسَّيْفُ فِي اَلسُّفْلَى وَنَصَلَتْ (2)لَهُ ثَنِيَّتَاهُ وَضَرَبَهُ مُسْلِمٌ فِي رَأْسِهِ ضَرْبَةً مُنْكَرَةً وَثَنَّاهُ بِأُخْرَى عَلَى حَبْلِ اَلْعَاتِقِ (3)كَادَتْ تَطْلُعُ عَلَى جَوْفِهِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَشْرَفُوا عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ اَلْبَيْتِ فَأَخَذُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَيُلْهِبُونَ اَلنَّارَ فِي أَطْنَانِ اَلْقَصَبِ ثُمَّ يُلْقُونَهَا عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ اَلْبَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مُصْلِتاً بِسَيْفِهِ فِي اَلسِّكَّةِ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ : لَكَ اَلْأَمَانُ لاَ تَقْتُلْ نَفْسَكَ، وَهُوَيُقَاتِلُهُمْ وَيَقُولُ:
أَقْسَمْتُ لاَ أُقْتَلُ إِلاَّ حُرَّا *** إِنِّي (4)رَأَيْتُ اَلْمَوْتَ شَيْئاً نُكْرَا
وَيَجْعَلُ (5)اَلْبَارِدَ سُخْناً مُرَّا *** رُدَّ (6)شُعَاعُ اَلشَّمْسِ فَاسْتَقَرَّا
كُلُّ اِمْرِئٍ يَوْماً مُلاَقٍ شَرَّا *** أَخَافُ أَنْ أُكْذَبَ أَوْ أُغَرَّا.
فَقَالَ: لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ: إِنَّكَ لاَ تُكْذَبُ وَلاَ تُغَرُّ، فَلاَ تَجْزَعْ، إِنَّ اَلْقَوْمَ بَنُوعَمِّكَ وَلَيْسُوا بِقَاتِلِيكَ وَلاَ ضَائِرِيكَ (7)وَكَانَ قَدْ أُثْخِنَ بِالْحِجَارَةِ
ص: 58
وَعَجَزَ عَنِ اَلْقِتَالِ، فَانْبَهَرَ وَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى جَنْبِ تِلْكَ اَلدَّارِ، فَأَعَادَ اِبْنُ اَلْأَشْعَثِ عَلَيْهِ اَلْقَوْلَ: لَكَ اَلْأَمَانُ، فَقَالَ: آمِنٌ أَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ اَلَّذِينَ مَعَهُ: لِيَ (1)اَلْأَمَانُ ؟ فَقَالَ اَلْقَوْمُ لَهُ: نَعَمْ، إِلاَّ عُبَيْدَ اَللَّهِ بْنَ اَلْعَبَّاسِ اَلسُّلَمِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ:لاَ نَاقَةَ لِي فِي هَذَا وَلاَ جَمَلَ، وَتَنَحَّى؛ فَقَالَ مُسْلِمٌ: أَمَا لَوْ لَمْ تُؤَمِّنُونِي مَا وَضَعْتُ يَدِي فِي أَيْدِيكُمْ.
وَأُتِيَ بِبَغْلَةٍ فَحُمِلَ عَلَيْهَا فَاجْتَمَعُوا حَوْلَهُ وَاِنْتَزَعُوا سَيْفَهُ، فَكَأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَيِسَ (2)مِنْ نَفْسِهِ وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ ،ثُمَّ قَالَ:هَذَا أَوَّلُ اَلْغَدْرِ، قَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ: أَرْجُوأَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ بَأْسٌ، فَقَالَ: وَمَا هُوَإِلاَّ اَلرَّجَاءُ، أَيْنَ أَمَانُكُمْ؟ إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ! وَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اَللَّهِ: بْنُ اَلْعَبَّاسِ اَلسُّلَمِيُّ: إِنَّ مَنْ (3)يَطْلُبُ مِثْلَ اَلَّذِي تَطْلُبُ، إِذَا نَزَلَ بِهِ مِثْلُ اَلَّذِي نَزَلَ بِكَ لَمْ يَبْكِ. قَالَ: إِنِّي وَاَللَّهِ مَا لِنَفْسِي بَكَيْتُ ،وَلاَ لَهَا مِنَ اَلْقَتْلِ أَرْثِي، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أُحِبَّ لَهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ تَلَفاً، وَلَكِنْ (4)أَبْكِي لِأَهْلِي اَلْمُقْبِلِينَ إِلَيَّ، أَبْكِي لِلْحُسَيْنِ ع وَآلِ اَلْحُسَيْنِ .
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اَللَّهِ إِنِّي أَرَاكَ وَاَللَّهِ سَتَعْجِزُ عَنْ أَمَانِي، فَهَلْ عِنْدَكَ خَيْرٌ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَبْعَثَ مِنْ عِنْدِكَ رَجُلاً عَلَى لِسَانِي أَنْ يُبْلِغَ حُسَيْناً؟ فَإِنِّي لاَ أَرَاهُ إِلاَّ قَدْ خَرَجَ إِلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ مُقْبِلاً أَوْ هُوَخَارِجٌ غَداً وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَيَقُولَ لَهُ: إِنَّ اِبْنَ عَقِيلٍ بَعَثَنِي إِلَيْكَ وَهُوَأَسِيرٌ فِي أَيْدِي اَلْقَوْمِ، لاَ يَرَى أَنَّهُ (5)يُمْسِي حَتَّى يُقْتَلَ وَهُوَيَقُولُ:
ص: 59
اِرْجِعْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي بِأَهْلِ بَيْتِكَ وَلاَ يَغُرُّكَ (1)أَهْلُ اَلْكُوفَةِ، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ أَبِيكَ اَلَّذِي كَانَ يَتَمَنَّى فِرَاقَهُمْ بِالْمَوْتِ أَوِ اَلْقَتْلِ، إِنَّ أَهْلَ اَلْكُوفَةِ قَدْ كَذَبُوكَ وَلَيْسَ لِمَكْذُوبٍ (2)رَأْيٌ فَقَالَ: اِبْنُ اَلْأَشْعَثِ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأُعْلِمَنَّ اِبْنَ زِيَادٍ أَنِّي قَدْ آمَنْتُكَ.
وَأَقْبَلَ اِبْنُ اَلْأَشْعَثِ بِابْنِ عَقِيلٍ إِلَى بَابِ اَلْقَصْرِ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ عَلَى اِبْنِ زِيَادٍ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ اِبْنِ عَقِيلٍ وَضَرْبَ بَكْرٍ إِيَّاهُ وَمَا كَانَ مِنْ أَمَانِهِ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اَللَّهِ: وَمَا أَنْتَ وَاَلْأَمَانَ، كَأَنَّا أَرْسَلْنَاكَ لِتُؤْمِنَهُ! إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ لِتَأْتِيَنَا بِهِ، فَسَكَتَ اِبْنُ اَلْأَشْعَثِ، وَاُنْتُهِيَ بِابْنِ عَقِيلٍ إِلَى بَابِ اَلْقَصْرِ وَقَدِ اِشْتَدَّ بِهِ اَلْعَطَشُ، وَعَلَى بَابِ اَلْقَصْرِ نَاسٌ جُلُوسٌ يَنْتَظِرُونَ اَلْإِذْنَ، فِيهِمْ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعَمْرُوبْنُ حُرَيْثٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ، وَإِذَا قُلَّةٌ بَارِدَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى اَلْبَابِ، فَقَالَ مُسْلِمٌ: اِسْقُونِي مِنْ هَذَا اَلْمَاءِ، فَقَالَ لَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو: أَ تَرَاهَا؟ مَا أَبْرَدَهَا! لاَ وَاَللَّهِ لاَ تَذُوقُ مِنْهَا قَطْرَةً أَبَداً حَتَّى تَذُوقَ اَلْحَمِيمَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عَقِيلٍ رضی اللّه عنه : وَيْلَكَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَنْ عَرَفَ اَلْحَقَّ إِذْ أَنْكَرْتَهُ وَنَصَحَ لِإِمَامِهِ إِذْ غَشَشْتَهُ، وَأَطَاعَهُ إِذْ خَالَفْتَهُ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍواَلْبَاهِلِيُّ، فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عَقِيلٍ: لِأُمِّكَ اَلثُّكْلُ، مَا أَجْفَاكَ وَأَفَظَّكَ وَأَقْسَى قَلْبَكَ! أَنْتَ يَا اِبْنَ بَاهِلَةَ أَوْلَى بِالْحَمِيمِ وَاَلْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مِنِّي ثُمَّ جَلَسَ فَتَسَانَدَ إِلَى حَائِطٍ.
وَبَعَثَ عَمْرُوبْنُ حُرَيْثٍ غُلاَماً لَهُ فَجَاءَهُ بِقُلَّةٍ عَلَيْهَا مِنْدِيلٌ وَقَدَحٌ
ص: 60
فَصَبَّ فِيهِ مَاءً فَقَالَ لَهُ: اِشْرَبْ، فَأَخَذَ كُلَّمَا شَرِبَ اِمْتَلَأَ اَلْقَدَحُ دَماً مِنْ فِيهِ فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَشْرَبَ فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا ذَهَبَ فِي اَلثَّالِثَةِ لِيَشْرَبَ سَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ فِي اَلْقَدَحِ ، فَقَالَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، لَوْ كَانَ لِي مِنَ اَلرِّزْقِ اَلْمَقْسُومِ شَرِبْتُهُ.
وَخَرَجَ رَسُولُ اِبْنِ زِيَادٍ فَأَمَرَ بِإِدْخَالِهِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ، فَقَالَ: لَهُ اَلْحَرَسِيُّ: أَ لاَ تُسَلِّمُ عَلَى اَلْأَمِيرِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يُرِيدُ قَتْلِي فَمَا سَلاَمِي عَلَيْهِ؟ وَإِنْ كَانَ لاَ يُرِيدُ قَتْلِي لَيَكْثُرَنَّ سَلاَمِي عَلَيْهِ فَقَالَ: لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: لَعَمْرِي لَتُقْتَلَنَّ؛ قَالَ: كَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: فَدَعْنِي أُوْصِ (1)إِلَى بَعْضِ قَوْمِي؛ قَالَ: اِفْعَلْ، فَنَظَرَ مُسْلِمٌ إِلَى جُلَسَائِهِ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ:يَا عُمَرُ، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَرَابَةً، وَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، وَقَدْ يَجِبُ لِي عَلَيْكَ نُجْحُ حَاجَتِي وَهِيَ سِرٌّ؛ فَامْتَنَعَ عُمَرُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اَللَّهِ: لِمَ تَمْتَنِعُ أَنْ تَنْظُرَ فِي حَاجَةِ اِبْنِ عَمِّكَ؟ فَقَامَ مَعَهُ فَجَلَسَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا اِبْنُ زِيَادٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْناً بِالْكُوفَةِ اِسْتَدَنْتُهُ مُنْذُ قَدِمْتُ اَلْكُوفَةَ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَاقْضِهَا عَنِّي، فَإِذَا قُتِلْتُ فَاسْتَوْهِبْ جُثَّتِي مِنِ اِبْنِ زِيَادٍ فَوَارِهَا ، وَاِبْعَثْ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ مَنْ يَرُدُّهُ، فَإِنِّي قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ أَنَّ اَلنَّاسَ مَعَهُ، وَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ مُقْبِلاً؛ فَقَالَ: عُمَرُ لاِبْنِ زِيَادٍ: أَ تَدْرِي أَيُّهَا اَلْأَمِيرُ مَا قَالَ لِي؟ إِنَّهُ ذَكَرَ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: إِنَّهُ لاَ يَخُونُكَ اَلْأَمِينُ وَلَكِنْ قَدْ يُؤْتَمَنُ (2)اَلْخَائِنُ! أَمَّا مَالُكَ فَهُوَلَكَ وَلَسْنَا نَمْنَعُكَ أَنْ تَصْنَعَ بِهِ مَا أَحْبَبْتَ، وَأَمَّا جُثَّتُهُ فَإِنَّا لاَ نُبَالِي إِذَا قَتَلْنَاهُ مَا صُنِعَ بِهَا، وَأَمَّا حُسَيْنٌ فَإِنْ هُوَلَمْ يُرِدْنَا لَمْ
ص: 61
نُرِدْهُ.
ثُمَّ قَالَ اِبْنُ زِيَادٍ. إِيهٍ يَا اِبْنَ عَقِيلٍ، أَتَيْتَ اَلنَّاسَ وَهُمْ جَمِيعٌ فَشَتَّتَّ بَيْنَهُمْ، وَفَرَّقْتَ كَلِمَتَهُمْ، وَحَمَلْتَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
قَالَ: كَلاَّ، لَسْتُ لِذَلِكَ أَتَيْتُ، وَلَكِنَّ أَهْلَ اَلْمِصْرِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ قَتَلَ خِيَارَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ، وَعَمِلَ فِيهِمْ أَعْمَالَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَأَتَيْنَاهُ لِنَأْمُرَ بِالْعَدْلِ، وَنَدْعُوَإِلَى حُكْمِ اَلْكِتَابِ .
فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ يَا فَاسِقُ؟ لِمَ لَمْ تَعْمَلْ فِيهِمْ بِذَاكَ إِذْ أَنْتَ بِالْمَدِينَةِ تَشْرَبُ اَلْخَمْرَ؟
قَالَ: أَنَا أَشْرَبُ اَلْخَمْرَ؟! أَمَا وَاَللَّهِ إِنَّ اَللَّهَ لَيَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ غَيْرُ صَادِقٍ، وَأَنَّكَ قَدْ قُلْتَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَنِّي لَسْتُ كَمَا ذَكَرْتَ، وَأَنَّكَ أَحَقُّ بِشُرْبِ اَلْخَمْرِ مِنِّي، وَأَوْلَى بِهَا مَنْ يَلِغُ فِي دِمَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ وَلْغاً ، فَيَقْتُلُ اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللَّهُ قَتْلَهَا، وَيَسْفِكُ اَلدَّمَ اَلْحَرَامَ عَلَى اَلْغَصْبِ وَاَلْعَدَاوَةِ وَسُوءِ اَلظَّنِّ، وَهُوَيَلْهُووَيَلْعَبُ كَأَنْ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً.
فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: يَا فَاسِقُ إِنَّ نَفْسَكَ تُمَنِّيكَ مَا حَالَ اَللَّهُ دُونَهُ وَلَمْ يَرَكَ اَللَّهُ لَهُ أَهْلاً.
فَقَالَ مُسْلِمٌ: فَمَنْ أَهْلُهُ إِذَا لَمْ نَكُنْ نَحْنُ أَهْلَهُ؟!
فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ .
فَقَالَ مُسْلِمٌ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، رَضِينَا بِاللَّهِ حَكَماً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ.
فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: قَتَلَنِي اَللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ قِتْلَةً لَمْ يُقْتَلْهَا أَحَدٌ فِي
ص: 62
اَلْإِسْلاَمِ مِنَ اَلنَّاسِ.
قَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: أَمَا إِنَّكَ أَحَقُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي اَلْإِسْلاَمِ مَا لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّكَ لاَ تَدَعُ سُوءَ اَلْقِتْلَةِ وَقُبْحَ اَلْمُثْلَةِ وَخُبْثَ اَلسِّيرَةِ وَلُؤْمَ اَلْغَلَبَةِ.
فَأَقْبَلَ اِبْنُ زِيَادٍ يَشْتِمُهُ وَيَشْتِمُ اَلْحُسَيْنَ وَعَلِيّاً وَعَقِيلاً ع وَأَخَذَ مُسْلِمٌ لاَ يُكَلِّمُهُ.
ثُمَّ قَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: اِصْعَدُوا بِهِ فَوْقَ اَلْقَصْرِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ، ثُمَّ أَتْبِعُوهُ جَسَدَهُ. فَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ: لَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَرَابَةٌ مَا قَتَلْتَنِي ؛ فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: أَيْنَ هَذَا اَلَّذِي ضَرَبَ اِبْنَ عَقِيلٍ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ؟ فَدُعِيَ بَكْرُ بْنُ حُمْرَانَ اَلْأَحْمَرِيُّ فَقَالَ لَهُ: اِصْعَدْ فَلْتَكُنْ (1)أَنْتَ اَلَّذِي تَضْرِبُ عُنُقَهُ. فَصَعِدَ بِهِ وَهُوَيُكَبِّرُ وَيَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ وَيَقُولُ: اَللَّهُمَّ اُحْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ (2)غَرُّونَا وَكَذَبُونَا وَخَذَلُونَا. وَأَشْرَفُوا بِهِ عَلَى مَوْضِعِ اَلْحَذَّائِينَ اَلْيَوْمَ ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَأُتْبِعَ جَسَدُهُ رَأْسَهُ. (3)
وَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَكَلَّمَهُ فِي هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ هَانِئٍ فِي اَلْمِصْرِ وَبَيْتَهُ فِي اَلْعَشِيرَةِ، وَقَدْ عَلِمَ قَوْمُهُ أَنِّي أَنَا وَصَاحِبَيَّ سُقْنَاهُ إِلَيْكَ، فَأَنْشُدُكَ اَللَّهَ لَمَّا وَهَبْتَهُ لِي، فَإِنِّي أَكْرَهُ عَدَاوَةَ اَلْمِصْرِ وَأَهْلِهِ. فَوَعَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَمَرَ بِهَانِئٍ فِي
ص: 63
اَلْحَالِ فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ إِلَى اَلسُّوقِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ. فَأُخْرِجَ هَانِئٌ حَتَّى اُنْتُهِيَ بِهِ إِلَى مَكَانٍ مِنَ اَلسُّوقِ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ اَلْغَنَمُ، وَهُوَمَكْتُوفٌ، فَجَعَلَ يَقُولُ: وَا مَذْحِجَاهْ! وَلاَ مَذْحِجَ لِيَ اَلْيَوْمَ، يَا مَذْحِجَاهْ! يَا مَذْحِجَاهْ! وَأَيْنَ مَذْحِجُ؟! فَلَمَّا رَأَى أَنَّ أَحَداً لاَ يَنْصُرُهُ جَذَبَ يَدَهُ فَنَزَعَهَا مِنَ اَلْكِتَافِ، ثُمَّ قَالَ:أَ مَا مِنْ عَصًا أَوْ سِكِّينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ عَظْمٍ يُحَاجِزُ بِهِ رَجُلٌ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَوَثَبُوا إِلَيْهِ فَشَدُّوهُ وِثَاقاً، ثُمَّ قِيلَ لَهُ اُمْدُدْ عُنُقَكَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِهَا سَخِيٌّ، وَمَا أَنَا بِمُعِينِكُمْ عَلَى نَفْسِي، فَضَرَبَهُ مَوْلًى لِعُبَيْدِ اَللَّهِ - تُرْكِيٍّ يُقَالُ لَهُ رُشَيْدٌ- بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً، فَقَالَ: هَانِئٌ: إِلَى اَللَّهِ اَلْمَعَادُ، اَللَّهُمَّ إِلَى رَحْمَتِكَ وَرِضْوَانِكَ ثُمَّ ضَرَبَهُ أُخْرَى فَقَتَلَهُ.
وَفِي مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ وَهَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ - رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا - يَقُولُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلزُّبَيْرِ اَلْأَسَدِيُّ -
إِنْ كُنْتِ لاَ تَدْرِينَ مَا اَلْمَوْتُ فَانْظُرِي *** إِلَى هَانِئٍ فِي اَلسُّوقِ وَاِبْنِ عَقِيلِ
إِلَى بَطَلٍ قَدْ هَشَّمَ اَلسَّيْفُ وَجْهَهُ *** وَآخَرَ يَهْوِي مِنْ طَمَارِ (1)قَتِيلِ
أَصَابَهُمَا أَمْرُ اَلْأَمِيرِ فَأَصْبَحَا *** أَحَادِيثَ مَنْ يَسْرِي بِكُلِّ سَبِيلِ
تَرَيْ جَسَداً قَدْ غَيَّرَ اَلْمَوْتُ وَجْهَهُ (2)*** وَنَضْحَ دَمٍ قَدْ سَالَ كُلَّ مَسِيلِ
فَتًى هُوَأَحْيَا مِنْ فَتَاةٍ حَيِيَّةٍ *** وَأَقْطَعَ مِنْ ذِي شَفْرَتَيْنِ صَقِيلِ
أَ يَرْكَبُ أَسْمَاءُ (3)اَلْهَمَالِيجَ (4)آمِناً *** وَقَدْ طَلَبَتْهُ مَذْحِجُ بِذُحُولِ
ص: 64
تُطِيفُ حَوَالَيْهِ مُرَادُ وَكُلُّهُمْ*** عَلَى رِقْبَةٍ (1)مِنْ سَائِلٍ وَمَسُولٍ
فَإِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمُ *** فَكُونُوا بَغَايَا أُرْضِيَتْ بِقَلِيلِ
.
وَلَمَّا قُتِلَ مُسْلِمٌ وَهَانِئٌ - رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا - بَعَثَ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرُءُوسِهِمَا مَعَ هَانِئِ بْنِ أَبِي حَيَّةَ اَلْوَادِعِيِّ وَاَلزُّبَيْرِ بْنِ اَلْأَرْوَحِ اَلتَّمِيمِيِّ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَمَرَ كَاتِبَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى يَزِيدَ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُسْلِمٍ وَهَانِئٍ، فَكَتَبَ اَلْكَاتِبُ - وَهُوَعَمْرُوبْنُ نَافِعٍ - فَأَطَالَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَطَالَ فِي اَلْكُتُبِ، فَلَمَّا نَظَرَ فِيهِ عُبَيْدُ اَللَّهِ تَكَرَّهَهُ (2)وَقَالَ: مَا هَذَا اَلتَّطْوِيلُ؟ وَمَا هَذِهِ اَلْفُصُولُ (3)اُكْتُبْ:
أَمَّا بَعْدُ: فَالْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَخَذَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ بِحَقِّهِ، وَكَفَاهُ مَئُونَةَ عَدُوِّهِ، أُخْبِرُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ لَجَأَ إِلَى دَارِ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ اَلْمُرَادِيِّ، وَأَنِّي جَعَلْتُ عَلَيْهِمَا اَلْعُيُونَ وَدَسَسْتُ إِلَيْهِمَا اَلرِّجَالَ وَكِدْتُهُمَا حَتَّى اِسْتَخْرَجْتُهُمَا، وَأَمْكَنَ اَللَّهُ مِنْهُمَا فَقَدَّمْتُهُمَا وَضَرَبْتُ أَعْنَاقَهُمَا، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِرُءُوسِهِمَا مَعَ هَانِئِ بْنِ أَبِي حَيَّةَ وَاَلزُّبَيْرِ بْنِ اَلْأَرْوَحِ اَلتَّمِيمِيِّ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اَلسَّمْعِ وَاَلطَّاعَةِ وَاَلنَّصِيحَةِ، فَلْيَسْأَلْهُمَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَمَّا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِهِمَا، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا عِلْماً وَصِدْقاً وَوَرَعاً وَاَلسَّلاَمُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَزِيدُ:
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدُ أَنْ كُنْتَ كَمَا أُحِبُّ، عَمِلْتَ عَمَلَ اَلْحَازِمِ ، وَصُلْتَ صَوْلَةَ اَلشُّجَاعِ اَلرَّابِطِ اَلْجَأْشِ ، وَقَدْ أَغْنَيْتَ وَكُفِيتَ
ص: 65
وَصَدَّقْتَ ظَنِّي بِكَ وَرَأْيِي فِيكَ، وَقَدْ دَعَوْتُ رَسُولَيْكَ فَسَأَلْتُهُمَا وَنَاجَيْتُهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا فِي رَأْيِهِمَا وَفَضْلِهِمَا كَمَا ذَكَرْتَ، فَاسْتَوْصِ بِهِمَا خَيْراً، وَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ حُسَيْناً قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى (1)اَلْعِرَاقِ فَضَعِ اَلْمَنَاظِرَ وَاَلْمَسَالِحَ وَاِحْتَرِسْ، وَاِحْبِسْ عَلَى اَلظِّنَّةِ وَاُقْتُلْ عَلَى اَلتُّهَمَةِ، وَاُكْتُبْ إِلَيَّ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ خَبَرٍ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ (2) .
فصل
وكانَ خروجُ مسلمِ بنِ عقيلٍ _ رحمةُ اللّهِ عليهما _ بالكوفةِ يومَ الثُّلاثاءِ لثمانٍ مضينَ من ذي الحجّةِ سنةَ سِتِّينَ ، وقَتْلُه يَومَ الأربعاءِ لتسعٍ خلونَ منه يومَ عرفة؛ وكانَ توجُّهُ الحسينِ علیهِ السّلامُ من مكّةَ إِلى العراقِ في يومِ خروجِ مسلمٍ بالكوفةِ _ وهو يومُ التّرويةِ _ بعدَ مُقامِه بمكّةَ بقيّةَ شعبانَ (3) وشهرَ رمضانَ وشوّالاً وذا القعدةِ وثمانيَ ليالٍ خلونَ من ذي الحجّةِ سنةَ سِتِّينَ ، وكانَ قدِ اجتمعَ إِليهِ مدّةَ مُقامِه بمكّةَ نفرٌ من أهلِ الحجازِ ونفرٌ من أَهلِ البصرة ، انضافوا إِلى أهلِ بيتهِ ومَواليه.
ص: 66
وَلَمَّا أَرَادَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ اَلتَّوَجُّهَ إِلَى اَلْعِرَاقِ، طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ اَلصَّفَا وَاَلْمَرْوَةِ، وَأَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَجَعَلَهَا عُمْرَةً، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَمَامِ اَلْحَجِّ مَخَافَةَ أَنْ يُقْبَضَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَيُنْفَذَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَخَرَجَ ع مُبَادِراً بِأَهْلِهِ وَوُلْدِهِ وَمَنِ اِنْضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ شِيعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ خَبَرُ مُسْلِمٍ قَدْ بَلَغَهُ لِخُرُوجِهِ يَوْمَ خُرُوجِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَرُوِيَ عَنِ اَلْفَرَزْدَقِ اَلشَّاعِرِ أَنَّهُ قَالَ: حَجَجْتُ بِأُمِّي فِي سَنَةِ سِتِّينَ، فَبَيْنَا أَنَا أَسُوقُ بَعِيرَهَا حِينَ دَخَلْتُ اَلْحَرَمَ إِذْ لَقِيتُ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام خَارِجاً مِنْ مَكَّةَ مَعَهُ أَسْيَافُهُ وَتِرَاسُهُ (1)فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا اَلْقِطَارُ؟ فَقِيلَ: لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَتَيْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ لَهُ: أَعْطَاكَ اَللَّهُ سُؤْلَكَ وَأَمَلَكَ فِيمَا تُحِبُّ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، مَا أَعْجَلَكَ عَنِ اَلْحَجِّ؟ فَقَالَ: «لَوْ لَمْ أَعْجَلْ لَأُخِذْتُ» ثُمَّ قَالَ لِي: «مَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: اِمْرُؤٌ مِنَ اَلْعَرَبِ، فَلاَ وَاَللَّهِ مَا فَتَّشَنِي عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لِي:« أَخْبِرْنِي عَنِ اَلنَّاسِ خَلْفَكَ» فَقُلْتُ: اَلْخَبِيرَ سَأَلْتَ، قُلُوبُ اَلنَّاسِ مَعَكَ وَأَسْيَافُهُمْ عَلَيْكَ، وَاَلْقَضَاءُ يَنْزِلُ مِنَ اَلسَّمَاءِ، وَاَللَّهُ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ لِلّٰهِ اَلْأَمْرُ، وَكُلَّ يَوْمٍ رَبُّنَا هُوَفِي شَأْنٍ، ( إِنْ نَزَلَ اَلْقَضَاءُ) (2)بِمَا نُحِبُّ فَنَحْمَدُ اَللَّهَ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَهُوَاَلْمُسْتَعَانُ عَلَى أَدَاءِ اَلشُّكْرِ، وَإِنْ حَالَ اَلْقَضَاءُ دُونَ اَلرَّجَاءِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مَنْ كَانَ اَلْحَقُّ نِيَّتَهُ وَاَلتَّقْوَى سَرِيرَتَهُ» فَقُلْتُ لَهُ: أَجَلْ، بَلَغَكَ اَللَّهُ مَا تُحِبُّ وَكَفَاكَ مَا تَحْذَرُ، وَسَأَلْتُهُ
ص: 67
عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ نُذُورٍ وَمَنَاسِكَ فَأَخْبَرَنِي بِهَا، وَحَرَّكَ رَاحِلَتَهُ وَقَالَ: «اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ»ثُمَّ اِفْتَرَقْنَا. (1)
وَكَانَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ اِعْتَرَضَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ اَلْعَاصِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ أَرْسَلَهُمْ عَمْرُوبْنُ سَعِيدٍ (2)إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: اِنْصَرِفْ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَمَضَى وَتَدَافَعَ اَلْفَرِيقَانِ وَاِضْطَرَبُوا بِالسِّيَاطِ، وَاِمْتَنَعَ اَلْحُسَيْنُ وَأَصْحَابُهُ مِنْهُمُ اِمْتِنَاعاً قَوِيّاً. وَسَارَ حَتَّى أَتَى اَلتَّنْعِيمَ (3)فَلَقِيَ عِيراً قَدْ أَقْبَلَتْ مِنَ اَلْيَمَنِ، فَاسْتَأَجَرَ مِنْ أَهْلِهَا جِمَالاً لِرَحْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهَا: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَنَا إِلَى اَلْعِرَاقِ وَفَّيْنَاهُ كِرَاءَهُ وَأَحْسَنَّا صُحْبَتَهُ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفَارِقَنَا فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ أَعْطَيْنَاهُ كِرَاءً عَلَى قَدْرِ مَا قَطَعَ مِنَ اَلطَّرِيقِ فَمَضَى مَعَهُ قَوْمٌ وَاِمْتَنَعَ آخَرُونَ.
وَأَلْحَقَهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ بِابْنَيْهِ عَوْنٍ وَمُحَمَّدٍ، وَكَتَبَ عَلَى أَيْدِيهِمَا إِلَيْهِ كِتَاباً يَقُولُ فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَمَّا اِنْصَرَفْتَ حِينَ تَنْظُرُ فِي كِتَابِي، فَإِنِّي مُشْفِقٌ عَلَيْكَ مِنَ اَلْوَجْهِ اَلَّذِي تَوَجَّهْتَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلاَكُكَ وَاِسْتِئْصَالُ أَهْلِ بَيْتِكَ، إِنْ هَلَكْتَ اَلْيَوْمَ طَفِئَ نُورُ اَلْأَرْضِ، فَإِنَّكَ
ص: 68
عَلَمُ اَلْمُهْتَدِينَ وَرَجَاءُ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَلاَ تَعْجَلْ بِالْمَسِيرِ فَإِنِّي فِي أَثَرِ كِتَابِي، وَاَلسَّلاَمُ.
وَصَارَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى عَمْرِوبْنِ سَعِيدٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لِلْحُسَيْنِ أَمَاناً وَيُمَنِّيَهُ لِيَرْجِعَ عَنْ وَجْهِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُوبْنُ سَعِيدٍ كِتَاباً يُمَنِّيهِ فِيهِ اَلصِّلَةَ وَيُؤَمِّنُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنْفَذَهُ مَعَ أَخِيهِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَلَحِقَهُ يَحْيَى وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَعْدَ نُفُوذِ اِبْنَيْهِ وَدَفَعَا إِلَيْهِ اَلْكِتَابَ وَجَهَدَا بِهِ فِي اَلرُّجُوعِ فَقَالَ: إ«ِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فِي اَلْمَنَامِ وَأَمَرَنِي بِمَا أَنَا مَاضٍ لَهُ» فَقَالاَ لَهُ: فَمَا تِلْكَ اَلرُّؤْيَا؟ قَالَ: مَا «حَدَّثْتُ أَحَداً بِهَا، وَلاَ أَنَا مُحَدِّثٌ أَحَداً حَتَّى أَلْقَى رَبِّي جَلَّ وَعَزَّ» فَلَمَّا أَيِسَ مِنْهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَمَرَ اِبْنَيْهِ عَوْناً وَمُحَمَّداً بِلُزُومِهِ وَاَلْمَسِيرِ مَعَهُ وَاَلْجِهَادِ دُونَهُ، وَ رَجَعَ مَعَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَى مَكَّةَ . وَتَوَجَّهَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ نَحْوَاَلْعِرَاقِ مُغِذّاً (1)لاَ يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ حَتَّى نَزَلَ ذَاتَ عِرْقٍ . (2)
وَلَمَّا بَلَغَ عُبَيْدَ اَللَّهِ بْنَ زِيَادٍ إِقْبَالُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى اَلْكُوفَةِ، بَعَثَ اَلْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ صَاحِبَ شُرَطِهِ حَتَّى نَزَلَ اَلْقَادِسِيَّةَ (3)وَنَظَمَ اَلْخَيْلَ مَا بَيْنَ اَلْقَادِسِيَّةِ إِلَى خَفَّانَ (4)وَمَا بَيْنَ اَلْقَادِسِيَّةِ إِلَى اَلْقُطْقُطَانَةَ (5)
ص: 69
وَقَالَ: اَلنَّاسُ هَذَا اَلْحُسَيْنُ يُرِيدُ اَلْعِرَاقَ .
وَلَمَّا بَلَغَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ اَلْحَاجِرَ مِنْ بَطْنِ اَلرُّمَّةِ (1)بَعَثَ قَيْسَ بْنَ مُسْهِرٍ اَلصَّيْدَاوِيَّ - وَيُقَالُ: بَلْ بَعَثَ أَخَاهُ مِنَ اَلرَّضَاعَةِ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ يَقْطُرَ (2) إِلَى أَهْلِ اَلْكُوفَةِ، وَلَمْ يَكُنْ ع عَلِمَ بِخَبَرِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَيْهِمْ:
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
مِنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى إِخْوَانِهِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاَلْمُسْلِمِينَ، سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اَللَّهَ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ.أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ كِتَابَ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ جَاءَنِي يُخْبِرُ فِيهِ بِحُسْنِ رَأْيِكُمْ وَاِجْتِمَاعِ مَلَئِكُمْ عَلَى نَصْرِنَا وَاَلطَّلَبِ بِحَقِّنَا، فَسَأَلْتُ اَللَّهَ أَنْ يُحْسِنَ لَنَا اَلصَّنِيعَ وَأَنْ يُثِيبَكُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَعْظَمَ اَلْأَجْرِ، وَقَدْ شَخَصْتُ إِلَيْكُمْ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ اَلثَّلاَثَاءِ لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ يَوْمَ اَلتَّرْوِيَةِ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَسُولِي فَانْكَمِشُوا (3)فِي أَمْرِكُمْ وَجِدُّوا، فَإِنِّي قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فِي أَيَّامِي هَذِهِ، وَاَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ».
ص: 70
وَكَانَ مُسْلِمٌ كَتَبَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ اَلْكُوفَةِ: أَنَّ لَكَ هَاهُنَا مِائَةَ أَلْفِ سَيْفٍ فَلاَ تَتَأَخَّرْ. فَأَقْبَلَ قَيْسُ بْنُ مُسْهِرٍ إِلَى اَلْكُوفَةِ بِكِتَابِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ حَتَّى إِذَا اِنْتَهَى إِلَى اَلْقَادِسِيَّةِ أَخَذَهُ اَلْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ فَأَنْفَذَهُ (1)إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اَللَّهِ: اِصْعَدْ فَسُبَّ اَلْكَذَّابَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَصَعِدَ قَيْسٌ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ، إِنَّ هَذَا اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ خَيْرُ خَلْقِ اَللَّهِ اِبْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ وَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ فَأَجِيبُوهُ، ثُمَّ لَعَنَ عُبَيْدَ اَللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَأَبَاهُ، وَاِسْتَغْفَرَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ وَصَلَّى عَلَيْهِ. فَأَمَرَ عُبَيْدُ اَللَّهِ أَنْ يُرْمَى بِهِ مِنْ فَوْقِ اَلْقَصْرِ فَرَمَوْا بِهِ فَتَقَطَّعَ .
فصل
وَرُوِيَ: أَنَّهُ وَقَعَ إِلَى اَلْأَرْضِ مَكْتُوفاً فَتَكَسَّرَتْ عِظَامُهُ وَبَقِيَ بِهِ رَمَقٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اَلْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ اَللَّخْمِيُّ فَذَبَحَهُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَعِيبَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُرِيحَهُ (2).
ثُمَّ أَقْبَلَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ مِنَ اَلْحَاجِرِ يَسِيرُ نَحْوَاَلْكُوفَةِ فَانْتَهَى إِلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ اَلْعَرَبِ فَإِذَا عَلَيْهِ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ اَلْعَدَوِيُّ وَهُوَنَازِلٌ بِهِ فَلَمَّا رَأَى اَلْحُسَيْنَ ع قَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي - يَا اِبْنَ رَسُولِ
ص: 71
اَللَّهِ - مَا أَقْدَمَكَ؟ وَاِحْتَمَلَهُ وَأَنْزَلَهُ، فَقَالَ: لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیه الشّلام: « علیهِ السّلامُ كَانَ مِنْ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ مَا قَدْ بَلَغَكَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ يَدْعُونَنِي إِلَى أَنْفُسِهِمْ » فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ: أُذَكِّرُكَ اَللَّهَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ وَحُرْمَةَ اَلْإِسْلاَمِ أَنْ تُنْتَهَكَ، أَنْشُدُكَ اَللَّهَ فِي حُرْمَةِ قُرَيْشٍ، أَنْشُدُكَ اَللَّهَ فِي حُرْمَةِ اَلْعَرَبِ، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ طَلَبْتَ مَا فِي أَيْدِي بَنِي أُمَيَّةَ لَيَقْتُلُنَّكَ، وَلَئِنْ قَتَلُوكَ لاَ يَهَابُوا (1)بَعْدَكَ أَحَداً أَبَداً، وَاَللَّهِ إِنَّهَا لَحُرْمَةُ اَلْإِسْلاَمِ تُنْتَهَكُ، وَحُرْمَةُ قُرَيْشٍ وَحُرْمَةُ اَلْعَرَبِ فَلاَ تَفْعَلْ، وَلاَ تَأْتِ اَلْكُوفَةَ، وَلاَ تُعَرِّضْ نَفْسَكَ لِبَنِي أُمَيَّةَ. فَأَبَى اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ إِلاَّ أَنْ يَمْضِيَ.
وَكَانَ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَمَرَ فَأُخِذَ مَا بَيْنَ وَاقِصَةَ (2)إِلَى طَرِيقِ اَلشَّامِ إِلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ، فَلاَ يَدَعُونَ أَحَداً يَلِجُ وَلاَ أَحَداً يَخْرُجُ ، وَأَقْبَلَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ لاَ يَشْعُرُ بِشَيْءٍ حَتَّى لَقِيَ اَلْأَعْرَابَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: لاَ وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي، غَيْرَ أَنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَلِجَ أَوْ (نَخْرُجَ) (3)فَسَارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ع .
ووصوله خبر استشهاد مسلم بن عقيل]
وَحَدَّثَ جَمَاعَةٌ مِنْ فَزَارَةَ وَمِنْ بَجِيلَةَ قَالُوا : كُنَّا مَعَ زُهَيْرِ بْنِ اَلْقَيْنِ اَلْبَجَلِيِّ حِينَ أَقْبَلْنَا مِنْ مَكَّةَ، فَكُنَّا نُسَايِرُ اَلْحُسَيْنَ ع فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نُنَازِلَهُ، فِي مَنْزِلٍ، فَإِذَا سَارَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ وَنَزَلَ مَنْزِلاً لَمْ نَجِدْ بُدّاً مِنْ أَنْ نُنَازِلَهُ، فَنَزَلَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فِي جَانِبٍ، وَنَزَلْنَا فِي جَانِبٍ فَبَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ نَتَغَذَّى مِنْ طَعَامٍ لَنَا إِذْ أَقْبَلَ رَسُولُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ: يَا
ص: 72
زُهَيْرَ بْنَ اَلْقَيْنِ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنَ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِتَأْتِيَهُ. فَطَرَحَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا مَا فِي يَدِهِ حَتَّى كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا اَلطَّيْرَ، فَقَالَتْ لَهُ اِمْرَأَتُهُ: سُبْحَانَ اَللَّهِ، أَ يَبْعَثُ إِلَيْكَ اِبْنُ رَسُولِ اَللَّهِ ثُمَّ لاَ تَأْتِيهِ لَوْ أَتَيْتَهُ: فَسَمِعْتَ مِنْ كَلاَمِهِ، ثُمَّ اِنْصَرَفْتَ. فَأَتَاهُ زُهَيْرُ بْنُ اَلْقَيْنِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ مُسْتَبْشِراً قَدْ أَشْرَقَ وَجْهُهُ، فَأَمَرَ بِفُسْطَاطِهِ وَثَقَلِهِ وَرَحْلِهِ وَمَتَاعِهِ فَقُوِّضَ وَحُمِلَ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ، ثُمَّ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، اِلْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ يُصِيبَكِ بِسَبَبِي إِلاَّ خَيْرٌ، ثُمَّ قَالَ:لِأَصْحَابِهِ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَتْبَعَنِي، وَإِلاَّ فَهُوَآخَرُ اَلْعَهْدِ، إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً : إِنَّا غَزَوْنَا اَلْبَحْرَ (1)فَفَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْنَا وَأَصَبْنَا غَنَائِمَ، فَقَالَ: لَنَا سَلْمَانُ اَلْفَارِسِيُّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: أَ فَرِحْتُمْ بِمَا فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَأَصَبْتُمْ مِنَ اَلْغَنَائِمِ؟ فَقُلْنَا:نَعَمْ، فَقَالَ: إِذَا أَدْرَكْتُمْ شَبَابَ آلِ مُحَمَّدِ فَكُونُوا أَشَدَّ فَرَحاً بِقِتَالِكُمْ مَعَهُمْ مِمَّا أَصَبْتُمُ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلْغَنَائِمِ فَأَمَّا أَنَا فَأَسْتَوْدِعُكُمُ اَللَّهَ قَالُوا: ثُمَّ وَاَللَّهِ مَا زَالَ فِي اَلْقَوْمِ مَعَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ (2) .
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَاَلْمُنْذِرُ بْنُ اَلْمُشْمَعِلِّ اَلْأَسَدِيَّانِ قَالاَ : لَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا لَمْ تَكُنْ لَنَا هِمَّةٌ إِلاَّ اَللَّحَاقَ بِالْحُسَيْنِ ع فِي اَلطَّرِيقِ، لِنَنْظُرَ مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ، فَأَقْبَلْنَا تُرْقِلُ (3)بِنَا
ص: 73
نِيَاقُنَا (1)مُسْرِعَيْنِ حَتَّى لَحِقْنَا بِزَرُودَ (2)، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُ إِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ قَدْ عَدَلَ عَنِ اَلطَّرِيقِ حِينَ رَأَى اَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ فَوَقَفَ اَلْحُسَيْنُ كَأَنَّهُ يُرِيدُهُ ثُمَّ تَرَكَهُ وَمَضَى وَمَضَيْنَا نَحْوَهُ، فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ: اِذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا لِنَسْأَلَهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ خَبَرَ اَلْكُوفَةِ، فَمَضَيْنَا حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا:اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمُ اَلسَّلاَمُ، قُلْنَا: مِمَّنِ اَلرَّجُلُ؟ قَالَ: أَسَدِيٌّ، قُلْنَا: وَنَحْنُ أَسَدِيَّانِ فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا بَكْرُ بْنُ فُلاَنٍ، وَاِنْتَسَبْنَا لَهُ ثُمَّ قُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنِ اَلنَّاسِ وَرَاءَكَ؛ قَالَ: نَعَمْ، لَمْ أَخْرُجْ مِنَ اَلْكُوفَةِ حَتَّى قُتِلَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ وَهَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ، وَرَأَيْتُهُمَا يُجَرَّانِ بِأَرْجُلِهِمَا فِي اَلسُّوقِ.
فَأَقْبَلْنَا حَتَّى لَحِقْنَا اَلْحُسَيْنَ (صلوات الله علیه ) فَسَايَرْنَاهُ حَتَّى نَزَلَ اَلثَّعْلَبِيَّةَ مُمْسِياً، فَجِئْنَاهُ حِينَ نَزَلَ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْنَا اَلسَّلاَمَ، فَقُلْنَا لَهُ: رَحِمَكَ اَللَّهُ، إِنَّ عِنْدَنَا خَبَراً إِنْ شِئْتَ حَدَّثْنَاكَ عَلاَنِيَةً، وَإِنْ شِئْتَ سِرّاً؛ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَإِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا دُونَ هَؤُلاَءِ سِتْرٌ» فَقُلْنَا لَهُ: رَأَيْتَ اَلرَّاكِبَ اَلَّذِي اِسْتَقْبَلْتَهُ عَشِيَّ أَمْسِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، ، وَقَدْ أَرَدْتُ مَسْأَلَتَهُ» فَقُلْنَا:قَدْ وَاَللَّهِ اِسْتَبْرَأْنَا لَكَ خَبَرَهُ، وَكَفَيْنَاكَ مَسْأَلَتَهُ ، وَهُوَاِمْرُؤٌ مِنَّا ذُورَأْيٍ وَصِدْقٍ وَعَقْلٍ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنَا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اَلْكُوفَةِ حَتَّى قُتِلَ مُسْلِمٌ وَهَانِئٌ ، وَرَآهُمَا يُجَرَّانِ فِي اَلسُّوقِ بِأَرْجُلِهِمَا فَقَالَ: «إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا»
ص: 74
يُكَرِّرُ (1)ذَلِكَ، مِرَاراً، فَقُلْنَا لَهُ: نَنْشُدُكَ اَللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ إِلاَّ اِنْصَرَفْتَ مِنْ مَكَانِكَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِالْكُوفَةِ نَاصِرٌ وَلاَ شِيعَةٌ، بَلْ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونُوا عَلَيْكَ. فَنَظَرَ إِلَى بَنِي عَقِيلٍ فَقَالَ: مَا «تَرَوْنَ؟ فَقَدْ قُتِلَ مُسْلِمٌ» فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لاَ نَرْجِعُ حَتَّى نُصِيبَ ثَأْرَنَا أَوْ نَذُوقَ مَا ذَاقَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ وَقَالَ: «لاَ خَيْرَ فِي اَلْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلاَءِ »فَعَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ عَزَمَ رَأْيَهُ عَلَى اَلْمَسِيرِ، فَقُلْنَا لَهُ: خَارَ اَللَّهُ لَكَ، فَقَالَ: «رَحِمَكُمَا اَللَّهُ». فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: إِنَّكَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتَ مِثْلَ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، وَلَوْ قَدِمْتَ اَلْكُوفَةَ لَكَانَ اَلنَّاسُ إِلَيْكَ أَسْرَعَ. فَسَكَتَ ثُمَّ اِنْتَظَرَ حَتَّى إِذَا كَانَ اَلسَّحَرُ قَالَ: لِفِتْيَانِهِ وَغِلْمَانِهِ: «أَكْثِرُوا مِنَ اَلْمَاءِ» فَاسْتَقَوْا وَأَكْثَرُوا ثُمَّ اِرْتَحَلُوا، فَسَارَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى زُبَالَةَ (2)فَأَتَاهُ خَبَرُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ يَقْطُرَ، فَأَخْرَجَ إِلَى اَلنَّاسِ كِتَاباً فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ (3)
«بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانَا خَبَرٌ فَظِيعٌ قَتْلُ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، وَهَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ وَعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ يَقْطُرَ، وَقَدْ خَذَلَنَا شِيعَتُنَا، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمُ اَلاِنْصِرَافَ فَلْيَنْصَرِفْ غَيْرَ حَرِجٍ، لَيْسَ عَلَيْهِ ذِمَامٌ»
فَتَفَرَّقَ اَلنَّاسُ عَنْهُ وَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالاً، حَتَّى بَقِيَ فِي أَصْحَابِهِ
ص: 75
اَلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ، وَنَفَرٍ يَسِيرٍ مِمَّنِ اِنْضَوَوْا إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ ع عَلِمَ أَنَّ اَلْأَعْرَابَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ إِنَّمَا اِتَّبَعُوهُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ يَأْتِي بَلَداً قَدِ اِسْتَقَامَتْ لَهُ طَاعَةُ أَهْلِهِ، فَكَرِهَ أَنْ يَسِيرُوا مَعَهُ إِلاَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ عَلَى مَا (1)يُقْدِمُونَ.
فَلَمَّا كَانَ اَلسَّحَرُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَاسْتَقَوْا مَاءً وَأَكْثَرُوا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى مَرَّ بِبَطْنِ اَلْعَقَبَةِ (فَنَزَلَ عَلَيْهَا) (2)، فَلَقِيَهُ شَيْخٌ مِنْ بَنِي عِكْرِمَةَ يُقَالُ لَهُ عَمْرُوبْنُ لَوْذَانَ، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « اَلْكُوفَةَ» فَقَالَ اَلشَّيْخُ: أَنْشُدُكَ اَللَّهَ لَمَّا اِنْصَرَفْتَ، فَوَاَللَّهِ مَا تَقْدَمُ إِلاَّ عَلَى اَلْأَسِنَّةِ وَحَدِّ اَلسُّيُوفِ، وَإِنَّ هَؤُلاَءِ اَلَّذِينَ بَعَثُوا إِلَيْكَ لَوْ كَانُوا كَفَوْكَ مَئُونَةَ اَلْقِتَالِ وَوَطَّئُوا لَكَ اَلْأَشْيَاءَ فَقَدِمْتَ عَلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ، رَأْياً فَأَمَّا عَلَى هَذِهِ اَلْحَالِ اَلَّتِي تَذْكُرُ فَإِنِّي لاَ أَرَى لَكَ أَنْ تَفْعَلَ. فَقَالَ لَهُ: «يَا عَبْدَ اَللَّهِ، لَيْسَ يَخْفَى عَلَيَّ اَلرَّأْيُ، وَلَكِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لاَ يُغْلَبُ عَلَى أَمْرِهِ، ثُمَّ قَالَ علیهِ السّلامُ: وَاَللَّهِ لاَ يَدَعُونِّي حَتَّى يَسْتَخْرِجُوا هَذِهِ اَلْعَلَقَةَ مِنْ جَوْفِي، فَإِذَا فَعَلُوا سَلَّطَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ مَنْ يُذِلُّهُمْ حَتَّى يَكُونُوا أَذَلَّ فِرَقِ اَلْأُمَمِ» (3) .
ثُمَّ سَارَ علیهِ السّلامُ مِنْ بَطْنِ اَلْعَقَبَةِ حَتَّى نَزَلَ شَرَافَ [شَرَافاً] (4)فَلَمَّا كَانَ فِي اَلسَّحَرِ أَمَرَ فِتْيَانَهُ فَاسْتَقَوْا مِنَ اَلْمَاءِ فَأَكْثَرُوا ثُمَّ سَارَ مِنْهَا حَتَّى
ص: 76
اِنْتَصَفَ اَلنَّهَارُ، فَبَيْنَا هُوَيَسِيرُ إِذْ كَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « اَللَّهُ أَكْبَرُ، لِمَ كَبَّرْتَ؟» قَالَ: رَأَيْتُ اَلنَّخْلَ،فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: وَاَللَّهِ إِنَّ هَذَا اَلْمَكَانَ مَا رَأَيْنَا بِهِ نَخْلَةً قَطُّ ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « فَمَا تَرَوْنَهُ؟» قَالُوا: نَرَاهُ وَاَللَّهِ آذَانَ (1)اَلْخَيْلِ، قَالَ: «أَنَا وَاَللَّهِ أَرَى ذَلِكَ» ثُمَّ قَالَ علیهِ السّلامُ: «مَا لَنَا (2)مَلْجَأٌ نَلْجَأُ إِلَيْهِ فَنَجْعَلُهُ فِي ظُهُورِنَا، وَنَسْتَقْبِلُ اَلْقَوْمَ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ؟» فَقُلْنَا:بَلَى، هَذَا ذُوحِسْمَى (3) إِلَى جَنْبِكَ، تَمِيلُ إِلَيْهِ عَنْ يَسَارِكَ، فَإِنْ سَبَقْتَ إِلَيْهِ فَهُوَكَمَا تُرِيدُ.
فَأَخَذَ إِلَيْهِ ذَاتَ اَلْيَسَارِ وَمِلْنَا مَعَهُ، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا (هَوَادِي اَلْخَيْلِ) (4)فَتَبَيَّنَّاهَا وَعَدَلْنَا، فَلَمَّا رَأَوْنَا عَدَلْنَا عَنِ اَلطَّرِيقِ عَدَلُوا إِلَيْنَا-كَأَنَّ أَسِنَّتَهُمُ اَلْيَعَاسِيبُ (5)، وَكَأَنَّ رَايَاتِهِمْ أَجْنِحَةُ اَلطَّيْرِ، فَاسْتَبَقْنَا إِلَى ذِي حِسْمَى فَسَبَقْنَاهُمْ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ بِأَبْنِيَتِهِ فَضُرِبَتْ.
ص: 77
وَجَاءَ اَلْقَوْمُ زُهَاءَ أَلْفِ فَارِس ٍ مَعَ اَلْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ اَلتَّمِيمِيِّ حَتَّى وَقَفَ هُوَوَخَيْلُهُ مُقَابِلَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فِي حَرِّ اَلظَّهِيرَةِ، وَاَلْحُسَيْنُ وَأَصْحَابُهُ مُعْتَمُّونَ مُتَقَلِّدُوأَسْيَافِهِمْ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: لِفِتْيَانِهِ: «اِسْقُوا اَلْقَوْمَ وَأَرْوُوهُمْ مِنَ اَلْمَاءِ، وَرَشِّفُوا اَلْخَيْلَ تَرْشِيفاً» فَفَعَلُوا وَأَقْبَلُوا يَمْلَئُونَ اَلْقِصَاعَ وَاَلطِّسَاسَ (1)مِنَ اَلْمَاءِ ثُمَّ يُدْنُونَهَا مِنَ اَلْفَرَسِ، فَإِذَا عَبَّ فِيهَا ثَلاَثاً أَوْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً عُزِلَتْ عَنْهُ وَسَقَوْا آخَرَ حَتَّى سَقَوْهَا كُلَّهَا.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلطَّعَّانِ اَلْمُحَارِبِيُّ: كُنْتُ مَعَ اَلْحُرِّ يَوْمَئِذٍ فَجِئْتُ فِي آخِرِ مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأَى اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ مَا بِي وَبِفَرَسِي مِنَ اَلْعَطَشِ قَالَ: «أَنِخِ اَلرَّاوِيَةَ» وَاَلرَّاوِيَةُ عِنْدِي اَلسِّقَاءُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا اِبْنَ أَخِي أَنِخِ اَلْجَمَلَ» فَأَنَخْتُهُ فَقَالَ: «اِشْرَبْ» فَجَعَلْتُ كُلَّمَا شَرِبْتُ سَالَ اَلْمَاءُ مِنَ اَلسِّقَاءِ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « اِخْنِثِ اَلسِّقَاءَ» أَيِ اِعْطِفْهُ، فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَفْعَلُ، فَقَامَ فَخَنَثَهُ فَشَرِبْتُ وَسَقَيْتُ فَرَسِي.
وَكَانَ مَجِيءُ اَلْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ مِنَ اَلْقَادِسِيَّةِ، وَكَانَ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بَعَثَ اَلْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ اَلْقَادِسِيَّةَ، وَتَقَدَّمَ اَلْحُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَلْفِ فَارِسٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِمْ حُسَيْناً، فَلَمْ يَزَلِ اَلْحُرُّ مُوَافِقاً لِلْحُسَيْنِ علیهِ السّلامُ حَتَّى حَضَرَتْ صَلاَةُ اَلظُّهْرِ، وَأَمَرَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ اَلْحَجَّاجَ بْنَ مَسْرُورٍ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَلَمَّا حَضَرَتِ اَلْإِقَامَةُ خَرَجَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ
ص: 78
فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا اَلنَّاسُ، إِنِّي لَمْ آتِكُمْ حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَقَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ: أَنِ اِقْدَمْ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَنَا إِمَامٌ، لَعَلَّ اَللَّهَ أَنْ يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى اَلْهُدَى وَاَلْحَقِّ ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ جِئْتُكُمْ فَأَعْطُونِي مَا أَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ مِنْ عُهُودِكُمْ وَمَوَاثِيقِكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَكُنْتُمْ لِمَقْدَمِي كَارِهِينَ اِنْصَرَفْتُ عَنْكُمْ إِلَى اَلْمَكَانِ اَلَّذِي جِئْتُ مِنْهُ إِلَيْكُمْ» فَسَكَتُوا عَنْهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ.
فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: «أَقِمْ» فَأَقَامَ اَلصَّلاَةَ فَقَالَ لِلْحُرِّ: «أَ تُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ بِأَصْحَابِكَ؟» قَالَ: لاَ، بَلْ تُصَلِّي أَنْتَ وَنُصَلِّي بِصَلاَتِكَ. فَصَلَّى بِهِمُاَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام ثُمَّ دَخَلَ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَاِنْصَرَفَ اَلْحُرُّ إِلَى مَكَانِهِ اَلَّذِي كَانَ فِيهِ، فَدَخَلَ خَيْمَةً قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ وَاِجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَادَ اَلْبَاقُونَ إِلَى صَفِّهِمُ اَلَّذِي كَانُوا فِيهِ فَأَعَادُوهُ، ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعِنَانِ دَابَّتِهِ وَجَلَسَ فِي ظِلِّهَا.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ اَلْعَصْرِ أَمَرَاَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ أَنْ يَتَهَيَّئُوا لِلرَّحِيلِ فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى بِالْعَصْرِ وَأَقَامَ، فَاسْتَقَامَ (1)اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فَصَلَّى بِالْقَوْمِ ثُمَّ سَلَّمَ وَاِنْصَرَفَ إِلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ فَإِنَّكُمْ إِنْ تَتَّقُوا اَللَّهَ وَتَعْرِفُوا اَلْحَقَّ لِأَهْلِهِ يَكُنْ أَرْضَى لِلَّهِ عَنْكُمْ وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَأَوْلَى بِوَلاَيَةِ هَذَا اَلْأَمْرِ عَلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ اَلْمُدَّعِينَ مَا لَيْسَ لَهُمْ، وَاَلسَّائِرِينَ فِيكُمْ بِالْجَوْرِ وَاَلْعُدْوَانِ،
ص: 79
وَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلاَّ كَرَاهِيَةً (1)لَنَا وَاَلْجَهْلَ بِحَقِّنَا وَكَانَ رَأْيُكُمُ اَلْآنَ غَيْرَ مَا أَتَتْنِي بِهِ كُتُبُكُمْ وَقَدِمَتْ بِهِ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ اِنْصَرَفْتُ عَنْكُمْ»
فَقَالَ لَهُ اَلْحُرُّ: أَنَا وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هَذِهِ اَلْكُتُبُ وَاَلرُّسُلُ اَلَّتِي تَذْكُرُ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: « يَا عُقْبَةَ بْنَ سِمْعَانَ، أَخْرِجِ اَلْخُرْجَيْنِ اَللَّذَيْنِ فِيهِمَا كُتُبُهُمْ إِلَيَّ» فَأَخْرَجَ خُرْجَيْنِ مَمْلُوءَيْنِ صُحُفاً فَنُثِرَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ اَلْحُرُّ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ هَؤُلاَءِ اَلَّذِينَ كَتَبُوا إِلَيْكَ، وَقَدْ أُمِرْنَا إِذَا نَحْنُ لَقِينَاكَ، أَلاَّ نُفَارِقَكَ حَتَّى نُقْدِمَكَ اَلْكُوفَةَ عَلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ. فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « اَلْمَوْتُ أَدْنَى إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَارْكَبُوا» فَرَكِبُوا وَاِنْتَظَرَ حَتَّى رَكِبَ نِسَاؤُهُمْ،فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «اِنْصَرِفُوا فَلَمَّا ذَهَبُوا لِيَنْصَرِفُوا حَالَ اَلْقَوْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اَلاِنْصِرَافِ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ لِلْحُرِّ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ مَا تُرِيدُ؟» فَقَالَ لَهُ اَلْحُرُّ: أَمَا لَوْ غَيْرُكَ مِنَ اَلْعَرَبِ يَقُولُهَا لِي وَهُوَعَلَى مِثْلِ اَلْحَالِ اَلَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا، مَا تَرَكْتُ ذِكْرَ أُمِّهِ بِالثُّكْلِ كَائِناً مَنْ كَانَ وَلَكِنْ وَاَللَّهِ مَا لِي إِلَى ذِكْرِ أُمِّكَ مِنْ سَبِيلٍ إِلاَّ بِأَحْسَنِ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « فَمَا تُرِيدُ؟» قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَنْطَلِقَ بِكَ إِلَى اَلْأَمِيرِ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ؛ قَالَ: «إِذاً وَاَللَّهِ لاَ أَتَّبِعُكَ» قَالَ: إِذاً وَاَللَّهِ لاَ أَدَعُكَ . فَتَرَادَّا اَلْقَوْلَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا كَثُرَ اَلْكَلاَمُ بَيْنَهُمَا قَالَ لَهُ
اَلْحُرُّ: إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِكَ، إِنَّمَا أُمِرْتُ أَلاَّ أُفَارِقَكَ حَتَّى أُقْدِمَكَ اَلْكُوفَةَ، فَإِذَا أَبَيْتَ فَخُذْ طَرِيقاً لاَ يُدْخِلُكَ اَلْكُوفَةَ وَلاَ يَرُدُّكَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ، تَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ نَصَفاً، حَتَّى أَكْتُبَ إِلَى اَلْأَمِيرِ وَتَكْتُبَ إِلَى يَزِيدَ أَوْ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ فَلَعَلَّ اَللَّهَ إِلَى ذَلِكَ، أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يَرْزُقُنِي فِيهِ اَلْعَافِيَةَ مِنْ أَنْ أَبْتَلِيَ
ص: 80
بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ، فَخُذْ هَاهُنَا. فَتَيَاسَرَ عَنْ طَرِيقِ اَلْعُذَيْبِ وَاَلْقَادِسِيَّةِ، فَسَارَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ وَسَارَ اَلْحُرُّ فِي أَصْحَابِهِ يُسَايِرُهُ وَهُوَيَقُولُ: لَهُ يَا حُسَيْنُ إِنِّي أُذَكِّرُكَ اَللَّهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لَئِنْ قَاتَلْتَ لَتُقْتَلَنَّ، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « أَ فَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟ وَهَلْ يَعْدُوبِكُمُ اَلْخَطْبُ أَنْ تَقْتُلُونِي؟ وَسَأَقُولُ كَمَا قَالَ: أَخُواَلْأَوْسِ لاِبْنِ عَمِّهِ، وَهُوَيُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَخَوَّفَهُ اِبْنُ عَمِّهِ وَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَإِنَّكَ مَقْتُولٌ؛ فَقَالَ:
سَأَمْضِي فَمَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَى اَلْفَتَى *** إِذَا مَا نَوَى حَقّاً وَجَاهَدَ مُسْلِماً
وَآسَى اَلرِّجَالَ اَلصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ *** وَفَارَقَ مَثْبُوراً وَبَاعَدَ (1)مُجْرِماً
فَإِنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَإِنْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ *** كَفَى بِكَ ذُلاًّ أَنْ تَعِيشَ وَتُرْغَمَا.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ، اَلْحُرُّ تَنَحَّى عَنْهُ، فَكَانَ يَسِيرُ بِأَصْحَابِهِ نَاحِيَةً، وَاَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى حَتَّى اِنْتَهَوْا إِلَى عُذَيْبِ اَلْهِجَانَاتِ (2). ثُمَّ مَضَى اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَصْرِ بَنِي مُقَاتِلٍ فَنَزَلَ بِهِ، فَإِذَا هُوَبِفُسْطَاطٍ مَضْرُوبٍ فَقَالَ: «لِمَنْ هَذَا!» فَقِيلَ: لِعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحُرِّ اَلْجُعْفِيِّ، فَقَالَ: «اُدْعُوهُ إِلَيَّ فَلَمَّا أَتَاهُ اَلرَّسُولُ قَالَ لَهُ: هَذَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ يَدْعُوكَ، فَقَالَ عُبَيْدُ اَللَّهِ: إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ وَاَللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنَ اَلْكُوفَةِ إِلاَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَدْخُلَهَا اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ وَأَنَا بِهَا وَاَللَّهِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَرَاهُ وَلاَ يَرَانِي فَأَتَاهُ اَلرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ فَقَامَ اَلْحُسَيْنُ علیه
السلام فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى اَلْخُرُوجِ مَعَهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحُرِّ تِلْكَ اَلْمَقَالَةَ وَاِسْتَقَالَهُ مِمَّا دَعَاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « فَإِنْ لَمْ تَنْصُرْنَا فَاتَّقِ اَللَّهَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُقَاتِلُنَا؛ فَوَاَللَّهِ لاَ يَسْمَعُ وَاعِيَتَنَا (1)أَحَدٌ ثُمَّ لاَ يَنْصُرُنَا إِلاَّ هَلَكَ» فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَلاَ يَكُونُ أَبَداً إِنْ شَاءَ اَللَّهُ؛ ثُمَّ قَامَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى دَخَلَ رَحْلَهُ.
وَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اَللَّيْلِ أَمَرَ فِتْيَانَهُ بِالاِسْتِقَاءِ مِنَ اَلْمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ مِنْ قَصْرِ بَنِي مُقَاتِلٍ، فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ سِمْعَانَ: سِرْنَا مَعَهُ سَاعَةً فَخَفَقَ وَهُوَعَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ اِنْتَبَهَ، وَهُوَيَقُولُ: «إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، وَاَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ» فَفَعَلَ ذَلِكَ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ اِبْنُهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ عَلَى فَرَسٍ فَقَالَ: مِمَّ حَمِدْتَ اَللَّهَ وَاِسْتَرْجَعْتَ فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، إِنِّي خَفَقْتُ خَفْقَةً فَعَنَّ لِي فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَيَقُولُ: اَلْقَوْمُ يَسِيرُونَ، وَاَلْمَنَايَا تَصِيرُ إِلَيْهِمْ، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إِلَيْنَا» فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ لاَ أَرَاكَ اَللَّهُ سُوءاً، أَ لَسْنَا عَلَى اَلْحَقِّ قَالَ:« بَلَى، وَاَلَّذِي إِلَيْهِ مَرْجِعُ اَلْعِبَادِ» قَالَ: فَإِنَّنَا إِذاً لاَ نُبَالِي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « جَزَاكَ اَللَّهُ مِنْ وَلَدٍ خَيْرَ مَا جَزَى وَلَداً عَنْ وَالِدِهِ».
فَلَمَّا أَصْبَحَ نَزَلَ فَصَلَّى اَلْغَدَاةَ ثُمَّ عَجَّلَ اَلرُّكُوبَ، فَأَخَذَ يَتَيَاسَرُ بِأَصْحَابِهِ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ، فَيَأْتِيهِ اَلْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ فَيَرُدُّهُ وَأَصْحَابَهُ، فَجَعَلَ إِذَا رَدَّهُمْ نَحْوَاَلْكُوفَةِ رَدّاً شَدِيداً اِمْتَنَعُوا عَلَيْهِ فَارْتَفَعُوا، فَلَمْ
ص: 82
يَزَالُوا يَتَيَاسَرُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى اِنْتَهَوْا إِلَى نَيْنَوَى - اَلْمَكَانِ اَلَّذِي نَزَلَ بِهِ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ - فَإِذَا رَاكِبٌ عَلَى نَجِيبٍ لَهُ عَلَيْهِ اَلسِّلاَحُ مُتَنَكِّبٌ قَوْساً مُقْبِلٌ مِنَ اَلْكُوفَةِ، فَوَقَفُوا جَمِيعاً يَنْتَظِرُونَهُ (1)فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَى اَلْحُرِّ وَأَصْحَابِهِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى اَلْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ وَدَفَعَ إِلَى اَلْحُرِّ كِتَاباً مِنْ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَإِذَا فِيهِ:
أَمَّا بَعْدُ فَجَعْجِعْ (2)بِالْحُسَيْنِ حِينَ يَبْلُغُكَ كِتَابِي وَيَقْدَمُ عَلَيْكَ رَسُولِي، وَلاَ تُنْزِلْهُ (3)إِلاَّ بِالْعَرَاءِ فِي غَيْرِ حِصْنٍ وَعَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَقَدْ أَمَرْتُ رَسُولِي أَنْ يَلْزَمَكَ وَلاَ يُفَارِقَكَ حَتَّى يَأْتِيَنِي بِإِنْفَاذِكَ أَمْرِي، وَاَلسَّلاَمُ.
فَلَمَّا قَرَأَ اَلْكِتَابَ قَالَ لَهُمُ اَلْحُرُّ: هَذَا كِتَابُ اَلْأَمِيرِ عُبَيْدِ اَللَّهِ يَأْمُرُنِي أَنْ أُجَعْجِعَ بِكُمْ فِي اَلْمَكَانِ اَلَّذِي يَأْتِي كِتَابُهُ، وَهَذَا رَسُولُهُ وَقَدْ أَمَرَهُ أَلاَّ يُفَارِقَنِي حَتَّى أُنَفِّذَ أَمْرَهُ.
فَنَظَرَ يَزِيدُ بْنُ اَلْمُهَاجِرِ اَلْكِنَانِيُّ (4) - وَكَانَ مَعَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ - إِلَى رَسُولِ اِبْنِ زِيَادٍ فَعَرَفَهُ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، مَا ذَا جِئْتَ فِيهِ؟ قَالَ: أَطَعْتُ إِمَامِي وَوَفَيْتُ بِبَيْعَتِي، فَقَالَ لَهُ اِبْنُ اَلْمُهَاجِرِ: بَلْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَأَطَعْتَ إِمَامَكَ فِي هَلاَكِ نَفْسِكَ وَكَسَبْتَ اَلْعَارَ وَاَلنَّارَ، وَبِئْسَ اَلْإِمَامُ إِمَامُكَ، قَالَ اَللَّهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ
ص: 83
(وَجَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّٰارِ وَيَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ لاٰ يُنْصَرُونَ) (1) فَإِمَامُكَ مِنْهُمْ.
وَأَخَذَهُمُ اَلْحُرُّ بِالنُّزُولِ فِي ذَلِكَ، اَلْمَكَانِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلاَ قَرْيَةٍ، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « دَعْنَا - وَيْحَكَ نَنْزِلْ فِي هَذِهِ اَلْقَرْيَةِ أَوْ هَذِهِ يَعْنِي نَيْنَوَى وَاَلْغَاضِرِيَّةَ - أَوْ هَذِهِ - يَعْنِي شِفْنَةَ (2) - » قَالَ: لاَ وَاَللَّهِ مَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، هَذَا رَجُلٌ قَدْ بُعِثَ إِلَيَّ عَيْناً عَلَيَّ، فَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ اَلْقَيْنِ: إِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَرَاهُ يَكُونُ بَعْدَ اَلَّذِي تَرَوْنَ إِلاَّ أَشَدَّ مِمَّا تَرَوْنَ، يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، إِنَّ قِتَالَ هَؤُلاَءِ اَلسَّاعَةَ أَهْوَنُ عَلَيْنَا مِنْ قِتَالِ مَنْ يَأْتِينَا بَعْدَهُمْ فَلَعَمْرِي لَيَأْتِينَا بَعْدَهُمْ مَا لاَ قِبَلَ لَنَا بِهِ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « مَا كُنْتُ لِأَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ» ثُمَّ نَزَلَ؛ وَذَلِكَ، يَوْمَ اَلْخَمِيسِ وَهُوَاَلْيَوْمُ (3)اَلثَّانِي مِنَ اَلْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ .
فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ قَدِمَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِنَ اَلْكُوفَةِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ، فَنَزَلَ بِنَيْنَوَى فَبَعَثَ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ (عُرْوَةَ بْنَ قَيْسٍ) (4)اَلْأَحْمَسِيَّ فَقَالَ لَهُ: اِئْتِهِ فَسَلْهُ مَا اَلَّذِي جَاءَ بِكَ وَمَا ذَا تُرِيدُ؟
وَكَانَ عُرْوَةُ مِمَّنْ كَتَبَ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَاسْتَحْيَا مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَعَرَضَ ذَلِكَ، عَلَى اَلرُّؤَسَاءِ اَلَّذِينَ كَاتَبُوهُ، فَكُلُّهُمْ
ص: 84
أَبَى ذَلِكَ وَكَرِهَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلشَّعْبِيُّ وَكَانَ فَارِساً شُجَاعاً لاَ يَرُدُّ وَجْهَهُ شَيْءٌ فَقَالَ: أَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَ وَاَللَّهِ لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْتِكَنَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أُرِيدُ أَنْ تَفْتِكَ بِهِ، وَلَكِنِ اِئْتِهِ فَسَلْهُ مَا اَلَّذِي جَاءَ بِكَ؟
فَأَقْبَلَ كَثِيرٌ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُوثُمَامَةَ اَلصَّائِدِيُّ قَالَ لِلْحُسَيْنِ علیهِ السّلامُ: أَصْلَحَكَ اَللَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ، قَدْ جَاءَكَ شَرُّ أَهْلِ اَلْأَرْضِ وَأَجْرَؤُهُمْ عَلَى دَمٍ وَأَفْتَكُهُمْ (1). وَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: ضَعْ سَيْفَكَ، قَالَ: لاَ وَلاَ كَرَامَةَ، إِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ ، فَإِنْ سَمِعْتُمْ مِنِّي بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ اِنْصَرَفْتُ عَنْكُمْ، قَالَ: فَإِنِّي آخِذٌ بِقَائِمِ سَيْفِكَ، ثُمَّ تَكَلَّمْ بِحَاجَتِكَ، قَالَ: لاَ وَاَللَّهِ لاَ تَمَسُّهُ، فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا أُبَلِّغُهُ عَنْكَ، وَلاَ أَدَعُكَ تَدْنُومِنْهُ فَإِنَّكَ فَاجِرٌ؛ فَاسْتَبَّا وَاِنْصَرَفَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْبَرَهُ اَلْخَبَرَ.
فَدَعَا عُمَرُ قُرَّةَ بْنَ قَيْسٍ اَلْحَنْظَلِيَّ فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ يَا قُرَّةُ، اِلْقَ حُسَيْناً فَسَلْهُ مَا جَاءَ بِهِ وَمَا ذَا يُرِيدُ؟ فَأَتَاهُ قُرَّةُ فَلَمَّا رَآهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ مُقْبِلاً قَالَ: «أَ تَعْرِفُونَ هَذَا؟» فَقَالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ: نَعَمْ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ حَنْظَلَةِ تَمِيمٍ، وَهُوَاِبْنُ أُخْتِنَا، وَقَدْ كُنْتُ أَعْرِفُهُ بِحُسْنِ اَلرَّأْيِ، وَمَا كُنْتُ أَرَاهُ يَشْهَدُ هَذَا اَلْمَشْهَدَ. فَجَاءَ حَتَّى سَلَّمَ عَلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَأَبْلَغَهُ رِسَالَةَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ إِلَيْهِ،فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « كَتَبَ إِلَيَّ أَهْلُ مِصْرِكُمْ هَذَا أَنِ اِقْدَمْ، فَأَمَّا إِذْ كَرِهْتُمُونِي فَأَنَا أَنْصَرِفُ عَنْكُمْ» ثُمَّ قَالَ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ: وَيْحَكَ يَا قُرَّةُ أَيْنَ تَرْجِعُ؟! إِلَى اَلْقَوْمِ اَلظَّالِمِينَ؟! اُنْصُرْ هَذَا اَلرَّجُلَ اَلَّذِي بِآبَائِهِ أَيَّدَكَ اَللَّهُ بِالْكَرَامَةِ، فَقَالَ لَهُ قُرَّةُ: أَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِي
ص: 85
بِجَوَابِ رِسَالَتِهِ، وَأَرَى رَأْيِي. قَالَ: فَانْصَرَفَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْبَرَهُ اَلْخَبَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَرْجُوأَنْ يُعَافِيَنِي اَللَّهُ مِنْ حَرْبِهِ وَقِتَالِهِ؛ وَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ:
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي حِينَ نَزَلْتُ بِالْحُسَيْنِ بَعَثْتُ إِلَيْهِ رُسُلِي فَسَأَلْتُهُ عَمَّا أَقْدَمَهُ وَمَا ذَا يَطْلُبُ فَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَهْلُ هَذِهِ اَلْبِلاَدِ، وَأَتَتْنِي رُسُلُهُمْ يَسْأَلُونَنِي اَلْقُدُومَ فَفَعَلْتُ، فَأَمَّا إِذْ كَرِهُونِي وَبَدَا لَهُمْ غَيْرُ مَا أَتَتْنِي بِهِ رُسُلُهُمْ، فَأَنَا مُنْصَرِفٌ عَنْهُمْ.
قَالَ حَسَّانُ بْنُ قَائِدٍ اَلْعَبْسِيُّ: وَكُنْتُ عِنْدَ عُبَيْدِ اَللَّهِ حِينَ أَتَاهُ هَذَا اَلْكِتَابُ فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ:
اَلْآنَ إِذْ عَلِقَتْ مَخَالِبُنَا بِهِ *** يَرْجُواَلنَّجَاةَ وَلاٰتَ حِينَ مَنٰاصٍ .
وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ، فَاعْرِضْ عَلَى اَلْحُسَيْنِ أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيدَ هُوَوَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا فَعَلَ هُوَذَلِكَ، رَأَيْنَا رَأْيَنَا وَاَلسَّلاَمُ.
فَلَمَّا وَرَدَ اَلْجَوَابُ عَلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ اِبْنُ زِيَادٍ اَلْعَافِيَةَ.
وَوَرَدَ كِتَابُ اِبْنِ زِيَادٍ فِي اَلْأَثَرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: أَنْ حُلْ بَيْنَ اَلْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ وَبَيْنَ اَلْمَاءِ فَلاَ يَذُوقُوا مِنْهُ قَطْرَةً ،كَمَا صُنِعَ بِالتَّقِيِّ اَلزَّكِيِّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فِي اَلْوَقْتِ عَمْرَوبْنَ اَلْحَجَّاجِ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى اَلشَّرِيعَةِ وَحَالُوا بَيْنَ اَلْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ وَبَيْنَ اَلْمَاءِ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْهُ قَطْرَةً وَذَلِكَ، قَبْلَ قَتْلِ اَلْحُسَيْنِ بِثَلاَثَةِ
ص: 86
أَيَّامٍ، وَنَادَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ حُصَيْنٍ (1)اَلْأَزْدِيُّ - وَكَانَ عِدَادَهُ فِي بَجِيلَةَ - بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا حُسَيْنُ، أَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى اَلْمَاءِ كَأَنَّهُ كَبِدُ اَلسَّمَاءِ، وَاَللَّهِ لاَ تَذُوقُونَ مِنْهُ قَطْرَةً وَاحِدَةً حَتَّى تَمُوتُوا عَطَشاً؛ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « اَللَّهُمَّ اُقْتُلْهُ عَطَشاً وَلاَ تَغْفِرْ لَهُ أَبَداً».
قَالَ: حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَاَللَّهِ لَعُدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فِي مَرَضِهِ، فَوَاَللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ اَلْمَاءَ حَتَّى يَبْغَرَ (2)ثُمَّ يَقِيئُهُ وَيَصِيحُ: اَلْعَطَشَ اَلْعَطَشَ ،ثُمَّ يَعُودُ فَيَشْرَبُ اَلْمَاءَ حَتَّى يَبْغَرَ ثُمَّ يَقِيئُهُ وَيَتَلَظَّى عَطَشاً، فَمَا زَالَ ذَلِكَ، دَأْبُهُ حَتَّى (لَفَظَ نَفْسَهُ) (3) .
وَلَمَّا رَأَى اَلْحُسَيْنُ نُزُولَ اَلْعَسَاكِرِ مَعَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ بِنَيْنَوَى وَمَدَدَهُمْ لِقِتَالِهِ أَنْفَذَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: «أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَلْقَاكَ (4)»فَاجْتَمَعَا لَيْلاً فَتَنَاجَيَا طَوِيلاً، ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى مَكَانِهِ وَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ:
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَطْفَأَ اَلنَّائِرَةَ وَجَمَعَ اَلْكَلِمَةَ وَأَصْلَحَ أَمْرَ اَلْأُمَّةِ، هَذَا حُسَيْنٌ قَدْ أَعْطَانِي عَهْداً أَنْ يَرْجِعَ إِلَى اَلْمَكَانِ اَلَّذِي أَتَى مِنْهُ أَوْ أَنْ يَسِيرَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ اَلثُّغُورِ فَيَكُونَ رَجُلاً مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ فَيَضَعَ يَدَهُ، فِي يَدِهِ فَيَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَأْيَهُ، وَفِي هَذَا [لَكُمْ] (5)رِضًى وَلِلْأُمَّةٍ صَلاَحٌ.
ص: 87
فَلَمَّا قَرَأَ عُبَيْدُ اَللَّهِ اَلْكِتَابَ قَالَ: هَذَا كِتَابُ نَاصِحٍ مُشْفِقٍ عَلَى قَوْمِهِ. فَقَامَ إِلَيْهِ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ فَقَالَ: أَ تَقْبَلُ هَذَا مِنْهُ وَقَدْ نَزَلَ بِأَرْضِكَ وَإِلَى جَنْبِكَ؟ وَاَللَّهِ لَئِنْ رَحَلَ مِنْ بِلاَدِكَ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي يَدِكَ، لَيَكُونَنَّ أَوْلَى بِالْقُوَّةِ وَلَتَكُونَنَّ أَوْلَى بِالضَّعْفِ وَاَلْعَجْزِ، فَلاَ تُعْطِهِ هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ فَإِنَّهَا مِنَ اَلْوَهْنِ، وَلَكِنْ لِيَنْزِلْ عَلَى حُكْمِكَ هُوَوَأَصْحَابُهُ، فَإِنْ عَاقَبْتَ فَأَنْتَ (أَوْلَى بِالْعُقُوبَةِ) (1)وَإِنْ عَفَوْتَ كَانَ ذَلِكَ، لَكَ.
قَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، اَلرَّأْيُ رَأْيُكَ، اُخْرُجْ بِهَذَا اَلْكِتَابِ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَلْيَعْرِضْ عَلَى اَلْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ اَلنُّزُولَ عَلَى حُكْمِي، فَإِنْ فَعَلُوا فَلْيَبْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَلْيُقَاتِلْهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فَأَنْتَ أَمِيرُ اَلْجَيْشِ، وَاِضْرِبْ عُنُقَهُ وَاِبْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ.
وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: أَنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ إِلَى اَلْحُسَيْنِ لِتَكُفَّ عَنْهُ وَلاَ لِتُطَاوِلَهُ وَلاَ لِتُمَنِّيهِ اَلسَّلاَمَةَ وَاَلْبَقَاءَ وَلاَ لِتَعْتَذِرَ لَهُ وَلاَ لِتَكُونَ لَهُ عِنْدِي شَافِعاً، اُنْظُرْ فَإِنْ نَزَلَ حُسَيْنٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى حُكْمِي وَاِسْتَسْلَمُوا فَابْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً، وَإِنْ أَبَوْا فَازْحَفْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَقْتُلَهُمْ وَتُمَثِّلَ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ، مُسْتَحِقُّونَ ، وَإِنْ قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ فَأَوْطِئِ اَلْخَيْلَ صَدْرَهُ وَظَهْرَهُ ، فَإِنَّهُ عَاتٍ ظَلُومٌ ، وَلَيْسَ أَرَى أَنَّ هَذَا يَضُرُّ بَعْدَ اَلْمَوْتِ شَيْئاً، وَلَكِنْ عَلَيَّ قَوْلٌ قَدْ قُلْتُهُ: لَوْ قَتَلْتُهُ لَفَعَلْتُ هَذَا بِهِ، فَإِنْ أَنْتَ مَضَيْتَ لِأَمْرِنَا فِيهِ جَزَيْنَاكَ جَزَاءَ اَلسَّامِعِ اَلْمُطِيعِ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِلْ عَمَلَنَا وَجُنْدَنَا، وَخَلِّ
ص: 88
بَيْنَ شِمْرِ بْنِ ذِي اَلْجَوْشَنِ وَبَيْنَ اَلْعَسْكَرِ فَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَاهُ بِأَمْرِنَا وَاَلسَّلاَمُ.
فَأَقْبَلَ شِمْرٌ بِكِتَابِ عُبَيْدِ اَللَّهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ وَقَرَأَهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا لَكَ وَيْلَكَ؟! لاَ قَرَّبَ اَللَّهُ دَارَكَ قَبَّحَ اَللَّهُ مَا قَدِمْتَ بِهِ عَلَيَّ، وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ أَنَّكَ نَهَيْتَهُ (1)أَنْ يَقْبَلَ مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَفْسَدْتَ عَلَيْنَا أَمْرَنَا، قَدْ كُنَّا رَجَوْنَا أَنْ يَصْلُحَ، لاَ يَسْتَسْلِمْ وَاَللَّهِ حُسَيْنٌ، إِنَّ نَفْسَ أَبِيهِ لَبَيْنَ جَنْبَيْهِ. فَقَالَ لَهُ شِمْرٌ: أَخْبِرْنِي مَا أَنْتَ صَانِعٌ، أَ تَمْضِي لِأَمْرِ أَمِيرِكَ وَتُقَاتِلُ عَدُوَّهُ؟ وَإِلاَّ فَخَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلْجُنْدِ وَاَلْعَسْكَرِ؛ قَالَ: لاَ، لاَ وَاَللَّهِ وَلاَ كَرَامَةَ لَكَ، وَلَكِنْ أَنَا أَتَوَلَّى ذَلِكَ، فَدُونَكَ فَكُنْ أَنْتَ عَلَى اَلرَّجَّالَةِ. وَنَهَضَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى اَلْحُسَيْنِ عَشِيَّةَ اَلْخَمِيسِ لِتِسْعٍ مَضَيْنَ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ.
وَجَاءَ شِمْرٌ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَصْحَابِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَقَالَ: أَيْنَ بَنُوأُخْتِنَا؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ اَلْعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ (2)وَعُثْمَانُ بَنُوعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ فَقَالُوا: مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ يَا بَنِي أُخْتِي آمِنُونَ، فَقَالَتْ لَهُ اَلْفِتْيَةُ لَعَنَكَ اَللَّهُ وَلَعَنَ أَمَانَكَ أَ تُؤْمِنُنَا (3)وَاِبْنُ رَسُولِ اَللَّهِ لاَ أَمَانَ لَهُ؟!
ثُمَّ نَادَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا خَيْلَ اَللَّهِ اِرْكَبِي وَأَبْشِرِي، فَرَكِبَ اَلنَّاسُ ثُمَّ زَحَفَ نَحْوَهُمْ بَعْدَ اَلْعَصْرِ، وَحُسَيْنٌ ع جَالِسٌ أَمَامَ بَيْتِهِ مُحْتَبٍ بِسَيْفِهِ، إِذْ خَفَقَ بِرَأْسِهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَسَمِعَتْ أُخْتُهُ
ص: 89
اَلصَّيْحَةَ (1)فَدَنَتْ مِنْ أَخِيهَا فَقَالَتْ: يَا أَخِي أَ مَا تَسْمَعُ اَلْأَصْوَاتَ قَدِ اِقْتَرَبَتْ؟ فَرَفَعَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ رَأْسَهُ فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)اَلسَّاعَةَ فِي اَلْمَنَامِ (2)فَقَالَ لِي: إِنَّكَ تَرُوحُ إِلَيْنَا» فَلَطَمَتْ أُخْتُهُ وَجْهَهَا وَنَادَتْ بِالْوَيْلِ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ لَكِ اَلْوَيْلُ يَا أُخَيَّةُ ،اُسْكُتِي رَحِمَكِ اَللَّهُ» وَقَالَ لَهُ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ: يَا أَخِي أَتَاكَ اَلْقَوْمُ فَنَهَضَ ثُمَّ قَالَ: «يَا عَبَّاسُ، اِرْكَبْ - بِنَفْسِي أَنْتَ يَا أَخِي - حَتَّى تَلْقَاهُمْ وَتَقُولَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ وَمَا بَدَا لَكُمْ؟ وَتَسْأَلَهُمْ عَمَّا جَاءَ بِهِمْ».
فَأَتَاهُمُ اَلْعَبَّاسُ فِي نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِساً، فِيهِمْ (3)زُهَيْرُ بْنُ اَلْقَيْنِ وَحَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ، فَقَالَ لَهُمْ اَلْعَبَّاسُ: مَا بَدَا لَكُمْ وَمَا تُرِيدُ؟ ونَ قَالُوا: جَاءَ أَمْرُ اَلْأَمِيرِ أَنْ نَعْرِضَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ نُنَاجِزَكُمْ، قَالَ: فَلاَ تَعْجَلُوا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْتُمْ، فَوَقَفُوا وَقَالُوا: اِلْقَهُ فَأَعْلِمْهُ ،ثُمَّ اِلْقَنَا بِمَا يَقُولُ لَكَ فَانْصَرَفَ اَلْعَبَّاسُ رَاجِعاً يَرْكُض ُ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ يُخْبِرُهُ اَلْخَبَرَ، وَوَقَفَ أَصْحَابُهُ يُخَاطِبُونَ اَلْقَوْمَ وَيَعِظُونَهُمْ وَيَكُفُّونَهُمْ عَنْ قِتَالِ اَلْحُسَيْنِ .
فَجَاءَ اَلْعَبَّاسُ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ اَلْقَوْمُ، فَقَالَ: «اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنِ اِسْتَطَعْتَ أَنْ تُؤَخِّرَهُمْ إِلَى اَلْغُدْوَةِ (4)وَتَدْفَعَهُمْ
ص: 90
عَنَّا اَلْعَشِيَّةَ. لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا اَللَّيْلَةَ وَنَدْعُوهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، فَهُوَيَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُحِبُّ اَلصَّلاَةَ لَهُ وَتِلاَوَةَ كِتَابِهِ وَاَلدُّعَاءَ وَاَلاِسْتِغْفَارَ».
فَمَضَى اَلْعَبَّاسُ إِلَى اَلْقَوْمِ وَرَجَعَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَمَعَهُ رَسُولٌ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ: إِنَّا قَدْ أَجَّلْنَاكُمْ إِلَى غَدٍ فَإِنِ اِسْتَسْلَمْتُمْ سَرَّحْنَاكُمْ إِلَى أَمِيرِنَا عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلَسْنَا تَارِكِيكُمْ، وَاِنْصَرَفَ .
فَجَمَعَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ أَصْحَابَهُ عِنْدَ قُرْبِ اَلْمَسَاءِ. قَالَ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ علیهِ السّلامُ: «فَدَنَوْتُ مِنْهُ لِأَسْمَعَ مَا يَقُولُ لَهُمْ، وَأَنَا إِذْ ذَاكَ مَرِيضٌ، فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: أُثْنِي عَلَى اَللَّهِ أَحْسَنَ اَلثَّنَاءِ، وَأَحْمَدُهُ عَلَى اَلسَّرَّاءِ وَاَلضَّرَّاءِ، اَللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ عَلَى أَنْ أَكْرَمْتَنَا بِالنُّبُوَّةِ وَعَلَّمْتَنَا اَلْقُرْآنَ وَفَقَّهْتَنَا فِي اَلدِّينِ، وَجَعَلْتَ لَنَا أَسْمَاعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَاجْعَلْنَا مِنَ اَلشَّاكِرِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى وَلاَ خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي، وَلاَ أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَلاَ أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَجَزَاكُمُ اَللَّهُ عَنِّي خَيْراً، أَلاَ وَإِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّهُ آخِرُ (1)يَوْمٍ لَنَا مِنْ هَؤُلاَءِ، أَلاَ وَإِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جَمِيعاً فِي حِلٍّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ، هَذَا اَللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلاً.
فَقَالَ لَهُ: إِخْوَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنُوأَخِيهِ وَاِبْنَا عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: لِمَ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟! لِنَبْقَى بَعْدَكَ لاَ أَرَانَا اَللَّهُ ذَلِكَ، أَبَداً بَدَأَهُمْ بِهَذَا اَلْقَوْلِ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَاِتَّبَعَتْهُ اَلْجَمَاعَةُ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِهِ وَنَحْوِهِ
ص: 91
فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: يَا بَنِي عَقِيلٍ، حَسْبُكُمْ مِنَ اَلْقَتْلِ بِمُسْلِمٍ، فَاذْهَبُوا أَنْتُمْ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ. قَالُوا: سُبْحَانَ اَللَّهِ فَمَا يَقُولُ اَلنَّاسُ؟! يَقُولُونَ إِنَّا تَرَكْنَا شَيْخَنَا وَسَيِّدَنَا وَبَنِي عُمُومَتِنَا - -خَيْرَ اَلْأَعْمَامِ - وَلَمْ نَرْمِ مَعَهُمْ بِسَهْمٍ، وَلَمْ نَطْعَنْ مَعَهُمْ بِرُمْحٍ، وَلَمْ نَضْرِبْ مَعَهُمْ بِسَيْفٍ، وَلاَ نَدْرِي مَا صَنَعُوا، لاَ وَاَللَّهِ مَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ تفديك (َفْدِيكَ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَأهلونا) (1)[أَهْلِينَا] وَنُقَاتِلُ مَعَكَ حَتَّى نَرِدَ مَوْرِدَكَ فَقَبَّحَ اَللَّهُ اَلْعَيْشَ بَعْدَكَ.
وَقَامَ إِلَيْهِ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ فَقَالَ: أَ نُخَلِّي (2)عَنْكَ وَلَمَّا نُعْذِرْ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَدَاءِ حَقِّكَ؟! أَمَا وَاَللَّهِ حَتَّى أَطْعَنَ فِي صُدُورِهِمْ بِرُمْحِي، وَأَضْرِبَهُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي سِلاَحٌ أُقَاتِلُهُمْ بِهِ لَقَذَفْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَاَللَّهِ لاَ نُخَلِّيكَ حَتَّى يَعْلَمَ اَللَّهُ أَنْ قَدْ حَفِظْنَا غَيْبَةَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)(3)فِيكَ، وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنِّي أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُحْرَقُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُذْرَى يُفْعَلُ ذَلِكَ، بِي سَبْعِينَ مَرَّةً مَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَلْقَى حِمَامِي دُونَكَ، وَكَيْفَ لاَ أَفْعَلُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ قَتْلَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ هِيَ اَلْكَرَامَةُ اَلَّتِي لاَ اِنْقِضَاءَ لَهَا أَبَداً.
وَقَامَ زُهَيْرُ بْنُ اَلْقَيْنِ اَلْبَجَلِيُّ - رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ - فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي قُتِلْتُ ثُمَّ نُشِرْتُ ثُمَّ قُتِلْتُ حَتَّى أُقْتَلَ هَكَذَا أَلْفَ مَرَّةٍ، وَأَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ بِذَلِكَ، اَلْقَتْلَ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنْ أَنْفُسِ هَؤُلاَءِ اَلْفِتْيَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ.
ص: 92
وَتَكَلَّمَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ (1)بِكَلاَمٍ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَجَزَاهُمُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ خَيْراً وَاِنْصَرَفَ إِلَى مِضْرَبِهِ. (2)
قَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ علیهِ السّلامُ: « إِنِّي لَجَالِسٌ فِي تِلْكَ اَلْعَشِيَّةِ اَلَّتِي قُتِلَ أَبِي فِي صَبِيحَتِهَا، وَعِنْدِي عَمَّتِي زَيْنَبُ تُمَرِّضُنِي، إِذِ اِعْتَزَلَ أَبِي فِي خِبَاءٍ لَهُ وَعِنْدَهُ جُوَيْنٌ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ اَلْغِفَارِيِّ وَهُوَيُعَالِجُ سَيْفَهُ وَيُصْلِحُهُ وَأَبِي يَقُولُ :
يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلِ *** كَمْ لَكَ بِالْإِشْرَاقِ وَاَلْأَصِيلِ
مِنْ صَاحِبٍ أَوْ طَالِبٍ قَتِيلِ *** وَاَلدَّهْرُ لاَ يَقْنَعُ بِالْبَدِيلِ
وَإِنَّمَا اَلْأَمْرُ إِلَى اَلْجَلِيلِ *** وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيلِي
فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً حَتَّى فَهِمْتُهَا وَعَرَفْتُ مَا أَرَادَ، فَخَنَقَتْنِي اَلْعَبْرَةُ فَرَدَدْتُهَا وَلَزِمْتُ اَلسُّكُوتَ، وَعَلِمْتُ أَنَّ اَلْبَلاَءَ قَدْ نَزَلَ، وَأَمَّا عَمَّتِي فَإِنَّهَا سَمِعَتْ مَا سَمِعْتُ وَهِيَ اِمْرَأَةٌ وَمِنْ شَأْنِ اَلنِّسَاءِ اَلرِّقَّةُ وَاَلْجَزَعُ، فَلَمْ تَمْلِكْ نَفْسَهَا أَنْ وَثَبَتْ تَجُرُّ ثَوْبَهَا (3)وَإِنَّهَا لَحَاسِرَةٌ، حَتَّى اِنْتَهَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: وَا ثُكْلاَهْ! لَيْتَ اَلْمَوْتَ أَعْدَمَنِي اَلْحَيَاةَ، اَلْيَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ وَأَبِي عَلِيٌّ وَأَخِي اَلْحَسَنُ، يَا خَلِيفَةَ اَلْمَاضِي وَثِمَالَ اَلْبَاقِي. فَنَظَرَ إِلَيْهَا اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فَقَالَ لَهَا: يَا أُخَيَّةُ لاَ يُذْهِبَنَّ حِلْمَكِ اَلشَّيْطَانُ، وَتَرَقْرَقَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ وَقَالَ: لَوْ تُرِكَ اَلْقَطَاةُ لَنَامَ (4)فَقَالَتْ: يَا وَيْلَتَاهْ!
ص: 93
أَ فَتُغْتَصَبُ نَفْسُكَ اِغْتِصَاباً؟! فَذَاكَ أَقْرَحُ لِقَلْبِي وَأَشَدُّ عَلَى نَفْسِي. ثُمَّ لَطَمَتْ وَجْهَهَا وَهَوَتْ إِلَى جَيْبِهَا فَشَقَّتْهُ وَخَرَّتْ مَغْشِيّاً عَلَيْهَا.
فَقَامَ إِلَيْهَا اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهَا اَلْمَاءَ وَقَالَ لَهَا: يَا أُخْتَاهْ اِتَّقِي اَللَّهَ وَتَعَزَّيْ بِعَزَاءِ اَللَّهِ، وَاِعْلَمِي أَنَّ أَهْلَ اَلْأَرْضِ يَمُوتُونَ وَأَهْلَ اَلسَّمَاءِ لاَ يَبْقَوْنَ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَ اَللَّهِ اَلَّذِي خَلَقَ اَلْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ، وَيَبْعَثُ اَلْخَلْقَ وَيَعُودُونَ، وَهُوَفَرْدٌ وَحْدَهُ، أَبِي خَيْرٌ مِنِّي وَأُمِّي خَيْرٌ مِنِّي، وَأَخِي خَيْرٌ مِنِّي، وَلِي وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ بِرَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)أُسْوَةٌ ، فَعَزَّاهَا بِهَذَا وَنَحْوِهِ وَقَالَ لَهَا: يَا أُخَيَّةُ إِنِّي أَقْسَمْتُ فَأَبِرِّي قَسَمِي، لاَ تَشُقِّي عَلَيَّ جَيْباً، وَلاَ تَخْمَشِي (1)عَلَيَّ وَجْهاً، وَلاَ تَدْعِي عَلَيَّ بِالْوَيْلِ وَاَلثُّبُورِ إِذَا أَنَا هَلَكْتُ.ثُمَّ جَاءَ بِهَا حَتَّى أَجْلَسَهَا عِنْدِي.
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَرِّبَ بَعْضُهُمْ بُيُوتَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنْ يُدْخِلُوا اَلْأَطْنَابَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، وَأَنْ يَكُونُوا بَيْنَ اَلْبُيُوتِ فَيَسْتَقْبِلُونَ اَلْقَوْمَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَاَلْبُيُوتُ، مِنْ وَرَائِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ قَدْ حَفَّتْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْوَجْهَ اَلَّذِي يَأْتِيهِمْ مِنْهُ عَدُوُّهُمْ.
وَرَجَعَ ع إِلَى مَكَانِهِ فَقَامَ اَللَّيْلَ كُلَّهُ يُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ وَيَدْعُووَيَتَضَرَّعُ، وَقَامَ أَصْحَابُهُ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ» (2) .
ص: 94
قَالَ: اَلضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ : وَمَرَّ بِنَا خَيْلٌ لاِبْنِ سَعْدٍ يَحْرُسُنَا، وَإِنَّ حُسَيْناً لَيَقْرَأُ : (وَلاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدٰادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ * مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيَذَرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ مٰا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّٰى يَمِيزَ اَلْخَبِيثَ مِنَ اَلطَّيِّبِ) (1) فَسَمِعَهَا مِنْ تِلْكَ اَلْخَيْلِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سُمَيْرٍ (2)وَكَانَ مِضْحَاكاً وَكَانَ شُجَاعاً بَطَلاً فَارِساً فَاتِكاً شَرِيفاً فَقَالَ: نَحْنُ وَرَبِّ اَلْكَعْبَةِ اَلطَّيِّبُونَ، مُيِّزْنَا مِنْكُمْ. فَقَالَ لَهُ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ: يَا فَاسِقُ أَنْتَ يَجْعَلُكَ اَللَّهُ مِنَ اَلطَّيِّبِينَ؟! فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ وَيْلَكَ؟ قَالَ: أَنَا بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ فَتَسَابَّا (3).
وَأَصْبَحَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ بَعْدَ صَلاَةِ اَلْغَدَاةِ، وَكَانَ مَعَهُ اِثْنَانِ وَثَلاَثُونَ فَارِساً وَأَرْبَعُونَ رَاجِلاً، فَجَعَلَ زُهَيْرَ بْنَ اَلْقَيْنِ فِي مَيْمَنَةِ أَصْحَابِهِ، وَحَبِيبَ بْنَ مُظَاهِرٍ فِي مَيْسَرَةِ أَصْحَابِهِ، وَأَعْطَى رَايَتَهُ اَلْعَبَّاسَ أَخَاهُ، وَجَعَلُوا اَلْبُيُوتَ فِي ظُهُورِهِمْ، وَأَمَرَ بِحَطَبٍ وَقَصَبٍ كَانَ مِنْ وَرَاءِ اَلْبُيُوتِ أَنْ يُتْرَكَ فِي خَنْدَقٍ كَانَ قَدْ حُفِرَ هُنَاكَ وَأَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ، مَخَافَةَ أَنْ يَأْتُوهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ.
وَأَصْبَحَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فِي ذَلِكَ، اَلْيَوْمِ وَهُوَيَوْمُ اَلْجُمُعَةِ وَقِيلَ يَوْمُ اَلسَّبْتِ، فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ وَخَرَجَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ اَلنَّاسِ نَحْوَاَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ عَمْرُوبْنُ اَلْحَجَّاجِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ، وَعَلَى اَلْخَيْلِ عُرْوَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَلَى اَلرَّجَّالَةِ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ،
ص: 95
وَأَعْطَى اَلرَّايَةَ دُرَيْداً (1)مَوْلاَهُ.
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ ع أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا صَبَّحَتِ اَلْخَيْلُ اَلْحُسَيْنَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اَللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ (2)وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ اَلْفُؤَادُ، وَتَقِلُّ فِيهِ اَلْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ اَلصَّدِيقُ، وَيَشْمَتُ فِيهِ اَلْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ، وَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ» . (3)
قَالَ: وَأَقْبَلَ اَلْقَوْمُ يَجُولُونَ حَوْلَ بُيُوتِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَيَرَوْنَ اَلْخَنْدَقَ فِي ظُهُورِهِمْ وَاَلنَّارُ تَضْطَرِمُ فِي اَلْحَطَبِ وَاَلْقَصَبِ اَلَّذِي كَانَ أُلْقِيَ فِيهِ، فَنَادَى شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ عَلَيْهِ اَللَّعْنَةُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا حُسَيْنُ أَ تَعَجَّلْتَ اَلنَّارَ قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « مَنْ هَذَا؟» كَأَنَّهُ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ» فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: «يَا اِبْنَ رَاعِيَةِ اَلْمِعْزَى أَنْتَ أَوْلىٰ بِهٰا صِلِيًّا» .
وَرَامَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ أَنْ يَرْمِيَهُ بِسَهْمٍ فَمَنَعَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: دَعْنِي حَتَّى أَرْمِيَهُ فَإِنَّهُ اَلْفَاسِقُ مِنْ عُظَمَاءِ اَلْجَبَّارِينَ، وَقَدْ أَمْكَنَ اَللَّهُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « لاَ تَرْمِهِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَهُمْ».
ص: 96
ثُمَّ دَعَا اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «يَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ» - وَجُلُّهُمْ يَسْمَعُونَ - فَقَالَ: «أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِسْمَعُوا قَوْلِي وَلاَ تَعْجَلُوا حَتَّى أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ لَكُمْ عَلَيَّ وَحَتَّى أُعْذِرَ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ أَعْطَيْتُمُونِي اَلنَّصَفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ، وَإِنْ لَمْ تُعْطُونِي اَلنَّصَفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ ثُمَّ لاٰ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اُقْضُوا إِلَيَّ وَلاٰ تُنْظِرُونِ، إِنَّ وَلِيِّيَ اَللّٰهُ اَلَّذِي نَزَّلَ اَلْكِتٰابَ وَهُوَيَتَوَلَّى اَلصّٰالِحِينَ» ثُمَّ حَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ اَللَّهَ بِمَا هُوَأَهْلُهُ ، وَصَلَّى عَلَى اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَعَلَى مَلاَئِكَةِ اَللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ، فَلَمْ يُسْمَعْ مُتَكَلِّمٌ قَطُّ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَبْلَغُ فِي مَنْطِقٍ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ:
«أَمَّا بَعْدُ: فَانْسُبُونِي فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا، ثُمَّ اِرْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَاتِبُوهَا، فَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ لَكُمْ قَتْلِي وَاِنْتِهَاكُ حُرْمَتِي؟ أَ لَسْتُ اِبْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ، وَاِبْنَ وَصِيِّهِ وَاِبْنِ عَمِّهِ وَأَوَّلِ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْمُصَدِّقِ لِرَسُولِ اَللَّهِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، أَ وَلَيْسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ اَلشُّهَدَاءِ عَمِّي، أَ وَلَيْسَ جَعْفَرٌ اَلطَّيَّارُ فِي اَلْجَنَّةِ بِجِنَاحَيْنِ عَمِّي، أَ وَلَمْ يَبْلُغْكُمْ (1)مَا قَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ لِي وَلِأَخِي: هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ؟! فَإِنْ صَدَّقْتُمُونِي بِمَا أَقُولُ وَهُوَاَلْحَقُّ ، وَاَللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِباً مُنْذُ عَلِمْتُ أَنَّ اَللَّهَ يَمْقُتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي فَإِنَّ فِيكُمْ (مَنْ لَوْ ) (2)سَأَلْتُمُوهُ عَنْ ذَلِكَ أَخْبَرَكُمْ، سَلُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيَّ وَأَبَا سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيَّ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ اَلسَّاعِدِيَّ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُخْبِرُوكُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هَذِهِ اَلْمَقَالَةَ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لِي
ص: 97
وَلِأَخِي أَ مَا فِي هَذَا (حَاجِزٌ لَكُمْ) (1)عَنْ سَفْكِ دَمِي؟!»
فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ: هُوَيَعْبُدُ اَللّٰهَ عَلىٰ حَرْفٍ إِنْ كَانَ يَدْرِي (مَا تَقَوَّلَ) (2)فَقَالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ: وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكَ تَعْبُدُ اَللَّهَ عَلَى سَبْعِينَ حَرْفاً، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ مَا تَدْرِي مَا يَقُولُ، قَدْ طَبَعَ اَللَّهُ عَلَى قَلْبِكَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: «فَإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ هَذَا، أَ فَتَشُكُّونَ أَنِّي اِبْنُ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ! فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَاَلْمَغْرِبِ اِبْنُ بِنْتِ نَبِيٍّ غَيْرِي فِيكُمْ وَلاَ فِي غَيْرِكُمْ، وَيْحَكُمْ أَ تَطْلُبُونِّي بِقَتِيلٍ مِنْكُمْ قَتَلْتُهُ، أَوْ مَالٍ لَكُمُ اِسْتَهْلَكْتُهُ، أَوْ بِقِصَاصِ جِرَاحَةٍ؟!» فَأَخَذُوا لاَ يُكَلِّمُونَهُ، فَنَادَى: «يَا شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، يَا حَجَّارَ بْنَ أَبْجَرَ، يَا قَيْسَ بْنَ اَلْأَشْعَثِ، يَا يَزِيدَ بْنَ اَلْحَارِثِ، أَ لَمْ تَكْتُبُوا إِلَيَّ أَنْ قَدْ أَيْنَعَتِ اَلثِّمَارُ وَاِخْضَرَّ اَلْجَنَاب ُ ، وَإِنَّمَا تَقْدَمُ عَلَى جُنْدٍ لَكَ مُجَنَّدٍ؟!» فَقَالَ لَهُ قَيْسُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ: مَا نَدْرِي مَا تَقُولُ، وَلَكِنِ اِنْزِلْ عَلَى حُكْمِ بَنِي عَمِّكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرُوكَ إِلاَّ مَا تُحِبُّ . فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « لاَ وَاَللَّهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ اَلذَّلِيلِ، وَلاَ أَفِرُّ فِرَارَ اَلْعَبِيدِ (3)» ثُمَّ نَادَى: «يَا عِبَادَ اَللَّهِ، إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ، أَعُوذُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاٰ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ اَلْحِسٰابِ» .
ثُمَّ إِنَّهُ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَأَمَرَ عُقْبَةَ بْنَ سِمْعَانَ فَعَقَلَهَا، وَأَقْبَلُوا
ص: 98
يَزْحَفُونَ نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَأَى اَلْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ اَلْقَوْمَ قَدْ صَمَّمُوا عَلَى قِتَالِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ قَالَ: لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: أَيْ عُمَرُ (1)أَ مُقَاتِلٌ أَنْتَ هَذَا اَلرَّجُلَ ؟ قَالَ: إِي وَاَللَّهِ قِتَالاً أَيْسَرُهُ أَنْ تَسْقُطَ اَلرُّءُوسُ وَتَطِيحَ اَلْأَيْدِي، قَالَ: أَ فَمَا لَكُمْ فِيمَا عَرَضَهُ عَلَيْكُمْ رِضًى؟ قَالَ عُمَرُ: أَمَا لَوْ كَانَ اَلْأَمْرُ إِلَيَّ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنَّ أَمِيرَكَ قَدْ أَبَى .
فَأَقْبَلَ اَلْحُرُّ حَتَّى وَقَفَ مِنَ اَلنَّاسِ مَوْقِفاً، وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ قُرَّةُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا قُرَّةُ هَلْ سَقَيْتَ فَرَسَكَ اَلْيَوْمَ، قَالَ: لاَ ، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ؟ أَنْ تَسْقِيَهُ؟ قَالَ: قُرَّةُ فَظَنَنْتُ وَاَللَّهِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَحَّى فَلاَ يَشْهَدَ اَلْقِتَالَ، وَيَكْرَهُ (2)أَنْ أَرَاهُ حِينَ يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ أَسْقِهِ وَأَنَا مُنْطَلِقٌ فَأَسْقِيهِ، فَاعْتَزَلَ ذَلِكَ، اَلْمَكَانَ اَلَّذِي كَانَ فِيهِ، فَوَاَللَّهِ لَوْ أَنَّهُ أَطْلَعَنِي عَلَى اَلَّذِي يُرِيدُ لَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَى اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ؛ فَأَخَذَ يَدْنُومِنَ اَلْحُسَيْنِ قَلِيلاً قَلِيلاً، فَقَالَ لَهُ: اَلْمُهَاجِرُ بْنُ أَوْسٍ: مَا تُرِيدُ؟ يَا اِبْنَ يَزِيدَ، أَ تُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ وَأَخَذَهُ مِثْلُ اَلْأَفْكَلِ وَ - هِيَ اَلرِّعْدَةُ - فَقَالَ لَهُ اَلْمُهَاجِرُ: إِنَّ أَمْرَكَ لَمُرِيبٌ، وَاَللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ فِي مَوْقِفٍ قَطُّ مِثْلَ هَذَا، وَلَوْ قِيلَ لِي: مَنْ أَشْجَعُ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ مَا عَدَوْتُكَ، فَمَا هَذَا اَلَّذِي أَرَى مِنْكَ؟! فَقَالَ لَهُ اَلْحُرُّ: إِنِّي وَاَللَّهِ أُخَيِّرُ نَفْسِي بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَاَلنَّارِ، فَوَاَللَّهِ لاَ أَخْتَارُ عَلَى اَلْجَنَّةِ شَيْئاً وَلَوْ قُطِّعْتُ وَحُرِّقْتُ.
ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَ بِالْحُسَيْنِ ع فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ - يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ -أَنَا صَاحِبُكَ اَلَّذِي حَبَسْتُكَ عَنِ
ص: 99
اَلرُّجُوعِ، وَسَايَرْتُكَ فِي اَلطَّرِيقِ، وَجَعْجَعْتُ بِكَ فِي هَذَا اَلْمَكَانِ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّ اَلْقَوْمَ يَرُدُّونَ عَلَيْكَ مَا عَرَضْتَهُ عَلَيْهِمْ، وَلاَ يَبْلُغُونَ مِنْكَ هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ، وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُمْ يَنْتَهُونَ بِكَ إِلَى مَا أَرَى مَا رَكِبْتُ، مِنْكَ اَلَّذِي رَكِبْتُ وَإِنِّي تَائِبٌ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى مِمَّا صَنَعْتُ، فَتَرَى لِي مِنْ ذَلِكَ، تَوْبَةً؟ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « نَعَمْ، يَتُوبُ اَللَّهُ عَلَيْكَ فَانْزِلْ»
قَالَ: فَأَنَا لَكَ فَارِساً خَيْرٌ مِنِّي رَاجِلاً، أُقَاتِلُهُمْ عَلَى فَرَسِي سَاعَةً، وَإِلَى اَلنُّزُولِ مَا يَصِيرُ آخِرُ أَمْرِي. فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « فَاصْنَعْ يَرْحَمُكَ اَللَّهُ مَا بَدَا لَكَ».
فَاسْتَقْدَمَ أَمَامَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ ثُمَّ أَنْشَأَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: لَنِعْمَ اَلْحُرُّ حُرُّ بَنِي رِيَاحٍ *** وَحُرٌّ عِنْدَ مُخْتَلَفَ اَلرِّمَاحِ
وَنِعْمَ اَلْحُرُّ إِذْ نَادَى حُسَيْنٌ *** وَجَادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ اَلصَّبَاحِ.
ثُمَّ قَالَ (1) : يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ، لِأُمِّكُمُ اَلْهَبَلُ وَاَلْعَبَرُ، أَ دَعَوْتُمْ هَذَا اَلْعَبْدَ اَلصَّالِحَ حَتَّى إِذَا أَتَاكُمْ أَسْلَمْتُمُوهُ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ قَاتِلُوأَنْفُسِكُمْ دُونَهُ ثُمَّ عَدَوْتُمْ عَلَيْهِ لَتَقْتُلُوهُ ، أَمْسَكْتُمْ بِنَفْسِهِ وَأَخَذْتُمْ بِكَظْمِهِ (2)، وَأَحَطْتُمْ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِتَمْنَعُوهُ اَلتَّوَجُّهَ فِي بِلاَدِ اَللَّهِ اَلْعَرِيضَةِ فَصَارَ كَالْأَسِيرِ فِي أَيْدِيكُمْ لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَلاَ يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرّاً (3)، وَحَلَأْتُمُوهُ (4)وَنِسَاءَهُ وَصِبْيَتَهُ وَأَهْلَهُ-عَنْ مَاءِ اَلْفُرَاتِ
ص: 100
اَلْجَارِي يَشْرَبُهُ اَلْيَهُودُ وَاَلنَّصَارَى وَاَلْمَجُوسُ وَتَمَرَّغُ فِيهِ خَنَازِيرُ اَلسَّوَادِ (1)وَكِلاَبُهُ، فَهَا هُمْ قَدْ صَرَعَهُمُ اَلْعَطَشُ، بِئْسَ مَا خَلَّفْتُمْ مُحَمَّداً فِي ذُرِّيَّتِهِ، لاَ سَقَاكُمُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلظَّمَإِ اَلْأَكْبَرِ. فَحَمَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ يَرْمُونَ بِالنَّبْلِ. فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ أَمَامَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ .
وَنَادَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا ذُوَيْدُ (2)أَدْنِ رَايَتَكَ، فَأَدْنَاهَا ثُمَّ وَضَعَ سَهْمَهُ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ ثُمَّ رَمَى وَقَالَ: اِشْهَدُوا أَنِّي أَوَّلُ مَنْ رَمَى، ثُمَّ اِرْتَمَى اَلنَّاسُ وَتَبَارَزُوا، فَبَرَزَ يَسَارٌ مَوْلَى زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَبَرَزَ إِلَيْهِ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقَالَ لَهُ يَسَارٌ:مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ، فَقَالَ: لَسْتُ أَعْرِفُكَ، لِيَخْرُجْ إِلَيَّ زُهَيْرُ بْنُ اَلْقَيْنِ أَوْ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ
يَا اِبْنَ اَلْفَاعِلَةِ، وَبِكَ رَغْبَةٌ عَنْ مُبَارَزَةِ أَحَدٍ مِنَ اَلنَّاسِ؟! ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى بَرَدَ، فَإِنَّهُ لَمُشْتَغِلٌ بِضَرْبِهِ إِذْ شَدَّ عَلَيْهِ سَالِمٌ مَوْلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ: فَصَاحُوا بِهِ: قَدْ رَهَقَكَ اَلْعَبْدُ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى غَشِيَهُ فَبَدَرَهُ ضَرْبَةً اِتَّقَاهَا اِبْنُ عُمَيْرٍ بِكَفِّهِ (3)اَلْيُسْرَى فَأَطَارَتْ أَصَابِعَ كَفِّهِ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَأَقْبَلَ وَقَدْ قَتَلَهُمَا جَمِيعاً وَهُوَيَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا اِبْنُ كَلْبِ *** إِنِّي اِمْرُؤٌ ذُومِرَّةٍ وَعَضْبِ (4)
وَلَسْتُ بِالْخَوَّارِ عِنْدَ اَلنَّكْبِ.
ص: 101
وَحَمَلَ عَمْرُوبْنُ اَلْحَجَّاجِ عَلَى مَيْمَنَةِ أَصْحَابِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ جَثَوْا لَهُ عَلَى اَلرُّكَبِ وَأَشْرَعُوا اَلرَّمَاحَ، نَحْوَهُمْ فَلَمْ تُقْدِمْ خَيْلُهُمْ عَلَى اَلرِّمَاحِ فَذَهَبَتِ اَلْخَيْلُ لِتَرْجِعَ فَرَشَقَهُمْ أَصْحَابُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ بِالنَّبْلِ فَصَرَعُوا مِنْهُمْ رِجَالاً وَجَرَحُوا مِنْهُمْ آخَرِينَ.
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ حَوْزَةَ فَأَقْدَمَ عَلَى عَسْكَرِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَنَادَاهُ اَلْقَوْمُ: إِلَى أَيْنَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟! فَقَالَ: إِنِّي أَقْدَمُ عَلَى رَبٍّ رَحِيمٍ وَشَفِيعٍ مُطَاعٍ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « لِأَصْحَابِهِ: «مَنْ هَذَا؟» قِيلَ: هَذَا اِبْنُ حَوْزَةَ قَالَ: «اَللَّهُمَّ حُزْهُ إِلَى اَلنَّارِ» فَاضْطَرَبَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي جَدْوَلٍ فَوَقَعَ وَتَعَلَّقَتْ رِجْلُهُ اَلْيُسْرَى بِالرِّكَابِ وَاِرْتَفَعَتِ اَلْيُمْنَى، فَشَدَّ عَلَيْهِ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ فَضَرَبَ رِجْلَهُ اَلْيُمْنَى فَطَارَتْ، وَعَدَا بِهِ فَرَسُهُ يَضْرِبُ بِرَأْسِهِ كُلَّ حَجَرٍ وَكُلَّ شَجَرٍ حَتَّى مَاتَ وَعَجَّلَ اَللَّهُ بِرُوحِهِ إِلَى اَلنَّارِ .
وَنَشَبَ اَلْقِتَالُ فَقُتِلَ مِنَ اَلْجَمِيعِ جَمَاعَةٌ. وَحَمَلَ اَلْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ عَلَى أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَيَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ عَنْتَرَةَ:
مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ بِغُرَّةِ وَجْهِه ِ *** وَلَبَانِهِ (1)حَتَّى تَسَرْبَلَ بِالدَّمِ.
ص: 102
فَبَرَزَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَلْحَارِثٍ يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ، فَمَا لَبَّثَهُ اَلْحُرُّ حَتَّى قَتَلَهُ، وَبَرَزَ نَافِعُ بْنُ هِلاَلٍ وَهُوَيَقُولُ:
أَنَا اِبْنُ هِلاَلٍ اَلْبَجَلِي (1)*** أَنَا عَلَى دِينِ عَلِي .
فَبَرَزَ إِلَيْهِ مُزَاحِمُ بْنُ حُرَيْثٍ فَقَالَ لَهُ: أَنَا عَلَى دِينِ عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ نَافِعٌ: أَنْتَ عَلَى دِينِ اَلشَّيْطَانِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ.
فَصَاحَ عَمْرُوبْنُ اَلْحَجَّاجِ بِالنَّاسِ: يَا حَمْقَى، أَ تَدْرُونَ مَنْ تُقَاتِلُونَ؟ تُقَاتِلُونَ فُرْسَانَ أَهْلِ اَلْمِصْرِ ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْماً مُسْتَمِيتِينَ، لاَ يَبْرُزُ إِلَيْهِمْ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّهُمْ قَلِيلٌ وَقَلَّ مَا يَبْقَوْنَ، وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَرْمُوهُمْ إِلاَّ بِالْحِجَارَةِ لَقَتَلْتُمُوهُمْ؛ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: صَدَقْتَ اَلرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ فَأَرْسَلَ فِي اَلنَّاسِ مَنْ يَعْزِمُ (2)عَلَيْهِمْ أَلاَّ يُبَارِزَ رَجُلٌ مِنْكُمْ رَجُلاً مِنْهُمْ.
ثُمَّ حَمَلَ عَمْرُوبْنُ اَلْحَجَّاجِ فِي أَصْحَابِهِ عَلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ مِنْ نَحْوِ اَلْفُرَاتِ فَاضْطَرَبُوا سَاعَةً، فَصُرِعَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ اَلْأَسَدِيُّ - رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ - وَاِنْصَرَفَ عَمْرٌووَأَصْحَابُهُ، وَاِنْقَطَعَتِ اَلْغَبَرَةُ فَوَجَدُوا مُسْلِماً صَرِيعاً، فَمَشَى إِلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فَإِذَا بِهِ رَمَقٌ فَقَالَ: «رَحِمَكَ اَللَّهُ يَا مُسْلِمُ (مِنْهُمْ مَنْ قَضىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (3) » وَدَنَا مِنْهُ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ فَقَالَ: عَزَّ عَلَيَّ مَصْرَعُكَ يَا مُسْلِمُ، أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ ، فَقَالَ مُسْلِمٌ: قَوْلاً ضَعِيفاً: بَشَّرَكَ اَللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ: لَوْ لاَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي فِي أَثَرِكَ مِنْ سَاعَتِي هَذِهِ، لَأَحْبَبْتُ
ص: 103
أَنْ تُوصِيَنِي بِكُلِّ مَا أَهَمَّكَ.
ثُمَّ تَرَاجَعَ اَلْقَوْمُ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَحَمَلَ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ لَعَنَهُ اَللَّهُ عَلَى أَهْلِ اَلْمَيْسَرَةِ فَثَبَتُوا لَهُ فَطَاعَنُوهُ، وَحُمِلَ عَلَى اَلْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقَاتَلَهُمْ أَصْحَابُ اَلْحُسَيْنِ قِتَالاً شَدِيداً ، فَأَخَذَتْ خَيْلُهُمْ تَحْمِلُ وَإِنَّمَا هِيَ اِثْنَانِ وَثَلاَثُونَ فَارِساً، فَلاَ تَحْمِلُ عَلَى جَانِبٍ مِنْ خَيْلِ اَلْكُوفَةِ إِلاَّ كَشَفَتْهُ .
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، عُرْوَةُ بْنُ - قَيْسٍ وَهُوَعَلَى خَيْلِ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ - بَعَثَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: أَ مَا تَرَى مَا تَلْقَى خَيْلِي مُنْذُ اَلْيَوْمِ مِنْ هَذِهِ اَلْعِدَّةِ اَلْيَسِيرَةِ، اِبْعَثْ إِلَيْهِمُ اَلرِّجَالَ وَاَلرُّمَاةَ، فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ بِالرُّمَاةِ فَعُقِرَ بِالْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ فَرَسُهُ فَنَزَلَ عَنْهُ وَجَعَلَ يَقُولُ:
إِنْ تَعْقِرُوا بِي فَأَنَا اِبْنُ اَلْحُرِّ *** أَشْجَعُ مِنْ ذِي لِبَدٍ (1)هِزَبْرِ.
وَيَضْرِبُهُمْ بِسَيْفِهِ وَتَكَاثَرُوا عَلَيْهِ فَاشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ أَيُّوبُ بْنُ مُسَرِّحٍ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ فُرْسَانِ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ.
وَقَاتَلَ أَصْحَابُ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام اَلْقَوْمَ أَشَدَّ قِتَالٍ حَتَّى اِنْتَصَفَ اَلنَّهَارُ. فَلَمَّا رَأَى اَلْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ وَكَانَ عَلَى اَلرُّمَاةِ - صَبْرَ أَصْحَابِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ تَقَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ - وَكَانُوا خَمْسَمِائَةِ نَابِلٍ - أَنْ يَرْشُقُوا أَصْحَابَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ بِالنَّبْلِ فَرَشَقُوهُمْ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ عَقَرُوا خُيُولَهُمْ وَجَرَحُوا اَلرِّجَالَ، وَأَرْجَلُوهُمْ. وَاِشْتَدَّ اَلْقِتَالُ
ص: 104
بَيْنَهُمْ سَاعَةً، وَجَاءَهُمْ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ فِي أَصْحَابِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ زُهَيْرُ بْنُ اَلْقَيْنِ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي عَشَرَةِ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ اَلْحُسَيْنِ فَكَشَفَهُمْ (1)عَنِ اَلْبُيُوتِ، وَعَطَفَ عَلَيْهِمْ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ فَقَتَلَ مِنَ اَلْقَوْمِ وَرَدَّ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ، وَأَنْشَأَ زُهَيْرُ بْنُ اَلْقَيْنِ يَقُولُ مُخَاطِباً لِلْحُسَيْنِ علیهِ السّلامُ:
اَلْيَوْمَ نَلْقَى جَدَّكَ اَلنَّبِيَّا *** وَحَسَناً وَاَلْمُرْتَضَى عَلِيَّا
وَذَا اَلْجَنَاحَيْنِ اَلْفَتَى اَلْكَمِيَّا.
وَكَانَ اَلْقَتْلُ يَبِينُ فِي أَصْحَابِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَلاَ يَبِينُ فِي أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لِكَثْرَتِهِمْ، وَاِشْتَدَّ اَلْقِتَالُ وَاِلْتَحَمَ وَكَثُرَ اَلْقَتْلُ وَاَلْجِرَاحُ فِي أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ إِلَى أَنْ زَالَتِ اَلشَّمْسُ، فَصَلَّى اَلْحُسَيْنُ بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ اَلْخَوْفِ.
وَتَقَدَّمَ حَنْظَلَةُ بْنُ سَعْدٍ اَلشِّبَامِيُّ بَيْنَ يَدَيِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَنَادَى أَهْلَ اَلْكُوفَةِ، يٰا قَوْمِ إِنِّي أَخٰافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ اَلْأَحْزٰابِ، يٰا قَوْمِ إِنِّي أَخٰافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ اَلتَّنٰادِ، يَا قَوْمِ لاَ تَقْتُلُوا حُسَيْناً فَيُسْحِتَكُمْ (2) اَللَّهُ بِعَذٰابٍ وَقَدْ خٰابَ مَنِ اِفْتَرىٰ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اَللَّهُ.
وَتَقَدَّمَ بَعْدَهُ شَوْذَبٌ مَوْلَى شَاكِرٍ فَقَالَ: اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَسْتَوْدِعُكَ اَللَّهَ وَأَسْتَرْعِيكَ؛ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اَللَّهُ.
ص: 105
وَتَقَدَّمَ عَابِسُ بْنُ [أَبِي] (1)شَبِيبٍ (2)اَلشَّاكِرِيُّ فَسَلَّمَ عَلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَوَدَّعَهُ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اَللَّهُ.
وَلَمْ يَزَلْ يَتَقَدَّمُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُقْتَلُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِهِ خَاصَّةً، فَتَقَدَّمَ اِبْنُهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ - وَأُمُّهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي مُرَّةَ (3)بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَصْبَحِ اَلنَّاسِ وَجْهاً، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَشَدَّ عَلَى اَلنَّاسِ وَهُوَيَقُولُ:
أَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِي *** نَحْنُ وَبَيْتِ اَللَّهِ أَوْلَى بِالنَّبِي
تَاللَّهِ لاَ يَحْكُمُ فِينَا اِبْنُ اَلدَّعِي *** أَضْرِبُ بِالسَّيْفِ أُحَامِي عَنْ أَبِي
ضَرْبَ غُلاَمٍ هَاشِمِيٍّ قُرَشِي.
فَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً وَأَهْلُ اَلْكُوفَةِ يَتَّقُونَ قَتْلَهُ، فَبَصُرَ بِهِ مُرَّةُ بْنُ مُنْقِذٍ اَلْعَبْدِيُّ فَقَالَ: عَلَيَّ آثَامُ اَلْعَرَبِ إِنْ مَرَّ بِي يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ إِنْ لَمْ أُثْكِلْهُ أَبَاهُ؛ فَمَرَّ يَشُدُّ (4)عَلَى اَلنَّاسِ كَمَا مَرَّ فِي اَلْأَوَّلِ، فَاعْتَرَضَهُ مُرَّةُ بْنُ مُنْقِذٍ فَطَعَنَهُ فَصُرِعَ، وَاِحْتَوَاهُ اَلْقَوْمُ فَقَطَعُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، فَجَاءَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «قَتَلَ اَللَّهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يَا بُنَيَّ، مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى اَلرَّحْمَنِ وَعَلَى اِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ اَلرَّسُولِ!» وَاِنْهَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوع ِ ثُمَّ قَالَ: «عَلَى اَلدُّنْيَا بَعْدَكَ اَلْعَفَاءُ»
ص: 106
وَخَرَجَتْ زَيْنَبُ أُخْتُ اَلْحُسَيْنِ مُسْرِعَةً تُنَادِي: يَا أُخَيَّاهْ وَاِبْنَ أُخَيَّاهْ، وَجَاءَتْ حَتَّى أَكَبَّتْ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ اَلْحُسَيْنُ بِرَأْسِهَا فَرَدَّهَا إِلَى اَلْفُسْطَاطِ، وَأَمَرَ فِتْيَانَهُ فَقَالَ:« اِحْمِلُوا أَخَاكُمْ فَحَمَلُوهُ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيِ اَلْفُسْطَاطِ اَلَّذِي كَانُوا يُقَاتِلُونَ أَمَامَهُ.
ثُمَّ رَمَى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ يُقَالُ لَهُ: عَمْرُوبْنُ صَبِيحٍ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ بِسَهْمٍ، فَوَضَعَ عَبْدُ اَللَّهِ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ يَتَّقِيهِ، فَأَصَابَ اَلسَّهْمُ كَفَّهُ وَنَفَذَ إِلَى جَبْهَتِهِ فَسَمَرَهَا بِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْرِيكَهَا، ثُمَّ اِنْتَحَى عَلَيْهِ آخَرُ بِرُمْحِهِ فَطَعَنَهُ فِي قَلْبِهِ فَقَتَلَهُ.
وَحَمَلَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ قُطَبَةَ اَلطَّائِيُّ عَلَى عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ.
وَحَمَلَ عَامِرُ بْنُ نَهْشَلٍ اَلتَّيْمِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ.
وَشَدَّ عُثْمَانُ بْنُ خَالِدٍ اَلْهَمْدَانِيُّ عَلَى عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَإِنَّا لَكَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا غُلاَمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ شِقَّةُ قَمَرٍ فِي يَدِهِ سَيْفٌ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَنَعْلاَنِ قَدِ اِنْقَطَعَ شِسْعُ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَ لِي: عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُفَيْلٍ اَلْأَزْدِيُّ: وَاَللَّهِ لَأَشُدَّنَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اَللَّهِ وَمَا تُرِيدُ؟ بِذَلِكَ؟! دَعْهُ يَكْفِيكَهُ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ مَا يُبْقُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَشُدَّنَّ عَلَيْهِ، فَشَدَّ عَلَيْهِ فَمَا وَلَّى حَتَّى ضَرَبَ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ فَفَلَقَهُ، وَوَقَعَ
ص: 107
اَلْغُلاَمُ لِوَجْهِهِ فَقَالَ: يَا عَمَّاهْ! فَجَلَّى (1)اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ كَمَا يُجَلِّي اَلصَّقْرُ ثُمَّ شَدَّ شِدَّةَ لَيْثٍ أُغْضِبَ، فَضَرَبَ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ بِالسَّيْفِ فَاتَّقَاهَا بِالسَّاعِدِ فَأَطَنَّهَا (2)مِنْ لَدُنِ اَلْمِرْفَقِ، فَصَاحَ صَيْحَةً سَمِعَهَا أَهْلُ اَلْعَسْكَرِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ. وَحَمَلَتْ خَيْلُ اَلْكُوفَةِ لِتَسْتَنْقِذَهُ فَتَوَطَّأَتْهُ بِأَرْجُلِهَا حَتَّى مَاتَ.
وَاِنْجَلَتِ اَلْغَبَرَةُ فَرَأَيْتُ اَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ قَائِماً عَلَى رَأْسِ اَلْغُلاَمِ وَهُوَيَفْحَصُ بِرِجْلِهِ وَاَلْحُسَيْنُ يَقُولُ: «بُعْداً لِقَوْمٍ قَتَلُوكَ وَمَنْ خَصْمُهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِيكَ جَدُّكَ» ثُمَّ قَالَ: «عَزَّ- وَاَللَّهِ - عَلَى عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوَهُ فَلاَ يُجِيبُكَ، أَوْ يُجِيبُكَ فَلاَ يَنْفَعُكَ، صَوْتٌ - وَاَللَّهِ - كَثُرَ وَاتِرُوهُ وَقَلَّ نَاصِرُوهُ» ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رِجْلَيِ اَلْغُلاَمِ تَخُطَّانِ اَلْأَرْضَ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَلْقَاهُ مَعَ اِبْنِهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ وَاَلْقَتْلَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ لِي: هُوَاَلْقَاسِمُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهم السّلام .
ثُمَّ جَلَسَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ أَمَامَ اَلْفُسْطَاطِ فَأُتِيَ بِابْنِهِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ وَهُوَطِفْلٌ فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ بِسَهْمٍ فَذَبَحَهُ، فَتَلَقَّى اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ دَمَهُ، فَلَمَّا مَلَأَ كَفَّهُ صَبَّهُ فِي اَلْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: «رَبِّ إِنْ تَكُنْ حَبَسْتَ عَنَّا اَلنَّصْرَ مِنَ اَلسَّمَاءِ» فَاجْعَلْ ذَلِكَ، لِمَا هُوَخَيْرٌ وَاِنْتَقِمْ لَنَا مِنْ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ اَلظَّالِمِينَ» ثُمَّ حَمَلَهُ حَتَّى وَضَعَهُ مَعَ قَتْلَى أَهْلِهِ.
ص: 108
وَرَمَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عُقْبَةَ اَلْغَنَوِيُّ أَبَا بَكْرِ بْنَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ فَقَتَلَهُ.
فَلَمَّا رَأَى اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ كَثْرَةَ اَلْقَتْلَى فِي أَهْلِهِ قَالَ: لِإِخْوَتِهِ (1)مِنْ أُمِّهِ - وَهُمْ عَبْدُ اَللَّهِ وَجَعْفَرٌ وَعُثْمَانُ - يَا بَنِي أُمِّي، تَقَدَّمُوا حَتَّى أَرَاكُمْ قَدْ نَصَحْتُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ لاَ وُلْدَ لَكُمْ. فَتَقَدَّمَ عَبْدُ اَللَّهِ فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِيداً، فَاخْتَلَفَ هُوَوَهَانِئُ بْنُ ثُبَيْتٍ اَلْحَضْرَمِيُّ ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَهُ هَانِئٌ لَعَنَهُ اَللَّهُ. وَتَقَدَّمَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اَللَّهِ فَقَتَلَهُ أَيْضاً هَانِئٌ. وَتَعَمَّدَ خَوَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ اَلْأَصْبَحِيُّ عُثْمَانَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَامَ مَقَامَ إِخْوَتِهِ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَصَرَعَهُ، وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي دَارِمٍ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ.
وَحَمَلَتِ اَلْجَمَاعَةُ عَلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَغَلَبُوهُ عَلَى عَسْكَرِهِ، وَاِشْتَدَّ بِهِ اَلْعَطَشُ، فَرَكِبَ اَلْمُسَنَّاةَ (2)يُرِيدُ اَلْفُرَاتَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ اَلْعَبَّاسُ أَخُوهُ، فَاعْتَرَضَتْهُ خَيْلُ اِبْنِ سَعْدٍ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي دَارِمٍ فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمْ حُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْفُرَاتِ وَلاَ تُمَكِّنُوهُ مِنَ اَلْمَاءِ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « اَللَّهُمَّ أَظْمِئْهُ » فَغَضِبَ اَلدَّارِمِيُّ وَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي حَنَكِهِ، فَانْتَزَعَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ اَلسَّهْمَ وَبَسَطَ يَدَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَامْتَلَأَتْ رَاحَتَاهُ بِالدَّمِ، فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُوإِلَيْكَ مَا يُفْعَلُ بِابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ» ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ وَقَدِ اِشْتَدَّ بِهِ اَلْعَطَشُ، وَأَحَاطَ اَلْقَوْمُ بِالْعَبَّاسِ فَاقْتَطَعُوهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَحْدَهُ حَتَّى قُتِلَ
ص: 109
- رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِ - وَكَانَ اَلْمُتَوَلِّي لِقَتْلِهِ زَيْدَ بْنَ وَرْقَاءَ اَلْحَنَفِيَّ وَحَكِيمَ بْنَ اَلطُّفَيْلِ اَلسِّنْبِسِيَّ بَعْدَ أَنْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَرَاكاً.
وَلَمَّا رَجَعَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ مِنَ اَلْمُسَنَّاةِ إِلَى فُسْطَاطِهِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَحَاطَ بِهِ، فَأَسْرَعَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ اَلنَّسْرِ اَلْكِنْدِيُّ، فَشَتَمَ اَلْحُسَيْنَ وَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ فَقَطَعَهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَى رَأْسِهِ فَأَدْمَاه ُ ، فَامْتَلَأَتِ اَلْقَلَنْسُوَةُ دَماً، فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ : « لاَ أَكَلْتَ بِيَمِينِكَ وَلاَ شَرِبْتَ بِهَا، وَحَشَرَكَ اَللَّهُ مَعَ اَلظَّالِمِينَ» ثُمَّ أَلْقَى اَلْقَلَنْسُوَةَ وَدَعَا بِخِرْقَةٍ فَشَدَّ بِهَا رَأْسَهُ وَاِسْتَدْعَى قَلَنْسُوَةً أُخْرَى فَلَبِسَهَا وَاِعْتَمَّ عَلَيْهَا، وَرَجَعَ عَنْهُ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ، فَمَكَثَ هُنَيْهَةً ثُمَّ عَادَ وَعَادُوا إِلَيْهِ وَأَحَاطُوا بِهِ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام - وَهُوَغُلاَمٌ لَمْ يُرَاهِقْ - مِنْ عِنْدِ اَلنِّسَاءِ يَشْتَدُّ حَتَّى وَقَفَ إِلَى جَنْبِ اَلْحُسَيْنِ فَلَحِقَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ علیهما السّلام لِتَحْبِسَهُ ، فَقَالَ لَهَا اَلْحُسَيْنُ: «اِحْبِسِيهِ يَا أُخْتِي فَأَبَى وَاِمْتَنَعَ عَلَيْهَا اِمْتِنَاعاً شَدِيداً وَقَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أُفَارِقُ عَمِّي. وَأَهْوَى أَبْجَرُ بْنُ كَعْبٍ إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ: اَلْغُلاَمُ:وَيْلَكَ يَا اِبْنَ اَلْخَبِيثَةِ أَ تَقْتُلُ عَمِّي؟! فَضَرَبَهُ أَبْجَرُ بِالسَّيْفِ، فَاتَّقَاهَا اَلْغُلاَمُ بِيَدِهِ فَأَطَنَّهَا إِلَى اَلْجِلْدَةِ فَإِذَا يَدُهُ مُعَلَّقَةٌ، وَنَادَى اَلْغُلاَمُ: يَا أُمَّتَاهْ! فَأَخَذَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: «يَا اِبْنَ أَخِي، اِصْبِرْ عَلَى مَا نَزَلَ بِكَ، وَاِحْتَسِبْ فِي ذَلِكَ اَلْخَيْرَ، فَإِنَّ اَللَّهَ يُلْحِقُكَ بِآبَائِكَ اَلصَّالِحِينَ». ثُمَّ رَفَعَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ يَدَهُ وَقَالَ: «اَللَّهُمَّ إِنْ مَتَّعْتَهُمْ إِلَى
ص: 110
حِينٍ فَفَرِّقْهُمْ فِرَقاً، وَاِجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَداً، وَلاَ تُرْضِ اَلْوُلاَةَ عَنْهُمْ أَبَداً فَإِنَّهُمْ دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَّا، ثُمَّ عَدَوْا عَلَيْنَا فَقَتَلُونَا».
وَحَمَلَتِ اَلرَّجَّالَةُ يَمِيناً وَشِمَالاً عَلَى مَنْ كَانَ بَقِيَ مَعَ اَلْحُسَيْنِ فَقَتَلُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلاَّ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اَلْحُسَيْنُ دَعَا بِسَرَاوِيلَ يَمَانِيَّةٍ يَلْمَعُ فِيهَا اَلْبَصَرُ فَفَزَرَهَا (1)ثُمَّ لَبِسَهَا، وَإِنَّمَا فَزَرَهَا لِكَيْلاَ يُسْلَبَهَا بَعْدَ قَتْلِهِ.
فَلَمَّا قُتِلَ عَمَدَ أَبْجَرُ بْنُ كَعْبٍ إِلَيْهِ فَسَلَبَهُ اَلسَّرَاوِيلَ وَتَرَكَهُ مُجَرَّداً، فَكَانَتْ يَدَا أَبْجَرِ بْنِ كَعْبٍ بَعْدَ ذَلِكَ، تَيْبِسَانِ فِي اَلصَّيْفِ حَتَّى كَأَنَّهُمَا عُودَانِ، وَتَتَرَطَّبَانِ فِي اَلشِّتَاءِ فَتَنْضَحَانِ دَماً وَقَيْحاً إِلَى أَنْ أَهْلَكَهُ اَللَّهُ.
فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ مَعَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ أَحَدٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِنْ أَهْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى اَلْقَوْمِ يَدْفَعُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَاَلثَّلاَثَةُ يَحْمُونَهُ، حَتَّى قُتِلَ اَلثَّلاَثَةُ وَبَقِيَ وَحْدَهُ وَقَدْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، فَجَعَلَ يُضَارِبُهُمْ بِسَيْفِهِ وَهُمْ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ يَمِيناً وَشِمَالاً.
فَقَالَ: حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَكْثُوراً (2)قَطُّ قَدْ قُتِلَ وُلْدُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَصْحَابُهُ أَرْبَطَ جَأْشاً وَلاَ أَمْضَى جَنَاناً مِنْهُ علیهِ السّلامُ، إِنْ كَانَتِ اَلرَّجَّالَةُ لَتَشُدُّ عَلَيْهِ فَيَشُدُّ عَلَيْهَا بِسَيْفِهِ، فَتَنْكَشِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ اِنْكِشَافَ اَلْمِعْزَى إِذَا شَدَّ فِيهَا اَلذِّئْبُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ اِسْتَدْعَى اَلْفُرْسَانَ فَصَارُوا فِي ظُهُورِ اَلرَّجَّالَةِ، وَأَمَرَ اَلرُّمَاةَ أَنْ يَرْمُوهُ، فَرَشَقُوهُ بِالسِّهَامِ حَتَّى صَارَ
ص: 111
كَالْقُنْفُذِ فَأَحْجَمَ عَنْهُمْ، فَوَقَفُوا بِإِزَائِهِ، وَخَرَجَتْ أُخْتُهُ زَيْنَبُ إِلَى بَابِ اَلْفُسْطَاطِ فَنَادَتْ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ! أَ يُقْتَلُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهَا عُمَرُ بِشَيْءٍ ، فَنَادَتْ: وَيْحَكُمْ أَ مَا فِيكُمْ مُسْلِمٌ؟! فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ؛ وَنَادَى شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ اَلْفُرْسَانَ وَاَلرَّجَّالَةَ (1)فَقَالَ: وَيْحَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِالرَّجُلِ ؟ ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ! فَحُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَضَرَبَهُ زُرْعَةُ بْنُ شَرِيكٍ عَلَى كَفِّهِ (2)اَلْيُسْرَى فَقَطَعَهَا، وَضَرَبَهُ آخَرُ مِنْهُمْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَبَا مِنْهَا لِوَجْهِهِ ، وَطَعَنَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ بِالرُّمْحِ فَصَرَعَهُ، وَبَدَرَ إِلَيْهِ خَوَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ اَلْأَصْبَحِيُّ لَعَنَهُ اَللَّهُ فَنَزَلَ لِيَحْتَزَّ (3)رَأْسَهُ فَأُرْعِدَ فَقَالَ لَهُ شِمْرٌ: فَتَّ اَللَّهُ فِي عَضُدِكَ، مَا لَكَ تُرْعَدُ.
وَنَزَلَ شِمْرٌ إِلَيْهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ دَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى خَوَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ فَقَالَ: اِحْمِلْهُ إِلَى اَلْأَمِيرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى سَلْبِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَأَخَذَ قَمِيصَهُ إِسْحَاقُ بْنُ حَيْوَةَ اَلْحَضْرَمِيُّ ، وَأَخَذَ سَرَاوِيلَهُ أَبْجَرُ بْنُ كَعْبٍ، وَأَخَذَ عِمَامَتَهُ أَخْنَسُ بْنُ مَرْثَدٍ (4)وَأَخَذَ سَيْفَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي دَارِمٍ وَاِنْتَهَبُوا رَحْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَثْقَالَهُ وَسَلَبُوا نِسَاءَهُ.
قَالَ: حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَوَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَرَى اَلْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَبَنَاتِهِ وَأَهْلِهِ تُنَازَعُ ثَوْبَهَا عَنْ ظَهْرِهَا حَتَّى تُغْلَبَ عَلَيْهِ فَيُذْهَبَ بِهِ مِنْهَا ثُمَّ اِنْتَهَيْنَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَهُوَمُنْبَسِطٌ عَلَى فِرَاشٍ وَهُوَ
ص: 112
شَدِيدُ اَلْمَرَضِ، وَمَعَ شِمْرٍ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلرَّجَّالَةِ فَقَالُوا لَهُ: أَ لاَ نَقْتُلُ هَذَا اَلْعَلِيلَ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اَللَّهِ أَ يُقْتَلُ اَلصِّبْيَانُ إِنَّمَا هُوَصَبِيٌّ وَإِنَّهُ لِمَا بِهِ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى رَدَدْتُهُمْ (1)عَنْهُ.
وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَصَاحَ اَلنِّسَاءُ فِي وَجْهِهِ وَبَكَيْنَفَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لاَ يَدْخُلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ بُيُوتَ هَؤُلاَءِ اَلنِّسْوَةِ، وَلاَ تَعَرَّضُوا لِهَذَا اَلْغُلاَمِ اَلْمَرِيضِ، وَسَأَلَتْهُ اَلنِّسْوَةُ لِيَسْتَرْجِعَ مَا أُخِذَ مِنْهُنَّ لِيَتَسَتَّرْنَ بِهِ فَقَالَ: مَنْ أَخَذَ مِنْ مَتَاعِهِنَّ شَيْئاً، فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِنَّ فَوَاَللَّهِ مَا رَدَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئاً فَوَكَّلَ بِالْفُسْطَاطِ وَبُيُوتِ اَلنِّسَاءِ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ جَمَاعَةً مِمَّنْ كَانُوا (2)مَعَهُ وَقَالَ: اِحْفَظُوهُمْ لِئَلاَّ يَخْرُجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلاَ تُسِيئُنَّ إِلَيْهِمْ.
ثُمَّ عَادَ إِلَى مِضْرَبِهِ وَنَادَى فِي أَصْحَابِهِ: مَنْ يَنْتَدِبُ لِلْحُسَيْنِ فَيُوطِئُهُ فَرَسَهُ؟ فَانْتَدَبَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ: إِسْحَاقُ بْنُ حَيْوَةَ، وَأَخْنَسُ بْنُ مَرْثَدٍ (3)فَدَاسُوا اَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ بِخُيُولِهِمْ حَتَّى رَضُّوا ظَهْرَهُ .
وَسَرَّحَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ - وَهُوَيَوْمُ عَاشُورَاءَ - بِرَأْسِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ مَعَ خَوَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ اَلْأَصْبَحِيِّ وَحُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلْأَزْدِيِّ إِلَى عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ: وَأَمَرَ بِرُءُوسِ اَلْبَاقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَنُظِّفَتْ، وَكَانَتِ اِثْنَيْنِ (4)وَسَبْعِينَ رَأْساً وَسَرَّحَ بِهَا مَعَ شِمْرِ بْنِ ذِي اَلْجَوْشَنِ وَقَيْسِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ وَعَمْرِوبْنِ اَلْحَجَّاجِ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى قَدِمُوا بِهَا عَلَى
ص: 113
اِبْنِ زِيَادٍ .
وَأَقَامَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَاَلْيَوْمَ اَلثَّانِيَ إِلَى زَوَالِ اَلشَّمْسِ، ثُمَّ نَادَى:فِي اَلنَّاسِ بِالرَّحِيلِ وَتَوَجَّهَ إِلَى اَلْكُوفَةِ وَمَعَهُ بَنَاتُ اَلْحُسَيْنِ وَأَخَوَاتُهُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ اَلنِّسَاءِ وَاَلصِّبْيَانِ، وَعَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ فِيهِمْ وَهُوَمَرِيضٌ بِالذِّرْب ِ (1)وَقَدْ أَشْفَى. (2)
وَلَمَّا رَحَلَ اِبْنُ سَعْدٍ خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَانُوا نُزُولاً بِالْغَاضِرِيَّةِ إِلَى اَلْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ فَصَلَّوْا عَلَيْهِمْ، وَدَفَنُوا اَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ حَيْثُ قَبْرُهُ اَلْآنَ، وَدَفَنُوا اِبْنَهُ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْغَرَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَحَفَرُوا لِلشُّهَدَاءِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ اَلَّذِينَ صُرِعُوا حَوْلَهُ مِمَّا يَلِي رِجْلَيِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَجَمَعُوهُمْ فَدَفَنُوهُمْ جَمِيعاً مَعاً، وَدَفَنُوا اَلْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍّ ع فِي مَوْضِعِهِ اَلَّذِي قُتِلَ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ اَلْغَاضِرِيَّةِ حَيْثُ قَبْرُهُ اَلْآنَ.
وَلَمَّا وَصَلَ رَأْسُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَوَصَلَ اِبْنُ سَعْدٍ - لَعَنَهُ اَللَّهُ - مِنْ غَدِ يَوْمِ وُصُولِهِ وَمَعَهُ بَنَاتُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَأَهْلُهُ، جَلَسَ اِبْنُ زِيَادٍ لِلنَّاسِ فِي قَصْرِ اَلْإِمَارَةِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ إِذْناً عَامّاً، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ اَلرَّأْسِ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ وَفِي يَدِهِ قَضِيبٌ يَضْرِبُ بِهِ ثَنَايَاهُ، وَكَانَ إِلَى جَانِبِهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ صَاحِبُ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ) - وَهُوَشَيْخٌ كَبِيرٌ - فَلَمَّا رَآهُ يَضْرِبُ بِالْقَضِيبِ ثَنَايَاهُ قَالَ لَهُ: اِرْفَعْ قَضِيبَكَ عَنْ هَاتَيْنِ اَلشَّفَتَيْنِ، فَوَاَللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ رَأَيْتُ شَفَتَيْ رَسُولِ اَللَّهِ(صلی الله علیهما)عَلَيْهِمَا مَا لاَ أُحْصِيهِ
ص: 114
كَثْرَةً تُقَبِّلُهُمَا، ثُمَّ اِنْتَحَبَ بَاكِياً فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: أَبْكَى اَللَّهُ عَيْنَيْكَ، أَ تَبْكِي لِفَتْحِ اَللَّهِ؟ وَاَللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ وَذَهَبَ عَقْلُكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، فَنَهَضَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
وَأُدْخِلَ عِيَالُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ عَلَى اِبْنِ زِيَادٍ، فَدَخَلَتْ زَيْنَبُ أُخْتُ اَلْحُسَيْنِ فِي جُمْلَتِهِمْ مُتَنَكِّرَةً وَعَلَيْهَا أَرْذَلُ ثِيَابِهَا، فَمَضَتْ حَتَّى جَلَسَتْ نَاحِيَةً مِنَ اَلْقَصْرِ وَحَفَّتْ بِهَا إِمَاؤُهَا فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: مَنْ هَذِهِ اَلَّتِي اِنْحَازَتْ نَاحِيَةً وَمَعَهَا نِسَاؤُهَا؟ فَلَمْ تُجِبْهُ زَيْنَبُ، فَأَعَادَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً يَسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ إِمَائِهَا: هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ؛ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا اِبْنُ زِيَادٍ وَقَالَ لَهَا: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي فَضَحَكُمْ وَقَتَلَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ.
فَقَالَتْ زَيْنَبُ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَطَهَّرَنَا مِنَ اَلرِّجْسِ تَطْهِيراً، وَإِنَّمَا يَفْتَضِحُ اَلْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ اَلْفَاجِرُ وَهُوَغَيْرُنَا وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ.
فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ فِعْلَ اَللَّهِ بِأَهْلِ بَيْتِكِ؟
قَالَتْ كَتَبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ اَللَّهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّونَ إِلَيْهِ وَتَخْتَصِمُونَ عِنْدَهُ.
فَغَضِبَ اِبْنُ زِيَادٍ وَاِسْتَشَاطَ، فَقَالَ عَمْرُوبْنُ حُرَيْثٍ: أَيُّهَا اَلْأَمِيرُ، إِنَّهَا اِمْرَأَةٌ وَاَلْمَرْأَةُ لاَ تُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ مَنْطِقِهَا، وَلاَ تُذَمُّ عَلَى خِطَابِهَا. فَقَالَ لَهَا اِبْنُ زِيَادٍ: لَقَدْ (1)شَفَى اَللَّهُ نَفْسِي مِنْ طَاغِيَتِكِ وَاَلْعُصَاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ.
ص: 115
فَزَقَتْ (1) زَيْنَبُ ع وَبَكَتْ وَقَالَتْ لَهُ: لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي، وَأَبَدْتَ (2)أَهْلِي، وَقَطَعْتَ فَرْعِي وَاِجْتَثَثْتَ أَصْلِي، فَإِنْ يَشْفِكَ هَذَا فَقَدِ اِشْتَفَيْتَ.
فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: هَذِهِ سَجَّاعَةٌ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُوهَا سَجَّاعاً شَاعِراً.
فَقَالَتْ: مَا لِلْمَرْأَةِ وَاَلسَّجَاعَةَ؟ إِنَّ لِي عَنِ اَلسَّجَاعَةِ لَشُغُلاً، وَلَكِنَّ صَدْرِي نَفَثَ بِمَا قُلْتُ. وَعُرِضَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: «أَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ» .
فَقَالَ: أَ لَيْسَ قَدْ قَتَلَ اَللَّهُ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ؟ .
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ علیهِ السّلامُ: «قَدْ كَانَ لِي أَخٌ يُسَمَّى عَلِيّاً قَتَلَهُ اَلنَّاسُ».
فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ: بَلِ اَللَّهُ قَتَلَهُ.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ: «اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا) (3) .
فَغَضِبَ اِبْنُ زِيَادٍ وَقَالَ: وَبِكَ جُرْأَةٌ لِجَوَابِي وَفِيكَ بَقِيَّةٌ لِلرَّدِّ عَلَيَّ؟! اِذْهَبُوا بِهِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ زَيْنَبُ عَمَّتُهُ وَقَالَتْ: يَا اِبْنَ زِيَادٍ، حَسْبُكَ مِنْ دِمَائِنَا؛ وَاِعْتَنَقَتْهُ وَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لاَ أُفَارِقُهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ
ص: 116
فَاقْتُلْنِي مَعَهُ؛ فَنَظَرَ اِبْنُ زِيَادٍ إِلَيْهَا وَإِلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: عَجَباً لِلرَّحِمِ وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهَا وَدَّتْ أَنِّي قَتَلْتُهَا مَعَهُ؛ دَعُوهُ فَإِنِّي أَرَاهُ لِمَا بِهِ.
ثُمَّ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ اَلْقَصْرِ، وَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَقَالَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَظْهَرَ اَلْحَقَّ وَأَهْلَهُ، وَنَصَرَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ وَحِزْبَهُ، وَقَتَلَ اَلْكَذَّابَ اِبْنَ اَلْكَذَّابِ وَشِيعَتَهُ . فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَفِيفٍ اَلْأَزْدِيُّ - وَكَانَ مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ) - فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اَللَّهِ، إِنَّ اَلْكَذَّابَ أَنْتَ وَأَبُوكَ، وَاَلَّذِي وَلاَّكَ وَأَبُوهُ، يَا اِبْنَ مَرْجَانَةَ، تَقْتُلُ أَوْلاَدَ اَلنَّبِيِّينَ وَتَقُومُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ مَقَامَ اَلصِّدِّيقِينَ؟!
فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ: عَلَيَّ بِهِ؛ فَأَخَذَتْهُ اَلْجَلاَوِزَةُ، فَنَادَى بِشِعَارِ اَلْأَزْدِ، فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ فَانْتَزَعُوهُ مِنَ اَلْجَلاَوِزَةِ ، فَلَمَّا كَانَ اَللَّيْلُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْنُ زِيَادٍ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْتِهِ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَصَلَبَهُ فِي اَلسَّبَخَةِ رَحِمَهُ اَللَّهُ.
وَلَمَّا أَصْبَحَ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بَعَثَ بِرَأْسِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَدِيرَ بِهِ فِي سِكَكِ اَلْكُوفَةِ كُلِّهَا وَقَبَائِلِهَا.
فَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: مُرَّ بِهِ عَلَيَّ وَهُوَعَلَى رُمْحٍ وَأَنَا فِي غُرْفَةٍ، فَلَمَّا حَاذَانِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحٰابَ اَلْكَهْفِ وَاَلرَّقِيمِ كٰانُوا مِنْ آيٰاتِنٰا عَجَباً ) (1) فَقَفَّ (2) - وَاَللَّهِ - شَعْرِي وَنَادَيْتُ رَأْسُكَ وَاَللَّهِ - يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ - أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ (3).
ص: 117
وَلَمَّا فَرَغَ اَلْقَوْمُ مِنَ اَلتِّطْوَافِ بِهِ بِالْكُوفَةِ، رَدُّوهُ إِلَى بَابِ اَلْقَصْرِ، فَدَفَعَهُ اِبْنُ زِيَادٍ إِلَى زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ وَدَفَعَ إِلَيْهِ رُءُوسَ أَصْحَابِهِ، وَسَرَّحَهُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اَللَّهِ وَلَعْنَةُ اَللاَّعِنِينَ فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ، وَأَنْفَذَ مَعَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ عَوْفٍ اَلْأَزْدِيَّ وَطَارِقَ بْنَ أَبِي ظَبْيَانَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ، حَتَّى وَرَدُوا بِهَا عَلَى يَزِيدَ بِدِمَشْقَ .
فَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ اَلْحِمْيَرِيُّ فَقَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِدِمَشْقَ، إِذْ أَقْبَلَ زَحْرُ بْنُ قَيْسٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: وَيْلَكَ مَا وَرَاءَكَ وَمَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ بِفَتْحِ اَللَّهِ وَنَصْرِهِ، وَرَدَ عَلَيْنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَسِتِّينَ مِنْ شِيعَتِهِ، فَسِرْنَا إِلَيْهِمْ فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا أَوْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اَلْأَمِيرِ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادٍ: أَوِ اَلْقِتَالِ، فَاخْتَارُوا اَلْقِتَالَ عَلَى اَلاِسْتِسْلاَمِ، فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ مَعَ شَرُوقِ اَلشَّمْسِ، فَأَحَطْنَا بِهِمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ اَلسُّيُوفُ مَأْخَذَهَا مِنْ هَامِ اَلْقَوْمِ، جَعَلُوا يَهْرُبُونَ إِلَى غَيْرِ وَزَرٍ، وَيَلُوذُونَ مِنَّا بِالْآكَامِ وَاَلْحُفَرِ (1)لِوَاذاً كَمَا لاَذَ اَلْحَمَائِمُ مِنْ صَقْرٍ، فَوَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ مَا كَانُوا إِلاَّ جَزْرَ جَزُورٍ أَوْ نَوْمَةَ قَائِلٍ، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى آخِرِهِمْ، فَهَاتِيكَ أَجْسَادُهُمْ مُجَرَّدَةً، وَثِيَابُهُمْ مُرَمَّلَةً، وَخُدُودُهُمْ مُعَفَّرَةً، تَصْهَرُهُمُ اَلشَّمْسُ (2)وَتَسْفِي عَلَيْهِمُ اَلرِّيَاحُ، زُوَّارُهُمُ اَلْعِقْبَانُ وَاَلرَّخَمُ. فَأَطْرَقَ يَزِيدُ هُنَيْهَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَتِكُمْ (3)بِدُونِ
ص: 118
قَتْلِ اَلْحُسَيْنِ أَمَا لَوْ أَنِّي صَاحِبُهُ لَعَفَوْتُ عَنْهُ (1) .
ثُمَّ إِنَّ عُبَيْدَ اَللَّهِ بْنَ زِيَادٍ بَعْدَ إِنْفَاذِهِ بِرَأْسِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ أَمَرَ بِنِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِ فَجُهِّزُوا ، وَأَمَرَ بِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ فَغُلَّ بِغُلٍّ إِلَى عُنُقِهِ، ثُمَّ سَرَّحَ بِهِمْ فِي أَثَرِ اَلرَّأْسِ مَعَ مُجْفِرِ بْنِ ثَعْلَبَة َ اَلْعَائِذِيِّ وَشِمْرِ بْنِ ذِي اَلْجَوْشَنِ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى لَحِقُوا بِالْقَوْمِ اَلَّذِينَ مَعَهُمُ اَلرَّأْسُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ يُكَلِّمُ أَحَداً مِنَ اَلْقَوْمِ فِي اَلطَّرِيقِ كَلِمَةً حَتَّى بَلَغُوا فَلَمَّا اِنْتَهَوْا إِلَى بَابِ يَزِيدَ رَفَعَ مُجْفِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ صَوْتَهُ فَقَالَ: هَذَا مُجْفِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَتَى أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ بِاللِّئَامِ اَلْفَجَرَةِ ، فَأَجَابَهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ «مَا وَلَدَتْ أُمُّ مُجْفِرٍ أَشَرُّ وَأَلْأَمُ» (2)
قَالَ: وَلَمَّا وُضِعَتِ اَلرُّءُوسُ بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ وَفِيهَا رَأْسُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ قَالَ يَزِيدُ:
نُفَلِّقُ هَاماً مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ *** عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا (3).
فَقَالَ: يَحْيَى بْنُ اَلْحَكَمِ - أَخُومَرْوَانَ بْنِ اَلْحَكَمِ - وَكَانَ جَالِساً مَعَ يَزِيدَ:
ص: 119
لَهَامٌ بِأَدْنَى اَلطَّفِّ أَدْنَى قَرَابَةً *** مِنِ اِبْنِ زِيَادِ اَلْعَبْدِ ذِي اَلْحَسَبِ اَلرَّذْلِ (1)
أُمَيَّةُ (2) أَمْسَى نَسْلُهَا عَدَدَ اَلْحَصَى *** وَبِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ لَيْسَ لَهَا نَسْلُ.(3)
فَضَرَبَ يَزِيدُ فِي صَدْرِ يَحْيَى بْنِ اَلْحَكَمِ وَقَالَ: اُسْكُتْ؛ ثُمَّ قَالَ: لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ: يَا اِبْنَ حُسَيْنِ، أَبُوكَ قَطَعَ رَحِمِي وَجَهِلَ حَقِّي وَنَازَعَنِي سُلْطَانِي فَصَنَعَ اَللَّهُ بِهِ مَا قَدْ رَأَيْتَ.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ: (مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي اَلْأَرْضِ وَلاٰ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهٰا إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى اَللّٰهِ يَسِيرٌ) (4) .
فَقَالَ يَزِيدُ لاِبْنِهِ خَالِدٍ: اُرْدُدْ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَدْرِ خَالِدٌ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: قُلْ (مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (5) .
ثُمَّ دَعَا بِالنِّسَاءِ وَاَلصِّبْيَانِ فَأُجْلِسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَأَى هَيْئَةً قَبِيحَةً فَقَالَ: قَبَّحَ اَللَّهُ اِبْنَ مَرْجَانَةَ ،لَوْ كَانَتْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ قَرَابَةُ رَحِمٍ (6)مَا فَعَلَ هَذَا بِكُمْ، وَلاَ بَعَثَ بِكُمْ عَلَى هَذِهِ اَلصُّورَةِ (7).
ص: 120
قَالَتْ: فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَلَمَّا جَلَسْنَا بَيْنَ يَدَيِ يَزِيدَ رَقَّ لَنَا فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ أَحْمَرُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، هَبْ لِي هَذِهِ اَلْجَارِيَةَ - يَعْنِينِي - وَكُنْتُ جَارِيَةً وَضِيئَةً فَأُرْعِدْتُ وَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ، فَأَخَذْتُ بِثِيَابِ عَمَّتِي زَيْنَبَ، وَكَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ، لاَ يَكُونُ.
فَقَالَتْ: عَمَّتِي لِلشَّامِيِّ كَذَبْتَ وَاَللَّهِ وَلَؤُمْتَ، وَاَللَّهِ مَا ذَلِكَ، لَكَ وَلاَ لَهُ.
فَغَضِبَ يَزِيدُ وَقَالَ: كَذَبْتِ إِنَّ ذَلِكِ لِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَفْعَلَ لَفَعَلْتُ.
قَالَتْ: كَلاَّ وَاَللَّهِ مَا جَعَلَ اَللَّهُ لَكَ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا وَتَدِينَ بِغَيْرِهَا.
فَاسْتَطَارَ يَزِيدُ غَضَباً وَقَالَ: إِيَّايَ تَسْتَقْبِلِينَ بِهَذَا؟! إِنَّمَا خَرَجَ مِنَ اَلدِّينِ أَبُوكِ وَأَخُوكِ .
قَالَتْ زَيْنَبُ: بِدِينِ اَللَّهِ وَدِينِ أَبِي وَدِينِ أَخِي اِهْتَدَيْتَ أَنْتَ وَجَدُّكَ وَأَبُوكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِماً . قَالَ: كَذَبْتِ يَا عَدُوَّةَ اَللَّهِ.
قَالَتْ لَهُ: أَنْتَ أَمِيرٌ، تَشْتِمُ ظَالِماً وَتَقْهَرُ بِسُلْطَانِكَ؛ فَكَأَنَّهُ اِسْتَحْيَا وَسَكَتَ.
فَعَادَ اَلشَّامِيُّ فَقَالَ: هَبْ لِي هَذِهِ اَلْجَارِيَةَ.
فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: اُغْرُبْ وَهَبَ اَللَّهُ لَكَ حَتْفاً قَاضِياً.
ص: 121
ثُمَّ أَمَرَ بِالنِّسْوَةِ أَنْ يُنْزَلْنَ فِي دَارٍ عَلَى حِدَةٍ مَعَهُنَّ أَخُوهُنَّ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ، فَأُفْرِدَ لَهُمْ دَارٌ تَتَّصِلُ بِدَارِ يَزِيدَ، فَأَقَامُوا أَيَّاماً، ثُمَّ نَدَبَ يَزِيدُ اَلنُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ وَقَالَ لَهُ: تَجَهَّزْ لِتَخْرُجَ بِهَؤُلاَءِ اَلنِّسْوَانِ (1)إِلَى اَلْمَدِينَةِ. وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُجَهِّزَهُمْ، دَعَا عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام فَاسْتَخْلاَهُ (2)ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَعَنَ اَللَّهُ اِبْنَ مَرْجَانَةَ أَمَ وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي صَاحِبُ أَبِيكَ مَا سَأَلَنِي خَصْلَةً أَبَداً إِلاَّ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، وَلَدَفَعْتُ اَلْحَتْفَ عَنْهُ بِكُلِّ مَا اِسْتَطَعْتُ، وَلَكِنَّ اَللَّهَ قَضَى مَا رَأَيْتَ؛ كَاتِبْنِي مِنَ اَلْمَدِينَةِ وَأَنْهِ كُلَّ حَاجَةٍ تَكُونُ لَكَ.
وَتَقَدَّمَ بِكِسْوَتِهِ وَكِسْوَةِ أَهْلِهِ، وَأَنْفَذَ مَعَهُمْ فِي جُمْلَةِ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَسُولاً تَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ فِي اَللَّيْلِ، وَيَكُونُوا أَمَامَهُ حَيْثُ لاَ يَفُوتُونَ طَرْفَهُ (3)فَإِذَا نَزَلُوا تَنَحَّى عَنْهُمْ وَتَفَرَّقَ هُوَوَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُمْ كَهَيْئَةِ اَلْحَرَسِ لَهُمْ وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ حَيْثُ إِذَا أَرَادَ إِنْسَانٌ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ وُضُوءاً أَوْ قَضَاءَ حَاجَةٍ لَمْ يَحْتَشِمْ.
فَسَارَ مَعَهُمْ فِي جُمْلَةِ اَلنُّعْمَانِ، وَلَمْ يَزَلْ يُنَازِلُهُمْ فِي اَلطَّرِيقِ وَيَرْفُقُ بِهِمْ - كَمَا وَصَّاهُ يَزِيدُ - وَيَرْعُونَهُمْ حَتَّى دَخَلُوا اَلْمَدِينَةَ .
ص: 122
في وصول خبر استشهاد الإمام الحسين علیهِ السّلامُ إلى المدينة]
فصل
وَلَمَّا أَنْفَذَ اِبْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ إِلَى يَزِيدَ، تَقَدَّمَ إِلَى عَبْدِ اَلْمَلِكِ بْنِ أَبِي اَلْحَدِيثِ اَلسُّلَمِيِّ فَقَالَ: اِنْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ عَمْرَوبْنَ سَعِيدِ بْنِ اَلْعَاصِ بِالْمَدِينَةِ فَبَشِّرْهُ بِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ اَلْمَلِكِ: فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي وَسِرْتُ نَحْوَاَلْمَدِينَةِ فَلَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ (1)فَقَالَ: مَا اَلْخَبَرُ؟ فَقُلْتُ: اَلْخَبَرُ عِنْدَ اَلْأَمِيرِ تَسْمَعُهُ، فَقَالَ: إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، قُتِلَ - وَاَللَّهِ - اَلْحُسَيْنُ. وَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى عَمْرِوبْنِ سَعِيدٍ قَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقُلْتُ: مَا سَرَّ اَلْأَمِيرَ، قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ؛ فَقَالَ: اُخْرُجْ فَنَادِ بِقَتْلِهِ؛ فَنَادَيْتُ، فَلَمْ أَسْمَعْ وَاَللَّهِ وَاعِيَةً قَطُّ مِثْلَ وَاعِيَةِ بَنِي هَاشِمٍ فِي دُورِهِمْ عَلَى اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام حِينَ سَمِعُوا اَلنِّدَاءَ بِقَتْلِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَمْرِوبْنِ سَعِيدٍ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ إِلَيَّ ضَاحِكاً ثُمَّ أَنْشَأَ مُتَمَثِّلاً بِقَوْلِ عَمْرِوبْنِ مَعْدِي كَرِبَ:
عَجَّتْ نِسَاءُ بَنِي زِيَادٍ عَجَّةً *** كَعَجِيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ اَلْأَرْنَبِ .(2)
ثُمَّ قَالَ عَمْروٌ: هَذِهِ وَاعِيَةٌ بِوَاعِيَةِ عُثْمَانَ . ثُمَّ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَأَعْلَمَ اَلنَّاسَ قَتْلَ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَدَعَا لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَنَزَلَ.
ص: 123
وَدَخَلَ بَعْضُ مَوَالِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ فَنَعَى إِلَيْهِ اِبْنَيْهِ فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَ: أَبُواَلسَّلاَسِلِ مَوْلَى عَبْدِ اَللَّهِ: هَذَا مَا لَقِينَا مِنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ؛ فَخَذَفَهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنَعْلِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا اِبْنَ اَللَّخْنَاءِ، أَ لِلْحُسَيْنِ تَقُولُ هَذَا؟! وَاَللَّهِ لَوْ شَهِدْتُهُ لَأَحْبَبْتُ أَلاَّ أُفَارِقَهُ حَتَّى أُقْتَلَ مَعَهُ، وَاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِمَّا يُسَخِّي بِنَفْسِي عَنْهُمَا وَيُعَزِّينِي (1)عَنِ اَلْمُصَابِ بِهِمَا أَنَّهُمَا أُصِيبَا مَعَ أَخِي وَاِبْنِ عَمِّي مُوَاسِيَيْنِ لَهُ، صَابِرَيْنِ مَعَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، عَزَّ عَلَيَّ مَصْرَعُ (2)اَلْحُسَيْنِ، إِنْ لاَ أَكُنْ (3)آسَيْتُ حُسَيْناً بِيَدِي فَقَدْ آسَاهُ وَلَدَيَّ.
وَخَرَجَتْ أُمُّ لُقْمَانَ بِنْتُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ سَمِعَتْ نَعْيَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ حَاسِرَةً وَمَعَهَا أَخَوَاتُهَا أُمُّ هَانِئٍ، وَأَسْمَاءُ وَرَمْلَةُ، وَزَيْنَبُ، بَنَاتُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِنَّ تَبْكِي قَتْلاَهَا بِالطَّفِّ وَهِيَ تَقُولُ:
مَا ذَا تَقُولُونَ إِذْ (4)قَالَ: اَلنَّبِيُّ لَكُمْ *** مَا ذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ اَلْأُمَمِ
بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي *** مِنْهُمْ أُسَارَى وَمِنْهُمْ ضُرِّجُوا بِدَمِ
مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ *** أَنْ (5)تَخْلُفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي.
فَلَمَّا كَانَ اَللَّيْلُ مِنْ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ اَلَّذِي خَطَبَ فِيهِ عَمْرُوبْنُ سَعِيدٍ بِقَتْلِ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام بِالْمَدِينَةِ، سَمِعَ أَهْلُ اَلْمَدِينَةِ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ مُنَادِياً يُنَادِي، يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلاَ يَرَوْنَ شَخْصَهُ:
ص: 124
أَيُّهَا اَلْقَاتِلُونَ جَهْلاً حُسَيْناً *** أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ وَاَلتَّنْكِيلِ
(كُلُّ أَهْلِ) (1)اَلسَّمَاءِ يَدْعُوعَلَيْكُمْ *** مِنْ نَبِيٍّ وَمَلْأَكٍ وَقَبِيلِ (2)
قَدْ لُعِنْتُمْ عَلَى لِسَانِ اِبْنِ دَاوُدَ *** وَمُوسَى وَصَاحِبِ اَلْإِنْجِيلِ
.
فصل
أَسْمَاءُ مَنْ قُتِلَ مَعَ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ بِطَفِّ كَرْبَلاَءَ، وَهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْساً، اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام ثَامِنَ عَشَرَ مِنْهُمْ: اَلْعَبَّاسُ وَعَبْدُ اَللَّهِ وَجَعْفَرٌ وَعُثْمَانُ بَنُوأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ) أُمُّهُمْ أُمُّ اَلْبَنِينَ .
وَعَبْدُ اَللَّهِ (3)وَأَبُوبَكْرٍ اِبْنَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)أُمُّهُمَا لَيْلَى بِنْتُ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيَّةُ .
وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اَللَّهِ اِبْنَا اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام .
وَاَلْقَاسِمُ وَأَبُوبَكْرٍ وَعَبْدُ اَللَّهِ بَنُواَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهم السّلام .
وَمُحَمَّدٌ وَعَوْنٌ اِبْنَا عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَعَبْدُ اَللَّهِ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بَنُوعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .
ص: 125
وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
فَهَؤُلاَءِ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْساً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ - رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - إِخْوَةُ اَلْحُسَيْنِ وَبَنُوأَخِيهِ وَبَنُوعَمَّيْهِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مَدْفُونُونَ مِمَّا يَلِي رِجْلَيِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فِي مَشْهَدِهِ حُفِرَ لَهُمْ حَفِيرَةٌ وَأُلْقُوا فِيهَا جَمِيعاً وَسُوِّيَ عَلَيْهِمُ اَلتُّرَابُ، إِلاَّ اَلْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ دُفِنَ فِي مَوْضِعِ مَقْتَلِهِ عَلَى اَلْمُسَنَّاةِ بِطَرِيقِ اَلْغَاضِرِيَّةِ وَقَبْرُهُ ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ لِقُبُورِ إِخْوَتِهِ وَأَهْلِهِ اَلَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ أَثَرٌ، وَإِنَّمَا يَزُورُهُمُ اَلزَّائِرُ مِنْ عِنْدِ قَبْرِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَيُومِئُ إِلَى اَلْأَرْضِ اَلَّتِي نَحْوَرِجْلَيْهِ بِالسَّلاَمِ، وَعَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَقْرَبُهُمْ دَفْناً إِلَى اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ .
فَأَمَّا أَصْحَابُ اَلْحُسَيْنِ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمُ اَلَّذِينَ قُتِلُوا مَعَهُ، فَإِنَّهُمْ دُفِنُوا حَوْلَهُ وَلَسْنَا نُحَصِّلُ لَهُمْ أَجْدَاثاً عَلَى اَلتَّحْقِيقِ وَاَلتَّفْصِيلِ ، إِلاَّ أَنَّا لاَ نَشُكُّ أَنَّ اَلْحَائِرَ مُحِيطٌ بِهِمْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَأَسْكَنَهُمْ جَنَّاتِ اَلنَّعِيمِ .
ص: 126
باب طرف من فضائل الحسين علیهِ السّلامُ وفضل زيارته وذكر مصيبته
رَوَى سَعِيدُ بْنُ رَاشِدٍ (1)عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)يَقُولُ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ؛ أَحَبَّ اَللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً ؛حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ اَلْأَسْبَاطِ» (2).
وَرَوَى اِبْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ (3)رَفَعَهُ إِلَى اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: « إِنَّ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ شَنَفَا (4)اَلْعَرْشِ، وَإِنَّ اَلْجَنَّةَ قَالَتْ: يَا رَبِّ أَسْكَنْتَنِي اَلضُّعَفَاءَ وَاَلْمَسَاكِينَ، فَقَالَ اَللَّهُ لَهَا: أَ لاَ تَرْضَيْنَ أَنِّي زَيَّنْتُ أَرْكَانَكِ بِالْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ؛ قَالَ: فَمَاسَتْ (5)كَمَا تَمِيسُ اَلْعَرُوسُ
ص: 127
فَرَحاً (1).
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ اَلْقَدَّاحُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ ع قَالَ: «اِصْطَرَعَ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ علیهما السلام بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: إِيهاً (2)حَسَنُ، خُذْ حُسَيْناً، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ علیها السّلام: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَ تَسْتَنْهِضُ اَلْكَبِيرَ عَلَى اَلصَّغِيرِ؟! فَقَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ) : هَذَا جَبْرَئِيلُ علیهِ السّلامُ يَقُولُ لِلْحُسَيْنِ: إِيهاً يَا حُسَيْناً [حُسَيْنُ] (3)خُذِ اَلْحَسَنَ (4) .
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ اَلرَّافِعِيِّ (5)، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ يَمْشِيَانِ إِلَى اَلْحَجِّ، فَلَمْ يَمُرَّا بِرَاكِبٍ إِلاَّ نَزَلَ يَمْشِي، فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَقَالُوا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: قَدْ ثَقُلَ عَلَيْنَا اَلْمَشْيُ، وَلاَ نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَرْكَبَ وَهَذَانِ اَلسَّيِّدَانِ يَمْشِيَانِ؛ فَقَالَ: سَعْدٌ لِلْحَسَنِ علیهِ السّلامُ يَا بَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ اَلْمَشْيَ قَدْ ثَقُلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِمَّنْ مَعَكَ، وَاَلنَّاسُ إِذْ رَأَوْكُمَا تَمْشِيَانِ لَمْ تَطِبْ أَنْفُسُهُمْ
ص: 128
أَنْ يَرْكَبُوا، فَلَوْ رَكِبْتُمَا؛ فَقَالَ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ): « لاَ نَرْكَبُ، قَدْ جَعَلْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا اَلْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اَللَّهِ اَلْحَرَامِ عَلَى أَقْدَامِنَا، وَلَكِنَّنَا نَتَنَكَّبُ اَلطَّرِيقَ فَأَخَذَا جَانِباً مِنَ اَلنَّاسِ (1) .
وَرَوَى اَلْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ (2) عَنْ أُمِّ اَلْفَضْلِ بِنْتِ اَلْحَارِثِ: أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، رَأَيْتُ اَللَّيْلَةَ حُلْماً مُنْكَراً؛ قَالَ: «وَمَا هُوَ؟» قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ؛ قَالَ: مَا «هُوَ» قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حَجْرِي؛ فَقَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ): «خَيْراً رَأَيْتِ، تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلاَماً فَيَكُونُ فِي حَجْرِكِ» فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ اَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ فَقَالَتْ: وَكَانَ فِي حَجْرِي كَمَا قَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَدَخَلْتُ بِهِ يَوْماً عَلَى اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي اِلْتِفَاتَةٌ فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)تُهْرَاقَانِ بِالدُّمُوعِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا لَكَ؟ قَالَ: «أَتَانِي جَبْرَئِيلُ علیهِ السّلامُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ اِبْنِي هَذَا وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ» (3) .
ص: 129
وَرَوَى سِمَاكٌ، عَنِ اِبْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: : بَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ وَاَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ جَالِسٌ فِي حَجْرِهِ، إِذْ هَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، مَا لِي أَرَاكَ تَبْكِي، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟! فَقَالَ: «جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ علیهِ السّلامُ فَعَزَّانِي بِابْنِيَ اَلْحُسَيْنِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أُمَّتِي تَقْتُلُهُ، لاَ أَنَالَهُمُ اَللَّهُ شَفَاعَتِي (1) .
وَرُوِيَ: بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)مِنْ عِنْدِنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَغَابَ عَنَّا طَوِيلاً، ثُمَّ جَاءَنَا وَهُوَأَشْعَثُ أَغْبَرُ وَيَدُهُ مَضْمُومَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، مَا لِي أَرَاكَ شُعْثاً مُغْبَرّاً؟! فَقَالَ: «أُسْرِيَ بِي فِي هَذَا اَلْوَقْتِ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ اَلْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلاَءُ ، فَأُرِيتُ فِيهِ مَصْرَعَ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِي وَجَمَاعَةٍ مِنْ وُلْدِي وَأَهْلِ بَيْتِي، فَلَمْ أَزَلْ أَلْقِطُ دِمَاءَهُمْ فَهَا هِيَ فِي يَدِي» وَبَسَطَهَا إِلَيَّ فَقَالَ: «خُذِيهَا وَاِحْتَفِظِي بِهَا» فَأَخَذْتُهَا فَإِذَا هِيَ شِبْهُ تُرَابٍ أَحْمَرَ، فَوَضَعْتُهُ فِي قَارُورَةٍ وَسَدَدْتُ (2)رَأْسَهَا وَاِحْتَفَظْتُ بِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ منْ مَكَّةَ مُتَوَجِّهاً نَحْوَاَلْعِرَاقِ، كُنْتُ أُخْرِجُ تِلْكَ اَلْقَارُورَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَشَمُّهَا وَأَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ أَبْكِي لِمُصَابِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي اَلْيَوْمِ (3)
ص: 130
اَلْعَاشِرِ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ - وَهُوَاَلْيَوْمُ اَلَّذِي قُتِلَ فِيهِ علیهِ السّلامُ - أَخْرَجْتُهَا فِي أَوَّلِ اَلنَّهَارِ وَهِيَ بِحَالِهَا، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهَا آخِرَ اَلنَّهَارِ فَإِذَا هِيَ دَمٌ عَبِيطٌ فَصِحْتُ فِي بَيْتِي وَبَكَيْتُ وَكَظَمْتُ غَيْظِي مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَ أَعْدَاؤُهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَيُسْرِعُوا بِالشَّمَاتَةِ، فَلَمْ أَزَلْ حَافِظَةً لِلْوَقْتِ حَتَّى جَاءَ اَلنَّاعِي يَنْعَاهُ فَحَقَّقَ مَا رَأَيْتُ (1) .
وَرُوِيَ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً وَحَوْلَهُ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ بِكُمْ إِذَا كُنْتُمْ صَرْعَى وَقُبُورُكُمْ شَتَّى؟ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: أَ نَمُوتُ مَوْتاً أَوْ نُقْتَلُ؟ فَقَالَ: بَلْ تُقْتَلُ يَا بُنَيَّ ظُلْماً، وَيُقْتَلُ أَخُوكَ ظُلْماً وَتُشَرَّدُ ذَرَارِيُّكُمْ فِي اَلْأَرْضِ، فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: وَمَنْ يَقْتُلُنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ قَالَ: شِرَارُ اَلنَّاسِ، قَالَ: فَهَلْ يَزُورُنَا بَعْدَ قَتْلِنَا أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، ، طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُرِيدُونَ بِزِيَارَتِكُمْ بِرِّيِ وَصِلَتِي فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ جِئْتُهُمْ (2)إِلَى اَلْمَوْقِفِ حَتَّى آخُذَ (بِأَعْضَادِهِمْ فَأُخَلِّصَهُمْ) (3)مِنْ أَهْوَالِهِ وَشَدَائِدِهِ .
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ شَرِيكٍ اَلْعَامِرِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ إِذَا دَخَلَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ بَابِ اَلْمَسْجِدِ يَقُولُونَ: هَذَا
ص: 131
قَاتِلُ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَذَلِكَ، قَبْلَ قَتْلِهِ (1)بِزَمَانٍ (2) .
وَرَوَى سَالِمُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لِلْحُسَيْنِ علیهِ السّلامُ: يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ إِنَّ قِبَلَنَا نَاساً سُفَهَاءَ ،يَزْعُمُونَ أَنِّي أَقْتُلُكَ فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ: « إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِسُفَهَاءَ وَلَكِنَّهُمْ حُلَمَاءُ، أَمَا إِنَّهُ يُقِرُّ عَيْنِي أَلاَّ تَأْكُلَ بُرَّ اَلْعِرَاقِ بَعْدِي إِلاَّ قَلِيلاً »(3) .
وَرَوَى يُوسُفُ بْنُ عَبْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ لَمْ تُرَ هَذِهِ اَلْحُمْرَةُ فِي اَلسَّمَاءِ إِلاَّ بَعْدَ قَتْلِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ (4) .
وَرَوَى سَعْدٌ اَلْإِسْكَافُ قَالَ: قَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ «کَانَ قَاتِلُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَلَدَ زِنًا وَقَاتِلُ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَلَدَ زِنًا، وَلَمْ تَحْمَرَّ اَلسَّمَاءُ إِلاَّ لَهُمَا» (5).
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَمَا نَزَلَ مَنْزِلاً وَلاَ اِرْتَحَلَ مِنْهُ إِلاَّ ذَكَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَقَتْلَهُ، وَقَالَ: يَوْماً وَمِنْ هَوَانِ اَلدُّنْيَا عَلَى اَللَّهِ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ع أُهْدِيَ إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ» (6) .
ص: 132
وتظاهرت الأخبار بأنه لم ينج أحد من قاتلي الحسين علیهِ السّلامُ وأصحابه رضي الله عنهم من قتل أوبلاء افتضح به قبل موته .
فصل
وَمَضَى اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُ فِي يَوْمِ اَلسَّبْتِ اَلْعَاشِرِ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ بَعْدَ صَلاَةِ اَلظُّهْرِ مِنْهُ قَتِيلاً مَظْلُوماً ظَمْآنَ صَابِراً مُحْتَسِباً - عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ - وَسِنُّهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، أَقَامَ مِنْهَا مَعَ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)سَبْعَ سِنِينَ، وَمَعَ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَمَعَ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَشْرَ سِنِينَ وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ بَعْدَ أَخِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَسَنَةً، وَكَانَ ع يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَاَلْكَتَمِ (1)وَقُتِلَ ع وَقَدْ نَصَلَ اَلْخِضَابُ مِنْ عَارِضَيْهِ.
وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ زِيَارَتِهِ علیهِ السّلامُ بَلْ فِي وُجُوبِهَا .
فَرُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ: «زِيَارَةُ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُقِرُّ لِلْحُسَيْنِ بِالْإِمَامَةِ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (2).
ص: 133
وَقَالَ: علیهِ السّلامُ : «زِيَارَةُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ تَعْدِلُ مِائَةَ حِجَّةٍ مَبْرُورَةٍ وَمِائَةَ عُمْرَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ» (1).
وَقَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ): «مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ اَلْجَنَّةُ» (2).
وَاَلْأَخْبَارُ فِي هَذَا اَلْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا مِنْهَا جُمْلَةً كَافِيَةً فِي كِتَابِنَا اَلْمَعْرُوفِ بِمَنَاسِكِ اَلْمَزَارِ.
ص: 134
باب
ذكر ولد الحسين بن علي (علیهِ السّلامُ)
وَكَانَ لِلْحُسَيْنِ علیهِ السّلامُ سِتَّةُ أَوْلاَدٍ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَكْبَرُ ،كُنْيَتُهُ أَبُومُحَمَّدٍ، وَأُمُّهُ شَاهْ زَنَانُ بِنْتُ كِسْرَى يَزْدَجَرْدَ .
وَعَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْغَرُ، قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ بِالطَّفِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِيمَا سَلَفَ، وَأُمُّهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي مُرَّةَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيَّةُ .
وَجَعْفَرُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، لاَ بَقِيَّةَ لَهُ وَأُمُّهُ قُضَاعِيَّةٌ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي حَيَاةِ اَلْحُسَيْنِ .
وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ صَغِيراً، جَاءَهُ سَهْمٌ وَهُوَفِي حَجْرِ أَبِيهِ فَذَبَحَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِيمَا مَضَى.
وَسُكَيْنَةُ بِنْتُ اَلْحُسَيْنِ، وَأُمُّهَا اَلرَّبَابُ بِنْتُ إِمْرِئِ اَلْقَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، كَلْبِيَّةٌ، وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ .
وَفَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحُسَيْنِ وَأُمُّهَا أُمُّ إِسْحَاقَ بِنْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ، تَيْمِيَّةٌ .
ص: 135
ص: 136
بَابُ ذِكْرِ اَلْإِمَامِ بَعْدَ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام، وَتَارِيخِ مَوْلِدِهِ، وَدَلاَئِلِ إِمَامَتِهِ، وَمَبْلَغِ سِنِّهِ، وَمُدَّةِ خِلاَفَتِهِ، وَوَقْتِ وَفَاتِهِ وَسَبَبِهَا، وَمَوْضِعِ قَبْرِهِ، وَعَدَدِ أَوْلاَدِهِ، وَمُخْتَصَرٍ مِنْ أَخْبَارِهِ
وَاَلْإِمَامُ بَعْدَ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام اِبْنُهُ أَبُومُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ(صلوات الله علیهم )،كَانَ يُكَنَّى أَيْضاً أَبَا اَلْحَسَنِ، وَأُمُّهُ شَاهْ زَنَانُ بِنْتُ يَزْدَجَرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى، وَيُقَالُ: إِنَّ اِسْمَهَا (شَهْرَبَانُو) (1)وَكَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَلَّى حُرَيْثَ بْنَ جَابِرٍ اَلْحَنَفِيَّ جَانِباً مِنَ اَلْمَشْرِقِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنْتَيْ يَزْدَجَرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى، فَنَحَلَ اِبْنَهُ اَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ شَاه ْزَنَانَ مِنْهُمَا فَأَوْلَدَهَا زَيْنَ اَلْعَابِدِينَ ع وَنَحَلَ اَلْأُخْرَى مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَوَلَدَتْ لَهُ اَلْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَهُمَا اِبْنَا خَالَةٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ، بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ فَبَقِيَ مَعَ جَدِّهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)سَنَتَيْنِ، وَمَعَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) َشْرَ سِنِينَ، وَمَعَ أَبِيهِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَة،ً وَبَعْدَ أَبِيهِ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً. وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ لِلْهِجْرَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
ص: 137
وَكَانَتْ إِمَامَتُهُ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ مَعَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام . وَثَبَتَتْ لَهُ اَلْإِمَامَةُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ خَلْقِ اَللَّهِ بَعْدَ أَبِيهِ عِلْماً وَعَمَلاً، وَاَلْإِمَامَةُ لِلْأَفْضَلِ دُونَ اَلْمَفْضُولِ بِدَلاَئِلِ اَلْعُقُولِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِأَبِيهِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ وَأَحَقَّهُمْ بِمَقَامِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِالْفَضْلِ وَاَلنَّسَبِ، وَاَلْأَوْلَى بِالْإِمَامِ اَلْمَاضِي أَحَقُّ بِمَقَامِهِ مِنْ غَيْرِهِ، بِدَلاَلَةِ آيَةِ ذَوِي اَلْأَرْحَامِ وَقِصَّةِ زَكَرِيَّا علیهِ السّلامُ .
وَمِنْهَا وُجُوبُ اَلْإِمَامَةِ عَقْلاً فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَفَسَادُ دَعْوَى كُلِّ مُدَّعٍ لِلْإِمَامَةِ فِي أَيَّامِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ أَوْ مُدَّعًى لَهُ سِوَاهُ، فَثَبَتَتْ فِيهِ، لاِسْتِحَالَةِ خُلُوِّ اَلزَّمَانِ مِنْ إِمَامٍ.
وَمِنْهَا ثُبُوتُ اَلْإِمَامَةِ أَيْضاً فِي اَلْعِتْرَةِ خَاصَّةً، بِالنَّظَرِ وَاَلْخَبَرِ عَنِ اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)، وَفَسَادُ قَوْلِ مَنِ اِدَّعَاهَا لِمُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ - رَضِيَ اَللَّهُ - عَنْهُ بِتَعَرِّيهِ مِنَ اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِهَا، فَثَبَتَ أَنَّهَا فِي عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام ، إِذْ لاَ مُدَّعَى لَهُ اَلْإِمَامَةُ مِنَ اَلْعِتْرَةِ سِوَى مُحَمَّدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَخُرُوجُهُ عَنْهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْهَا: نَصُّ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)بِالْإِمَامَةِ عَلَيْهِ فِيمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ اَللَّوْحِ - اَلَّذِي رَوَاهُ جَابِرٌ - عَنِ اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرُ علیهم السلام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)(1)وَنَصُّ جَدِّهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ علیه
ص: 138
السّلام فِي حَيَاةِ أَبِيهِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ بِمَا تَضَمَّنَ (1) ذَلِكَ مِنَ اَلْأَخْبَارِ (2)وَوَصِيَّةُ أَبِيهِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ إِلَيْهِ وَإِيدَاعُهُ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا مَا قَبَضَهُ عَلِيٌّ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ كَانَ جَعَلَ اِلْتِمَاسَهُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَلاَمَةً عَلَى إِمَامَةِ اَلطَّالِبِ لَهُ مِنَ اَلْأَنَامِ (3)وَهَذَا بَابٌ يَعْرِفُهُ مَنْ تَصَفَّحَ اَلْأَخْبَارَ، وَلَمْ نَقْصِدْ فِي هَذَا اَلْكِتَابِ إِلَى اَلْقَوْلِ فِي مَعْنَاهُ فَنَسْتَقْصِيَهُ عَلَى اَلتَّمَامِ.
ص: 139
باب
ذكر طرف من الأخبار لعلي بن الحسين علیهما السّلام
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي (1)قَالَ: حَدَّثَنِي إِدْرِيسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى (2)بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ جَمِيعاً قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ تَأْمُرُنِي أَنْ أَجْلِسَ إِلَى خَالِي عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام ، فَمَا جَلَسْتُ إِلَيْهِ قَطُّ إِلاَّ قُمْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أَفَدْتُهُ إِمَّا خَشْيَةً لِلَّهِ تَحْدُثُ فِي قَلْبِي لِمَا أَرَى مِنْ خَشْيَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ عِلْمٍ قَدِ اِسْتَفَدْتُهُ مِنْهُ (3) .
ص: 140
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَلَوِيُّ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ اَلْبَزَّازِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ اِبْنِ شِهَابٍ اَلزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام وَكَانَ أَفْضَلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْنَاهُ - قَالَ: «أَحِبُّونَا حُبَّ اَلْإِسْلاَمِ فَمَا زَالَ حُبُّكُمْ لَنَا حَتَّى صَارَ شَيْناً عَلَيْنَا» (1).
"وَرَوَى أَبُومُعَمَّرٍ، عَنْ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيّاً أَفْضَلَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ اَلْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عُلْوَانَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ زِيَادِ بْنِ رُسْتَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ كُلْثُومٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع فَذَكَرَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ فَأَطْرَاهُ وَمَدَحَهُ بِمَا هُوَأَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «وَاَللَّهِ مَا أَكَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ مِنَ اَلدُّنْيَا حَرَاماً قَطُّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَمَا عُرِضَ لَهُ أَمْرَانِ قَطُّ هُمَا لِلَّهِ رِضًى إِلاَّ أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، وَمَا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)نَازِلَةٌ قَطُّ إِلاَّ دَعَاهُ فَقَدَّمَهُ ثِقَةً بِهِ، وَمَا أَطَاقَ عَمَلَ رَسُولِ اَللَّهِ مِنْ
ص: 141
هَذِهِ اَلْأُمَّةِ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ رَجُلٍ كَانَ وَجْهُهُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَاَلنَّارِ، يَرْجُوثَوَابَ هَذِهِ وَيَخَافُ عِقَابَ هَذِهِ، وَلَقَدْ أَعْتَقَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ مَمْلُوكٍ فِي طَلَبِ وَجْهِ اَللَّهِ وَاَلنَّجَاةِ مِنَ اَلنَّارِ مِمَّا كَدَّ بِيَدَيْهِ وَرَشَحَ مِنْهُ جَبِينُهُ، وَإِنْ كَانَ لَيَقُوتُ أَهْلَهُ بِالزَّيْتِ وَاَلْخَلِّ وَاَلْعَجْوَةِ، وَمَا كَانَ لِبَاسُهُ إِلاَّ اَلْكَرَابِيسَ، إِذَا فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ يَدِهِ مِنْ كُمِّهِ دَعَا بِالْجَلَمِ (1)فَقَصَّهُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ وُلْدِهِ وَلاَ أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ أَقْرَبُ شَبَهاً بِهِ فِي لِبَاسِهِ وَفِقْهِهِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام.
وَلَقَدْ دَخَلَ أَبُوجَعْفَرٍ - اِبْنُهُ - علیهما السّلام عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَقَدْ بَلَغَ مِنَ اَلْعِبَادَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ، فَرَآهُ قَدِ اِصْفَرَّ لَوْنُهُ مِنَ اَلسَّهَرِ، وَرَمِصَتْ عَيْنَاهُ مِنَ اَلْبُكَاءِ، وَدَبِرَتْ جَبْهَتُهُ وَاِنْخَرَمَ أَنْفُهُ مِنَ اَلسُّجُودِ، وَوَرِمَتْ سَاقَاهُ وَقَدَمَاهُ مِنَ اَلْقِيَامِ فِي اَلصَّلاَةِ ، فَقَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ «فَلَمْ أَمْلِكْ حِينَ رَأَيْتُهُ بِتِلْكَ اَلْحَالِ اَلْبُكَاءَ، فَبَكَيْتُ رَحْمَةً لَهُ (2)، وَإِذَا هُوَيُفَكِّرُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مِنْ دُخُولِي فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَعْطِنِي بَعْضَ تِلْكَ اَلصُّحُفِ اَلَّتِي فِيهَا عِبَادَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ، فَأَعْطَيْتُهُ ، فَقَرَأَ فِيهَا شَيْئاً يَسِيراً ثُمَّ تَرَكَهَا مِنْ يَدِهِ تَضَجُّراً وَقَالَ: مَنْ يَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ؟! (3) .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْقُرَشِيُّ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ إِذَا تَوَضَّأَ اِصْفَرَّ لَوْنُهُ، فَيَقُولُ لَهُ
ص: 142
أَهْلُهُ: مَا هَذَا اَلَّذِي يَغْشَاكَ؟! فَيَقُولُ: «أَ تَدْرُونَ لِمَنْ أَتَأَهَّبُ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ» (1) .
وَرَوَى عَمْرُوبْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ قَالَ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ يُصَلِّي فِي اَلْيَوْمِ وَاَللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَكَانَتِ اَلرِّيحُ تُمِيلُهُ بِمَنْزِلَةِ اَلسُّنْبُلَةِ» (2) .
وَرَوَى سُفْيَانُ اَلثَّوْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: ذُكِرَ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ فَضْلُهُ فَقَالَ: «حَسْبُنَا أَنْ نَكُونَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِنَا» (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلتَّيْمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ عَبْدِ اَلْقَيْسِ يَقُولُ قَالَ طَاوُسٌ : دَخَلْتُ اَلْحِجْرَ فِي اَللَّيْلِ، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ قَدْ دَخَلَ فَقَامَ يُصَلِّي فَصَلَّى مَا شَاءَ اَللَّهُ ثُمَّ سَجَدَ قَالَ فَقُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اَلْخَيْر،ِ لَأَسْتَمِعَنَّ إِلَى دُعَائِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ» قَالَ طَاوُسٌ: فَمَا
ص: 143
دَعَوْتُ بِهِنَّ فِي كَرْبٍ إِلاَّ فُرِّجَ عَنِّي (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ، اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَدِّهِ ،عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلرَّافِعِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام فَالْتَاثَتْ (2)عَلَيْهِ اَلنَّاقَةُ فِي سَيْرِهَا، فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِالْقَضِيبِ ثُمَّ قَالَ: «آهِ! لَوْ لاَ اَلْقِصَاصُ» وَرَدَّ يَدَهُ عَنْهَا (3) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ قَالَ: حَجَّ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ مَاشِياً فَسَارَ عِشْرِينَ يَوْماً مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ (4) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: سُمِعَ سَائِلٌ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ وَهُوَيَقُولُ: : أَيْنَ اَلزَّاهِدُونَ فِي اَلدُّنْيَا، اَلرَّاغِبُونَ فِي اَلْآخِرَةِ ؟ فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنْ نَاحِيَةِ اَلْبَقِيعِ يُسْمَعُ صَوْتُهُ وَلاَ يُرَى شَخْصُهُ: ذَاكَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ (5) .
وَرَوَى عَبْدُ اَلرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ اَلزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمْ أُدْرِكْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ هَذَا اَلْبَيْتِ - يَعْنِي بَيْتَ اَلنَّبِيِّ علیهِ السّلامُ - أَفْضَلَ مِنْ عَلِيِّ
ص: 144
بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُويُونُسَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ جَلَسَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ، فَطَلَعَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَقَالَ: اَلْقُرَشِيُّ لاِبْنِ اَلْمُسَيَّبِ: مَنْ هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: هَذَا سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَقَفَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَأَسْمَعَهُ وَشَتَمَهُ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ: لِجُلَسَائِهِ: «قَدْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ هَذَا اَلرَّجُلُ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَبْلُغُوا مَعِي إِلَيْهِ حَتَّى تَسْمَعُوا رَدِّي عَلَيْهِ» قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: نَفْعَلُ، وَلَقَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ تَقُولَ لَهُ وَنَقُولَ، قَالَ: فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ وَمَشَى وَهُوَيَقُولُ: (وَاَلْكٰاظِمِينَ اَلْغَيْظَ وَاَلْعٰافِينَ عَنِ اَلنّٰاسِ وَاَللّٰهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ) (3) فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لاَ يَقُولُ لَهُ شَيْئاً، قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَ اَلرَّجُلِ فَصَرَخَ بِهِ فَقَالَ: «قُولُوا لَهُ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ» قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْنَا مُتَوَثِّباً لِلشَّرِّ وَهُوَلاَ يَشُكُّ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَهُ مُكَافِئاً لَهُ عَلَى بَعْضِ مَا كَانَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ : « يَا
ص: 145
أَخِي إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ وَقَفْتَ عَلَيَّ آنِفاً فَقُلْتَ وَقُلْتَ، فَإِنْ كُنْتَ قُلْتَ مَا فِيَّ فَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ مِنْهُ، وَإِنْ كُنْتَ قُلْتَ مَا لَيْسَ فِيَّ فَغَفَرَ اَللَّهُ لَكَ» قَالَ: فَقَبَّلَ اَلرَّجُلُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: بَلْ قُلْتُ: فِيكَ مَا لَيْسَ فِيكَ وَأَنَا أَحَقُّ بِهِ.
قَالَ اَلرَّاوِي لِلْحَدِيثِ: وَاَلرَّجُلُ هُوَاَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ (1) .
أَخْبَرَنِي اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ اَلْيَمَنِ قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ بِضْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً (بِمَا أَخْبَرَنِي بِهِ رَجُلٌ) (2)يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اَلرَّزَّاقِ يَقُولُ: جَعَلَتْ جَارِيَةٌ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام تَسْكُبُ عَلَيْهِ اَلْمَاءَ لِيَتَهَيَّأَ لِلصَّلاَةِ، فَنَعَسَتْ فَسَقَطَ اَلْإِبْرِيقُ مِنْ يَدِ اَلْجَارِيَةِ فَشَجَّهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: لَهُ اَلْجَارِيَةُ إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ : (وَاَلْكٰاظِمِينَ اَلْغَيْظَ) (3) قَالَ: قَدْ
ص: 146
كَظَمْتُ غَيْظِي (1)قَالَتْ: (وَاَلْعٰافِينَ عَنِ اَلنّٰاسِ) (2) قَالَ لَهَا: عَفَا اَللَّهُ عَنْكِ قَالَتْ: (وَاَللّٰهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ) (3) قَالَ: اِذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ (2) .
وَرَوَى اَلْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُسِيءُ جِوَارَنَا، وَلَقِيَ مِنْهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ أَذًى شَدِيداً، فَلَمَّا عُزِلَ أَمَرَ بِهِ اَلْوَلِيدُ أَنْ يُوقَفَ لِلنَّاسِ، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ وَقَدْ وُقِفَ عِنْدَ دَارِ مَرْوَانَ، قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَى حَامَّتِهِ أَلاَّ يَعْرِضَ لَهُ أَحَدٌ (3) .
وَرُوِيَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ دَعَا مَمْلُوكَهُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ أَجَابَهُ فِي اَلثَّالِثَةِ فَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ أَ مَا سَمِعْتَ صَوْتِي؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَمَا بَالُكَ (4)لَمْ تُجِبْنِي؟» قَالَ: أَمِنْتُكَ، قَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي جَعَلَ مَمْلُوكِي يَأْمَنِّي (5) » (6) .
ص: 147
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْأَعْشَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام قَالَ: «خَرَجْتُ حَتَّى اِنْتَهَيْتُ إِلَى هَذَا اَلْحَائِطِ فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ ،فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ يَنْظُرُ فِي تُجَاهِ وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ مَا لِي أَرَاكَ كَئِيباً (1)حَزِيناً أَ عَلَى اَلدُّنْيَا حُزْنُكَ؟ فَرِزْقُ اَللَّهِ حَاضِرٌ لِلْبَرِّ وَاَلْفَاجِرِ؛ قَالَ: قُلْتُ: مَا عَلَى هَذَا أَحْزَنُ (2)وَإِنَّهُ لَكَمَا تَقُولُ؛ قَالَ: فَعَلَى اَلْآخِرَةِ؟ فَهُوَوَعْدٌ صَادِقٌ يَحْكُمُ فِيهِ مَلِكٌ قَاهِرٌ؛ [قَالَ: قُلْتُ: وَلاَ عَلَى هَذَا أَحْزَنُ؛ وَإِنَّهُ لَكَمَا تَقُولُ؛ قَالَ:] (3)فَعَلاَمَ حُزْنُكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَتَخَوَّفُ مِنْ فِتْنَةِ اِبْنِ اَلزُّبَيْرِ، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ، هَلْ رَأَيْتَ أَحَداً قَطُّ تَوَكَّلَ عَلَى اَللَّهِ فَلَمْ يَكْفِهِ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: يَا عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ، هَلْ رَأَيْتَ أَحَداً قَطُّ خَافَ اَللَّهَ فَلَمْ يُنْجِهِ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: يَا عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ، هَلْ رَأَيْتَ أَحَداً قَطُّ قَدْ سَأَلَ اَللَّهَ فَلَمْ يُعْطِهِ؟ ، قُلْتُ: لاَ؛ ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ قُدَّامِي أَحَدٌ» (4)(5).
ص: 148
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُونَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ (1)قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَذَا وَكَذَا أَهْلُ بَيْتٍ يَأْتِيهِمْ، رِزْقُهُمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لاَ يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِمْ فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَقَدُوا ذَلِكَ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُونَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُوبْنُ دِينَارٍ قَالَ: حَضَرَتْ زَيْدَ بْنَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اَلْوَفَاةُ فَجَعَلَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ: يُبْكِينِي أَنَّ عَلَيَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ وَلَمْ أَتْرُكْ لَهَا وَفَاءً، فَقَالَ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ لاَ تَبْكِ فَهِيَ عَلَيَّ وَأَنْتَ مِنْهَا بَرِيءٌ فَقَضَاهَا عَنْهُ (3) .
وَرَوَى هَارُونُ بْنُ مُوسَى(4) قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ
ص: 149
قَالَ: لَمَّا وُلِّيَ عَبْدُ اَلْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ اَلْخِلاَفَةَ رَدَّ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام صَدَقَاتِ رَسُولِ اَللَّهِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ وَكَانَتَا مَضْمُومَتَيْنِ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ اَلْمَلِكِ يَتَظَلَّمُ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ (1)؛ فَقَالَ عَبْدُ اَلْمَلِكِ: أَقُولُ كَمَا قَالَ: اِبْنُ أَبِي اَلْحُقَيْقِ:
إِنَّا إِذَا مَالَتْ دَوَاعِي اَلْهَوَى *** وَأَنْصَتَ اَلسَّامِعُ لِلْقَائِلِ
وَاِصْطَرَعَ اَلنَّاسُ بِأَلْبَابِهِمْ *** نَقْضِي بِحُكْمٍ عَادِلٍ فَاصِلِ
لاَ نَجْعَلُ اَلْبَاطِلَ حَقّاً وَلاَ *** نُلِظُّ (2)دُونَ اَلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ
نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحْلاَمُنَا *** فَنَخْمُلَ اَلدَّهْرَ مَعَ اَلْخَامِلِ(3) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُوجَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَجَّ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ فَاسْتَجْهَرَ (4)اَلنَّاسُ مِنْ جَمَالِهِ، وَتَشَوَّفُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَنْ هَذَا؟! مَنْ هَذَا؟! تَعْظِيماً لَهُ وَإِجْلاَلاً لِمَرْتَبَتِهِ ، وَكَانَ اَلْفَرَزْدَقُ هُنَاكَ
ص: 150
فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
هَذَا اَلَّذِي تَعْرِفُ اَلْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ *** وَاَلْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَاَلْحِلُّ وَاَلْحَرَمُ
هَذَا اِبْنُ خَيْرِ عِبَادِ اَللَّهِ كُلِّهِمُ *** هَذَا اَلتَّقِيُّ اَلنَّقِيُّ اَلطَّاهِرُ اَلْعَلَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ رَاحَتِه ِ *** رُكْنُ اَلْحَطِيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ
يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ *** فَمَا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ
أَيُّ اَلْخَلاَئِقِ لَيْسَتْ فِي رِقَابِهِمُ *** لِأَوَّلِيَّةِ هَذَا أَوْ لَهُ نِعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اَللَّهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذَا *** فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ اَلْأُمَمُ
إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ: قَائِلُهَا *** إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي اَلْكَرَمُ(1) .
أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمِّهِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَمْ أَرَ مِثْلَ اَلتَّقَدُّمِ فِي اَلدُّعَاءِ، فَإِنَّ اَلْعَبْدَ لَيْسَ يَحْضُرُهُ اَلْإِجَابَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ (2)».
وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ عَنْهُ مِنَ اَلدُّعَاءِ حِينَ بَلَغَهُ تَوَجُّهُ مُسْرِفِ بْنِ عُقْبَةَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ:
«رَبِّ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكْرِي، وَكَمْ
ص: 151
مِنْ بَلِيَّةٍ اِبْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا صَبْرِي، فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعْمَتِهِ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي وَقَلَّ (1)عِنْدَ بَلاَئِهِ صَبْرِي فَلَمْ يَخْذُلْنِي، يَا ذَا اَلْمَعْرُوفِ اَلَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ (2)أَبَداً، وَيَا ذَا اَلنَّعْمَاءِ اَلَّتِي لاَ تُحْصَى عَدَداً، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ (وَآلِ مُحَمَّدٍ) (3)وَاِدْفَعْ عَنِّي شَرَّهُ فَإِنِّي أَدْرَأُ بِكَ فِي نَحْرِهِ، وَأَسْتَعِيذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ» فَقَدِمَ مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ اَلْمَدِينَةَ وَكَانَ يُقَالُ: لاَ يُرِيدُ غَيْرَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ؛ فَسَلِمَ مِنْهُ وَأَكْرَمَهُ وَحَبَاهُ وَوَصَلَهُ (4) .
وَجَاءَ اَلْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّ مُسْرِفَ بْنَ عُقْبَةَ لَمَّا قَدِمَ اَلْمَدِينَةَ أَرْسَلَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام فَأَتَاهُ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْهِ قَرَّبَهُ وَأَكْرَمَهُ وَقَالَ لَهُ: وَصَّانِي أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ بِبِرِّكَ وَتَمْيِيزِكَ مِنْ غَيْرِكَ فَجَزَّاهُ خَيْراً؛ ثُمَّ قَالَ: أَسْرِجُوا لَهُ بَغْلَتِي، وَقَالَ لَهُ: اِنْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ قَدْ أَفْزَعْنَاهُمْ وَأَتْعَبْنَاكَ بِمَشْيِكَ إِلَيْنَا، وَلَوْ كَانَ بِأَيْدِينَا مَا نَقْوَى بِهِ عَلَى صِلَتِكَ بِقَدْرِ حَقِّكَ لَوَصَلْنَاكَ؛ فَقَالَ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ: « مَا أَعْذَرَنِي لِلْأَمِيرِ (5) ! وَرَكِبَ؛ فَقَالَ: لِجُلَسَائِهِ: هَذَا اَلْخَيْرُ لاَ شَرَّ، فِيهِ مَعَ مَوْضِعِهِ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ وَمَكَانِهِ مِنْهُ (6) .
وَجَاءَتِ اَلرِّوَايَةُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ كَانَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَمِعَ قَوْماً يُشَبِّهُونَ اَللَّهَ
ص: 152
تَعَالَى بِخَلْقِهِ، فَفَزِعَ لِذَلِكَ وَاِرْتَاعَ لَهُ، وَنَهَضَ حَتَّى أَتَى قَبْرَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَوَقَفَ عِنْدَهُ وَرَفَعَ صَوْتَهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَقَالَ فِي مُنَاجَاتِهِ لَهُ:
«إِلَهِي بَدَتْ قُدْرَتُكَ وَلَمْ تَبْدُ هَيْئَةٌ فَجَهَلُوكَ، (وَقَدَّرُوكَ بِالتَّقْدِيرِ عَلَى غَيْرِ مَا بِهِ أَنْتَ ) (1)شَبَّهُوكَ وَأَنَا بَرِيءٌ يَا إِلَهِي مِنَ اَلَّذِينَ بِالتَّشْبِيهِ طَلَبُوكَ، لَيْسَ كَمِثْلِكَ (2)شَيْءٌ إِلَهِي وَلَمْ يُدْرِكُوكَ، وَظَاهِرُ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ دَلِيلُهُمُ عَلَيْكَ لَوْ عَرَفُوكَ، وَفِي خَلْقِكَ يَا إِلَهِي مَنْدُوحَةٌ أَنْ يُنَاوِلُوكَ (3)بَلْ سَوَّوْكَ بِخَلْقِكَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعْرِفُوكَ، وَاِتَّخَذُوا بَعْضَ آيَاتِكَ رَبّاً فَبِذَلِكَ، وَصَفُوكَ، فَتَعَالَيْتَ يَا إِلَهِي عَمَّا بِهِ اَلْمُشَبِّهُونَ نَعَتُوكَ (4) .
فهذا طرفٌ ممّا وردَ منَ الحديثِ في فضائلِ زينِ العابدينَ علیهِ السّلامُ .
وقد روى عنه فقهاءُ العامّةِ منَ العلومِ ما لا يُحصى كثرةً ، وحُفِظَ عنه منَ المواعظِ والأدعيةِ وفضائلِ القرآنِ والحلالِ والحرام والمغازي والأيّامِ ما هو مشهورٌ بينَ العلماءِ ، ولو قَصَدْنا إِلى شرحِ ذلكَ لَطَالَ به الخطابُ وتقضّى به الزّمانُ.
وقد رَوَتِ الشِّيعةُ له آياتٍ معُجزاتٍ وبراهينَ واضحاتٍ لم
ص: 153
يَتَّسِعْ لذكرِها المكانُ ، ووجودُها في كتبِهم المصنّفةِ ينوبُ مَنابَ إيرادِها في هذا الكتابِ ، واللهُّ الموفٌق للصّوابِ.
ص: 154
باب
ذكر أولاد علي بن الحسين علیهِ السّلامُ
وَوُلْدُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَداً:
مُحَمَّدٌ اَلْمُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرَ علیهِ السّلامُ، أُمُّهُ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ بِنْتُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ .
وَعَبْدُ اَللَّهِ وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ، أُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ.
وَزَيْدٌ وَعُمَرُ لِأُمِّ وَلَدٍ.
وَاَلْحُسَيْنُ اَلْأَصْغَرُ وَعَبْدُ اَلرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانُ، لِأُمِّ وَلَدٍ.
وَعَلِيٌّ - وَكَانَ أَصْغَرَ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ - وَخَدِيجَةُ، أُمُّهُمَا أُمُّ وَلَدٍ.
وَمُحَمَّدٌ اَلْأَصْغَرُ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ.
وَفَاطِمَةُ وَعُلَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ أُمُّهُنَّ أُمُّ وَلَدٍ .
ص: 155
ص: 156
باب
ذكر الإمامِ بعدَ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السلامُ ، وتاريخ مولدِه ، ودلائلِ إِمامتِه ، ومبلغ سنَّه ،
ومدّة خلافتِه ، ووقت وفاتِه وسببها ، وموضع قبرِه ، وعدد أولادِه ، ومختصر من أخبارِه.
وَكَانَ اَلْبَاقِرُ أَبُوجَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ خَلِيفَةَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ وَوَصِيَّهُ وَاَلْقَائِمَ بِالْإِمَامَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَرَزَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ بِالْفَضْلِ فِي اَلْعِلْمِ وَاَلزُّهْدِ وَاَلسُّؤْدُدِ، وَكَانَ أَنْبَهَهُمْ ذِكْراً وَأَجَلَّهُمْ فِي اَلْعَامَّةِ وَاَلْخَاصَّةِ وَأَعْظَمَهُمْ قَدْراً، وَلَمْ يَظْهَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ وُلْدِ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ صلواتُ اللّه علیهما مِنْ عِلْمِ اَلدِّينِ وَاَلْآثَارِ وَاَلسُّنَّةِ وَعِلْمِ اَلْقُرْآنِ وَاَلسِّيرَةِ وَفُنُونِ اَلْآدَابِ مَا ظَهَرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ، وَرَوَى عَنْهُ مَعَالِمَ اَلدِّينِ بَقَايَا اَلصَّحَابَةِ وَوُجُوهُ اَلتَّابِعِينَ وَرُؤَسَاءُ فُقَهَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَصَارَ بِالْفَضْلِ بِهِ عَلَماً لِأَهْلِهِ تُضْرَبُ بِهِ اَلْأَمْثَالُ وَتَسِيرُ بِوَصْفِهِ اَلْآثَارُ وَاَلْأَشْعَارُ؛ وَفِيهِ يَقُولُ اَلْقُرَظِيُّ:
يَا بَاقِرَ اَلْعِلْمِ لِأَهْلِ اَلتُّقَى *** وَخَيْرَ مَنْ لَبَّى عَلَى اَلْأَجْبُلِ.(1)
وَقَالَ: مَالِكُ بْنُ أَعْيَنَ اَلْجُهَنِيُّ فِيهِ:
إِذَا طَلَبَ اَلنَّاسُ عِلْمَ اَلْقُرْآ *** نِ كَانَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ عِيَالاَ
وَإِنْ قِيلَ أَيْنَ اِبْنُ بِنْتِ اَلنَّبِ ***يِّ؟ نِلْتَ بِذَاكَ فُرُوعاً طِوَالاَ
ص: 157
نُجُومٌ تَهَلَّلُ لِلْمُدْلِجِين َ *** جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْماً جِبَالاَ.(1)
وَوُلِدَ علیهِ السّلامُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَقُبِضَ فِيهَا سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَسِنُّهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، وَهُوَهَاشِمِيٌّ مِنْ هَاشِمِيَّيْنِ عَلَوِيٌّ مِنْ عَلَوِيَّيْنِ ، وَقَبْرُهُ بِالْبَقِيعِ مِنْ مَدِينَةِ اَلرَّسُولِ علیه وآله السّلام .
رَوَى مَيْمُونٌ اَلْقَدَّاحُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ اَلسَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ لِي:« «مَنْ أَنْتَ؟» - وَذَلِكَ بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ - فَقُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ؛ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ اُدْنُ مِنِّي، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَبَّلَ يَدَيِ ثُمَّ أَهْوَى إِلَى رِجْلِي يُقَبِّلُهَا فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمُ ، فَقُلْتُ: وَعَلَى رَسُولِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا جَابِرُ؟ فَقَالَ: كُنْتُ مَعَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ، لَعَلَّكَ أَنْ تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِي يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، يَهَبُ اَللَّهُ لَهُ اَلنُّورَ وَاَلْحِكْمَةَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ» (2) .
وكانَ في وصيّةِ أَميرِ المؤمنينَ علیهِ السّلامُُ إلى ولدِه ذكرُ محمّدِ بنِ
ص: 158
عليٍّ والوَصاة به.
وسمّاه رسول الله وعرفَه بباقرِ العلمِ (1)على ما رواه أصحابُ الآثارِ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ فِي حَدِيثٍ مُجَرَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: «لِي رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ): «يُوشِكُ أَنْ تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى وَلَداً لِي مِنَ اَلْحُسَيْنِ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ يَبْقُرُ عِلْمَ اَلدِّينِ بَقْراً، فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ» (2).
وَرَوَتِ اَلشِّيعَةُ فِي خَبَرِ اَللَّوْحِ اَلَّذِي هَبَطَ بِهِ جَبْرَئِيلُ علیهِ السّلامُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)مِنَ اَلْجَنَّةِ، فَأَعْطَاهُ فَاطِمَةَ ع وَفِيهِ أَسْمَاءُ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَكَانَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْإِمَامُ بَعْدَ أَبِيهِ» (3).
وَرَوَتْ أَيْضاً أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ إِلَى نَبِيِّهِ ع كِتَاباً مَخْتُوماً بِاثْنَيْ عَشَرَ خَاتَماً وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ علیهِ السّلامُ َلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ وَيَأْمُرَهُ أَنْ يَفُضَّ أَوَّلَ خَاتَمٍ فِيهِ وَيَعْمَلَ بِمَا تَحْتَهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَيَأْمُرَهُ أَنْ يَفُضَّ اَلْخَاتَمَ اَلثَّانِيَ وَيَعْمَلَ بِمَا تَحْتَهُ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ عِنْدَ حُضُورِ وَفَاتِهِ إِلَى أَخِيهِ اَلْحُسَيْنِ وَيَأْمُرَهُ أَنْ يَفُضَّ اَلْخَاتَمَ اَلثَّالِثَ وَيَعْمَلَ بِمَا تَحْتَهُ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ اَلْحُسَيْنُ علیهِ السّلامُِنْدَ وَفَاتِهِ إِلَى اِبْنِهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام وَيَأْمُرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيَدْفَعَهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عِنْدَ وَفَاتِهِ إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْأَكْبَرِ ع وَيَأْمُرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى
ص: 159
وَلَدِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أَجْمَعِينَ (1) .
وَرَوَوْا أَيْضاً نُصُوصاً كَثِيرَةً عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ بَعْدَ أَبِيهِ عَنِ اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَعَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَعَنِ اَلْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهم السّلام .
وَقَدْ رَوَى اَلنَّاسُ مِنْ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ مَا يَكْثُرُ بِهِ اَلْخَطْبُ إِنْ أَثْبَتْنَاهُ، وَفِيمَا نَذْكُرُهُ مِنْهُ كِفَايَةٌ فِيمَا نَقْصِدُهُ فِي مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ.
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ اَلْأَزْدِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ اَلْجَنْبِيِّ (2)عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ اَلْمَكِّيِّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ اَلْعُلَمَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ قَطُّ أَصْغَرَ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهم السّلام وَلَقَدْ رَأَيْتُ اَلْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ - مَعَ جَلاَلَتِهِ فِي اَلْقَوْمِ - بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ صَبِيٌّ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ. (3)
وَكَانَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيُّ إِذَا رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ شَيْئاً قَالَ: حَدَّثَنِي وَصِيُّ اَلْأَوْصِيَاءِ وَوَارِثُ عِلْمِ اَلْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهم السّلام .
ص: 160
وَرَوَى مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ اَلرَّبِيعِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنِ اَلْمَسْحِ فَقَالَ: أَدْرَكْتُ اَلنَّاسَ يَمْسَحُونَ حَتَّى لَقِيتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ اَلْمَسْحِ عَلَى اَلْخُفَّيْنِ فَنَهَانِي عَنْهُ، وَقَالَ: «لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)يَمْسَحُ، وَكَانَ يَقُولُ: سَبَقَ اَلْكِتَابُ اَلْمَسْحَ عَلَى اَلْخُفَّيْنِم
قَالَ: أَبُوإِسْحَاقَ فَمَا مَسَحْتُ مُنْذُ نَهَانِي عَنْهُ.
قَالَ قَيْسُ بْنُ اَلرَّبِيعِ: وَمَا مَسَحْتُ أَنَا مُنْذُ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ (1) .
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ اَلْمُنْكَدِرِ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ مَثَلَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام يَدَعُ خَلَفاً - لِفَضْلِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ - حَتَّى رَأَيْتُ اِبْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِظَهُ فَوَعَظَنِي.
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: بِأَيِّ (2)شَيْءٍ وَعَظَكَ؟
قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ نَوَاحِي اَلْمَدِينَةِ فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ، فَلَقِيتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ - وَكَانَ رَجُلاً بَدِيناً - وَهُوَمُتَّكِئٌ عَلَى غُلاَمَيْنِ لَهُ أَسْوَدَيْنِ - أَوْ مَوْلَيَيْنِ لَهُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ اَلسَّاعَةِ عَلَى
ص: 161
هَذِهِ اَلْحَالِ (1)فِي طَلَبِ اَلدُّنْيَا أَشْهَدُ لَأَعِظَنَّهُ؛ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ بِبُهْرٍ (2)وَقَدْ تَصَبَّبَ عَرَقاً، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اَللَّهُ، شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ اَلسَّاعَةِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ اَلْحَالِ فِي طَلَبِ اَلدُّنْيَا! لَوْ جَاءَكَ اَلْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ اَلْحَالِ؟!
قَالَ: فَخَلَّى عَنِ اَلْغُلاَمَيْنِ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ تَسَانَدَ وَقَالَ: «لَوْ جَاءَنِي وَاَللَّهِ اَلْمَوْتُ وَأَنَا (فِي هَذِهِ) (3)اَلْحَالِ، جَاءَنِي وَأَنَا فِي طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِ اَللَّهِ، أَكُفُّ بِهَا نَفْسِي عَنْكَ وَعَنِ اَلنَّاسِ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ اَلْمَوْتَ لَوْ جَاءَنِي وَأَنَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اَللَّهِ»
فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اَللَّهُ، أَرَدْتُ أَنْ أَعِظَكَ فَوَعَظْتَنِي (4) .
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنِي (شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ اَلرَّيِّ) (5)قَدْ عَلَتْ سِنُّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ اَلْحِمَّانِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ اَلدُّهْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام فِي قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ) (6) قَالَ: نَحْنُ أَهْلُ اَلذِّكْرِ.
ص: 162
قَالَ اَلشَّيْخُ اَلرَّازِيُّ: وَقَدْ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ عَنْ هَذَا فَتَكَلَّمَ فِيهِ بِرَأْيِهِ، وَقَالَ: أَهْلُ اَلذِّكْرِ: اَلْعُلَمَاءُ كَافَّةً؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي زُرْعَةَ فَبَقِيَ مُتَعَجِّباً مِنْ قَوْلِهِ، وَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ؛ قَالَ: صَدَقَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِنَّهُمْ أَهْلُ اَلذِّكْرِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ ع لَمِنْ أَكْبَرِ اَلْعُلَمَاءِ (1).
وَقَدْ رَوَى أَبُوجَعْفَرٍ ع أَخْبَارَ اَلْمُبْتَدَإِ (2)وَأَخْبَارَ اَلْأَنْبِيَاءِ، وَكَتَبَ عَنْهُ اَلنَّاسُ اَلْمَغَازِيَ وَأَثَرُوا عَنْهُ اَلسُّنَنَ (3)وَاِعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي مَنَاسِكِ اَلْحَجِّ اَلَّتِي رَوَاهَا عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَكَتَبُوا عَنْهُ تَفْسِيرَ اَلْقُرْآنِ ، وَرَوَتْ عَنْهُ اَلْخَاصَّةُ وَاَلْعَامَّةُ اَلْأَخْبَارَ، وَنَاظَرَ مَنْ كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ اَلْآرَاءِ، وَحَفِظَ عَنْهُ اَلنَّاسُ كَثِيراً مِنْ عِلْمِ اَلْكَلاَمِ .
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنِي اَلزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلزُّهْرِيُّ قَالَ: حَجَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اَلْمَلِكِ فَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ مُتَّكِئاً عَلَى يَدِ سَالِمٍ مَوْلاَهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام جَالِسٌ فِي اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ مَوْلاَهُ :يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: هِشَامٌ اَلْمَفْتُونُ بِهِ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: اِذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ مَا اَلَّذِي يَأْكُلُ اَلنَّاسُ وَيَشْرَبُونَ إِلَى أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ؟
ص: 163
قَالَ لَهُ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «يُحْشَرُ اَلنَّاسُ عَلَى مِثْلِ قُرْصِ اَلنَّقِيِّ (1)فِيهَا أَنْهَارٌ مُتَفَجِّرَةٌ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ حَتَّى يُفْرَغَ مِنَ اَلْحِسَابِ»
قَالَ: فَرَأَى هِشَامٌ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِهِ فَقَالَ: اَللَّهُ أَكْبَرُ اِذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ مَا أَشْغَلَهُمْ عَنِ اَلْأَكْلِ وَاَلشُّرْبِ يَوْمَئِذٍ؟!
فَقَالَ لَهُ: أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «هُمْ فِي اَلنَّارِ أَشْغَلُ وَلَمْ يَشْغَلُوا عَنْ أَنْ قَالُوا: (أَفِيضُوا عَلَيْنٰا مِنَ اَلْمٰاءِ أَوْ مِمّٰا رَزَقَكُمُ اَللّٰهُ )(2)» فَسَكَتَ هِشَامٌ لاَ يَرْجِعُ كَلاَماً (3) .
وَجَاءَتِ اَلْأَخْبَارُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ اَلْأَزْرَقِ جَاءَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَأَلَهُ (4)عَنْ مَسَائِلَ فِي اَلْحَلاَلِ وَاَلْحَرَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ فِي عَرْضِ كَلاَمِهِ، «قُلْ لِهَذِهِ اَلْمَارِقَةِ: بِمَا اِسْتَحْلَلْتُمْ فِرَاقَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَقَدْ سَفَكْتُمْ دِمَاءَكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي طَاعَتِهِ وَاَلْقُرْبَةِ إِلَى اَللَّهِ بِنُصْرَتِهِ؟! فَسَيَقُولُونَ لَكَ: إِنَّهُ حَكَّمَ فِي دِينِ اَللَّهِ، فَقُلْ لَهُمْ: قَدْ حَكَّمَ اَللَّهُ تَعَالَى فِي شَرِيعَةِ نَبِيِّهِ علیهِ السّلامُ رَجُلَيْنِ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ تَعَالَى: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا إِنْ يُرِيدٰا إِصْلاٰحاً
ص: 164
يُوَفِّقِ اَللّٰهُ بَيْنَهُمٰا) (1) وَحَكَّمَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَحَكَمَ فِيهِمْ بِمَا أَمْضَاهُ اَللَّهُ، أَ وَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)إِنَّمَا أَمَرَ اَلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا بِالْقُرْآنِ وَلاَ يَتَعَدَّيَاهُ ، وَاِشْتَرَطَ رَدَّ مَا خَالَفَ اَلْقُرْآنَ مِنْ أَحْكَامِ اَلرِّجَالِ، وَقَالَ: حِينَ قَالُوا لَهُ: حَكَّمْتَ عَلَى نَفْسِكَ مَنْ حَكَمَ عَلَيْكَ فَقَالَ: مَا «حَكَّمْتُ مَخْلُوقاً وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ كِتَابَ اَللَّهِ فَأَيْنَ تَجِدُ اَلْمَارِقَةُ تَضْلِيلَ مَنْ أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِالْقُرْآنِ وَاِشْتَرَطَ رَدَّ مَا خَالَفَهُ؟! لَوْ لاَ اِرْتِكَابُهُمْ فِي بِدْعَتِهِمُ اَلْبُهْتَانَ»
فَقَالَ نَافِعُ بْنُ اَلْأَزْرَقِ: هَذَا كَلاَمٌ مَا مَرَّ بِسَمْعِي قَطُّ، وَلاَ خَطَرَ مِنِّي بِبَالٍ، وَهُوَاَلْحَقُّ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ (2) .
وَرَوَى اَلْعُلَمَاءُ: أَنَّ عَمْرَوبْنَ عُبَيْدٍ وَفَدَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام لِيَمْتَحِنَهُ بِالسُّؤَالِ فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ اِسْمُهُ: (أَ وَلَمْ يَرَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَاَلْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا ) (3) مَا هَذَا اَلرَّتْقُ وَاَلْفَتْقُ فَقَالَ لَهُ: أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ:ك«َانَتِ اَلسَّمَاءُ رَتْقاً لاَ تُنْزِلُ اَلْقَطْرَ وَكَانَتِ اَلْأَرْضُ رَتْقاً لاَ تُخْرِجُ اَلنَّبَاتَ» فَانْقَطَعَ عَمْرٌووَلَمْ يَجِدِ اِعْتِرَاضاً.
وَمَضَى ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: خَبِّرْنِي -جُعِلْتُ فِدَاكَ - عَنْ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوىٰ) (4) «مَا غَضَبُ اَللَّهِ فَقَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ غَضَبُ اَللَّهِ عِقَابُهُ يَا عَمْرُو، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ اَللَّهَ يُغَيِّرُهُ
ص: 165
شَيْءٌ فَقَدْ كَفَرَ» (1) . وكان - مع ما وصفناه به من الفضل في العلم والسؤدد والرئاسة والإمامة - ظاهر الجود في الخاصة والعامة، مشهور الكرم في الكافة، معروفا بالفضل (2)والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله.
حَدَّثَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُونَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ (3)بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ اَلْحَاجَةَ وَجَفَاءَ اَلْإِخْوَانِ، فَقَالَ: «بِئْسَ اَلْأَخُ أَخٌ يَرْعَاكَ غَنِيّاً وَيَقْطَعُكَ فَقِيراً»ثُمَّ أَمَرَ غُلاَمَهُ فَأَخْرَجَ كِيساً فِيهِ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: «اِسْتَنْفِقْ هَذِهِ فَإِذَا نَفِدَتْ فَأَعْلِمْنِي» (4) .
وَقَدْ رَوَى (مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ) (5)قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثُونَا عَنْ عَمْرِوبْنِ دِينَارٍ وَعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: مَا لَقِينَا أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ إِلاَّ وَحَمَلَ إِلَيْنَا اَلنَّفَقَةَ وَاَلصِّلَةَ وَاَلْكِسْوَةَآ وَيَقُولُ: هَذِهِ مُعَدَّةٌ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْنِي (6) .
ص: 166
وَرَوَى أَبُونُعَيْمٍ اَلنَّخَعِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَرْمٍ قَالَ: كَانَ أَبُوجَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السّلام يُجِيزُنَا بِالْخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، إِلَى اَلسِّتِّمِائَةٍ إِلَى اَلْأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَانَ لاَ يَمَلُّ مِنْ صِلَةِ إِخْوَانِهِ وَقَاصِدِيهِ وَمُؤَمِّلِيهِ وَرَاجِيهِ (1) .
وَرُوِيَ: عَنْهُ عَنْ آبَائِهِ علیهم السّلام: أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)كَانَ يَقُولُ : «أَشَدُّ اَلْأَعْمَالِ ثَلاَثَةٌ مُوَاسَاةُ اَلْإِخْوَانِ فِي اَلْمَالِ، وَإِنْصَافُ اَلنَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ وَذِكْرُ اَللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (2).
وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ اَلسَّلُولِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ اَلْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ يَقُولُ «مَا شِيبَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ أَحْسَنَ (3)مِنْ حِلْمٍ بِعِلْمٍ» (4).
وَرُوِيَ عَنْهُ علیهِ السّلامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اَلْحَدِيثِ يُرْسِلُهُ وَلاَ يُسْنِدُهُ فَقَالَ: «إِذَا حَدَّثْتُ اَلْحَدِيثَ فَلَمْ أُسْنِدْهُ فَسَنَدِي فِيهِ أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)عَنْ جَبْرَئِيلَ ع عَنِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (5) .
وَكَانَ عَلَيْهِ وَآبَائِهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «بَلِيَّةُ اَلنَّاسِ عَلَيْنَا عَظِيمَةٌ، إِنْ
ص: 167
دَعَوْنَاهُمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَنَا، وَإِنْ تَرَكْنَاهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا بِغَيْرِنَا» (1).
وَكَانَ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «مَا يَنْقِمُ اَلنَّاسُ مِنَّا؟! نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ اَلرَّحْمَةِ، وَشَجَرَةُ اَلنُّبُوَّةِ ، وَمَعْدِنُ اَلْحِكْمَةِ، وَمَوْضِعُ (2)اَلْمَلاَئِكَةِ، وَمَهْبِطُ اَلْوَحْيِ» (3).
وَتُوُفِّيَ عَلَيْهِ وَآبَائِهِ اَلسَّلاَمُ وَخَلَّفَ سَبْعَةَ أَوْلاَدٍ، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ إِخْوَتِهِ فَضْلٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ فَضْلَهُ لِمَكَانِهِ مِنَ اَلْإِمَامَةِ، وَرُتْبَتِهِ عِنْدَ اَللَّهِ فِي اَلْوَلاَيَةِ، وَمَحَلِّهِ مِنَ اَلنَّبِيِّ ع فِي اَلْخِلاَفَةِ . وَكَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ وَقِيَامِهِ فِي مَقَامِ أَبِيهِ فِي خِلاَفَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اَلْعِبَادِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً .
ص: 168
باب
ذكر [إخوته و] (1)طرف من أخبارهم
وَكَانَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ أَخُوأَبِي جَعْفَرٍ ع يَلِي صَدَقَاتِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَصَدَقَاتِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَكَانَ فَاضِلاً فَقِيهاً، وَرَوَى عَنْ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)أَخْبَاراً كَثِيرَةً، وَحَدَّثَ اَلنَّاسُ عَنْهُ وَحَمَلُوا عَنْهُ اَلْآثَارَ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْجَعْفَرِيُّ) (2) عَنْ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّهَ (3)عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (4)أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ): «إِنَّ اَلْبَخِيلَ كُلَّ اَلْبَخِيلِ اَلَّذِي إِذَا ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» (5).
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا (أَبُوبَكْرِ بْنُ أَبِي
ص: 169
أُوَيْسٍ) (1) عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ): أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ يَدَ اَلسَّارِقِ اَلْيُمْنَى فِي أَوَّلِ سَرِقَتِهِ، فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيَةً قَطَعَ رِجْلَهُ اَلْيُسْرَى فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثَةً خَلَّدَهُ (2)اَلسِّجْنَ (3) .
وكان عمر بن علي بن الحسين فاضلا جليلا، و ولي صدقات النبي(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وصدقات أمير المؤمنين (علیهِ السّلامُ) وكان ورعا سخيا.
وَقَدْ رَوَى (دَاوُدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ) (4)قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَمِّي عُمَرَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ يَشْرِطُ (5)عَلَى مَنِ اِبْتَاعَ صَدَقَاتِ
ص: 170
عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ أَنْ يَثْلِمَ فِي اَلْحَائِطِ كَذَا وَكَذَا ثُلْمَةً، وَلاَ يَمْنَعَ مَنْ دَخَلَهُ يَأْكُلُ مِنْهُ (1).
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا (أَبُواَلْحَسَنِ بَكَّارُ بْنُ أَحْمَدَ اَلْأَزْدِيُّ) (2)قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْعُرَنِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ اَلْقَطَّانِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ يَقُولُ : اَلْمُفْرِطُ فِي حُبِّنَا كَالْمُفْرِطِ فِي بُغْضِنَا، لَنَا حَقٌّ بِقَرَابَتِنَا مِنْ نَبِيِّنَا ع وَحَقٌّ جَعَلَهُ اَللَّهُ لَنَا، فَمَنْ تَرَكَهُ تَرَكَ عَظِيماً أَنْزِلُونَا بِالْمَنْزِلِ اَلَّذِي أَنْزَلَنَا اَللَّهُ بِهِ، وَلاَ تَقُولُوا فِينَا مَا لَيْسَ فِينَا، إِنْ يُعَذِّبْنَا اَللَّهُ فَبِذُنُوبِنَا، وَإِنْ يَرْحَمْنَا اَللَّهُ فَبِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ (3).
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَيْنَ إِخْوَتِهِ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَأَفْضَلَهُمْ، وَكَانَ عَابِداً وَرِعاً فَقِيهاً سَخِيّاً شُجَاعاً، وَظَهَرَ بِالسَّيْفِ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَيُطَالِبُ بِثَارَاتِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ .
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ
ص: 171
اَلْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسَاوِرٍ، عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ زِيَادِ بْنِ اَلْمُنْذِرِ قَالَ: قَدِمْتُ اَلْمَدِينَةَ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ قِيلَ لِي: ذَلِكَ حَلِيفُ اَلْقُرْآنِ (1).
وَرَوَى هُشَيْمٌ (2)قَالَ: سَأَلْتُ خَالِدَ بْنَ صَفْوَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ - وَكَانَ يُحَدِّثُنَا عَنْهُ - فَقُلْتُ: أَيْنَ لَقِيتَهُ؟ قَالَ: بِالرُّصَافَةِ (3)فَقُلْتُ: أَيَّ رَجُلٍ كَانَ؟ فَقَالَ: كَانَ- مَا عَلِمْتُ - يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اَللَّهِ حَتَّى تَخْتَلِطَ دُمُوعُهُ بِمُخَاطِهِ (4).
وَاِعْتَقَدَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ اَلْإِمَامَةَ، وَكَانَ سَبَبُ اِعْتِقَادِهِمْ ذَلِكَ فِيهِ خُرُوجَهُ بِالسَّيْفِ يَدْعُوإِلَى اَلرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَظَنُّوهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ، نَفْسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُرِيدُهَا بِهِ لِمَعْرِفَتِهِ علیهِ السّلامُ بِاسْتِحْقَاقِ أَخِيهِ لِلْإِمَامَةِ مِنْ قَبْلِهِ، وَوَصِيَّتِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ .
وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ أَبِي اَلْحُسَيْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ اَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ غَرَضِهِ فِي اَلطَّلَبِ بِدَمِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ - أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ، وَقَدْ جَمَعَ لَهُ هِشَامٌ أَهْلَ اَلشَّامِ وَأَمَرَ أَنْ يَتَضَايَقُوا فِي اَلْمَجْلِسِ حَتَّى لاَ يَتَمَكَّنَ مِنَ اَلْوُصُولِ إِلَى قُرْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: زَيْدٌ:إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِبَادِ اَللَّهِ أَحَدٌ فَوْقَ أَنْ يُوصَى بِتَقْوَى اَللَّهِ، وَلاَ مِنْ عِبَادِهِ أَحَدٌ دُونَ أَنْ يُوصِيَ بِتَقْوَى اَللَّهِ، وَأَنَا أُوصِيكَ بِتَقْوَى اَللَّهِ - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - فَاتَّقِهِ.
ص: 172
فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: أَنْتَ اَلْمُؤَهِّلُ نَفْسَكَ لِلْخِلاَفَةِ اَلرَّاجِي لَهَا؟! وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ _ لاَ أُمَّ لَكَ - وَإِنَّمَا أَنْتَ اِبْنُ أَمَةٍ؛ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: إ ِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْظَمَ مَنْزِلَةً عِنْدَ اَللَّهِ مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ وَهُوَاِبْنُ أَمَةٍ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْصُرُ عَنْ مُنْتَهَى غَايَةٍ لَمْ يُبْعَثْ ،وَهُوَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ علیهما السّلام، فَالنُّبُوَّةُ أَعْظَمُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اَللَّهِ أَمِ اَلْخِلاَفَةُ يَا هِشَامُ؟! وَبَعْدُ فَمَا يَقْصُرُ بِرَجُلٍ أَبُوهُ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَهُوَاِبْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ فَوَثَبَ هِشَامٌ عَنْ مَجْلِسِهِ وَدَعَا قَهْرَمَانَهُ وَقَالَ: لاَ يَبِيتَنَّ هَذَا فِي عَسْكَرِي.
فَخَرَجَ زَيْدٌ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَيَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ قَوْمٌ قَطُّ حَرَّ اَلسُّيُوفِ إِلاَّ ذَلُّوا. فَلَمَّا وَصَلَ اَلْكُوفَةَ اِجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى بَايَعُوهُ عَلَى اَلْحَرْبِ، ثُمَّ نَقَضُوا بَيْعَتَهُ وَأَسْلَمُوهُ، فَقُتِلَ علیهِ السّلامُ، وَصُلِبَ بَيْنَهُمْ أَرْبَعَ سِنِينَ، لاَ يُنْكِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلاَ يُغَيِّرُ بِيَدٍ وَلاَ لِسَانٍ.
وَلَمَّا قُتِلَ بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَحَزِنَ لَهُ حُزْناً عَظِيماً حَتَّى بَانَ عَلَيْهِ، وَفَرَّقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى عِيَالِ مَنْ أُصِيبَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْفَ دِينَارٍ . (رَوَى ذَلِكَ أَبُوخَالِدٍ اَلْوَاسِطِيُّ : قَالَ: سَلَّمَ إِلَيَّ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ أَلْفَ دِينَارٍ (1)وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْسِمَهَا فِي عِيَالِ مَنْ أُصِيبَ مَعَ زَيْدٍ، فَأَصَابَ عِيَالَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلزُّبَيْرِ أَخِي فُضَيْلٍ اَلرَّسَّانِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ (2) .
ص: 173
وَكَانَ مَقْتَلُهُ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَكَانَتْ سِنُّهُ يَوْمَئِذٍ اِثْنَتْيِن وَأَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَكَانَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ فَاضِلاٍ وَرِعاٍ، وَرَوَى حَدِيثاً كَثِيراً عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ وَعَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ اَلْحُسَيْنِ وَأَخِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ .
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كُنْتُ أَرَى اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ يَدْعُو،فَكُنْتُ أَقُولُ: لاَ يَضَعُ يَدَهُ حَتَّى يُسْتَجَابَ لَهُ فِي اَلْخَلْقِ جَمِيعاً (1).
وَرَوَى حَرْبٌ اَلطَّحَّانُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ صَاحِبُ اَلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَخْوَفَ مِنَ اَلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، حَتَّى قَدِمْتُ اَلْمَدِينَةَ فَرَأَيْتُ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام فَلَمْ أَرَ أَشَدَّ خَوْفاً مِنْهُ، كَأَنَّمَا أُدْخِلَ اَلنَّارَ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا لِشِدَّةِ خَوْفِهِ (2).
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامٍ اَلْمَخْزُومِيُّ وَالِياً عَلَى اَلْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَجْمَعُنَا يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ قَرِيباً مِنَ اَلْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَقَعُ فِي عَلِيٍّ وَيَشْتِمُهُ. قَالَ: فَحَضَرْتُ يَوْماً وَقَدِ اِمْتَلَأَ ذَلِكَ اَلْمَكَانُ، فَلَصِقْتُ بِالْمِنْبَرِ فَأَغْفَيْتُ، فَرَأَيْتُ اَلْقَبْرَ قَدِ اِنْفَرَجَ وَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بياض [بِيضٌ] فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ أَ لاَ يَحْزُنُكَ مَا يَقُولُ هَذَا قُلْتُ: بَلَى وَاَللَّهِ قَالَ: اِفْتَحْ عَيْنَيْكَ، اُنْظُرْ مَا يَصْنَعُ اَللَّهُ بِهِ؛ فَإِذَا هُوَقَدْ ذَكَرَ
ص: 174
عَلِيّاً فَرُمِيَ بِهِ مِنْ فَوْقِ اَلْمِنْبَرِ فَمَاتَ لَعَنَهُ اَللَّهُ (1).
ص: 175
باب ذكر ولد أبي جعفر علیهِ السّلامُ، وعددِهم وأَسمائهم
قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ وُلْدَ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ سَبْعَةُ نَفَرٍ: أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ بِهِ يُكَنَّى - وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أُمُّهُمَا أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِبْنِ أَبِي بَكْرٍ . وَإِبْرَاهِيمُ وَعُبَيْدُ اَللَّهِ، دَرَجَا (1)أُمُّهُمَا أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أَسِيدِ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ اَلثَّقَفِيَّةُ .
وَعَلِيٌّ وَزَيْنَبُ، لِأُمِّ وَلَدٍ.
وَأُمُّ سَلَمَةَ لِأُمِّ وَلَدٍ. (2)
وَلَمْ يُعْتَقَدْ فِي أَحَدٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ اَلْإِمَامَةُ إِلاَّ فِي أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ علیهِ السّلامُ، خَاصَّةً، وَكَانَ أَخُوهُ عَبْدُ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْفَضْلِ وَاَلصَّلاَحِ.
وَرُوِيَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ فَأَرَادَ قَتْلَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: لاَ تَقْتُلْنِي فَأَكُونَ (3)لِلَّهِ عَلَيْكَ عَوْناً؛ وَاِسْتَبْقِنِي أَكُنْ لَكَ عَلَى اَللَّهِ عَوْناً يُرِيدُ بِذَلِكَ، أَنَّهُ مِمَّنْ يَشْفَعُ إِلَى اَللَّهِ فَيُشَفِّعُهُ، فَقَالَ لَهُ اَلْأُمَوِيُّ:
ص: 176
لَسْتَ هُنَاكَ؛ وَسَقَاهُ اَلسَّمَّ فَقَتَلَهُ (1) .
ص: 177
ص: 178
باب ذكر الإِمامِ القائمِ بعدَ أَبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليٍّ عليهما السلامُ من ولدِه ، وتاريخ مولدِه ، ودلائلِ إِمامتهِ ، ومبلغ سنَه ، ومدّة خلافتهِ ، ووقت وفاتهِ ، وموضع قبرِه ، وعدد أَولادِه ، ومختصر من أَخبارِه.
وَكَانَ اَلصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ خَلِيفَةَ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ وَوَصِيَّهُ وَاَلْقَائِمَ بِالْإِمَامَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَرَزَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ بِالْفَضْلِ ، وَكَانَ أَنْبَهَهُمْ ذِكْراً، وَأَعْظَمَهُمْ قَدْراً، وَأَجَلَّهُمْ فِي اَلْعَامَّةِ وَاَلْخَاصَّةِ، وَنَقَلَ اَلنَّاسُ عَنْهُ مِنَ اَلْعُلُومِ مَا سَارَتْ بِهِ اَلرُّكْبَانُ، وَاِنْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي اَلْبُلْدَانِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ اَلْعُلَمَاءِ، مَا نُقِلَ عَنْهُ، وَلاَ لَقِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ اَلْآثَارِ وَنَقَلَةِ اَلْأَخْبَارِ، وَلاَ نَقَلُوا عَنْهُمْ كَمَا نَقَلُوا عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ، فَإِنَّ أَصْحَابَ اَلْحَدِيثِ قَدْ جَمَعُوا أَسْمَاءَ اَلرُّوَاةِ عَنْهُ مِنَ اَلثِّقَاتِ، عَلَى اِخْتِلاَفِهِمْ فِي اَلْآرَاءِ وَاَلْمَقَالاَتِ، فَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُلٍ (1).
وَكَانَ لَهُ علیهِ السّلامُ، مِنَ اَلدَّلاَئِلِ اَلْوَاضِحَةِ فِي (2)إِمَامَتِهِ مَا بَهَرَتِ اَلْقُلُوبَ وَأَخْرَسَتِ اَلْمُخَالِفَ عَنِ اَلطَّعْنِ (3)فِيهَا بِالشُّبُهَاتِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ علیهِ السّلامُ، بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ،
ص: 179
وَمَضَى علیهِ السّلامُ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَعَمِّهِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) .
وَأُمُّهُ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
وَكَانَتْ إِمَامَتُهُ علیهِ السّلامُ، أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً.
وَوَصَّى إِلَيْهِ أَبُوهُ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً، وَنَصَّ عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ نَصّاً جَلِيّاً .
فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام قَالَ: «لَمَّا حَضَرَتْ أَبِيَ اَلْوَفَاةُ قَالَ: يَا جَعْفَرُ، أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً؛ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَاَللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ (1)وَاَلرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي اَلْمِصْرِ فَلاَ يَسْأَلُ أَحَداً» (2).
وَرَوَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي اَلصَّبَّاحِ اَلْكِنَانِيِّ قَالَ: نَظَرَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ فَقَالَ: «تَرَى هَذَا ، مِنَ اَلَّذِينَ قَالَ: اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ) (3).(4) .
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيِّ قَالَ: سُئِلَ
ص: 180
أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ عَنِ اَلْقَائِمِ بَعْدَهُ ،فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ وَقَالَ: «هَذَا وَاَللَّهِ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ علیهم السّلام (1) .
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ اَلْحَكَمِ عَنْ طَاهِرٍ- صَاحِبِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَهُ فَأَقْبَلَ جَعْفَرٌ علیهِ السّلامُ، فَقَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ « هَذَا خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ» (2) .
وَرَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اَلْأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «إِنَّ أَبِي علیهِ السّلامُ اِسْتَوْدَعَنِي مَا هُنَاكَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ قَالَ: اُدْعُ لِي شُهُوداً، فَدَعَوْتُ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: اُكْتُبْ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ يَعْقُوبُ بَنِيهِ (يٰا بَنِيَّ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ لَكُمُ اَلدِّينَ فَلاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (3) وَأَوْصَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي بُرْدِهِ اَلَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، وَأَنْ يُعَمِّمَهُ بِعِمَامَتِهِ، وَأَنْ يُرَبِّعَ قَبْرَهُ وَيَرْفَعَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، وَأَنْ يَحُلَّ عَنْهُ أَطْمَارَهُ (4)عِنْدَ دَفْنِهِ ، ثُمَّ قَالَ: لِلشُّهُودِ اِنْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اَللَّهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ مَا كَانَ فِي هَذَا بِأَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ كَرِهْتُ أَنْ تُغْلَبَ وَأَنْ يُقَالَ: لَمْ يُوصَ إِلَيْهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لَكَ اَلْحُجَّةُ (5) .
ص: 181
وأشباهُ هذا الحديثِ في معناه كثيرٌ ، وقد جاءتِ الرِّوايةُ التي قدّمْنا ذِكرَها في خبرِ اللوحِ بالنّصِّ عليه منَ اللهِ تعالى بالإمامةِ. (1)
ثمّ الّذي قدّمْناه _ من دلائلِ العقولِ على أَنّ الإمامَ لا يكونُ إِلّا الافضل (2) - يدلُّ على إِمامتهِ علیهِ السّلامُ لظهورِ فضلِه في العلمِ والزُّهدِ والعملِ على كافّةِ إِخوتهِ وبني لم عَمِّه وسائرِ النّاسِ من أَهلِ عصره.
ثَم الّذيَ يَدلُ على فسادِ إِمامةِ مَنْ ليسَ بمعصومٍ كعصمةِ الأَنبياءِ علیهِم السلام : وليسَ بكاملٍ في العلمِ ، وظهور تعرِّي مَنْ سواه ممّنِ ادّعِيَ له الإمامةُ في وقتهِ عنِ العصمةِ ، وقصورِهم عنِ الكمالِ في علمِ الدِّينِ ؛ يَدًلُّ على إِمامتهِ علیهِ السّلامُ ، إِذ لا بدَّ من إِمام معصومٍ في كلِّ زمانٍ ، حَسَبَ ما قدّمْناه ووصفْناه (3)
وقد روى النّاسُ من اياتِ اللهِ الظاهرةِ على يدِه (4)علیهِ السّلامُ ما يَدلّ على إِمامتهِ وحقِّه ، وبطلانِ مقالِ منِ ادّعى الإمامةَ لغيرهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ نَقَلَةُ اَلْآثَارِ (5)مِنْ خَبَرِهِ عَلَيْهِ وَآبَائِهِ اَلسَّلاَمُ مَعَ اَلْمَنْصُورِ لَمَّا أَمَرَ اَلرَّبِيعُ بِإِحْضَارِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ فَأَحْضَرَهُ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ اَلْمَنْصُورُ قَالَ لَهُ: قَتَلَنِيَ اَللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ، أَ تُلْحِدُ فِي سُلْطَانِي
ص: 182
وَتَبْغِينِيَ اَلْغَوَائِلَ؟!
فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «وَاَللَّهِ مَا فَعَلْتُ وَلاَ أَرَدْتُ، وَإِنْ كَانَ بَلَغَكَ فَمِنْ كَاذِبٍ (وَلَوْ كُنْتُ) (1)فَعَلْتُ لَقَدْ ظُلِمَ يُوسُفُ فَغَفَرَ ، وَاُبْتُلِيَ أَيُّوبُ فَصَبَرَ، وَأُعْطِيَ سُلَيْمَانُ فَشَكَرَ، فَهَؤُلاَءِ أَنْبِيَاءُ اَللَّهِ وَإِلَيْهِمْ يَرْجِعُ نَسَبُكَ»
فَقَالَ لَهُ اَلْمَنْصُورُ: أَجَلْ، اِرْتَفِعْ هَاهُنَا ،فَارْتَفَعَ ؛ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ أَخْبَرَنِي عَنْكَ بِمَا ذَكَرْتُ.
فَقَالَ: «أَحْضِرْهُ - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - لِيُوَاقِفَنِي عَلَى ذَلِكَ» فَأُحْضِرَ اَلرَّجُلُ اَلْمَذْكُورُ.
فَقَالَ لَهُ اَلْمَنْصُورُ: أَنْتَ سَمِعْتَ مَا حَكَيْتَ عَنْ جَعْفَرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «فَاسْتَحْلِفْهُ عَلَى ذَلِكَ»
فَقَالَ لَهُ اَلْمَنْصُورُ: أَ تَحْلِفُ؟
قَالَ: نَعَمْ، ، وَاِبْتَدَأَ بِالْيَمِينِ.
فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «دَعْنِي - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - أُحَلِّفْهُ أَنَا»
فَقَالَ لَهُ: اِفْعَلْ.
فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: « لِلسَّاعِي قُلْ بَرِئْتُ مِنْ حَوْلِ اَللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَاِلْتَجَأْتُ إِلَى حَوْلِي وَقُوَّتِي، لَقَدْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا جَعْفَرٌ، وَقَالَ كَذَا وَكَذَا جَعْفَرٌ» فَامْتَنَعَ مِنْهَا هُنَيْهَةً ثُمَّ حَلَفَ بِهَا، فَمَا بَرِحَ حَتَّى ضَرَبَ بِرِجْلِهِ.
ص: 183
فَقَالَ: أَبُوجَعْفَرٍ: جُرُّوا بِرِجْلِهِ، فَأَخْرِجُوهُ لَعَنَهُ اَللَّهُ.
قَالَ اَلرَّبِيعُ: وَكُنْتُ رَأَيْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام حِينَ دَخَلَ عَلَى اَلْمَنْصُورِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَكُلَّمَا حَرَّكَهُمَا سَكَنَ غَضَبُ اَلْمَنْصُورِ ، حَتَّى أَدْنَاهُ مِنْهُ وَقَدْ رَضِيَ عَنْهُ. فَلَمَّا خَرَجَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ اِتَّبَعْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا اَلرَّجُلَ كَانَ مِنْ أَشَدِّ اَلنَّاسِ غَضَباً عَلَيْكَ، فَلَمَّا دَخَلْتَ عَلَيْهِ دَخَلْتَ وَأَنْتَ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ، وَكُلَّمَا حَرَّكْتَهُمَا سَكَنَ غَضَبُهُ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تُحَرِّكُهُمَا؟ قَالَ: «بِدُعَاءِ جَدِّي اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام » قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَمَا هَذَا اَلدُّعَاءُ ؟ قَالَ: «يَا عُدَّتِي(عِنْدَ شِدَّتِي) (1)وَيَا غَوْثِي عِنْدَ كُرْبَتِي اُحْرُسْنِي بِعَيْنِكَ اَلَّتِي لاَ تَنَامُ ، وَاُكْنُفْنِي بِرُكْنِكَ اَلَّذِي لاَ يُرَامُ»
قَالَ اَلرَّبِيعُ: فَحَفِظْتُ هَذَا اَلدُّعَاءَ، فَمَا نَزَلَتْ بِي شِدَّةٌ قَطُّ إِلاَّ دَعَوْتُ بِهِ فَفَرَّجَ عَنِّي.
قَالَ: وَقُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لِمَ مَنَعْتَ اَلسَّاعِيَ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «كَرِهْتُ أَنْ يَرَاهُ اَللَّهُ يُوَحِّدُهُ وَيُمَجِّدُهُ فَيَحْلُمَ عَنْهُ وَيُؤَخِّرَ عُقُوبَتَهُ، فَاسْتَحْلَفْتُهُ بِمَا سَمِعْتَ فَأَخَذَهُ اَللَّهُ أَخْذَةً رٰابِيَةً» (2) .
وَرُوِيَ أَنَّ دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَتَلَ اَلْمُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ مَوْلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام - وَأَخَذَ مَالَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ جَعْفَرٌ علیهِ السّلامُ وَهُوَ
ص: 184
يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: «قَتَلْتَ مَوْلاَيَ وَأَخَذْتَ مَالِي، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اَلرَّجُلَ يَنَامُ عَلَى اَلثَّكَلِ وَلاَ يَنَامُ عَلَى اَلْحَرَبِ، أَمَا وَاَللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اَللَّهَ عَلَيْكَ» فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: أَ تَتَهَدَّدُنَا (1)بِدُعَائِكَ؟ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِقَوْلِهِ. فَرَجَعَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ إِلَى دَارِهِ، فَلَمْ يَزَلْ لَيْلَهُ كُلَّهُ قَائِماً وَقَاعِداً، حَتَّى إِذَا كَانَ اَلسَّحَرُ سُمِعَ وَهُوَيَقُولُ: فِي مُنَاجَاتِهِ: «يَا ذَا اَلْقُوَّةِ اَلْقَوِيَّةِ، وَيَا ذَا اَلْمِحَالِ اَلشَّدِيدِ، وَيَا ذَا اَلْعِزَّةِ اَلَّتِي كُلُّ خَلْقِكَ لَهَا ذَلِيلٌ، اِكْفِنِي هَذَا اَلطَّاغِيَةَ وَاِنْتَقِمْ لِي مِنْهُ» فَمَا كَانَ إِلاَّ سَاعَةً حَتَّى اِرْتَفَعَتِ اَلْأَصْوَاتُ بِالصِّيَاحِ وَقِيلَ: قَدْ مَاتَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلسَّاعَةَ (2) .
وَرَوَى أَبُوبَصِيرٍ قَالَ: دَخَلْتُ اَلْمَدِينَةَ وَكَانَتْ مَعِي جُوَيْرِيَةٌ لِي فَأَصَبْتُ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى اَلْحَمَّامِ فَلَقِيتُ أَصْحَابَنَا اَلشِّيعَةَ وَهُمْ مُتَوَجِّهُونَ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام فَخِفْتُ أَنْ يَسْبِقُونِي وَيَفُوتَنِي اَلدُّخُولُ إِلَيْهِ، فَمَشَيْتُ مَعَهُمْ حَتَّى دَخَلْتُ اَلدَّارَ، فَلَمَّا مَثُلْتُ بَيْنَ يَدَي ْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ نَظَرَ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ بُيُوتَ اَلْأَنْبِيَاءِ وَأَوْلاَدِ اَلْأَنْبِيَاءِ لاَ يَدْخُلُهَا اَلْجُنُبُ فَاسْتَحْيَيْتُ وَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ ، إِنِّي لَقِيتُ أَصْحَابَنَا فَخَشِيتُ أَنْ يَفُوتَنِي اَلدُّخُولُ مَعَهُمْ، وَلَنْ أَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا، وَخَرَجْتُ (3) .
وجاءَتِ الرِّوايةُ عنه مُستفيضةً بمثلِ ما ذكرْناه منَ الآياتِ والإخبارِ بالغُيوب ممّا يطولُ تعدادُه.
ص: 185
وَكَانَ يَقُولُ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ اَلسَّلاَمُ: «عِلْمُنَا غَابِرٌ وَمَزْبُورٌ، وَنَكْتٌ فِي اَلْقُلُوبِ، وَنَقْرٌ فِي اَلْأَسْمَاعِ؛ وَإِنَّ عِنْدَنَا اَلْجَفْرَ اَلْأَحْمَرَ وَاَلْجَفْرَ اَلْأَبْيَضَ وَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ علیهِ السّلامُ؛ وَإِنَّ عِنْدَنَا اَلْجَامِعَةَ فِيهَا جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ»
فَسُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا اَلْكَلاَمِ فَقَالَ: «أَمَّا اَلْغَابِرُ فَالْعِلْمُ بِمَا يَكُونُ، وَأَمَّا اَلْمَزْبُورُ فَالْعِلْمُ بِمَا كَانَ وَأَمَّا اَلنَّكْتُ فِي اَلْقُلُوبِ فَهُوَاَلْإِلْهَامُ، وَاَلنَّقْرُ فِي اَلْأَسْمَاعِ حَدِيثُ اَلْمَلاَئِكَةِ، نَسْمَعُ كَلاَمَهُمْ وَلاَ نَرَى أَشْخَاصَهُمْ، وَأَمَّا اَلْجَفْرُ اَلْأَحْمَرُ فَوِعَاءٌ فِيهِ سِلاَحُ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَلَنْ يَظْهَرَ (1)حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَأَمَّا اَلْجَفْرُ اَلْأَبْيَضُ فَوِعَاءٌ فِيهِ تَوْرَاةُ مُوسَى وَإِنْجِيلُ عِيسَى وَزَبُورُ دَاوُدَ وَكُتُبُ اَللَّهِ اَلْأُولَى، وَأَمَّا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ علیهِ السّلامُ فَفِيهِ مَا يَكُونُ مِنْ حَادِثٍ وَأَسْمَاءُ كُلِّ مَنْ يَمْلِكُ (2)إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ، وَأَمَّا اَلْجَامِعَةُ فَهِيَ كِتَابٌ طُولُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعاً، إِمْلاَءُ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَخَطُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ بِيَدِهِ فِيهِ -وَاَللَّهِ -جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّ فِيهِ أَرْشَ اَلْخَدْشِ وَاَلْجَلْدَةِ وَنِصْفِ اَلْجَلْدَةِ » (3) .
وَكَانَ عَلَيْهِ وَآبَائِهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي، وَحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي، وَحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اَللَّهِ صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ
ص: 186
وَحَدِيثُ رَسُولِ اَللَّهِ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (1).
وَرَوَى أَبُوحَمْزَةَ اَلثُّمَالِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: « أَلْوَاحُ مُوسَى علیهِ السّلامُ عِنْدَنَا، وَعَصَا مُوسَى عِنْدَنَا وَنَحْنُ وَرَثَةُ اَلنَّبِيِّينَ» (2).
وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ اَلسَّمَّانِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ مِنَ اَلزَّيْدِيَّةِ فَقَالاَ لَهُ: أَ فِيكُمْ إِمَامٌ مُفْتَرَضٌ طَاعَتُهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: «لاَ » قَالَ: فَقَالاَ لَهُ: قَدْ أَخْبَرَنَا عَنْكَ اَلثِّقَاتُ أَنَّكَ تَقُولُ بِهِ - وَسَمَّوْا قَوْماً - وَقَالُوا: هُمْ أَصْحَابُ وَرَعٍ وَتَشْمِيرٍ (3) وَهُمْ مِمَّنْ لاَ يَكْذِبُ؛ فَغَضِبَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ وَقَالَ: مَا «أَمَرْتُهُمْ بِهَذَا» فَلَمَّا رَأَيَا اَلْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ خَرَجَا.
فَقَالَ لِي: «أَ تَعْرِفُ هَذَيْنِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ هُمَا مِنْ أَهْلِ سُوقِنَا، وَهُمَا مِنَ اَلزَّيْدِيَّةِ وَهُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّ سَيْفَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)عِنْدَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحَسَنِ فَقَالَ: كَذَبَا لَعَنَهُمَا اَللَّهُ، وَاَللَّهِ مَا رَآهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ بِعَيْنَيْهِ، وَلاَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ وَلاَ رَآهُ أَبُوهُ، اَللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَآهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَینِ علیهما السّلام، فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ فَمَا عَلاَمَةٌ فِي مَقْبِضِهِ؟ وَمَا أَثَرٌ فِي مَضْرَبِهِ؟ فَإِنَّ عِنْدِي لَسَيْفَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَإِنَّ عِنْدِي لَدِرْعَ رَسُولِ اَللَّهِ وَإِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اَللَّهِ وَلاَمَتَهُ وَمِغْفَرَهُ ، فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ فَمَا عَلاَمَةٌ فِي دِرْعِ رَسُولِ اَللَّهِ؟ وَإِنَّ
ص: 187
عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اَللَّهِ اَلْمِغْلَبَةَ (1)، وَإِنَّ عِنْدِي أَلْوَاحَ مُوسَى وَعَصَاهُ وَإِنَّ عِنْدِي لَخَاتَمَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَإِنَّ عِنْدِي اَلطَّسْتَ اَلَّتِي كَانَ مُوسَى يُقَرِّبُ فِيهِ اَلْقُرْبَانَ، وَإِنَّ عِنْدِي اَلاِسْمَ اَلَّذِي كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)إِذَا وَضَعَهُ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَاَلْمُشْرِكِينَ لَمْ تَصِلْ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ إِلَى اَلْمُسْلِمِينَ نُشَّابَةٌ، وَإِنَّ عِنْدِي لَمِثْلَ اَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ اَلْمَلاَئِكَةُ؛ وَمثَلُ اَلسِّلاَحِ فِينَا كَمَثَلِ اَلتَّابُوتِ (2)فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ بَنُوإِسْرَائِيلَ فِي أَيِّ بَيْتٍ وُجِدَ اَلتَّابُوتُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ أُوتُوا اَلنُّبُوَّةَ وَمَنْ صَارَ إِلَيْهِ اَلسِّلاَحُ مِنَّا أُوتِيَ اَلْإِمَامَةَ، وَلَقَدْ لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَخَطَّتْ عَلَيْهِ اَلْأَرْضَ خَطِيطاً، [خِطَطاً] وَلَبِسْتُهَا أَنَا فَكَانَتْ وَكَانَتْ، وَقَائِمُنَا مَنْ إِذَا لَبِسَهَا مَلَأَهَا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ» (3) .
وَرَوَى عَبْدُ اَلْأَعْلَى بْنُ أَعْيَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «عِنْدِي سِلاَحُ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ) لاَ أُنَازَعُ فِيهِ؛ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اَلسِّلاَحَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ (4)لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اَللَّهِ كَانَ خَيْرَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ يَصِيرُ إِلَى مَنْ يُلْوَى لَهُ اَلْحَنَكُ (5)فَإِذَا كَانَتْ مِنَ اَللَّهِ فِيهِ اَلْمَشِيئَةُ خَرَجَ؛ فَيَقُولُ اَلنَّاسُ: مَا هَذَا اَلَّذِي كَانَ؟!
ص: 188
وَيَضَعُ اَللَّهُ لَهُ يَداً عَلَى رَأْسِ رَعِيَّتِهِ» (1).
وَرَوَى عُمَرُ بْنُ أَبَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ عَمَّا يَتَحَدَّثُ اَلنَّاسُ أَنَّهُ دُفِعَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا - صَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لَمَّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِيٌّ علیهِ السّلامُ عِلْمَهُ وَسِلاَحَهُ وَمَا هُنَاكَ ثُمَّ صَارَ إِلَى اَلْحَسَنِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى اَلْحُسَيْنِ عليهما السلام»
قَالَ: فَقُلْتُ: ثُمَّ صَارَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، ثُمَّ إِلَى اِبْنِهِ، ثُمَّ اِنْتَهَى إِلَيْكَ؟
قَالَ: «نَعَمْ » (2) .
والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وفيما أثبتناه منها كفاية في الغرض الذي نؤمه إن شاء الله.
ص: 189
باب ذكر طرف من أخبار أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیهِ السّلامُ وكلامه
وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي اَلْفَرَجِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَصْفَهَانِيِّ فِي أَصْلِ كِتَابِهِ اَلْمَعْرُوفِ بِمَقَاتِلِ اَلطَّالِبِيِّينَ:
أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْعَتَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلْهَاشِمِيُّ وَاِبْنُ دَاحَةَ .
قَالَ: أَبُوزَيْدٍ (1)وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِوبْنِ جَبَلَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ - مَوْلَى بَنِي نُمَيْرٍ- عَنْ عَبْدِ اَلْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ
قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلْكَرَّامِ اَلْجَعْفَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ .
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ يَحْيَى .
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ اَلْآخِرِينَ:
أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اِجْتَمَعُوا بِالْأَبْوَاءِ ، وَفِيهِمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ ، وَأَبُوجَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورُ وَصَالِحُ بْنُ
ص: 190
عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ، وَاِبْنَاهُ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِوبْنِ عُثْمَانَ ؛ فَقَالَ: صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّكُمُ اَلَّذِينَ يَمُدُّ اَلنَّاسُ إِلَيْهِمْ (1)أَعْيُنَهُمْ ، وَقَدْ جَمَعَكُمُ اَللَّهُ فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ ، فَاعْقِدُوا بَيْعَةً لِرَجُلٍ مِنْكُمْ تُعْطُونَهُ إِيَّاهَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَفْتَحَ اَللَّهُ وَهُوَخَيْرُ اَلْفَاتِحِينَ.
فَحَمِدَ اَللَّهَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اِبْنِي هَذَا هُوَاَلْمَهْدِيُّ فَهَلُمَّ فَلْنُبَايِعْهُ.
قَالَ: أَبُوجَعْفَرٍ: لِأَيِّ شَيْءٍ تَخْدَعُونَ أَنْفُسَكُمْ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا اَلنَّاسُ إِلَى أَحَدٍ أَصْوَرَ (2)أَعْنَاقاً وَلاَ أَسْرَعَ إِجَابَةً مِنْهُمْ إِلَى هَذَا اَلْفَتَى يُرِيدُ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ .
قَالُوا: قَدْ - وَاَللَّهِ - صَدَقْتَ، أَنَّ هَذَا اَلَّذِي نَعْلَمُ.
فَبَايَعُوا مُحَمَّداً جَمِيعاً وَمَسَحُوا عَلَى يَدِهِ.
قَالَ عِيسَى: وَجَاءَ رَسُولُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحَسَنِ إِلَى أَبِي: أَنِ اِئْتِنَا فَإِنَّا مُجْتَمِعُونَ لِأَمْرٍ، وَأَرْسَلَ بِذَلِكَ، إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام .
وَقَالَ: غَيْرُ عِيسَى (3)إِنَّ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ اَلْحَسَنِ قَالَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُرِيدُوا جَعْفَراً، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكُمْ أَمْرَكُمْ.
قَالَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ: (فَأَرْسَلَنِي أَبِي أَنْظُرُ مَا اِجْتَمَعُوا لَهُ، فَجِئْتُهُمْ) (4)وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ يُصَلِّي عَلَى طِنْفِسَةِ رَحْلٍ مَثْنِيَّةٍ فَقُلْتُ: لَهُمْ:
ص: 191
أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَيْكُمْ أَسْأَلُكُمْ لِأَيِّ شَيْءٍ اِجْتَمَعْتُمْ؟
فَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ: اِجْتَمَعْنَا لِنُبَايِعَ اَلْمَهْدِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ .
قَالَ: وَجَاءَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَأَوْسَعَ لَهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ حَسَنٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ كَلاَمِهِ.
فَقَالَ جَعْفَرٌ: «لاَ تَفْعَلُوا، فَإِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ، إِنْ كُنْتَ تَرَى - يَعْنِي عَبْدَ اَللَّهِ - أَنَّ اِبْنَكَ هَذَا هُوَاَلْمَهْدِيُّ، فَلَيْسَ بِهِ وَلاَ هَذَا أَوَانُهُ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ؟ أَنْ تُخْرِجَهُ غَضَباً لِلَّهِ وَلِيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ، فَإِنَّا وَاَللَّهِ لاَ نَدَعُكَ - وَأَنْتَ شَيْخُنَا - وَنُبَايِعُ اِبْنَكَ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ».
فَغَضِبَ عَبْدُ اَللَّهِ وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُ خِلاَفَ مَا تَقُولُ، وَ وَاَللَّهِ مَا أَطْلَعَكَ اَللَّهُ عَلَى غَيْبِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا اَلْحَسَدُ لاِبْنِي.
فَقَالَ: «وَاَللَّهِ مَا ذَاكَ يَحْمِلُنِي، وَلَكِنْ هَذَا وَإِخْوَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُمْ دُونَكُمْ» وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِ (أَبِي اَلْعَبَّاسِ) (1)ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى كَتِفِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ حَسَنٍ وَقَالَ: «إِنَّهَا - وَاَللَّهِ - مَا هِيَ إِلَيْكَ وَلاَ إِلَى اِبْنَيْكَ وَلَكِنَّهَا لَهُمْ، وَإِنَّ اِبْنَيْكَ لَمَقْتُولاَنِ» ثُمَّ نَهَضَ وَتَوَكَّأَ عَلَى يَدِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ اَلزُّهْرِيِّ فَقَالَ: «أَ رَأَيْتَ صَاحِبَ اَلرِّدَاءِ اَلْأَصْفَرِ؟» يَعْنِي (أَبَا جَعْفَرٍ) (2)فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ فَقَالَ: «إِنَّا وَاَللَّهِ نَجِدُهُ يَقْتُلُهُ» قَالَ لَهُ عَبْدُ اَلْعَزِيزِ: أَ يَقْتُلُ مُحَمَّداً؟ قَالَ: «نَعَمْ».
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: حَسَدَهُ وَرَبِّ اَلْكَعْبَةِ! قَالَ: ثُمَّ وَاَللَّهِ مَا خَرَجْتُ
ص: 192
مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى رَأَيْتُهُ قَتَلَهُمَا.
قَالَ: فَلَمَّا قَالَ: جَعْفَرٌ ذَلِكَ وَنَهَضَ اَلْقَوْمُ وَاِفْتَرَقُوا، تَبِعَهُ عَبْدُ اَلصَّمَدِ وَأَبُوجَعْفَرٍ فَقَالاَ: يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ أَ تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ، أَقُولُهُ - وَاَللَّهِ - وَأَعْلَمُهُ» .
قَالَ أَبُواَلْفَرَجِ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْعَبَّاسِ اَلْمُقَانِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ حُسَيْنٍ (1)عَنْ (عَنْبَسَةَ بْنِ بِجَادٍ) (2)اَلْعَابِدِ قَالَ: كَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام إِذَا رَأَى مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ حَسَنٍ تَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ يَقُولُ: «بِنَفْسِي هُوَ، إِنَّ اَلنَّاسَ لَيَقُولُونَ فِيهِ، وَإِنَّهُ لَمَقْتُولٌ ،لَيْسَ هُوَفِي كِتَابِ عَلِيٍّ مِنْ خُلَفَاءِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ» (3) .
فصل
وهذا حديثٌ مشهورٌ كالّذي قبلَه ، لا يَختلفُ العلماء بالأخبار في صحّتِهما ، وهما ممّا يَدُلاّنِ على إمامةِ أبي عبدِاللهِ الصّادقِ علیهِ السّلامُ وأنّ المعجزاتِ كانتْ تظهرُ على يدِه لإخبارِه بالغائباتِ والكائناتِ قبلَ كونِها ، كما كانَ يُخبرُ الأنبياءُ علیهِم السلام : فيكونُ ذلكَ من اياتِهم وعلاماتِ
ص: 193
نبوّتِهم وصدقهِم على ربِّهم عزَّ وجلَّ.
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ، (عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالِهِ) (1)، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ علیهِ السّلامُ فَوَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَجُلٌ صَاحِبُ كَلاَمٍ وَفِقْهٍ وَفَرَائِضَ، وَقَدْ جِئْتُ لِمُنَاظَرَةِ أَصْحَابِكَ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «كَلاَمُكَ هَذَا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)أَوْ مِنْ عِنْدِكَ؟» فَقَالَ: مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اَللَّهِ بَعْضُهُ، وَمِنْ عِنْدِي بَعْضُهُ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «فَأَنْتَ إِذَنْ شَرِيكُ رَسُولِ اَللَّهِ؟!» فَقَالَ: لاَ؛ قَالَ: «فَسَمِعْتَ اَلْوَحْيَ عَنِ اَللَّهِ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَتَجِبُ طَاعَتُكَ كَمَا تَجِبُ طَاعَةُ رَسُولِ اَللَّهِ؟» قَالَ: لاَ؛ فَالْتَفَتَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا يُونُسَ بْنَ يَعْقُوبَ، هَذَا قَدْ خَصَمَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ»
ثُمَّ قَالَ: «يَا يُونُسُ، لَوْ كُنْتَ تُحْسِنُ اَلْكَلاَمَ لَكَلَّمْتَهُ»
قَالَ يُونُسُ: فَيَا لَهَا مِنْ حَسْرَةٍ ؛ ثُمَّ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنِ اَلْكَلاَمِ وَتَقُولُ: «وَيْلٌ لِأَصْحَابِ اَلْكَلاَمِ؛ يَقُولُونَ هَذَا يَنْقَادُ ؛وَهَذَا لاَ يَنْقَادُ وَهَذَا يَنْسَاقُ؛ وَهَذَا لاَ يَنْسَاقُ وَهَذَا نَعْقِلُهُ وَهَذَا لاَ نَعْقِلُهُ»
فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: « إِنَّمَا قُلْتُ: وَيْلٌ لِقَوْمٍ تَرَكُوا قَوْلِي وَذَهَبُوا إِلَى مَا يُرِيدُونَ؛ ثُمَّ قَالَ: اُخْرُجْ إِلَى اَلْبَابِ فَانْظُرْ مَنْ تَرَى مِنَ اَلْمُتَكَلِّمِينَ فَأَدْخِلْهُ»
ص: 194
قَالَ: فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ - وَكَانَ يُحْسِنُ اَلْكَلاَمَ - وَمُحَمَّدَ بْنَ اَلنُّعْمَانِ اَلْأَحْوَلَ (1) - وَكَانَ مُتَكَلِّماً - وَهِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وَقَيْسَ اَلْمَاصِرَ - وَكَانَا مُتَكَلِّمَيْنِ - فَأَدْخَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا اِسْتَقَرَّ بِنَا اَلْمَجْلِسُ - وَكُنَّا فِي خَيْمَةٍ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ عَلَى طَرَفِ جَبَلٍ فِي طَرَفِ اَلْحَرَمِ، وَذَلِكَ، قَبْلَ اَلْحَجِّ بِأَيَّامٍ - أَخْرَجَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ رَأْسَهُ مِنَ اَلْخَيْمَةِ، فَإِذَا هُوَبِبَعِيرٍ يَخُبُّ (2)فَقَالَ: «هِشَامٌ وَرَبِّ اَلْكَعْبَةِ»
قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّ هِشَاماً رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَقِيلٍ كَانَ شَدِيدَ اَلْمَحَبَّةِ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ، فَإِذَا هِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ قَدْ وَرَدَ، وَهُوَأَوَّلَ مَا اِخْتَطَّتْ لِحْيَتُهُ، وَلَيْسَ فِينَا إِلاَّ مَنْ هُوَأَكْبَرُ سِنّاً مِنْهُ، قَالَ: فَوَسَّعَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ وَقَالَ: «نَاصِرُنَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ»
ثُمَّ قَالَ لِحُمْرَانَ: كَلِّمِ اَلرَّجُلَ يَعْنِي اَلشَّامِيَّ، فَكَلَّمَهُ حُمْرَانُ فَظَهَرَ عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ: «يَا طَاقِيُّ كَلِّمْهُ» فَكَلَّمَهُ فَظَهَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ اَلنُّعْمَانِ.
ثُمَّ قَالَ: «يَا هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ كَلِّمْهُ» فَتَعَارَفَا.
ثُمَّ قَالَ لِقَيْسٍ اَلْمَاصِرِ: «كَلِّمْهُ» فَكَلَّمَهُ، وَأَقْبَلَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ يَتَبَسَّمُ مِنْ كَلاَمِهِمَا، وَقَدِ اِسْتَخْذَلَ اَلشَّامِيُّ فِي يَدِهِ.
ثُمَّ قَالَ لِلشَّامِيِّ: «كَلِّمْ هَذَا اَلْغُلاَمَ» يَعْنِي هِشَامَ بْنَ اَلْحَكَمِ.
فَقَالَ: نَعَمْ ثُمَّ قَالَ: اَلشَّامِيُّ لِهِشَامٍ : يَا غُلاَمُ، سَلْنِي فِي إِمَامَةِ
ص: 195
هَذَا - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ - فَغَضِبَ هِشَامٌ حَتَّى اِرْتَعَدَ (1)ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي يَا هَذَا، أَ رَبُّكَ أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ أَمْ هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ؟
فَقَالَ اَلشَّامِيُّ: بَلْ رَبِّي أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ.
قَالَ: فَفَعَلَ بِنَظَرِهِ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا ذَا
قَالَ: كَلَّفَهُمْ وَأَقَامَ لَهُمْ حُجَّةً وَدَلِيلاً عَلَى مَا كَلَّفَهُمْ، وَأَزَاحَ فِي ذَلِكَ عِلَلَهُمْ.
فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: :فَمَا اَلدَّلِيلُ اَلَّذِي نَصَبَهُ لَهُمْ؟
قَالَ اَلشَّامِيُّ: هُوَرَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ).
قَالَ لَهُ هِشَامٌ: فَبَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ مَنْ؟
قَالَ: اَلْكِتَابُ وَاَلسُّنَّةُ.
قَالَ لَهُ هِشَامٌ: فَهَلْ نَفَعَنَا اَلْيَوْمَ اَلْكِتَابُ وَاَلسُّنَّةُ فِيمَا اِخْتَلَفْنَا فِيهِ، حَتَّى رَفَعَ عَنَّا اَلاِخْتِلاَفَ وَمَكَّنَنَا مِنَ اَلاِتِّفَاقِ؟
قَالَ اَلشَّامِيُّ: نَعَمْ.
قَالَ لَهُ هِشَامٌ: فَلِمَ اِخْتَلَفْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ، وَجِئْتَنَا مِنَ اَلشَّامِ تُخَالِفُنَا وَتَزْعُمُ أَنَّ اَلرَّأْيَ طَرِيقُ اَلدِّينِ، وَأَنْتَ مُقِرٌّ بِأَنَّ اَلرَّأْيَ لاَ يَجْمَعُ عَلَى اَلْقَوْلِ اَلْوَاحِدِ اَلْمُخْتَلِفَيْنِ؟
فَسَكَتَ اَلشَّامِيُّ كَالْمُفَكِّرِ.
ص: 196
فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «مَا لَكَ لاَ تَتَكَلَّمُ؟»
قَالَ: إِنْ قُلْتُ: إِنَّا مَا اِخْتَلَفْنَا كَابَرْتُ، وَإِنْ قُلْتُ: إِنَّ اَلْكِتَابَ وَاَلسُّنَّةَ يَرْفَعَانِ عَنَّا اَلاِخْتِلاَفَ أَبْطَلْتُ، لِأَنَّهُمَا يَحْتَمِلاَنِ اَلْوُجُوهَ، وَلَكِنْ لِي عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ
فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ: « سَلْهُ تَجِدْهُ مَلِيّاً »
فَقَالَ اَلشَّامِيُّ لِهِشَامٍ: مَنْ أَنْظَرُ لِلْخَلْقِ رَبُّهُمْ أَوْ أَنْفُسُهُمْ؟
قَالَ هِشَامٌ: بَلْ رَبُّهُمْ أَنْظَرُ لَهُمْ .
فَقَالَ اَلشَّامِيُّ: فَهَلْ أَقَامَ لَهُمْ مَنْ يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ، وَيَرْفَعُ اِخْتِلاَفَهُمْ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حَقَّهُمْ مِنْ بَاطِلِهِمْ؟.
قَالَ: هِشَامٌ نَعَمْ.
قَالَ اَلشَّامِيُّ: مَنْ هُوَ؟
قَالَ هِشَامٌ: أَمَّا فِي اِبْتِدَاءِ اَلشَّرِيعَةِ فَرَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَأَمَّا بَعْدَ اَلنَّبِيِّ علیهِ السّلامُ فَغَيْرُهُ .
قَالَ اَلشَّامِيُّ: وَمَنْ هُوَغَيْرُ اَلنَّبِيِّ علیهِ السّلامُ اَلْقَائِمُ مَقَامَهُ فِي حُجَّتِهِ؟
قَالَ هِشَامٌ: فِي وَقْتِنَا هَذَا أَمْ قَبْلَهُ؟
قَالَ اَلشَّامِيُّ: بَلْ فِي وَقْتِنَا هَذَا .
قَالَ هِشَامٌ: هَذَا اَلْجَالِسُ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ - اَلَّذِي تُشَدُّ إِلَيْهِ اَلرِّحَالُ وَيُخْبِرُنَا بِأَخْبَارِ اَلسَّمَاءِ، وِرَاثَةً عَنْ أَبٍ عَنْ جَدٍّ.
ص: 197
قَالَ اَلشَّامِيُّ: وَكَيْفَ لِي بِعِلْمِ ذَلِكَ؟
قَالَ هِشَامٌ: سَلْهُ عَمَّا بَدَا لَكَ.
قَالَ اَلشَّامِيُّ: قَطَعْتَ عُذْرِي، فَعَلَيَّ اَلسُّؤَالُ.
فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: « أَنَا أَكْفِيكَ اَلْمَسْأَلَةَ يَا شَامِيُّ، أُخْبِرُكَ عَنْ مَسِيرِكَ وَسَفَرِكَ خَرَجْتَ يَوْمَ كَذَا، وَكَانَ طَرِيقُكَ كَذَا ،وَمَرَرْتَ عَلَى كَذَا ،وَمَرَّ بِكَ كَذَا».
فَأَقْبَلَ اَلشَّامِيُّ كُلَّمَا وَصَفَ لَهُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ يَقُولُ: صَدَقْتَ وَاَللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ اَلشَّامِيُّ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ اَلسَّاعَةَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «بَلْ آمَنْتَ بِاللَّهِ اَلسَّاعَةَ، إِنَّ اَلْإِسْلاَمَ قَبْلَ اَلْإِيمَانِ، وَعَلَيْهِ يَتَوَارَثُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ، وَاَلْإِيمَانُ عَلَيْهِ يُثَابُونَ »
قَالَ اَلشَّامِيُّ: صَدَقْتَ ، فَأَنَا اَلسَّاعَةَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ وَأَنَّكَ وَصِيُّ اَلْأَوْصِيَاءِ
قَالَ: فَأَقْبَلَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ عَلَى حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ فَقَالَ: «يَا حُمْرَانُ تُجْرِي اَلْكَلاَمَ عَلَى اَلْأَثَرِ فَتُصِيبُ»
وَاِلْتَفَتَ إِلَى هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ فَقَالَ: «تُرِيدُ اَلْأَثَرَ وَلاَ تَعْرِفُ»
ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى اَلْأَحْوَلِ فَقَالَ: «قَيَّاسٌ رَوَّاغٌ (1)تَكْسِرُ بَاطِلاً بِبَاطِلٍ، إِلاَّ أَنَّ بَاطِلَكَ أَظْهَرُ».
ص: 198
ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى قَيْسٍ اَلْمَاصِرِ فَقَالَ: «تُكَلِّمُ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنَ اَلْخَبَرِ عَنِ اَلرَّسُولِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)أَبْعَدُ مَا تَكُونُ مِنْهُ، تَمْزِجُ اَلْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَقَلِيلُ اَلْحَقِّ يَكْفِي مِنْ كَثِيرِ اَلْبَاطِلِ ، أَنْتَ وَاَلْأَحْوَلُ قَفَّازَانِ حَاذِقَانِ».
قَالَ يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ: فَظَنَنْتُ وَاَللَّهِ أَنَّهُ يَقُولُ لِهِشَامٍ قَرِيباً مِمَّا قَالَ لَهُمَا، فَقَالَ: «يَا هِشَامُ، لاَ تَكَادُ تَقَعُ تَلْوِي رِجْلَيْكَ، إِذَا هَمَمْتَ بِالْأَرْضِ طِرْتَ، مِثْلُكَ فَلْيُكَلِّمِ اَلنَّاسَ اِتَّقِ اَلزَّلَّةَ، وَاَلشَّفَاعَةُ مِنْ وَرَائِكَ» (1) .
فصل
وهذا الخبرُمعَ ما فيه من إثباتِ حجّةِ النّظر ودلالةِ الإمامةِ ، يتضمنُ منَ المعجزِ لأبي عبدِاللهِ علیهِ السّلامُ بالخبرِ عنِ الغائبِ مثلَ الّذي تضمّنَه الخبرانِ المتقدِّمانِ ، ويوافقُهما في معنى البرهان.
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْقُمِّيُّ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو(2) اَلْفُقَيْمِيِّ: أَنَّ اِبْنَ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ وَاِبْنَ طَالُوتَ وَاِبْنَ اَلْأَعْمَى وَاِبْنَ
ص: 199
اَلْمُقَفَّعِ، فِي نَفَرٍ مِنَ اَلزَّنَادِقَةِ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِي اَلْمَوْسِمِ بِالْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ، وَأَبُوعَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام فِيهِ إِذْ ذَاكَ يُفْتِي اَلنَّاسَ، وَيُفَسِّرُ لَهُمُ اَلْقُرْآنَ وَيُجِيبُ عَنِ اَلْمَسَائِلِ بِالْحُجَجِ وَاَلْبَيِّنَاتِ.
فَقَالَ: اَلْقَوْمُ لاِبْنِ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ: هَلْ لَكَ فِي تَغْلِيطِ هَذَا اَلْجَالِسِ وَسُؤَالِهِ عَمَّا يَفْضَحُهُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ اَلْمُحِيطِينَ بِهِ؟ فَقَدْ تَرَى فِتْنَةَ اَلنَّاسِ بِهِ، وَهُوَعَلاَّمَةُ زَمَانِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: اِبْنُ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ: نَعَمْ؛ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَفَرَّقَ اَلنَّاسَ وَ قَالَ: أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ، إِنَّ اَلْمَجَالِسَ أَمَانَاتٌ، وَلاَ بُدَّ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِهِ سُعَالٌ أَنْ يَسْعُلَ فَتَأْذَنُ فِي اَلسُّؤَالِ؟
فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «سَلْ إِنْ شِئْتَ»
فَقَالَ لَهُ: اِبْنُ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ: إِلَى كَمْ تَدُوسُونَ هَذَا اَلْبَيْدَرَ، وَتَلُوذُونَ بِهَذَا اَلْحَجَرِ، وَتَعْبُدُونَ هَذَا اَلْبَيْتَ اَلْمَرْفُوعَ بِالطُّوبِ وَاَلْمَدَرِ، وَتُهَرْوِلُونَ حَوْلَهُ هَرْوَلَةَ اَلْبَعِيرِ إِذَا نَفَرَ؟! مَنْ فَكَّرَ فِي ذَلِكَ (1)وَقَدَّرَ، عَلِمَ أَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِ حَكِيمٍ وَلاَ ذِي نَظَرٍ فَقُلْ فَإِنَّكَ رَأْسُ هَذَا اَلْأَمْرِ وَسَنَامُهُ، وَأَبُوكَ أُسُّهُ وَنِظَامُهُ.
فَقَالَ لَهُ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ وَآبَائِهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اَللَّهُ وَأَعْمَى قَلْبَهُ اِسْتَوْخَمَ اَلْحَقَّ فَلَمْ يَسْتَعْذِبْهُ، وَصَارَ اَلشَّيْطَانُ وَلِيَّهُ وَرَبَّهُ، يُورِدُهُ مَنَاهِلَ اَلْهَلَكَةِ، وَهَذَا بَيْتٌ اِسْتَعْبَدَ اَللَّهُ بِهِ خَلْقَهُ لِيَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ فِي إِتْيَانِهِ، فَحَثَّهُمْ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَزِيَارَتِهِ، وَجَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْمُصَلِّينَ لَهُ ، فَهُوَشُعْبَةٌ مِنْ رِضْوَانِهِ ، وَطَرِيقٌ يُؤَدِّي إِلَى غُفْرَانِهِ، مَنْصُوبٌ عَلَى اِسْتِوَاءِ اَلْكَمَالِ وَمَجْمَعِ اَلْعَظَمَةِ وَاَلْجَلاَلِ ،خَلَقَهُ قَبْلَ دَحْوِ اَلْأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ، فَأَحَقُّ مَنْ
ص: 200
أُطِيعَ فِيمَا أَمَرَ وَاُنْتُهِيَ عَمَّا زَجَرَ، اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اَلْمُنْشِئُ لِلْأَرْوَاحِ وَاَلصُّوَرِ»
فَقَالَ لَهُ اِبْنُ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ: ذَكَرْتَ - أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ - فَأَحَلْتَ عَلَى غَائِبٍ.
فَقَالَ اَلصَّادِقُ علیهِ السّلامُ: «كَيْفَ يَكُونُ - يَا وَيْلَكَ - عَنَّا غَائِباً مَنْ هُوَمَعَ خَلْقِهِ شَاهِدٌ ، وَإِلَيْهِمْ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ؟! يَسْمَعُ كَلاَمَهُمْ وَيَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ لاَ يَخْلُومِنْهُ مَكَانٌ، وَلاَ يَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ، وَلاَ يَكُونُ إِلَى مَكَانٍ، أَقْرَبَ مِنْ مَكَانٍ تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ آثَارُهُ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ أَفْعَالُهُ ، وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْآيَاتِ اَلْمُحْكَمَةِ وَاَلْبَرَاهِينِ اَلْوَاضِحَةِ مُحَمَّدٌ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)جَاءَنَا بِهَذِهِ اَلْعِبَادَةِ، فَإِنْ شَكَكْتَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ فَاسْأَلْ عَنْهُ أُوضِحْهُ لَكَ»
قَالَ: فَأَبْلَسَ اِبْنُ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَانْصَرَفَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: سَأَلْتُكُمْ أَنْ تَلْتَمِسُوا لِي خُمْرَةً فَأَلْقَيْتُمُونِي عَلَى جَمْرَةٍ ، قَالُوا لَهُ: اُسْكُتْ، فَوَاَللَّهِ لَقَدْ فَضَحْتَنَا بِحَيْرَتِكَ وَاِنْقِطَاعِكَ، وَمَا رَأَيْنَا أَحْقَرَ مِنْكَ اَلْيَوْمَ فِي مَجْلِسِهِ؛ فَقَالَ: أَ لِي تَقُولُونَ هَذَا؟! إِنَّهُ اِبْنُ مَنْ حَلَقَ رُءُوسَ مَنْ تَرَوْنَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى أَهْلِ اَلْمَوْسِمِ (1) .
وَرُوِيَ: أَنَّ أَبَا شَاكِرٍ اَلدَّيَصَانِيَّ وَقَفَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَجْلِسِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَأَحَدُ اَلنُّجُومِ اَلزَّوَاهِرِ، وَكَانَ آبَاؤُكَ بُدُوراً بَوَاهِرَ، وَأُمَّهَاتُكَ عَقِيلاَتٍ عَبَاهِرَ (2)وَعُنْصُرُكَ مِنْ أَكْرَمِ اَلْعَنَاصِرِ، وَإِذَا
ص: 201
ذُكِرَ اَلْعُلَمَاءُ فَبِكَ ثَنْيُ اَلْخَنَاصِرِ (1)خَبِّرْنَا أَيُّهَا اَلْبَحْرُ اَلزَّاخِرُ، مَا اَلدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ (2)اَلْعَالَمِ ؟
فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «مِنْ أَقْرَبِ اَلدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مَا أَذْكُرُهُ لَكَ؛ ثُمَّ دَعَا بِبَيْضَةٍ فَوَضَعَهَا فِي رَاحَتِهِ وَقَالَ: هَذَا حِصْنٌ مَلْمُومٌ، دَاخِلُهُ غِرْقِئٌ (3)رَقِيقٌ، تُطِيفُ بِهِ كَالْفِضَّةِ اَلسَّائِلَةِ وَاَلذَّهَبَةِ اَلْمَائِعَةِ، أَ تَشُكُّ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ أَبُوشَاكِرٍ: لاَ شَكَّ فِيهِ.
قَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «ثُمَّ إِنَّهُ يَنْفَلِقُ عَنْ صُورَةٍ كَالطَّاوُسِ، أَ دَخَلَهُ شَيْءٌ غَيْرُ مَا عَرَفْتَ؟».
قَالَ: لاَ.
قَالَ: «فَهَذَا اَلدَّلِيلُ عَلَى حَدَثِ اَلْعَالَمِ».
فَقَالَ أَبُوشَاكِرٍ: «دَلَلْتَ - أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ - فَأَوْضَحْتَ، وَقُلْتَ فَأَحْسَنْتَ، وَذَكَرْتَ فَأَوْجَزْتَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَقْبَلُ إِلاَّ مَا أَدْرَكْنَاهُ بِأَبْصَارِنَا، أَوْ سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا، أَوْ ذُقْنَاهُ بِأَفْوَاهِنَا، أَوْ شَمَمْنَاهُ بِأُنُوفِنَا، أَوْ لَمَسْنَاهُ بِبَشَرَتِنَا.
فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: « ذَكَرْتَ اَلْحَوَاسَّ اَلْخَمْسَ وَهِيَ لاَ
ص: 202
تَنْفَعُ فِي اَلاِسْتِنْبَاطِ إِلاَّ بِدَلِيلٍ ،كَمَا لاَ تُقْطَعُ اَلظُّلْمَةُ بِغَيْرِ مِصْبَاحٍ» (1) . يُریدُ علیهِ السّلامُ أَنّ الحواسَّ بغيرِعقلٍ لا تُوصِلُ إِلى معرفةِ الغائباتِ ، وأَنّ الّذي أراه من حُدوثِ الصُّورةِ معقولٌ ِبنيَ العلمُ به على محسوسٍ.
فصل
وَمِمَّا حُفِظَ عَنْهُ علیهِ السّلامُ فِي وُجُوبِ اَلْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِدِينِهِ، قَوْلُهُ : «وَجَدْتُ عِلْمَ اَلنَّاسِ كُلِّهِمْ فِي أَرْبَعٍ: أَوَّلُهَا أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ؛ وَاَلثَّانِي: أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ؛ وَاَلثَّالِثُ: أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْكَ، وَاَلرَّابِعُ: أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ عَنْ دِينِكَ» (2).
وهذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف، لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه -جل جلاله - فإذا علم أن له إلها وجب أن يعرف صنعه إليه، فإذا عرف صنعه عرف به نعمته، فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره، فإذا أراد تأدية شكره ، وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله وإذا وجب عليه طاعته، وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليجتنبه فتخلص به طاعة ربه وشكر إنعامه.
ص: 203
فصل
وَمِمَّا حُفِظَ عَنْهُ علیهِ السّلامُ فِي اَلتَّوْحِيدِ وَنَفْيِ اَلتَّشْبِيهِ قَوْلُهُ لِهِشَامِ بْنِ اَلْحَكَمِ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «إِنَّ اَللَّهَ لاَ يُشْبِهُ شَيْئاً وَلاَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَكُلَّمَا وَقَعَ فِي اَلْوَهْمِ فَهُوَبِخِلاَفِهِ» (1).
فصل
وَمِمَّا حُفِظَ عَنْهُ علیهِ السّلامُ مِنْ مُوجِزِ اَلْقَوْلِ فِي اَلْعَدْلِ قَوْلُهُ لِزُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ رَحِمَهُ اَللَّهُ: يَا زُرَارَةُ أُعْطِيكَ جُمْلَةً فِي اَلْقَضَاءِ وَاَلْقَدَرِ قَالَ لَهُ زُرَارَةُ:
نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ لَهُ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ وَجَمَعَ اَللَّهُ اَلْخَلاَئِقَ سَأَلَهُمْ عَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ عَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ (2) .
فصل
وَمِمَّا حُفِظَ عَنْهُ علیهِ السّلامُ فِي اَلْحِكْمَةِ وَاَلْمَوْعِظَةِ قَوْلُهُ : «مَا كُلُّ مَنْ
ص: 204
نَوَى شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلاَ كُلُّ مَنْ قدَرَ عَلَى شَيْءٍ وُفِّقَ لَهُ، وَلاَ كُلُّ مَنْ وُفِّقَ أَصَابَ لَهُ مَوْضِعاً، فَإِذَا اِجْتَمَعَتِ اَلنِّيَّةُ وَاَلْقُدْرَةُ وَاَلتَّوْفِيقُ وَاَلْإِصَابَةُ فَهُنَالِكَ تَمَّتِ اَلسَّعَادَةُ» (1).
فصل
وَمِمَّا حُفِظَ عَنْهُ علیهِ السّلامُ فِي اَلْحَثِّ عَلَى اَلنَّظَرِ فِي دِينِ اَللَّهِ، وَاَلْمَعْرِفَةِ لِأَوْلِيَاءِ اَللَّهِ، قَوْلُهُ علیهِ السّلامُ : «أَحْسِنُوا اَلنَّظَرَ فِيمَا لاَ يَسَعُكُمْ جَهْلُهُ، وَاِنْصَحُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَجَاهِدُوهَا (2)فِي طَلَبِ مَعْرِفَةِ مَا لاَ عُذْرَ لَكُمْ فِي جَهْلِهِ، فَإِنَّ لِدِينِ اَللَّهِ أَرْكَاناً لاَ يَنْفَعُ مَنْ جَهِلَهَا شِدَّةُ اِجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ ظَاهِرِ عِبَادَتِهِ، وَلاَ يَضُرُّ مَنْ عَرَفَهَا فَدَانَ بِهَا حُسْنُ اِقْتِصَادِهِ ، وَلاَ سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِعَوْنٍ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (3). فصل
وَمِمَّا حُفِظَ عَنْهُ علیهِ السّلامُ فِي اَلْحَثِّ عَلَى اَلتَّوْبَةِ قَوْلُهُ : «تَأْخِيرُ اَلتَّوْبَةِ اِغْتِرَارٌ، وَطُولُ اَلتَّسْوِيفِ حَيْرَةٌ ، وَاَلاِعْتِلاَلُ عَلَى اَللَّهِ هَلَكَةٌ، وَاَلْإِصْرَارُ عَلَى اَلذَّنْبِ أَمْنٌ لِمَكْرِ اَللَّهِ، فَلاٰ يَأْمَنُ مَكْرَ اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ
ص: 205
اَلْخٰاسِرُونَ» (1) .
والأخبارُ فيما حُفِظَ عنه علیهِ السّلامُ منَ العلمِ والحكمةِ والبيانِ والحجّةِ والزهدِ والموعظةِ وفنونِ العلمِ كلِّه ، أكثرُمن أَن تُحصى بالخطاب أَو تُحْوى بالكتاب ، وفيما أَثبتْناه منه كفايةٌ في الغرضِ الّذي قصدْناه ، واللهُ الموفِّقُ للصّوابِ.
فصل
وفيه علیهِ السّلامُ يقولُ السّيِّدُ ابنُ محمّدٍ الحِمْيرَيّ - رحمه الله - وقد رَجَعَ علیهِ السّلامُ عن قوله بمذهب الكيسانيِة (2) لمّا بلغَه إِنكارُ أبي عبدِالله علیهِ السّلامُ مقالَه ، ودعاؤه له إِلى القولِ بنظام الإمامةِ : لمّا بلغَه إِنكارُ أبي عبدِالله علیهِ السّلامُ مقالَه ، ودعاؤه له إِلى القولِ بنظام الإمامةِ :
يَا رَاكِباً نَحْوَ المَدِيْنَةِ جَسْرَةً (3)*** عُذَافِرَةً (4)(يَطويْ بهَا) (5)كُلّ سَبْسَب (6)
إِذا مَا هَدَاكَ اللهُ عَايَنْت جَعْفَراً *** فَقُلْ لِوَليِّ اللهِ وابْنِ المُهَذَّبِ
أَلا يَا وَليّ اللهِّ وابْنَ وَلِيِّه *** أَتُوْبُ إِلَى الرحْمانِ ثُم تأوّبيْ
إِلَيْكَ مِنً الذَّنْبِ الّذِيْ كُنْتُ مُطْنِبَاً *** أجَاهِدُ فِيْهِ دَائِبَاً كُلّ مُعْرِبِص:
206
وَمَا كانَ قَوليْ في (ابْنِ خَوْلَة)(1) مُعَانَدَةً مِنِّيْ لِنَسْلِ المُطيّبِ (2) دَائِبَاً
وَلكِنْ رَوَيْنَاَ عَنْ وَصِيِّ مُحمَّدٍ *** وَلَمْ يَكُ فِيْمَا قَالَ بالْمُتَكَذّبِ
بِأنَّ وَليَّ الأمْرِ يُفْقدُ لا يُرى *** سنِيْنَ كَفِعْلِ الخائف المُتَرَقًّب
فَتُقْسَمُ اَمْوَالُ الْفَقِيْد كأنَّمَا تَغَيُّبَه (3)بَيْنَ الصفيح المُنَصَّبَ
فَإِنْ قُلْتَ : لا ، فَالْحَقُّ قوْلُكَ وَالَّذِيْ *** تَقُوْلُ فَحَتْمٌ غَيْرُ مَا مُتَغَضّبِ (4)
وُأشْهِد رَبِّيْ أَنَ قوْلَكَ حُجَّةٌ *** عَلَى الْخَلقِ طُرَّاً مِنْ مُطِيْعٍ وُمُذْنِبِ
بأَنَّ وَلِيَّ الأمْرِ وَالْقَائِمَ الَّذِيْ *** تَطَلُّعُ نَفْسِيْ نَحْوَهُ وَتَطَربيْ
لهُ غَيْبَةٌ لا بُد أَنْ سيغيبها*** فَصلَّى عَلَيْهِ اللهُّ مِنْ مُتَغَيِّب
فَيَمْكُثُ حِيْنَاً ثُمّ يَظْهَرُ أَمْرُهُ *** فَيَمْلأ عَدْلا كُلَّ شرقٍ وَمَغْرِبِ (5) .
وفي هذا الشَعرِ دليلٌ على رجوعِ السّيِّدِعلیهِ السّلامُ السيد رحمه الله عن مذهبِ
ص: 207
الكَيْسانيّةِ ، وقولهِ بإِمامةِ الصّادقِ علیهِ السّلامُ ووجودِ الدّعوةِ ظاهرةً منَ الشَيعةِ في أَيّام أَبي عبدِاللهِ علیهِ السّلامُ إِلى إِمامتهِ والقولِ بغيبةِ صاحب الزّمانِ علیهِ السّلامُ ، وأنّها إِحدى علاماتهِ ، وهو صريحُ قولِ الإماميّةَ الأثنَى عشريّة.
ص: 208
باب ذكر أولاد أبي عبد الله علیهِ السّلامُ وعددهم وأسمائهم وطرف من أخبارهم
وَكَانَ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ: إِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ اَللَّهِ وَأُمُّ فَرْوَةَ، أُمُّهُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهم السّلام . (1)وَمُوسَى وَإِسْحَاقُ وَمُحَمَّدٌ ، لِأُمِّ وَلَدٍ وَاَلْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَأَسْمَاءُ وَفَاطِمَةُ، لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ شَتَّى .
وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ أَكْبَرَ إِخْوَتِهِ، وَكَانَ أَبُوهُ علیهِ السّلامُ شَدِيدَ اَلْمَحَبَّةِ لَهُ وَاَلْبِرِّ بِهِ وَاَلْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بَعْدَ أَبِيهِ وَاَلْخَلِيفَةُ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، إِذْ كَانَ أَكْبَرَ إِخْوَتِهِ سِنّاً وَلِمَيْلِ أَبِيهِ إِلَيْهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُ؛ فَمَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ بِالْعُرَيْضِ (2)وَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ اَلرِّجَالِ إِلَى أَبِيهِ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى دُفِنَ بِالْبَقِيعِ .
وَرُوِيَ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعاً شَدِيداً، وَحَزِنَ عَلَيْهِ حُزْناً عَظِيماً وَتَقَدَّمَ سَرِيرَهُ بِلاَ (3)حِذَاءٍ وَلاَ رِدَاءٍ ، وَأَمَرَ بِوَضْعِ سَرِيرِهِ عَلَى اَلْأَرْضِ قَبْلَ دَفْنِهِ مِرَاراً كَثِيرَةً ، وَكَانَ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ،
ص: 209
يُرِيدُ علیهِ السّلامُ بِذَلِكَ، تَحْقِيقَ أَمْرِ وَفَاتِهِ عِنْدَ اَلظَّانِّينَ خِلاَفَتَهُ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَإِزَالَةَ اَلشُّبْهَةِ عَنْهُمْ فِي حَيَاتِهِ. (1)
وَلَمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيلُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ اِنْصَرَفَ عَنِ اَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ بَعْدَ أَبِيهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ ذَلِكَ فَيَعْتَقِدُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِيهِ علیهِ السّلامُ، وَأَقَامَ عَلَى حَيَاتِهِ شِرْذِمَةٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَاصَّةِ أَبِيهِ وَلاَ مِنَ اَلرُّوَاةِ عَنْهُ، وَكَانُوا مِنَ اَلْأَبَاعِدِ وَاَلْأَطْرَافِ.
فَلَمَّا مَاتَ اَلصَّادِقُ علیهِ السّلامُ اِنْتَقَلَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إِلَى اَلْقَوْلِ بِإِمَامَةِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ بَعْدَ أَبِيهِ وَاِفْتَرَقَ اَلْبَاقُونَ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٌ مِنْهُمْ رَجَعُوا عَنْ حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ وَقَالُوا: بِإِمَامَةِ اِبْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، لِظَنِّهِمْ أَنَّ اَلْإِمَامَةَ كَانَتْ فِي أَبِيهِ وَأَنَّ اَلاِبْنَ أَحَقُّ بِمَقَامِ اَلْإِمَامَةِ مِنَ اَلْأَخِ، وَفَرِيقٌ ثَبَتُوا عَلَى حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ وَهُمُ اَلْيَوْمَ شُذَّاذٌ لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَوْمَى إِلَيْهِ. وَهَذَانِ اَلْفَرِيقَانِ يُسَمَّيَانِ بِالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَاَلْمَعْرُوفُ مِنْهُمُ اَلْآنَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اَلْإِمَامَةَ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ فِي وُلْدِهِ وَوُلْدِ وُلْدِهِ إِلَى آخِرِ اَلزَّمَانِ .
فصل
وَكَانَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَكْبَرَ إِخْوَتِهِ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ، وَلَمْ تَكُنْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ أَبِيهِ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِ مِنْ وُلْدِهِ فِي اَلْإِكْرَامِ، وَكَانَ مُتَّهَماً بِالْخِلاَفِ عَلَى أَبِيهِ فِي اَلاِعْتِقَادِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ اَلْحَشْوِيَّةَ (2)، وَيَمِيلُ إِلَى مَذَاهِبِ
ص: 210
اَلْمُرْجِئَةِ (1) وَاِدَّعَى بَعْدَ أَبِيهِ اَلْإِمَامَةَ، وَاِحْتَجَّ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ إِخْوَتِهِ اَلْبَاقِينَ، فَاتَّبَعَهُ عَلَى قَوْلِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ ثُمَّ رَجَعَ أَكْثَرُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى اَلْقَوْلِ بِإِمَامَةِ أَخِيهِ مُوسَى علیهِ السّلامُ لَمَّا تَبَيَّنُوا ضَعْفَ دَعْوَاهُ وَقُوَّةَ أَمْرِ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَدَلاَلَةَ حَقِّهِ وَبَرَاهِينَ إِمَامَتِهِ؛ وَأَقَامَ نَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ وَدَانُوا بِإِمَامَةِ عَبْدِ اَللَّهِ وَهُمُ اَلطَّائِفَةُ اَلْمُلَقَّبَةُ بِالْفَطَحِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُمْ هَذَا اَللَّقَبُ لِقَوْلِهِمْ بِإِمَامَةِ عَبْدِ اَللَّهِ وَكَانَ أَفْطَحَ اَلرِّجْلَيْنِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لُقِّبُوا بِذَلِكَ، لِأَنَّ دَاعِيَتَهُمْ إِلَى إِمَامَةِ عَبْدِ اَللَّهِ كَانَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَفْطَحَ .
وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ اَلْفَضْلِ وَاَلصَّلاَحِ وَاَلْوَرَعِ وَاَلاِجْتِهَادِ، وَرَوَى عَنْهُ اَلنَّاسُ اَلْحَدِيثَ وَاَلْآثَارَ وَكَانَ اِبْنُ كَاسِبٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي اَلثِّقَةُ اَلرَّضِيُّ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ. وَكَانَ إِسْحَاقُ يَقُولُ بِإِمَامَةِ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ اَلنَّصَّ بِالْإِمَامَةِ عَلَى أَخِيهِ مُوسَى علیهِ السّلامُ (2) .
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ شُجَاعاً سَخِيّاً وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً وَيَرَى رَأْيَ اَلزَّيْدِيَّةِ فِي اَلْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ.
وَرُوِيَ: عَنْ زَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا
ص: 211
خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا مُحَمَّدٌ يَوْماً قَطُّ فِي ثَوْبٍ فَرَجَعَ حَتَّى يَكْسُوَهُ (1)وَكَانَ يَذْبَحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَبْشاً لِأَضْيَافِهِ.
وَخَرَجَ عَلَى اَلْمَأْمُونِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ بِمَكَّةَ، وَاِتَّبَعَتْهُ اَلزَّيْدِيَّةُ اَلْجَارُودِيَّةُ، فَخَرَجَ لِقِتَالِهِ عِيسَى اَلْجَلُودِيُّ فَفَرَّقَ جَمْعَهُ وَأَخَذَهُ وَأَنْفَذَهُ إِلَى اَلْمَأْمُونِ ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ أَكْرَمَهُ اَلْمَأْمُونُ وَأَدْنَى مَجْلِسَهُ مِنْهُ وَوَصَلَهُ وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ، فَكَانَ مُقِيماً مَعَهُ بِخُرَاسَانَ يَرْكَبُ إِلَيْهِ فِي مَوْكِبٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، وَكَانَ اَلْمَأْمُونُ يَحْتَمِلُ مِنْهُ مَا لاَ يَحْتَمِلُهُ اَلسُّلْطَانُ مِنْ رَعِيَّتِهِ.
وَرُوِيَ: أَنَّ اَلْمَأْمُونَ أَنْكَرَ رُكُوبَهُ إِلَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ اَلطَّالِبِيِّينَ اَلَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى اَلْمَأْمُونِ فِي سَنَةِ اَلْمِائَتَيْنِ فَآمَنَهُمْ فَخَرَجَ اَلتَّوْقِيعُ إِلَيْهِمْ: لاَ تَرْكَبُوا مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَاِرْكَبُوا مَعَ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، فَأَبَوْا أَنْ يَرْكَبُوا وَلَزِمُوا مَنَازِلَهُمْ، فَخَرَجَ اَلتَّوْقِيعُ: اِرْكَبُوا مَعَ مَنْ أَحْبَبْتُمْ ؛ فَكَانُوا يَرْكَبُونَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ إِذَا رَكِبَ إِلَى اَلْمَأْمُونِ وَيَنْصَرِفُونَ بِانْصِرَافِهِ (2).
وَذُكِرَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: أُتِيَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ غِلْمَانَ ذِي اَلرِّئَاسَتَيْنِ قَدْ ضَرَبُوا غِلْمَانَكَ عَلَى حَطَبٍ اِشْتَرَوْهُ، فَخَرَجَ مُؤْتَزِراً بِبُرْدَتَيْنِ مَعَهُ هِرَاوَةٌ وَهُوَيَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
اَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ عَيْشٍ بِذُلٍّ.
ص: 212
وَتَبِعَهُ اَلنَّاسُ حَتَّى ضَرَبَ غِلْمَانَ ذِي اَلرِّئَاسَتَيْنِ وَأَخَذَ اَلْحَطَبَ مِنْهُمْ . فَرُفِعَ اَلْخَبَرُ إِلَى اَلْمَأْمُونِ فَبَعَثَ إِلَى ذِي اَلرِّئَاسَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ: اِئْتِ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ فَاعْتَذِرْ إِلَيْهِ، وَحَكِّمْهُ فِي غِلْمَانِكَ قَالَ: فَخَرَجَ ذُواَلرِّئَاسَتَيْنِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ: فَكُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ جَالِساً حَتَّى أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا ذُواَلرِّئَاسَتَيْنِ، فَقَالَ: لاَ يَجْلِسُ إِلاَّ عَلَى اَلْأَرْضِ؛ وَتَنَاوَلَ بِسَاطاً كَانَ فِي اَلْبَيْتِ فَرَمَى بِهِ هُوَوَمَنْ مَعَهُ نَاحِيَةً، وَلَمْ يَبْقَ فِي اَلْبَيْتِ إِلاَّ وِسَادَةٌ جَلَسَ عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ ذُواَلرِّئَاسَتَيْنِ وَسَّعَ لَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى اَلْوِسَادَةِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا وَجَلَسَ عَلَى اَلْأَرْضِ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَحَكَّمَهُ فِي غِلْمَانِهِ. (1)
وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ بِخُرَاسَانَ مَعَ اَلْمَأْمُونِ ، فَرَكِبَ اَلْمَأْمُونُ لِيَشْهَدَهُ فَلَقِيَهُمْ وَقَدْ خَرَجُوا بِهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى اَلسَّرِيرِ نَزَلَ فَتَرَجَّلَ وَمَشَى حَتَّى دَخَلَ بَيْنَ اَلْعَمُودَيْنِ، فَلَمْ يَزَلْ بَيْنَهُمَا حَتَّى وُضِعَ فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ حَمَلَهُ حَتَّى بَلَغَ بِهِ اَلْقَبْرَ، ثُمَّ دَخَلَ قَبْرَهُ فَلَمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى بَنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَامَ عَلَى اَلْقَبْرِ حَتَّى دُفِنَ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحُسَيْنِ وَدَعَا لَهُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ قَدْ تَعِبْتَ اَلْيَوْمَ فَلَوْ رَكِبْتَ؛ فَقَالَ: اَلْمَأْمُونُ إِنَّ هَذِهِ رَحِمٌ قُطِعَتْ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ. وَرُوِيَ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: لِأَخِي - وَهُوَإِلَى جَنْبِي وَاَلْمَأْمُونُ قَائِمٌ عَلَى اَلْقَبْرِ - لَوْ كَلَّمْنَاهُ فِي دَيْنِ اَلشَّيْخِ ، فَلاَ نَجِدُهُ أَقْرَبَ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ هَذَا؛ فَابْتَدَأَنَا اَلْمَأْمُونُ فَقَالَ: كَمْ تَرَكَ أَبُوجَعْفَرٍ مِنَ اَلدَّيْنِ؟ فَقُلْتُ: خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ: قَدْ قَضَى اَللَّهُ عَنْهُ دَيْنَهُ إِلَى مَنْ أَوْصَى؟ قُلْنَا: إِلَى اِبْنٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بِالْمَدِينَةِ؛ فَقَالَ: لَيْسَ
ص: 213
هُوَبِالْمَدِينَةِ، وَهُوَبِمِصْرَ وَقَدْ عَلِمْنَا بِكَوْنِهِ فِيهَا، وَلَكِنْ كَرِهْنَا أَنْ نُعْلِمَهُ بِخُرُوجِهِ مِنَ اَلْمَدِينَةِ لِئَلاَّ يَسُوءَهُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِكَرَاهَتِنَا لِخُرُوجِهِ عَنْهَا (1).
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ- رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - رَاوِيَةً لِلْحَدِيثِ، سَدِيدَ اَلطَّرِيقِ، شَدِيدَ اَلْوَرَعِ كَثِيرَ اَلْفَضْلِ؛ وَلَزِمَ أَخَاهُ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَرَوَى عَنْهُ شَيْئاً كَثِيراً .
وَكَانَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ جَعْفَرٍ- رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ -فَاضِلاً نَبِيلاً.
وَكَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ أَجَلَّ وُلْدِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَدْراً وَأَعْظَمَهُمْ مَحَلاًّ ، وَأَبْعَدَهُمْ فِي اَلنَّاسِ صِيتاً، وَلَمْ يُرَ فِي زَمَانِهِ أَسْخَى مِنْهُ وَلاَ أَكْرَمَ نَفْساً وَعِشْرَةً، وَكَانَ أَعْبَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَوْرَعَهُمْ وَأَجَلَّهُمْ وَأَفْقَهَهُمْ، وَاِجْتَمَعَ جُمْهُورُ شِيعَةِ أَبِيهِ عَلَى اَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ وَاَلتَّعْظِيمِ لِحَقِّهِ وَاَلتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ.
وَرَوَوْا عَنْ أَبِيهِ علیهِ السّلامُ نُصُوصاً عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ، وَإِشَارَاتٍ إِلَيْهِ بِالْخِلاَفَةِ، وَأَخَذُوا عَنْهُ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَرَوَوْا عَنْهُ مِنَ اَلْآيَاتِ وَاَلْمُعْجِزَاتِ مَا يُقْطَعُ بِهِ عَلَى حُجَّتِهِ وَصَوَابِ اَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ .
ص: 214
باب
ذكر الإمام القائم بعد أبي عبد الله جعفر بن محمد علیهما السّلام من ولده، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، ومبلغ سنه، ومدة خلافته، ووقت وفاته وسببها، وموضع قبره، وعدد أولاده،ومختصر من أخباره
وَكَانَ اَلْإِمَامُ -كَمَا قَدَّمْنَاهُ - بَعْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اِبْنَهُ أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ اَلْعَبْدَ اَلصَّالِحَ علیهِ السّلامُ، لاِجْتِمَاعِ خِلاَلِ اَلْفَضْلِ فِيهِ وَاَلْكَمَالِ، وَلِنَصِّ أَبِيهِ بِالْإِمَامَةِ عَلَيْهِ وَإِشَارَتِهِ بِهَا إِلَيْهِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ علیهِ السّلامُ بِالْأَبْوَاءِ (1)سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ .
وَقُبِضَ علیهِ السّلامُ بِبَغْدَادَ فِي حَبْسِ اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا حَمِيدَةُ اَلْبَرْبَرِيَّةُ .
وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ وَمُقَامِهِ فِي اَلْإِمَامَةِ بَعْدَ أَبِيهِ علیهِ السّلامُ خَمْساً وَثَلاَثِينَ سَنَةً.
وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا إِبْرَاهِيمَ وَأَبَا اَلْحَسَنِ وَأَبَا عَلِيٍّ، وَيُعْرَفُ بِالْعَبْدِ
ص: 215
اَلصَّالِحِ ،وَيُنْعَتُ أَيْضاً بِالْكَاظِمِ .
فصل في النص عليه بالإمامة من أبيه علیهما السّلام
فَمِمَّنْ رَوَى صَرِيحَ اَلنَّصِّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ علیهِ السّلامُ عَلَى اِبْنِهِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ مِنْ شُيُوخِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ وَخَاصَّتِهِ وَبِطَانَتِهِ وَثِقَاتِهِ اَلْفُقَهَاءِ اَلصَّالِحِينَ - رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ - اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ اَلْجُعْفِيُّ، وَمُعَاذُ بْنُ كَثِيرٍ، وَعَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ اَلْحَجَّاجِ، وَاَلْفَيْضُ بْنُ اَلْمُخْتَارِ، وَيَعْقُوبُ اَلسَّرَّاجُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ، وَصَفْوَانُ اَلْجَمَّالُ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَطُولُ بِذِكْرِهِمُ اَلْكِتَابُ. (1)
وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ إِخْوَتِهِ إِسْحَاقُ وَعَلِيٌّ اِبْنَا جَعْفَرٍ وَكَانَا مِنَ اَلْفَضْلِ وَاَلْوَرَعِ عَلَى مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ اِثْنَانِ .
فَرَوَى مُوسَى اَلصَّيْقَلُ، عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ فَدَخَلَ أَبُوإِبْرَاهِيمَ مُوسَى علیهِ السّلامُ - وَهُوَغُلاَمٌ - فَقَالَ لِي أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ : «اِسْتَوْصِ بِهِ، وَضَعْ أَمْرَهُ عِنْدَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ
ص: 216
أَصْحَابِكَ» (1) .
وَرَوَى ثُبَيْتٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: قُلْتُ: أَسْأَلُ اَللَّهَ اَلَّذِي رَزَقَ أَبَاكَ مِنْكَ هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ، أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ قَبْلَ اَلْمَمَاتِ مِثْلَهَا، فَقَالَ: «قَدْ فَعَلَ اَللَّهُ» ذَلِكَ قُلْتُ: مَنْ هُوَجُعِلْتُ فِدَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ وَهُوَرَاقِدٌ، قَالَ: «هَذَا اَلرَّاقِدُ» وَهُوَيَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ (2) .
وَرَوَى أَبُوعَلِيٍّ اَلْأَرَّجَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام فِي مَنْزِلِهِ، فَإِذَا هُوَفِي بَيْتِ كَذَا مِنْ دَارِهِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ، وَهُوَيَدْعُووَعَلَى يَمِينِهِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ قَدْ عَرَفْتَ اِنْقِطَاعِي إِلَيْكَ وَخِدْمَتِي لَكَ، فَمَنْ وَلِيُّ اَلْأَمْرِ بَعْدَكَ قَالَ: «يَا عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ، إِنَّ مُوسَى قَدْ لَبِسَ اَلدِّرْعَ وَاِسْتَوَتْ عَلَيْهِ» فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إِلَى شَيْءٍ (3) .
وَرَوَى عَبْدُ اَلْأَعْلَى عَنِ اَلْفَيْضِ بْنِ اَلْمُخْتَارِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ: خُذْ بِيَدِي مِنَ اَلنَّارِ، مَنْ لَنَا بَعْدَكَ؟ قَالَ: فَدَخَلَ أَبُوإِبْرَاهِيمَ - وَهُوَيَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ - فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ فَتَمَسَّكْ بِهِ» (4) .
ص: 217
وَرَوَى اِبْنُ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ اَلْأَنْفُسَ يُغْدَى عَلَيْهَا وَيُرَاحُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمَنْ؟ فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: « إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَصَاحِبُكُمْ» وَضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْأَيْمَنِ ، وَهُوَفِيمَا أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ خُمَاسِيٌّ ، وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ جَالِسٌ مَعَنَا (1) .
وَرَوَى اِبْنُ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُُ؛ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَلاَ أَرَانِي اَللَّهُ ذَلِكَ - فَبِمَنْ آتَمُّ ؟ قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَى اِبْنِهِ مُوسَى، قُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ، بِمُوسَى حَدَثٌ فَبِمَنْ آتَمُّ؟ قَالَ: «بِوَلَدِهِ» قُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ؟ بِوَلَدِهِ حَدَثٌ؟ قَالَ: «بِوَلَدِهِ» قُلْتُ: وَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَتَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَاِبْناً صَغِيراً؟ قَالَ: «بِوَلَدِهِ، ثُمَّ هَكَذَا أَبَداً» (2) .
وَرَوَى اَلْفَضْلُ، عَنْ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُُ، قَالَ: رَأَيْتُ يَلُومُ عَبْدَ اَللَّهِ اِبْنَهُ وَيَعِظُهُ وَيَقُولُ لَهُ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ أَخِيكَ؟! فَوَاَللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ اَلنُّورَ فِي وَجْهِهِ» فَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ: وَكَيْفَ؟ أَ لَيْسَ أَبِي وَأَبُوهُ وَاحِداً، وَأَصْلِي وَأَصْلُهُ وَاحِداً؟ فَقَالَ لَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: إِنَّهُ مِنْ نَفْسِي وَأَنْتَ اِبْنِي» (3) .
ص: 218
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ يَعْقُوبَ اَلسَّرَّاجِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ وَهُوَوَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى وَهُوَفِي اَلْمَهْدِ، فَجَعَلَ يُسَارُّهُ طَوِيلاً ، فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: «اُدْنُ إِلَى مَوْلاَكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» فَدَنَوْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ثُمَّ قَالَ لِي:« اِذْهَبْ فَغَيِّرِ اِسْمَ اِبْنَتِكَ اَلَّتِي سَمَّيْتَهَا أَمْسِ، فَإِنَّهُ اِسْمٌ يُبْغِضُهُ اَللَّهُ» وَكَانَتْ وُلِدَتْ لِي بِنْتٌ فَسَمَّيْتُهَا بِالْحُمَيْرَاءِ، فَقَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ: « اِنْتَهِ إِلَى أَمْرِهِ تُرْشَدْ» فَغَيَّرْتُ اِسْمَهَا (1) .
وَرَوَى اِبْنُ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: دَعَا أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهما السلام) يَوْماً وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ: لَنَا «عَلَيْكُمْ بِهَذَا بَعْدِي، فَهُوَ وَاَللَّهِ صَاحِبُكُمْ بَعْدِي» (2) .
وَرَوَى اَلْوَشَّاءُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ ، عَنْ صَفْوَانَ اَلْجَمَّالِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ فَقَالَ: «صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ لاَ يَلْهُووَلاَ يَلْعَبُ» فَأَقْبَلَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَمَعَهُ بَهْمَةٌ (3)لَهُ، وَهُوَيَقُولُ لَهَا: «اُسْجُدِي لِرَبِّكِ» فَأَخَذَهُ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ لاَ يَلْهُووَلاَ يَلْعَبُ» (4) .
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْجَعْفَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ
ص: 219
اَلصَّادِقُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي يَوْماً فَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِلَى مَنْ نَفْزَعُ وَيَفْزَعُ اَلنَّاسُ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: «إِلَى صَاحِبِ هَذَيْنِ اَلثَّوْبَيْنِ اَلْأَصْفَرَيْنِ وَاَلْغَدِيرَتَيْنِ (1)، وَهُوَاَلطَّالِعُ عَلَيْكَ مِنَ اَلْبَابِ» قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا أَنْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا كَفَّانِ آخِذَتَانِ بِالْبَابَيْنِ حَتَّى اِنْفَتَحَا ، وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَبُوإِبْرَاهِيمَ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَهُوَصَبِيٌّ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ (2) .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي - جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ- يَقُولُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ خَاصَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ: «اِسْتَوْصُوا بِابْنِي مُوسَى خَيْراً، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ وُلْدِي وَمَنْ أُخَلِّفُ مِنْ بَعْدِي، وَهُوَاَلْقَائِمُ مَقَامِي، وَاَلْحُجَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كَافَّةِ خَلْقِهِ مِنْ بَعْدِي» (3).
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ شَدِيدَ اَلتَّمَسُّكِ بِأَخِيهِ مُوسَى وَاَلاِنْقِطَاعِ إِلَيْهِ وَاَلتَّوَفُّرِ عَلَى أَخْذِ مَعَالِمِ اَلدِّينِ مِنْهُ، وَلَهُ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ وَجَوَابَاتٌ رَوَاهَا سَمَاعاً مِنْهُ .
وَاَلْأَخْبَارُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَوَصَفْنَاهُ.
ص: 220
باب
ذكر طرف من دلائل أبي الحسن موسى علیهِ السّلامُ وآياته وعلاماته ومعجزاته
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي يَحْيَى اَلْوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ أَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلنُّعْمَانِ صَاحِبُ اَلطَّاقِ، وَاَلنَّاسُ مُجْمِعُونَ (1)عَلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ صَاحِبُ اَلْأَمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ - وَاَلنَّاسُ عِنْدَهُ - فَسَأَلْنَاهُ عَنِ اَلزَّكَاةِ فِي كَمْ تَجِبُ، فَقَالَ: فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَقُلْنَا لَهُ: فَفِي مِائَةٍ؟ قَالَ: دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ؛ قُلْنَا: وَاَللَّهِ مَا تَقُولُ اَلْمُرْجِئَةُ هَذَا ؛ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ اَلْمُرْجِئَةُ.
قَالَ فَخَرَجْنَا ضُلاَّلاً لاَ نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ أَنَا وَأَبُوجَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلُ، فَقَعَدْنَا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ اَلْمَدِينَةِ بَاكِيَيْنِ لاَ نَدْرِي أَيْنَ نَتَوَجَّهُ وَإِلَى مَنْ نَقْصِدُ، نَقُولُ: إِلَى اَلْمُرْجِئَةِ، إِلَى اَلْقَدَرِيَّةِ، إِلَى اَلْمُعْتَزِلَة،ِ إِلَى اَلزَّيْدِيَّةِ، [إِلَى اَلْخَوَارِجِ] (2)فَنَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ رَأَيْتُ رَجُلاً شَيْخاً لاَ أَعْرِفُهُ يُومِئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عَيْناً مِنْ عُيُونِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورِ، وَذَلِكَ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ جَوَاسِيسُ عَلَى مَنْ يَجْتَمِعُ بَعْدَ جَعْفَرٍ اَلنَّاسُ ،فَيُؤْخَذُ فَيُضْرَبُ عُنُقُهُ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ.
ص: 221
فَقُلْتُ لِلْأَحْوَلِ : تَنَحَّ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَى نَفْسِي وَعَلَيْكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُنِي لَيْسَ يُرِيدُكَ، فَتَنَحَّ عَنِّي لاَ تَهْلِكْ فَتُعِينَ عَلَى نَفْسِكَ، فَتَنَحَّى عَنِّي بَعِيداً.
وَتَبِعْتُ اَلشَّيْخَ ، وَذَلِكَ، أَنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى اَلتَّخَلُّصِ مِنْهُ، فَمَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ - وَقَدْ عَرَضْتُ عَلَى اَلْمَوْتِ - حَتَّى وَرَدَ بِي عَلَى بَابِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ ثُمَّ خَلاَّنِي وَمَضَى، فَإِذَا خَادِمٌ بِالْبَابِ فَقَالَ لِي: َ اُدْخُلْ رَحِمَكَ اَللَّهُ.
فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ فَقَالَ لِي َ اِبْتِدَاءً مِنْهُ: «إِلَيَّ إِلَيَّ ، لاَ إِلَى اَلْمُرْجِئَةِ، وَلاَ إِلَى اَلْقَدَرِيَّةِ، وَلاَ إِلَى اَلْمُعْتَزِلَةِ، وَلاَ إِلَى اَلْخَوَارِجِ، وَلاَ إِلَى اَلزَّيْدِيَّةِ» قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَضَى أَبُوكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» قُلْتُ: مَضَى مَوْتاً؟ قَالَ:«نَعَمْ» قُلْتُ: فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ» قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ عَبْدَ اَللَّهِ أَخَاكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اَلْإِمَامُ بَعْدَ أَبِيهِ؛ فَقَالَ «عَبْدُ اَللَّهِ: يُرِيدُ أَنْ لاَ يُعْبَدَ اَللَّهُ» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَنْ لَنَا بَعْدَهُ ؟ فَقَالَ: «إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: «لاَأَقُولُ: ذَلِكَ»
قَالَ: فَقُلْتُ: فِي نَفْسِي: لَمْ أُصِبْ طَرِيقَ اَلْمَسْأَلَةِ؛ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، عَلَيْكَ إِمَامٌ ؟ قَالَ: «لاَ» قَالَ: فَدَخَلَنِي شَيْءٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اَللَّهُ إِعْظَاماً لَهُ وَهَيْبَةًريال ثُمَّ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَسْأَلُكَ كَمَا كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَاكَ قَالَ: « سَلْ تُخْبَرْ لاَ تُذِعْ فَإِنْ أَذَعْتَ فَهُوَاَلذَّبْحُ» قَالَ: فَسَأَلْتُهُ فَإِذَا هُوَبَحْرٌ لاَ يُنْزَفُ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، شِيعَةُ أَبِيكَ ضُلاَّلٌ، فَأُلْقِي إِلَيْهِمْ هَذَا اَلْأَمْرَ وَأَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ؟ فَقَدْ أَخَذْتَ عَلَيَّ اَلْكِتْمَانَ؛ قَالَ: «مَنْ آنَسْتَ مِنْهُمْ رُشْداً فَأَلْقِ إِلَيْهِ وَخُذْ عَلَيْهِ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنْ أَذَاعَ فَهُوَاَلذَّبْحُ»
ص: 222
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلَ، فَقَالَ لِي: مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ: اَلْهُدَى؛ وَحَدَّثْتُهُ بِالْقِصَّةِ. قَالَ: ثُمَّ لَقِينَا زُرَارَةَ (1)وَأَبَا بَصِيرٍ فَدَخَلاَ عَلَيْهِ، وَسَمِعَا كَلاَمَهُ وَسَاءَلاَهُ وَقَطَعَا عَلَيْهِ ثُمَّ لَقِينَا اَلنَّاسَ أَفْوَاجاً ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَطَعَ عَلَيْهِ، إِلاَّ طَائِفَةَ عَمَّارٍ اَلسَّابَاطِيِّ، وَبَقِيَ عَبْدُ اَللَّهِ لاَ يَدْخُلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلنَّاسِ إِلاَّ اَلْقَلِيلُ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلرَّافِعِيِّ قَالَ: كَانَ لِيَ اِبْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ: اَلْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ وَكَانَ زَاهِداً وَكَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ يَتَّقِيهِ اَلسُّلْطَانُ لِجِدِّهِ فِي اَلدِّينِ وَاِجْتِهَادِهِ، وَرُبَّمَا اِسْتَقْبَلَ اَلسُّلْطَانَ فِي اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَاَلنَّهْيِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ بِمَا يُغْضِبُهُ، فَكَانَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لَهُ لِصَلاَحِهِ، فَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ حَالُهُ حَتَّى دَخَلَ يَوْماً اَلْمَسْجِدَ وَفِيهِ أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا عَلِيٍّ، مَا أَحَبَّ إِلَيَّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَأَسَرَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَتْ لَكَ مَعْرِفَةٌ، فَاطْلُبِ اَلْمَعْرِفَةَ» فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَمَا اَلْمَعْرِفَةُ؟ قَالَ: «اِذْهَبْ تَفَقَّهْ، وَاُطْلُبِ اَلْحَدِيثَ» قَالَ: عَمَّنْ؟ قَالَ: «عَنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ، ثُمَّ اِعْرِضْ عَلَيَّ اَلْحَدِيثَ» قَالَ: فَذَهَبَ فَكَتَبَ ثُمَّ جَاءَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَأَسْقَطَهُ كُلَّهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:
ص: 223
«اِذْهَبْ فَاعْرِفْ» وَكَانَ اَلرَّجُلُ مَعْنِيّاً بِدِينِهِ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَصَّدُ أَبَا اَلْحَسَنِ حَتَّى خَرَجَ إِلَى ضَيْعَةٍ لَهُ، فَلَقِيَهُ فِي اَلطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَحْتَجُّ عَلَيْكَ بَيْنَ يَدَيِ اَللَّهِ، فَدُلَّنِي عَلَى مَا تَجِبُ عَلَيَّ مَعْرِفَتُهُ؛ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بِأَمْرِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)وَحَقِّهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ، وَأَمْرِ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام ثُمَّ سَكَتَ. فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَنِ اَلْإِمَامُ اَلْيَوْمَ ؟ قَالَ: «إِنْ أَخْبَرْتُكَ تَقْبَلُ؟» قَالَ:نَعَمْ، قَالَ: «أَنَا هُوَ» قَالَ: فَشَيْءٌ أَسْتَدِلُّ بِهِ؟ قَالَ: «اِذْهَبْ إِلَى تِلْكَ اَلشَّجَرَةِ - وَأَشَارَ إِلَى بَعْضِ شَجَرِ أُمِّ غَيْلاَن َ (1)- فَقُلْ لَهَا: يَقُولُ لَكِ: مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ أَقْبِلِي قَالَ: فَأَتَيْتُهَا فَرَأَيْتُهَا وَاَللَّهِ تَخُدُّ (2)اَلْأَرْضَ خَدّاً حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهَا بِالرُّجُوعِ فَرَجَعَتْ قَالَ: فَأَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ لَزِمَ اَلصَّمْتَ وَاَلْعِبَادَةَ، فَكَانَ لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ (3) .
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ، بِمَ يُعْرَفُ اَلْإِمَامُ؟ قَالَ: «بِخِصَالٍ:
أَمَّا أَوَّلُهُنَّ فَإِنَّهُ بِشَيْءٍ قَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ أَبِيهِ، وَإِشَارَتُهُ إِلَيْهِ، لِيَكُونَ حُجَّةً، وَيُسْأَلُ فَيُجِيبُ، وَإِذَا سُكِتَ عَنْهُ اِبْتَدَأَ، وَيُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ، وَيُكَلِّمُ اَلنَّاسَ بِكُلِّ لِسَانٍ» ثُمَّ قَالَ: ي«َا أَبَا مُحَمَّدٍ، أُعْطِيكَ عَلاَمَةً قَبْلَ أَنْ
ص: 224
تَقُومَ» فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَكَلَّمَهُ اَلْخُرَاسَانِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَأَجَابَهُ أَبُواَلْحَسَنِ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ اَلْخُرَاسَانِيُّ: وَاَللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ بِالْفَارِسِيَّةِ إِلاَّ أَنَّهُ ظَنَنْتُ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُهَا، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اَللَّهِ، إِذَا كُنْتُ لاَ أُحْسِنُ أُجِيبُكَ فَمَا فَضْلِي عَلَيْكَ فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِهِ اَلْإِمَامَةُ!» ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ اَلْإِمَامَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ كَلاَمُ أَحَدٍ مِنَ اَلنَّاسِ، وَلاَ مَنْطِقُ اَلطَّيْرِ (1)وَلاَ كَلاَمُ شَيْءٍ فِيهِ رُوحٌ (2) .
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ قَالَ: حَمَلَ اَلرَّشِيدُ فِي بَعْضِ اَلْأَيَّامِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ثِيَاباً أَكْرَمَهُ بِهَا، وَكَانَ فِي جُمْلَتِهَا دُرَّاعَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ مِنْ لِبَاسِ اَلْمُلُوكِ مُثْقَلَةً بِالذَّهَبِ، فَأَنْفَذَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ جُلَّ تِلْكَ اَلثِّيَابِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَأَنْفَذَ فِي جُمْلَتِهَا تِلْكَ اَلدُّرَّاعَةَ، وَأَضَافَ إِلَيْهَا مَالاً كَانَ عِنْدَهُ عَلَى رَسْمٍ لَهُ فِيمَا يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ مِنْ خُمُسِ مَالِهِ.
فَلَمَّا وَصَلَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) قَبِلَ اَلْمَالَ وَاَلثِّيَابَ ، وَرَدَّ اَلدُّرَّاعَةَ عَلَى يَدِ اَلرَّسُولِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: «اِحْتَفِظْ بِهَا ، وَلاَ تُخْرِجْهَا عَنْ يَدِكَ، فَسَيَكُونُ لَكَ بِهَا شَأْنٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهَا مَعَهُ» فَارْتَابَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَدْرِ مَا سَبَبُ ذَلِكَ ، وَاِحْتَفَظَ بِالدُّرَّاعَةِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ تَغَيَّرَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ عَلَى غُلاَمٍ كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ
ص: 225
فَصَرَفَهُ عَنْ خِدْمَتِهِ، وَكَانَ اَلْغُلاَمُ يَعْرِفُ مَيْلَ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ، وَيَقِفُ عَلَى مَا يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ مَالٍ وَثِيَابٍ وَأَلْطَافٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَسَعَى بِهِ إِلَى اَلرَّشِيدِ فَقَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ بِإِمَامَةِ مُوسَى ابْنِ جَعْفَرٍ ،وَيَحْمِلُ إِلَيْهِ خُمُسَ مَالِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَقَدْ حَمَلَ إِلَيْهِ اَلدُّرَّاعَةَ اَلَّتِي أَكْرَمَهُ بِهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا فَاسْتَشَاطَ اَلرَّشِيدُ لِذَلِكَ، وَغَضِبَ غَضَباً شَدِيداً، وَقَالَ: لَأَكْشِفَنَّ عَنْ هَذِهِ اَلْحَالِ ، فَإِنْ كَانَ اَلْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ أَزْهَقْتُ نَفْسَهُ.
وَأَنْفَذَ فِي اَلْوَقْتِ بِإِحْضَارِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، فَلَمَّا مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلْتَ [بِ] الدُّرَّاعَةِ اَلَّتِي كَسَوْتُكَ بِهَا؟ قَالَ: هِيَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عِنْدِي فِي سَفَطٍ مَخْتُومٍ فِيهِ طِيبٌ، قَدِ اِحْتَفَظْتُ بِهَا ، قَلَّمَا أَصْبَحْتُ إِلاَّ وَفَتَحْتُ اَلسَّفَطَ وَنَظَرْتُ إِلَيْهَا تَبَرُّكاً بِهَا وَقَبَّلْتُهَا وَرَدَدْتُهَا إِلَى مَوْضِعِهَا ، وَكُلَّمَا أَمْسَيْتُ صَنَعْتُ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ.
فَقَالَ: أَحْضِرْهَا اَلسَّاعَةَ، قَالَ:نَعَمْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاِسْتَدْعَى بَعْضَ خَدَمِهِ فَقَالَ لَهُ: اِمْضِ إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْفُلاَنِيِّ مِنْ دَارِي، فَخُذْ مِفْتَاحَهُ مِنْ خَازِنَتِي وَاِفْتَحْهُ، ثُمَّ اِفْتَحِ اَلصُّنْدُوقَ اَلْفُلاَنِيَّ فَجِئْنِي بِالسَّفَطِ اَلَّذِي فِيهِ بِخَتْمِهِ. فَلَمْ يَلْبَثِ اَلْغُلاَمُ أَنْ جَاءَ بِالسَّفَطِ مَخْتُوماً، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيِ اَلرَّشِيدِ فَأَمَرَ بِكَسْرِ خَتْمِهِ وَفَتْحِهِ.
فَلَمَّا فُتِحَ نَظَرَ إِلَى اَلدُّرَّاعَةِ فِيهِ بِحَالِهَا، مَطْوِيَّةً مَدْفُونَةً فِي اَلطِّيبِ، فَسَكَنَ اَلرَّشِيدُ مِنْ غَضَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ: اُرْدُدْهَا إِلَى مَكَانِهَا وَاِنْصَرِفْ رَاشِداً، فَلَنْ أُصَدِّقَ عَلَيْكَ بَعْدَهَا سَاعِياً. وَأَمَرَ أَنْ يُتْبَعَ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ، وَتَقَدَّمَ بِضَرْبِ اَلسَّاعِي بِهِ أَلْفَ سَوْطٍ، فَضُرِبَ نَحْوَخَمْسِمِائَةِ
ص: 226
سَوْطٍ فَمَاتَ فِي ذَلِكَ (1) .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ) (2) قَالَ: اِخْتَلَفَتِ اَلرِّوَايَةُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي مَسْحِ اَلرِّجْلَيْنِ فِي اَلْوُضُوءِ، أَ هُوَمِنَ اَلْأَصَابِعِ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ، أَمْ مِنَ اَلْكَعْبَيْنِ إِلَى اَلْأَصَابِعِ؟ فَكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اِخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ اَلرِّجْلَيْنِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ بِخَطِّكَ مَا يَكُونُ عَمَلِي بِحَسَبِهِ (3)فَعَلْتُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ): « فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ مِنَ اَلاِخْتِلاَفِ فِي اَلْوُضُوءِ وَاَلَّذِي آمُرُكَ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنْ تُمَضْمِضَ ثَلاَثاً، وَتَسْتَنْشِقَ ثَلاَثاً، وَتَغْسِلَ وَجْهَكَ ثَلاَثاً، وَتُخَلِّلَ شَعْرَ لِحْيَتِكَ (وَتَغْسِلَ يَدَكَ إِلَى اَلْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثاً) (4)وَتَمْسَحَ رَأْسَكَ كُلَّهُ، وَتَمْسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْكَ وَبَاطِنَهُمَا وَتَغْسِلَ رِجْلَيْكَ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ ثَلاَثاً وَلاَ تُخَالِفْ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ »
فَلَمَّا وَصَلَ اَلْكِتَابُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، تَعَجَّبَ مِمَّا رُسِمَ لَهُ فِيهِ مِمَّا جَمِيعُ اَلْعِصَابَةِ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَوْلاَيَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ، وَأَنَا مُمْتَثِلٌ
ص: 227
أَمْرَهُ فَكَانَ يَعْمَلُ فِي وُضُوئِهِ عَلَى هَذَا اَلْحَدِّ وَيُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ جَمِيعُ اَلشِّيعَةِ اِمْتِثَالاً لِأَمْرِ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَسُعِيَ بِعَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ إِلَى اَلرَّشِيدِ وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ رَافِضِيٌّ مُخَالِفٌ لَكَ ، فَقَالَ: اَلرَّشِيدُ لِبَعْضِ خَاصَّتِهِ: قَدْ كَثُرَ عِنْدِيَ اَلْقَوْلُ فِي عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، وَاَلْقَرَفُ (1)لَهُ بِخِلاَفِنَا، وَمَيْلِهِ إِلَى اَلرَّفْضِ، وَلَسْتُ أَرَى فِي خِدْمَتِهِ لِي تَقْصِيراً، وَقَدِ اِمْتَحَنْتُهُ مِرَاراً ، فَمَا ظَهَرْتُ مِنْهُ عَلَى مَا يُقْرَفُ بِهِ، وَأُحِبُّ أَنْ أَسْتَبْرِئَ أَمْرَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُ بِذَلِكَ، فَيَتَحَرَّزَ مِنِّي. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اَلرَّافِضَةَ -يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - تُخَالِفُ اَلْجَمَاعَةَ فِي اَلْوُضُوءِ فَتُخَفِّفُهُ، وَلاَ تَرَى غَسْلَ اَلرِّجْلَيْنِ، فَامْتَحِنْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَى وُضُوئِهِ. فَقَالَ: أَجَلْ، إِنَّ هَذَا اَلْوَجْهَ يُظْهِرُ بِهِ أَمْرَهُ.
ثُمَّ تَرَكَهُ مُدَّةً وَنَاطَهُ بِشَيْءٍ مِنَ اَلشُّغُلِ فِي اَلدَّارِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ اَلصَّلاَةِ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ يَخْلُوفِي حُجْرَةٍ فِي اَلدَّارِ لِوُضُوئِهِ وَصَلاَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُ اَلصَّلاَةِ وَقَفَ اَلرَّشِيدُ مِنْ وَرَاءِ حَائِطِ اَلْحُجْرَةِ بِحَيْثُ يَرَى عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ وَلاَ يَرَاهُ هُوَ، فَدَعَا بِالْمَاءِ لِلْوُضُوءِ، فَتَمَضْمَضَ ثَلاَثاً وَاِسْتَنْشَقَ ثَلاَثاً وَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَخَلَّلَ شَعْرَ لِحْيَتِهِ وَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى اَلْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثاً، وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَاَلرَّشِيدُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَرَاهُ ، ثُمَّ نَادَاهُ كَذَبَ - يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ - مَنْ زَعَمَ أَنَّكَ مِنَ اَلرَّافِضَةِ. وَصَلَحَتْ حَالُهُ عِنْدَهُ.
وَ وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) : «اِبْتَدِئْ مِنَ اَلْآنَ يَا
ص: 228
عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ ،تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَ اَللَّهُ، اِغْسِلْ وَجْهَكَ مَرَّةً فَرِيضَةً وَأُخْرَى إِسْبَاغاً، وَاِغْسِلْ يَدَيْكَ مِنَ اَلْمِرْفَقَيْنِ كَذَلِكَ، وَاِمْسَحْ بِمُقَدَّمِ رَأْسِكَ وَظَاهِرِ قَدَمَيْكَ مِنْ فَضْلِ نَدَاوَةِ وَضُوئِكَ فَقَدْ زَالَ مَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْكَ وَاَلسَّلاَمُ» (1) .
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ اَلْبَطَائِنِيُّ، قَالَ: خَرَجَ أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ فِي بَعْضِ اَلْأَيَّامِ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى ضَيْعَةٍ لَهُ خَارِجَةٍ عَنْهَا ، فَصَحِبْتُهُ أَنَا وَكَانَ رَاكِباً بَغْلَةً وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ لِي ،فَلَمَّا صِرْنَا فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ اِعْتَرَضَنَا أَسَدٌ، فَأَحْجَمْتُ خَوْفاً وَأَقْدَمَ أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِهِ، فَرَأَيْتُ اَلْأَسَدَ يَتَذَلَّلُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَيُهَمْهِمُ، فَوَقَفَ لَهُ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) كَالْمُصْغِي إِلَى هَمْهَمَتِهِ، وَوَضَعَ اَلْأَسَدُ يَدَهُ عَلَى كَفَلِ بَغْلَتِهِ وَقَدْ هَمَّتْنِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ وَخِفْتُ خَوْفاً عَظِيماً، ثُمَّ تَنَحَّى اَلْأَسَدُ إِلَى جَانِبِ اَلطَّرِيقِ وَحَوَّلَ أَبُواَلْحَسَنِ وَجْهَهُ إِلَى اَلْقِبْلَةِ وَجَعَلَ يَدْعُو، وَيُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِمَا لَمْ أَفْهَمْهُ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى اَلْأَسَدِ بِيَدِهِ أَنِ اِمْضِ ، هَمْهَمَ اَلْأَسَدُ هَمْهَمَةً طَوِيلَةً وَأَبُواَلْحَسَنِ يَقُولُ: « آمِينَ آمِينَ » وَاِنْصَرَفَ اَلْأَسَدُ حَتَّى غَابَ مِنْ بَيْنِ أَعْيُنِنَا.
وَمَضَى أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) لِوَجْهِهِ وَاِتَّبَعْتُهُ، فَلَمَّا بَعُدْنَا عَنِ اَلْمَوْضِعِ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا شَأْنُ هَذَا اَلْأَسَدِ؟ فَلَقَدْ خِفْتُهُ - وَاَللَّهِ - عَلَيْكَ وَعَجِبْتُ مِنْ شَأْنِهِ مَعَكَ . فَقَالَ لِي: أَبُواَلْحَسَنِ علیه
ص: 229
السّلام: «إِنَّهُ خَرَجَ إِلَيَّ يَشْكُوعُسْرَ اَلْوِلاَدَةِ عَلَى لُبُوءَتِهِ (1) وَسَأَلَنِي أَنْ أَسْأَلَ اَللَّهَ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْهَا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، وَأُلْقِيَ فِي رُوعِي (2)أَنَّهَا تَلِدُ ذَكَراً لَهُ ، فَخَبَّرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِي: َ اِمْضِ فِي حِفْظِ اَللَّهِ، فَلاَ سَلَّطَ اَللَّهُ عَلَيْكَ وَلاَ عَلَى ذُرِّيَّتِكَ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِكَ شَيْئاً مِنَ اَلسِّبَاعِ، فَقُلْتُ: آمِينَ» (3) .
والأخبار في هذا الباب كثيرة ، وفيما أثبتناه منها كفاية على الرسم الذي تقدم والمنة لله.
ص: 230
باب
ذكر طرف من فضائله ومناقبه وخلاله التي بان بها في الفضل من غيره
وَكَانَ أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ أَعْبَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَفْقَهَهُمْ وَأَسْخَاهُمْ كَفّاً وَأَكْرَمَهُمْ نَفْساً.
وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي نَوَافِلَ اَللَّيْلِ وَيَصِلُهَا بِصَلاَةِ اَلصُّبْحِ، ثُمَّ يُعَقِّبُ حَتَّى تَطْلُعَ اَلشَّمْسُ ، وَيَخِرُّ لِلَّهِ سَاجِداً فَلاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ اَلدُّعَاءِ وَاَلتَّمْجِيدِ (1)حَتَّى يَقْرُبَ زَوَالُ اَلشَّمْسِ (2)وَكَانَ يَدْعُوكَثِيراً فَيَقُولُ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَلرَّاحَةَ عِنْدَ اَلْمَوْتِ، وَاَلْعَفْوَعِنْدَ اَلْحِسَابِ» (3)وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ.
وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ: «عَظُمَ اَلذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ اَلْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ» (4)
وَكَانَ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اَللَّهِ حَتَّى تَخْضَلَّ لِحْيَتُهُ بِالدُّمُوعِ. وَكَانَ أَوْصَلَ اَلنَّاسِ لِأَهْلِهِ وَرَحِمِهِ، وَكَانَ يَفْتَقِدُ فُقَرَاءَ اَلْمَدِينَةِ فِي اَللَّيْلِ فَيَحْمِلُ
ص: 231
إِلَيْهِمْ فِيهِ اَلْعَيْنَ (1)وَاَلْوَرِقَ (2)وَاَلْأَدِقَّةَ (3)وَاَلتُّمُورَ، فَيُوصِلُ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَلاَ يَعْلَمُونَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هُوَ(4) .
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْبَكْرِيُّ، قَالَ: قَدِمْتُ اَلْمَدِينَةَ أَطْلُبُ بِهَا دَيْناً فَأَعْيَانِي، فَقُلْتُ: لَوْ ذَهَبْتُ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ بِنَقَمَى (5)فِي ضَيْعَتِه ِ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ وَمَعَهُ غُلاَمٌ مَعَهُ مِنْشَفٌ (6)فِيهِ قَدِيدٌ مُجَزَّعٌ (7)لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ حَاجَتِي ، فَذَكَرْتُ لَهُ قِصَّتِي، فَدَخَلَ وَلَمْ يَقُمْ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «اِذْهَبْ» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَيَّ فَدَفَعَ إِلَيَّ صُرَّةً فِيهَا ثَلاَثُمِائَةِ دِينَارٍ ، ثُمَّ قَامَ فَوَلَّى فَقُمْتُ وَرَكِبْتُ دَابَّتِي وَاِنْصَرَفْتُ (8) .
ص: 232
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمَشَايِخِهِ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ وُلْدِ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُؤْذِي أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَيَسُبُّهُ إِذَا رَآهُ وَيَشْتِمُ عَلِيّاً علیهِ السّلامُ.
فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ جُلَسَائِهِ يَوْماً: دَعْنَا نَقْتُلْ هَذَا اَلْفَاجِر،َ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ اَلنَّهْيِ وَزَجَرَهُمْ أَشَدَّ اَلزَّجْرِ، وَسَأَلَ عَنِ اَلْعُمَرِيِّ، فَذُكِرَ أَنَّهُ يَزْرَعُ بِنَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي اَلْمَدِينَةِ ، فَرَكِبَ فَوَجَدَهُ فِي مَزْرَعَةٍ، فَدَخَلَ اَلْمَزْرَعَةَ بِحِمَارِهِ، فَصَاحَ بِهِ اَلْعُمَرِيُّ لاَ تُوطِئْ زَرْعَنَا ، فَتَوَطَّأَهُ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بِالْحِمَارِ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ فَنَزَلَ وَجَلَسَ عِنْدَهُ، وَبَاسَطَهُ وَضَاحَكَهُ ، وَقَالَ لَهُ: «كَمْ غَرِمْتَ فِي زَرْعِكَ هَذَا؟» فَقَالَ لَهُ: مِائَةُ دِينَارٍ، قَالَ: «وَكَمْ تَرْجُوأَنْ تُصِيبَ فِيهِ؟» قَالَ: لَسْتُ أَعْلَمُ اَلْغَيْبَ ، قَالَ: «إِنَّمَا قُلْتُ: لَكَ كَمْ تَرْجُوأَنْ يَجِيئَكَ فِيهِ» قَالَ: أَرْجُوفِيهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ قَالَ: فَأَخْرَجَ لَهُ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) صُرَّةً فِيهَا ثَلاَثُمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ: «هَذَا زَرْعُكَ عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ يَرْزُقُكَ فِيهِ مَا تَرْجُو» قَالَ: فَقَامَ اَلْعُمَرِيُّ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَصْفَحَ عَنْ فَارِطِهِ، فَتَبَسَّمَ إِلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَاِنْصَرَفَ.
قَالَ: وَرَاحَ إِلَى اَلْمَسْجِدِ فَوَجَدَ اَلْعُمَرِيَّ جَالِساً، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: اَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَتِهِ. قَالَ: فَوَثَبَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ فَقَالُوا: مَا قِصَّتُكَ؟ قَدْ كُنْتَ تَقُولُ غَيْرَ هَذَا قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ سَمِعْتُمْ مَا قُلْتُ: اَلْآنَ، وَجَعَلَ يَدْعُولِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فَخَاصَمُوهُ وَخَاصَمَهُمْ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُواَلْحَسَنِ إِلَى دَارِهِ قَالَ لِجُلَسَائِهِ اَلَّذِينَ سَأَلُوهُ فِي قَتْلِ اَلْعُمَرِيِّ «أَيُّمَا كَانَ خَيْراً مَا أَرَدْتُمْ أَوْ مَا أَرَدْتُ؟ إِنَّنِي أَصْلَحْتُ أَمْرَهُ
ص: 233
بِالْمِقْدَارِ اَلَّذِي عَرَفْتُمْ وَكَفَيْتُ بِهِ شَرَّهُ» (1) .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِلْمِ: أَنَّ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) كَانَ يَصِلُ بِالْمِائَتَيْ دِينَارٍ إِلَى اَلثَّلاَثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَتْ صِرَارُ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى مَثَلاً (2) .
وَذَكَرَ اِبْنُ عَمَّارٍ- وَغَيْرُهُ مِنَ اَلرُّوَاةِ - أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ اَلرَّشِيدُ إِلَى اَلْحَجِّ وَقَرُبَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ اِسْتَقْبَلَتْهُ اَلْوُجُوهُ مِنْ أَهْلِهَا يَقْدُمُهُمْ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ عَلَى بَغْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ اَلرَّبِيعُ: مَا هَذِهِ اَلدَّابَّةُ اَلَّتِي تَلَقَّيْتَ عَلَيْهَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنْتَ إِنْ طَلَبْتَ عَلَيْهَا لَمْ تُدْرِكْ ، وَإِنْ طُلِبْتَ لَمْ تَفُتْ؛ فَقَالَ: «إِنَّهَا تَطَأْطَأَتْ عَنْ خُيَلاَءِ اَلْخَيْلِ ، وَاِرْتَفَعَتْ عَنْ ذِلَّةِ اَلْعَيْرِ (3)وَخَيْرُ اَلْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا» (4)
قَالُوا: وَلَمَّا دَخَلَ هَارُونُ اَلرَّشِيدُ اَلْمَدِينَةَ تَوَجَّهَ لِزِيَارَةِ اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَمَعَهُ اَلنَّاسُ؛ فَتَقَدَّمَ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)، وَقَالَ: اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا اِبْنَ عَمِّ؛ مُفْتَخِراً بِذَلِكَ، عَلَى غَيْرِهِ، فَتَقَدَّمَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) إِلَى اَلْقَبْرِ فَقَالَ: «اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَهْ» فَتَغَيَّرَ وَجْهُ اَلرَّشِيدِ
ص: 234
وَتَبَيَّنَ اَلْغَيْظُ فِيهِ (1) .
وَرَوَى أَبُوزَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اَلْحَمِيدِ قَالَ: سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ بِمَحْضَرٍ مِنَ اَلرَّشِيدِ - وَهُمْ بِمَكَّةَ - فَقَالَ لَهُ: أَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَيْهِ مَحْمِلَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى علیهِ السّلامُ: «لاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ اَلاِخْتِيَارِ» فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ: أَ فَيَجُوزُ أَنْ يَمْشِيَ تَحْتَ اَلظِّلاَلِ مُخْتَاراً ؟ فَقَالَ لَهُ: «نَعَمْ» فَتَضَاحَكَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ: «أَ تَعْجَبُ مِنْ سُنَّةِ اَلنَّبِيِّ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَتَسْتَهْزِئُ بِهَا ! إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)كَشَفَ اَلظِّلاَلَ فِي إِحْرَامِهِ، وَمَشَى تَحْتَ اَلظِّلاَلِ وَهُوَمُحْرِمٌ وَإِنَّ أَحْكَامَ اَللَّهِ - يَا مُحَمَّدُ - لاَ تُقَاسُ، فَمَنْ قَاسَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ اَلسَّبِيلِ» فَسَكَتَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ لاَ يَرْجِعُ جَوَاباً (2) .
وَقَدْ رَوَى اَلنَّاسُ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ فَأَكْثَرُوا، وَكَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ زَمَانِهِ - حَسَبَ مَا قَدَّمْنَاهُ - وَأَحْفَظَهُمْ لِكِتَابِ اَللَّهِ، وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ يَحْدُرُ (3)وَيَبْكِي وَيَبْكِي اَلسَّامِعُونَ لِتِلاَوَتِهِ، وَكَانَ اَلنَّاسُ بِالْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهُ زَيْنَ اَلْمُتَهَجِّدِينَ، وَسُمِّيَ بِالْكَاظِمِ لِمَا كَظَمَهُ
ص: 235
مِنَ اَلْغَيْظِ وَصَبَر عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ اَلظَّالِمِينَ بِهِ، حَتَّى مَضَى قَتِيلاً فِي حَبْسِهِمْ وَوَثَاقِهِمْ .
ص: 236
باب
ذكر السبب في وفاته وطرف من الخبر في ذلك
وَكَانَ اَلسَّبَبُ فِي قَبْضِ اَلرَّشِيدِ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَحَبْسِهِ وَقَتْلِهِ، مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَشَايِخِهِمْ قَالُوا:كَانَ اَلسَّبَبُ فِي أَخْذِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ أَنَّ اَلرَّشِيدَ جَعَلَ اِبْنَهُ فِي حَجْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ، فَحَسَدَهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنْ أَفْضَتْ إِلَيْهِ اَلْخِلاَفَةُ زَالَتْ دَوْلَتِي وَدَوْلَةُ وُلْدِي، فَاحْتَالَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ يَقُولُ بِالْإِمَامَةِ - حَتَّى دَاخَلَهُ وَأَنِسَ إِلَيْهِ، وَكَانَ يُكْثِرُ غِشْيَانَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَيَقِفُ عَلَى أَمْرِهِ وَيَرْفَعُهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِمَا يَقْدَحُ فِي قَلْبِهِ.
ثُمَّ قَالَ يَوْماً لِبَعْضِ ثِقَاتِهِ: تُعَرِّفُونَ لِي رَجُلاً مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بِوَاسِعِ اَلْحَالِ، يُعَرِّفُنِي مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَدُلَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَحَمَلَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ مَالاً ، وَكَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ يَأْنَسُ بِعَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَيَصِلُهُ وَيَبَرُّهُ. ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ يُرَغِّبُهُ فِي قَصْدِ اَلرَّشِيدِ وَيَعِدُهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَحَسَّ بِهِ مُوسَى علیهِ السّلامُ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِلَى أَيْنَ يَا اِبْنَ أَخِي؟» قَالَ: إِلَى بَغْدَادَ. قَالَ: «وَمَا تَصْنَعُ؟» قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ وَأَنَا معلق [مُمْلِقٌ] . فَقَالَ لَهُ مُوسَى: «فَأَنَا أَقْضِي دَيْنَكَ وَأَفْعَلُ بِكَ وَأَصْنَعُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ، وَعَمِلَ عَلَى
ص: 237
اَلْخُرُوجِ، فَاسْتَدْعَاهُ أَبُواَلْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ خَارِجٌ» قَالَ:نَعَمْ، لاَ بُدَّ لِي مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ: «اُنْظُرْ - يَا اِبْنَ أَخِي - وَاِتَّقِ اَللَّهَ، وَلاَ تؤتم [تُوتِمْ] أَوْلاَدِي » وَأَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ قَالَ أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ لِمَنْ حَضَرَهُ: «وَاَللَّهِ لَيَسْعَيَنَّ فِي دَمِي وَيؤتمن [يُوتِمَنَّ] أَوْلاَدِي» فَقَالُوا لَهُ: جَعَلَنَا اَللَّهُ فِدَاكَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا مِنْ حَالِهِ وَتُعْطِيهِ وَتَصِلُهُ! قَالَ لَهُمْ: «نَعَمْ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)، أَنَّ اَلرَّحِمَ إِذَا قُطِعَتْ فَوُصِلَتْ فَقُطِعَتْ قَطَعَهَا اَللَّهُ، وَإِنَّنِي أَرَدْتُ أَنْ أَصِلَهُ بَعْدَ قَطْعِهِ لِي، حَتَّى إِذَا قَطَعَنِي قَطَعَهُ اَللَّهُ »
قَالُوا: فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى أَتَى يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ، فَتَعَرَّفَ مِنْهُ خَبَرَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَرَفَعَهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ وَزَادَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَوْصَلَهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ فَسَأَلَهُ عَنْ عَمِّهِ فَسَعَى بِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْأَمْوَالَ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلْمَشْرِقِ وَاَلْمَغْرِبِ، وَأَنَّهُ اِشْتَرَى ضَيْعَةً سَمَّاهَا اَلْيَسِيرَةَ بِثَلاَثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا: «وَقَدْ أَحْضَرَهُ اَلْمَالَ - لاَ آخُذُ هَذَا اَلنَّقْدَ، وَلاَ آخُذُ إِلاَّ نَقْدَ كَذَا وَكَذَا، فَأَمَرَ بِذَلِكَ، اَلْمَالِ فَرُدَّ وَأَعْطَاهُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنَ اَلنَّقْدِ اَلَّذِي سَأَلَ بِعَيْنِهِ . فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ اَلرَّشِيدُ وَأَمَرَ لَهُ بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ تَسْبِيباً (1)عَلَى بَعْضِ اَلنَّوَاحِي ، فَاخْتَارَ بَعْضَ كُورِ اَلْمَشْرِقِ، وَمَضَتْ رُسُلُهُ لِقَبْضِ اَلْمَالِ وَأَقَامَ يَنْتَظِرُهُمْ ، فَدَخَلَ فِي بَعْضِ تِلْكَ اَلْأَيَّامِ إِلَى اَلْخَلاَءِ فَزَحَرَ زَحْرَةً خَرَجَتْ مِنْهَا حِشْوَتُهُ (2)كُلُّهَا فَسَقَطَ، وَجَهَدُوا فِي
ص: 238
رَدِّهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا فَوَقَعَ لِمَا بِهِ (1)وَجَاءَهُ اَلْمَالُ وَهُوَيَنْزِعُ فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِهِ وَأَنَا فِي اَلْمَوْتِ؟!
وَخَرَجَ اَلرَّشِيدُ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ إِلَى اَلْحَجِّ وَبَدَأَ بِالْمَدِينَةِ فَقَبَضَ فِيهَا عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا وَرَدَ اَلْمَدِينَةَ اِسْتَقْبَلَهُ، مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ اَلْأَشْرَافِ وَاِنْصَرَفُوا مِنِ اِسْتِقْبَالِهِ فَمَضَى أَبُواَلْحَسَنِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ عَلَى رَسْمِهِ ، وَأَقَامَ اَلرَّشِيدُ إِلَى اَللَّيْلِ وَصَارَ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ شَيْءٍ أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ أُرِيدُ أَنْ أَحْبِسَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ يُرِيدُ اَلتَّشْتِيتَ بَيْنَ أُمَّتِكَ وَسَفْكَ دِمَائِهَا.
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ مِنَ اَلْمَسْجِدِ فَأُدْخِلَ إِلَيْهِ فَقَيَّدَهُ، وَاِسْتَدْعَى قُبَّتَيْنِ فَجَعَلَهُ فِي إِحْدَاهُمَا عَلَى بَغْلٍ، وَجَعَلَ اَلْقُبَّةَ اَلْأُخْرَى عَلَى بَغْلٍ آخَرَ، وَخَرَجَ اَلْبَغْلاَنِ مِنْ دَارِهِ عَلَيْهِمَا اَلْقُبَّتَانِ مَسْتُورَتَانِ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْلٌ، فَافْتَرَقَتِ اَلْخَيْلُ فَمَضَى بَعْضُهَا مَعَ إِحْدَى اَلْقُبَّتَيْنِ عَلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ، وَاَلْأُخْرَى عَلَى طَرِيقِ اَلْكُوفَةِ، وَكَانَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فِي اَلْقُبَّةِ اَلَّتِي مُضِيَ بِهَا عَلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ ،وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ اَلرَّشِيدُ لِيُعَمِّيَ عَلَى اَلنَّاسِ اَلْأَمْرَ فِي بَابِ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) .
وَأَمَرَ اَلْقَوْمَ اَلَّذِينَ كَانُوا مَعَ قُبَّةِ أَبِي اَلْحَسَنِ أَنْ يُسَلِّمُوهُ إِلَى عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ اَلْمَنْصُورِ، - وَكَانَ عَلَى اَلْبَصْرَةِ حِينَئِذٍ- فَسُلِّمَ إِلَيْهِ فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ سَنَةً وَكَتَبَ إِلَيْهِ اَلرَّشِيدُ فِي دَمِهِ، فَاسْتَدْعَى عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ بَعْضَ خَاصَّتِهِ وَثِقَاتِهِ فَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا كَتَبَ بِهِ اَلرَّشِيدُ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ
ص: 239
بِالتَّوَقُّفِ عَنْ ذَلِكَ وَاَلاِسْتِعْفَاءِ مِنْهُ، فَكَتَبَ عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى اَلرَّشِيدِ يَقُولُ لَهُ: قَدْ طَالَ أَمْرُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَمُقَامُهُ فِي حَبْسِي، وَقَدِ اِخْتَبَرْتُ حَالَهُ وَوَضَعْتُ عَلَيْهِ اَلْعُيُونَ طُولَ هَذِهِ اَلْمُدَّةِ ، فَمَا وَجَدْتُهُ يَفْتُرُ عَنِ اَلْعِبَادَةِ، وَوَضَعْتُ مَنْ يَسْمَعُ مِنْهُ مَا يَقُولُ: : فِي دُعَائِهِ فَمَا دَعَا عَلَيْكَ وَلاَ عَلَيَّ وَلاَ ذَكَرَنَا فِي دُعَائِهِ بِسُوءٍ، وَمَا يَدْعُولِنَفْسِهِ إِلاَّ بِالْمَغْفِرَةِ وَاَلرَّحْمَةِ، فَإِنْ أَنْتَ أَنْفَذْتَ إِلَيَّ مَنْ يَتَسَلَّمُهُ مِنِّي وَإِلاَّ خَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَإِنَّنِي مُتَحَرِّجٌ مِنْ حَبْسِهِ.
وَرُوِيَ: أَنَّ بَعْضَ عُيُونِ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ رَفَعَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَسْمَعُهُ كَثِيراً يَقُولُ: فِي دُعَائِهِ وَهُوَمَحْبُوسٌ عِنْدَهُ: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّغَنِي لِعِبَادَتِكَ ، اَللَّهُمَّ وَقَدْ فَعَلْتَ فَلَكَ اَلْحَمْدُ ».
فَوَجَّهَ اَلرَّشِيدُ مَنْ تَسَلَّمَهُ مِنْ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَصَيَّرَ بِهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَسُلِّمَ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ اَلرَّبِيعِ فَبَقِيَ عِنْدَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً فَأَرَادَهُ اَلرَّشِيدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ فَأَبَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِتَسْلِيمِهِ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى فَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ، وَجَعَلَهُ فِي بَعْضِ حُجَرِ دَارِهِ وَوَضَعَ عَلَيْهِ اَلرَّصَدَ، وَكَانَ علیهِ السّلامُ مَشْغُولاً بِالْعِبَادَةِ يُحْيِي اَللَّيْلَ كُلَّهُ صَلاَةً وَقِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ وَدُعَاءً وَاِجْتِهَاداً ، وَيَصُومُ اَلنَّهَارَ فِي أَكْثَرِ اَلْأَيَّامِ ،وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ اَلْمِحْرَابِ، فَوَسَّعَ عَلَيْهِ اَلْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى وَأَكْرَمَهُ.
فَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِالرَّشِيدِ وَهُوَبِالرَّقَّةِ (1)فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ تَوْسِعَتَهُ عَلَى مُوسَى وَيَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ، فَتَوَقَّفَ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ فَاغْتَاظَ اَلرَّشِيدُ
ص: 240
لِذَلِكَ، وَدَعَا مَسْرُوراً اَلْخَادِمَ فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ عَلَى اَلْبَرِيدِ (1)فِي هَذَا اَلْوَقْتِ إِلَى بَغْدَادَ ، وَاُدْخُلْ مِنْ فَوْرِكَ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ،فَإِنْ وَجَدْتَهُ فِي دَعَةٍ وَرَفَاهِيَةٍ فَأَوْصِلْ هَذَا اَلْكِتَابَ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُرْهُ بِامْتِثَالِ مَا فِيهِ. وَسَلِّمْ إِلَيْهِ كِتَاباً آخَرَ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَأْمُرُهُ فِيهِ بِطَاعَةِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ .
فَقَدِمَ مَسْرُورٌ فَنَزَلَ دَارَ اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَا يُرِيدُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ فَوَجَدَهُ عَلَى مَا بَلَغَ اَلرَّشِيدَ، فَمَضَى مِنْ فَوْرِهِ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ فَأَوْصَلَ اَلْكِتَابَيْنِ إِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَلْبَثِ اَلنَّاسُ أَنْ خَرَجَ اَلرَّسُولُ يَرْكُضُ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى ، فَرَكِبَ مَعَهُ وَخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حَتَّى دَخَلَ عَلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَدَعَا اَلْعَبَّاسُ بِسِيَاطٍ وَعُقَابَيْنِ (2)وَأَمَرَ بِالْفَضْلِ فَجُرِّدَ وَضَرَبَهُ اَلسِّنْدِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مِائَةَ سَوْطٍ، وَخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اَللَّوْنِ خِلاَفَ مَا دَخَلَ، وَجَعَلَ يُسَلِّمُ عَلَى اَلنَّاسِ يَمِيناً وَشِمَالاً.
وَكَتَبَ مَسْرُورٌ بِالْخَبَرِ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ مُوسَى علیهِ السّلامُ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ ، وَجَلَسَ اَلرَّشِيدُ مَجْلِساً حَافِلاً وَقَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ، إِنَّ اَلْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى قَدْ عَصَانِي وَخَالَفَ طَاعَتِي، وَرَأَيْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ فَالْعَنُوهُ لَعَنَهُ اَللَّهُ. فَلَعَنَهُ اَلنَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى اِرْتَجَّ اَلْبَيْتُ وَاَلدَّارُ بِلَعْنِهِ.
وَبَلَغَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ اَلْخَبَرُ، فَرَكِبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ فَدَخَلَ مِنْ غَيْرِ
ص: 241
اَلْبَابِ اَلَّذِي تَدْخُلُ اَلنَّاسُ مِنْهُ، حَتَّى جَاءَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَلاَ يَشْعُرُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اِلْتَفِتْ يَا - أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - إِلَيَّ فَأَصْغَى إِلَيْهِ فَزِعاً ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْفَضْلَ حَدَثٌ، وَأَنَا أَكْفِيكَ مَا تُرِيدُ، فَانْطَلَقَ وَجْهُهُ وَسُرَّ، وَأَقْبَلَ عَلَى اَلنَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ اَلْفَضْلَ كَانَ قَدْ عَصَانِي فِي شَيْءٍ فَلَعَنْتُهُ، وَقَدْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَى طَاعَتِي فَتَوَلَّوْهُ ، فَقَالُوا: نَحْنُ أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ ، وَأَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ وَقَدْ تَوَلَّيْنَاهُ.
ثُمَّ خَرَجَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ عَلَى اَلْبَرِيدِ حَتَّى وَافَى بَغْدَادَ ، فَمَاجَ اَلنَّاسُ وَأَرْجَفُوا بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ وَرَدَ لِتَعْدِيلِ اَلسَّوَادِ وَاَلنَّظَرِ فِي أَمْرِ اَلْعُمَّالِ ، وَتَشَاغَلَ بِبَعْضِ ذَلِكَ أَيَّاماً ،ثُمَّ دَعَا اَلسِّنْدِيَّ فَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ فَامْتَثَلَهُ.
وَكَانَ اَلَّذِي تَوَلَّى بِهِ اَلسِّنْدِيُّ قَتْلَهُ علیهِ السّلامُ سَمّاً جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ قَدَّمَهُ إِلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ جَعَلَهُ فِي رُطَبٍ أَكَلَ مِنْهُ فَأَحَسَّ بِالسَّمِّ وَلَبِثَ ثَلاَثاً بَعْدَهُ مَوْعُوكاً مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ فِي اَلْيَوْمِ اَلثَّالِثِ (1).
وَلَمَّا مَاتَ مُوسَى علیهِ السّلامُ أَدْخَلَ اَلسِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ عَلَيْهِ اَلْفُقَهَاءَ وَوُجُوهَ أَهْلِ بَغْدَادَ ، وَفِيهِمُ اَلْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ لاَ أَثَرَ بِهِ مِنْ جَرَاحٍ وَلاَ خَنْقٍ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَشَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ.
وَأُخْرِجَ وَوُضِعَ عَلَى اَلْجِسْرِ بِبَغْدَادَ ، وَنُودِيَ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَدْ مَاتَ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ ، فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَتَفَرَّسُونَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ
ص: 242
مَيِّتٌ، وَقَدْ كَانَ قَوْمٌ زَعَمُوا فِي أَيَّامِ مُوسَى أَنَّهُ اَلْقَائِمُ اَلْمُنْتَظَرُ، وَجَعَلُوا حَبْسَهُ هُوَاَلْغَيْبَةَ اَلْمَذْكُورَةَ لِلْقَائِمِ، فَأَمَرَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ اَلَّذِي تَزْعُمُ اَلرَّافِضَةُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ فَنَظَرَ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ مَيِّتاً ثُمَّ حُمِلَ فَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ (1) فِي بَابِ اَلتِّبْنِ(2). وَكَانَتْ هَذِهِ اَلْمَقْبَرَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَاَلْأَشْرَافِ مِنَ اَلنَّاسِ قَدِيماً.
وَرُوِيَ: أَنَّهُ علیهِ السّلامُ لَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ سَأَلَ اَلسِّنْدِيَّ بْنَ شَاهَكَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَوْلًى لَهُ مَدَنِيّاً يَنْزِلُ عِنْدَ دَارِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي مَشْرَعَةِ اَلْقَصَبِ (3).لِيَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ اَلسِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ: وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ فِي اَلْإِذْنِ لِي فِي أَنْ أُكَفِّنَهُ فَأَبَى، وَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ، مُهُورُ نِسَائِنَا وَحَجُّ صَرُورَتِنَا وَأَكْفَانُ مَوْتَانَا مِنْ طَاهِرِ أَمْوَالِنَا، وَعِنْدِي كَفَنٌ، وَأُرِيدُ أَنْ يَتَوَلَّى غُسْلِي وَجِهَازِي مَوْلاَيَ فُلاَنٌ» فَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ (4) .
ص: 243
باب
عدد أولاده وطرف من أخبارهم
وَكَانَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ سَبْعَةٌ وَثَلاَثُونَ وَلَداً ذَكَراً وَأُنْثَى مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ وَإِبْرَاهِيمُ، وَاَلْعَبَّاسُ ، وَاَلْقَاسِمُ ،لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ.
وَإِسْمَاعِيلُ، وَجَعْفَرٌ، وَهَارُونُ، وَاَلْحُسَيْنُ، لِأُمِّ وَلَدٍ.
وَأَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَحَمْزَةُ، لِأُمِّ وَلَدٍ.
وَعَبْدُ اَللَّهِ ، وَإِسْحَاقُ، وَعُبَيْدُ اَللَّهِ، وَزَيْدٌ، وَاَلْحَسَنُ،وَاَلْفَضْلُ، وَسُلَيْمَانُ ،لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ.
وَفَاطِمَةُ اَلْكُبْرَى، وَفَاطِمَةُ اَلصُّغْرَى، وَرُقَيَّةُ، وَحَكِيمَةُ، وَأُمُّ أَبِيهَا، وَرُقَيَّةُ اَلصُّغْرَى، وَكُلْثُمُ ، وَأُمُّ جَعْفَرٍ، وَلُبَابَةُ، وَزَيْنَبُ، وَخَدِيجَةُ، وَعُلَيَّةُ، وَآمِنَةُ، وَحَسَنَةُ، وَبُرَيْهَةُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ ، وَمَيْمُونَةُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ، لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ.
وَكَانَ أَفْضَلَ وُلْدِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهم السّلام وَأَنْبَهَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ قَدْراً وَأَعْلَمَهُمْ وَأَجْمَعَهُمْ فَضْلاً أَبُواَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ .
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى كَرِيماً جَلِيلاً وَرِعاً ، وَكَانَ أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ يُحِبُّهُ وَيُقَدِّمُهُ ، وَوَهَبَ لَهُ ضَيْعَتَهُ اَلْمَعْرُوفَةَ بِالْيَسِيرَةِ. وَيُقَالُ: إِنَّ
ص: 244
أَحْمَدَ بْنَ مُوسَى رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ أَعْتَقَ أَلْفَ مَمْلُوكٍ .
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: خَرَجَ أَبِي بِوُلْدِهِ إِلَى بَعْضِ أَمْوَالِهِ - بِالْمَدِينَةِ وَأَسْمَى ذَلِكَ اَلْمَالَ إِلاَّ أَنَّ أَبَا اَلْحُسَيْنِ يَحْيَى نَسِيَ اَلاِسْمَ - قَالَ: فَكُنَّا فِي ذَلِكَ اَلْمَكَانِ وَكَانَ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى عِشْرُونَ مِنْ خَدَمِ أَبِي وَحَشَمِهِ، إِنْ قَامَ أَحْمَدُ قَامُوا مَعَهُ، وَإِنْ جَلَسَ جَلَسُوا مَعَهُ وَأَبِي بَعْدَ ذَلِكَ يَرْعَاهُ بِبَصَرِهِ مَا يَغْفُلُ عَنْهُ، فَمَا اِنْقَلَبْنَا حَتَّى اِنْشَجَّ (1)أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بَيْنَنَا (2) .
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى مِنْ أَهْلِ اَلْفَضْلِ وَاَلصَّلاَحِ. أَخْبَرَنِي أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: حَدَّثَتْنِي هَاشِمِيَّةُ مَوْلاَةُ رُقَيَّةَ بِنْتِ مُوسَى قَالَتْ: : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى صَاحِبَ وُضُوءٍ وَصَلاَةٍ، وَكَانَ لَيْلَهُ كُلَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فَنَسْمَعُ سَكْبَ اَلْمَاءِ وَاَلْوُضُوءَ ثُمَّ يُصَلِّي لَيْلاً ثُمَّ يَهْدَأُ سَاعَةً فَيَرْقُدُ، وَيَقُومُ فَنَسْمَعُ سَكْبَ اَلْمَاءِ وَاَلْوُضُوءَ، ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَرْقُدُ سُوَيْعَةً ثُمَّ يَقُومُ فَنَسْمَعُ سَكْبَ اَلْمَاءِ وَاَلْوُضُوءَ ثُمَّ يُصَلِّي فَلاَ يَزَالُ لَيْلَهُ كَذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَا رَأَيْتُهُ قَطُّ إِلاَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ اَللَّهِ تَعَالَى: (كٰانُوا قَلِيلاً مِنَ اَللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ)(3).(4) .
وَكَانَ إِبْرَاهِيُم بْنُ مُوسَى سَخِيّاً شُجَاعاً كَرِيماً وَتَقَلَّدَ اَلْإِمْرَةَ عَلَى
ص: 245
اَلْيَمَنِ فِي أَيَّامِ اَلْمَأْمُونِ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ (1)بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ اَلَّذِي بَايَعَهُ أَبُواَلسَّرَايَا بِالْكُوفَةِ، وَمَضَى إِلَيْهَا فَفَتَحَهَا وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً إِلَى أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي اَلسَّرَايَا مَا كَانَ، فَأُخِذَ لَهُ اَلْأَمَانُ مِنَ اَلْمَأْمُونِ .
وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ فَضْلٌ وَمَنْقَبَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَكَانَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ اَلْمُقَدَّمَ عَلَيْهِمْ فِي اَلْفَضْلِ حَسَبَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
ص: 246
باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى علیهِ السّلامُ من ولده، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، ومبلغ سنه، ومدة خلافته، ووقت وفاته وسببها، وموضع قبره، وعدد أولاده،ومختصر من أخباره
وَكَانَ اَلْإِمَامُ اَلْقَائِمُ بَعْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ اِبْنَهُ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) َلِيَّ بْنَ مُوسَى اَلرِّضَا علیهم السّلام لِفَضْلِهِ عَلَى جَمَاعَةِ إِخْوَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَظُهُورِ عِلْمِهِ وَحِلْمِهِ وَوَرَعِهِ وَاِجْتِهَادِهِ، وَاِجْتِمَاعِ اَلْخَاصَّةِ وَاَلْعَامَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ مِنْهُ، وَبِنَصِّ أَبِيهِ عَلَى إِمَامَتِهِ علیهِ السّلامُ مِنْ بَعْدِهِ وَإِشَارَتِهِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، دُونَ جَمَاعَةِ إِخْوَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. وَقُبِضَ بِطُوسَ مِنْ أَرْضِ خُرَاسَانَ، فِي صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ اَلْبَنِينَ. وَكَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ وَقِيَامِهِ بَعْدَ أَبِيهِ فِي خِلاَفَتِهِ عِشْرِينَ سَنَةً .
فصل
فَمِمَّنْ رَوَى اَلنَّصَّ عَلَى اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ بِالْإِمَامَةِ
ص: 247
مِنْ أَبِيهِ وَاَلْإِشَارَةِ إِلَيْهِ مِنْهُ بِذَلِكَ، مِنْ خَاصَّتِهِ وَثِقَاتِهِ وَأَهْلِ اَلْوَرَعِ وَاَلْعِلْمِ وَاَلْفِقْهِ مِنْ شِيعَتِهِ: دَاوُدُ بْنُ كَثِيرٍ اَلرَّقِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ، وَنُعَيْمٌ اَلْقَابُوسِيُّ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ اَلْمُخْتَارِ، وَزِيَادُ بْنُ مَرْوَانَ ، وَاَلْمَخْزُومِيُّ، وَدَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَنَصْرُ بْنُ قَابُوسَ وَدَاوُدُ بْنُ زُرْبِيٍّ، وَيَزِيدُ بْنُ سَلِيطٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ غِيَاثٍ اَلْقَصْرِيِّ جَمِيعاً عَنْ دَاوُدَ اَلرَّقِّيِّ قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ علیهِ السّلامُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي وَأَنْقِذْنِي مِنَ اَلنَّار،ِ مَنْ صَاحِبُنَا بَعْدَكَ؟ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى اِبْنِهِ أَبِي اَلْحَسَنِ فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي » (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ (2)بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ، عَنِ اَلْحَسَنِ ، نِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي اَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلِ علیهِ السّلامُ: أَ لاَ تَدُلُّنِي عَلَى مَنْ آخُذُ
ص: 248
عَنْهُ دِينِي؟ فَقَالَ: «هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ) ،فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنَّ اَللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ قَالَ: «إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً» (1) وَإِنَّ اَللَّهَ إِذَا قَالَ: قَوْلاً وَفَى بِهِ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ،عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ (3)بْنِ نُعَيْمٍ اَلصَّحَّافِ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ وَعَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: كُنْتُ عِنْدَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ فَقَالَ لِي: «يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ، هَذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي، أَمَا إِنِّي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كُتُبِي فَضَرَبَ هِشَامٌ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ، كَيْفَ قُلْتَ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: سَمِعْتُهُ وَاَللَّهِ مِنْهُ كَمَا قُلْتُ، قَالَ هِشَامٌ: إِنَّ اَلْأَمْرَ وَاَللَّهِ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ (4) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ نُعَيْمٍ اَلْقَابُوسِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ قَالَ: «اِبْنِي عَلِيٌّ أَكْبَرُ وُلْدِي، وَآثَرُهُمْ عِنْدِي، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ ، وَهُوَيَنْظُرُ مَعِي فِي اَلْجَفْرِ ،وَلَمْ
ص: 249
يَنْظُرْ فِيهِ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ» (1).
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ - جَمِيعاً - عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلْمُخْتَارِ قَالَ: خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَهُوَفِي اَلْحَبْسِ: «عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَأَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَفُلاَنٌ لاَ تُنِلْهُ شَيْئاً حَتَّى أَلْقَاكَ أَوْ يَقْضِيَ اَللَّهُ عَلَيَّ اَلْمَوْتَ» (2) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ (زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ) (3)قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَعِنْدَهُ أَبُواَلْحَسَنِ اِبْنُهُ علیهما السّلام فَقَالَ لِي: «يَا زِيَادُ، هَذَا اِبْنِي فُلاَنٌ ، كِتَابُهُ كِتَابِي، وَكَلاَمُهُ كَلاَمِي، وَرَسُولُهُ رَسُولِي، وَمَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلِي» (4) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْمَخْزُومِيُّ - وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُواَلْحَسَنِ مُوسَى فَجَمَعَنَا ثُمَّ قَالَ: «أَ تَدْرُونَ لِمَ
ص: 250
جَمَعْتُكُمْ؟» فَقُلْنَا:لاَ، قَالَ: «اِشْهَدُوا أَنَّ اِبْنِي هَذَا وَصِيِّي، وَاَلْقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ اِبْنِي هَذَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيَتَنَجَّزْهَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي فَلاَ يَلْقَنِي إِلاَّ بِكِتَابِهِ (1) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلْخَزَّازِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ علیهِ السّلامُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَلاَ أَلْقَاكَ، فَأَخْبِرْنِي مَنِ اَلْإِمَامُ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: «اِبْنِي فُلاَنٌ» يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) (2) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنِ اِبْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ، بْنِ أَبِي اَلْجَهْمِ، عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ علیهِ السّلامُ: إِنَّنِي سَأَلْتُ أَبَاكَ: مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَفَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ ذَهَبَ اَلنَّاسُ يَمِيناً وَشِمَالاً وَقُلْتُ: بِكَ أَنَا وَأَصْحَابِي فَأَخْبِرْنِي مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ بَعْدَكَ مِنْ وُلْدِكَ ؟ قَالَ: «اِبْنِي فُلاَنٌ » (3) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ اَلضَّحَّاكِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ، عَنْ
ص: 251
دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ قَالَ: جِئْتُ إِلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ علیهِ السّلامُ بِمَالٍ، فَأَخَذَ بَعْضَهُ وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اَللَّهُ لِأَيِّ شَيْءٍ تَرَكْتَهُ عِنْدِي؟ فَقَالَ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُهُ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُواَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فَسَأَلَنِي ذَلِكَ اَلْمَالَ فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ (1) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ علیهِ السّلامُ أَنَّهُ قَالَ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي قُبِضَ عَلَيْهِ فِيهَا : «إِنِّي أُوخَذُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ، وَاَلْأَمْرُ إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ سَمِيِّ عَلِيٍّ وَعَلِيٍّ ، فَأَمَّا عَلِيٌّ اَلْأَوَّلُ فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَلِيٌّ اَلْآخِرُ فَعَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ(صلوات الله علیهم )أُعْطِيَ فَهْمَ اَلْأَوَّلِ وَحِلْمَهُ وَنَصْرَهُ وَوَرَعَهُ وَوِرْدَهُ وَدِينَهُ ، وَمِحْنَةَ اَلْآخِرِ وَصَبْرَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ (2). فِي اَلْحَدِيثِ (3)بِطُولِهِ
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْمَرْزُبَانِ، عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدَمَ اَلْعِرَاقَ بِسَنَةٍ، وَعَلِيٌّ اِبْنُهُ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ حَرَكَةٌ فَلاَ تَجْزَعْ لِذَلِكَ»
ص: 252
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ فَقَدْ أَقْلَقْتَنِي؟
قَالَ: «أُصَيَّرُ إِلَى هَذِهِ اَلطَّاغِيَةِ، أَمَا إِنَّهُ لاَ يَنْدَانِي (1)مِنْهُ سُوءٌ، وَلاَ مِنَ اَلَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ»
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ؟
قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ اِبْنِي هَذَا حَقَّهُ وَجَحَدَهُ إِمَامَتَهُ مِنْ بَعْدِي، كَانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ إِمَامَتَهُ وَجَحَدَهُ حَقَّهُ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ).
قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ لَئِنْ مَدَّ اَللَّهُ لِي فِي اَلْعُمُرِ لَأُسَلِّمَنَّ لَهُ حَقَّهُ وَلَأُقِرَّنَّ بِإِمَامَتِهِ.
قَالَ: «صَدَقْتَ - يَا مُحَمَّدُ - يَمُدُّ اَللَّهُ فِي عُمُرِكَ، وَتُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ، وَتُقِرُّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَإِمَامَةِ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ»
قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ؟
قَالَ: «اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ»
قَالَ: قُلْتُ: لَهُ اَلرِّضَا وَاَلتَّسْلِيمُ (2) .
ص: 253
باب
ذكر طرف من دلائله وأخباره
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُواَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلُ علیهِ السّلامُ: « هَلْ عَلِمْتَ أَحَداً مِنْ أَهْلِ اَلْمَغْرِبِ قَدِمَ؟» قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «بَلَى، قَدْ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَغْرِبِ اَلْمَدِينَةَ ، فَانْطَلِقْ بِنَا» فَرَكِبَ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى اَلرَّجُلِ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَغْرِبِ مَعَهُ رَقِيقٌ، فَقُلْتُ لَهُ: اِعْرِضْ عَلَيْنَا، فَعَرَضَ عَلَيْنَا، سَبْعَ جَوَارٍ كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) «لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا» ثُمَّ قَالَ: «اِعْرِضْ عَلَيْنَا فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلاَّ جَارِيَةٌ مَرِيضَةٌ، فَقَالَ لَهُ: «مَا عَلَيْكَ أَنْ تَعْرِضَهَا؟» فَأَبَى عَلَيْهِ، فَانْصَرَفَ.
ثُمَّ أَرْسَلَنِي مِنَ اَلْغَدِ فَقَالَ لِي: «قُلْ لَهُ: كَمْ كَانَ غَايَتُكَ فِيهَا؟ فَإِذَا قَالَ: لَكَ كَذَا وَكَذَا، فَقُلْ: قَدْ أَخَذْتُهَا» فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَنْقُصَهَا مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَقُلْتُ: قَدْ أَخَذْتُهَا. قَالَ: هِيَ لَكَ، وَلَكِنْ أَخْبِرْنِي مَنِ اَلرَّجُلُ اَلَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، قَالَ: مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقُلْتُ: مَا عِنْدِي أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فَقَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي اِشْتَرَيْتُهَا مِنْ أَقْصَى اَلْمَغْرِبِ، فَلَقِيَتْنِي اِمْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتَابِ فَقَالَتْ: مَا هَذِهِ اَلْوَصِيفَةُ مَعَكَ؟ قُلْتُ: اِشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي: فَقَالَتْ: مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ عِنْدَ مِثْلِكَ، إِنَّ هَذِهِ اَلْجَارِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَ خَيْرِ أَهْلِ
ص: 254
اَلْأَرْضِ، فَلاَ تَلْبَثُ عِنْدَهُ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى تَلِدَ غُلاَماً لَمْ يُولَدْ بِشَرْقِ اَلْأَرْضِ وَلاَ غَرْبِهَا مِثْلُهُ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَلَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى وَلَدَتِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ (2)عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: لَمَّا مَضَى أَبُوإِبْرَاهِيمَ علیهِ السّلامُ وَتَكَلَّمَ أَبُواَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ خِفْنَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ أَظْهَرْتَ أَمْراً عَظِيماً، وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ هَذَا اَلطَّاغِيَةَ، فَقَالَ : َ«جْهَدْ جَهْدَهُ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيَّ» (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اِبْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ، عَنْ (أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ) (4)، عَنِ اَلْغِفَارِيِّ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ- مَوْلَى رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ) - يُقَالُ لَهُ: فُلاَنٌ، عَلَيَّ حَقٌّ فَتَقَاضَانِي وَأَلَحَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ صَلَّيْتُ اَلصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)، ثُمَّ تَوَجَّهْتُ نَحْوَاَلرِّضَا علیهِ السّلامُ - وَهُوَيَوْمَئِذٍ بِالْعُرَيْضِ (5)فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْ
ص: 255
بَابِهِ إِذَا هُوَقَدْ طَلَعَ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ ، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ اِسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، فَلَمَّا لَحِقَنِي وَقَفَ وَنَظَرَ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ - وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ - فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ لِمَوْلاَكَ فُلاَنٍ عَلَيَّ حَقّاً، وَقَدْ وَاَللَّهِ شَهَرَنِي؛ وَأَنَا أَظُنُّ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْكَفِّ عَنِّي وَ وَاَللَّهِ مَا قُلْتُ لَهُ: كَمْ لَهُ عَلَيَّ وَلاَ سَمَّيْتُ لَهُ شَيْئاً، فَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ إِلَى رُجُوعِهِ.
فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى صَلَّيْتُ اَلْمَغْرِبَ وَأَنَا صَائِمٌ، فَضَاقَ صَدْرِي وَأَرَدْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ، فَإِذَا هُوَقَدْ طَلَعَ عَلَيَّ وَحَوْلَهُ اَلنَّاسُ، وَقَدْ قَعَدَ لَهُ اَلسُّؤَّالُ وَهُوَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ، فَمَضَى فَقَدْ دَخَلَ بَيْتَهُ ثُمَّ خَرَجَ، وَدَعَانِي فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَجَلَسَ وَجَلَسْتُ مَعَهُ فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنِ اِبْنِ اَلْمُسَيَّبِ (1) - وَكَانَ كَثِيراً مَا أُحَدِّثُهُ عَنْهُ - فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا «أَظُنُّكَ أَفْطَرْتَ بَعْدُ قُلْتُ: لاَ، فَدَعَا لِي بِطَعَامٍ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيَّ، وَأَمَرَ اَلْغُلاَمَ أَنْ يَأْكُلَ مَعِي، فَأَصَبْتُ وَاَلْغُلاَمَ، مِنَ اَلطَّعَامِ فَلَمَّا فَرَغْنَا قَالَ: «اِرْفَعِ اَلْوِسَادَةَ وَخُذْ مَا تَحْتَهَا فَرَفَعْتُهَا فَإِذَا دَنَانِيرُ فَأَخَذْتُهَا وَوَضَعْتُهَا فِي كُمِّي.
وَأَمَرَ أَرْبَعَةً مِنْ عَبِيدِهِ أَنْ يَكُونُوا مَعِي حَتَّى يَبْلُغُوا بِي مَنْزِلِي، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ طَائِفَ (2)ابْنَ اَلْمُسَيَّبِ يَقْعُدُ وَأَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانِي وَمَعِي عَبِيدُكَ فَقَالَ لِي: «أَصَبْتَ، أَصَابَ اَللَّهُ بِكَ اَلرَّشَادَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إِذَا رَدَدْتُهُمْ.
فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْ مَنْزِلِي وَأَنِسْتُ رَدَدْتُهُمْ وَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَدَعَوْتُ اَلسِّرَاجَ وَنَظَرْتُ إِلَى اَلدَّنَانِيرِ، فَإِذَا هِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِينَاراً ، وَكَانَ حَقُّ اَلرَّجُلِ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ دِينَاراً ، وَكَانَ فِيهَا دِينَارٌ يَلُوحُ فَأَعْجَبَنِي حُسْنُهُ فَأَخَذْتُهُ
ص: 256
وَقَرَّبْتُهُ مِنَ اَلسِّرَاجِ فَإِذَا عَلَيْهِ نَقْشٌ وَاضِحٌ: «حَقُّ اَلرَّجُلِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَاراً، وَمَا بَقِيَ فَهُوَلَكَ» لاَ وَاَللَّهِ مَا كُنْتُ عَرَّفْتُ مَا لَهُ عَلَيَّ عَلَى اَلتَّحْدِيدِ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ - فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي حَجَّ فِيهَا هَارُونُ - يُرِيدُ اَلْحَجَّ فَانْتَهَى إِلَى جَبَلٍ عَلَى يَسَارِ اَلطَّرِيقِ يُقَالُ لَهُ: فَارِعٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) ثُمَّ قَالَ: «يَا فَارِعُ (2)وَهَادِمُهُ يُقَطَّعُ إِرْباً إِرْباً» فَلَمْ نَدْرِ مَا مَعْنَى ذَلِكَ. فَلَمَّا بَلَغَ هَارُونُ ذَلِكَ اَلْمَكَانَ (3)نَزَلَهُ وَصَعِدَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى اَلْجَبَلَ وَأَمَرَ أَنْ يُبْنَى لَهُ فِيهِ مَجْلِسٌ فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ صَعِدَ إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ إِلَى اَلْعِرَاقِ قُطِّعَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى إِرْباً إِرْباً (4) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ م(ُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ اَلْهَيْثَمِ) (5)عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى قَالَ: أَلْحَحْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ
ص: 257
اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فِي شَيْءٍ أَطْلُبُهُ مِنْهُ فَكَانَ يَعِدُنِي، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَسْتَقْبِلُ وَالِيَ اَلْمَدِينَةِ وَكُنْتُ مَعَهُ، فَجَاءَ إِلَى قُرْبِ قَصْرِ فُلاَنٍ فَنَزَلَ عِنْدَهُ تَحْتَ شَجَرَاتٍ وَنَزَلْتُ مَعَهُ وَلَيْسَ مَعَنَا ثَالِثٌ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا اَلْعِيدُ قَدْ أَظَلَّنَا، وَلاَ وَاَللَّهِ مَا أَمْلِكُ دِرْهَماً فَمَا سِوَاهُ، فَحَكَّ بِسَوْطِهِ اَلْأَرْضَ حَكّاً شَدِيداً، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ ثُمَّ قَالَ: «اِسْتَنْفِعْ بِهَا وَاُكْتُمْ مَا رَأَيْتَ» (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُسَافِرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ بِمِنًى فَمَرَّ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ فَغَطَّى وَجْهَهُ مِنَ اَلْغُبَارِ فَقَالَ: اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: « مَسَاكِينُ لاَ يَدْرُونَ مَا يَحُلُّ بِهِمْ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ» ثُمَّ قَالَ: «وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا، هَارُونُ وَأَنَا كَهَاتَيْنِ» وَضَمَّ إِصْبَعَيْهِ، قَالَ: مُسَافِرٌ: فَوَاَللَّهِ مَا عَرَفْتُ مَعْنَى حَدِيثِهِ حَتَّى دَفَنَّاهُ مَعَهُ (2) .
ص: 258
فصل
وَكَانَ اَلْمَأْمُونُ قَدْ أَنْفَذَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ، فَحَمَلَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ اَلْمَدِينَةِ وَفِيهِمُ اَلرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى علیهِ السّلامُ ، فَأَخَذَ بِهِمْ عَلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ حَتَّى جَاءُوهُ بِهِمْ، وَكَانَ اَلْمُتَوَلِّي لِإِشْخَاصِهِمْ اَلْمَعْرُوفَ بِالْجَلُودِيِّ (1)، فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى اَلْمَأْمُونِ فَأَنْزَلَهُمْ دَاراً، وَأَنْزَلَ اَلرِّضَا عَلِيَّ بْنَ مُوسَى علیهِ السّلامُ دَاراً ، وَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَيْهِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلَعَ نَفْسِي مِنَ اَلْخِلاَفَةِ وَأُقَلِّدَكَ إِيَّاهَا فَمَا رَأْيُكَ فِي ذَلِكَ؟ فَأَنْكَرَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ هَذَا اَلْأَمْرَ وَقَالَ لَهُ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - مِنْ هَذَا اَلْكَلاَمِ، وَأَنْ يَسْمَعَ بِهِ أَحَدٌ» فَرَدَّ عَلَيْهِ اَلرِّسَالَةَ: فَإِذَا أَبَيْتَ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ فَلاَ بُدَّ مِنْ وِلاَيَةِ اَلْعَهْدِ مِنْ بَعْدِي، فَأَبَى عَلَيْهِ اَلرِّضَا إِبَاءً شَدِيداً، فَاسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ وَخَلاَ بِهِ وَمَعَهُ اَلْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ذُواَلرِّئَاسَتَيْنِ، لَيْسَ فِي اَلْمَجْلِسِ غَيْرُهُمْ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُقَلِّدَكَ أَمْرَ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَأَفْسَخَ مَا فِي رَقَبَتِي وَأَضَعَهُ فِي رَقَبَتِكَ ، فَقَالَ لَهُ: اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: «اَللَّهَ اَللَّهَ - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - إِنَّهُ لاَ طَاقَةَ لِي بِذَلِكَ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: إِنِّي مُوَلِّيكَ اَلْعَهْدَ مِنْ بَعْدِي، فَقَالَ لَهُ: «أَعْفِنِي مِنْ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ» فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ كَلاَماً فِيهِ كَالتَّهَدُّدِ لَهُ عَلَى اَلاِمْتِنَاعِ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ فِي كَلاَمِهِ إِنَّ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ جَعَلَ اَلشُّورَى فِي سِتَّةٍ أَحَدُهُمْ جَدُّكَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَشَرَطَ فِيمَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ، وَلاَ بُدَّ مِنْ قَبُولِكَ مَا أُرِيدُهُ مِنْكَ،
ص: 259
فَإِنَّنِي لاَ أَجِدُ مَحِيصاً عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: «فَإِنِّي أُجِيبُكَ (1)إِلَى مَا تُرِيدُ؟ مِنْ وِلاَيَةِ اَلْعَهْدِ، عَلَى أَنَّنِي لاَ آمُرُ وَلاَ أَنْهَى وَلاَ أُفْتِي وَلاَ أَقْضِي وَلاَ أُوَلِّي وَلاَ أَعْزِلُ وَلاَ أُغَيِّرُ شَيْئاً مِمَّا هُوَقَائِمٌ» فَأَجَابَهُ اَلْمَأْمُونُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ .
أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنِي (2)مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ بِخُرَاسَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَسَمِعْتُ أَنَّ ذَا اَلرِّئَاسَتَيْنِ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَيَقُولُ: وَا عَجَبَاهْ وَقَدْ رَأَيْتُ عَجَباً، سَلُونِي مَا رَأَيْتُ؟ فَقَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ أَصْلَحَكَ اَللَّهُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ اَلْمَأْمُونَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُقَلِّدَكَ أُمُورَ اَلْمُسْلِمِينَ، وَأَفْسَخَ مَا فِي رَقَبَتِي وَأَجْعَلَهُ فِي رَقَبَتِكَ، وَرَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: « يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ لاَ طَاقَةَ لِي بِذَلِكَ، وَلاَ قُوَّةَ» فَمَا رَأَيْتُ خِلاَفَةً قَطُّ كَانَتْ أَضْيَعَ مِنْهَا إِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ يَتَفَصَّى (3)مِنْهَا، وَيَعْرِضُهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى يَرْفُضُهَا وَيَأْبَى (4) .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ اَلْأَخْبَارِ وَرُوَاةِ اَلسِّيَرِ وَاَلْآثَارِ وَأَيَّامِ اَلْخُلَفَاءِ : أَنَّ اَلْمَأْمُونَ لَمَّا أَرَادَ اَلْعَقْدَ لِلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، أَحْضَرَ اَلْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ فَأَعْلَمَهُ مَا قَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالاِجْتِمَاعِ مَعَ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ عَلَى ذَلِكَ فَفَعَلَ وَاِجْتَمَعَا بِحَضْرَتِهِ،
ص: 260
فَجَعَلَ اَلْحَسَنُ يُعَظِّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيُعَرِّفُهُ مَا فِي إِخْرَاجِ اَلْأَمْرِ مِنْ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: إِنِّي عَاهَدْتُ اَللَّهَ أَنَّنِي إِنْ ظَفِرْتُ بِالْمَخْلُوعِ (1)أَخْرَجْتُ اَلْخِلاَفَةَ إِلَى أَفْضَلِ آلِ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَداً أَفْضَلَ مِنْ هَذَا اَلرَّجُلِ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ.
فَلَمَّا رَأَى اَلْحَسَنُ وَاَلْفَضْلُ عَزِيمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْسَكَا عَنْ مُعَارَضَتِهِ فِيهِ، فَأَرْسَلَهُمَا إِلَى اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فَعَرَضَا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ، فَلَمْ يَزَالاَ بِهِ حَتَّى أَجَابَ، وَرَجَعَا إِلَى اَلْمَأْمُونِ فَعَرَّفَاهُ إِجَابَتَهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَجَلَسَ لِلْخَاصَّةِ فِي يَوْمِ خَمِيسٍ، وَخَرَجَ اَلْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ فَأَعْلَمَ اَلنَّاسَ بِرَأْيِ اَلْمَأْمُونِ فِي عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَأَنَّهُ قَدْ وَلاَّهُ عَهْدَهُ وَسَمَّاهُ اَلرِّضَا، وَأَمَرَهُمْ بِلُبْسِ اَلْخُضْرَةِ وَاَلْعَوْدِ لِبَيْعَتِهِ فِي اَلْخَمِيسِ اَلْآخَرِ عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا رِزْقَ سَنَةٍ.
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اَلْيَوْمُ رَكِبَ اَلنَّاسُ عَلَى طَبَقَاتِهِمْ مِنَ اَلْقُوَّادِ وَاَلْحُجَّابِ وَاَلْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فِي اَلْخُضْرَةِ، وَجَلَسَ اَلْمَأْمُونُ وَوَضَعَ لِلرِّضَا وِسَادَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ حَتَّى لَحِقَ بِمَجْلِسِهِ وَفَرْشِهِ ، وَأَجْلَسَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ عَلَيْهِمَا فِي اَلْخُضْرَةِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَسَيْفٌ ثُمَّ أَمَرَ اِبْنَهُ اَلْعَبَّاسَ بْنَ اَلْمَأْمُونِ يُبَايِعُ لَهُ أَوَّلَ اَلنَّاسِ، فَرَفَعَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ يَدَهُ فَتَلَقَّى بِهَا وَجْهَ نَفْسِهِ وَبِبَطْنِهَا وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: اُبْسُطْ يَدَكَ لِلْبَيْعَةِ، فَقَالَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)، هَكَذَا كَانَ يُبَايِعُ» فَبَايَعَهُ اَلنَّاسُ وَيَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، وَوُضِعَتِ اَلْبِدَرُ (2)وَقَامَتِ اَلْخُطَبَاءُ وَاَلشُّعَرَاءُ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ فَضْلَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ ، وَمَا كَانَ مِنَ اَلْمَأْمُونِ فِي أَمْرِهِ.
ص: 261
ثُمَّ دَعَا أَبُوعَبَّادٍ بِالْعَبَّاسِ بْنِ اَلْمَأْمُونِ، فَوَثَبَ فَدَنَا مِنْ أَبِيهِ فَقَبَّلَ يَدَهُ، وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ، ثُمَّ نُودِيَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ لَهُ اَلْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ: قُمْ فَقَامَ فَمَشَى حَتَّى قَرُبَ مِنَ اَلْمَأْمُونِ فَوَقَفَ وَلَمْ يُقَبِّلْ يَدَهُ، فَقِيلَ لَهُ: اِمْضِ فَخُذْ جَائِزَتَكَ وَنَادَاهُ اَلْمَأْمُونُ: اِرْجِعْ يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِلَى مَجْلِسِكَ، فَرَجَعَ ثُمَّ جَعَلَ أَبُوعَبَّادٍ يَدْعُوبِعَلَوِيٍّ وَعَبَّاسِيٍّ فَيَقْبِضَانِ جَوَائِزَهُمَا حَتَّى نَفِدَتِ اَلْأَمْوَالُ، ثُمَّ قَالَ اَلْمَأْمُونُ لِلرِّضَا علیهِ السّلامُ: اُخْطُبِ اَلنَّاسَ وَتَكَلَّمْ فِيهِمْ، فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «إِنَّ لَنَا عَلَيْكُمْ حَقّاً بِرَسُولِ اَللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْنَا حَقّاً بِهِ، فَإِذَا أَدَّيْتُمْ إِلَيْنَا ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا اَلْحَقُّ لَكُمْ» وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا فِي ذَلِكَ اَلْمَجْلِسِ.
وَأَمَرَ اَلْمَأْمُونُ فَضُرِبَتْ لَهُ اَلدَّرَاهِمُ وَطُبِعَ عَلَيْهَا اِسْمُ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ، وَزَوَّجَ إِسْحَاقَ بْنَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّرَهُ فَحَجَّ بِالنَّاسِ (1)وَخُطِبَ لِلرِّضَا علیهِ السّلامُ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِوِلاَيَةِ اَلْعَهْدِ (2) .
فَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْعَلَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ (عَبْدَ اَلْجَبَّارِ بْنَ سَعِيدٍ) (3)يَخْطُبُ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ فِي اَلدُّعَاءِ لَهُ: وَلِيُّ عَهْدِ اَلْمُسْلِمِينَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
ص: 262
أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ . سِتَّةُ آبَاءٍ هُمْ مَا هُمُ *** أَفْضَلُ مَنْ يَشْرَبُ صَوْبَ اَلْغَمَامِ(1) .
وَذَكَرَ اَلْمَدَائِنِيُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: لَمَّا جَلَسَ اَلرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى علیهِ السّلامُ، فِي اَلْخِلَعِ بِوِلاَيَةِ اَلْعَهْدِ، قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ اَلْخُطَبَاءُ وَاَلشُّعَرَاءُ وَخَفَقَتِ اَلْأَلْوِيَةُ عَلَى رَأْسِهِ، فَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ مَنْ حَضَرَ مِمَّنْ كَانَ يَخْتَصُّ بِالرِّضَا علیهِ السّلامُ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مُسْتَبْشِرٌ بِمَا جَرَى، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ لِي مِنْ حَيْثُ لاَ يَسْمَعُهُ غَيْرِي: «لاَ تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهَذَا اَلْأَمْرِ وَلاَ تَسْتَبْشِرْ بِهِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ لاَ يَتِمُّ» (2) .
وَكَانَ فِيمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ اَلشُّعَرَاءِ دِعْبِلُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْخُزَاعِيُّ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: إِنِّي قَدْ قُلْتُ: قَصِيدَةً وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أُنْشِدَهَا أَحَداً قَبْلَكَ، فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ حَتَّى خَفَّ مَجْلِسُهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «هَاتِهَا» قَالَ: فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَتَهُ اَلَّتِي أَوَّلُهَا:
مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِلاَوَةٍ *** وَمَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفَرُ اَلْعَرَصَاتِ.
حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا (3)فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ إِنْشَادِهِ قَامَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فَدَخَلَ إِلَى حُجْرَتِهِ وَبَعَثَ إِلَيْهِ خَادِماً بِخِرْقَةِ خَزٍّ فِيهَا سِتُّمِائَةِ دِينَارٍ،
ص: 263
وَقَالَ لِخَادِمِهِ: قُلْ لَهُ: اِسْتَعِنْ بِهَذِهِ عَلَى سَفَرِكَ وَاِعْذِرْنَا» فَقَالَ لَهُ: دِعْبِلٌ: لاَ وَاَللَّهِ مَا هَذَا أَرَدْتُ وَلاَ لَهُ خَرَجْتُ، وَلَكِنْ قُلْ لَهُ: اُكْسُنِي ثَوْباً مِنْ أَثْوَابِكَ وَرُدَّهَا عَلَيْهِ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ وَقَالَ لَهُ: خُذْهَا وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِجُبَّةٍ مِنْ ثِيَابِهِ.
فَخَرَجَ دِعْبِلٌ حَتَّى وَرَدَ قُمَّ فَلَمَّا رَأَوُا اَلْجُبَّةَ مَعَهُ أَعْطَوْهُ بِهَا أَلْفَ دِينَارٍ فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ: لاَ وَاَللَّهِ وَلاَ خِرْقَةً مِنْهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ «قُمَّ » فَاتَّبَعُوهُ وَقَطَعُوا عَلَيْهِ وَأَخَذُوا اَلْجُبَّةَ فَرَجَعَ إِلَى قُمَّ وَكَلَّمَهُمْ فِيهَا فَقَالُوا: لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ فَهَذِهِ أَلْفُ دِينَارٍ ، قَالَ لَهُمْ: وَخِرْقَةٌ مِنْهَا فَأَعْطَوْهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَخِرْقَةً مِنَ اَلْجُبَّةِ (1) .
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَاسِرٍ اَلْخَادِمِ وَاَلرَّيَّانِ بْنِ اَلصَّلْتِ جَمِيعاً قَالاَ: لَمَّا حَضَرَ اَلْعِيدُ وَكَانَ قَدْ عُقِدَ لِلرِّضَا علیهِ السّلامُ اَلْأَمْرُ بِوِلاَيَةِ اَلْعَهْدِ، بَعَثَ إِلَيْهِ اَلْمَأْمُونُ فِي اَلرُّكُوبِ إِلَى اَلْعِيدِ وَاَلصَّلاَةِ بِالنَّاسِ وَاَلْخُطْبَةِ بِهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: « قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ اَلشُّرُوطِ فِي دُخُولِ اَلْأَمْرِ فَأَعْفِنِي مِنَ اَلصَّلاَةِ بِالنَّاسِ» فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: إِنَّمَا أُرِيدُ بِذَلِكَ، أَنْ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُ اَلنَّاسِ وَيَعْرِفُوا فَضْلَكَ، وَلَمْ تَزَلِ اَلرُّسُلُ تَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ، فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ اَلْمَأْمُونُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ: «إِنْ أَعْفَيْتَنِي فَهُوَأَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ لَمْ تُعْفِنِي خَرَجْتُ كَمَا خَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَأَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: اُخْرُجْ كَيْفَ شِئْتَ. وَأَمَرَ اَلْقُوَّادَ وَاَلنَّاسَ أَنْ يُبَكِّرُوا إِلَى بَابِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ .
قَالَ: فَقَعَدَ اَلنَّاسُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فِي اَلطُّرُقَاتِ وَاَلسُّطُوحِ،
ص: 264
وَاِجْتَمَعَ اَلنِّسَاءُ وَاَلصِّبْيَانُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، وَصَارَ جَمِيعُ اَلْقُوَّادِ وَاَلْجُنْدِ إِلَى بَابِهِ، فَوَقَفُوا عَلَى دَوَابِّهِمْ حَتَّى طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ.
فَاغْتَسَلَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَتَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ مِنْ قُطْنٍ، أَلْقَى طَرَفاً مِنْهَا عَلَى صَدْرِهِ وَطَرَفاً بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَمَسَّ شَيْئاً مِنَ اَلطِّيبِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ عُكَّازَةً وَ قَالَ لِمَوَالِيهِ: «اِفْعَلُوا مِثْلَ مَا فَعَلْتُ» فَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَحَافٍ قَدْ شَمَّرَ سَرَاوِيلَهُ إِلَى نِصْفِ اَلسَّاقِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مُشَمَّرَةٌ، فَمَشَى قَلِيلاً وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَكَبَّرَ وَكَبَّرَ مَوَالِيهِ مَعَهُ ثُمَّ مَشَى حَتَّى وَقَفَ عَلَى اَلْبَابِ، فَلَمَّا رَآهُ اَلْقُوَّادُ وَاَلْجُنْدُ عَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ (1)سَقَطُوا كُلُّهُمْ عَنِ اَلدَّوَابِّ إِلَى اَلْأَرْضِ وَكَانَ أَحْسَنُهُمْ حَالاً مَنْ كَانَ مَعَهُ سِكِّينٌ قَطَعَ بِهَا شِرَّابَةَ جَاجِيلَتِهِ وَنَزَعَهَا وَتَحَفَّى.
وَكَبَّرَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ عَلَى اَلْبَابِ وَكَبَّرَ اَلنَّاسُ مَعَهُ، فَخُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّ اَلسَّمَاءَ وَاَلْحِيطَانَ تُجَاوِبُهُ، وَتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بِالْبُكَاءِ وَاَلضَّجِيجِ لَمَّا رَأَوْا أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَسَمِعُوا تَكْبِيرَهُ.
وَبَلَغَ اَلْمَأْمُونَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: اَلْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ذُواَلرِّئَاسَتَيْنِ، يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، إِنْ بَلَغَ اَلرِّضَا اَلْمُصَلَّى عَلَى هَذَا اَلسَّبِيلِ اِفْتَتَنَ بِهِ اَلنَّاسُ وَخِفْنَا كُلُّنَا عَلَى دِمَائِنَا، فَأَنْفِذْ إِلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ اَلْمَأْمُونُ قَدْ كَلَّفْنَاكَ شَطَطاً وَأَتْعَبْنَاكَ، وَلَسْنَا نُحِبُّ أَنْ تُلْحِقَكَ مَشَقَّةٌ فَارْجِعْ وَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ مَنْ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عَلَى رَسْمِهِ. فَدَعَا أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بِخُفِّهِ فَلَبِسَهُ وَرَكِبَ وَرَجَعَ، وَاِخْتَلَفَ أَمْرُ اَلنَّاسِ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ وَلَمْ يَنْتَظِمْ فِي
ص: 265
صَلاَتِهِمْ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَاسِرٍ قَالَ: لَمَّا عَزَمَ اَلْمَأْمُونُ عَلَى اَلْخُرُوجِ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى بَغْدَادَ، خَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ اَلْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ذُواَلرِّئَاسَتَيْنِ، وَخَرَجْنَا مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فَوَرَدَ عَلَى اَلْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ كِتَابٌ مِنْ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ وَنَحْنُ فِي بَعْضِ اَلْمَنَازِلِ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي تَحْوِيلِ اَلسَّنَةِ فَوَجَدْتُ فِيهِ أَنَّكَ تَذُوقُ فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ اَلْأَرْبِعَاءِ حَرَّ اَلْحَدِيدِ وَحَرَّ اَلنَّارِ، وَأَرَى أَنْ تَدْخُلَ أَنْتَ وَأَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاَلرِّضَا اَلْحَمَّامَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ وَتَحْتَجِمَ فِيهِ وَتَصُبَّ عَلَى بَدَنِكَ اَلدَّمَ لِيَزُولَ عَنْكَ نَحْسُهُ.
فَكَتَبَ ذُواَلرِّئَاسَتَيْنِ إِلَى اَلْمَأْمُونِ بِذَلِكَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) ذَلِكَ ، فَكَتَبَ اَلْمَأْمُونُ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) يَسْأَلُهُ فِيهِ فَأَجَابَهُ أَبُواَلْحَسَنِ: «لَسْتُ بِدَاخِلٍ اَلْحَمَّامَ غَداً » فَأَعَادَ عَلَيْهِ اَلرُّقْعَةَ مَرَّتَيْنِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) «لَسْتُ دَاخِلاً اَلْحَمَّامَ غَداً ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ فَقَالَ لِي: يَا عَلِيُّ لاَ تَدْخُلِ اَلْحَمَّامَ غَداً، فَلاَ أَرَى لَكَ - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - وَلاَ لِلْفَضْلِ أَنْ تَدْخُلاَ اَلْحَمَّامَ غَداً» فَكَتَبَ إِلَيْهِ اَلْمَأْمُونُ صَدَقْتَ - يَا أَبَا اَلْحَسَنِ - وَصَدَقَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)، لَسْتُ بِدَاخِلٍ اَلْحَمَّامَ غَداً، وَاَلْفَضْلُ أَعْلَمُ.
ص: 266
قَالَ: فَقَالَ يَاسِرٌ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا وَغَابَتِ اَلشَّمْسُ، قَالَ لَنَا اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: قُولُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ فَلَمْ نَزَلْ نَقُولُ: ذَلِكَ فَلَمَّا صَلَّى اَلرِّضَا اَلصُّبْحَ قَالَ لِي: «اِصْعَدِ اَلسَّطْحَ ،اِسْتَمِعْ هَلْ تَجِدُ شَيْئاً ؟»فَلَمَّا صَعِدْتُ سَمِعْتُ اَلضَّجَّةَ وَكَثُرَتْ وَزَادَتْ فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَأْمُونِ قَدْ دَخَلَ مِنَ اَلْبَابِ اَلَّذِي كَانَ مِنْ دَارِهِ إِلَى دَارِ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَهُوَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي، يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، آجَرَكَ اَللَّهُ فِي اَلْفَضْلِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ اَلْحَمَّامَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَقَتَلُوهُ ، وَأُخِذَ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، أَحَدُهُمْ اِبْنُ خَالِهِ اَلْفَضْلُ بْنُ ذِي اَلْقَلَمَيْنِ .
قَالَ: وَاِجْتَمَعَ اَلْجُنْدُ وَاَلْقُوَّادُ وَمَنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ اَلْفَضْلِ عَلَى بَابِ اَلْمَأْمُونِ فَقَالُوا: هُوَاِغْتَالَهُ ، وَشَغَبُوا (1)عَلَيْهِ وَطَلَبُوا بِدَمِهِ، وَجَاءُوا بِالنِّيرَانِ لِيُحْرِقُوا اَلْبَابَ، فَقَالَ: اَلْمَأْمُونُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ): يَا سَيِّدِي، نَرَى أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَتُرْفِقَ بِهِمْ حَتَّى يَتَفَرَّقُوا، قَالَ:«نَعَمْ» وَرَكِبَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَقَالَ لِي: يَا «يَاسِرُ اِرْكَبْ» فَرَكِبْتُ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ بَابِ اَلدَّارِ نَظَرَ إِلَى اَلنَّاسِ وَقَدِ اِزْدَحَمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ بِيَدِهِ: «تَفَرَّقُوا» قَالَ يَاسِرٌ: فَأَقْبَلَ اَلنَّاسُ وَاَللَّهِ يَقَعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أَشَارَ إِلَى أَحَدٍ إِلاَّ رَكَضَ وَمَضَى لِوَجْهِهِ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُسَافِرٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ هَارُونُ بْنُ اَلْمُسَيَّبِ أَنْ يُوَاقِعَ مُحَمَّدَ بْنَ
ص: 267
جَعْفَرٍ قَالَ لِي أَبُواَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: «اِذْهَبْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ: لاَ تَخْرُجْ، غَداً فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ غَداً هُزِمْتَ وَقُتِلَ أَصْحَابُكَ، فَإِنْ قَالَ لَكَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هَذَا؟ فَقُلْ رَأَيْتُ فِي اَلنَّوْمِ» قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لاَ تَخْرُجْ غَداً، فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ غَداً هُزِمْتَ وَقُتِلَ أَصْحَابُكَ فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قُلْتُ فِي اَلنَّوْمِ، فَقَالَ: نَامَ اَلْعَبْدُ وَلَمْ يَغْسِلِ اِسْتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَانْهَزَمَ وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ (1) .
ص: 268
باب
ذكر وفاة الرضا علي بن موسى علیهِ السّلامُ وسببها، وطرف من الأخبار في ذلك
وَكَانَ اَلرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى علیهِ السّلامُ يُكْثِرُ وَعْظَ اَلْمَأْمُونِ إِذَا خَلاَ بِهِ وَيُخَوِّفُهُ بِاللَّهِ وَيُقَبِّحُ لَهُ مَا يَرْتَكِبُهُ مِنْ خِلاَفِهِ ، فَكَانَ اَلْمَأْمُونُ يُظْهِرُ قَبُولَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيُبْطِنُ كَرَاهَتَهُ وَاِسْتِثْقَالَهُ.
وَدَخَلَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ يَوْماً عَلَيْهِ فَرَآهُ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَاَلْغُلاَمُ يَصُبُّ عَلَى يَدِهِ اَلْمَاءَ، فَقَالَ: «لاَ تُشْرِكْ - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - بِعِبَادَةِ رَبِّكَ أَحَداً » فَصَرَفَ اَلْمَأْمُونُ اَلْغُلاَمَ وَتَوَلَّى تَمَامَ وُضُوئِهِ بِنَفْسِهِ وَزَادَ ذَلِكَ فِي غَيْظِهِ وَوَجْدِهِ.
وَكَانَ علیهِ السّلامُ يُزْرِي (1)عَلَى اَلْحَسَنِ وَاَلْفَضْلِ - اِبْنَيْ سَهْلٍ - عِنْدَ اَلْمَأْمُونِ إِذَا ذَكَرَهُمَا وَيَصِفُ لَهُ مَسَاوِئَهُمَا وَيَنْهَاهُ عَنِ اَلْإِصْغَاءِ إِلَى قَوْلِهِمَا وَعَرَفَا ذَلِكَ مِنْهُ فَجَعَلاَ يَحْطِبَانِ (2)عَلَيْهِ عِنْدَ اَلْمَأْمُونِ وَيَذْكُرَانِ لَهُ عَنْهُ مَا يُبْعِدُهُ مِنْهُ وَيُخَوِّفَانِهِ مِنْ حَمْلِ اَلنَّاسِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَالاَ كَذَلِكَ، حَتَّى قَلَبَا رَأْيَهُ، وَعَمِلَ عَلَى قَتْلِهِ علیهِ السّلامُ فَاتَّفَقَ أَنَّهُ أَكَلَ هُوَوَاَلْمَأْمُونُ يَوْماً طَعَاماً ، فَاعْتَلَّ مِنْهُ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ (3)وَأَظْهَرَ اَلْمَأْمُونُ تَمَارُضاً .
ص: 269
فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَمَرَنِي اَلْمَأْمُونُ أَنْ أُطَوِّلَ أَظْفَارِي عَنِ اَلْعَادَةِ وَلاَ أُظْهِرَ لِأَحَدٍ ذَلِكَ فَفَعَلْتُ، ثُمَّ اِسْتَدْعَانِي فَأَخْرَجَ إِلَيَّ شَيْئاً شِبْهَ اَلتَّمْرِ اَلْهِنْدِيِّ وَقَالَ لِي: اِعْجِنْ هَذَا بِيَدَيْكَ جَمِيعاً فَفَعَلْتُ ،ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَنِي فَدَخَلَ عَلَى اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فَقَالَ لَهُ: مَا خَبَرُكَ؟ قَالَ: «أَرْجُوأَنْ أَكُونَ صَالِحاً» قَالَ لَهُ: أَنَا اَلْيَوْمَ بِحَمْدِ اَللَّهِ أَيْضاً صَالِحٌ فَهَلْ جَاءَكَ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُتَرَفِّقِينَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ؟ قَالَ: «لاَ » فَغَضِبَ اَلْمَأْمُونُ وَصَاحَ عَلَى غِلْمَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: خُذْ مَاءَ اَلرُّمَّانِ اَلسَّاعَةَ، فَإِنَّهُ مِمَّا لاَ يُسْتَغْنَى عَنْهُ ،ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ: اِئْتِنَا بِرُمَّانٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ لِي: اِعْصِرْهُ بِيَدَيْكَ، فَفَعَلْتُ وَسَقَاهُ اَلْمَأْمُونُ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ بِيَدِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَفَاتِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَوْمَيْنِ حَتَّى مَاتَ علیهِ السّلامُ .
وَذُكِرَ عَنْ أَبِي اَلصَّلْتِ اَلْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ وَقَدْ خَرَجَ اَلْمَأْمُونُ مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا اَلصَّلْتِ قَدْ فَعَلُوهَا» وَجَعَلَ يُوَحِّدُ اَللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ (1) .
وَرُوِيَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْجَهْمِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ يُعْجِبُهُ اَلْعِنَبُ، فَأُخِذَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَجُعِلَ فِي مَوْضِعِ أَقْمَاعِهِ (2)اَلْإِبَرُ أَيَّاماً ثُمَّ نُزِعَتْ مِنْهُ، وَجِيءَ بِهِ إِلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَفِي عِلَّتِهِ اَلَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَتَلَهُ، وَذُكِرَ
ص: 270
أَنَّ ذَلِكَ مِنْ لَطِيفِ اَلسُّمُومِ (1) .
وَلَمَّا تُوُفِّيَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ كَتَمَ اَلْمَأْمُونُ مَوْتَهُ يَوْماً وَلَيْلَةً ، ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ اَلَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ نَعَاهُ إِلَيْهِمْ وَبَكَى وَأَظْهَرَ حُزْناً شَدِيداً وَتَوَجُّعاً، وَأَرَاهُمْ إِيَّاهُ صَحِيحَ اَلْجَسَدِ، وَقَالَ: يَعِزُّ عَلَيَّ يَا أَخِي أَنْ أَرَاكَ فِي هَذِهِ اَلْحَالِ ، قَدْ كُنْتُ آمُلُ أَنْ أُقَدَّمَ قَبْلَكَ، فَأَبَى اَللَّهُ إِلاَّ مَا أَرَادَ ثُمَّ أَمَرَ بِغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَتَحْنِيطِهِ وَخَرَجَ مَعَ جَنَازَتِهِ يَحْمِلُهَا حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي هُوَمَدْفُونٌ فِيهِ اَلْآنَ فَدَفَنَهُ. وَاَلْمَوْضِعُ دَارُ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ (2)فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا «سَنَابَادُ» عَلَى دَعْوَةٍ (3)مِنْ «نُوقَانَ» (4)بِأَرْضِ طُوسَ وَفِيهَا قَبْرُ هَارُونَ اَلرَّشِيدِ (5)وَقَبْرُ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بَيْنَ يَدَيْهِ فِي قِبْلَتِهِ.
وَمَضَى اَلرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى علیهِ السّلامُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَداً نَعْلَمُهُ إِلاَّ اِبْنَهُ اَلْإِمَامَ بَعْدَهُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ وَكَانَتْ سِنُّهُ يَوْمَ وَفَاةِ أَبِيهِ سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُراً .
ص: 271
ص: 272
باب
ذكر الإمام بعد أبي اَلْحَسَنِ (علیهم السلام) ،لي بن موسى علیهِ السّلامُ وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، وطرف من أخباره، ومدة إمامته، ومبلغ سنه، وذكر وفاته، وسببها ، وموضع قبره، وعدد أولاده، ومختصر من أخبارهم
وَكَانَ اَلْإِمَامُ بَعْدَ اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى علیهما السّلام اِبْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْمُرْتَضَى بِالنَّصِّ عَلَيْهِ وَاَلْإِشَارَةِ مِنْ أَبِيهِ إِلَيْهِ، وَتَكَامُلِ اَلْفَضْلِ فِيهِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ علیهِ السّلامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَقُبِضَ بِبَغْدَادَ فِي ذِي اَلْقَعْدَةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ لِأَبِيهِ وَإِمَامَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: سَبِيكَةُ، وَكَانَتْ نُوبِيَّةً (1) .
ص: 273
باب ذكر طرف من النص على أبي جعفر محمد بن علي (علیهِ السّلامُ) بالإمامة، والإشارة بها إليه من أبيه علیهِ السّلامُ
فَمِمَّنْ رَوَى اَلنَّصَّ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَى اِبْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ بِالْإِمَامَةِ: عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ، وَصَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى، وَمُعَمَّرُ بْنُ خَلاَّدٍ ،وَ(اَلْحُسَيْنُ بْنُ يَسَارٍ) (1) وَاِبْنُ أَبِي نَصْرٍ اَلْبَزَنْطِيُّ، (وَاِبْنُ
ص: 274
قِيَامَا اَلْوَاسِطِيُّ) (1) وَاَلْحَسَنُ بْنُ اَلْجَهْمِ ، وَأَبُويَحْيَى اَلصَّنْعَانِيُّ، وَاَلْخَيْرَانِيُّ (2)وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ اَلزَّيَّاتُ ، فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِذِكْرِهِمُ اَلْكِتَابُ .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَ(3)عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْقَاسَانِيِّ جَمِيعاً عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ اَلنُّعْمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ اَلْحَسَنَ بْنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ فَقَالَ: فِي حَدِيثِهِ : لَقَدْ نَصَرَ اَللَّهُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ لَمَّا بَغَى عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ وَعُمُومَتُهُ، وَذَكَرَ حَدِيثاً طَوِيلاً حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: فَقُمْتُ وَقَبَضْتُ عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ وَقُلْتُ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامٌ (4)عِنْدَ اَللَّهِ فَبَكَى اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ ثُمَّ قَالَ: «يَا عَمِّ ، أَ لَمْ تَسْمَعْ أَبِي وَهُوَيَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ صلّی الله علیه
ص: 275
آله : بِأَبِي اِبْنُ خِيَرَةِ اَلْإِمَاءِ اَلنُّوبِيَّةِ اَلطَّيِّبَةِ، يَكُونُ مِنْ وُلْدِهِ اَلطَّرِيدُ اَلشَّرِيدُ، اَلْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ وَجَدِّهِ، صَاحِبُ اَلْغَيْبَةِ ،فَيُقَالُ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ أَيَّ وَادٍ سَلَكَ؟ فَقُلْتُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا علیهِ السّلامُ: قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اَللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ فَكُنْتَ تَقُولُ: «يَهَبُ اَللَّهُ لِي غُلاَماً » فَقَدْ وَهَبَهُ اَللَّهُ لَكَ وَقَرَّ عُيُونَنَا بِهِ، فَلاَ أَرَانَا اَللَّهُ يَوْمَكَ، فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَقَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَهَذَا اِبْنُ ثَلاَثِ سِنِينَ، قَالَ: «وَمَا يَضُرُّ مِنْ ذَلِكَ ! قَدْ قَامَ عِيسَى بِالْحُجَّةِ وَهُوَاِبْنُ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ» (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلاَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ وَذَكَرَ شَيْئاً (3)فَقَالَ: مَا «حَاجَتُكُمْ إِلَى ذَلِكَ، هَذَا أَبُوجَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي وَصَيَّرْتُهُ مَكَانِي» وَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا اَلْقُذَّةَ بِالْقُذَّة ِ (4)»(5).
ص: 276
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَشْيَمَ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ يَسَارٍ (1)قَالَ: كَتَبَ اِبْنُ قِيَامَا (2)إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ كِتَاباً يَقُولُ: فِيهِ كَيْفَ تَكُونُ إِمَاماً وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ فَأَجَابَهُ أَبُواَلْحَسَنِ: (علیهِ السّلامُ) وَمَا عِلْمُكَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَاَللَّهِ لاَ تَمْضِي اَلْأَيَّامُ وَاَللَّيَالِي حَتَّى يَرْزُقَنِيَ اَللَّهُ ذَكَراً يُفَرِّقُ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَاَلْبَاطِلِ (3) .
حَدَّثَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَصْرٍ اَلْبَزَنْطِيِّ قَالَ: قَالَ لِيَ اِبْنُ اَلنَّجَاشِيِّ: مَنِ اَلْإِمَامُ بَعْدَ صَاحِبِكَ؟ فَأُحِبُّ أَنْ تَسْأَلَهُ حَتَّى أَعْلَمَ فَدَخَلْتُ عَلَى اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «اَلْإِمَامُ اِبْنِي» وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ اِبْنِي، وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ؟! وَلَمْ يَكُنْ وُلِدَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ، فَلَمْ تَمْضِ اَلْأَيَّامُ حَتَّى وُلِدَ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)(4) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ (أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ) (5)عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ اِبْنِ قِيَامَا اَلْوَاسِطِيِّ - وَكَانَ
ص: 277
وَاقِفاً - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، فَقُلْتُ لَهُ: أَ يَكُونُ إِمَامَانِ؟ قَالَ: «لاَ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَامِتاً فَقُلْتُ لَهُ: هُوَذَا أَنْتَ، لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ؟ فَقَالَ لِي: «وَاَللَّهِ لَيَجْعَلَنَّ اَللَّهُ مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِهِ اَلْحَقَّ وَأَهْلَهُ، وَيَمْحَقُ (1)بِهِ اَلْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي اَلْوَقْتِ لَهُ وَلَدٌ فَوُلِدَ لَهُ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ بَعْدَ سَنَةٍ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ (3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْجَهْمِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) جَالِساً فَدَعَا بِابْنِهِ وَهُوَصَغِيرٌ فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِي وَقَالَ لِي: «جَرِّدْهُ، اِنْزِعْ قَمِيصَهُ » فَنَزَعْتُهُ فَقَالَ لِي: «اُنْظُرْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِي إِحْدَى كَتِفَيْهِ شِبْهُ اَلْخَاتَمِ دَاخِلَ اَللَّحْمِ، ثُمَّ قَالَ لِي:« أَ تَرَى هَذَا؟ مِثْلُهُ فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ كَانَ مِنْ أَبِي علیهِ السّلامُ» (4) .
ص: 278
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ (1)،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي يَحْيَى اَلصَّنْعَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فَجِيءَ بِابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَهُوَصَغِيرٌ، فَقَالَ: «هَذَا اَلْمَوْلُودُ اَلَّذِي لَمْ يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ عَلَى شِيعَتِنَا بَرَكَةً مِنْهُ» (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ (اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ) (3)عَنِ اَلْخَيْرَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ بِخُرَاسَانَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا سَيِّدِي إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ؟ قَالَ: «إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ اِبْنِي فَكَأَنَّ اَلْقَائِلَ اِسْتَصْغَرَ سِنَّ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ فَقَالَ: أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) : «إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ رَسُولاً نَبِيّاً صَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فِي أَصْغَرَ مِنَ اَلسِّنِّ اَلَّذِي فِيهِ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ» (4) .
أَخْبَرَنِي (أَبُواَلْقَاسِمِ) (5)عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ
ص: 279
عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ اَلزَّيَّاتِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) جَالِساً، فَلَمَّا نَهَضَ اَلْقَوْمُ قَالَ لَهُ: مْ أَبُواَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ: « اِلْقَوْا أَبَا جَعْفَرٍ فَسَلِّمُوا عَلَيْهِ وَأَجِدُّوا بِهِ عَهْداً فَلَمَّا نَهَضَ اَلْقَوْمُ اِلْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَرْحَمُ اَللَّهُ اَلْمُفَضَّلَ، إِنَّهُ كَانَ لَيَقْنَعُ بِدُونِ هَذَا» (1) .
ص: 280
باب طرف من الأخبار عن مناقب أبي جعفر علیهِ السّلامُ ودلائله ومعجزاته
وَكَانَ اَلْمَأْمُونُ قَدْ شُعِفَ (1)بِأَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ لِمَا رَأَى مِنْ فَضْلِهِ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ، وَبُلُوغِهِ فِي اَلْعِلْمِ وَاَلْحِكْمَةِ وَاَلْأَدَبِ وَكَمَالِ اَلْعَقْلِ مَا لَمْ يُسَاوِهِ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ اَلزَّمَانِ، فَزَوَّجَهُ اِبْنَتَهُ أُمَّ اَلْفَضْلِ وَحَمَلَهَا مَعَهُ إِلَى اَلْمَدِينَةِ، وَكَانَ مُتَوَفِّراً عَلَى إِكْرَامِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلاَلِ قَدْرِهِ .
وَرَوَى اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اَلْمَأْمُونُ أَنْ يُزَوِّجَ اِبْنَتَهُ أُمَّ اَلْفَضْلِ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ بَلَغَ ذَلِكَ اَلْعَبَّاسِيِّينَ فَغَلُظَ عَلَيْهِمْ وَاِسْتَكْبَرُوهُ، وَخَافُوا أَنْ يَنْتَهِيَ اَلْأَمْرُ مَعَهُ إِلَى مَا اِنْتَهَى مَعَ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ فَخَاضُوا فِي ذَلِكَ، وَاِجْتَمَعَ مِنْهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ اَلْأَدْنَوْنَ مِنْهُ فَقَالُوا لَهُ: نَنْشُدُكَ اَللَّهَ -يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - (أَنْ تُقِيمَ) (2)عَلَى هَذَا اَلْأَمْرِ اَلَّذِي قَدْ عَزَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ تَزْوِيجِ اِبْنِ اَلرِّضَا فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ عَنَّا أَمْرٌ قَدْ مَلَّكَنَاهُ اَللَّهُ، وَيُنْزَعَ مِنَّا عِزٌّ قَدْ أَلْبَسَنَاهُ اَللَّهُ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ قَدِيماً وَحَدِيثاً وَمَا كَانَ عَلَيْهِ اَلْخُلَفَاءُ اَلرَّاشِدُونَ قَبْلَكَ مِنْ تَبْعِيدِهِمْ وَاَلتَّصْغِيرِ بِهِمْ ، وَقَدْ كُنَّا فِي وَهْلَةٍ مِنْ عَمَلِكَ مَعَ اَلرِّضَا مَا عَمِلْتَ، حَتَّى كَفَانَا اَللَّهُ اَلْمُهِمَّ مِنْ ذَلِكَ ، فَاللَّهَ اَللَّهَ أَنْ تَرُدَّنَا إِلَى غَمٍّ قَدِ
ص: 281
اِنْحَسَرَ عَنَّا، وَاِصْرِفْ رَأْيَكَ عَنِ اِبْنِ اَلرِّضَا وَاِعْدِلْ إِلَى مَنْ تَرَاهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، دُونَ غَيْرِهِ.
فَقَالَ لَهُمْ اَلْمَأْمُونُ: أَمَّا مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ آلِ أَبِي طَالِبٍ فَأَنْتُمُ اَلسَّبَبُ فِيهِ، وَلَوْ أَنْصَفْتُمُ اَلْقَوْمَ لَكَانَ أَوْلَى بِكُمْ ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ مَنْ كَانَ قَبْلِي بِهِمْ فَقَدْ كَانَ قَاطِعاً لِلرَّحِمِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَ وَاَللَّهِ مَا نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي مِنِ اِسْتِخْلاَفِ اَلرِّضَا، وَلَقَدْ سَأَلْتُهُ أَنْ يَقُومَ بِالْأَمْرِ وَأَنْزِعَهُ عَنْ نَفْسِي فَأَبَى، وَكٰانَ أَمْرُ اَللّٰهِ قَدَراً مَقْدُوراً، وَأَمَّا أَبُوجَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَدِ اِخْتَرْتُهُ لِتَبْرِيزِهِ عَلَى كَافَّةِ أَهْلِ اَلْفَضْلِ فِي اَلْعِلْمِ وَاَلْفَضْلِ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ وَاَلْأُعْجُوبَةِ فِيهِ بِذَلِكَ، وَأَنَا أَرْجُوأَنْ يَظْهَرَ لِلنَّاسِ مَا قَدْ عَرَفْتُهُ مِنْهُ فَيَعْلَمُوا أَنَّ اَلرَّأْيَ مَا رَأَيْتُ فِيهِ.
فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا اَلصَّبِيَّ وَإِنْ رَاقَكَ مِنْهُ هَدْيُهُ ، فَإِنَّهُ صَبِيٌّ لاَ مَعْرِفَةَ لَهُ وَلاَ فِقْهَ، فَأَمْهِلْهُ لِيَتَأَدَّبَ وَيَتَفَقَّهَ فِي اَلدِّينِ، ثُمَّ اِصْنَعْ مَا تَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُمْ: وَيْحَكُمْ إِنَّنِي أَعْرَفُ بِهَذَا اَلْفَتَى مِنْكُمْ، وَإِنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ عِلْمُهُمْ مِنَ اَللَّهِ وَمَوَادِّهِ وَإِلْهَامِهِ، لَمْ يَزَلْ آبَاؤُهُ أَغْنِيَاءَ فِي عِلْمِ اَلدِّينِ وَاَلْأَدَبِ عَنِ اَلرَّعَايَا اَلنَّاقِصَةِ عَنْ حَدِّ اَلْكَمَالِ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَامْتَحِنُوا أَبَا جَعْفَرٍ بِمَا يَتَبَيَّنُ لَكُمْ بِهِ مَا وَصَفْتُ مِنْ حَالِهِ.
قَالُوا لَهُ: قَدْ رَضِينَا لَكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلِأَنْفُسِنَا بِامْتِحَانِهِ، فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لِنَنْصِبَ مَنْ يَسْأَلُهُ بِحَضْرَتِكَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فِقْهِ اَلشَّرِيعَةِ، فَإِنْ أَصَابَ فِي اَلْجَوَابِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا اِعْتِرَاضٌ فِي أَمْرِهِ وَظَهَرَ لِلْخَاصَّةِ وَاَلْعَامَّةِ سَدِيدُ رَأْيِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ كُفِينَا اَلْخَطْبَ فِي مَعْنَاهُ.
فقَالَ لَهُم اَلْمَأْمُونُ: شَأْنَكُمْ وَذَاكَ مَتَى أَرَدْتُمْ. فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ
ص: 282
وَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى مَسْأَلَةِ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَهُوَيَوْمَئِذٍ قَاضِي اَلْقُضَاةِ (1)عَلَى أَنْ يَسْأَلَهُ مَسْأَلَةً لاَ يَعْرِفُ اَلْجَوَابَ فِيهَا ، وَوَعَدُوهُ بِأَمْوَالٍ نَفِيسَةٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَعَادُوا إِلَى اَلْمَأْمُونِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَخْتَارَ لَهُمْ يَوْماً لِلاِجْتِمَاعِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَاِجْتَمَعُوا فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي اِتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَحَضَرَ مَعَهُمْ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَأَمَرَ اَلْمَأْمُونُ أَنْ يُفْرَشَ لِأَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ دَسْتٌ (2)،وَتُجْعَلَ لَهُ فِيهِ مِسْوَرَتَانِ (3)، فَفُعِلَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَهُوَيَوْمَئِذٍ اِبْنُ تِسْعِ سِنِينَ وَأَشْهُرٍ، فَجَلَسَ بَيْنَ اَلْمِسْوَرَتَيْنِ، وَجَلَسَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَامَ اَلنَّاسُ فِي مَرَاتِبِهِمْ وَاَلْمَأْمُونُ جَالِسٌ فِي دَسْتٍ مُتَّصِلٍ بِدَسْتِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ.
فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ لِلْمَأْمُونِ: يَأْذَنُ لِي أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَسْأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: اِسْتَأْذِنْهُ فِي ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ فَقَالَ: أَ تَأْذَنُ لِي - جُعِلْتُ فِدَاكَ - فِي مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ: أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: سَلْ إِنْ شِئْتَ» قَالَ يَحْيَى: مَا تَقُولُ -جُعِلْتُ فِدَاكَ - فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْداً؟
فَقَالَ لَهُ أَبُوجَعْفَرٍ: «قَتَلَهُ فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ؟ عَالِماً كَانَ اَلْمُحْرِمُ أَمْ جَاهِلاً ؟ قَتَلَهُ عَمْداً أَوْ خَطَأً حُرّاً كَانَ اَلْمُحْرِمُ أَمْ عَبْداً ؟ صَغِيراً كَانَ أَمْ كَبِيراً ؟ مُبْتَدِئاً بِالْقَتْلِ أَمْ مُعِيداً ؟ مِنْ ذَوَاتِ اَلطَّيْرِ كَانَ اَلصَّيْدُ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا؟ مِنْ صِغَارِ اَلصَّيْدِ كَانَ أَمْ كِبَارِهَا (4)؟ مُصِرّاً عَلَى مَا فَعَلَ أَوْ نَادِماً؟ فِي
ص: 283
اَللَّيْلِ كَانَ قَتْلُهُ لِلصَّيْدِ أَمْ نَهَاراً؟ مُحْرِماً كَانَ بِالْعُمْرَةِ إِذْ قَتَلَهُ أَوْ بِالْحَجِّ كَانَ مُحْرِماً »؟
فَتَحَيَّرَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ وَبَانَ فِي وَجْهِهِ اَلْعَجْزُ وَاَلاِنْقِطَاعُ وَلَجْلَج َ حَتَّى عَرَفَ جَمَاعَةُ أَهْلِ اَلْمَجْلِسِ أَمْرَهُ، فَقَالَ: اَلْمَأْمُونُ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هَذِهِ اَلنِّعْمَةِ وَاَلتَّوْفِيقِ لِي فِي اَلرَّأْيِ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَقَالَ لَهُمْ: أَ عَرَفْتُمُ اَلْآنَ مَا كُنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ؟
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ فَقَالَ لَهُ: أَ تَخْطُبُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ؟ قَالَ:«نَعَمْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ» فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: اُخْطُبْ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، لِنَفْسِكَ، فَقَدْ رَضِيتُكَ لِنَفْسِي وَأَنَا مُزَوِّجُكَ أُمَّ اَلْفَضْلِ اِبْنَتِي وَإِنْ رَغِمَ قَوْمٌ لِذَلِكَ.
فَقَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ إِقْرَاراً بِنِعْمَتِهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ إِخْلاَصاً لِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ بَرِيَّتِهِ وَاَلْأَصْفِيَاءِ مِنْ عِتْرَتِهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ كَانَ مِنْ فَضْلِ اَللَّهِ عَلَى اَلْأَنَامِ أَنْ أَغْنَاهُمْ بِالْحَلاَلِ عَنِ اَلْحَرَامِ، فَقَالَ: سُبْحَانَهُ (وَأَنْكِحُوا اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَاَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ) (1) ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى يَخْطُبُ أُمَّ اَلْفَضْلِ بِنْتَ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْمَأْمُونِ، وَقَدْ بَذَلَ لَهَا مِنَ اَلصَّدَاقِ مَهْرَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ وَهُوَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ جِيَاداً ، فَهَلْ زَوَّجْتَهُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ بِهَا عَلَى هَذَا اَلصَّدَاقِ اَلْمَذْكُورِ؟!
ص: 284
قَالَ اَلْمَأْمُونُ: نَعَمْ، قَدْ زَوَّجْتُكَ أَبَا جَعْفَرٍ أُمَّ اَلْفَضْلِ اِبْنَتِي عَلَى هَذَا اَلصَّدَاقِ اَلْمَذْكُورِ، فَهَلْ قَبِلْتَ اَلنِّكَاحَ؟
قَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ وَرَضِيتُ بِهِ».
فَأَمَرَ اَلْمَأْمُونُ أَنْ يَقْعُدَ اَلنَّاسُ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ فِي اَلْخَاصَّةِ وَاَلْعَامَّةِ.
قَالَ اَلرَّيَّانُ: وَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ سَمِعْنَا أَصْوَاتاً تُشْبِهُ أَصْوَاتَ اَلْمَلاَّحِينَ فِي مُحَاوِرَاتِهِمْ، فَإِذَا اَلْخَدَمُ يَجُرُّونَ سَفِينَةً مَصْنُوعَةً مِنْ فِضَّةٍ مَشْدُودَةً بِالْحِبَالِ مِنَ اَلْإِبْرِيسَمِ عَلَى عَجَلٍ مَمْلُوءَةٍ مِنَ اَلْغَالِيَةِ، (1)فَأَمَرَ اَلْمَأْمُونُ أَنْ تُخْضَبَ لِحَى اَلْخَاصَّةِ مِنْ تِلْكَ اَلْغَالِيَةِ ثُمَّ مُدَّتْ إِلَى دَارِ اَلْعَامَّةِ فَطُيِّبُوا مِنْهَا، وَوُضِعَتِ اَلْمَوَائِدُ فَأَكَلَ اَلنَّاسُ، وَخَرَجَتِ اَلْجَوَائِزُ إِلَى كُلِّ قَوْمٍ عَلَى قَدْرِهِمْ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ اَلنَّاسُ وَبَقِيَ، مِنَ اَلْخَاصَّةِ مَنْ بَقِيَ قَالَ اَلْمَأْمُونُ لِأَبِي جَعْفَرٍ: إِنْ رَأَيْتَ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - أَنْ تَذْكُرَ اَلْفِقْهَ فِيمَا فَصَّلْتَهُ مِنْ وُجُوهِ قَتْلِ اَلْمُحْرِمِ اَلصَّيْدَ لِنَعْلَمَهُ وَنَسْتَفِيدَهُ.
فَقَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «نَعَمْ، إِنَّ اَلْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ صَيْداً فِي اَلْحِلِّ وَكَانَ اَلصَّيْدُ مِنْ ذَوَاتِ اَلطَّيْرِ وَكَانَ مِنْ كِبَارِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، فَإِنْ كَانَ أَصَابَهُ فِي اَلْحَرَمِ فَعَلَيْهِ اَلْجَزَاءُ مُضَاعَفاً، وَإِذَا قَتَلَ فَرْخاً فِي اَلْحِلِّ فَعَلَيْهِ حَمَلٌ قَدْ فُطِمَ مِنَ اَللَّبَنِ، وَإِذَا قَتَلَهُ فِي اَلْحَرَمِ فَعَلَيْهِ اَلْحَمَلُ وَقِيمَةُ اَلْفَرْخِ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ اَلْوَحْشِ وَكَانَ حِمَارَ وَحْشٍ فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ نَعَامَةً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ ظَبْياً فَعَلَيْهِ شَاةٌ فَإِنْ قَتَلَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فِي اَلْحَرَمِ فَعَلَيْهِ اَلْجَزَاءُ مُضَاعَفاً هَدْياً بٰالِغَ اَلْكَعْبَةِ، وَإِذَا أَصَابَ اَلْمُحْرِمُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ
ص: 285
اَلْهَدْيُ فِيهِ وَكَانَ إِحْرَامُهُ لِلْحَجِّ نَحَرَهُ بِمِنًى، وَإِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ. وَجَزَاءُ اَلصَّيْدِ عَلَى اَلْعَالِمِ وَاَلْجَاهِلِ سَوَاءٌ، وَفِي اَلْعَمْدِ لَهُ اَلْمَأْثَمُ، وَهُوَمَوْضُوعٌ عَنْهُ فِي اَلْخَطَإِ ،وَاَلْكَفَّارَةُ عَلَى اَلْحُرِّ فِي نَفْسِهِ، وَعَلَى اَلسَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ، وَاَلصَّغِيرُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهِيَ عَلَى اَلْكَبِيرِ وَاجِبَةٌ ، وَاَلنَّادِمُ يَسْقُطُ بِنَدَمِهِ عَنْهُ عِقَابُ اَلْآخِرَةِ، وَاَلْمُصِرُّ يَجِبُ عَلَيْهِ اَلْعِقَابُ فِي اَلْآخِرَةِ »
فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: أَحْسَنْتَ - أَبَا جَعْفَرٍ - أَحْسَنَ اَللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسْأَلَ يَحْيَى عَنْ مَسْأَلَةٍ كَمَا سَأَلَكَ.
فَقَالَ: أَبُوجَعْفَرٍ لِيَحْيَى «أَسْأَلُكَ؟» قَالَ: ذَلِكَ إِلَيْكَ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - فَإِنْ عَرَفْتُ جَوَابَ مَا تَسْأَلُنِي عَنْهُ وَإِلاَّ اِسْتَفَدْتُهُ مِنْكَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «خَبِّرْنِي عَنْ رَجُلٍ نَظَرَ إِلَى اِمْرَأَةٍ فِي أَوَّلِ اَلنَّهَارِ فَكَانَ نَظَرُهُ إِلَيْهَا حَرَاماً عَلَيْهِ، فَلَمَّا اِرْتَفَعَ اَلنَّهَارُ حَلَّتْ لَهُ، فَلَمَّا زَالَتِ اَلشَّمْسُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ اَلْعَصْرِ حَلَّتْ لَهُ ،فَلَمَّا غَرَبَتِ اَلشَّمْسُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ اَلْعِشَاءِ اَلْآخِرَةِ حَلَّتْ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ اِنْتِصَافُ اَللَّيْلِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا طَلَعَ اَلْفَجْرُ حَلَّتْ لَهُ، مَا حَالُ هَذِهِ اَلْمَرْأَةِ وَبِمَا ذَا حَلَّتْ لَهُ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ؟».
فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: لاَ وَاَللَّهِ مَا أَهْتَدِي إِلَى جَوَابِ هَذَا اَلسُّؤَالِ، وَلاَ أَعْرِفُ اَلْوَجْهَ فِيهِ ،فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُفِيدَنَاهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «هَذِهِ أَمَةٌ لِرَجُلٍ مِنَ اَلنَّاسِ نَظَرَ إِلَيْهَا أَجْنَبِيٌّ فِي أَوَّلِ اَلنَّهَارِ فَكَانَ نَظَرُهُ إِلَيْهَا حَرَاماً عَلَيْهِ، فَلَمَّا اِرْتَفَعَ اَلنَّهَارُ
ص: 286
اِبْتَاعَهَا مِنْ مَوْلاَهَا فَحَلَّتْ لَهُ فَلَمَّا كَانَ اَلظُّهْرُ أَعْتَقَهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ اَلْعَصْرِ تَزَوَّجَهَا فَحَلَّتْ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ اَلْمَغْرِبِ ظَاهَرَ مِنْهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ اَلْعِشَاءِ اَلْآخِرَةِ كَفَّرَ عَنِ اَلظِّهَارِ فَحَلَّتْ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اَللَّيْلِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ اَلْفَجْرِ رَاجَعَهَا فَحَلَّتْ لَهُ»
قَالَ: فَأَقْبَلَ اَلْمَأْمُونُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ يُجِيبُ عَنْ هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةِ بِمِثْلِ هَذَا اَلْجَوَابِ، أَوْ يَعْرِفُ اَلْقَوْلَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ اَلسُّؤَالِ؟!
قَالُوا: لاَ وَاَللَّهِ، إِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ وَمَا رَأَى.
فَقَالَ لَهُمْ: وَيْحَكُمْ، إِنَّ أَهْلَ هَذَا اَلْبَيْتِ خُصُّوا مِنَ اَلْخَلْقِ بِمَا تَرَوْنَ مِنَ اَلْفَضْلِ ، وَإِنَّ صِغَرَ اَلسِّنِّ فِيهِمْ لاَ يَمْنَعُهُمْ مِنَ اَلْكَمَالِ، أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)اِفْتَتَحَ دَعْوَتَهُ بِدُعَاءِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ علیهِ السّلامُ َلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ وَهُوَاِبْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَبِلَ مِنْهُ اَلْإِسْلاَمَ وَحَكَمَ لَهُ بِهِ، وَلَمْ يَدْعُ أَحَداً فِي سِنِّهِ غَيْرَهُ. وَبَايَعَ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ علیهِ السّلامُ وَهُمَا اِبْنَا دُونِ سِتِّ سِنِينَ وَلَمْ يُبَايِعْ صَبِيّاً غَيْرَهُمَا، أَ فَلاَ تَعْلَمُونَ اَلْآنَ مَا اِخْتَصَّ اَللَّهُ بِهِ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمَ، وَأَنَّهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ، يَجْرِي لِآخِرِهِمْ مَا يَجْرِي لِأَوَّلِهِمْ؟!
قَالُوا: صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ نَهَضَ اَلْقَوْمُ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ أَحْضَرَ اَلنَّاسَ، وَحَضَرَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ، وَصَارَ اَلْقُوَّادُ وَاَلْحُجَّابُ وَاَلْخَاصَّةُ وَاَلْعُمَّالُ لِتَهْنِئَةِ اَلْمَأْمُونِ وَأَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ، فَأُخْرِجَتْ ثَلاَثَةُ أَطْبَاقٍ مِنَ اَلْفِضَّةِ فِيهَا بَنَادِقُ مِسْكٍ
ص: 287
وَزَعْفَرَانٍ مَعْجُونٍ، فِي أَجْوَافِ تِلْكَ اَلْبَنَادِقِ رِقَاعٌ مَكْتُوبَةٌ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ وَعَطَايَا سَنِيَّةٍ وَإِقْطَاعَاتٍ، فَأَمَرَ اَلْمَأْمُونُ بِنَثْرِهَا عَلَى اَلْقَوْمِ مِنْ خَاصَّتِهِ، فَكَانَ كُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ بُنْدُقَةٌ ، أَخْرَجَ اَلرُّقْعَةَ اَلَّتِي فِيهَا وَاِلْتَمَسَهُ فَأُطْلِقَ لَهُ. وَوُضِعَتِ اَلْبِدَرُ، فَنُثِرَ مَا فِيهَا عَلَى اَلْقُوَّادِ وَغَيْرِهِمْ، وَاِنْصَرَفَ اَلنَّاسُ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ بِالْجَوَائِزِ وَاَلْعَطَايَا. وَتَقَدَّمَ اَلْمَأْمُونُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى كَافَّةِ اَلْمَسَاكِينِ. وَلَمْ يَزَلْ مُكْرِماً لِأَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ مُعَظِّماً لِقَدْرِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، يُؤْثِرُهُ عَلَى وُلْدِهِ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ. (1)
وَقَدْ رَوَى اَلنَّاسُ: أَنَّ أُمَّ اَلْفَضْلِ بِنْتَ اَلْمَأْمُونِ كَتَبَتْ إِلَى أَبِيهَا مِنَ اَلْمَدِينَةِ تَشْكُوأَبَا جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَتَقُولُ: إِنَّهُ يَتَسَرَّى (2)عَلَيَّ وَيُغِيرُنِي، فَكَتَبَ إِلَيْهَا اَلْمَأْمُونُ: يَا بُنَيَّةُ إِنَّا لَمْ نُزَوِّجْكِ أَبَا جَعْفَرٍ لِتُحَرِّمِي (3)عَلَيْهِ حَلاَلاً ، فَلاَ تُعَاوِدِي لِذِكْرِ مَا ذَكَرْتِ بَعْدَهَا. (4)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ مِنْ بَغْدَادَ مُنْصَرِفاً مِنْ عِنْدِ اَلْمَأْمُونِ وَمَعَهُ أُمُّ اَلْفَضْلِ قَاصِداً بِهَا اَلْمَدِينَةَ صَارَ إِلَى شَارِعِ بَابِ اَلْكُوفَةِ وَمَعَهُ اَلنَّاسُ يُشَيِّعُونَهُ، فَانْتَهَى إِلَى دَارِ اَلْمُسَيَّبِ عِنْدَ مَغِيبِ اَلشَّمْسِ، نَزَلَ وَدَخَلَ
ص: 288
اَلْمَسْجِدَ وَكَانَ فِي صَحْنِهِ نَبِقَةٌ (1)لَمْ تَحْمِلْ بَعْدُ، فَدَعَا بِكُوزٍ فِيهِ مَاءٌ فَتَوَضَّأَ فِي أَصْلِ اَلنَّبِقَةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلاَةَ اَلْمَغْرِبِ، فَقَرَأَ فِي اَلْأُولَى مِنْهَا اَلْحَمْدَ وَإِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اَللّٰهِ، وَقَرَأَ فِي اَلثَّانِيَةِ اَلْحَمْدَ وَقُلْ هُوَاَللّٰهُ أَحَدٌ، وَقَنَتَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فِيهَا وَصَلَّى اَلثَّالِثَةَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ هُنَيْهَةً يَذْكُرُ اَللَّهَ تَعَالَى، وَقَامَ مِنْ غَيْرِ تَعْقِيبٍ فَصَلَّى اَلنَّوَافِلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَعَقَّبَ بَعْدَهَا وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ اَلشُّكْرِ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى اَلنَّبِقَةِ رَآهَا اَلنَّاسُ وَقَدْ حَمَلَتْ حَمْلاً حَسَناً فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَكَلُوا مِنْهَا فَوَجَدُوهُ نَبِقاً حُلْواً لاَ عَجَمَ لَهُ.
وَوَدَّعُوهُ وَمَضَى علیهِ السّلامُ مِنْ وَقْتِهِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى أَنْ أَشْخَصَهُ اَلْمُعْتَصِمُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ عِشْرِينَ (2)وَمِائَتَيْنِ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ فِي آخِرِ ذِي اَلْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ اَلسَّنَةِ ، فَدُفِنَ فِي ظَهْرِ جَدِّهِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كُنْتُ بِالْعَسْكَرِ (4)فَبَلَغَنِي أَنَّ هُنَاكَ رَجُلاً مَحْبُوساً أُتِيَ بِهِ مِنْ نَاحِيَةِ اَلشَّامِ مَكْبُولاً، وَقَالُوا: إِنَّهُ تَنَبَّأَ. قَالَ: فَأَتَيْتُ اَلْبَابَ وَدَارَيْتُ اَلْبَوَّابِينَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ لَهُ فَهْمٌ وَعَقْلٌ فَقُلْتُ لَهُ: يَا هَذَا مَا قِصَّتُكَ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً بِالشَّامِ أَعْبُدُ اَللَّهَ فِي اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي يُقَالُ: إِنَّهُ نُصِبَ فِيهِ رَأْسُ اَلْحُسَيْنِ
ص: 289
علیهِ السّلامُ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَوْضِعِي مُقْبِلٌ عَلَى اَلْمِحْرَابِ أَذْكُرُ اَللَّهَ تَعَالَى ، إِذْ رَأَيْتُ شَخْصاً بَيْنَ يَدَيَّ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: «قُمْ»، فَقُمْتُ مَعَهُ فَمَشَى بِي قَلِيلاً فَإِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ، فَقَالَ لِي: «أَ تَعْرِفُ هَذَا اَلْمَسْجِدَ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ هَذَا مَسْجِدُ اَلْكُوفَةِ، قَالَ: فَصَلَّى فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ اِنْصَرَفَ وَاِنْصَرَفْتُ مَعَهُ، فَمَشَى قَلِيلاً وَإِذَا نَحْنُ بِمَسْجِدِ اَلرَّسُولِ علیهِ السّلامُ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَصَلَّى وَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجْتُ فَمَشَى قَلِيلاً فَإِذَا أَنَا بِمَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَطُفْتُ مَعَهُ،ثُمَّ خَرَجَ فَمَشَى قَلِيلاً فَإِذَا أَنَا بِمَوْضِعِيَ اَلَّذِي كُنْتُ أَعْبُدُ اَللَّهَ تَعَالَى فِيهِ بِالشَّامِ، وَغَابَ اَلشَّخْصُ عَنْ عَيْنِي فَبَقِيتُ مُتَعَجِّباً حَوْلاً مِمَّا رَأَيْتُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اَلْعَامِ اَلْمُقْبِلِ رَأَيْتُ ذَلِكَ اَلشَّخْصَ فَاسْتَبْشَرْتُ بِهِ، وَدَعَانِي فَأَجَبْتُهُ، فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي اَلْعَامِ اَلْمَاضِي، فَلَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَتِي بِالشَّامِ قُلْتُ لَهُ: سَأَلْتُكَ بِالْحَقِّ اَلَّذِي أَقْدَرَكَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْكَ إِلاَّ أَخْبَرْتَنِي مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ» .
فَحَدَّثْتُ مَنْ كَانَ يَصِيرُ إِلَيَّ بِخَبَرِهِ، فَرَقِيَ ذَلِكَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ اَلزَّيَّاتِ، فَبَعَثَ إِلَيَّ فَأَخَذَنِي وَكَبَلَنِي فِي اَلْحَدِيدِ وَحَمَلَنِي إِلَى اَلْعِرَاقِ وَحُبِسْتُ كَمَا تَرَى وَاِدَّعَى عَلَيَّ اَلْمُحَالُ.
فَقُلْتُ لَهُ: فَأَرْفَعُ عَنْكَ قِصَّةً إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ اَلزَّيَّاتِ .
فَقَالَ: اِفْعَلْ.
فَكَتَبْتُ عَنْهُ قِصَّةً شَرَحْتُ أَمْرَهُ فِيهَا وَرَفَعْتُهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ اَلزَّيَّاتِ فَوَقَّعَ فِي ظَهْرِهَا قُلْ لِلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنَ اَلشَّامِ فِي لَيْلَةٍ إِلَى
ص: 290
اَلْكُوفَةِ وَمِنَ اَلْكُوفَةِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَمِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَرَدَّكَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى اَلشَّامِ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْ حَبْسِكَ هَذَا.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ: فَغَمَّنِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ وَرَقَقْتُ لَهُ وَاِنْصَرَفْتُ مَحْزُوناً عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ بَاكَرْتُ اَلْحَبْسَ لِأُعْلِمَهُ بِالْحَالِ وَآمُرَهُ بِالصَّبْرِ وَاَلْعَزَاءِ، فَوَجَدْتُ اَلْجُنْدَ وَأَصْحَابَ اَلْحَرَسِ وَصَاحِبَ اَلسِّجْنِ وَخَلْقاً عَظِيماً مِنَ اَلنَّاسِ يُهْرَعُون َ فَسَأَلْتُ عَنْ حَالِهِمْ فَقِيلَ لِي: اَلْمَحْمُولُ مِنَ اَلشَّامِ اَلْمُتَنَبِّئُ اُفْتُقِدَ اَلْبَارِحَةَ مِنَ اَلْحَبْسِ، فَلاَ يُدْرَى أَ خَسَفَتْ بِهِ اَلْأَرْضُ أَوِ اِخْتَطَفَتْهُ اَلطَّيْرُ! وَكَانَ هَذَا اَلرَّجُلُ - أَعْنِي عَلِيَّ بْنَ خَالِدٍ - زَيْدِيّاً، فَقَالَ: بِالْإِمَامَةِ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ وَحَسُنَ اِعْتِقَادُهُ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، اَلْهَاشِمِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ صَبِيحَةَ عُرْسِهِ بِبِنْتِ اَلْمَأْمُونِ، وَكُنْتُ تَنَاوَلْتُ مِنَ اَللَّيْلِ دَوَاءً، فَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي صَبِيحَتِهِ أَنَا وَقَدْ أَصَابَنِي اَلْعَطَشُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَبِالْمَاءِ، فَنَظَرَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ فِي وَجْهِي وَقَالَ: «أَرَاكَ عَطْشَانَ؟» قُلْتُ: أَجَلْ، قَالَ: يَا غُلاَمٌ اِسْقِنَا مَاءً» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اَلسَّاعَةَ يَأْتُونَهُ بِمَاءٍ مَسْمُومٍ وَاِغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ، فَأَقْبَلَ اَلْغُلاَمُ وَمَعَهُ اَلْمَاءُ، فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهِي
ص: 291
ثُمَّ قَالَ: «يَا غُلاَمُ نَاوِلْنِي اَلْمَاءَ» فَتَنَاوَلَ اَلْمَاءَ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ، وَأَطَلْتُ عِنْدَهُ فَعَطِشْتُ ، فَدَعَا بِالْمَاءِ فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي اَلْمَرَّةِ اَلْأُولَى فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي وَتَبَسَّمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ: فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْهَاشِمِيُّ: وَاَللَّهِ إِنِّي أَظُنُّ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ يَعْلَمُ مَا فِي اَلنُّفُوسِ كَمَا تَقُولُ اَلرَّافِضَةُ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْحَجَّالِ وَعَمْرِوبْنِ عُثْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ، عَنِ اَلْمُطَرِّفِيِّ قَالَ: مَضَى أَبُواَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ وَلِي عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا غَيْرِي وَغَيْرُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «إِذَا كَانَ فِي غَدٍ فَأْتِنِي» فَأَتَيْتُهُ مِنَ اَلْغَدِ فَقَالَ لِي: «مَضَى أَبُواَلْحَسَنِ وَلَكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ ، فَرَفَعَ اَلْمُصَلَّى اَلَّذِي كَانَ تَحْتَهُ فَإِذَا تَحْتَهُ دَنَانِيرُ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ، فَكَانَ قِيمَتُهَا فِي اَلْوَقْتِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ [عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ] (3)قَالَ: خَرَجَ عَلَيَّ أَبُوجَعْفَرٍ علیه
ص: 292
السلام (حِدْثَانَ مَوْتِ أَبِيهِ) (1)فَنَظَرْتُ، إِلَى قَدِّهِ لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِي (2)فَقَعَدَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ (3)إِنَّ اَللَّهَ اِحْتَجَّ فِي اَلْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا اِحْتَجَّ بِهِ فِي اَلنُّبُوَّةِ فَقَالَ: (وَآتَيْنٰاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا) (4).(5) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَمَعِي ثَلاَثُ رِقَاعٍ غَيْرُ مُعَنْوَنَةٍ وَاِشْتَبَهَتْ عَلَيَّ فَاغْتَمَمْتُ فَتَنَاوَلَ إِحْدَاهَا وَقَالَ: «هَذِهِ رُقْعَةُ رَيَّانَ بْنِ شَبِيبٍ» ثُمَّ تَنَاوَلَ اَلثَّانِيَةَ فَقَالَ: «هَذِهِ رُقْعَةُ فُلاَنٍ» فَبُهِتُّ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ وَأَخَذَ اَلثَّالِثَةَ فَقَالَ: «هَذِهِ رُقْعَةُ فُلاَنٍ» فَقُلْتُ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ .
فَأَعْطَانِي ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ وَأَمَرَنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَى بَعْضِ بَنِي عَمِّهِ وَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ سَيَقُولُ لَكَ: دُلَّنِي عَلَى حَرِيفٍ يَشْتَرِي لِي بِهَا مَتَاعاً فَدُلَّهُ عَلَيْهِ» قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِالدَّنَانِيرِ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا هَاشِمٍ دُلَّنِي عَلَى حَرِيفٍ يَشْتَرِي لِي بِهَا مَتَاعاً فَقُلْتُ: نَعَمْ.
وَكَلَّمَنِي فِي اَلطَّرِيقِ جَمَّالٌ سَأَلَنِي أَنْ أُخَاطِبَهُ فِي إِدْخَالِهِ مَعَ بَعْضِ
ص: 293
أَصْحَابِهِ فِي أُمُورِهِ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ لِأُكَلِّمَهُ فَوَجَدْتُهُ يَأْكُلُ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ ، فَلَمْ أَتَمَكَّنْ مِنْ كَلاَمِهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا هَاشِمٍ كُلْ»، وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيَّ مَا آكُلُ مِنْهُ،ثُمَّ قَالَ: اِبْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ: «يَا غُلاَمُ اُنْظُرْ اَلْجَمَّالَ اَلَّذِي أَتَانَا بِهِ أَبُوهَاشِمٍ فَضُمَّهُ إِلَيْكَ»
قَالَ أَبُوهَاشِمٍ :وَدَخَلْتُ مَعَهُ ذَاتَ يَوْمٍ بُسْتَاناً، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي مُولَعٌ بِأَكْلِ اَلطِّينِ فَادْعُ اَللَّهَ لِي، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ لِي:« بَعْدَ أَيَّامٍ اِبْتِدَاءً مِنْهُ : «يَا أَبَا هَاشِمٍ ، قَدْ أَذْهَبَ اَللَّهُ عَنْكَ أَكْلَ اَلطِّينِ» قَالَ: أَبُوهَاشِمٍ فَمَا شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ اَلْيَوْمَ (1)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وفيما أثبتناه منها كفاية فيما قصدنا له إن شاء الله.
ص: 294
باب
ذكر وفاة أبي جعفر علیهِ السّلامُ وموضعلیهِ السّلامُ قبره وذكر ولده
قَدْ تَقَدَّمَ اَلْقَوْلُ فِي مَوْلِدِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ قُبِضَ بِبَغْدَادَ .
وَكَانَ سَبَبُ وُرُودِهِ إِلَيْهَا إِشْخَاصَ اَلْمُعْتَصِمِ لَهُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ، فَوَرَدَ بَغْدَادَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنَ اَلْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ بِهَا فِي ذِي اَلْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ اَلسَّنَةِ .
وَقِيلَ: إِنَّهُ مَضَى مَسْمُوماً (1)وَلَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ، عِنْدِي خَبَرٌ فَأَشْهَدُ بِهِ.
وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ فِي ظَهْرِ جَدِّهِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهما السّلام وَكَانَ لَهُ يَوْمَ قُبِضَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ.
وَكَانَ مَنْعُوتاً بِالْمُنْتَجَبِ وَاَلْمُرْتَضَى وَخَلَّفَ بَعْدَهُ مِنَ اَلْوُلْدِ عَلِيّاً اِبْنَهُ اَلْإِمَامَ مِنْ بَعْدِهِ، وَمُوسَى وَفَاطِمَةَ وَأُمَامَةَ اِبْنَتَيْهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ ذَكَراً غَيْرَ مَنْ سَمَّيْنَاهُ .
ص: 295
ص: 296
باب
ذكر الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي (علیهِ السّلامُ) وتاريخ مولده، ودلائل إمامته ، وطرف من أخباره، ومدة إمامته، ومبلغ سنه، وذكر وفاته وسببها، وموضع قبره، وعدد أولاده، ومختصر من أخباره
وَكَانَ اَلْإِمَامُ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ اِبْنَهُ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) َلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ، لاِجْتِمَاعِ خِصَالِ اَلْإِمَامَةِ فِيهِ، وَتَكَامُلِ فَضْلِهِ، وَأَنَّهُ لاَ وَارِثَ لِمَقَامِ أَبِيهِ سِوَاهُ ، وَثُبُوتِ اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ وَاَلْإِشَارَةِ إِلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ بِالْخِلاَفَةِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِصَرْيَا (1)مِنَ اَلْمَدِينَةِ لِلنِّصْفِ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ سَنَةَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ بِسُرَّمَنْ رَأَى فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ. وَكَانَ اَلْمُتَوَكِّلُ قَدْ أَشْخَصَهُ مَعَ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ بْنَ أَعْيَنَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى سُرَّمَنْ رَأَى فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. وَكَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: سُمَانَةُ .
ص: 297
باب طرف من الخبر في النص عليه بالإمامة والإشارة إليه بالخلافة
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: لَمَّا أُخْرِجَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي اَلدَّفْعَةِ اَلْأَوَّلَةِ مِنْ خَرْجَتَيْهِ قُلْتُ لَهُ: عِنْدَ خُرُوجِهِ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ، فَإِلَى مَنِ اَلْأَمْرُ بَعْدَكَ؟ قَالَ: فَكَرَّ بِوَجْهِهِ إِلَيَّ ضَاحِكاً وَقَالَ: «لَيْسَ حَيْثُ (1)ظَنَنْتَ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ» فَلَمَّا اُسْتُدْعِيَ بِهِ إِلَى اَلْمُعْتَصِمِ صِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَنْتَ خَارِجٌ، فَإِلَى مَنْ هَذَا اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ فَبَكَى حَتَّى اِخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «عِنْدَ هَذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِي إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ » (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ (3)بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْخَيْرَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ بَابَ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ لِلْخِدْمَةِ اَلَّتِي وُكِّلْتُ بِهَا، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
ص: 298
عِيسَى اَلْأَشْعَرِيُّ يَجِيءُ فِي اَلسَّحَرِ مِنْ آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ لِيَتَعَرَّفَ خَبَرَ عِلَّةِ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ ، وَكَانَ اَلرَّسُولُ اَلَّذِي يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ وَبَيْنَ اَلْخَيْرَانِيِّ إِذَا حَضَرَ قَامَ أَحْمَدُ وَخَلاَ بِهِ.
قَالَ اَلْخَيْرَانِيُّ: فَخَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَامَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ اَلْمَجْلِسِ، وَخَلاَ بِيَ اَلرَّسُولُ وَاِسْتَدَارَ أَحْمَدُ فَوَقَفَ حَيْثُ يَسْمَعُ اَلْكَلاَمَ، فَقَالَ اَلرَّسُولُ: إِنَّ مَوْلاَكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمَ : وَيَقُولُ لَكَ: «إِنِّي مَاضٍ، وَاَلْأَمْرُ صَائِرٌ إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، وَلَهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَبِي» .
ثُمَّ مَضَى اَلرَّسُولُ وَرَجَعَ أَحْمَدُ إِلَى مَوْضِعِهِ ، فَقَالَ لِي: مَا اَلَّذِي قَالَ لَكَ؟ قُلْتُ: خَيْراً، قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَ، وَأَعَادَ عَلَيَّ مَا سَمِعَ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ حَرَّمَ اَللَّهُ عَلَيْكَ مَا فَعَلْتَ، لِأَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلاٰ تَجَسَّسُوا) (1) فَإِذَا سَمِعْتَ فَاحْفَظِ اَلشَّهَادَةَ لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ إِلَيْهَا يَوْماً مَا ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُظْهِرَهَا إِلَى وَقْتِهَا.
قَالَ: وَأَصْبَحْتُ وَكَتَبْتُ نُسْخَةَ اَلرِّسَالَةِ فِي عَشْرِ رِقَاعٍ، وَخَتَمْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إِلَى عَشْرَةٍ مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِنَا وَقُلْتُ: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ اَلْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ أُطَالِبَكُمْ بِهَا فَافْتَحُوهَا وَاِعْمَلُوا بِمَا فِيهَا.
فَلَمَّا مَضَى أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِي حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رُؤَسَاءَ اَلْعِصَابَةِ قَدِ اِجْتَمَعُوا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَرَجِ (2)يَتَفَاوَضُونَ فِي اَلْأَمْرِ. وَكَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَرَجِ يُعْلِمُنِي بِاجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَهُ وَيَقُولُ:
ص: 299
لَوْ لاَ مَخَافَةُ اَلشُّهْرَةِ لَصِرْتُ مَعَهُمْ إِلَيْكَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيَّ. فَرَكِبْتُ وَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَوَجَدْتُ اَلْقَوْمَ مُجْتَمِعِينَ عِنْدَهُ ، فَتَجَارَيْنَا فِي اَلْبَابِ (1)، فَوَجَدْتُ أَكْثَرَهُمْ قَدْ شَكَوْا ، فَقُلْتُ لِمَنْ عِنْدَهُ اَلرِّقَاعُ - وَهُمْ حُضُورٌ- أَخْرِجُوا تِلْكَ اَلرِّقَاعَ، فَأَخْرَجُوهَا فَقُلْتُ: لَهُمْ: هَذَا مَا أُمِرْتُ بِهِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ آخَرُ لِيَتَأَكَّدَ اَلْقَوْلُ.
فَقُلْتُ لَهُمْ: قَدْ أَتَاكُمُ اَللَّهُ بِمَا تُحِبُّونَ، هَذَا أَبُوجَعْفَرٍ اَلْأَشْعَرِيُّ يَشْهَدُ لِي بِسَمَاعِ هَذِهِ اَلرِّسَالَةِ فَاسْأَلُوهُ، فَسَأَلَهُ اَلْقَوْمُ فَتَوَقَّفَ عَنِ اَلشَّهَادَةِ، فَدَعَوْتُهُ إِلَى اَلْمُبَاهَلَةِ، فَخَافَ مِنْهَا وَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ، وَهِيَ مَكْرُمَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِرَجُلٍ مِنَ اَلْعَرَبِ، فَأَمَّا مَعَ اَلْمُبَاهَلَةِ فَلاَ طَرِيقَ إِلَى كِتْمَانِ اَلشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَبْرَحِ اَلْقَوْمُ حَتَّى سَلَّمُوا لِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) (2) .
والأخبار في هذه الباب كثيرة جدا إن عملنا على إثباتها طال بها الكتاب، وفي إجماعلیهِ السّلامُ، العصابة على إمامة أبي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وعدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر فيه غنى-عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل.
ص: 300
باب ذكر طرف من دلائل أبي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) لي بن محمد علیهِ السّلامُ وأخباره وبراهينه وبيناته
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْوَشَّاءِ، عَنْ خَيْرَانَ اَلْأَسْبَاطِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ َعلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیمها السّلام اَلْمَدِينَةَ فَقَالَ لِي: «مَا خَبَرُ اَلْوَاثِقِ عِنْدَكَ؟» قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ خَلَّفْتُهُ فِي عَافِيَةٍ، أَنَا مِنْ أَقْرَبِ اَلنَّاسِ عَهْداً بِهِ، عَهْدِي بِهِ مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ. قَالَ: فَقَالَ لِي: «إِنَّ أَهْلَ اَلْمَدِينَةِ يَقُولُ: انَ إِنَّهُ مَاتَ» فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُ اَلنَّاسِ بِهِ عَهْداً. قَالَ: فَقَالَ لِي: «إِنَّ اَلنَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مَاتَ» فَلَمَّا قَالَ لِي: إِنَّ اَلنَّاسَ يَقُولُ: ونَ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَعْنِي نَفْسَهُ.
ثُمَّ قَالَ لِي:« مَا فَعَلَ جَعْفَرٌ؟» قُلْتُ تَرَكْتُهُ أَسْوَأَ اَلنَّاسِ حَالاً فِي اَلسِّجْنِ، قَالَ: فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُ اَلْأَمْرِ، مَا فَعَلَ اِبْنُ اَلزَّيَّاتِ؟» قُلْتُ: اَلنَّاسُ مَعَهُ وَاَلْأَمْرُ أَمْرُهُ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ شُؤْمٌ عَلَيْهِ».
قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ لِي: «لاَ بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ مَقَادِيرُ اَللَّهِ وَأَحْكَامُهُ، يَا خَيْرَانُ مَاتَ اَلْوَاثِقُ، وَقَدْ قَعَدَ اَلْمُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ، وَقَدْ قُتِلَ اِبْنُ اَلزَّيَّاتٍ» قُلْتُ: مَتَى جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «بَعْدَ خُرُوجِكَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ» (1) .
ص: 301
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ (عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلطَّاهِرِيِّ) (1)قَالَ: مَرِضَ اَلْمُتَوَكِّلُ مِنْ خُرَاجٍ (2)خَرَجَ بِهِ فَأَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى اَلْمَوْتِ، فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّهُ بِحَدِيدَةٍ، فَنَذَرَتْ أُمُّهُ إِنْ عُوفِيَ أَنْ تَحْمِلَ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) َلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ مَالاً جَلِيلاً مِنْ مَالِهَا.
وَقَالَ لَهُ اَلْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَى هَذَا اَلرَّجُلِ - يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ - فَسَأَلْتَهُ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عِنْدَهُ صِفَةُ شَيْءٍ يُفَرِّجُ اَللَّهُ بِهِ عَنْكَ.فَقَالَ: اِبْعَثُوا إِلَيْهِ. فَمَضَى اَلرَّسُولُ وَرَجَعَ فَقَالَ: خُذُوا كُسْبَ (3)اَلْغَنَمِ فَدِيفُوهُ بِمَاءِ وَرْدٍ، وَضَعُوهُ عَلَى اَلْخُرَاجِ، فَإِنَّهُ نَافِعٌ بِإِذْنِ اَللَّهِ. فَجَعَلَ مَنْ بِحَضْرَةِ اَلْمُتَوَكِّلِ يَهْزَأُ مِنْ قَوْلِهِ، فَقَالَ لَهُمْ اَلْفَتْحُ: وَمَا يَضُرُّ مِنْ تَجْرِبَةِ مَا قَالَ، فَوَاَللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُواَلصَّلاَحَ بِهِ، فَأُحْضِرَ اَلْكُسْبُ وَدِيفَ بِمَاءِ اَلْوَرْدِ وَوُضِعَ عَلَى اَلْخُرَاجِ فَانْفَتَحَ وَخَرَجَ مَا كَانَ فِيهِ.
ص: 302
فَبُشِّرَتْ أُمُّ اَلْمُتَوَكِّلِ بِعَافِيَتِهِ فَحَمَلَتْ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَشَرَةَ آلاَفِ دِينَارٍ تَحْتَ خَتْمِهَا وَاِسْتَقَلَّ اَلْمُتَوَكِّلُ مِنْ عِلَّتِهِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ سَعَى اَلْبَطْحَانِيُّ بِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) إِلَى اَلْمُتَوَكِّلِ وَقَالَ: عِنْدَهُ سِلاَحٌ وَأَمْوَالٌ فَتَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ إِلَى سَعِيدٍ اَلْحَاجِبِ أَنْ يَهْجُمَ لَيْلاً عَلَيْهِ، وَيَأْخُذَ مَا يَجِدُ عِنْدَهُ مِنَ اَلْأَمْوَالِ وَاَلسِّلاَحِ وَيَحْمِلَهُ إِلَيْهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: فَقَالَ لِي: سَعِيدٌ اَلْحَاجِبُ: صِرْتُ إِلَى دَارِ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بِاللَّيْلِ، وَمَعِي سُلَّمٌ فَصَعِدْتُ مِنْهُ إِلَى اَلسَّطْحِ، وَنَزَلْتُ مِنَ اَلدَّرَجَةِ إِلَى بَعْضِهَا فِي اَلظُّلْمَةِ، فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصِلُ إِلَى اَلدَّارِ، فَنَادَانِي أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) مِنَ اَلدَّارِ: «يَا سَعِيدُ، مَكَانَكَ حَتَّى يَأْتُوكَ بِشَمْعَةٍ» فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَتَوْنِي بِشَمْعَةٍ، فَنَزَلْتُ فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ جُبَّةَ صُوفٍ وَقَلَنْسُوَةً مِنْهَا وَسَجَّادَتُهُ عَلَى حَصِيرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَمُقْبِلٌ عَلَى اَلْقِبْلَةِ. فَقَالَ لِي: «دُونَكَ اَلْبُيُوتَ» فَدَخَلْتُهَا وَفَتَّشْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَيْئاً، وَوَجَدْتُ اَلْبَدْرَةَ مَخْتُومَةً بِخَاتَمِ أُمِّ اَلْمُتَوَكِّلِ وَكِيساً مَخْتُوماً مَعَهَا، فَقَالَ لِي: أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ): « دُونَكَ اَلْمُصَلَّى» فَرَفَعْتُهُ فَوَجَدْتُ سَيْفاً فِي جَفْنٍ مَلْبُوسٍ.
فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى خَاتَمِ أُمِّهِ عَلَى اَلْبَدْرَةِ بَعَثَ إِلَيْهَا فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهَا عَنِ اَلْبَدْرَةِ. فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ خَدَمِ اَلْخَاصَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي عِلَّتِكَ إِنْ عُوفِيتَ أَنْ أَحْمِلَ إِلَيْهِ مِنْ مَالِي عَشَرَةَ آلاَفِ دِينَارٍ فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِ وَهَذَا خَاتَمُكَ (1)[خَاتَمِي] عَلَى اَلْكِيسِ مَا حَرَّكَهُ، وَفَتَحَ اَلْكِيسَ
ص: 303
اَلْآخَرَ فَإِذَا فِيهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَمَرَ أَنْ يُضَمَّ إِلَى اَلْبَدْرَةِ بَدْرَةٌ أُخْرَى، وَقَالَ لِي: اِحْمِلْ ذَلِكَ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ، وَاُرْدُدْ عَلَيْهِ اَلسَّيْفَ وَاَلْكِيسَ بِمَا فِيهِ.
فَحَمَلْتُ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَاِسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، عَزَّ عَلَيَّ بِدُخُولِ دَارِكَ بِغَيْرِ إِذْنِكَ وَلَكِنِّي مَأْمُورٌ فَقَالَ لِي: (سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (1).(2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيِّ قَالَ: قَالَ: «لِي مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَرَجِ اَلرُّخَّجِيُّ إِنَّ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) كَتَبَ إِلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ أَجْمِعْ أَمْرَكَ وَخُذْ حِذْرَكَ»
قَالَ: فَأَنَا فِي جَمْعِ أَمْرِي لَسْتُ أَدْرِي مَا اَلْمُرَادُ (3)بِمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ، حَتَّى وَرَدَ عَلَيَّ رَسُولٌ حَمَلَنِي مِنْ مِصْرَ مُصَفَّداً بِالْحَدِيدِ، وَضَرَبَ عَلَى كُلِّ مَا أَمْلِكُ، فَمَكَثْتُ فِي اَلسِّجْنِ ثَمَانِيَ سِنِينَ ثُمَّ وَرَدَ عَلَيَّ كِتَابٌ مِنْهُ وَأَنَا فِي اَلسِّجْنِ: «يَا مُحَمَّدَ بْنَ اَلْفَرَجِ، لاَ تَنْزِلْ فِي نَاحِيَةِ اَلْجَانِبِ اَلْغَرْبِيِّ» فَقَرَأْتُ اَلْكِتَابَ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يَكْتُبُ أَبُواَلْحَسَنِ إِلَيَّ بِهَذَا وَأَنَا فِي اَلسِّجْنِ إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَمَا مَكَثْتُ إِلاَّ أَيَّاماً يَسِيرَةً حَتَّى أُفْرِجَ عَنِّي وَحُلَّتْ قُيُودِي وَخُلِّيَ سَبِيلِي.
ص: 304
قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِي أَسْأَلُهُ أَنْ يَسْأَلَ اَللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ ضِيَاعِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ: «سَوْفَ تُرَدُّ عَلَيْكَ، وَمَا يَضُرُّكَ أَلاَّ تُرَدَّ عَلَيْكَ»
قَالَ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيُّ: فَلَمَّا شَخَصَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَرَجِ اَلرُّخَّجِيُّ إِلَى اَلْعَسْكَرِ، كَتَبَ لَهُ بِرَدِّ ضِيَاعِهِ فَلَمْ يَصِلِ اَلْكِتَابُ حَتَّى مَاتَ (1) .
قَالَ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيُّ: وَكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ اَلْخَصِيبِ (2)إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَرَجِ بِالْخُرُوجِ إِلَى اَلْعَسْكَرِ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) يُشَاوِرُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) : «اُخْرُجْ فَإِنَّ فِيهِ فَرَجَكَ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ» فَخَرَجَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى مَاتَ (3) .
وَرَوَى (أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى) (4)قَالَ: أَخْبَرَنِي (أَبُويَعْقُوبَ) (5)قَالَ: رَأَيْتُ
ص: 305
مُحَمَّدَ بْنَ اَلْفَرَجِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِالْعَسْكَرِ فِي عَشِيَّةٍ مِنَ اَلْعَشَايَا، وَقَدِ اِسْتَقْبَلَ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَراً شَافِياً، فَاعْتَلَّ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَرَجِ مِنَ اَلْغَدِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ عَائِداً بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ عِلَّتِهِ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) قَدْ أَنْفَذَ إِلَيْهِ بِثَوْبٍ وَأَرَانِيهِ مُدْرَجاً تَحْتَ رَأْسِهِ، قَالَ: فَكُفِّنَ فِيهِ وَاَللَّهِ (1) .
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُويَعْقُوبَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) مَعَ أَحْمَدَ بْنِ اَلْخَصِيبِ يَتَسَايَرَانِ، وَقَدْ قَصَرَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: اِبْنُ اَلْخَصِيبِ سِرْ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ أَبُواَلْحَسَنِ: «أَنْتَ اَلْمُقَدَّمُ» فَمَا لَبِثْنَا إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ حَتَّى وُضِعَ اَلدَّهَقُ (2)عَلَى سَاقِ اِبْنِ اَلْخَصِيبِ (وَقُتِلَ)(3)
قَالَ: وَأَلَحَّ عَلَيْهِ اِبْنُ اَلْخَصِيبِ فِي اَلدَّارِ اَلَّتِي كَانَ قَدْ نَزَلَهَا وَطَالَبَهُ بِالاِنْتِقَالِ مِنْهَا وَتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ): «لَأَقْعُدَنَّ بِكَ مِنَ اَللَّهِ مَقْعَداً لاَ يَبْقَى لَكَ مَعَهُ بَاقِيَةٌ» فَأَخَذَهُ اَللَّهُ فِي تِلْكَ اَلْأَيَّامِ (4) .
ص: 306
وَرَوَى اَلْحُسَيْنُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْحَسَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُواَلطَّيِّبِ يَعْقُوبُ بْنُ يَاسِرٍ، قَالَ: كَانَ اَلْمُتَوَكِّلُ يَقُولُ: وَيْحَكُمْ قَدْ أَعْيَانِي أَمْرُ (اِبْنِ اَلرِّضَا) (1)وَجَهَدْتُ أَنْ يَشْرَبَ مَعِي وَأَنْ يُنَادِمَنِي فَامْتَنَعَ ، وَجَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ فُرْصَةً فِي هَذَا اَلْمَعْنَى فَلَمْ أَجِدْهَا. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنْ لَمْ تَجِدْ مِنِ اِبْنِ اَلرِّضَا مَا تُرِيدُ؟ هُ مِنْ هَذِهِ اَلْحَالِ، فَهَذَا أَخُوهُ مُوسَى قَصَّافٌ عَزَّافٌ (2)يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَعْشَقُ وَيَتَخَالَعُ فَأَحْضِرْهُ وَأَشْهِرْهُ، فَإِنَّ اَلْخَبَرَ يَشِيعُ عَنِ اِبْنِ اَلرِّضَا بِذَلِكَ، وَلاَ يُفَرِّقُ اَلنَّاسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَمَنْ عَرَفَهُ اِتَّهَمَ أَخَاهُ بِمِثْلِ فَعَالِهِ.
فَقَالَ: اُكْتُبُوا بِإِشْخَاصِهِ مُكَرَّماً. فَأُشْخِصَ مُكَرَّماً فَتَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ أَنْ يَتَلَقَّاهُ جَمِيعُ بَنِي هَاشِمٍ وَاَلْقُوَّادُ وَسَائِرُ اَلنَّاسِ، وَعَمِلَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَافَى أَقْطَعَهُ قَطِيعَةً وَبَنَى لَهُ فِيهَا وَحَوَّلَ إِلَيْهَا اَلْخَمَّارِينَ وَاَلْقِيَانَ (3)وَتَقَدَّمَ بِصِلَتِهِ وَبِرِّهِ وَأَفْرَدَ لَهُ مَنْزِلاً سَرِيّاً (4)يَصْلُحُ أَنْ يَزُورَهُ هُوَفِيهِ.
فَلَمَّا وَافَى مُوسَى تَلَقَّاهُ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فِي قَنْطَرَةِ وَصِيفٍ - وَهُوَمَوْضِعٌ يُتَلَقَّى فِيهِ اَلْقَادِمُونَ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَوَفَّاهُ حَقَّهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذَا اَلرَّجُلَ قَدْ أَحْضَرَكَ لِيَهْتِكَكَ وَيَضَعَ مِنْكَ، فَلاَ تُقِرَّ لَهُ أَنَّكَ شَرِبْتَ نَبِيذاً قَطُّ، وَاِتَّقِ اَللَّهَ يَا أَخِي أَنْ تَرْتَكِبَ مَحْظُوراً» فَقَالَ لَهُ: مُوسَى:إِنَّمَا دَعَانِي لِهَذَا فَمَا حِيلَتِي ؟ قَالَ: « فَلاَ تَضَعْ مِنْ قَدْرِكَ، وَلاَ تَعْصِ رَبَّكَ، وَلاَ
ص: 307
تَفْعَلْ مَا يَشِينُكَ، فَمَا غَرَضُهُ إِلاَّ هَتْكُكَ». فَأَبَى عَلَيْهِ مُوسَى، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) اَلْقَوْلَ وَاَلْوَعْظَ، وَهُوَمُقِيمٌ عَلَى خِلاَفِهِ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يُجِيبُ قَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّ اَلْمَجْلِسَ اَلَّذِي تُرِيدُ اَلاِجْتِمَاعَ مَعَهُ عَلَيْهِ لاَ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَنْتَ وَهُوَأَبَداً.
قَالَ: فَأَقَامَ مُوسَى ثَلاَثَ سِنِينَ يُبَكِّرُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بَابِ اَلْمُتَوَكِّلِ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ تَشَاغَلَ اَلْيَوْمَ ، فَيَرُوحُ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ سَكِرَ، فَيُبَكِّرُ فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ شَرِبَ دَوَاءً. فَمَا زَالَ عَلَى هَذَا ثَلاَثَ سِنِينَ حَتَّى قُتِلَ اَلْمُتَوَكِّلُ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ عَلَى شَرَابٍ (1) .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: مَرِضْتُ فَدَخَلَ اَلطَّبِيبُ عَلَيَّ لَيْلاً وَوَصَفَ لِي دَوَاءً آخُذُهُ فِي اَلسَّحَرِ كَذَا وَكَذَا يَوْماً، فَلَمْ يُمْكِنِّي تَحْصِيلُهُ مِنَ اَللَّيْلِ، وَخَرَجَ اَلطَّبِيبُ مِنَ اَلْبَابِ، وَوَرَدَ صَاحِبُ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فِي اَلْحَالِ وَمَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا ذَلِكَ اَلدَّوَاءُ بِعَيْنِهِ، فَقَالَ لِي: أَبُواَلْحَسَنِ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ وَيَقُولُ: «خُذْ هَذَا اَلدَّوَاءَ كَذَا وَكَذَا يَوْماً» فَأَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُ فَبَرَأْتُ.
قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: فَقَالَ لِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَا مُحَمَّدُ، أَيْنَ اَلْغُلاَةُ عَنْ هَذَا اَلْحَدِيثِ (2)؟! .
ص: 308
باب
ذكر ورود أبي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) من المدينة إلى العسكر ووفاته بها وسبب ذلك وعدد أولاده وطرف من أخباره
وَكَانَ سَبَبُ شُخُوصِ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى: أَنَّ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَتَوَلَّى اَلْحَرْبَ وَاَلصَّلاَةَ فِي مَدِينَةِ اَلرَّسُولِ علیهِ السّلامُ فَسَعَى بِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) إِلَى اَلْمُتَوَكِّلِ، وَكَانَ يَقْصِدُهُ بِالْأَذَى، وَبَلَغَ أَبَا اَلْحَسَنِ سِعَايَتُهُ بِهِ، فَكَتَبَ إِلَى اَلْمُتَوَكِّلِ يَذْكُرُ تَحَامُلَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَيُكَذِّبُهُ فِيمَا سَعَى بِهِ، فَتَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ بِإِجَابَتِهِ عَنْ كِتَابِهِ وَدُعَائِهِ فِيهِ إِلَى حُضُورِ اَلْعَسْكَرِ عَلَى جَمِيلٍ مِنَ اَلْفِعْلِ وَاَلْقَوْلِ، فَخَرَجَتْ نُسْخَةُ اَلْكِتَابِ وَهِيَ:
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَارِفٌ بِقَدْرِكَ، رَاعٍ لِقَرَابَتِكَ، مُوجِبٌ لِحَقِّكَ، مُؤْثِرٌ مِنَ اَلْأُمُورِ فِيكَ وَفِي أَهْلِ بَيْتِكَ مَا يُصْلِحُ اَللَّهُ بِهِ حَالَكَ وَحَالَهُمْف وَيُثْبِتُ بِهِ عِزَّكَ وَعِزَّهُمْ ، وَيُدْخِلُ اَلْأَمْنَ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمْ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ، رِضَى رَبِّهِ وَأَدَاءَ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ فِيكَ وَفِيهِمْ، وَقَدْ رَأَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ صَرْفَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمَّا كَانَ يَتَوَلاَّهُ مِنَ اَلْحَرْبِ وَاَلصَّلاَةِ بِمَدِينَةِ اَلرَّسُولِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)إِذْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنْ جَهَالَتِهِ بِحَقِّكَ
ص: 309
وَاِسْتِخْفَافِهِ بِقَدْرِكَ، وَعِنْدَ مَا قَرَفَكَ (1)بِهِ وَنَسَبَكَ إِلَيْهِ مِنَ اَلْأَمْرِ اَلَّذِي عَلِمَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ بَرَاءَتَكَ مِنْهُ، وَصِدْقَ نِيَّتِكَ فِي بِرِّكَ وَقَوْلِكَ، وَأَنَّكَ لَمْ تُؤَهِّلْ نَفْسَكَ لِمَا قُرِفْتَ بِطَلَبِهِ، وَقَدْ وَلَّى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ يَلِي مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ اَلْفَضْلِ، وَأَمَرَهُ بِإِكْرَامِكَ وَتَبْجِيلِكَ وَاَلاِنْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِكَ وَرَأْيِكَ، وَاَلتَّقَرُّبِ إِلَى اَللَّهِ وَإِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ.
وَأَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ، يُحِبُّ إِحْدَاثَ اَلْعَهْدِ بِكَ وَاَلنَّظَرَ إِلَيْكَ، فَإِنْ نَشِطْتَ لِزِيَارَتِهِ وَاَلْمُقَامِ قِبَلَهُ مَا أَحْبَبْتَ شَخَصْتَ وَمَنِ اِخْتَرْتَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ وَمَوَالِيكَ وَحَشَمِكَ، عَلَى مُهْلَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، تَرْحَلُ إِذَا شِئْتَ وَتَنْزِلُ إِذَا شِئْتَ وَتَسِيرُ كَيْفَ شِئْتَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ يَحْيَى بْنُ هَرْثَمَةَ مَوْلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْجُنْدِ يَرْتَحِلُونَ بِرَحِيلِكَ وَيَسِيرُونَ بِسَيْرِكَ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَيْكَ، وَقَدْ تَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ بِطَاعَتِكَ، فَاسْتَخِرِ اَللَّهَ حَتَّى تُوَافِيَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِهِ وَوُلْدِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ أَلْطَفَ مِنْهُ مَنْزِلَةً، وَلاَ أَحْمَدَ لَهُمْ أُثْرَةً ، وَلاَ هُوَلَهُمْ أَنْظَرَ وَعَلَيْهِمْ أَشْفَقَ وَبِهِمْ أَبَرَّ، وَإِلَيْهِمْ أَسْكَنَ، مِنْهُ إِلَيْكَ وَاَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
وَكَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ اَلْعَبَّاسِ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (2). فَلَمَّا وَصَلَ اَلْكِتَابُ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) تَجَهَّزَ لِلرَّحِيلِ،
ص: 310
وَخَرَجَ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ هَرْثَمَةَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى سُرَّمَنْ رَأَى، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا تَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ بِأَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ فِي يَوْمِهِ، فَنَزَلَ فِي خَانٍ يُعْرَفُ بِخَانِ اَلصَّعَالِيكِ وَأَقَامَ فِيهِ يَوْمَهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ بِإِفْرَادِ دَارٍ لَهُ فَانْتَقَلَ إِلَيْهَا .
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى،عَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) يَوْمَ وُرُودِهِ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فِي كُلِّ اَلْأُمُورِ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِكَ وَاَلتَّقْصِيرَ بِكَ، حَتَّى أَنْزَلُوكَ هَذَا اَلْخَانَ اَلْأَشْنَعَ خَانَ اَلصَّعَالِيكِ. فَقَالَ: «هَاهُنَا أَنْتَ يَا اِبْنَ سَعِيدٍ!» ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ فَإِذَا بِرَوْضَاتٍ أُنُفَاتٍ (1)وَأَنْهَارٍ جَارِيَاتٍ، وَجِنَانٍ فِيهَا خَيْرَاتٌ عَطِرَاتٌ، وَوِلْدَانٌ كَأَنَّهُنَّ اَللُّؤْلُؤُ اَلْمَكْنُونُ، فَحَارَ بَصَرِي وَكَثُرَ تَعَجُّبِي، فَقَالَ لِي: «حَيْثُ كُنَّا فَهَذَا لَنَا - يَا اِبْنَ سَعِيدٍ - لَسْنَا فِي خَانِ اَلصَّعَالِيكِ (2) .
وَأَقَامَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) مُدَّةَ مُقَامِهِ بِسُرَّمَنْ رَأَى مُكَرَّماً فِي ظَاهِرِ حَالِهِ، يَجْتَهِدُ اَلْمُتَوَكِّلُ فِي إِيقَاعِ حِيلَةٍ بِهِ فَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ. وَلَهُ مَعَهُ أَحَادِيثُ يَطُولُ بِذِكْرِهَا اَلْكِتَابُ فِيهَا آيَاتٌ لَهُ وَبَيِّنَاتٌ، إِنْ قَصَدْنَا لِإِيرَادِ ذَلِكَ خَرَجْنَا عَنِ اَلْغَرَضِ فِيمَا نَحَوْنَاهُ.
وَتُوُفِّيَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِسُرَّمَنْ رَأَى، وَخَلَّفَ مِنَ اَلْوُلْدِ أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ اِبْنَهُ وَهُوَ
ص: 311
اَلْإِمَامُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاَلْحُسَيْنَ، وَمُحَمَّداً، وَجَعْفَراً وَاِبْنَتَهُ عَائِشَةَ .
وَكَانَ مُقَامُهُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى إِلَى أَنْ قُبِضَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَشْهُراً. وَتُوُفِّيَ وَسِنُّهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً .
ص: 312
باب
ذكر الإمام القائم بعد أبي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) لي بن محمد علیهِ السّلامُ وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، والنص عليه من أبيه، ومبلغ سنه ومدة خلافته، وذكر وفاته وموضع قبره، وطرف من أخباره
وَكَانَ اَلْإِمَامُ بَعْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ َعلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام اِبْنَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ لاِجْتِمَاعِ خِلاَلِ اَلْفَضْلِ فِيهِ، وَتَقَدُّمِهِ عَلَى كَافَّةِ أَهْلِ عَصْرِهِ فِيمَا يُوجِبُ لَهُ اَلْإِمَامَةَ وَيَقْتَضِي لَهُ اَلرِّئَاسَةَ، مِنَ اَلْعِلْمِ وَاَلزُّهْدِ وَكَمَالِ اَلْعَقْلِ وَاَلْعِصْمَةِ وَاَلشَّجَاعَةِ وَاَلْكَرَمِ وَكَثْرَةِ اَلْأَعْمَالِ اَلْمُقَرِّبَةِ إِلَى اَللَّهِ ثُمَّ لِنَصِّ أَبِيهِ. علیهِ السّلامُ عَلَيْهِ وَإِشَارَتِهِ بِالْخِلاَفَةِ إِلَيْهِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالْمَدِينَةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْآخِرِ مِنْ سَنَةِ اِثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ وَمِائَتَيْنِ .
وَقُبِضَ علیهِ السّلامُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ، سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِسُرَّمَنْ رَأَى فِي اَلْبَيْتِ اَلَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ علیهِ السّلامُ .
وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: حَدِيثُ .
وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ سِتَّ سِنِينَ .
ص: 313
باب ذكر طرف من الخبر الوارد بالنص عليه من أبيه علیهِ السّلامُ والإشارة إليه بالإمامة من بعده
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلنَّهْدِيِّ، عَنْ (يَحْيَى بْنِ يَسَارٍ اَلْعَنْبَرِيِّ) (1)قَالَ: أَوْصَى أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) َلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ (علیهما السلام) قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَأَشْهَدَنِي عَلَى ذَلِكَ وَجَمَاعَةً مِنَ اَلْمَوَالِي (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ (يَسَارِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْبَصْرِيِّ) (3)عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو(4)اَلنَّوْفَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فِي صَحْنِ دَارِهِ فَمَرَّ بِنَا مُحَمَّدٌ اِبْنُهُ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا صَاحِبُنَا
ص: 314
بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: «لاَ، صَاحِبُكُمْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ» (1) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ يَسَارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) : «صَاحِبُكُمْ بَعْدِي اَلَّذِي يُصَلِّي عَلَيَّ» قَالَ: وَلَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ أَبَا مُحَمَّدٍ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَخَرَجَ أَبُومُحَمَّدٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ (2) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ (يَسَارِ بْنِ أَحْمَدَ ) (3)عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) لَمَّا تُوُفِّيَ اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: لِلْحَسَنِ: «يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً »(4) .
ص: 315
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْأَنْبَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ، فَجَاءَ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَحَوْلَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَبُومُحَمَّدٍ اِبْنُهُ قَائِمٌ فِي نَاحِيَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ أَبِي جَعْفَرٍ اِلْتَفَتَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً، فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً »(1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْقَلاَنِسِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَمْرٍوعَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ): إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَأَعُوذُ بِاللَّهِ - فَإِلَى مَنْ؟ قَالَ: «عَهْدِي إِلَى اَلْأَكْبَرِ مِنْ وُلْدِي» يَعْنِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، اَلْأَسْتَرْآبَادِيِّ (3)عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍواَلْعَطَّارِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَاِبْنُهُ أَبُوجَعْفَرٍ يُحَيَّا وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ هُوَاَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَنْ أَخُصُّ مِنْ وُلْدِكَ؟ فَقَالَ: «لاَ تَخُصُّوا أَحَداً حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْكُمْ أَمْرِي» قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بَعْدُ: فِيمَنْ يَكُونُ
ص: 316
هَذَا اَلْأَمْرُ؟ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: «فِي اَلْأَكْبَرِ مِنْ وُلْدِي» قَالَ: وَكَانَ أَبُومُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ أَكْبَرَ مِنْ جَعْفَرٍ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمُ (اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَفْطَسُ) (2): أَنَّهُمْ حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ دَارَ
ص: 317
أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَقَدْ بُسِطَ لَهُ فِي صَحْنِ دَارِهِ، وَاَلنَّاسُ جُلُوسٌ حَوْلَهُ، فَقَالُوا: قَدَّرْنَا أَنْ يَكُونَ حَوْلَهُ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَبَنِي اَلْعَبَّاسِ وَقُرَيْشٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلاً سِوَى مَوَالِيهِ وَسَائِرِ اَلنَّاسِ، إِذْ نَظَرَ إِلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَقَدْ جَاءَ مَشْقُوقَ اَلْجَيْبِ حَتَّى قَامَ عَنْ يَمِينِهِ وَنَحْنُ لاَ نَعْرِفُهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً، فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً» فَبَكَى اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَاِسْتَرْجَعَ فَقَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ، وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَيْنَا، إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ»
فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِيلَ لَنَا: هَذَا اَلْحَسَنُ اِبْنُهُ، فَقَدَّرْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ عِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا ، فَيَوْمَئِذٍ عَرَفْنَاهُ وَعَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ وَأَقَامَهُ مَقَامَهُ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ- اِبْنِهِ - فَعَزَّيْتُهُ عَنْهُ، وَأَبُومُحَمَّدٍ جَالِسٌ، فَبَكَى أَبُومُحَمَّدٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فَقَالَ: «إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ فِيكَ خَلَفاً مِنْهُ فَاحْمَدِ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ،عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ
ص: 318
علیهِ السّلامُ بَعْدَ مَا مَضَى اِبْنُهُ أَبُوجَعْفَرٍ وَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ كَأَنَّهُمَا أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبَا مُحَمَّدٍ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ كَأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ اِبْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السّلام وَإِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُواَلْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ بَدَا لِلَّهِ فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كُشِفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ وَهُوَكَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِهَ اَلْمُبْطِلُونَ أَبُومُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ (1) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ رِئَابٍ (2)، عَنْ أَبِي بَكْرٍ اَلْفَهْفَكِيِّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ): «أَبُومُحَمَّدٍ اِبْنِي أَصَحُّ آلِ مُحَمَّدٍ غَرِيزَةً، وَأَوْثَقُهُمْ حُجَّةً ، وَهُوَاَلْأَكْبَرُ مِنْ وُلْدِي وَهُوَاَلْخَلَفُ، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي عُرَى اَلْإِمَامَةِ وَأَحْكَامُهَا فَمَا كُنْتَ سَائِلِي عَنْهُ فَاسْأَلْهُ عَنْهُ ، فَعِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ (3) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ،عَنْ شَاهَوَيْهِ (4)بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ
ص: 319
قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) فِي كِتَابٍ: «أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنِ اَلْخَلَفِ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ وَقَلِقْتَ لِذَلِكَ، فَلاَ تَقْلَقْ فَإِنَّ اَللَّهَ لاَ يُضِلُّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ ، صَاحِبُكَ أَبُومُحَمَّدٍ اِبْنِي، وَعِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ،يُقَدِّمُ اَللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ (وَمٰا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهٰا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهٰا أَوْ مِثْلِهٰا) (1).(2) وَفِي هَذَا بَيَانٌ وَإِقْنَاعٌ لِذِي عَقْلٍ يَقْظَانَ .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْعَلَوِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) يَقُولُ: اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ؟! مِنْ بَعْدِ اَلْخَلَفِ!» فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ!؟ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» فَقُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ فَقَالَ: «قُولُو ا اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ علیهم السّلام (3) .
والأخبار في هذا الباب كثيرة يطول بها الكتاب.
ص: 320
باب ذكر طرف من أخبار أبي محمد علیهِ السّلامُ ومناقبه وآياته ومعجزاته
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ (1)بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ خَاقَانَ عَلَى اَلضِّيَاعِ وَاَلْخَرَاجِ بِ(قُمَّ) فَجَرَى فِي مَجْلِسِهِ يَوْماً ذِكْرُ اَلْعَلَوِيَّةِ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَكَانَ شَدِيدَ اَلنَّصْبِ وَاَلاِنْحِرَافِ عَنْ أَهْلِ اَلْبَيْتِ علیهِ السّلامُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ وَلاَ عَرَفْتُ بِسُرَّمَنْ رَأَى مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ مِثْلَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلرِّضَا فِي هَدْيِهِ وَسُكُونِهِ وَعَفَافِهِ وَنُبْلِهِ وَكِبْرَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَبَنِي هَاشِمٍ كَافَّةً وَتَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى ذَوِي اَلسِّنِّ مِنْهُمْ وَاَلْخَطَرِ، وَكَذَلِكَ، كَانَتْ حَالُهُ عِنْدَ اَلْقُوَّادِ وَاَلْوُزَرَاءِ وَعَامَّةِ اَلنَّاسِ. فَأَذْكُرُ أَنَّنِي كُنْتُ يَوْماً قَائِماً عَلَى رَأْسِ أَبِي وَهُوَيَوْمُ مَجْلِسِهِ لِلنَّاسِ، إِذْ دَخَلَ حُجَّابُهُ فَقَالُوا: أَبُومُحَمَّدِ اِبْنُ اَلرِّضَا بِالْبَابِ، فَقَالَ بِصَوْتٍ عَالٍ: اِئْذَنُوا لَهُ، فَتَعَجَّبْتُ مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُمْ وَمِنْ جَسَارَتِهِمْ أَنْ يُكَنُّوا رَجُلاً بِحَضْرَةِ أَبِي وَلَمْ يَكُنْ يُكَنَّى عِنْدَهُ إِلاَّ خَلِيفَةٌ أَوْ وَلِيُّ عَهْدٍ أَوْ مَنْ أَمَرَ اَلسُّلْطَانُ أَنْ يُكَنَّى. فَدَخَلَ رَجُلٌ أَسْمَرُ حَسَنُ اَلْقَامَةِ جَمِيلُ اَلْوَجْهِ جَيِّدُ اَلْبَدَنِ حَدِيثُ اَلسِّنِّ لَهُ جَلاَلَةٌ وَهَيْئَةٌ حَسَنَةٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَبِي قَامَ فَمَشَى إِلَيْهِ خُطًى، وَلاَ أَعْلَمُهُ فَعَلَ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَاَلْقُوَّادِ، فَلَمَّا
ص: 321
دَنَا مِنْهُ عَانَقَهُ وَقَبَّلَ وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَأَجْلَسَهُ عَلَى مُصَلاَّهُ اَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ مُقْبِلاً عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيُفَدِّيهِ بِنَفْسِهِ، وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ مِمَّا أَرَى مِنْهُ، إِذْ دَخَلَ اَلْحَاجِبُ فَقَالَ: اَلْمُوَفَّقُ (1)قَدْ جَاءَ ،وَكَانَ اَلْمُوَفَّقُ إِذَا دَخَلَ عَلَى أَبِي يُقَدِّمَهُ حُجَّابُهُ وَخَاصَّةُ قُوَّادِهِ ، فَقَامُوا بَيْنَ مَجْلِسِ أَبِي وَبَيْنَ بَابِ اَلدَّارِ سِمَاطَيْنِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَيَخْرُجَ. فَلَمْ يَزَلْ أَبِي مُقْبِلاً عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُهُ حَتَّى نَظَرَ إِلَى غِلْمَانِ اَلْخَاصَّةِ فَقَالَ حِينَئِذٍ لَهُ: إِذَا شِئْتَ جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ، ثُمَّ قَالَ لِحُجَّابِهِ: خُذُوا بِهِ خَلْفَ اَلسِّمَاطَيْنِ لاَ يَرَاهُ هَذَا يَعْنِي اَلْمُوَفَّقَ فَقَامَ وَقَامَ أَبِي فَعَانَقَهُ وَمَضَى.
فَقُلْتُ لِحُجَّابِ أَبِي وَغِلْمَانِهِ: وَيْلَكُمْ مَنْ هَذَا اَلَّذِي كَنَّيْتُمُوهُ بِحَضْرَةِ أَبِي وَفَعَلَ بِهِ أَبِي هَذَا اَلْفِعْلَ؟ فَقَالُوا: هَذَا عَلَوِيٌّ يُقَالُ لَهُ: اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِ: ابْنِ اَلرِّضَا ، فَازْدَدْتُ تَعَجُّباً وَلَمْ أَزَلْ يَوْمِي ذَلِكَ قَلِقاً مُفَكِّراً فِي أَمْرِهِ وَأَمْرِ أَبِي وَمَا رَأَيْتُهُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ اَللَّيْلُ، وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ اَلْعَتَمَةَ ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَنْظُرَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ اَلْمُؤَامَرَاتِ وَمَا يَرْفَعُهُ إِلَى اَلسُّلْطَانِ.
فَلَمَّا صَلَّى وَجَلَسَ جِئْتُ وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، أَ لَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَبَهْ، فَإِنْ أَذِنْتَ سَأَلْتُكَ عَنْهَا، فَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ، قُلْتُ: يَا أَبَهْ، مَنِ اَلرَّجُلُ اَلَّذِي رَأَيْتُكَ بِالْغَدَاةِ فَعَلْتَ بِهِ مَا فَعَلْتَ مِنَ اَلْإِجْلاَلِ وَاَلْكَرَامَةِ وَاَلتَّبْجِيلِ وَفَدَّيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَأَبَوَيْكَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ذَاكَ إِمَامُ اَلرَّافِضَةِ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْمَعْرُوفُ بِ: ابْنِ اَلرِّضَا، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً وَأَنَا سَاكِتٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، لَوْ زَالَتِ اَلْإِمَامَةُ عَنْ خُلَفَائِنَا بَنِي اَلْعَبَّاسِ مَا اِسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُهُ، لِفَضْلِهِ وَعَفَافِهِ وَهَدْيِهِ
ص: 322
وَصِيَانَتِهِ وَزُهْدِهِ وَعِبَادَتِهِ وَجَمِيلِ أَخْلاَقِهِ وَصَلاَحِهِ، وَلَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ رَأَيْتَ رَجُلاً جَزْلاً نَبِيلاً فَاضِلاً. فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَتَفَكُّراً وَغَيْظاً عَلَى أَبِي وَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ فِيهِ ، وَرَأَيْتُ مِنْ فِعْلِهِ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ اَلسُّؤَالَ عَنْ خَبَرِهِ وَاَلْبَحْثَ عَنْ أَمْرِهِ.
فَمَا سَأَلْتُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَاَلْقُوَّادِ وَاَلْكُتَّابِ وَاَلْقُضَاةِ وَاَلْفُقَهَاءِ وَسَائِرِ اَلنَّاسِ إِلاَّ وَجَدْتُهُ عِنْدَهُ فِي غَايَةِ اَلْإِجْلاَلِ وَاَلْإِعْظَامِ وَاَلْمَحَلِّ اَلرَّفِيعِ وَاَلْقَوْلِ اَلْجَمِيلِ وَاَلتَّقْدِيمِ لَهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَشَايِخِهِ، فَعَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدِي إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيّاً وَلاَ عَدُوّاً إِلاَّ وَهُوَيُحْسِنُ اَلْقَوْلَ فِيهِ وَاَلثَّنَاءَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنَ اَلْأَشْعَرِيِّينَ: فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ وَكَيْفَ كَانَ مِنْهُ فِي اَلْمَحَلِّ؟
فَقَالَ: وَمَنْ جَعْفَرٌ فَيُسْأَلَ عَنْ خَبَرِهِ أَ وَيُقْرَنُ بِالْحَسَنِ؟! جَعْفَرٌ مُعْلِنُ اَلْفُسُوقِ (1)فَاجِرٌ شِرِّيبٌ لِلْخُمُورِ، أَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ اَلرِّجَالِ وَأَهْتَكُهُمْ لِنَفْسِهِ، خَفِيفٌ قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَقَدْ وَرَدَ عَلَى اَلسُّلْطَانِ وَأَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اِعْتَلَّ بُعِثَ إِلَى أَبِي: أَنَّ اِبْنَ اَلرِّضَا قَدِ اِعْتَلَّ، فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى دَارِ اَلْخِلاَفَةِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً وَمَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ، فِيهِمْ نِحْرِيرٌ وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ اَلْحَسَنِ وَتَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَحَالِهِ، وَبَعَثَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ اَلْمُتَطَبِّبِينَ فَأَمَرَهُمْ بِالاِخْتِلاَفِ إِلَيْهِ وَتَعَهُّدِهِ صَبَاحَ مَسَاءٍ.
ص: 323
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ أُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ، فَأَمَرَ اَلْمُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِ دَارِهِ، وَبَعَثَ إِلَى قَاضِي اَلْقُضَاةِ فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَوَرَعِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَأَحْضَرَهُمْ فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ اَلْحَسَنِ وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ علیهِ السّلامُ، فَلَمَّا ذَاعَ خَبَرُ وَفَاتِهِ صَارَتْ سُرَّمَنْ رَأَى ضَجَّةً وَاحِدَةً ، وَعُطِّلَتِ اَلْأَسْوَاقُ، وَرَكِبَ بَنُوهَاشِمٍ وَاَلْقُوَّادُ وَسَائِرُ اَلنَّاسِ إِلَى جَنَازَتِهِ، فَكَانَتْ سُرَّمَنْ رَأَى يَوْمَئِذٍ شَبِيهاً بِالْقِيَامَةِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تَهْيِئَتِهِ بَعَثَ اَلسُّلْطَانُ إِلَى أَبِي عِيسَى بْنِ اَلْمُتَوَكِّلِ يَأْمُرُهُ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وُضِعَتِ اَلْجَنَازَةُ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ دَنَا أَبُوعِيسَى مِنْهُ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَعَرَضَهُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ وَاَلْعَبَّاسِيَّةِ وَاَلْقُوَّادِ وَاَلْكُتَّابِ وَاَلْقُضَاةِ وَاَلْمُعَدَّلِينَ، وَقَالَ: هَذَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلرِّضَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَحَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَثِقَاتِهِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَمِنَ اَلْقُضَاةِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَمِنَ اَلْمُتَطَبِّبِينَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ، ثُمَّ غَطَّى وَجْهَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَرَ بِحَمْلِهِ.
وَلَمَّا دُفِنَ جَاءَ جَعْفَرُ (1)بْنُ عَلِيٍّ أَخُوهُ إِلَى أَبِي فَقَالَ: اِجْعَلْ لِي مَرْتَبَةَ أَخِي وَأَنَا أُوصِلُ إِلَيْكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَزَبَرَهُ أَبِي وَأَسْمَعَهُ مَا كَرِهَ ، وَقَالَ لَهُ: يَا أَحْمَقُ، اَلسُّلْطَانُ - أَطَالَ اَللَّهُ بَقَاءَهُ - جَرَّدَ سَيْفَهُ فِي اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ وَأَخَاكَ أَئِمَّةٌ، لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَبِيكَ وَأَخِيكَ إِمَاماً فَلاَ حَاجَةَ بِكَ إِلَى اَلسُّلْطَانِ لِيُرَتِّبَكَ مَرَاتِبَهُمْ وَلاَ غَيْرِ اَلسُّلْطَانِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ اَلْمَنْزِلَةِ لَمْ تَنَلْهَا بِنَا، فَاسْتَقَلَّهُ أَبِي
ص: 324
عِنْدَ ذَلِكَ وَاِسْتَضْعَفَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي اَلدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أَبِي. وَخَرَجْنَا وَهُوَعَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ، وَاَلسُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَراً لِوُلْدِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى اَلْيَوْمِ وَهُوَلاَ يَجِدُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، وَشِيعَتُهُ مُقِيمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَخَلَّفَ وَلَداً يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اَلْإِمَامَةِ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كَتَبَ أَبُومُحَمَّدٍ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ اَلزُّبَيْرِيِّ قَبْلَ مَوْتِ اَلْمُعْتَزِّ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ يَوْماً : «اِلْزَمْ بَيْتَكَ حَتَّى يَحْدُثَ اَلْحَادِثُ» فَلَمَّا قُتِلَ تُرُنْجَةُ (2)[بُرَيْحَةُ] كَتَبَ إِلَيْهِ: قَدْ حَدَثَ اَلْحَادِثُ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «لَيْسَ هَذَا اَلْحَادِثُ اَلْحَادِثَ اَلْآخِرَ » فَكَانَ مِنَ اَلْمُعْتَزِّ مَا كَانَ.
قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ: «بِقَتْلِ [اِبْنِ] (3)مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ» قَبْلَ قَتْلِهِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي اَلْيَوْمِ اَلْعَاشِرِ قُتِلَ (4) .
ص: 325
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ (عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، اَلْمَعْرُوفِ بِابْنِ اَلْكُرْدِيِّ) (1)عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: ضَاقَ بِنَا اَلْأَمْرُ فَقَالَ لِي: أَبِي اِمْضِ بِنَا حَتَّى نَصِيرَ إِلَى هَذَا اَلرَّجُلِ - يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ - فَإِنَّهُ قَدْ وُصِفَ عَنْهُ سَمَاحَةٌ، فَقُلْتُ: تَعْرِفُهُ ؟ قَالَ: مَا «أَعْرِفُهُ وَلاَ رَأَيْتُهُ قَطُّ، قَالَ: فَقَصَدْنَاهُ فَقَالَ لِي: أَبِي وَهُوَفِي طَرِيقِهِ، مَا أَحْوَجَنَا إِلَى أَنْ يَأْمُرَ لَنَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِلْكِسْوَةِ، وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِلدَّقِيقِ، وَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِلنَّفَقَةِ ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْتَهُ أَمَرَ لِي بِثَلاَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِائَةٍ أَشْتَرِي بِهَا حِمَاراً وَمِائَةٍ لِلنَّفَقَةِ وَمِائَةٍ لِلْكِسْوَةِ فَأَخْرُجَ إِلَى اَلْجَبَلِ (2)
قَالَ: فَلَمَّا وَافَيْنَا اَلْبَابَ خَرَجَ إِلَيْنَا غُلاَمُهُ فَقَالَ: يَدْخُلُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٌ اِبْنُهُ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَسَلَّمْنَا قَالَ: لِأَبِي: «يَا عَلِيُّ، مَا خَلَّفَكَ عَنَّا إِلَى هَذَا اَلْوَقْتِ؟» قَالَ: يَا سَيِّدِي ، اِسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَلْقَاكَ عَلَى هَذِهِ اَلْحَالِ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ جَاءَنَا غُلاَمُهُ، فَنَاوَلَ أَبِي صُرَّةً وَقَالَ: هَذِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ: مِائَتَانِ لِلْكِسْوَةِ، وَمِائَتَانِ لِلدَّقِيقِ، وَمِائَةٌ لِلنَّفَقَةِ. وَأَعْطَانِي صُرَّةً وَقَالَ: هَذِهِ ثَلاَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ: فَاجْعَلْ مِائَةً فِي ثَمَنِ حِمَارٍ، وَمِائَةً
ص: 326
لِلْكِسْوَةِ وَمِائَةً لِلنَّفَقَةِ، وَلاَ تَخْرُجْ إِلَى اَلْجَبَلِ (1)وَصِرْ إِلَى سُورَاءَ (2)قَالَ: فَصَارَ إِلَى سُورَاءَ. وَتَزَوَّجَ اِمْرَأَةً مِنْهَا ، فَدَخْلُهُ اَلْيَوْمَ أَلْفَا دِينَارٍ، وَمَعَ هَذَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ .
قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلْكُرْدِيُّ: فَقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ أَ تُرِيدُ أَمْراً أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؟!
قَالَ: فَقَالَ: صَدَقْتَ ، وَلَكِنَّا عَلَى أَمْرٍ قَدْ جَرَيْنَا عَلَيْهِ (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَارِثِ اَلْقَزْوِينِيُّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بِسُرَّمَنْ رَأَى، وَكَانَ أَبِي يَتَعَاطَى اَلْبَيْطَرَةَ فِي مَرْبِطِ أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ، قَالَ: وَكَانَ عِنْدَ اَلْمُسْتَعِينِ بَغْلٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ حُسْناً وَكِبْراً، وَكَانَ يَمْنَعُ ظَهْرَهُ وَاَللِّجَامَ، وَقَدْ كَانَ جَمَعَ عَلَيْهِ اَلرُّوَّاضَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حِيلَةٌ فِي رُكُوبِهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ نُدَمَائِهِ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، أَ لاَ تَبْعَثُ إِلَى اَلْحَسَنِ اِبْنِ اَلرِّضَا حَتَّى يَجِيءَ فَإِمَّا أَنْ يَرْكَبَهُ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ.
قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ وَمَضَى مَعَهُ أَبِي.
قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ أَبُومُحَمَّدٍ اَلدَّارَ كُنْتُ مَعَ أَبِي، فَنَظَرَ أَبُومُحَمَّدٍ إِلَى اَلْبَغْلِ وَاقِفاً فِي صَحْنِ اَلدَّارِ فَعَدَلَ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَفَلِهِ (4)
ص: 327
قَالَ: فَنَظَرْتُ، إِلَى اَلْبَغْلِ وَقَدْ عَرِقَ حَتَّى سَالَ اَلْعَرَقُ مِنْهُ.
ثُمَّ صَارَ إِلَى اَلْمُسْتَعِينِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَحَّبَ بِهِ وَقَرَّبَ وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَلْجِمْ هَذَا اَلْبَغْلَ فَقَالَ: أَبُومُحَمَّدٍ لِأَبِي «أَلْجِمْهُ يَا غُلاَمُ» فَقَالَ لَهُ اَلْمُسْتَعِينُ: أَلْجِمْهُ أَنْتَ، فَوَضَعَ أَبُومُحَمَّدٍ طَيْلَسَانَهُ ثُمَّ قَامَ فَأَلْجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَجْلِسِهِ وَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَسْرِجْهُ فَقَالَ: لِأَبِي «يَا غُلاَمُ أَسْرِجْهُ» فَقَالَ لَهُ اَلْمُسْتَعِينُ: أَسْرِجْهُ أَنْتَ، فَقَامَ ثَانِيَةً فَأَسْرَجَهُ وَرَجَعَ، فَقَالَ لَهُ: تَرَى أَنْ تَرْكَبَهُ؟ فَقَالَ: أَبُومُحَمَّدِ «نَعَمْ» فَرَكِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكَضَهُ فِي اَلدَّارِ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى اَلْهَمْلَجَةِ (1)فَمَشَى أَحْسَنَ مَشْيٍ يَكُونُ، ثُمَّ رَجَعَ فَنَزَلَ. فَقَالَ لَهُ اَلْمُسْتَعِينُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ،كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: مَا «رَأَيْتُ مِثْلَهُ حُسْناً وَفَرَاهَةً» فَقَالَ لَهُ اَلْمُسْتَعِينُ: فَإِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَدْ حَمَلَكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَبُومُحَمَّدٍ لِأَبِي يَا غُلاَمُ خُذْهُ فَأَخَذَهُ أَبِي فَقَادَهُ (2) .
وَرَوَى (أَبُوعَلِيِّ بْنُ رَاشِدٍ) (3)عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام اَلْحَاجَةَ، فَحَكَّ
ص: 328
بِسَوْطِهِ اَلْأَرْضَ فَأَخْرَجَ مِنْهَا سَبِيكَةً فِيهَا نَحْوَاَلْخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ: «خُذْهَا يَا أَبَا هَاشِمٍ وَأَعْذِرْنَا » (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ (اَلْمُطَهَّرِيِّ) (2)أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ مِنَ اَلْقَادِسِيَّةِ يُعْلِمُهُ اِنْصِرَافَ اَلنَّاسِ عَنِ اَلْمُضِيِّ إِلَى اَلْحَجِّ وَأَنَّهُ يَخَافُ اَلْعَطَشَ إِنْ مَضَى، فَكَتَبَ علیهِ السّلامُ «اِمْضُوا فَلاَ خَوْفَ عَلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ» فَمَضَى مَنْ بَقِيَ سَالِمِينَ وَلَمْ يَجِدُوا عَطَشاً (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفَضْلِ اَلْيَمَانِيِّ قَالَ: نَزَلَ بِالْجَعْفَرِيِّ مِنْ آلِ جَعْفَرٍ خَلْقٌ كَثِيرٌ لاَ قِبَلَ لَهُ بِهِمْ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ يَشْكُوذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «تُكْفَوْنَهُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ» قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ -وَاَلْقَوْمُ يَزِيدُونَ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ نَفْسٍ، وَهُوَفِي أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ - فَاسْتَبَاحَهُمْ (4) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اَلْعَلَوِيِّ قَالَ: حُبِسَ أَبُومُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ عِنْدَ (عَلِيِّ بْنِ أوتامش) (5)[أَوْتَاشٍ] - وَكَانَ شَدِيدَ اَلْعَدَاوَةِ لِآلِ مُحَمَّدٍ
ص: 329
علیه وعلیهم السلام غَلِيظاً عَلَى آلِ أَبِي طَالِبٍ - وَقِيلَ: لَهُ اِفْعَلْ بِهِ وَاِفْعَلْ. قَالَ: فَمَا أَقَامَ إِلاَّ يَوْماً حَتَّى وَضَعَ خَدَّيْهِ لَهُ، وَكَانَ لاَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَيْهِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِعْظَاماً، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَأَحْسَنُ اَلنَّاسِ بَصِيرَةً وَأَحْسَنُهُمْ قَوْلاً فِيهِ (1) .
وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ اَلنَّخَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوهَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيُّ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ ضِيقَ اَلْحَبْسِ وَكَلَبَ اَلْقَيْدِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: «أَنْتَ مُصَلِّي اَلْيَوْمَ اَلظُّهْرَ فِي مَنْزِلِكَ» فَأُخْرِجْتُ وَقْتَ اَلظُّهْرِ فَصَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي كَمَا قَالَ: وَكُنْتُ مُضَيَّقاً فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْهُ مَعُونَةً فِي اَلْكِتَابِ اَلَّذِي كَتَبْتُهُ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَجَّهَ لِي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَتَبَ إِلَيَّ «إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَلاَ تَسْتَحْيِ وَلاَ تَحْتَشِمْ، وَاُطْلُبْهَا تَأْتِكَ عَلَى مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ (2) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَقْرَعِ قَالَ: حَدَّثَنِي (أَبُوحَمْزَةَ نُصَيْرٌ اَلْخَادِمُ) (3)قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ غَيْرَ مَرَّةٍ يُكَلِّمُ
ص: 330
غِلْمَانَهُ بِلُغَاتِهِمْ، وَفِيهِمْ تُرْكٌ وَرُومٌ وَصَقَالِبَةٌ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ: هَذَا وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ حَتَّى مَضَى أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) وَلاَ رَآهُ أَحَدٌ فَكَيْفَ هَذَا؟! أُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: «إِنَّ اَللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَبَانَ حُجَّتَهُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مَعْرِفَةَ كُلِّ شَيْءٍ، فَهُوَيَعْرِفُ اَللُّغَاتِ وَاَلْأَسْبَابَ وَاَلْحَوَادِثَ، وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ اَلْحُجَّةِ وَاَلْمَحْجُوجِ فَرْقٌ» (1) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحَسَنُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَ: اِخْتَلَجَ فِي صَدْرِي مَسْأَلَتَانِ أَرَدْتُ اَلْكِتَابَ بِهِمَا إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ ، فَكَتَبْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ اَلْقَائِمِ إِذَا قَامَ بِمَ يَقْضِي، وَأَيْنَ مَجْلِسُهُ اَلَّذِي يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ اَلنَّاسِ؟ وَأَرَدْتُ (أَنْ أَسْأَلَهُ) (2)عَنْ شَيْءٍ لِحُمَّى، اَلرِّبْعِ فَأَغْفَلْتُ ذِكْرَ اَلْحُمَّى فَجَاءَ اَلْجَوَابُ: «سَأَلْتَ عَنِ اَلْقَائِمِ، وَإِذَا قَامَ قَضَى بَيْنَ اَلنَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ لاَ يَسْأَلُ اَلْبَيِّنَةَ، وَكُنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ حُمَّى اَلرِّبْعِ فَأُنْسِيتَ، فَاكْتُبْ فِي وَرَقَةٍ وَعَلِّقْهُ عَلَى اَلْمَحْمُومِ (يٰا نٰارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاٰماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ) (3) فَكَتَبْتُ ذَلِكَ وَعَلَّقْتُهُ عَلَى اَلْمَحْمُومِ (4)فَأَفَاقَ وَبَرَأَ (5) .
ص: 331
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ،اَلنَّخَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ قَالَ: قَعَدْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ عَلَى ظَهْرِ اَلطَّرِيقِ، فَلَمَّا مَرَّ بِي شَكَوْتُ إِلَيْهِ اَلْحَاجَةَ، وَحَلَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي دِرْهَمٌ فَمَا فَوْقَهُ وَلاَ غَدَاءٌ وَلاَ عَشَاءٌ ،قَالَ، فَقَالَ: «تَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِباً! وَقَدْ دَفَنْتَ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَلَيْسَ قَوْلِي هَذَا دَفْعاً لَكَ عَنِ اَلْعَطِيَّةِ، أَعْطِهِ يَا غُلاَمُ مَا مَعَكَ فَأَعْطَانِي غُلاَمُهُ مِائَةَ دِينَارٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ لِي: «إِنَّكَ تُحْرَمُ اَلدَّنَانِيرَ اَلَّتِي دَفَنْتَهَا أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهَا» وَصَدَقَ علیهِ السّلامُ ، وَذَلِكَ، أَنَّنِي أَنْفَقْتُ مَا وَصَلَنِي بِهِ وَاُضْطُرِرْتُ ضَرُورَةً شَدِيدَةً إِلَى شَيْءٍ أُنْفِقُهُ، وَاِنْغَلَقَتْ عَلَيَّ أَبْوَابُ اَلرِّزْقِ، فَنَبَشْتُ عَنِ اَلدَّنَانِيرِ اَلَّتِي كُنْتُ دَفَنْتُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا (اِبْنُ عَمٍّ لِي) (1)قَدْ عَرَفَ مَوْضِعَهَا فَأَخَذَهَا وَهَرَبَ فَمَا قَدَرْتُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ (2) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّخَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ لِي فَرَسٌ وَكُنْتُ بِهِ مُعْجَباً أُكْثِرُ ذِكْرَهُ فِي اَلْمَجَالِسِ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ يَوْماً فَقَالَ: مَا «فَعَلَ فَرَسُكَ؟» فَقُلْتُ: هُوَعِنْدِي،، وَهُوَذَا هُوَعَلَى بَابِكَ، اَلْآنَ نَزَلْتُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: «اِسْتَبْدِلْ بِهِ قَبْلَ اَلْمَسَاءِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى مُشْتَرٍ وَلاَ تُؤَخِّرْ ذَلِكَ»
ص: 332
وَدَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ فَانْقَطَعَ اَلْكَلاَمُ، فَقُمْتُ مُفَكِّراً وَمَضَيْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَأَخْبَرْتُ أَخِي فَقَالَ لِي: مَا أَدْرِي مَاأَقُولُ: فِي هَذَا، وَشَحَحْتُ بِهِ وَنَفِسْتُ عَلَى اَلنَّاسِ بِبَيْعِهِ، وَأَمْسَيْنَا فَلَمَّا صَلَّيْتُ اَلْعَتَمَة َ جَاءَنِي اَلسَّائِسُ فَقَالَ: يَا مَوْلاَيَ، نَفَقَ فَرَسُكَ اَلسَّاعَةَ فَاغْتَمَمْتُ وَعَلِمْتُ أَنَّهُ عَنَى هَذَا بِذَلِكَ، اَلْقَوْلِ. ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَأَنَاأَقُولُ فِي نَفْسِي: لَيْتَهُ أَخْلَفَ عَلَيَّ دَابَّةً، فَلَمَّا جَلَسْتُ قَالَ: قَبْلَ أَنْ أُحَدِّثَ (1)بِشَيْءٍ :«نَعَمْ نُخْلِفُ عَلَيْكَ، يَا غُلاَمُ أَعْطِهِ بِرْذَوْنِيَ اَلْكُمَيْتَ» ثُمَّ قَالَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ فَرَسِكَ وَأَوْطَأُ وَأَطْوَلُ عُمُراً» (2) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ حِينَ أَخَذَ اَلْمُهْتَدِي فِي قَتْلِ اَلْمَوَالِي (3)يَا سَيِّدِي، اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي شَغَلَهُ عَنَّا، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَتَهَدَّدُكَ وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَأُجْلِيَنَّهُمْ عَنْ جَدَدِ (4)[جَدِيدِ] اَلْأَرْضِ. فَوَقَّعَ أَبُومُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ بِخَطِّهِ (5)«ذَلِكَ، أَقْصَرُ لِعُمُرِهِ، عُدَّ مِنْ يَوْمِكَ هَذَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَيُقْتَلُ فِي اَلْيَوْمِ اَلسَّادِسِ بَعْدَ هَوَانٍ وَاِسْتِخْفَافٍ يَمُرُّ بِهِ» وَكَانَ كَمَا قَالَ: علیهِ السّلامُ (6) .
ص: 333
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (1)قَالَ: دَخَلَ اَلْعَبَّاسِيُّونَ عَلَى (صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ) (2)عِنْدَ مَا حُبِسَ أَبُومُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ فَقَالُوا لَهُ: ضَيِّقْ عَلَيْهِ وَلاَ تُوَسِّعْ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ : مَا أَصْنَعُ بِهِ؟! قَدْ وَكَّلْتُ بِهِ رَجُلَيْنِ شَرَّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَارَا مِنَ اَلْعِبَادَةِ وَاَلصَّلاَةِ وَاَلصِّيَامِ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ. ثُمَّ أَمَرَ بِإِحْضَارِ اَلْمُوَكَّلَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا مَا شَأْنُكُمَا فِي أَمْرِ هَذَا اَلرَّجُلِ؟ فَقَالاَ لَهُ: مَا نَقُولُ فِي رَجُلٍ يَصُومُ اَلنَّهَارَ وَيَقُومُ اَللَّيْلَ كُلَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَتَشَاغَلُ بِغَيْرِ اَلْعِبَادَةِ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْنَا اِرْتَعَدَتْ (3)فَرَائِصُنَا وَدَاخَلَنَا مَا لاَ نَمْلِكُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ اَلْعَبَّاسِيُّونَ اِنْصَرَفُوا خَاسِئِينَ (4) (5) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: : سُلِّمَ أَبُومُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ إِلَى نِحْرِيرٍ (6)وَكَانَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ وَيُؤْذِيهِ، فَقَالَتْ لَهُ اِمْرَأَتُهُ: اِتَّقِ اَللَّهَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَنْ فِي مَنْزِلِكَ وَذَكَرَتْ لَهُ صَلاَحَهُ وَعِبَادَتَهُ، وَقَالَتْ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّهُ بَيْنَ اَلسِّبَاعِ ثُمَّ اِسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ فَأُذِنَ لَهُ، فَرَمَى بِهِ إِلَيْهَا، وَلَمْ
ص: 334
يَشُكُّوا فِي أَكْلِهَا لَهُ، فَنَظَرُوا إِلَى اَلْمَوْضِعِ لِيَعْرِفُوا اَلْحَالَ، فَوَجَدُوهُ علیهِ السّلامُ قَائِماً يُصَلِّي وَهِيَ حَوْلَهُ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ إِلَى دَارِهِ (1) . والروايات في هذا المعنى كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية فيما نحوناه إن شاء الله تعالى
ص: 335
باب
ذكر وفاة أبي محمد الحسن بن علي (علیهما السلام)وموضعلیهِ السّلامُ قبره وذكر ولده
وَمَرِضَ أَبُومُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَمَاتَ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ هَذَا اَلشَّهْرِ فِي اَلسَّنَةِ اَلْمَذْكُورَةِ، وَلَهُ يَوْمَ وَفَاتِهِ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَدُفِنَ فِي اَلْبَيْتِ اَلَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ مِنْ دَارِهِمَا بِسُرَّمَنْ رَأَى .
وَخَلَّفَ اِبْنَهُ اَلْمُنْتَظَرَ لِدَوْلَةِ اَلْحَقِّ وَكَانَ قَدْ أَخْفَى مَوْلِدَهُ وَسَتَرَ أَمْرَهُ، لِصُعُوبَةِ اَلْوَقْتِ، وَشِدَّةِ طَلَبِ سُلْطَانِ اَلزَّمَانِ لَهُ، وَاِجْتِهَادِهِ فِي اَلْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ، وَلِمَا شَاعَ مِنْ مَذْهَبِ اَلشِّيعَةِ اَلْإِمَامِيَّةِ فِيهِ، وَعُرِفَ مِنِ اِنْتِظَارِهِمْ لَهُ، فَلَمْ يُظْهِرْ وَلَدَهُ علیهِ السّلامُ فِي حَيَاتِهِ، وَلاَ عَرَفَهُ اَلْجُمْهُورُ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَتَوَلَّى جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخُوأَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ أَخْذَ تَرِكَتِهِ ،وَسَعَى فِي حَبْسِ جَوَارِي أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ وَاِعْتِقَالِ حَلاَئِلِهِ، وَشَنَّعَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِانْتِظَارِهِمْ وَلَدَهُ وَقَطْعِهِمْ بِوُجُودِهِ وَاَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ، وَأَغْرَى بِالْقَوْمِ حَتَّى أَخَافَهُمْ وَشَرَّدَهُمْ، وَجَرَى عَلَى مُخَلَّفِي أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ بِسَبَبِ ذَلِكَ كُلُّ عَظِيمَةٍ، مِنِ اِعْتِقَالٍ وَحَبْسٍ وَتَهْدِيدٍ وَتَصْغِيرٍ وَاِسْتِخْفَافٍ وَذُلٍّ، وَلَمْ يَظْفَرِ اَلسُّلْطَانُ مِنْهُمْ بِطَائِلٍ.
وَحَازَ جَعْفَرٌ ظَاهِرَ تَرِكَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ وَاِجْتَهَدَ فِي اَلْقِيَامِ عِنْدَ اَلشِّيعَةِ مَقَامَهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَلاَ اِعْتَقَدَهُ فِيهِ، فَصَارَ إِلَى
ص: 336
سُلْطَانِ اَلْوَقْتِ يَلْتَمِسُ مَرْتَبَةَ أَخِيهِ، وَبَذَلَ مَالاً جَلِيلاً وَتَقَرَّبَ بِكُلِّ مَا ظَنَّ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِهِ فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَلِجَعْفَرٍ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا اَلْمَعْنَى ، رَأَيْتُ اَلْإِعْرَاضَ (1)عَنْ ذِكْرِهَا لِأَسْبَابٍ لاَ يَحْتَمِلُ اَلْكِتَابُ شَرْحَهَا، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ اَلْإِمَامِيَّةِ وَمَنْ عَرَفَ أَخْبَارَ اَلنَّاسِ مِنَ اَلْعَامَّةِ وَبِاللَّهِ أَسْتَعِينُ .
ص: 337
ص: 338
باب ذكر الإمام القائم بعد أبي محمد علیهِ السّلامُ وتاريخ مولده ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته وسيرته عند قيامه ومدة دولته
وَكَانَ اَلْإِمَامُ بَعْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ اِبْنَهُ اَلْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)اَلْمُكَنَّى بِكُنْيَتِهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ أَبُوهُ وَلَداً غَيْرَهُ ظَاهِراً وَلاَ بَاطِناً وَخَلَّفَهُ غَائِباً مُسْتَتِراً (1)عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ علیهِ السّلامُ لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ .
وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا نَرْجِسُ .
وَكَانَ سِنُّهُ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (2)خَمْسَ سِنِينَ، آتَاهُ اَللَّهُ فِيهَا اَلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ اَلْخِطٰابِ، وَجَعَلَهُ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، وَآتَاهُ اَلْحِكْمَةَ كَمَا آتَاهَا يَحْيَى صَبِيّاً ، وَجَعَلَهُ إِمَاماً فِي حَالِ اَلطُّفُولِيَّةِ اَلظَّاهِرَةِ كَمَا جَعَلَ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ علیهِ السّلامُ فِي اَلْمَهْدِ نَبِيّاً .
وَقَدْ سَبَقَ اَلنَّصُّ عَلَيْهِ فِي مِلَّةِ اَلْإِسْلاَمِ مِنْ نَبِيِّ اَلْهُدَى علیهِ السّلامُ ثُمَّ مِنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ علیهِ السّلامُ َلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهِ السّلامُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ اَلْأَئِمَّةُ علیهِ السّلامُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَبِيهِ اَلْحَسَنِ علیه
ص: 339
السلام، وَنَصَّ أَبُوهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثِقَاتِهِ وَخَاصَّةِ شِيعَتِهِ .
وَكَانَ اَلْخَبَرُ بِغَيْبَتِهِ ثَابِتاً قَبْلَ وُجُودِهِ، وَبِدَوْلَتِهِ مُسْتَفِيضاً قَبْلَ غَيْبَتِهِ، وَهُوَصَاحِبُ اَلسَّيْفِ مِنْ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى علیهِ السّلامُ ، وَاَلْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، اَلْمُنْتَظَرُ لِدَوْلَةِ اَلْإِيمَانِ، وَلَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ غَيْبَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ اَلْأُخْرَى ،كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ اَلْأَخْبَارُ، فَأَمَّا اَلْقُصْرَى مِنْهُمَا فَمُنْذُ وَقْتِ مَوْلِدِهِ إِلَى اِنْقِطَاعِ اَلسِّفَارَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شِيعَتِهِ وَعَدَمِ اَلسُّفَرَاءِ بِالْوَفَاةِ، وَأَمَّا اَلطُّولَى فَهِيَ بَعْدَ اَلْأُولَى وَفِي آخِرِهَا يَقُومُ بِالسَّيْفِ.
قَالَ: اَللَّهُ تَعَالَى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهٰامٰانَ وَجُنُودَهُمٰا مِنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ ) (1) وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَلَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ اَلذِّكْرِ أَنَّ اَلْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ اَلصّٰالِحُونَ) (2) .
وَقَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ): «لَنْ تَنْقَضِيَ اَلْأَيَّامُ وَاَللَّيَالِي حَتَّى يَبْعَثَ اَللَّهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اِسْمُهُ اِسْمِي، يَمْلَؤُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً » (3) .
وَقَالَ: علیهِ السّلامُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللَّهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اَللَّهُ فِيهِ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي، يُوَاطِئُ اِسْمُهُ اِسْمِي، يَمْلَؤُهَا
ص: 340
عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً» (1) .
ص: 341
باب
ذكر طرف من الدلائل على إمامة القائم بالحق محمد بن الحسن (1)علیهما السّلام
فَمِنَ اَلدَّلاَئِلِ عَلَى ذَلِكَ مَا يَقْتَضِيهِ اَلْعَقْلُ بِالاِسْتِدْلاَلِ اَلصَّحِيحِ، مِنْ وُجُودِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ كَامِلٍ غَنِيٍّ عَنْ رَعَايَاهُ فِي اَلْأَحْكَامِ وَاَلْعُلُومِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، لاِسْتِحَالَةِ خُلُوِّ اَلْمُكَلَّفِينَ مِنْ سُلْطَانٍ يَكُونُونَ بِوُجُودِهِ أَقْرَبَ إِلَى اَلصَّلاَحِ وَأَبْعَدَ مِنَ اَلْفَسَادِ ، وَحَاجَةِ اَلْكُلِّ مِنْ ذَوِي اَلنُّقْصَانِ إِلَى مُؤَدِّبٍ لِلْجُنَاةِ، مُقَوِّمٍ لِلْعُصَاةِ، رَادِعٍ لِلْغُوَاةِ، مُعَلِّمٍ لِلْجُهَّالِ، مُنَبِّهٍ لِلْغَافِلِينَ، مُحَذِّرٍ مِنَ اَلضَّلاَلِ ، مُقِيمٍ لِلْحُدُودِ ، مُنَفِّذٍ لِلْأَحْكَامِ ،فَاصِلٍ بَيْنَ أَهْلِ اَلاِخْتِلاَفِ نَاصِبٍ لِلْأُمَرَاءِ، سَادٍّ لِلثُّغُورِ، حَافِظٍ لِلْأَمْوَالِ، حَامٍ عَنْ بَيْضَةِ اَلْإِسْلاَمِ، جَامِعٍ لِلنَّاسِ فِي اَلْجُمُعَاتِ وَاَلْأَعْيَادِ.
وَقِيَامِ اَلْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ اَلزَّلاَّتِ لِغِنَاهُ عَنِ اَلْإِمَامِ بِالاِتِّفَاقِ، وَاِقْتِضَاءِ ذَلِكَ لَهُ اَلْعِصْمَةَ بِلاَ اِرْتِيَابٍ وَوُجُوبِ اَلنَّصِّ عَلَى مَنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ مِنَ اَلْأَنَامِ، أَوْ ظُهُورِ اَلْمُعْجِزِ عَلَيْهِ لِتَمَيُّزِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ، وَعَدَمِ هَذِهِ اَلصِّفَاتِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ سِوَى مَنْ أَثْبَتَ إِمَامَتَهُ أَصْحَابُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَهُوَاِبْنُهُ اَلْمَهْدِيُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
وَهَذَا أَصْلٌ لَنْ يَحْتَاجَ مَعَهُ فِي اَلْإِمَامَةِ إِلَى رِوَايَةِ اَلنُّصُوصِ وَتَعْدَادِ
ص: 342
مَا جَاءَ فِيهَا مِنَ اَلْأَخْبَارِ لِقِيَامِهِ بِنَفْسِهِ فِي قَضِيَّةِ اَلْعُقُولِ وَصِحَّتِهِ بِثَابِتِ اَلاِسْتِدْلاَلِ.
ثُمَّ قَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ فِي اَلنَّصِّ عَلَى اِبْنِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) مِنْ طُرُقٍ يَنْقَطِعُ بِهَا اَلْأَعْذَارُ، وَأَنَا بِمَشِيَّةِ اَللَّهِ مُورِدٌ طَرَفاً مِنْهَا عَلَى اَلسَّبِيلِ اَلَّتِي سَلَفَتْ مِنَ اَلاِخْتِصَارِ.
ص: 343
ص: 344
باب
ما جاء من النص على إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة(علیهم السلام) في مجمل ومفصل على البيان
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، اَلْكُلَيْنِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ (1)عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ قَالَ: «إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ اِسْمُهُ أَرْسَلَ مُحَمَّداً(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)إِلَى اَلْجِنِّ وَاَلْإِنْسِ، وَجَعَلَ مِنْ بَعْدِهِ اِثْنَيْ عَشَرَ وَصِيّاً مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ وَمِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ وَكُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ بِهِ سُنَّةٌ، فَالْأَوْصِيَاءُ اَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى علیهِ السّلامُ وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)عَلَى سُنَّةِ اَلْمَسِيحِ علیهِ السّلامُ (2).
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَبَّاسِ ، عَنْ أَبِي
ص: 345
جَعْفَرٍ اَلثَّانِي عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهم السلام)قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لِأَصْحَابِهِ: آمِنُوا بِلَيْلَةِ اَلْقَدْرِ، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ فِيهَا أَمْرُ اَلسَّنَةِ وَإِنَّ لِذَلِكَ، وُلاَةً مِنْ بَعْدِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ (1).
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)لاِبْنِ عَبَّاسٍ : «إِنَّ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ،وَإِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ أَمْرُ اَلسَّنَةِ، وَلِذَلِكَ اَلْأَمْرِ وُلاَةٌ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ» فَقَالَ لَهُ: اِبْنُ عَبَّاسٍ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: « أَنَا وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي (2)أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ» (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (4)عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيِّ « قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ وَبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيهِ أَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ وَاَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اِثْنَيْ عَشَرَ اِسْماً آخِرُهُمْ اَلْقَائِمُ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ، ثَلاَثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ» (5) .
ص: 346
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلْأَشْعَرِيِّ، عَنِ (اَلْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ ) (1)عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُوسَى اَلْخَشَّابِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَمَاعَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «اَلاِثْنَا عَشَرَ اَلْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ، عَلِيُّ بُنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ، وَرَسُولُ اَللَّهِ وَعَلِيٌّ هُمَا اَلْوَالِدَانِ صلی الله علیما» (2).
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدَ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ» (3).
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «اَلْأَئِمَّةُ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، مِنْهُمُ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ، ثُمَّ اَلْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ» (4).
ص: 347
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بِلاَلٍ قَالَ: خَرَجَ إِلَيَّ أَمْرُ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيِّ علیهِ السّلامُ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِسَنَتَيْنِ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ قَبْلِ مُضِيِّهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهِ السّلامُ: جَلاَلَتُكَ تَمْنَعُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ، فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ؟ فَقَالَ: «سَلْ» قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، هَلْ لَكَ وَلَدٌ؟ قَالَ:«نَعَمْ » قُلْتُ: إِنْ حَدَثَ حَدَثٌ فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ؟ قَالَ: «بِالْمَدِينَةِ» (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكُوفِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْمَكْفُوفِ، عَنْ عَمْرٍواَلْأَهْوَازِيِّ قَالَ: أَرَانِي أَبُومُحَمَّدٍ اِبْنَهُ علیهما السّلام وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ بَعْدِي» (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمْدَانَ اَلْقَلاَنِسِيِّ، عَنِ اَلْعَمْرِيِّ (4)قَالَ: مَضَى أَبُومُحَمَّدٍ ع
ص: 348
وَخَلَّفَ وَلَداً لَهُ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ حِينَ قُتِلَ اَلزُّبَيْرِيُّ (2)لَعَنَهُ اَللَّهُ: «هَذَا جَزَاءُ مَنِ اِجْتَرَأَ عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى فِي أَوْلِيَائِهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي وَلَيْسَ لِي عَقِبٌ، فَكَيْفَ رَأَى قُدْرَةَ اَللَّهِ فِيهِ» قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْعَلَوِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) َلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ اَلْخَلَفِ؟!» قُلْتُ: وَلِمَ ؟جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ. فَقَالَ: «لِأَنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» فَقُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ قَالَ: «قُولُوا اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (4)علیهِ السّلامُ» .
ص: 349
وهذا طَرَف يسيرممّا جاءَ في النصوصِ على الثاني عشرمن الاُئمَّةِ علیهِم السلام : ، والرواياتُ في ذلك كثيرةٌ قد دَوَّنَها أصحابُ الحديثِ من هذهِ العصابةِ وأثبَتوها في كُتُبهم المصنَفةِ ، فممٌن أثْبَتَها على الشرحِ والتفصيلِ محمّد بن إِبراهيم المكَنَّى أبا عبد اللهِ النعماني في كتابِه الذي صَنَّفَه في الغيبةِ ، فلا حاجةَ بنا مع ما ذَكَرْناه إِلى إِثْباتها على التفصيلِ في هذا المكانِ (1).
ص: 350
باب
ذكر من رأى الإمام الثاني عشر علیهِ السّلامُ وطرف من دلائله وبيناته
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ - وَكَانَ أَسَنَّ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)بِالْعِرَاقِ - قَالَ: رَأَيْتُ اِبْنَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ بَيْنَ اَلْمَسْجِدَيْنِ وَهُوَغُلاَمٌ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اَللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - وَهِيَ عَمَّةُ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) - أَنَّهَا رَأَتِ اَلْقَائِمَ علیهِ السّلامُ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمْدَانَ اَلْقَلاَنِسِيِّ قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي عَمْرٍواَلْعَمْرِيِّ (3)قَدْ مَضَى أَبُومُحَمَّدٍ فَقَالَ لِي: قَدْ مَضَى ، وَلَكِنْ قَدْ خَلَّفَ فِيكُمْ مَنْ رَقَبَتُهُ مِثْلُ
ص: 351
هَذِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ (1) (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ فَتْحٍ - مَوْلَى اَلزُّرَارِيِّ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُطَهَّرٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَآهُ، وَوَصَفَ لَهُ قَدَّهُ (3) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ خَادِمَةٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ اَلنَّيْسَابُورِيِّ - وَكَانَتْ مِنَ اَلصَّالِحَاتِ - أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ وَاقِفَةً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اَلصَّفَا، فَجَاءَ صَاحِبُ اَلْأَمْرِ علیهِ السّلامُ حَتَّى وَقَفَ مَعَهُ وَقَبَضَ عَلَى كِتَابِ مَنَاسِكِهِ وَحَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ (4) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ صَالِحٍ : أَنَّهُ رَآهُ بِحِذَاءِ اَلْحَجَرِ
ص: 352
وَاَلنَّاسُ يَتَجَاذَبُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا بِهَذَا أُمِرُوا (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُهُ علیهِ السّلامُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ حِينَ أَيْفَعَ (2)وَقَبَّلْتُ يَدَهُ وَرَأْسَهُ (3) .
"أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ صَالِحٍ وَأَحْمَدَ بْنِ اَلنَّضْرِ عَنِ اَلْقَنْبَرِيِّ (4)قَالَ: جَرَى حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ فَذَمَّهُ فَقُلْتُ: فَلَيْسَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَهَلْ رَأَيْتَهُ قَالَ: لَمْ أَرَهُ وَلَكِنَّ غَيْرِي رَآهُ قُلْتُ: مَنْ غَيْرُكَ قَالَ: قَدْ رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ (5) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكُوفِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ اَلْمَكْفُوفِ عَنْ عَمْرٍواَلْأَهْوَازِيِّ قَالَ:
ص: 353
أَرَانِيهِ أَبُومُحَمَّدٍ وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ» (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلنَّيْسَابُورِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي نَصْرٍ طَرِيفٍ اَلْخَادِمِ أَنَّهُ رَآهُ علیهِ السّلامُ (2) . وأمثال هذه الأخبار في معنى ما ذكرناه كثيرة والذي اقتصرناه منها كاف فيما قصدناه، إذ العمدة في وجوده وإمامته علیهِ السّلامُ ما قدمناه، والذي يأتي من بعده زيادة في التأكيد لولم نورده لكان غير مخل بما شرحناه والمنة لله عز وجل.
ص: 354
باب
طرف من دلائل صاحب الزمان علیهِ السّلامُ وبيناته وآياته
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ (1)قَالَ: شَكَكْتُ عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَاِجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ فَحَمَلَهُ، وَرَكِبْتُ اَلسَّفِينَةَ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ، فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً فَقَالَ: يَا بُنَيَّ رُدَّنِي فَهُوَاَلْمَوْتُ، وَقَالَ لِي: اِتَّقِ اَللَّهَ فِي هَذَا اَلْمَالِ، وَأَوْصَى إِلَيَّ وَمَاتَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَمْ يَكُنْ أَبِي لِيُوصِيَ بِشَيْءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، أَحْمِلُ هَذَا اَلْمَالَ إِلَى اَلْعِرَاقِ، وَأَكْتَرِي دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ وَلاَ أُخْبِرُ أَحَداً بِشَيْءٍ، فَإِنْ وَضَحَ لِي كَوُضُوحِهِ فِي أَيَّامِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنْفَذْتُهُ، وَإِلاَّ أَنْفَقْتُهُ فِي مَلاَذِّي وَشَهَوَاتِي.
فَقَدِمْتُ اَلْعِرَاقَ وَاِكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ وَبَقِيتُ أَيَّاماً، فَإِذَا أَنَا بِرُقْعَةٍ مَعَ رَسُولٍ، فِيهَا: «يَا مُحَمَّدُ، مَعَكَ كَذَا وَكَذَا» حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ
ص: 355
مَا مَعِي، وَذَكَرَ فِي جُمْلَتِهِ شَيْئاً لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً فَسَلَّمْتُهُ إِلَى اَلرَّسُولِ، وَبَقِيتُ أَيَّاماً لاَ يُرْفَعُ بِي [لِي] رَأْسٌ، فَاغْتَمَمْتُ فَخَرَجَ إِلَيَّ : «قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ، فَاحْمَدِ اَللَّهَ» (1) .
وَرَوَى (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلسَّيَّارِيُّ) (2)قَالَ: أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِيِّ اَلْحَارِثِيِّ فِيهَا سِوَارُ ذَهَبٍ، فَقُبِلَتْ وَرَدَّ عَلَيَّ اَلسِّوَارَ، وَأُمِرْتُ بِكَسْرِهِ فَكَسَرْتُهُ، فَإِذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَصُفْرٍ، فَأَخْرَجْتُهُ وَأَنْفَذْتُ اَلذَّهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ (3) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَوْصَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلسَّوَادِ مَالاً، فَرُدَّ عَلَيْهِ وَ قِيلَ لَهُ: «أَخْرِجْ حَقَّ وُلْدِ عَمِّكَ مِنْهُ، وَهُوَأَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَكَانَ اَلرَّجُلُ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ لِوُلْدِ عَمِّه ِ ، فِيهَا شِرْكَةٌ قَدْ حَبَسَهَا عَنْهُمْ، فَنَظَرَ فَإِذَا اَلَّذِي لِوُلْدِ عَمِّهِ مِنْ ذَلِكَ اَلْمَالِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَأَخْرَجَهَا وَأَنْفَذَ اَلْبَاقِيَ فَقُبِلَ (4) .
اَلْقَاسِمُ بْنُ اَلْعَلاَءِ قَالَ: وُلِدَ لِي عِدَّةُ بَنِينَ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ وَأَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ لَهُمْ فَلاَ يُكْتَبُ إِلَيَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ، فَلَمَّا وُلِدَ لِيَ
ص: 356
اَلْحُسَيْنُ (1) - اِبْنِي - كَتَبْتُ أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ فَأُجِبْتُ فَبَقِيَ وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ (2) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: خَرَجْتُ سَنَةً مِنَ اَلسِّنِينَ إِلَى بَغْدَادَ ، وَاِسْتَأْذَنْتُ فِي اَلْخُرُوجِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَأَقَمْتُ اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْماً بَعْدَ خُرُوجِ اَلْقَافِلَةِ إِلَى اَلنَّهْرَوَانِ، ثُمَّ أُذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ يَوْمَ اَلْأَرْبِعَاءِ وَقِيلَ لِي: «اُخْرُجْ فِيهِ» فَخَرَجْتُ وَأَنَا آيِسٌ مِنَ اَلْقَافِلَةِ أَنْ أَلْحَقَهَا، فَوَافَيْتُ اَلنَّهْرَوَانَ وَاَلْقَافِلَةُ مُقِيمَةٌ، فَمَا كَانَ إِلاَّ أَنْ عَلَفْتُ جَمَلِي حَتَّى رَحَلَتِ اَلْقَافِلَةُ فَرَحَلْتُ ، وَقَدْ دُعِيَ لِي بِالسَّلاَمَةِ فَلَمْ أَلْقَ سُوءاً وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ (3) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ صَبَّاحٍ اَلْبَلْخِيِّ (4)عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ اَلشَّاشِيِّ قَالَ: خَرَجَ بِي نَاسُورٌ (5)فَأَرَيْتُهُ اَلْأَطِبَّاءَ، وَأَنْفَقْتُ عَلَيْهِ مَالاً عَظِيماً فَلَمْ يَصْنَعِ اَلدَّوَاءُ فِيهِ شَيْئاً فَكَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ، فَوَقَّعَ إِلَيَّ : «أَلْبَسَكَ اَللَّهُ اَلْعَافِيَةَ، وَجَعَلَكَ مَعَنَا فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ » فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمْعَةٌ حَتَّى عُوفِيتُ وَصَارَ اَلْمَوْضِعُ مِثْلَ رَاحَتِي، فَدَعَوْتُ طَبِيباً مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَرَيْتُهُ إِيَّاهُ
ص: 357
فَقَالَ: مَا «عَرَفْنَا لِهَذَا دَوَاءً، وَمَا جَاءَتْكَ اَلْعَافِيَةُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِ اَللَّهِ بِغَيْرِ اِحْتِسَابٍ (1) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اَلْيَمَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ بِبَغْدَادَ فَتَهَيَّأَتْ قَافِلَةٌ لِلْيَمَانِيِّينَ ، فَأَرَدْتُ اَلْخُرُوجَ مَعَهُمْ فَكَتَبْتُ أَلْتَمِسُ اَلْإِذْنَ فِي ذَلِكَ، فَخَرَجَ: «لاَ تَخْرُجْ مَعَهُمْ ، فَلَيْسَ لَكَ فِي اَلْخُرُوجِ مَعَهُمْ خِيَرَةٌ، وَأَقِمْ بِالْكُوفَةِ» قَالَ: فَأَقَمْتُ وَخَرَجَتِ اَلْقَافِلَةُ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ بَنُوحَنْظَلَةَ فَاجْتَاحَتْهُمْ.
قَالَ: وَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي رُكُوبِ اَلْمَاءِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، فَسَأَلْتُ عَنِ اَلْمَرَاكِبِ اَلَّتِي خَرَجَتْ تِلْكَ اَلسَّنَةَ فِي اَلْبَحْرِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا مَرْكَبٌ خَرَجَ عَلَيْهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ: اَلْبَوَارِجُ فَقَطَعُوا عَلَيْهَا (2) .
عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: وَرَدْتُ اَلْعَسْكَرَ فَأَتَيْتُ اَلدَّرْبَ مَعَ اَلْمَغِيبِ (3)وَلَمْ أُكَلِّمْ أَحَداً وَلَمْ أَتَعَرَّفْ إِلَى أَحَدٍ، فَأَنَا أُصَلِّي فِي اَلْمَسْجِدِ بَعْدَ فَرَاغِي مِنَ اَلزِّيَارَةِ (4)فَإِذَا بِخَادِمٍ قَدْ جَاءَنِي فَقَالَ لِي: قُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: إِلَى اَلْمَنْزِلِ؛ قُلْتُ: وَمَنْ أَنَا! لَعَلَّكَ أُرْسِلْتَ إِلَى غَيْرِي، فَقَالَ: لاَ ، مَا أُرْسِلْتُ إِلاَّ إِلَيْكَ (أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، وَكَانَ مَعَهُ غُلاَمٌ فَسَارَّهُ )(5)فَلَمْ
ص: 358
أَدْرِ مَا قَالَ: حَتَّى أَتَانِي بِجَمِيعِ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَجَلَسْتُ عِنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَاِسْتَأْذَنْتُهُ فِي اَلزِّيَارَةِ مِنْ دَاخِلِ اَلدَّارِ، فَأَذِنَ لِي فَزُرْتُ لَيْلاً (1) .
(اَلْحُسَيْنُ بْنُ اَلْفَضْلِ اَلْهَمَانِيُّ) (2)قَالَ: كَتَبَ أَبِي بِخَطِّهِ كِتَاباً فَوَرَدَ جَوَابُهُ، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّي فَوَرَدَ جَوَابُهُ ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّ رَجُلٍ جَلِيلٍ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَرِدْ جَوَابُهُ فَنَظَرْنَا فَإِذَا ذَلِكَ اَلرَّجُلَ قَدْ تَحَوَّلَ قَرْمَطِيّاً (3) .
ص: 359
وَذَكَرَ (اَلْحُسَيْنُ بْنُ اَلْفَضْلِ) (1)قَالَ: وَرَدْتُ اَلْعِرَاقَ وَعَمِلْتُ عَلَى أَلاَّ أَخْرُجَ إِلاَّ عَنْ بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِي وَنَجَاحٍ مِنْ حَوَائِجِي، وَلَوِ اِحْتَجْتُ أَنْ أُقِيمَ بِهَا حَتَّى أَتَصَدَّقَ (2)قَالَ: وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَضِيقُ صَدْرِي بِالْمُقَامِ، وَأَخَافُ أَنْ يَفُوتَنِي اَلْحَجُّ. قَالَ: فَجِئْتُ يَوْماً إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ - وَكَانَ اَلسَّفِيرَ يَوْمَئِذٍ - أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لِي: صِرْ إِلَى مَسْجِدِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ يَلْقَاكَ رَجُلٌ، قَالَ: فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ ضَحِكَ وَقَالَ لِي: لاَ تَغْتَمَّ، فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ وَتَنْصَرِفُ إِلَى أَهْلِكَ وَوُلْدِكَ سَالِماً قَالَ: فَاطْمَأْنَنْتُ وَسَكَنَ قَلْبِي وَقُلْتُ: هَذَا مِصْدَاقُ ذَلِكَ.
قَالَ: ثُمَّ وَرَدْتُ اَلْعَسْكَرَ (3)فَخَرَجَتْ إِلَيَّ صُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ وَثَوْبٌ، فَاغْتَمَمْتُ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: جَدِّي (4)عِنْدَ اَلْقَوْمِ هَذَا وَاِسْتَعْمَلْتُ اَلْجَهْلَ فَرَدَدْتُهَا ثُمَّ نَدِمْتُ بَعْدَ ذَلِكَ نَدَامَةً شَدِيدَةً وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَفَرْتُ بِرَدِّي عَلَى مَوْلاَيَ ، وَكَتَبْتُ رُقْعَةً أَعْتَذِرُ مِنْ فِعْلِي وَأَبُوءُ بِالْإِثْمِ وَأَسْتَغْفِرُ مِنْ زَلَلِي وَأَنْفَذْتُهَا وَقُمْتُ أَتَطَهَّرُ لِلصَّلاَةِ وَأَنَا إِذْ ذَاكَ أُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: إِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ اَلدَّنَانِيرُ لَمْ أَحْلُلْ شَدَّهَا،، وَلَمْ أُحْدِثْ فِيهَا شَيْئاً حَتَّى أَحْمِلَهَا إِلَى أَبِي فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي. فَخَرَجَ إِلَيَّ اَلرَّسُولُ اَلَّذِي حَمَلَ اَلصُّرَّةَ وَقَالَ: قِيلَ لِي: «أَسَأْتَ إِذْ لَمْ تُعْلِمِ اَلرَّجُلَ، إِنَّا رُبَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَوَالِينَا اِبْتِدَاءً، وَرُبَّمَا سَأَلُونَا ذَلِكَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَخَرَجَ إِلَيَّ «أَخْطَأْتَ فِي رَدِّكَ بِرَّنَا،
ص: 360
فَإِذَا اِسْتَغْفَرْتَ اَللَّهَ فَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ، وَإِذَا كَانَتْ عَزِيمَتُكَ وَعَقْدُ نِيَّتِكَ فِيمَا حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ أَلاَّ تُحْدِثَ فِيهِ حَدَثاً إِذَا رَدَدْنَاهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَنْتَفِعَ بِهِ فِي طَرِيقِكَ فَقَدْ صَرَفْنَاهُ عَنْكَ فَأَمَّا اَلثَّوْبُ فَخُذْهُ لِتُحْرِمَ فِيهِ»
قَالَ: وَكَتَبْتُ فِي مَعْنَيَيْنِ وَأَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي اَلثَّالِثِ فَامْتَنَعْتُ مِنْهُ ،مَخَافَةَ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ فَوَرَدَ جَوَابُ اَلْمَعْنَيَيْنِ وَاَلثَّالِثِ اَلَّذِي طَوَيْتُ مُفَسَّراً، وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ.
قَالَ: وَكُنْتُ وَاقَفْتُ جَعْفَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ اَلنَّيْسَابُورِيَّ - بِنَيْسَابُورَ - عَلَى أَنْ أَرْكَبَ مَعَهُ إِلَى اَلْحَجِّ وَأُزَامِلَهُ، فَلَمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ بَدَا لِي (1)وَذَهَبْتُ أَطْلُبُ عَدِيلاً ، فَلَقِيَنِي اِبْنُ اَلْوَجْنَاءِ (2)وَكُنْتُ قَدْ صِرْتُ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِي فَوَجَدْتُهُ كَارِهاً، فَلَمَّا لَقِيَنِي قَالَ لِي: أَنَا فِي طَلَبِكَ ، وَقِيلَ لِي: «إِنَّهُ يَصْحَبُكَ فَأَحْسِنْ عِشْرَتَهُ وَاُطْلُبْ لَهُ عَدِيلاً وَاِكْتَرِ لَهُ» (3) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ قَالَ: شَكَكْتُ فِي أَمْرِ حَاجِزٍ (4)فَجَمَعْتُ شَيْئاً ثُمَّ صِرْتُ إِلَى اَلْعَسْكَرِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ: «لَيْسَ فِينَا
ص: 361
شَكٌّ وَلاَ فِيمَنْ يَقُومُ مَقَامَنَا بِأَمْرِنَا، فَرُدَّ مَا مَعَكَ إِلَى حَاجِزِ بْنِ يَزِيدَ» (1) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبِي وَصَارَ اَلْأَمْرُ إِلَيَّ (2)كَانَ لِأَبِي عَلَى اَلنَّاسِ سَفَاتِجُ (3)مِنْ مَالِ اَلْغَرِيمِ، يَعْنِي صَاحِبَ اَلْأَمْرِ علیهِ السّلامُ .
- قَالَ: اَلشَّيْخُ اَلْمُفِيدُ: وَهَذَا رَمْزٌ كَانَتِ اَلشِّيعَةُ تَعْرِفُهُ قَدِيماً بَيْنَهَا، وَيَكُونُ خِطَابُهَا عَلَيْهِ لِلتَّقِيَّةِ -.
قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: «طَالِبْهُمْ وَاِسْتَقْصِ عَلَيْهِمْ» فَقَضَانِي اَلنَّاسُ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً وَكَانَ عَلَيْهِ سُفْتَجَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ أَطْلُبُهُ فَمَطَلَنِي وَاِسْتَخَفَّ بِيَ اِبْنُهُ وَسَفِهَ عَلَيَّ، فَشَكَوْتُهُ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ: وَكَانَ مَا ذَا؟! فَقَبَضْتُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَأَخَذْتُ بِرِجْلِهِ فَسَحِبْتُهُ إِلَى وَسَطِ اَلدَّارِ، فَخَرَجَ اِبْنُهُ مُسْتَغِيثاً بِأَهْلِ بَغْدَادَ وَهُوَ يَقُولُ: قُمِّيٌّ رَافِضِيٌّ قَدْ قَتَلَ وَالِدِي. فَاجْتَمَعَ عَلَيَّ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَرَكِبْتُ دَابَّتِي وَقُلْتُ: - أَحْسَنْتُمْ يَا أَهْلَ بَغْدَادَ - تَمِيلُونَ مَعَ اَلظَّالِمِ عَلَى اَلْغَرِيبِ اَلْمَظْلُومِ، أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمَذَانَ مِنْ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ، وَهَذَا يَنْسُبُنِي إِلَى قُمَّ وَيَرْمِينِي بِالرَّفْضِ لِيَذْهَبَ بِحَقِّي وَمَالِي، قَالَ: فَمَالُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى حَانُوتِهِ حَتَّى سَكَّنْتُهُمْ، وَطَلَبَ إِلَيَّ صَاحِبُ اَلسُّفْتَجَةِ أَنْ آخُذَ مَالَهَا وَحَلَفَ
ص: 362
بِالطَّلاَقِ أَنْ يُوَفِّيَنِي مَالِي فِي اَلْحَالِ فَاسْتَوْفَيْتُهُ مِنْهُ (1) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ وَاَلْعَلاَءِ بْنِ رِزْقِ اَللَّهِ، عَنْ بَدْرٍ غُلاَمِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) ، نْهُ (2)قَالَ: وَرَدْتُ اَلْجَبَلَ وَأَنَا لاَأَقُولُ بِالْإِمَامَةِ، أُحِبُّهُمْ جُمْلَةً، إِلَى أَنْ مَاتَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ فَأَوْصَى فِي عِلَّتِهِ أَنْ يُدْفَعَ (اَلشِّهْرِيُّ اَلسَّمَنْدُ) (3)وَسَيْفُهُ وَمِنْطَقَتُهُ إِلَى مَوْلاَهُ، فَخِفْتُ إِنْ لَمْ أَدْفَعِ اَلشِّهْرِيَّ إِلَى أذكوتكين (4)نَالَنِي مِنْهُ اِسْتِخْفَافٌ، فَقَوَّمْتُ اَلدَّابَّةَ وَاَلسَّيْفَ وَاَلْمِنْطَقَةَ سَبْعَمِائَةِ دِينَارٍ فِي نَفْسِي، وَلَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً ، وَدَفَعْتُ اَلشِّهْرِيَّ إِلَى أذكوتكين ،وَإِذَا اَلْكِتَابُ قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ اَلْعِرَاقِ أَنْ وَجِّهِ اَلسَّبْعَمِائَةِ دِينَارٍ اَلَّتِي لَنَا قِبَلَكَ مِنْ ثَمَنِ اَلشِّهْرِيِّ وَاَلسَّيْفِ وَاَلْمِنْطَقَةِ (5) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: وُلِدَ لِي وَلَدٌ فَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي تَطْهِيرِهِ يَوْمَ اَلسَّابِعِ، فَوَرَدَ: «لاَ تَفْعَلْ» فَمَاتَ يَوْمَ اَلسَّابِعِ أَوِ اَلثَّامِنِ، ثُمَّ كَتَبْتُ بِمَوْتِهِ فَوَرَدَ: سَتُخْلَفُ غَيْرَهُ وَغَيْرَهُ، فَسَمِّ اَلْأَوَّلَ أَحْمَدَ، وَمِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ جَعْفَراً فَجَاءَ كَمَا قَالَ .
ص: 363
قَالَ: وَتَهَيَّأْتُ لِلْحَجِّ وَوَدَّعْتُ اَلنَّاسَ وَكُنْتُ عَلَى اَلْخُرُوجِ، فَوَرَدَ: «نَحْنُ لِذَلِكَ كَارِهُونَ، وَاَلْأَمْرُ إِلَيْكَ فَضَاقَ صَدْرِي وَاِغْتَمَمْتُ وَكَتَبْتُ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى اَلسَّمْعِ وَاَلطَّاعَةِ، غَيْرَ أَنِّي مُغْتَمٌّ بِتَخَلُّفِي عَنِ اَلْحَجِّ، فَوَقَّعَ: «لاَ يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ، فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ قَابِلاً إِنْ شَاءَ اَللَّهُ» قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ، فَوَرَدَ اَلْإِذْنُ وَكَتَبْتُ: أَنِّي قَدْ عَادَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اَلْعَبَّاسِ وَأَنَا وَاثِقٌ بِدِيَانَتِهِ وَصِيَانَتِهِ، فَوَرَدَ: «اَلْأَسَدِيُّ نِعْمَ اَلْعَدِيلُ ، فَإِنْ قَدِمَ فَلاَ تَخْتَرْ عَلَيْهِ فَقَدِمَ اَلْأَسَدِيُّ وَعَادَلْتُهُ (1) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عِيسَى اَلْعُرَيْضِيِّ قَالَ: لَمَّا مَضَى أَبُومُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام وَرَدَ رَجُلٌ مِنْ مِصْرَ بِمَالٍ إِلَى مَكَّةَ لِصَاحِبِ اَلْأَمْرِ، فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ اَلنَّاسِ: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ مَضَى عَنْ غَيْرِ خَلَفٍ وَقَالَ: آخَرُونَ: اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِ جَعْفَرٌ. وَقَالَ: آخَرُونَ اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ. فَبَعَثَ رَجُلاً يُكَنَّى أَبَا طَالِبٍ إِلَى اَلْعَسْكَرِ يَبْحَثُ عَنِ اَلْأَمْرِ وَصِحَّتِهِ وَمَعَهُ كِتَابٌ فَصَارَ اَلرَّجُلُ إِلَى جَعْفَرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ بُرْهَانٍ فَقَالَ لَهُ: جَعْفَرٌ:لاَ يَتَهَيَّأُ لِي فِي هَذَا اَلْوَقْتِ. فَصَارَ اَلرَّجُلُ إِلَى اَلْبَابِ وَأَنْفَذَ اَلْكِتَابَ إِلَى أَصْحَابِنَا اَلْمَرْسُومِينَ بِالسِّفَارَةِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ «آجَرَكَ اَللَّهُ فِي صَاحِبِكَ فَقَدْ مَاتَ، وَأَوْصَى بِالْمَالِ اَلَّذِي كَانَ مَعَهُ إِلَى ثِقَةٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمَا
ص: 364
يَجِبُ وَأُجِيبَ عَنْ كِتَابِهِ» وَكَانَ اَلْأَمْرُ كَمَا قِيلَ لَهُ (1) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَمَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ آبَةَ (2)شَيْئاً يُوصِلُهُ وَنَسِيَ سَيْفاً كَانَ أَرَادَ حَمْلَهُ فَلَمَّا وَصَلَ اَلشَّيْءُ كُتِبَ إِلَيْهِ بِوُصُولِهِ وَقِيلَ: فِي اَلْكِتَابِ: «مَا خَبَرُ اَلسَّيْفِ اَلَّذِي أُنْسِيتَهُ؟» (3) .
وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ (4)اَلنَّيْسَابُورِيِّ قَالَ: اِجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَنْقُصُ عِشْرُونَ دِرْهَماً، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أُنْفِذَهَا نَاقِصَةً، فَوَزَنْتُ مِنْ عِنْدِي عِشْرِينَ دِرْهَماً وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى اَلْأَسَدِيِّ وَلَمْ أَكْتُبْ مَا لِي فِيهَا فَوَرَدَ اَلْجَوَابُ: « وَصَلَتْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، لَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً» (5) .
اَلْحَسَنُ (6)بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْأَشْعَرِيُّ قَالَ: كَانَ يَرِدُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ فِي اَلْإِجْرَاءِ عَلَى اَلْجُنَيْدِ - قَاتِلِ فَارِسِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَاهَوَيْهِ (7) -
ص: 365
وَأَبِي اَلْحَسَنِ، وَأَخِي، فَلَمَّا مَضَى أَبُومُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ وَرَدَ اِسْتِئْنَافٌ مِنَ اَلصَّاحِبِ علیهِ السّلامُ بِالْإِجْرَاءِ لِأَبِي اَلْحَسَنِ وَصَاحِبِهِ ، وَلَمْ يَرِدْ فِي أَمْرِ اَلْجُنَيْدِ شَيْءٌ. قَالَ: فَاغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ، فَوَرَدَ نَعْيُ اَلْجُنَيْدِ بَعْدَ ذَلِكَ (1) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْنِ نَصْرٍ قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ (2)يَسْأَلُ كَفَنا،ً فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ (3)فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ (4) .
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ اَلْهَمْدَانِيِّ قَالَ: كَانَ
ص: 366
لِلنَّاحِيَةِ (1) عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لِي حَوَانِيتُ اِشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَثَلاَثِينَ دِينَاراً قَدْ جَعَلْتُهَا لِلنَّاحِيَةِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَمْ أَنْطِقْ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ «اِقْبِضِ اَلْحَوَانِيتَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بِالْخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ اَلَّتِي لَنَا عَلَيْهِ» (2) .
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: خَرَجَ نَهْيٌ عَنْ زِيَارَةِ مَقَابِرِ قُرَيْشٍ (3)وَاَلْحَائِرِ عَلَى سَاكِنِيهِمَا اَلسَّلاَمُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ دَعَا اَلْوَزِيرُ اَلْبَاقَطَائِيَّ (4)فَقَالَ لَهُ: اِلْقَ بَنِي فُرَاتٍ وَاَلْبُرْسِيِّينَ وَقُلْ لَهُمْ: لاَ تَزُورُوا مَقَابِرَ قُرَيْشٍ، فَقَدْ أَمَرَ اَلْخَلِيفَةُ أَنْ يُفْتَقَدَ [يُتَفَقَّدَ] كُلُّ مَنْ زَارَهُ فَيُقْبَضَ عَلَيْهِ. (5)
والأحاديثُ فى هذا المعنى كثيرةْ ، وهي موجودةٌ في الكتب المصنَّفةِ المذكورةِ فيها أخبارُّ القائمِ علیهِ السّلامُ وإن ذَهَبْتُ إِلى إِيرادِ جَميعِها طالَ بذلك هذا الكتابُ ، وفيما أثْبَتُه منها مُقْنِعٌ والمنّةُ الله.
ص: 367
باب
ذكر علامات قيام القائم علیهِ السّلامُ ومدة أيام ظهوره وشرح سيرته وطريقة أحكامه وطرف مما يظهر في دولته وأيامه ص
قَدْ جَاءَتِ اَلْأَخْبَارُ (1)بِذِكْرِ عَلاَمَاتٍ لِزَمَانِ قِيَامِ اَلْقَائِمِ اَلْمَهْدِيِّ علیهِ السّلامُ وَحَوَادِثَ تَكُونُ أَمَامَ قِيَامِهِ، وَآيَاتٍ وَدَلاَلاَتٍ: فَمِنْهَا: خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ، وَقَتْلُ اَلْحَسَنِيِّ، وَاِخْتِلاَفُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ فِي اَلْمُلْكِ اَلدُّنْيَاوِيِّ ، وَكُسُوفُ اَلشَّمْسِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَخُسُوفُ اَلْقَمَرِ فِي آخِرِهِ عَلَى خِلاَفِ اَلْعَادَاتِ، وَخَسْفٌ بِالْبَيْدَاءِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَرُكُودُ اَلشَّمْسِ مِنْ عِنْدِ اَلزَّوَالِ إِلَى وَسَطِ أَوْقَاتِ اَلْعَصْرِ، وَطُلُوعُهَا مِنَ اَلْمَغْرِبِ، وَقَتْلُ نَفْسٍ زَكِيَّةٍ بِظَهْرِ اَلْكُوفَةِ فِي سَبْعِينَ مِنَ اَلصَّالِحِينَ، وَذَبْحُ رَجُلٍ هَاشِمِيٍّ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلْمَقَامِ، وَهَدْمُ سُورِ (2)اَلْكُوفَةِ، وَإِقْبَالُ رَايَاتٍ سُودٍ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ، وَخُرُوجُ اَلْيَمَانِيِّ، وَظُهُورُ اَلْمَغْرِبِيِّ بِمِصْرَ وَتَمَلُّكُهُ لِلشَّامَاتِ، وَنُزُولُ اَلتُّرْكِ اَلْجَزِيرَةَ وَنُزُولُ اَلرُّومِ اَلرَّمْلَةَ، وَطُلُوعُ نَجْمٍ بِالْمَشْرِقِ يُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ اَلْقَمَرُ ثُمَّ يَنْعَطِفُ حَتَّى يَكَادَ يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، وَحُمْرَةٌ تَظْهَرُ فِي اَلسَّمَاءِ وَتَنْتَشِرُ (3)فِي آفَاقِهَا، وَنَارٌ
ص: 368
تَظْهَرُ بِالْمَشْرِقِ طُولاً وَتَبْقَى فِي اَلْجَوِّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَخَلْعُ اَلْعَرَبِ أَعِنَّتَهَا وَتَمَلُّكُهَا اَلْبِلاَدَ وَخُرُوجُهَا عَنْ سُلْطَانِ اَلْعَجَمِ، وَقَتْلُ أَهْلِ مِصْرَ أَمِيرَهُمْ، وَخَرَابُ اَلشَّامِ ، وَاِخْتِلاَفُ ثَلاَثَةِ رَايَاتٍ فِيهِ، وَدُخُولُ رَايَاتِ قَيْسٍ وَاَلْعَرَبِ إِلَى مِصْرَ وَرَايَاتِ كِنْدَةَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَوُرُودُ خَيْلٍ مِنْ قِبَلِ اَلْمَغْرِبِ حَتَّى تُرْبَطَ بِفِنَاءِ اَلْحِيرَةِ، وَإِقْبَالُ رَايَاتٍ سُودٍ مِنَ اَلْمَشْرِقِ نَحْوَهَا، وَبَثْقٌ (1)فِي اَلْفُرَاتِ حَتَّى يَدْخُلَ اَلْمَاءُ أَزِقَّةَ اَلْكُوفَةِ، وَخُرُوجُ سِتِّينَ كَذَّاباً كُلُّهُمْ يَدَّعِي اَلنُّبُوَّةَ ، وَخُرُوجُ اِثْنَيْ عَشَرَ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّهُمْ يَدَّعِي اَلْإِمَامَةَ لِنَفْسِهِ، وَإِحْرَاقُ (2)رَجُلٍ عَظِيمِ اَلْقَدْرِ مِنْ شِيعَةِ بَنِي اَلْعَبَّاسِ بَيْنَ جَلُولاَءَ وَخَانِقِينَ، وَعَقْدُ اَلْجِسْرِ مِمَّا يَلِي اَلْكَرْخَ بِمَدِينَةِ اَلسَّلاَمِ (3)وَاِرْتِفَاعُ رِيحٍ سَوْدَاءَ بِهَا فِي أَوَّلِ اَلنَّهَارِ؛ وَزَلْزَلَةٌ حَتَّى يَنْخَسِفَ كَثِيرٌ مِنْهَا، وَخَوْفٌ يَشْمَلُ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ (4)، وَمَوْتٌ ذَرِيعلیهِ السّلامُ ٌ فِيهِ، وَنَقْصٌ مِنَ اَلْأَنْفُسِ وَاَلْأَمْوَالِ وَاَلثَّمَرَاتِ، وَجَرَادٌ يَظْهَرُ فِي أَوَانِهِ وَفِي غَيْرِ أَوَانِهِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى اَلزَّرْعِ وَاَلْغَلاَّتِ، وَقِلَّةُ رَيْعٍ لِمَا يَزْرَعُهُ اَلنَّاسُ، وَاِخْتِلاَفُ صِنْفَيْنِ مِنَ اَلْعَجَمِ، وَسَفْكُ دِمَاءٍ كَثِيرَةٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَخُرُوجُ اَلْعَبِيدِ عَنْ طَاعَةِ سَادَاتِهِمْ وَقَتْلُهُمْ مَوَالِيَهُمْ، (وَمَسْخٌ لِقَوْمٍ) (5)مِنْ أَهْلِ اَلْبِدَعِ حَتَّى يَصِيرُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَغَلَبَةُ اَلْعَبِيدِ عَلَى بِلاَدِ اَلسَّادَاتِ، وَنِدَاءٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ حَتَّى يَسْمَعَهُ أَهْلُ اَلْأَرْضِ كُلُّ أَهْلِ لُغَةٍ بِلُغَتِهِمْ، وَوَجْهٌ وَصَدْرٌ يَظْهَرَانِ مِنَ اَلسَّمَاءِ لِلنَّاسِ فِي عَيْنِ اَلشَّمْسِ، وَأَمْوَاتٌ
ص: 369
يُنْشَرُونَ مِنَ اَلْقُبُورِ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى اَلدُّنْيَا فَيَتَعَارَفُونَ فِيهَا وَيَتَزَاوَرُونَ.
ثُمَّ يُخْتَمُ ذَلِكَ بِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مَطْرَةً تَتَّصِلُ فَتُحْيَا بِهَا اَلْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهٰا وَتُعْرَفُ بَرَكَاتُهَا وَتَزُولُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ عَاهَةٍ عَنْ مُعْتَقِدِي اَلْحَقِّ مِنْ شِيعَةِ اَلْمَهْدِيِّ علیهِ السّلامُ ، فَيَعْرِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ ظُهُورَهُ بِمَكَّةَ فَيَتَوَجَّهُونَ نَحْوَهُ لِنُصْرَتِهِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ، اَلْأَخْبَارُ .
وَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ اَلْأَحْدَاثِ مَحْتُومَةٌ وَمِنْهَا مُشْتَرَطَةٌ (1)وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا عَلَى حَسَبِ مَا ثَبَتَ فِي اَلْأُصُولِ وَتَضَمَّنَهَا اَلْأَثَرُ اَلْمَنْقُولُ، وَبِاللَّهِ نَسْتَعِينُ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ اَلتَّوْفِيقَ.
أَخْبَرَنِي أَبُواَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) َلِيُّ بْنُ بِلاَلٍ اَلْمُهَلَّبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْمُؤَدِّبُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ اَلصَّبَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ أَصْحَابِنَا يَذْكُرُ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورِ فَقَالَ لِي: َ اِبْتِدَاءً يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ، لاَ بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ تَرْوِي هَذَا؟ قَالَ: إِي وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِسَمَاعِ أُذُنِي لَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُهُ قَبْلَ وَقْتِي هَذَا ! فَقَالَ: يَا سَيْفُ، إِنَّهُ لَحَقٌّ ، وَإِذَا كَانَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُهُ، أَمَا إِنَّ اَلنِّدَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمِّنَا، فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا سَيْفُ، لَوْ لاَ أَنَّنِي سَمِعْتُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يُحَدِّثُنِي بِهِ وَحَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ مَا قَبِلْتُهُ
ص: 370
مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (1) (2) .
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ اَلسَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)لاَ تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ اَلْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي، وَلاَ يَخْرُجُ اَلْمَهْدِيُّ حَتَّى يَخْرُجَ سِتُّونَ كَذَّاباً كُلُّهُمْ يَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ (3).
اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ عَمَّنْ رَوَاهُ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلْمَحْتُومِ؟ قَالَ:«نَعَمْ ، وَاَلنِّدَاءُ مِنَ اَلْمَحْتُومِ ، وَطُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مَحْتُومٌ، وَاِخْتِلاَفُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ فِي اَلدَّوْلَةِ مَحْتُومٌ ،وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مَحْتُومٌ ، وَخُرُوجُ اَلْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ مَحْتُومٌ» قُلْتُ لَهُ: وَكَيْفَ يَكُونُ اَلنِّدَاءُ؟ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ أَوَّلَ اَلنَّهَارِ: أَلاَ إِنَّ اَلْحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ، ثُمَّ يُنَادِي إِبْلِيسُ فِي آخِرِ اَلنَّهَارِ مِنَ اَلْأَرْضِ: أَلاَ إِنَّ اَلْحَقَّ مَعَ عُثْمَانَ (4)وَشِيعَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ
ص: 371
اَلْمُبْطِلُونَ (1) .
اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَشَّاءُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «لاَ يَخْرُجُ اَلْقَائِمُ حَتَّى يَخْرُجَ قَبْلَهُ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كُلُّهُمْ يَدْعُوإِلَى نَفْسِهِ» (2) .
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي اَلْبِلاَدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ اَلْأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ: أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ): «بَيْنَ يَدَيِ اَلْقَائِمِ مَوْتٌ أَحْمَرُ وَمَوْتٌ أَبْيَضُ، وَجَرَادٌ فِي حِينِهِ وَجَرَادٌ فِي غَيْرِ حِينِهِ كَأَلْوَانِ اَلدَّمِ، فَأَمَّا اَلْمَوْتُ اَلْأَحْمَرُ فَالسَّيْفُ وَأَمَّا اَلْمَوْتُ اَلْأَبْيَضُ فَالطَّاعُونُ (3) .
اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِوبْنِ أَبِي اَلْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ قَالَ: «اِلْزَمِ اَلْأَرْضَ وَلاَ تُحَرِّكْ يَداً وَلاَ رِجْلاً حَتَّى تَرَى عَلاَمَاتٍ أَذْكُرُهَا لَكَ ، وَمَا أَرَاكَ تُدْرِكُ ذَلِكَ: اِخْتِلاَفُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ، وَمُنَادٍ يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ، وَخَسْفُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى اَلشَّامِ تُسَمَّى اَلْجَابِيَةَ (4)وَنُزُولُ اَلتُّرْكِ اَلْجَزِيرَةَ، وَنُزُولُ اَلرُّومِ اَلرَّمْلَةَ. وَاِخْتِلاَفٌ كَثِيرٌ عِنْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ أَرْضٍ، حَتَّى تَخْرُبَ اَلشَّامُ وَيَكُونَ سَبَبُ خَرَابِهَا
ص: 372
اِجْتِمَاعَ ثَلاَثِ رَايَاتٍ فِيهَا: رَايَةِ اَلْأَصْهَبِ وَرَايَةِ اَلْأَبْقَعِ، وَرَايَةِ اَلسُّفْيَانِيِّ»(1).
عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى علیهِ السّلامُ فِي قَوْلِهِ جَلَّ قَائِلاً : (سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي اَلْآفٰاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اَلْحَقُّ) (2) قَالَ: اَلْفِتَنُ فِي اَلْآفَاقِ، وَاَلْمَسْخُ فِي أَعْدَاءِ اَلْحَقِّ» (3).
وُهَيْبُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ) (4) قَالَ: «سَيَفْعَلُ اَللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ» قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «بَنُوأُمَيَّةَ وَشِيعَتُهُمْ» قُلْتُ: وَمَا اَلْآيَةُ؟ قَالَ: «رُكُودُ اَلشَّمْسِ مَا بَيْنَ زَوَالِ اَلشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ اَلْعَصْرِ، وَخُرُوجُ صَدْرٍ (5)وَوَجْهٍ فِي عَيْنِ اَلشَّمْسِ يُعْرَفُ بِحَسَبِهِ وَنَسَبِهِ وَذَلِكَ فِي زَمَانِ اَلسُّفْيَانِيِّ، وَعِنْدَهَا يَكُونُ بَوَارُهُ وَبَوَارُ قَوْمِهِ» (6) .
عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اَلْمَلِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ اَلسَّنَةَ اَلَّتِي يَقُومُ فِيهَا اَلْمَهْدِيُّ علیهِ السّلامُ تُمْطَرُ اَلْأَرْضُ أَرْبَعاً وَعِشْرِينَ مَطْرَةً ، تُرَى آثَارُهَا وَبَرَكَاتُهَا (7) .
ص: 373
اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ اَلْأَزْدِيِّ (1)قَالَ: قَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: « آيَتَانِ تَكُونَانِ قَبْلَ اَلْقَائِمِ ك:ُسُوفُ اَلشَّمْسِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَاَلْقَمَرِ فِي آخِرِهِ» قَالَ: قُلْتُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ ، تَنْكَسِفُ (2)اَلشَّمْسُ فِي آخِرِ اَلشَّهْرِ، وَاَلْقَمَرُ فِي اَلنِّصْفِ. فَقَالَ أَبُوجَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: «أَنَا أَعْلَمُ بِمَا قُلْتُ ، إِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ علیهِ السّلامُ » (3) .
ثَعْلَبَةُ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ شُعَيْبٍ اَلْحَدَّادِ (4) ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مِيثَمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «لَيْسَ بَيْنَ قِيَامِ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ وَقَتْلِ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً» (5).
عَمْرُوبْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ: مَتَى يَكُونُ هَذَا اَلْأَمْرُ؟ فَقَالَ: «أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ - يَا جَابِرُ - وَلَمَّا يَكْثُرُ اَلْقَتْلُ
ص: 374
بَيْنَ اَلْحِيرَةِ وَاَلْكُوفَةِ (1) .
مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلْمُخْتَارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «إِذَا هُدِمَ حَائِطُ مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ مِمَّا يَلِي دَارَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ زَوَالُ مُلْكِ اَلْقَوْمِ؛ وَعِنْدَ زَوَالِهِ خُرُوجُ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ» (2).
سَيْفُ بْنُ عَمِيرَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «خُرُوجُ اَلثَّلاَثَةِ: اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلْخُرَاسَانِيِّ وَاَلْيَمَانِيِّ، فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ فِيهَا رَايَةٌ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ اَلْيَمَانِيِّ، لِأَنَّهُ يَدْعُوإِلَى اَلْحَقِّ (3).
اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا علیهِ السّلامُ قَالَ: «لاَ يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ حَتَّى تُمَيَّزُوا وَتُمَحَّصُوا فَلاَ يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاَّ اَلْقَلِيلُ (4)ثُمَّ قَرَأَ (الم * أَ حَسِبَ اَلنّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُ: وا آمَنّٰا وَهُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ) (5) ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْ عَلاَمَاتِ اَلْفَرَجِ حَدَثاً يَكُونُ بَيْنَ اَلْمَسْجِدَيْنِ (6)، وَيَقْتُلُ فُلاَنٌ مِنْ وُلْدِ فُلاَنٍ خَمْسَةَ
ص: 375
عَشَرَ كَبْشاً مِنَ اَلْعَرَبِ (1) .
اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلاَّدٍ (2)عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) قَالَ: «كَأَنِّي بِرَايَاتٍ مِنْ مِصْرَ مُقْبِلاَتٍ خُضْرٍ مُصَبَّغَاتٍ، حَتَّى تَأْتِيَ اَلشَّامَاتِ فَتُهْدَى إِلَى اِبْنِ صَاحِبِ اَلْوَصِيَّاتِ» .
حَمَّادُ بْنُ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ اَلْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «لاَ يَذْهَبُ مُلْكُ هَؤُلاَءِ حَتَّى يَسْتَعْرِضُوا (3)اَلنَّاسَ بِالْكُوفَةِ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رُءُوسٍ تَنْدُرُ (4)فِيمَا بَيْنَ بَابِ اَلْفِيلِ وَأَصْحَابِ اَلصَّابُونِ» (5).
عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ (6)بْنِ اَلْجَهْمِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا اَلْحَسَنِ (علیهِ السّلامُ) عَنِ اَلْفَرَجِ فَقَالَ: «تُرِيدُ اَلْإِكْثَارَ أَمْ أُجْمِلُ لَكَ؟» قَالَ: بَلْ تُجْمِلُ لِي، قَالَ: «إِذَا رُكِزَتْ رَايَاتُ قَيْسٍ بِمِصْرَ، وَرَايَاتُ كِنْدَةَ
ص: 376
بِخُرَاسَانَ» (1) .
اَلْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي اَلْعَلاَءِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «إِنَّ لِوَلَدِ فُلاَنٍ عِنْدَ مَسْجِدِكُمْ - يَعْنِي مَسْجِدَ اَلْكُوفَةِ لَوَقْعَةً فِي يَوْمِ عَرُوبَةَ (2)يُقْتَلُ فِيهَا أَرْبَعَةُ آلاَفٍ مِنْ بَابِ اَلْفِيلِ إِلَى أَصْحَابِ اَلصَّابُونِ فَإِيَّاكُمْ وَهَذَا اَلطَّرِيقَ فَاجْتَنِبُوهُ وَأَحْسَنُهُمْ حَالاً مَنْ أَخَذَ فِي دَرْبِ اَلْأَنْصَارِ» .
عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: إِنَّ قُدَّامَ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ لَسَنَةً غَيْدَاقَةً يَفْسُدُ فِيهَا اَلثِّمَارُ وَاَلتَّمْرُ فِي اَلنَّخْلِ فَلاَ تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ» (3).
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ، (4)عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «سَنَةُ اَلْفَتْحِ يَنْبَثِقُ اَلْفُرَاتُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَى أَزِقَّةِ اَلْكُوفَةِ» (5).
وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «إِنَّ قُدَّامَ اَلْقَائِمِ بَلْوَى مِنَ اَللَّهِ» قُلْتُ: مَا هُوَ، جُعِلْتُ
ص: 377
فِدَاكَ؟ فَقَرَأَ : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَاَلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوٰالِ وَاَلْأَنْفُسِ وَاَلثَّمَرٰاتِ وَبَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ) (1) ثُمَّ قَالَ: «اَلْخَوْفُ مِنْ مُلُوكِ بَنِي فُلاَنٍ، وَاَلْجُوعُ مِنْ غَلاَءِ اَلْأَسْعَارِ، وَنَقْصٌ مِنَ اَلْأَمْوَالِ مِنْ كَسَادِ اَلتِّجَارَاتِ وَقِلَّةِ اَلْفَضْلِ فِيهَا، وَنَقْصُ اَلْأَنْفُسِ بِالْمَوْتِ اَلذَّرِيعِ، وَنَقْصُ اَلثَّمَرَاتِ بِقِلَّةِ رَيْعِ اَلزَّرْعِ وَقِلَّةِ بَرَكَةِ اَلثِّمَارِ» ثُمَّ قَالَ: «وَبَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ عِنْدَ ذَلِكَ بِتَعْجِيلِ خُرُوجِ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ» (2) .
اَلْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُنْذِرٍ اَلْخُوزِيِّ (3)عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يُزْجَرُ اَلنَّاسُ قَبْلَ قِيَامِ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ عَنْ مَعَاصِيهِمْ بِنَارٍ تَظْهَرُ فِي اَلسَّمَاءِ، وَحُمْرَةٍ تُجَلِّلُ اَلسَّمَاءَ وَخَسْفٍ بِبَغْدَادَ، وَخَسْفٍ بِبَلَدِ اَلْبَصْرَةِ، وَدِمَاءٍ تُسْفَكُ بِهَا، وَخَرَابِ دُورِهَا ، وَفَنَاءٍ يَقَعُ فِي أَهْلِهَا، وَشُمُولِ أَهْلِ (4)اَلْعِرَاقِ خَوْفٌ لاَ يَكُونُ لَهُمْ مَعَهُ قَرَارٌ» (5).
فصل
فأما السنة التي يَقومُ فيها علیهِ السّلامُ واليومُ بعينهِ فقد جاءَتْ فيه آثارٌ عن الصادقين علیهم اسلام
رَوَى اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ
ص: 378
أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «لاَ يَخْرُجُ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ إِلاَّ فِي وَتْرٍ مِنَ اَلسِّنِينَ: سَنَةَ إِحْدَى، أَوْ ثَلاَثٍ أَوْ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ، أَوْ تِسْعٍ» (1).
اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، اَلْكُوفِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ: أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: « يُنَادَى بِاسْمِ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ فِي لَيْلَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ، وَيَقُومُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَاَلْيَوْمُ اَلَّذِي قُتِلَ فِيهِاَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السّلام، لَكَأَنِّي بِهِ فِي يَوْمِ اَلسَّبْتِ اَلْعَاشِرِ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ قَائِماً بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلْمَقَامِ، جَبْرَئِيلُ علیهِ السّلامُ عَنْ (يَدِهِ اَلْيُمْنَى) (2)يُنَادِي: اَلْبَيْعَةَ لِلَّهِ، فَتَصِيرُ إِلَيْهِ شِيعَتُهُ مِنْ أَطْرَافِ اَلْأَرْضِ تُطْوَى لَهُمْ طَيّاً حَتَّى يُبَايِعُوهُ، فَيَمْلَأُ اَللَّهُ بِهِ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً» (3). فصل
واستقراره بها]
وقد جاء الأثر بأنه - علیهِ السّلامُ - يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفها، ثم يفرق الجنود منها في (4)الأمصار.
وَرَوَى اَلْحَجَّالُ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ اَلْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ علیهِ السّلامُ قَالَ: «كَأَنِّي بِالْقَائِمِ علیهِ السّلامُ عَلَى نَجَفِ اَلْكُوفَةِ،
ص: 379
قَدْ سَارَ إِلَيْهَا مِنْ مَكَّةَ فِي خَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ، وَاَلْمُؤْمِنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَيُفَرِّقُ اَلْجُنُودَ فِي اَلْبِلاَدِ» (1) .
وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِوبْنِ شِمْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ قَالَ: ذَكَرَ اَلْمَهْدِيَّ فَقَالَ: «يَدْخُلُ اَلْكُوفَةَ وَبِهَا ثَلاَثُ رَايَاتٍ قَدِ اِضْطَرَبَتْ فَتَصْغُو(2)لَهُ، وَيَدْخُلُ حَتَّى يَأْتِيَ اَلْمِنْبَرَ فَيَخْطُبُ فَلاَ يَدْرِي اَلنَّاسُ مَا يَقُولُ مِنَ اَلْبُكَاءِ، فَإِذَا كَانَتِ اَلْجُمُعَةُ اَلثَّانِيَةُ سَأَلَهُ اَلنَّاسُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ اَلْجُمُعَةَ، فَيَأْمُرُ أَنْ يُخَطَّ لَهُ مَسْجِدٌ عَلَى اَلْغَرِيِّ وَيُصَلِّي بِهِمْ هُنَاكَ، ثُمَّ يَأْمُرُ مَنْ يَحْفِرُ مِنْ ظَهْرِ مَشْهَدِ اَلْحُسَینِ علیهِ السّلامُ نَهَراً يَجْرِي إِلَى اَلْغَرِيَّيْنِ حَتَّى يَنْزِلَ اَلْمَاءُ فِي اَلنَّجَفِ، وَيَعْمَلُ عَلَى فَوْهَتِهِ اَلْقَنَاطِيرُ وَاَلْأَرْحَاءُ (3)فَكَأَنِّي بِالْعَجُوزِ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ (4)فِيهِ بُرٌّ تَأْتِي تِلْكَ اَلْأَرْحَاءَ فَتَطْحَنُهُ بِلاَ كِرَاءٍ » (5) .
وَفِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ أَبِي اَلْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ، قَالَ: ذَكَرَ مَسْجِدَ اَلسَّهْلَةِ فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ مَنْزِلُ صَاحِبِنَا إِذَا قَدِمَ بِأَهْلِهِ» (6).
وَفِي رِوَايَةِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ بَنَى فِي ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ مَسْجِداً لَهُ أَلْفُ بَابٍ، وَاِتَّصَلَتْ بُيُوتُ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ بِنَهْرَيْ كَرْبَلاَءَ» (7) .
ص: 380
فصل
آخر وقد وردت الأخبار بمدة ملك القائم علیهِ السّلامُ وأيامه وأحوال شيعته فيها وما تكون عليه الأرض ومن عليها من الناس
رَوَى عَبْدُ اَلْكَرِيمِ اَلْخَثْعَمِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ: كَمْ يَمْلِكُ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ؟ قَالَ: «سَبْعَ سِنِينَ، تَطُولُ لَهُ اَلْأَيَّامُ وَاَللَّيَالِي حَتَّى تَكُونَ اَلسَّنَةُ مِنْ سِنِيهِ مِقْدَارَ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ سِنِيكُمْ، فَيَكُونُ سِنُومُلْكِهِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ سِنِيكُمْ هَذِهِ، وَإِذَا آنَ قِيَامُهُ مُطِرَ اَلنَّاسُ جُمَادَى اَلْآخِرَةَ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ رَجَبٍ مَطَراً لَمْ يَرَ اَلْخَلاَئِقُ مِثْلَهُ فَيُنْبِتُ اَللَّهُ بِهِ لُحُومَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَأَبْدَانَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُقْبِلِينَ مِنْ قِبَلِ جُهَيْنَةَ يَنْفُضُونَ شُعُورَهُمْ مِنَ اَلتُّرَابِ» (1) .
وَرَوَى اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ أَشْرَقَتِ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا (2) وَاِسْتَغْنَى اَلْعِبَادُ (3)عَنْ ضَوْءِ اَلشَّمْسِ، وَذَهَبَتِ اَلظُّلْمَةُ، وَيُعَمَّرُ اَلرَّجُلُ فِي مُلْكِهِ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ ذَكَرٍ لاَ يُولَدُ فِيهِمْ أُنْثَى ، وَتُظْهِرُ اَلْأَرْضُ كُنُوزَهَا حَتَّى يَرَاهَا اَلنَّاسُ عَلَى وَجْهِهَا، وَيَطْلُبُ اَلرَّجُلُ مِنْكُمْ مَنْ يَصِلُهُ بِمَالِهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ زَكَاتَهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، اِسْتَغْنَى اَلنَّاسُ بِمَا رَزَقَهُمُ اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» (4).
ص: 381
فصل
وقد جاء الأثر بصفة القائم وحليته ع
فَرَوَى عَمْرُوبْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «سَأَلَ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ(علیهِ السّلامُ)فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْمَهْدِيِّ مَا اِسْمُهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا اِسْمُهُ فَإِنَّ حَبِيبِي علیهِ السّلامُ عَهِدَ إِلَيَّ أَلاَّ أُحَدِّثَ بِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اَللَّهُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ صِفَتِهِ، قَالَ: هُوَشَابٌّ مَرْبُوعٌ، حَسَنُ اَلْوَجْهِ، حَسَنُ اَلشَّعْرِ يَسِيلُ شَعْرُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، وَيَعْلُونُورُ وَجْهِهِ سَوَادَ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ، بِأَبِي اِبْنُ خِيَرَةِ اَلْإِمَاءِ» (1) .
فصل
فأما سيرته علیهِ السّلامُ عند قيامه وطريقة أحكامه وما يبينه الله تعالى من آياته فقد جاءت الآثار به حسب ما قدمناه
فَرَوَى اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ اَلْجُعْفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ يَقُولُ: «إِذَا أَذِنَ اَللَّهُ عَزَّ اِسْمُهُ لِلْقَائِمِ فِي اَلْخُرُوجِ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ، فَدَعَا اَلنَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ، وَنَاشَدَهُمْ بِاللَّهِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى حَقِّهِ، وَأَنْ يَسِيرَ فِيهِمْ
ص: 382
بِسِيرَةِ رَسُولِ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)وَيَعْمَلَ فِيهِمْ بِعَمَلِهِ، فَيَبْعَثُ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ جَبْرَئِيلَ علیهِ السّلامُ حَتَّى يَأْتِيَهُ، فَيَنْزِلَ عَلَى اَلْحَطِيمِ يَقُولُ له: إِلَى أَيِّ شَيْءٍ تَدْعُو؟ فَيُخْبِرُهُ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ فَقُولُ جَبْرَئِيلُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُكَ اُبْسُطْ يَدَكَ، فَيَمْسَحُ عَلَى يَدِهِ، وَقَدْ وَافَاهُ ثَلاَثُمِائَةٍ (1)وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَيُبَايِعُوهُ ، وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ حَتَّى يَتِمَّ أَصْحَابُهُ عَشْرَةَ آلاَفِ نَفْسٍ ، ثُمَّ يَسِيرُ مِنْهَا إِلَى اَلْمَدِينَةِ» (2) .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «اِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ دَعَا اَلنَّاسَ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ جَدِيداً ، وَهَدَاهُمْ إِلَى أَمْرٍ قَدْ دُثِرَ فَضَلَّ عَنْهُ اَلْجُمْهُورُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ اَلْقَائِمُ مَهْدِيّاً لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى أَمْرٍ قَدْ ضَلُّوا عَنْهُ ، وَسُمِّيَ بِالْقَائِمِ لِقِيَامِهِ بِالْحَقِّ» (3) .
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ أَقَامَ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ أَقَامَ خَمْسَمِائَةٍ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ أَقَامَ خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ سِتَّ مَرَّاتٍ» قُلْتُ: وَيَبْلُغُ عَدَدُ هَؤُلاَءِ هَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ ، مِنْهُمْ وَمِنْ مَوَالِيهِمْ »(4) .
وَرَوَى أَبُوبَصِيرٍ قَالَ: قَالَ: أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ علیهِ السّلامُ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ هَدَمَ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى أَسَاسِهِ، وَحَوَّلَ اَلْمَقَامَ إِلَى اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي كَانَ فِيهِ، وَقَطَعَ أَيْدِيَ بَنِي شَيْبَةَ وَعَلَّقَهَا بِالْكَعْبَةِ،
ص: 383
وَكَتَبَ عَلَيْهَا : هَؤُلاَءِ سُرَّاقُ اَلْكَعْبَةِ» (1) .
وَرَوَى أَبُواَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ سَارَ إِلَى اَلْكُوفَةِ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ نَفْسٍ يُدْعَوْنَ اَلْبُتْرِيَّةَ عَلَيْهِمُ اَلسِّلاَحُ فَيَقُولُونَ لَهُ: اِرْجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْتَ فَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِي بَنِي فَاطِمَةَ، فَيَضَعُ فِيهِمُ اَلسَّيْفَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِمْ ،ثُمَّ يَدْخُلُ اَلْكُوفَةَ فَيَقْتُلُ بِهَا كُلَّ مُنَافِقٍ مُرْتَابٍ، وَيَهْدِمُ قُصُورَهَا، وَيَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهَا حَتَّى يَرْضَى اَللَّهُ عَزَّ وَعَلاَ» (2) .
وَرَوَى أَبُوخَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «إِذَا قَامَ (3)اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ جَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، كَمَا دَعَا رَسُولُ اَللَّهِ(صلّی اللّهُ علیهِ وآلهِ)فِي بُدُوِّ اَلْإِسْلاَمِ إِلَى أَمْرٍ جَدِيدٍ» (4) .
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ حَكَمَ بِالْعَدْلِ، وَاِرْتَفَعَ فِي أَيَّامِهِ اَلْجَوْرُ، وَآمَنَتْ بِهِ اَلسُّبُلُ، وَأَخْرَجَتِ اَلْأَرْضُ بَرَكَاتِهَا، وَرُدَّ كُلُّ حَقٍّ إِلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَبْقَ أَهْلُ دِينٍ حَتَّى يُظْهِرُوا اَلْإِسْلاَمَ وَيَعْتَرِفُوا بِالْإِيمَانِ أَ مَا سَمِعْتَ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَاَلْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (5) وَحَكَمَ بَيْنَ اَلنَّاسِ بِحُكْمِ دَاوُدَ وَحُكْمِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ، فَحِينَئِذٍ تُظْهِرُ اَلْأَرْضُ كُنُوزَهَا وَتُبْدِي بَرَكَاتِهَا، فَلاَ يَجِدُ اَلرَّجُلُ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ مَوْضِعاً لِصَدَقَتِهِ وَلاَ لِبِرِّهِ
ص: 384
لِشُمُولِ اَلْغِنَى جَمِيعَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ دَوْلَتَنَا آخِرُ اَلدُّوَلِ، وَلَمْ يَبْقَ أَهْلُ بَيْتٍ لَهُمْ دَوْلَةٌ إِلاَّ مَلَكُوا قَبْلَنَا، لِئَلاَّ يَقُولُ: وا إِذَا رَأَوْا سِيرَتَنَا : إِذَا مَلَكْنَا سِرْنَا بِمِثْلِ سِيرَةِ هَؤُلاَءِ ، وَهُوَقَوْلُ اَللَّهِ تَعَالَى : (وَاَلْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (1).(2) .
وَرَوَى أَبُوبَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ سَارَ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَهَدَمَ بِهَا أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ، فَلَمْ يَبْقَ مَسْجِدٌ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ لَهُ شُرَفٌ إِلاَّ هَدَمَهَا وَجَعَلَهَا جَمَّاءَ وَوَسَّعَ اَلطَّرِيقَ ،اَلْأَعْظَمَ وَكَسَرَ كُلَّ جَنَاحٍ خَارِجٍ فِي اَلطَّرِيقِ وَأَبْطَلَ اَلْكُنُفَ وَاَلْمَآزِيبَ إِلَى اَلطُّرُقَاتِ، وَلاَ يَتْرُكُ بِدْعَةً إِلاَّ أَزَالَهَا وَلاَ سُنَّةً إِلاَّ أَقَامَهَا، وَيَفْتَحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَاَلصِّينَ وَجِبَالَ اَلدَّيْلَمِ، فَيَمْكُثُ عَلَى ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ مِقْدَارُ كُلِّ سَنَةٍ عَشْرُ سِنِينَ مِنْ سِنِيكُمْ هَذِهِ، ثُمَّ يَفْعَلُ اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ »
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَكَيْفَ تَطُولُ اَلسِّنُونَ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ اَللَّهُ تَعَالَى اَلْفَلَكَ بِاللُّبُوثِ وَقِلَّةِ اَلْحَرَكَةِ ، فَتَطُولُ اَلْأَيَّامُ لِذَلِكَ، وَاَلسِّنُونُ» قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُ: ونَ إِنَّ اَلْفَلَكَ إِنْ تَغَيَّرَ فَسَدَ. قَالَ: «ذَلِكَ قَوْلُ اَلزَّنَادِقَةِ، فَأَمَّا اَلْمُسْلِمُونَ فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ شَقَّ اَللَّهُ اَلْقَمَرَ لِنَبِيِّهِ علیه وآلهِ السّلامُوَرَدَّ اَلشَّمْسَ مِنْ قَبْلِهِ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَأَخْبَرَ بِطُولِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ) (3).(4) .
ص: 385
وَرَوَى جَابِرٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهِ السّلامُ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ ضَرَبَ فَسَاطِيطَ لِمَنْ يُعَلِّمُ اَلنَّاسَ اَلْقُرْآنَ عَلَى مَا أَنْزَلَ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ فَأَصْعَبُ مَا يَكُونُ عَلَى مَنْ حَفِظَهُ اَلْيَوْمَ، لِأَنَّهُ يُخَالِفُ فِيهِ اَلتَّأْلِيفَ» (1) .
وَرَوَى اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «يُخْرِجُ اَلْقَائِمُ علیهِ السّلامُ مِنْ ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلاً، خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى علیهِ السّلامُ اَلَّذِينَ كَانُوا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَسَبْعَةً مِنْ أَهْلِ اَلْكَهْفِ، وَيُوشَعَ بْنَ نُونٍ، وَسَلْمَانَ، وَأَبَا دُجَانَةَ اَلْأَنْصَارِيَّ، وَاَلْمِقْدَادَ، وَمَالِكاً اَلْأَشْتَرَ، فَيَكُونُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنْصَاراً وَحُكَّاماً (2) .
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ علیه وآلهِ السّلامُ قَالَ: «إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ علیهِ السّلامُ حَكَمَ بَيْنَ اَلنَّاسِ بِحُكْمِ دَاوُدَ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ، يُلْهِمُهُ اَللَّهُ تَعَالَى فَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَيُخْبِرُ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا اِسْتَبْطَنُوهُ، وَيَعْرِفُ وَلِيَّهُ مِنْ عَدُوِّهِ بِالتَّوَسُّمِ ، قَالَ: اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهٰا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (3).(4) .
وَقَدْ رُوِيَ (5)أَنَّ مُدَّةَ دَوْلَةِ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً
ص: 386
تَطُولُ أَيَّامُهَا وَشُهُورُهَا ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا أَمْرٌ مُغَيَّبٌ عَنَّا، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ إِلَيْنَا مِنْهُ مَا يَفْعَلُهُ (1)اَللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِشَرْطٍ يَعْلَمُهُ مِنَ اَلْمَصَالِحِ اَلْمَعْلُومَةِ - لَهُ جَلَّ اِسْمُهُ - فَلَسْنَا نَقْطَعُ عَلَى أَحَدِ اَلْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَتِ اَلرِّوَايَةُ بِذِكْرِ سَبْعِ سِنِينَ أَظْهَرَ وَأَكْثَرَ.
وَلَيْسَ بَعْدَ دَوْلَةِ اَلْقَائِمِ علیهِ السّلامُ لِأَحَدٍ دَوْلَةٌ إِلاَّ مَا جَاءَتْ بِهِ اَلرِّوَايَةُ مِنْ قِيَامِ وُلْدِهِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ ذَلِكَ، وَلَمْ تَرِدْ بِهِ عَلَى اَلْقَطْعِ وَاَلثَّبَاتِ ، وَأَكْثَرُ اَلرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَنْ يَمْضِيَ مَهْدِيُّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ علیهِ السّلامُ إِلاَّ قَبْلَ اَلْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً يَكُونُ فِيهَا اَلْهَرْجُ ، وَعَلاَمَاتُ (2)خُرُوجِ اَلْأَمْوَاتِ، وَقِيَامُ اَلسَّاعَةِ لِلْحِسَابِ وَاَلْجَزَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُ، وَهُوَوَلِيُّ اَلتَّوْفِيقِ لِلصَّوَابِ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ اَلْعِصْمَةَ مِنَ اَلضَّلاَلِ، وَنَسْتَهْدِي بِهِ إِلَى سَبِيلِ اَلرَّشَادِ (وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ اَلنَّبِيِّ وَآلِهِ اَلطَّاهِرِينَ) (3).
ص: 387
قد أوردنا في كل بابٍ من هذا الكتابِ طَرَفاً من الأخبارِ بحسبِ ما احْتَمَلَتْه الحالُ ، ولم نَسْتَقْصِ ما جاءَ في كل معنى منه كراهيةَ الانتشارِ في القولِ ومخافةَ الإملالِ به والإضجارِ ، وأثبَتْنا من أخْبارِ القائمِ المهديٌ علیهِ السّلامُ ما يشكِلُ المتقدمَ منها في الاختصار ، وأضربنا عن كثير من ذلك بمثل ما ذكرناه ، فلا يَنْبغي أن يَنْسبَنا أَحدَ فيما تَركْناه من ذلك إلى الإهمالِ ، ولا يحملَه على عدمِ العلمِ منا به أو السهوِ عنه والإغفالِ. وفيما رَسَمْناه. من موُجَزِ الإحتجاجِ على إمامةِ الأئمةِ : ومختصرٍ من أخْبارِهم كفاية فيما قَصَدْناه ، واللهُ وَليُّ التوفيقِ وهو حَسْبُنا ونعْمَ الوكيلُ (1)
ص: 388
فهرس الآيات القرآنية.
فهرس الأحاديث.
فهرس الأعلام.
فهرس الأماكن والبقاع.
فهرس الفرق والجماعات.
فهرس الأبيات الشعرية.
فهرس الملابس وادوات الزينة.
فهرس الحيوانات.
فهرس الأسلحة.
فهرس الغزوات.
فهرس مصادر التحقيق.
فهرس الموضوعات.
ص: 389
ص: 390
الآية\رقمها\الجزء والصفحة
البقرة-2-
إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً... وَأَعْلَمُ مٰا تُبْدُونَ وَمٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ \30-33\ج 193:1 ، ج 249:2
يُذَبِّحُونَ أَبْنٰاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسٰاءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ. . . \49\ج 281:1
وَقٰالَتِ اَلْيَهُودُ لَيْسَتِ اَلنَّصٰارىٰ عَلىٰ شَيْءٍ. . . \113\ج 166:1
يٰا بَنِيَّ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ لَكُمُ اَلدِّينَ فَلاٰ تَمُوتُنَّ \132\ج 181:2
فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَلاٰ عٰادٍ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ. . . \173\ج 207:1
وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَاَلْعُمْرَةَ لِلّٰهِ. . . \196\ج 173:1
وَمِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ. . . \207\ج 53:1
وَاَلْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ. . . \233\ج 206:1
أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلْمَلَإِ مِنْ. . . وَاَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ \246-247\ج 262:1
وَقٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً. . . \247\ج 194:1 و343
ص: 391
وَقٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ اَلتّٰابُوتُ. . . \248\ج 343:1
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اَللّٰهِ وَقَتَلَ دٰاوُدُ جٰالُوتَ \251\ج 102:1
آل عمران-3-
وَأُنَبِّئُكُمْ بِمٰا تَأْكُلُونَ وَمٰا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ \49\ج 313:1
إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اَللّٰهِ كَمَثَلِ. . فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ \59-61\ج 167:1
وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَاَلْأَرْضِ \83\ج 384:2
وَاَلْكٰاظِمِينَ اَلْغَيْظَ وَاَلْعٰافِينَ عَنِ اَلنّٰاسِ وَاَللّٰهُ يُحِبُّ \134\ج 145:2 ، اَلْمُحْسِنِينَ \146 ، 147
وَمٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ. . . \144\ج 187:1
النساء-4-
وَإِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاٰلَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ. . . \12\ج 201:1
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا \35\ج 164:2
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اَللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِي اَلْكَلاٰلَةِ. . . \176\ج 201:1
المائدة-5-
إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ \55\ج 7:1
يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. . . \67\ج 175:1
لُعِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ. . . لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ \78-79\ج 263:1
لَيْسَ عَلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ جُنٰاحٌ. . . \93\ج 202:1- 203
ص: 392
الانعام-6-
وَلاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ \164\ج 204:1
الأعراف-7-
أَفِيضُوا عَلَيْنٰا مِنَ اَلْمٰاءِ \50\ج 164:2
وَاَلْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ \128\ج 385:2
وَقٰالَ مُوسىٰ لِأَخِيهِ هٰارُونَ اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي. . . \142\ج 157:1
الأنفال-8-
وَاِتَّقُوا فِتْنَةً لاٰ تُصِيبَنَّ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً \25\ج 191:1
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيىٰ مَنْ حَيَّ \42\ج 293:1
لاٰ غٰالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلنّٰاسِ. . . إِنِّي أَخٰافُ اَللّٰهَ وَاَللّٰهُ شَدِيدُ اَلْعِقٰابِ \48\ج 350:1
التوبة-9-
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ. . . ثُمَّ أَنْزَلَ اَللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ \25-26\ج 140:1- 141
إِنَّمَا اَلصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَاَلْمَسٰاكِينِ وَاَلْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا \60\ج 221:1
أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. . . \35\ج 193:1
إبراهيم-14-
تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا \25\ج 222:1
ص: 393
يُضِلُّ اَللّٰهُ اَلظّٰالِمِينَ وَيَفْعَلُ اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ \27\ج 253:2
الحجر-15-
لَهٰا سَبْعَةُ أَبْوٰابٍ لِكُلِّ بٰابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ \44\ج 221:1
إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّهٰا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ \75-76\ج 386:2
الاسراء-17-
وَلاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ \15\ج 204:1
قُلْ جٰاءَ اَلْحَقُّ وَزَهَقَ اَلْبٰاطِلُ إِنَّ اَلْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً \81\ج 138:1
النحل-16-
فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ \43\ج 162:2
الكهف-18-
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحٰابَ اَلْكَهْفِ وَاَلرَّقِيمِ كٰانُوا مِنْ آيٰاتِنٰا عَجَباً \9\ج 117:2
مريم-19-
وَآتَيْنٰاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا \12\ج 306:1
قٰالَتْ أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ. . وَكٰانَ أَمْراً مَقْضِيًّا \20-21\ج 305:1
طه-20-
قٰالَ رَبِّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي. . . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي \25-32\ج 157:1
وَاِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. . . . قٰالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ
ص: 394
يٰا مُوسىٰ \29-36\ج 8:1
قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰا مُوسىٰ \36\ج 157:1
وَلَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ. . . فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ \12-14\ج 222:1
وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوىٰ \81\ج 165:2
الأنبياء-21-
فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ \7\ج 162:2
أَ وَلَمْ يَرَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَاَلْأَرْضَ \30\ج 165:2
يٰا نٰارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاٰماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ \69\ج 331:2
وَلَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ اَلذِّكْرِ أَنَّ اَلْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ اَلصّٰالِحُونَ \105\ح 340:2
الحجّ-22-
كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ \47\ج 385:2
النور-24-
وَأَنْكِحُوا اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَاَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ \32\ج 284:2
الشعراء-26-
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ \4\ج 373:2
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ \214\ج 49:1
وَسَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ \227\ج 276:1 ، ج 304:2
ص: 395
القصص-28-
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ . . . مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ \5-6\ج 180:2 ، 340
فَخَرَجَ مِنْهٰا خٰائِفاً يَتَرَقَّبُ \21\ج 35:2
وَلَمّٰا تَوَجَّهَ تِلْقٰاءَ مَدْيَنَ قٰالَ عَسىٰ \22\ج 35:2
وَجَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّٰارِ \41\ج 84:2
تِلْكَ اَلدّٰارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لاٰ يُرِيدُونَ عُلُوًّا. . . وَاَلْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ \83\ج 289:1 ، ج 385:2
العنكبوت-29-
الم* أَ حَسِبَ اَلنّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا. . . أَنْ يَسْبِقُونٰا سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ \1-4\ج 190:1 ، ج 375:2
الروم-30-
الم* غُلِبَتِ اَلرُّومُ. . . فِي بِضْعِ سِنِينَ \1-4\ج 313:1
الأحزاب-33-
إِذْ جٰاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ. . . وَكَفَى اَللّٰهُ \10-25\ج 105:1 ، اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْقِتٰالَ وَكٰانَ اَللّٰهُ قَوِيًّا عَزِيزاً \ج 103:2
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ اَلْفِرٰارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ اَلْمَوْتِ \16\ج 266:1
وَكَفَى اَللّٰهُ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْقِتٰالَ وَكٰانَ اَللّٰهُ قَوِيًّا عَزِيزاً \25\ج 69:1 و106
ص: 396
يٰا نِسٰاءَ اَلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ اَلنِّسٰاءِ إِنِ اِتَّقَيْتُنَّ \32\ج 178:1
فاطر-35-
وَلاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ \18\ج 204:1
***
يس-36-
وَاَلْقَمَرَ قَدَّرْنٰاهُ مَنٰازِلَ حَتّٰى عٰادَ كَالْعُرْجُونِ اَلْقَدِيمِ \39\ج 221:1
ص-38-
ذٰلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ \27\ج 226:1
الزمر-39-
وَلاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ \7\ج 204:1
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لاٰ. . . \9\ج 193:1
اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا \42\ج 115:2
فصلت-41-
سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي اَلْآفٰاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ \53\ج 373:2
الشورى-42-
قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي \23\ج 8:2
مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ \30\ج 120:2
الاحقاف-46-
وَحَمْلُهُ وَفِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً \15\ج 206:1
ص: 397
الفتح-48-
لَتَدْخُلُنَّ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اَللّٰهُ آمِنِينَ. . . \27\ج 131:1 و153 و313 -314
ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي اَلْإِنْجِيلِ \29\ج 337:1
الحجرات-49-
إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ. . . \15\ج 263:1
الذاريات-51-
كٰانُوا قَلِيلاً مِنَ اَللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ \17\ج 245:2
***
القمر-54-
سَيُهْزَمُ اَلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ اَلدُّبُرَ \45\ج 313:1
الحديد-57-
مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي اَلْأَرْضِ وَلاٰ فِي أَنْفُسِكُمْ \22\ج 120:2
المجادلة-58-
وَ يَقُولُ: ونَ: فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لاٰ يُعَذِّبُنَا اَللّٰهُ بِمٰا نَقُولُ: \8\ج 314:1
الصف-61-
يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ تِجٰارَةٍ. . . ذٰلِكَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ \10-12\ج 263:1
ص: 398
الجمعة-62-
قُلْ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ هٰادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ. . . وَاَللّٰهُ عَلِيمٌ \6-7\ج 314:1
الجن-72-
إِنّٰا سَمِعْنٰا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى اَلرُّشْدِ فَآمَنّٰا بِهِ \1-2\ج 342:1 و344
الإنسان-76-
وَيُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً. . . جَنَّةً وَحَرِيراً \8-12\ج 178:1 ، ج 30:2
عبس-80-
وَفٰاكِهَةً وَأَبًّا \31\ج 300:1
العاديات-100-
وَاَلْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً \1\ج 117:1 و165
النصر-110-
إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اَللّٰهِ وَاَلْفَتْحُ \1\ج 130:1
إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اَللّٰهِ وَاَلْفَتْحُ. . . فِي دِينِ اَللّٰهِ أَفْوٰاجاً \1-2\ج 314:1
ص: 399
(آ-أ)
الحديث\المعصوم (ع) \الجزء\الصفحة
آجرك اللّه في صاحبك فقد مات\الامام المهديّ\2\364
آمنوا بليلة القدر فانه ينزل فيه امر السنة\رسول اللّه\2\346
آمين آمين\الإمام الكاظم\2\229
آه لولا القصاص\الإمام السجّاد\2\144
آيتان تكونان قبل القائم كسوف الشمس في\أبوجعفر\2\374
الأئمّة اثنا عشر اماما منهم الحسن والحسين\الإمام الباقر\2\347
ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين توضأ كما\الإمام الكاظم\2\228
ابشر يا علي فان اللّه منجز وعده ولن\رسول اللّه\1\89
ابعد الذي قلتم لا ولكنني أوصيكم باهل\رسول اللّه\1\184
ابناي هذان امامان قاما اوقعدا\رسول اللّه\2\30
ابنه محمد \ابو الحسن موسی \2\253
ص: 400
ابني علي أكبر ولدي واثرهم عندي وأحبّهم\الإمام الكاظم\2\249
ابني فلان\الإمام الكاظم\2\251
ابومحمّد ابني اصح آل محمّد غريزة واوثقهم\الامام الهادي\2\319
اتاكم شهر رمضان وهوسيد الشهور\أمير المؤمنين\1\14
اتاكم شهر رمضان وهوسيد الشهور واول\أمير المؤمنين\1\320
اتاني جبرئيل فاخبرني ان امتي ستقتل ابني\رسول اللّه\2\129
أ تحلف بالله يا هذا انك ما فعلت ذلك\أمير المؤمنين\1\350
أ تدرون لم جمعتكم\الإمام الكاظم\2\250
أ تدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه\الإمام السجّاد\2\143
أ تراه يا جندب يبايعني عشرة من مائة\أمير المؤمنين\1\242
أ تريد ان تصلى باصحابك\الإمام الحسين\2\79
أ تعجب من سنة النبيّ وتستهزئ بها\الإمام الكاظم\2\235
أ تعرف هذا المسجد\الإمام الجواد\2\290
أ تعرف هذين\الإمام الصّادق\2\187
أ تعرفون هذا\الإمام الحسين\2\85
اتقوا اللّه عباد اللّه واطيعوه واطيعوا\أمير المؤمنين\1\260
اتقوا اللّه عباد اللّه وتحاثوا على الجهاد\أمير المؤمنين\1\263
اتم الجود ابتناء المكارم واحتمال المغارم\أمير المؤمنين\1\299
الاثنا عشر الأئمّة من آل محمّد كلهم محدث\الإمام الباقر\2\347
اثني على اللّه أحسن الثناء واحمده على\الإمام الحسين\2\91
اجلس\رسول اللّه\1\122
اجلس فانت اخي ووصيي ووزيري وخليفتي\رسول اللّه\1\50
ص: 401
اجلس فانت اخي ووصيي ووزيري ووارثي\رسول اللّه\1\7
اجلسوا،ولا یقعد معکم احد من غیرکم \رسول اللّه\145
اجمع القوم وادع لي شرط الخميس\أمير المؤمنين\1\215
احبسيه يا اختي\الإمام الحسين\2\110
احبونا حبّ الإسلام فما زال حبكم لنا حتّى\الإمام السجّاد\2\141
احتج الى من شئت تكن اسيره واستغن عمن\أمير المؤمنين\1\303
احتط عليها حتّى تلد فإذا ولدت ووجدت\أمير المؤمنين\1\204
احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك\الإمام الكاظم\2\225
احتمل زلة وليك لوقت وثبة عدوك\أمير المؤمنين\1\299
احسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وانصحوا\الإمام الصّادق\2\205
احمل على هذه\رسول اللّه\1\89
احملوا اخاكم\الإمام الحسين\2\107
اخبرني رسول اللّه ان اسمك الذي سماك به\أمير المؤمنين\1\323
اخبرني عن الناس خلفك\الإمام الحسين\2\67
اخبرني ولا ترفع صوتك في اي يوم خرجتم\أمير المؤمنين\1\215
اختر يا بني احبهما إليك\الإمام الحسين\2\25
اخترت لك ابنتي فاطمة وهي أكثرهما شبها\الإمام الحسين\2\25
اخرج حقّ ولد عمك منه وهواربعمائة درهم\الامام المهديّ\2\356
اخرج فان فيه فرجك ان شاء اللّه\الامام الهادي\2\305
اخرج فيه\الامام المهديّ\2\357
اخرجوا اليهم على اسم اللّه\رسول اللّه\1\80
اخرجوا من آويتم\أمير المؤمنين\1\137
اخطات في ردك برنا فإذا استغفرت اللّه فالله\الامام المهديّ\2\360
اخنث السقاء\الإمام الحسين\2\78
ادرك يا علي سعدا فخذ الراية منه وكن انت\رسول اللّه\1\135
ص: 402
ادرك يا علي سعدا وخذ الراية منه فكن انت\رسول اللّه\1\60
ادع اللّه ليرد عليك الشمس حتّى تصليها قائما\رسول اللّه\1\346
ادع لي شهودا\الإمام الباقر\2\181
ادعوا لي اخي وصاحبي\رسول اللّه\1\185
ادعوا لي اخي وصاحبي\رسول اللّه\1\186
ادعوه الي\الإمام الحسين\2\81
ادن الى مولاك فسلم عليه\الإمام الصّادق\2\219
ادن مني يا علي\رسول اللّه\1\100
اذا اذن اللّه للقائم بالخروج صعد المنبر\الإمام الصّادق\2\382
اذا انا مت فاحملاني على سريري ثمّ اخرجاني\أمير المؤمنين\1\23
اذا حدثت الحديث فلم اسنده فسندي فيه ابي\الإمام الباقر\2\167
اذا ركزت رايات قيس بمصر ورايات كندة\أبوالحسن\2\376
اذا قام قائم آل محمّد بنى في ظهر الكوفة\الإمام الصّادق\2\380
اذا قام قائم آل محمّد حكم بين الناس بحكم\الإمام الصّادق\2\386
اذا قام قائم آل محمّد ضرب فساطيط\الإمام الباقر\2\386
اذا قام القائم جاء بامر جديد كما دعا\الإمام الصّادق\2\384
اذا قام القائم دعا الناس الى الإسلام\الإمام الصّادق\2\383
اذا قام القائم سار الى الكوفة فهدم بها\الإمام الباقر\2\385
اذا قام القائم سار الى الكوفة فيخرج منها\الإمام الباقر\2\384
اذا قام القائم من آل محمّد اقام خمسمائة\الإمام الصّادق\2\383
اذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّى\الإمام الصّادق\2\383
اذا كان ذلك فهوصاحبكم\الإمام الصّادق\2\218
اذا كان في غد فاتني\الإمام الجواد\2\292
اذا كان يوم القيامة يدعى الناس كلهم\رسول اللّه\1\44
ص: 403
اذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم\الامام العسكريّ\2\330
اذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا\أمير المؤمنين\1\230
اذا هدم حائط مسجد الكوفة ممّا يلي دار\الإمام الصّادق\2\375
اذا والله لا اتبعک\الإمام الحسين\2\80
اذهب\الإمام الكاظم\2\232
اذهب الی تلک الشجره \الإمام الكاظم\2پ232
اذهب الى هذا الوادي فسيعرض لك من اعداء\رسول اللّه\1\340
اذهب إليه وقل له لا تخرج غدا\الإمام الرضا\2\267
اذهب تفقه واطلب الحديث\الإمام الكاظم\2\223
اذهب فخيرها\رسول اللّه\1\118
اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها امس فانه\الإمام الكاظم\2\219
اذهب وادعك يا رسول اللّه واللّه لا برحت\أمير المؤمنين\1\89
اذهبا الى أبي بكر فاسالاه عن ذلك\رسول اللّه\1\197
اذهبا الى عليّ بن أبي طالب ليقضي بينكما\رسول اللّه\1\198
اذهبي فانت حرة\الإمام السجّاد\2\147
اذهبي فبري قسمك فانه باعلى الوادي\أمير المؤمنين\1\137
اراك عطشان\الإمام الجواد\2\291
اراه في بعض ما يصلح شانكم\رسول اللّه\1\92
أربعة لا ترد لهم دعوة الامام العادل\أمير المؤمنين\1\304
ارجاف العامّة بالشيء دليل على مقدمات كونه\أمير المؤمنين\1\303
ارجع اليهم فان استطعت ان تؤخرهم الى\الإمام الحسين\2\90
ارجع يا اخي الى مكانك فان المدينة لا تصلح\رسول اللّه\1\156
ارجع يا با سفيان فواللّه ما تريد اللّه\أمير المؤمنين\1\190
ارجعوا الى مواقفكم\رسول اللّه\1\73
ارجوان اكون صالحا\الإمام الرضا\2\270
ص: 404
اردت ان تسال عن الخلف بعد ابي جعفر وقلقت\الامام الهادي\2\320
ارددوا عليّ اخي عليّ بن أبي طالب وعمي\رسول اللّه\1\185
ارسلته كرارا غير فرار\رسول اللّه\1\163
ارفع الوسادة وخذ ما تحتها\الإمام الرضا\2\256
اركب فان اللّه ورسوله راضيان عنك\رسول اللّه\1\165
اركب فان اللّه ورسوله عنك راضيان\رسول اللّه\1\116
اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر فخذ\رسول اللّه\1\65
ارونيه تروني رجلا يحب اللّه ورسوله\رسول اللّه\1\126
ارى أمورهم قد علت ونيرانكم قد خبت\أمير المؤمنين\1\274
أسأت اذ لم تعلم الرجل انّا ربما فعلنا ذلك\الامام المهديّ\2\360
استبدل به قبل المساء ان قدرت على مشتر\الامام العسكريّ\2\332
استنفع بها واكتم ما رايت\الإمام الرضا\2\258
استنفق هذه فإذا نفدت فاعلمني\الإمام الباقر\2\166
استوص به وضع امره عند من تثق به من اصحابك\الإمام الصّادق\2\216
استوصوا بابني موسى خيرا فانه أفضل ولدي\الإمام الصّادق\2\220
اسجدي لربك\الإمام الكاظم\2\219
الأسدي نعم العديل فان قدم فلا تختر عليه\الامام المهديّ\2\364
اسري بي في هذا الوقت الى موضع من العراق\رسول اللّه\2\130
اسقوا القوم وارووهم من الماء\الإمام الحسين\2\78
اسلم يا عمرويؤمنك اللّه من الفزع الأكبر\رسول اللّه\1\158
أ سمعتم ما قال الراهب\أمير المؤمنين\1\334
اسمعوا ما أتلوعليكم من كتاب اللّه المنزل\أمير المؤمنين\1\26
اسمعوا ما يقول اخوكم هذا المسلم\أمير المؤمنين\1\336
اسمعي واشهدي هذا عليّ أمير المؤمنين وسيد\رسول اللّه\1\47
اشد الاعمال ثلاثة مواساة الاخوان في المال\الإمام الباقر\2\167
ص: 405
اشكر الناس اقنعهم واكفرهم للنعم اجشعهم\أمير المؤمنين\1\304
اشهدوا ان ابني هذا وصيي والقيم بامري\الإمام الكاظم\2\251
اصت، اصاب الله بک الرشاد \الإمام الرضا\2\256
اصبحوا ثمّ ترون ونرى\الإمام الحسين\2\34
اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول اللّه\الإمام الصّادق\2\128
اصعد السطح،استمع هل تجد شیئا \الإمام الرضا\2\267
اصير الى هذه الطاغية اما انه لا ينداني\الإمام الكاظم\2\253
اطلبوا الرزق فانه مضمون لطالبه\أمير المؤمنين\1\303
اظهر الكرم صدق الاخاء في الشدة والرخاء\أمير المؤمنين\1\299
اعتبروه إذا نام ثمّ انبهوا أحد البدنين\أمير المؤمنين\1\212
اعتد ما بين أربع الى مائة\أمير المؤمنين\1\148
اعجب ما في الإنسان قلبه وله مواد من\أمير المؤمنين\1\301
اعرض علینا \الإمام الرضا\2\254
اعطنی یا علی کفا من الحصی\رسول اللّه\1\138
اعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا\الإمام الرضا\2\259
افاتتك صلاة العصر\رسول اللّه\1\346
أ فبالموت تخوفني وهل يعدوبكم الخطب ان\الإمام الحسين\2\81
افضل العبادة الصبر والصمت وانتظار\أمير المؤمنين\1\302
افعلوا مثلما فعلت\الإمام الرضا\2\265
اقبض الحوانيت من محمّد هارون بالخمسمائة\الامام المهديّ\2\367
اقبل يا جويرية حتّى احدثك بحديثك\أمير المؤمنين\1\323
اقده نصفین،لکن واحده منکما نصفه \أمير المؤمنين\1\205
اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه\الإمام الباقر\2\181
اكتب هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللّه\رسول اللّه\1\120
اكتب يا علي بسم اللّه الرحمن الرحيم\رسول اللّه\1\119
ص: 406
اكثروا من الماء\الإمام الحسين\2\75
اكشفوا الأرض في هذا المكان\أمير المؤمنين\1\335
اكففن فان كن صويحبات يوسف\رسول اللّه\1\183
الآن قد عرفت ما عندكم فكونوا على ما أنتم\رسول اللّه\1\97
الآن نغزوهم ولا يغزونا\رسول اللّه\1\105
الا اسرك الا امنحك أ لا ابشرك\رسول اللّه\1\44
الا ان ابرار عترتي واطائب ارومتي احلم\أمير المؤمنين\1\240
أ لا تجيبوني بما عندكم\رسول اللّه\1\146
الا فاعملوا في الرغبة والرهبة فان نزلت\أمير المؤمنين\1\235
ألا وان الدنيا قد ترحلت مدبرة وان\أمير المؤمنين\1\236
الا وانه من لا ينفعه اليقين يضرّه الشك\أمير المؤمنين\1\236
البسك اللّه العافية وجعلك معنا في الدنيا\الامام المهديّ\2\357
ألجمه يا غلام\الامام العسكريّ\2\328
الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتّى\أبوجعفر\2\372
الزم بيتك حتّى يحدث الحادث\الامام العسكريّ\2\325
الست أولى بكم منكم بانفسكم\رسول اللّه\1\176
أ لستم تجدون في بعض كتبكم ان موسى بن عمران\أمير المؤمنين\1\201
أ لستم كنتم ضالين فهداكم اللّه بي\رسول اللّه\1\145
القوا ابا جعفر فسلموا عليه واجدوا به\الإمام الرضا\2\280
اللّه أكبر اخبرني حبيبي رسول اللّه اني ادرك\أمير المؤمنين\1\316
اللّه أكبر فقد سقت انا ستا وستين وانت\رسول اللّه\1\172
اللّه أكبر فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا\أمير المؤمنين\1\207
اللّه أكبر لم كبرت\الإمام الحسين\2\77
اللّه أكبر هذا ابنك دونها ولوكان ابنها\أمير المؤمنين\1\205
ص: 407
الله الله - یا امیر المومنین - انه لا طاقه لی ...\الامام الرضا\2\259
اللّهمّ ائتني باحب خلقك إليك ياكل معي من\رسول اللّه\1\38
اللّهمّ احكم عليهما بما صنعا في حقي وصغرا\أمير المؤمنين\1\245
اللّهمّ اظمئه\الإمام الحسين\2\109
اللّهمّ اعنه\رسول اللّه\1\101
اللّهمّ اغفر للانصار ولابناء الأنصار\رسول اللّه\1\146
اللّهمّ اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا\الإمام الحسين\2\87
اللّهمّ اكفني نوفل بن خويلد\رسول اللّه\1\70
اللّهمّ اكفني نوفلا\رسول اللّه\1\76
اللّهمّ ان بسرا باع دينه بالدنيا فاسلبه\أمير المؤمنين\1\321
اللّهمّ ان كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه\أمير المؤمنين\1\351
اللّهمّ ان كنت تعلم اني رسولك فاحفظني فيه\رسول اللّه\1\163
اللّهمّ ان متعتهم الى حين ففرقهم فرقا\الإمام الحسين\2\110
اللّهمّ انت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل\الإمام الحسين\2\96
اللّهمّ انك اذقت اول قريش نكالا فاذق آخرها\رسول اللّه\1\143
اللّهمّ انك تعلم اني كنت أسألك ان تفرغني\الإمام الكاظم\2\240
اللّهمّ اني احبهما فاحبهما وأحبّ من احبهما\رسول اللّه\2\28
اللّهمّ اني أسألك الراحة عند الموت والعفو\الإمام الكاظم\2\231
اللّهمّ اني اشكوإليك ما يفعل بابن بنت نبيك\الإمام الحسين\2\109
اللّهمّ اني قد سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء\أمير المؤمنين\1\277
اللّهمّ اهد قلبه وثبت لسانه\رسول اللّه\1\195
اللّهمّ حزه الى النار\الإمام الحسين\2\102
اللّهمّ ربّ السموات السبع وما اظللن وربّ\رسول اللّه\1\124
اللّهمّ غفرا ذهب الشرك بما فيه\أمير المؤمنين\1\76
اللّهمّ قه الحرّ والبرد\رسول اللّه\1\126
ص: 408
اللّهمّ هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج\أمير المؤمنين\1\270
أ لم آمر ان تنفذوا جيش أسامة\رسول اللّه\1\183
أ لم آمركم الا تقتلوا اسيرا\رسول اللّه\1\144
أ لم تكونوا اعداء فالف اللّه بين قلوبكم\رسول اللّه\1\145
أ لم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم\رسول اللّه\1\145
أ لم تكونوا قليلا فكثركم اللّه به\رسول اللّه\1\145
إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك\الإمام السجّاد\2\153
الواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ونحن\الإمام الصّادق\2\187
الى اين يا بن اخي\الإمام الكاظم\2\237
الى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والغديرتين\الإمام الصّادق\2\220
الى وادي الرمل\أمير المؤمنين\1\115
الي الي لا الى المرجئة ولا الى القدرية\الإمام الكاظم\2\222
أم لوشئتم لقلتم وانت قد كنت جئتنا طريدا\رسول اللّه\1\146
أم واللّه انهما لقد سمعا كلامي كما سمع\أمير المؤمنين\1\256
أم واللّه لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه\أمير المؤمنين\1\287
أم واللّه ليقبلن جيش حتّى إذا كان في\أمير المؤمنين\1\326
اما انه صاحب الامر ما فعل ابن الزيات\الامام الهادي\2\301
اما انه منزل صاحبنا إذا قدم باهله\الإمام الصّادق\2\380
اما بعد ايها الناس فان اول رفثكم وبدء\أمير المؤمنين\1\272
اما بعد ايها الناس فان الدنيا قد ادبرت\أمير المؤمنين\1\235
اما بعد ايها الناس فانكم ان تتقوا اللّه\الإمام الحسين\2\79
اما بعد فالحمد لله الذي نصر وليه وخذل\أمير المؤمنين\1\259
اما بعد فان اللّه بعث محمّدا للناس كافة\أمير المؤمنين\1\244
ص: 409
اما بعد فان اللّه بعث محمّدا وليس في العرب\أمير المؤمنين\1\248
اما بعد فان اللّه ذورحمة واسعة ومغفرة\أمير المؤمنين\1\257
اما بعد فان اللّه فرض الجهاد وعظمه وجعله\أمير المؤمنين\1\251
اما بعد فان اللّه لم يقصم جباري دهر قط الا\أمير المؤمنين\1\291
اما بعد فان اللّه لما قبض نبيه قلنا نحن\أمير المؤمنين\1\245
اما بعد فان رسول اللّه رضيني لنفسه اخا\أمير المؤمنين\1\276
اما بعد فانسبوني فانظروا من انا ثمّ ارجعوا\الإمام الحسين\2\97
اما بعد فانّك دسست الرجال للاحتيال\الامام الحسن\2\9
اما بعد فانما مثل الدنيا مثل الحية لين\أمير المؤمنين\1\233
اما بعد فاني لا اعلم اصحابا اوفى ولا خيرا\الإمام الحسين\2\91
اما بعد فذمتي بما أقول رهينة وانا به زعيم\أمير المؤمنين\1\231
اما بعد فقد خشيت ان لا يكون حملك على\الإمام الحسين\2\40
اما بعد فلا يرعين مرع الا على نفسه شغل\أمير المؤمنين\1\239
اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى\رسول اللّه\1\156
اما ترضين يا فاطمة اني زوجتك اقدمهم سلما\رسول اللّه\1\36
اما تسمع يا علي مديحك في السماء ان ملكا\رسول اللّه\1\87
اما الحسن فان له هديي وسؤددي واما\رسول اللّه\2\7
اما سمعت قول عمر ان بايع اثنان لواحد\أمير المؤمنين\1\286
اما الغابر فالعلم بما يكون واما المزبور\الإمام الصّادق\2\186
اما هذا فاني انظر إليه وقد اخذ القوم\أمير المؤمنين\1\256
اما هذا فقتل ابوه يوم قتل عثمان في الدار\أمير المؤمنين\1\255
امامكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه وامام\أمير المؤمنين\1\280
امح ما كتبت واكتب باسمك اللّهمّ\رسول اللّه\1\120
امحها یا علی \رسول اللّه\1\120
ص: 410
الامر بالطاعة والنهي عن المعصية والتمكين\أمير المؤمنين\1\226
امرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين\أمير المؤمنين\1\315
امض الى الوادي\رسول اللّه\1\115
امض على اسم اللّه\رسول اللّه\1\114
امض على اسم اللّه الى منزلك\رسول اللّه\1\185
امض مع عليّ بن أبي طالب في هذا الوجه\رسول اللّه\1\57
امضوا فلا خوف عليكم ان شاء اللّه\الامام العسكريّ\2\329
امضيا الى عمر بن الخطّاب وقصا عليه\رسول اللّه\1\197
ان ابنيّ هذين ريحانتاي من الدنيا\رسول اللّه\2\28
ان ابي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة\الإمام الصّادق\2\181
ان اخبرتك تقبل\الإمام الكاظم\2\224
ان أراد أحد ممن مع خالد ان يعقب معك\رسول اللّه\1\62
ان اصبت فالامير قيس بن سعد\الامام الحسن\2\13
ان اعفيتني فهوأحبّ الي وان لم تعفني\الإمام الرضا\2\264
ان اللّه ابان حجته من سائر خلقه\الامام العسكريّ\2\331
ان اللّه اخبرني ان العذاب ينزل على المبطل\رسول اللّه\1\167
ان اللّه ارسل محمّدا الى الجن والانس\أبوجعفر\2\345
ان اللّه بعث عيسى بن مريم رسولا نبيّا صاحب\الإمام الرضا\2\279
ان اللّه خص محمّدا بالنبوة واصطفاه\أمير المؤمنين\1\241
ان اللّه داوى هذه الأمة بدواءين السوط\أمير المؤمنين\1\239
ان اللّه قد جعل فيك خلفا منه فاحمد اللّه\الامام الهادي\2\318
ان اللّه لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وكل\الإمام الصّادق\2\204
ان أهل المدينة يقولون انه مات\الامام الهادي\2\301
ان البخيل كل البخيل الذي إذا ذكرت عنده\رسول اللّه\2\169
ص: 411
ان بعض اصحابي قد كتب الى أهل مكّة يخبرهم\رسول اللّه\1\57
ان جبريل كان يعرض عليّ القرآن كل سنة مرة\رسول اللّه\1\181
ان الحسن والحسين شنفا العرش وان الجنة\رسول اللّه\2\127
ان خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك ان اللّه\أمير المؤمنين\1\206
ان خيار الناس يقتلون شرارهم وشرار الناس\أمير المؤمنين\1\112
ان داود مر بغلمان يلعبون وينادون بواحد\أمير المؤمنين\1\217
ان الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها اللّه\رسول اللّه\2\238
ان رسول اللّه اعطاك اربعا وجعلك مع\أمير المؤمنين\1\148
ان رسول اللّه امامنا حيا وميتا فيدخل\أمير المؤمنين\1\188
ان رسول اللّه امرني ان الحقك فاقبض منك\أمير المؤمنين\1\65
ان رسول اللّه لما قبض ورث علي علمه وسلاحه\الإمام الصّادق\2\189
ان رسول اللّه هكذا كان يبايع\الإمام الرضا\2\261
ان السلاح مدفوع عنه لووضع عند شر خلق\الإمام الصّادق\2\188
ان صاحب هذا الامر يطلبه منك\الإمام الكاظم\2\252
ان عشت رايت فيه رايي وان هلكت فاصنعوا به\أمير المؤمنين\1\21
ان عليا وشيعته هم الفائزون\رسول اللّه\1\41
ان في هذا لعبرة لمن استبصر\أمير المؤمنين\1\317
ان فيما عهد الي النبيّ الامي ان الأمة\أمير المؤمنين\1\285
ان قائمنا إذا قام اشرقت الأرض بنور ربها\الإمام الصّادق\2\381
ان قدام القائم بلوى من اللّه\الإمام الصّادق\2\377
ان قدام القائم لسنة غيداقة يفسد فيها\الإمام الصّادق\2\377
ان القوم دعوا الاكفاء منهم\رسول اللّه\1\68
ان كان القوم قاربوك فقد غشوك وان كانوا\أمير المؤمنين\1\205
ان كانت البقرة دخلت على الحمار في مأمنه\أمير المؤمنين\1\198
ص: 412
ان كنت ترى ان لي عليك طاعة فقف مكانك\أمير المؤمنين\1\160
ان كنت كاذبا فاعمى اللّه بصرك\أمير المؤمنين\1\351
ان للمراة سمين سم المحيض وسم البول فلعل\أمير المؤمنين\1\211
ان لله قضيبا من ياقوت احمر لا يناله الا\رسول اللّه\1\42
ان لله مدينتين إحداهما في المشرق والأخرى\الامام الحسن\2\29
ان لنا عليكم حقا برسول اللّه ولكم علينا\الإمام الرضا\2\262
ان لولد فلان عند مسجدكم لوقعة في يوم\الإمام الصّادق\2\377
ان ليلة القدر في كل سنة وانه ينزل في تلك\أمير المؤمنين\2\346
ان من اضله اللّه واعمى قلبه استوخم الحق\الإمام الصّادق\2\200
ان من علامات الفرج حدثا يكون بين المسجدين\الإمام الرضا\2\375
ان منكم من يقاتل على التاويل كما قاتل\رسول اللّه\1\123
ان هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا الى الحق\أمير المؤمنين\1\267
ان هؤلاء لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن\أمير المؤمنين\1\267
ان هذا جاءني وانا نائم فسل سيفي\رسول اللّه\1\125
ان هذا الرجل قد احضرك ليهتكك ويضع منك\الامام الهادي\2\307
ان هذه الصخرة على الماء فان زالت عن\أمير المؤمنين\1\335
ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست\الإمام الحسين\2\32
ان يكن الشغل مجهدة فاتصال الفراغ مفسدة\أمير المؤمنين\1\298
انا أؤازرك يا رسول اللّه\أمير المؤمنين\1\7
انا ابن البشير انا ابن النذير انا ابن\الامام الحسن\2\8
انا ارجع لا واللّه حتّى تسلموا اواضربكم\أمير المؤمنين\1\116
انا اعلم بما قلت انهما آيتان لم تكونا\أبوجعفر\2\374
انا اكفيك المسالة يا شامي اخبرك عن مسيرك\الإمام الصّادق\2\198
انا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا\الإمام الكاظم\2\243
انا أهل بيت يتوارث اصاغرنا عن اكابرنا\الإمام الرضا\2\276
ص: 413
انا سيد الشيب وفيّ سنة من أيّوب وسيجمع\أمير المؤمنين\1\290
انا الصديق الأكبر امنت قبل ان يؤمن\أمير المؤمنين\1\31
انا عبد اللّه وأخورسوله ورثت نبي الرحمة\رسول اللّه\1\353
انا عليّ بن أبي طالب\أمير المؤمنين\1\81
انا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب\أمير المؤمنين\1\74
انا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب وصي\أمير المؤمنين\1\340
انا عليّ بن الحسين\الإمام السجّاد\2\116
انا قتلته يا رسول اللّه\أمير المؤمنين\1\77
انا لله وانا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما\الإمام الحسين\2\74
انا لله وانا إليه راجعون والحمد لله ربّ\الإمام الحسين\2\82
انا لم نحكم الرجال انما حكمنا القرآن\أمير المؤمنين\1\271
انا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر\الإمام الجواد\2\290
انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد\رسول اللّه\1\33
انا واحد عشر من صلبي ائمة محدثون\أمير المؤمنين\2\346
انا واللّه ارى ذلك\الإمام الحسين\2\77
انا يا رسول اللّه أؤازرك على هذا الامر\أمير المؤمنين\1\50
انت عبد الرحمن بن ملجم المرادي\أمير المؤمنين\1\12
انت مصلي اليوم الظهر في منزلك\الامام العسكريّ\2\330
انت المقدم\الامام الهادي\2\306
انت يا ابن الزرقاء تقتلني اوهوكذبت\الإمام الحسين\2\33
انتم المستضعفون من بعدي\رسول اللّه\1\184
انته الى امره ترشد\الإمام الصّادق\2\219
انخ الراوية\الإمام الحسين\2\78
ص: 414
انشد اللّه رجلا سمع النبيّ يقول من كنت\أمير المؤمنين\1\352
الأنصار كرشي وعيبتي لوسلك الناس واديا\رسول اللّه\1\146
انصرف اذا شئت \أمير المؤمنين\1\228
انطق اللّه لي ما طهر من السموك واصمت عني\أمير المؤمنين\1\348
انظر بني قريضة هل تركوا حصونهم\رسول اللّه\1\109
انظر بین کتفیه \ابوالحسن\1\278
انظر یابن اخی واتق الله ولا توثم اولادی\الإمام الكاظم\2\238
انفروا رحمكم اللّه في طلب هذين الناكثين\أمير المؤمنين\1\246
انقص باذن اللّه ومشيئته\أمير المؤمنين\1\347
انقطع شسع نعل رسول اللّه فدفعها الى علي\الإمام السجّاد\1\123
انك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة فاذا\أمير المؤمنين\1\323
انك تحتاج إليه في سنة ثمانين\الامام المهديّ\2\366
انك تروح الينا\رسول اللّه\2\90
انك لن تؤمن بها حتّى تموت\رسول اللّه\1\174
انكم ستعرضون من بعدي على سبي فسبوني فان\أمير المؤمنين\1\322
انكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه\الامام الهادي\2\320
انما جئت يا أم هانئ تشتكين عليا في انه\فاطمة الزهراء\1\138
انما قلت لک : کم ترجوعِان یجیئک\الإمام الكاظم\2\233
انما قلت ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا\الإمام الصّادق\2\194
أ نموت موتا اونقتل\الإمام الحسين\2\131
انني اذنت لهما مع علمي بما قد انطويا\أمير المؤمنين\1\315
انني قد امرت بالاستغفار لاهل البقيع\رسول اللّه\1\181
انه إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه الخلائق\الإمام الصّادق\2\204
انه خبرني انني اول أهل بيته لحوقا به\فاطمة الزهراء\1\187
ص: 415
انه خرج الي يشكوعسر الولادة على لبوءته\الإمام الكاظم\2\230
انه لما تراءى لي العدوجهرت فيهم باسماء\أمير المؤمنين\1\341
انه من أهل بدر ولعلّ اللّه اطلع عليهم\رسول اللّه\1\58
انه من نفسي وانت ابني\الإمام الصّادق\2\218
انه واللّه لرسول اللّه على رغم انفك\أمير المؤمنين\1\120
انه يصحبك فاحسن عشرته واطلب له عديلا\الامام المهديّ\2\361
انها تطاطات عن خيلاء الخيل وارتفعت عن\الإمام الكاظم\2\234
انها واللّه ما هي إليك ولا الى ابنيك\الإمام الصّادق\2\192
انهم ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء اما انه\الإمام الحسين\2\132
انى يكون ذلك يا جابر ولما يكثر القتل\أبوجعفر\2\374
اني أريد ان القاك\الإمام الحسين\2\87
اني استحييت ان اكشف عن سواة ابن عمي\أمير المؤمنين\1\104
اني أؤخذ في هذه السنة والامر الى ابني\الإمام الكاظم\2\252
اني رايت رسول اللّه الساعة في المنام\الإمام الحسين\2\90
اني رايت رسول اللّه في المنام وامرني بما\الإمام الحسين\2\69
اني رايت نبي اللّه في منامي وهويمسح\أمير المؤمنين\1\15
اني رايت هذا الخبيث جريئا شجاعا فكمنت\أمير المؤمنين\1\93
اني سائلكم عن امر فاجيبوني عنه\رسول اللّه\1\145
اني قد دعيت ويوشك ان أجيب وقد حان مني\رسول اللّه\1\176
اني لا اراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى\الإمام الحسين\2\33
اني لجالس في تلك العشية التي قتل ابي في\الإمام السجّاد\2\93
اني لممض فيك ما امرت\أمير المؤمنين\1\148
اني ماض والامر صائر الى ابني علي وله\الإمام الجواد\2\299
اني مقتول لوقد أصبحت\أمير المؤمنين\1\16
اهدر الإسلام ما كان في الجاهلية\رسول اللّه\1\159
ص: 416
اوظننت يا رجل انه قضاء حتم وقدر لازم\أمير المؤمنين\1\225
اول عبادة اللّه معرفته وأصل معرفته توحيده\أمير المؤمنين\1\223
اياك ان تحملها ولتحملنها فتدخل بها من\أمير المؤمنين\1\329
ايتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتابا لا\رسول اللّه\1\184
ايتوني بمنشار\أمير المؤمنين\1\205
اين تريد اين بعثك ابي\فاطمة الزهراء\1\115
اين عليّ بن أبي طالب\رسول اللّه\1\115
اين ما عاهدتم اللّه عليه\رسول اللّه\1\142
ايها الذاكر عليا انا الحسن وابي علي\الامام الحسن\2\15
ايها الناس اصبحتم اغراضا تنتضل فيكم\أمير المؤمنين\1\238
ايها الناس ان لكم في هذه الآيات عبرة\أمير المؤمنين\1\262
ايها الناس ان هذا عدواللّه وعدوكم قد\رسول اللّه\1\114
ايها الناس ان هذا عدواللّه وعدوكم قد\رسول اللّه\1\162
ايها الناس انا خلقنا وإيّاكم للبقاء\أمير المؤمنين\1\238
ايها الناس انكم بايعتموني على ما بويع\أمير المؤمنين\1\243
ايها الناس انكم قد ابيتم الا ان أقول اما\أمير المؤمنين\1\284
ايها الناس اني ابن عم نبيّكم واولاكم بالله\أمير المؤمنين\1\229
ايها الناس اني استنفرتكم لجهاد هؤلاء\أمير المؤمنين\1\278
ايها الناس اني دعوتكم الى الحق فتلويتم\أمير المؤمنين\1\322
ايها الناس اني فرطكم وأنتم واردون\رسول اللّه\1\180
ايها الناس اني كنت سالت اللّه ان يخفي\رسول اللّه\1\58
ايها الناس اني لم آتكم حتّى اتتني كتبكم\الإمام الحسين\2\79
ايها الناس تعاونوا على البر والتقوى\أمير المؤمنين\1\229
ايها الناس خذوا عني خمسا فواللّه لورحلتم\أمير المؤمنين\1\297
ص: 417
ايها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن\أمير المؤمنين\1\232
ايها الناس لا الفينكم بعدي ترجعون كفّارا\رسول اللّه\1\180
ايها الناس لا يدعي مدع ولا يتمنى متمن\رسول اللّه\1\182
ايها الناس المجتمعة ابدانهم المختلفة\أمير المؤمنين\1\273
ايها الناس وفي دون ما استقبلتم من خطب\أمير المؤمنين\1\292
ايها حسن خذ حسينا\رسول اللّه\2\128
(ب)
بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا\الإمام الباقر\2\166
بابي ابن خيرة الإماء النوبية الطيّبة\رسول اللّه\2\276
بابي وامي من لا يلهوولا يلعب\الإمام الصّادق\2\219
بالمدينة\الامام العسكريّ\2\348
بخصال اما اولهن فانه بشيء قد تقدم فيه من\الإمام الكاظم\2\224
بدعاء جدي الحسين بن علي\الإمام الصّادق\2\184
البر اخرج هذا واللّه لقد كلمني ان اكلم\أمير المؤمنين\1\255
بسم اللّه الرحمن الرحيم اما بعد فانه قد\الإمام الحسين\2\75
بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي\الإمام الحسين\2\39
بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي\الإمام الحسين\2\70
بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة\الإمام الحسين\2\108
بل امنت بالله الساعة ان الإسلام قبل\الإمام الصّادق\2\198
بل تقتل يا بني ظلما ويقتل اخوك ظلما\رسول اللّه\2\131
بل واللّه مقتول قتلا ضربة على هذا وتخضب\أمير المؤمنين\1\321
بلىt والذي إليه مرجع العباد\الإمام الحسين\2\82
بلى ولكن تبين لهم ما يختلفون فيه من بعدي\رسول اللّه\1\46
ص: 418
بلى يا رسول اللّه بشرني\أمير المؤمنين\1\44
بلية الناس علينا عظيمة ان دعوناهم لم\الإمام الباقر\2\167
بما اهللت يا علي\رسول اللّه\1\172
بنا تسنمتم الشرفاء وبنا انفجرتم عن السرار\أمير المؤمنين\1\253
بنفسي هوان الناس ليقولون فيه وانه لمقتول\الإمام الصّادق\2\193
بولده\الإمام الصّادق\2\218
بين يدي القائم موت احمر وموت ابيض وجراد\أمير المؤمنين\2\372
(ت)
تاخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة\الإمام الصّادق\2\205
تاكل نصفها وترمي نصفها وقد تخلصت من\أمير المؤمنين\1\222
تحلف بالله كاذبا وقد دفنت مائتي دينار\الامام العسكريّ\2\332
ترجع من حیث جئت \أمير المؤمنين\1\101
ترك التعاهد للصديق داعية القطيعة\أمير المؤمنين\1\303
ترى هذا هذا من الذين قال اللّه ونريد ان\الإمام الباقر\2\180
تريد الإكثار أم اجمل لك\أبوالحسن\2\376
تزودوا رحمكم اللّه فقد نودي فيكم بالرحيل\أمير المؤمنين\1\234
تفرقوا\الإمام الرضا\2\267
تكفونهم ان شاء اللّه\الامام العسكريّ\2\329
تمام العفاف الرضا بالكفاف\أمير المؤمنين\1\299
تنفذني يا رسول اللّه للقضاء وانا شاب\أمير المؤمنين\1\194
تهتم كما تاهت بنوإسرائيل على عهد موسى\أمير المؤمنين\1\290
***
ص: 419
(ث)
ثكلتك أمّك ما تريد\الإمام الحسين\2\80
ثلاثة من كنوز الجنة كتمان الصدقة وكتمان\أمير المؤمنين\1\303
(ج)
جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين واخبرني\رسول اللّه\2\130
جرده انزع قميصه\الإمام الرضا\2\278
جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده\الإمام الحسين\2\82
جعلت فداك واللّه لادعنهم والرجل منهم\الإمام الصّادق\2\180
جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه\أمير المؤمنين\1\299
الجود من كرم الطبيعة والمن مفسدة للصنيعة\أمير المؤمنين\1\303
(ح)
حده ثمانين ان شارب الخمر إذا شربها سكر\أمير المؤمنين\1\203
حديثي حديث ابي وحديث ابي حديث جدي وحديث\الإمام الصّادق\2\186
حركك الصهر وبعثك على ما صنعت واللّه ما\أمير المؤمنين\1\286
حسبنا ان نكون من صالحي قومنا\الإمام السجّاد\2\143
حسن الأدب ينوب عن الحسب\أمير المؤمنين\1\298
حسن الاعتراف يهدم الاقتراف\أمير المؤمنين\1\299
حسين مني وانا من حسين أحبّ اللّه من أحبّ\رسول اللّه\2\127
حق الرجل ثمانية وعشرون دينارا وما بقي\الإمام الرضا\2\257
الحلم وزير المؤمن والعلم خليله والرفق\أمير المؤمنين\1\303
الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلاّ اللّه\الإمام الجواد\2\284
ص: 420
الحمد لله الذي اجاب دعوتي\رسول اللّه\1\77
الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من\رسول اللّه\1\195
الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمني\الإمام السجّاد\2\147
الحمد لله الذي لم اكن عنده منسيا الحمد\أمير المؤمنين\1\336
الحمد لله اما بعد فانّك ان اشخصت أهل الشام\أمير المؤمنين\1\209
الحمد لله بكل ما حمده حامد واشهد ان لا\الامام الحسن\2\11
الحمد لله قديما وحديثا ما عاداني\أمير المؤمنين\1\264
الحمل له والولد ولده وارى عقوبته على\أمير المؤمنين\1\211
حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد لسنا في خان\الامام الهادي\2\311
(خ)
خبرني عن رجل نظر الى امراة في اول النهار\الإمام الجواد\2\286
خذ الراية\رسول اللّه\1\125
خذ الراية وامض الى بني سليم فانهم\رسول اللّه\1\162
خذ الراية وامض بها فجبرئیل معک \رسول اللّه\1\126
خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما\الامام الهادي\2\308
خذ هذا فضعه فی یدک \رسول اللّه\1\185
خذها يا ابا هاشم واعذرنا\الامام العسكريّ\2\329
خذوا رحمكم اللّه من ممركم لمقركم ولا\أمير المؤمنين\1\295
خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد وضعوه\الامام الهادي\2\302
خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم\أمير المؤمنين\1\89
خذيه يا فاطمة فقد ادى بعلك ما عليه\رسول اللّه\1\90
خرجت حتّى انتهيت الى هذا الحائط فاتكأت\الإمام السجّاد\2\148
خرجنا به ليلا على مسجد الاشعث حتّى خرجنا\الإمام الحسين\1\25
ص: 421
خرجنا مع الحسين فما نزل منزلا ولا ارتحل\الإمام السجّاد\2\132
خروج الثلاثة السفياني والخراسانيّ واليماني\الإمام الصّادق\2\375
الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من\الامام الهادي\2\320
الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من\الامام الهادي\2\349
الخوف من ملوك بني فلان والجوع من غلاء\الإمام الصّادق\2\378
خير الغنى ترك السؤال وشر الفقر لزوم\أمير المؤمنين\1\304
خيرا رايت تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك\رسول اللّه\2\129
(د)
دخلت على جابر بن عبد اللّه فسلمت عليه\الإمام الباقر\2\158
دخلت العمرة في الحجّ الى يوم القيامة\رسول اللّه\1\173
دعنا ويحك ننزل في هذه القرية اوهذه\الإمام الحسين\2\84
دعنی یاامیرالمومنین احلفه انا \الإمام الصّادق\2\183
دعهم فان اللّه سيمكن منهم ان الذي امكنك\رسول اللّه\1\109
دعوه سيكون له اتباع يمرقون من الدين كما\رسول اللّه\1\149
دعوهن فانهن نوائح\أمير المؤمنين\1\17
دفن بناحية الغريين ودفن قبل طلوع الفجر\الإمام الباقر\1\25
الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن\أمير المؤمنين\1\296
الدنيا دار صدق لمن عرفها ومضمار الخلاص\أمير المؤمنين\1\296
الدهر يومان يوم لك ويوم عليك فان كان\أمير المؤمنين\1\300
(ذ)
ذاك جبرئيل\رسول اللّه\1\85
ذاك خير البشر لا يشك فيه الا كافر\رسول اللّه\1\39
ص: 422
ذکرت الحواس الخمس وهی لا تنفع فی الاستنباط الإمام الصّادق \الإمام الصّادق\2\202
ذلك اقصر لعمره عد من يومك هذا خمسة أيّام\الامام العسكريّ\2\333
ذلك قول الزنادقة فاما المسلمون فلا سبيل\الإمام الباقر\2\385
(ر)
رایت النبی (ص) فی منامی، فشکوت الیه \أمير المؤمنين\1\15
رب ان تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل\الإمام الحسين\2\108
ربّ عزيز اذله خلقه وذليل اعزه خلقه\أمير المؤمنين\1\300
رب كم من نعمة انعمت بها عليّ قل لك عندها\الإمام السجّاد\2\151
رحم اللّه ابا هذا اما انه لوكان حيا لكان\أمير المؤمنين\1\254
رحم اللّه امرأ منكم آسى أخاه بنفسه ولم\أمير المؤمنين\1\266
رحمك اللّه يا مسلم منهم من قضى نحبه ومنهم\الإمام الحسين\2\103
ردّ عنی یا علی هذه الکتیبة \رسول اللّه\1\121
ردوها إليه وقولوا له اما علمت ان هذه\أمير المؤمنين\1\203
ردوها واسالوها فلعل لها عذرا\أمير المؤمنين\1\78
ركود الشمس ما بين زوال الشمس الى وقت\الإمام الباقر\2\373
رمد ما ابصر معه وصداع براسي\أمير المؤمنين\1\126
(ز)
الزاهد فی الدنیا، کلّما ازدادت له تحلیاً \أمير المؤمنين\1\298
زعمت ان الرجل مات حتف انفه وقد قتلته\أمير المؤمنين\1\216
زيارة الحسين بن علي واجبة على كل من يقر\الإمام الصّادق\2\133
زيارة الحسين تعدل مائة حجة مبرورة ومائة\الإمام الصّادق\2\134
ص: 423
(س)
سئلت أمّ سلمة زوج النبيّ عن عليّ بن أبي طالب\الإمام الباقر\1\41
الساكت أخوالراضي ومن لم يكن معنا كان\أمير المؤمنين\1\303
سأل عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين فقال\الإمام الباقر\2\382
سالت عن القائم وإذا قام قضى بين الناس\الامام العسكريّ\2\331
سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن اجيبك فما\الإمام الكاظم\2\225
سبحان من لا يخلومنه مكان ولا يكون الى\النبيّ موسى\1\202
سبع سنين تطول له الأيّام والليالي حتّى\الإمام الصّادق\2\381
ستخلف غيره وغيره فسم الأول احمد ومن بعد\الامام المهديّ\2\363
ستدعى الى مثلها فتجيب وانت على مضض\رسول اللّه\1\121
سر على بركة اللّه فان اللّه قد وعدك ارضهم\رسول اللّه\1\110
سل\الامام العسكريّ\2\348
سل ان شئت\الإمام الصّادق\2\200
سل ان شئت\الإمام الجواد\2\283
سل تخبر ولا تذع فان اذعت فهوالذبح\الإمام الكاظم\2\222
السلام على همدان السلام على همدان\رسول اللّه\1\62
السلام عليك يا رسول اللّه السلام عليك\الإمام الكاظم\2\234
السلام عليكم يا أهل القبور ليهنئكم\رسول اللّه\1\181
سلموا على علي بامرة المؤمنين\رسول اللّه\1\48
سله تجده ملیاً \الإمام الصّادق\2\197
سلوني قبل ان تفقدوني فوالذي فلق الحبة\أمير المؤمنين\1\35
سلوني قبل ان تفقدوني فواللّه لا تسالوني\أمير المؤمنين\1\330
سلوها هل جامعها بعد ميراثها له\أمير المؤمنين\1\211
ص: 424
سمعت رسول الله (ص) یقول لعلی بن ابی طالب (ع) \الامام الکاظم \1\44
سنة الفتح ينبثق الفرات حتّى يدخل ازقة\الإمام الصّادق\2\377
سوف ترد عليك\الامام الهادي\2\305
سيفعل اللّه ذلك بهم\الإمام الباقر\2\373
(ش)
شاهت الوجوه\رسول اللّه\1\69
شر الزاد الى المعاد احتقاب ظلم العباد\أمير المؤمنين\1\300
الشكر زينة الغنى والصبر زينة البلوى\أمير المؤمنين\1\300
شكوت الى رسول اللّه حسد الناس اياي\أمير المؤمنين\1\43
(ص)
صاحب هذا الامر لا يلهوولا يلعب\الإمام الصّادق\2\219
صاحبكم بعدي الذي يصلي عليّ\الامام الهادي\2\315
صبر جميل\أمير المؤمنين\1\241
الصبر على ثلاثة اوجه فصبر على المصيبة\أمير المؤمنين\1\302
صدقت اللّه جاري لكن هذا جبرئيل يخبرني ان\رسول اللّه\1\116
صدقت لله الامر وكل يوم ربّنا هوفي شان\الإمام الحسين\2\67
صدقت يا محمّد يمد اللّه في عمرك وتسلم له\الإمام الكاظم\2\253
صفر الوجوه من السهر عمش العيون من البكاء\أمير المؤمنين\1\237
الصلاة الصلاة\أمير المؤمنين\1\20
صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين\رسول اللّه\1\30
(ض)
ضاحك معترف بذنبه أفضل من باك مدل على ربّه\أمير المؤمنين\1\304
ص: 425
ضع راسي يا علي في حجرك فقد جاء امر اللّه\رسول اللّه\1\186
(ع)
عباد اللّه اتقوا اللّه وغضوا الابصار\أمير المؤمنين\1\265
عباد اللّه انهدوا الى هؤلاء القوم منشرحة\أمير المؤمنين\1\252
عبد لله اصطفاه وانتجبه\رسول اللّه\1\167
عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك\الإمام السجّاد\2\143
عزّ واللّه علی عمّک ان تدعوه فلا یجیبک \الإمام الحسين\3\108
عظم الذنب من عبدك فليحسن العفومن عندك\الإمام الكاظم\2\231
عفا اللّه عنك\الإمام السجّاد\2\147
العفويفسد من اللئيم بقدر اصلاحه\أمير المؤمنين\1\298
علمنا غابر ومزبور ونكث في القلوب ونقر\الإمام الصّادق\2\186
علمني الف باب فتح لي كل باب الف باب\أمير المؤمنين\1\186
علمني الف باب من العلم فتح لي كل باب\أمير المؤمنين\1\34
على الدنيا بعدك العفاء\الإمام الحسين\2\106
علي اول من آمن بي واول من يصافحني يوم\رسول اللّه\1\31
علي بن أبي طالب اعلم امتي واقضاهم فيما\رسول اللّه\1\33
عليكم بهذا بعدي فهوواللّه صاحبكم بعدي\الإمام الصّادق\2\219
عند هذه يخاف عليّ الامر من بعدي الى ابني\الإمام الجواد\2\298
عندي سلاح رسول اللّه لا انازع فيه\الإمام الصّادق\2\188
عهد الي رسول اللّه انه لا يحبك الا مؤمن\أمير المؤمنين\1\40
ص: 426
عهدي الى الأكبر من ولدي\الامام الهادي\2\316
عهدي الى أكبر ولدي ان يفعل كذا وان يفعل\الإمام الكاظم\2\250
(غ)
غاية الجود ان تعطي من نفسك المجهود\أمير المؤمنين\1\299
غضب اللّه عقابه يا عمروومن ظنّ ان اللّه\الإمام الباقر\2\165
(ف)
فاجتمع الناس الي وسرت حتّى دنوت من سورهم\أمير المؤمنين\1\109
الفاجر ان سخط ثلب وان رضي كذب\أمير المؤمنين\1\299
فارجع الى اسمك الذي سماك به رسول اللّه\أمير المؤمنين\1\323
فاستخلفه علی ذلک \الإمام الصّادق\1\183
فاشر إليه\أمير المؤمنين\1\318
فاصنع يرحمك اللّه ما بدا لك\الإمام الحسين\2\100
فاكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي\رسول اللّه\1\82
فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ينازعني\أمير المؤمنين\1\261
فان اللّه قد احبك كما احببتها\رسول اللّه\1\117
فانت اذن شریک رسول اللّه (ص) \الإمام الصّادق\2\194
فان عمر قد علم ان سعدا وعبد الرحمن\أمير المؤمنين\1\286
فان كنتم في شك من هذا أ فتشكون اني ابن بنت\الإمام الحسين\2\98
فان لم تنصرنا فاتق اللّه أن تكون ممن\الإمام الحسين\2\82
فانفذوا جيش أسامة فانفذوا جيش أسامة\رسول اللّه\1\184
فاني آمرك ان تاخذ ما اعطاك وترضى\أمير المؤمنين\1\148
ص: 427
فاني اجيبك الى ما تريد من ولاية العهد\الإمام الرضا\2\260
فاني ادعوك إلى اللّه ورسوله والإسلام\أمير المؤمنين\1\98
فاني ادعوك الى شهادة ان لا إله إلاّ اللّه\أمير المؤمنين\1\101
فاني ادعوك الى النزال\أمير المؤمنين\1\98
فاني خلقت انا وانت من طينة واحدة ففضلت\رسول اللّه\1\44
فاني قد اخترت لک ابنتی فاطمه...\الإمام الحسين\2\25
فاين اذهب يا اخي\الإمام الحسين\2\35
فتصبح وتری ریک فی ذلک \الإمام الحسين\2\33
الفتن في الآفاق والمسخ في اعداء الحق\الإمام الكاظم\2\373
فدنوت منه لا سمع ما يقول لهم وانا اذ ذاك\الإمام السجّاد\2\91
فشأنك بعدوك\أمير المؤمنين\1\318
فضع یدی علیها رسول اللّه\1\121
فقمت بين يديه من بينهم وانا اذ ذاك\أمير المؤمنين\1\50
فلا تضع من قدرك ولا تعص ربك ولا تفعل\الامام الهادي\2\307
فلم املك حين رايته بتلك الحال البكاء\الإمام الباقر\2\142
فلم تاخرتم عن امری \رسول اللّه\1\183
فلم لا تحل وقد امرت \رسول اللّه\1\174
فما بال معاوية وأصحابه طاعنين في بيعتي\أمير المؤمنين\1\262
فما ترونه\الإمام الحسين\2\77
فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك\أمير المؤمنين\1\195
فما لي لا ارى عليكم سيماء الشيعة\أمير المؤمنين\1\237
فمضيت بها حتّى اتيت الحصون فخرج مرحب\أمير المؤمنين\1\126
فمن كنت مولاه فعلي مولاه\رسول اللّه\1\8
فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللّهمّ وال\رسول اللّه\1\176
ص: 428
فنظرت الى فتق تحت ابطه فضربته بالسيف فيه\أمير المؤمنين\1\88
فههنا اخری \أمير المؤمنين\1\101
فهذا الدلیل علی حدث العالم \الإمام الصّادق\2\202
فهذه أربعة وعشرون ثلثا اكلت انت ثمانية\أمير المؤمنين\1\219
فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء\الإمام الكاظم\2\227
فواها لاهل العقول كيف اقاموا بمدرجة\أمير المؤمنين\1\292
في الأكبر من ولدي\الامام الهادي\2\316
في النطفة عشرون دينارا وفي العلقة أربعون\أمير المؤمنين\1\222
فی ای شهر کان؟ \أمير المؤمنين\1\216
(ق)
قال دخلت على فاطمة بنت رسول اللّه وبين\الإمام الباقر\2\346
قتل اللّه قوما قتلوك يا بني ما اجرأهم على\الإمام الحسين\2\106
قتلت مولاي واخذت مالي اما علمت ان الرجل\الإمام الصّادق\2\185
قتله في حل اوحرم عالما كان المحرم\الإمام الجواد\2\283
قد اجرت من اجرت \أمير المؤمنين\1\137
قد اديت ديات القتلى واعطيتكم بعد ذلك\أمير المؤمنين\1\55
قد اقمناك مقام ابيك فاحمد اللّه\الامام المهديّ\2\356
قد جرت أمور صبرنا فيها وفي اعيننا القذى\أمير المؤمنين\1\249
قد سارت عائشة وطلحة والزبير كل واحد\أمير المؤمنين\1\246
قد سبقك يا علي الي من اخافه اللّه بك\رسول اللّه\1\341
قد سمعت ما قالوا\أمير المؤمنين\1\205
قد سمعتم ما قال الرجل وانا أحبّ ان تبلغوا\الإمام السجّاد\2\145
قد شكر اللّه لعلي سعيه واجرت من اجارت\رسول اللّه\1\138
قد عفوت عنك وعن جرمك فاستغفر ربك ولا\رسول اللّه\1\59
ص: 429
قد عفوت عنكم فاياكم والفتنة فانكم اول\أمير المؤمنين\1\257
قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط\الإمام الرضا\2\264
قد علمتم معاشر المسلمين ان طلحة والزبير\أمير المؤمنين\1\250
قد فعل اللّه ذلك\الإمام الصّادق\2\217
قد قال القوم ما سمعت \أمير المؤمنين\2\285
قد قبلت ذلک ورضیت به \الإمام الجواد \2\116
قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس\الإمام السجّاد\2\116
قد كظمت غيظي\الإمام السجّاد\2\146
قد كنت يا عمروعاهدت اللّه الا يدعوك رجل\أمير المؤمنين\1\98
القصد اسهل من التعسف والكف اودع من\أمير المؤمنين\1\300
قضاء قضاه اللّه على لسان النبيّ الامي انه\أمير المؤمنين\1\40
قل برئت من حول اللّه وقوته،... \الإمام الصّادق\1\183
قل له استعن بهذه على سفرك واعذرنا\الإمام الرضا\2\264
قل له: کم کان غایتک فیها \الإمام الرضا\2\254
قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق امير\الإمام الباقر\2\164
قم یا حسان علی اسم اللّه \رسول اللّه\1\177
قم يا علي إليه فاقطع لسانه\رسول اللّه\1\147
قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة قاتلوا\رسول اللّه\1\74
قولوا الحجة من آل محمد\الامام الهادي\2\320
قولوا الحجة من آل محمد\الامام الهادي\2\349
قولوا له هذا عليّ بن الحسين\الإمام السجّاد\2\145
قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه\الإمام الرضا\2\267
قوّمها\أمير المؤمنين\1\247
قوموا فاكبوا\الإمام الحسين\2\80
قیاس روّاغ تکسر باطلاً بباطل \الإمام الصّادق\2\198
قيمة كل امرئ ما يحسن\أمير المؤمنين\1\300
ص: 430
(ك)
كان اصحاب اللواء یو احدتسعه... \الإمام الصّادق \1\88
كان عليّ بن الحسين يصلي في اليوم والليلة\أبوجعفر\2\143
کان قاتل یحیی بن زکریا ولد زنا، وقاتل الحسین \الإمام الباقر\2\132
كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب الي اهل\الإمام الحسين\2\72
كانت السماء رتقا لا تنزل القطر وكانت\الإمام الباقر\2\165
كانما القوم باتوا غافلين\أمير المؤمنين\1\237
كاني انظر الى وميض خاتمه في شماله\أمير المؤمنين\1\74
كاني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها\الإمام الباقر\2\379
كاني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات\أبوالحسن\2\376
كتب الي أهل مصركم هذا ان اقدم فاما اذ\الإمام الحسين\2\85
كذبا لعنهما اللّه واللّه ما راه عبد اللّه\الإمام الصّادق\2\187
كرهت ان يراه اللّه يوحده ويمجده فيحلم\الإمام الصّادق\2\184
كفروا يا رسول اللّه وولوا الدبر من العدو\أمير المؤمنين\1\86
كل قول ليس لله في ذكر فلغووكل صمت ليس\أمير المؤمنين\1\297
کلاً ما عبروا \أمير المؤمنين\2\318
كلامك هذا من كلام رسول اللّه اومن عندك\الإمام الصّادق\2\194
كم غرمت في زرعك هذا\الإمام الكاظم\2\233
الكوفة\الإمام الحسين\2\76
کونوا معه وامتثلوا امره \أمير المؤمنين\1\340
كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتّى\رسول اللّه\2\131
كيف تجلد بحساب الرق وقد عتق منها ثلاثة\أمير المؤمنين\1\212
كيف رايتم اميركم\رسول اللّه\1\116
كيف يكون يا ويلك عنا غائبا من هومع خلقه\الإمام الصّادق\2\201
ص: 431
(ل)
لا اكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك اللّه\الإمام الحسين\2\110
لا الاّ أن يكون احدهما صامتا\الإمام الرضا\2\278
لا، انا اتکلم \أمير المؤمنين\1\247
لا بدّ ان تجري مقادير اللّه واحكامه\الامام الهادي\2\301
لا تبرحوا\أمير المؤمنين\1\164
لا تبرحوا عن مكانكم هذا وان قتلنا\رسول اللّه\1\80
لا تبك فهي عليّ وانت منها بريء\الإمام السجّاد\2\149
لا تبك يا علي\رسول اللّه\1\15
لا تخرج معهم فليس لك في الخروج معهم خيرة\الامام المهديّ\2\358
لا تخصوا أحدا حتّى يخرج اليكم امري\الامام الهادي\2\316
لا ترمه فاني اكره ان ابدأهم\الإمام الحسين\2\96
لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما\رسول اللّه\1\177
لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك احدا\الإمام الرضا\2\269
لا تشغل قلبك بهذا الامر ولا تستبشر به\الإمام الرضا\2\263
لا تفعل\الامام المهديّ\2\363
لا تفعلوا فان هذا الامر لم يأت بعد ان كنت\الإمام الصّادق\2\192
لا تقوم الساعة حتّى يخرج المهديّ من ولدي\رسول اللّه\2\371
لا تنشدنی \أمير المؤمنين\1\248
لا تنفس علی بالجنه یا رسول اللّه \أمير المؤمنين\1\115
لا حاجة بكم الى ذلك\أمير المؤمنين\1\335
لا حياة الا بالدين ولا موت إلاّ بجحود\أمير المؤمنين\1\296
لا خير في العيش بعد هؤلاء\الإمام الحسين\2\75
ص: 432
لا سيف الا ذوالفقار ولا فتى الاّ علي\جبرائيل\1\84
لا صاحبكم بعدي الحسن\الامام الهادي\2\315
لا عدة انفع من العقل ولا عدواضر من\أمير المؤمنين\1\304
لا غنى مع فجور ولا راحة لحسود ولا مودة\أمير المؤمنين\1\303
لا لم تحلف بالله فتلزمك كفّارة وانما حلفت\أمير المؤمنين\1\224
لا نركب قد جعلنا على انفسنا المشي الى بيت\الامام الحسن\2\129
لا نفاد لفائدة إذا شكرت ولا بقاء لنعمة\أمير المؤمنين\1\300
لا واللّه لا اعطیکم بیدی اعطاء الذلیل \الامام الحسن\2\98
لا واللّه لا افارقه حتّى يقضي اللّه ما هو\الإمام الحسين\2\35
لا واللّه ما اظن ولكني لا اجد لك غير\أمير المؤمنين\1\133
لا واللّه ما تريدان العمرة وانما تريدان\أمير المؤمنين\1\315
لا ولكن الأمين هبط الي عن اللّه بانه\رسول اللّه\1\66
لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة\رسول اللّه\1\122
لا يجوز له ذلك مع الاختيار\الإمام الكاظم\2\235
لا يخرج القائم الاّ في وتر من السنين\الإمام الصّادق\2\379
لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنا عشر\الإمام الصّادق\2\372
لا يذهب ملك هؤلاء حتّى يستعرضوا الناس\الإمام الصّادق\2\376
لا يضيقن صدرك فانّك ستحج قابلا ان شاء اللّه\الامام المهديّ\2\364
لا يفوتنكم الرجل\أمير المؤمنين\1\20
لا يكون ما تمدون إليه اعناقكم حتّى تميزوا\الإمام الرضا\2\375
لأعطين الراية غدا رجلا يحبه اللّه ورسوله\رسول اللّه\1\64
لأقعدن بك من اللّه مقعدا لا يبقى لك معه\الامام الهادي\2\306
لأنت اجرأ من صائد الأسد حين تقدم هذا\أمير المؤمنين\1\213
ص: 433
لأنكم لا ترون، شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه\الامام الهادي\2\349
لتنتهن يا معشر قريش اوليبعثن اللّه عليكم\رسول اللّه\1\122
لست بداخل الحمام غدا\الإمام الرضا\2\266
لقد تعجبت يوم بدر من جرأة القوم\أمير المؤمنين\1\75
لقد حدّثني خليلي رسول اللّه بما سالت عنه\أمير المؤمنين\1\330
لقد حضرنا بدرا وما فينا فارس غير المقداد\أمير المؤمنين\1\73
لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه\الامام الحسن\2\16
لقد عهدت اقواما على عهد خليلي رسول اللّه\أمير المؤمنين\1\237
لقد فعلتم فعلة ضعضعت من الإسلام قواه\أمير المؤمنين\1\268
لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه\الامام الحسن\2\8
لقد قضى أبوالحسن فيهم بقضاء اللّه\رسول اللّه\1\196
لقد قضى عليّ بن أبي طالب بينكما بقضاء اللّه\رسول اللّه\1\198
لكنني أحبّ ان اقتلك فانزل ان شئت\أمير المؤمنين\1\102
لكنني واللّه أحبّ ان اقتلك ما دمت ابيا\أمير المؤمنين\1\99
لكنه خاصف النعل وانه المقاتل على التاويل\رسول اللّه\1\124
لكنّني لا ارجوولا من كل مائة اثنين\أمير المؤمنين\1\242
لم ار مثل التقدّم في الدعاء فان العبد ليس\الإمام السجّاد\2\151
لم استطع ان اصليها قائما لمكانك\أمير المؤمنين\1\346
لم أقل انكم تدخلونه في ذلك العام\رسول اللّه\1\153
لم أك بالذي اعبد من لم اره\أمير المؤمنين\1\225
لم تركت اقامة الحدّ على قدامة في شربه\أمير المؤمنين\1\203
لم رجعت\رسول اللّه\1\122
لم لم تقرا بهم في فرائضك الا بسورة\رسول اللّه\1\117
لم ياتني وحي به ولكني رايت العرب قد\رسول اللّه\1\96
لم يضع من مالك ما بصرك صلاح حالك\أمير المؤمنين\1\300
ص: 434
لم يكن عليّ أمير المؤمنين يمسح وكان يقول\الإمام الباقر\2\161
لم يكن عن نكاح فيكون له والد\رسول اللّه\1\167
لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول اللّه\أمير المؤمنين\1\86
لما صبحت الخيل الحسين رفع يديه\الإمام السجّاد\2\96
لما عالجت باب خيبر جعلته مجنا لي وقاتلت\أمير المؤمنين\1\128
لمن هذا\الإمام الحسين\2\81
لن تنقضي الأيّام والليالي حتّى يبعث اللّه\رسول اللّه\2\340
لواستقبلت من امري ما استدبرت ما سقت\رسول اللّه\1\173
لواعلم انه فعل ذلك لعذبته اذهبي فانه\أمير المؤمنين\1\211
لوترك القطا لنام\الإمام الحسين\2\93
لوجاءني واللّه الموت وانا في هذه الحال\الإمام الباقر\2\162
لوحملت على هذه يا علي\رسول اللّه\1\89
لوعرف الأجل قصر الامل\أمير المؤمنين\1\300
لوعلمت انكما اقدمتما على ما فعلتماه\أمير المؤمنين\1\195
لوكانت الفتنة براس الثريا لتناولها هذا\أمير المؤمنين\1\255
لولم اعجل لاخذت\الإمام الحسين\2\67
لولم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول\رسول اللّه\2\340
لولا انني اخاف ان تتكلوا وتتركوا العمل\أمير المؤمنين\1\316
لولا اني سقت الهدي لاحللت وجعلتها عمرة\رسول اللّه\1\174
لولا التجارب عميت المذاهب\أمير المؤمنين\1\304
لولا طاعتك يا رسول اللّه لما محوت بسم\أمير المؤمنين\1\120
ليتعلم الجاهل ويتثبت العالم ولعلّ اللّه\أمير المؤمنين\1\271
ليجهد جهده فلا سبيل له عليّ\الإمام الرضا\2\255
ليدخل اوس بن خولي\أمير المؤمنين\1\188
ليس بين قيام القائم وقتل النفس الزكية\أبوجعفر\2\374
ص: 435
ليس حيث ظننت في هذه السنة\الإمام الجواد\2\298
ليس ذلك كما ظننتم وانما هوحاكم من حكام\أمير المؤمنين\1\349
ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بامرنا\الامام المهديّ\2\361
ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك\أمير المؤمنين\1\203
لیس لک الویل یا اُخیّةُ اسکتی رحمک اللّه \الإمام الحسين\2\90
ليس من ابتاع نفسه فاعتقها كمن باع نفسه\أمير المؤمنين\1\298
ليس هذا الحادث الحادث الآخر\الامام العسكريّ\2\325
ليست هذه الراية لمن حملها جيئوني بعلي\رسول اللّه\1\126
لیقم صاحب الکتاب والا فضحه الوجي \رسول اللّه\1\58
(م)
ما أحسن ما قال ابوك تذل الأمور للمقادير\أمير المؤمنين\1\302
ما ارى شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة\أمير المؤمنين\1\133
ما اسمك\أمير المؤمنين\1\323
ما اظن هؤلاء القوم الا ظاهرين عليكم\أمير المؤمنين\1\274
ما اظنك افطرت بعد\الإمام الرضا\2\256
ما اعذرني للامير\الإمام السجّاد\2\152
ما اغناه عن الراي في هذا المكان اما علم\أمير المؤمنين\1\200
ما الذي تريد قد عرفت ما صنع القوم بابيك\أمير المؤمنين\1\217
ما الذي دعاك الى الإسلام بعد طول مقامك\أمير المؤمنين\1\336
ما امرتهم بهذا\الإمام الصّادق\2\187
ما بالكم تناصرون عليّ أم واللّه لئن\الإمام الحسين\2\29
ما بعد كائن ولا قرب بائن\أمير المؤمنين\1\299
ما بلغ بنيّاي ان يجيرا بين الناس وما يجير\فاطمة الزهراء\1\133
ص: 436
ما بهذا امروا\الامام المهديّ\2\353
ما ترون فقد قتل مسلم\الإمام الحسين\2\75
ما تشتكي يا علي\رسول اللّه\1\126
ما حاجتكم الى ذلك هذا أبوجعفر قد اجلسته\الإمام الرضا\2\276
ما حدث فيك الاّ خير انت مني وانا منك\رسول اللّه\1\46
ما حفظت عن ابيك بعد وقعة الفيل\أمير المؤمنين\1\302
ما حملكم على قتله وقد جاءكم الرسول الا\رسول اللّه\1\145
ما خبر السيف الذي انسيته\الامام المهديّ\2\365
ما خبر الواثق عندك\الإمام الجواد\2\301
ما دون هؤلاء ستر\الإمام الحسين\2\74
ما رايت مثله حسنا وفراهة\الامام العسكريّ\2\328
ما رايت منذ بعث اللّه محمّدا رخاء فالحمد\أمير المؤمنين\1\284
ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم\الإمام الباقر\2\167
ما صنع الناس يا علي\رسول اللّه\1\86
ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا الاّ ولله\أمير المؤمنين\1\225
ما فعل جعفر\الامام الهادي\2\301
ما فعل فرسك\الامام العسكريّ\2\332
ما كان يقول حيي وهويقاد الى الموت\أمير المؤمنين\1\112
ما كل من نوى شيئا قدر عليه ولا كل من قدر\الإمام الصّادق\2\204
ما كنت لأبدأهم بقتال\الإمام الحسين\2\84
ما لك تبكين أ تخافين ان يقتل بعلك\رسول اللّه\1\115
ما لك لا تذهب مع القوم\رسول اللّه\1\89
ما لك لم تفر مع الناس\رسول اللّه\1\85
ما لمعاوية قاتله اللّه لقد ارادني امر عظيم\أمير المؤمنين\1\275
ص: 437
ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا\الإمام الحسين\2\77
ما لي اراك يا عمر محرما اسقت هديا\رسول اللّه\1\174
ما ولدت أم مجفر اشر وألأم\الإمام السجّاد\2\119
ما يبكيك\الإمام السجّاد\2\149
ما يحبس اشقاها\أمير المؤمنين\1\319
ما يحبس اشقاها فوالذي نفسي بيده لتخضبن\أمير المؤمنين\1\11
ما يمنع اشقاها ان يخضبها من فوقها بدم\أمير المؤمنين\1\13
ما يمنع اشقاها ان يخضبها من فوقها بدم\أمير المؤمنين\1\320
ما يمنعك أن تكون مثل اخيك فواللّه اني\الإمام الصّادق\2\218
ما ينقم الناس منا نحن أهل بيت الرحمة\الإمام الباقر\2\168
ما ذا أ تظنون اني لا اعلم ما صنعتم بابي\أمير المؤمنين\1\215
مر ثقتين من رجال المسلمين يطوفان به\أمير المؤمنين\1\199
مر من يغلي ماء حتّى تشتد حرارته ثمّ لتاتني\أمير المؤمنين\1\218
المرء مخبوء تحت لسانه\أمير المؤمنين\1\300
مرحبا بك يا أم هانئ واهلا\رسول اللّه\1\137
مساكين لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة\الإمام الرضا\2\258
مضى أبوالحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم\الإمام الجواد\2\292
معاشر الناس قد حان مني خفوف من بين\رسول اللّه\1\182
معاشر الناس ليس بين اللّه وبين أحد شيء\رسول اللّه\1\182
المعروف عصمة من البوار والرفق نعشة من\أمير المؤمنين\1\304
معشر المسلمين ان اللّه قد دلكم على تجارة\أمير المؤمنين\1\265
من أنست منهم رشدا فالق إليه وخذ عليه\الإمام الكاظم\2\222
من اتسع أمله قصر علمه\أمير المؤمنين\1\304
من أحبّ ان يفارقنا في بعض الطريق اعطيناه\الإمام الحسين\2\68
من أحبّ ان ینطلق المعنا الی الطریق \الإمام الحسين\2\68
ص: 438
من أحبّ الحسن والحسين احببته ومن احببته\رسول اللّه\2\28
من أحبّ المكارم اجتنب المحارم\أمير المؤمنين\1\299
من احبني فليحب هذين\رسول اللّه\2\28
من اقرب الدليل على ذلك ما اذكره لك\الإمام الصّادق\2\202
من امل إنسانا هابه ومن قصر عن معرفة شيء\أمير المؤمنين\1\301
من أنتم\أمير المؤمنين\1\237
من بالغ في الخصومة اثم ومن قصر فيه خصم\أمير المؤمنين\1\298
من حسنت به الظنون رمقته الرجال بالعيون\أمير المؤمنين\1\299
من حقّ العالم ان لا يكثر عليه السؤال\أمير المؤمنين\1\230
من زار الحسين بعد موته فله الجنة\رسول اللّه\2\134
من سبق الى الظل ضحي ومن سبق الى الماء\أمير المؤمنين\1\298
من شاور ذوي الالباب دل على الصواب\أمير المؤمنين\1\300
من صحت عروقه اثمرت فروعه\أمير المؤمنين\1\301
من ظلم ابني هذا حقه وجحده امامته من بعدي\الإمام الكاظم\2\253
من عبد اللّه أمير المؤمنين الى أهل الكوفة\أمير المؤمنين\1\258
من قنع باليسير استغنى عن الكثير ومن لم\أمير المؤمنين\1\301
من كان على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه\أمير المؤمنين\1\302
من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار\رسول اللّه\1\123
من كسل لم يؤد حقا لله تعالى عليه\أمير المؤمنين\1\302
من كنت مولاه فعلي مولاه\رسول اللّه\1\351
من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من\رسول اللّه\1\352
من لم يجرب الأمور خدع ومن صارع الحق\أمير المؤمنين\1\300
من لم يكن أكثر ما فيه عقله كان باكثر\أمير المؤمنين\1\299
من له\أمير المؤمنين\1\152
من له علم بنوفل\رسول اللّه\1\77
ص: 439
من هذا\الإمام الحسين\2\102
من هذا كأنّه شمر بن ذي الجوشن\الإمام الحسين\2\96
من يؤازرني على هذا الامر يكن اخي ووصيي\رسول اللّه\1\7
من يقوى على عبادة علي\الإمام السجّاد\2\142
مه انه لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش\أمير المؤمنين\1\329
الموت ادنى إليك من ذلك\الإمام الحسين\2\80
الموت طالب ومطلوب حثيث لا يعجزه المقيم\أمير المؤمنين\1\238
المودة اشبك الأنساب والعلم اشرف الاحساب\أمير المؤمنين\1\298
(ن)
ناد في القوم وذكرهم العهد\رسول اللّه\1\142
نادى ملك من السماء يوم أحد لا سيف الا\عنهم\1\87
الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل\أمير المؤمنين\1\227
الناس ابناء ما یحسنون \أمير المؤمنين\1\300
ناشدني اللّه والرحم وواللّه لا عاش بعدها\أمير المؤمنين\1\86
نحن أهل الذكر\الإمام الباقر\2\162
نحن لذلك كارهون والامر إليك\الامام المهديّ\2\364
نعم\الامام العسكريّ\2\348
نعم ان المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان\الإمام الجواد\2\285
نعم مروا جعدة فليصل\أمير المؤمنين\1\16
نعم وقد اردت مسألته\الإمام الحسين\2\74
ص: 440
نعم والنداء من المحتوم وطلوع الشمس\أبوجعفر\2\371
نعم يا ابا هاشم بدا لله في ابي محمّد بعد\الامام الهادي\2\319
نعم يا أمير المؤمنين\الإمام الجواد\2\284
نعم يتوب اللّه عليك فانزل\الإمام الحسين\2\100
النفس بالنفس ان انا مت فاقتلوه كما قتلني\أمير المؤمنين\1\21
نقضوا العهد وولوا الدبر\أمير المؤمنين\1\82
(ه)
هاتها\الإمام الرضا\2\263
هاه هاه شوقا الى رؤيتهم\أمير المؤمنين\1\228
هاهنا انت يا بن سعيد\الامام الهادي\2\311
هب لك سبيل عليها اي سبيل لك على ما في\أمير المؤمنين\1\204
هذا ابني علي ان ابي اخذ بيدي فادخلني\الإمام الكاظم\2\249
هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم\أمير المؤمنين\1\256
هذا امر فيه دناءة والخصومة غير جميلة\أمير المؤمنين\1\219
هذا أيضا ممن اوضع في قتالنا زعم يطلب اللّه\أمير المؤمنين\1\255
هذا البائس ما كان أخرجه ادين أخرجه أم نصر\أمير المؤمنين\1\254
هذا جبرئيل يقول للحسين ايها حسينا خذ\رسول اللّه\2\128
هذا جزاء من اجترأ على اللّه في اوليائه\الامام العسكريّ\2\349
هذا خالف اباه في الخروج وابوه حيث لم\أمير المؤمنين\1\255
هذا خير البرية\الإمام الباقر\2\181
هذا الراقد\الإمام الصّادق\2\217
و اوطا واطول عمرا هذا زرعک علی حاله، وللّه \الإمام الكاظم\2\233
هذا صاحبكم\الامام العسكريّ\2\354
ص: 441
هذا صاحبكم بعدي\الامام العسكريّ\2\348
هذا صاحبكم فتمسك به\الإمام الصّادق\2\217
هذا صاحبكم من بعدي\الإمام الكاظم\2\248
هذا كبش الكتيبة\رسول اللّه\1\86
هذا كتاب من محمّد النبيّ رسول اللّه لنجران\رسول اللّه\1\169
هذا کربلا،یُقتل فیه قوم یدخلون الجنة بغیر الحساب \أمير المؤمنين\1\332
هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على\الإمام الرضا\2\279
هذا الناكث بيعتي والمنشئ الفتنة في الأمة\أمير المؤمنين\1\256
هذا واللّه قائم آل محمد\الإمام الباقر\2\181
هذا واللّه مناخ ركابهم وموضع منيتهم\أمير المؤمنين\1\332
هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها اجنبي\الإمام الجواد\2\286
هذه رقعة ريان بن شبيب\الإمام الجواد\2\293
هذه رقعة فلان \الإمام الجواد\2\293
هذه قريش جدعت انفي وشفيت نفسي لقد تقدمت\أمير المؤمنين\1\254
هذه معدة لکم قبل ان تلقوني \الإمام الباقر\2\166
هشام وربّ الكعبة\الإمام الصّادق\2\195
هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم\الإمام الكاظم\2\254
هل قرب قائمك هذا ماء يتغوث به هؤلاء\أمير المؤمنين\1\334
هل يجترئ أحد ان يقول ابني وليس لي ولد\الإمام الرضا\2\277
هم شيعتك وانت امامهم\رسول اللّه\1\42
هم في النار اشغل ولم يشغلوا عن ان قالوا\الإمام الباقر\2\164
هی اهو علیّ من ذاک \أمير المؤمنين\1\112
هیهات هیهات یا ابن عباس کانت شقشقة هدرت ثم \أمير المؤمنين\1\290
(و)
واعجب من هذا هارون وانا كهاتين\الإمام الرضا\2\258
ص: 442
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد\أمير المؤمنين\1\40
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لیذوبن ما فی ایدیهم \أمير المؤمنين\294
واللّه لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة\الإمام الحسين\2\76
واللّه لتخضبن هذه من هذه\أمير المؤمنين\1\319
واللّه لقد حدثنی خلیلی رسول اللّه (ص) \أمير المؤمنين\330
واللّه لا افارقك اليوم حتّى اعجلك بسيفي\أمير المؤمنين\1\86
واللّه لا تخاصمنا في اللّه بعد اليوم ابدا\أمير المؤمنين\1\76
واللّه لقد حدثنی خلیلی رسول اللّه (ص) \أمير المؤمنين\330
واللّه لقد كنا مع النبيّ يقتل آباؤنا\أمير المؤمنين\1\268
واللّه لقد كنت اصنع بك ما اصنع وانا اعلم\أمير المؤمنين\1\13
واللّه لهما أحبّ الي من امركم هذا الا ان\أمير المؤمنين\1\247
واللّه لوددت ان لي بكل ثمانية منكم رجلا\أمير المؤمنين\1\272
واللّه لولا عهد الحسن الي بحقن الدماء\الإمام الحسين\2\19
واللّه ليجعلن اللّه مني ما يثبت به الحق\الإمام الرضا\2\278
واللّه ليخضبنها من فوقها\أمير المؤمنين\1\319
واللّه ليسعين في دمي ويوتمن أولادي\الإمام الكاظم\2\238
واللّه ما اكل عليّ بن أبي طالب من الدنيا\الإمام الصّادق\2\141
واللّه ما ذاك يحملني ولكن هذا واخوته\الإمام الصّادق\2\192
واللّه ما رضيت ولا احببت ان ترضوا فاذا\أمير المؤمنين\1\269
واللّه ما فعلت ولا اردت فان كان بلغك\الإمام الصّادق\2\183
واللّه ما فعلوا وانه لمصرعهم ومهراق\أمير المؤمنين\1\318
واللّه ما كذبت ولا كذبت وانها الليلة\أمير المؤمنين\1\16
وانت والذي نفسي بيده لتعتلن الى العتل\أمير المؤمنين\1\323
وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم\الإمام الصّادق\2\378
ص: 443
والحمد لله الذي هدانا من الضلالة وبصرنا\أمير المؤمنين\1\229
وستعلم يا ابن أم ان القوم يظنون انكم\الامام الحسن\2\17
وعلام تبايعني\أمير المؤمنين\1\316
وكيف رايت\رسول اللّه\1\148
وما تريد منه أ تريد قتله ان يكن هوهو\الامام الحسن\2\17
وما شانك\أمير المؤمنين\1\215
وما علمك انه لا يكون لي ولد\الإمام الرضا\2\277
وما علمكم بذلك ولعلّ كل واحد منهما قتل\أمير المؤمنين\1\220
وما نصيحتك\رسول اللّه\1\114
وما نصيحتك\رسول اللّه\1\162
وما يضر من ذلك قد قام عيسى بالحجة\الإمام الرضا\2\276
وما يمنعه من هذا وهومني وانا منه\رسول اللّه\1\85
ومن زوجك\أمير المؤمنين\1\213
ومن سقاكه\الإمام الحسين\2\17
ومن سماك بهذا الاسم\النبيّ داود\1\217
ومن هوان الدنيا على اللّه ان راس يحيى\الإمام السجّاد\2\132
وا سوء صباحاه\فاطمة الزهراء\1\189
وجدت علم الناس كلهم في أربع اولها ان تعرف\الإمام الصّادق\2\203
وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهم\الامام المهديّ\2\365
ويحك يا با سفيان لقد عزم رسول اللّه على امر\أمير المؤمنين\1\132
ويحك يا بريدة احدثت نفاقا ان علي\رسول اللّه\1\161
ويلك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون\رسول اللّه\1\149
ويلك ما دعاك الى ان تعطيهم الحلل من قبل\أمير المؤمنين\1\173
ويلك يا سهيل كف عن عنادك\أمير المؤمنين\1\120
ص: 444
ويلكم ان هذه خديعة وما يريد القوم القرآن\أمير المؤمنين\1\316
(ي)
يا ابا بصير اما علمت ان بيوت الأنبياء\الإمام الصّادق\2\185
يا ابا الصلت قد فعلوها\الإمام الرضا\2\270
يا ابا علي ما أحبّ الي ما انت فيه واسرني\الإمام الكاظم\2\223
يا أبا محمّد ان الامام لا يخفى عليه كلام\الإمام الكاظم\2\225
يا ابا هاشم دلني على حريف يشتري لي بها\الإمام الجواد\2\293
يا ابا هاشم، قد اذهب الله عنک اکل الطین \الإمام الجواد\2\293
يا ابا هاشم كل\الإمام الجواد\2\294
يا ابن اخي اصبر على ما نزل بك واحتسب\الإمام الحسين\2\110
يا ابن اخي انخ ا لجمل\الإمام الحسين\2\78
يا ابن دودان انك لقلق الوضين ضيق المحزم\أمير المؤمنين\1\294
يا ابن راعية المعزى انت أولى بها صليا\الإمام الحسين\2\96
يا ابن عبّاس ان القوم قد عادوكم بعد نبيّكم\أمير المؤمنين\1\285
يا اخا الازد اتبين لك الامر\أمير المؤمنين\1\318
يا اخا الازد أ معك طهور\أمير المؤمنين\1\318
يا اختاه اتقي اللّه وتعزي بعزاء اللّه\الإمام الحسين\2\94
يا اخوة القردة والخنازير انّا إذا نزلنا\رسول اللّه\1\110
يا اخي انك كنت قد وقفت عليّ آنفا فقلت\الإمام السجّاد\2\145
يا اخي اني مفارقك ولاحق بربي وقد سقيت\الامام الحسن\2\17
يا اخي تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي عني\رسول اللّه\1\185
يا اخي قد نصحت واشفقت وارجوأن يكون\الإمام الحسين\2\35
يا امة اللّه سمي ابنك هذا بعاش الدين\النبيّ داود\1\218
ص: 445
يا امة اللّه ما اسم ابنك\النبيّ داود\1\217
يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بذلك ولا قوة\الإمام الرضا\2\260
يا انس بن مالك يدخل عليك من هذا الباب\رسول اللّه\1\46
يا انس ما يمنعك ان تشهد وقد سمعت\أمير المؤمنين\1\351
يا أهل العراق ايها الناس اسمعوا قولي ولا\الإمام الحسين\2\97
يا أهل الكوفة اخبركم بما يكون قبل أن يكون\أمير المؤمنين\1\279
يا أهل الكوفة اخرجوا الى العبد الصالح\أمير المؤمنين\1\271
يا أهل الكوفة أنتم كأم مجالد حملت فاملصت\أمير المؤمنين\1\278
يا أهل الكوفة انكم من اكرم المسلمين\أمير المؤمنين\1\249
يا أهل الكوفة خذوا أهبتكم لجهاد عدوكم\أمير المؤمنين\1\277
يا أهل الكوفة دعوتكم الى جهاد هؤلاء ليلا\أمير المؤمنين\1\281
يا أهل الكوفة قد اتاني الصريخ يخبرني ان\أمير المؤمنين\1\282
يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين\أمير المؤمنين\1\282
يا براء يقتل ابني الحسين وانت حي لا\أمير المؤمنين\1\331
يا بن آدم لا يكن أكبر همك يومك الذي ان\أمير المؤمنين\1\234
يا بني احدث لله شكرا فقد احدث فيك امرا\الامام الهادي\2\315
يا بني احدث لله شكرا فقد احدث فيك امرا\الامام الهادي\2\316
يا بني احدث لله شكرا فقد احدث فيك امرا\الامام الهادي\2\318
يا بني اما سمعت صوتي\الإمام السجّاد\2\147
يا بني اني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس\الإمام الحسين\2\82
يا بني عبد المطلب ان اللّه بعثني الى الخلق\رسول اللّه\1\49
يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا\الإمام الحسين\2\92
يا بني يأتي امر اللّه وانا خميص انما هي\أمير المؤمنين\1\320
يا بنية اني اراني قل ما اصحبكم\أمير المؤمنين\1\15
يا بنية لا تفعلي فاني ارى رسول اللّه يشير\أمير المؤمنين\1\15
ص: 446
يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه\رسول اللّه\1\187
يا جابر لعلك ان تبقى حتّى تلقى رجلا من\رسول اللّه\2\158
يا جعفر اوصيك باصحابي خيرا\الإمام الباقر\2\180
يا جندب ليس هذا زمان ذاك\أمير المؤمنين\1\243
یا حمران تجری الکلام علی الاثر فتصیب \الإمام الصّادق\2\198
يا ذا القوّة القوية ويا ذا المحال الشديد\الإمام الصّادق\2\185
يا رسول اللّه احببتها \أمير المؤمنين\1\117
يا رسول اللّه أ أرجع كافرا بعد اسلامي\أمير المؤمنين\1\85
يا رسول اللّه أ تستنهض الكبير على الصغير\فاطمة الزهراء\2\128
يا رسول اللّه احدث فيّ حدث\أمير المؤمنين\1\46
يا رسول اللّه انک اهلتنی لامر طالت الااعناق فیه \أمير المؤمنين\1\65
يا رسول اللّه ان المنافقين يزعمون انك\أمير المؤمنين\1\156
يا رسول اللّه ان يدي لا تنطلق بمحواسمك\أمير المؤمنين\1\120
يا رسول اللّه انك لم تكتب الي باهلالك\أمير المؤمنين\1\172
يا رسول اللّه اوما بلغت\أمير المؤمنين\1\46
يا رسول اللّه عيرتني نساء قريش بفقر علي\فاطمة الزهراء\1\36
يا رسول اللّه لقد عجبت الملائكة وعجبنا\جبرائيل\1\85
يا رسول اللّه هذان ابناك ورثهما شيئا\فاطمة الزهراء\2\7
يا زرارة اعطيك جملة في القضاء والقدر\الإمام الصّادق\2\204
يا زياد هذا ابني فلان كتابه كتابي\الإمام الكاظم\2\250
يا سبحان اللّه اما علم ان الأب هوالكلأ\أمير المؤمنين\1\200
يا سعد لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق\رسول اللّه\1\111
يا سعيد مكانك حتّى ياتوك بشمعة\الامام الهادي\2\303
یا طلحة ابن عبیداللّه قد وجدت ما وعدنی ربّی \أمير المؤمنين\1\256
یا عباد الله ، انی عذت بربي وربکم ان ترجمون ،\الإمام الحسين\2\98
ص: 447
يا عبّاس اركب بنفسي انت يا اخي حتّى تلقاهم\الإمام الحسين\2\90
يا عبّاس يا عم رسول اللّه تقبل وصيتي\رسول اللّه\1\185
يا عبد اللّه ليس يخفى علي الراي ولكن اللّه\الإمام الحسين\2\76
يا عبد الرحمن ان موسى قد لبس الدرع واستوت\الإمام الصّادق\2\217
يا عدتي عند شدتي ويا غوثي عند كربتي\الإمام الصّادق\2\184
یا عدو اللّه قتلت امیر المومنین واعظمت الفساد فی \الإمام الحسن\1\22
يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين اللذين\الإمام الحسين\2\80
يا علي ان اللّه احتج في الإمامة بمثل ما\الإمام الجواد\2\293
يا علي ان اول أربعة يدخلون الجنة انا\رسول اللّه\1\43
يا علي ان المدينة لا تصلح الا بي اوبك\رسول اللّه\1\155
يا علي انك تخاصم فتخصم بسبع خصال ليس\رسول اللّه\1\38
يا علي اني خيرت بين خزائن الدنيا\رسول اللّه\1\181
يا عليّ بن يقطين هذا علي سيد ولدي\الإمام الكاظم\2\249
يا علي لا عليك قد قضيت ما عليك\رسول اللّه\1\15
يا علي لولا انني اشفق ان تقول فيك طوائف\رسول اللّه\1\117
يا علي ما خلفك عنا الى هذا الوقت\الامام العسكريّ\2\326
يا علي ما فعل الناس\رسول اللّه\1\82
يا عمر أ لم تسمع ابي وهويقول\الإمام الرضا\2\275
يا عمر ما انا انتجيته بل اللّه انتجاه\رسول اللّه\1\153
يا عمروانك كنت في الجاهلية تقول\أمير المؤمنين\1\101
يا عمروانه ليس ممّا تحسب وتظن ان الناس\رسول اللّه\1\158
يا غزوان احمله على الاشقر\أمير المؤمنين\1\13
يا غلام اسرجه\الامام العسكريّ\2\328
يا غلام انظر الجمّال الذي اتانا به\الإمام الجواد\2\294
ص: 448
يا غلام ما اسمك\النبيّ داود\1\217
يا غلام ناولني الماء\الإمام الجواد\2\292
يا فارع وهادمه يقطع اربا اربا\الإمام الرضا\2\257
يا فاطمة ان لعلي ثمانية اضراس قواطع لم\رسول اللّه\1\37
يا كميل ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها\أمير المؤمنين\1\227
يا كميل صحبة العالم دين يدان به وبه\أمير المؤمنين\1\227
يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك\أمير المؤمنين\1\227
يا كميل مات خزان الأموال وهم احياء\أمير المؤمنين\1\227
يا محمّد انه سيكون في هذه السنة حركة\الإمام الكاظم\2\252
يا محمّد بن الفرج اجمع امرك وخذ حذرك\الامام الهادي\2\304
يا محمّد بن الفرج لا تنزل في ناحية الجانب\الامام الهادي\2\304
يا محمّد معك كذا وكذا\الامام المهديّ\2\355
يا معشر الأنصار بوروا أولادكم بحب علي\رسول اللّه\1\45
يا معشر المهاجرين والأنصار وجماعة من\أمير المؤمنين\1\261
يا معشر الناس سلوني قبل ان تفقدوني فان\أمير المؤمنين\1\35
یا هشام ، لا تکاد تقع ، تلوي رجلیک \الإمام الصّادق\2\199
يا هؤلاء انا رسول اللّه اليكم ان تقولوا\أمير المؤمنين\1\115
يا ويحك لم تره العيون بمشاهدة الابصار\أمير المؤمنين\1\225
يا ويلك ان اللّه اجل من ان يحتجب عن شيء\أمير المؤمنين\1\224
يا ياسر اركب\الإمام الرضا\2\267
يا يهودي قد عرفت ما سالت عنه وما اجبت\أمير المؤمنين\1\201
یا یوسف بن یعقوب هذا خصم نفسه قبل ان یتکم الله \الإمام الصّادق\2\194
یا یونس لو کنت تحسن الاکلام الکلمته \الإمام الصّادق\2\194
ياتيكم من قبل الكوفة الف رجل لا يزيدون رجل\أمير المؤمنين\1\315
ص: 449
ياتيني امر اللّه وانا خميص انما هي ليلة\أمير المؤمنين\1\14
يامر اللّه الفلك باللبوث وقلة الحركة\الإمام الباقر\2\385
يجلد منها بحساب الحرية ويجلد منها بحساب\أمير المؤمنين\1\211
یحشر الناس علی مثل قرص النقی \الإمام الباقر\2\164
يخبرني رسول اللّه ان معها كتابا ويامرني\أمير المؤمنين\1\57
يخرج القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرين\الإمام الصّادق\2\386
يدخل الجنة من امتي سبعون الفا لا حساب\رسول اللّه\1\42
يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت\الإمام الباقر\2\380
يرحم اللّه المفضل انه كان ليقنع بدون هذا\الإمام الرضا\2\280
يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم\الإمام الصّادق\2\378
يصلي بالناس بعضهم فانني مشغول بنفسي\رسول اللّه\1\182
يعتق عنه كل عبد له في ملكه ستة أشهر\أمير المؤمنين\1\221
يكون بعد الحسين تسعة ائمة تاسعهم قائمهم\الإمام الباقر\2\347
ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين\الإمام الصّادق\2\379
ينادي مناد من السماء اول النهار الا ان\أبوجعفر\2\371
يهب اللّه لي غلاما\الإمام الرضا\2\276
يوشك ان تبقى حتّى تلقى ولدا لي من الحسين\رسول اللّه\2\159
***
ص: 450
الاسم\الجزء\الصفحة
ا-أ
آمنة بنت موسى بن جعفر\2\244
ابان\2\347
أبان بن عثمان\2\180
ابجر بن كعب\2\110 ، 111
إبراهيم بن الحسين\2\174
إبراهيم بن حمزة\1\333
إبراهيم بن حيان\1\31
إبراهيم بن الرافعي\2\128
إبراهيم بن العباس\2\310
إبراهيم بن عبد اللّه\1\37 ، 2\255
ص: 451
إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن\2\191
إبراهيم بن عبدة النيسابوريّ\2\352
إبراهيم بن علي\2\144
إبراهيم بن علي الرافعي\2\6
إبراهيم بن عمر\1\121
إبراهيم بن عمر اليماني\2\376
إبراهيم بن محمّد\2\176 ، 303 ، 354 ، 377
إبراهيم بن محمّد بن أبي الكرام\2\190
إبراهيم بن محمّد بن داود\2\169
إبراهيم بن محمّد بن طلحة\2\25
إبراهيم بن محمّد بن علي\2\190
إبراهيم بن محمّد بن ميمون\1\87
إبراهيم بن محمّد الطاهري\2\302
إبراهيم بن موسى\2\257
إبراهيم بن موسى بن جعفر\2\244 ، 245.
إبراهيم بن هشام المخزومي\2\174
ابن أبي عون\1\100
ابن أبي سرح\1\136
ابن أبي عمير\1\25 ، 2\148 ، 248 ، 347.
ابن أبي العوجاء\2\199 ، 200 ، 201.
ص: 452
ابن أبي ليلى\1\219
ابن أبي نجران\2\218
ابن أبي نصر البزنطي\2\274 ، 277.
ابن إسحاق\2\149
ابن الاشعث\2\60
ابن الاعمى\2\199
ابن الاكوع\1\144
ابن جمهور\2\255
ابن حسان\1\283
ابن حكيم\1\324
ابن خطل عبد العزى\1\136
ابن خولة\2\25 ، 207.
ابن داحة\2\190
ابن دودان\1\294
ابن الزيات\2\301
ابن سنان\2\225 ، 252.
ابن شهاب الزهري\2\141
ابن عائشة\1\32
ابن عمار\2\234
ابن عون\2\16
ابن عيّاش\1\325
ابن الفضيل العبدي\1\11
ابن قياما الواسطي\2\275 ، 277.
ابن لهيعة\2\127
ص: 453
ابن محمّد الحميري\2\206
ابن محمّد بن داود\2\325
ابن مخارق\2\130
ابن مسكان\2\219
ابن المسيب\2\145 ، 256.
ابن المقفع\2\199
ابن مكعبر\1\323
ابن مهران\2\251
ابن النباح\1\16
ابن النجاشيّ\2\277
ابن الوجناء\2\361
ابوإدريس الاودي\1\285
ابوإسحاق\1\73 ، 128 ، 2\161.
ابوإسحاق السبيعي\1\12 ، 46 ، 329.
ابوإسرائيل\1\352
ابوأيّوب الأنصاري\1\6
ابوالبختري القرشيّ\1\79
ابوبردة بن عوف الأزديّ\2\118
ابوبصير\2\185 ، 223 ، 224 ، 347 ، 373 ، 376 ، 377 ، 378 ، 379 ،
ص: 454
383 ، 385.
أبوبكر (ابن أبي قحافة) \1\31 ، 48 ، 65 ، 70 ، 84 ، 103 ، 123 ، 125 ، 132 ، 133 ، 140 ، 147 ، 162 ، 163 ، 164 ، 182 ، 183 ، 185 ، 186 ، 189 ، 197 ، 198 ، 199 ، 200 ، 201 ، 208 ، 261.
أبوبكر بن أبي أويس\2\169
أبوبكر بن الحسن بن عليّ\2\109 ، 125.
أبوبكر بن عيّاش\1\105
أبوبكر الحضرمي\2\379
أبوبكر الفهفكي\2\319
أبوبكر الهذلي\1\75 ، 207 ، 223.
ص: 455
ابوثمامة الصائدي\2\46 ، 85.
ابوالجارود\1\40 ،
\2\346 ، 384.
ابوالجحاف\1\47
ابوجرول\1\143 ، 144 ، 150.
أبوجعفر الاحول\2\221 ، 222 ، 223.
أبوجعفر الأشعريّ\2\300
أبوجعفر الاعشى\2\148
أبوجعفر المنصور\2\182 ، 183 ، 190 ، 191 ، 192 ، 193 ، 221 ، 370.
ابوحارثة\1\166
ابوحازم\1\38
أبوالحسن\2\366
ابوالحصين\1\44
ابوالحكم بن الأخنس بن شريق\1\72 ، 91
أبوحمزة الثمالي\1\12 ، 46 ،
\2\148 ، 187 ، 345 ، 371.
ص: 456
ابوخديجة\2\372 ، 384.
ابوداهر بن يحيى الأحمري المقرئ\1\47
ابودجانة الأنصاري\1\82 ، 83 ، 93 ،
\2\386.
أبوذر\1\6 ، 31 ، 47.
ابورافع\1\73
أبوالزبير\1\153
ابوزيد\2\190 ، 235.
ابوزيد الاحول\1\13
ابوسالم\1\323
ابوسخيلة\1\31
ابوالسرايا\2\246
أبوسعيد الخدري\1\7 ، 36 ، 345 ، 2\97.
أبوسعيد بن طلحة\1\91
ابوسفيان\1\80 ، 94 ، 95 ، 132 ، 133 ، 134 ، 144 ، 145 ، 151 ، 2\190.
ابوسفيان بن الحارث\1\141 ، 149.
ابوالسلاسل\2\124
ابوسلمان المؤذن\1\352
ابوشاكر الديصاني\2\201 ، 202.
ابوصالح الحنفي\1\15
ص: 457
ابوالصباح الكنانيّ\1\33 ، 2\180.
ابوالصلت الهروي\2\270
أبوطالب\1\49 ، 2\370.
ابوطالوت\2\199
ابوالعاص بن الربيع\1\152
ابوالعاص بن قيس بن عدي\1\72
ابوالعالية\1\326 ، 327.
ابوعامر الأشعريّ\1\151
ابوعباد\2\262
أبوعبد اللّه\1\31
أبوعبد اللّه الجدلي\1\128
أبوعبد اللّه بن صالح\2\352 ، 353 ، 357.
ابوعبيد اللّه\1\42 ، 43.
ابوعبيدة\1\88
ابوعبيدة الجراح\1\188
ابوعتيق\1\333
ابوعثعث الخثعمي\1\158
أبوعليّ الارجاني\2\217
أبوعليّ الأشعريّ\2\347
أبوعليّ بن راشد\2\328
أبوعليّ بن مطهر\2\352
أبوعليّ الخزاز\2\251
ص: 458
ابوعمارة الوالبي\1\94
ابوعمر الثقفي\1\17
ابوعوانة\2\127
ابوعيسى\2\324
ابوغسان\1\75
أبوالفرج الأصفهانيّ\2\193
ابوفصيل\1\190
ابوقيس بن الوليد بن المغيرة\1\71
ابومالك\1\85
ابومالك الجنبي\2\160
ابومحمد\2\163 ، 171.
ابومحمّد الأنصاري\2\141
ابومحمّد النوفليّ\1\31
ابومعمر\2\141
ابوالمنذر بن أبي رفاعة\1\71
ابوموسى الأشعريّ\1\151 ، 159.
ابونصر\2\149 ، 166.
ابونعيم النخعيّ\2\167
ابوهارون العبدي\1\36 ، 103.
ابوهاشم\2\294
ابوهاشم الجعفري\2\318 ، 328 ، 330 ، 348.
ص: 459
ابوهاشم الرفاعي\1\17
ابويحيى الصنعاني\2\275 ، 279.
ابويحيى الواسطي\2\221
ابويعقوب\2\305 ، 306.
الاجلح\1\13 ، 153.
احمد\2\363
أحمد بن إبراهيم بن إدريس\2\289 ، 353 ، 370.
أحمد بن بشير\1\36
أحمد بن الحارث القزوينيّ\2\327
أحمد بن الحسن\2\363
أحمد بن الخصيب\2\306
أحمد بن صالح التميمي\2\5
أحمد بن عائذ\2\372
أحمد بن عبد اللّه بن موسى\2\140
أحمد بن عبد اللّه بن يونس\1\34
أحمد بن عبد العزيز\1\107
أحمد بن عبد المنعم\1\44
أحمد بن عبيد اللّه\2\255
أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان\2\321
أحمد بن عبيد اللّه بن عمار\2\237
أحمد بن عليّ بن قدامة\1\3
أحمد بن عمار\1\80
ص: 460
أحمد بن عمر الدهقان\1\39
أحمد بن عيسى\2\174 ، 221 ، 305 ، 2\306.
أحمد بن عيسى العجليّ\1\33
أحمد بن عيسى الكرخي\1\43
أحمد بن الفرج\1\339
أحمد بن القاسم البرتي\1\29 ، 30 ، 31.
أحمد بن محمّد\2\254 ، 255 ، 257 ، 276 ، 277 ، 278 ، 279 ، 292 ، 333.
أحمد بن محمّد الاقرع\2\330
أحمد بن محمّد بن أبي نصر\2\374 ، 375.
أحمد بن محمّد بن سعيد\2\237 ، 262.
أحمد بن محمّد بن عبد اللّه\2\248 ، 304 ، 311 ، 316 ، 349.
أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ\1\345 ، 2\249 ، 298 ، 299.
أحمد بن محمّد الجوهريّ\1\42
أحمد بن محمّد الرافعي\2\144
ص: 461
أحمد بن مهران\2\224 ، 248 ، 250 ، 252.
أحمد بن موسى بن جعفر\2\245
أحمد بن النضر\2\353
الأحنف بن قيس\1\303
اخنس بن مرثد\2\113
إدريس بن محمّد بن يحيى\2\140
اذكوتكين\2\363
ارطاة بن شرحبيل\1\91
اسامة بن زيد\1\180 ، 181 ، 184 1\188 ، 243.
إسحاق\1\31
إسحاق بن جعفر\2\209 ، 211 ، 216 ، 219 ، 262.
إسحاق بن جعفر الزبيري\2\325
إسحاق بن حيوة\2\113
إسحاق بن محمّد\2\318 ، 319.
إسحاق بن محمّد النخعيّ\2\330 ، 332.
إسحاق بن منصور السلولي\2\167
إسحاق بن موسى بن جعفر\2\244 ، 262.
إسحاق السبيعي\2\7
اسد بن عبد اللّه\1\29
الأسدي\2\364 ، 365.
إسرائيل\1\44
ص: 462
اسماء بن خارجة\2\25 ، 47.
اسماء بنت جعفر\2\209
اسماء بنت عقيل بن أبي طالب\2\124
اسماء بنت عميس الخثعمية\1\354
إسماعيل بن ابان\1\41 ، 42.
إسماعيل بن إسحاق القاضي\1\333
إسماعيل بن جعفر\2\209 ، 210.
إسماعيل بن راشد\1\17
إسماعيل بن زياد\1\14 ، 331.
إسماعيل بن سالم\1\285
إسماعيل بن الصباح\2\370
إسماعيل بن صبيح\1\331
إسماعيل بن عبد اللّه بن خالد\1\33
إسماعيل بن علي العمي\1\123
إسماعيل بن عمروالبجلي\1\43 ، 351.
إسماعيل بن غياث القصري\2\248
إسماعيل بن محمّد بن جعفر\2\213
إسماعيل بن محمّد بن علي\2\332
إسماعيل بن مسلم\1\39
إسماعيل بن مهران\2\298
إسماعيل بن موسى بن جعفر\2\244 ، 245.
ص: 463
إسماعيل بن يعقوب\2\140 ، 232.
اسود بن عامر\2\166
اسيد الحضرمي\2\54
اسيد بن أبي اياس\1\77
اشعث بن سوار\2\7
الاشعث بن طليق\1\34
الاشعث بن قيس\1\19 ، 20 ، 2\54.
الأصبغ بن نباتة\1\12 ، 14 ، 34 ، 42 ، 213.
الأعمش\1\39 ، 40 ، 47 ، 128 ، 352.
الاقرع بن حابس\1\145 ، 147.
أم ابيها بنت موسى بن جعفر\2\244
أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه\2\20 ، 135.
أم البنين بنت حزام بن خالد\1\354 ، 2\247.
أم بشير بنت ابي مسعود\2\20
أم جعفر بنت موسى بن جعفر\2\244
أم حبيب بنت ربيعة\1\354
أم حبيبة\1\46
أم الحسن\2\20
ص: 464
أم الحسين\2\20
أم حكيم بنت اسيد بن المغيرة\2\176
أم سعيد بنت عروة بن مسعود\1\354
أمّ سلمة\1\41 ، 47 ، 182 ، 186 ، 324 ، 345 ، 2\130.
أمّ سلمة بنت الحسن\2\20
أمّ سلمة بنت عليّ بن أبي طالب\1\355
أمّ سلمة بنت محمد\2\176
أمّ سلمة بنت موسى بن جعفر\2\244
أم عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ\2\20 ، 155.
أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد\2\176 ، 180 ، 209.
أم الفضل\2\281 ، 284 ، 285 ، 288.
أم الفضل بنت الحارث\2\129
أم الكرام بنت عليّ بن أبي طالب\1\354
أم كلثوم\1\15 ، 16 ، 21 ، 354.
ام كلثوم بنت عليّ بن الحسين\2\155
ص: 465
أم كلثوم بنت موسى بن جعفر\2\244
أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب\2\124
أم المتوكل\2\303
أم موسى\1\14
أم هانئ\1\137 ، 138.
أم هانئ بنت عقيل بن أبي طالب\2\124
أم هانئ بنت عليّ بن أبي طالب\1\354
أم الهيثم بنت الأسود النخعية\1\22
امامة بنت عليّ بن أبي طالب\1\355
امية بن أبي حذيفة بن المغيرة\1\88
انس بن مالك\1\30 ، 42 ، 46 ، 351 ، 2\5 ، 97.
الاوزاعي\2\129
اوس بن المغيرة بن لوذان\1\72
اوس بن خولي\1\188
أويس القرني\1\316
ايمن ابن أم ايمن\1\140 ، 142.
-ب-
الباقطائي\2\367
بدر\2\363
البراء بن عازب\1\62 ، 331.
البرك بن عبد اللّه التميمي\1\18
ص: 466
بريدة الاسلمي\1\160 ، 161 ، 162.
بريدة بن الحصيب الاسلمي\1\48
برير بن خضير\2\95
بريهة بنت موسى بن جعفر\2\244
بسر بن ارطاة\1\272 ، 321.
بشر بن مالك العامري\1\89 ، 91.
بشير الغفاري\1\46
البطحاني\2\303
بكار بن أحمد الأزديّ\2\171 ، 193.
بكر بن حمران الأحمري\2\58 ، 63.
بكر بن محمّد\2\375
بلال\1\218
-ت-
ترنجة\2\325
تميم بن محمّد بن العلاء\1\42
-ث-
ثابت الثمالي\1\329
ثبيت\2\217
ثعلبة الأزديّ\2\374
ثعلبة بن ميمون\2\374 ، 379.
ص: 467
-ج-
جابر\1\75 ، 374 ، 386.
جابر بن الحر\1\332
جابر بن عبد اللّه الأنصاري\1\6 ، 38 ، 102 ، 153 ، 345 ،
\2\97 ، 138 ، 158 ، 346.
جابر بن عبد اللّه بن حرام\1\45
جابر بن يزيد الجعفي\1\24 ، 37 ، 41 ،
\2\143 ، 160 ، 180 ، 327 ، 372 ، 382.
الجراح بن سنان\2\12
جرير\1\327
الجعد بن بعجة\1\320
جعدة بنت الاشعث بن قيس\2\15 ، 16.
جعفر\2\363
ص: 468
جعفر المكفوف\2\353
جعفر بن إبراهيم النيسابوريّ\2\361
جعفر بن أبي طالب\1\37 ، 2\126 ، 250.
جعفر بن الحسين\2\135
جعفر بن سعد\2\377
جعفر بن سليمان\1\40
جعفر بن سليمان الضبعي\1\12
جعفر بن عقيل بن أبي طالب\2\125
جعفر بن علي\2\89 ، 323 ، 324 ، 336 ، 337 ، 364.
جعفر بن عليّ بن أبي طالب\1\354
جعفر بن عليّ بن محمّد\2\312
جعفر بن محمّد العلوي\1\43
جعفر بن محمّد القمّيّ\1\45 ، 2\199.
جعفر بن محمّد الكوفيّ\2\314 ، 348 ، 353.
جعفر بن محمّد المكفوف\2\348
جعفر بن محمّد بن الاشعث\2\237
جعفر بن محمّد بن الحسين الزهري\1\44
ص: 469
جعفر بن محمّد بن قولويه\2\194 ، 221 ، 223 ، 248 ، 249 ، 250 ، 252 ، 254 ، 257 ، 258 ، 266 ، 267 ، 275 ، 276 ، 277 ، 278 ، 279 ، 289 ، 291 ، 292 ، 298 ، 301 ، 302 ، 304 ، 311 ، 314 ، 316 ، 320 ، 321 ، 325 ، 326 ، 327 ، 329 ، 332 ، 334 ، 335 ، 336 ، 347 ، 348 ، 349 ، 351 ، 352 ، 353 ، 354 ، 355 ، 364 ، 367.
جعفر بن محمّد بن مالك\1\45
جعفر بن موسى بن جعفر\2\244
جعفر بن يحيى\2\257 ، 277.
ص: 470
جعفر بن عليّ بن أبي طالب\2\125
الجعفري\2\329
الجلودي\2\259
جمانة بنت عليّ بن أبي طالب\1\355
جميع بن عمير\1\350
جميل بن صالح\1\88
جميل بن معمر بن زهير\1\145
جندب بن عبد اللّه الأزديّ\1\241 ، 242 ، 243 ، 317.
الجنيد\2\365 ، 366.
جويرية بن مسهر\1\322 ، 323 ، 332.
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار\1\118
جوين مولى ابي ذر\2\93
-ح-
حاجب بن السائب بن عويمر\1\72
الحارث بن زمعة\1\71
الحارث بن عوف\1\95
حارث بن مضرب\1\73
الحارث بن هشام\1\137 ، 145.
الحارث الهمداني\1\40
حاطب بن أبي بلتعة\1\56 ، 58 ، 131.
ص: 471
حبان بن علي العنزي\1\23 ، 2\166.
حبيب بن حماز\1\329
حبيب بن مظاهر\2\37 ، 85 ، 90 ، 95 ، 98 ، 101 ، 103.
الحجاج بن علاط السلمي\1\91
الحجاج بن مسرور\2\78
الحجاج بن يوسف\1\327 ، 2\23 ، 24.
حجار بن ابجر العجليّ\2\38 ، 52 ، 98.
الحجال\2\292 ، 379.
حجر بن عدي\1\19 ، 20.
حذيفة اليمان\1\103
حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة\1\71
الحر بن يزيد الرياحي\2\78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 99 ، 100 ، 102 ، 103 ، 104.
ص: 472
حرام\1\333
حرب الطحان\2\174
حريث بن جابر الحنفي\2\137
حسان بن أسماء بن خارجة\2\47 ، 50.
حسان بن ثابت\1\64 ، 94 ، 106 ، 107 ، 128 ، 177 ، 243.
حسان بن قائد العبسي\2\86
الحسن\1\206 ، 248.
الحسن البصري\1\16
الحسن العرني\1\34
الحسن بن أبي الحسن البصري\1\225
الحسن بن الجهم\2\275 ، 278 ، 376.
الحسن بن الحسن\2\20 ، 23 ، 24 ، 25 ، 26.
الحسن بن الحسين\2\172
الحسن بن الحسين الافطس\2\317
الحسن بن الحسين بن علي\2\275
الحسن بن الحسين العرني\2\171 ، 373.
الحسن بن أيّوب\2\190
الحسن بن دينار\1\16
ص: 473
الحسن بن سهل\2\260 ، 261 ، 266 ، 269.
الحسن بن صالح\1\128 ، 2\167 ، 174.
الحسن بن طريف\2\331
الحسن بن عبّاس\2\345
الحسن بن عبد الحميد\2\361
الحسن بن عبد اللّه\2\223
الحسن بن عبيد اللّه\2\347
الحسن بن عرفة\1\87
الحسن بن عليّ بن الحسين\2\155
الحسن بن عليّ العبدي\1\213
الحسن بن عليّ النيسابوريّ\2\354
الحسن بن عليّ الوشاء\2\372
الحسن بن عيسى العريضي\2\364
الحسن بن كثير\2\166
الحسن بن محبوب\1\12 ، 46 ، 88 ، 218 ، 329 ، 2\249 ، 254 ، 346 ، 372 ، 378.
الحسن بن محمّد\2\143 ، 144 ، 145 ، 146 ، 149 ، 150 ، 151 ، 160 ، 161 ،
ص: 474
162 ، 166 ، 171 ، 233 ، 260.
الحسن بن محمّد الأشعريّ\2\365
الحسن بن محمّد بن سليمان\2\281
الحسن بن محمّد بن يحيى\2\140 ، 148 ، 232 ، 237 ، 345.
الحسن بن محمّد العلوي\2\141
الحسن بن موسى بن جعفر\2\244
الحسن بن موسى بن رباح\1\78
الحسن بن موسى الخشاب\2\347
الحسن بن موسى النهدي\1\339
الحسن بن يحيى\2\172
حسنة بنت موسى بن جعفر\2\244
الحسين الأصغر بن عليّ بن الحسين\2\155
الحسين بن أبي العلاء\2\377
الحسين بن أيّوب\1\45
الحسين بن الحسن\2\20 ، 26.
الحسين بن الحسن الحسني\2\307
الحسين بن حميد\1\75
ص: 475
الحسين بن رزق اللّه\2\351
الحسين بن زيد\2\151 ، 170.
الحسين بن عليّ بن الحسين\2\155 ، 174.
الحسين بن عليّ بن محمّد\2\312
الحسين بن الفضل الهماني\2\359 ، 360.
الحسين بن القاسم\2\357
الحسين بن محمّد\2\248 ، 258 ، 279 ، 291 ، 292 ، 298 ،
301 ، 304 ، 311 ، 316 ، 347 ، 349.
الحسين بن محمّد الأشعريّ\2\321
الحسين بن المختار\2\248 ، 250 ، 375.
الحسين بن نعيم الصحاف\2\249
الحسين بن يزيد\2\378
الحسين بن يسار\2\274 ، 277.
الحصين بن نمير\2\57 ، 69 ، 71.
ص: 476
حفصة\1\182 ، 183 ، 186.
الحكم\1\352
الحكم بن الأخنس\1\88
الحكم بن ظهير\1\85
حكيم بن الطفيل السنبسي\2\110
حكيم بن جبلة العبدي\1\252
حكيم بن جبير\1\284 ، 353.
حكيمة بنت محمّد بن علي\2\351
حكيمة بنت موسى بن جعفر\2\244
حماد بن عيسى\2\376
الحماني\1\80
حمدان القلانسي\2\348
حمران بن أعين\2\195 ، 198.
حمزة بن أبي سعيد الخدري\1\33
حمزة بن عبد المطلب\1\37 ، 68 ، 69 ، 74 ، 83 ، 97 ، 107.
حمزة بن موسى بن جعفر\2\244
حميد بن قحطبة\2\271
حميد بن مسلم\2\87 ، 107 ، 112 ، 113.
حميدة البربرية\2\215
ص: 477
حميراء\2\219
حنش الكنانيّ\1\286
حنظلة بن أبي سفيان\1\69 ، 71.
حنظلة بن سعد الشبامي\2\105
الحويرث بن نقيذ بن كعب\1\136
حيان بن العباس\1\14
حيي بن اخطب\1\94 ، 111 ، 112.
-خ-
خارجة بن أبي حبيبة العامري\1\22 ، 23.
خالد\1\56
خالد بن سعيد\1\160
خالد بن صفوان\2\172
خالد بن عرفطة\1\329
خالد بن الوليد\1\55 ، 56 ، 62 ، 80 ، 82 ، 139 ، 159 ، 160.
خالد بن يزيد\2\120
خديجة بنت خويلد\1\30 ، 306.
خديجة بنت عبد اللّه بن الحسين\2\211
خديجة بنت عليّ بن أبي طالب\1\355
خديجة بنت عليّ بن الحسين\2\155
ص: 478
خديجة بنت موسى بن جعفر\2\244
الخراسانيّ\2\375
خزيمة بن ثابت الأنصاري\1\6 ، 32.
خلف بن سالم\1\40
خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية\1\354
خولة بنت منظور الفزارية\2\20
خولي بن يزيد الاصبحي\2\112 ، 113.
خيران الاسباطي\2\301
الخيراني\2\275 ، 279 ، 298 ، 299.
-د-
داود بن رشيد\1\34
داود بن زربي\2\248 ، 252.
داود بن سليمان\2\248 ، 251.
داود بن السليك\1\42
داود بن عليّ بن عبد اللّه\2\184 ، 185.
داود بن القاسم الجعفري\2\151 ، 170 ، 293 ، 320 ، 349.
داود بن كثير الرقي\2\248
دريد\2\96
دعبل بن علي الخزاعيّ\2\263 ، 264.
ص: 479
-ذ-
ذوالرئاستين\2\212 ، 213 ، 260.
ذويد\2\101
-ر-
الرازيّ\2\163
الرافعي\2\223
الرباب بنت امرئ القيس\2\135
الربيع\2\182 ، 184.
ربيعة بن الحارث\1\141
ربيعة السعدي\1\103
رشيد الهجري\1\325 ، 326.
رفاعة بن شداد\2\37
رقية بنت الحسن\2\20
رقية بنت عليّ بن أبي طالب\1\354
رقية بنت موسى بن جعفر\2\244 ، 245.
رقية الصغرى بنت عليّ بن أبي طالب\1\354
رقية الصغرى بنت موسى بن جعفر\2\244
رملة\1\354
رملة بنت عقيل بن أبي طالب\2\124
ص: 480
رويحة بنت عمرو\2\47
ريان بن شبيب\2\293
الريان\2\285
الريان بن شبيب\2\281
الريان بن الصلت\2\264
-ز-
زبيد\1\106
الزبير بن أبي بكر\2\163
الزبير بن الاروح التميمي\2\65
الزبير بن بكار\2\23
الزبير بن العوام\1\48 ، 57 ، 59 ، 60 ، 244 ، 245 ، 246 ، 247 ، 250 ،
258 ، 259 ، 315.
زحر بن قيس\1\259 ، 2\118.
زر بن حبيش\1\39 ، 40 ، 2\28.
زرارة بن أعين\2\144 ، 204 ، 223 ، 347.
الزراري\2\352
زرعة بن شريك\2\112
ص: 481
زكريا بن يحيى القطان\1\330
زكريا بن يحيى بن النعمان\2\275
زمعة بن الأسود\1\71
الزهري\1\75 ، 76 ، 100 ، 223 ، 2\5 ، 144.
زهير بن أبي أميّة\1\145
زهير بن القين البجلي\2\72 ، 73 ، 84 ، 90 ، 92 ، 95 ، 101 ، 105.
زياد بن أبي سفيان\2\101
زياد بن رستم\2\141
زياد بن عبد اللّه\1\90
زياد بن مروان القندي\2\248 ، 250.
زياد بن المنذر\2\172
زياد بن النضر الحارثي\1\325
زياد المخارقي\2\17
زيد بن أرقم\1\352 ،
2\97 ، 114 ، 115 ، 117
زيد بن أسامة بن زيد\2\149
زيد بن الحسن\2\20 ، 21 ، 22 ، 23 ، 25 ، 26.
زيد بن الحسن بن عيسى\2\169
ص: 482
زيد بن ثابت\1\212
زيد بن سهل\1\188
زيد بن علي\2\173
زيد بن عليّ بن الحسين\1\43 ، 2\171 ، 172 ، 173 ، 308 ، 332.
زيد بن مليص\1\72
زيد بن موسى بن جعفر\2\244
زيد بن ورقاء الحنفي\2\110
زيد بن وهب الجهني\1\80 ، 83.
زينب بنت محمد\2\176
زينب بنت ابي رافع\2\6
زينب بنت عقيل بن أبي طالب\2\124
زينب بنت علي\2\93 ، 107 ، 110 ، 112 ، 115 ، 116 ، 121.
زينب بنت موسى بن جعفر\2\244
زينب الصغرى\1\354
زينب الكبرى\1\354
***
-س-
السائب بن مالك\1\72
سالم\1\323 ، 2\101 ، 163.
ص: 483
سالم بن أبي حفصة\2\132
سبيكة\2\273
السدي\1\85
سراقة بن جعشم المدلجي\1\350
سرجون\2\42
سعد الاسكاف\2\132
سعد بن أبي وقاص\1\243 ، 286.
سعد بن طالب\1\41
سعد بن طريف\1\42 ، 87 ، 213.
سعد بن عبادة\1\60 ، 61 ، 134 ، 135.
سعد بن عبد اللّه\2\317
سعد بن مسعود الثقفي\2\12
سعد بن معاذ\1\97 ، 111 ، 2\165.
سعد الكنانيّ\1\34
سعيد\2\174
سعيد بن جبير\2\373
سعيد بن الجهم\2\251
ص: 484
سعيد بن خثيم\1\29
سعيد بن راشد\2\127
سعيد بن العاص\1\75 ، 76 ، 159.
سعيد بن عبد اللّه الحنفي\2\38 ، 39.
سعيد بن غزوان\2\347
سعيد بن كلثوم\2\141
سعيد بن المسيب\1\88 ، 2\145.
سعيد بن وهب\1\72
سعيد الحاجب\2\303
سعيد السمان\2\187
سفيان\1\106
سفيان الثوري\1\47 ، 2\143.
سفيان بن عيينة\2\132 ، 141.
السفياني\2\368 ، 371 ، 373 ، 375.
سكينة بنت الحسين\2\135
سلام بن أبي الحقيق النضري\1\94
سلام بن مسكين\1\88
سلم بن المسيب\2\41
سلمان الفارسيّ\1\6 ، 96 ، 2\27 ، 73 ، 386.
سلمة بن شبيب\2\143
ص: 485
سلمة بن صالح الأحمر\1\34
سلمة بن كهيل\1\249
سليمان بن أيّوب\1\107
سليمان بن خالد\2\216 ، 219.
سليمان بن صرد\2\36
سليمان بن عبد الملك\2\21
سليمان بن عليّ بن الحسين\2\155
سليمان بن علي الهاشمي\1\31
سليمان بن قرم\2\167
سليمان بن موسى بن جعفر\2\244
سماك\1\79 ،
\2\130.
سماك بن خرشة\1\93
سمانة\2\297
سنان بن انس\2\112
السندي بن شاهك\2\215 ، 241 ، 242 ، 243.
سهل بن حنيف\1\82 ، 83 ، 84. 93.
سهل بن زياد\2\252 ، 280 ، 293 ، 345.
سهل بن سعد الساعدي\2\97
ص: 486
سهل بن صالح\1\30
سهيل بن عمرو\1\119 ، 120 ، 122 ، 145.
سويد بن غفلة\1\329
السيّد\1\166 ، 168.
سيف بن عميرة\2\370 ، 375 ،
-ش-
شاكر\2\105
شاه زنان بنت كسرى بنت يزدجرد\1\302 ،
2\135 ، 137.
شاهويه بن عبد اللّه\2\319
شبابة بن سوار\1\207
شبث بن ربعي التميمي\2\38 ، 52 ، 53 ، 95 ، 98.
شبيب بن بجرة\1\19 ، 20.
شريح القاضي\1\213 ، 215 ، 217 ، 2\47 ، 50 ، 51.
ص: 487
شريك\1\80
شعبة\1\73
الشعبي\1\224 ، 243 ، 325.
شعيب الحداد\2\374
شمر بن ذي الجوشن العامري\2\52 ، 88 ، 89 ، 95 ، 96 ، 98 ، 104 ، 105 ، 110 ، 111 ، 112 ، 113 ، 119.
شهاب\1\152
شهربانوا\2\137
شوذب\2\105
شيبة\1\68 ، 73 ، 74 ، 75.
-ص-
صالح بن أبي الأسود\2\380
صالح بن سعيد\2\311
صالح بن علي\2\190 ، 191.
صالح بن كيسان\1\75 ، 223.
صالح بن ميثم\2\374
صالح بن وصيف\2\334
ص: 488
صخر\2\15
صعصعة بن صوحان العبدي\1\236
صفوان بن أميّة\1\145
صفوان بن يحيى\2\255 ، 274 ، 276.
صفوان الجمال\2\216 ، 219.
صواب\1\91
-ض-
الضحّاك بن الاشعث\2\251
الضحّاك بن عبد اللّه\2\95
ضرار بن الخطّاب\1\97 ، 99 ، 100 ، 102.
-ط-
طارق بن أبي ظبيان\2\118
طاهر بن محمّد\2\181 ، 218.
ص: 489
طاوس\2\143
طريف الخادم\2\354
طعيمة بن عدي بن نوفل\1\69 ، 70 ، 76.
طلحة بن أبي طلحة\1\81 ، 85 ، 91.
طلحة بن الحسن\2\20 ، 26.
طلحة بن عبيد اللّه\1\48 ، 70 ، 71 ، 82 ، 208 ، 244 ، 245 ، 246 ، 247 ، 250 ، 256 ، 258 ، 315.
طلحة بن عميرة\1\351
-ظ-
ظبيان بن عمارة\2\12
-ع-
عائذ بن حبيب\1\33
ص: 490
عائشة\1\182 ، 183 ، 185 ، 346 ، 310 ، 2\18.
عائشة بنت عليّ بن محمّد\2\312
عائشة بنت موسى بن جعفر\2\244
عابس بن أبي شبيب الشاكري\2\106
عاش الدين\1\218
العاص بن سعيد بن العاص\1\69 ، 70.
العاص بن منبه\1\71
عاصم بن أبي عوف\1\72
عاصم بن ثابت\1\81 ، 82 ، 84.
العاقب\1\166 ، 167 ، 168.
عامر بن واثلة\1\11
عباد بن عبد الصمد\1\30
عباد بن يعقوب الرواجني\1\23
العباس\1\149 ، 190.
العباس بن جعفر\2\209 ، 214.
العباس بن عبد المطلب\1\30 ، 135 ، 141 ، 142 ، 185 ، 188.
ص: 491
العباس بن عبيد اللّه العبدي\1\284
العباس بن عليّ بن أبي طالب\2\89 ، 90 ، 91 ، 95 ، 109 ، 114 ، 125 ، 126 ، 254.
العباس بن عمروالفقيمي\2\199
العباس بن الفضل\1\184
العباس بن المامون\2\261 ، 262.
العباس بن محمّد\2\241 ، 243.
العباس بن مرداس\1\146 ، 147 ، 150.
العباس بن موسى بن جعفر\2\244
عباية الأسدي\1\47 ، 352.
عبد الأعلى بن أعين\2\181 ، 188 ، 190 ، 217.
عبد الجبار بن سعيد\2\262
عبد الحميد\2\235
عبد الحميد بن عمران العجليّ\1\249
عبد الرحمن بن جندب\1\241
عبد الرحمن بن الحجاج\1\218
عبد الرحمن بن الحجاج\2\161 ، 216 ، 217.
عبد الرحمن بن الحسن\2\20
ص: 492
عبد الرحمن بن سيابة\1\153
عبد الرحمن بن شريح الشبامي\2\53
عبد الرحمن بن صالح الأزديّ\1\29 ، \2\149 ، 160.
عبد الرحمن بن عبد اللّه الارحبي\2\37 ، 39.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن جعال\2\11
عبد الرحمن بن عبد اللّه الزهري\2\163
عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب\2\107 ، 125.
عبد الرحمن بن عليّ بن الحسين\2\155
عبد الرحمن بن عمروبن جبلة\2\190
عبد الرحمن بن عوف\1\139 ، 286.
عبد الرحمن بن محمّد بن الاشعث\2\57
عبد الرحمن بن ملجم\1\9 ، 11 ، 12 13 ، 17 ، 18 ، 19 ، 20 ، 21 ، 22.
عبد الرزاق\1\42 ، 76 ، \2\144.
عبد السلام بن صالح\1\47
عبد العزيز بن أبي حازم\2\141
عبد العزيز بن صهيب\1\326
عبد العزيز بن عمران الزهري\2\192
عبد العزيز بن محمّد\1\333
ص: 493
عبد العزيز بن محمّد الدراوردي\2\169
عبد القاهر بن عبد الملك بن عطاء\1\350
عبد الكريم الخثعمي\2\381
عبد اللّه بن إبراهيم\2\17
عبد اللّه بن إبراهيم بن علي\2\252
عبد اللّه بن أبي أميّة\1\145
عبد اللّه بن أبي عثمان بن الأخنس\1\256
عبد اللّه بن أحمد بن حنبل\1\333
عبد اللّه بن إدريس\2\225
عبد اللّه بن أفطح\2\211
عبد اللّه بن بشير\2\270
عبد اللّه بن بكير الغنوي\1\284 ، 353 ، 2\144 ، 373.
عبد اللّه بن جبلة\1\45
عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب\1\14 ، 25 ، 100 ، 2\68 ، 69 ، 91 ، 124 ، 209 ، 210 ، 211 ، 218 ، 221 ، 222 ، 223.
عبد اللّه بن جميل بن زهير\1\72
ص: 494
عبد اللّه بن الحارث\1\352
عبد اللّه بن حازم\2\51
عبد اللّه بن حسن\2\191
عبد اللّه بن الحسن بن عليّ\2\20 ، 26 ، 110 ، 125 ، 192.
عبد اللّه بن الحسين بن علي\2\108 ، 135.
عبد اللّه بن الحصين الأزديّ\2\87
عبد اللّه بن حكيم بن حزام\1\255
عبد اللّه بن حميد بن زهرة\1\91
عبد اللّه بن حميد بن زهير\1\255
عبد اللّه بن حوزة\2\102
عبد اللّه بن خازم\1\26
عبد اللّه بن خطل الطائي\2\12
عبد اللّه بن داهر\1\47
عبد اللّه بن ربيعة بن دراج\1\254
عبد اللّه بن الزبير\1\141 ، 2\36 ، 148 ، 166 ، 173.
ص: 495
عبد اللّه بن الزبير الأسدي\2\64
عبد اللّه بن سالم\1\121
عبد اللّه بن سليمان\2\73
عبد اللّه بن سمعان\2\170
عبد اللّه بن سمير\2\95
عبد اللّه بن شداد\2\129
عبد اللّه بن شريك العامري\2\131
عبد اللّه بن عبّاس\1\33 ، 37 ، 38 ، 44 ، 47 ، 79 ، 85 ، 247 ، 285 ، 287 ، 289 ، 290 ، 311 ، 315 ، 316 ، 320 ، 339 ، 346 ، 2\8 ، 9.
عبد اللّه بن عجلان\2\386
عبد اللّه بن عطاء المكي\2\160
عبد اللّه بن عفيف الأزديّ\2\117
عبد اللّه بن عقبة الغنوي\2\109
عبد اللّه بن عقيل بن أبي طالب\2\125
عبد اللّه بن عليّ بن الحسين\2\155 ، 169 ، 170.
ص: 496
عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب\1\243 ، 2\371.
عبد اللّه بن عمروبن حزم\1\81
عبد اللّه بن عمير\2\101
عبد اللّه بن عيسى\2\5
عبد اللّه بن قطبة الطائي\2\107
عبد اللّه بن محمّد\2\146 ، 176 ، 309.
عبد اللّه بن محمّد الأصبهانيّ\2\315
عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز\1\40
عبد اللّه بن محمّد بن عقيل\1\33
عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن علي\2\147
عبد اللّه بن محمّد الفزاريّ\1\44
عبد اللّه بن محمّد القرشيّ\2\142
عبد اللّه بن مسعود\1\34 ، 80 ، 83 ، 106 ، 324 ، 344 ،
\2\28 ، 375.
عبد اللّه بن المنذر بن أبي رفاعة\1\72
عبد اللّه بن مسلم بن ربيعة الحضرمي\2\41 ، 42.
عبد اللّه بن مسمع الهمداني\2\37
عبد اللّه بن مطيع العدوي\2\71 ، 72.
عبد اللّه بن المغيرة\2\148 ، 383.
ص: 497
عبد اللّه بن المغيرة بن الأخنس\1\255
عبد اللّه بن موسى بن جعفر\2\140 ، 244.
عبد اللّه بن ميمون القداح\2\128
عبد اللّه بن هارون\2\149
عبد اللّه بن وال\2\37
عبد اللّه بن يحيى\2\190
عبد اللّه بن يقطر\2\70 ، 75.
عبد المسيح\1\166 ، 167 ، 168.
عبد المطلب بن هاشم\1\5 ، 79 ، 143.
عبد الملك بن أبي الحديث السلمي\2\123
عبد الملك بن إسماعيل\2\373
عبد الملك بن عبد الرحمن\1\34
عبد الملك بن عبد العزيز\2\149
عبد الملك بن عمير اللخمي\2\71
عبد الملك بن مروان\2\24 ، 150.
عبد الملك بن هشام\1\90 ، 124.
عبيد اللّه بن أبي رافع\1\216
عبيد اللّه بن جرير القطان\2\171
عبيد اللّه بن الحرّ الجعفي\2\81 ، 82.
عبيد اللّه بن الحسين\2\212 ، 213.
عبيد اللّه بن زياد\1\324 ، 325 ، \2\29 ، 42 ، 43 ،
ص: 498
44 ، 45 ، 46 ، 47 ، 48 ، 49 ، 50 ، 51 ، 52 ، 53 ، 55 ، 56 ، 57 ، 60 ، 61 ، 62 ، 63 ، 65 ، 69 ، 71 ، 80 ، 83 ، 86 ، 87 ، 88 ، 91 ، 101 ، 114 ، 115 ، 116 ، 117 ، 118 ، 119 ، 120 ، 123.
عبيد اللّه بن الصباح\2\16
عبيد اللّه بن العباس\2\13
عبيد اللّه بن عبّاس الاسلمي\2\57 ، 59.
عبيد اللّه بن عبد الرحمن بن موهب\2\143
عبيد اللّه بن عبد الرحيم\1\124
ص: 499
عبيد اللّه بن عليّ بن أبي طالب\1\354
عبيد اللّه بن عمر القواريري\1\40
عبيد اللّه بن عمروالرقي\1\33
عبيد اللّه بن كثير\1\44
عبيد اللّه بن محمّد\2\476
عبيد اللّه بن محمّد التيمي\2\143
عبيد اللّه بن محمّد بن عائشة\1\25
عبيد اللّه بن المرزبان\2\252
عبيد اللّه بن موسى\1\16 ، 36 ، 44.
عبيد اللّه بن موسى بن جعفر\2\244
عبيدة بن الحارث\1\68 ، 74 ، 107.
عتبة بن أبي لهب\1\141
عتبة بن ربيعة\1\68 ، 73 ، 74 ، 75.
عثمان بن خالد الهمداني\2\107
عثمان بن زياد\2\43
عثمان بن سعيد\1\353
عثمان بن عبيد اللّه\1\71
عثمان بن عفان\1\75 ، 81 ، 84 ، 208 ، 210 ، 211 ،
ص: 500
212 ، 241 ، 255 ، 286 ، 327 ، \2\18 ، 86 ، 103 ، 123 ، 371.
عثمان بن عليّ بن أبي طالب\1\354 ، 2\89 ، 125.
عثمان بن عمر\2\16
عثمان بن عيسى العامري\1\332
عثمان بن المغيرة\1\14 ، 80.
عدي بن ثابت\1\39 ، 40.
عدي بن حكيم\1\37
عروة بن الزبير\1\76
عروة بن قيس\2\38 ، 84 ، 95 ، 104.
عزورا\1\92
عطاء بن السائب\2\371
عقبة بن سمعان\2\80 ، 82 ، 98.
عقيل بن أبي طالب\2\63 ، 126 ، 195.
عكرمة\1\33 ، 44 ، 79 ، 86 ، 102 ، 310.
ص: 501
عكرمة بن أبي جهل\1\99 ، 97 ، 100 ، 145.
العلاء بن رزق اللّه\2\363
علقمة بن كلدة\1\71
علي بن إبراهيم بن هاشم\2\194 ، 199 ، 223 ، 257 ، 264 ، 266 ، 275 ، 281 ، 298 ، 345 ، 347.
علي بن أبي حمزة البطائني\2\229 ، 373 ، 377 ، 378.
علي بن أحمد\2\176
علي بن اسباط\2\292 ، 376.
علي بن إسماعيل بن جعفر\2\237 ، 238.
علي بن اوتامش\2\329
علي بن بلال المهلبي\2\370
علي بن جعفر\2\209 ، 214 ، 216 ، 274 ، 275 ، 315.
علي بن الحزور\1\14
علي بن الحسن\1\46
علي بن الحسن بن رباط\2\347
علي بن الحسن بن الفضل اليماني\2\329
عليّ بن الحسين\2\106 ، 108 ، 114 ، 116 ، 219.
ص: 502
عليّ بن الحسين الأصغر\2\135
عليّ بن الحسين بن عبيد الكوفيّ\1\41 ، 42.
عليّ بن الحسين بن عمرو\2\316
عليّ بن الحسين بن محمّد الأصفهانيّ\2\190
عليّ بن الحسين اليماني\2\358
علي بن الحكم\2\181 ، 250 ، 252.
علي بن حكيم الاودي\1\105
علي بن خالد\2\289 ، 291.
علي بن الخصيب\2\305
علي بن زياد الصيمري\2\366
علي بن سماعة\2\347
علي بن الطعان المحاربي\2\78
علي بن عاصم\2\371
علي بن العباس المقانعي\2\193
علي بن عقبة\2\384
علي بن عليّ بن الحسين\2\155
علي بن عمر بن علي\2\220
علي بن عمروالنوفليّ\2\314
علي بن محمّد\2\255 ، 293 ، 302 ، 314 ،
ص: 503
316 ، 318 ، 320 ، 325 ، 327 ، 329 ، 332 ، 334 ، 348 ، 349 ، 351 ، 352 ، 353 ، 355 ، 356 ، 357 ، 358 ، 361 ، 362 ، 363 ، 364 ، 365 ، 366 ، 367.
علي بن محمّد الأسترآباديّ\2\316
علي بن محمّد الاودي\2\372
علي بن محمّد بن إبراهيم\2\326
علي بن محمّد بن عبيد الحافظ\1\41 ، 42.
علي بن محمّد بن قتيبة\2\370
علي بن محمّد القاساني\2\275
علي بن محمّد النوفليّ\2\237 ، 304 ، 305.
علي بن مسهر\1\352
علي بن المنذر الطريقي\1\11
علي بن مهزيار\2\316
علي بن هاشم\1\73
علي بن يزيد\2\132
ص: 504
علي بن يقطين\2\225 ، 226 ، 227 ، 228 ، 229 ، 248 ، 249.
علية بنت عليّ بن الحسين\2\155
علية بنت موسى بن جعفر\2\244
عمار بن ابان\2\144
عمار بن ياسر\1\6 ، 31 ، 254 ، 258.
عمار الدهني\1\15
عمار الساباطي\2\223
عمارة\1\86
عمارة بن عبد السلولي\2\37 ، 39.
عمارة بن عقبة\2\42
عمارة بن غزية\2\169
عمارة بن محمّد\1\87
عمر بن ابان\2\189
عمر بن أذينة\2\347
عمر بن إسحاق\2\16
عمر بن الخطّاب\1\48 ، 58 ، 70 ، 75 ، 76 ، 84 ، 103 ، 104 ، 126 ، 132 ، 133 ، 136 ،
ص: 505
144 ، 153 ، 161 ، 163 ، 164 ، 174 ، 177 ، 182 ، 183 ، 186 ، 198 ، 202 ، 203 ، 204 ، 205 ، 206 ، 207 ، 208 ، 209 ، 210 ، 261 ، 285 ، 286 ، 2\233 ، 259 ، 382.
عمر بن سعد بن أبي وقاص\2\25 ، 42 ، 61 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 91 ،
ص: 506
95 ، 99 ، 101 ، 102 ، 104 ، 105 ، 107 ، 112 ، 113 ، 114 ، 131 ، 132.
عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ\2\107 ، 108.
عمر بن شبة\2\190
عمر بن عبد اللّه بن عمران\1\36
عمر بن عبد اللّه العتكي\2\190
عمر بن عبد العزيز\2\21
عمر بن عليّ بن أبي طالب\1\354 ، 2\24 ، 150 ، 151.
عمر بن عليّ بن الحسين\2\170 ، 171.
عمر بن محمّد الصيرفي\1\30
عمر بن موسى\1\43
عمران بن حصين\1\85
عمران بن ميثم\1\352
عمرة بنت خنافة\1\113
عمروالأهوازي\2\348 ، 353.
عمروبن أبي المقدام\2\372
عمروبن الازهر\1\104
عمروبن بكر التميمي\1\18
ص: 507
عمروبن ثابت\1\87
عمروبن الحجاج الزبيدي\2\38 ، 47 ، 50 ، 51 ، 86 ، 95 ، 102 ، 103 ، 113.
عمروبن الحريث\1\42 ، 323 ، 324 ، 325 ، 2\60 ، 115.
عمروبن الحسن\2\20 ، 26.
عمروبن دينار\2\149 ، 166.
عمروبن سعيد\1\286 ، 2\69 ، 123 ، 124.
عمروبن شمر\1\284 ، 2\143 ، 374 ، 380 ، 382.
عمروبن صبيح\2\107
عمروبن العاص\1\18 ، 22 ، 23 ، 163 ، 164 ، 165.
عمروبن عبد ود\1\97 ، 98 ، 99 ،
ص: 508
100 ، 101 ، 102 ، 103 ، 104 ، 105 ، 106 ، 107 ، 108 ، 109 ، 110.
عمروبن عبد الغفار الفقيمي\1\31
عمروبن عبد اللّه الجمحي\1\89 ، 91.
عمروبن عبيد\2\165
عمروبن عثمان\2\292
عمروبن لوذان\2\76
عمروبن مخزوم\1\71
عمروبن معدي كرب\1\158 ، 159 ، 160 ،
\2\123.
عمروبن نافع\2\56
عمير بن بكار\1\75
عمير بن عثمان بن كعب بن تيم\1\71
عمير بن وهب\1\145
عنبسة بن بجاد العابد\2\193
عوف\1\139
عون بن عبد اللّه بن جعفر\2\68 ، 107 ، 125.
ص: 509
العيزار\1\350
عيسى الجلودي\2\212
عيسى بن جعفر\1\27 ، 28 ، \2\239 ، 240.
عيسى بن عبد اللّه بن محمّد\2\190 ، 191 ، 218.
عيسى بن مهران\2\16
عيسى بن نصر\2\366
عيسى بن يزيد\1\223
عيينة بن حصن\1\95 ، 145 ، 147.
غ
غزوان\1\13
الغفاري\2\255
-ف-
فارس بن حاتم بن ماهويه\2\365
فاطمة بنت اسد\2\15 ، 17 ، 18 ، 19.
فاطمة بنت جعفر\2\209
فاطمة بنت الحسن\2\20
فاطمة بنت الحسين\2\25 ، 26 ، 121 ،
ص: 510
135 ، 140 ، 200 ، 209.
فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب\1\355
فاطمة بنت عليّ بن الحسين\2\155
فاطمة الصغرى بنت موسى بن جعفر\2\244
فاطمة الكبرى بنت موسى بن جعفر\2\244
الفاكه بن المغيرة\1\139
فايد\1\121
فتح\2\352
الفتح بن خاقان\2\302
الفرزدق\2\67 ، 150.
الفضل\2\218
الفضل بن الربيع\2\240 ، 242.
الفضل بن دكين\1\14
الفضل بن ذي القلمين\2\267
الفضل بن سهل\2\260 ، 261 ، 262 ، 265 ، 266 ، 267 ، 269.
الفضل بن شاذان\2\370 ، 371 ، 374 ،
ص: 511
375 ، 376 ، 379.
الفضل بن العباس بن عبد المطلب\1\141 ، 149 ، 182 ، 183 ، 187 ، 188 ، 310.
الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي\2\190
الفضل بن موسى بن جعفر\2\244
الفضل بن يحيى\2\241
فضيل الرسان\2\173
فطر\1\11
الفيض بن المختار\2\216 ، 217.
-ق-
القاسم بن الحسن بن عليّ\2\20 ، 26 ، 108 125.
القاسم بن العلاء\2\356
القاسم بن محمّد بن أبي بكر\2\137
القاسم بن موسى بن جعفر\2\244
قتادة\1\88
قدامة بن مظعون\1\202 ، 203.
قدامة بن موسى الجمحي\2\22
ص: 512
القرظي\2\157
قرة بن قيس الحنظلي\2\85 ، 99.
قصر بني مقاتل\2\82
قصي بن كلاب\1\79
قطام بنت الاخضر التميمية\1\18 ، 19 ، 22.
القعقاع بن شور الذهلي\2\52 ، 53.
قنبر\1\213 ، 215 ، 218.
القنبري\2\353
قيس\1\36
قيس بن الاشعث\2\98 ، 113.
قيس بن الربيع\1\103 ، 2\161.
قيس بن السائب\1\137
قيس بن سعد\1\258 ، 2\13.
قيس بن الفاكه بن المغيرة\1\71
قيس بن الماصر\2\199
قيس بن مسهر الصيداوي\2\37 ، 39 ، 40 ، 70 ، 71.
قيس الماصر\2\195
قيصر\1\168 ، 2\62.
ص: 513
-ك-
كثير بن شهاب\2\52 ، 53 ، 60.
كثير بن عبد اللّه الشعبي\2\85
كثير بن يحيى\1\34
كسرى\2\62
كعب بن اسد\1\111
كعب بن الأشرف\1\93
كعب بن سور\1\256
الكلبي\2\32
كلثم بنت موسى بن جعفر\2\244
كلدة بن أبي طلحة\1\91
كميل بن زياد\1\227 ، 327.
كنانة بن الربيع\1\94
-ل-
لبابة بنت موسى بن جعفر\2\244
لوذان بن ربيعة\1\72
لوط بن يحيى\1\17 ، 2\7.
ليلى بنت ابي مرة\2\106 ، 135.
ليلى بنت مسعود الدارمية\1\354
ص: 514
-م-
مات الدين\1\217
مالك\1\118
مالك الأشتر\2\386
مالك بن اشيم\2\277
مالك بن أعين الجهني\2\157
مالك بن عبادة الغافقي\1\141
مالك بن عبيد اللّه\1\71
المأمون\2\212 ، 213 ، 246 ،
259 ، 260 ، 261 ، 262 ، 264 ، 265 ، 266 ، 267 ، 269 ، 270 ، 271 ، 281 ، 282 ، 283 ، 284 ، 285 ، 286 ، 287.
المتوكل\2\297 ، 301 ، 302 ، 303 ، 307 ، 308 ، 309 ، 311.
ص: 515
مجالد\1\325
مجفر بن ثعلبة العائذي\2\119
محسن بن عليّ بن أبي طالب\1\355
محمّد الأصغر بن عليّ بن الحسين\2\155
محمّد بن إبراهيم بن مهزيار\2\355
محمّد بن إبراهيم الكردي\2\327
محمّد بن أبي بكر\2\137
محمّد بن أبي البلاد\2\372
محمّد بن أبي السري التميمي\1\34 ، 339.
محمّد بن أبي سعيد بن عقيل\2\126
محمّد بن أبي عبد اللّه\2\345
محمّد بن أبي عبد اللّه السياري\2\356
محمّد بن أبي عمير\2\29 ، 161 ، 180.
محمّد بن أحمد\2\145 ، 360.
محمّد بن أحمد بن أبي الثلج\1\29 ، 30 ، 31 ، 43 ، 44 ، 45 ، 47.
محمّد بن أحمد العلوي\2\320 ، 349.
محمّد بن أحمد القلانسي\2\316
محمّد بن أحمد النهدي\2\314
محمّد بن إسحاق\1\76 ، 90 ، 124.
ص: 516
محمّد بن إسحاق بن عمار\2\248
محمّد بن إسماعيل\2\150 ، 210 ، 227.
محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم\2\325 ، 334.
محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر\2\351
محمّد بن إسماعيل العلوي\2\329
محمّد بن الاشعث\2\47 ، 50 ، 52 ، 53 ، 57 ، 58 ، 59 ، 63.
محمّد بن ايمن\1\38
محمّد بن بشير الخارجي\2\21
محمّد بن جعفر\2\209 ، 211 ، 212 ، 213 ، 260 ، 267 ، 367.
محمّد بن جعفر بن محمّد\2\262
محمّد بن جعفر التميمي النحوي\1\33
محمّد بن جعفر الصادق\2\271
محمّد بن جعفر المؤدّب\2\370
محمّد بن حسان\2\289
محمّد بن الحسن\2\235 ، 252 ، 257.
ص: 517
محمّد بن الحسن بن شمون\2\333
محمّد بن الحسين\2\142 ، 166 ، 345 ، 346.
محمّد بن الحسين المقرئ البصير\1\31
محمّد بن حمزة\2\291 ، 292.
محمّد بن حمزة بن الهيثم\2\257
محمّد بن حمويه\2\355
محمّد بن الحميري\1\347
محمّد بن الحنفية\2\34 ، 138.
محمّد بن خالد\1\37
محمّد بن زكريا\1\25
محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين\2\246
محمّد بن سلم الكوفيّ\1\44
محمّد بن سليمان الديلميّ\1\37
محمّد بن سنان\2\219 ، 248 ، 250 ، 375.
محمّد بن سهل بن الحسن\1\39
محمّد بن سيرين\2\132
محمّد بن شاذان بن نعيم\2\352
محمّد بن شاذان النيسابوريّ\2\365
محمّد بن صالح\2\362
محمّد بن عائشة\1\27 ، 43.
محمّد بن العباس\1\32 ، 2\364.
محمّد بن العباس الرازيّ\1\37
ص: 518
محمّد بن عبد الحميد\1\31
محمّد بن عبد الرحمن السلمي\1\33
محمّد بن عبد اللّه الأزديّ\1\20
محمّد بن عبد اللّه البكري\2\232
محمّد بن عبد اللّه بن الحسن\2\191
محمّد بن عبد اللّه بن جعفر\2\68 ، 125.
محمّد بن عبد اللّه بن عمروبن عثمان\2\191
محمّد بن عبد الملك الزيات\2\290
محمّد بن عبيد اللّه بن أبي رافع\1\73 ، 87.
محمّد بن عجلان\2\383
محمّد بن علي\2\224 ، 248 ، 250 ، 251 ، 252 ، 277 ، 278 ، 279 ، 291 ، 308.
محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى\2\326 ، 327 ، 352.
محمّد بن عليّ بن أبي طالب\1\354
محمّد بن عليّ بن بلال\2\348
محمّد بن عليّ بن حمزة\2\270
محمّد بن عليّ بن عبد اللّه\2\149
محمّد بن علي الكوفيّ\2\379
محمّد بن عليّ بن محمّد\2\312
محمّد بن علي الهاشمي\2\291 ، 292.
محمّد بن عمارة\1\24
ص: 519
محمّد بن عمر\1\39
محمّد بن عمر الجعابي\1\33
محمّد بن عمر الواقدي\1\100
محمّد بن عمران المرزباني\1\32 ، 40 ، 41 ، 42.
محمّد بن عمروالتميمي\2\38
محمّد بن عيسى\2\257 ، 345.
محمّد بن غالب\1\45
محمّد بن الفرج الرخجي\2\304 ، 305 ، 306.
محمّد بن الفضل\2\227
محمّد بن الفضيل\2\250 ، 345.
محمّد بن القاسم\1\43
محمّد بن القاسم الشيباني\2\160
محمّد بن القاسم المحاربي البزاز\1\33
محمّد بن المظفر البزاز\1\34 ، 36 ، 40.
محمّد بن كثير\1\39
محمّد بن مروان\1\86
محمّد بن مسلم\2\377
محمّد بن مسلمة\1\243
محمّد بن مقاتل\2\163
محمّد بن المنكدر\2\161
محمّد بن موسى البربري\1\40
محمّد بن موسى بن جعفر\2\245
ص: 520
محمّد بن ميمون البزاز\2\141
محمّد بن النعمان الاحول\2\195 ، 221.
محمّد بن هارون بن عيسى الهاشمي\1\42
محمّد بن همام بن سهيل الإسكافيّ\1\45
محمّد بن الوليد\2\280
محمّد بن يحيى\1\40 ، 2\190 ، 221 ، 249 ، 254 ، 255 ، 276 ، 311 ، 317 ، 318 ، 321 ، 345 ، 346 ، 348 ، 351 ، 354.
محمّد بن يحيى الأزديّ\1\124
محمّد بن يحيى بن رئاب\2\319
محمّد بن يزيد النحوي\1\32
محمّد بن يعقوب الكليني\2\194 ، 199 ، 221 ، 223 ، 248 ، 249 ، 250 ، 252 ، 254 ، 255 ، 257 ،
ص: 521
258 ، 266 ، 267 ، 275 ، 276 ، 277 ، 278 ، 279 ، 289 ، 291 ، 292 ، 293 ، 298 ، 301 ، 302 ، 304 ، 311 ، 314 ، 316 ، 317 ، 318 ، 320 ، 321 ، 325 ، 326 ، 327 ، 329 ، 332 ، 334 ، 345 ، 346 ، 347 ، 348 ، 349 ، 351 ، 352 ، 353 ، 354 ، 355 ، 364 ، 367.
محمّد بن يوسف الشاشي\2\357
المختار بن أبي عبيد\1\324 ، 325 ، 2\41.
المخزومي\2\248 ، 250.
ص: 522
مخول بن إبراهيم\2\161
المدائني\2\263
مرة بن منقذ العبدي\1\34 ، 106.
مرحب\1\126 ، 127 ، 128.
مرداس الفهري\1\97
المرزباني الحارثي\2\356
مروان بن الحكم\2\18 ، 33 ، 119 ، 147.
مزاحم بن حريث\2\103
مسافر\2\258
المستعين\2\327 ، 328.
مسرف بن عقبة\2\152
مسرور\2\241
مسعدة بن صدقة\1\290 ، 291.
مسعدة بن اليسع\1\124
مسعر بن كدام\1\351
مسعود بن أبي أميّة بن المغيرة\1\71
مسعود بن أميّة بن المغيرة\1\72
مسلم بن عقيل\2\31 ، 39 ، 40 ، 41 ، 42 ، 43 ، 45 ،
ص: 523
48 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 57 ، 58 ، 60 ، 61 ، 62 ، 63 ، 64 ، 65 ، 66 ، 70 ، 71 ، 74 ، 75 ، 92.
مسلم بن عمروالباهلي\2\42 ، 43 ، 49 ، 60.
مسلم بن عوسجة الأسدي\2\45 ، 46 ، 92 ، 96 ، 103.
مسلم بن قرظة\1\255
المسيب بن نجبة\2\36
مصعب بن عمير\1\79 ، 81.
المطرفي\2\292
المظفر بن محمّد البلخيّ\1\29 ، 43 ، 44 ، 47.
معاذ بن كثير\2\216 ، 217.
معاذة العدوية\1\31
معاوية بن أبي سفيان\1\18 ، 22 ، 144 ،
ص: 524
145 ، 260 ، 261 ، 262 ، 263 ، 271 ، 275 ، 280 ، 295 ، 323 ، 350. 2\9 ، 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 ، 15 ، 16 ، 32 ، 33 ، 36 ، 41 ، 72.
معاوية بن ثعلبة\1\47
معاوية بن حكيم\2\249 ، 277.
معاوية بن عامر بن عبد القيس\1\72
معاوية بن عمّار الدهني\2\162
معاوية بن المغيرة بن أبي العاص\1\72
معاوية بن هشام\2\167
معاوية بن وهب\2\187
معبد بن زهير بن أبي أميّة\1\255
معبد بن المقداد\1\254
معتب ابن أبي لهب\1\141
ص: 525
المعتز\2\325
المعتصم\2\289 ، 295 ، 298.
معروف بن خربوذ\1\103
معقل\2\45 ، 48.
المعلى بن خنيس\2\184
معلى بن محمّد\2\248 ، 258 ، 267 ، 291 ، 292 ، 301 ، 304 ، 311 ، 316 ، 347 ، 349.
معمر\1\76 ، 2\5 ، 144.
معمر بن خلاد\2\274 ، 276 ، 376.
معمر بن المثنى\1\239
المغربي\2\368
مغيرة\2\16
المفضل بن عبد اللّه\1\79
المفضل بن عمر الجعفي\2\216 ، 380 ، 381 ، 386.
ص: 526
المفيد\1\3 ، 32 ، 37 ، 210 ، 353 ، 2\362.
المقداد بن الأسود\1\6 ، 73 ، 2\386
مقيس بن صبابة\1\136
منبه بن الحجاج السهمي\1\71
المنذر بن المشمعل\2\73
منذر الخوزي\2\378
منصور بن بشير\2\270
منصور بن حازم\2\218
المنهال بن عمرو\1\352
المهاجر بن اوس\2\99
المهتدي\2\333
موسى بن اكيل النميري\1\352
موسى بن جعفر بن وهب\2\315
ص: 527
موسى بن سلمة\2\260
موسى بن الصيقل\2\216
موسى بن طريف\1\352
موسى بن علي\2\307 ، 308.
موسى بن محمّد بن القاسم\2\351
موسى الوجيهي\1\352
الموفق\2\322
ميثم التمار\1\323 ، 324 ، 325.
ميمون القداح\2\158
ميمونة بنت عليّ بن أبي طالب\1\355
ميمونة بنت موسى بن جعفر\2\244
***
-ن-
نائل بن نجيح\1\123
نافع بن الأزرق\2\164 ، 165.
نافع بن هلال\2\103
نرجس\2\339
نصر بن صباح البلخيّ\2\357
نصر بن قابوس\2\248 ، 251.
نصير الخادم\2\330
النضر بن الحارث بن عبد الدار\1\71
النضر بن حميد\1\40
النعمان\2\44
النعمان بن بشير\2\41 ، 42 ، 43 ، 44 ، 122.
ص: 528
نعيم القابوسي\2\248
نفيسة بنت عليّ بن أبي طالب\1\354
نوح بن قيس\1\31
نوفل بن الحارث\1\141
نوفل بن خويلد\1\69 ، 70 ، 76 ، 79.
نوفل بن عبد اللّه\1\102 ، 105.
نوفل بن عبد اللّه بن المغيرة\1\100
-ه-
هارون بن المسيب\2\267
هارون بن موسى\2\149
هارون الرشيد\1\26 ، 27 ، 2\225 ، 226 ، 228 ، 234 ، 235 ، 237 ، 238 ، 239 ، 240 ، 241 ، 257.
هاشم\1\6
هاشم بن يونس النهشلي\1\33
هاشمية\2\245
هانئ بن أبي حية الوادعي\2\65
ص: 529
هانئ بن عروة\2\45 ، 46 ، 47 ، 48 ، 49 ، 50 ، 51 ، 63 ، 64 ، 65 ، 74 ، 75.
هانئ بن هانئ السبيعي\2\38 ، 39.
هبيرة بن أبي وهب المخزومي\1\97 ، 99 ، 100 ، 102.
هشام بن أبي أميّة بن المغيرة\1\72
هشام بن احمر\2\254
هشام بن إسماعيل\2\147
هشام بن أميّة المخزومي\1\89 ، 91.
هشام بن الحكم\2\195 ، 196 ، 197 ، 198 ، 199 ، 204 ، 249.
هشام بن سالم\2\180 ، 195 ، 198 ،
هشام بن عبد الملك\2\163 ، 164 ، 172.
هشام بن محمّد\1\103
هشام بن المغيرة\1\145
هشيم\2\172
ص: 530
هند بنت عتبة\1\75 ، 83 ، 2\15.
هوذة بن قيس الوالبي\1\94
-و-
الواثق\2\301
الواقدي\2\147
وبرة بن الحارث\1\339
وبرة بن طريف\1\95
وحشي\1\83
وردان بن مجالد\1\18
الوشاء\2\219 ، 301 ، 347.
وكيع\1\40
الوليد\1\68 ، 73 ، 74 ،
\2\147.
الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة\1\91
الوليد بن الحارث\1\321
الوليد بن عبد الملك\1\310
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان\1\70 ، 75 ، \2\32 ، 33 ، 34.
الوليد بن عقبة\1\243
الوليد بن عمران البجلي\1\350
ص: 531
وهيب بن حفص\2\373 ، 379.
-ي-
ياسر\1\27 ، 28 ، 2\266 ، 267.
ياسر الخادم\2\264
يحيى بن أبي طالب\2\371
يحيى بن أكثم\2\283 ، 284 ، 286.
يحيى بن أم الحكم\2\24 ، 25.
يحيى بن حبيب الزيات\2\275 ، 280.
يحيى بن الحسن بن جعفر\2\232
يحيى بن الحسن العلوي\2\262
يحيى بن الحكم\2\119 ، 120.
يحيى بن خالد\2\237 ، 238 ، 241 ، 242 ، 258.
يحيى بن سعيد بن العاص\2\68
يحيى بن سلمة بن كهيل\1\285
يحيى بن سليمان بن الحسين\2\174
يحيى بن عبد الحميد الحماني\2\162 ، 285.
ص: 532
يحيى بن عفيف\1\29
يحيى بن العلاء\1\42
يحيى بن عليّ بن أبي طالب\1\354
يحيى بن عمارة\1\78
يحيى بن محمّد بن جعفر\2\213
يحيى بن محمّد بن نصر\1\3
يحيى بن المساور العابد\1\331 ، 2\172.
يحيى بن هرثمة\2\297 ، 310 ، 311.
يحيى بن يسار العنبري\2\314
يحيى بن اليمان\1\47
يزدجرد بن شهريار بن كسرى\2\137
يزيد بن الحارث بن رويم\2\38 ، 98.
يزيد بن رومان\1\76
يزيد بن سفيان\2\103
يزيد بن سليط\2\248 ، 252.
يزيد بن عبد اللّه\2\363
يزيد بن معاوية\1\325 ، \2\15 ، 16 ، 32 ، 33 ، 34 ، 42 ، 65 ، 117 ، 118 ، 119 ، 120 ، 121 ، 122 ، 123.
ص: 533
يزيد بن المهاجر الكنانيّ\2\83
يسار\2\101
يسار بن أحمد البصري\2\314 ، 315.
يعقوب بن جعفر الجعفري\2\219
يعقوب بن يزيد\1\25 ، 2\148 ، 161.
يعقوب السراج\2\216 ، 219.
يعلى بن مرة\2\127
اليماني\2\368 ، 375.
يوسف بن الحكم الحناط\1\33
يوسف بن عبدة\2\132
يوسف بن عمر\1\322
يوسف بن كليب\1\106
يونس\1\206
يونس بن بكير\1\104 ، 149.
يونس بن عبد الرحمن\2\181
يونس بن يعقوب\2\194 ، 199.
***
ص: 534
المكان\الجزء\الصفحة
أبواب كندة\2\54.
الابواء\2\190 ، 215.
اليا\1\126
الانبار\1\283
اوطاس\1\151
باب التبن\2\243
باب التمارين\2\51
باب الفيل\2\376
ص: 535
باب الكوفة\2\288
بابل\1\346
البصرة\1\31 ، 209 ، 246 ، 247 ، 250 ، 258 ، 315.
2\9 ، 43 ، 72 ، 239 ، 259 ، 387.
بطن الخبث\2\40
بطن الرمة\2\70
بغداد\2\241 ، 215 ، 237 ، 242 ، 266 ، 273 ، 288 ، 289 ، 295 ، 298 ، 357 ، 358 ، 361 ، 378.
البقيع\1\181
2\19 ، 144 ، 158 ، 180 ، 209.
بلاد الروم\1\180
البيت الحرام\1\5
التنعيم\2\68
الثعلبية\2\74
الثوية\1\26
جابرسا\2\29
جابلقا\2\29
ص: 536
الجابية\2\372
جامع الكوفة\1\237
الجحفة\1\121
الجرف\1\181
الجزيرة\2\368 ، 372.
جلولاء\2\369
الحائر\2\126 ، 367.
الحبونية\2\13
الحديبية\1\121
الحرار\1\122
الحرة\1\163
حضرموت\2\52
الحطيم\2\383
حمام عمر\2\11
الحوأب\1\247
الحيرة\1\10 ، 2\375
خان الصعاليك\2\311
خانقين\2\369
خراسان\2\212 ، 213 ، 247 ، 260 ، 279 ، 368 ، 369 ، 377.
خفان\2\69
ص: 537
خيبر\1\128 ، 129.
دار الروميين\2\53
دار المسيب\2\288
دمشق\2\118
دير كعب\2\11
ذات عرق\2\69
ذوالحليفة\1\171
ذي قار\1\249 ، 251 ، 258.
ص: 538
الربذة\1\247
الرحبة\1\284
الرصافة\2\172
الرقة\2\240
الرملة\2\368 ، 372.
زبالة\2\75
زرود\2\74
ساباط\2\11 ، 12.
سرمن رأى \2\297 ، 309 ، 311 ، 312 ، 313 ، 321 ، 324 ، 327 ، 336.
سلع\1\98 ، 100.
سناباد\2\271
سوراء\2\327
الشام\2\53 ، 72 ، 289 ، 290 ، 369 ، 372.
الشامات\2\368 ، 376.
شراف\2\76
شفنة\2\84
صريا\2\297
ص: 539
الصفا\2\67 ، 352.
الصين\2\385
الطائف\1\151 ، 152 ، 153.
الطف\2\26 ، 124 ، 135.
طف كربلاء\2\125
طوس\2\247 ، 271.
العذيب\2\81
عذيب الهجانات\2\81
العراق\2\31 ، 32 ، 66 ، 67 ، 68 ، 69 ، 70 ، 130 ، 132 ، 252 ، 257 ، 290 ، 351 ، 355 ، 360 ، 363.
العريض\2\209
العسكر\2\289 ، 306 ، 309 ، 360 ، 361 ، 364.
العقبة\2\76
الغاضرية\2\114 ، 126.
غدير خم\1\8 ، 174 ، 175.
الغري\1\10 ، 25 ، 2\380.
الغريين\1\24 ، 25 ، 26 ، 27.
الغميصاء\1\139
فارع\2\257
الفرات\1\346 ، 347 ، 2\31 ، 103 ، 369 ، 377.
ص: 540
القادسية\2\69 ، 71 ، 78 ، 81.
قبر عليّ بن أبي طالب\1\27 ، 28.
قسطنطينية\2\385
قصر الامارة\2\114
قصر بني مقاتل\2\81
القطقطانة\2\69
قم\2\264 ، 321.
القنطرة\2\11
قنطرة وصيف\2\307
كراع الغميم\1\171
كربلاء\1\334 ، 337 ، 354 ، 2\130 ، 380.
الكرخ\2\369
كشر\1\159
الكعبة\1\30 ، 136 ، 2\285 ، 383 ، 384.
الكوفة\1\18 ، 26 ، 27 ، 28 ، 208 ، 2
ص: 541
09 ، 216 ، 249 ، 259 ، 270 ، 290 ، 315 ، 324 ، 349 ، 2\9 ، 13 ، 15 ، 41 ، 42 ، 43 ، 45 ، 46 ، 49 ، 54 ، 57 ، 61 ، 66 ، 69 ، 71 ، 72 ، 74 ، 75 ، 76 ، 80 ، 82 ، 84 ، 104 ، 114 ، 118 ، 173 ، 239 ، 246 ، 291 ، 358 ، 368 ، 369 ، 376 ، 377 ، 379 ، 380 ، 384 ، 385 ، 386.
المدائن\2\12
المدينة\1\54 ، 55 ، 56 ، 82 ، 89 ، 96 ، 111 ، 114 ، 134 ، 155 ، 156 ، 158 ، 166 ، 171 ، 172 ، 174 ، 181 ، 291.
2\5 ، 15 ، 21 ، 23 ، 27 ، 32 ، 34 ، 39 ، 40 ، 76 ،
ص: 542
80 ، 122 ، 123 ، 137 ، 149 ، 152 ، 158 ، 172 ، 174 ، 179 ، 185 ، 206 ، 209 ، 213 ، 214 ، 221 ، 229 ، 232 ، 233 ، 234 ، 239 ، 245 ، 247 ، 254 ، 257 ، 258 ، 259 ، 288 ، 289 ، 291 ، 295 ، 297 ، 309 ، 313 ، 331.
مدينة السلام\2\369
المروة\2\67
مسجد الأحزاب\1\163
مسجد الاشعث\1\25
المسجد الحرام\2\163 ، 200.
مسجد رسول اللّه\2\39 ، 152 ، 255 ، 290.
مسجد السهلة\2\380
مسجد الكوفة\1\9
2\290 ، 375 ، 377.
مسكن\2\13
مشرعة القصب\2\243
مصر\2\214 ، 364 ، 368 ، 369 ، 376.
ص: 543
مقابر قريش\2\243 ، 295 ، 367.
مكّة\1\5 ، 6 ، 17 ، 27 30 ، 51 ، 53 ، 56 ، 57 ، 58 ، 59 ، 60 ، 89 ، 94 ، 131 ، 134 ، 135 ، 136 ، 137 ، 138 ، 139 ، 172 ، 173 ، 244.
2\34 ، 35 ، 66 ، 68 ، 69 ، 130 ، 212 ، 235 ، 257 ، 290 ، 291 ، 364 ، 370 ، 379 ، 380.
المهراس\1\79
نجران\1\166
النجف\2\380
نجف الكوفة\1\10 2\379
النخيلة\2\14
نقمى\2\232
النهروان\2\357
ص: 544
نيسابور\2\361
نينوى\2\84 ، 87.
وادي الرمل\1\115 ، 162.
واقصة\2\72
وج\1\153
يثرب\1\106
اليسيرة\2\238
اليمن\1\169 ، 171 ، 172 ، 195 ، 196 ، 197 ، 272 ، 321 ، 322.
2\68 ، 246.
ص: 545
الجماعة\الجزء\الصفحة
آل أبي رافع\2\255
آل أبي طالب\2\237 ، 259 ، 261 ، 282 ، 318 ، 330 ، 369.
آل الرسول صلّى اللّه عليه وآله\1\69
آل جعفر\2\329
آل سام\2\181
آل طلحة\2\16
آل فرعون\1\292
آل محمد\1\242 ، 2\73 ، 172 ، 319 ، 329 ، 371 ، 383.
ص: 546
اسد\2\52
اشجع\1\19 ، 95
اصحاب محمّد صلّى اللّه عليه وآله\1\103
الازد\1\318 2\117
الاسماعيلية\2\210
الاشعريون\2\323
امة محمّد صلّى اللّه عليه وآله\1\21
الأنصار\1\7 ، 45 ، 51 ، 73 ، 80 ، 91 ، 92 ، 145 ، 146 ، 158 ، 180 ، 188 ، 189 ، 199 ، 208 ، 261.
اهل آبة\2\365
اهل أصفهان\1\207 ، 208.
اهل بدر\1\58 ، 136.
اهل البصرة\1\103 ، 209 ، 258 ، 2\66
اهل بغداد\2\242 ، 362.
ص: 547
اهل البيت عليهم السلام\1\6 ، 195 ، 198 ، 233 ، 241 ، 245 ، 250.
اهل الحجاز\2\66
اهل خراسان\2\225
اهل الري\1\207 ، 208 ، 2\162.
اهل الشام\1\209 ، 280 ، 283 ، 316 ، 337 ، 2\11 ، 45 ، 54 ، 172 ، 194.
اهل الصفة\1\162
اهل العراق\1\269 ، 275 ، 2\24 ، 72 ، 97 ، 163 ، 369 ، 378.
اهل القليب\1\256
اهل قومس\1\207 ، 208.
ص: 548
اهل الكهف\2\386
اهل الكوفة\1\249 ، 250 ، 258 ، 271 ، 277 ، 278 ، 279 ، 281 ، 282 ، 347 ، 2\31 ، 37 ، 42 ، 52 ، 60 ، 70 ، 71 ، 74 ، 100 ، 104 ، 105 ، 106 ، 118 ، 380.
اهل المدينة\2\292 ، 301.
اهل مصر\2\369
اهل مكّة\1\131 ، 155 ، 188.
اهل نجد\1\350
اهل نجران\1\169 ، 171 ، 172.
اهل نهاوند\1\207
اهل همذان\1\207 ، 208 ، 2\362.
اهل اليمن\1\62 ، 209 ، 2\146
الاوس\2\81
الباغون\1\246
بجيلة\2\72 ، 87.
ص: 549
البراهمة\1\341 ، 350.
البرسيون\2\367
بلحارث\2\103
بلقين\2\9
بنواسد\1\27 ، 294 ، 2\12 ، 114.
بنوإسرائيل\1\112 ، 290 ، 291 ، 2\132.
بنوأميّة\1\10 ، 190 ، 263 ، 276 ، 309 ، 2\18 ، 23 ، 34 ، 41 ، 72 ، 176 ، 273.
بنوبكر\1\132
بنوتميم\2\102
بنوجبلة\2\54
بنوجذيمة\1\55 ، 139.
بنوالحارث\1\159
بنوحطمة\1\92 ، 93.
بنوحنظلة\2\358
بنودارم\2\112
بنوزبيد\1\159
بنوسليم\1\163 ، 164 ، 2\9.
بنوشيبة\2\383
بنوعامر\1\72 ، 107 ، 108.
بنوالعباس\2\318 ، 322 ، 368 ، 369 ، 371 ، 372.
ص: 550
بنوعبد مناف\1\190
بنوعبد الدار\1\79 ، 91.
بنوعبد المطلب\1\48
بنوعقيل\2\75 ، 92.
بنوعكرمة\2\76
بنوعمارة\2\53
بنوعوف\1\188
بنوفرات\2\367
بنوفزارة\1\95
بنوقريضة\1\94 ، 109 ، 110 ، 113 ، 2\165
بنوكنانة\1\97 ، 133.
بنومخزوم\1\137
بنومرة\1\95
بنوالمصطلق\1\339
بنوالمطلب\1\75
بنوالمغيرة\1\139
بنوالنجار\1\111
بنوالنضير\1\92 ، 93 ، 94.
بنوهاشم\1\6 ، 31 ، 52 ، 59 ، 60 ، 79 ، 1
ص: 551
40 ، 141 ، 189 ، 190 ، 294 ، 2\21 ، 123 ، 161 ، 190 ، 243 ، 254 ، 307 ، 317 ، 321 ، 323 ، 372.
بنوهشام\2\324
بنووالبة\1\94
الترك\2\368 ، 372.
تميم\2\52
تيم بن مرة\1\190
تيم الرباب\1\18
ثقيف\1\151
جعفي\1\159
الحرورية\2\45
الحشوية\2\23 ، 210.
حمير\2\9
حنظلة تميم\2\85
خثعم\1\152 ، 154.
خزاعة\1\132
الخزرج\1\109 ، 188.
الخوارج\1\17 ، 19 ، 149 ، 271 ، 316 ، 321 ، 2\23 ، 221 ، 222.
الديلم\2\385
ص: 552
ربيعة\1\316 ، 2\12
الروم\1\154 ، 155 ، 209 ، 2\368 ، 372.
الزط\1\340
الزيدية\2\23 ، 187 ، 212 ، 221 ، 222
الشيعة\1\10
شيوخ قريش\1\107
الصابئون\1\342
طي\2\40
العباسيون\2\281 ، 334.
عبد القيس\2\143
ص: 553
عترة محمّد صلّى اللّه عليه وآله\1\232
عدي\1\190
عيلان\1\95
غامد\1\282
غطفان\1\95
فزارة\2\72
الفطحية\2\211
القاسطون\1\9 ، 246 ، 262 ، 315.
القدرية\1\225 ، 2\221 ، 222.
قريش\1\36 ، 51 ، 53 ، 58 ، 70 ، 73 ، 76 ، 79 ، 80 ، 90 ، 94 ، 95 ، 97 ، 98 ، 108 ، 109 ، 122 ، 132 ، 135 ، 143 ، 145 ، 156 ، 208 ، 242 ، 248 ، 254 ، 256 ، 258 ، 279 ، 2\16 ، 72 ، 123 ، 145 ، 161 ، 318 ، 383.
قيس\1\95 ، 2\39 ، 57 ، 369 ، 376.
ص: 554
كندة\1\13 ، 18 ، 2\52 ، 54 ، 369 ، 376.
الكيسانية\2\206 ، 208.
المارقون\1\9 ، 315.
المجوس\1\225 ، 342 ، 2\101.
مذحج\2\50 ، 51 ، 52 ، 64.
المرجئة\2\211 ، 221 ، 222.
المسلمون\1\96 ، 97 ، 98 ، 100 ، 102 ، 109 ، 114 ، 116 ، 118 ، 125 ، 128 ، 129 ، 134 ، 136 ، 140 ، 143 ، 144 ، 149 ، 150 ، 151 ، 165 ، 174 ، 175 ، 176 ، 177 ، 183 ، 184 ، 188 ،
ص: 555
195 ، 208 ، 209 ، 246 ، 250 ، 262 ، 267 ، 341 ، 2\260 ، 385.
مضر\1\316
المعتزلة\1\341 ، 2\221 ، 222.
المهاجرون\1\5 ، 7 ، 92 ، 93 ، 114 ، 115 ، 148 ، 159 ، 180 ، 189 ، 199 ، 208 ، 261.
الناكثون\1\9 ، 246 ، 315.
النصارى\1\117 ، 165 ، 166 ، 167 ، 168 ، 170 ، 342.
هاشم\1\32
الهاشميون\1\140
ص: 556
هذيل\1\144
همدان\1\21 ، 62 ، 2\12.
همذان\2\52
هوازن\1\142
وفد نجران\1\170
ولد فاطمة عليهم السلام\1\93
اليمانيون\2\358
اليهود\1\113 ، 125 ، 129 ، 166 ، 201 ، 342 ، 2\101.
***
ص: 557
عجز البيت الأول\الجزء\الصفحة
علينا وهم كانوا أعق وأظلما\2\119
واكلك بالزبد المقشرة البجرا\1\248
أن يروي الصعدة اوتدقا\1\152
صاد علي صقرا\1\110
وحسنا والمرتضى عليا\2\105
نفى جدبها واخضرّ بالنبت عودها\2\21
القرآن كانت قريش عليه عيالا\2\157
يوم المآب من الرحمن غفرانا\1\226
اعني ابن فاطمة (المعم المخولا) \1\91
دواء فلما لم يحس مداويا\1\64 ، 128
اذا ما نوى حقا وجاهد مسلما\2\81
بخم واسمع بالرسول مناديا\1\177
ص: 558
اني رأيت الموت شيئا نكرا\2\58
كعجيج نسوتنا غداة الارنب\2\123
ونصرت ربّ محمّد بصواب\1\99
عذافرة يطوي بها كل سبسب\2\206
اني امرؤ ذومرّة وعضب\2\101
شاك سلاحي بطل مجرب\1\127
أنا ابن عبد المطلب\1\143
وقت الصلاة وقد دنت للمغرب\1\347
بعد العشاء بكربلا في موكب\1\337
على خبر خندق لم ينقلب\1\75
ومنزل وحي مقفر العرصات\2\263
فعل الذليل وبيعة لم تربح\1\78
وحرّ عند مختلف الرماح\2\100
جذع ابر على المذاكي القرح\1\77
حتى نبيح القوم اونباح\1\143
أني في الهيجاء ذونصاح\1\143
لكنت أبيك عليه آخر الابد\1\108
غويت وان ترشد غزيّة ارشد\1\270
تجهّز لاخرى مثلها فكأن قد\2\10
يوم اليهود بقدرة لمؤيد\1\129
عذيرك من خليلك من مراد\1\12 ، 13
2\48
فقد بان معروف هناك وجود\2\22
بجنوب يثرب غارة لم تنظر\1\106
ويوم حيان أخي جابر\1\288
ص: 559
اشجع من ذي لبد هزبر\2\104
بجمعهم هل من مبارز\1\100
يرجوالنجاة ولات حين مناص\2\86
العبيد بين عيينة والاقرع\1\147
ببني قريظة والنفوس تطلع\1\94
فإن الموت لاقيك\1\11 ، 17
وخير من لبى على الاجبل\2\157
ثمال اليتامى عصمة للأرامل\1\186
كم لك بالاشراق والاصيل\2\93
وكلاهما كفء كريم باسل\1\108
الموت خير لك من عيش بذل\2\212
ابشروا بالعذاب والتنكيل\2\125
من ابن زياد العبد ذي الحسب الرذل\2\120
الى هانئ في السوق وابن عقيل\2\64
وانصت السامع للقائل\2\150
ولكنه من يخذل اللّه يخذل\1\112
فقيد إلينا في المجامع يعتل\1\112
ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم\2\124
ولبانه حتّى تسربل بالدم\2\102
فلست برعديد ولا بمليم\1\90
أفضل من يشرب صوب الغمام\2\263
كمهر قطام من فصيح واعجم\1\22
والبيت يعرفه والحل والحرم\2\151
عن هاشم ثمّ منها عن ابي حسن\1\32
شم عند السيوف يوم حنين\1\141
ص: 560
اليوم تسبى الحرمة\1\135
اليوم تستحلّ الحرمة\1\60
ليث لغايات شديد قسورة\1\127
العبيد بين الاقرع وعيينة\1\147
ولكن بسيف الهاشميين فافخروا\1\107
وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا\1\141
عني وعنها خبروا اصحابي\1\104
ولا سيما تيم بن مرة اوعدي\1\190
نحن وبيت اللّه أولى بالنبي\2\106
أنا على دين علي\2\103
***
ص: 561
الملابس والزينة\الجزء\الصفحة
ازار\1\16
2\79 ، 107.
الغالية\2\285
برد\1\34 ، 164 ، 2\181.
ثوب\1\119 ، 2\118 ، 148 ، 220 ، 265 ، 360.
ص: 562
جبة\2\303
حرير\1\20
خاتم\1\74 ، 2\188
خف\2\265
دراعة\2\225 ، 226.
ديباج\1\166
رداء\2\79 ، 185 ، 192 ، 256.
سراويل\2\111 ، 112.
سوار ذهب\2\356
عمامة\1\34 ، 2\181 ، 265.
قطيفة\1\21
قلنسوة\2\110 ، 303.
قميص\1\5 ، 187 ، 2\107 ، 256.
منطقة\2\363
نعل\1\122 ، 123 ، 124 ، 2\79 ، 107 ، 124.
ياقوت احمر\1\42
***
ص: 563
الحيوان\الجزء\الصفحة
إبل\1\146 ، 206 ، 244 ، 260 ، 283.
اسد\1\108 ، 196 ، 213 ، 229.
الاشقر (فرس) \1\13
اوز\1\17
بدنة\1\172 ، 2\285.
بعير\2\67 ، 195 ، 200.
بغل\1\141 ، 2\18 ، 59 ، 229 ، 234 ، 239 ، 327 ، 328.
ص: 564
بقرة\1\197 ، 198 ، 2\285.
ثعبان\1\348 ، 349.
ثور\1\76
جراد\2\372
جري\1\348
جمل\1\142 ، 169 ، 246 ، 2\18 ، 59 ، 68 ، 78 ، 91 ، 357.
جياد\1\106 ، 168.
حمار\1\197 ، 198 ، 2\229 ، 233.
حمار وحش\2\285
حية\1\233
حيتان\1\347 ، 348.
خنزير\1\110 ، 2\101 ، 369.
خيل\1\97 ، 98 ، 99 ، 100 ، 102 ، 152 ، 164 ، 190 ، 268.
2\58 ، 69 ، 77 ، 78 ، 88 ، 89 ، 95 ، 96 ، 102 ،
ص: 565
104 ، 108 ، 113 ، 234 ، 239 ، 369.
دابة\2\363
ذئب\1\83 ، 348.
الرخم\2\118
الزمار\1\348
سباع\1\21 ، 2\334.
سمك\1\348
شاة\1\146 ، 2\285.
صقر\1\26 ، 110 ، 2\108.
طير\1\100 ، 2\77.
ظبي\1\26 ، 2\40 ، 285.
عضباء\1\52
عقبان\2\118
ص: 566
غنم\2\302
فرس\1\13 ، 102 ، 116 ، 136 ، 164 ، 169 ، 2\12 ، 51 ، 78 ، 82 ، 99 ، 100 ، 104 ، 113 ، 332 ، 333.
قردة\1\110 ، 2\369.
القطا\2\93
قنفذ\2\112
كبش\2\5 ، 27 ، 212.
كلب\1\26 ، 247 ، 2\101.
لبوءة\2\230
المارماهي\1\348
معزى\1\237
ناقة\1\259 ، 2\59 ، 74.
نعامة\1\83 ، 2\285.
وزغ\1\76
***
ص: 567
السلاح\الجزء\الصفحة
بيضة\1\88 ، 126.
ترس\1\99 ، 316 ، 318 ، 2\67.
حربة\1\323
درع\1\76 ، 102 ، 104 ، 2\187.
درقة\1\88
ذوالفقار\1\84 ، 87 ، 89.
رمح\1\76 ، 82 ، 142 ، 237 ، 318.
ص: 568
\2\102 ، 107 ، 117.
سكين\2\64
سهم\1\92 ، 149 ، \2\96 ، 101 ، 107 ، 108 ، 111 ، 135.
سيف\1\10 ، 19 ، 20 ، 21 ، 23 ، 57 ، 74 ، 75 ، 76 ، 78 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 90 ، 92 ، 93 ، 97 ، 99 ، 106 ، 107 ، 112 ، 114 ، 115 ، 125 ، 127 ، 141 ، 144 ، 154 ، 255 ،
ص: 569
256 ، 282 ، 285 ، 316 ، 321 ، 322 ، \2\11 ، 58 ، 59 ، 67 ، 71 ، 76 ، 78 ، 85 ، 89 ، 92 ، 93 ، 104 ، 106 ، 107 ، 108 ، 110 ، 111 ، 112 ، 118 ، 172 ، 173 ، 187 ، 267 ، 303 ، 363 ، 365 ، 372.
قوس\2\101
لامة\2\187
مغفر\1\88 ، 126 ، 127 ، 137 ، 2\187.
مهند\1\107
نبل\1\82 ، 2\101 ، 102 ، 104.
هراوة\2\212
***
ص: 570
الواقعة\الجزء\الصفحة
احد\1\78 ، 80 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91.
الأحزاب\1\94
بدر\1\36 ، 67 ، 68 ، 70 ، 73 ، 75 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 81 ، 106 ، 257.
بنوالمصطلق\1\118 ، 119.
تبوك\1\8 ، 154 ، 158.
الجمل\1\317
ص: 571
الحديبية\1\119 ، 124 ، 153.
حنين\1\140 ، 141 ، 144 ، 145 ، 148 ، 151.
خيبر\1\63 ، 124 ، 127 ، 333.
السلسلة\1\113 ، 162.
صفين\1\225 ، 268 ، 317 ، 332 ، 334.
الفتح\1\130 ، 132.
النهروان\1\18 ، 149 ، 317.
وادي الرمل\1\113
ودان\1\79
وقعة الفيل\1\302
يوم الغدير\1\262
***
ص: 572
اثبات الوصية:
لعلي بن الحسين بن علي المسعودي (ت 346 ه) . المطبعة الحيدريّة-النجف الأشرف افست المكتبة الرضوية.
الاحتجاج:
لأحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ ، (من اعلام القرن السادس) . مطبعة سعيد- مشهد.
إحقاق الحقّ:
لنور اللّه الحسني المرعشيّ (ت 1019 ه) . مكتبة آية اللّه المرعشيّ النجفيّ.
الاخبار الطوال:
لأحمد بن داود الدينوري (ت 282 ه) . دار احياء الكتب العربية افست مطبعة أمير- قم.
اخبار القضاة:
لوكيع بن خلف بن حيّان (ت 306 ه) . عالم الكتب-بيروت.
الاختصاص:
لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413 ه) . مؤسّسة الاعلمي-بيروت.
ص: 573
اختيار معرفة الرجال-رجال الكشّيّ-:
لمحمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه) . مطبعة البعثة-قم.
إرشاد القلوب:
للحسن بن محمّد الديلميّ. منشورات الشريف الرضي-قم.
الاستيعاب-في هامش الإصابة-:
لعبد اللّه بن محمّد بن عبد البر (ت 463 ه) . دار صادر-بيروت.
أسد الغابة:
لابن الأثير ، لمحمّد بن عبد الكريم الجزري (ت 630 ه) . المطبعة الإسلامية- طهران.
الإصابة في معرفة الصحابة:
لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 582 ه) . دار صادر-بيروت.
اعتقادات الصدوق:
لمحمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ. نسخة مخطوطة.
الاعلام:
لخير الدين الزركلي (ت 1396 ه) . دار العلم للملايين-بيروت.
اعلام الدين:
للحسن بن أبي الحسن الديلميّ ، (من اعلام القرن الثامن الهجري) . المطبعة المهدية- قم.
إعلام الورى:
للفضل بن الحسن الطبرسيّ (ت 548 ه) . دار المعرفة-بيروت.
الأغاني:
لابي الفرج الأصبهانيّ ، (ت 356 ه) . دار احياء التراث العربي-بيروت.
ألقاب الرسول وعترته:
ص: 574
لبعض المحدثين والمؤرخين من قدمائنا افست مكتبة بصيرتي-قم.
الامالي:
لمحمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق (ت 381 ه) . مؤسّسة الاعلمي-بيروت.
الامالي:
لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413 ه) . المطبعة الإسلامية-قم.
الامالي:
لمحمّد بن الحسن الطوسيّ. (ت 460 ه) . مكتبة الداوري-قم.
أمالي المرتضى:
لعلي بن الحسين الموسوي العلوي (ت 436 ه) . دار احياء الكتب العربية-بيروت.
الإمامة والتبصرة:
لعلي بن الحسين بن بابويه (ت 329 ه) مؤسّسة آل البيت عليهم السلام-بيروت.
الإمامة والسياسة:
لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه) . مؤسّسة الوفاء-بيروت.
أنساب الأشراف:
لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري مؤسّسة الاعلمي للمطبوعات-بيروت.
الأنساب:
لعبد الكريم بن محمّد بن منصور السمعاني (ت 562 ه) . نشر محمّد امين دمج- بيروت.
إيضاح الاشتباه:
للحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (ت 726 ه) . مؤسّسة النشر الإسلامي-قم.
بحار الأنوار:
لمحمد باقر المجلسي (ت 1110 ه) . مؤسّسة الوفاء-بيروت.
بحار الأنوار:
لمحمد باقر المجلسي (ت 1110 ه) . النسخة الحجرية.
البداية والنهاية:
لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 742 ه) . دار الفكر-بيروت.
بشارة المصطفى لشيعة المرتضى:
ص: 575
لمحمّد بن علي الطبريّ. المطبعة الحيدريّة-النجف.
بصائر الدرجات:
لمحمّد بن الحسن الصفار (ت 290 ه) . مطبعة الاحمدي-طهران.
البيان والتبيين:
لعمروبن بحر الجاحظ (ت 255 ه) . دار مكتبة الهلال-بيروت.
تأويل الآيات الطاهرة:
لعلي الحسيني الأسترآباديّ. مطبعة امير-قم.
تاج العروس:
لمحمّد بن مرتضى الزبيدي. دار مكتبة الحياة-بيروت.
تاريخ بغداد:
لأحمد بن علي الخطيب (ت 463 ه) . المكتبة السلفية-المدينة المنورة.
تاريخ دمشق-ترجمة الإمام عليّ عليه السلام-:
لابن عساكر ، عليّ بن الحسين الشافعي. (ت 571 ه) . مؤسّسة المحمودي-بيروت.
تاريخ دمشق-ترجمة الإمام الحسين عليه السلام-:
لابن عساكر ، عليّ بن الحسين الشافعي (ت 571 ه) . مؤسّسة المحمودي-بيروت.
تاريخ الطبريّ:
لمحمّد بن جرير الطبريّ (ت 310 ه) . دار سويدان-بيروت.
تاريخ قم:
للحسن بن محمّد بن حسن القمّيّ (ت 378 ه) . نشر طوس-طهران.
التاريخ الكبير:
لإسماعيل بن إبراهيم البخاري. دار الكتب العلمية-بيروت.
تاريخ اليعقوبي:
لأحمد بن جعفر اليعقوبي (ت 284 ه) . دار صادر-بيروت.
ص: 576
تبصير المنتبه:
لأحمد بن عليّ بن حجر (ت 852 ه) . دار القومية العربية-القاهرة.
تحف العقول:
للحسن بن علي الحرّانيّ ، (من اعلام القرن الرابع) . مؤسّسة النشر الإسلامي.
تذكرة الحفاظ:
لمحمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ه) . دار احياء التراث العربي-بيروت.
تذكرة الخواص:
لابن الجوزي يوسف بن فرغلي. مؤسّسة أهل البيت-بيروت.
تفسير البرهان:
لهاشم بن سليمان بن عبد الجواد البحرانيّ ، (من اعلام القرن الحادي عشر) . مطبعة الشمس-طهران.
تفسير جامع البيان:
لمحمّد بن جرير الطبريّ (ت 310 ه) . دار المعرفة-بيروت.
تفسير العيّاشيّ:
لمحمّد بن مسعود بن عيّاش. المكتبة العلمية الإسلامية-طهران.
تفسير القمّيّ:
لعلي بن إبراهيم القمّيّ (ت 307 ه) . مطبعة النجف-افست مؤسّسة دار الكتاب- قم.
التفسير الكبير:
للفخر الرازيّ (ت 606 ه) .
تفسير مجمع البيان:
للفضل بن الحسن الطبرسيّ. مطبعة العرفان-صيدا.
تفسير نور الثقلين:
لعبد عليّ بن جمعة الحويزي (ت 1112 ه) . افست المطبعة العلمية-قم.
تقريب التهذيب:
لأحمد بن علي حجر (ت 852 ه) . دار المعرفة-بيروت.
تلخيص الشافي:
لمحمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه) . دار الكتب الإسلامية-قم.
ص: 577
التمحيص:
لمحمّد بن همام الإسكافيّ (ت 336 ه) . مدرسة الامام المهديّ عليه السلام-قم.
تنبيه الخواطر:
لورام بن أبي فراس (ت 605 ه) . دار صعب ودار التعارف-بيروت.
تنقيح المقال:
لعبد اللّه بن محمّد المامقاني (ت 1351 ه) . دار الكتب الإسلامية طهران.
تهذيب الأحكام:
لمحمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه) . دار الكتب الإسلامية-طهران.
تهذيب التهذيب:
لأحمد بن عليّ بن حجر (ت 582 ه) . دار الفكر-بيروت.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال:
ليوسف بن عبد الرحمن المزني (ت 742 ه) . مؤسّسة الرسالة-بيروت.
التوحيد:
لمحمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق (ت 381 ه) . جماعة المدرسين في الحوزة العلمية- قم.
جامع الأصول:
لابن الأثير ، المبارك بن محمّد الجزي (ت 606 ه) . دار الفكر-بيروت.
الجرح والتعديل:
لعبد الرحمن بن إدريس الرازيّ (ت 327 ه) . افست دار احياء التراث العربي- بيروت.
الجمل:
لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413 ه) . مكتبة الداوري-قم.
جمهرة الامثال:
لابي هلال العسكريّ (ت 400 ه) . دار الجيل-بيروت.
حلية الأولياء:
لأحمد بن عبد اللّه بن أحمد الأصبهانيّ (ت 430 ه) . دار الكتاب العربي-بيروت.
ص: 578
حياة الحيوان:
لمحمّد بن موسى الدميري (ت 808 ه) . افست مطبعة امير-قم.
الخرائج والجرائح:
لسعيد بن هبة اللّه الراونديّ (ت 573 ه) . المطبعة العلمية-قم.
خزانة الأدب:
لعبد القادر بن عمر البغداديّ (ت 1093) . مطبعة المدني-القاهرة.
خصائص الأئمّة:
للشريف الرضي (ت 406 ه) . الآستانة الرضوية-مشهد.
خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام:
لأحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه) . مطبعة الفيصل-الكويت.
الخصال:
لمحمّد بن عليّ بن بابويه (ت 381 ه) . جماعة المدرسين في الحوزة العلمية-قم.
خلاصة الرجال (رجال العلاّمة الحلّي) :
للحسن بن يوسف الحلي (ت 726 ه) . المطبعة الحيدريّة / النجف الأشرف طبع بالافست مطبعة الخيام-قم.
الدّر المنثور:
لعبد الرحمن جلال الدين السيوطي (ت 991 ه) . دار الفكر-بيروت.
دستور معالم الحكم:
لمحمّد بن سلامة القطاعي. المكتبة الازهرية ، افست مكتبة المفيد-قم.
دعائم الإسلام:
للنعمان بن محمّد بن منصور التيمي (ت 363 ه) . دار المعارف-القاهرة.
الدعوات:
لقطب الدين الراونديّ (ت 573 ه) . مطبعة امير-قم.
دلائل الإمامة:
لمحمّد بن جرير الطبريّ (ت 400 ه) . مطبعة امير-قم.
دلائل النبوّة:
ص: 579
لأحمد بن عبد اللّه الأصبهانيّ (ت 430 ه) . المكتبة العربية-حلب.
دلائل النبوّة:
لأحمد بن الحسين البيهقيّ (ت 458 ه) . دار الكتب العلمية-بيروت.
ديوان الاعشى:
لميمون بن قيس. المكتبة الثقافية-بيروت.
ديوان النابغة الذبياني:
لزياد بن معاوية بن ضباب الذبياني (ت 602 م) . المكتبة الثقافية. بيروت.
ذخائر العقبى:
لأحمد بن عبد اللّه الطبريّ (ت 694 ه) . مؤسّسة الوفاء-بيروت.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة:
لاقا بزرك الطهرانيّ. دار الأضواء-بيروت ، وأفست مؤسّسة اسماعيليان-قم.
رجال البرقي:
لأحمد بن محمّد بن خالد (ت 280 ه) . مطبعة جامعة طهران.
رجال ابن داود:
للحسين بن عليّ بن داود الحلي (ت 707 ه) . المطبعة الحيدريّة-النجف.
رجال الطوسيّ:
لمحمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه) . المطبعة الحيدريّة-النجف الأشرف.
رجال النجاشيّ:
لأحمد بن عليّ بن أحمد النجاشيّ (ت 450 ه) . مؤسّسة النشر الإسلامي-قم.
الرجعة:
ص: 580
المطبوع باسم مختصر بصائر الدرجات. المطبعة الحيدريّة-النجف الأشرف 1370.
رسالة الدلائل البرهانية:
المطبوع في الغارات لإبراهيم بن محمّد الثقفي (ت 283 ه) . مطبعة بهمن-ايران.
رسالة أبي غالب الزراري:
لأحمد بن محمّد الكوفيّ البغداديّ (ت 368 ه) . مكتب الاعلام الإسلامي-قم.
سؤالات ابن الجنيد:
لابن زكريا يحيى بن معين. مكتبة الدور-المدينة المنورة سنة 1408.
كتاب سليم بن قيس:
لسليم بن قيس الكوفيّ. دار الفنون-بيروت.
سنن الترمذي:
لمحمّد بن عيسى بن سورة (ت 279 ه) . دار احياء التراث العربي-بيروت.
سنن الدارقطني:
للدارقطني ، علي بن عمر (ت 385 ه) . دار المحاسن-القاهرة-افست دار المعرفة- بيروت.
سنن أبي داود:
لسليمان بن الاشعث السجستانيّ (ت 275 ه) . دار الفكر-بيروت.
سنن سعيد بن منصور:
لسعيد بن منصور بن شعبة (ت 227 ه) . دار الكتب العلمية-بيروت.
السنن الكبرى:
لأحمد بن الحسين بن علي البيهقيّ (ت 458 ه) . دار المعرفة-بيروت.
سنن ابن ماجة:
لمحمّد بن يزيد القزوينيّ (ت 275 ه) . دار الفكر-بيروت.
سنن النسائي:
لأحمد بن شعيب بن علي النسائي (ت 303 ه) . دار احياء التراث العربي ودار الفكر- بيروت.
كتاب سيبويه:
ص: 581
لعمر بن عثمان بن قنبر. دار القلم-القاهرة.
السيرة الحلبية:
لعلي بن برهان الدين الحلبيّ (ت 1404 ه) . المكتبة الإسلامية-بيروت.
السيرة النبويّة:
لعبد الملك بن هشام (ت 218 ه) . دار احياء التراث العربي-بيروت.
شذرات الذهب:
لعبد الحيّ بن العماد الحنبلي (ت 1089 ه) . دار الآفاق الجديدة-بيروت.
شرح اختيارات المفضل:
ليحيى بن عليّ بن محمّد الشيباني (ت 502 ه) . دار الكتب العلمية-بيروت.
شرح تجريد العقائد-حجري:
لعلاء الدين بن محمّد القوشجي (ت 879 ه) . افست منشورات رضي-بيدار- عزيزي-قم.
شرح نهج البلاغة:
لابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655 ه) . دار احياء الكتب العربية-بيروت.
شرح نهج البلاغة:
لابن ميثم البحرانيّ ، (ت 679 ه) . مؤسّسة النصر افست مطبعة دفتر التبليغات الإسلامية-قم.
الصحاح:
لإسماعيل بن حماد الجوهريّ. دار العلم للملايين-بيروت.
صحيح البخاريّ:
لمحمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي. دار احياء التراث العربي-بيروت.
صحيح مسلم:
لمسلم بن الحجاج القشيري النيشابوري (ت 261 ه) . دار الفكر-بيروت.
الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم:
لجعفر بن مرتضى العاملي-قم.
صحيفة الإمام الرضا عليه السلام:
ص: 582
مدرسة الامام المهديّ عليه السلام-قم.
صفات الشيعة:
لمحمّد بن عليّ بن الحسين (ت 381 ه) . مؤسّسة الامام المهديّ (عج) -قم.
الضعفاء الصغير:
لإسماعيل بن إبراهيم البخاري. دار القلم-بيروت.
الضعفاء الكبير:
لمحمّد بن عمروالعقيلي. دار الكتب العلمية-بيروت.
الضعفاء المتروكين:
للدارقطني ، علي بن عمر (ت 385 ه) . دار القلم-بيروت.
الضعفاء والمتروكين:
لأحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه) . دار القلم-بيروت.
طبقات الحفاظ:
لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه) . دار الكتب العلمية- بيروت.
الطبقات الكبرى:
لمحمد بن سعد دار صادر-بيروت.
العبر في خبر من غبر:
لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) . دار الكتب العلمية-بيروت.
العقد الفريد:
لأحمد بن محمّد بن عبد ربّه الاندلسي (ت 327 ه) . دار الكتب العربي-بيروت.
علل الشرائع:
لمحمّد بن عليّ بن الحسين القمّيّ. المطبعة الحيدريّة-النجف افست دار احياء التراث العربي-بيروت.
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب:
لأحمد بن عليّ بن الحسين الداودي (ت 828 ه) . المطبعة الحيدريّة النجف افست
ص: 583
مطبعة امير-قم.
العين:
للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه) . دار الهجرة-قم.
عيون الأخبار:
لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة (ت 276 ه) . مطبعة دار الكتب المصرية-القاهرة.
عيون أخبار الرضا عليه السلام:
لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه) . انتشارات العالم-طهران.
عيون المعجزات:
لحسين بن عبد الوهاب من اعلام القرن الخامس الهجري. مكتبة الداوري-قم.
الغارات:
لإبراهيم بن محمّد الثقفي (ت 283 ه) . مطبعة بهمن-طهران.
غاية الاختصار:
تأليف: لابن زهرة. المطبعة الحيدريّة النجف 1382 ه.
الغدير:
لعبد الحسين بن أحمد الأميني. مطبعة الحيدري-طهران.
الغيبة:
لمحمّد بن إبراهيم النعمانيّ من اعلام القرن الرابع الهجري. مكتبة الصدوق-طهران.
فتح الباري:
لأحمد بن عليّ بن محمّد بن حجر. المطبعة البهية المصرية ، افست دار احياء التراث العربي-بيروت.
الفتوح:
لأحمد بن اعثم الكوفيّ (ت 314 ه) . دار الكتب العلمية-بيروت.
فرائد السمطين:
لإبراهيم بن محمّد بن المؤيد (ت 730 ه) . مؤسّسة المحمودي-بيروت.
ص: 584
فرحة الغري:
لعبد الكريم بن طاوس (ت 963 ه) . المطبعة الحيدريّة-النجف.
فرق الشيعة:
للحسن بن موسى النوبختي من اعلام القرن الثالث الهجري. المطبعة الحيدريّة- النجف ، افست المكتبة المرتضوية.
الفصول المختارة من العيون والمحاسن:
لمحمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413 ه) . مكتبة الداوري-قم.
الفصول المهمة:
لابن الصباغ المالكي (ت 855 ه) . مطبعة العدل-النجف.
فضائل شاذان:
لشاذان بن جبرائيل بن إسماعيل (ت 660 ه) . المطبعة الحيدريّة-النجف.
الفهرست:
لمحمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه) . المكتبة المرتضوية-النجف.
القاموس المحيط:
لمحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي دار الفكر-بيروت.
قرب الإسناد:
لعبد اللّه بن جعفر الحميري (ت 310 ه) . مكتبة نينوى الحديثة-طهران.
الكافي:
لمحمّد بن يعقوب الكليني (ت 328 ه) . المطبعة الإسلامية-طهران.
كامل الزيارات:
لجعفر بن محمّد بن قولويه (ت 367 ه) . المطبعة المرتضوية-النجف.
الكامل في التاريخ:
لابن الأثير ، علي بن محمّد. دار صادر-بيروت.
كشف الغمّة:
لعلي بن عيسى الإربليّ (ت 693 ه) . المطبعة العلمية-قم.
كفاية الاثر:
ص: 585
لعلي بن محمّد الخزاز من اعلام القرن الرابع الهجري. مطبعة الخيام-قم.
كفاية الطالب:
لمحمّد بن يوسف الشافعي (ت 658 ه) . مطبعة الفارابي-طهران.
كمال الدين وتمام النعمة (إكمال الدين وإتمام النعمة) :
لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه) . مؤسّسة النشر الإسلامي-قم.
كنز الفوائد:
لمحمّد بن علي الكراجكيّ (ت 449 ه) . دار الاضواء-بيروت.
الكنى والأسماء:
لمحمّد بن أحمد الدولابي (ت 310 ه) . دار المعارف النظمية-الهند ، افست دار
الكتب العلمية-بيروت.
لسان العرب:
لابن منظور (ت 711 ه) . نشر أدب الحوزة-قم.
لسان الميزان:
لأحمد بن عليّ بن حجر (ت 852 ه) . شركة علاء الدين للطباعة-بيروت.
المجدي في أنساب الطالبيين:
لعلي بن محمّد العلوي العمري من اعلام القرن الخامس الهجري. مطبعة سيد الشهداء-قم.
مجمع الامثال:
لأحمد بن محمّد الميداني (ت 518 ه) . دار الفكر-بيروت.
مجمع البحرين:
لفخر الدين بن محمّد علي الطريحي. مكتبة مرتضوي-طهران.
مجمع الزوائد:
لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه) . دار الكتاب العربي-بيروت.
ص: 586
المحاسن:
لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 280 ه) . دار الكتب الإسلامية-قم.
مختصر تاريخ دمشق:
لابن منظور (ت 711 ه) . دار الفكر-بيروت.
مرآة الجنان:
لعبد اللّه بن اسعد اليافعي (ت 768 ه) .
مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول:
لمحمد باقر المجلسي (ت 1110 ه) . دار الكتب الإسلامية-طهران.
مراصد الاطلاع:
لعبد المؤمن عبد الخالق البغداديّ (ت 739 ه) . دار المعرفة-بيروت.
مروج الذهب:
لعلي بن الحسين المسعودي (ت 346 ه) . مطبعة الصدر-قم.
المزار:
لمحمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413 ه) . مطبعة امير-قم.
المستدرك على الصحيحين:
للحاكم النيسابوريّ (ت 145 ه) . دار الفكر-بيروت.
مسند أحمد:
لأحمد بن محمّد بن حنبل. دار الفكر-بيروت.
مسند الطيالسي:
لسليمان بن داود بن الجارود (ت 204 ه) . دار المعرفة-بيروت.
مسند يعلى الموصلي:
لأحمد بن عليّ بن المثنى التميمي (ت 307 ه) . دار المأمون للتراث-بيروت.
ص: 587
مشكاة الأنوار:
لعلي بن الحسن الطبرسيّ من اعلام القرن السابع الهجري. المطبعة الحيدريّة-النجف.
مصباح الأنوار:
لهاشم بن محمّد (مخطوط) .
مصباح المتهجد:
لمحمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ه) . افست طبعة حجرية.
معاني الأخبار:
لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه) . دار المعرفة-بيروت.
المعتبر:
للمحقق الحلي-نسخة حجرية.
معجم البلدان:
لياقوت الحموي (ت 226 ه) . دار احياء التراث العربي-بيروت.
معجم رجال الحديث:
لابي القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413 ه) . مدينة العلم-قم.
معجم الشعراء:
لمحمّد بن عمران المرزباني. مكتبة النوريّ-دمشق.
المغازي:
لمحمّد بن عمر الواقدي (ت 207 ه) . مؤسّسة الاعلمي-بيروت.
مقاتل الطالبيين:
أبوالفرج الأصفهانيّ (ت 356 ه) . دار المعرفة للطباعة والنشر-بيروت.
مقتل الحسين عليه السلام:
للخوارزمي ، الموفق بن أحمد المكي (ت 568 ه) . مكتبة المفيد-قم.
ص: 588
المقنعة:
لمحمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413 ه) . مؤسّسة النشر الإسلامي-قم.
الملل والنحل:
لعبد الكريم الشهرستاني (ت 548 ه) . دار المعرفة-بيروت.
من لا يحضره الفقيه:
لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه) . دار صعب ودار التعارف-بيروت.
مناقب آل أبي طالب:
لمحمّد بن عليّ بن شهرآشوب (ت 588 ه) . المطبعة العلمية-قم.
مناقب الخوارزمي:
للموفق بن أحمد الخوارزمي (ت 568 ه) . مؤسّسة النشر الإسلامي-قم.
مناقب ابن المغازلي:
لعلي بن محمّد الشافعي. دار الاضواء-بيروت.
منتخب كنز العمّال:
في هامش مسند أحمد بن حنبل. دار الفكر-بيروت.
المنتقلة الطالبية:
لابن طباطبا. المطبعة الحيدريّة-النجف.
ميزان الاعتدال:
لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) . دار المعرفة-بيروت.
نثر الدر:
لمنصور بن الحسين الآبي (ت 421 ه) . الهيئة المصرية للكتاب-القاهرة.
نزهة الناظرة:
للحسين بن محمّد الحلواني من اعلام القرن الخامس الهجري. مطبعة مهر-قم.
نسب قريش:
لمصعب بن عبد اللّه الزبيري. دار المعارف للطباعة والنشر. القاهرة.
النهاية:
لابن الأثير ، المبارك بن محمّد بالجزري (ت 606 ه) . المكتبة الإسلامية.
ص: 589
نهج البلاغة:
للشريف الرضي. مطبعة الاستقامة-القاهرة.
الهداية الكبرى:
لأبي عبد اللّه الخصيبي (ت 334 ه) . مؤسّسة البلاغ-بيروت.
وقعة صفّين:
لنصر بن مزاحم المنقريّ. المؤسّسة العربية الحديثة-القاهرة.
وقعة الطف:
لابي مخنف ، لوط بن يحيى الكوفيّ (ت 158 ه) . مؤسّسة النشر الإسلامي-قم.
اليقين-لابن طاوس:
لعلي بن موسى بن طاوس (ت 664 ه) . المطبعة الحيدريّة-النجف.
***
ص: 590