دلائل الصدق لنهج الحق المجلد 6

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر

المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1426 ه.ق

ISBN (ردمك): 964-319-359-4

ص: 1

اشارة

دلائل الصدق لنهج الحق

تأليف : آية اللّه العلّامة الشيخ محمد حسن المظفر

(1301 - 1375 ه)

الجزء الخامس

تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

ص: 2

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی

1438 ه - 2017 م

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

بيروت - حارة حريك - قرب جامع الحسنين - فوق صیدلية دیاب - ط 2

تلفاكس: 541431 - 01 - هاتف : 544805 - 01 - ص ب : 24/34

البريد الإلكتروني : alalbayt@inco.com.lb

www.al-albayt.com

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 4

تعيين إمامة عليّ بالسّنّة

1 - حديث النور

قال المصنّف - رفع اللّه منزلته - :

قال المصنّف - رفع اللّه منزلته - (1) :

وأمّا السنّة : فالأخبار المتواترة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، الدالّة على إمامته ، وهي أكثر من أن تحصى ، وقد صنّف الجمهور وأصحابنا في ذلك وأكثروا ، ولنقتصر هاهنا على القليل ، فإنّ الكثير غير متناه ؛ وهي أخبار :

الأوّل : ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده : قال صلی اللّه علیه و آله : « كنت أنا وعليّ بن أبي طالب نورا بين يدي اللّه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور جزءين ، فجزء أنا ، وجزء عليّ » (2).

ص: 5


1- نهج الحقّ : 212.
2- (2) انظر : فردوس الأخبار 2 / 178 ح 4884 ، تذكرة الخواصّ : 50 - 51 نقلا عن أحمد في « الفضائل » ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 9 / 171 وقال : « رواه أحمد في المسند ، وفي كتاب فضائل عليّ علیه السلام ، وذكره صاحب كتاب ( الفردوس ) وزاد فيه : ثمّ انتقلنا حتّى صرنا في عبد المطّلب ، فكان لي النبوّة ، ولعليّ الوصيّة » ، جواهر المطالب 1 / 61 وقال : « أخرجه أحمد في المناقب » ، ينابيع المودّة 2 /1. 491 ح 379. وراجع : فضائل الصحابة - لأحمد - 823/2 - 824 ح 1130.

وفي حديث آخر رواه ابن المغازلي الشافعي : « فلمّا خلق اللّه آدم ركّب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل في شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطّلب ، ففيّ النبوّة ، وفي عليّ الخلافة » (1)

وفي خبر آخر رواه ابن المغازلي ، عن جابر ، في آخره : « حتّى قسمه جزءين ، فجعل جزءا في صلب عبد اللّه ، وجزءا في صلب أبي طالب ، فأخرجني نبيّا ، وأخرج عليّا وصيّا (2) » (3).

* * *

ص: 6


1- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 120 - 121 ح 130 ، ونحوه عن أبي ذرّ ح 131 ، وانظر : ينابيع المودّة 1 / 47 ح 8. وأنظر : فردوس الأخبار 374/1 ح 2776 عن سلمان ، وهو ما أشار إليه ابن أبي الحديد ، كما تقدّم في الهامش السابق ؛ فلاحظ!
2- في نهج الحقّ : وليّا.
3- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 121 - 122 ح 132 ؛ وانظر : زين الفتى 1 / 131 ح 34 وص 133 ح 38 ، مقتل الحسين - للخوارزمي - 1 / 84 ح 38 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 145 ح 169 و 170 ، تاريخ دمشق 42 / 67 ، كفاية الطالب : 314 - 315 عن الخطيب البغدادي وابن عساكر ، الرياض النضرة 3 / 120 عن أحمد ، فرائد السمطين 1 / 41 - 44 ح 5 - 8 عن ابن مردويه وأبي نعيم والنطنزي ، ينابيع المودّة 1 / 47 ح 9.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتاب « الموضوعات » في طريقين ، وقال : هذا حديث موضوع على رسول اللّه ، والمتّهم به في الطريق الأوّل محمّد بن خلف المروزي ؛ قال يحيى بن معين : كذّاب ، وقال الدارقطني : متروك.

وفي الطريق الثاني : المتّهم به جعفر بن أحمد ، وكان رافضيّا (2).

وقال أبو سعيد بن يونس : كان رافضيّا كذّابا ، يضع الحديث في سبّ أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (3).

والنسبة إلى مسند أحمد باطل وزور.

وأمّا ما ذكر من أنّ الأخبار متواترة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله على إمامة عليّ علیه السلام ، فنسأله أوّلا عن معنى التواتر؟ فإن قال : أن يبلغ عدد الرواة حدّا لا يمكن للعقل أن يحكم بتواطئهم على الكذب.

فنقول : اتّفق جميع المحدّثين أنّه ليس لنا حديث متواتر إلّا قوله صلی اللّه علیه و آله : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار (4).

ص: 7


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 391.
2- الموضوعات 1 / 340.
3- الضعفاء والمتروكين - لابن الجوزي - 1 / 170 رقم 660 ، وانظر : ميزان الاعتدال 2 / 126 رقم 1487 ولم ترد فيه الفقرة الثانية.
4- انظر : علوم الحديث - لابن الصلاح - : 269 ، فتح المغيث : 313 ، فواتح الرحموت - بهامش المستصفى - 2 / 120.

فهذا الحديث في كلّ عصر رواه جماعة يحكم العقل على امتناع تواطئهم على الكذب ، وبعضهم ألحق حديث : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على من أنكر » بالمتواتر (1).

فكيف هذا الرجل الجاهل بالحديث والأخبار ، بل بكلّ شيء - حتّى إنّي ندمت من معارضة كتابه وخرافاته بالجواب ؛ لسقوطه عن مرتبة المعارضة ؛ لانحطاط درجته في سائر العلوم ، معقولها ومنقولها ، أصولها وفروعها (2) ، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت - يحكم بأنّ المنقول من « مسند أحمد » متواتر ، وأحمد بن حنبل قد جمع في مسنده الضعيف والمنكر ؛ لأنّه مسند لا صحيح ، وهو لا يعرف المسند إلّا الصحيح ، ولا يفرّق بين الغثّ والسمين؟!

والمغازلي رجل مجهول لا يعرفه أحد من العلماء من جملة المصنّفين والمحدّثين.

والعجب أنّ هذا الرجل لا ينقل حديثا إلّا من جماعة أهل السنّة ؛ لأنّ الشيعة ليس لهم كتاب ، ولا رواة ، ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار ، فهو في إثبات ما يدّعيه عيال على كتب أهل السنّة ؛ فإذا صار كذلك ، فلم لا يروي عن كتب الصحاح؟! فهو يترك المنقولات في الصحاح ، بل يطعن فيها ويذكر المناكير والضعفاء والمجهولات ، من جماعة مجهولة منكرة ، ويجعله سندا لمذهبه الباطل الفاسد ، وهذا عين التعصّب.

ص: 8


1- (1) لم نعثر على من قال بهذا القول في ما بأيدينا من الكتب!
2- انظر كلمات مديح وإطراء علماء العامّة بحقّ العلّامة الحلّي قدس سره في ترجمته من مقدّمة تحقيق هذا الكتاب في ج 1 / 159 - 161.

ثمّ ما ذكر من المتواتر ، فإن ادّعى أنّه متواتر عند أهل السنّة والجماعة ، فقد بيّنّا بطلانه ، وأنّه ليس حديث متواتر عندنا إلّا ما ذكرناه (1).

* * *

ص: 9


1- إنّ تعريف الفضل هذا للتواتر بقوله : « لا يمكن للعقل أن يحكم بتواطئهم على الكذب » فيه تأمّل. والأولى أن يقال في تعريفه : «هو خبر جماعة يحصل بإخبارهم العلم ، ويبلغوا من الكثرة بحيث يمتنع عادة تعمّدهم وأتفاقهم على الكذب» . وقد خفي على الفضل بأنّ للتواتر أقساماً ، فمنها: التواتر الإجمالي : وهو أن يوجد بين مجموعة الأخبار - وإن اختلفت ألفاظها - ما تشترك به ، فيكون المشترك بينها متواتراً إجمالياً . التواتر المعنوي : وهو أن تتفق الأخبار معنى لا لفظاً ، كعلمنا بشجاعة الإمام علي عليه السلام ، وكرم حاتم الطائي ، وإن اختلفت الصور الناقلة لمواقف علي عليه السلام في حروبه، وحالات حاتم في إكرامه ، ولكن مجموعها يفيد العلم بأن علياً عليه السلام كان شجاعاً ، وأنّ حاتماً كان كريماً . التواتر اللفظي : وهو أن تتحد ألفاظ المخبرين في خبرهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وبلدانهم . أما عدد المخبرين ، فقد حدّده ابن حزم بأربعة ، واشترط الباقلاني بأن يكونوا أكثر من أربعة ، ومنهم من قال : سبعة ، على عدد الأفلاك ؛ ومنهم من قال : إن أقله عشرة ؛ لأنه أوّل جموع الكثرة ، كالإصطخري ؛ ومنهم من قال : اثنا عشر ، عدد نقباء بني إسرائيل ؛ وحكي عن أبي الهذيل العلاف أن أقله عشرون ، وقيل أكثر من ذلك. وكل هذا كلام غير سليم ؛ لأن المعيار في ذلك هو حصول العلم بعدم تعمّد الكذب ، وكلّ ذلك يعتمد على نوع الخبر المنقول وخطره ودقته .. إلى غير ذلك ، ويشترط فيه استواء الوسط والأطراف ، مضافاً إلى الحس . أما قوله : «اتفق جميع المحدثين أنه ليس حديث متواتر إلا صلی اللّه عليه وآله وسلم قوله : من كذب علي متعمداً ...». فقد سبقه ابن الصلاح إلى ذلك ، وردّ عليه السيوطي في تدريب الراوي 2 / 178 - 180 ، فقال : « ما ادعاه ابن الصلاح من عزّة التواتر ، وكذا ما ادعاه غيره من العدم ، ممنوع ؛ لأنّ ذلك نشأ عن قلّة الإطّلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطأوا على الكذب ، أو يحصل منهم اتّفاقا ... قال : ومن أحسن ما يقرّر به كون المتواتر موجوداً وجود كثرة في الأحاديث ، أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً ، المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مؤلّفيها ، إذا اجتمعت على إخراج حديث ، وتعددت طرقه تعدّداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، أفاد العلم اليقيني بصحته إلى قائله... قال : ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير . قلت : قد ألفتُ في هذا النوع كتاباً لم أسبق إلى مثله ، سمّيته : ( الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ) ، مرتباً على الأبواب ، أوردت فيه كل حديث بأسانيد من خرجه ، وطرقه ، ثمّ لخصته في جزء لطيف سمّيته : ( قطف الأزهار ) ، اقتصرت فيه على عزو كل طريق لمن أخرجها من الأئمة ، وأوردت فيه أحاديث كثيرة - ثم ذكر مجموعة من الأحاديث ، إلى أن قال : - كلّها متواترة في أحاديث جمة أودعناها كتابنا المذكور ، ولله الحمد». وللزبيدي صاحب «تاج العروس» كتاب «لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة » ، أخرج فيه أكثر من سبعين حديثاً متواتراً ، وأستدرك الكتاني على السيوطي في كتاب «نظم المتناثر من الحديث المتواتر » ، وللشيخ نوح الحنفي رسالة في الاحاديث المتواترة. وبعد هذا كله هل يصح أن يقال : ليس حديث متواتر إلا قوله صلی اللّه عليه وآله وسلم: «من كذب علي متعمداً ...» ؟! أنظر : مقدمة ابن الصلاح : 157 ، المنهل الروي : 31 - 32 ، لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة : : 17 وما بعدها ، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 2/ 176 - 178 ، مقباس الهداية 92/1 وما بعدها .

وإن ادّعى التواتر عند الشيعة والروافض ، فكلّ الناس يعلمون أنّ عدد الشيعة والروافض في كلّ عصر ، من العصر الأوّل إلى هذا العصر ، ما يبلغ حدّ الكثرة والاستفاضة ، فضلا عن حدّ التواتر ، فلا يمكن لهم دعوى التواتر في أيّ مدّعى كان.

وما ذكره من الأخبار في هذا الباب أكثرها ضعيف وموضوع ،

ص: 10

فلا يصحّ الاستدلال به ، ولكن نذكره على دأبنا ، ونتكلّم على كلّ خبر بما هو الحقّ فيه.

* * *

ص: 11

وأقول :

ذكر السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » - التي هي مختصر كتاب ابن الجوزي - حديثين آخرين حكاهما عن الخطيب ، لا عن أحمد وابن المغازلي ، وأوّلهما لا ربط له بما حكاه المصنّف رحمه اللّه هنا ، وثانيهما مخالف له لفظا وفي بعض الخصوصيات.

قال السيوطي نقلا عن ابن الجوزي : الخطيب ، أخبرني أبو القاسم عليّ بن الحسن بن محمّد بن أبي عثمان الدقّاق ، حدّثنا محمّد بن خلف المروزي ، حدّثنا موسى بن إبراهيم المروزي ، حدّثنا موسى بن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه مرفوعا : « خلقت أنا وهارون بن عمران ، ويحيى بن زكريّا ، وعليّ بن أبي طالب من طينة واحدة » ، موضوع ، آفته محمّد بن خلف.

جعفر بن أحمد بن عليّ بن بيان ، حدّثنا عمر الطائي ، حدّثنا أبي ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن نمير الحضرمي ، عن أبي ذرّ مرفوعا : « خلقت أنا وعليّ من نور ، وكنّا عن يمين العرش قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام ، ثمّ خلق اللّه آدم فانقلبنا في أصلاب الرجال ، ثمّ جعلنا في صلب عبد المطّلب ، ثمّ شقّ أسماءنا من اسمه ، فاللّه محمود وأنا محمّد ، واللّه الأعلى وعليّ عليّ » ؛ وضعه جعفر ، وكان رافضيّا وضّاعا (1). انتهى.

ص: 12


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 293 - 294 ، وانظر : تاريخ بغداد 6 / 59 رقم 3088 ، الموضوعات 1 / 339 - 340.

فأنت ترى أنّ هذين الحديثين غير ما حكاه المصنّف رحمه اللّه ، وراويهما - وهو الخطيب - غير راوي أخبار المصنّف رحمه اللّه ؛ فخان الفضل في النقل عن ابن الجوزي!

ولو كان محمّد بن خلف هو الراوي لحديث النور وطعن فيه ابن الجوزي ، لذكره السيوطي مع حديثه الأوّل ؛ لاتّحاد وجه الطعن ، وهو رواية ابن خلف له.

ويشهد لذلك أنّ الذهبي في « ميزان الاعتدال » ذكر بترجمة محمّد بن خلف الحديث الأوّل مع طعن ابن الجوزي فيه (1).

ولو كان ابن خلف راويا لحديث النور ، وكان ابن الجوزي قائلا بوضعه ، لكان ذكر الذهبي له أولى ؛ لأنّه أدّل على فضل أمير المؤمنين وإمامته ، والذهبي أشدّ اهتماما بإنكار مثله.

ولو سلّم رواية محمّد بن خلف لحديث النور ، وطعن ابن الجوزي فيه ، فهو لا يستلزم كذب جميع رواة حديث النور ، بل يكون تعدّد طرقه دليلا على صدقه.

على أنّ ابن الجوزي أيضا طرف النزاع ، فكيف يعتبر قوله بوضع حديث النور ، مع أنّا نرى القوم أنفسهم لا يعتبرون كلامه؟!

قال السيوطي في ديباجة « اللآلئ المصنوعة » : « جمع الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي كتابا فأكثر فيه من إخراج الضعيف الذي لم ينحطّ إلى رتبة الوضع ، بل ومن الحسن ، ومن الصحيح ، كما نبّه على ذلك الأئمّة الحفّاظ ، ومنهم : ابن الصلاح في ( علوم الحديث ) ، وأتباعه » (2).

ص: 13


1- ميزان الاعتدال 6 / 135 رقم 7496.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 9 ، وانظر : علوم الحديث : 99.

وأمّا ما قيل : إنّ جعفر بن أحمد كان رافضيا ؛ فلا منشأ له إلّا روايته ما يسمعه من فضائل آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ومساوئ أعدائهم.

وهذه عادتهم في من روى فضيلة لأهل البيت أو رذيلة لأعدائهم ، يريدون بذلك إخفاء الحقّ وترويج الباطل ، كما عرفته في مقدّمة الكتاب (1) ؛ فلذا خفي جلّ فضائل آل الرسول صلی اللّه علیه و آله وأكثر مساوئ مخالفيهم ، كما لا منشأ لنسبة الوضع إلى جعفر إلّا إظهاره للحقّ!

وأمّا تكذيب الفضل نسبة الحديث إلى « مسند أحمد » ؛ فالظاهر أنّ سببه عدم نقل ابن الجوزي للحديث إلّا عن الخطيب ، وإلّا فهو أقصر باعا عن الاطّلاع على جميع « مسند أحمد » ، كما يشهد له إنكاره للحديث الآتي مع ثبوته في « المسند ».

وقد نقل ابن أبي الحديد (2) هذا الحديث بعينه ، عن أحمد في مسنده ، وفي « الفضائل » ، ثمّ قال : وذكره صاحب كتاب « الفردوس » وزاد فيه : « ثمّ انتقلنا حتّى صرنا في عبد المطّلب ، فكان لي النبوّة ، ولعليّ الوصيّة ».انتهى.

ولكنّي قد طلبت الحديث في « المسند » فلم أعثر عليه ، وجلّ ظنّي أنّه غير موجود في النسخة المطبوعة منه التي هي بأيدينا الآن ؛ لأنّهم إذا رأوا مثل هذه الفضيلة السنيّة حذفوها مهما أمكن ، كما سننبّهك على بعض ما عثرنا عليه ممّا نقله علماؤهم عن « المسند » ، ومع ذلك لم يوجد

ص: 14


1- انظر : ج 1 / 18 و 22 - 25 من هذا الكتاب.
2- في شرح النهج ، ص 450 من الجزء الثاني [ 9 / 171 ]. منه قدس سره .

فيه الآن.

ثمّ إنّ أوّل ما نقله المصنّف رحمه اللّه عن ابن المغازلي ، نقله أيضا في « ينابيع المودّة » (1) عن ابن المغازلي ، بسنده عن سلمان الفارسي.

ونقل عنه أيضا بسنده عن أبي ذرّ حديثا آخر مثل حديث أحمد (2).

كما إنّه نقل عن صاحب « الفردوس » بسنده عن سلمان ، ما نقله ابن أبي الحديد عنه (3).

وزاد حديثا آخر نحو حديث أحمد ، عن الحمويني ، وموفّق بن أحمد ، بسنديهما عن أمير المؤمنين علیه السلام (4).

ثمّ نقل عن الحمويني ، بسنده عن ابن عبّاس ، قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول لعليّ : « خلقت أنا وأنت من نور اللّه عزّ وجلّ » (5).

فهذه الأخبار - كما ترى - معتبرة ، ولو لأجل اعتضاد أسانيدها بعضها ببعض ، وهي أدلّ دليل على فضل أمير المؤمنين على غيره ؛ فيكون هو الإمام ، مع تصريح بعضها بخلافته ووصايته.

وأمّا ما زعمه الفضل من انحصار المتواتر في خبر أو خبرين ، فمن

ص: 15


1- في الباب الأوّل منها [ 1 / 47 ح 8 ]. منه قدس سره .
2- ينابيع المودّة 1 / 47 ح 9.
3- ينابيع المودّة 1 / 47 ذ ح 8 ، شرح نهج البلاغة 9 / 171 ، فردوس الأخبار 2 / 178 ح 4884.
4- ينابيع المودّة 1 / 47 - 48 ح 10 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 145 ح 169 و 170 ، فرائد السمطين 1 / 41 - 42 ح 5 - 7.
5- ينابيع المودّة 1 / 49 ح 12 ، وانظر : فرائد السمطين 1 / 39 - 40 ح 4.

عدم معرفته بالاصطلاح ، فإنّ هذا إنّما هو في المتواتر لفظا لا معنى فقط.

كيف؟! والأخبار المتواترة معنىّ أكثر من أن تحصى ، وقد ادّعى نفسه في هذا الكتاب تواتر بعض الأخبار!

فمراد المصنّف رحمه اللّه : إنّ مجموع الأخبار متواترة معنىّ بإمامة أمير المؤمنين علیه السلام وإن لم يتواتر كلّ منها لفظا ولا معنى ، فلا يلزم أن يكون خصوص حديث النور متواترا ، وإن كان لو ادّعى أحد تواتره معنى بلحاظ أخبار الفريقين لم يبعد عن الصواب ، كحديث الغدير(1).

ومن الطريف نسبة الفضل للمصنّف رحمه اللّه دعوى تواتر المنقول من « مسند أحمد » ، فإنّ غاية ما يمكن أن يسند إلى المصنّف رحمه اللّه دعوى تواتر حديث « النور » معنى ؛ بسبب تعدّد رواته ومخرّجيه ، ومنهم أحمد ، فلا يلزم منه القول بصحّة ما في « مسند أحمد » ، فضلا عن تواتره.

وأطرف منه نقصه للمصنّف العلّامة رحمه اللّه وزعمه الندم من معارضته ، وأنّه ابتلي فصبر ، وهو كما تراه لا يعرف حتّى العبارات الواضحة ، فما أصدق المعرّي في أبياته المشهورة ، وكأنّه ينظر فيها إلى هذا المقام(2).

ص: 16


1- انظر : ج 1 / 19 - 22 وج 4 / 317 - 350 ، من هذا الكتاب.
2- إشارة إلى الأبيات السائرة والمشهورة لأبي العلاء المعرّي ، والتي يستشهد بها في مثل هذا المقام ، وهي من قصيدة مطلعها : ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل *** عفاف وإقدام وحزم ونائل إلى أن يقول : إذا وصف الطائيّ بالبخل مادر *** وعيّر قسّا بالفهاهة باقل وقال السّهى للشمس : أنت خفيّة *** وقال الدّجى : يا صبح لونك حائل وطاولت الأرض السماء سفاهة *** وفاخرت الشّهب الحصى والجنادل فيا موت زر إنّ الحياة ذميمة *** ويا نفس جدّي إن دهرك هازل انظر : سقط الزند : 194 - 195.

ويكفي المصنّف رحمه اللّه فضلا عجز علماء القوم في عصره عن معارضته ، حينما جمعهم السلطان السعيد محمّد خدا بنده حتّى تشيّع السلطان في الحال وجمع كثير ممّن شاهد الحال أو سمعها ، وتشيّعت إيران ببركة علم المصنّف ونيّر برهانه (1).

وأمّا ما زعمه من أنّ أحمد جمع الضعيف والمنكر ؛ معلّلا بأنّه « مسند » لا « صحيح » ، فمن عدم معرفته للمسمّيات إلّا بأسمائها ، فإنّ « مسند أحمد » كصحاحهم قد جمع أخبارا مسندة صحيحة عنده ، وإن سمّي ب « المسند ».

قال ابن تيميّة في ردّه ل « منهاج الكرامة » للمصنّف ، عند الكلام على « البرهان السابع » على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام ، وهو آية « المودّة » : « شرط أحمد في المسند ، مثل أبي داود في سننه » (2).

وقال عند الكلام على « البرهان السادس (3) والعشرين » وهو قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (4) : « وهي - أي أحاديث مسند أحمد - أجود من أحاديث سنن أبي داود » (5).

ص: 17


1- انظر : روضة المتّقين 9 / 30 - 32 ، أعيان الشيعة 5 / 399 ، وحكى هذه القصّة القاضي التستري في مجالس المؤمنين : الورقة 118 / ترجمة العلّامة الحلّي ، عن تاريخ الحافظ ( آبرو ) من علماء السنّة ، وغيره ، كما في مقدّمة إحقاق الحقّ 1 / 11 - 16.
2- منهاج السّنّة 7 / 97.
3- في الأصل : « السابع » ، وما أثبتناه من المصدر.
4- سورة الحديد 57 : 19.
5- منهاج السنّة 7 / 223.

وقال المترجم لأحمد بمقدّمة مسنده ، المطبوع بالمطبعة الميمنية بمصر سنة 1313 : « قال السبكي - أي في : الطبقات الكبرى - : قال الحافظ أبو موسى محمّد بن أبي بكر المديني (1) : هذا الكتاب - يعني : مسند أحمد - أصل كبير ، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ... جعل إماما ومعتمدا ، وعند التنازع ملجأ ومسندا.

ثمّ روى عن حنبل بن إسحاق ، قال : جمعنا عمّي - يعني أحمد بن حنبل - لي ولصالح ولعبد اللّه ... وقال لنا : إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته (2) من أكثر من سبعمئة وخمسين ألفا ؛ فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فارجعوا إليه ، فإن كان [ فيه ] ، وإلّا فليس بحجّة.

ثمّ نقل عن عبد اللّه بن أحمد ، عن أبيه ، قال : عملت هذا الكتاب إماما ، إذا اختلف الناس في سنّة [ عن ] رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رجع إليه.

ثمّ قال أبو موسى المديني : لم يخرّج - أي أحمد - إلّا عمّن ثبت

ص: 18


1- هو : أبو موسى محمّد بن أبي بكر عمر بن أحمد بن عمر ، الحافظ الأصبهاني المدينى ، ولد بأصبهان سنة 501 ، وتوفّي بها سنة 581 ه ، شيخ زمانه إسنادا وحفظا ، سمع بأصبهان وهمذان وبغداد ، وروى وصنّف كتبا كثيرة في الحديث والنحو واللغة وغيرها ، منها : نزهة الحفّاظ ، تتمّة « معرفة الصحابة » لأبي نعيم ، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث - وهو تتمّة كتاب « الغريبين » للهروي - ، الأخبار الطوال. أنظر : وفيات الأعيان 4 / 286 رقم 618 ، مرآة الجنان 321/3 ، سير أعلام النبلاء 21 / 152 رقم 78 ، طبقات الشافعية الكبرى - للسبكي - 160/6 رقم 675 ، غاية النهاية في طبقات القرّاء 2/ 215 رقم 3306 ، شذرات الذهب 273/4.
2- كان في الأصل : « وأتقنته » ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه من « طبقات الشافعية ».

عنده صدقه وديانته ، دون من طعن في أمانته.

ثمّ روى عن عبد اللّه بن أحمد ، قال : سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان؟ قال : لم أخرّج عنه في ( المسند ) شيئا ، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته » (1).

وقد ذكر في ترجمة أحمد كثيرا من نحو هذا ما يدلّ على كون أحمد لم يرو في مسنده إلّا ما صحّ عنده ؛ فراجع!

ومجرّد جمع أحمد فيه الضعيف والمنكر عند غيره ، لا يقضي بعدم صحّته عنده ؛ إذ ليس مسنده بأحسن من صحاحهم وقد جمعت الضعيف والمنكر وما فيه الكفر ، كما سبق في مقدّمة الكتاب ومسألة النبوّة (2).

وأمّا قوله : « والمغازلي رجل مجهول ، لا يعرفه أحد من العلماء » ؛ فيكذّبه رواية ابن حجر في « الصواعق » عنه ، وكنّاه بأبي الحسن ، كما سبق في الآية السابعة والسبعين (3).

وكنّاه به أيضا في « ينابيع المودّة » في الباب الأوّل منها ، وسمّاه بعليّ بن محمّد (4) ، كما سمّاه به أيضا في أوّل الكتاب عند ذكر من

ص: 19


1- انظر : طبقات الشافعية الكبرى 2 / 31 - 32.
2- انظر : ج 1 / 41 وما بعدها ، وج 4 / 137 وما بعدها ، من هذا الكتاب. نقول : وفي نفحات الأزهار 27/2 - 30 بحث مفصّل عن قيمة أحاديث «مسند أحمد» ؛ فراجع!
3- راجع : ج 5 / 343 من هذا الكتاب ؛ وانظر : الصواعق المحرقة : 233 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 234 ح 314.
4- ينابيع المودّة 1 / 47 ح 8 ؛ وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 120 ح 130.

روى عنهم ، ووصفه بالفقيه الشافعي (1).

وغاية طعن ابن تيميّة فيه أن قال : ليس الحديث من صنعته ولا يعرف الحديث (2).

ولا منشأ للتجاهل به والطعن في معرفته ، إلّا لأنّه يروي ما ليس من هوى ابن تيميّة ، وأنّه ألّف في فضل أمير المؤمنين ؛ وهذا كما مرّ في المقدّمة أولى بالدلالة على اطّلاعه وحسن إنصافه (3) ، ولو ألّف في فضل الشيخين من مفتعلاتهم لحلّ عندهم بالمحلّ الأرفع والمنزل الأسنى!!

وأمّا قوله : « والعجب أنّ هذا الرجل لا ينقل حديثا إلّا من جماعة أهل السنّة ... » إلى آخره ..

فمن عدم تفرقته بين البحث الإلزامي وغيره ؛ فإنّ المصنّف رحمه اللّه إنّما

ص: 20


1- ينابيع المودّة 1 / 28. نقول : وأبن المغازلي عالم مؤرّخ ، سمع الكثير من أبي بكر الخطيب . قال عنه السمعاني في الأنساب 137/2 «الجُلّابي» : « والمشهور بهذه النسبة : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الجلابي ، المعروف بابن المغازلي ، من أهل واسط العراق ، كان فاضلاً عارفاً برجالات واسط وحديثهم . وكان حريصاً على سماع الحدبث وطلبه ، رأيت له ذيل التاريخ لواسط وطالعته وانتخبت منه ، ... وغرق ببغداد في الدجلة في صفر سنة ثلاث وثمانين وأربعمئة ، وحمل ميتاً إلى واسط فدفن بها » . وأنظر : تبصير المنتبه 1 / 380 ، تاج العروس 374/1 - 375 مادة « جلب » . وله ترجمة مفصلة استوعبت مراحل حياته ومشايخه وتلامذته ومصنفاته وكلمات العلماء في حقه ، اسمها : «الميزان القاسط في ترجمة مؤرّخ واسط » ، للسيد شهاب الدين المرعشي النجفي قدس سره ، طبعت كمقدمة لكتاب ابن المغازلي : «مناقب الإمام علي عليه السلام» ، ص . 34 ؛ فراجع !
2- منهاج السنّة 7 / 62.
3- راجع : ج 1 / 22 - 24 من هذا الكتاب.

ينقل عن كتبهم ؛ لإلزامهم ، لا لحاجة به إليها ؛ لغناه عنها بالأدلّة القطعيّة ؛ العقليّة والنقليّة ، التي اشتملت عليها كتب أصحابه.

وقد تجاهل في معرفتها ومعرفة علماء الإمامية ورواتهم ظنّا منه أن يخدع الجهّال بذلك ، وهيهات أن تخفى الشمس على ذي عين!

نعم ، ما زالوا - وإلى الآن - يتغافلون عن كتب الشيعة ، ويتعامون عن النظر إليها ، كراهة لاتّضاح الحقّ ، ورغبة في ملّة الآباء!

وأمّا قوله : « فهو يترك المنقولات في الصحاح » ..

فكذب ظاهر ؛ لأنّ المصنّف رحمه اللّه ينقل عنها وعن غيرها ، كما ستعرف ، وكلّها عنده بمنزلة واحدة في الوهن ، لكنّه يروي عن الجميع ما يحتجّ به عليهم.

ولا يمكن أن نصحّح شيئا منها سوى ما يتعلّق بفضائل أهل البيت ونقائص أعدائهم ، كما سبق وجهه في المقدّمة ، وبيّنا فيها حال صحاحهم ، وأنّها بالسقم أحرى (1).

ومن الطرائف إنكاره بلوغ عدد الشيعة إلى عصره حدّ الكثرة ، فلو صدق فما باله فرّ من بلاده إلى ما وراء النهر ، ثمّ استغاث في آخر هذا الكتاب من استيلائهم على ما هنالك؟!

وإن جهل كثرتهم ، فليسأل عنهم أئمّته بني أميّة يوم الدار وصفّين ، ويوم استولى عليهم بنو العبّاس ، وليسأل عنهم بني العبّاس أيّام البويهيّين والحمدانيّين والفاطميّين!

وقد ذكر المؤرّخون أنّ بليّة معاوية على الكوفة أشدّ ؛ لكثرة من

ص: 21


1- راجع : ج 1 / 41 وما بعدها من هذا الكتاب.

فيها من الشيعة (1).

نعم ، ما زال أعداء آل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومخالفوهم أكثر ، كما قال عزّ اسمه : ( وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (2).

* * *

ص: 22


1- انظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 11 / 44 ، النصائح الكافية : 126.
2- سورة يوسف 12 : 103. نقول : وقد توسع السيد علي الحسيني الميلاني - حفظه اللّه ورعاه - في دراسة حديث النور دراسة مفصلة ، سنداً ودلالة ، في الجزء الخامس من موسوعته «نفحات الأزهار » ؛ فراجع !

2 - حديث : ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة

قال المصنّف - قدس سره - :

قال المصنّف - قدس سره - (1) :

الثاني : من « مسند أحمد » : « لمّا نزل : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (2) جمع النبيّ صلی اللّه علیه و آله من أهل بيته ثلاثين ، فأكلوا وشربوا ثلاثا ، ثمّ قال لهم : من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة؟

فقال عليّ : أنا.

فقال : أنت » (3).

ورواه الثعلبي في تفسيره بعد ثلاث مرّات ، في كلّ مرّة سكت القوم غير عليّ علیه السلام (4).

ص: 23


1- نهج الحقّ : 213.
2- سورة الشعراء 26 : 214.
3- مسند أحمد 1 / 111 و 159 و 331.
4- (4) تفسير الثعلبي 7 / 182 ؛ وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 807 - 808 ح 1108 وص 871 ح 1196 وص 887 ح 1220 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 125 - 126 ح 8451 ، مسند البزّار 2 / 105 - 106 ح 456 ، المعجم الأوسط 3 / 241 ح 2836 ، تفسير الحبري : 348 ، تهذيب الآثار 4 / 60 ح 50 وص 62 ح 127 ، تاريخ الطبري 1 / 542 - 543 ، تفسير الطبري 9 / 483 - 484 ح 26806 ، العلل الواردة في الأحاديث - للدارقطني - 3 / 275 رقم 293 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 143 ح 4652 ، دلائل النبوّة - لأبي نعيم - 2 / 425 ح 331 قطعة منه ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 2 /179 180 قطعة منه ، شواهد التنزيل 1 / 420 - 421 ح 580 ، تفسير البغوي 3 / 341 - 342 ، تاريخ دمشق 42 / 49 - 50 ، الوفا بأحوال المصطفى : 183 - 184 ح 249 ، كفاية الطالب : 205 - 206 ، فرائد السمطين 1 / 85 ح 65 ، تفسير ابن كثير 3 / 339 ، السيرة النبوية - لابن كثير - 1 / 457 - 459 ، البداية والنهاية 3 / 32 - 33 ، مجمع الزوائد 8 / 302 عن البزّار وأحمد والطبراني في « الأوسط » وقال : « رجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح ، غير شريك وهو ثقة » ، الدرّ المنثور 6 / 327 - 328 ، كنز العمّال 13 / 131 - 133 ح 36419 عن ابن إسحاق وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي - والأخيران كلاهما في « دلائل النبوّة » - ، ينابيع المودّة 1 / 311 - 312 ح 1 و 2.

وقال الفضل (1) :

هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في « الموضوعات » في قصّة طويلة ، وليس فيه : « ويكون خليفتي » ، وهذا من وضعه ، أو من وضع مشايخه من شيوخ الرفض وأهل التهمة والافتراء (2).

وفي مسند أحمد بن حنبل : « ويكون خليفتي » غير موجود ، بل هو من إلحاقات الرفضة.

وهذان الكتابان اليوم موجودان ، وهم لا يبالون من خجلة الكذب والافتراء ، بل الرواية : « ويكون معي في الجنّة » (3).

ص: 24


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 412.
2- لم يذكره ابن الجوزي في قصّة طويلة ، بل أشار إلى رواية يوم الدار إشارة ، فانظر : الموضوعات 1 / 99 ؛ وتأمّل!
3- انظر : مسند أحمد 1 / 111 وقد جاء فيه : « ويكون معي في الجنّة ، ويكون خليفتي ... » ، فتأمّل!

وهو من فضائل أمير المؤمنين علیه السلام حيث أقبل إذ الناس أدبر ، وأقدم إذ الناس أحجم (1) ، وفضائله أكثر من أن تحصى ، عليه سلام اللّه يترى ، مرّة بعد أخرى.

* * *

ص: 25


1- (1) كذا وردت الجملتان السابقتان ؛ وهو غير عزيز من مثل ابن روزبهان!

وأقول :

من أعجب العجب أن يكذب هذا الرجل ، وينسب الكذب إلى آية اللّه المصنّف رحمه اللّه ، وشدّد النكير عليه وعلى علمائنا أهل الصدق والأمانة.

وإذا أردت أن تعرف كذبه ، فراجع « المسند » ، ص 111 من الجزء الأوّل ، تجد الحديث مشتملا على لفظ « خليفتي ».

وهكذا نقله في « كنز العمّال » (1) ، عن « المسند » ، وعن ابن جرير ، قال : « وصحّحه » ، وعن الطحاوي ، والضياء في « المختارة » ، التي حكى في أوّل « الكنز » (2) صحّة جميع ما فيها عن السيوطي في ديباجة « جمع الجوامع ».

ونقل في « الكنز » أيضا (3) هذا الحديث بقصّة طويلة ، عن ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي ، قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله في آخره : « قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟

ص: 26


1- ص 396 من الجزء السادس [ 13 / 128 - 129 ح 36408 ]. منه قدس سره . وأنظر : تهذيب الآثار 60/4 ح 5 ، شرح معاني الآثار 3 / 284 - 285 و ج 387/4.
2- كنز العمّال 1 / 9.
3- ص 397 من الجزء المذكور [ 13 / 133 ذ ح 36419 ]. منه قدس سره . وأنظر : تهذيب الآثار 4 / 62 ح 127 ، دلائل النبوة - لأبي نعيم - 2 / 425 ح 331 ، دلائل النبوة - للبيهقي - 2 / 179 - 180 .

قال عليّ علیه السلام : فقلت : أنا يا نبيّ اللّه أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي ، فقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا!

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ ».

ونقل هذا الحديث الطبري في « تاريخه » (1) ، وابن الأثير في « الكامل » (2).

وحكى في « كنز العمّال » (3) ، عن ابن جرير حديثا آخر ، قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله فيه مثل قوله الأوّل : « هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ».

وحكى ابن أبي الحديد في « شرح النهج » (4) ، عن أبي جعفر الإسكافي ، أنّه قال : وروي في الخبر الصحيح أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كلّف عليّا علیه السلام في مبدأ الدعوة أن يصنع طعاما ويدعو له بني عبد المطّلب ، فصنع له طعاما ودعاهم له ..

ثمّ ضمن لمن يؤازره ، وينصره على قوله ، أن يجعله أخاه في الدين ، ووصيّه بعد موته ، وخليفته من بعده ؛ فأمسكوا كلّهم وأجابه هو وحده ، فقال لهم : هذا أخي ووصيّي ، وخليفتي من بعدي.

ص: 27


1- ص 217 من الجزء الثاني [ 1 / 542 - 543 ]. منه قدس سره .
2- ص 28 من الجزء الثاني [ 1 / 585 - 586 ]. منه قدس سره .
3- ص 392 من الجزء المذكور [ 13 / 114 ح 36371 ]. منه قدس سره . وأنظر : تهذيب الآثار 62/4 ح 127.
4- ص 263 من المجلّد الثالث [ 13 / 210 - 211 ]. منه قدس سره .

فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب : أطع ابنك! فقد أمّره عليك » ؛ انتهى ملخّصا.

وهذه الأخبار كلّها اشتملت على لفظ « الخليفة ».

ونقل في « الكنز » (1) ، عن ابن مردويه خبرا آخر ، اشتمل على لفظ « الولاية » ، قال فيه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومدّ يده : « من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي؟ ».

فمددت يدي ، وقلت : أنا أبايعك! فبايعني على ذلك.

وأنت تعلم أنّ المراد بالولاية - هنا - هو المراد بالخلافة ، بقرينة ما سبق ، وقوله : « من بعدي » ، فإنّ النصرة والحبّ لا يختصّان بما بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله وإنّما تختصّ به الخلافة.

وأعجب من الفضل ابن تيمية! حيث أنكر وجود أصل الحديث في الصحاح والمسانيد (2) عند ذكر المصنّف رحمه اللّه له في « منهاج الكرامة » (3) ، مع ما عرفت من رواية أحمد بن حنبل له في « المسند » وغير أحمد ممّن عرفت (4).

نعم ، أقرّ بوجوده في تفسير ابن جرير والبغوي والثعلبي وابن أبي حاتم ، لكنّه ناقش في إسناد كلّ منهم (5) بما مرّ جوابه إجمالا في

ص: 28


1- ص 401 من الجزء المذكور [ 13 / 149 ح 36465 ]. منه قدس سره .
2- منهاج السنّة 7 / 299.
3- منهاج الكرامة : 147 - 148.
4- انظر الصفحة 23 ه 3 و 4 من هذا الجزء.
5- منهاج السنّة 7 / 300 - 303 ؛ وانظر : تهذيب الآثار 4 / 60 ح 5 وص 62 ح 127 ، تفسير الطبري 9 / 483 - 484 ح 26806 ، تفسير البغوي 3 / 341 - 342.

مقدّمة الكتاب (1).

مع أنّه قد استفاضت الطرق وقوّى بعضها بعضا ، وحكموا بصحّة بعضها كما سمعت ، فلا محلّ للمناقشة.

على أنّ مناقشته في سند رواية الثعلبي إجماليّة مردودة عليه ، إلّا مع البيان.

ومناقشته في سند رواية ابن أبي حاتم (2) ، إنّما هي باشتماله على عبد اللّه بن عبد القدّوس ، وهو قد ضعّفه الدارقطني (3).

وقال النسائي : ليس بثقة (4).

وقال ابن معين : ليس بشيء ، رافضي خبيث (5).

وفيه :

إنّ تضعيف هؤلاء معارض بما في « تقريب » ابن حجر : إنّه صدوق (6).

ص: 29


1- راجع : ج 1 / 27 من هذا الكتاب.
2- (2) ناقض ابن تيميّة نفسه بمناقشته هذه ، فإنّه قد مدح ابن أبي حاتم وتفسيره ، مصرّحا بأنّ لابن أبي حاتم لسان صدق ، وأنّ تفسيره خال من الموضوعات ، ومتضمّن للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير ، وبأسانيد معروفة! أنظر : منهاج السنة 13/7 و 178 - 179.
3- الضعفاء والمتروكين : 114 رقم 320.
4- الضعفاء والمتروكين - للنسائي - : 145 رقم 337.
5- تهذيب التهذيب 4 / 382 رقم 3536 ، وقال ابن معين في معرفة الرجال 1 / 76 رقم 207 : « قال : وسمعت يحيى وسئل عن عبد اللّه بن عبد القدّوس ، فقال : شيخ كان يقدم الريّ ، لا أعرفه.
6- تقريب التهذيب 1 / 510 رقم 3457.

وقال في « تهذيب التهذيب » : قال محمّد بن عيسى : ثقة (1).

وذكره ابن حبّان في « الثقات » (2).

وقال البخاري : وهو في الأصل صدوق ، إلّا أنّه يروي عن أقوام ضعاف (3).

مع أنّه أيضا من رجال « سنن الترمذي » (4).

ولا ريب أنّ مدح هؤلاء مقدّم على قدح أولئك ؛ لعدم العبرة بقدح أحد المتخالفين في الدين بالآخر من غير حجّة ، بخلاف مدحه له ؛ فإنّ الفضل ما شهدت به الأعداء.

وعبد اللّه هذا قد زعموه من الشيعة ، وإن كنّا لا نعرف الرجل في الشيعة! ولعلّه لمّا روى في فضل آل محمّد صلی اللّه علیه و آله نسبوه إلى الرفض والخبث!!

وغمزه ابن عديّ بقوله : عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت (5).

وليت شعري ، أبهذا صار ضعيفا واستحقّ أن يوصف بالخبث؟!

ص: 30


1- تهذيب التهذيب 4 / 382 رقم 3536.
2- الثقات 7 / 48.
3- تهذيب التهذيب 4 / 382 رقم 3536.
4- وضع له ابن حجر في « تهذيب التهذيب » رمز « خت. ت » ، والأوّل إشارة إلى رواية البخاري عنه في صحيحه في التعاليق ، والثاني إشارة إلى رواية الترمذي عنه ، ثمّ قال : « أخرج له أبو داود حديثا في كتاب الفتن ». أنظر : سنن الترمذي 4 / 429 ح 2212 كتاب الفتن - باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف ، سنن أبي داود 4 / 100 ح 4266 كتاب الفتن - باب كف اللسان.
5- (5) الكامل في الضعفاء 4 / 198 رقم 1008 ، على أنّه نقل توثيق محمّد بن عيسى الترمذي له في الصفحة 197!!

كما لا يعتبر - أيضا - طعنهم في أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم ، راوي حديث ابن جرير والبغوي ، على ما ذكره ابن تيميّة (1) ؛ لأنّه - كما في « ميزان الاعتدال » - من الشيعة ، ولا سيّما قد شهد بحقّه الذهبيّ أنّه كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال (2).

وأمّا ما نسبه الفضل إلى ابن الجوزي ، فلا يبعد أنّه من كذباته ، وإلّا لنسبه إليه في « كنز العمّال » بالنسبة إلى بعض الأحاديث التي نقلناها عنه ، فإنّ عادته أن يروي عن كتاب « الموضوعات » (3).

وأيضا لم يذكره السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » المأخوذة من كتاب « الموضوعات ».

ولو صحّت النسبة إلى ابن الجوزي ، فلا عبرة بكلامه ؛ لأنّه أيضا

ص: 31


1- منهاج السنّة 7 / 302.
2- ميزان الاعتدال 4 / 379 - 380 رقم 5152. نقول : إن أبا مريم عبد الغفار بن القاسم ليس بمجمع على تركه ، بل مختلف فيه ، ونقلوا عن غير واحد مدحه وتوثيقه .. قال الحافظ ابن حجر : «قال أبو حاتم : ليس بمتروك ، وكان من رؤساء الشيعة ، وكان شعبة حسن الرأي فيه. وقال شعبة : لم أر أحفظ منه » . أنظر : تعجيل المنفعة : 397 رقم 665 . وقال ابن عدي : «سمعت أحمد بن محمد بن سعيد - يعني : ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه ، وتجاوز الحد في مدحه حتى قال : لو انتشر علم أبي مريم وخرج حديثه لم يحتج الناس إلى شعبة ... ولعبد الغفار بن القاسم أحاديث صالحة ... ويُكتب حديثه ضعفه » . أنظر : الكامل في ضعفاء الرجال 327/5 - 328 رقم 1479. وراجع : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 187/3 - 188.
3- راجع الصفحة 24 من هذا الجزء.

طرف النزاع.

وأمّا ثناؤه على أمير المؤمنين علیه السلام ، فقد تأبّط به شرّا ؛ لأنّ قصده به أن يروّج كذبه وإنكاره لما رواه المصنّف رحمه اللّه ، وترتفع عنه تهمة النصب ؛ وهيهات أن يخفى حاله وقد أنكر الواضحات!

أتراه يفعل ذلك لو كانت الرواية في ما يؤيّد طريقته؟!

ثمّ إنّ من جملة الحديث الذي ذكره المصنّف رحمه اللّه في « منهاج الكرامة » ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله جمع بني عبد المطّلب وهم أربعون رجلا (1) ، فجعل ابن تيمية ذلك طريقا للطعن في الحديث ، بدعوى عدم بلوغهم في ذلك الوقت إلى هذا القدر (2).

وفيه : إنّه لو سلّم فلا يبعد أن المراد ببني عبد المطّلب : ما يشمل بني المطّلب ؛ لاختصاصهم بهم حتّى كأنّهم منهم ؛ ولذا كانوا معهم في حصار الشعب.

ويشهد له ما في « كامل » ابن الأثير ، حيث إنّه لمّا نقل الحديث قال : حضروا ومعهم نفر من بني المطّلب (3).

ولو سلّم أنّ المراد خصوص بني عبد المطّلب ، فغاية ما يلزم منه خطأ الراوي أو مبالغته في عددهم ، وهو لا ينافي صحّة أصل الواقعة المرويّة بطرق مستفيضة ، ولا تكاد تسلم واقعة مروية بطرق عن الخطأ في الخصوصيات.

ومنه أيضا يعلم ما في طعن ابن تيميّة في الحديث ، من حيث

ص: 32


1- منهاج الكرامة : 147.
2- منهاج السنّة 7 / 304.
3- الكامل في التاريخ 1 / 584.

اشتماله على أنّ الرجل منهم كان يأكل الجذعة (1) ، ويشرب الفرق (2) ، مدّعيا أنّهم لم يكونوا معروفين بمثل هذه الكثرة من الأكل والشرب (3) ؛ وذلك لأنّ غاية ما يلزم منه مبالغة الراوي ، أو الخطأ في ذلك ، وهو غير ضارّ في صحّة أصل الواقعة (4).

على أنّ عدم معروفيّتهم به لا تدلّ على العدم ، لا سيّما وقد كان الكثير من قريش كذلك ، كما تشهد به كتب التاريخ (5).

وقد أورد ابن تيميّة على الحديث بأنّه كيف يقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله للجماعة : من يؤازرني على أمري يكن وصيّي وخليفتي من بعدي؟ والحال أنّ مجرّد الإجابة إلى مثل ذلك لا يوجب الخلافة ؛ فإنّ جميع

ص: 33


1- الجذعة - والجمع : جذعات - : الأنثى الصغيرة السنّ من الإبل والخيل والبقر والضأن والمعز ، ولا يقال لها جذعة في الإبل إلّا إذا أتمّت أربعة أعوام ودخلت في السنة الخامسة ، وفي الخيل إذا استتمّ الفرس سنتين ودخل في الثالثة ، وكذا في البقر ، وفي الضأن إذا أتمّت سنة وقيل : ثمانية أو تسعة أشهر ، وفي المعز إذا أتمّت سنة من عمرها. أنظر : لسان العرب 219/2 - 220 مادّة «جذع».
2- الفرق - بالتحريك - : مكيال يسع ستّة عشر رطلا ، وهي اثنا عشر مدّا ، وثلاثة أصوع عند أهل الحجاز ؛ وقيل الفرق : خمسة أقساط ، والقسط : نصف صاع ؛ فأمّا الفرق - بالسكون - : فمئة وعشرون رطلا ، وفيه الحديث : « ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام ». أنظر : لسان العرب 248/10 مادة «فرق».
3- منهاج السنّة 7 / 306.
4- (4) نقول : المراد هنا : بيان إعجاز رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ إذ شبع هؤلاء القوم ورووا وعددهم أربعون رجلا ، وحالهم في الأكل والشرب ما تقدّم ذكره آنفا ، من ذاك الطعام القليل!!
5- انظر : العقد الفريد 3 / 405 - 406 ، ربيع الأبرار 2 / 682 و 737 ، المستطرف 1 / 180 - 181.

المسلمين وازروه ولم يكن منهم أحد خليفة ، ومن الجائز أيضا أن يجيبه جماعة منهم ، وحينئذ فمن الخليفة منهم؟! (1).

وفيه : إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لم يقل إنّ هذا علّة تامّة للخلافة بعده ، حتّى تلزم خلافة كلّ من فعل ذلك وإن لم يكن من عشيرته ، بل أراد بأمر اللّه إنذار عشيرته وترغيبهم ؛ لأنّهم أولى به وبنصرته ، فلم يجعل هذه المنزلة إلّا لهم ..

وليعلم من أوّل الأمر أنّ هذه المنزلة لعليّ علیه السلام خاصّة ؛ فإنّ اللّه سبحانه ورسوله صلی اللّه علیه و آله يعلمان أنّه لا يجيب النبيّ صلی اللّه علیه و آله ويؤازره تماما إلّا عليّ علیه السلام ، فكان ذلك من باب تثبيت إمامته ، وإلقاء الحجّة على قومه.

وحينئذ ، فلا يصحّ فرض تعدّد المجيبين للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ ولو صحّ ووقع ، لعيّن النبيّ صلی اللّه علیه و آله الأولى والأحقّ.

هذا ، وقد صرّحت بالخلافة لعليّ علیه السلام أخبار أخر ..

منها : ما سبق في الآية السادسة والثلاثين في سبب نزول سورة النجم (2).

ومنها : ما سيأتي في بعض أحاديث الثّقلين.

ومنها : ما في المواقف » ، في مبحث الإمامة ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، أنّه قال لعليّ : « أنت أخي ووصيّي ، وخليفتي من بعدي ، وقاضي ديني » (3) ، بكسر الدال (4).

ص: 34


1- منهاج السنّة 7 / 306 - 307.
2- انظر مبحث سورة النجم في ج 5 / 170 - 176 من هذا الكتاب.
3- المواقف : 406.
4- شرح المواقف 8 / 363.

وأجاب عنه هو والشارح بأمرين :

الأوّل : إنّه معارض بالنصوص الدالّة على إمامة أبي بكر (1).

وفيه : إنّه لو سلّم وجودها ودلالتها فليست حجّة علينا ؛ لأنّها من أخبارهم الخاصّة بهم (2) ، بل هي من الكذب المسلّم ؛ لإقرارهم بأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لم يخلّفه (3).

الثاني : منع صحّة الحديث ؛ للدليل القاطع على عدم النصّ الجليّ ؛ لأنّه لو وجد لتواتر ، ولعارض عليّ أبا بكر في الإمامة ، ولصلابة الأصحاب في الدين ؛ فكيف لا يتّبعون النصّ المبين؟! (4).

ويرد على الأوّل : إنّ حصول التواتر مشروط بعدم الشبهة ، وهي ثابتة لهم ، بل الثابت أعظم منها ، وهو التعصّب ، الذي هو قذى البصائر.

وهل تبقى شبهة مع نصّ الكتاب العزيز بانحصار الولاية باللّه ورسوله وأمير المؤمنين ، ونصّ حديث الغدير والمنزلة والثقلين ، وغيرها ، فإنّها متواترة ، ونصّ في إمامته - ولو بمجموعها - لو أنصفوا؟!

ص: 35


1- المواقف : 406 ، شرح المواقف 8 / 363.
2- كان ابن حزم ممّن اعترف بهذا وقرّره ، فقد قال ما نصّه : « لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا ، فهم لا يصدّقونها ، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم ، فنحن لا نصدّقها ؛ وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّة به ، سواء صدّقه المحتجّ أو لم يصدّقه ؛ لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري ، فيصير حينئذ مكابرا منقطعا إن ثبت على ما كان عليه ». أنظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل 12/3.
3- ومن المقرّين بذلك القاضي الإيجي والشريف الجرجاني. أنظر : المواقف 400 ، ظرح المواقف 354/8.
4- المواقف : 404 ، شرح المواقف 8 / 359.

ولو سلّم أنّها ليست نصّا جليّا ، ولا متواترة معنى بإمامته علیه السلام ، فالمطالبة بتواتر ما هو أجلى منها ليست في محلّها ؛ للصوارف عنه ، فإنّ عامّة قريش وكثيرا من الأنصار في الصدر الأوّل أعداء أمير المؤمنين ، فمنهم غاصب له ، ومنهم معين على غصبه ، ومنهم راض به ، والباقي رعاع وسوقة إلّا القليل ، والقليل لا يقدر على بيان النصّ الجليّ ، خوفا من الأمراء ، بل حتّى الكثير يخاف منهم!

ولذا خفي أمر الغدير ، فاحتاج أمير المؤمنين بعد زمن قريب إلى الاستشهاد بمن بقي من الصحابة ، مع أنّه لم يشهد له بعضهم ، عداوة له فأصابته دعوته ، كما سبق (1).

ولو فرض إمكان بيان النصّ الكامل في الصدر الأوّل ، فلا ريب بعدم إمكانه أيّام معاوية والشجرة الملعونة ؛ لأنّهم أوجبوا سبّ إمام المتّقين ، وتتبعوا بالقتل والحبس من روى له فضيلة ، أو رأى له فضلا (2)!

ص: 36


1- انظر : ج 4 / 328 ؛ وانظر حديث من أصابته الدعوة في : جمهرة النسب 2 / 395 ، المعارف - لابن قتيبة - : 320 ، أنساب الأشراف 2 / 386 ، تاريخ دمشق 9 / 375 - 376 ، شرح نهج البلاغة 4 / 74 وج 19 / 217 - 218 ، الصواعق المحرقة : 198 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 1 / 663 ح 900 ، حلية الأولياء 5 / 26 - 27 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 74 ح 33 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 378 ح 396 ، مجمع الزوائد 9 / 106.
2- (2) روى أبو الحسن المدائني في كتاب « الأحداث » ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة ، أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ؛ فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ؛ لكثرة من بها من شيعة عليّ علیه السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّ علیه السلام ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم. وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ، ألا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة ... إلى أن قال : ثمّ كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه ؛ وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به ، وأهدموا داره ؛ فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ... إلى آخره . أنظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 11 / 44 - 45 . وقال محمد بن بحر الرُّهني : لعن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه على منابر الشرق والغرب . أنظر : معجم البلدان 3/ 215 ( سجستان ) .

فكيف يمكن حينئذ أن تتواتر رواية النصّ الجليّ ، وكذا في الأيّام المتأخّرة ، كأيّام كثير من بني العبّاس ، الّذين هم مثل بني أميّة في تتبّع الشيعة وجحد حقّ أمير المؤمنين علیه السلام ؟!

ولا أعجب من طلب حصول التواتر بالنصّ الجليّ عند قوم يخالف مذهبهم ، مع اهتمام علمائهم لدنياهم في نقصه وإثبات مفضوليّته ، وأنّ تمام مناصب سلاطينهم وأمرائهم بإنكار النصّ عليه وعلى الأئمّة من ولده!

ويرد على دعوى معارضته لأبي بكر : إنّها ممنوعة وظاهرة المكابرة ؛ إذ أيّ معارضة تطلب في مقام الخوف على الإسلام أكبر من الامتناع عن بيعته وإظهار أنّه ظالم غاصب ، ولم يبايعه إلّا قهرا بعد ستّة أشهر أو أكثر (1).

ص: 37


1- انظر : صحيح البخاري 5 / 288 ح 256 ، تاريخ الطبري 2 / 236 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 11 ، الكامل في التاريخ 2 / 194.

.. إلى غير ذلك ممّا صدر من أمير المؤمنين علیه السلام ، كما عرفت بعضه في المبحث الرابع من مباحث الإمامة (1).

ويرد على دعوى صلابة الأصحاب في الدين : إنّها محلّ تأمّل ، ولا سيّما بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ولنسأل عنها قوله تعالى : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (2) ..

وسورة براءة ، المسمّاة بالفاضحة ؛ لأنّها فضحت أكثر الصحابة (3) ..

وقوله تعالى : ( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها ... ) (4) ، حيث تركوا الواجب ولم يبالوا بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وانفضّوا للهو والتجارة ، ولم يبق معه إلّا النادر (5) ..

.. إلى كثير من الآيات الكريمة (6).

ولنسأل أحاديث الحوض ، التي حكم بعضها بارتداد جلّ الصحابة ،

ص: 38


1- راجع : ج 4 / 261 وما بعدها وص 280 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- سورة آل عمران 3 : 144.
3- انظر : تفسير الماوردي 2 / 336 ، تفسير البغوي 2 / 224 ، تفسير الكشّاف 2 / 171 ، زاد المسير 3 / 294 ، تفسير الفخر الرازي 15 / 223 ، تفسير القرطبي 8 / 40 ، تفسير البيضاوي 1 / 394 ، تفسير النسفي 2 / 114 ، تفسير الخازن 2 / 198 ، تفسير النيسابوري 3 / 427 ، الدرّ المنثور 4 / 120 - 121 ، فتح القدير 2 / 331.
4- سورة الجمعة 62 : 11.
5- روي أنّه لم يبق في المسجد إلّا اثنا عشر رجلا ، وقيل أقلّ من ذلك ؛ انظر مثلا : الدرّ المنثور 8 / 165 - 167.
6- كقوله تعالى : ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا * ... وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلأَقَلِيلاً ) سورة الأحزاب 33 :6. 20.

وأنّهم إلى النار ، ولم يسلم منهم إلّا مثل همل النّعم (1) ..

.. إلى غيرها من الأخبار التي لا تحصى ، وسيمرّ عليك بعضها إن شاء اللّه تعالى.

وقد أجاب القوشجي في « شرح التجريد » عن الخبر الذي حكيناه عن « المواقف » بعد ذكر نصير الدين رحمه اللّه له (2) ، فقال :

« وأجيب بأنّه خبر واحد في مقابلة الإجماع ، ولو صحّ لما خفي على الصحابة والتابعين ، والمهرة المتقنين من المحدّثين ، سيّما عليّ وأولاده الطاهرين ؛ ولو سلّم ، فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين » (3).

ويشكل بمنع الإجماع ، كما مرّ في المبحث الرابع ، وبيّنّا أنّه لم يخف على الصحابة (4) ، ولكن أخفوه عن عمد ، كحديث الغدير (5).

وكذا أخفاه من علم به من غير الصحابة ، عداوة لعليّ علیه السلام ، أو خوفا من معاوية وأشباهه (6).

وأمّا دعوى خفائه على أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين ؛ فمخالفة لما تواتر عنهم من حصول النصّ عليه بالخلافة ، ولما ظهر من أحوالهم في تضليل الأوّلين ، فكم صرّحوا ولوّحوا بالنصّ من النبيّ صلی اللّه علیه و آله فما زاد مخالفيهم إلّا عداوة وإعراضا عن الحقّ!

ص: 39


1- راجع : ج 2 / 27 وج 4 / 212 - 213 وتخريج حديث الحوض فيهما ، من هذا الكتاب.
2- تجريد الاعتقاد : 231 ، وانظر : المواقف : 406.
3- شرح تجريد الاعتقاد : 478 - 479 ، وانظر الصفحة 35 من هذا الجزء.
4- راجع : ج 4 / 249 و 279 وما بعدها من هذا الكتاب.
5- راجع : ج 1 / 19 - 21 من هذا الكتاب.
6- راجع : ج 4 / 288 وما بعدها من هذا الكتاب.

وأمّا إنكار دلالته على نفي خلافة الآخرين ؛ فمكابرة للضرورة ؛ إذ أيّ دليل أصرح في نفيها من قوله صلی اللّه علیه و آله : « خليفتي من بعدي »؟!

ولو كان التقليد بقوله : « من بعدي » غير دالّ على ذلك ، لم تثبت خلافة أحد بلا فصل بالنصّ!

وليت شعري! ما بال وصيّة أبي بكر لعمر كانت نصّا في خلافته له بلا فصل دون وصيّة النبيّ لأمير المؤمنين ، وهي ليست بأصرح منها في الدلالة على عدم الفصل ، وكذا وصايا سائر السلاطين لولاة عهدهم ، كما سبق في الآية الثانية من الآيات التي ذكرها المصنّف رحمه اللّه (1)؟!

ومن جملة الأخبار المصرّحة بخلافة أمير المؤمنين علیه السلام ، ما في « ميزان الاعتدال » بترجمة عبد اللّه بن داهر ، حيث ذكر أنّه روى بسنده عن ابن عبّاس : « ستكون فتنة ، فمن أدركها فعليه بالقرآن وعليّ بن أبي طالب.

قال : فإنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله [ وهو آخذ بيد عليّ ] يقول : هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، ويعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو خليفتي من بعدي » (2).

قال في « الميزان » : قال ابن عديّ : عامّة ما يرويه في فضائل عليّ ،

ص: 40


1- راجع : ج 4 / 348 من هذا الكتاب.
2- ميزان الاعتدال 4 / 93 رقم 4300 ؛ وانظر : المعجم الكبير 6 / 269 ح 6184 ، الاستيعاب 4 / 1744 رقم 3157 ، تاريخ دمشق 42 / 41 - 43 ، كفاية الطالب : 187 ، مجمع الزوائد 9 / 102 ، كنز العمّال 11 / 612 ح 32964 وص 616 ح 32990 ، أسد الغابة 5 / 270 رقم 6207.

وهو متّهم في ذلك (1).

وقال في « الميزان » أيضا : قال العقيلي : رافضي خبيث.

وقال أحمد ويحيى : ليس بشيء (2).

وأقول :

إذا كان جفاؤهم وقولهم في راوي ما ورد في أخي النبيّ صلی اللّه علیه و آله ونفسه ، فكيف يطلبون أن يتواتر النصّ عليه بما هو أجلى من ذلك؟!

وليت شعري! لم كان عندهم من روى له فضيلة رافضيّا خبيثا متّهما ، ومن روى فضيلة لمشايخهم ثقة صادقا معتمدا في صحاحهم ، وصاحب سنّة ، وإن كفّره سيّد النبيّين صلی اللّه علیه و آله ، كالخوارج والنصّاب؟! وقال سبحانه : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ) (3).

ص: 41


1- ميزان الاعتدال 4 / 93 رقم 4300 ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال 4 / 229 رقم 1046.
2- ميزان الاعتدال 4 / 92 رقم 4300 ، وانظر : الضعفاء الكبير - للعقيلي - 2 / 250 رقم 804 ، كتاب العلل ومعرفة الرجال - لأحمد - 2 / 602 رقم 3859.
3- سورة الحجرات 49 : 6. نقول : لم يكن هناك سبب لجرح راوي الحديث عبد اللّه بن داهر ، إلا النصب والتعصب، وإلا فإنّهم لم يُجمعوا على جرحه ، فإنّ منهم من وثقه ، فقد قال الخطيب البغدادي ما نصه : قرأت في أصل كتاب أبي الحسن بن الفرات - بخطه - : أخبرنا محمد بن العباس الضبي الهروي ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ابن محمود الفقيه ، أخبرنا صالح بن محمد الأسدي ، قال : عبد اللّه بن داهر بن يحيى الأحمري الرازي ، شيخ صدوق » . أنظر : تاریخ بغداد 453/9 رقم 5085 . هذا ، فضلاً أن صحاحهم ملأى من رجال الشيعة ؛ إذ إنّ أكثر محدثيهم عن وحفّاظهم يأخذون برواية الشيعي ، إذا كانوا يرونه ثقة صدوقا في نقله ، سواء كان ممّن يتكلّم في معاوية وأمثاله ، أو في عثمان ورهطه ، وحتّى في الشيخين وأصحابهما ؛ وكذا الرفض فضلا عن التشيّع غير مضرّ بالوثاقة. أنظر : هدي الساري مقدّمة فتح الباري : 544 الفصل 9 . وقد توسع السيد علي الحسيني الميلاني في إيراد آراء علماء العامة أصحاب المذاهب من رجال الحديث ، في كتابه : تشييد المراجع-ات وتفنيد المكابرات 41/11 - 54 و ج 3 / 135 - 171 ؛ فراجع !

ومن جملة الأخبار المصرّحة بخلافته أيضا ، ما في « اللآلئ المصنوعة » ، عن ابن حبّان ، بسنده عن أنس مرفوعا : « إنّ أخي ووزيري وخليفتي من بعدي في أهلي ، وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، عليّ علیه السلام » (1)

وما في « اللآلئ » أيضا ، عن الخطيب في « المتّفق والمفترق » ، عن الجوزقاني ، بسندهما عن سلمان ، قال : سألت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من وصيّه؟

فقال : « وصيّي ، وموضع سرّي ، وخليفتي في أهلي ، وخير من أخلف بعدي ، عليّ » (2).

وقد نقل في « اللآلئ » عن ابن الجوزي ، أنّه قال : « إنّ الحديث الأوّل موضوع ، آفته مطر بن ميمون الإسكافي ؛ وإنّ الحديث الثاني أكثر رواته مجهولون وضعفاء ، وإسماعيل بن زياد - وهو أحد رواته - متروك » (3).

وفيه : إنّه لو سلّم ذلك كلّه ، فهو إنّما يرفع الاعتماد ، لا أنّه يقتضي

ص: 42


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 299 ، وانظر : كتاب المجروحين - لابن حبّان - 3 / 5.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 327 ، وانظر : المتّفق والمفترق 1 / 637 رقم 318.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 299 و 327 ، وانظر : الموضوعات - لابن الجوزي - 1 / 347 و 375.

الوضع ، على أنّ الأخبار الناطقة بخلافة أمير المؤمنين علیه السلام كثيرة ، فتعتبر لاعتضاد بعضها ببعض وإن ضعفت أسانيدها ، فكيف وقد صحّ بعضها عندهم كما عرفت (1)؟!

بل عرفت في مقدّمة الكتاب أنّ رواة فضائل أمير المؤمنين علیه السلام ثقات في تلك الرواية (2) ، خصوصا مثل مطر الذي لم يضعّفوه إلّا لروايته كثيرا في فضل عليّ علیه السلام ، ولعلّه لذا لم يعتن ابن ماجة بتضعيفهم فأخرج له في صحيحه (3).

هذا ، وليس قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله في بعض تلك الأخبار : « فيكم » أو « في أهلي » مقصودا به تقييد الخلافة ؛ للإجماع على عدم الفرق بين عشيرته وغيرهم ، وللزوم اجتماع خليفتين : عامّ وخاصّ ، ولا يقوله أحد.

ولا يصحّ أن يراد بخلافته في أهله - في الحديثين الأخيرين - قيامه بأمور دنياهم ؛ لعدم قيام عليّ علیه السلام بأرحام النبيّ صلی اللّه علیه و آله ونسائه ، وعدم خلافته عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله في القيام بفاطمة والحسنين ، بل هم عياله الّذين تجب نفقتهم عليه أصالة لا بالخلافة عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

فالمقصود في هذه الأخبار هو : الخلافة العامّة والزعامة العظمى ، كما يشهد له ذكر الوصية مع الخلافة في الخبر الأخير ، وقوله : « خير من أخلف » أو « أترك بعدي » في الأخيرين ، مضافا إلى إطلاق الخلافة في بعض الأخبار السابقة (4).

ص: 43


1- انظر الصفحة 26 وما بعدها من هذا الجزء.
2- انظر : ج 1 / 7 وما بعدها من هذا الكتاب.
3- انظر : سنن ابن ماجة 2 / 946 ح 2834 كتاب الجهاد / باب الخديعة في الحرب.
4- انظر الصفحات 6 و 26 - 27 و 33 و 40 من هذا الجزء.

والظاهر : أنّ تخصيص المخاطبين - وهم العشيرة - في أحاديث نزول قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (1) إنّما هو لكون الخطاب معهم ، أو أهمّيّتهم ، أو لأنّه لا أمّة له حينئذ.

كما لا يبعد أن يكون قيد « في أهلي » بالخبرين الأخيرين من زيادة بعض الرواة عمدا أو وهما.

واعلم ، أنّه قد ورد عند السنّة أيضا ما هو بمنزلة التعبير بالخلافة ، كالذي في ترجمة حكيم بن جبير من « ميزان الاعتدال » ، عن محمّد بن حميد ، عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن ابن سفيان ، عن عبد العزيز بن مروان ، عن أبي هريرة ، عن سلمان : قلت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّ اللّه لم يبعث نبيّا إلّا بيّن له من يلي بعده ، فهل بيّن لك؟

قال : نعم ، عليّ بن أبي طالب » (2)

قال في « الميزان » : « هذا حديث موضوع .. ثمّ كيف يروي مثل هذا عبد العزيز بن مروان وفيه انحراف عن عليّ؟! رواه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) من طريق العقيلي ، عن أحمد بن الحسين ، عن ابن حميد ؛ وليس بثقة » (3).

وفيه - مع ما عرفت من وثاقة رواة فضائل أمير المؤمنين علیه السلام في ما يروونه في فضله - : إنّ حكيم بن جبير من رجال السنن الأربع (4) ،

ص: 44


1- سورة الشعراء 26 : 214.
2- ميزان الاعتدال 2 / 351 - 352 رقم 2218.
3- ميزان الاعتدال 2 / 352 رقم 2218 ، وأنظر : الموضوعات - لابن الجوزي - 1 / 371 - 372.
4- ميزان الاعتدال 2 / 350 رقم 2218.

فلا يصحّ لهم الحكم بوضعه لهذا الحديث ، وإلّا جاء الطعن إلى أخبار صحاحهم!

وكذا الحال في محمّد بن حميد ؛ لأنّه من رجال سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة ، مع أنّه قد ذكر في « الميزان » بترجمة ابن حميد ، أنّه حدّث عنه أبو بكر الصنعاني ، فقيل له : أتحدّث عنه؟

فقال : وما لي لا أحدّث عنه؟! وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل ، وابن معين!

وقال أبو زرعة : من فاته محمّد بن حميد يحتاج أن يترك عشرة آلاف حديث.

ومن آخر أصحاب ابن حميد : أبو القاسم البغوي ، وابن جرير الطبري (1).

وحينئذ ، فلا يصحّ الحكم بوضع ابن جبير أو ابن حميد للحديث ، ولا سيّما على لسان عبد العزيز المنحرف عن أمير المؤمنين علیه السلام .

ولا يمنع انحرافه عند روايته لهذا الحديث ؛ لأنّ اللّه سبحانه إذا أراد إظهار الحقّ ألقى في نفوس القوم رواية ما علموه في حقّ أمير المؤمنين علیه السلام ؛ لتلزمهم وغيرهم الحجّة ، ولذا رووا حديث الغدير ونحوه!

على أنّه قد قيل لعمر بن عبد العزيز : كيف خالفت من قبلك في منع السبّ عن عليّ؟!

فقال : عرفته من أبي ؛ لأنّه إذا خطب وجاء إلى سبّه تلجلج ، فسألته عن ذلك ، فقال : لو عرف الناس ما أعرفه من فضل هذا الرجل ما تبعنا

ص: 45


1- ميزان الاعتدال 6 / 127 رقم 7459.

منهم أحد » (1).

فظهر أنّه لا عبرة بما زعمه الناصبان ، الذهبيّ وابن الجوزيّ ، من وضع هذا الحديث ، ولا سيّما مع كونهما طرف النزاع ، وإن كان لا لوم عليهما بعد مخالفته لمذهبهما ، لكنّ الكلام في الدليل من حيث هو!

* * *

ص: 46


1- شرح نهج البلاغة 4 / 59 ، الكامل في التاريخ 4 / 315 حوادث سنة 99 ه.

3 - حديث الوصيّة

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

الثالث : من « المسند » ، عن سلمان ، قال : يا رسول اللّه! من وصيّك؟

قال : يا سلمان! من كان وصيّ أخي موسى؟

قال : يوشع بن نون.

قال : فإنّ وصيّي ، ووارثي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي : عليّ ابن أبي طالب (2).

* * *

ص: 47


1- نهج الحقّ : 213.
2- رواه أحمد بن حنبل في مسنده كما في ينابيع المودّة 1 / 234 - 235 ح 4 وج 2 / 230 - 231 ح 646 ، وفي فضائل الصحابة 2 / 762 ح 1052 ؛ وانظر : المعجم الكبير 6 / 221 ح 6063 ، شواهد التنزيل 1 / 76 - 77 ح 115 ، تذكرة الخواصّ : 48 ، كفاية الطالب : 292 - 293 ، ذخائر العقبى : 131 - 132 ، الرياض النضرة 3 / 138 ، مجمع الزوائد 9 / 113 ، كنز العمّال 11 / 610 ح 32952.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

الوصيّ ، قد يقال ويراد به : من أوصي له بالعلم ، والهداية ، وحفظ قوانين الشريعة ، وتبليغ العلم والمعرفة.

فإن أريد هذا من الوصي ، فمسلّم أنّه كان وصيّا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ولا خلاف في هذا.

وإن أريد الوصيّة بالخلافة ، فقد ذكرنا بالدلائل العقليّة والنقليّة عدم النصّ في خلافة عليّ.

ولو كان نصّا جليّا لم يخالفه الصحابة ، وإن خالفوا لم يطعهم العساكر وعامّة العرب ، سيّما الأنصار.

* * *

ص: 48


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 414.

وأقول :

إنّ معنى الوصيّة : العهد ، يقال : أوصى إلى فلان ، بمعنى : عهد إليه (1) ..

فإن أطلق متعلّق الوصيّة حكم بشموله لجميع ما يصلح تعلّقها به ..

وإن قيّد ، كما لو قيل : أوصى إليه بأيتامه ، أو ثلث ماله ، أو نحوهما ، اختصّ به.

ومن الواضح أنّ الرواية من قبيل الأوّل ، فتشمل الوصيّة بالخلافة ، بل هي أظهر ما تشمله وتنصرف إليه ، بل معنى وصيّ النبيّ : خليفته.

كما يشهد له أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ضرب لسلمان مثلا بوصيّ موسى ، وهو : « يوشع » الخليفة لموسى ..

وما رواه أحمد في مسنده (2) ، عن طلحة بن مصرف ، قال : « قال أبو الهذيل (3) [ بن شرحبيل ] : أبو بكر [ كان ] يتأمّر على وصيّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ودّ أبو بكر أنّه وجد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عهدا فخزم أنفه بخزام ».

ص: 49


1- انظر : لسان العرب 15 / 320 - 321 مادّة « وصي ».
2- في أحاديث عبد اللّه بن أبي أوفى ، ص 382 من ج 4. منه قدس سره .
3- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « الهذيل » ، وكلاهما تصحيف ، والصحيح : « الهزيل » بالزاي ؛ انظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 6 / 215 رقم 2096 ، التاريخ الكبير 8 / 245 رقم 2877 ، سنن ابن ماجة 2 / 900 ذ ح 2696 ، مسند الحميدي 2 / 315 ح 722 ، مسند البزّار 8 / 298 ذ ح 3370 ، تهذيب التهذيب 9 / 39 رقم 7562 ، تقريب التهذيب 2 / 265 رقم 7309.

فإنّه صريح في أنّ معنى وصيّ رسول اللّه : خليفته ، مضافا إلى أنّه عطف في ذلك الحديث الوارث على الوصيّ.

والمراد بالوارث : إمّا وارث المنزلة ، وهو المطلوب ؛ أو وارث العلم ، وهو يستدعي الخلافة ؛ لأنّ علم الأنبياء ميراث لمن هو أحقّ بالاتّباع والرئاسة ؛ لقوله سبحانه : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلأَأَنْ يُهْدى ... ) (1) الآية.

ومنه يعلم تمام المطلوب لو أريد بالوصيّ من أوصي له بالعلم والهداية وحفظ قوانين الشريعة وتبليغ العلم ، ولا سيّما أنّ حفظ قوانين الشريعة يتوقّف على الخلافة ؛ لأنّ السوقة لا تقدر على حفظها تماما ؛ لاحتياجه إلى بسط اليد.

وقد اشتملت أخبار الوصيّة على قرائن أخر ، تقتضي إرادة الخليفة من الوصيّ ،

كقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله في بعضها في وصف عليّ علیه السلام ، بأنّه « خير من أخلّف - أو : أترك - بعدي » ؛ كالخبرين السابقين عند الكلام في الحديث الثاني (2) ، وكالذي حكاه في « كنز العمّال » (3) ، عن الطبراني ، بسنده عن سلمان ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

وأمّا قوله : « فقد ذكرنا بالدلائل العقليّة والنقليّة عدم النصّ » ..

فحوالة على العدم ..

ولعلّه يريد بالدليل ما أعاده هنا بقوله : « ولو كان نصّا جليّا ... »

ص: 50


1- سورة يونس 10 : 35.
2- انظر الصفحتين 40 و 42 من هذا الجزء.
3- ص 154 من ج 6 [ 11 / 610 ح 32952 ]. منه قدس سره . وأنظر : المعجم الكبير 221/6 ح 6063.

إلى آخره ..

وفيه : ما عرفت في المبحث الثالث وغيره ممّا سبق (1).

ثمّ لا معنى لقوله : « لم يخالفه الصحابة ، ولو خالفوا لم يطعهم العساكر ... » إلى آخره ؛ لأنّ معناه : وإن خالف الصحابة ، لم تطعهم الصحابة ، إلّا أن يريد بالصحابة خصوص الشيخين وأنصارهما ، فيصحّ الكلام ، ولكن يكون الحكم بعدم مخالفتهم من أوّل المصادرات!

ثمّ إنّ أحاديث الوصيّة مستفيضة ، بل متواترة عند القوم ، فضلا عنّا.

وقد ذكر في « ينابيع المودّة » (2) أحاديث منها كثيرة.

وفيها ما حكاه المصنّف رحمه اللّه عن « مسند أحمد » (3).

وسطّر ابن أبي الحديد ثلاث صفحات ، أوائل الجزء الأوّل ، من الشعر المقول في صدر الإسلام لكثير من وجوههم ، تتضمّن بيان وصيّة عليّ علیه السلام (4).

ثمّ قال بعد انتهائها : « والأشعار التي تتضمّن هذه اللفظة كثيرة جدّا ، ولكنّا ذكرنا منها هاهنا [ بعض ] ما قيل في هذين الحربين - يعني حرب الجمل وصفّين - ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعدّ ، ولو لا خوف الملالة [ والإضجار ] ، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة » (5).

ص: 51


1- انظر : ج 4 / 241 - 243 و 251 وما بعدها ، من هذا الكتاب.
2- في الباب 15 وغيره [ 1 / 235 - 242 ح 4 - 16 ]. منه قدس سره .
3- ينابيع المودّة 1 / 234 - 235 ح 4 وج 2 / 230 - 231 ح 646 عن مسند أحمد.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 143 - 150.
5- شرح نهج البلاغة 1 / 150.

وقد ذكر هذا في شرح قوله علیه السلام من خطبة له : « لا يقاس بآل محمّد صلی اللّه علیه و آله من هذه الأمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة ، الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله ، ونقل إلى منتقله » (1).

ولا يخفى لطف قوله علیه السلام : « رجع الحقّ إلى أهله » وما فيه من الدلالة على غصب الأوّلين له.

* * *

ص: 52


1- شرح نهج البلاغة 1 / 138 - 139.

4 - حديث : من أحبّ أصحابك؟ .. وإن كان أمر كنّا معه

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - :

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - (1) :

الرابع : من كتاب « المناقب » لأبي بكر أحمد بن مردويه - وهو حجّة عند المذاهب الأربعة - ، رواه بإسناده إلى أبي ذرّ ، قال : دخلنا على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقلنا : من أحبّ أصحابك إليك؟ وإن كان أمر كنّا معه ، وإن كانت نائبة كنّا من دونه!

قال : « هذا عليّ أقدمكم سلما وإسلاما » (2).

* * *

ص: 53


1- نهج الحقّ : 214.
2- المناقب المرتضوية - للكشفي الترمذي - : 95 ، نقلا عن « المناقب » لابن مردويه.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

هذا الحديث إن صحّ يدلّ على فضيلة أمير المؤمنين ، وأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله يحبّه حبّا شديدا ، ولا يدلّ على النصّ بإمارته.

ولو كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ناصّا على خلافته ، لكان هذا محلّ إظهاره ، وهو ظاهر ؛ فإنّه لمّا لم يقل : إنّه الأمير بعدي ؛ علم عدم النصّ ، فكيف يصحّ الاستدلال به؟!

* * *

ص: 54


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 417.

وأقول :

المراد بسؤالهم المذكور : طلب تعيين الإمام بعده صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّ أحبّ أصحاب الرئيس إليه هو الذي يرجى بعده للرئاسة وينبغي أن يقيمه مقامه ؛ ولذا قالوا : « وإن كان أمر كنّا معه ، وإن كانت نائبة كنّا دونه » ، فإنّ معناه : إن كان أمر اتّبعناه ، وإن كانت نائبة نصرناه وفديناه ، كما هو شأن الأتباع والأمير.

وقد فهم الفضل هذا المعنى ثمّ جحده ، فإنّ قوله : « لكان هذا محلّ إظهاره ... » إلى آخره ، دالّ على أنّ معنى السؤال طلب معرفة الإمام ، كما ذكرناه ، وإلّا فكيف كان المقام محلّ إظهار النصّ ، وكان عدم إظهاره موجبا للعلم بعدم النصّ؟!

فإذا كان المراد : هو السؤال عن الإمام والخليفة بعده ، كان قوله صلی اللّه علیه و آله : « هذا عليّ » كافيا في الجواب ، غنيّا عن أن يضيف قوله : الأمير بعدي.

نعم ، يحسن الإشارة إلى علّة تعيينه للأحبّيّة والإمامة فأشار إليها بقوله : « أقدمكم سلما وإسلاما » ، فإنّه موجب لأحبّيّته ، وكاشف عن زيادة معرفته على غيره ، وإنّه أسبقهم إلى الخير ، وأفضلهم عملا ؛ والأفضل علما وعملا أحقّ بالإمامة.

ثمّ إنّ كلام الفضل يدلّ على أنّه صلی اللّه علیه و آله لو قال : « عليّ خليفتي من بعدي ، ووليّكم بعدي » ، كان نصّا في خلافته ، مثبتا لمدّعانا عنده وعند أصحابه ، وهو كذب ؛ فإنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « هو خليفتي من بعدي ، ووليّكم

ص: 55

بعدي » ، وقالوا : لا يدلّ على عدم الفصل بينهما حتّى تنتفي خلافة غيره ، كما صنعه القوشجي في ما حكيناه عنه في الخبر الثاني (1).

وليس هذا الذي أقرّ الفضل بأنّه نصّ بأعظم نصوصيّة من قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ) (2) الآية ، ولا من حديث الغدير (3) ، والمنزلة (4) ، والثّقلين (5) ، وأشباهها ، ومع ذلك كابروا الضرورة ، وعاندوا الحقيقة ؛ فليتدبّر من يريد لنفسه السلامة ، والقيام بالعذر والحجّة يوم القيامة.

* * *

ص: 56


1- انظر الصفحة 39 من هذا الجزء ؛ وراجع : شرح التجريد : 478 - 479.
2- سورة المائدة 5 : 55.
3- تقدّم تخريجه في ج 1 / 19 وج 4 / 320 من هذا الكتاب.
4- تقدّم تخريجه في ج 4 / 305 من هذا الكتاب.
5- تقدّم تخريجه في ج 2 / 187 ، وسيأتي الكلام عليه في الصفحات 235 - 250 من هذا الجزء.

5 - حديث : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث

قال المصنّف - طاب مرقده - :

قال المصنّف - طاب مرقده - (1) :

الخامس : من كتاب ابن المغازلي الشافعي ، بإسناده عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، أنّه قال : « لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب » (2).

* * *

ص: 57


1- نهج الحقّ : 214.
2- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 192 ح 238 ، وأخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في « معجم الصحابة » كما في ذخائر العقبى : 131 ، وانظر : فردوس الأخبار 2 / 192 ح 5047 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 84 - 85 ح 74 ، تاريخ دمشق 42 / 392 ، الرياض النضرة 3 / 138 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 762 - 763 ح 1052 ، المعجم الكبير 6 / 221 ح 6063.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

قد ذكرنا معنى الوصاية وأنّه غير الخلافة ، فقد يقال : هذا وصيّ فلان على الصبي ، ويراد به أنّه القائم بعده بأمر الصبيّ ، وهو قريب من الوارث ، ولهذا قرنه في هذا الحديث بالوارث ؛ وليس هذا بنصّ في الخلافة إن صحّ الرواية.

* * *

ص: 58


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 419.

وأقول :

رواه الذهبي في « ميزان الاعتدال » بترجمة شريك بن عبد اللّه ، من طريق عن بريدة (1).

وحكاه السيوطي في « اللآلئ » عن العقيلي والحاكم ، كلّ منهما بطريق آخر ، عن بريدة.

وطعنوا في أسانيدها جميعا (2) ؛ وقد مرّ مرارا ما فيه.

وحكاه في « ينابيع المودّة » ، في الباب الخامس عشر ، عن أخطب خوارزم ، عن بريدة ؛ ونحوه عن أمّ سلمة (3).

وحكاه في الباب السادس والخمسين ، عن « كنوز الدقائق » ، عن الديلمي (4).

فلا ريب باعتباره ؛ لكثرة طرقه ، واعتضادها ببقيّة أخبار الوصيّة المستفيضة (5).

كما لا ريب بدلالته على إمامة أمير المؤمنين ؛ لما سبق في الحديث

ص: 59


1- ميزان الاعتدال 3 / 375 رقم 3702.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 328.
3- ينابيع المودّة 1 / 235 ح 5 و 6 ؛ وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 84 - 85 ح 74 وص 147 ذ ح 171.
4- ينابيع المودّة 2 / 79 ح 96 ؛ وانظر : فردوس الأخبار 2 / 192 ح 5047.
5- (5) أمّا ما تعلّلوا به في تضعيف بعض رجال أسانيد الحديث ، فمردود بأنّ أولئك الّذين ضعّفوا هم من رجال الصحاح الستّة أو بعضها ، فلا وجه لتضعيفهم هنا إلّا لروايتهم فضيلة لأمير المؤمنين عليّ علیه السلام ؛ فتأمّل!

الثالث (1) ، مضافا إلى ظهوره بلزوم الوصيّ لكلّ نبيّ ، واللازم هو : الخليفة ؛ إذ لا بدّ للناس من إمام.

وأمّا قوله : « فقد يقال : هذا وصيّ فلان على الصبيّ ، ويراد به أنّه القائم بأمر الصبيّ » ..

فهو مثبت للمطلوب ، لا ناف له ؛ لأنّ وصيّ النبيّ هو خليفته القائم بأمر أمّته.

وأمّا قوله : « وهو قريب من الوارث ؛ ولهذا قرنه بالوارث » ..

فصحيح ؛ ولذا أفاد اللفظان الخلافة ؛ فإنّ المراد بالوارث : هو وارث العلم والمنزلة في الأمّة لا المال ، فيكون هو الإمام.

* * *

ص: 60


1- تقدّم في الصفحة 47 وما بعدها من هذا الجزء.

6 - حديث : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

السادس : في « مسند أحمد » وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ما معناه ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعث « براءة » مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، فلمّا بلغ ذا الحليفة (2) بعث إليه عليّا فردّه ، فرجع أبو بكر إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله فقال : يا رسول اللّه! أنزل فيّ شيء؟!

قال : لا ، ولكنّ جبرئيل جاءني وقال : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك (3).

ص: 61


1- نهج الحقّ : 214.
2- ذو الحليفة : قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال أو سبعة ، ومنها ميقات أهل المدينة ، وهو من مياه جشم. و موضع آخر بنفس الاسم ، هو بين حاذةً وذات عرق من أرض تهامة ، وليس بالموضع الذي قرب المدينة . انظر : معجم البلدان 2 / 339 - 340 رقم 3871 . والمقصود في الحديث هو الموضع الأول دون الثاني ! و موضع آخر بنفس الاسم ، هو بين حاذةً وذات عرق من أرض تهامة ، وليس بالموضع الذي قرب المدينة . انظر : معجم البلدان 2 / 339 - 340 رقم 3871 . والمقصود في الحديث هو الموضع الأول دون الثاني !
3- مسند أحمد 1 / 3 و 151 وج 3 / 212 و 283 ومواضع أخر ، جامع الأصول 8 / 660 ح 6509 عن الجمع بين الصحاح الستّة. وأنظر : سنن الترمذي 256/5 ح 3090 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 128 - 129 ح 8460 - 8462 ، مصنف ابن أبي شيبة 506/7 ح 72 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 694 ح 946 و 795 ح 1090 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 232/5 ، السنة - لابن أبي عاصم - : 588 - 589 - 1351 ، زوائد عبد اللّه بن أحمد بن حنبل على المسند : 353 ح 1. تفسير الطبري 6 / 306 - 307 ح 16386 و 16389 و 16392 ، الأموال - لأبي عبيد - : 215 ح 457 ، أنساب الأشراف 2 / 857 ، المعجم الكبير 12 / 77 ح 12593 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 8 / 222 ح 6610 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 53 ح 4374 ، ما نزل نم القرآن في عليّ : 94 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 9 / 224 - 225 ، تفسير الثعلبي 5 / 8 ، تفسير الماوردي 2 / 337 ، شواهد التنزيل 1 / 232 - 243 ح 309 - 327 ، تفسير البغوي 2 / 225.

وقال الفضل (1) :

حقيقة هذا الخبر ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في السنة الثامنة من الهجرة بعث أبا بكر الصدّيق أميرا للحاجّ ، وأمره أن يقرأ أوائل سورة « براءة » على المشركين في الموسم (2) ، وكان بين النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقبائل العرب عهود ، فأمر أبا بكر بأن ينبذ إليهم عهدهم إلى مدّة أربعة أشهر ، كما جاء في صدر سورة « براءة » عند قوله تعالى : ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (3).

وأمر أيضا أبا بكر بأن ينادي في الناس أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يحجّ بعد العام مشرك.

فلمّا خرج أبو بكر إلى الحجّ بدا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في أمر تبليغ

ص: 62


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 420.
2- لا يخفى عدم صحة قول الفضل هذا ، فإنّ سورة التوبة نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وبعد غزوة تبوك ، ولا خلاف في هذا ؛ انظر مثلا : تفسير الفخر الرازي 15 / 226 ، الكشّاف 2 / 172.
3- سورة التوبة 9 : 2.

سورة براءة ؛ لأنّها كانت مشتملة على نبذ العهود وإرجاعها إلى أربعة أشهر ، وأنّ العرب كانوا لا يعتبرون نبذ العهد وعقده إلّا من صاحب العهد ومن أحد من قومه ، وأبو بكر كان من بني تيم ، فخاف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن لا يعتبر العرب نبذ العهد وعقده إلى أربعة أشهر من أبي بكر ؛ لأنّه لم يكن من بني هاشم ، فبعث عليّا لقراءة سورة « براءة » ونبذ عهود المشركين ، وأبو بكر على أمره من إمارة الحجّ والنداء في الناس بأن لا يطوف في البيت عريان ، ولا يحجّ بعد العام مشرك.

فلمّا وصل عليّ إلى أبي بكر قال له أبو بكر : أمير؟

قال : لا ، بل مبلّغ لنبذ العهود.

فذهبا جميعا إلى أمرهم ، فلمّا حجّوا ورجعوا قال أبو بكر لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فداك أبي وأمّي يا رسول اللّه! أنزل فيّ شيء؟

قال : لا ، ولكن لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل من أهل بيتي

هذا حقيقة الخبر ، وليس فيه دلالة على نصّ ولا قدح في أبي بكر.

وأمّا ما ذكر أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « لا ، ولكنّ جبرئيل أتاني » ، فهذا من ملحقاته ، وليس في أصل الحديث هذا الكلام.

* * *

ص: 63

وأقول :

آثار الوضع في ما زعمه حقيقة الخبر ظاهرة ، والأدلّة على وضعه كثيرة ..

أوّلها : إنّه لو كان العرب لا يعتبرون عقد العهد ونبذه إلّا بمباشرة من له الأمر أو أحد أقاربه ، لما خالف النبيّ صلی اللّه علیه و آله هذه القاعدة!

فهل خالفها عمدا تساهلا بتنفيذ أمر اللّه تعالى ، أو جهلا بما يعرفه الناس؟!

وكلّ ذلك لا يصحّ!

ثانيها : إنّ أبا بكر أشفق من عزله حتّى خاف أن يكون نزل به شيء كما ستسمع ، ولو كان عزله بعليّ علیه السلام على مقتضى القاعدة لما أشفق ، ولا سيّما أنّه قد بقي بزعمهم على إمرة الحجّ والنداء بأن لا يطوف في البيت عريان ، وأن لا يحجّ بعد العام مشرك ، وخصوصا قد صار عليّ علیه السلام تحت إمرته في الحجّ كما زعموا!

فهل مع هذا كلّه محلّ لإشفاقه وبكائه لمجرّد العزل عن نبذ العهد إذا قضت به القاعدة؟!

ثالثها : إنّه لا وجه لهذه القاعدة المزعومة ؛ فإنّ العهد ونبذه إنّما يحتاجان إلى اليقين بحصولهما ممّن له الأمر ، فأيّ وجه لتخصيص قرابته دون خاصّته؟! لا سيّما والعهد المنبوذ في المقام هو الذي لم يف المشركون بشروطه ، فيكون منحلّا بنفسه ، وإنّما أجلهم اللّه ورسوله مع من لم يكن لهم عهد إلى أربعة اشهر إحسانا وتفضّلا.

ص: 64

فلا بدّ بعد توقّف أداء هذا الأمر على النبيّ أو من هو منه - كما نطقت به الأخبار - أن يكون هناك خصوصيّة خارجة عن العادات!

رابعها : الأخبار المصرّحة بأنّ ذلك من خواصّ (1) عليّ علیه السلام دون سائر أقاربه ، كما في « مسند أحمد » (2) ، عن يحيى بن آدم السلولي ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ » (3).

وفيه أيضا عن حبشي بن جنادة مثل ذلك ، من ثلاثة طرق (4).

ومثله أيضا في « سنن الترمذي » بفضائل عليّ علیه السلام ، وقال : حسن صحيح (5).

ص: 65


1- الخواصّ : على صيغة منتهى الجموع « فواعل » ، جمع الخاصّ ؛ وقد يشكل بعضهم في استخدامه هنا ويقول : الصحيح أن يقال : « خصائص » ؛ وكلاهما جائز ، وقد ورد استعماله وشاع في كلام فقهاء الطائفة القدماء ومن بعدهم ، وهو صحيح من ناحية اللغة والاستعمال هنا ، والتقدير في كلام الشيخ المظفّر قدس سره : بأنّ ذلك الأمر هو من خواصّ عليّ علیه السلام ؛ أي مختصّ به.
2- ص 164 من الجزء الرابع. منه قدس سره .
3- وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 495 ب 18 ح 8 ، المعجم الكبير 4 / 16 ح 3511 و 3513 ، تمهيد الأوائل : 546 ، مصابيح السنّة 4 / 172 ح 4768 ، مرقاة المفاتيح 10 / 464 ح 6092.
4- ص 165 من ج 4. منه قدس سره .
5- سنن الترمذي 5 / 594 ح 3719 ، وفيه : « حسن غريب » بدلا من « حسن صحيح ». وهذا مما طالته يد الخيانة ، فأسقطت كلمة «صحيح» وأبقت كلمة «غريب» ؛ فقد جاءت الجملة هكذا : «هذا حديث حسن غريب صحيح، في نسخة شرحي سنن الترمذي ؛ فانظر : عارضة الأحوذي 154/7 - 155 ح 3740 ، تحفة الأحوذي 10 / 151 - 152 ب 86 ح 3967 .

وفي « كنز العمّال » ، عن النسائي ، وابن ماجة (1).

ونحوه في بعض الأخبار الآتية.

خامسها : الأخبار الدالّة على رجوع أبي بكر عند وصول عليّ علیه السلام إليه ..

منها : ما رواه أحمد في مسنده (2) ، عن أبي بكر ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعثه ب « براءة » لأهل مكّة : لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مدّة فأجله إلى مدّته ، واللّه بريء من المشركين ورسوله.

قال : فسار بها ثلاثا ، ثمّ قال لعليّ : إلحقه! فردّ عليّ أبا بكر ، وبلّغها أنت! ففعل.

فلمّا قدم على النبيّ صلی اللّه علیه و آله أبو بكر بكى ، قال : يا رسول اللّه! حدث فيّ شيء؟!

قال : ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي.

وحكاه في « كنز العمّال » بتفسير سورة التوبة (3) ، عن ابن خزيمة ، وأبي عوانة ، والدارقطني في « الأفراد ».

ومنها : ما رواه أحمد أيضا (4) ، عن عليّ علیه السلام ، قال : لمّا نزلت عشر

ص: 66


1- ص 153 من ج 6 [ 11 / 603 ح 32913 ]. منه قدس سره . وأنظر : السنن الكبری - للنسائي - 45/5 ح 8147 و ص 128 ح 8459 ، سنن ابن ماجة 44/1 ح 119.
2- ص 3 من ج 1. منه قدس سره .
3- ص 246 من الجزء الأوّل [ 2 / 417 ح 4389 ]. منه قدس سره .
4- ص 151 من الجزء الأوّل. منه قدس سره .

آيات من براءة على النبيّ صلی اللّه علیه و آله دعا النبيّ صلی اللّه علیه و آله أبا بكر فبعثه بها ، ثمّ دعاني النبيّ صلی اللّه علیه و آله فقال لي : أدرك أبا بكر! فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم.

فلحقته بالجحفة (1) ، فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فقال : يا رسول اللّه! نزل فيّ شيء؟!

قال : لا ، ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك.

ونقله في « كنز العمّال » ، عن أبي الشيخ ، وابن مردويه (2).

ونحوه في « الكشّاف » أيضا (3).

وهذا مصدّق لما نقله المصنّف رحمه اللّه من قول جبرئيل.

ومنها : ما رواه أحمد في مسنده (4) ، عن أنس ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعث ب « براءة » مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، قال : ثمّ دعاه فبعث بها عليّا.

ونحوه في « سنن الترمذي » في تفسير سورة « التوبة » ، وقال : هذا حديث حسن (5).

ص: 67


1- الجحفة - بالضمّ ، ثمّ السكون والفاء - : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكّة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرّوا على المدينة ، وكان اسمها : «مهيعة»، أنما سمیت الجحفة ؛ لأنّ السيل اجتحفها. انظر : معجم البلدان 2 / 129 رقم 2955.
2- ص 247 من الجزء الأوّل [ 2 / 422 ح 4400 ]. منه قدس سره . وأنظر : زوائد عبداللّه بن أحمد علی المسند : 353 ح 146.
3- الكشّاف 2 / 172.
4- ص 283 ج 3. منه قدس سره .
5- سنن الترمذي 5 / 256 ح 3090.

وفي « كنز العمّال » ، نقلا عن ابن أبي شيبة (1).

ومنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك » ، في كتاب المغازي (2) ، عن ابن عمر ، من حديث قال فيه : إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعث أبا بكر وعمر ب « براءة » إلى أهل مكّة فانطلقا ، فإذا هما براكب ، فقالا : من هذا؟!

قال : أنا عليّ يا أبا بكر! هات الكتاب الذي معك!

فأخذ عليّ الكتاب فذهب به ، ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة ، فقالا : ما لنا يا رسول اللّه؟!

قال : ما لكما إلّا خير ، ولكن قيل لي : [ إنّه ] لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك

سادسها : الأخبار المصرّحة بأنّ عليّا بعث أيضا بأن لا يحجّ بعد العام مشرك ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ؛ كالذي رواه الترمذي في سورة التوبة وصحّحه (3) ، عن زيد بن تبيع (4) ، قال : « سألنا عليّا بأيّ شيء بعثت

ص: 68


1- ص 249 من الجزء الأوّل [ 2 / 431 ح 4421 ]. منه قدس سره . وأنظر: مصنف ابن أبي شيبة 506/7 ح 72.
2- ص 51 من الجزء الثالث [ 3 / 53 ح 4374 ]. منه قدس سره .
3- وهذا ممّا طالته يد الخيانة كذلك ، فأسقطت كلمة « صحيح » من متن كتاب سنن الترمذي ؛ فقد جاءت الجملة في سنن الترمذي هكذا : « هذا حديث حسن » فقط ، بينما جاءت في نسخة شرحي سنن الترمذي هكذا : « هذا حديث حسن صحيح » ؛ فانظر : عارضة الأحوذي 6 / 184 ذ ح 3103 ، تحفة الأحوذي 8 / 388 ذ ح 3288.
4- (4) كذا في الأصل ، وفي المصدر : يثيع ؛ والظاهر أنّه الصواب ؛ فهو : زيد بن يثيع - أو أثيع - الهمداني الكوفي ؛ انظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 6 / 245 رقم 2218 ، التاريخ الكبير 3 / 408 رقم 1356 ، الثقات - لابن حبّان - 4 / 251 ، الإكمال 1 / 12 باب أثيع ، تهذيب الكمال 6 / 490 رقم 2114 ، ميزان الاعتدال 3 / 158 رقم 3035 الكاشف 1 / 295 رقم 1774 ، تهذيب التهذيب 3 / 239 رقم 2234 ، تعجيل المنفعة : 174 رقم 349 ، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 1 / 355 رقم 2283.

في الحجّة؟

قال : بعثت بأربع : أن لا يطوف بالبيت عريان ؛ ومن كان بينه وبين النبيّ صلی اللّه علیه و آله عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر ؛ ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة ؛ ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا » (1).

ونقله في « كنز العمّال » (2) ، عن الحميدي ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، والعدني ، وأبي داود ، وابن مردويه ، والدارقطني ، وجماعة (3).

وكالذي رواه الحاكم في « المستدرك » (4) ، وصحّحه ، عن أبي هريرة ، قال : « كنت في البعث الّذين بعثهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مع عليّ ببراءة إلى مكّة ؛ فقال له ابنه أو رجل آخر : فبم كنتم تنادون؟

قال : كنّا نقول : لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن ، ولا يحجّ بعد العام

ص: 69


1- سنن الترمذي 5 / 257 - 258 ح 3092. وأنظر : سنن الترمذي 222/3 ب 44 ح 871 كتاب الحج ، وقال عنه : « حديث علي حديث حسن » ؛ وقال عنه ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي 2 /299 ح 872 : «الحديث مشهور بأبي هريرة ، وهو كله حسن صحيح ، وقال عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي 519/3 ذح 872 : «أخرجه الشيخان » ، وهو إشعار بصحته ؛ فتأمل !
2- ص 331 من الجزء المذكور [ 2 / 422 ح 4402 ]. منه قدس سره .
3- انظر : مسند الحميدي 1 / 26 ح 48 ، مصنّف ابن أبي شيبة 4 / 420 ح 5 ، سنن الدارمي 2 / 48 ح 1918 ، مسند أحمد 1 / 79 ، مسند أبي يعلى 1 / 351 ح 452 ، العلل الواردة في الأحاديث - للدارقطني - 3 / 164 رقم 329.
4- ص 331 من الجزء الثاني ، تفسير سورة براءة [ 2 / 361 ح 3275 ]. منه قدس سره .

مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عهد فإنّ أجله أربعة أشهر ؛ فناديت حتّى صحل (1) صوتي ».

وروى الطبري في تفسيره نحو هذين الحديثين ، عن عليّ ، وابن عبّاس ، وأبي هريرة ، من عدّة طرق (2).

فثبت بما ذكرنا كذب ما زعمه الفضل حقيقة الخبر ، وظهر أنّ أبا بكر رجع قبل الحجّ معزولا ، لا لقضاء قواعد العرب بإرسال عليّ علیه السلام ، بل لتوقّف مثل هذا العمل عند اللّه سبحانه على النبيّ صلی اللّه علیه و آله أو عليّ علیه السلام ؛ لأنّه منه ونفسه ..

فلا بدّ أن يكون نصب أبي بكر ، ثمّ عزله بعليّ علیه السلام في أثناء الطريق بعد اشتهار نصبه ، إنّما هو للتنبيه من اللّه تعالى ونبيّه صلی اللّه علیه و آله على أنّ أبا بكر غير صالح للقيام مقام النبيّ صلی اللّه علیه و آله في ذلك ، فلا يصلح - بالأولويّة - للزعامة العظمى بعده!

وللتنبيه أيضا على أنّ مثل هذا العمل إذا لم يصلح إلّا لمن هو من النبيّ صلی اللّه علیه و آله ونفسه ، فالإمامة أولى! ..

ففيه إرشاد إلى فضل عليّ ، وأنّه هو المتعيّن للقيام مقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في الإمامة والزعامة العامّة دون سائر الناس ، ولو أرسل النبيّ صلی اللّه علیه و آله أمير المؤمنين علیه السلام من أوّل الأمر لم يحصل ذلك التنبيه والإرشاد (3).

ص: 70


1- صحل صوته : بحّ صوته ؛ انظر : لسان العرب 7 / 291 - 292 مادّة « صحل ».
2- تفسير الطبري 6 / 305 - 306 ح 16382 - 16385.
3- وانظر : الإمامة في أهمّ الكتب الكلامية : 68 - 72 قضيّة إبلاغ سورة براءة تعقيبا على « شرح المواقف ».

7 - حديث اختصاص المناجاة بعليّ

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - :

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - (1) :

السابع : في الجمع بين الصحاح الستّة ، وتفسير الثعلبي ، ورواية ابن المغازلي الشافعي آية المناجاة ، واختصاص أمير المؤمنين علیه السلام بها ، « تصدّق بدينار حال المناجاة ، ولم يتصدّق أحد قبله ولا بعده ».

ثمّ قال عليّ علیه السلام : إنّ في كتاب اللّه آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ... ) (2) الآية.

وبي خفّف اللّه تعالى عن هذه الأمّة ، فلم تنزل في أحد بعدي (3).

ص: 71


1- نهج الحقّ : 215.
2- سورة المجادلة 58 : 12.
3- (3) جامع الأصول 2 / 379 - 380 ح 836 عن الجمع بين الصحاح الستّة ، تفسير الثعلبي 9 / 261 - 262 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 269 ح 372 و 373 ؛ وانظر : سنن الترمذي 5 / 379 ح 3300 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 152 - 153 ح 8537 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 505 ح 62 - 63 ، مسند عبد ابن حميد : 59 - 60 ح 90 ، تفسير الحبري : 320 ح 65 ، تفسير الطبري 12 / 20 ح 33788 - 33791 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 47 - 48 ح 6902 - 6903 ، أحكام القرآن - للجصّاص - 3 / 640 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 524 ح 3794 وصحّحه هو والذهبي ، ما نزل من القرآن في عليّ - لأبي نعيم - : 249 ، أسباب النزول - للواحدي - : 230 شواهد التنزيل 2 / 231 - 243 ح 949 - 967 ، تفسير البغوي 4 / 283 ، تفسير الكشّاف 4 / 76 ، تفسير الفخر الرازي 29 / 272 - 273 ، تفسير النيسابوري 6 / 274 - 276 ، ينابيع المودّة 1 / 299 ح 1.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

قد ذكرنا أنّ هذا من فضائل أمير المؤمنين ، ولم يشاركه أحد في هذه الفضيلة ، وهي مذكورة في الصحاح ، ولكن لا تدلّ على النصّ المدّعى.

* * *

ص: 72


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 426.

وأقول :

قد أوضحنا دلالتها على إمامته ، فراجع وتبصّر (1)!

ص: 73


1- انظر : ج 5 / 31 - 38 من هذا الكتاب. وقد ردّ نظام الدين النيسابوري ، المتوفى سنة 728 ه- ، ه- ، في تفسيره 274/6 - 276 على ما أشكل به القاضي عبد الجبار والفخر الرازي على هذه الفضيلة ، فقال ما نصه : «قال القاضي : هذا لا يدلّ على فضله على أكابر الصحابة ؛ لأنّ الوقت لعله لم يتسع للعمل بهذا الفرض . وقال فخر الدين الرازي [ تفسير الفخر الرازي (273/29 ] : سلّمنا أن الوقت قد وسع ، إلّا أنّ الإقدام على هذا العمل ممّا يضيق قلب الفقير الذي يجد شيئاً ، وينفّر الرجل الغني ، ولم يكن في تركه مضرّة ؛ لأنّ الذي يكون سبباً للألفة أولى مما يكون سبباً للوحشة . وأيضاً : الصدقة عند المناجاة واجبة ، أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة ، بل الأولى ترك المناجاة ؛ لما بيّنا من أنها كانت سبباً لسامة النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم. قلت : هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما ! ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي رضي اللّه عنه في كل خصلة ؟ ! ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة ؟ ! فقد روي عن ابن عمر : : كان لعلي رضي اللّه عنه ثلاث ، لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحب إليّ من حُمُر النَّعَم : تزويجه بفاطمة رضي اللّه عنها ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى . وهل يقول منصف : إنّ مناجاة النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم نقيصة ؟ ! على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة ، وإنّما ورد تقديم الصدقة على المناجاة ، فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين : سد خلة بعض الفقراء ، ومن جهة محبّة نجوى الرسول صلی اللّه عليه وآله وسلم ، ففيها القرب منه ، وحل المسائل العويصة ، وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال » .

8 - حديث المباهلة

قال المصنّف - طيّب اللّه رمسه - :

قال المصنّف - طيّب اللّه رمسه - (1) :

الثامن : آية المباهلة : في « الجمع بين الصحيحين » ، أنّه لمّا أراد المباهلة لنصارى نجران احتضن الحسين ، وأخذ بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعليّ يمشي خلفها ، وهو يقول لهم : ذا دعوت فأمّنوا (2).

فأيّ فضل أعظم من هذا ، والنبيّ صلی اللّه علیه و آله يستسعد (3) بدعائه ، ويجعله واسطة بينه وبين ربّه تعالى؟!

* * *

ص: 74


1- نهج الحقّ : 215.
2- (2) الجمع بين الصحيحين 1 / 198 ذ ح 208 ، وقد مرّ تخريج حديث نزول الآية الكريمة مفصّلا في ج 4 / 399 - 400 ؛ فراجع!
3- الإسعاد : المعونة ؛ والمساعدة : المعاونة ، وساعده مساعدة وسعادا وأسعده : أعانه ، ويستسعد به : أي يستعين به ويعدّه سعدا ويمنا. أنظر مادّة «سعد» في : لسان العرب 262/6 - 263 ، تاج العروس 16/5.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

قصّة المباهلة مشهورة ، وهي فضيلة عظيمة كما ذكرنا ، وليس فيه دلالة على النصّ.

وأمّا ما ذكره من أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان يستسعد بدعائه ، فهذا لا يدلّ على احتياج النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى دعاء أهل بيته وتأمينهم ، ولكن عادة المباهلة كما ذكر اللّه في القرآن أن يجمع الرجل أهله وقومه وأولاده ؛ ليكون أهيب في أعين المباهلين ، ويشمل البهلة إيّاه وقومه وأتباعه ، وهذا سرّ طلب التأمين منهم ، لا أنّه استعان بهم وجعلهم واسطة بينه وبين ربّه ليلزم أنّهم كانوا أقرب إلى اللّه منه.

هذا يفهم من كلامه ومن معتقده الميشوم الباطل!

نعوذ باللّه من أن يعتقد أنّ في أمّة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من كان أقرب إلى اللّه منه.

* * *

ص: 75


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 427.

وأقول :

لا ريب أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وكلّ صالح مقرّب ، لا يرى لنفسه استحقاقا في استجابة دعائه ، ولا يجعل الاعتماد على نفسه ، بل يتوسّل إلى الإجابة بأنواع الوسائل التي يقتضيها المقام ، كتعظيم اللّه سبحانه ، وتمجيده بأسمائه الحسنى ، والتملّق له بحمده وشكر نعمائه وإظهار المذلّة والخضوع لجنابه الأرفع قولا وفعلا ؛ بأن يجلس على الأرض ويعفّر وجهه بالتراب مثلا.

وربّما تقتضي أهمّيّة المطلوب أن يجمع معه المقرّبين ؛ لاحتمال أنّ للاجتماع مدخليّة في حصول الإجابة ، أو مبادرتها ، أو كونها تخصّ أحدهم لخصوصيّة هناك.

فحينئذ لا مانع من استسعاد النبيّ صلی اللّه علیه و آله بدعاء أهل بيته علیهم السلام ، واستعانته بهم في التأمين على دعائه ، وجعلهم واسطة بينه وبين ربّه ، وإن كان هو أقرب منهم إلى اللّه تعالى ، ولا سيّما إذا كان المراد - مع ذلك - إظهار فضلهم على سائر الأمّة من الأقارب والأباعد والأكابر والأصاغر.

فلا معنى لما زعمه الفضل من لزوم أنّهم أقرب إلى اللّه منه ، وليس هو معتقدا للمصنّف رحمه اللّه ، ولا يجوّزه أحد منّا ، ولكن يجوّزه بعض القوم كما عرفت (1) ، أنّ ابن حزم نقله عن الباقلّاني الأشعري ، وهو لازم مذهب الأشاعرة من نفي الحسن والقبح العقليّين.

ص: 76


1- في الجزء الأوّل ، ص 374 ، المبحث الثاني من مباحث النبوّة [ 4 / 30 - 37 مبحث عصمة الأنبياء ]. منه قدس سره . وأنظر : الفصل في الملل و الأهواء والنحل 284/2.

وبالجملة : المباهلة إنّما تقع بين الخصمين ، ومن المعلوم أنّ خصم أهل نجران هو النبيّ صلی اللّه علیه و آله خاصّة ، لكن لمّا كان إدخال عليّ وفاطمة والحسنين معه في المباهلة يشتمل على فوائد ، أدخلهم معه ..

الأولى : إظهار اعتماده على أنّه المحقّ ؛ فإنّ إدخال أعزّ الناس في محلّ الخطر دليل على ذلك ، وعلى اعتقاده بالنجاح والسلامة.

الثانية : الاستسعاد بهم والاستعانة بدعائهم ؛ ولذا أمرهم بالتأمين على دعائه ، ولا وجه لما قاله الفضل من أنّ سرّ طلب التأمين شمول البهلة لهم لا الاستعانة بدعائهم ؛ فإنّ خروجهم معه كاف في شمول البهلة لهم بلا حاجة إلى تأمينهم.

ولو كان التأمين هو السرّ في شمول البهلة لهم ، فمن أين علم شمولها لقوم النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأتباعه ، ولم يأخذهم معه ، وما أراد تأمينهم؟!

الثالثة : بيان فضلهم على الأمّة بإشراكهم معه كما أمر اللّه تعالى ، دون أقاربه وخاصّته ، في إثبات دعوى النبوّة بالمقام الشهير المشهود ؛ فإنّه منزلة عظمى ، لا سيّما لعليّ علیه السلام الذي عبّر اللّه سبحانه عنه بنفس النبيّ.

ودعوى أنّ عادة المباهلة أن يجمع الرجل أهله وقومه وأولاده ، كاذبة - كما سبق في الآية السادسة (1) ، وإلّا لما خالفها النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ولاعترض عليه النصارى في المخالفة - ؛ كدعوى شمول البهلة للأتباع ، وإلّا لأدخل النبيّ صلی اللّه علیه و آله معه ولو واحدا منهم!

وكون وجوده هو الأصل والمدار فيستغني عن وجودهم ، وارد في المرأة والطفلين بالأولويّة ، فلم لا استغنى عنهم؟!

ص: 77


1- راجع : ج 4 / 402 من هذا الكتاب.

ومن المضحك قوله : « ليكون أهيب في عيون المباهلين » ، فإنّه لو كان الداعي لوجودهم هو الهيبة ، فلم خصّ شابّا وامرأة وطفلين ، وترك المشايخ الكبار ، والحفدة (1) ، والأنصار؟!

وقد مرّ في الآية السادسة ما يزيدك تحقيقا وبيانا للمطلوب (2).

ثمّ إنّ غاية ما قلنا هو استسعاد النبيّ صلی اللّه علیه و آله واستعانته في الدعاء على المبطلين بمن طهّرهم اللّه عن الرجس تطهيرا ، وقد زعم القوم أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله استسعد بالدعاء لنفسه الشريفة بعمر بن الخطّاب ، وهو أعظم من الاستسعاد في الأوّل ، ولم يستنكره القوم ؛ لأنّه متعلّق بأوليائهم! ..

روى ابن حجر في « الصوّاعق » ، في فضائل عمر ، أنّ رسول اللّه قال له : « لا تنسنا يا أخي من دعائك ». (3)

وفي رواية أخرى قال له : « يا أخي أشركنا في صالح دعائك ، ولا تنسنا » (4).

بل رووا أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله استسعد بأبي بكر وعمر وعثمان في حفظ نفسه المقدّسة ، وجعلهم واسطة لسلامته! ..

ص: 78


1- الحفدة : الأعوان والخدمة ، واحدهم : حافد ؛ انظر : لسان العرب 3 / 235 مادّة « حفد ».
2- راجع : ج 4 / 402 وما بعدها من هذا الكتاب ، وانظر مبحث آية المباهلة في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 1 / 342 - 466.
3- الصواعق المحرقة : 149 ح 61 ؛ وانظر : سنن أبي داود 2 / 81 ح 498 ، مسند أحمد 1 / 29.
4- الصواعق المحرقة : 149 ح 62 ؛ وانظر : سنن ابن ماجة 2 / 966 ح 2894 ، سنن الترمذي 5 / 523 ح 3562 ، مسند أحمد 2 / 59.

روى البخاري وغيره ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله صعد إلى أحد ومعه هؤلاء القوم ، فرجف بهم ، فضربه برجله وقال : « أثبت! فما عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد » (1) ، فإنّه دالّ على أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله استسعد بهم ، وجعلهم واسطة لحفظ نفسه وأنفسهم كما استسعد بنفسه لذلك ؛ وهو بالضرورة أعظم من جعل آل محمّد واسطة إلى لعن أهل نجران ؛ فتدبّر!

* * *

ص: 79


1- صحيح البخاري 5 / 74 ح 172 وص 78 ح 182 وص 83 ح 195 ، سنن أبي داود 4 / 212 ح 4651 ، سنن الترمذي 5 / 582 - 583 ح 3696 و 3697 ، مسند أحمد 5 / 331 و 346.

9 - حديث المنزلة

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - :

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - (1) :

التاسع : في مسند أحمد من عدّة طرق ، وفي صحيح البخاري ومسلم من عدّة طرق ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لمّا خرج إلى تبوك (2) استخلف عليّا في المدينة وعلى أهله ، فقال عليّ : ما كنت أوثر أن تخرج في وجه إلّا وأنا معك.

فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟! (3).

ص: 80


1- نهج الحقّ : 216.
2- تبوك - بالفتح ، ثمّ الضمّ ، وواو ساكنة - : موضع بين وادي القرى والشام ، بينها وبين المدينة اثنتا عشرة مرحلة ، وفيها كانت غزوة تبوك سنة 9 ه. أنظر : معجم البلدان 17/2 رقم 2445.
3- مسند أحمد 1 / 170 و 173 و 175 و 177 و 179 و 182 و 184 و 185 وج 3 / 32 و 338 وج 6 / 369 و 438 ، صحيح البخاري 5 / 89 ح 202 وج 6 / 18 ح 408 ، صحيح مسلم 7 / 120 كتاب الفضائل - باب فضائل أمير المؤمنين. وأنظر : سنن الترمذي 596/5 ح 3724 و ص 599 ح 3730 و 3731 ، سنن ابن ماجة 42/1 - 43 ح 115 و ص 45 ح 121 ، السنن الكبرى - للنسائي - 44/5 ح 138 - 8143 و ص 119 - 125 ح 8429 - 8449 من طرق كثيرة و ص 240 ح 8780 ، مسند الطيالسي : 28 و 29 ح 205 و 209 ، مصنف عبد الرزاق 406/5 ح 9745 و ج 11 / 226 ح 20390 ، مسند الحميدي 1 / 38 ح 71 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 16 - 17 ، مصنف ابن أبي شيبة 496/7 ح 11 - 15 وج 562/8 ح 4 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 700 - 701 ح 954 و 956 و 957 وص 703 - 704 ح 960 وص 732 - 733 ح 1005 - 1006 وص 740 - 741 ح 1020 وص 755 ح 1041 وص 757 ح 1045 وص 785 ح 1079 ، مسند سعد ابن أبي وقّاص - للدورقي - : 51 ح 19 وص 103 ح 49 وص 136 ح 75 و 76 وص 139 ح 80 وص 174 - 177 ح 100 - 102 ، التاريخ الكبير 1 / 115 رقم 333 ، السنّة - لابن أبي عاصم - : 551 ح 1188 وص 586 - 589 ح 1331 - 1351 وص 595 - 596 ح 1381 - 1387 ، مسند البزّار 3 / 276 - 279 ح 1065 و 1066 و 1068 وص 283 - 285 ح 1074 - 1076 وص 324 ح 1120 وص 368 ح 1170 ، مسند أبي يعلى 1 / 285 - 286 ح 344 وج 2 / 57 ح 698 وص 66 ح 709 وص 73 ح 718 وص 86 ح 738 و 739 وص 99 ح 755 وص 132 ح 809 وج 12 / 310 ح 6883 ، المعجم الكبير 1 / 146 ح 328 وص 148 ح 333 و 334 وج 2 / 247 ح 2035 وج 4 / 17 ح 3515 وص 184 ح 4087 وج 5 / 203 ح 5094 و 5095 وج 11 / 61 ح 11087 وص 63 ح 11092 وج 12 / 78 ح 12593 وج 19 / 291 ح 647 وج 23 / 377 ح 892 وج 24 / 146 - 147 ح 384 - 389 ، المعجم الأوسط 3 / 211 ح 2749 وج 4 / 484 ح 4248 وج 5 / 439 ح 5335 وج 6 / 32 ح 5569 وص 138 ح 5845 وص 146 ح 5866 وج 7 / 361 ح 7592 وج 8 / 74 ح 7894 ، المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، الكنى والأسماء - للدولابي - 1 / 192 ، الجعديات 2 / 77 ح 2058 ، مسند الشاشي 1 / 161 ح 99 وص 165 - 166 ح 105 و 106 وص 186 ح 134 وص 188 - 189 ح 137 وص 195 ح 147 و 148 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 8 / 221 ح 6609 وج 9 / 40 - 41 ح 6887 و 6888 ، الغيلانيات 1 / 97 ح 50 وص 170 ح 128 ، طبقات المحدّثين بأصفهان - لأبي الشيخ - 4 / 264 ح 1020 رقم 655 ، العلل الواردة في الأحاديث - للدارقطني - 4 / 373 - 376 رقم 638 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 367 ح 3294 وج 3 / 117 ح 4575 ، حلية الأولياء 7 / 195 - 196 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 9 / 40 ، الاستيعاب 3 / 1097 وقال : « وهو من أثبت الآثار وأصحّها » ، تاريخ بغداد 1 / 325 وج 3 / 406 وج 4 / 204 و 383 وج 8 / 53 و 268 وج 9 / 365 وج 10 / 43 وج 11 / 432 وج 12 / 323 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - :79 - 87 ح 40 - 56 من عدّة طرق ، تاريخ دمشق 42 / 142 - 186 من طرق كثيرة جدّا.

ص: 81

وقال الفضل (1) :

هذا من روايات الصحاح ، وهذا لا يدلّ على النصّ كما ذكره العلماء (2).

ووجه الاستدلال به أنّه نفى النبوّة من عليّ ، وأثبت له كلّ شيء سواه ، ومن جملته الخلافة.

والجواب : إنّ هارون لم يكن خليفة موسى ؛ لأنّه مات قبل موسى ، بل المراد : استخلافه بالمدينة حين ذهابه إلى تبوك ، كما استخلف موسى هارون عند ذهابه إلى الطور ؛ لقوله تعالى : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (3).

وأيضا : يثبت به لأمير المؤمنين فضيلة الأخوّة والمؤازرة لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في تبليغ الرسالة وغيرها من الفضائل ، وهي مثبّتة يقينا لا شكّ فيه.

* * *

ص: 82


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 429.
2- انظر : الأربعين في أصول الدين - للفخر الرازي - 2 / 283 - 285 ، شرح المقاصد 5 / 275 ، شرح المواقف 8 / 362 - 363.
3- سورة الأعراف 7 : 142.

وأقول :

لا ريب أنّ الاستثناء دليل العموم (1) ، فتثبت لعليّ علیه السلام جميع منازل هارون الثابتة له في الآية سوى النبوّة.

ومن منازل هارون : الإمامة ؛ لأنّ المراد بالأمر في قوله تعالى : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (2) هو الأعمّ من النبوّة - التي هي التبليغ عن اللّه تعالى - ، ومن الإمامة - التي هي الرئاسة العامّة - ، فإنّهما أمران مختلفان ..

ولذا جعل اللّه سبحانه إبراهيم نبيّا وإماما بجعلين مستقلّين ، وكان كثير من الأنبياء غير أئمّة ، كمن كانوا بزمن إبراهيم وموسى ، فإنّهم أتباع لهما ، وخاضعون لسلطانهما.

ويشهد للحاظ الإمامة وإرادتها من الأمر في الآية ، الأخبار السابقة المتعلّقة بآخر الآيات التي ذكرناها في الخاتمة (3) ، المصرّحة - تلك - بأنّ

ص: 83


1- قال البيضاوي : « ومعيار العموم جواز الاستثناء ، فإنّه يخرج ما يجب اندراجه لولاه ، وإلّا لجاز من الجمع المنكر ... » انظر : منهاج الوصول في معرفة علم الأصول : 76. وقال نظام الدين الأنصاري في شرحه المزجي لكلام محبّ اللّه البهاري : « ( لنا جواز الاستثناء) ثابت في الكلمات المذكورة، (وهو معيار العموم)، فإنّه لإخراج ما لولاه لدخل ...» أنظر : فواتح الرحموت - بهامش المستصفى - 261/1. وراجع مبحث «دلالة الحديث على عموم المنزلة» في : نفحات الأزهار 17 / 259 - 380 .
2- سورة طه 20 : 32.
3- راجع : ج 5 / 408 وما بعدها من هذا الكتاب.

النبيّ صلی اللّه علیه و آله دعا فقال :

« اللّهمّ إنّي أسألك بما سألك أخي موسى ، أن تشرح لي صدري ، وأن تيسّر لي أمري ، وتحلّ عقدة من لساني ، يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليّا أخي ، أشدد به أزري ، وأشركه في أمري » (1).

فإنّ المراد هنا ب ( الإشراك في أمره ) هو : الإشراك بالإمامة ، لا الإشراك بالنبوّة ، كما هو ظاهر ، ولا المعاونة على تنفيذ ما بعث فيه ؛ لأنّه قد دعا له أوّلا بأن يكون وزيرا له.

وبالجملة : معنى الآية الكريمة : أشركه في أمانتي الشاملة لجهتي النبوّة والإمامة.

ولذا نقول : إن خلافة هارون لموسى لمّا ذهب إلى الطور ليست كخلافة سائر الناس ممّن لا حكم ولا رئاسة له ذاتا ، بل هي خلافة شريك لشريك أقوى ، ولذا لا يتصرّف بحضوره.

فكذا عليّ علیه السلام بحكم الحديث ؛ لدلالته على أنّ له جميع منازل هارون التي منها شركته لموسى في أمره سوى النبوّة ، فيكون عليّ إماما مع النبيّ في حياته ، كما أوضحناه عند الكلام على الأولى من الآيات التي ذكرها المصنّف رحمه اللّه (2) ، فلا بدّ أن تستمرّ إمامته إلى ما بعد وفاته ، ولا سيّما أنّ النظر في الحديث إلى ما بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله أيضا ؛ ولذا قال :

ص: 84


1- انظر : فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 843 - 844 ح 1158 ، شواهد التنزيل 1 / 368 - 371 ح 510 - 513 ، تاريخ دمشق 42 / 52 ، تفسير الفخر الرازي 12 / 28 ، الرياض النضرة 3 / 118 ، ذخائر العقبى : 119.
2- راجع : ج 4 / 305 وما بعدها من هذا الكتاب.

« إلّا أنّه لا نبيّ بعدي »

ولو تنزّلنا عن ذلك فلا إشكال بأنّ من منازل هارون أن يكون خليفة لموسى لو بقي بعده ؛ لأنّ الشريك أولى الناس بخلافة شريكه ، فكذا يكون عليّ علیه السلام ، مع أنّ الآية الكريمة قاضية بفضل هارون على سائر قوم موسى ، فكذا عليّ بالنسبة إلى المسلمين ، فيكون إمامهم.

وقد علم على جميع الوجوه أنّه لا ينافي الاستدلال بالحديث على المدّعى موت هارون قبل موسى ، كما علم بطلان أن يكون المراد مجرّد استخلاف أمير المؤمنين في المدينة خاصّة ، فإنّ خصوص المورد لا يخصّص العموم الوارد ، ولا سيّما أنّ الاستخلاف بالمدينة ليس مختصّا بأمير المؤمنين علیه السلام ؛ لاستخلاف النبيّ صلی اللّه علیه و آله غيره بها في باقي الغزوات.

ومقتضى الحديث أنّ الاستخلاف منزلة خاصّة به ، كمنزلة هارون من موسى التي لم يستثن منها إلّا النبوّة ، فلا بدّ أن يكون المراد بالحديث إثبات تلك المنزلة العامّة له إلى ما بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

واستدلّ الفضل على إرادة الاستخلاف بالمدينة خاصّة حين ذهاب النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى تبوك بقوله تعالى : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (1) ، وهو خطأ ظاهر ؛ لأنّ مجرّد وقوع الاستخلاف الخاصّ من موسى لا يدلّ على اختصاص خلافة هارون في ذلك المورد دون غيره ، فكذا استخلاف النبيّ صلی اللّه علیه و آله لعليّ علیه السلام ، بل العبرة بعموم الحديث ، مع اقتضاء شركة هارون لموسى في أمره ثبوت الخلافة العامّة ، فكذا عليّ علیه السلام .

ص: 85


1- سورة الأعراف 76 : 142.

ويدلّ على عدم إرادة ذلك الاستخلاف الخاصّ بخصوصه ، ورود الحديث في موارد لا دخل له بها ..

فمنها : ما سيجيء إن شاء اللّه تعالى من أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله علّل تحليل المسجد لعليّ جنبا بأنّه منه بمنزلة هارون من موسى (1).

ومنها : ما رواه في « كنز العمّال » (2) ، عن أمّ سليم (3) ، أنّ

ص: 86


1- انظر مثلا : مسند أحمد 4 / 369 وج 1 / 175 و 331 وج 2 / 26 ، سنن الترمذي 4 / 599 ح 3732 ، المعجم الكبير 2 / 246 ح 2031. وسيأتي الكلام عليه وتخريجه مفصلاً في الحديث الثاني عشر .
2- ص 164 من الجزء السادس [ 11 / 607 ح 32936 ]. منه قدس سره . وأنظر : الضعفاء الكبير - للعقيلي - 46/2 - 47 رقم 477 وصحح الحديث فقال : « وأما (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) فصحيح من غير هذا الوجه» ، المعجم الكبير 12 / 14 - 15 ح 12341 ، تاریخ دمشق 169/42 ، كفاية الطالب : 168 ، فرائد السمطين 1 / 150 ذ ح 113 ، میزان الاعتدال 3/3 رقم 2590 و ج 92/4 رقم 4300 ، مجمع الزوائد 111/9 ، ينابيع المودة 171/1 ح 18 .
3- (3) كذا في الأصل والمصدر ، وفي بقيّة المصادر المذكورة في الهامش السابق : « أمّ سلمة » ؛ ولعلّ ما في المصدر تصحيف فانجرّ إلى أصل كتابنا هذا ؛ فلاحظ! وأمّا أُمّ سُلَيم، فقد اختلف في اسمها ، وهي : ابنة ملحان - وأسمه : مالك ابن خالد الأنصارية ، وهي أُخت حرام بن ملحان ، استشهد أبوها وأخوها بين يدي النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ، وكانت على جانب من الفضل والعقل ، روت عن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم أحاديث ، وروى عنها ابنها أنس ، وأبن عباس ، وزيد بن ثابت ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وآخرون .. وتُعدّ في أهل السوابق ، وهي من الدعاة إلى الإسلام . كانت في الجاهلية تحت مالك بن النضر ، فأولدها أنس بن مالك ، فلما جاء اللّه بالإسلام كانت في السابقين إليه ، ودعت مالكاً زوجها إلى اللّه ورسوله ، فأبى أن يسلم ، فهجرته ، فخرج مغاضباً إلى الشام ، فهلك هناك كافراً ، وقد نصحت لابنها أنس إذ أمرته وهو ابن عشر سنين أن يخدم النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ، فقبله النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم إكراماً لها وخطبها أشراف العرب ، فكانت تقول : لا أتزوّج حتّى يبلغ أنس ويجلس مجلس الرجال ؛ فكان أنس يقول : جزى اللّه أمّي خيرا ، أحسنت ولايتي. وقد أسلم على يدها أبو طلحة الأنصاري ، إذ خطبها وهو كافر ، فأبت أن تتزوجه أو يسلم ، فأسلم بدعوتها ، وكان صداقها منه إسلامه . أولدها أبو طلحة ولداً فمرض ومات ، فقالت : لا يذكرنّ أحد موته لأبيه قبلي ؛ فلما جاء وسأل عن ولده ، قالت : هو أسكن ما كان ؛ فظن أنه نائم ، فقدمت له الطعام فتعشّى ، ثمّ تزينت له وتطيّبت ، فنام معها وأصاب منها ، فلما أصبح قالت له : احتسب ولدك ؛ فذكر أبو طلحة قصتها لرسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم ، فقال : بارك اللّه لكما في ليلتكما ؛ وقالت : لقد دعا لي رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم حتى ما ما أُريد زيادة. وعلقت في تلك الليلة بعبد اللّه بن أبي طلحة ، فأنجب ورزق أولاداً ، وهو والد إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة الفقيه وإخوته ، وكانوا عشرة كلّهم من حملة العلم . وكانت أم سليم تغزو مع النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ، فتداوي الجرحى ، وتقوم بالمرضى ، وأتخذت في غزاة خنجراً لتبقر به بطن من دنا إليها من المشركين ، وكانت من أحسن النساء بلاءً في الإسلام ، ولا تُعرف امرأة سواها كان النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم يزورها في بيتها فتتحفه بالشيء تصنعه له ، فقيل له ، فقال : إني أرحمها ، قتل أخوها وأبوها معي. أنظر : معرفة الصحابة 3504/6 رقم 4093 ، الاستيعاب 1940/4 رقم 4163 ، أسد الغابة 345/6 رقم 7471 ، الإصابة 227/88 رقم 12073 .

النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال لها : « يا أمّ سليم! إنّ عليّا لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى »

ومنها : ما رواه في « الكنز » أيضا (1) ، عن ابن عبّاس ، أنّ عمر قال : « كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول في عليّ ثلاث خصال ، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ؛ كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة ونفر من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، والنبيّ متّكئ على عليّ حتّى ضرب على منكبه ، ثمّ

ص: 87


1- ص 395 من الجزء المذكور [ 13 / 122 - 123 ح 36392 ]. منه قدس سره .

قال : أنت يا عليّ أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّلهم إسلاما.

ثمّ قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وكذب [ عليّ ] من زعم أنّه يحبّني ويبغضك ».

ومنها : ما في « الكنز » أيضا (1) ، عن زيد بن أبي أوفى ، في قصّة المؤاخاة ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « والذي بعثني بالحقّ! ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنّه لا نبيّ بعدي ... » الحديث.

ومنها : ما رواه النسائي في « الخصائص » ، بالنسبة إلى ما يتعلّق ببنت حمزة ، حيث اختصم بتربيتها عليّ وجعفر وزيد ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « يا عليّ! أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ... » (2) الحديث.

.. إلى غيرها من الموارد الكثيرة.

ويشهد أيضا لعموم المنزلة ما ورد أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله سمّى الحسنين بالحسنين ، اقتفاء لهارون في تسمية ولديه بشبّر وشبير ، كما في « مسند أحمد » بموارد عديدة (3).

فإنّ ذلك ونحوه شاهد بأنّ عليّا علیه السلام شبيه بهارون بجميع المزايا ، وأنّ له خصائصه كلّها ، وأظهرها الإمامة ، بل يستفاد من حديث التسمية إمامة الحسنين أيضا ، كولدي هارون علیه السلام (4).

ص: 88


1- ص 390 من الجزء المذكور [ 13 / 105 ح 36345 ] ، وص 40 من الجزء الخامس [ 9 / 167 ح 25554 ]. منه قدس سره .
2- خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 65 ح 66.
3- ص 98 و 118 و 159 من الجزء الأوّل. منه قدس سره .
4- (4) وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني - حفظه اللّه ورعاه - في دراسة حديث المنزلة دراسة مفصلة ، وتناول كل المباحث المتعلقة به ، سنداً ودلالة ، الجزءين 17 و 18 من موسوعته «نفحات الأزهار» ؛ فراجع ! وأنظر كذلك ما يخص حديث المنزلة من مباحث في : الإمامة في أهم الكتب الكلامية : 214 - 219 ، الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة : 6 - 12 وهي الرسالة السابعة من كتاب الرسائل العشر » ، تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 3/ 205 - 242.

10 - حديث : إنّي دافع الراية غدا

قال المصنّف - شرّف اللّه منزلته - (1) :

العاشر : في مسند أحمد - من عدّة طرق - ، وصحيحي مسلم والبخاري - من طرق متعدّدة - ، وفي الجمع بين الصحاح الستّة أيضا ، عن عبد اللّه بن بريدة ، قال : سمعت أبي يقول : حاصرنا خيبر ، وأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له ، ثمّ أخذه عمر من الغد فرجع ولم يفتح له ، وأصاب الناس يومئذ شدّة وجهد ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّي دافع الراية غدا إلى رجل يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، كرّار غير فرّار ، لا يرجع حتّى يفتح اللّه له ».

فبات الناس يتداولون ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كلّهم يرجو أن يعطاها.

فقال : أين عليّ بن أبي طالب؟

فقالوا : إنّه أرمد العين!

ص: 89


1- نهج الحقّ : 216.

فأرسل إليه ، فأتى ، فبصق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في عينيه ، ودعا له فبرئ ، فأعطاه الراية ، ومضى عليّ ، فلم يرجع حتّى فتح اللّه على يديه (1).

ص: 90


1- انظر : مسند أحمد 5 / 353 - 354 و 358 - 359 وج 2 / 384 ، صحيح مسلم 7 / 120 - 122 فضائل أمير المؤمنين علیه السلام ، صحيح البخاري 4 / 145 ح 213 وج 5 / 87 - 88 ح 197 و 198 وص 279 ح 230 و 231. وأنظر : سنن الترمذي 596/5 ح 3724 ، سنن ابن ماجة 43/1 ح 117 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 46 ح 8149 - 8151 و ص 108 - 113 ح 8399 - 8409 و ص 178 - 180 ح 8600 - 8603 ، مسند الطيالسي : 320 ح 2441 ، مصنف عبد الرزاق 287/5 ح 9637 وج 228/11 ح 20395 ، سنن سعيد بن منصور 178/2 - 179 ح 2472 - 2474 ، مصنف ابن أبي شيبة 497/7 ح 17 و ص 500 ح 33 و 35 و 37 و ج 520/8 - 522 ح 2 و 7 و 10 و 11 و ص 525 ح 22 و 23 ، فضائل الصحابة - لاحمد - 2 / 697 ح 950 و ص 722 ح 988 و ص 734 - 735 ح 1009 و ص 746 ح 1030 و 1031 و ص 748 ح 1034 و ص 751 - 752 ح 1036 و 1037 و ص 756 - 757 ح 1044 و ص 764 - 765 ح 1054 و 1056 وص 791 ح 1084 و ص 818 ح 1122 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 2 / 84 و 85 ، مسند سعد بن أبي وقاص - للدورقي - : 51 ح 19 ، التاريخ الكبير - للبخاري - 2 / 115 رقم 1881 وج 263/7 رقم 1110 ، كتاب السنة - لابن أبي عاصم -:594 : 1377 ح 1380 ، مسند البزار 2 / 135 - 136 ح 496 و ج 22/3 ح 770 و ص 281 ح 1071 و 1072 و ص 324 ح 1120 ، مسند أبي يعلى 291/1 ح 354 و ج 522/13 ح 7527 و ص 531 ح 7537 ، مسند الروياني 2 / 124 ح 1023 و ص 166 ح 1149 ، مسند أبي عوانة 306/4 ذح 6821 و 6823 ، مسند الشاشي 146/1 ح 82 و ص 166 ح 106 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 43/9 - 45 ح 6893 - 6896 ، المعجم الكبير 152/6 ح 5818 و ص 167 ح 5877 و ص 187 ح 5990 وص 198 ح 5991 و ج 13/7 ح 6233 و ص 17 ح 6243 و ص 31 ح 6287 و ص 35 - 36 ح 6303 و 6304 و ص 77 ح 6421 و ج 237/18 - 238 ح 594 - 598 ، المعجم الأوسط 241/3 ح 2836 وج 6 / 116 ح 5789 ، المعجم الصغير 2 / 10 - 11 ، العلل الواردة في الأحاديث - للدارقطني - 277/3 رقم 404 ، المستدرك على الصحيحين 40/3 ح 4342 وص 117 ح 4575 وص 143 ح 4652 وص 494 ح 1. حلية الأولياء 1 / 62 وج 4 / 356 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 6 / 362 وج 9 / 107 و 131 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 4 / 205 - 213 من عدّة طرق ، الاستيعاب 3 / 1099 ، تاريخ بغداد 8 / 5 رقم 4036 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 176 - 185 ح 213 - 224 من عدّة طرق ، تاريخ دمشق 42 / 103 - 123.

وقال الفضل (1) :

حديث خيبر صحيح ، وهذا من الفضائل العليّة لأمير المؤمنين ، لا يكاد يشاركه فيها أحد ، وكم له من فضائل مثل هذا!

العجب أنّ كلّ هذه الفضائل يرويه من كتب أصحابنا ، ويعلم أنّهم في غاية الاهتمام بنشر مناقب أمير المؤمنين وفضائله ، وما هم كالروافض والشيعة في إخفاء مناقب مشايخ الصحابة.

فلو كان هناك نصّ كانوا مهتمّين لنقله ونشره كاهتمامهم في نشر فضائله ومناقبه ؛ لخلوّهم عن الأغراض والإعراض عن الحقّ.

* * *

ص: 91


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 433.

وأقول :

إذا حكم بصحّة الحديث لزم أن يحكم بأنّه منقصة للشيخين ، كما هو كمال وفضيلة لأمير المؤمنين علیه السلام ؛ لأنّ مدحه بهذا المدح - بعد انصرافهما باللواء - صريح بالتعريض بهما ، وأنهما ليسا على ذلك الوصف ، فهما لا يحبّان اللّه ورسوله ، ولا يحبّهما اللّه ورسوله ، وهما فرّاران غير كرّارين ، كما لا يخفى على من لحظ النظائر ، فإنّ من أرسل رسولا بمهمّة له ولم يقض المهمّة فقال : لأبعثنّ رسولا حازما يقضي المهمّ ، أحبّه ويحبّني ؛ دلّ على أنّ الرسول الأوّل ليس على هذا الوصف.

على أنّ وصف النبيّ صلی اللّه علیه و آله لمن يدفع إليه اللواء بأنّه يحبّ اللّه ورسوله ويحبّانه ، غير مرتبط في المقام إلّا من حيث بيان أنّ من يحبّ اللّه ورسوله لا بدّ أن يبذل نفسه في سبيلهما ولا يجبن عند الجهاد ، وأنّ من يحبّه اللّه ورسوله لا يعصيهما بالفرار من الزحف ، الذي هو من أكبر الذنوب وأسوأ المعاصي ، فينبغي أن لا يكون الرجلان بهذا الوصف الجميل.

وحينئذ : فإذا اختصّ عليّ علیه السلام دونهما بحبّه لله ورسوله ، وحبّهما له ، تعيّن للإمامة ؛ إذ كيف يكون إمام الأمّة وزعيم الدين من لا يحبّ اللّه ورسوله ، ولا يحبّانه ، فرّارا جبانا؟!

واعلم أنّ أخذ الشيخين للّواء وانصرافهما به غير موجود في الروايات التي رواها البخاري في غزوة خيبر ، ورواها مسلم في باب فضائل

ص: 92

عليّ علیه السلام (1).

فلعلّ نسبة المصنّف رحمه اللّه الحديث إليهما وإلى غيرهما باعتبار مجموعه ، وإن لم يرويا إلّا محاربة عليّ علیه السلام وقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله فيه.

ويمكن أن يكون تمام الحديث مرويّا في مقامات أخر من الصحيحين لم أطّلع عليها ، أو يكون ما يتعلّق بالشيخين مسقطا من الحديث حفظا لشأنهما!

وممّا وجدته من الأحاديث المشتملة عليه ، ما رواه أحمد في مسنده (2) ، عن بريدة ، قال : « حاصرنا خيبر ، فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له ، ثمّ أخذه عمر من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له ، وأصاب الناس يومئذ شدّة وجهد ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّي دافع الراية غدا إلى رجل يحبّه اللّه ورسوله ، ويحبّ اللّه ورسوله ، لا يرجع حتّى يفتح له.

فبتنا طيّبة أنفسنا أنّ الفتح غدا ، فلمّا أن أصبح رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صلّى الغداة ، ثمّ قام قائما فدعا باللواء والناس على مصافّهم ، فدعا عليّا وهو أرمد ، فتفل في عينه ودفع إليه اللواء وفتح له ».

ومنها : ما رواه أحمد أيضا (3) ، قال : « لمّا نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بحصن أهل خيبر أعطى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله اللواء عمر بن الخطّاب ، ونهض معه من نهض من المسلمين ، فلقوا أهل خيبر.

فقال رسول اللّه : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه ورسوله ،

ص: 93


1- انظر : صحيح البخاري 5 / 279 ح 230 و 231 ، صحيح مسلم 7 / 120 - 122.
2- ص 353 من الجزء الخامس بسنده. منه قدس سره .
3- ص 358 من هذا الجزء. منه قدس سره .

ويحبّه اللّه ورسوله.

فلمّا كان الغد دعا عليّا وهو أرمد ، فتفل في عينه وأعطاه اللواء ، ونهض الناس معه فلقي مرحب - إلى أن قال : - فضربه على هامته حتّى عضّ السيف منها بأضراسه ، وسمع أهل العسكر صوت ضربته.

قال : وما تتامّ آخر الناس مع عليّ حتّى فتح له ».

ومنها : ما رواه الحاكم في كتاب المغازي من « المستدرك » (1) ، عن أبي ليلى ، عن عليّ علیه السلام ، أنّه قال : « يا أبا ليلى! أما كنت معنا بخيبر؟!

قال : بلى واللّه ، كنت معكم.

قال : فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتّى رجع »

وروى الحاكم أيضا ، عن عليّ علیه السلام ، قال : « سار النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى خيبر ، فلمّا أتاها بعث عمر وبعث معه الناس ... فقاتلوهم ، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه ، فجاؤوا يجبّنونه ويجبّنهم ... » (2) الحديث.

وروى الحاكم أيضا عن جابر نحو هذا (3) ، وصحّح الأحاديث كلّها ، وما تعقّب الذهبيّ إلّا الحديث الأخير بالمناقشة في سنده ، وهو غير ضائر كما مرّ مرارا ، لا سيّما مع ثبوت مضمونه بالصحاح الأخر.

ثمّ روى الحاكم ، عن جابر ، قال : لمّا كان يوم خيبر بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رجلا فجبن ، فجاء محمّد بن مسلمة فقال : يا رسول اللّه! لم أر كاليوم قطّ!!

ص: 94


1- ص 37 من الجزء الثالث [ 3 / 39 ح 4338 أ ]. منه قدس سره .
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 40 ح 4340.
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 40 ح 4341.

إلى أن قال : ثمّ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لأبعثنّ غدا رجلا يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّانه ، لا يولّي الدبر ، يفتح اللّه على يديه.

فتشوّف (1) لها الناس ، وعليّ يومئذ أرمد ..

فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : سر.

فقال : يا رسول اللّه! ما أبصر موضعا!

فتفل في عينيه ، وعقد له ودفع إليه الراية - إلى أن قال : - فلقيهم ففتح اللّه عليه (2).

أقول : المراد بالرجل الذي جبن هو أبو بكر ، أو عمر ، بدلالة الأخبار الأخر ، على أنّ الفارّ هو أحدهما لا غيرهما!

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال » (3) في فضائل عليّ علیه السلام ، عن ابن أبي شيبة ، وأحمد بن حنبل ، وابن ماجة ، والبزّار ، وابن جرير ، قال : وصحّحه ، والطبراني ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء المقدسي في « المختارة » ، بأسانيدهم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال :

ص: 95


1- في المصدر : « فتشرّف ». وتشوف لها : تطاول ونظر وتَطَلَّع ؛ أنظر : لسان العرب 238/7 مادّة «شوف » . وتشرف لها : تَطَلَّع إليها وتَعَرَّض لها ؛ أنظر : لسان العرب 91/7 مادة «شرف » . والكلام يس-تق-يم بأي منهما.
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 40 - 41 ح 4342.
3- ص 394 من الجزء السادس [ 13 / 121 - 122 ح 36388 ]. منه قدس سره . وأنظر : سنن ابن ماجة 43/1 - 44 ح 117 ، مسند أحمد 99/1 ، مصنف ابن أبي شيبة 497/7 ح 17 ، مسند البزار 2 / 135 - 136 ح 496 ، المعجم الأوسط 51/3 ح 2307 ، المستدرك على الصحيحين 39/3 - 4338 أ ، دلائل النبوة - للبيهقي - 213/4 .

« كان عليّ يخرج في الشتاء في إزار ورداء ، ثوبين خفيفين ، وفي الصيف في القباء المحشوّ والثوب الثقيل ، فقال الناس : لو قلت لأبيك فإنّه يسمر معه ، فسألت أبي - إلى أن قال : - فسمر معه (1) ، فقال : يا أمير المؤمنين! إنّ الناس قد تفقّدوا منك شيئا - إلى أن قال : - قال : أوما كنت معنا يا أبا ليلى بخيبر؟!

قال : بلى واللّه ، كنت معكم.

قال : فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعث أبا بكر فسار بالناس ، فانهزم حتّى رجع عليه (2) ، وبعث عمر فانهزم بالناس حتّى انتهى إليه ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، يفتح اللّه له ، ليس بفرّار.

فأرسل إليّ فدعاني فأتيته وأنا أرمد لا أبصر شيئا ، فتفل في عيني وقال : اللّهمّ اكفه الحرّ والبرد ؛ فما آذاني بعده حرّ ولا برد ».

ونحوه في « خصائص » النسائي (3).

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال » (4) في غزوة خيبر ، عن ابن أبي شيبة والبزّار - قال : وسنده حسن - ، عن عليّ علیه السلام ، قال : « سار رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى خيبر ، فلمّا أتاها بعث عمر ومعه الناس إلى مدينتهم [ والى قصرهم ] فقاتلوهم ، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه ، فجاء يجبّنهم ويجبّنونه ،

ص: 96


1- في المصدر : « عنده ».
2- في المصدر : « إليه ».
3- خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 27 ح 13 وص 108 - 109 ح 145 ، وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 108 - 109 ح 8401 وص 152 ح 8536.
4- ص 283 من الجزء الخامس [ 10 / 462 ح 30119 ]. منه قدس سره . وأنظر : مصنّف ابن أبي شيبة 525/8 ح 22 ، مسند البزّار 22/3 - 23 ح 770.

فساء ذلك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : لأبعثنّ عليهم رجلا يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، يقاتلهم حتّى يفتح اللّه له ، ليس بفرّار .. » .. الحديث.

ونقل أيضا في المقام المذكور عن ابن جرير ، عن بريدة ، قال : « لمّا كان يوم خيبر أخذ اللواء أبو بكر فرجع ولم يفتح له ، فلمّا كان من الغد أخذ عمر اللواء ولم يفتح له ، وقتل ابن مسلمة ، ورجع الناس ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لأدفعنّ لوائي هذا إلى رجل يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، لن يرجع حتّى يفتح عليه ... » (1) .. الحديث.

ونحوه في « خصائص » النسائي أيضا (2).

ونقل في « الكنز » أيضا ، عن ابن أبي شيبة ، عن بريدة ، قال : « لمّا نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بحصن (3) خيبر فزع أهل خيبر ... فبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عمر بن الخطّاب بالناس ، فلقي أهل خيبر ، فردّوه وكشفوه هو وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لأعطينّ اللواء غدا رجلا يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله.

فلمّا كان الغد تصادر (4) لها أبو بكر وعمر ، فدعا عليّا وهو يومئذ

ص: 97


1- كنز العمّال 10 / 463 ح 30120.
2- خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 28 ح 14 ، وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 109 ح 8402.
3- في كنز العمّال ومصنّف ابن أبي شيبة : بحضرة.
4- كذا في مصنّف ابن أبي شيبة ، وفي كنز العمّال : « تطاول ». و «تصادر» : تقدم القوم بصدره ، ووقف في صدر الصف و مقدم الجيش ليكون أحدهما هو المختار لحمل اللواء وقيادة الحملة ؛ انظر : لسان العرب 7 / 300 مادّة « صدر ». و «تطاول» : هو أن يقوم قائماً ثم يتطاول في قيامة ثم يرفع رأسه ويمد قوامه للنظر إلی الشيء ؛ أنظر : لسان العرب 228/8 مادة «طول». فالمعنی صحيح بأي من الكلمتين.

أرمد ، فتفل في عينه وأعطاه اللواء ، فانطلق بالناس فلقي أهل خيبر ولقي مرحبا - إلى أن قال : - فضربه عليّ ضربة على هامته بالسيف عضّ السيف منها بالأضراس ، وسمع صوت ضربته أهل العسكر ، فما تتام آخر الناس حتّى فتح لأوّلهم » (1).

ونحوه في « تاريخ الطبري » (2).

ومنها : ما أخرجه الطبري بعد الحديث المذكور ، عن بريدة ، قال : « كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ربّما أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، وإنّ أبا بكر أخذ راية رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثمّ رجع ؛ فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشدّ من القتال الأوّل ، ثمّ رجع.

فأخبر بذلك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : أما واللّه لأعطينّها رجلا يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، يأخذها عنوة ».

... إلى أن قال : « وخرج مرحب ... فبدره عليّ فضربه ، فقدّ الحجر والمغفر ورأسه حتّى وقع في الأضراس ، وأخذ المدينة » (3).

ومثله في « كامل ابن الأثير » (4) ، إلّا أنّه قال في آخره : « فضربه فقدّ

ص: 98


1- كنز العمّال 10 / 463 - 464 ح 30121 ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة 8 / 521 - 522 ح 7.
2- ص 93 من الجزء الثالث [ 2 / 136 - 137 حوادث سنة 7 ه ]. منه قدس سره .
3- تاريخ الطبري 2 / 137 حوادث سنة 7 ه ، غزوة خيبر.
4- ص 105 من الجزء الثاني [ 2 / 101 - 102 حوادث سنة 7 ه ]. منه قدس سره .

الجحفة والمغفر ورأسه حتّى وقع في الأرض ، وأخذ المدينة ».

.... إلى غير ذلك من الأخبار التي يطول ذكرها (1).

وليت شعري ما هذا القتال الشديد من الشيخين الذي لم يصب فيه أحد بكلم ، ولم يهرق فيه دم؟!

وأمّا ما ذكره الفضل من أنّ المصنّف رحمه اللّه يروي هذه الفضائل من كتبهم ، فمسلّم ؛ لأنّ المطلوب إلزامهم بما هو حجّة عليهم.

وليس ذكرهم لهذه الفضائل دليلا على اهتمامهم بنقل ما يروونه نصّا لو اطّلعوا عليه ، كما سبق بيانه في الآية الثانية والثمانين (2) ، وما رووا تلك الفضائل إلّا لزعمهم عدم دلالتها على إمامته ، لا لخلوّهم عن الأغراض!

ولذا لمّا نبّههم الشيعة على دلالتها على إمامته حذف المتأخّرون منهم ما يمكن حذفه من كتب المتقدّمين ، كحديث النور ونحوه من مسند أحمد (3) ، وأوّلوا كثيرا منها بما هو أشبه يشبه السوفساطائية ، وناقشوا في أسانيد الكثير منها مع تعدّد طرقها الكافي في اعتبارها ، على أنّهم قلّ ما يروون فضائله على وجهها ، ويوافون بالحقائق على حالها.

وأمّا قوله : « وما هم كالروافض والشيعة ، في إخفاء مناقب مشايخ الصحابة ».

فلعمري لقد أراد أن يفضح فافتضح ؛ لأنّه يطلب منّا أن نكذّب مثلهم

ص: 99


1- انظر : مغازي الواقدي 2 / 653 - 655 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 4 / 305 ، تاريخ اليعقوبي 1 / 375 ، السيرة النبوية - لابن حبّان - : 302 ، المنتظم 2 / 371 - 372 حوادث سنة 7 ه ، البداية والنهاية 4 / 150 - 154.
2- راجع : ج 5 / 364 وما بعدها من هذا الكتاب.
3- نقله ابن أبي الحديد عن « المسند » و « الفضائل » في شرح نهج البلاغة 9 / 171 ، ولم نجده في المسند ، ورواه أحمد في فضائل الصحابة 2 / 823 - 824 ح 1130.

ونحدّث بما لا أصل له ، ممّا أحدثه حبّ الدنيا ، وحدا إليه الرجاء والخوف في أيّام معاوية وأشباهه ، كما سبق في المقدّمة (1) ..

ويطلب منّا أن نروي ما يخالف العقل والدين ، كالأخبار القائلة : « إنّ أبا بكر وعمر لا يحبّان الباطل » ؛ الدالّة على أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله يحبّه ، حيث غنّى له المغنّون والمغنّيات كما يروون (2) ..

وكالأخبار القائلة : « لو لم أبعث لبعث عمر » و « لو كان نبيّ بعدي لكان عمر » (3) ، المستلزمة لجواز بعثة من سبق منه الكفر ..

وكروايات تبشير العشرة بالجنّة ، التي عرفت حالها في الآية الثانية والثلاثين (4) ..

وكرواية أنّ أبا بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة (5) ؛ مع أنّه لا كهول فيها (6) ..

وكرواية دعاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله لمعاوية أن يجعله اللّه هاديا مهديّا (7) ،

ص: 100


1- راجع : ج 1 / 14 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- راجع : ج 4 / 74 و 111 من هذا الكتاب.
3- كنز العمّال 11 / 581 ح 32761 - 32763 ، الكامل في ضعفاء الرجال 3 / 155 رقم 669 وص 216 رقم 713 وج 4 / 194 رقم 1005 ، الموضوعات - لابن الجوزي - 1 / 320.
4- راجع : ج 5 / 145 وما بعدها.
5- كنز العمّال 11 / 562 ح 32654.
6- (6) وقد فصّل السيّد عليّ الحسيني الميلاني القول في سند هذا الحديث وطرقه ودلالته في كتابه « الرسائل العشر » في الحديث الثالث من « رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة » ، ص 19 - 27 ؛ فراجع!
7- سنن الترمذي 5 / 645 ح 3842 ، مسند أحمد 4 / 216 ، الطبقات الكبرى 7 / 292 رقم 3746 ، التاريخ الكبير - للبخاري - 7 / 327 رقم 1405 ، حلية الأولياء 8 / 358 ، مشكاة المصابيح 3 / 392 ح 6244 ، البداية والنهاية 8 / 98 - 99.

مع ظهور الضلال على صفحات أفعاله وأقواله ، من قتله النفوس البريئة ، وحربه لمن حربه حرب لله ورسوله ، وسبّه لمن سبّه سبّهما ، وإلحاقه العهار بالنسب مراغمة للشريعة الأحمدية ... إلى نحو ذلك من أخبار فضائلهم.

* * *

ص: 101

11 - حديث : برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه

قال المصنّف - طاب رمسه - :

قال المصنّف - طاب رمسه - (1) :

الحادي عشر : روى الجمهور : أنّه لمّا برز إلى عمرو بن عبد ودّ العامري في غزاة الخندق ، وقد عجز عنه المسلمون ، قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » (2).

* * *

ص: 102


1- نهج الحقّ : 217.
2- شرح نهج البلاغة 13 / 261 و 285 ، حياة الحيوان الكبرى - للدميري - 1 / 274 ، ينابيع المودّة 1 / 281 ح 2 وص 284 ضمن ح 7.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

إنّه صحّ هذا أيضا في الخبر ، وهذا أيضا من مناقبه وفضائله التي لا ينكرها إلّا سقيم الرأي ، ضعيف الإيمان ، ولكنّ الكلام على النصّ ، وهذا لا يثبته.

* * *

ص: 103


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 435.

وأقول :

لمّا جعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّا كلّ الإيمان ، دلّ على أنّه قوامه ، وأنّه أفضل إيمانا وأثرا من جميع المؤمنين ؛ إذ لم يقم لهم إيمان لولاه ، والأفضل أحقّ بالإمامة.

ويشهد لفضله عليهم في الأثر ما جاء عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لضربة عليّ أفضل من عبادة الثقلين ، أو : لمبارزة عليّ لعمرو أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة ، كما سبق في الآية الحادية والخمسين (1).

وهذا ممّا يؤيّده قوله صلی اللّه علیه و آله : الساعي بالخير كفاعله (2)، ويقضي به العقل ؛ إذ بقتل أمير المؤمنين علیه السلام لعمرو خمدت جمرة الكفر ، وانكسرت عزيمة الشرك ، فكان هو السبب في بقاء الإيمان واستمراره ، وهو السبب في تمكين المؤمنين من عبادتهم إلى يوم الدين.

لكن هذا ببركة النبيّ الحميد ودعوته وجهاده في الدين ، فإنّ عليّا حسنة من حسناته ، فلا أفضل من سيّد الوصيّين إلّا سيّد المرسلين ، زاد اللّه في شرفهما ، وصلّى عليهما وعلى آلهما الطاهرين.

* * *

ص: 104


1- راجع : ج 5 / 242 من هذا الكتاب.
2- كنز العمّال 6 / 359 - 360 ح 16052 - 16055.

12 - حديث سدّ الأبواب عدا باب عليّ

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - :

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - (1) :

الثاني عشر : في مسند أحمد من عدّة طرق ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أمر بسدّ الأبواب إلّا باب عليّ ، فتكلّم الناس ، فخطب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ ، فقال فيه قائلكم ، [ وانّي ] واللّه ما سددت شيئا ولا فتحته ، وإنّما أمرت بشيء فاتّبعته (2).

* * *

ص: 105


1- نهج الحقّ : 217.
2- مسند أحمد 4 / 369 وج 1 / 175 و 331 وج 2 / 26 ، فضائل الصحابة - لأحمد ابن حنبل - 2 / 720 ح 985 ؛ وانظر : سنن الترمذي 5 / 599 ح 3732 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 118 - 119 ح 8423 - 8428 ، التاريخ الكبير - للبخاري - 1 / 408 رقم 1304 ، المعجم الكبير - للطبراني - 2 / 246 ح 2031 ، المعجم الأوسط 4 / 363 ح 3930 ، مسند البزّار 2 / 144 ح 506 وج 3 / 368 ح 1169 ، أخبار القضاة - لوكيع - 3 / 149 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 135 ح 4631 ، حلية الأولياء 4 / 153 رقم 258 ، تاريخ بغداد 7 / 205 رقم 3669 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 226 - 231 ح 303 - 309 من عدّة طرق ، تاريخ دمشق 42 / 137 - 139 من عدّة طرق ، مجمع الزوائد 9 / 114 - 115.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

كان المسجد في عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله متّصلا ببيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكان عليّ ساكن بيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، لمكان ابنته ، وكان الناس من أبوابهم في المسجد يتردّدون ويزاحمون المصلّين ، فأمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بسدّ الأبواب إلّا باب عليّ.

وقد صحّ في الصحيحين أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أمر بسدّ كلّ خوخة في المسجد إلّا خوخة أبي بكر (2) ، والخوخة : الباب الصغير (3) ، فهذا فضيلة وقرب حصل لأبي بكر وعليّ.

* * *

ص: 106


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 436.
2- انظر : صحيح البخاري 1 / 201 - 202 ح 126 وج 5 / 66 ح 154 ، صحيح مسلم 7 / 108.
3- انظر : لسان العرب 4 / 240 مادّة « خوخ ».

وأقول :

لا يخفى أنّ حقيقة الفضل في هذه الفضيلة ليس لمجرّد الاختصاص بعدم سدّ الباب ، بل لما يكشف عنه من طهارة عليّ علیه السلام ، وأنّه يحلّ له أن يجنب في المسجد ويمكث فيه جنبا ، ولا يكره له النوم فيه كما كان ذلك لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ فإنّ عمدة الغرض من سدّ الأبواب تنزيه المسجد عن الأدناس ، وتبعيده عن المكروهات والأمور البيتية.

وكان عليّ علیه السلام كالنبيّ صلی اللّه علیه و آله لا تؤثّر فيه الجنابة والنوم دنسا معنويا ، وكان بيت اللّه كبيته ؛ لكونه حبيبه القريب منه ، فاستثني كالنبيّ صلی اللّه علیه و آله لذلك ، كما ستعرفه.

وأمّا قوله : « كان عليّ ساكن بيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ... » إلى آخره.

فالظاهر أنّ غرضه به إنكار فضل أمير المؤمنين علیه السلام ؛ لأنّ المستثنى حينئذ هو باب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّ البيت له ؛ إذ لا يتعلّق في المقام بهذه المقدّمة فائدة سوى هذا الغرض السوء ، وإن ناقض نفسه بجعل الاستثناء فضيلة لعليّ علیه السلام يشارك بها أبا بكر ، فكان يلزمه أن يخصّ الفضيلة بأبي بكر وحده!

وفي كلا مقصديه ، من إنكار فضل أمير المؤمنين علیه السلام ، وإثبات فضل أبي بكر نظر ..

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ كون البيت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لا يمنع من اختصاص عليّ بباب منفرد ؛ كيف؟! وقد صرّحت الأخبار بأنّ الباب لعليّ ، حتّى تكلّم الناس في استثناء بابه ، ولو كان الباب للنبيّ صلی اللّه علیه و آله لما كان محلّ

ص: 107

لكلامهم فيه ، ولا لحسدهم لعليّ علیه السلام .

بل هذا ممّا يقرّب أنّ البيت - كالباب - مختصّ بعليّ علیه السلام ، إمّا ملكا كما هو الظاهر ، أو بالسكنى فقط والملكية لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ وعليه ينبغي أن يقبضه أبو بكر كما قبض فدك ، فيتركهم بلا دار ولا عقار!

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ الخوخة إذا كانت هي الباب الصغير ، كما يشهد له رواية البخاري للحديث في مناقب أبي بكر ، بلفظ : « الباب » بدل « الخوخة » (1) ، لزم كذب خبر استثناء باب أبي بكر ؛ لأنّه إذا أقرّ باستثناء باب عليّ علیه السلام وهو متقدّم زمانا - كما ستعرف - ، فلا بدّ من العمل بأمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فلا يبقى باب مفتوح سوى باب عليّ علیه السلام ، وحينئذ لم يكن محلّ للأمر بسدّ الأبواب واستثناء باب أبي بكر.

مضافا إلى اشتمال خبر استثناء باب أبي بكر على أمور تشهد بكذبه ، كما ستعرفها إن شاء اللّه تعالى عند ذكر الفضل له في مقدّمة مآخذ أبي بكر.

فإن قلت : ما الدليل على تقدّم استثناء باب عليّ علیه السلام ؟ فلم لم يكونا في وقت واحد ، أو في وقتين متقاربين ، بحيث يكون الاستثناء الأخير قبل سدّ جميع الأبواب ، وحينئذ فلا يلزم التعارض والكذب؟

قلت : استثناء باب أبي بكر كان في وقت قرب موت النبيّ صلی اللّه علیه و آله على ما زعموا (2) ، واستثناء باب عليّ علیه السلام في أيّام حمزة كما صرح به بعض أخبارهم (3) ، ودلّ باقي الأخبار الآتية وغيرها على تقدّم زمانه.

ص: 108


1- انظر : صحيح البخاري 5 / 65 - 66 ح 154.
2- انظر : صحيح البخاري 1 / 201 ح 126 ، التاريخ الكبير - للبخاري - 1 / 408 رقم 1304.
3- انظر : فضائل الخلفاء الأربعة - لأبي نعيم - : 72 - 73 ح 60 و 61 ، مجمع الزوائد 9 / 115.

مع أنّه لو كان زمانهما واحدا لقال : « سدّوا الأبواب إلّا باب عليّ وأبي بكر » ، ولاعتذر النبيّ صلی اللّه علیه و آله عن فتح باب أبي بكر كما اعتذر عن فتح باب عليّ علیه السلام !

ويشهد لكون الاستثناء من خواصّ عليّ علیه السلام ما رواه أحمد في مسنده (1) ، عن ابن عمر ، وصحّحه ابن حجر في « الصواعق » (2) ، قال :

« كنّا نقول في زمن النبيّ : رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خير الناس ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر ؛ ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال ، لأنّ تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم : زوّجه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ابنته وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر ».

فإنّه صريح بأنّ الاستثناء أحد خواصّه الثلاثة ، ولا سيّما بعد ذكر أبي بكر المتخيّر بينهم.

وقد تمنّى قبل ابن عمر أبوه إحدى هذه الخصال ، كما رواه الحاكم في « المستدرك » وصحّحه (3).

ونقله ابن حجر في « الصواعق » (4) ، عن أبي يعلى ، عن أبي هريرة ، عن عمر.

ص: 109


1- ص 26 من الجزء الثاني. منه قدس سره . وأنظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 700/2 ح 955.
2- في الفصل الثالث من الباب التاسع [ ص 196 ]. منه قدس سره .
3- ص 125 من الجزء السادس [ 3 / 135 ح 4632 ]. منه قدس سره .
4- في الفصل المذكور [ ص 196 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند أبي يعلی 452/9 - 453 ح 5601 ، زوائد أبي يعلی - للهيثمي - 185/3 ح 1329.

ونقله في « كنز العمّال » (1) ، عن ابن أبي شيبة ، عن ابن عمر ، عن أبيه ، [ و ] (2) عن ابن أبي شيبة ، عن عليّ ، عن عمر ؛ قال فيه على الرواية الأخيرة : « وسكناه المسجد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، يحلّ له فيه ما يحلّ له » كما في لفظ رواية الحاكم أيضا (3) ، وقال في رواية أبي يعلى : « وسكناه المسجد ، لا يحلّ لي فيه ما يحلّ له » (4).

فلا ريب أنّ هذا من خواصّ أمير المؤمنين علیه السلام ؛ إذ لا يتصوّر أن يظهر من عمر وابنه اختصاص عليّ علیه السلام بهذا الأمر لو شاركه فيه أبو بكر ، الذي هو أساس شرفهم ، ومستند أمرهم ، والمتخيّر بينهم.

وقد تكلّف ابن عمر في تخيّر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على الناس ، حتّى على أبيه وصاحبه!

هذا ، مضافا إلى ضعف خبر استثناء خوخة أبي بكر ، لضعف سنده بجماعة ، منهم : فليح بن سليمان ، عدوّ آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ، الذي سبقت ترجمته في مقدّمة الكتاب (5).

ونزيدك هنا بيانا لحاله بذكر ما في « ميزان الاعتدال » و « تهذيب التهذيب » مضافا إلى ما تقدّم في المقدّمة ..

قالا : قال ابن معين مرّة : لا يحتجّ به.

ومرّة : ضعيف ، ما أقربه من أبي أويس.

ص: 110


1- ص 391 من الجزء السادس [ 13 / 110 ح 36359 ]. منه قدس سره . وأنظر : مصنف ابن أبي شيبة 500/7 ح 36.
2- ص 393 من الجزء المذكور [ 13 / 116 ح 36376 ]. منه قدس سره .
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 135 ح 4632.
4- المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي 3 / 184 - 185 ح 1329.
5- راجع : ج 1 / 220 رقم 263.

وقال مرّة ، والنسائي وأبو حاتم : ليس بالقويّ.

وفي « التهذيب » أيضا : قال النسائي مرّة : ضعيف.

وقال ابن المديني : فليح وأخوه عبد الحميد ضعيفان (1).

وقد روى البخاري هذا الحديث أيضا في أواخر الجزء الثاني ، في باب هجرة النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأصحابه إلى المدينة (2) ، وفي سنده إسماعيل بن عبد اللّه ، الكذّاب الوضّاع ، كما عرفت بعض ترجمته في المقدّمة (3).

فإذا كان خبر استثناء باب أبي بكر بهذا الحال من الضعف ، لم يصلح للاحتجاج به على استثنائه ، فضلا عن أن يعارض به أخبار استثناء باب أمير المؤمنين المستفيضة أو المتواترة.

وأعجب من القول بمعارضته لها دعوى ابن الجوزي وضعها لأجله ، لكنّه ذكر منها ثمانية ، كما ستعرف (4).

وذكر السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ما يزيد على ثلاثين حديثا منها هذه الثمانية (5).

ولنذكر منها ما يدلّ على أنّ استثناء باب عليّ علیه السلام ؛ لطهارته وجواز أن يجنب في المسجد أو يمرّ فيه جنبا ، ولكونه من النبيّ صلی اللّه علیه و آله بمنزلة

ص: 111


1- ميزان الاعتدال 5 / 442 - 443 رقم 6788 ، تهذيب التهذيب 6 / 431 - 432 رقم 5631 ، وانظر : معرفة الرجال - ليحيى بن معين - 1 / 69 رقم 156 ، الضعفاء والمتروكين - للنسائي - : 197 رقم 510 ، الجرح والتعديل - لابن أبي حاتم - 7 / 84 - 85 رقم 479.
2- صحيح البخاري 5 / 153 - 154 ح 386.
3- راجع : ج 1 / 76 رقم 23.
4- انظر : الموضوعات 1 / 363 - 367.
5- اللآلئ المصنوعة 1 / 317 - 324.

هارون من موسى ؛ لتعرف عدم صحّة استثناء باب أبي بكر.

فمنها : ما حكاه عن ابن حجر في « القول المسدّد » ، عن أحمد والنسائي ، بسنديهما عن ابن عبّاس ، قال في حديث سدّ الأبواب إلّا باب عليّ : « فكان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق آخر ».

ثمّ قال ابن حجر : وأخرجه الكلاباذي في « معاني الأخبار » ، ثمّ ذكر له طريقا آخر.

وأخرجه ابن الجوزي في « الموضوعات » ، من طريق أبي نعيم ، ثمّ ذكر له طريقا آخر أيضا (1).

ومنها : ما حكاه عن ابن حجر أيضا ، عن الطبراني في « الكبير » ، بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بسدّ الأبواب كلّها غير باب عليّ ، فقال العبّاس : يا رسول اللّه! قدر ما أدخل وحدي [ واخرج ]؟!

قال : ما أمرت بشيء من ذلك ؛ فسدّها [ كلّها ] غير باب عليّ.

قال : وربّما مرّ وهو جنب (2).

ومنها : ما حكاه عن أبي نعيم في « فضائل الصحابة » ، بسنده عن بريدة الأسلمي ، قال : أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بسدّ الأبواب ، فشقّ ذلك على أصحابه ، فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دعا الصلاة جامعة ، حتّى إذا

ص: 112


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 319 ، وانظر : القول المسدّد : 55 ، مسند أحمد 1 / 331 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 119 ح 8428 ، الموضوعات 1 / 364 ، حلية الأولياء 4 / 153 رقم 258.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 319 - 320 ، وانظر : القول المسدّد : 55 - 56 ، المعجم الكبير 2 / 246 ح 2031.

اجتمعوا صعد المنبر ، ولم نسمع لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله تحميدا وتعظيما في خطبة مثل يومئذ ، فقال :

أيّها الناس! ... ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها بل اللّه فتحها وسدّها.

ثمّ قرأ : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلأَوَحْيٌ يُوحى ) (1).

فقال رجل : دع لي كوّة تكون في المسجد؟

فأبى ، وترك باب عليّ مفتوحا ، فكان يدخل ويخرج منه وهو جنب (2).

ومنها : ما حكاه أيضا عن أبي نعيم في « الفضائل » ، بسنده عن ابن مسعود ، قال : « انتهى إلينا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ذات ليلة ونحن في المسجد جماعة من الصحابة ، فينا أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وحمزة ، وطلحة ، والزبير ، وجماعة من الصحابة بعدما صلّيت العشاء ، فقال : ما هذه الجماعة؟!

قالوا : يا رسول اللّه قعدنا نتحدّث ، منّا من يريد الصلاة ، ومنّا من ينام.

فقال : إنّ مسجدي لا ينام فيه ، انصرفوا إلى منازلكم ، ومن أراد الصلاة فليصلّ في منزله راشدا ، ومن لم يستطع فلينم ، فإنّ صلاة السرّ تضعف على صلاة العلانية.

ص: 113


1- سورة النجم 53 : 1 - 4.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 321 ، وانظر : فضائل الخلفاء الأربعة - لأبي نعيم - : 71 - 72 ح 59.

فقمنا فتفرّقنا وفينا عليّ بن أبي طالب ، فقام معنا ، فأخذ بيد عليّ وقال : أمّا أنت فإنّه يحلّ لك في مسجدي ما يحلّ لي ، ويحرم عليك ما يحرم عليّ.

فقال له حمزة بن عبد المطّلب : يا رسول اللّه! أنا عمّك ، وأنا أقرب إليك من عليّ.

قال : صدقت يا عمّ ، إنّه واللّه ما هو عنّي ، إنّما هو عن اللّه عزّ وجلّ » (1).

ومنها : ما حكاه عن ابن الجوزي في « الموضوعات » ، عن أبي نعيم (2) ، بسنده عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعليّ : إنّ موسى سأل ربّه أن يطهّر مسجده لهارون وذرّيّته ، وإنّي سألت اللّه أن يطهّر مسجدي لك ولذرّيّتك من بعدك.

ثمّ أرسل إلى أبي بكر أن سدّ بابك ، فاسترجع ... وقال : سمعا وطاعة ؛ فسدّ بابه.

ثمّ [ أرسل ] إلى عمر ... كذلك.

ثمّ صعد المنبر فقال : ما أنا سددت أبوابكم ، ولا فتحت باب عليّ ، ولكنّ اللّه سدّ أبوابكم وفتح باب عليّ (3).

ص: 114


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 322 ، وانظر : فضائل الخلفاء الأربعة - لأبي نعيم - : 72 - 73 ح 60.
2- (2) كذا في الأصل ، وهو سهو ، فلم ينقله ابن الجوزي عن أبي نعيم ، وربّما جاء هذا نتيجة استطراد الشيخ المظفّر قدس سره في النقل عمّن نقل عن أبي نعيم كما في الموردين السابقين ، كما إنّنا لم نجد الحديث عند أبي نعيم ؛ فلاحظ!
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 317 - 318 ، وانظر : الموضوعات 1 / 364 - 365.

ومنها : ما حكاه أيضا عن ابن الجوزي ، عن ابن مردويه ، بسنده عن أبي سعيد ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال لعليّ : لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك (1).

ثمّ حكاه السيوطي ، عن الترمذي ، وعن البيهقي في « سننه » من طريقين (2).

قال البيهقي (3) : وقد ورد من طرق.

ثمّ حكاه السيوطي ، عن البزّار ، بسنده عن سعد (4).

أقول : وقد وجدت الحديث في فضائل عليّ علیه السلام من سنن الترمذي وحسّنه (5).

ومنها : ما حكاه عن ابن منيع في « مسنده » ، عن جابر ، قال : جاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ونحن مضطجعون في المسجد ، فضربنا بعسيب (6) كان بيده رطبا وقال : ترقدون في المسجد؟! إنّه لا يرقد فيه!

ص: 115


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 322 ، وانظر : الموضوعات 1 / 367 - 368.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 323 ، وانظر : سنن الترمذي 5 / 598 ح 3727 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 7 / 66 كتاب النكاح / باب دخوله المسجد جنبا.
3- كذا في الأصل ، وهو تصحيف ، والصواب « السيوطي » ، انظر اللآلئ المصنوعة 1 / 323.
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 323 ، وانظر : مسند البزّار 4 / 36 ح 1197 ، مجمع الزوائد 9 / 115.
5- سنن الترمذي 5 / 598 ح 3727.
6- العسيب : جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها ، والعسيب من السعف : فويق الكرب ممّا لا ينبت عليه الخوص ؛ انظر : لسان العرب 9 / 197 - 198 مادّة « عسب ».

فانجفلنا (1) وانجفل معنا عليّ ، فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا عليّ! إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي (2).

ومنها : ما حكاه عن ابن أبي شيبة ، بسنده عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها ، قالت : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ألا إنّ مسجدي حرام على كلّ حائض من النساء ، وكلّ جنب من الرجال ، إلّا على محمّد وأهل بيته : عليّ وفاطمة والحسن والحسين (3).

ويعضد هذه الأخبار ويفيد مفادها أخبار عديدة ، منها : حديث عمر السابق المروي بطرق كثيرة ، كما سمعت (4).

فظهر حلّيّة المسجد لعليّ علیه السلام جنابة ونوما ؛ وليس هو إلّا لطهارة نفسه القدسيّة طهارة لا يدنّسها ما يدنّس غيره ؛ فكيف يستثنى باب أبي بكر ، وهو من سائر الناس؟!

بل في بعض الأخبار أنّ عليّا علیه السلام مطهّر للمسجد ؛ ففي « كنز العمّال » (5) ، عن البزّار ، عن عليّ علیه السلام ، قال : أخذ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بيدي فقال : إنّ موسى سأل ربّه أن يطهّر مسجده بهارون ، وإنّي سألت ربّي أن يطهّر مسجدي بك وبذريّتك.

ص: 116


1- إنجفل القوم انجفالا : هربوا بسرعة وانقلعوا كلّهم ومضوا ؛ انظر : لسان العرب 2 / 309 مادّة « جفل ».
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 323.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 323 ؛ وانظر : السنن الكبرى - للبيهقي - 7 / 65 ، تاريخ أصبهان 1 / 344 رقم 625 ، تاريخ دمشق 14 / 166 ، كنز العمّال 12 / 101 ح 34182 و 34183.
4- راجع الصفحتين 109 و 110 من هذا الجزء.
5- ص 408 من ج 6 [ 13 / 175 ح 36521 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند البزار 144/2 ح 506.

ثمّ أرسل إلى أبي بكر أن سدّ بابك ، فاسترجع ثمّ قال : سمعا وطاعة ؛ فسدّ بابه ، ثمّ أرسل إلى عمر ، ثمّ أرسل إلى العبّاس ، بمثل ذلك ، ثمّ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب عليّ ، ولكنّ اللّه فتح باب عليّ وسدّ أبوابكم.

وبالجملة ، لا وجه لاستثناء باب أبي بكر ، وهو ليس ممّن طهّرهم اللّه من الرجس حتّى يحسن دخوله المسجد جنبا ، ولا هو من النبيّ صلی اللّه علیه و آله بمنزلة هارون من موسى حتّى يجمل إلحاقه به.

فيكون ما دلّ على استثناء بابه باطلا ، ولا سيّما مع ضعفه سندا ، ومعارضته بالأخبار المصرّحة بسدّ بابه وباب من هو أولى منه بالرعاية والكرامة ، وهو حمزة أسد اللّه وأسد رسوله ، والعبّاس عمّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، حتّى إنّ العبّاس طلب فتح بابه قدر ما يدخل وحده فمنعه النبيّ صلی اللّه علیه و آله ومنع حتّى الكوّة (1).

وبذلك علم فضل أمير المؤمنين علیه السلام على جميع الصحابة ، فيكون أولاها بالإمامة.

واعلم أنّه قد تضمّن كلام السيوطي في « اللآلئ » الجواب عن دعوى ابن الجوزي وضع الأحاديث الدالّة على استثناء باب عليّ علیه السلام ، وذكر في الأثناء ردّ ابن حجر لابن الجوزي ، فلنذكر ما بيّنه السيوطي ملخّصا ..

فإنّه نقل فيها عن ابن الجوزي في « الموضوعات » ثمانية أحاديث :

ص: 117


1- الكوّة - بالضمّ - : هي نقب البيت ، أو الخرق في الحائط والثقب بالبيت ، أو الموضع الضيّق ونحوه. أنظر مادّة «كوی» في : الصحاح 2478/6 ، الفائق في غريب الحديث 285/3 ، لسان العرب 198/12.

حديثان منها لأحمد في مسنده ، أحدهما عن سعد بن أبي وقّاص ، والآخر عن ابن عمر (1) ..

وحديثان للنسائي ، أحدهما عن سعد ، والآخر عن زيد بن أرقم (2) ..

وحديثان لأبي نعيم ، كلاهما عن ابن عبّاس (3) ..

وحديث للخطيب ، عن جابر بن عبد اللّه (4) ..

وحديث لابن مردويه ، عن أبي سعيد (5).

وقد زعم ابن الجوزي أنّ هذه الأحاديث جميعا باطلة موضوعة ، قال : « هي من وضع الرافضة ، قابلوا بها حديث أبي بكر في الصحيح » (6).

ثمّ نقل السيوطي عن ابن حجر في « القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد » أنّه قال : « قول ابن الجوزي في الحديث إنّه باطل [ وانّه ] موضوع ، دعوى لم يستدل عليها إلّا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين ، وهذا إقدام على ردّ الأحاديث الصحيحة بمجرّد التوهّم ».

ثمّ قال : « وهذا الحديث مشهور ، له طرق متعدّدة ، كلّ طريق منها

ص: 118


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 317 ، الموضوعات 1 / 363 و 364 ، وانظر : مسند أحمد 1 / 175 و 2 / 26.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 317 و 318 ، الموضوعات 1 / 363 و 365 ، وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 118 ح 8423 - 8426.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 317 ، الموضوعات 1 / 364 ، وانظر : حلية الأولياء 4 / 153 رقم 258 ترجمة عمرو بن ميمون الأسدي.
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 318 ، الموضوعات 1 / 365 ، وانظر : تاريخ بغداد 7 / 205 رقم 3669.
5- اللآلئ المصنوعة 1 / 322 ، الموضوعات 1 / 367 - 368 ، وانظر : سنن الترمذي 5 / 598 ح 3727.
6- الموضوعات 1 / 366.

على انفراده لا يقصر عن رتبة الحسن ، ومجموعها ممّا يقطع بصحّته على طريقة كثير من أهل الحديث » (1).

ثمّ نقل ابن حجر عن البزّار أنّ الروايات فيه جاءت من وجوه بأسانيد حسان (2).

ثمّ ذكر ابن حجر جملة أخرى من طرق الحديث ، تزيد على الطرق التي ذكرها ابن الجوزي ، وقد صحّح هو بعضها (3) ، وصحّح الحاكم بعضها (4) ، وروى أحمد بعضها (5) ، والضياء في « المختارة » (6) ، وغيرهم من عظماء علمائهم (7).

وفي أثناء ذلك تعرّض للجواب عن طعن ابن الجوزي في أسانيد الأخبار التي ذكرها وخطّأه في ما أعلّها به ، وذكر أنّ بعضا من رجال هذه الأسانيد قد صحّح له الترمذي ، ووثقه غير واحد ، وبعضهم من رجال مسلم (8).

ثمّ قال : « فهذه الطرق المتضافرة بروايات الثقات تدلّ على أنّ

ص: 119


1- القول المسدّد : 53 ، وانظر : اللآلئ المصنوعة 1 / 318 - 319.
2- القول المسدّد : 53 ، وانظر : اللآلئ المصنوعة 1 / 319.
3- القول المسدّد : 52 - 58 ، اللآلئ المصنوعة 1 / 319 - 320.
4- المستدرك على الصحيحين 3 / 135 ح 4631 و 4632 ، اللآلئ المصنوعة 1 / 319.
5- اللآلئ المصنوعة 1 / 319 و 321 ، مسند أحمد 4 / 369 وج 2 / 26 وج 1 / 175 و 331.
6- كما في القول المسدّد : 54.
7- انظر الصفحة 105 ه 2 من هذا الجزء.
8- القول المسدّد : 54.

الحديث صحيح » (1).

إلى أن قال : « ولو فتح هذا الباب لردّ الأحاديث لأدّعى (2) في كثير من الأحاديث الصحيحة البطلان ، ولكن يأبى اللّه ذلك والمؤمنون » (3).

ثمّ ذكر السيوطي بعد انتهاء هذا الكلام من ابن حجر سبعة طرق أخر للحديث ، ثمّ نقل بعدها حديث ابن مردويه الذي ذكره ابن الجوزي في « الموضوعات » (4) الذي أشرنا إليه (5).

ثمّ أورد له ثمانية طرق أخر ، فكان جميع طرق الحديث في « اللآلئ المصنوعة » ما يناهز الأربعين طريقا ، مسندة إلى جماعة من الصحابة ، منهم : أمير المؤمنين علیه السلام ، وابن عبّاس ، وسعد بن أبي وقّاص ، وزيد بن أرقم ، وجابر بن عبد اللّه ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبو سعيد ، وأنس ابن مالك ، وبريدة الأسلمي ، وجابر بن سمرة ، وأمّ سلمة ، وعائشة (6) ...

مضافا إلى البراء بن عازب ، وحذيفة بن أسيد ، على ما في حديث ابن المغازلي ، المشتمل سنده عليهما وعلى جماعة آخرين ممّن عرفت ، وقد ذكره في الباب السابع عشر من « ينابيع المودّة » مع عدّة أخبار ، ومضافا إلى عمر ، كما سمعته في رواية الحاكم وغيره من طرق مرويّة عنه (7).

ص: 120


1- القول المسدّد : 56 ، وانظر : اللآلئ المصنوعة 1 / 320.
2- كذا الأصل ، ولعلّه تصحيف ؛ وفي المصدر : لأدّعي.
3- القول المسدّد : 57 ، وانظر : اللآلئ المصنوعة 1 / 320.
4- الموضوعات 1 / 367 - 368.
5- انظر الصفحة 118 ه 5 من هذا الجزء.
6- اللآلئ المصنوعة 1 / 320 - 324.
7- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 226 - 231 ح 303 - 309 ، ينابيع المودّة 1 / 257 - 260 ح 1 - 10.

ولنعيّن لك صفحات روايات أحمد في مسنده ؛ لترجع إليها عند الحاجة ، فإنّه روى :

حديث سعد ، صفحة 175 من الجزء الأوّل ..

وحديث ابن عبّاس ، صفحة 331 من الجزء الأوّل أيضا ...

وحديث ابن عمر ، صفحة 26 من الجزء الثاني ..

وحديث زيد بن أرقم ، صفحة 369 من الجزء الرابع ..

ولعلّه لأحمد أحاديث أخر.

فأنت ترى أنّ طرق الحديث مستفيضة أو متواترة ، ولا سيّما بضميمة أخبارنا ، وقد صحّح القوم جملة من أحاديثهم كما عرفت ، حتّى صحّح الحاكم في « المستدرك » طريقين منها (1) ، وأقرّه الذهبي - مع ما تعلمه من حاله - على صحّة حديث زيد بن أرقم ، الذي رواه مع حديث عمر ، صفحة 125 من الجزء الثالث (2).

فمع هذا كلّه ، كيف يجوز لابن الجوزي دعوى الوضع لمجرّد رواية الصحيحين لحديث استثناء باب أبي بكر ، وهو أقرب إلى الوضع ؛ لأنّه من حديث المتّهمين والنصّاب ، مع ضعف رجال سنده كما عرفت (3) ، وعدم تعدّد طرقه؟! ولكن لا حيلة مع التعصّب ومجانبة الإنصاف!!

* * *

ص: 121


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 135 ح 4631 و 4632.
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 135 ح 4631.
3- راجع الصفحتين 110 و 111 من هذا الجزء.

13 - حديث المؤاخاة

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

الثالث عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، من عدّة طرق ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله آخى بين الناس وترك عليّا حتّى بقي آخرهم لا يرى له أخا ، فقال : يا رسول اللّه! آخيت بين أصحابك وتركتني؟!

فقال : « إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإن ذكرك أحد فقل : أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب.

والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ، ووارثي » (2).

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، قال : « مكتوب على باب الجنّة : محمّد رسول اللّه ، عليّ أخو رسول اللّه ،

ص: 122


1- نهج الحقّ : 217.
2- أخرجه أحمد في « المسند » كما في ينابيع المودّة 1 / 177 ح 1 ، وفي فضائل الصحابة 2 / 765 ح 1055 وص 792 ح 1085 وص 829 ح 1137 ؛ وانظر : سنن الترمذي 5 / 595 ح 3720 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 16 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 3 / 36 ، السيرة النبوية - لابن حبّان - : 149 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 15 - 16 ح 4288 - 4289 ، الاستيعاب 3 / 1098 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 88 - 89 ح 57 - 60 ، مصابيح السنّة 4 / 173 ح 4769 ، تاريخ دمشق 42 / 51 - 62 ، كنز العمّال 13 / 105 - 106 ح 36345 وص 140 ح 36440.

قبل أن يخلق اللّه السموات بألفي عام » (1).

* * *

ص: 123


1- انظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 827 - 828 ح 1134 - 1135 وص 831 - 832 ح 1140 ، المعجم الأوسط 5 / 504 ح 5498 ، حلية الأولياء 7 / 256 ، تاريخ بغداد 7 / 387 رقم 3919 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 122 - 123 ح 134 ، فردوس الأخبار 2 / 340 ح 6710 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 144 ح 168 ، تاريخ دمشق 42 / 59 ، الرياض النضرة 3 / 125 ، مجمع الزوائد 9 / 111 ، كنز العمّال 11 / 624 ح 33043 وج 13 / 138 ح 36435.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

حديث المؤاخاة مشهور معتبر معوّل عليه ، ولا شكّ أنّ عليّا أخ (2) رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومحبّه وحبيبه ، وكان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله شديد الحبّ له ، وهذا كلّه يؤخذ من صحاحنا ومن مذهبنا ، ولكن لا يدلّ على النصّ ؛ لأنّ أبا بكر كان خليل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ووزيره وقرينه ، وله أيضا من الفضائل ما لا يعدّ ولا يحصى ، والكلام ليس في عدّ الفضائل وإثباتها ، بل وجود النصّ.

* * *

ص: 124


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 439.
2- كذا في الأصل ، وليس بعزيز من مثل الفضل ، والصواب لغة : « أخو ».

وأقول :

نقل في « ينابيع المودّة » ، في الباب التاسع ، حديث المؤاخاة عن أحمد في مسنده ، عن زيد بن أبي أوفى (1).

كما نقله المصنّف رحمه اللّه في « منهاج الكرامة » ، عن « المسند » أيضا (2).

وقد سبق ذكره في الآية الثانية والثلاثين ، وأنّ ابن تيميّة زعم أنّه من زيادات القطيعي (3).

وسبق أنّه قد نقله في « كنز العمّال » و « تذكرة الخواصّ » ، عن أحمد في « الفضائل » (4).

ثمّ حكى في « الينابيع » أيضا ، عن أحمد في « مسنده » ، عن حذيفة ابن اليمان ، قال : « آخى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بين المهاجرين والأنصار ، وكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، ثمّ أخذ بيد عليّ علیه السلام ، فقال : هذا أخي » (5).

وحكى أيضا عن عبد اللّه بن أحمد في « زوائد المسند » ثمانية أحاديث في مؤاخاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله لعليّ علیه السلام (6).

ص: 125


1- ينابيع المودّة 1 / 177 ح 1.
2- منهاج الكرامة : 144 - 145.
3- انظر : ج 5 / 143 من هذا الكتاب ، منهاج السنّة 7 / 278.
4- فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 792 ح 1085 ، وانظر : كنز العمّال 13 / 105 - 106 ح 36345 ، تذكرة الخواصّ : 29 و 31.
5- ينابيع المودّة 1 / 178 ح 4.
6- (6) إنّما هما حديثان عن « زوائد المسند » ، فانظر : ينابيع المودّة 1 / 178 ح 3 وص 179 ح 6 ، ويبدو أنّ ذلك من سهو القلم ، فمجموعة أحاديث المؤاخاة المذكورة في ينابيع المودّة 1 / 177 - 181 ب 9 ح 1 - 7 هي من مصادر مختلفة وبطرق متعدّدة ؛ فلاحظ!

فيمكن أن يكون المصنّف رحمه اللّه أشار إلى هذه الأحاديث بقوله : « من عدّة طرق » ، وكأنّ القوم قد تعلّلوا لحذفها من « المسند » في الطبع ، بدعوى أنّها من الزيادات ، فإنّي لم أعثر على شيء منها!

وروى الترمذي حديث المؤاخاة في فضائل عليّ علیه السلام من « سننه » ، عن ابن عمر ، وحسّنه ، ثمّ قال : وفيه عن زيد بن أبي أوفى (1).

ورواه في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين علیه السلام ، عن أبي الطفيل ، قال : « لمّا احتضر عمر جعلها شورى بين عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد ، فقال لهم عليّ : أنشدكم اللّه هل فيكم أحد آخى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بينه وبينه - إذ آخى بين المسلمين - غيري؟!

قالوا : اللّهمّ لا ».

ثمّ قال : « وروينا من وجوه عن عليّ أنّه كان يقول : أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلّا كذّاب ».

ثمّ قال : « قال أبو عمر (2) : آخى رسول اللّه بين المهاجرين [ بمكّة ] ، ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار [ بالمدينة ] ، وقال في كلّ واحدة منهما لعليّ : أنت أخي في الدنيا والآخرة ؛ وآخى بينه وبين نفسه ؛ فلذلك كان هذا القول وما أشبهه من عليّ ».

انتهى ما في « الاستيعاب » (3).

ص: 126


1- سنن الترمذي 5 / 595 ح 3720.
2- هو صاحب كتاب « الاستيعاب في معرفة الأصحاب » ، أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ الأندلسي ، المتوفّى سنة 463 ه.
3- الاستيعاب 3 / 1098 - 1099.

وروى الحاكم حديث المؤاخاة في « المستدرك » ، في كتاب الهجرة ، من طرق ، عن ابن عمر (1)

وحكى في « كنز العمّال » (2) ، عن الخلعي ، والبيهقي في « سننه » (3) ، والضياء في « المختارة » ، عن عليّ علیه السلام ، قال : « آخى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بين عمر وأبي بكر ، وبين حمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة - إلى أن قال : - وبيني وبين نفسه »

وحكى في « الكنز » أيضا (4) ، عن أبي يعلى في « مسنده » (5) ، عن عليّ علیه السلام ، قال : « آخى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بين الناس وتركني - إلى أن قال : - قال : إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإن حاجّك أحد فقل : إنّي عبد اللّه وأخو رسوله ، لا يدّعيها أحد بعدك إلّا كذّاب ».

وحكى في « الكنز » أيضا نحوه (6) ، عن ابن عديّ ، بسنده عن يعلى ابن مرّة.

وحكى فيه أيضا ، عن الطبراني ، عن ابن عبّاس : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعليّ علیه السلام : « أغضبت [ عليّ ] حين واخيت بين المهاجرين والأنصار ، ولم أواخ بينك وبين أحد منهم؟!

ص: 127


1- ص 14 من الجزء الثالث [ 3 / 15 - 16 ح 4288 ]. منه قدس سره .
2- ص 394 من الجزء السادس [ 13 / 120 ح 36384 ]. منه قدس سره .
3- (3) لم نعثر عليه في « السنن » المطبوع!
4- ص 399 من ج 6 [ 13 / 140 ح 36440 ]. منه قدس سره .
5- (5) لم نعثر عليه في « مسند أبي يعلى » المطبوع!
6- ص 54 من ج 6 [ 11 / 608 ح 32939 ]. منه قدس سره . وأنظر : الكامل في ضعفاء الرجال 35/5 رقم 1205.

أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟!

ألا من أحبّك حفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته اللّه ميتة الجاهلية » (1).

وحكى أيضا حديث المؤاخاة بين النبيّ وعليّ ، عن ابن عساكر ، عن أبي رافع ، عن أبي أمامة (2).

ونقل سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » ثلاث روايات في المؤاخاة ، عن أحمد في « الفضائل » ، كما هي عادته في النقل عنها ، وأثبت وثاقتها ، ونقل أيضا عن أحمد ما نقله المصنّف رحمه اللّه عن « الجمع بين الصحاح » (3).

وحكى في « ينابيع المودّة » ، في الباب التاسع ، عن ابن المغازلي ، أنّه أخرج ستّة أحاديث في المؤاخاة ، وعن أخطب خوارزم اثني (4) عشر حديثا ، وعن الحمويني حديثين ، بأسانيدهم عن ابن عبّاس ، وابن عمر ، وحذيفة ، وأنس ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن أبي أوفى ، وأبي أمامة ، وغيرهم (5).

ص: 128


1- كنز العمّال 11 / 607 ح 32935 ، وانظر : المعجم الأوسط 8 / 73 - 74 ح 7894 ، المعجم الكبير 11 / 62 - 63 ح 11092 ، مجمع الزوائد 9 / 111.
2- ص 400 من ج 6 [ 13 / 144 ح 36450 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 51/42.
3- تذكرة الخواصّ : 29 - 31.
4- في المصدر : « إحدى ».
5- (5) ينابيع المودّة 1 / 179 ضمن ح 5 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 88 - 89 ح 57 - 60 وص 135 ح 154 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام للخوارزمي - :111 - 112 ح 120 و 121 وص 140 ح 159 وص 144 ح 168 وص 152 ضمن ح 178 وص 157 ح 186 وص 294 ح 282 وص 301 ضمن ح 296 وص 341 ح 361 وص 344 ضمن ح 364 وص 359 ح 372 ، فرائد السمطين 1 / 112 - 116 ح 80 و 81.

وقد مرّ في الآية الثالثة والعشرين الأحاديث في قول أمير المؤمنين : « أنا عبد اللّه وأخو رسوله » (1).

ونقل في « كنز العمّال » (2) ، عن العدني ، عن أبي يحيى ، قال : سمعت عليّا يقول : « أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، لا يقولها أحد بعدي إلّا كاذب » ؛ فقالها رجل فأصابته جنّة

ويشهد لصحّة أخبار المؤاخاة بين المهاجرين ، ما رواه البخاري في باب « كيف يكتب : هذا ما صالح فلان بن فلان » ، من كتاب « الصلح » (3).

وفي باب « عمرة القضاء » ، من كتاب « المغازي » ، أنّه اختصم عليّ وجعفر وزيد بن حارثة في كفالة ابنة حمزة لمّا تبعت النبيّ صلی اللّه علیه و آله وتناولها عليّ علیه السلام ؛ فقال عليّ علیه السلام : أنا أخذتها ، وهي بنت عمّي.

وقال جعفر : هي ابنة عمّي ، وخالتها تحتي.

وقال زيد : ابنة أخي (4).

ومثله في « مستدرك » الحاكم (5).

إذ لا معنى لقول زيد : « ابنة أخي » ومنازعته لأمير المؤمنين وجعفر ،

ص: 129


1- راجع : ج 5 / 97 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- ص 396 من الجزء السادس [ 13 / 129 ح 36410 ]. منه قدس سره .
3- صحيح البخاري 4 / 22 ح 9.
4- صحيح البخاري 5 / 291 - 292 ح 263.
5- ص 120 من الجزء الثالث [ 3 / 130 ح 4614 ]. منه قدس سره .

وهما هما مع رحمهما الماسّة بابنة عمّهما لو لا المؤاخاة التي عقدها النبيّ صلی اللّه علیه و آله بين حمزة وزيد ، وهما مهاجريّان (1).

لكنّ ابن تيميّة أنكر المؤاخاة بين المهاجرين ، وبين النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأمير المؤمنين (2) ، قال : لأنّ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لإرفاق بعضهم ببعض ، ولتأليف قلوب بعضهم ببعض ، فلا معنى لمؤاخاة مهاجريّ لمهاجريّ (3).

وفيه : إنّ الإرفاق والتأليف أيضا مطلوبان بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، مع اشتمال المؤاخاة على حكم كثيرة أخر.

قال في « السيرة » (4) : « قال الحافظ ابن حجر : وهذا ردّ للنصّ بالقياس ، وبعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة ، فآخى بين الأعلى والأدنى ، ليرتفق الأدنى بالأعلى ، وليستعين الأعلى بالأدنى.

ولهذا تظهر مؤاخاته صلی اللّه علیه و آله لعليّ علیه السلام ؛ لأنّه كان هو الذي يقوم بأمره قبل البعثة (5).

وفي ( الصحيح ) ، في عمرة القضاء ، أنّ زيد بن حارثة قال : ( إنّ بنت حمزة بنت أخي ) ؛ أي بسبب المؤاخاة (6) » ؛ انتهى.

ص: 130


1- انظر : السيرة النبوية - لابن كثير - 2 / 324 - 325 ، السيرة الحلبية 2 / 181.
2- انظر : منهاج السنّة 4 / 32 - 33 وج 5 / 71 وج 6 / 172 وج 7 / 279 و 361 و 362.
3- كما في : السيرة النبوية - لابن كثير - 2 / 326 ولم يصرّح باسم ابن تيميّة ، فتح الباري 7 / 345 ب 50 ح 3937 ، السيرة الحلبية 2 / 181 - 182.
4- ص 22 من الجزء الثاني [ السيرة الحلبية 2 / 182 ]. منه قدس سره .
5- فتح الباري 7 / 345 ب 50 ح 3937.
6- تقدّم تخريجه في الصفحة السابقة ه 4.

وهو كلام حسن ، سوى إنّ مؤاخاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله لعليّ ليست للارتزاق ؛ لغنى عليّ علیه السلام حينئذ بالغنائم وغيرها ، وبلوغه منزلة يعول بها ولا يعال به.

وإنّما الغرض من مؤاخاته لعليّ تعريف منزلته ، وبيان فضله على غيره ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، كما دلّ عليه بعض الأخبار (1) ؛ لأنّ ذلك أقرب إلى التعاون والتعاضد ، وأوجب للتأليف ، فيكون أمير المؤمنين علیه السلام هو النظير لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

كما جعلته آية المباهلة نفسه ؛ وذلك رمز لإمامته ؛ ولذا احتجّ به أمير المؤمنين يوم الشورى (2).

كما أشار رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله - أيضا - إلى ذلك بقوله في كثير من هذه الأحاديث : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ».

وقوله : أنت أخي ووارثي ؛ فقال عليّ : وما أرث منك؟ قال : ما ورّث الأنبياء قبلي ؛ قال : وما ورّثوا؟ قال : كتاب اللّه وسنن أنبيائه ؛ كما سبق في الآية الثانية والثلاثين (3).

فإنّ عليّا علیه السلام إذا ورث مواريث الأنبياء كان من خلفائهم وإمام الأمّة ؛ إذ ليس الإمام إلّا من كان كذلك.

ويشهد لذلك وصف عليّ علیه السلام بالأخوّة في عرض وصف النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالرسالة ، في ما هو مكتوب على باب الجنّة ، كما في الخبر

ص: 131


1- انظر علاوة على أحاديث المؤاخاة المتقدّمة : مطالب السؤول : 87 - 88 ، كفاية الطالب : 194 ، الرياض النضرة 3 / 187 ، ينابيع المودّة 1 / 178.
2- انظر مبحث آية المباهلة في ج 4 / 399 وما بعدها من هذا الكتاب.
3- انظر : ج 5 / 143 وما بعدها من هذا الكتاب.

الذي نقله المصنّف رحمه اللّه عن « الجمع بين الصحاح » (1) ، ونقلناه عن « تذكرة الخواصّ » (2) ، ونقله في « كنز العمّال » عن الطبراني والخطيب (3) ، وعن ابن عساكر (4) ، بأسانيدهم عن جابر (5).

وأمّا مناظرة الفضل للحديث بأنّ أبا بكر خليل رسول اللّه ووزيره وقرينه ، فمن مقاومة حجّتنا عليهم بما ليس حجّة علينا.

والظاهر ، أنّه أشار بقوله : « خليل رسول اللّه » إلى ما رووه من قوله صلی اللّه علیه و آله : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا » (6).

وأنت ترى أنّه نفي للخلّة (7) لا إثبات لها.

نعم ، فيه خلّة فرضية لا تساوي الأخوّة الفعليّة ، مع أنّ الأخوّة فوق الخلّة.

وسيأتي إن شاء اللّه تعالى ما على هذا الخبر من دلائل أنّه من الموضوعات.

ص: 132


1- انظر الصفحة 122 - 123 من هذا الجزء.
2- تذكرة الخواصّ : 30 ، وانظر الصفحة 125 ه 4 من هذا الجزء.
3- ص 159 من الجزء السادس [ 11 / 624 ح 33043 ]. منه قدس سره . وأنظر : المعجم الأوسط 504/5 ح 5498 ، المتفق والمفترق 498/1 ح 260 ، تاريخ بغداد 387/7 رقم 3919.
4- ص 399 من هذا الجزء [ 13 / 138 ح 36435 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 59/42.
5- (5) وانظر مبحث حديث المؤاخاة في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 3 / 242 - 249!
6- انظر : سنن الترمذي 5 / 567 - 568 ح 3659 و 3660 ، مسند أحمد 1 / 377 و 433.
7- الخلّة : الصداقة المختصّة التي ليس فيها خلل ؛ انظر : لسان العرب 4 / 202 مادّة « خلل ».

14 - حديث : إنّ عليّا منّي وأنا من عليّ

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

الرابع عشر : من مسند أحمد بن حنبل ، وفي الصحاح الستّة ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، من عدّة طرق : « إنّ عليّا منّي وأنا من عليّ ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي ، لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ » (2).

وفيه أيضا : لمّا قتل عليّ أصحاب الألوية يوم أحد قال جبرئيل لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّ هذه [ لهي ] (3) المواساة.

ص: 133


1- نهج الحقّ : 218.
2- مسند أحمد 4 / 164 و 165 و 438 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 735 ح 1010 وص 742 ح 1023 ، صحيح البخاري 4 / 22 ح 9 وج 5 / 87 « باب مناقب عليّ بن أبي طالب ، القرشيّ الهاشميّ ، أبي الحسن رضي اللّه عنه ، وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله لعليّ : أنت منّي وأنا منك » ولم نجد في هذا الباب حديثا يدلّ على قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله هذا! وص 292 ذ ح 263 ، سنن الترمذي 5 / 594 ح 3719 ، سنن ابن ماجة 1 / 44 ح 119 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 45 ح 8146 - 8147 وص 126 ح 8453 وص 128 ح 8459 وص 133 ح 8474 ، مسند الطيالسي : 111 ح 829 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 495 ح 8 وص 504 ح 58 ، السنّة - لابن أبي عاصم - : 550 ح 1187 وص 551 ح 1189 ، مسند أبي يعلى 1 / 293 ح 355 ، مسند الروياني 1 / 62 ح 119 ، المعجم الكبير 18 / 129 ح 265 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 42 ح 6890 ، حلية الأولياء 6 / 294 رقم 287 ، مناقب الإمام عليّ 7 - لابن المغازلي - : 205 - 211 ح 267 - 276 ، مصابيح السنّة 4 / 172 ح 4766 و 4768.
3- أثبتناه من « فضائل الصحابة ».

فقال : النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّ عليّا منّي وأنا منه ».

فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول اللّه (1).

* * *

ص: 134


1- انظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 816 - 817 ح 1119 و 1120 ، المعجم الكبير 1 / 318 ح 941 ، تاريخ الطبري 2 / 65 ، الأغاني 15 / 187 ، ربيع الأبرار 1 / 833 ، تاريخ دمشق 42 / 76 ، الكامل في التاريخ 2 / 49 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 14 / 251 ، الرياض النضرة 3 / 131 عن أحمد ، ذخائر العقبى : 127 ، فرائد السمطين 1 / 257 - 258 ح 198 ، مجمع الزوائد 6 / 114 و 122 ، كنز العمّال 13 / 143 - 144 ح 36449.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

إتّصال النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعليّ في النسب ، وأخوّة الإسلام ، والنصرة ، والمؤازرة ، غير خفيّ على أحد ، ولا دلالة على النصّ بخلافته ؛ لأنّ مثل هذا الكلام قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لغير عليّ ، كما ذكر أنّه قال : « الأشعريّون إذا قحطوا أرملوا (2) ، أنا منهم وهم منّي » (3).

ولا شكّ أنّ الأشعريّين بهذا الكلام لم يصيروا خلفاء ، فلا يكون هذا نصّا.

* * *

ص: 135


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 443.
2- أرمل القوم : أي نفد زادهم ، وأصله من الرّمل كأنّهم لصقوا بالرّمل ، كما قيل للفقير : التّرب ؛ انظر : لسان العرب 5 / 321 مادّة « رمل ».
3- صحيح البخاري 3 / 276 ح 4 ، صحيح مسلم 7 / 171 كتاب الفضائل / باب فضائل الأشعريّين ، مختصر تاريخ دمشق 13 / 240 رقم 67 ، كنز العمّال 12 / 56 ح 33973.

وأقول :

روى البخاري والحاكم في « المستدرك » ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال لعليّ : « أنت منّي وأنا منك » (1)، وذلك في قصّة مخاصمة أمير المؤمنين وجعفر وزيد في ابنة حمزة ، كما أشرنا إليها في المبحث السابق (2).

وروى الحاكم في « المستدرك » (3) ، عن عمران بن حصين - وصحّحه على شرط مسلم - ، قال عمران ما حاصله : إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله استعمل عليّا على سريّة ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، فتعاقد أربعة أن يخبروا النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فأخبره أحدهم ، فأعرض عنه ، وكذلك الثاني والثالث.

ثمّ قام الرابع فأخبره ، فأقبل عليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله والغضب في وجهه فقال : « ما تريدون من عليّ؟! إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن ».

ونحوه في « سنن الترمذي » ، في مناقب عليّ علیه السلام (4).

وفي « مسند أحمد » (5) و « كنز العمّال » (6) ، نقلا عن ابن أبي شيبة ،

ص: 136


1- صحيح البخاري 4 / 22 ح 9 وج 5 / 291 - 292 ح 263 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 130 ح 4614.
2- انظر الصفحة 125 من هذا الجزء.
3- ص 110 من الجزء الثالث [ 3 / 119 ح 4579 ]. منه قدس سره .
4- سنن الترمذي 5 / 590 - 591 ح 3712.
5- ص 437 من الجزء الرابع. منه قدس سره .
6- ص 154 من الجزء السادس [ 11 / 599 ح 32883 ]. منه قدس سره . وأنظر : كنز العمال 608/11 ح 32940 و ج 142/13 ح 36444.

جميعا عن عمران (1).

وفي رواية أخرى لأحمد (2) ، ولابن أبي شيبة ، كما في « الكنز » (3) ، كلاهما عن بريدة ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « لا تقع في عليّ علیه السلام ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ».

وفي حديث آخر لابن أبي شيبة ، كما في « الكنز » (4) ، عن عمران ، - وقال : صحيح - : « عليّ منّي وأنا من عليّ ، وعليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي ».

وقد سبق في الحديث السادس أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ » (5).

رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة (6).

ودلالة الجميع على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام ظاهرة ؛ لأنّ جعل كلّ من النبيّ صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام بعضا من الآخر دليل على اتّحادهما بالمزايا والفضل والإمامة.

كما يشهد له مضيّ فعل عليّ علیه السلام في اصطفاء الجارية من السبي ، كما مرّ في رواية عمران وبريدة.

ص: 137


1- انظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 749 - 750 ح 1035 وص 768 ح 1060 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 504 ح 58.
2- ص 356 من الجزء الخامس. منه قدس سره .
3- في الصحيفة السابقة [ 11 / 608 ح 32942 ]. منه قدس سره .
4- في الصحيفة السابقة أيضا [ 11 / 608 ح 32941 ]. منه قدس سره . وأنظر : مصنف ابن أبي شيبة 504/7 ذ ح 58.
5- راجع الصفحة 65 وما بعدها من هذا الجزء.
6- انظر : مسند أحمد 4 / 164 و 165 ، سنن الترمذي 5 / 594 ح 3719 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 128 ح 8459 ، سنن ابن ماجة 1 / 44 ح 118.

وبهذا يعلم أنّه أراد الإمامة بقوله : « هو وليّ كلّ مؤمن » ؛ إذ لا يصلح إرادة غيرها في المقام.

وبالجملة ، قد دلّت هذه الروايات على صحّة اصطفاء أمير المؤمنين للجارية ، ومضيّ فعله ؛ لأنّه من رسول اللّه ورسول اللّه منه ، فيفهم منها أنّه إمام فعلا.

بل يفهم من مجرّد قوله : « هو منّي وأنا منه » ، أنّه بمنزلته فعلا ، فيكون إماما فعليّا.

ولا ينافيه التقييد بالبعديّة في بعض الأخبار المذكورة ؛ لأنّ المراد بها التأخّر في الرتبة ، والإشارة إلى قيامه بعده بتمام شؤون الإمامة ، كما سبق تحقيقه في الآية الأولى من الآيات التي استدلّ بها المصنّف رحمه اللّه على الإمامة (1).

وأمّا معارضة الفضل بما ورد عندهم في شأن الأشعريّين ، ففي غير محلّها ؛ لأنّه من حديث المخالفين ، وهو ليس حجّة علينا ..

مع أنّه من رواية أبي موسى الأشعري ، وهو محلّ التهمة ، ومنافق ؛ لبغضه عليّا (2) ، والمنافق أعظم الفاسقين ، فلا تقبل روايته لو صحّ السند

ص: 138


1- راجع : ج 4 / 304 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- لا يخفى نفاق أبي موسى الأشعري وانحرافه وسوء مواقفه وبغضه لأمير المؤمنين الإمام عليّ علیه السلام ، ومن سبر سيرته يعلم ذلك جليّا .. فموقفه لما أتاه كتاب الإمام علي عليه السلام بيد محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر - رضوان اللّه عليهما - ليجمع له أهل الكوفة لحرب الجمل ، فثبطهم عن الخروج ، فأرسل له أمير المؤمنين الإمام على عليه السلام الإمام الحسن عليه السلام وعمار بن ياسر رضي اللّه عنه إلى الكوفة ليستنهضا ،أهلها ، فماطلهما وخذل الناس عن الاستجابة لهما ، حتى أتى مالك الأشتر رضي اللّه عنه وطرده. انظر حوادث سنة 36 ه في : تاريخ الطبري 3 / 25 وما بعدها ، الكامل في التاريخ 3 / 118 وما بعدها. وما رواه سويد بن غفلة ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري يقول : قال رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم: « يكون في هذه الأمة حكمين ضالين ، ضال من اتبعهما» فقلت : يا أبا موسى ! انظر لا تكون أحدهما ؟ ! قال : فواللّه ما مات حتى رأيته أحدهما . انظر : تاریخ دمشق 92/32 . وما روي عن شقيق ، قال : كنا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبد اللّه [ أي : ابن مسعود ] وأبو موسى المسجد ، فقال : أحدهما منافق ؛ ثم قال : إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم عبد اللّه . انظر : تاریخ دمشق 93/32 . وهذا تلميح أبلغ من التصريح كما لا يخفى ؛ ومن الثابت أن رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم قد أخبر حذيفة رضي اللّه عنه بأسماء المنافقين . أنظر مثلاً : أسد الغابة 468/1 رقم 1113. وما روي عن حُكيم ، قال : كنت جالساً عمار فجاء أبو موسى ، فقال : ما لي ولك ؟ ! قال : ألستُ أخاك ؟ ! قال : ما أدري ! إلا أني سمعت رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم يلعنك ليلة الجمل [ أي : ليلة العقبة] ؛ قال : إنه استغفر لي ؛ قال عمار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار . أنظر : تاریخ دمشق 93/32 . ولا يخفى دلالة هذا النص على أنّ أبا موسى الأشعري كان من النفر الذين أرادوا قتل رسول اللّه يوم العقبة . ثم موقفه المشين يوم التحكيم في صفّين . .. إلى غير ذلك من المواقف التي تؤكد انحرافه عن الإمام علي عليه السلام وبغضه له . فكان مصداقاً لقول النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم : « لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق » .

إليه.

ولو سلّم قبولها ، فاستعمال التبعيض في حديث الأشعريّين - بغير الإمامة ، بقرينة المقام وغيره - لا يستلزم مثله في ما نحن فيه ، الذي عرفت ظهوره في الاتّحاد بالفضل والمنزلة ؛ ولذا اقتضى قوله صلی اللّه علیه و آله في قصّة براءة : « لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي » انعزال أبي بكر ، والحال أنّه ليس دون الأشعريّين عند القوم.

وممّا بيّنّا يعلم وجه الاستدلال بقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله لجبرئيل : « إنّ

ص: 139

عليّا منّي وأنا منه » ؛ لدلالته على أنّه نفس النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فله منزلته وفضله ، وقد كرّم جبرئيل نفسه يجعلها بعضا منهما.

وقد روى هذا الحديث المصنّف رحمه اللّه عن « مسند أحمد » في ظاهر كلامه (1).

وحكاه في « كنز العمّال » (2) ، عن الطبراني ، عن رافع بن خديج.

ورواه الطبري في « تاريخه » (3) ، وذكر فيه قتل عليّ علیه السلام لأصحاب الألوية ، وتفريقه لمن أراد النبيّ صلی اللّه علیه و آله من جماعات المشركين ، وقتله لبعضهم.

ومثله في « كامل » ابن الأثير (4).

ونحوه في « شرح النهج » لابن أبي الحديد (5) ، نقلا عن غلام ثعلب (6) ، ومحمّد بن حبيب في « أماليه » ، وجماعة من المحدّثين ، وقال :

ص: 140


1- راجع الصفحة 133 من هذا الجزء.
2- ص 400 ج 6 [ 13 / 143 - 144 ح 36449 ]. منه قدس سره . وأنظر : المعجم الكبير 318/1 ح 941.
3- ص 17 من الجزء الثالث [ 2 / 65 ]. منه قدس سره .
4- ص 74 من الجزء الثاني [ 2 / 49 ]. منه قدس سره .
5- نحوه في آخر ص 371 من المجلّد الثالث [ 14 / 250 - 251 ]. منه قدس سره .
6- هو : أبو عمر محمّد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرّز الباوردي ، المعروف بالزاهد ، أحد أعلام اللغة المكثرين في التصنيف ، صحب أبا العبّاس ثعلبا النحوي زمانا حتّى لقّب ب « غلام ثعلب » ، وكانت صنعته تطريز الثياب فنسب إليها. كان نهاية في النصب والميل على الإمام علي عليه السلام ، مغالياً في حب معاوية ! وصنّف جزءاً في فضائله !! وكان إذا ورد عليه من يروم الأخذ عنه ألزمه بقراءة ذلك الجزء ! ومن مصنّفاته : غريب القرآن ، غريب الحديث ، شرح الفصيح ، فائت الفصيح، فائت العين ، فائت الجمهرة . ولد سنة 1. وتوفّي ببغداد سنة 345 ودفن بها. أنظر : الفهرست - للنديم - : 120 ، تاریخ بغداد 356/2 رقم 865 ، طبقات الحنابلة 56/2 رقم 603 ، وفيات الأعيان 329/4 رقم 638 ، تذكرة الحفاظ 873/3 رقم 844 ، لسان الميزان 268/5 رقم 922 .

« هو من الأخبار المشهورة ».

* * *

ص: 141

15 - حديث : إنّ فيك مثلا من عيسى

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - :

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - (1) :

الخامس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال لعليّ : « إنّ فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود حتّى اتّهموا أمّه ، وأحبّه النصارى حتّى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل » (2)

وقد صدق النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّ الخوارج أبغضوا عليّا علیه السلام ، والنصيريّة (3) اعتقدوا فيه الربوبيّة.

ص: 142


1- نهج الحقّ : 219.
2- مسند أحمد 1 / 160 ، وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 794 ح 1087 وص 888 ح 1221 و 1222 ، زوائد عبد اللّه على المسند : 412 ح 196 ، السنّة - لعبد اللّه بن أحمد - 2 / 543 ح 1262 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 137 ح 8488 ، التاريخ الكبير - للبخاري - 3 / 281 - 282 رقم 966 ، السنّة - لابن أبي عاصم - : 470 ح 1004 ، مسند البزّار 3 / 11 - 12 ح 758 ، مسند أبي يعلى 1 / 406 - 407 ح 534 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 132 - 133 ح 4622 ، فضائل الخلفاء - لأبي نعيم - : 68 ح 54 ، الاستيعاب 3 / 1130 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 110 ح 104 ، شواهد التنزيل 2 / 160 - 166 ح 860 - 870 ، تاريخ دمشق 42 / 293 - 296 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، كنز العمّال 13 / 125 ح 36399.
3- النصيرية - ويقال لها : النّميرية - : فرقة تنسب إلى محمّد بن نصير النميري ، وكان هو من أصحاب الإمام الحسن العسكري علیهماالسلام ، ثمّ انحرف عن جادّة الحقّ وادّعى أمورا باطلة عظيمة ، كالنيابة عن الإمام صاحب الزمان علیه السلام والقول بالتناسخ والغلوّ والنبوّة والإلحاد. أنظر : فرق الشيعة - للنوبختي -: 93 - 94 ، الفرق بین الفرق : 239 و 241 ، الغيبة - للطوسي: 398 ح 371 ، الاحتجاج 552/2 و 554.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

الحمد لله الذي جعل أهل السنّة معتدلين بين الفريقين ؛ من المفرطة في حبّ عليّ ، كالنصيرية التي يدّعون ربوبيته ، وكالإماميّة التي يدّعون أنّ أصحاب محمّد صلی اللّه علیه و آله كفروا كلّهم لمخالفة النصّ في شأنه ؛ ومن المفرطة في بغضه كالخوارج المبغضة.

وأمّا أهل السنّة والجماعة - بحمد اللّه - فيحبّونه حبّا شديدا ، وينزلونه في منزلته التي هو أهل لها ، من كونه وصيّا ، وخليفة من الخلفاء الأربع ، وصاحب ودائع العلم والمعرفة.

* * *

ص: 143


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 446.

وأقول :

هذا الحديث كما هو مذكور في مسند أحمد ، مذكور في مستدرك الحاكم ، وخصائص النسائي ، وغيرها ، كما سبق في الآية الثانية والستّين (1).

وبمعناه ما في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين علیه السلام ، أنّه قال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « تفترق فيك أمّتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى » (2).

ولا ريب أنّ إنزال النصارى لعيسى بغير منزلته إنّما هو لاتّخاذهم له إلها.

وبمقتضى التمثيل يكون إنزال عليّ علیه السلام بغير منزلته هو اتّخاذه إلها كعيسى ، كما فعل النصيرية وغيرهم من الغلاة ، فلا يدخل الإماميّة في من أنزله بغير منزلته ؛ لأنّهم يقولون : إنّه عبد من عبيد اللّه تعالى ، أكرمه بالخلافة بالنصّ عليه.

وحينئذ ، فينحصر أمر الإماميّة بين أن يكونوا ممّن أبغضه ، ولا سبيل إليه بالضرورة ؛ وبين أن يكونوا من النمط الأوسط والمحقّ ، وهو المطلوب.

ص: 144


1- راجع : ج 5 / 284 من هذا الكتاب ، وانظر : مسند أحمد 1 / 160 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 132 - 133 ح 4622 ، خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 84 ح 98 ، مسند البزّار 3 / 11 - 12 ح 758 ، مسند أبي يعلى 1 / 406 - 407 ح 534.
2- الاستيعاب 3 / 1101.

كما ينحصر أهل السنّة بين هذين ، والمتعيّن فيهم الأوّل ؛ لأنّ النمط الأوسط لا يمكن أن يجمع الفريقين المتباينين ، ولأنّ أهل السنّة اجتهدوا في تأخيره عمّن لا يقاس به علما وعملا ، ولا يلتفتون إلى آية تدلّهم على منزلته ، ولا إلى سنّة ترشدهم إلى فضله وعلوّ محلّه ، بل يحتالون إلى نفي النصوصيّة بالأوهام والشبه البعيدة ، ويتناولون الأسانيد القويّة الكثيرة بالتضعيف بكلّ وسيلة ، بعكس ما يرد عندهم في حقّ مشايخهم!

فلا بدّ أن يكون من قال : « إنّ عليّا هو الخليفة الأوّل » محقّا ناجيا ، ومن قال : « إنّه رعيّة لغيره » مبطلا هالكا ؛ وبه يتمّ إثبات إمامته وخلافته للنبيّ صلی اللّه علیه و آله بلا فصل.

وقد سبق في الآية الثانية والستّين دلالة ذلك على إمامته بوجوه أخر ؛ فراجع (1).

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ الإماميّة يكفّرون أصحاب محمّد صلی اللّه علیه و آله ..

فإن أراد به أنّهم يقولون بشركهم أو إنكارهم الرسالة ، فباطل ..

وإن أراد أنّهم يقولون : إنّ أكثر الصحابة خالفوا نصّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله على عليّ ، وألغوا أمر اللّه تعالى وأمر رسوله صلی اللّه علیه و آله في حقّه ، فصحيح ؛ لأنّ الإمامة عندنا أصل من أصول الدين ، ومن لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ، كما مرّ تحقيقه في أوّل مباحث الإمامة (2) ..

ص: 145


1- راجع : ج 5 / 285 - 286 من هذا الكتاب.
2- راجع : ج 4 / 211 وما بعدها من هذا الكتاب. وأنظر : مسند أحمد 446/3 ، السنّة - لابن أبي عاصم -: 490 ح 1058، مجمع الزوائد 5 / 218 و 224 ؛ علاوة على ما مرّ في مقدّمة الكتاب ص 1. وفي ج 4 / 214 ه 1 - 4 ، من تخريج ألفاظ حديث : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».

وقد أشار اللّه تعالى إلى ذلك بقوله : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (1) ، وصرّحت به السنّة المستفيضة ، كأخبار الحوض ، التي منها ما رواه البخاري في « باب الحوض » ، من أنّ الأصحاب ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النّعم (2) ، كما مرّ (3) ويأتي إن شاء اللّه تعالى.

وأمّا ما زعمه من أنّ أهل السنّة يحبّون عليّا حبّا شديدا ، فلا نعرف منه إلّا الدعوى ، ولو كشف اللّه سبحانه حجاب ضمائرهم لعرفت أنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ..

بل الوجدان يشهد بخلافه ، فهذه أقلامهم عند تلاوة آيات فضله ، وهذه أرقامهم (4) عند سماع نصوص إمامته ، وهذا ولاؤهم لأظهر مبغضيه وأعدائه ، كمعاوية وأشباهه ..

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي عنك لعازب (5)

ص: 146


1- سورة آل عمران 3 : 144.
2- صحيح البخاري 8 / 217 ح 166.
3- انظر ما تقدّم في ج 2 / 27 ه 1 وج 4 / 212 - 213 من هذا الكتاب.
4- الرّقم : الكتابة والختم ؛ والرّقم والتّرقيم : تعجيم الكتاب ، ورقم الكتاب يرقمه رقما : أعجمه وبيّنه ، وكتاب مرقوم أي قد بيّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط ؛ انظر : لسان العرب 5 / 290 مادّة « رقم ». والمراد هنا هو ما كتبوه ويكتبونه في إنكار إمامة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام.
5- البيت من بحر الطويل ، وقد نسبه ابن عبد ربّه إلى العتابي ؛ انظر : العقد الفريد 2 / 75 باب أصناف الإخوان من كتاب « الياقوتة في العلم والأدب » ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 20 / 15.

16 - حديث : لا يحبّك إلّا مؤمن

قال المصنّف - ضاعف اللّه أجره - :

قال المصنّف - ضاعف اللّه أجره - (1) :

السادس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وهو مذكور في « الجمع بين الصحيحين » ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (2).

* * *

ص: 147


1- نهج الحقّ : 219.
2- مسند أحمد 1 / 95 و 128 وج 6 / 292 ، الجمع بين الصحيحين 1 / 172 ح 153 ، وانظر : سنن الترمذي 5 / 594 ح 3717 وص 601 ح 3736 ، سنن النسائي 8 / 116 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 137 ح 8487 ، مسند الحميدي 1 / 31 ح 58 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 503 ح 51 ، مسند أبي يعلى 1 / 251 ح 291 وج 12 / 331 - 332 ح 6904 وص 362 ح 6931 ، المعجم الكبير 23 / 374 - 375 ح 885 و 886 ، معرفة علوم الحديث : 180 ، فضائل الخلفاء - لأبي نعيم - : 76 ح 66 ، الاستيعاب 3 / 1100 ، تاريخ بغداد 8 / 417 رقم 4523 وج 14 / 426 رقم 7785 ، الشفا - للقاضي عياض - 2 / 48 ، تاريخ دمشق 42 / 270 - 280.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

هذا الحديث صحيح لا شكّ فيه ، وفي رواية هذا الحديث عن عليّ ، أنّه قال : « لعهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إليّ ؛ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق » (2).

والحمد لله الذي جعلنا من أهل محبّته ، وملأ قلوبنا من صفو مودّته ، وباللّه التوفيق.

* * *

ص: 148


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 449.
2- مرّ تخريج الحديث مفصّلا فى ج 1 / 15 ه 3 من هذا الكتاب ؛ وانظر علاوة على ذلك : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 47 ح 8153 وص 137 ح 8485 - 8486 ، مسند أحمد 1 / 84 ، شرح السنّة 8 / 85 - 86 ح 3907 و 3908.

وأقول :

إذا عرف صحّة هذا الحديث ، وصدّق بحمد اللّه على حبّه ، فما باله والى أشدّ أعدائه وأكبر مبغضيه ، كمعاوية وابن العاص ومروان ، وأشباههم ، ولم يحكم عليهم بالنفاق ، مع اتّضاح حالهم في بغض أمير المؤمنين واستمرارهم على عداوته وسبّه؟!

بل يلزمه أن لا يوالي عائشة ، بل يصفها بالنفاق ، لعلمه بعداوتها له ، واستدامتها على بغضه! ..

ففي « مسند أحمد » (1) عن عبيد اللّه بن عبد اللّه ، عن عائشة ، قالت :

لمّا مرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في بيت ميمونة ، فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيتي ، فأذنّ له ، فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله معتمدا على العبّاس وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطّان في الأرض.

وقال عبيد اللّه : فقال ابن عبّاس : أتدري من ذلك الرجل؟! هو عليّ ابن أبي طالب ، ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفسا.

ورواه أيضا في مقام آخر (2).

ص: 149


1- ص 34 من الجزء السادس. منه قدس سره .
2- ص 228 ج 6. منه قدس سره . وأنظر : صحيح البخاري 32/6 ح 432 ، صحیح مسلم 21/2 - 22 كتاب الصلاة ، سنن ابن ماجة 517/1 ح 1618 ، سنن النسائي 2 / 101 - 102 ، السنن الكبرى - للنسائي - 293/1 ح 908 ، سنن الدارمي 205/1 ذح 1255 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 179/2 ، مسند أبي عوانة 442/1 ح 1636 وص 443 ح 1640 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 1 / 31 وج 3 / 80 - 81 وج 8 / 151 - 152 ؛ وقد أسقط قوله : « ولكنّ عائشة لا تطيب له نفسا » من بعض هذه المصادر ؛ فلاحظ!

فهل ترى أشدّ في البغض من أن لا تطيب نفس الشخص أن يتلفّظ باسم عدوّه؟!

ورواه الطبري في « تاريخه » (1) ، وفيه : « ولكنّها لا تقدر على أن تذكره بخير ، وهي تستطيع »!

وهو أصرح في الدلالة على بغضها لإمام المتّقين ونفس النبيّ الأمين.

ورواه البخاري في « باب الغسل والوضوء في المخضب » من كتاب الوضوء (2) ..

وفي « باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة » من كتاب الأذان (3) ..

وفي « باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها » من كتاب الهبة (4) ..

وفي « باب مرض النبيّ صلی اللّه علیه و آله » في أواخر كتاب المغازي (5).

وفي كلّها لم تسمّ الرجل الآخر ، وإنّما سمّاه ابن عبّاس.

ولم يرو البخاري تتمّة كلام ابن عبّاس ؛ رعاية لشأن عائشة! ولم يدر أنّ تركها لاسم أمير المؤمنين مع ذكر اسم عديله كاف في الدلالة على بغضها له!!

وروى أحمد أيضا (6) ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل فوقع في

ص: 150


1- ص 191 من الجزء الثالث [ 2 / 226 ]. منه قدس سره .
2- صحيح البخاري 1 / 101 ح 61.
3- صحيح البخاري 1 / 269 ح 57.
4- صحيح البخاري 3 / 313 - 314 ح 22.
5- صحيح البخاري 6 / 32 ح 432.
6- ص 113 ج 6. منه قدس سره .

عليّ وعمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا! وأمّا عمّار ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الكاشفة عن بغضها له ، وإن كان لا حاجة في بيان عداوتها وبغضها له إلى دليل.

وأعظم من ذلك حربها له ، وهي تعلم أنّ حربه حرب لرسول اللّه (1) ، مقدمة على قتله لو قدرت ، وهي تدري أنّه أخو رسول اللّه ونفسه.

وعلى هذه فقس ما سواها ، إذ لم تأت ذلك عنوة بل ورثته عن أسلافها!

وأمّا وجه الدلالة في الحديث الذي ذكره المصنّف رحمه اللّه ونحوه على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام ، فقد تقدّم في أوّل مباحث الإمامة ، وفي الآية الثانية عشرة (2).

* * *

ص: 151


1- تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج 4 / 358 ه 4 وج 5 / 321 ه 3 من هذا الكتاب ؛ فراجع! وأنظر إضافة إلى ذلك : المعجم الأوسط 256/3 ح 2875 و ج 316/5 ح 5015 و ج 242/7 ح 7259 ، المعجم الصغير 3/3 ، تاريخ بغداد 137/7 رقم 3582.
2- راجع : ج 4 / 214 وما بعدها وج 5 / 17 - 18 وما بعدها من هذا الكتاب.

17 - حديث : ... ولكنّه خاصف النعل

قال المصنّف - أجزل اللّه ثوابه - :

قال المصنّف - أجزل اللّه ثوابه - (1) :

السابع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول اللّه؟

قال : لا.

قال عمر : أنا هو يا رسول اللّه؟

قال : لا ، ولكنّه خاصف النعل.

وكان عليّ يخصف نعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في الحجرة عند فاطمة علیهاالسلام (2).

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لتنتهنّ

ص: 152


1- نهج الحقّ : 220.
2- مسند أحمد 3 / 33 و 82 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 777 ح 1071 وص 790 ح 1083 ، وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 154 ح 8541 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 497 ح 19 ، مسند أبي يعلى 2 / 341 ح 1086 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 46 ح 6898 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 132 ح 4621 ، حلية الأولياء 1 / 67 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 6 / 435 - 436 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 99 ح 78 ، مناقب عليّ بن أبي طالب - لابن أخي تبوك ؛ المطبوع بذيل مناقب ابن المغازلي - : 343 ح 23 ، شرح السنّة 6 / 167 ح 2557 ، تاريخ دمشق 42 / 451 - 455 ، مجمع الزوائد 5 / 186 وج 9 / 133 ، كنز العمّال 11 / 613 ح 32967.

معشر قريش أو ليبعثنّ اللّه عليكم رجلا منّي امتحن اللّه قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين.

قيل : يا رسول اللّه! أبو بكر؟

قال : لا.

قيل : عمر؟

قال : لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة (1).

* * *

ص: 153


1- انظر : سنن الترمذي 5 / 592 ح 3715 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 115 ح 8416 ، مصنّف عبد الرزّاق 11 / 226 ح 20389 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 497 ح 18 وص 499 ح 30 وص 506 ح 74 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 734 ح 1008 وص 743 ح 1024 وص 806 ح 1105 ، مسند البزّار 3 / 258 - 259 ح 1050 ، مسند أبي يعلى 2 / 165 - 166 ح 859 ، أنساب الأشراف 2 / 364 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 149 - 150 ح 2614 ، الاستيعاب 3 / 1109 - 1110 ، تاريخ بغداد 1 / 133 - 134 ، تاريخ دمشق 42 / 342 - 343 ، مجمع الزوائد 9 / 163 ، كنز العمّال 13 / 173 ح 36518 عن الترمذي وابن جرير في « تهذيب الآثار » والضياء المقدسي في « المختارة » وص 174 ح 36519 عن ابن أبي شيبة في « المصنّف » وابن جرير في « تهذيب الآثار » والحاكم في « المستدرك » ويحيى بن سعيد في « إيضاح الإشكال ».

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

صحّ الحديث ، وهذا يدلّ على أنّه يقاتل البغاة والخوارج ، وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن ، حيث كانوا يؤوّلون القرآن ، ويدّعون الخلافة لأنفسهم ، فقاتلهم أمير المؤمنين ، وعلّم الناس قتال الخوارج والبغاة ، كما قال الشافعي : إنّه لو لم يقاتل أمير المؤمنين البغاة ما كنّا نعلم كيفيّة القتال معهم (2).

وهذا لا يدلّ على النصّ بخلافته ، بل إخبار عن مقاتلته في سبيل اللّه مع العصاة والبغاة.

* * *

ص: 154


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 450.
2- انظر : الحاوي الكبير 16 / 360.

وأقول :

ذكر المصنّف رحمه اللّه هنا حديثين تقدّم بيان رواتهما في الآية الثانية والعشرين (1) ، وكلّ منهما دالّ على المقصود ..

أمّا الأوّل ، فلأنّ المراد - بالقتال على تأويل القرآن - : إمّا القتال على وفق ما أدّى إليه القرآن باجتهاد المقاتل ..

أو ما أدّى إليه في الواقع ؛ لعلم المقاتل به ..

فيكون المشبّه به على الوجهين هو : قتال النبيّ صلی اللّه علیه و آله على حسب ما أنزل إليه.

وإمّا أن يكون المراد : القتال على مؤوّل القرآن يعملوا به ، كما قاتل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله للإقرار بأنّه منزل من اللّه تعالى.

والأظهر أحد الوجهين الأخيرين ؛ لأنّهما أمكن في التشبيه.

ومن المعلوم أنّ القتال على أيّ الوجوه الثلاثة شأن خليفة الرسول ، وزعيم الأمّة ، فتثبت إمامة أمير المؤمنين علیه السلام .

ولمّا نفى النبيّ صلی اللّه علیه و آله ذلك عن الشيخين مع صدور القتال منهما علم أنّهما ليسا بإمامين.

وليت شعري ، إذا لم يكن قتالهما على وفق القرآن ، ولا لأجل العمل به ، فكيف وليا أمر القتال والأمّة؟! وكيف اتّخذهم الناس أئمّة؟!

فإن قلت : لعلّ المراد بقتال عليّ علیه السلام على التأويل : قتاله لمن تأوّل

ص: 155


1- راجع : ج 5 / 85 وما بعدها من هذا الكتاب.

القرآن وادّعى الخلافة لنفسه ، فلا يكون نفي النبيّ صلی اللّه علیه و آله لهذا القتال عن الشيخين منافيا لإمامتهما ؛ لأنّ هذا النفي مطابق للواقع ، إذ لم يقاتلا إلّا المشركين وإن كانا إمامين.

ولعلّه إلى هذا أشار الفضل بقوله : « وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ».

قلت : لو أريد ذلك ، كان قوله صلی اللّه علیه و آله : « كما قاتلت على تنزيله » - بمقتضى المشابهة - أن يكون رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قاتل من تنزّل عليه القرآن ؛ وهو كما ترى.

ولا أدري أيّة آية تأوّلها البغاة والخوارج حتّى استباحوا بها قتال أمير المؤمنين ، والخروج على إمام زمانهم؟!

ومتى قاتله الخوارج مدّعين للخلافة؟! وكذا معاوية وعائشة وأنصارها؟! فإنّهم إنّما قاتلوا - في ظاهر أمرهم - أمير المؤمنين علیه السلام طلبا بدم عثمان ، واتّخذوه - واقعا - وسيلة لبلوغ الرئاسة أو للانتقام من عليّ علیه السلام ، عداوة له ، كما في عائشة.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فأبو بكر عندهم أيضا حارب المتأوّلين ، فلو كان إماما وحربه حقّا لما أجابه النبيّ صلی اللّه علیه و آله بقوله : « لا ».

ونعني بالمتأوّلين : مانعي الزكاة ؛ لأنّهم قالوا كما في « شرح النهج » لابن أبي الحديد (1) : « إنّ اللّه قال لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (2).

فوصف الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الناس

ص: 156


1- ص 185 من المجلّد الرابع [ 17 / 208 ]. منه قدس سره .
2- سورة التوبة 9 : 103.

بأخذها ، وبيّن أنّ صلاته سكن لهم ، وهذه الصفات لا تتحقّق في غير النبيّ صلی اللّه علیه و آله ».

وأمّا الحديث الثاني : فهو - أيضا - دالّ على المدّعى ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله وصف فيه الرجل الذي يبعثه اللّه تعالى بأنّه قد امتحن اللّه قلبه ، أي ابتلاه بأنواع المحن ، فوجده خالص الإيمان ، لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، ولا يصانع أحدا في دينه.

وهذا يفيد بمفهومه أنّ غير هذا الرجل ليس كذلك ، لا سيّما الشيخان ؛ للتصريح بهما ، ولأنّهما أشارا بردّ المؤمنين إلى بلاد الكفر ، وجعل السبيل للكافرين عليهم خلافا لحكم اللّه ورسوله ، ووفاقا لرغبة الكافرين ، لا سيّما عمر ، فإنّه وافق أبا بكر على قوله : « صدقوا » ، ولم يبال باستياء النبيّ صلی اللّه علیه و آله من أبي بكر وتغيّر وجهه الشريف من قوله ، كما سبق في بعض الأخبار المصحّحة عندهم ، المذكورة في الآية الثانية والعشرين (1).

ولو كانا ممّن امتحن اللّه قلبه للإيمان وخالصي الإيمان لما فعلا ذلك.

بل يستفاد من وصف النبيّ صلی اللّه علیه و آله للرجل الذي يبعثه اللّه بأنّه امتحن اللّه قلبه للإيمان ، ويضرب أعناقهم على الدين ، بعد موافقة الشيخين لقريش ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أراد التعريض بهما بأنّهما ليسا بهذا الوصف.

وبالضرورة أنّ من ليس كذلك ، ولم يبال بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله مواجهة في حياته ، ولا بكتاب اللّه وحكمه ، أحقّ وأولى بعدم المبالاة بأحكام اللّه ودينه

ص: 157


1- راجع : ج 5 / 86 وما بعدها من هذا الكتاب.

ونبيّه بعد وفاته ، فلا يصلح للإمامة ، وإنّما الصالح لها من ثبت له ذلك الوصف الجميل الجليل.

وقد أشار النبيّ صلی اللّه علیه و آله - مع ذلك - إلى عصمة عليّ علیه السلام وفضله ، بجعله منه أو مثل نفسه ، كما في رواية « الجمع بين الصحاح » وغيرها ممّا سبق في الآية المذكورة (1) ، فيتعيّن للإمامة.

* * *

ص: 158


1- راجع : الصفحة 152 - 153 من هذا الجزء ، وج 5 / 88 وما بعدها من هذا الكتاب.

18 - حديث الطائر

قال المصنّف - ضاعف اللّه أجره - :

قال المصنّف - ضاعف اللّه أجره - (1) :

الثامن عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، و « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله طائر قد طبخ له ، فقال : اللّهمّ ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي ؛ فجاء عليّ فأكل معه (2).

ص: 159


1- نهج الحقّ : 220.
2- ينابيع المودّة 1 / 175 ح 1 وص 176 ح 4 عن مسند أحمد وسنن أبي داود ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 692 - 693 ح 945 ، جامع الأصول 8 / 653 ح 6494 عن الجمع بين الصحاح الستّة ، وانظر : سنن الترمذي 5 / 595 ح 3721 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 107 ح 8398 ، التاريخ الكبير - للبخاري - 1 / 358 رقم 1132 وج 2 / 2 رقم 1488 ، مسند أبي يعلى 7 / 105 ح 4052 ، المعجم الكبير 1 / 253 ح 730 وج 7 / 82 ح 6437 وج 10 / 282 ح 10667 ، المعجم الأوسط 2 / 239 ح 1765 وج 6 / 153 ح 5886 وص 418 ح 6561 وج 7 / 315 ح 7466 وج 9 / 251 ح 9372 ، أنساب الأشراف 2 / 378 ، تاريخ جرجان : 176 رقم 228 ، العقد الفريد 4 / 77 ، طبقات المحدّثين بأصبهان 3 / 454 ح 613 رقم 451 ، مروج الذهب 2 / 425 ، تمهيد الأوائل : 546 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 141 - 142 ح 4650 و 4651 ، المغني - للقاضي عبد الجبّار - 20 ق 2 / 122 ، حلية الأولياء 6 / 339 ، تاريخ أصبهان 1 / 279 - 280 رقم 468 ، موضّح أوهام الجمع والتفريق 2 / 459 رقم 458 ، تاريخ بغداد 3 / 171 رقم 1215 وج 9 / 369 رقم 4944 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 163 - 176 ح 189 - 212 ، مصابيح السنّة 4 / 173 ح 4770 ، تاريخ دمشق 37 / 406 رقم 4428 وج 42 / 245 - 259 ، مجمع الزوائد 9 / 125 - 126.

ومنه ، أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال : اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب (1).

* * *

ص: 160


1- فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 823 ح 1129 ، وانظر : الرياض النضرة 3 / 130 - 131.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

حديث الطير مشهور وهو فضيلة عظيمة ، ومنقبة جسيمة ، ولكن لا يدلّ على النصّ ، وليس الكلام في عدّ الفضائل.

وأمّا التوسّل بولاية عليّ ، فهو حقّ ومن أقرب الوسائل.

* * *

ص: 161


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 452.

وأقول :

روى الترمذي حديث الطائر بسنده عن السّدي ، عن أنس ، ثمّ قال : وقد روي من غير وجه عن أنس (1).

ورواه النسائي في « الخصائص » ، عن أنس - بهذا اللفظ - ، أنّه أتى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وعنده طائر فقال : اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ؛ فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء عليّ فأذن له (2).

ورواه الحاكم في « المستدرك » (3) ، عن أنس أيضا ، وذكر فيه أنّه جاء عليّ مرّتين فقال له : إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على حاجة ؛ ثمّ جاء فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : إفتح ؛ فدخل.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ما حبسك عليّ؟!

قال : إنّ هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس ، يزعم أنّك على حاجة ؛ الحديث.

ثمّ قال الحاكم : هذا حديث [ صحيح ] على شرط الشيخين.

وقال : وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا ، ثمّ صحّت الرواية عن عليّ ، وأبي سعيد الخدري ، وسفينة.

ص: 162


1- سنن الترمذي 5 / 595 ح 3721.
2- خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 25 - 26 ح 12 ، وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 107 ح 8398.
3- ص 130 من الجزء الثالث [ 3 / 141 - 142 ح 4650 ]. منه قدس سره .

ثمّ رواه الحاكم أيضا من طريقين ، عن إبراهيم بن ثابت البصري القصّار ، عن ثابت البناني ، عن أنس ؛ وتعقّبه الذهبي : بأنّ إبراهيم بن ثابت ساقط (1).

ويشكل بأنّ هذا مناقض لما ذكره هو في « ميزان الاعتدال » ، فإنّه قال فيه : « لا أعرف حاله جيّدا » (2).

كما أنّه تعقّب الحديث الأوّل بأنّ في سنده محمّد بن أحمد بن عياض ، عن أبيه ؛ فقال : « ابن عياض لا أعرفه » (3).

وقال في « الميزان » بترجمة محمّد المذكور ، بعد ما ذكر روايته لحديث الطير بالسند الذي ذكره الحاكم : « قال الحاكم : هذا على شرط البخاريّ ومسلم ».

ثمّ قال الذهبي : « الكلّ ثقات إلّا هذا - يعني محمّدا - ، فأنا أتهمه به ، ثمّ ظهر لي أنّه صدوق - إلى أن قال : - فأمّا أبوه فلا أعرفه » (4).

وعليه : فالأمر هيّن ؛ لأنّ عدم معرفته له لا تضرّ فيه بعدما عرفه الحاكم وصحّح حديثه على شرط الشيخين.

وقد روى الذهبيّ حديث الطير بترجمة جعفر بن سليمان الضّبعي من « الميزان » ، وسنده صحيح ؛ لأنّه رواه عن قطن بن نسير - وهو من رجال مسلم (5) - ، عن جعفر المذكور - وهو من رجاله أيضا (6) - ، عن

ص: 163


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 142 - 143 ح 4651.
2- ميزان الاعتدال 1 / 143 رقم 59.
3- انظر هامش المستدرك على الصحيحين 3 / 141 ح 4650.
4- ميزان الاعتدال 6 / 53 رقم 7186.
5- انظر : ميزان الاعتدال 5 / 474 رقم 6907 ، تهذيب التهذيب 6 / 516 رقم 5746.
6- انظر : ميزان الاعتدال 2 / 136 رقم 1507 ، تهذيب التهذيب 2 / 61 رقم 984.

عبد اللّه بن المثنّى بن عبد اللّه بن أنس - وهو من رجال البخاري (1) - ، عن أنس (2).

وحكاه في « كنز العمّال » (3) ، عن ابن عساكر من ثلاثة طرق ، وعن ابن النجّار من طريق (4).

ونقله سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » ، عن أحمد في « الفضائل » ، بسنده عن سفينة (5).

ونقله في « ينابيع المودّة » في الباب الثامن ، عن أحمد في مسنده ، عن سفينة (6).

كما نقله المصنّف رحمه اللّه هنا عن مسند أحمد ، عن أنس (7)

والظاهر أنّ القوم أسقطوا الحديثين الأخيرين من « المسند » الموجود بأيدينا اليوم ، طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1313 هجرية ، كما هي عادتهم في إسقاط كثير من الأحاديث المتعلّقة بفضل أمير المؤمنين!!

فمع ما ذكرناه - الذي هو قليل من كثير - كيف يزعم ابن تيميّة أنّه لم يرو حديث الطير أحد من أصحاب الصحاح ، ولا صحّحه أئمّة

ص: 164


1- انظر : تهذيب التهذيب 4 / 461 رقم 3664.
2- ميزان الاعتدال 2 / 139 ذيل رقم 1507.
3- ص 406 من الجزء السادس [ 13 / 166 - 167 ح 36505 و 36507 و 36508. وأنظر : تاريخ دمشق 245/42 - 259.
4- (4) لم نجده في « ذيل تاريخ بغداد » المطبوع!
5- تذكرة الخواصّ : 44 ، وانظر : فضائل الصحابة 2 / 693 ح 945.
6- ينابيع المودّة 1 / 175 ح 1.
7- تقدّم في الصفحة 159 من هذا الجزء.

الحديث (1)؟!

والحال أنّه قد رواه : الترمذي ، والنسائي ، وصحّحه الحاكم (2).

ورواه الذهبي بترجمة جعفر بطريق لا شبهة في صحّته عندهم كما سمعت.

بل زعم ابن تيميّة - كعادته في فضائل إمام المتّقين - أنّ الحديث عند أهل المعرفة والعلم من المكذوبات والموضوعات (3) ، والحال أنّه حكى عن أبي موسى المديني ، أنّه قال : جمع غير واحد من الحفّاظ طرق أحاديثه (4).

ص: 165


1- انظر : منهاج السنّة 7 / 371.
2- تقدّم آنفا في الصفحة 162 من هذا الجزء.
3- منهاج السنّة 7 / 371.
4- منهاج السنّة 7 / 371 - 372. نقول : وممن ذكر أنه جمع طرق حديث الطير وأفرده بالتصنيف : 1 - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت 310) ؛ له : «حديث الطير» ؛ كما في البداية والنهاية 281/7 و ج 11 / 125 . 2 - الحافظ أحمد محمد بن بن سعيد بن عقدة (ت 333) ؛ له : «حدیث الطير» ؛ كما في مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب - 317/2 . 3 - الحاكم النيسابوري ، أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن حمدويه ، ابن البيع الشافعي ( ت 405 ) ؛ له : «قصة الطير» ؛ ذكره هو لنفسه في معرفة علوم الحديث : 252 ، وذكره له الذهبي في سير أعلام النبلاء 176/17 رقم 100. 4 - الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني (ت 410) ؛ له : «حدیث الطير» ؛ كما في البداية والنهاية 281/7 ، ومنهاج السنة 372/7 . 5 - الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصبهاني (ت 430) ؛ له : «حديث الطير» ؛ ذكره السمعاني في التحبير 181/1 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء 19 / 306 رقم 193 ، وابن تيمية في منهاج السنة 372/7 . 6 - الحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن حمدان الخراساني ( ق 5) ؛ له : «طرق حديث الطير» ؛ كما في سير أعلام النبلاء 463/17 ، تذكرة الحفاظ 1112/3 رقم 1000 ، البداية والنهاية 281/7. 7 - شمس الدين أبو عبد اللّه محمد أحمد بن الذهبي (ت 748) ؛ نص هو على ذلك في تذكرة الحفاظ 1042/3 - 1043 رقم 962 بقوله : «وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً ، قد أفردتها بمصنف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل » . وقال في سیر أعلام النبلاء 169/17 : «وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء ، وطرق حديث : من كنت مولاه ؛ وهو أصح ، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي ، قال : إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق . وقد أدرج السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس سره كلّ ما أُلف عن حديث الطير ، كلاً في محله من كتابه «أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية » ، كما أوسع الحديث بحثاً ألفاظه وطرقه ومصادره ، وذلك في معرض ذكره لكتاب الحاكم النيسابوري ، آنف الذكر برقم 3 ؛ فراجع : أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية : 384 - 413 رقم 594. وكذا فعل السيد علي الحسيني الميلاني - حفظه اللّه - ؛ إذ توسع في الحديث بحثاً ، سنداً ودلالة ، ودحض أباطيل ومفتريات المشككين بصحته ؛ فراج--ع الجزءين 13 و 14 من موسوعته «نفحات الأزهار في إمامة الأئمة الأطهار» . فلله درهما وعليه أجرهما . وراجع : ج 1 / 8 ه- 2 من هذا الكتاب.

وقال في « ينابيع المودّة » : ولابن المغازلي حديث الطير من عشرين طريقا (1).

وقد سمعت قول الحاكم : رواه عن أنس زيادة على ثلاثين نفسا (2).

وليت شعري ، أيّ أهل المعرفة يدّعي وضعه؟! فإنّا لا نعرف أحدا من سائر الناس ادّعاه فضلا عن أهل المعرفة!!

ص: 166


1- ينابيع المودّة 1 / 176 ذ ح 3 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 163 - 176 ح 189 - 212.
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ذ ح 4650.

ولو سلّم ، فما زعمهم أهل المعرفة إنّما هم الخصوم والنواصب أمثاله ، الّذين يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم وأن يتّبع الحقّ أهواءهم!

وأمّا دلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام فمن أظهر الأمور ؛ لأنّ أحبّ الناس إلى اللّه تعالى إنّما هو أفضلهم وأتقاهم وأعملهم بطاعته ، فلا بدّ أن يكون أحقّهم بالإمامة ، لا سيّما من أبي بكر وعمر ؛ إذ مع دخولهما بعموم الناس صرّح حديث النسائي باسمهما بالخصوص كما سمعت (1).

وأشكل في « المواقف » وشرحها على الحديث : « بأنّه لا يفيد أنّه أحبّ إليه في كلّ شيء ؛ لصحّة التقسيم ، وإدخال لفظ الكلّ والبعض ؛ ألا ترى أنّه يصحّ أن يستفسر ويقال : أحبّ إليه في كلّ الأشياء أو في بعض الأشياء؟ ... فلا يدلّ على الأفضليّة مطلقا » (2).

والجواب : إنّ الإطلاق مع عدم القرينة على الخصوص يفيد العموم في مثل المقام ، ألا ترى أنّ كلمة الشهادة تدلّ على التوحيد؟! وبمقتضى ما ذكراه ينبغي أن لا تدلّ عليه ؛ لإمكان الاستفسار بأنّه لا إله إلّا هو في كلّ شيء ، أو في السماء ، أو في الأرض؟ إلى غير ذلك ؛ فلا تفيد نفي الشريك مطلقا ؛ وهذا لا يقوله عارف.

والعجب منهما أن يقولا ذلك ، وهما يستدلّان على فضل أبي بكر بقوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) (3) ، زاعمين أنّ المراد بالأتقى : أبو

ص: 167


1- (1) تقدّم آنفا في الصفحة 162 ؛ فراجع!
2- انظر : المواقف : 409 ، شرح المواقف 8 / 367 - 368.
3- سورة الليل 92 : 17.

بكر ، فيكون أفضل (1) ، والحال أنّه يمكن الاستفسار بأنّه الأتقى في كلّ شيء أو بعض الأشياء؟!

مضافا إلى أنّه لا يصحّ حمل الحديث على إرادة الأحبّ في بعض الأمور ، وإلّا لجاء مع عليّ علیه السلام كلّ من هو أحبّ منه بزعمهم في بعض الأمور كالشيخين ؛ لاستجابة دعاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، والحال أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قد ردّهما كما في حديث النسائي (2).

ونحن نمنع أن يكون أحد أحبّ إلى اللّه سبحانه بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله من عليّ علیه السلام في شيء من الأشياء ؛ لما سبق في المبحث الثاني من مباحث الإمامة أنّ الإمام أفضل الناس في كلّ شيء ، فيكون أحبّهم إلى اللّه تعالى في كلّ شيء (3).

وقد زاد ابن تيميّة في الطنبور نغمة ، فأورد على الحديث بأمور تشهد بجهله أو نصبه ..

منها : إنّ أكل الطير ليس فيه أمر عظيم هنا ، يناسب أن يجيء أحبّ الخلق إلى اللّه ليأكل معه ، فإنّ إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر ، وليس في ذلك زيادة وقربة عند اللّه لهذا الآكل ، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا ، فأيّ أمر عظيم يناسب أن يجيء أحبّ الخلق إلى اللّه يفعله (4)؟!

والجواب : إنّ الأمر العظيم تعريف الأحبّ إلى اللّه تعالى للناس

ص: 168


1- المواقف : 407 - 408 ، شرح المواقف 8 / 366.
2- انظر : خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 25 - 26 ح 12 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 107 ح 8398.
3- انظر : ج 4 / 233 وما بعدها من هذا الكتاب.
4- منهاج السنّة 7 / 374.

بدليل وجداني ، فإنّه آكد من اللفظ ، وأقوى في الحجّة ، كما عرّفهم نبيّ الهدى صلی اللّه علیه و آله أنّ عليّا حبيب اللّه في قصّة خيبر ، بإخبارهم أنّه يعطي الراية من يحبّه اللّه ورسوله ، ويحبّ اللّه ورسوله ، وأنّ الفتح على يده (1).

على أنّه يكفي في المناسبة رغبة النبيّ صلی اللّه علیه و آله بأن يأكل مع أحبّ الخلق إلى اللّه وإليه.

ومنها : إنّ هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة ؛ فإنّهم يقولون : إنّ النبيّ كان يعلم أنّ عليّا أحبّ الخلق إلى اللّه ، وأنّه جعله خليفة من بعده ، وهذا الحديث يدلّ على أنّه ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى اللّه (2).

الجواب : إنّا لا نعرف وجه الدلالة على أنّه لا يعرفه ، أتراه لو قال : « ائتني بعليّ » يدلّ على عدم معرفته له؟! وكيف لا يعرفه وقد قال كما في بعض الأخبار : « اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ » (3)؟! ..

وقال لعليّ في بعض آخر : « ما حبسك عليّ؟! » (4) ..

وقال له في بعضها : « ما الذي أبطأ بك؟! » (5) ..

فالنبيّ صلی اللّه علیه و آله كان عارفا به ، لكنّه أبهم ولم يقل : « ائتني بعليّ » ؛ ليحصل التعيين من اللّه سبحانه ، فيعرف الناس أنّ عليّا هو الأحبّ إلى اللّه تعالى بنحو الاستدلال.

ومنها : ما حاصله أنّه مناقض للأحاديث الثابتة في الصحاح ، القاضية

ص: 169


1- انظر الصفحة 89 وما بعدها من هذا الجزء.
2- منهاج السنّة 7 / 374.
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ح 4651.
4- انظر : المعجم الأوسط 7 / 315 ح 7466 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ح 4650.
5- تاريخ دمشق 42 / 253.

بأنّ أبا بكر هو الأحبّ ، كما في الصحيحين من قوله صلی اللّه علیه و آله : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا » (1).

ومناقض لقوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) ، فإنّ أئمّة التفسير يقولون : إنّه أبو بكر (2) ؛ والأتقى هو الأحبّ لله ورسوله (3).

والجواب : إنّ روايتهم لا تقوم حجّة علينا ، وكذا قول أهل تفسيرهم ؛ لأنّه من التفسير بالرأي التابع للهوى ، ولمقدّمات باطلة!

على أنّه ليس مجمعا عليه بينهم ، وسيأتي الكلام في الآية إن شاء اللّه تعالى ، كما أنّ روايته غير تامّة الدلالة على مدّعاه.

* * *

ص: 170


1- صحيح البخاري 5 / 66 ح 156 - 158 ، صحيح مسلم 7 / 108 - 109.
2- ذكر بعض المفسرين هذا على أنّه قول من الأقوال في تفسير الآية الكريمة ، لا أنّهم يقولون بذلك على وجه الجزم والقطع وليس هناك قول غيره ؛ فانظر : الوسيط في تفسير القرآن المجيد 4 / 505 ، زاد المسير 8 / 277 ، تفسير الفخر الرازي 31 / 205 ، تفسير القرطبي 20 / 59 ، تفسير الدرّ المنثور 8 / 537 - 538 عن ابن أبي حاتم وابن مردويه.
3- منهاج السنّة 7 / 375 - 376.

19 - حديث : أنا مدينة العلم وعليّ بابها

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

التاسع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وصحيح مسلم ، قال : لم يكن أحد من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « سلوني » إلّا عليّ بن أبي طالب (2).

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » (3).

ص: 171


1- نهج الحقّ : 221.
2- ينابيع المودّة 1 / 224 ح 50 عن مسند أحمد ، عمدة عيون صحاح الأخبار : 326 ح 435 عن صحيح مسلم ، وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 802 ح 1098 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد 2 / 256 ، ذخائر العقبى : 151 ، الاستيعاب 3 / 1103 ، جامع بيان العلم 1 / 137 ، الفقيه والمتفقّه 2 / 352 ح 1083 ، شواهد التنزيل 1 / 38 ح 46 - 48 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 90 - 91 ح 83 ، تاريخ دمشق 42 / 399 ، أسد الغابة 3 / 597 ، الرياض النضرة 3 / 166 - 167 ، كنز العمّال 13 / 130 - 131 ح 36415.
3- (3) انظر : معرفة الرجال - لابن معين - 1 / 79 رقم 231 وج 2 / 242 رقم 831 و 832 ، سنن الترمذي 5 / 596 ح 3723 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 789 ح 1081 ، المعجم الكبير 11 / 55 ح 11061 ، تهذيب الآثار 4 / 104 - 105 ح 173 و 174 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 137 - 138 ح 4637 - 4639 ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم : 127 ، معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 1 / 88 ح 347 ، حلية الأولياء 1 / 64 ، تاريخ جرجان : 65 ح 7 ، الاستيعاب 3 / 1102 ، تاريخ بغداد 2 / 377 رقم 887 وج 4 / 348 رقم 2186 وج 7 / 173 رقم 3613 وج 11 / 48 - 50 رقم 5728 ، تلخيص المتشابه 1 / 162 رقم 251 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - :115- 120 ح 120 - 129 ، زين الفتى 1 / 162 - 163 ح 61 و 62 وج 2 / 400 - 403 ح 521 - 526 ، شواهد التنزيل 1 / 81 - 82 ح 118 - 121 ، فردوس الأخبار 1 / 42 ح 109 ، مصابيح السنّة 4 / 174 ح 4772 ، مفردات القرآن : 63 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 82 - 83 ح 69 ، تاريخ دمشق 42 / 378 - 382 ، جامع الأصول 8 / 657 ح 6501 ، مطالب السؤول : 69 و 98 ، منهاج السنّة 5157 / ، مجمع الزوائد 9 / 114 ، تاريخ الخلفاء - للسيوطي - : 202 ، جواهر العقدين : 57 ، الصواعق المحرقة : 189 ، شرح المواهب اللدنّيّة - للزرقاني - 4 / 215 ، كنز العمّال 11 / 614 ح 32978 و 32979 وج 13 / 147 - 149 ح 36462 - 36464 ، مرقاة المفاتيح 10 / 470. أنظر تلازم المعنی والمؤدي في لفظي الحديثين : «أنا مدينة العلم و عليٌّ بابها» و «أنا مدينة الحكمة و عليٌّ بابها» في ما نمقة الشيخ المظفر قدس سره ، في الصفحة 323 من هذا الجزء.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

هذا يدلّ على وفور علمه واستحضاره أجوبة الوقائع واطّلاعه على شتات العلوم والمعارف ، وكلّ هذه الأمور مسلّمة ولا دليل على النصّ ، حيث لا يجب أن يكون الأعلم خليفة ، بل الأحفظ للحوزة ، والأصلح للأمّة ، ولو لم يكن أبو بكر أصلح للإمامة لما اختاروه ، كما مرّ (2).

* * *

ص: 172


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 459.
2- انظر : ج 4 / 235 - 236 من هذا الكتاب.

وأقول :

معنى كونه باب مدينة علم النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه الواسطة للناس في وصولهم إلى علم النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فلا واسطة غيره ، والآخذ من غيره كالسارق ، فيكون أخذ العلم منه واجبا ومن غيره حراما ، فهو الإمام دون غيره ؛ لعدم اجتماع إمامة الشخص وحرمة الأخذ عنه واتّباعه في ما يحكم به.

كما أنّ وجوب الأخذ عنه للوصول إلى علم الرسول صلی اللّه علیه و آله لا يتمّ إلّا بعصمته ، فيتعينّ للإمامة.

وكذا جعله الباب لعلمه دالّ على إحاطته بجميع ما يصدر عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله من العلوم ، وذلك شأن الإمام.

ويشهد لانحصار طريق علم النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعليّ علیه السلام ، جهل الأمّة بأكثر الأحكام لمّا أعرضوا عنه ، والحال أنّ اللّه سبحانه قد أكمل دينه ، فما زالت آراؤهم مضطربة ، وأحكامهم مختلفة ، حتّى كأنّ اللّه تعالى قد أوكل إلى أهوائهم أحكامه.

ولمّا رجع الأمر إلى أمير المؤمنين علیه السلام لم يقدر على إمضاء ما علم ولا على نشره ؛ لأنّ الناس قد ألفوا خلافه ..

فقد نهى عن صلاة التراويح ، فصاح الناس : وا سنّة عمراه! (1) ..

ص: 173


1- انظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 12 / 283.

ونهى عن أكل الجرّي والمارماهي (1) ، فلم يتّبعوه (2) ..

وأمر بالمتعتين ، فخالفوه (3) ..

.. إلى غير ذلك من الأحكام.

ولذا قال علیه السلام - كما رواه البخاري في باب مناقبه - : « أقضوا كما كنتم تقضون ، فإنّي أكره الخلاف حتّى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي » (4).

فإنّه صريح في أنّ قضاء من كان قبله ليس حقّا ، لكنّه لا يتمكّن من الخلاف ما لم يتمّ له الأمر.

ولو سلّم عدم دلالة الحديث على انحصار طريق علم النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعليّ علیه السلام ، فلا إشكال بدلالته على أعلميّته ، كما أقرّ به الفضل في ظاهر كلامه ، فيقبح تقديم المفضول عليه .. ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلأَأَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (5).

وقوله : « لا يجب أن يكون الأعلم خليفة ، بل الأحفظ للحوزة ، والأصلح للأمّة » .. ظاهر البطلان كما أوضحناه في المبحث الثاني من مباحث الإمامة (6).

ص: 174


1- انظر : إيضاح الفوائد على شرح القواعد 4 / 144 ، تفصيل وسائل الشيعة 24 / 130 - 137 ب 9 ح 30155 - 30177.
2- فقد أفتوا بحلّيّتهما ، انظر : الإشراف على مذاهب أهل العلم 3 / 225 ، مختصر المزني على الأمّ : 299 ، الحاوي الكبير 19 / 70 ، المجموع - شرح المهذّب 9 / 30 ، نصب الراية 6 / 65 ، حياة الحيوان الكبرى - للدميري - 1 / 193 - 194.
3- انظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 12 / 253 - 254.
4- صحيح البخاري 5 / 90 ح 203.
5- سورة يونس 10 : 35.
6- راجع : ج 4 / 237 وما بعدها من هذا الكتاب.

وقد أوضحنا أيضا في المبحث الثالث فساد قوله : « ولو لم يكن أبو بكر أصلح للأمامة ، لما اختاروه » .. فإنّ الاختيار لا يصلح أن يكون طريقا للإمامة ، على أنّ من اختاروه إنّما هم نفر محدود ، كما سبق (1).

ثمّ إنّ هذا الحديث - أعني : حديث الباب - قد رواه الحاكم في « المستدرك » (2) من طرق ، عن ابن عبّاس ، وصحّحها ، وذكر في بعض طرقه أبا الصلت ، وقال : « ثقة مأمون » ، ونقل توثيقه عن ابن معين وأنّه قيل له : « أليس قد حدّث بهذا الحديث عن أبي معاوية؟! فقال : قد حدّث به جعفر بن محمّد الفيدي ، وهو ثقة مأمون ».

ومع ذلك زعم الذهبيّ أنّه موضوع ؛ لزعمه أنّ أبا الصلت ليس بثقة ولا مأمون (3)!

وفيه : إنّه مناف لوصفه له في « ميزان الاعتدال » ب « الرجل الصالح » ، وقال : « إلّا أنّه شيعيّ جلد » (4).

ولو سلّم أنّ أبا الصلت ليس ثقة ، فلا معنى للحكم بوضع الحديث مع رواية الفيدي الثقة له عن أبي معاوية.

وإذا صحّت الرواية إلى أبي معاوية فقد صحّ الحديث ؛ لأنّ أبا معاوية رواه عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ؛ وكلّهم ثقات عندهم.

ص: 175


1- راجع : ج 4 / 248 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- ص 126 من الجزء الثالث [ 3 / 137 ح 4637 و 4638 ]. منه قدس سره . وأنظر : معرفة الرجال - لابن معين - 79/1 رقم 231 و ج 242/2 رقم 831 و 832.
3- كما في « تلخيص المستدرك » ؛ انظر : المستدرك على الصحيحين 3 / 137 ح 4637.
4- ميزان الأعتدال 4 / 348 رقم 5056.

ورواه الحاكم أيضا عن جابر وصحّحه (1) ..

وتعقّبه الذهبيّ بأنّ في سنده أحمد بن عبد اللّه بن يزيد الحرّاني ، وهو دجّال كذّاب (2).

وقد تبع فيه ابن عديّ ؛ لقوله في حقّه كما في « ميزان الاعتدال » : « كان سامرا (3) يضع الحديث » (4).

والظاهر أن لا منشأ لنسبة الوضع والكذب إليه عندهما إلّا روايته لهذا الحديث ، فكان مؤاخذا بالرواية في فضل أمير المؤمنين ، وله أسوة بأبي الصلت!

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن ابن الجوزي ، أنّه نقل هذا الحديث بلفظه أو ما يشبهه من خمسة عشر طريقا ، أخرجها ابن عديّ ، وأبو نعيم ، وابن مردويه ، والطبراني ، والخطيب ، والعقيلي ، وابن حبّان ، عن عليّ ، وابن عبّاس ، وجابر (5).

ولفظ حديث جابر هكذا : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوم الحديبية

ص: 176


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 138 ح 4639.
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 137 رقم 4638.
3- كذا في الأصل ، وهو تصحيف ، والصواب كما في المصدر : « كان بسامرّا ».
4- ميزان الاعتدال 1 / 249 رقم 627 ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال 1 / 192 رقم 32 وفيه : « كان بسرّ من رأى ».
5- اللآلئ المصنوعة 1 / 302 - 307 ، الموضوعات 1 / 349 - 353 ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال 1 / 190 رقم 27 وص 192 رقم 32 وج 2 / 341 رقم 474 وج 3 / 412 رقم 840 وج 5 / 67 رقم 1244 ، معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 1 / 88 ح 347 ، حلية الأولياء 1 / 64 ، المعجم الكبير 11 / 55 ح 11061 ، تاريخ بغداد 2 / 377 رقم 887 وج 4 / 348 رقم 2186 وج 7 / 173 رقم 3613 وج 11 / 48 - 50 رقم 5728 ، تلخيص المتشابه 1 / 162 رقم 251 ، الضعفاء الكبير - للعقيلي - 3 / 150 رقم 1134 ، المجروحين - لابن حبّان - 2 / 94 و 151 - 152.

وهو آخذ بيد عليّ يقول : « هذا أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله - يمدّ بها صوته - ، أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » (1).

وهذا الذي رواه الحاكم عن جابر ، لكنّه ذكر صدر الحديث في مقام متأخّر (2) ، وقد زعم ابن الجوزي أنّها كلّها موضوعة ؛ مستندا إلى اضطراب إسناد بعضها ، وجهل بعض الرواة في بعضها ، وأنّ بعضهم لا يجوز الاحتجاج به ، وبعضهم متّهم بسرقة هذا الحديث ، وبعضهم كذّاب (3).

وأنت تعلم أنّ هذا لو تمّ لا يستوجب الحكم بوضع الحديث مع استفاضة طرقه ؛ وغاية ما يقتضيه - على نظر - عدم الاعتماد عليها.

على أنّ السيوطي في « اللآلئ » قد تعقّبه فقال : « حديث عليّ أخرجه الترمذي ، وحديث ابن عبّاس أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) » ؛ ثمّ نقل كلام الحاكم الذي أشرنا إليه (4).

ونقل عن الخطيب ، أنّه روى عن ابن معين توثيق أبي الصلت ، وأنّ القاسم بن عبد الرحمن الأنباري سأل ابن معين عن الحديث ، فقال : صحيح ..

قال الخطيب : أراد أنّه صحيح من حديث أبي معاوية (5).

أقول : وفيه الكفاية في مطلوبنا.

ص: 177


1- تاريخ بغداد 2 / 377 رقم 887.
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 138 ح 4639 وص 140 ح 4644.
3- الموضوعات 1 / 353 - 355.
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 304 ؛ وانظر : سنن الترمذي 5 / 596 ح 3723 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 137 ح 4637.
5- اللآلئ المصنوعة 1 / 304 ؛ وانظر : تاريخ بغداد 11 / 49 - 50 رقم 5728.

ثمّ نقل السيوطي عن الحافظ صلاح الدين العلائي ، أنّه قال في جملة جوابه عن دعوى الوضع : « أيّ استحالة في أن يقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله مثل هذا في حقّ عليّ؟! ولم يأت كلّ من تكلّم في هذا الحديث وحكم بوضعه بجواب عن هذه الروايات الصحيحة عن ابن معين! ومع ذلك فله شاهد » (1) .. وذكر رواية الترمذي وغيره له ، عن شريك ، عن سلمة ، عن سويد ..

ثمّ قال : « وشريك .. احتجّ به مسلم ، وعلّق له البخاري ، ووثّقه ابن معين.

وقال العجلي : ثقة ، حسن الحديث.

وقال عيسى بن يونس : ما رأيت أحدا قطّ أورع في علمه من شريك.

فعلى هذا يكون تفرّده حسنا ، فكيف إذا انضمّ إلى حديث أبي معاوية؟! » (2) ..

إلى أن قال العلائي : « ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلّة [ قادحة ] في حديث شريك سوى دعوى الوضع ، دفعا بالصدر » (3).

ثمّ نقل السيوطي عن أبي الفضل ابن حجر ، أنّه قال : « هذا الحديث من قسم الحسن » (4).

ثمّ قال السيوطي : « وبقي للحديث طرق » ، وذكر منها طريقين

ص: 178


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 305.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 306.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 306.
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 306.

للخطيب ، عن عليّ علیه السلام (1) ..

وطريقا لابن النجّار ، عنه علیه السلام أيضا ..

وطريقا لأبي الحسن عليّ بن عمر الحربي ، في « أماليه » ، عنه علیه السلام أيضا ، ولفظه : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أنا مدينة العلم وأنت بابها يا عليّ ، كذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها » ..

وطريقا لأبي الحسن شاذان الفضلي ، في « خصائص عليّ علیه السلام » ، عن جابر بن عبد اللّه ..

وطريقا للديلمي ، بسنده عن أبي ذرّ ، ولفظه : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : عليّ باب علمي ، ومبيّن لأمّتي ما أرسلت به من بعدي ، حبّه إيمان ، وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة » (2).

وحكى في « كنز العمّال » (3) كلاما للسيوطي نحو ما هنا ، وذكر في طيّه أنّ ابن جرير روى في « تهذيب الآثار » الحديث الذي رواه الترمذي وصحّحه.

ثمّ ذكر في « الكنز » أنّ السيوطي قال أخيرا بصحّة هذا الحديث بعدما كان يرى حسنه (4).

ص: 179


1- انظر : تاريخ بغداد 2 / 377 رقم 887 ، وج 11 / 48 - 50.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 306 - 307 ، وانظر : فردوس الأخبار 2 / 78 ح 4000.
3- ص 401 ج 6 [ 13 / 148 - 149 ح 36464 ]. منه قدس سره . وأنظر : جمع الجوامع 1 / 388، تهذيب الآثار 104/4 ح 8، سنن الترمذي 596/5 ح 3723.
4- (4) جاء هنا في المخطوطة ما نصّه : وطريقا لابن عساكر ، بسنده عن أنس ، ولفظه : « أنا مدينة العلم ، وأبو بكر وعمر وعثمان سورها ، وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » ، قال ابن عساكر : « منكر جدّا إسنادا ومتنا » ؛ [ اللآلئ المصنوعة 1 /1. 308 ، وانظر : تاريخ دمشق 45 / 321 رقم 5265 ]. أقول : حق له أن يستنكره ؛ لأنّ واضع الزيادة في الحديث أراد مشاركة القوم لأمير المؤمنين عليه السلام في الفضل ، فذمهم من حيث مدحهم ؛ لأنه جعلهم سوراً لمدينة علم النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ، والسور حاجب ومانع عن الوصول إلى علمه ، بخلاف الباب ! ثم نقل السيوطي ، عن ابن عساكر ، أنه روى عن غيث بن علي الخطيب ، عن الفرج الأسفرايني ، قال : كان أبو أسعد إسماعيل بن المثنى الأسترابادي يع-ظ بدمشق فقام إليه رجل فقال : أيها الشيخ ! ما تقول في قول النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ؟ قال : فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال : نعم ، لا يعرف هذا الحديث على التمام إلا من كان صدراً في الإسلام ! إنما قال النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم : «أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي بابها » . قال : فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردّده ؛ ثمّ سألوه أن يخرج له إسناده ، فاغتم ولم يخرجه لهم . انتهى . [ اللآلئ المصنوعة 308/1 ، وأنظر : تاريخ دمشق 20/9. قدت أقول : كان يجمل بالحاضرين - لو لم تكن قلوبهم - أن من حجر - يستقبحوا ذلك لا أن يستحسنوه ؛ لأن الحيطان حاجبة ، والمدينة لا سقف لها ، والأساس هو الأصل ، فيكون علم أبي بكر أقوى وأثبت من علم النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ! وما هذا إلا كقولهم : «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة» مناظرة لقول النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم «الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنّة» ، وقولهم : «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» مناقضة لقول النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم : «فاطمة سيدة نساءالعالمين » . هذا ، وللحديث طرق أُخر يمنعنا عن ذكرها طول المقام وعدم الحاجة ، يعرفها المتتبع بلا كلفة. منه قدس سره.

أقول : ولا ريب لمصنف في صحّته ؛ لاستفاضة طرقه ، بل تواترها ، لا سيّما بضميمة أخبارنا (1) ، وله شواهد من الكتاب والسنّة

ص: 180


1- انظر : صحيفة الإمام الرضا علیه السلام : 51 ح 82 ، الخصال 2 / 574 ح 1 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 2 /1. 72 ح 298 ، الأمالي - للصدوق - : 425 ح 560 وص 472 ح 632 وص 619 ح 843 ، الأمالي - للطوسي - : 431 ح 964 وص 483 ح 1055 وص 577 - 578 ح 1194 ، الإرشاد 1 / 33.

لا تحصى (1).

هذا ، وأمّا ما حكاه المصنّف رحمه اللّه في صدر كلامه عن « مسند أحمد » فقد رواه في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين علیه السلام عن سعيد بن المسيّب ، قال : ما كان أحد من الناس يقول : « سلوني » غير عليّ بن أبي طالب (2) (3).

ص: 181


1- كقوله تعالى : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) سورة الرعد 13 : 43 ، فإنّها نزلت في عليّ 7 ؛ وقد روى الجمهور ذلك كما تقدّم في ج 5 / 117 وما بعدها من هذا الكتاب ؛ فراجع! وقول النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم لبضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام : «أوما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً» ؛ أنظر : مسند أحمد 26/5 .. وقول الإمام علي عليه السلام نفسه : «علمني ألف باب ، يفتح كل باب ألف باب»؛ أنظر : تاریخ دمشق 385/42 ، فرائد السمطين 1 / 101 ح 70 ، شرح المقاصد 297/5 . وقول عائشة : «أما إنّه أعلم الناس بالسُنّة ؛ أنظر : الاستيعاب 3 / 1104.
2- تقدّم آنفا في الصفحة 171 ، وانظر : الاستيعاب 3 / 1103.
3- نقول : وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني - حفظه اللّه ورعاه - في دراسة حديث مدينة العلم دراسة مفصّلة ، سندا ودلالة ، طرقا ومتنا ، وتناول كلّ المباحث المتعلّقة بألفاظه وتصحيح أسانيده ، وتفنيد ما أثير حوله من إشكالات وشبهات ، وذلك في الأجزاء 10 - 12 من موسوعته « نفحات الأزهار » ؛ فراجع! وأنظر : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 309/3 - 310 و 338 - 344 . كما إن الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني ، المتوفى سنة 1380 ه- ، قد صنف كتاباً بهذا الصدد أسماه : «فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي» ، جمع فيه طرقه ، وسلك فيه مسلكاً مبتكراً أثبت فيه صحّة الحديث بتسعة مسالك ، وأبطل جميع الأكاذيب والادّعاءات بعدم صحّة سند الحديث ؛ فراجع!

20 - حديث : من آذى عليّا فقد آذاني

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - :

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - (1) :

العشرون : في « مسند أحمد » من عدّة طرق ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « من آذى عليّا فقد آذاني (2) ..

أيّها الناس! من آذى عليّا بعث يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيّا » (3).

* * *

ص: 182


1- نهج الحقّ : 222.
2- مسند أحمد 3 / 483 ، وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 784 - 785 ح 1078 ، التاريخ الكبير 6 / 306 - 307 رقم 2482 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 502 ح 45 ، مسند البزّار 3 / 366 ح 1166 ، مسند أبي يعلى 2 / 109 ح 770 ، مسند الشاشي 1 / 134 ح 72 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 39 ح 6884 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 132 ح 4619 ، معرفة الصحابة 4 / 1996 ح 5013 ترجمة عمرو بن شأس الأسلمي / رقم 2047 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 5 / 395 ، الاستيعاب 3 / 1101 ، تاريخ دمشق 42 / 202 - 204 ، فوائد سمّويه : 84 ح 80 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 149 ح 176 وص 154 ح 181 وص 328 ح 344 ، مجمع الزوائد 9 / 129.
3- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 97 ح 76.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

لا شكّ أنّ عليّا سيّد الأولياء ، وقد جاء في الحديث : « من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب » (2).

فإذا كان معاداة أحد من الأولياء وأذاه محاربة مع اللّه تعالى ، فكيف لا يكون إيذاء سيّد الأولياء موجبا لدخول النار؟! ولكن لا يدلّ هذا على النصّ.

* * *

ص: 183


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 461.
2- صحيح البخاري 8 / 189 ح 89 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 10 / 219.

وأقول :

لم أجد فعلا في « مسند أحمد » تمام الحديث ، وإنّما وجدت فيه صدره (1)عن عمرو بن شاش (2) ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « من آذى عليّا فقد آذاني ».

ورواه الحاكم عنه أيضا في « المستدرك » وصحّحه (3).

ورواه البخاريّ في « تاريخه » ، كما حكاه عنه في « كنز العمّال » (4).

ورواه أيضا في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين ، وزاد فيه : « ومن آذاني فقد آذى اللّه تعالى » (5) ، وهو يقتضي وجوب طاعة عليّ علیه السلام ؛ لأنّ عصيانه يؤذيه بالضرورة ، ووجوب طاعته على الإطلاق يقتضي عصمته وإمامته.

وإذا ضممت إلى الحديث قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (6) علمت حال الناكثين والقاسطين.

ص: 184


1- ص 483 ج 3. منه قدس سره .
2- (2) كذا في الأصل وكنز العمّال ، وفي مسند أحمد والمستدرك على الصّحيحين والتاريخ الكبير والإكمال - للحسيني - : 316 رقم 653 : « شاس » ؛ فلاحظ!
3- ص 122 من الجزء الثالث [ 3 / 132 ح 4619 ]. منه قدس سره .
4- كنز العمّال 11 / 601 ح 32901 ، وانظر : التاريخ الكبير - للبخاري - 6 / 307 رقم 2482.
5- الاستيعاب 3 / 1101.
6- سورة الأحزاب 33 : 57.

أمّا بقيّة الحديث ، وهي : « من آذى عليّا بعث يهوديا أو نصرانيا » ، فيشهد لصحّتها ما حكاه المصنّف رحمه اللّه في « منهاج الكرامة » ، عن أخطب خوارزم ، بسنده عن معاوية بن حيدة القشيري ، قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول لعليّ علیه السلام : « من مات وهو يبغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا » (1).

وما حكاه السيوطي في « اللآلئ » ، عن العقيلي ، بسنده عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه ، مرفوعا : « من مات وفي قلبه بغض لعليّ فليمت يهوديّا أو نصرانيّا » (2).

وزعم ابن الجوزي أنّه موضوع ؛ لأنّ في سنده الجارود بن يزيد وعليّ بن قرين (3) ..

ولكنّ السيوطي تعقّبه بذكر رواية للديلمي أخرجها عن بهز بسندين خليّين ، عن الجارود وابن قرين ، قال فيها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « يا عليّ! ما كنت أبالي من مات من أمّتي وهو يبغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا » (4).

فهذه الأخبار متّفقة في المعنى مع ذيل الرواية التي حكاها المصنّف رحمه اللّه عن « مسند أحمد » ؛ لأنّ بغض عليّ إيذاء له.

ولا ريب بصحّة هذه الروايات ؛ لما تقدّم من أنّ بغض عليّ علیه السلام

ص: 185


1- منهاج الكرامة : 157 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 96 ح 74 ، ولم نجده في مصنّفات أخطب خوارزم المطبوعة.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 335 ، وانظر : الضعفاء الكبير - للعقيلي - 3 / 250 رقم 1248 ، فردوس الأخبار 2 / 276 رقم 5989.
3- الموضوعات 1 / 385.
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 335 ، وانظر : فردوس الأخبار 2 / 482 ح 8312.

علامة النفاق (1) ، ومن الواضح أنّ المنافق بمنزلة اليهود والنصارى (2).

ومن الغريب مسارعة ابن الجوزي للحكم بوضع الأخبار ، بمجرّد اشتمال سندها على ضعيف أو متّهم عنده ؛ فإنّه على هذا ينبغي أن يحكم بوضع رواياتهم جميعا ، حتّى أخبار الصحاح الستّة ؛ إذ لا يخلو خبر عندهم - إلّا النادر - من اشتمال سنده على ضعيف ، كما أشرنا إليه في المقدّمة (3) ، وهذا ممّا لا يرتضيه أصحابه.

ولعلّه إنّما يفعل ذلك في خصوص أخبار فضائل إمام الهدى انحرافا عنه ، وهو غير بعيد!

وأمّا الحديث الذي ذكره الفضل ، وهو : « من آذى لي وليّا فقد آذنته بحرب » ، فليس بمنزلة قوله صلی اللّه علیه و آله : « من آذى عليّا فقد آذاني ... » إلى آخره ؛ لأنّ معنى الحديث الذي ذكره : من آذى لي وليّا فليستعدّ للعقوبة ، وهذا ليس بمنزلة إيذاء عليّ علیه السلام ، الذي هو إيذاء لله ورسوله ، وموجب للعنة اللّه في الدنيا والآخرة والعذاب المهين ، والبعث على اليهوديّة أو النصرانيّة ؛ فإنّ هذا لا يكون إلّا في إيذاء من هو بمنزلة النبيّ صلی اللّه علیه و آله وإمام الوقت.

* * *

ص: 186


1- راجع مبحث الحديث 16 : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » في الصفحات 147 - 151 من هذا الجزء.
2- روى الطبراني في المعجم الأوسط 4 / 389 ح 4002 عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، قال : خطبنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فسمعته وهو يقول : « يا أيّها الناس! من أبغضنا أهل البيت حشره اللّه يوم القيامة يهوديّا »! فقلت : يا رسول اللّه! وإن صام وصلّى؟! قال : « وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم ».
3- راجع مبحث « مناقشة الصحاح الستّة » في ج 1 / 41 وما بعدها من هذا الكتاب.

21 - حديث تزويج عليّ من فاطمة

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - :

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - (1) :

الحادي والعشرون : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فاطمة علیهاالسلام ، فقال : « إنّها صغيرة » ، فخطبها عليّ فزوّجها منه (2).

* * *

ص: 187


1- نهج الحقّ : 222.
2- فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 761 - 762 ح 1051 ، وانظر : سنن النسائي 6 / 62 ، السنن الكبرى - للنسائي - 3 / 265 ح 5329 وج 5 / 143 ح 8508 ، المعجم الكبير 4 / 34 ح 3571 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 51 ح 6909 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 8 / 16 رقم 4097 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 181 ح 2705 ، مشكاة المصابيح 3 / 360 ح 6104 ، مجمع الزوائد 9 / 204 ، موارد الظمآن : 549 ح 2224.

وقال الفضل (1) :

صحّ في الأخبار أنّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمة ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّي أنتظر أمر اللّه فيها » (2)

، ولم يقل : « إنّها صغيرة » (3).

وهذا افتراء على أحمد بن حنبل ، وكلّ من قال هذا فهو مفتر على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وناسبا (4) للكذب إليه ، فإنّ فاطمة كانت وقت الخطبة كبيرة ؛ لأنّها ولدت عام عمارة الكعبة.

والعجب من هذا الرجل أنّه يبالغ في احتراز الأنبياء عن الكذب وينسب الكذب الصراح إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله !

نعوذ باللّه من هذا ، وإنّه خبّاط خبط عشواء (5).

* * *

ص: 188


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 463.
2- انظر : موارد الظمآن : 549 - 550 ح 2225 ، وفيه أنّ عمر قال لأبي بكر حكاية عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّه ينتظر أمر اللّه فيها ».
3- انظر : موارد الظمآن : 549 ح 2224 ، وفيه : أنّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمة علیهاالسلام فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّها صغيرة » ؛ فخطبها عليّ فزوّجها منه.
4- كذا في الأصل.
5- العشواء : الناقة التي لا تبصر بالليل ؛ وهذا من الأمثال السائرة ، يضرب مثلا للمتهافت في الشيء ، وللسادر الذي يركب رأسه ولا يهتمّ لعاقبته ، كالناقة العشواء التي لا تبصر ، فهي تخبط بيديها كلّ ما مرّت به. أنظر : جمهرة الأمثال 441/1 رقم 772 ، مجمع الأمثال 459/1 رقم 1377 و ج 520/3 رقم 4660 ، لسان العرب 226/9 مادّة «عشاء».

وأقول :

ما نقله المصنّف رحمه اللّه عن « المسند » قد رواه بعينه النسائيّ في أوائل « كتاب النكاح » من سننه ، في باب « تزوّج المرأة مثلها في السنّ » (1).

ورواه الحاكم في « المستدرك » في كتاب النكاح (2) ، وصحّحه على شرط الشيخين ، ولم يتعقّبه الذهبي (3).

والحقّ أنّها تزوّجت وهي صغيرة ؛ لأنّها ولدت بعد البعثة بإجماعنا (4).

واختاره الحاكم في « المستدرك » ، فإنّه عنون (5) بقوله : « ذكر ما ثبت عندنا من أعقاب فاطمة وولادتها » ، ثمّ روى أنّها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ولم يتعقّبه الذهبي.

وروى أيضا (6) أنّها ماتت وهي ابنة إحدى وعشرين سنة ، وولدت على رأس إحدى وأربعين من مولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

وروى في « الاستيعاب » - بترجمة فاطمة علیهاالسلام - أنّها ولدت سنة

ص: 189


1- سنن النسائي 6 / 62.
2- ص 167 من الجزء الثاني [ 2 / 181 ح 2705 ]. منه قدس سره .
3- نقول : لقد غفل ابن روزبهان أو تغافل - كعادته - عن ورود قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّها صغيرة » في جملة كبيرة من مصادر الجمهور ؛ فراجع ذلك في ما مرّ آنفا في الهامش رقم 2 من الصفحة 187.
4- انظر مثلا : تاريخ أهل البيت : 71 ، الكافي 1 / 520 ، إعلام الورى 1 / 290 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 405.
5- ص 161 ج 3 [ 3 / 176 ح 4760 ]. منه قدس سره .
6- ص 163 من الجزء المذكور [ 3 / 178 ح 4765 ]. منه قدس سره .

إحدى وأربعين من مولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وأنكح رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فاطمة عليّا بعد وقعة أحد (1).

فعلى هذا كلّه تكون حين تزويجها صغيرة ابنة اثنتي عشرة سنة تقريبا.

ويروى عندنا أنّها تزوّجت وهي ابنة تسع (2) ، وقد يوافقه ما في « الاستيعاب » بترجمة خديجة علیهاالسلام ، قال : « قال الزبير : ولد لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله القاسم ، وهو أكبر ولده ، ثمّ زينب ، ثم عبد اللّه ، وكان يقال له : الطيّب ، ويقال له : الطاهر ، ولد بعد النبوّة ، ثمّ أمّ كلثوم ، ثمّ فاطمة » (3).

فإنّ فاطمة علیهاالسلام إذا ولدت بعد الطاهر وأمّ كلثوم ، وكلاهما بعد النبوّة ، لم يبعد أن يكون تزويجها وهي ابنة تسع.

وزعم بعضهم أنّ سنّها يوم تزوّجت خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ، كما ذكره في « الاستيعاب » بترجمتها (4).

واختاره ابن حجر في « الصواعق » ، قال في أوّل الباب الحادي عشر : « تزويج النبيّ صلی اللّه علیه و آله فاطمة من عليّ أواخر السنة الثانية من الهجرة على الأصحّ ، وكان سنّها خمس عشرة سنة ونحو نصف سنة » (5).

وكيف كان ، فهي صغيرة ، إمّا حقيقة ، أو بالإضافة إلى الشيخين ،

ص: 190


1- الاستيعاب 4 / 1893 رقم 4057.
2- تاج المواليد : 97 - 98 ، وانظر : تاريخ الأئمّة : 6 ، مسارّ الشيعة : 36 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 405.
3- الاستيعاب 4 / 1818 رقم 3311.
4- الاستيعاب 4 / 1893 رقم 4057.
5- الصواعق المحرقة : 218 ب 11 في فضائل أهل البيت النبوي.

فلا يكذّب قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّها صغيرة ».

نعم ، هو عذر إقناعي ، والعذر الحقيقي أنّهما ليسا أهلا لها ، ولذا زوّجها من عليّ علیه السلام بأثر هذا العذر.

ويشهد له ( ما في ) « الصواعق » ، في الفصل الأوّل من الباب المذكور ، في أثناء الكلام على الآية الحادية عشرة (1) ، عن أبي داود السجستاني ، قال : « إنّ أبا بكر خطبها فأعرض صلی اللّه علیه و آله عنه ، ثمّ عمر فأعرض عنه ، فأتيا عليّا فنبّهاه إلى خطبتها ، فجاء فخطبها ، فقال صلی اللّه علیه و آله : ما معك؟ ... » الحديث ، ثمّ قال : « وأخرج أحمد وأبو حاتم نحوه » (2).

وحكى في « كنز العمّال » (3) ، عن ابن جرير ، عن أنس ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أعرض عن أبي بكر ، فرجع إلى عمر وقال : هلكت ؛ وأعرض عن عمر ، فرجع إلى أبي بكر وقال : إنّه ينتظر أمر اللّه فيها.

فإنّ إعراض النبيّ صلی اللّه علیه و آله عنهما دليل على عدم أهليّتهما لها ، وإنّه من سخط عليهما ، لطلبهما ما لا يليق بهما ، ولذا قال أبو بكر : « هلكت ».

وفي « الكنز » أيضا (4) ، عن ابن جرير ، قال : « وصحّحه » ، والدولابي في « الذرّيّة الطاهرة » ، عن عليّ علیه السلام ، قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فأبى عليهما ، فقال عمر : أنت لها ... » الحديث.

ص: 191


1- كذا في الأصل ، ولعلّه تصحيف ، والصحيح : الثانية عشرة.
2- الصواعق المحرقة : 249 الآية 12 ، جواهر العقدين : 301 و 302 ، الرياض النضرة 3 / 142 - 143 ، ذخائر العقبى : 67 - 68 ، وانظر : المعجم الكبير 22 / 408 - 410 ح 1021 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 49 ح 6095.
3- ص 113 ج 7 [ 13 / 684 ح 37755 ]. منه قدس سره .
4- ص 392 من الجزء السادس [ 13 / 114 ح 36370 ]. منه قدس سره . وأنظر : الذرية الطاهرة : 93 ح 83.

وفي « الصواعق » ، في أوّل الباب المذكور ، عن أحمد وابن أبي حاتم ، عن أنس ، قال : « جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله فسكت ولم يرجع إليهما شيئا ، فانطلقا إلى عليّ يأمرانه بطلب ذلك ... » الحديث (1).

ثمّ قال : « وفي رواية أخرى عن أنس أيضا ، عند أبي الخير القزويني الحاكمي : خطبها بعد أن خطبها أبو بكر ثمّ عمر ، فقال : قد أمرني ربّي بذلك ... » الحديث (2).

وفي هذا دلالة أخرى على عدم أهليّتهما للتزويج بسيّدة النساء ؛ فإنّ منعهما - دون عليّ علیه السلام بأمر اللّه - كاشف عن أنّ النظر في أمرها راجع إلى اللّه سبحانه مع وجود أبيها سيّد النبيّين ، الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

كما عرفه عمر حيث قال في رواية ابن جرير المذكورة : « إنّه ينتظر أمر اللّه فيها » ، وليس ذلك إلّا لعظم شأنها عند اللّه تعالى وكرامتها عليه ، فلا يزوّجها إلّا بمن هو أهل لها ويليق بقدرها الرفيع ، فزوّجها في السماء بسيّد أوليائه ؛ وهو أدلّ دليل على فضله على الشيخين عند اللّه عزّ وجلّ وعند رسوله صلی اللّه علیه و آله ؛ والأفضل أحقّ بالإمامة.

ويا هل ترى أنّ اللّه تعالى يصون عنهما تزويج فاطمة ، ولا يعقبه ضرر ظاهرا ، وهو يرضى أن تزف إليهما إمامة الأمّة والحكم في الدين والدنيا ، والنفس والنفيس؟!

وأعظم من هذه الأحاديث في الدلالة على عدم أهليّتهما للزهراء

ص: 192


1- الصواعق المحرقة : 218.
2- الصواعق المحرقة : 218 و 219.

وللإمامة ، ما في « اللآلئ المصنوعة » ، عن العقيلي والطبراني معا ، عن عليّ ابن عبد العزيز ، عن أبي نعيم ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن حجر ابن عنبس ، قال : « خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : هي لك يا عليّ ، لست بدجّال » (1)

فإنّ قوله صلی اللّه علیه و آله : « لست بدجّال » تعريض بالشيخين بأنّهما دجّالان لا يصلحان لتزويج فاطمة ، ولا للإمامة بالضرورة ؛ ولذا هاجت حميّة ابن الجوزي فقال : « موضوع ، موسى من الغلاة في الرفض » (2).

وتعقّبه السيوطي بقوله : « روى له أبو داود ، ووثّقه ابن معين ، وقال أبو حاتم : لا بأس به ».

ثمّ قال السيوطي : « والحديث أخرجه البزّار » ، وذكر أيضا في سنده موسى بن قيس ، ثمّ حكى عن الهيثمي في « زوائده » أنّه قال : « رجاله ثقات ، إلّا أنّ حجرا لم يسمع من النبيّ صلی اللّه علیه و آله » (3).

وفيه : إنّه لو سلّم أنّ حجر بن عنبس لم يسمع من النبيّ صلی اللّه علیه و آله فهو ممّن أسلم في أيامه صلی اللّه علیه و آله ، فيكون راويا عن الصحابة ، ولا يضرّ إرساله (4).

ص: 193


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 334 ، وانظر : الضعفاء الكبير - للعقيلي - 4 / 165 رقم 1736 ، المعجم الكبير 4 / 34 ح 3571 وليس فيه : « لست بدجّال ».
2- الموضوعات 1 / 382.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 334 ، وانظر روايته في : سنن أبي داود 1 / 260 ح 997 وج 4 / 310 ح 5035 ، مجمع الزوائد 9 / 204. وأنظر : الثقات - لابن حبان - 455/7 ، تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين -: 305 رقم 1291 ، تهذيب التهذيب 421/8 رقم 7285.
4- راجع ترجمته في : معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 2 / 894 رقم 771 ، الاستيعاب 1 / 332 رقم 488 ، أسد الغابة 1 / 462 رقم 1094.

22 - حديث : إجلس يا أبا تراب

قال المصنّف - أعلى اللّه منزلته - :

قال المصنّف - أعلى اللّه منزلته - (1) :

الثاني والعشرون : في « الجمع بين الصحيحين » ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دخل على ابنته فاطمة فقبّل رأسها ونحرها ، وقال : أين ابن عمّك؟

قالت : في المسجد.

فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح عن ظهره التراب ويقول : « إجلس يا أبا تراب » مرّتين (2).

* * *

ص: 194


1- نهج الحقّ : 222.
2- الجمع بين الصحيحين - للحميدي - 1 / 554 ح 916 ، وانظر : صحيح البخاري 5 / 88 - 89 ح 199 وج 8 / 113 ح 53 ، صحيح مسلم 7 / 124 ، مسند أحمد 4 / 263 ، مسند الروياني 2 / 121 ح 1015 وص 123 ح 1021 ، المعجم الكبير 6 / 149 ح 5808 وص 165 ح 5870 ، الكنى والأسماء - للدولابي - 1 / 8 ، تاريخ الطبري 2 / 14 - 15 ، مقاتل الطالبيّين : 40 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن أخي تبوك ، المطبوع مع « مناقب الإمام عليّ علیه السلام » لابن المغازلي - : 340 ح 14 ، معرفة علوم الحديث : 211 ، معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 1 / 77 ح 292 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 2 / 446 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 60 - 61 ح 6 و 7.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

هذا حديث صحيح ، وهو من تلطّفات النبيّ صلی اللّه علیه و آله لأمير المؤمنين علیه السلام وإظهار المحبّة له ، ولا يثبت به النصّ.

* * *

ص: 195


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 465.

وأقول :

نعم ، هو من تلطّفاته صلی اللّه علیه و آله وحبّه لأمير المؤمنين علیه السلام ، ولكن تلطّفه به حال نومه في المسجد من دون إشعار بالكراهة ، دليل على عدم كراهة النوم له فيه ، وعلى مساواته للنبيّ صلی اللّه علیه و آله في الحكم والطهارة ، كما يفيده حديث سدّ الأبواب إلّا بابه (1) ، وقد سبق وجه دلالته على إمامته علیه السلام (2).

مضافا إلى دلالة هذا الحديث على شدّة زهده البالغ أقصى الغايات ، الذي يمتاز به على سائر أهل الدرجات ؛ لأنّه من بيت النعمة والشرف ، وابن شيخ البطحاء (3) ،

ص: 196


1- راجع الصفحة 105 وما بعدها من هذا الجزء.
2- راجع الصفحة 117 وما سبقها من هذا الجزء.
3- شيخ البطحاء : لقب أبي طالب علیه السلام ، حامي الرسول صلی اللّه علیه و آله ، وكافله ، وناصره ، الذي رمي ظلما بالشرك ، وما ذاك إلّا بغضا لابنه عليّ علیه السلام ؛ وكيف يكون مشركا وأحاديث الرسول صلی اللّه علیه و آله الثابتة تشهد بإيمانه ، ولطالما أثنى عليه النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، كقوله صلی اللّه علیه و آله عندما سأله عمّه العبّاس : ما ترجو لأبي طالب؟ قال : كلّ الخير أرجو من ربّي. مضافاً إلى ذلك الأدلة الأخرى ، النقلية والعقلية ، التي أثبتها الإمامية وغيرهم في عشرات الكتب والرسائل التي ألفوها لإثبات إيمانه ، ومن هذه الأدلّة: 1 - إن الرسول الأكرم صلی اللّه عليه وآله وسلم لم يفرق بين أبي طالب وبين زوجه فاطمة بنت أسد وهي عاشر من أسلم ، فلم تزل معه حتى توفّي ؛ إذ لو كان مشركاً لفرق بينهما كما فعل مع غيره ، وقد قال تعالى : (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ... وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) سورة البقرة 2 : 221 ، وقال سبحانه : (فإن عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ ) سورة الممتحنة 60 : 10. 2 - إنّ الرسول الأكرم صلی اللّه علیه و آله حزن لوفاته ، حتّى إنّه سمّى عام وفاته ووفاة زوجه السيّدة خديجة الكبرى ب « عام الحزن » ؛ ومحال أن يحزن الرسول صلی اللّه علیه و آله على مشرك أو كافر وهو المعصوم بنصّ القرآن الكريم ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلأَوَحْيٌ يُوحى ) ، ومعلوم أنّ قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وفعله وتقريره حجّة وسنّة يجب التسليم لها والعمل بها والاهتداء بهديها. 3 - إنّ أبا طالب كان يأمر ابنه جعفرا أن يصلّي مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله وابنه عليّ علیه السلام ، ولا يعقل أن يكون هذا الأمر من مشرك لمسلم. 4 - وقد ورد أنّ أبا بكر جاء بأبيه أبي قحافة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم عام الفتح يقوده ، وهو شيخ كبير أعمى ، فقال رسول اللّه : ألا تركت الشيخ حتّى نأتيه؟! فقال : أردت يا رسول اللّه أن يأجره اللّه! أما والذي بعثك بالحقّ لأنا كنت أشدّ فرحا بإسلام عمّك أبي طالب منّي بإسلام أبي ، ألتمس بذلك قرّة عينك ؛ فقال : صدقت. 5 - ويوم الدار ، لمّا جمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وجوه قريش وبلّغهم بآية ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ضحك القوم وقالوا لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع! ولا يمكن توجيه قولهم هذا إليه لو لم يكن مسلما. 6 - إجماع أهل البيت علیهم السلام على إيمانه ، وإجماعهم حجّة ؛ لحديث الثّقلين وغيره من الأخبار المتواترة عند الفريقين. هذا فضلا عمّا ورد في أشعاره من التصريح بالإيمان ، فقد قال : فخير بني هاشم أحمد *** رسول الإله على فترة وقال : وعرضت دينا قد علمت بأنّه *** من خير أديان البرية دينا وقال : مليك الناس ليس له شريك *** هو الوهّاب والمبدي والمعيد ومن فوق السماء له لحقّ *** ومن تحت السماء له عبيد وأمّا الروايات الواردة في تعذيب أبي طالب ، فهي روايات مكذوبة موضوعة ، وأسانيدها معلولة بجرح أحد رواتها أو أكثر ، أو بعلّة أخرى كالإرسال والانقطاع وغيرهما. انظر في ما يخصّ تفريق الزوجين إذا أسلم أحدهما : صحيح البخاري 7 / 86 - 87 ح 32 وباب « إذا أسلمت المشركة أو النصرانية ... » ، سنن أبي داود 2 / 278 - 279 ح 2238 - 2240 ، سنن الترمذي 3 / 447 - 449 ح 1142 - 1144 ، سنن النسائي 6 / 185 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 6 / 182 ح 4147 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 8 / 25 رقم 4098 ، الاستيعاب 4 / 1701 رقم 3061 ، أسد الغابة 5 / 185 رقم 6035 ، المدوّنة الكبرى 2 / 212 - 213 ، كتاب الأمّ 5 / 9 تحريم المسلمات على المشركين ، المغني - لابن قدامة - 7 / 363 ، شرح فتح القدير 3 / 418 - 421. وانظر لما خلا ذلك : تفسير الطبري 9 / 483 - 484 ح 26806 ، مجمع البيان 7 / 319 ، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : 319 ، ديوان أبي طالب : 87 و 158 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 14 / 61 - 84 ، معجم ما ألّف عن أبي طالب علیه السلام - المنشور في مجلّة « تراثنا » ، العدد المزدوج 63 - 64 ، السنة 16 ، رجب 1421 ه - : 163 - 233 ، وغيرها.

ص: 197

وبيضة البلد(1) ، مع ما هو عليه من علوّ النفس وعزّتها ، وما هو فيه من الشجاعة وريعان الشباب.

فيكون ذلك الزهد منه دليلا على فضل إيمانه ومعرفته ، وزيادة تقواه ويقينه.

ص: 198


1- بيضة البلد : عليّ بن أبي طالب علیه السلام ؛ لأنّه فرد ليس أحد مثله في الشرف. قالت أخت عمرو بن عبد ودّ ترثيه ، وتذكر قتل عليّ إيّاه يوم الخندق : لو كان قاتل عمرو غير قاتله *** بكيته ما أقام الروح في جسدي لكنّ قاتله من لا يعاب به *** وكان يدعى قديما بيضة البلد كما أنّ من معاني بيضة البلد : السّيّد ، والرجل الكريم ، وواحد البلد الذي يجتمع إليه ويقبل قوله ، والرجل الفرد ليس أحد مثله في شرفه. انظر : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 108 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 35 - 36 ح 4330 ، لسان العرب 1 / 553 و 554 مادّة « بيض » ، تاج العروس 10 / 21 مادّة « بيض ».

23 - أحاديث : كسر الأصنام ، وصكّ الولاية ، وردّ الشمس ، وغيرها

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - :

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - (1) :

الثالث والعشرون : روى الجمهور من عدّة طرق ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حمل عليّا حتّى كسر الأصنام من فوق الكعبة (2).

وأنّه لا يجوز على الصراط إلّا من كان معه كتاب بولاية عليّ بن أبي طالب (3).

ص: 199


1- نهج الحقّ : 223.
2- السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 142 ح 8507 ، مسند أحمد 1 / 84 و 151 ، مصنّف ابن أبي شيبة 8 / 534 ح 9 ، مسند أبي يعلى 1 / 251 ح 292 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 398 ح 3387 وج 3 / 6 ح 4265 ، موضّح أوهام الجمع والتفريق 2 / 499 - 500 رقم 488 ، تاريخ بغداد 13 / 302 و 303 رقم 7282 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 193 ح 240 ، مجمع الزوائد 6 / 23 ، كنز العمّال 13 / 171 ح 36516.
3- انظر : تاريخ أصبهان 1 / 400 رقم 755 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 140 ح 156 وص 147 - 148 ح 172 وص 218 - 219 ح 289 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 71 ح 48 ، مقتل الحسين علیه السلام : 71 ح 11 ، الرياض النضرة 3 / 137 ، ذخائر العقبى : 131 ، فرائد السمطين 1 / 289 ح 228 وص 292 ح 230 ، الصواعق المحرقة : 195.

وأنّه ردّت له الشمس بعدما غابت ، حيث كان النبيّ صلی اللّه علیه و آله نائما على حجره ودعا له بردّها ليصلّي عليّ العصر ، فردّت له (1).

وأنّه نزل إليه سطل (2) عليه منديل ، وفيه ماء ، فتوضّأ للصلاة ، ولحق بصلاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله (3).

وأنّ مناديا من السماء نادى يوم أحد :

ص: 200


1- المعجم الكبير 24 / 144 ح 382 وص 147 - 152 ح 390 و 391 ، مشكل الآثار 2 / 7 ح 1207 و 1208 وج 4 / 268 ح 3850 و 3851 ، الذرّيّة الطاهرة : 129 ح 156 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 284 ، شرح الشفا - للقاري - 1 / 589 - 592 ، قصص الأنبياء - للثعلبي - : 249 ، أعلام النبوّة - للماوردي - : 149 ، فيض القدير 5 / 561 - 562 شرح ح 7889 ، زين الفتى 2 / 50 - 56 ح 331 و 332 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 126 - 127 ح 140 و 141 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 306 - 307 ح 301 و 302 ، تاريخ دمشق 70 / 36 رقم 9409 ، المنتقى من مناقب المرتضى : 111 - 112 ح 24 و 25 ، تفسير الفخر الرازي 32 / 127 ، التدوين في أخبار قزوين 2 / 146 رقم 1115 ، ذيل تاريخ بغداد - لابن النجّار - 17 / 154 - 155 رقم 390 ، تذكرة الخواصّ : 53 ، كفاية الطالب : 383 - 387 ، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - للقرطبي - : 15 ، الرياض النضرة 3 / 140 ، فرائد السمطين 1 / 183 ح 146 ، مجمع الزوائد 8 / 296 - 297 ، كشف اللبس عن ردّ الشمس : 89 - 108 ح 1 - 17 ، الصواعق المحرقة : 197 ، كنز العمّال 12 / 349 ح 35353.
2- السّطل - وجمعها : سطول - : طسيسة صغيرة ، يقال إنّها على هيئة التّور ، لها عروة كعروة المرجل ؛ انظر مادّة « سطل » في : لسان العرب 6 / 259 ، تاج العروس 14 / 345. واتّور : أناء صغير من صُفرٍ أو حجارة ، كالإجانة ، يشرب فيه وقد يتوضأُ منه ؛ أنظر مادة «تور» في : لسان العرب 63/2 ، تاج العروس 135/6.
3- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 125 ح 139 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 304 ح 300 ، كفاية الطالب 289 - 291 ، ينابيع المودّة 1 / 428 - 429 ح 6.

لا سيف إلّا ذو الفقا *** ر ، ولا فتى إلّا عليّ (1)

ص: 201


1- السيرة النبوية - لابن هشام - 4 / 51 ، وقعة صفّين : 315 ، تاريخ الطبري 2 / 65 ، الأغاني 15 / 186 - 187 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 190 ح 234 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 173 ح 208 ، الروض الأنف 3 / 288 ، الكامل في التاريخ 2 / 49 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 14 / 251 ، ميزان الاعتدال 5 / 390 رقم 6619 ، شرح المقاصد 5 / 298. أما « ذو الفقار» : فهو سيف للنبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ؛ قيل : كان عند المنبه بن الحجاج بن عامر بن سهم . وقيل : كان عند ابنه العاص ؛ إذ كان من ضمن السيوف الستة التي أهدتها بلقيس للنبي سليمان عليه السلام ، ثمّ وصل إلى العاص بن منبه ، الذي قتله الإمام علي عليه السلام يوم بدر كافراً ، وقيل : قتل أباه أيضاً . وقيل : إن الحجاج بن غِلاط أهدى ذا الفقار لرسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم. وقيل : أنزله جبريل عليه السلام من السماء. وقيل غير ذلك . ولعلّ بسبب هذا الاختلاف ذكرت بعض المصادر أن نداء جبريل عليه السلام كان يوم بدر ، وذكر بعضها الآخر أنه كان يوم أحد ؛ ولعل النداء كان في كلا الي-ومين فأخبرت كل جماعة عن أحدهما . وسُمّي ذا الفقار ؛ لأن فيه حُفر صغار حسان ، ويقال للحفرة : فقرة ، وجمعها : فقر ، وذكر أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام أخرج ذا الفقار فإذا قبيعته من فضة ، وإذا حلقته التي تكون فيها الحمائل من فضة ، وسلسلته . وقال الأصمعي : ما رأيتُ شيئاً قط أحسن منه ، إذا نُصب لم يُر فيه شيء ، وإذا بطح على الأرض عُدّ منه سبع فقر ، وإذا هو صفيحة يمانية يحار الطرف فيه من حسنه. وكيف كان ، فقد أجمع المؤرّخون على أنّ السيف كان لرسول اللّه ، ثم وهبه لأمير المؤمنين عليه السلام. أنظر : تاريخ الطبري 8/2 و 220 ، العقد الفريد 466/2، تاريخ دمشق 71/42 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 14 / 169 ، مختصر تاريخ دمشق 2 / 348 - 350 و ج 17 / 319 ، البداية والنهاية 180/7 حوادث سنة 35 ، السيرة الحلبية 2 / 1. مادّة « فقر » في : لسان العرب 10 / 301 ، القاموس المحيط 2 / 115 ، تاج العروس 7 / 357 ، مجمع البحرين 3 / 443 - 444.

وروي أنّه نادى به يوم بدر أيضا (1).

* * *

ص: 202


1- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 191 ح 235 و 236 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 167 ح 200 ، تاريخ دمشق 42 / 71 ، كفاية الطالب : 277 - 280.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكر من الأشياء بعضه منكر ، منها :

إنّ النداء يوم بدر بأنّ « لا سيف إلّا ذو الفقار » من المنكرات ؛ لأنّ « ذو الفقار » كان سيفا لمنبّه بن الحجّاج (2) ، من أشراف قريش ، وهو قتل يوم بدر ، وصار سيفه المشهور بذي الفقار لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فكان ذو الفقار يوم بدر في يد الكفّار ، وكانوا يقتلون به المؤمنين ، فكيف يجوز أن ينادي مناديها أن : لا سيف إلّا ذو الفقار؟!.

نعم ، هو مطابق لمذهبه ، فإنّه يدّعي أنّ قتل أصحاب محمّد صلی اللّه علیه و آله واجب ، فلا يبعد أن يدّعي أنّ المنادي يوم بدر نادى بذكر منقبة ذي الفقار وهو في يد الكفّار.

وهذا السفيه ما كان يعلم الحديث ولا التاريخ ، ومدار أمره ذكر المنكرات والمجهولات ، ولا يبالي التناقض والمخالفة بين الروايات.

* * *

ص: 203


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 466.
2- هو : منبّه بن الحجّاج بن عامر السهمي ، كان من وجوه قريش وزنادقتها في الجاهلية ، وكان نديما لطعيمة بن عديّ ، شهد هو وأخوه نبيه بدرا ، وقتل فيها بيد أمير المؤمنين عليّ علیه السلام . أنظر : المحبّر : 177 ، الأغاني 282/17.

وأقول :

اشارة

ما بيّنه في وجه الإنكار خطأ ؛ لاحتمال أن يكون لأمير المؤمنين علیه السلام سيف ذو فقار حارب به يوم بدر ، أو أنّ سيف منبّه أو ابنه العاص - على الخلاف الذي ذكره ابن أبي الحديد (1) - صار إلى عليّ علیه السلام ، وقاتل به لمّا قتلهما وقتل نبيها أخا منبّه ، كما في « شرح النهج » أيضا (2).

فعلى أحد هذين الاحتمالين لا يمتنع أن ينادي المنادي يوم بدر : « لا سيف إلّا ذو الفقار ».

وقد حكى السيوطي في « اللآلئ » رواية النداء يوم بدر ، عن ابن عديّ ، وذكر أنّ ابن الجوزي زعم أنّها موضوعة ؛ لأنّ في سندها عمّار ابن أخت سفيان ، وهو متروك (3).

فتعقّبه السيوطي بقوله : « كلّا ، بل هو ثقة ثبت ، من رجال مسلم ، وأحد الأولياء الأبدال (4) ، والمصنّف تبع ابن حبّان في تجريحه ، وقد ردّ عليه » (5).

ثمّ إنّه ينبغي التعرّض لثبوت الأخبار التي ذكرها المصنّف بطرقهم ، وبيان وجه الاستدلال بها ..

ص: 204


1- ص 347 من المجلّد الثالث [ شرح نهج البلاغة 14 / 168 و 169 ]. منه قدس سره .
2- ص 358 من المجلّد المذكور [ 14 / 212 ]. منه قدس سره .
3- انظر : الموضوعات 1 / 382.
4- انظر : تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين - : 228 رقم 839 ، ميزان الاعتدال 5 / 203 رقم 6008 ، تهذيب التهذيب 6 / 9 رقم 4983.
5- اللآلئ المصنوعة 1 / 333 ، وانظر : المجروحين - لابن حبّان - 2 / 195.
[ 1 - كسر الأصنام ]

أمّا الخبر الأوّل ؛ وهو خبر كسر الأصنام ..

فقد أخرجه الحاكم في « المستدرك » (1) ، عن عليّ علیه السلام ، وصحّحه ، قال : « لمّا كان الليلة التي أمرني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن أبيت على فراشه وخرج من مكّة مهاجرا ، انطلق بي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى الأصنام ، فقال : اجلس.

فجلست إلى جانب الكعبة ، ثمّ صعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على منكبي ، ثمّ قال : انهض.

فنهضت به ، فلمّا رأى ضعفي تحته ، قال : « اجلس ».

فجلست ، فأنزلته عنّي ، وجلس لي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ قال لي : يا عليّ! اصعد!

فصعدت على منكبيه ، ثمّ نهض بي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وخيّل لي أنّي لو شئت نلت السماء ، وصعدت إلى الكعبة .. » الحديث.

ونحوه في « مسند أحمد » (2) لكن من دون تعيين الليلة ، وكذا في « كنز العمّال » (3) ، نقلا عن ابن أبي شيبة ، وأبي يعلى في مسنده ، وابن جرير ، والخطيب (4).

ص: 205


1- ص 5 من الجزء الثالث [ 3 / 6 ح 4265 ]. منه قدس سره .
2- ص 84 من الجزء الأوّل. منه قدس سره .
3- ص 407 من الجزء السادس [ 13 / 171 ح 36516 ]. منه قدس سره .
4- انظر : مصنّف ابن أبي شيبة 8 / 534 ح 9 ، مسند أبي يعلى 1 / 251 ح 292 ، تهذيب الآثار 4 / 236 - 237 ح 31 - 32 ، تاريخ بغداد 13 / 302 - 303 رقم 7282.

ووجه الدلالة فيه على المطلوب ، أنّ اختصاص أمير المؤمنين علیه السلام بمشاركة النبيّ صلی اللّه علیه و آله في هذه الواقعة الجليلة الخطيرة - بطلب من النبيّ صلی اللّه علیه و آله - دليل على فضله على غيره ، لا سيّما وقد رقى على منكب دونه العيّوق (1) ، وهام الملائكة والملوك.

وقد أشار الشافعي إلى هذه الواقعة مادحا لأمير المؤمنين علیه السلام ، كما حكاه في « ينابيع المودّة » (2) ، فقال [ من الرّمل ] :

قيل لي : قل في عليّ مدحا *** ذكره يخمد نارا موصده

قلت : لا أقدم في مدح امرئ *** ضلّ ذو اللّبّ إلى أن عبده

والنبيّ المصطفى قال لنا *** ليلة المعراج لمّا صعده :

وضع اللّه بظهري يده *** فأحسّ القلب أن قد برّده

وعليّ واضع أقدامه *** في محلّ وضع اللّه يده

بل قد يقال بدلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام من وجه آخر ؛ وهو أنّ ضعفه عن حمل النبيّ صلی اللّه علیه و آله لمّا كان مخالفا لما هو عليه من القوّة العظيمة ، دلّ على أنّ المنشأ في ضعفه هو رعاية جهة النبوّة ؛ ولذا خيّل له أن لو شاء أن ينال السماء نالها ، فلا يرفع النبيّ على منكبيه - بما هو نبيّ ملحوظ به جهة النبوّة - إلّا من هو شريك له في أمره ، ومن هو كنفسه ، وخليفته في أمّته.

ص: 206


1- العيّوق : نجم أحمر مضيء بطرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثريّا ، ويطلع قبل الجوزاء ، سمّي بذلك لأنّه يعوق الدّبران عن لقاء الثريّا. أنظر مادّة «عوق» في : لسان العرب 477/9 ، القاموس المحيط 279/3 ، تاج العروس 367/13.
2- في الباب 48 [ 1 / 423 ]. منه قدس سره .
[ 2 - ولاية عليّ علیه السلام ]

وأمّا الحديث الثاني ؛ وهو أنّه لا يجوز على الصراط إلّا من كان معه كتاب بولاية عليّ علیه السلام ..

فقد سبق مع دلالته على المطلوب في الآية الحادية عشرة (1).

3 - ردّ الشمس

وأمّا الحديث الثالث ؛ وهو حديث ردّ الشمس ..

فقد أخرجه كثير بطرق كثيرة ، وصحّحه جماعة ..

قال ابن حجر في « الصواعق » (2) : حديث ردّها صحّحه الطحاوي والقاضي في « الشفاء » ، وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره » (3).

لكنّ ابن الجوزي على عادته في إنكار ما صحّ في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام زعم وضع الحديث ، وذكر بعض طرقه فوهّنها ، كما حكاه عنه السيوطي في « اللآلئ » (4).

ولنذكر مجمل كلام ابن الجوزي ..

قال بعد ذكر حديث العقيلي عن أسماء بنت عميس : موضوع ،

ص: 207


1- راجع : ج 5 / 7 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- الفصل الثالث من الباب التاسع [ ص 197 ]. منه قدس سره .
3- انظر : مشكل الآثار 2 / 7 ح 1207 و 1208 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 284 ، طرح التثريب 6 / 247.
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 308 ، وانظر : الموضوعات 1 / 355 و 357.

اضطربت فيه الروايات ، رواه سعيد بن مسعود ، عن أسماء بنت عميس ، بسند فيه فضيل بن مرزوق ، ضعّفه يحيى ، وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات ، ويخطئ على الثقات (1).

وذكر حديثا آخر ، عن ابن شاهين ، عن أسماء ، وفي سنده عبد الرّحمن بن شريك ؛ قال أبو حاتم : واهي الحديث ، وشيخ ابن شاهين ابن عقدة رافضيّ ، رمي بالكذب ، وهو المتّهم به (2).

وذكر أيضا حديثا عن ابن مردويه ، عن أبي هريرة ، وفي سنده داوود ابن فراهيج ، ضعّفه شعبة (3).

انتهى ما عن ابن الجوزي.

وتعقّبه السيوطي بقوله : « فضيل ، الذي أعلّ به الطريق الأوّل ، ثقة صدوق ، احتجّ به مسلم في صحيحه ، وأخرج له الأربعة (4).

وعبد الرحمن بن شريك ، وإن وهاه أبو حاتم فقد وثّقه

ص: 208


1- الموضوعات 1 / 355 - 356 ، وانظر : الضعفاء الكبير - للعقيلي - 3 / 327 - 328 رقم 1347.
2- الموضوعات 1 / 356.
3- الموضوعات 1 / 357.
4- انظر روايته في : صحيح مسلم 2 / 112 وج 3 / 85 ، سنن ابن ماجة 1 / 191 ح 576 وص 256 ح 778 ، سنن أبي داود 4 / 31 ح 3978 ، سنن الترمذي 2 / 342 ح 477 وج 3 / 617 ح 1329. وأما ما حكاه ابن الجوزي من تضعيف ابن معين لفضيل بن مرزوق ، فغير صحيح ، فقد وثقه في كتابيه : التاريخ 476/2 رقم 1298 ، ومعرفة الرجال 2/ 239 ح 824 وفيه : « عن حميد الرواسي ، أنه كان من أصدق من رأينا من الناس» ، ويعضد هذا التوثيق ما في : تهذيب الكمال 119/15 - 120 رقم 5355 ، میزان الاعتدال 439/5 - 440 رقم 6778 ، تهذيب التهذيب /425/6 رقم 5626 .

غيره (1) ، وروى عنه البخاريّ في ( الأدب ) (2).

وابن عقدة ، من كبار الحفّاظ ، والناس مختلفون في مدحه وذمّه ؛ قال الدارقطني : كذب من اتّهمه بالوضع ؛ وقال حمزة السهمي : ما يتّهمه بالوضع إلّا ذو الأباطيل ؛ وقال أبو علي الحافظ : أبو العبّاس إمام حافظ ، محلّه محلّ من يسأل عن التابعين وأتباعهم (3) (4).

ص: 209


1- انظر : ميزان الاعتدال 4 / 289 رقم 4892. نقول : لقد نصَّ الذهبي في ترجمة أبي حاتم على أنه إذا جرح رجلاً يُنظر فيه ، فإن وثقه غيره قدّم التوثيق على جرح أبي حاتم ، فقال ما لفظه : «إذا وثق أبو حاتم رجلاً فَتَمَسَّك بقوله ، فإنّه لا يوثق إلا رجلاً صحیح الحديث ، وإذا لين رجلاً ، أو قال فيه : لا يُحتج به ؛ فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه ، فإن وثقه أحدٌ فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم ، فإنّه مُتَعَنْتُ في الرجال» أنظر : سير أعلام النبلاء 13 / 260 . وكذا وصفه ابن حجر ، فقال عنه : « وأبو حاتم عنده عنت » أنظر : هدي الساري مقدمة فتح الباري : 616 ترجمة محمد بن أبي عدي البصري .
2- الأدب المفرد : 218 ح 820.
3- انظر : تاريخ بغداد 5 / 14 رقم 2365 ، سير أعلام النبلاء 15 / 340 رقم 178 ، ميزان الاعتدال 1 / 281 رقم 547.
4- وابن عقدة ، هو : أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد السبيعي الهمداني الكوفي ، الحافظ العلّامة ، أحد أعلام الحديث ، كان زيديا جاروديا. ولد سنة 249 ه- بالكوفة ، وطلب الحديث عن خلق كثير بالكوفة وبغداد ومكة ، وتوفي سنة 332 ه- . صنف كتباً كثيرة نفيسة ، منها : تسمية من شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام حروبه من الصحابة والتابعين ، جزء في فضائل علي عليه السلام ، حديث الراية ، صلح الحسن عليه السلام ومعاوية ، طرق حديث الطير ، طرق حديث النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، كتاب من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام و مسنده ، كتاب من روى عن الحسن والحسين والأئمة عليهم السلام ، كتاب من روى عن علي بن الحسين عليه السلام ، كتاب من روى عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ، كتاب من روى عن جعفر بن محمّد علیه السلام ، كتاب من روى عن زيد بن عليّ ومسنده ، كتاب من روى عن عليّ أنّه : قسيم النار ، كتاب من روى عن فاطمة من أولادها ، كتاب الولاية. وثقه أغلب علماء الرجال وأكابر حفاظ أهل السنّة ، وأثنوا على علمه وحفظه وخبرته وسعة اطلاعه، ونصوا على اعتمادهم عليه ، ونقلوا آراءه في رجال الحديث .. قال عنه السمعاني : «كان حافظاً متقناً عالماً ، التراجم والأبواب جمع والمشيخة ، وأكثر الرواية وأنتشر حديثه . روى عنه الاكابر من الحفاظ... وكان الدارقطني يقول : أجمع أهل الكوفة على أنه لم يُرَ من زمن عبد اللّه بن مسعود إلى زمن أبي العباس ابن عقدة أحفظ منه» . وقال سبط ابن الجوزي : « وأبن عقدة مشهور بالعدالة ، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها ... فنسبوه إلى الرفض » . وقال السبكي - في ذكر الطبقات - : «فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة : . .. وأبي العباس ابن عقدة . فهؤلاء مهرة الفنّ ، وقد أغفلنا كثيراً من الأئمة ، وأهملنا عدداً صالحاً من المحدثين ، وإنما ذكرنا من ذكرناه لننب-ه بهم على من عداهم» . وقال السيوطي : «سمع أمماً لا يحصون ، وكتب العالي والن-ازل حت-ى عن أصحابه ، وكان إليه المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث ، ورحلته قليلة ، ألف وجمع » . وقال الهندي الفتني : « وأبن عقدة من كبار الحفاظ ، وثقه الناس ، وما ضعفه إلا عصري متعصب » . وأما طعن بعضهم فيه وقدحهم به وتضعيفهم له ، فلا يُعتد به ولا يُلتفت إليه ؛ لأنه ليس بشيء ، ولا لشيء ! ءٍ إلا كثرة ما ألفه وأخرجه في مناقب أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم ؛ ولا سيّما ما أخرجه من طرق حديث الغدير ، حتى أفرد لها كتاباً مستقلاً أسماه : كتاب الولاية » ، وما نقموا منه إلا ذلك. أنظر : الأنساب - للسمعاني - 214/4 «العُقَدي» ، تذكرة الخواص : 54 ، طبقات الشافعية الكبرى - للسبكي - 1 / 314 - 318 ، طبقات الحفاظ : 350 رقم 789، تذكرة الموضوعات : 96 ، هديّة العارفين 5 / 60 ، أهل البيت علیهم السلام في المكتبة العربية : 623 - 625 رقم 762 - 769 ومواضع أخر ، الغدير في التراث الإسلامي : 41 رقم 6 ، نفحات الأزهار 6 / 71 - 79.

ص: 210

وداوود ، وثّقه قوم وضعّفه آخرون (1) » .

ثمّ الحديث ، صرّح جماعة من الأئمّة والحفّاظ بأنّه صحيح ..

قال القاضي عياض في ( الشفاء ) : أخرج الطحاوي في ( مشكل الحديث ) ، عن أسماء بنت عميس من طريقين ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ ؛ فذكر هذا الحديث.

قال الطحاوي : وهذان الحديثان ثابتان ، ورواتهما ثقات.

وحكى الطحاوي أنّ أحمد بن صالح كان يقول : لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء ؛ لأنّه من علامات النبوّة (2) (3).

ثمّ ذكر السيوطي للحديث الأوّل طريقا للطبراني ، وآخر للعقيلي ، وثالثا للخطيب في « تلخيص المتشابه » ، ورابعا لأبي بشر الدولابي في « الذرّيّة الطاهرة » (4).

ثمّ قال : « ثمّ وقفت على جزء مستقلّ في جمع طرق هذا الحديث ، تخريج أبي الحسن شاذان الفضلي » ، ثمّ ساق له اثني عشر طريقا ، عن عليّ ، وأسماء ، وأبي هريرة ، وجابر بن عبد اللّه ، وأبي ذرّ ؛ لكنّ حديث

ص: 211


1- انظر : ميزان الاعتدال 3 / 31 - 32 رقم 2644.
2- انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 283 - 284 ، مشكل الآثار 2 / 7 ح 1207 و 1208 وص 8 ذ ح 1211 وج 4 / 268 ح 3850 و 3851.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 308 - 309.
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 309 ؛ وانظر : المعجم الكبير 24 / 152 ح 391 ، الضعفاء الكبير 3 / 327 رقم 1347 ، تلخيص المتشابه 1 / 225 رقم 353 ، الذرّيّة الطاهرة : 129 ح 156.

أبي ذرّ هكذا :

« قال عليّ يوم الشورى : أنشدكم باللّه ، هل فيكم من ردّت عليه الشمس غيري حين نام رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وجعل رأسه في حجري حتّى غابت الشمس ، فانتبه فقال : يا عليّ! ... صلّيت العصر؟

قلت : اللّهمّ لا.

فقال : اللّهم ارددها عليه ، فإنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك ».

ثمّ قال السيوطي : « وروى ابن أبي شيبة طرقا من حديث أسماء ».

ثمّ قال : « وممّا يشهد بصحّة ذلك قول الإمام الشافعي وغيره : ما أوتي نبيّ معجزة إلّا أوتي نبيّنا نظيرها أو أبلغ منها.

وقد صحّ أنّ الشمس حبست على يوشع ليالي قاتل الجبّارين ، فلا بدّ أن يكون لنبيّنا نظير ذلك ، فكانت هذه القصّة نظير تلك ».

انتهى ما في « اللآلئ » (1).

وقد نسج ابن تيميّة على منوال ابن الجوزي ، فحكم بوضع الحديث (2).

قال المصنّف رحمه اللّه في « منهاج الكرامة » : « التاسع : رجوع الشمس له مرّتين ، إحداهما : في زمن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، والثانية : بعده.

أمّا الأولى : فروى جابر وأبو سعيد الخدري ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله نزل عليه جبرئيل يوما يناجيه من عند اللّه ، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين علیه السلام ، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشمس ، فصلّى عليّ

ص: 212


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 309 - 312.
2- منهاج السنّة 8 / 165.

العصر بالإيماء ، فلمّا استيقظ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال له : سل اللّه يرد عليك الشمس لتصلّي العصر قائما ؛ فدعا ، فردّت الشمس ، فصلّى العصر قائما.

وأمّا الثانية : فلمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل ، استعمل كثير من أصحابه دوابّهم ، وصلّى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر ، وفاتت كثيرا ، فتكلّموا في ذلك ، فسأل اللّه ردّ الشمس فردّت ، ونظمه الحميري فقال [ من الكامل ] :

ردّت عليه الشمس لمّا فاته *** وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها *** للعصر ثمّ هوت هويّ الكوكب

وعليه قد ردّت ببابل مرّة *** أخرى وما ردت لخلق مغرب »(1)

وأجاب ابن تيميّة بإنكار الحديثين ، واستشهد بكلام ابن الجوزي ، ثمّ نقل عن أبي القاسم الحسكاني ، أنّه جمع طرق حديث ردّها في أيّام النبيّ صلی اللّه علیه و آله في مصنّف سمّاه : « مسألة في تصحيح ردّ الشّمس وترغيب النواصب الشّمس »(2) ، ثمّ ذكر ابن تيميّةطرقه ، وهي أكثر ممّا سبق ،

ص: 213


1- منهاج الكرامة : 171 - 172 ؛ وانظر : ديوان السيّد الحميري : 87 - 89 ، والأبيات من قصيدته المذهّبة ، التي مطلعها : هلّا وقفت على المكان المعشب *** بين الطويلع فاللوى من كبكب والمغرب : من جاء بشيء وأمر غريب ؛ انظر : لسان العرب 10 / 34 مادّة « غرب ».
2- ترجم الذهبي ترجمة حسنة للحاكم الحسكاني أبي القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه ابن الحذّاء الحنفي النيسابوري ، المتوفّى بعد سنة 470 ه ، في تذكرة الحفّاظ 3 / 1200 رقم 1032 وذكر له هذا الكتاب قائلا : « ووجدت له مجلسا يدلّ على تشيّعه! وخبرته بالحديث ، وهو تصحيح خبر ردّ الشّمس لعليّ رضي اللّه عنه وترغيم النواصب الشّمس ». وذكره له كذلك ابن كثير في البداية والنهاية 62/6 قائلاً : « فصل : إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة ، أبو القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه بن الحسكاني يصنف فيه : تصحيح ردّ الشَّمْس وترغيم النواصب الشمس» . وممن صحح هذا الحديث ، شمس الدين الصالحي الدمشقي ، المتوفى سنة 942 ه- ، في كتابيه : « مزيل اللبس عن حديث ردّ الشمس» الذي أفرده لهذا الغرض ، وفي كتابه : سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 435/9 - 439 ، وتطرق فيه لرواية الحاكم الحسكاني ورميه بالتشيع ، فقال ما لفظه : «التنبيه الثالث : ليحذر من يقف على كلامي هنا أن يظنّ بي أني أميل إلى التشيع ؛ واللّه يعلم أن الأمر ليس كذلك ، والحامل لي على هذا الكلام أنّ الذهبي ذكر في ترجمة الحافظ الحسكاني أنه كان يميل إلى التشيع ؛ لأنه أملى جزءاً في طرق حديث ردّ الشمس ، وهذا الرجل ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغفار إسماعيل الفارسي في (ذيل تاريخ نيسابور ) فلم يسعفه بذلك ، بل أثنى عليه ثناءً حسناً ، وكذلك غيره من المؤرّخين ، نسأل اللّه تعالى السلامة من الخوض في أعراض الناس بما نعلم وبما لا نعلم» !

أخرجها عن أمير المؤمنين ، وأسماء ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وأورد عليه بأمور ، ولنذكرها مفصّلة وإن كانت مشوّشة في كلامه ..

الأمر الأوّل : عدم صحّة طرقه ، وبالغ في النقد عليها ، حتّى ضعّف جملة من رجالها ، وهم ممّن احتجّ بهم مسلم ، والبخاري في الصحيحين (1).

فليت شعري ، كيف يجتمع هذا مع قولهم بصحّة أخبار الصحيحين أجمع؟!

وهل يسلم لهم خبر من نقد بعض رجاله بمثل تلك النقود ، حتّى يصحّ القول بصحّته؟!

وكيف كان! فنحن لا نضيّع الوقت بردّ نقوده بعدما صحّح جملة من

ص: 214


1- منهاج السنّة 8 / 165 - 172 وما بعدها.

طرق الحديث : الطحاوي ، والقاضي عياض ، والحافظ السيوطي ، والحاكم الحسكاني ، وسبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » ، وحسّنها أبو زرعة وغيره (1).

ولا سيّما أنّ المطلوب الوثوق ، ولا ريب بحصوله من الطرق المستفيضة ، بل هو أشدّ وأقوى من الوثوق من خبر صحيح أو أخبار صحاح.

وإذا ضممت إلى تلك الأحاديث أخبارنا (2) علمت أنّ ردّها لأمير المؤمنين متواتر.

الأمر الثاني : إنّه لو كان للواقعة أصل ، لكانت من أعظم عجائب العالم التي تتوفّر الدواعي إلى نقلها ، ولم يختصّ نقلها بالقليل (3).

ويرد عليه :

أوّلا : إنّ الدواعي إلى عدم نقلها أكثر ؛ لأنّ الناس في أيّام الأمويّين وكثير من الأوقات أعداء لأمير المؤمنين علیه السلام ، ومجتهدون في نقصه ،

ص: 215


1- انظر : مشكل الآثار 2 / 8 ذ ح 1211 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 284 ، اللآلئ المصنوعة 1 / 308 - 312 ، وأبا القاسم الحسكاني كما في منهاج السنّة 8 / 172 ، تذكرة الخواصّ : 54 ، طرح التثريب 6 / 247 ، كفاية الطالب : 383 ، فتح الباري 6 / 272 - 273 ، عمدة القاري 15 / 43 ، شرح المواهب اللدنّية 6 / 486 - 487 ، شرح الشفا 1 / 489 و 592. وقد تقدم رواية الطبراني له بسند حسن كما حكاه عنه غير واحد ممن تقدم ، بل قال في مجمع الزوائد 297/8 : رواه كله الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبراهيم بن حسن وهو ثقة.
2- انظر : الاحتجاج 1 / 308 ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : 111 - 113 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 345 - 347.
3- منهاج السنّة 8 / 171 و 177.

فكيف يستفيض بينهم نقل هذه الفضيلة العظيمة؟!

وثانيا : إنّه منقوض بانشقاق القمر ، الذي هو معجزة لنبيّنا صلی اللّه علیه و آله (1) ، ولا يشاركه فيها عليّ حتّى تتوفّر الدواعي إلى إخفائها ، ومع ذلك لم يروها أكثر من رواة ردّ الشمس.

ودعوى ابن تيميّة الفرق بأنّ انشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس (2) ، باطلة ؛ لما في « صحيح البخاري » في تفسير : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) (3) ، عن أنس ، قال : سأل أهل مكّة أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر (4).

وفي « سنن الترمذي » ، في تفسير هذه السورة ، عن جبير بن مطعم ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حتّى صار فرقتين ، على هذا الجبل ، وعلى هذا الجبل ؛ فقالوا : سحرنا محمّد! فقال بعضهم : لئن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلّهم (5).

وثالثا : إنّ السبب في عدم تواتر نقل مثل هذه الوقائع في الكتب ، هو أنّ عامّة الناس كانوا أمّيّين ، وما كان التاريخ والتأليف مألوفا بين من يعرف الكتابة منهم ، بلا فرق بين المسلمين وغيرهم ؛ ولذا لم يعرف مؤلّف في تلك العصور ، ولم يصل إلينا من معجزات النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلّا القليل ،

ص: 216


1- صحيح البخاري 5 / 59 - 60 ح 137 - 139 ، صحيح مسلم 8 / 132 - 133 ، مسند أحمد 1 / 377 و 413 و 447 وج 3 / 275 وج 4 / 82 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 2 / 262 - 268 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 280 - 283.
2- منهاج السنّة 8 / 171.
3- سورة القمر 53 : 1.
4- صحيح البخاري 6 / 252 - 253 ح 361.
5- سنن الترمذي 5 / 372 ح 3289.

ولا سيّما من طرق السنّة.

وإنّما وقع التأليف نادرا في التابعين ، وكثر في تبع التابعين ، على حين لم يبق من ذكر الحوادث السالفة إلّا ما ندر ، وتناسى الناس فضائل أمير المؤمنين ؛ خوفا أو عنادا ، لا سيّما ما هو صريح في إمامته.

الأمر الثالث : إنّ خصوصيّات الروايات متنافية من وجوه ، وهو يكشف عن كذب الواقعة.

الأوّل : دلالة بعضها على طلوع الشمس حتّى وقعت على الجبال وعلى الأرض ، وبعضها حتّى توسّطت السماء ، وبعضها حتّى بلغت نصف المسجد.

وهذا دالّ على أنّ ذلك بالمدينة ؛ لأنّ المقصود مسجدها ، وكثير من الأخبار يدلّ على أنّه بالصهباء (1) في غزوة خيبر (2).

الثاني : إنّ بعضها يدلّ على أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان يوحى إليه ، وبعضها كان نائما ثمّ استيقظ.

الثالث : دلالة بعضها على أنّ عليّا كان مشغولا بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وبعضها على أنّه كان مشغولا بقسم الغنائم.

.. إلى غير ذلك من الخصوصيّات المتنافية (3).

ص: 217


1- الصّهباء : اسم موضع بينه وبين خيبر روحة ، سمّيت بذلك لصهوبة لونها وهو حمرتها أو شقرتها ؛ انظر : معجم البلدان 3 / 494 - 495 رقم 7679.
2- المعجم الكبير 24 / 145 ح 382 ، مشكل الآثار 2 / 7 ح 1208 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 284 ، البداية والنهاية 6 / 62.
3- راجع الصفحة 200 ه 1 ففيه تخريج جلّ روايات ردّ الشمس بمختلف طرقها وخصوصيّاتها. وأجملها ابن تيمية في مناهج السنة 175/8 و 183 - 186.

والجواب : إنّ تنافي الخصوصيّات لا يوجب كذب أصل الواقعة ، وإنّما يقتضي الخطأ في الخصوصيّات ؛ إذ لا ترى واقعة تكثّرت طرقها إلّا واختلف النقل في خصوصيّاتها ، حتى إنّ قصّة انشقاق القمر قد وردت - في الرواية التي تقدّمت عن الترمذي (1) - بأنّ القمر صار فرقتين على جبلين.

وفي رواية أخرى للترمذي : إنشقّ فلقتين ، فلقة من وراء الجبل ، وفلقة دونه (2).

وفي « صحيح البخاري » : فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه (3).

على أنّه لا تنافي بين تلك الخصوصيّات ؛ لأنّ المراد بجميع الخصوصيّات في الوجه الأوّل : هو رجوع الشمس إلى وقت صلاة العصر ، كما صرّح به بعض الأخبار (4).

لكن وقعت المبالغة في بعضها بأنّها توسّطت السماء (5) ، والمبالغة غير عزيزة في الكلام.

كما أنّ وقوع ردّ الشمس في غزوة خيبر ، لا ينافي بلوغها نصف

ص: 218


1- تقدّمت آنفا في الصفحة 216 ، وانظر : سنن الترمذي 5 / 372 ح 3289.
2- سنن الترمذي 5 / 370 - 371 ح 3285.
3- صحيح البخاري 6 / 252 ح 358.
4- الظاهر أنّ جميع الأخبار الواردة ، وليس بعضها ، قد صرّحت بأنّ ردّ الشمس كان إلى وقت صلاة العصر ؛ فراجع الصفحة 200 ه 1 من هذا الجزء.
5- (5) كذا في الأصل ، ولم يرد لفظ « السماء » في أيّ من ألفاظ الحديث ، ولعلّ الشيخ المصنّف قدس سره كنّى بذلك عن « وسط المسجد » و « نصف المسجد » و « وقعت على الجبال » و « وقفت على الجبال » و « بيضاء نقيّة » كما جاءت به نصوص الروايات ؛ فلاحظ!

المسجد.

وأمّا الخصوصيّات في الوجه الثاني ، فلا تنافي بينها أيضا ؛ لصحّة حمل نوم النبيّ صلی اللّه علیه و آله على غشية الوحي والاستيقاظ على تسرّيه ؛ ولذا عبّر بعض الأخبار بالاستيقاظ بعد ذكر نزول جبرئيل وتغشّي الوحي للنبيّ صلی اللّه علیه و آله (1).

وأمّا الخصوصيّات في الوجه الثالث ، فهي أظهر بعدم التنافي بينها ؛ إذ لا يبعد أنّ قسم الغنائم هو الحاجة التي وقعت قبل شغل عليّ علیه السلام بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله لا في عرضه.

وعلى هذا القياس في سائر الخصوصيّات التي يتوهّم تنافيها.

الأمر الرابع : اشتمال الأحاديث على المنكرات :

منها : إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « يا ربّ! إنّ عليّا في طاعتك وطاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس ».

قال أبو سعيد : فو اللّه لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتّى رجعت بيضاء نقيّة.

ومنها : إنّها لمّا غابت سمع لها صرير كصرير المنشار.

ومنها : إنّها أقبلت ولها صرير كصرير الرحى.

وإنّما قلنا : إنّ هذه منكرات ؛ لأنّ الشمس لا تلاقي من الأجسام ما يوجب هذه الأصوات التي تصل من فلك الشمس إلى الأرض (2).

والجواب : إنّ اللّه سبحانه لا يعجز عن إحداث الصوت ليكون

ص: 219


1- تاريخ دمشق 70 / 36 رقم 9409.
2- منهاج السنّة 8 / 184 - 192.

للسمع حظّ من هذه الفضيلة كما للبصر ، فيزيد التيقّن بها ، والالتفات إليها.

ولو تسرّبنا (1) إلى هذه المناقشات منعنا انشقاق القمر ، وسقوط شقّيه على الجبلين أو الجبل وما دونه ، فإنّه أكبر من ذلك.

فإذا أجيب هاهنا بأنّ اللّه شقّه وصغّر جرمه وأنزله إلى الأرض إيضاحا للحجّة ، فليجب بمثله في المقام.

وممّا اشتملت عليه من المنكرات - بزعم ابن تيميّة - نوم النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعد صلاة العصر ، وهو مكروه ، ولا يفعله النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وهو أيضا تنام عيناه ولا ينام قلبه (2) ؛ فكيف يفوّت على عليّ صلاته؟!

ثمّ إنّ تفويت الصلاة إن كان جائزا لم يكن على عليّ إثم إذا صلّى العصر بعد الغروب ، وليس عليّ أفضل من النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، والنبيّ قد فاتته العصر يوم الخندق ، ولم ترد عليه الشمس.

وقد نام ومعه عليّ وسائر الصحابة عن الفجر حتّى طلعت الشمس ، ولم ترجع إلى الشرق.

وإن كان التفويت محرّما فهو من الكبائر ، ومن فعل هذا كان من

ص: 220


1- إنسرب وتسرّب : دخل في السّرب ؛ وهو جحر الثعلب والذئب ، وغيرهما من الحيوانات. والشرب : الطريق والوجه. أنظر : تاج العروس 72/2 - 73 مادة «سرب». ومراده قدس سره : أننا لو حدنا عن الأسلوب الصحيح في المناظرة و أوغلنا في إثارة الشكوك ، لأنكرنا المعجزات.
2- انظر : صحيح البخاري 1 / 78 ح 4 وج 5 / 33 - 34 ح 76 و 77 ، صحيح مسلم 2 / 180 ، سنن أبي داود 1 / 51 ح 202 ، مسند أحمد 1 / 274 و 278 ، مصنّف ابن أبي شيبة 1 / 156 ح 5 ب 160 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 468 ح 3614.

مثالبه ، لا من مناقبه.

ثمّ إذا فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس (1).

والجواب : إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لم ينم - كما عرفت - وإنّما تغشّاه الوحي (2).

وما ذكره من أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يجب أن يجعله دليلا على كذب رواية نومه صلی اللّه علیه و آله عن صلاة الصبح ، وكذب رواية نسيانه الصلاة يوم الخندق ، كما أوضحناه في مباحث النبوّة (3).

فحينئذ يبطل نقضه بعدم ردّ الشمس للنبيّ صلی اللّه علیه و آله لمّا فاتته الصلاة في الوقتين ، وهو أفضل من عليّ علیه السلام .

على أنّ فضل النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا يستلزم أولويّة ردّها له ؛ لجواز أن يكون ردّها لعليّ علیه السلام دفعا لطعن أهل النفاق فيه بتركه الصلاة ، فردّت له ؛ ليعلم أنّه في طاعة اللّه تعالى بشاهد جليّ ؛ أو لغير ذلك من الحكم المقتضية لتخصيصه دون النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

على أنّ عليّا علیه السلام لم يترك أصل الصلاة ، فإنّه صلّاها إيماء ، كما صرّح به بعض الأخبار (4) ، وإنّما ردّها اللّه سبحانه له لينال فضل الصلاة قائما في وقتها ، ويظهر فضله وكمال طاعته ، وليقطع ألسنة المنافقين.

وبهذا يعلم ما في قوله : « إن كان جائزا لم يكن على عليّ إثم إذا

ص: 221


1- منهاج السنّة 8 / 175 - 176.
2- انظر : المعجم الكبير 24 / 152 ح 391.
3- راجع : ج 4 / 145 - 148 من هذا الكتاب.
4- ينابيع المودّة 1 / 417 ح 3 ، أرجح المطالب : 686 عن الدولابي وابن شاهين وابن مندة وابن مردويه.

صلّى العصر بعد الغروب » ، فإنّ الداعي لردّها ليس رفع الإثم ، بل تلك الحكم المذكورة ، فقد ظهر أنّ المناقشة في الحديث إنّما هي من السفاسف.

وأمّا دلالته على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام فأجلى من الشمس ؛ لأنّه من أعظم الأدلّة على الاهتمام بشأنه وفضله على جميع الأصحاب بما لا يحلم أن يناله أحد منهم.

هذا كلّه في ردّها له في حياة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ..

ويروى ردّها له بعد وفاته صلی اللّه علیه و آله كما ذكره المصنّف رحمه اللّه (1) ، وحكاه ابن أبي الحديد في « شرح النهج » (2) ، عن نصر بن مزاحم ، بسنده عن عبد خير ، قال : « كنت مع عليّ في أرض بابل وحضرت صلاة العصر ، فجعلنا لا نأتي مكانا إلّا رأيناه أقبح من الآخر ، حتّى أتينا على مكان أحسن ما رأينا ، وقد كادت الشمس أن تغيب ..

قال : فنزل عليّ فنزلت معه ، فدعا اللّه فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر ، فصلّيت العصر ثمّ غابت ».

ونقل في « ينابيع المودّة » (3) ، عن « المناقب » ، عن الحسين علیه السلام ، قال : « لمّا رجع أبي من قتال النهروان سار في أرض بابل ، وحضرت صلاة العصر ، فقال : هذه أرض مخسوفة ، وقد خسفها اللّه ثلاثا ، ولا يحلّ لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها.

ص: 222


1- منهاج الكرامة : 172.
2- ص 277 من المجلّد الأوّل [ 3 / 168 ]. منه قدس سره . وأنظر : وقعة صفين : 135 - 136.
3- في الباب السابع والأربعين [ 1 / 418 - 419 ح 6 ]. منه قدس سره .

قال جويرية بن مسهر العبدي (1) : صلّى الناس هنا ، وتبعت بمئة فارس أمير المؤمنين إلى أن قطعنا أرض بابل ، والشمس قد غربت ، فنزل وقال : آتني الماء ؛ فآتيته الماء ، فتوضّأ وقال : يا جويرية! أذّن للعصر.

فقلت في نفسي : كيف يصلّي العصر وقد غربت الشمس؟!

فأذّنت ، وقال لي : أقم ؛ فأقمت ، وإذا أنا في الإقامة تحرّكت شفتاه ، وإذا رجعت الشمس وصلّينا وراءه.

فلمّا فرغنا من الصلاة غابت الشمس بسرعة كأنّها سراج وقعت في طشت ماء واشتبكت النجوم ، والتفت إليّ وقال : أذّن للمغرب يا ضعيف اليقين! ».

ونقل في « الينابيع » أيضا ، عن أخطب خوارزم ، بسنده عن مجاهد ، أنّ ابن عبّاس أثنى على أمير المؤمنين علیه السلام في كلام قال فيه : « وردّت عليه الشمس مرّتين » (2).

4 - حديث السطل والماء والمنديل

وأمّا الحديث الرابع ؛ وهو حديث السطل والماء والمنديل ..

ص: 223


1- جويرية بن مسهر العبدي ، من أصحاب أمير المؤمنين عليّ علیه السلام ، وشهد مشاهده ، وكان من ثقاته ، وكان من خيار التابعين ، صلبه زياد ابن أبيه إلى جذع وقطع يديه ورجليه رضي اللّه عنه. أنظر : لسان الميزان 144/2 رقم 634 ، معجم رجال الحديث 151/5 - 152 رقم 2420.
2- ينابيع المودّة 1 / 419 ح 7 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 330 ح 349.

فقد حكاه أيضا في « الينابيع » (1) ، عن ابن المغازلي ، وصاحب « المناقب » ، وأخطب خوارزم ، بأسانيدهم عن أنس.

5 - لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ

وأمّا الحديث الخامس ؛ وهو حديث النداء يوم أحد ..

فقد رواه الطبري في « تاريخه » (2) ..

وابن الأثير في « كامله » (3) ..

وكذا ابن أبي الحديد في « شرح النهج » (4) ، ناقلا له عن غلام ثعلب ، ومحمّد بن حبيب في « أماليه » ، وجماعة من المحدّثين ..

ثمّ قال : « وهو من الأخبار المشهورة ، ووقفت عليه في بعض نسخ ( مغازي محمّد بن إسحاق ) ، ورأيت بعضها خاليا عنه.

ص: 224


1- في الباب التاسع والأربعين [ 1 / 428 - 429 ح 6 ]. منه قدس سره .
2- ص 17 من الجزء الثالث [ 2 / 65 ]. منه قدس سره .
3- ص 74 من الجزء الثالث [ 2 / 49 ]. منه قدس سره .
4- ص 372 من المجلّد الثالث [ 14 / 251 ]. منه قدس سره . وأنظر : وقعة صفين : 315 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 51/4 ، الأغاني 15 / 187 ، مناقب الإمام علي علیه السلام - لابن المغازلي - : 190 - 191 ح 234 - 236 ، تاریخ دمشق 201/39 و ج 71/42 ، مناقب الإمام علي عليه السلام - للخوارزمي - : 301 ، الروض الأنف 288/3 ، الرياض النضرة 155/3 - 156 ، ذخائر العقبى : 137 ، البداية والنهاية 4/ 38 ، شرح المقاصد 298/5 ، نزهة المجالس 209/2 .

وسألت شيخي عبد الوهّاب بن سكينة (1) عن هذا الخبر ، فقال : صحيح ».

أقول : ويكفي في صحّته استفاضته ، لا سيّما بضميمة أخبارنا (2).

وأمّا صدور النداء يوم بدر فقد تقدّمت روايته في أوّل المبحث (3) ، وأشار إليها سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » (4).

ونقل أيضا عن أحمد في « الفضائل » ، وصحّحه ، وقوع النداء يوم خيبر ، وأنّهم سمعوا تكبيرا من السماء في ذلك اليوم ، وقائلا يقول :

لا سيف إلّا ذو الفقا

ر ولا فتى إلّا علي

فاستأذن حسّان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن ينشد شعرا ، فأذن له فقال [ من مجزوء الكامل ] :

جبريل نادى معلنا

والنّقع (5) ليس ينجلي

ص: 225


1- هو : ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهّاب بن علي بن عبد اللّه البغدادي الصوفي الشافعي ( 519 - 607 ه ) ، المعروف بابن سكينة ، وسكينة هي والدة أبيه ، وكان فقيها محدّثا ، لبس خرقة التصوّف عن جدّه ، حدّث في مصر والشام والحجاز ، صاحب أبا الفرج ابن الجوزي ولازم مجلسه. أنظر : سير أعلام النبلاء 502/21 رقم 262 ، البداية والنهاية 53/13 ، طبقات الشافعية - للأسنوي - 340/1 رقم 647.
2- انظر : عيون أخبار الرضا علیه السلام 1 / 81 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 84 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 378.
3- راجع الصفحة 202 من هذا الجزء.
4- تذكرة الخواصّ : 34 ؛ وكان في الأصل : « الحفّاظ » بدل « الخواصّ » ، وهو من سهو القلم.
5- النّقع : الغبار الساطع ، والقتل ؛ انظر مادّة « نقع » في : لسان العرب 14 / 267 ، تاج العروس 11 / 486. والمعنی هنا كناية عن اشتداد القتال.

والمسلمون أحدقوا *** حول النبيّ المرسل

لا سيف إلّا ذو الفقا *** ر ولا فتى إلّا علي (1)

فلا ريب بصدور النداء بذلك من جبرئيل ولو في أحد هذه المواطن الثلاثة ، وهو صريح في نفي الفتوّة - أي : السخاء بالنفس - عن غير عليّ علیه السلام ، فيدلّ على أنّه أسخى الناس بنفسه وأطوعهم له ، والفضل في الطاعة فرع الفضل الذاتي ؛ والأفضل أحقّ بالإمامة.

ويشهد لفضله الذاتي قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله في الحديث : « هو منّي وأنا منه » ، وقول جبرئيل : وأنا منكما (2).

* * *

ص: 226


1- تذكرة الخواصّ : 33 - 34.
2- (2) مرّ تخريجه في الصفحة 134 ه 1 من هذا الجزء ؛ فراجع!

24 - حديث : الحقّ مع عليّ

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - :

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - (1) :

الرابع والعشرون : في « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، قال : « رحم اللّه عليّا ، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار » (2).

وروى الجمهور : قال صلی اللّه علیه و آله لعمّار : « ستكون في أمّتي بعدي هناة واختلاف حتّى يختلف السيف بينهم ، حتّى يقتل بعضهم بعضا ، ويتبرّأ بعضهم من بعض.

يا عمّار! تقتلك الفئة الباغية ، وأنت إذ ذاك مع الحقّ والحقّ معك ، إنّ عليّا لن يدنيك من ردى ، ولن يخرجك من هدى.

يا عمّار! من تقلّد سيفا أعان به عليّا على عدوّه قلّده اللّه يوم القيامة وشاحين من درّ ، ومن تقلّد سيفا أعان به عدوّه قلّده اللّه وشاحين من نار.

ص: 227


1- نهج الحقّ : 224.
2- انظر : سنن الترمذي 5 / 592 ح 3714 ، المحاسن والمساوئ - للبيهقي - : 41 ، الإنصاف - للباقلّاني - : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 134 - 135 ح 4629 ، فردوس الأخبار 1 / 410 ح 3050 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 104 ح 107 ، تاريخ دمشق 42 / 448 ، جامع الأصول 8 / 572 ح 6382 ، تفسير الفخر الرازي 1 / 210 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 6 / 376 ، فرائد السمطين 1 / 176 ح 138 ، الصواعق المحرقة : 119 ، كنز العمّال 11 / 643 ح 33124.

فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني - يعني : عليّا - ، وإن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ واديا ، فاسلك واديا سلكه عليّ ، وخلّ الناس طرّا.

يا عمّار! إنّ عليّا لا يزال على الهدى.

يا عمّار! إنّ طاعة عليّ من طاعتي ، وطاعتي من طاعة اللّه تعالى » (1).

وروى أحمد بن موسى بن مردويه ، من الجمهور ، من عدّة طرق ، عن عائشة ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « الحقّ مع عليّ ، وعليّ مع الحقّ ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (2).

* * *

ص: 228


1- تاريخ بغداد 13 / 186 - 187 رقم 7165 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 105 ح 110 ، تاريخ دمشق 42 / 472 ، فرائد السمطين 1 / 178 ح 141 ، البداية والنهاية 7 / 244 ، كنز العمّال 11 / 613 - 614 ح 32972.
2- انظر : كشف الغمّة 1 / 146 عن ابن مردويه ، مسند أبي يعلى 2 / 318 ح 1052 ، المعجم الكبير 23 / 330 ح 758 وص 396 ح 946 ، المعجم الصغير 1 / 255 ، الإمامة والسياسة 1 / 98 ، الكنى والأسماء - للدولابي - 2 / 89 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 134 ح 4628 ، تاريخ بغداد 14 / 321 رقم 7643 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 220 ح 291 ، ربيع الأبرار 1 / 828 - 289 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 177 ح 214 ، تاريخ دمشق 42 / 449 ، فرائد السمطين 1 / 177 ح 140 ، مجمع الزوائد 7 / 235 - 236 ، كنز العمّال 11 / 621 ح 33018.

وقال الفضل (1) :

صحّ في الصحاح أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال لعمّار : ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية (2).

وباقي ما ذكر إن صحّ دلّ على أنّ عليّا كان مع الحقّ أينما دار ، وهذا شيء لا يرتاب فيه حتّى يحتاج إلى دليل ، بل هذا دليل على حقّية الخلفاء ؛ لأنّ الحقّ كان مع عليّ ، وعليّ كان معهم ، حيث تابعهم وناصحهم ، فثبت من هذا خلافة الخلفاء ، وأنّها كانت حقّا صريحا.

ص: 229


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 470.
2- انظر : صحيح البخاري 1 / 194 ح 107 وج 4 / 77 ح 27 ، صحيح مسلم 8 / 185 - 186 ، سنن الترمذي 5 / 627 ح 3800 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 75 ح 8275 ، مسند أحمد 2 / 161 و 164 وج 3 / 5 و 22 وج 4 / 197 و 199 وج 5 / 215 و 306 وج 6 / 289 و 300 ، مسند البزّار 4 / 256 ح 1428 ، مسند أبي يعلى 3 / 209 ح 1645 وج 11 / 403 ح 6524 ، المعجم الكبير 5 / 266 ح 5296 وج 19 / 171 ح 382 و 383 ، المعجم الأوسط 8 / 298 ح 8551 ، مسند الطيالسي : 90 ح 649 وص 288 ح 2168 ، مصنّف عبد الرزّاق 11 / 240 ح 20427 ، مصنّف ابن أبي شيبة 8 / 723 ح 9 و 15 وص 728 ح 39 و 40 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 1 / 185 وج 3 / 190 - 191 ، مسند الشاشي 3 / 408 ح 1532 ، الجعديات 1 / 342 ح 1179 وص 472 ح 1641 و 1642 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 105 ح 7036 - 7038 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 435 ح 5657 وص 436 ح 5659 وص 442 ح 5676 ، حلية الأولياء 4 / 172 رقم 270 وج 7 / 197 - 198 ، الاستيعاب 3 / 1140 رقم 1863 ، تاريخ بغداد 7 / 414 رقم 3965 ، تاريخ دمشق 13 / 9 رقم 1279 وج 43 / 412 - 436.

وأمّا من خالف عليّا من البغاة ، فمذهب أهل السنّة والجماعة أنّ الحقّ كان مع عليّ ، وهم كانوا على الباطل ، ولا شكّ في هذا.

* * *

ص: 230

وأقول :

روى لفظ الحديث الأوّل الترمذي في فضائل عليّ علیه السلام (1).

والحاكم أيضا في فضائله من « المستدرك » (2).

ونقل في « الصواعق » (3) ، عن الذهبي أنّه صحّح طرقا كثيرة لدعاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله لعليّ في غدير خمّ ؛ المشتمل على قوله : « وأدر الحقّ معه حيث دار ».

وحكى ابن أبي الحديد (4) ، عن أبي القاسم البجلي (5) وتلامذته من المعتزلة ، قالوا : لو نازع عليّ عقيب وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلّ سيفه لحكمنا بهلاك كلّ من خالفه وتقدّم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه - إلى أن قالوا : - وحكمه حكم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنّه قال : « عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، يدور حيثما دار ».

ص: 231


1- سنن الترمذي 5 / 592 ح 3714.
2- ص 124 من الجزء الثالث [ 3 / 135 ح 4629 ]. منه قدس سره .
3- في الفصل الخامس من الباب الأوّل في الشبهة الحادية عشرة [ 64 ]. منه علیه السلام . وأنظر : طرق حديث من كنت مولاه - للذهبي - : 12 ح 1 و ص 17 ح 4 و ص 27 - 28 ح 18 - 20 و ص 30 ح 24 و ص 44 ح 38 و ص 64 ح 65 و ص 76 ح 82 و ص 91 ح 105 و ص 92 ح 107 .
4- ص 212 من المجلّد الأوّل [ 2 / 297 ]. منه قدس سره .
5- كذا في الأصل ، وهو تصحيف ، والصحيح : « البلخي » كما في المصدر ؛ وقد تقدّمت ترجمته في ج 2 / 167 ه 3 من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وحكم ابن أبي الحديد أيضا بثبوت هذا الحديث (1) في شرح الخطبة التي يقول فيها : إنّ الأئمّة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم.

ونقل في « كنز العمّال » (2) ، عن أبي يعلى وسعيد بن منصور ، بسندهما عن أبي سعيد ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا - يعني : عليّا - ».

وحكى في « الكنز » أيضا (3) ، عن الديلمي ، عن عمّار وأبي أيّوب ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « يا عمّار! إن رأيت عليّا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره ، فاسلك مع عليّ ودع الناس ، إنّه لن يدلّك على ردى ، ولن يخرجك من هدى ».

وهذا بعض الحديث الذي ذكره المصنّف رحمه اللّه ، وذكره بتمامه إلّا القليل في « كشف الغمّة » ، نقلا عن الخوارزمي ، عن أبي أيّوب (4).

والأخبار الدالّة على أنّ الحقّ مع عليّ - والحقّ معه - ، إمّا بلفظه أو بمعناه ، أكثر من أن تحصى ، وهي متواترة معنى ، وقد تقدّم منها ما صرّح بأنّه فاروق هذه الأمّة يفرق بين الحقّ والباطل (5) ..

ومنها أحاديث التمسّك بالثّقلين (6) ..

ص: 232


1- ص 422 من المجلّد الثاني [ 9 / 88 خطبة 144 ]. منه قدس سره .
2- ص 157 من الجزء السادس [ 11 / 621 ح 33018 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند أبي يعلی 318/2 ح 1052.
3- ص 155 ج 6 [ 11 / 613 - 614 ح 32972 ]. منه قدس سره .
4- كشف الغمّة 1 / 143 ؛ وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 105 ح 110.
5- راجع الصفحة 40 من هذا الجزء.
6- سيأتي الكلام عليها مفصّلا في الصفحة 235 وما بعدها من هذا الجزء ؛ فراجع!

وأنّ أهل البيت سفينة النجاة (1).

فإذا كان عليّ مع الحقّ ، والحقّ معه ، يدور حيث دار ، وجب أن يكون معصوما ، والعصمة شرط الإمامة ، ولا معصوم غيره من الصحابة اتّفاقا.

وأيضا : يلزم منه بطلان خلافة أبي بكر ، ولا سيّما في الستّة أشهر التي امتنع فيها عن بيعة أبي بكر ، كما رواه البخاري في غزاة خيبر (2) ، وغيره (3).

وأمّا مبايعته بعد ذلك فلم تقع إلّا قهرا ، كما أنّ مناصحته لهم - بعد مشاورتهم له في بعض الأمور - إنّما هي لإصلاح الدين لا لترويج إمرتهم ؛ ولذا ما زال يتظلّم منهم ، ووقع بينهم وبينه من النفورة والعداوة ما هو جليّ لكلّ أحد (4).

وأمّا ما ذكره في شأن البغاة ، فهو إقرار بأنّ صاحبة الجمل وأصحابها ومعاوية وأنصاره ، كانوا مبطلين ، ومطالبين عند اللّه تعالى بأمر عظيم ، وهو إلقاح الفتنة إلى يوم الدين ، وإزهاق نفوس الآلاف من المسلمين ، الذي لا تنجي منه التوبة بالقول - لو صدرت - ما لم يعطوا النّصف من أنفسهم ويخرجوا عن المظالم إلى أهلها.

والإقرار بذلك لا يناسب تعظيمهم لهم ، وجعل تفضيل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام (5) ، وجعل الزبير حواريّ

ص: 233


1- راجع الصفحة 261 من هذا الجزء.
2- صحيح البخاري 5 / 288 ح 256.
3- تاريخ الطبري 2 / 236 ، الصواعق المحرقة : 25 - 27.
4- شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 1 / 151.
5- راجع الهامش 4 في الصفحتين 179 - 180 من هذا الجزء.

رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (1) ، ومعاوية هاديا مهديّا (2).

* * *

ص: 234


1- صحيح البخاري 5 / 93 ح 213 ، مسند أحمد 1 / 103 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 408 ح 5558.
2- سنن الترمذي 5 / 645 ح 3842 ، مسند أحمد 4 / 216.

25 - حديث الثّقلين وما بمعناه

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

الخامس والعشرون : روى أحمد بن حنبل في « مسنده » ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أخذ بيد الحسن والحسين وقال : « من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة » (2).

وفيه : عن جابر ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ذات يوم بعرفات وعليّ تجاهه : « ادن منّي يا عليّ! خلقت أنا وأنت من شجرة ، فأنا أصلها وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها ، فمن تعلّق بغصن منها أدخله اللّه الجنّة » (3).

ص: 235


1- نهج الحقّ : 225.
2- مسند أحمد 1 / 77 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 863 ح 1185 ، زوائد عبد اللّه بن أحمد : 420 ح 203 ، سنن الترمذي 5 / 599 - 600 ح 3733 ، جواهر العقدين : 336 عن أبي داود ، المعجم الكبير 3 / 50 ح 2654 ، المعجم الصغير 2 / 70 ، كنز العمّال 13 / 639 ح 37613 ، الذرّيّة الطاهرة : 167 ح 225 ، طبقات المحدّثين في أصبهان 4 / 80 - 81 ح 848 ، جزء ابن غطريف : 77 ح 30 ، تاريخ أصبهان 1 / 233 رقم 361 ، تاريخ بغداد 13 / 287 - 288 رقم 7255 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 20 و 49 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 138 ح 156 ، تاريخ دمشق 13 / 196 ، ميزان الاعتدال 5 / 144 رقم 5805.
3- انظر : المعجم الأوسط 4 / 443 ح 4150 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 263 ح 2949 ، موضّح أوهام الجمع والتفريق 1 / 49 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 122 ح 133 وص 251 ح 340 ، شواهد التنزيل 1 / 290 - 291 ح 397، فردوس الأخبار 1 / 43 ح 112 ، تاريخ دمشق 42 / 64 - 66 ، كفاية الطالب : 317 - 318 ، ميزان الاعتدال 5 / 54 رقم 5529.

وفيه : عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ؛ الثّقلين ، وأحدهما أكبر من الآخر ؛ كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

ورواه أحمد من عدّة طرق (1).

وفي « صحيح مسلم » ، في موضعين ، عن زيد بن أرقم ، قال : خطبنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بماء يدعى « خمّا » بين مكّة والمدينة ، ثمّ قال بعد الوعظ :

« أيّها الناس! إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب ، وإنّي تارك فيكم الثّقلين ؛ أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به - فحثّ على كتاب اللّه ورغّب فيه ، ثمّ قال : - وأهل بيتي ، أذكّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكّركم اللّه في أهل بيتي » (2).

وروى الزمخشري - وكان من أشدّ الناس عنادا لأهل البيت ، وهو الثقة المأمون عند الجمهور - ، قال بإسناده : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « فاطمة مهجة (3) قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ،

ص: 236


1- مسند أحمد 3 / 14 و 17 و 26 و 59 وج 4 / 367 و 371 وج 5 / 182 و 189 - 190 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 1 / 211 ح 170 وج 2 / 708 ح 968 وص 723 ح 990 وص 747 ح 1032 وص 978 ح 1382 و 1383 وص 988 ح 1403.
2- صحيح مسلم 7 / 122 و 123 فضائل أمير المؤمنين علیه السلام .
3- كذا في الأصل ، وفي المصادر المذكورة في الهامش التالي : « بهجة ».

والأئمّة من ولدها أمناء ربّي ، وحبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم بهم نجا ، ومن تخلّف عنهم هوى » (1).

وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (2) ، بأسانيد متعدّدة عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : « أيّها الناس! قد تركت فيكم الثّقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر ؛ كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء والأرض ؛ وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض (3).

وفي « الجمع بين الصحيحين » : « إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين ؛ أوّلهما كتاب اللّه ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم اللّه في أهل بيتي خيرا » (4).

ص: 237


1- انظر : مقتل الحسين علیه السلام - للخوارزمي - 1 / 99 ح 21 ، فرائد السمطين 2 / 66 ح 390 ، ينابيع المودّة 1 / 242 ح 17.
2- سورة آل عمران 3 : 103.
3- انظر : ينابيع المودّة 1 / 105 ح 25 عن تفسير الثعلبي.
4- (4) الجمع بين الصحيحين - للحميدي - 1 / 515 ح 841 ، سنن الترمذي 5 / 621 - 622 ح 3786 و 3788 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 45 ح 8148 وص 130 ح 8464 ، سنن الدارمي 2 / 292 ح 3311 ، مسند البزّار 3 / 89 ح 864 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 ح 1021 وص 303 ح 1027 وص 376 1140 ، المعجم الكبير 3 / 65 - 67 ح 2678 - 2683 وج 5 / 166 - 167 ح 4969 - 4971 وص 169 - 170 ح 4980 - 4982 ، المعجم الأوسط 4 / 81 ح 3439 وص 155 ح 542 ، المعجم الصغير 1 / 131 و 135 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 418 ح 41 ، مسند عبد ابن حميد : 114 ح 265 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 2 / 150 ، المنمّق : 25 ، السنّة - لابن أبي عاصم - : 337 ح 753 وص629 - 631 ح 1548 - 1558 ، صحيح ابن خزيمة 4 / 62 - 63 ح 2357 ، أنساب الأشراف 2 / 357 ، الجعديات 2 / 302 ح 2722 ، نوادر الأصول 1 / 163 ، الذرّيّة الطاهرة : 168 ح 228 ، جواهر العقدين : 238 ، المؤتلف والمختلف - للدارقطني - 2 / 1045 وج 4 / 2060 ، المستدرك علىالصحيحين 3 / 118 ح 4576 و 4577 وص 160 - 161 ح 4711 ، حلية الأولياء 1 / 355 رقم 57 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 2 / 148 وج 7 / 30 وج 10 / 114 ، الاعتقاد على مذهب السلف - للبيهقي - : 185 ، تاريخ بغداد 8 / 442 رقم 4551 واقتصر فيه على ذكر الثقل الأوّل وأسقط الثاني فلم يذكره!! ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 214 - 215 ح 281 - 284 ، فردوس الأخبار 1 / 53 - 54 ح 197 ، مصابيح السنّة 4 / 185 ح 4800 وص 189 ح 4815 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 47 ، تاريخ دمشق 42 / 219 - 220 ، كنز العمّال 1 / 185 - 187 ح 943 - 953 وج 13 / 104 ح 36340 و 36341. والحديث أخرجه أبو داود في سننه 295/4 ج 4973 ، إلا أن يد الخيانة والتحريف حذفته ولم تذكر من الحديث إلا قوله : «أما بعده» ، والحديث موجود في طبعة مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1369 ه- برقم 4973 ، كما أشار إليه محقق كتاب «المنتخب من مسند عبد بن حميد»، في الصفحة 114 هامش الحديث 265.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

هذه الأخبار بعضها في الصحاح ، وبعضها قريب المعنى منها ، وحاصلها : التوصية بحفظ أحكام الكتاب ، وأخذ العلم منه ومن أهل البيت ، وتعظيم أهل البيت ومحبّتهم وموالاتهم ، وكلّ هذه الأمور فريضة على المسلمين ، ولا قائل بعدم وجوبه على كلّ مسلم.

ولكن ليس في ما ذكر نصّ على خلافة عليّ بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛

ص: 238


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 473.

لأنّ هذا هو الوصيّة بالحفظ ، وأخذ العلم منهم.

وجعلهم قرناء للقرآن ، يدلّ على وجوب التعظيم ، وأخذ العلم عنهم ، والاقتداء بهم في الأعمال والأقوال ، وأخذ طريق السنّة والمتابعة من أعمالهم ، ولا يلزم من هذا خلافتهم ، وليس هو بالنصّ في خلافتهم بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

ومراد النبيّ صلی اللّه علیه و آله : توصية الأمّة بحفظ القرآن ، ومتابعة أهل البيت ، وتعظيمهم ؛ وهذا ما لا نزاع فيه.

* * *

ص: 239

وأقول :

حديث الثّقلين مستفيض أو متواتر ، وقد رواه أحمد في « مسنده » من طرق كثيرة جدّا عن جماعة (1).

ورواه الترمذي في مناقب أهل البيت من « سننه » ، عن خمسة من الصحابة (2).

ورواه مسلم في فضائل عليّ علیه السلام ، من عدّة طرق ، عن زيد بن أرقم (3).

ورواه الحاكم في « المستدرك » (4) ، عن زيد - أيضا - من طريقين.

وقال ابن حجر في « الصواعق » - عند تعرّضه لحديث الثّقلين (5) - : « الحاصل : إنّ الحثّ وقع على التمسّك بالكتاب ، وبالسنّة ، وبالعلماء بهما من أهل البيت ؛ ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة ».

ثمّ قال : « إعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيّف وعشرين صحابيّا ».

ص: 240


1- (1) تقدّم قريبا تخريج ذلك عنه في الصفحة 236 ه 1 ؛ فراجع!
2- سنن الترمذي 5 / 621 - 622 ح 3786 و 3788.
3- صحيح مسلم 7 / 122 و 123.
4- ص 109 من الجزء الثالث [ 3 / 118 ح 4576 و 4577 ]. منه قدس سره .
5- في الآية الرابعة من الآيات الواردة في أهل البيت علیهم السلام ، وهي قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) [ ص 230 ]. منه قدس سره .

ودلالته على إمامة عليّ وولده ظاهرة من وجوه :

الأوّل : إنّ تصريحه بأنّ الكتاب والعترة لا يفترقان ، دالّ على علمهم بما في الكتاب ، وأنّهم لا يخالفونه قولا وعملا.

والأوّل دليل الفضل على غيرهم ، والأفضل أحقّ بالإمامة.

والثاني دليل العصمة التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيرهم.

الثاني : إنّه جعلهم عديلا (1) للقرآن ، فيجب التمسّك بهم مثله ، واتّباعهم في كلّ أمر ونهي ، ولا يجب اتّباع شخص على الإطلاق إلّا النبيّ أو الإمام المعصوم.

الثالث : إنّه عبّر عن الكتاب والعترة ب « خليفتين » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّف رحمه اللّه (2) ..

وحديث أحمد في « مسنده » (3) ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب اللّه ، وأهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

ومن الواضح أنّ خلافة كلّ شيء بحسبه ، فخلافة القرآن بتحمّله أحكام النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ومواعظه ، وإنذاره ، وسائر تعاليمه ؛ وخلافة الشخص بإمامته ، وقيامه بما تحتاج إليه الأمّة ، ونشر الدعوة ، وجهاد المعاندين.

الرابع : إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ذكر في مفتتح الحديث قرب موته ، كقوله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب » (4) ..

ص: 241


1- العدل والعدل والعديل : النّظير والمثيل ؛ انظر : لسان العرب 9 / 84 مادّة « عدل ».
2- تقدّم آنفا في الصفحة 237.
3- ص 182 و 189 من الجزء الخامس. منه قدس سره .
4- راجع ما تقدّم في الصفحتين 236 و 237.

أو قوله : « كأنّي قد دعيت فأجبت » (1) ..

أو نحو ذلك كما في أحاديث مسلم (2) ، وأحد حديثي الحاكم (3) ، وحديث أحمد عن زيد بن أرقم (4) ، وحديثه عن أبي سعيد (5).

ثمّ قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ ومن المعلوم أن ذا السلطان والولاية ، الذي له نظام يلزم العمل به بعده ، إذا ذكر موته وقال : « إنّي تارك فيكم فلانا ، وكتابا حافظا لنظامي » ، لم يفهم منه إلّا إرادة العهد إلى ذلك الشخص بالإمرة بعده ؛ خصوصا وقد قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، أو : « من كنت وليّه فعليّ وليّه » ، كما في حديثي الحاكم وغيرهما (6).

ولا يبعد أنّ وصيّة النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالثّقلين كانت في غدير خمّ ، أو أنّه أحد مواردها (7) ؛ لقوله في حديث مسلم : « خطبنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله

ص: 242


1- السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 45 ح 8148 وص 130 ح 8464.
2- صحيح مسلم 7 / 122 و 123.
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576.
4- ص 367 من الجزء الرابع. منه قدس سره .
5- ص 17 من الجزء الثالث. منه قدس سره .
6- المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و 4577 ، المعجم الكبير 5 / 166 - 167 ح 4969 - 4971 وص 171 - 172 ح 4986 ، فوائد سمّويه : 84 ح 81.
7- لقد صدع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بحديث الثّقلين في مواطن متعدّدة ومواقف شتّى ، وقد أحصيت تلك المواقف فكانت خمسة ؛ مرّة يوم عرفة من حجّة الوداع ، وأخرى بعد انصرافه صلی اللّه علیه و آله من الطائف ، وتارة على منبره في المدينة ، وتارة أخرى يوم غدير خمّ ، وآخرها في حجرته المباركة في مرضه الذي توفّي فيه والحجرة غاصّة بأصحابه. راجع تفصيل ذلك في : تشييد المراجعات وتنفيذ المكابرات 104/1 - 107 ، حديث الثقلين .. تواتره ، فقهه : 33 - 35.

بماء يدعى خمّا » (1)، ولقوله صلی اللّه علیه و آله في بعض الأحاديث : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » (2) ، فإنّه صادر بالغدير ، فيكون قد عهد النبيّ صلی اللّه علیه و آله في خمّ بالخلافة إلى أهل البيت عموما ، وإلى عليّ خصوصا ، فكان الخليفة بعده أمير المؤمنين ، ثمّ الحسنان.

وقد بيّنّا في الآية الثالثة أنّ أهل البيت لا يشمل بقيّة أقارب النبيّ صلی اللّه علیه و آله (3).

الخامس : قوله صلی اللّه علیه و آله : « إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما » ، كما في أحد حديثي الحاكم ، وصحّحه على شرط الشيخين (4) ..

ونحوه ما في « الصواعق » (5) وصحّحه ..

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « قد تركت فيكم الثّقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّف رحمه اللّه (6) ..

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الترمذي عن زيد بن أرقم (7) ..

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا » ، كما

ص: 243


1- صحيح مسلم 7 / 122 ، المعجم الكبير 5 / 183 ح 5028.
2- المعجم الكبير 5 / 166 - 167 ح 4969 - 4971 وص 171 - 172 ح 4986.
3- راجع : ج 4 / 351 - 380 من هذا الكتاب.
4- المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4577.
5- في المقام السابق [ ص 230 ]. منه قدس سره .
6- تقدّم آنفا في الصفحة 237.
7- سنن الترمذي 5 / 622 ح 3788.

في حديث الترمذي عن جابر (1) ، وحديث أحمد عن أبي سعيد (2).

فإنّ كلّ واحد من هذه الأقوال صريح في بطلان خلافة المشايخ الثلاثة ؛ لأنّه صلی اللّه علیه و آله رتّب عدم ضلال أمّته دائما وأبدا على التمسّك بالثقلين.

وبالضرورة ، أنّ الضلال واقع ولو أخيرا ؛ لاختلاف الأديان وفساد الأعمال ، فيعلم أنّهم لم يتمسّكوا في أوّل الأمر بالعترة والكتاب ، وأنّ خلافة الثلاثة خلاف التمسّك بهما ، ولذا وقع الضلال.

ولا يرد النقض بأنّ الأمّة تمسّكت بالعترة - حين بايعت عليّا علیه السلام - ومع ذلك وقع الضلال المذكور ؛ وذلك لأنّ المراد هو التمسّك بالعترة كالكتاب بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله بلا فصل.

على أنّ الأمّة لم تتمسّك بعليّ علیه السلام بعد مبايعته ؛ لمخالفة الكثير منهم له حتّى انقضت أيّامه بحرب الأمّة.

فأين تمسّكها بالعترة؟! وأين تمسّكها بالكتاب ، وهو قد قاتلهم على تأويله؟!(3).

فإن قلت : لعلّ المراد : أنّكم إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ما دمتم متمسّكين بهما ، فلا يدلّ ضلالهم أخيرا على عدم تمسّكهم أوّلا.

قلت : هذا احتمال خارج عن الظاهر ، حتّى بلحاظ قوله - في خبري الترمذي المذكورين - : « ما إن تمسّكتم به » و « ما إن أخذتم به » ؛ لأنّ « ما » فيهما مفعول به ل « تركت » و « تارك » ، لا ظرفية زمانية.

ص: 244


1- سنن الترمذي 5 / 621 ح 3786.
2- ص 59 من الجزء الثالث. منه قدس سره .
3- راجع : ج 5 / 85 وما بعدها من هذا الكتاب.

فقد ظهر من هذه الوجوه الخمسة دلالة الحديث على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ، لا على مجرّد الوصيّة بأخذ العلم منهم.

ولو سلّم ، فمن الواضح دلالة الحديث على وجوب أخذ العلم منهم ، وعدم جواز مخالفتهم ، كالقرآن ، وحينئذ فيجب اتّباع قولهم في الإمامة ، وفي صحّة إمامة شخص وعدمها ؛ لأنّه من أخذ العلم منهم.

ومن المعلوم أنّ عليّا خالف في إمامة أبي بكر - ولو في بعض الأوقات - ، فتبطل ولو في الجملة ، وهذا خلاف مذهب القوم.

فكيف وقد ادّعى أنّ الحقّ له من يوم وفاة الرسول صلی اللّه علیه و آله إلى حين موته هو علیه السلام ، وتظلّم منهم مدّة حياته - كما سبق (1) -؟!

وأيضا : لم تتّبع الأمّة عترة النبيّ صلی اللّه علیه و آله في أمر الخمس والمتعتين وكثير من الأحكام ، فيكونون ضلّالا!

وما أدري متى تمسّكت الأمّة بالعترة؟!

أفي زمن أمير المؤمنين؟! أو في زمن أبنائه الطاهرين؟! وقد تركوا كلّا منهم حبيس بيته لا يسمع له قول ، ولا يتّبع له أمر ، ولا يؤخذ منه حكم.

بل جعلوا عداوتهم وسبّهم دينا ، وحاربوهم بالبصرة والشام والكوفة ، وسبوا نساءهم سبي الترك والديلم!

فهل تراهم مع هذا قد تمسّكوا بهم ، أو نبذوهم وراء ظهورهم وانقلبوا على الأعقاب ، كما ذكره سبحانه في عزيز الكتاب (2)؟!

ص: 245


1- راجع : ج 4 / 280 - 296 من هذا الكتاب.
2- كما في قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) سورة آل عمران 3 : 144.

هذا ، ولا يخفى أنّ الحديث دالّ على بقاء العترة إلى يوم القيامة لأمور :

الأوّل : قوله صلی اللّه علیه و آله فيه : « إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ فإنّه دالّ على أنّه ترك فيهم ما يحتاجون إليه ، وما هو كاف في حصول حاجتهم.

وبالضرورة ، أنّه لو لم يدل الثقلان لم يكفيا ؛ لأنّ الأمّة محتاجة مدى الدهر إلى الأحكام والحكّام.

الثاني : قوله صلی اللّه علیه و آله : « إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » ؛ فإنّ تأبيد عدم الضلال موقوف على تأبيد ما يتمسّك به.

الثالث : قوله صلی اللّه علیه و آله : « لن يفترقا » ؛ فإنّه لو لم يكن في وقت من الأوقات من هو قرين الكتاب من العترة ، لافترق الكتاب عنهم.

وقد أقرّ ابن حجر في عبارته السابقة بإفادة الحديث بقاء العترة إلى يوم القيامة (1) ..

وقال بعد ذلك : « وفي أحاديث التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ؛ ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : ( في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ) ... » (2)إلى آخره.

ص: 246


1- راجع الصفحة 240 من هذا الجزء.
2- الصواعق المحرقة : 232.

أقول :

أراد بالخبر السابق ، ما نقله قبل هذا الكلام عن الملّاء في « سيرته » ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى اللّه عزّ وجلّ ، فانظروا من توفدون » (1).

وليت شعري ، إذا علم ابن حجر ذلك ، فما باله أنكر إمامة العترة ، ودان بإمامة أضدادهم ، وتمسّك بالشجرة الملعونة في القرآن؟!

وكيف حلّ له أن يترك الأخذ ممّن ينفون عن الدين تحريف الضالّين ، ويرجع في أحكامه إلى من حرّفوا الدين ، بشهادة مخالفتهم لمن ينفون عنه التحريف؟!

بل لم يكتف ابن حجر وأصحابه حتّى عيّنوا لأخذ الأحكام أئمّتهم الأربعة ، وحرّموا الرجوع إلى أهل البيت!

فهل هذا من التمسّك بالكتاب والعترة اللذين لا يفترقان إلى يوم القيامة؟!

هذا كلّه في حديث الثّقلين (2).

ص: 247


1- الصواعق المحرقة : 231 ؛ وانظر : ذخائر العقبى : 49 ، جواهر العقدين : 241 - 242.
2- وانظر تخريج الحديث مفصّلا في : ج 2 / 187 ه 1 من هذا الكتاب. وراجع ما كتبه السيد علي الحسيني الميلاني - حفظه اللّه ورعاه - في الأجزاء 1 - 3 من موسوعته « نفحات الأزهار » ، من بحوث علمية في ما يتعلّق بالحديث وما يرتبط به. وأما في ما يخص لفظ «كتاب اللّه وسُنّتي» الوارد في بعض روايات الجمهور ، فانظر : ما كتبه السيد علي الحسيني الميلاني في كتابه «حديث الثقلين : تواتره ، فقهه .. كما في كتب السنّة» . ورسالته في حديث الوصيّة بالتَّقْلَيْن : الكتاب والسنّة . وكذلك ما كتبه الشيخ جلال الدين الصغير - حفظه اللّه - في كتابه : عصمة المعصوم عله السلام وفق المعطيات القرآنية : 205 - 242 .

وأمّا غيره ممّا ذكره المصنّف رحمه اللّه :

فالخبر الأوّل قد رواه أحمد (1) ، ورواه الترمذي في مناقب عليّ من « سننه » وحسّنه (2).

ودلالته على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ساواهم معه دون من سواهم ، في أنّ من أحبّهم نال تلك المنزلة الرفيعة والمرتبة السامية ، الدالّة على الفضل عند اللّه سبحانه والقرب منه.

فيثبت لهم الفضل على غيرهم ، وتكون الإمامة بهم.

ومثله في الدلالة على المطلوب الخبر الثاني ، الذي حكاه المصنّف عن أحمد ، عن جابر ؛ ولم أجده في « مسنده » ، ولا يبعد أنّه ممّا نالته يد الإسقاط كما هو العادة (3)!

وقد تقدّم في الآية الحادية والأربعين ما يصدّق هذا الحديث (4).

ص: 248


1- في الجزء الأوّل ، ص 77. منه قدس سره .
2- سنن الترمذي 5 / 599 - 600 ح 3733.
3- تقدّم تخريجه مفصّلا في الصفحة 235 ه 3 من هذا الجزء ؛ فراجع!
4- راجع : ج 5 / 200 - 201 من هذا الكتاب.

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ما هو قريب منه ، عن ابن مردويه ، بسند فيه عبّاد بن يعقوب ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « مثلي مثل شجرة ، أنا أصلها ، وعليّ فرعها ، والحسن والحسين ثمرتها ، والشيعة ورقها ، فأيّ شيء يخرج من الطيّب إلّا الطيّب » (1).

قال ابن الجوزي : « عبّاد ، رافضي ، يروي المناكير » (2).

أقول :

لا وجه لذكر حديثه في « الموضوعات » ، وإلّا لجرّ الطعن إلى صحاحهم ؛ لأنّه ممّن روى له البخاري في « صحيحه » ، وروى له الترمذي ، وابن ماجة ، ووثّقه جماعة (3).

ص: 249


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 345.
2- الموضوعات 1 / 397.
3- انظر : تهذيب الكمال 9 / 433 رقم 3088 ، ميزان الاعتدال 4 / 44 رقم 4154 ، تهذيب التهذيب 4 / 199 رقم 3239 ، تقريب التهذيب 1 / 274 رقم 3239 ، هدي الساري مقدّمة فتح الباري : 579 ، وقد وضعوا له رمز البخاري والترمذي وابن ماجة. وعباد هو : أبو سعيد عباد بن يعقوب الأسدي الرَّوَاجِني الكوفي ، المتوفى سنة 250 ه- . ومن جملة ما تثبت به وثاقته - فضلاً عن كونه من رجال البخاري والترمذي وابن ماجة - رواية كبار أعلام الجمهور ومحدّثيهم عنه ، وتوثيقهم له ؛ فقد روى عنه أبو حاتم والبزار وابن خزيمة . وقال عنه أبو حاتم : شيخ ، ثقة . وقال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول عنه : حدثنا الثقة في روايته. وقال الدارقطني : صدوق . وقال إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة : لولا رجلان من الشيعة ما صح لهم حديث ؛ عبّاد بن يعقوب ، وإبراهيم بن محمّد بن ميمون. قال الذهبي : صادق في الحديث. وقال ابن حجر مرة : بالغ ابن حبان فقال : يستحق الترك. وقال أخری : رافضي مشهور ، إلّا أنه كان صدوقاً.

وليست مناكيره عندهم إلّا رواياته في فضل آل محمّد صلی اللّه علیه و آله !

قال ابن عديّ : « روى أحاديث في الفضائل أنكرت عليه » كما حكاه عنه في « ميزان الاعتدال » (1).

وأظهر من الحديثين المذكورين في الدلالة على مذهب الإماميّة حديث الزمخشري (2) ؛ فتبصّر واعتبر!

* * *

ص: 250


1- ميزان الاعتدال 4 / 44 رقم 4154 ؛ وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال 4 / 348 رقم 1180.
2- تقدّم في الصفحة 236 - 237 ؛ فراجع!

26 - حديث الكساء

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - (1) :

السادس والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، من عدّة طرق ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أمّ سلمة ، قالت : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في بيتي ، فأتت فاطمة فقال : ادعي زوجك وابنيك.

فجاء عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وكان تحته كساء خيبري ، فأنزل اللّه : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ ) يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2).

فأخذ فضل الكساء وكساهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال : هؤلاء أهل بيتي.

فأدخلت رأسي البيت وقلت : وأنا معهم يا رسول اللّه.

قال : إنّك إلى خير (3).

ص: 251


1- نهج الحقّ : 228.
2- سورة الأحزاب 33 : 33.
3- انظر : مسند أحمد 1 / 331 وج 3 / 259 و 285 وج 4 / 107 وج 6 / 292 و 304 و 323. وأخرجه رزين العبدري في الجمع بين الصحاح الستة، من موطأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي والنسخة الكبيرة من صحيح النسائي. راجع : عمدة عيون صحاح الأخبار : 88 ح 34 و 35.

وقد روي نحو هذا المعنى من « صحيح أبي داود » (1) ..

و « موطّأ مالك » (2) ..

و « صحيح مسلم » في عدّة مواضع وعدّة طرق (3).

* * *

ص: 252


1- انظر : سنن أبي داود 4 / 43 ح 4032 باب في لبس الصوف والشعر!! وطالته يد الخيانة فبترت الحديث ، فلم يبق منه إلّا : « خرج رسول اللّه وعليه مرط مرحّل من شعر أسود » فجاء ناقص المعنى!!
2- عمدة عيون صحاح الأخبار : 88 - 89 ح 34 و 36 و 37 عن « الموطّأ ».
3- صحيح مسلم 7 / 130 - 131 كتاب الفضائل / باب فضائل أهل بيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

إنّ الأمّة اختلفت فيها أنّها في من نزلت؟ وظاهر القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

وإن صدق في النقل عن « الصحاح » فكانت نازلة في آل العباء ، وهي من فضائلهم ، ولا تدلّ على النصّ بالإمامة.

* * *

ص: 253


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 475.

وأقول :

سبق في الآية الثالثة ما فيه تبصرة ومعتبر (1).

وليت شعري ، كيف تكون ذاهبة الرجس ، طاهرة عند اللّه سبحانه ، من ضرب مثلها في الكتاب العزيز بامرأة نوح وامرأة لوط (2)؟!

* * *

ص: 254


1- (1) تقدّم في مبحث آية التطهير ، في ج 4 / 356 - 380 ؛ فراجع!
2- إشارة إلى قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) سورة التحريم 66 : 10. وراجع مبحث الآية 34 ، وهي قوله تعالی (وَصالِحُ المُؤْمِنِين) سورة التحريم 66 : 4 ، في ج 159/5 - 163 من هذا الكتاب. وأنظر : ج 359/4 ه 2 و 3 من هذا الكتاب.

27 - حديث : أهل بيتي أمان لأهل الأرض

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

السابع والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ، ذهب أهل الأرض » (2).

ورواه صدر الأئمّة موفّق بن أحمد المكّي (3).

وفي « مسند أحمد » : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « اللّهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : [ اللّهمّ ] ( اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) (4) ، عليّا

ص: 255


1- نهج الحقّ : 229.
2- أخرجه أحمد في « المسند » كما في أرجح المطالب : 328 ؛ وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 835 ح 1145 ، ينابيع المودّة 1 / 71 ح 1 عن عبد اللّه بن أحمد في « زيادات المسند ».
3- مقتل الحسين علیه السلام 1 / 162 ح 65 ؛ وانظر : المعجم الكبير 7 / 22 ح 6260 ، نوادر الأصول - للحكيم الترمذي - 2 / 101 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 162 ح 4715 ، موضّح أوهام الجمع والتفريق 2 / 463 رقم 461 ، فردوس الأخبار 2 / 379 ح 7166 ، تاريخ دمشق 40 / 20 رقم 4630 ، ذخائر العقبى : 49 ، فرائد السمطين 2 / 241 ح 515 وص 252 - 253 ح 521 و 522 ، مجمع الزوائد 9 / 174 ، جواهر العقدين : 259 ، كنز العمّال 12 / 101 - 102 ح 34188 - 34190.
4- سورة طه 20 : 29.

أخي ( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (1) » (2).

* * *

ص: 256


1- سورة طه 20 : 31 و 32.
2- رواه أحمد في « المسند » كما في عمدة عيون صحاح الأخبار : 335 ح 454 ؛ وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 843 - 844 ح 1158 ، ينابيع المودّة 1 / 258 ح 5 ، الدرّ المنثور 5 / 566 عن ابن مردويه والخطيب البغدادي ، الطيوريات : 753 ح 25 م ، شواهد التنزيل 1 / 369 - 371 ح 511 - 513 ، تاريخ دمشق 42 / 52 ، ذخائر العقبى : 119 ، الرياض النضرة 3 / 118.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

هذا موافق في المعنى للحديث المذكور قبل ، وهو أنّه صلی اللّه علیه و آله قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (2).

ومراد موسى في قوله : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ، الإشراك في أمر النبوّة ، ودعوة فرعون.

وهذا لا يصحّ هناك ؛ لقوله : « إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » ، اللّهمّ إلّا أن يراد المشاركة في دفع الكفّار بالحرب وتبليغ العلم.

* * *

ص: 257


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 476.
2- راجع مبحث حديث المنزلة في الصفحة 80 وما بعدها من هذا الجزء.

وأقول :

سبق دلالة هذا الحديث ورواته في آخر آية من الآيات التي ذكرناها في الخاتمة ؛ فراجع (1).

وما زعمه من إرادة المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ظاهر البطلان ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله إنّما سأل عين ما سأله موسى علیه السلام بقوله : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

ومن الواضح أنّ موسى لم يرد المشاركة في دفع الكفّار ؛ لأنّه قد طلب دفعهم بطلب جعله وزيرا ، فإنّ دفع الأعداء أظهر فوائد الوزارة ، فلا حاجة لإعادة هذا الطلب بقوله : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

فينبغي أن يريد المشاركة في النبوّة ، والرئاسة على الأمّة ، وتحمّل العلوم .. إلى نحو ذلك.

فإذا دعا النبيّ صلی اللّه علیه و آله بما دعا به موسى علیه السلام ، ثبتت لعليّ المشاركة في كلّ ذلك سوى النبوّة ؛ للدليل المخرج لها.

على أنّ ظاهر الأخبار كون المشاركة من خواصّ أمير المؤمنين علیه السلام ، فلا يراد بها المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ؛ لأنّها لا تخصّ عليّا علیه السلام ، إلّا أن يراد بها أعلى مراتب المشاركة في الدفع والتبليغ ، بحيث لا يعدّ غيره مشاركا بالنسبة إليه ، فله وجه.

ولكنّه - أيضا - مثبت للمطلوب ؛ لأنّه فرع الفضل العظيم على غيره ،

ص: 258


1- راجع : ج 5 / 408 وما بعدها من هذا الكتاب.

والأفضل أحقّ بالإمامة.

وقد تقدّم في الحديث التاسع ما ينفعك ؛ فراجع (1).

واعلم أنّ الحديث الأوّل - الذي حكاه المصنّف رحمه اللّه عن أحمد وموفّق بن أحمد (2) - لم يتعرّض الفضل لجوابه غفلة أو تغافلا ، وقد حكاه غير المصنّف عن « المسند » ، كصاحب « ينابيع المودّة » (3) ، وابن حجر في « الصواعق » (4) ، كما ستعرف.

وأنا لم أجده في « المسند » بعد التتبّع ، والظاهر أنّ أيدي التلاعب لعبت في إسقاطه!

ولعلّ الحديث الآخر كذلك (5) ، ولا ريب أنّه من أدلّ الأمور على إمامة أهل البيت علیهم السلام ؛ إذ لا يكون المكلّف أمانا لأهل الأرض إلّا لكرامته على اللّه تعالى ، وامتيازه في الطاعة والمزايا الفاضلة ، مع كونه معصوما ، فإنّ العاصي لا يأمن على نفسه ، فضلا عن أن يكون أمانا لغيره ، ولا سيّما إذا كان عظيما ، فإنّ المعصية من العظيم أعظم ، والحجّة عليه ألزم.

فإذا كانوا أفضل الناس ومعصومين ، فقد تعيّنت الإمامة لهم ، وهو دليل على بقائهم ما دامت الأرض ، كما هو مذهبنا.

وقد جعل اللّه تعالى هذه الكرامة العظيمة لنبيّه صلی اللّه علیه و آله قبل أهل بيته ،

ص: 259


1- انظر كلامه قدس سره في مبحث حديث المنزلة ، في الصفحات 83 - 87 من هذا الجزء.
2- تقدّم آنفا في الصفحة 255.
3- ينابيع المودّة 1 / 71 ح 1.
4- الصواعق المحرقة : 234.
5- تقدّم آنفا في الصفحة 255.

فقال سبحانه : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ... ) (1).

وأشار إلى ذلك ابن حجر في « صواعقه » (2) ، فقال : « السابعة : قوله تعالى : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، أشار صلی اللّه علیه و آله إلى وجود هذا المعنى في أهل بيته ، وأنّهم أمان لأهل الأرض كما كان هو صلی اللّه علیه و آله أمانا لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ».

ثمّ ذكر أخبارا من جملتها رواية أحمد التي ذكرها المصنّف رحمه اللّه أوّلا (3).

وحكى في « كنز العمّال » في فضائل أهل البيت (4) ، عن ابن أبي شيبة ، ومسدّد ، والحكيم ، وأبي يعلى ، والطبراني ، وابن عساكر ، أنّهم رووا عن سلمة بن الأكوع ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمّتي ».

وروى الحاكم في « المستدرك » ، وصحّحه (5) ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا

ص: 260


1- سورة الأنفال 8 : 33.
2- عند الكلام على الآية السابعة من الآيات الواردة في أهل البيت : [ ص 233 ]. منه قدس سره .
3- الصواعق المحرقة : 234 - 235.
4- ص 217 من الجزء السادس [ 12 / 101 - 102 ح 34188 ]. منه قدس سره . و أنظر : نوادر الأصول - للحكيم الترمذي - 2/ 101 ، المعجم الكبير 22/7 ح 6260 ، تاريخ دمشق 20/40 رقم 4630 . أما في مسند أبي يعلى 13 / 260 ح 7276 فقد جاءت لفظة «أصحابي» بدلاً عن لفظة «أهل بيتي» ؛ فلاحظ !
5- ص 149 من الجزء الثالث [ 3 / 162 ح 4715 ]. منه قدس سره .

فصاروا حزب إبليس ».

وهو كالأوّل في الدلالة على إمامتهم ؛ إذ شأن الإمام أن يكون أمانا من الاختلاف ؛ لعلمه وعصمته ، فلا يختلف في الدين من اتّبعه ، ولا في الدنيا ؛ لمنعه الناس عن ظلم بعضهم بعضا لو بسطت يده.

وقريب من هذه الأخبار ما استفاض عن رسول اللّه : « إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح » (1) و « إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل » (2).

قال ابن حجر بعد كلامه السابق : « جاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضا : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا.

وفي رواية مسلم : ومن تخلّف عنها غرق.

ص: 261


1- فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 987 ح 1402 ، مسند البزّار 9 / 343 ح 3900 ، المعجم الكبير 3 / 45 - 46 ح 2636 - 2638 وج 12 / 27 ح 12388 ، المعجم الأوسط 4 / 104 ح 3478 وج 6 / 17 ح 5536 وص 147 ح 5870 ، المعجم الصغير 1 / 139 وج 2 / 22 ، المعرفة والتاريخ - للفسوي - 1 / 296 ، العلل الواردة في الأحاديث النبوية - للدارقطني - 6 / 236 السؤال 1098 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 373 ح 3312 وج 3 / 163 ح 4720 ، الكنى والأسماء - للدولابي - 1 / 76 ، عيون الأخبار 1 / 310 ، المعارف : 146 ، البدء والتاريخ 1 / 220 ، حلية الأولياء 4 / 306 ، تاريخ بغداد 12 / 91 رقم 6507 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 148 - 149 ح 173 - 177 ، أساس البلاغة : 268 ، مشكاة المصابيح 3 / 378 ح 6183 عن « مسند أحمد » ، مجمع الزوائد 9 / 168 ، جواهر العقدين : 260 عن « مسند أبي يعلى » وغيره ، الصواعق المحرقة : 234 عن أحمد ومسلم وغيرهما ، كنز العمّال 12 / 98 ح 34169.
2- المعجم الكبير 3 / 46 ح 2637 ، المعجم الأوسط 4 / 104 ح 3478 وج 6 / 147 ح 5870 ، المعجم الصغير 1 / 140 وج 2 / 22 ، كفاية الطالب : 378 - 379 ، فرائد السمطين 2 / 242 ح 516 ، مجمع الزوائد 9 / 168 ، جواهر العقدين : 260 - 261.

وفي رواية : هلك.

و: إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له.

وفي رواية : غفر له الذنوب » (1).

وروى الحاكم في « المستدرك » (2) عن أبي ذرّ ، سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ».

وحكى مثله في « كنز العمّال » (3) ، عن البزّار ، عن ابن عبّاس.

وحكى مثله أيضا بإبدال « غرق » ب « هلك » ، عن ابن جرير والحاكم ، عن أبي ذرّ (4).

وكذا عن الطبراني ، عن أبي ذرّ ، مع زيادة قوله : « ومثل باب حطّة في بني إسرائيل » (5).

وهذه الأخبار كالتي قبلها في الدلالة على المطلوب ؛ لأنّه صريحة في أنّ أهل البيت علیهم السلام محلّ الاتّباع ووجوب الطاعة ، وأنّه باتّباعهم تحصل

ص: 262


1- الصواعق المحرقة : 234.
2- ص 343 من الجزء الثاني [ 2 / 373 ح 3312 ] ، وص 151 من الجزء الثالث [ 3 / 163 ح 4720 ]. منه قدس سره .
3- ص 216 من الجزء السادس [ 12 / 95 ح 34151 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند البزار 343/9 ح 3900 عن أبي ذرّ.
4- كنز العمّال 12 / 94 ح 34144 وص 98 ح 34169 ؛ وانظر : المستدرك على الصحيحين 3 / 163 ح 4720.
5- كنز العمّال 12 / 98 ح 34170 ؛ وانظر : المعجم الكبير 3 / 45 ح 2637 ، المعجم الأوسط 4 / 104 ح 3478 ، المعجم الصغير 1 / 139 - 140.

النجاة والغفران ، وبالتخلّف عنهم يكون الهلاك ؛ وهو مقتضى الإمامة ..

ولذا جاء في الخبر : « عليّ باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ».

ونقله في « الكنز » (1) ، عن الدارقطني ، عن ابن عبّاس.

* * *

ص: 263


1- ص 153 من الجزء المذكور [ 11 / 603 ح 32910 ]. منه قدس سره . وأنظر : فردوس الأخبار 78/2 ح 3998.

28 - حديث : اثنا عشر خليفة

قال المصنّف - طاب مرقده - :

قال المصنّف - طاب مرقده - (1) :

الثامن والعشرون : في « صحيح البخاري » ، في موضعين بطريقين ، عن جابر وابن عيينة ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (2).

وفي رواية عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « لا يزال أمر الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (3).

وفي « صحيح مسلم » أيضا : « لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (4).

ص: 264


1- نهج الحقّ : 230.
2- انظر : جامع الأصول 4 / 45 ح 2022 عن « صحيح البخاري » ، وانظر : التاريخ الكبير - للبخاري - 1 / 446 رقم 1426 وج 3 / 185 رقم 627 وج 8 / 410 - 411 رقم 3520.
3- انظر : صحيح البخاري 9 / 147 ح 79 ، صحيح مسلم 6 / 3.
4- صحيح مسلم 6 / 4. وأنظر : سنن أبي داود 103/4 ح 4279 - 4281 ، سنن الترمذي 434/4 ح 2223 ، مسند أحمد 5 / 86 و 87 و 88 و 89 و 90 و 92 و 93 و 98 و 99 و 100 و 101 و 106 و 107 و 108 ، مسند أبي يعلى 444/8 ح 5031 وج 222/9 - 223 ح 5322 و 5323 و ج 13 / 456 - 457 ح 7463 ، المعجم الكبير 2 / 195 - 197 ح 1791 - 1801 و ص 199 ح 1808 و 1809 و ص 206 ح 1841 و ص 208 ح1. 1852 وص 214 ح 1875 و 1876 وص 215 ح 1883 وص 218 ح 1896 وص 223 ح 1923 وص 226 ح 1936 وص 232 ح 1964 وص 240 - 241 - 2007 وص 248 - 249 ح 2044 وص 253 - 254 ح 2059 - 2063 وص 255 ح 2067 - 2071 وص 256 ح 2073 ، المعجم الأوسط 2 / 122 ح 1452 وج 3 / 279 ح 2943 وج 4 / 366 ح 3938 وج 6 / 285 ح 6211 ، مسند الطيالسي : 105 ح 767 وص 180 ح 1278 ، الفتن - لنعيم بن حمّاد - : 52 ، السنّة - لابن أبي عاصم - : 518 ح 1123 ، مسند أبي عوانة 4 / 369 - 373 ح 6976 - 6998 ، أخبار القضاة 3 / 17 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 8 / 230 ح 6626 - 6628 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 715 - 716 ح 6586 و 6589 ، تاريخ أصبهان 2 / 147 رقم 1327 ، حلية الأولياء 4 / 333 ، دلائل النبوّة - لأبي نعيم - 2 / 550 ح 485 و 486 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 6 / 324 وص 519 - 520 ، تاريخ بغداد 14 / 353 رقم 7673 ، الكفاية في علم الرواية : 73 ، فردوس الأخبار 2 / 427 ح 7705 ، مصابيح السنّة 4 / 137 ح 4680 ، البداية والنهاية 6 / 185 - 186 ، مجمع الزوائد 5 / 190.

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » في موضعين ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (1).

وكذا في « صحيح أبي داود » (2) و « الجمع بين الصحيحين » (3).

وقد ذكر السّدّي في تفسيره - وهو من علماء الجمهور وثقاتهم (4) - ،

ص: 265


1- عمدة عيون صحاح الأخبار : 487 ح 807 عن « الجمع بين الصحاح الستّة ».
2- انظر : سنن أبي داود 4 / 103 ح 4279 - 4281.
3- الجمع بين الصحيحين 1 / 337 - 338 ذ ح 520.
4- والسّدّيّ هو : أبو محمّد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الأعور ، الحجازي الكوفي القرشي ، مولاهم ، المعروف بالسّدّيّ الكبير ، كان يقعد في سدّة باب الجامع بالكوفة ، فسمّي السّدّيّ ، توفّي سنة 127 أو 128 ه. روی عن جملة من الصحابة - كأنس و ابن عباس -، وروی عنه كبار القوم والتابعين ، وأخرج له مسلم والأربعة. وقد وثقه أعلام الجمهور وأئمّة الجرح والتعديل عندهم ، ووصفوه بالإمام المفسّر .. روى البخاري عن ابن أبي خالد أنه قال : السُّدّي أعلم بالقرآن من الشعبي . وقال عنه يحيى القطان : ما رأيت أحداً يذكر السُّدّي إلا بخير ، وما تركه أحد . وسئل عنه يحيى فقال : السُّدِّي عندي لا بأس به . وقال أحمد بن حنبل : ثقة . وسمع عبد الرحمن بن مهدي يوماً تضعيف السُّدّي فغضب غضباً شديداً وقال : سبحان اللّه ! إيش ذا ؟ ! وقال العجلي : ثقة ، روى عنه سفيان وشعبة وزائدة ، عالم بتفسير القرآن ، راوية له . وقال النسائي في الكنى : صالح الحديث . وقال في موضع آخر : ليس به بأس . وقال ابن عدي : وهو عندي مستقيم الحديث ، صدوق ، لا بأس به . وذكره ابن حبان في «الثقات » . وقال الحاكم - في باب الرواة الذين عيب على مسلم إخراج حديثهم : تعديل عبد الرحمن بن المهدي أقوى عند مسلم . أنظر : العلل ومعرفة الرجال - لأحمد بن حنبل - 544/2 رقم 4581 ، التاريخ الكبير 1 / 361 رقم 1145 ، تاريخ الثقات - للعجلي - : 66 رقم 94 ، الثقات - لابن حبان - 4 / 20 ، الكامل في ضعفاء الرجال 276/1 رقم 116 ، المدخل إلى معرفة الصحيح - للحاكم - 709/2 رقم 3055 ، سير أعلام النبلاء 264/5 رقم 124 ، تهذيب التهذيب 324/1 رقم 499 ، الإتقان في علوم القرآن 2 / 534 .

قال : « لمّا كرهت سارة مكان هاجر ، أوحى اللّه إلى إبراهيم فقال : انطلق بإسماعيل وأمّه حتّى تنزله بيت النبيّ التهاميّ - يعني : مكّة - ، فإنّي ناشر ذرّيّتك وجاعلهم ثقلا على من كفر بي ، وجاعل منهم نبيّا عظيما ، ومظهره على الأديان ، وجاعل من ذرّيّته اثني عشر عظيما ، وجاعل ذرّيّته عدد نجوم السماء » (1).

ص: 266


1- انظر : الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 172 ح 269 عن السدّي ، بحار الأنوار 36 / 214 ح 16.

وقد دلّت هذه الأخبار على إمامة اثني عشر إماما من ذرّيّة محمّد صلی اللّه علیه و آله ، ولا قائل بالحصر إلّا الإمامية في المعصومين ، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى (1).

* * *

ص: 267


1- الكافي 1 / 605 ح 1385 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1 / 51 - 60 ح 5 - 25 ، الأمالي - للصدوق - : 728 ح 998 ، كمال الدين 1 / 259 ح 4 وص 269 ح 13 ، الغيبة - للنعماني - : 74 - 79 ، الغيبة - للطوسي - : 127 - 157 ح 90 - 114 ، مناقب آل أبي طالب 1 / 358 - 361 ، دلائل الإمامة : 237.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكر من الأحاديث الواردة في شأن اثني عشر خليفة ، فهو صحيح ثابت في « الصحاح » من رواية جابر بن سمرة.

وأمّا ابن عيينة فهو ليس بصحابيّ ولا تابعيّ ، بل يمكن أن يكون أحدا من سلسلة الرواة ؛ وهو من عدم معرفته بالحديث وعلم الإسناد يزعم أنّ ابن عيينة وجابر متقابلان في الرواية.

ثمّ ما ذكر من عدد اثني عشر خليفة ، فقد اختلف العلماء في معناه ..

فقال بعضهم : هم الخلفاء بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكان اثنا عشر منهم ولاة الأمر إلى ثلاثمئة سنة ، وبعدها وقع الفتن والحوادث ، فيكون المعنى : أنّ أمر الدين عزيز في مدّة خلافة اثني عشر ، كلّهم من قريش.

وقال بعضهم : إنّ عدد صلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر ، وهم :

الخلفاء الراشدون - وهم خمسة - ، وعبد اللّه بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وخمسة أخر من خلفاء بني العبّاس ، فيكون هذا إشارة إلى الصلحاء من الخلفاء القرشية (2).

ص: 268


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - 7 / 478.
2- ما أورده الفضل هنا هو بعض ما حار فيه علماء الجمهور - في مراد الحديث ومعناه - واضطربوا فيه اضطرابا كبيرا ، فقد تباينت آراؤهم وأقوالهم في تعيين الاثني عشر خليفة تباينا فاحشا .. قال ابن العربي المالكي - بعد أن أحصی 45 أميراً - : «ولم أعلم للحديث معنیً ، ولعلّه بعض حديث»! ونقل النووي عدّة أوجه أوردها القاضي عياض ، لا يعود أيّ منها إلى محصّل! قال في آخرها : « ويحتمل أوجها أخر ، واللّه أعلم بمراد نبيّه صلی اللّه علیه و آله »! وشرق ابن كثير في تفسيره ، ثمّ غرَّبَ في تاريخه فذكر آراء آخرين ، وعقب عليها معترضاً بقوله : « فهذا الذي سلكه البيهقي ، وقد وافقه عليه جماعة ... فإنّه مسلك فيه نظر» ! وقال ابن بطال القرطبي ، عن المهلب : «لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث - يعني : بشيء معين - » ! وقال ابن الجوزي: «قد أطلتُ البحث عن معنى هذا الحديث ، وتطلبتُ مظانه ، وسألتُ ، فلم أقع على المقصود به» ! وقال العسقلاني - بعد أن أورد أقوال من سبقه - : « والوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح ، ويعكّر عليه ما أخرجه الطبراني . . . » ! أنظر : عارضة الأحوذي 66/5 - 67 ح 2230 ، شرح صحيح مسلم - للنووي - ح 12 / 158 - 160 ح 1821 ، تفسیر ابن كثير 2/ 31 ، البداية والنهاية 185/6 - 187 ، فتح الباري 13 / 261 - 266 ح 7222 و 7223 ، تاريخ الخلفاء - للسيوطي - : 12 - 15.

وأمّا حمله على الأئمّة الاثني عشر ؛ فإن أريد بالخلافة : وراثة العلم والمعرفة ، وإيضاح الحجّة ، والقيام بإتمام منصب النبوّة ، فلا مانع من الصحّة ، ويجوز هذا الحمل.

وإن أريد به الزعامة الكبرى ، والإيالة العظمى ، هذا أمر لا يصحّ ؛ لأنّ من اثني عشر اثنين كان صاحب الزعامة الكبرى ؛ وهما : عليّ وحسن ، والباقون لم يتصدّوا للزعامة الكبرى.

ولو قال الخصم : إنّهم كانوا خلفاء لكن منعهم الناس عن حقّهم.

قلنا : سلّمت إنّهم لم يكونوا خلفاء بالفعل ، بل بالقوّة والاستحقاق.

وظاهر أنّ مراد الحديث : أن يكونوا خلفاء قائمين بالزعامة والولاية ، وإلّا فما الفائدة في خلافتهم في إقامة الدين؟! وهذا ظاهر ، واللّه أعلم.

ص: 269

ثمّ إنّ كلّ ما ذكره من الآيات والأحاديث وأراد بها الاستدلال على وجود النصّ بالخلافة في شأن عليّ ، قد علمت أنّ أكثرها كان بعيدا عن المدّعى ، ولم يكن بينها وبين المدّعى نسبة أصلا.

وما كان مناسبا فقد علمت أنّه لا يدلّ على النصّ ، فلم يثبت بسائر ما أورده مدّعاه ، فأيّ فائدة في قوله : « والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى »؟!

* * *

ص: 270

وأقول :

لا يخفى أنّ التقابل بين جابر وابن عيينة لا يتوقّف على كونهما صحابيّين ، بل يتوقّف على انتهاء السلسلة إليهما ؛ غاية الأمر أن تكون رواية ابن عيينة مرسلة ، وهو كثير في أخبار صحاحهم!

ولم أعثر في مراجعتي ل « صحيح البخاري » إلّا على رواية واحدة في آخر « كتاب الأحكام » ، عن جابر ، قال : سمعت النبيّ صلی اللّه علیه و آله يقول : يكون اثنا عشر أميرا ؛ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : كلّهم من قريش (1).

وحكى في « ينابيع المودّة » (2) عن كتاب « العمدة » ، أنّ البخاري روى الحديث من ثلاثة طرق.

ولا ريب أنّ المراد به : أئمّتنا ؛ لأمور :

الأوّل : إنّه لو لا إرادتهم ، لكان الخبر كاذبا إن أراد جميع أمراء قريش ، وغير مفيد بظاهره إن أراد البعض.

الثاني : إنّ بعض أحاديث المقام يفيد بظاهره وجود الاثني عشر في تمام الأوقات بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى قيام الساعة ، وهو لا يتمّ إلّا على إرادة أئمّتنا ؛ كخبر مسلم في أول « كتاب الإمارة » ، عن جابر ، قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، أو

ص: 271


1- صحيح البخاري 9 / 147 ح 79.
2- في الباب السابع والسبعين [ 3 / 289 ]. منه قدس سره . وأنظر : عمدة عيون صحاح الأخبار : 481 ح 782 - 784.

يكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (1).

ومثله في « مسند أحمد » (2).

وكخبر مسلم - أيضا - ، عن جابر : « إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة » (3).

الثالث : ما رواه مسلم في المقام المذكور ، عن عبد اللّه ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » (4).

ورواه البخاري في أوّل « كتاب الأحكام » ، في « باب الأمراء من قريش » (5).

ورواه أحمد ، عن ابن عمر (6).

فإنّ المراد به : حصر الإمامة الشرعيّة في قريش ما دام الناس ، لا السلطة الظاهريّة ، ضرورة حصولها لغير قريش في أكثر الأوقات ، فيكون قرينة على أنّ المراد من الحديث الأوّل : حصر الخلفاء الشرعيّين في اثني عشر ، وهو لا يتمّ إلّا على مذهبنا.

الرابع : ما رواه أحمد (7) ، عن مسروق ، قال : كنّا جلوسا عند

ص: 272


1- صحيح مسلم 6 / 4.
2- ص 89 من الجزء الخامس. منه قدس سره .
3- صحيح مسلم 6 / 3.
4- صحيح مسلم 6 / 3.
5- صحيح البخاري 5 / 13 ح 11 باب مناقب قريش ، وج 9 / 112 ح 4 باب الأمراء من قريش.
6- ص 29 و 128 من الجزء الثاني. منه قدس سره .
7- ص 398 من الجزء الأوّل. منه قدس سره .

عبد اللّه بن مسعود وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟

فقال عبد اللّه : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك.

ثمّ قال : نعم ، ولقد سألنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : « اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ».

وروى نحوه أيضا بعد قليل (1).

وذكره ابن حجر وحسّنه في « الصواعق » (2).

فإنّه دالّ على انحصار الخلافة في اثني عشر ، وإنّهم خلفاء بالنصّ ؛ لقوله صلی اللّه علیه و آله : « كعدّة نقباء بني إسرائيل » ، فإنّ نقباءهم خلفاء بالنصّ ، لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) (3).

مع أنّ سؤال الصحابة للنبيّ صلی اللّه علیه و آله إنّما هو عن خلفائه بالنصّ ، لا بتأمير الناس أو بالتغلّب ؛ إذ لا يهمّ الصحابة السؤال عن ذلك ؛ لأنّ تأمير الناس وتغلّب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتّى يهمّ الصحابة السؤال عنه ؛ ولأنّ السلاطين بلا نصّ لا يحتاج إلى السؤال عنهم وعن عددهم ؛ لأنّ العادة جرت على وجود مثلهم وأنّهم لا ينحصرون بعدد.

فظهر أنّ السؤال إنّما هو عن الخلفاء بالنصّ ، وعنهم أجاب النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

ص: 273


1- ص 406 من الجزء الأوّل. منه قدس سره .
2- في الفصل الثالث من الباب الأوّل [ ص 34 ]. منه قدس سره .
3- سورة المائدة 5 : 12.

ولا قائل بأنّ الخلفاء اثنا عشر بالنصّ غير أئمّتنا علیهم السلام ، فيكونون هم المراد بالاثني عشر في هذا الحديث ، فكذا في الحديث السابق (1).

الخامس : إنّ المنصرف من الخليفة من استخلفه النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، خصوصا قبل حدوث دعوى حصول الخلافة بلا نصّ ، بل لا يتصوّر الصحابة وكلّ العقلاء أن يتركهم النبيّ صلی اللّه علیه و آله بلا إمام منصوب منهم ، حتّى يسألوا عن غيره أو الأعمّ منه ، أو يفهموا من إخباره إرادة الغير أو الأعمّ.

فلا بدّ أن يراد بالاثني عشر في الحديثين ، أئمّتنا ، فهم أئمّة الأمّة بالفعل ، ولهم الزعامة العظمى الإلهيّة عليها.

ولا يضرّ في إمامتهم الفعليّة عدم نفوذ كلمتهم ؛ لأنّ معنى إمامتهم وولايتهم أنّهم يملكون التصرّف وإن منعهم الناس ، كالأنبياء المقهورين ، فإنّهم ولاة الأمر وإن تغلّب عليهم الظالمون.

وكما أنّه لا يصحّ أن يقال : لا فائدة في نبوّة النبيّ الممنوع عن التصرّف ؛ لا يصحّ أن يقال : لا فائدة في إمامة الإمام الممنوع عنه.

فإنّ الفائدة لا تنحصر بالتصرّف ؛ لكفاية أن يكون بهم إيضاح الحجّة وإنارة المحجّة ونشر العلم.

بل لو لم يتمكّنوا حتّى من هذا لحبس أو نحوه ، ففائدتهم أنّ وجودهم حجّة لله على عباده ، ودافع لعذرهم ، كما قال سبحانه في شأن الرسل : ( لِئَلأَيَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (2).

ص: 274


1- أي حديث الاثني عشر خليفة.
2- سورة النساء 4 : 165.

فكما أنّ النبيّ حجّة لم تبطل نبوّته بحبسه أو غيبته ؛ كما غاب نبيّنا في الغار ، وغاب موسى عن قومه ، فكذا الإمام ، ولا أثر لطول الغيبة أو قصرها في الفرق.

وأمّا الحملان اللذان ذكرهما الفضل - أعني : إرادة من لم تقع الفتن في أيّامهم ، أو الخلفاء الصلحاء - ، فيرد عليهما :

أوّلا : إنّ المراد بهذه الأخبار ، دوام الإسلام وعزّته إلى آخر الدنيا الذي تنتهي به الأئمّة الاثنا عشر - كما سبق - ، لا أنّ المراد : انتهاء عزّة الإسلام في قليل من السنين ويسير من الخلفاء.

وثانيا : إنّ ظاهر هذه الأخبار اتّصال عزّة الإسلام في مدّة خلافة الاثني عشر ، فلا يتّجه حمله على المتفرّقين.

ودعوى إرادة المجتمعين باطلة ؛ فإنّها لا تجامع أحد الحملين ..

أمّا الأوّل ؛ فلكثرة الفتن في أيّام الاثني عشر بمبدإ الإسلام.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ من الخلفاء - في مبدإ الإسلام - يزيد بن معاوية وعبد الملك وأشباههما ، ممّن هم غير صلحاء بالاتّفاق.

وكيف يصحّ أن يقال : إنّ الدين قائم في أيّام معاوية ؛ وهو قد ألحق العهار بالنسب علانية (1) ، وحارب الحقّ جهرة (2) ، وقتل خيار عباد اللّه

ص: 275


1- وذلك لمّا أقدم على إلحاق زياد بن سمية بأبي سفيان بعد أن ولد على فراش عبيد الثقفي ، وقد قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ، كما في : صحيح البخاري 3 / 115 ح 7 وج 4 / 49 ح 8 ، صحيح مسلم 4 / 171 ، سنن أبي داود 2 / 291 ح 2273 و 2274 ، سنن الترمذي 3 / 463 ح 1157 ، سنن ابن ماجة 1 / 646 - 647 ح 2004 - 2007 ، سنن الدارمي 2 / 106 ح 2231 و 2232 ، الموطّأ : 647 ح 22 ، مسند أحمد 1 / 59 و 65.
2- بقتاله لإمام زمانه أمير المؤمنين عليّ علیه السلام .

صبرا ، كحجر وأصحابه (1) ، وابن الحمق وأمثاله (2)؟!

ص: 276


1- أمّا حجر فهو : حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة الكندي ، الملقّب بحجر الخير ، وراهب أصحاب رسول اللّه ، كان من أفاضل الصحابة ، وفد مع أخيه على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وشهد القادسية وفتوح الشام ، وكان من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليّ علیه السلام ، وشهد معه وقعتي الجمل وصفّين ، وكان على كندة ، أرسل في طلبه معاوية إلى أن وصل إلى مرج عذراء قرب دمشق - وكان هو الذي فتحها وأوّل من كبّر في نواحيها - فأمر به أن يقتل أو يلعن عليّا علیه السلام ويتبرّأ منه ، فلم يتبرّأ ، فصلّى ركعتين وقدّم فقتل صبرا ومعه ابنه وأصحابه ، ومشهدهم مشيد يزار. ونقل أن معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول : يومي منك يا حُجر طويل ! وأما أصحابه الذين استشهدوا ، فهم : شريك بن شداد الحضرمي ، صيفي ابن فسيل الشيباني ، قبيصة بن ضبيعة العبسي ، محرز بن شهاب السعدي ، كدام ابن حيان العنزي ، وعبد الرحمن بن حسّان العنزي - الذي دفنه زياد بأمر معاوية حياً - ؛ وكان معاوية قد أمر بقتلهم ، فقُتلوا بمَرْج عذراء ، بغوطة دمشق رحمهم اللّه ، لا لشيء سوى إنهم لم يتبرأوا من إمام زمانهم أمير المؤمنين علي عليه السلام ؛ وكان ذلك سنة 51 ه- أنظر : تاريخ الطبري 3/ 218 - 231 ، أسد الغابة 461/1 رقم 1093 ، الإصابة 37/2 رقم 1631 ، المستدرك على الصحيحين 531/3 ح 5972 - 5984 ، معجم البلدان 103/4 رقم 8251 ، الكامل في التاريخ 326/3 - 338 ، الاستيعاب 1 / 329 - 332 رقم 487 ، سير أعلام النبلاء 462/3 رقم 95 .
2- أمّا عمرو فهو : عمرو بن الحمق بن كاهل - ويقال : كاهن - الخزاعي ، هاجر إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعد الحديبية ، شهد مع الإمام عليّ علیه السلام مشاهده كلّها ، وكان من أصحاب حجر بن عديّ. طلبه معاوية وكان قد فرّ إلى الموصل ، فقتله عامل معاوية على الموصل عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي . وروي أنه حينما فرّ التجأ إلى غار في الجبل - وكان مريضاً - فلدغته أفعى فمات ، فدخل الجند عليه وأحتزوا رأسه وبعثوا به إلى زياد ، ثم بعث به زياد إلى معاوية ، فألقي برأسه في حجر زوجته - وكان قد حبسها معاوية - فقالت : غيبتموه عني طويلاً ثمّ أهديتموه إليّ قتيلاً ، فأهلاً بها من هدية ، غير قالية ولا مقلية ؛ فكان رأس عمرو أوّل رأس احتز في الإسلام وطيف به وأُهدي ! وكان رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم قد دعا لعمرو يوماً فقال : اللّهم متعه بشبابه ؛ فمرت 80 سنة لا ترى شعرة بيضاء في لحيته . أنظر : تاريخ الطبري 221/3 و 224 حوادث سنة 51 ه- ، البداية والنهاية 39/8 حوادث سنة 50 ه- ، أسد الغابة 714/3 رقم 3906 ، الاستيعاب 1173/3 رقم 1909 ، مختصر تاریخ دمشق 19/ 20 رقم 125 ، الإصابة 624/4 رقم 5822 . وأما من قتله معاوية من أمثال ابن الحمق : فقد دس السم لمالك الأشتر على يد عبد لعثمان ، حتى قال معاوية : إن اللّه جنوداً من عسل ! ومحمد بن أبي بكر ، فقد قتله عامله على مصر عمرو بن العاص ، ثمّ وضعه في جوف حمار ميت وأحرقه ، وكان ذلك سنة 38 ه- . والحضرميان مسلم بن زيمر وعبد اللّه بن نُجي ، صلبهما زياد بن أبيه بأمر من معاوية . أنظر : الغارات : 166 - 169 ، الكامل في التاريخ 3/ 228 - 231 حوادث سنة 38 ه- ، أسد الغابة 326/4 - 327 رقم 4744 ، الاستيعاب 1366/3 - 1367 رقم 2320 ، سیر أعلام النبلاء 3 / 481 - 482 رقم 104 ، الإصابة 245/6 - 246 رقم 8300 ، المحبر : 479 .

وفي أيّام يزيد وعبد الملك ؛ وقد هدما الكعبة (1) ، وهتكا حرمة اللّه ورسوله ، ولم يتركا لله محرّما إلّا فعلاه ، ولا حرمة إلّا أضاعاها (2) ، والناس

ص: 277


1- أمّا يزيد فقد رمى الكعبة المشرّفة بالمنجنيق فهدمها وأحرقها ، وذلك سنة 64 ه عند حصار عبد اللّه بن الزبير ، كما هدمها عبد الملك سنة 73 ه. أنظر : تاريخ الطبري 361/3 و 538 ، الكامل في التاريخ 464/3 و ج 122/4 - 123 ، المنتظم 181/4 و 275.
2- ومن موبقاتهما علاوة على كونهما من بني أميّة الشجرة الملعونة في القرآن ، ونزوهما على منبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وتسلّطهما على رقاب المسلمين بغير حقّ : قتل يزيد ريحانة النبي وسبطه الإمام الحسين عليه السلام ، وأسره وسبيه وتسييره للهاشميات وأهل بيت النبوة والرسالة عليهم السلام ، وقوله الكفر شعراً بعد وضع رأس الإمام الحسين عليه السلام بين يديه ، وقتل النفوس المحترمة ، حتى قتل أكثر من عشرة آلاف نفس في وقعة الحرّة ، واستباحة المدينة المنوّرة ثلاثة أيّام ؛ وشربهما الخمر ، وترك الصلاة ، واللعب بالطنابير والكلاب ، ونكاح المحارم ، ونهب الأموال ، وهتك الأعراض والحرمات ... وغيرها كثير. أنظر مثلاً: الطبقات الكبری - لابن سعد - 49/5 ، تاريخ دمشق 429/27 ، الرد علی المتعصب العنيد : 53 - 62 ، تذكرة الخواص : 259 - 261.

لهما أعوان ، وبهم قام لهما السلطان؟!

فأين الإسلام وعزّته؟! وأين الدين وقيامه؟!

وثالثا : إنّ الحمل الأوّل لا يناسب عدد الاثني عشر ؛ لأنّ من لم تقع الفتن في أيّامهم أضعاف هذا العدد.

والحمل الثاني مناف لأخبارهم ؛ لإفادتها أنّ خلافة الصلحاء منحصرة في ثلاثين سنة ..

روى الحاكم في « المستدرك » (1) ، عن سفينة ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « خلافة النبوّة ثلاثون سنة ».

وقال ابن حجر في « الصواعق » (2) : « الحادي عشر : أخرج أحمد ، عن سفينة ، وأخرجه أيضا أصحاب السنن ، وصحّحه ابن حبّان وغيره ، قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : الخلافة ثلاثون عاما ، ثمّ يكون بعد ذلك الملك.

وفي رواية : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثمّ تصير ملكا عضوضا ».

ص: 278


1- ص 145 من الجزء الثالث [ 3 / 156 ح 4697 ]. منه قدس سره .
2- في الفصل 3 من الباب الأوّل [ ص 41 ]. منه قدس سره . وأنظر : سنن الترمذي 4 / 436 ح 2226 ، سنن أبي داود 210/4 ح 4646 و 4647 ، السنن الكبرى - للنسائي - 47/5 ح 8155 ، مسند أحمد 220/5 ح و 221 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 48 ح 6904 .

فكيف يصحّ عندهم حمل الخلفاء الاثني عشر على الصلحاء؟!

على أنّ الحكم بصلاح من زعمهم من الصلحاء باطل ؛ لما ستعرف في الجزء الثالث (1).

وأمّا ابن عبد العزيز (2) ؛ فيكفيه أنّه من الشجرة الملعونة في القرآن (3) ، الّذين رآهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ينزون على منبره نزو القردة ،

ص: 279


1- سيأتي ذلك في الجزء السابع وفق تجزئتنا الجديدة للكتاب.
2- هو : أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ، وأمّه : أمّ عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب. ولد سنة 63 ه- ، وولي الخلافة بعهد من سليمان بن عبد الملك سنة 99 ه- ، و دامت أيام ملكه سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام . جَلَدَ رجلاً بالسوط لشتمه معاوية . كان مترفاً منعماً ، يختال في مشيته ، من أعطر الناس وألبسها ، كان يُشترى له الثوب بأربعمئة دينار ، وعندما يلمسه يقول : ما أخشنه وأغلظه ! قال عبد اللّه عطاء : كنت التميمي بن مع علي بن الحسين في المسجد ، فمرّ عمر بن عبد العزيز وعليه نعلان شراكهما فضة، وكان من أمجن الناس وهو شاب . وقال بعضهم : كنا نعطي الغسّال الدراهم الكثيرة حتّى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز ؛ من كثرة الطيب فيها - يعني : المسك - وكان هو أول خليفة دُونَت له صنعةُ الغناء والألحان ، فقد صَنَعَ أيام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها كلها ! كان من المتشددين بالقول بأنّ كلّ شيء بقضاء وقدر ، قدراً لازماً ، وقضاء مبرماً حتمياً ، لا دخل للعبد فيه ولا تأثير ؛ ليبرّر للأمويين سياستهم و تسلطهم وأفعالهم ؛ وله رسالة في معتقده هذا ؛ وقد ناظر غيلان الدمشقي في ذلك ، وكان يقول له : يا غيلان ! واللّه ما طَنّ ذباب بيني وبينك إلا بقدر . أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 253/5 و 257 ، الأغاني 289/9 و 300 ، حلية الأولياء 346/5 - 353 ، الاستيعاب 1422/3، تاریخ دمشق 193/48 ، مناقب آل أبي طالب 4 / 155 ، سير أعلام النبلاء 114/5 رقم 48 .
3- إشارة إلى قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ... ) سورة الإسراء 17 : 60.

فساءه ذلك ولم ير ضاحكا بعدها (1).

وأمّا ابن الزبير ؛ فهو من أبعد الناس عن الخلافة والصلاح ..

روى مسلم في باب ذكر كذّاب ثقيف ومبيرها من « كتاب الفضائل » ، أنّ ابن عمر لمّا مرّ على ابن الزبير وهو مقتول قال : « أما واللّه لأمّة أنت أشرّها لأمّة خير » (2).

وهذه شهادة من ابن عمر أنّ ابن الزبير شرّ الأمّة.

وروى البخاري في « كتاب الفتن » ، في باب « إذا قال عند قوم شيئا ثمّ خرج فقال بخلافه » ، عن أبي برزة الأسلمي ، أنّه حلف باللّه إنّ ابن الزبير إن يقاتل إلّا على الدنيا (3).

وروى أحمد في « مسنده » (4) ، أنّ عثمان بن عفّان لمّا قال له عبد اللّه ابن الزبير : هل لك أن تتحوّل إلى مكّة؟! قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « يلحد بمكّة كبش من قريش اسمه عبد اللّه ، عليه مثل نصف أوزار الناس ».

وروى أحمد أيضا (5) : عن سعيد بن عمرو ، قال : أتى عبد اللّه بن عمر ابن الزبير وهو جالس في الحجر ، فقال : يا بن الزبير! إيّاك والإلحاد

ص: 280


1- تقدّم أنّ المراد بالشجرة الملعونة هم بنو أميّة ، فانظر تخريج ذلك مفصّلا في ج 1 / 168 ه 4 من هذا الكتاب. وأنظر زيادة على ذلك : مسند أبي يعلى 11/ 348 ح 6461 ، تفسير الطبري 103/8 ح 22433 ، المستدرك على الصحيحين 527/4 ح 8481 ، دلائل النبوة للبيهقي - 509/6 ، مجمع الزوائد 243/5 - 244.
2- صحيح مسلم 7 / 191.
3- صحيح البخاري 9 / 103 - 104 ح 56.
4- ص 64 من الجزء الأوّل. منه قدس سره .
5- ص 219 من الجزء الثاني. منه قدس سره .

في حرم اللّه! فإنّي أشهد لسمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « يحلّها ويحلّ به رجل من قريش ، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثّقلين لوزنها ».

وروى البخاري في تفسير سورة « براءة » (1) ، عن ابن عبّاس ، قال : إنّ اللّه كتب ابن الزبير وبني أميّة محلّين.

أقول :

هو من أكبر الذنوب ؛ فقد روى البخاري في « كتاب البيوع » (2) ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول اللّه قال : « إنّ اللّه حرّم مكّة ، ولم تحلّ لأحد قبلي ، ولا لأحد بعدي ، وإنّما حلّت لي ساعة من نهار ».

ورواه أيضا في « كتاب المغازلي » وغيره (3).

وقال في « الاستيعاب » بترجمة ابن الزبير : كان فيه خلال لا تصلح معها الخلافة ؛ فإنّه كان بخيلا ، ضيّق العطن (4) ، سيّئ الخلق ، حسودا ، كثير الخلاف (5).

وقال ابن أبي الحديد في « شرح النهج » (6) : « كان شديد البخل ، يطعم الجند تمرا ويأمرهم بالحرب ، فإذا فرّوا من وقع السيوف لامهم

ص: 281


1- من كتاب التفسير من صحيحه ، في باب قوله تعالى : ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) [ 6 / 127 ح 185 ]. منه قدس سره .
2- في باب ما قيل في الصّوّاغ [ 3 / 127 ح 42 ]. منه قدس سره .
3- صحيح البخاري 5 / 309 ح 316 ، وج 3 / 38 ح 408 كتاب الحجّ.
4- رجل رحب العطن : أي رحب الذّراع كثير المال واسع الرّحل ، وضيّق العطن كناية عن البخل ؛ انظر : لسان العرب 9 / 273 مادّة « عطن ».
5- الاستيعاب 3 / 906 رقم 1535.
6- ص 487 ج 4 [ 20 / 123 ]. منه قدس سره .

وقال : أكلتم تمري وعصيتم أمري ».

وذكر المؤرّخون أشياء كثيرة تشهد بفسقه وسوء ذاته ، كتركه الصلاة على النبيّ صلی اللّه علیه و آله أربعين جمعة قائلا : إنّ له أهيل سوء (1)!

وكفاك من فسقه حربه لمن حربه حرب لله ورسوله صلی اللّه علیه و آله ، ومن نفاقه بغضه الشديد له ، وقد مرّ مرارا أنّ بغض عليّ علامة النفاق (2).

هذا في ما انتخبه من خلفائهم وزعم أنّهم من أهل الصلاح ، فكيف حال غيرهم؟!

ولا أفسد من مذهب يلتزم أهله بعدم صلاح من تجب طاعتهم طول الدهر سوى اثني عشر ، فتدبّر!

* * *

ص: 282


1- شرح نهج البلاغة 20 / 127.
2- راجع مبحث الحديث السادس عشر في الصفحات 147 - 151 من هذا الجزء.

المبحث الخامس : في بعض فضائل عليّ

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - :

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - (1) :

المبحث الخامس : في ذكر بعض الفضائل التي تقتضي وجوب إمامة أمير المؤمنين علیه السلام .

هذا باب لا يحصى كثرة.

روى أخطب خوارزم من الجمهور ، بإسناده إلى ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لو أنّ الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب » (2).

فمن يقول عنه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مثل هذا ، كيف يمكن ذكر فضائله؟!

لكن لا بدّ من ذكر بعضها ؛ لما رواه أخطب خوارزم أيضا ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّ اللّه جعل لأخي عليّ فضائل لا تحصى كثرة ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّا بها ، غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه

ص: 283


1- نهج الحقّ : 231.
2- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 32 ح 1 وص 328 ح 341 ؛ وانظر : كفاية الطالب : 251 ، فرائد السمطين 1 / 16 ، ينابيع المودّة 2 / 254 ح 713 وقال : « رواه صاحب الفردوس ».

وما تأخّر.

ومن كتب فضيلة من فضائله ، لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم.

ومن استمع إلى فضيلة من فضائله ، غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع.

ومن نظر إلى كتاب من فضائله ، غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.

ثمّ قال : النظر إلى عليّ عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل اللّه إيمان عبد إلّا بولايته والبراءة من أعدائه » (1).

* * *

وقد ذكرت في كتاب « كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين » ، أنّ الفضائل ..

إمّا قبل ولادته : مثل ما روى أخطب خوارزم - من علماء الجمهور - ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لمّا خلق اللّه آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم ، فقال : الحمد لله ؛ فأوحى اللّه تعالى إليه : حمدني عبدي ، وعزّتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدّنيا ما خلقتك.

ص: 284


1- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 32 - 33 ح 2 ؛ وانظر : كفاية الطالب : 252 ، فرائد السمطين 1 / 19.

قال : إلهي فيكونان منّي؟

قال : نعم يا آدم ، ارفع رأسك وانظر!

فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش : لا إله إلّا اللّه ، محمّد نبيّ الرحمة ، وعليّ مقيم الحجّة ، من عرف حقّ عليّ زكا وطاب ، ومن أنكر حقّه لعن وخاب.

أقسمت بعزّتي وجلالي ، أن أدخل الجنّة من أطاعه وإن عصاني ، وأقسمت بعزّتي ، أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني » (1).

والأخبار في ذلك كثيرة (2).

* * *

ص: 285


1- كشف اليقين : 7 - 8 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 318 ح 320.
2- راجع - مثلا - الصفحة 5 والصفحة 12 وما بعدها من هذا الجزء.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

لا يشكّ مؤمن في فضائل عليّ بن أبي طالب ، ولا في فضائل أكابر الصحابة ، كالخلفاء ؛ فإنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قد خصّ كلّ واحد منهم بالفضائل التي كانت فيه ، وهي مذكورة في كتب الصحاح.

وكما إنّ هذا الرجل يذكر فضائل أمير المؤمنين من كتب أصحابنا ، كذلك كلّ على حسب مرادهم يذكرون فضائل من يريدون من الخلفاء الراشدين.

ولكن يشترط في ذكر الفضائل ، أن يروى من الصحاح المعتبرة ، ومن العلماء الّذين اعتمدهم الناس ، ويكونوا (2) صاحب قول مقبول ، ويعرفون سقيم الأخبار من صحيحها ، وجيّدها من رديئها ، ومقبولها من مردودها.

فإنّ الممارس لفنّ الحديث ، المبالغ في التتبّع والاقتفاء ، لا يخفى عليه صحّة الحديث ، وضعفه ، ووضعه ؛ فإنّ المنكر (3) والشاذّ (4) معلومان موسومان بوسم الشذوذ ؛ لأنّها غير المألوفة مثل هذه الأحاديث.

ص: 286


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 429 الطبعة الحجرية.
2- كذا في الأصل ، وهو غير غريب من الفضل ، فكلامه هنا مختلّ من الناحيتين اللغوية والنحوية ؛ والصحيح - لغة ونحوا - أن يقال : « ويكونون أصحاب قول مقبول ... » ؛ فلاحظ!
3- الحديث المنكر : هو ما رواه غير الثقة مخالفا لما عليه المشهور.
4- الحديث الشاذّ : هو ما رواه الثقة مخالفا لما عليه المشهور.

والأخبار التي يرويها عن أخطب خوارزم أثر النكر والوضع ظاهر عليها ، بحيث لا يخفى على المتدرّب في فنّ الحديث.

فإنّ هذه المبالغة التي نسبها للنبيّ في فضائل عليّ بقوله : « لو أنّ الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب » لا يخفى على الماهر في فنّ الحديث أنّ هذا ليس من كلام رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

ولينصف المنصف المتدرّب في معرفة الأخبار ، أنّ من شأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن يبالغ مثل هذه المبالغة في مدح أحد من المخلوقين ، وهذا من أوصاف الخالق ، ( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي ) (1)؟!

ثمّ إنّ لفظ « الفضائل » لا يوجد في كلمات النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ومحال أن يحكم المحدّث أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله تكلّم بلفظ « الفضائل » ، فإنّ هذا من ألفاظ المحدثين المولّدين وليس من كلام العرب.

والمحدّث لا يخفى عليه أنّ هذا موضوع ، وأكثر ما ذكر من مناقب الخوارزمي موضوعات.

وأمّا الحديث الذي رواه الخوارزمي عن ابن مسعود ، وهو أنّ اللّه خلق آدم لأجل محمّد وعليّ ، وأنّ العاصي لله إن أطاع عليّا فهو من أهل النجاة ، والمطيع بعد أن عصى عليّا فهو من أهل النار (2) ، فقد تحتّم الحكم بأنّه من الموضوعات ؛ لأنّه مخالف لحكم الشرع ، فإنّ عليّا عبد من عباد

ص: 287


1- سورة الكهف 18 : 109.
2- (2) تقدّم آنفا في الصفحتين 284 - 285 ؛ فراجع!

اللّه تعالى ، وهو ليس بأكرم على اللّه من محمّد ، ومن اعتقد أنّ عليّا أكرم على اللّه من محمّد فهو كافر باللّه العظيم ، ولا يرتاب في هذا أحد من المؤمنين.

ومحمّد لا يمكن أن يدّعى فيه أنّ من أطاعه وعصى اللّه فهو من أهل النجاة ؛ لأنّ طاعة اللّه وطاعة رسوله واحد ، فكيف يمكن الدعوى أنّ من أطاع عليّا وإن عصى اللّه فهو من أهل النجاة؟!

وهذا من موضوعات غلاة الرفضة ، ذكره هذا الرجل الرافضي ، ولا اعتداد بهذا النقل ولا اعتبار.

ثمّ إنّ كلّ ما يذكره من هذه الفضائل - وإن صحّ - لا يدلّ على وجوب إمامته ، كما لا يخفى.

* * *

ص: 288

وأقول :

يرد عليه أمور :

الأوّل : إنّ قوله : « كلّ على حسب مرادهم يذكرون فضائل من يريدون ... » إلى آخره ..

خطأ ظاهر ؛ لأنّ ذكرنا لفضائل أمير المؤمنين علیه السلام من كتبهم يفيدنا حجّة عليهم ، بخلاف ذكرهم لفضائل أصحابهم من كتبهم ؛ فإنّه لا يفيدهم حجّة علينا ، لا سيّما مع معارضتها بما في كتبهم من مطاعنهم.

الثاني : إنّ قوله : « ولكن يشترط في ذكر الفضائل أن يروى من الصحاح ... » إلى آخره ..

مخالف لما ذكره ابن حجر في أوائل الفصل الأوّل من كتابه المسمّى ب « تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب معاوية بن أبي سفيان » ، قال بعد نقل حديث في فضل معاوية : « فإن قلت : هذا الحديث المذكور سنده ضعيف ، فكيف يحتج به؟!

قلت : الذي أطبق عليه أئمّتنا الفقهاء والأصوليّون والحفّاظ أنّ الحديث الضعيف حجّة في المناقب » (1).

ثمّ إنّه إن أراد بالصحاح : صحاحهم الستّة ، فهو ظاهر البطلان ؛ إذ ليست الرواية عنها شرطا في الأحكام فضلا عن الفضائل.

وإن أراد بها الأخبار الصحيحة - وإن لم توجد في صحاحهم الستّة ،

ص: 289


1- تطهير الجنان واللسان : 16.

كالأخبار التي استدركها الحاكم في « المستدرك » ، ورواها الضياء في « المختارة » - فهو أيضا باطل ؛ إذ ليست الفضائل بأعظم من الأحكام.

وقد اكتفوا في ثبوتها بغير الأخبار الصحيحة ؛ لعدم انحصار الحجّة بها ؛ فإنّ الخبر الحسن كاف في الثبوت ، وكذا الخبر الكثير الطرق ؛ فإنّ الأخبار إذا كثرت في معنى واحد ، قوّى بعضها بعضا ، وصارت حجّة وإن كان سند كلّ منها ضعيفا.

ونحن كما رأيت نذكر كثيرا من أخبار الصحاح الستّة ، ومستدرك الحاكم ، ومسند أحمد ، ونحوها من كتبهم المعتبرة عندهم ، ونذكر غيرها ممّا يؤيّد بعضها بعضا ، أو قامت قرينة على قوّتها ، والجميع حجّة عليهم.

الثالث : إنّ ما جعله أمارة للوضع - من المبالغة الواقعة في ما حكى عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله - لا محلّ له ؛ إذ لا مبالغة فيه ، ولا سيّما إذا أريد عدم إحصاء الثواب على فضائله ، لا عدم إحصاء أنفسها ، فإنّ من كان عبارة عن الإيمان كلّه وله ضربة واحدة تعدل عبادة الثّقلين ، لا يكون ذلك مبالغة في حقّه.

وهل يكون ذلك مبالغة في من هو نفس النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وأخوه ، وعديل القرآن؟!

على أنّهم رووا نحو ذلك في حقّ الشيخين ، وما حكموا بوضعه! فقد نقل ابن حجر في « الصواعق » (1) ، عن أبي يعلى ، عن عمّار بن ياسر ، قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أتاني جبرئيل آنفا فقلت : يا جبرئيل! حدّثني بفضائل عمر بن الخطّاب.

ص: 290


1- في الفصل 3 من الباب 3 [ ص 121 ح 101 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند أبي يعلی 179/3 ح 1603 ، مجمع الزوائد 68/9.

فقال : لو حدّثتك بفضائل عمر منذ لبث نوح في قومه ما نفدت فضائل عمر ، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر ».

ومن أعجب العجب روايتهم لهذا الحديث عن عمّار ، وهم يعلمون انحرافه عن خلفائهم وسوء رأيه فيهم ، فلو رووه عن غيره لكان أولى لهم!

ومن هذا الحديث ونحوه ، يعلم وجود لفظ « الفضائل » عندهم في ما نسبوه إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

وقد روى أحمد في « مسنده » (1) ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله حديثا قال في آخره : « وركعتا الفجر حافظوا عليهما ، فإنّهما من الفضائل » (2).

ص: 291


1- ص 82 من الجزء الثاني. منه قدس سره . وفي مسند أحمد 3 / 438 عن معاذ بن أنس ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أنّه قال : « أفضل الفضائل أن تصل من قطعك ... » ، وفي سنن أبي داود 4 / 352 ح 5196 قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « هكذا تكون الفضائل ». فلاحظ وتدبّر!
2- نقول - علاوة على ما نمّقه يراع الشيخ المظفّر قدس سره - : إن ما ادّعاه الفضل من أن لفظ « الفضائل » ليس من كلام العرب ، وأنّه من كلام المحدثين المولّدين ؛ ليس بصحيح ؛ فإنّ لفظ « الفضائل » عربيّ فصيح قد ورد في كلام العرب القدماء الّذين يستشهد بكلامهم وأشعارهم على اللغة ، ومنه قول عنترة بن شدّاد العبسي الشاعر الجاهلي : فضائل عزم لا تباع لضارع *** وأسرار حزم لا تذاع لعائب و « الفضائل » - على وزن « الفعائل » إحدى صيغ منتهى الجموع - : جمع الفضيلة خلاف النقيصة ؛ وهي الدرجة الرفيعة في الفضل. ويجمع على هذا الوزن شيئان : 1 - اسم مؤنّث على أربعة أحرف قبل آخره حرف مدّ زائد ، سواء كان مؤنّثا بالعلامة ، أم كان بلا علامة ، مثل : صحيفة .. صحائف ، وعجوز .. عجائز. 2 - صفة على وزن فعيلة بمعنى فاعلة ، مثل : كريمة . . كرائم . أنظر : تاج العروس 15/ 578 مادة «فضل» ، جامع الدروس العربية 55/2 - 56 ، جواهر الأدب : 509 ، ديوان عنترة : 40 .

الرابع : إنّ قوله : « هذا من أوصاف الخالق » ..

لا يعرف له معنى ، ولعلّه يريد أنّ اللّه جلّ وعلا يوصف بأنّه متكلّم بكلمات لا تنفد بنفاد البحر ، فكيف يقال : إنّ عليّا متّصف بفضائل لا تحصى وإن كان البحر مدادا؟!

وفيه ما لا يخفى.

الخامس : إنّ قوله : « أكثر ما ذكر من ( مناقب الخوارزمي ) موضوعات » ..

دعوى بلا دليل ، وطعن مجمل غير مقبول.

السادس : إنّ حكمه بوضع حديث ابن مسعود خطأ ، ويعلم وجهه بعد بيان مقدّمة ، فنقول :

لا شكّ أنّ الإقرار باللّه وبنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله شرط للإيمان ، وكذا الإقرار بإمامة عليّ علیه السلام ؛ بناء على أنّ إمامته بنصّ اللّه ورسوله ، وأنّها كالنبوّة ، أصل من أصول الدين ، لكنّ الإقرار بها فرع الإقرار باللّه ورسوله ، ومن أقرّ بها تمّ إيمانه ، ومن لم يقرّ بها كان ناقص الإيمان وإن أقرّ باللّه ورسوله.

فإذا عرفت هذا ، عرفت أنّ من أطاع عليّا عارفا بحقّه - كما هو المراد بالحديث - كان مؤمنا مطيعا لله ورسوله بطاعة عليّ علیه السلام ؛ لأنّ طاعته له - بما هو إمام من اللّه تعالى - مستلزمة للإيمان بهما وطاعتهما ، فيكون صالحا لدخول الجنّة وإن عصى اللّه في بعض الأحكام ، وعصى بها عليّا

ص: 292

أيضا ؛ لأنّ عصيانه - حينئذ - عصيان مؤمن أهل للغفران.

كما أنّ من عصى عليّا جاحدا لإمامته ، عاص لله ورسوله ، ومحلّ لدخول النار وإن أطاعهما في الظاهر (1) ؛ لأنّ طاعته لهما ليست طاعة مؤمن حتّى تكون مقبولة ، كمن أطاع اللّه في الظاهر وعصى رسول اللّه جاحدا لرسالته ، كأهل الكتاب.

فصحّ ما في الحديث من قوله سبحانه : « أقسمت أن أدخل الجنّة من أطاعه وإن عصاني ، وأن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني » (2) أي في الظاهر.

كما يصحّ القول بأنّ من أطاع عليّا كان من أهل النجاة والجنّة ، وإن عصى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وأنّ من عصى عليّا كان من أهل النار وإن أطاع رسول اللّه في الظاهر.

وذلك كلّه لا ينافي أكرميّة محمّد صلی اللّه علیه و آله من عليّ علیه السلام ، كما هو ظاهر.

وبالجملة : المراد بالحديث : أنّ من أطاع اللّه في الظاهر ، وعصى عليّا منكرا لحقّه ، فهو من أهل النار ؛ لعدم إيمانه.

وأنّ من أطاع عليّا عارفا بحقّه ، فهو من أهل الجنّة ، وإن عصى اللّه في بعض الفروع ؛ لأنّ عصيانه عصيان مؤمن ، فيكون أهلا للمغفرة والرحمة.

فذلك إشارة إلى إمامة أمير المؤمنين علیه السلام ، وأنّ الإقرار بها شرط للإيمان ، وأنّه لا عبرة بطاعة المسلمين ظاهرا الّذين لم يقرّوا بالنصّ

ص: 293


1- أي وإن صام وصلّى وحجّ وزكّى.
2- تقدّم آنفا في الصفحة 285.

على عليّ علیه السلام واتّبعوا غيره وعصوه ، وإن كانت طاعة اللّه ورسوله وخليفته في الواقع واحدة ، ومعصيتهم الواقعيّة معصية واحدة.

ويشهد لإرادة الإمامة من الحديث ، وصفه لعليّ في ما كتب على العرش ، بأنّه مقيم الحجّة في عرض وصف اللّه تعالى بالوحدانية ، ومحمّد بالنبوّة (1) ، فإنّه من أوضح ما يدلّ على الإمامة!

مضافا إلى تصريحه بأنّ محمّدا وعليّا علّة لخلق ادم ؛ فإنّه دليل الفضل على آدم ، فضلا عن الأمّة.

فلا بدّ أن يكون عليّ سيّدها وإمامها ، بل علّة خلقها بالأولويّة ، كما قال علیه السلام في « نهج البلاغة » بكتابه إلى معاوية : « نحن صنائع اللّه ، والناس بعد صنائع لنا » (2).

ثمّ إنّ الخبرين الأوّلين ظاهران أيضا في إمامة أمير المؤمنين علیه السلام ؛ لاقتضائهما فضله على غيره ، مع تصريح ثانيهما بأنّ اللّه تعالى لا يقبل إيمان عبد إلّا بولايته والبراءة من أعدائه ، كما هو شأنّ الإمام ؛ ولذا كان بغضه علامة النفاق.

هذا ، وقد نقل الذهبيّ هذين الخبرين في « ميزان الاعتدال » بترجمة محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان ، عن نور الهدى أبي طالب الزيني ، ثمّ قال بعد الخبر الثاني : « هذا من أفظع ما وضع ، ولقد ساق خطيب خوارزم من طريق هذا الدجّال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب عليّ ؛ من ذلك بإسناد مظلم ، عن مالك ، عن

ص: 294


1- راجع مبحث حديث المؤاخاة ، في الصفحة 122 وما بعدها من هذا الجزء.
2- نهج البلاغة : 386 رقم 28.

نافع ، عن ابن عمر ، مرفوعا : من أحبّ عليّا أعطاه اللّه بكلّ عرق في بدنه مدينة في الجنّة » (1).

وهذه المؤاخذة لابن شاذان ، إنّما هي لروايته في فضل أمير المؤمنين ما لا يتحمّله اعتقاد الذهبيّ فيه ، وإلّا فالرجل لا ذنب له سواه.

وقد عرفت في مقدّمة الكتاب ، أنّ رواية الشخص لفضائل أمير المؤمنين دليل على وثاقته ، ولا فظاعة ولا ركاكة في هذه المناقب التي يسطع من خلالها نور إمامة المرتضى عند من عرف بعض حقّه (2).

وقد نقل سبط ابن الجوزي في أوائل « تذكرة الخواصّ » نحو أوّل الحديثين ، عن ابن عبّاس (3).

ونقله في « ينابيع المودّة » ، في الباب السادس والخمسين ، آخر المناقب السبعين (4) ، التي حكاها عن كتاب إمام الحرم الشريف بمكّة أبي جعفر أحمد بن عبد اللّه الطبري الآملي الشافعي (5) ، رواه عن الديلمي

ص: 295


1- ميزان الاعتدال 6 / 55 رقم 7196.
2- راجع : ج 1 / 7 - 25 من هذا الكتاب.
3- تذكرة الخواصّ : 23.
4- كتاب « السبعين في مناقب أمير المؤمنين » ، للسيّد علي بن شهاب الدين بن محمّد بن عليّ الحسيني الهمداني ، الصوفي ، المولود سنة 714 ه ، والمتوفّى سنة 786 ه ، طاف في البلاد ، وجال في الآفاق ، له مؤلّفات ، منها : كتاب « مودّة القربى ». أنظر : الذريعة 132/12 رقم 898 ، أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية : 209 - 212 رقم 355.
5- هو الإمام الحافظ المحدّث المفتي أبو جعفر محبّ الدين أحمد بن عبد اللّه بن محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن إبراهيم الطبري الآملي المكّي الشافعي ( 615 - 694 ه ). فقيه الحرم بمكّة ومحدّث الحجار. نشأ بمكّة حيث ولد وطلب العلم وسمع الكثير ورحل إلى البلاد ، كان زاهدا كبير الشأن ، درّس وصنّف كتبا مفيدة ، منها كتابه : ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى. أنظر : تذكرة الحفاظ 1474/4 رقم 1163 ، العبر 382/3 ، مرآة الجنان 4 / 168 ، طبقات الشافعية الكبرى - للسبكي - 18/8 رقم 1046 ، طبقات الشافعية - للأسنوي - 72/2 رقم 796 ، النجوم الزاهرة 62/8 .

في « الفردوس » (1).

وأمّا الحديث الثاني ، فأكثر مضامينه قد وردت من عدّة طرق ، ولا سيّما قوله : « النظر إلى عليّ عبادة » ، فإنّه ورد مستفيضا بلفظه ، أو بلفظ : « النظر إلى وجه عليّ عبادة » (2).

وقد أخرجه الحاكم في « المستدرك » (3) ، بطريق عن عمران بن حصين ، وطريقين عن ابن مسعود ، وصحّحها جميعا ، وتعقّبه الذهبي بعد حديث عمران ، وأحد حديثي ابن مسعود بقوله : « ذا موضوع » ، ولم يذكر له علّة!

وغاية ما يوجّه به : دعوى أنّ بعض رجال الحديثين ضعيف ، وهو لا يستوجب الوضع ، ولا سيّما مع الإقرار بصحّة الحديث الثالث.

ص: 296


1- ينابيع المودّة 2 / 254 ح 713.
2- انظر : المعجم الكبير 10 / 76 - 77 ح 10006 وج 18 / 109 - 110 ح 207 ، أخبار القضاة - لوكيع - 2 / 123 ، حلية الأولياء 2 / 183 وج 5 / 58 ، تاريخ بغداد 2 / 51 رقم 448 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 196 - 199 ح 244 - 254 ، محاضرات الأدباء 2 / 495 ، فردوس الأخبار 2 / 375 ح 7117 و 7118 ، تاريخ دمشق 42 / 350 - 355 ، التدوين - للرافعي - 2 / 44 رقم 867 ، مجمع الزوائد 9 / 119 ، عمدة القاري 16 / 215 ، كنز العمّال 11 / 601 ح 32895 وص 624 ح 33039.
3- ص 141 من الجزء الثالث [ 3 / 152 ح 4681 - 4683 ]. منه قدس سره .

وقد سبقه إلى دعوى الوضع إمامه في النصب ابن الجوزي (1) ،

ص: 297


1- إنّ محقّقي أهل السنّة ونقّادهم لا يعتدّون بكلام ابن الجوزي ، ولا يعبأون بقدحه وطعنه في الأحاديث ؛ لأجل تسرّعه في الحكم بالوضع على مجموعة كبيرة منها ، فإنّ كبار علماء القوم في علم الحديث نصّوا على اشتمال كتابيه « الموضوعات » و « العلل المتناهية » على الصحاح والحسان من الأحاديث ، بل منها أحاديث أخرجها الشيخان وغيرهما من أرباب الصحاح والمسانيد والسنن ؛ هذا فضلا عن طعنهم فيه لنصبه وتعصّبه .. 1 - قال عنه ابن الأثير ( ت 630 ه- ) : « وكان كثير الوقيعة في الناس ، لا سيما في العلماء المخالفين لمذهبه ، والموافقين له !» . أنظر : الكامل في التاريخ 276/10 حوادث سنة 597 ه- . 2 - وقال ابن الصلاح (ت 643 ه) : «ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلّدين ، فأودع فيها كثيراً مما لا دليل على وضعه » . أنظر : مقدمة ابن الصلاح : 59 وفي طبعة : 279 . 3 - وقال سبط ابن الجوزي ( ت 654 ه- ) - في معرض الكلام على حديث ردّ الشمس - : إنّ قول جدّي : (هذا حديث موضوع بلا شك) دعوى بلا دليل» . أنظر : تذكرة الخواص : 54 . 4 - وقال بدر الدين بن جماعة ( ت 733 ه- ) : «وصنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابه في الموضوعات ، فذكر كثيراً من الضعيف الذي لا دليل عل-ى وضعه » . انظر : المنهل الروي : 54 5 - وقال ابن كثير (ت 774 ه) : «وقد صنّف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات ، غير إنّه أدخل فيه ما ليس منه ، وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره ، فسقط عليه ، ولم يهتد إليه . انظر : الباعث الحثيث : 75 . 6 - وقال ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) - في معرض الكلام على حديث سد الأبواب - : « قول ابن الجوزي : إنه باطل ، وإنه موضوع ؛ دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين ، وهذا إقدام على ردّ الأحاديث الصحيحة بمجرّد التوهّم . انظر : القول المسدّد : 53 . 7 - وقال كذلك : « وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث [ أي حديث س--د الأبواب ] في الموضوعات ... وأخطأ في ذلك خطأ شنيعاً ، فإنه سلك في ذلك ردّ الأحاديث الصحيحة بتوهّمه المعارضة ». انظر : فتح الباري 7 / 18. 8 - وقال السيوطي (ت 911 ه) : «وقد أكثر جامع الموضوعات ... فذكر في كتابه كثيراً مما لا دليل على وضعه ، بل هو ضعيف ، بل وفي-ه الحسن والصحيح ، وأغرب من ذلك أن فيها حديثاً من صحيح مسلم . . قال الذهبي : ربما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قوية». أنظر : تدريب الراوي 1 / 278 . 9 - وقال السمهودي (ت 911 ه- ) - في معرض الكلام على حديث التقلين - : «ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في (العلل المتناهية ) ! فإياك أن تغتر به ، وكأنه لم يستحضره حينئذ إلا من تلك الطريق الواهية ، ولم يذكر بقية طرقه ، بل في صحيح مسلم وغيره ، عن زيد بن أرقم ، قال : قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ...» أنظر : جواهر العقدين : 232 . 10 - وقال القاري ( ت 1014 ه- ) : « ولكن تعقبه [ أي : ابن الجوزي ] العلماء في كثير من الأحاديث التي ذكرها في كتابه» . انظر : شرح شرح نخبة الفكر : 447. ولمزيد التفصيل أنظر : نفحات الأزهار 49/2 - 54 و ج 11 / 118 - 129 وج 135/12 - 138 .

كما ذكره السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، مع أنّ ابن الجوزي ذكر له سبعة عشر طريقا ، عن أبي بكر ، وعثمان ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وابن عبّاس ، وجابر ، وأبي هريرة ، وأنس وثوبان ، وعمران ، وعائشة ؛ واحتجّ للوضع بضعف بعض رواة بعضها ، والجهل بآخرين.

وتعقّبه السيوطي بالجواب عن بعض من طعن بهم ، وبإخراج عشرة طرق أخرى عن كثير من هؤلاء الصحابة ، منها روايات الحاكم الثلاث (1).

وليت شعري ، كيف يكون الحديث موضوعا مع استفاضة طرقه وصحّة بعضها؟!

ص: 298


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 313 - 317 ، وانظر : الموضوعات 1 / 358 - 361.

والحال أنّ الكثرة وحدها كافية في الاعتبار ، ولكنّ التعصّب فرس جموح (1)!

* * *

ص: 299


1- فرس جموح : هو الذي إذا حمل لا يردّه لجام ، والجموح من الرجال : الذي يركب هواه فلا يمكن ردّه ؛ انظر مادّة « جمح » في : لسان العرب 2 / 346 ، تاج العروس 4 / 29.

فضائله حال الولادة

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - :

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - (1) :

وإمّا حال ولادته ..

فإنّه ولد يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، في الكعبة ، ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده (2).

وكان عمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله ثلاثين سنة (3) ، فأحبّه وربّاه ، وكان يطهّره وقت غسله ، ويوجره (4) اللبن عند شربه ، ويحرّك مهده عند نومه ، ويناغيه في يقظته ، ويحمله على صدره ، ويقول : هذا أخي ، ووليّي ، وناصري ، وصفيّي ، وذخري ، وكهفي ، وصهري ، وزوج كريمتي ، وأميني على وصيّتي ، وخليفتي.

وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكّة وشعابها وأوديتها.

رواه صاحب كتاب « بشائر المصطفى » من الجمهور (5).

ص: 300


1- نهج الحقّ : 232.
2- الكافي 1 / 514 ، الإرشاد إلى معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 5 ، تهذيب الأحكام 6 / 19 ، كشف الغمّة 1 / 59 ، إعلام الورى 1 / 306 ، الفصول المهمّة : 30.
3- وقيل : ثمان وعشرين سنة ، أي إنّ عمر أمير المؤمنين علیه السلام وقت البعثة اثنتي عشرة سنة كما في إقبال الأعمال : 155 ب 8 الفصل 51 في فضل صوم ثلاثة عشر يوما من رجب.
4- الوجر : جعل الماء أو الدواء في وسط حلق الصبي ؛ انظر : لسان العرب 15 / 220 مادّة « وجر ».
5- انظر : كشف الغمّة 1 / 60 - 61.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

المشهور بين الشيعة أنّ أمير المؤمنين ولد في الكعبة ، ولم يصحّحه علماء التواريخ ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام ولد في الكعبة ، ولم يولد فيها غيره.

وأمّا ما ذكره من أحوال النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالنسبة إليه في صغره ، فلا يصحّ به نقل إلّا ما ذكره.

ولا ردّ عليه إلّا في قوله : « وخليفتي » إن أريد به الخلافة بعده ..

وإن أريد أنّه من الخلفاء ، فهذا صحيح لا شكّ فيه.

* * *

ص: 301


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 437 الطبعة الحجرية.

وأقول :

يكفي في الجزم بولادة أمير المؤمنين علیه السلام بالكعبة ، موافقة بعض الجمهور فيها ، وروايتهم لها (1) ، فإنّها منقبة تنكرها أسماع أعداء فضله ، وتتداعى لدرسها نفوس حسّاد مجده ؛ إذ بها الشرف الأعلى ، والدلالة على أنّه محلّ عناية اللّه سبحانه من يوم ولادته ، وأنّه قد طهّره بطهارته ، حتّى جعل مولده أعظم بيوت عبادته.

فإذا رواه واحد منهم كانت حجّة عليهم ، فكيف وقد ادّعى الحاكم في « المستدرك » تواترها؟! ..

فإنّه روى (2) في مناقب حكيم ، عن مصعب بن عبد اللّه ، أنّ أمّ حكيم ولدته في الكعبة ، ضربها المخاض وهي في جوفها فولدته فيها ، وحملت في نطع (3).

قال مصعب : ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد.

فقال الحاكم : « وهم مصعب في الحرف الأخير ، فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه

ص: 302


1- انظر مثلا : تاريخ الموصل - للأزدي - : 58 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 550 ح 6044 ، مروج الذهب 2 / 349 ، مطالب السؤول : 63 ، نزهة المجالس 2 / 204 - 205 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 58 ح 3 ، كفاية الطالب : 406 ، الفصول المهمّة - لابن الصبّاغ المالكي - : 30 ، نزهة المجالس 2 / 204 - 205 ، نور الأبصار : 85.
2- ص 483 من الجزء الثالث [ 3 / 550 ح 6044 ]. منه قدس سره .
3- النّطع : بساط من الأديم ؛ انظر : تاج العروس 11 / 482 مادّة « نطع ».

في جوف الكعبة ».

وأقول :

الحقّ أنّ حكيما لم يولد في الكعبة ، لكنّ المنحرفين عن الإمام المطهّر ذكروا ذلك لينقضوا فضله!

فعن ابن الصبّاغ المالكي ، في كتابه « الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة » ، ص 14 ، قال : « لم يولد أحد قبله في البيت سواه » (1).

ونحوه عن الكنجي الشافعي ، في كتابه « كفاية الطالب » ، ص 361 (2).

ص: 303


1- الفصول المهمّة : 30. وأبن الصباغ هو : نور الدين علي بن محمد بن حمد بن عبد اللّه السفاقسي . الغزي ، المكي ، المالكي . ولد سنة 784 ه- بمكة المكرّمة، ونشأ بها ، حفظ القرآن ، وأخذ النحو والفقه عن جملة من العلماء ، فكان من أعلام المحدثين وكبار فقهاء المالكية ، قال عنه السخاوي : «أجاز لي» ؛ وله مؤلفات ، منها : الفصول المهمة ، العبر في مَن شَفّه النظر . وكتابه «الفصول المهمة» من المصادر المعتمدة ، فقد نقل عنه الصفوري الشافعي في «نزهة المجالس» ، والسمهودي في «جواهر العقدين» ، وبرهان الدين الحلبي في «إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» ، وغيرهم ممن ألف في مناقب أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم . توفي سنة 855 ه- ودفن بالمعلاة من مكة . أنظر : الضوء اللامع 283/5 رقم 958 ، نزهة المجالس 2 / 204 - 205 ، كشف الظنون 1271/2 ، هدية العارفين 732/5 ، الأعلام 8/5، معجم المؤلفين 492/2 رقم 9871 ، نفحات الأزهار 19 / 217 - 223 رقم 27 .
2- كفاية الطالب : 407. والكنجي هو : أبو عبد اللّه فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي. كان من أهل العلم ، فقيهاً حافظاً محدّثاً ، فاضلاً أديباً ، وله نظم حسن ، ونسبته إلى بلدة «كنج» بين أصبهان و خوزستان ، له مصنفات عديدة ، منها : كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، البيان في أخبار صاحب الزمان . أثنى عليه كل من ترجم له ، وأتهمه بعضهم بالرفض والتشيع لما ألف-ه في مناقب أهل البيت عليهم السلام ! قتله أهل دمشق في جامعها سنة 658 ه- بعد صلاة الصبح ! أنظر : تذكرة الحفاظ 1441/4 ، البداية والنهاية 13 / 184 ، النجوم الزاهرة 75/7 ، كشف الظنون 263/1 و ج 2 / 1497 ، هدية العارفين 127/6 ، الأعلام 150/7 ، معجم المؤلفين 787/3 رقم 16482 ، مقدّمة تحقيق كفاية الطالب : 12 - 35.

وعن الشّبلنجي ، في « نور الأبصار » ، ص 76 (1).

ومحمّد بن طلحة الشافعي ، في كتابه « مطالب السؤول » ، ص 11 (2).

ص: 304


1- نور الأبصار : 85. والشبلنجي هو : مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي . ولد سنة 1252 ه- ، وكان حيّاً سنة 1322 ه- ؛ فقد ذكر إسماعيل باشا كتابه «فتح المنان » وقال : « وهو الآن - أعني في سنة 1322 - موجود بالأزهر» . فاضل من أهل شبلنجة ، وهي قرية من قرى مصر ، قرب بنها العسل ، تعلم في الأزهر ، وأقام في جواره ، وأخذ عن علماء عصره ، كان يميل إلى العزلة ، ويألف زيارة القبور والمشاهد ، ذا خلق رفيع ، له عدة مصنفات ، منها : نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار ، فتح المنان في تفسير غريب القرآن ، مختصر «عجائب الآثار» للجبرتي . أنظر : إيضاح المكنون 174/4 و 683 ، هدية العارفين 483/6 ، الأعلام 334/7 ، معجم المؤلفين 941/3 رقم 17444 ، مقدمة نور الأبصار : 3 - 4 .
2- مطالب السؤول : 63. وقد تقدّمت ترجمة ابن طلحة في ج 5 / 160 ه- 2 من هذا الكتاب ؛ فراجع !

ولو سلّم ولادة حكيم بالكعبة ، فهي من باب الاتّفاق ، كما يدلّ عليه خبر ولادته ، لا لكرامة له ، فإنّه من مسلمة الفتح ، ومن المؤلّفة قلوبهم ، كما ذكره في « الاستيعاب » (1).

وهذا بخلاف ولادة أمير المؤمنين علیه السلام ؛ فإنّها كجنابته في المسجد ، من طهارته وعناية اللّه به ، كما يشهد له ما رواه صاحب كتاب « بشائر المصطفى » على ما حكاه عنه في « كشف الغمّة » ، قال :

ومن « بشائر المصطفى » ، مرفوعا إلى يزيد بن قعنب ، قال : كنت جالسا مع العبّاس بن عبد المطّلب وفريق من بني عبد العزّى بإزاء بيت اللّه الحرام ، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين علیه السلام ، وكانت حاملا به لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلق ، فقالت : يا ربّ! إنّي مؤمنة بك ، وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل ، وإنّه بنى بيتك العتيق ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت ، والمولود الذي في بطني ، إلّا ما يسّرت عليّ ولادتي.

قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقّ من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا ، وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللّه تعالى.

ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

ثمّ قالت : إنّي فضّلت على من تقدّمني من النساء ؛ لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت اللّه سرّا في موضع لا يحبّ اللّه أن يعبد فيه إلّا اضطرارا.

ص: 305


1- الاستيعاب 1 / 362 رقم 535.

وإنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتّى أكلت منها رطبا جنيّا.

وإنّي دخلت بيت اللّه الحرام فأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها ، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف : يا فاطمة! سمّيه عليّا ، فهو عليّ ، واللّه العليّ الأعلى يقول : شققت اسمه من اسمي ، وأدّبته بأدبي ، وأوقفته على غامض علمي ، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي ، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي ، ويقدّسني ، ويمجّدني ، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه ، وويل لمن أبغضه وعصاه (1).

ثمّ ذكر فعل النبيّ صلی اللّه علیه و آله معه وقوله فيه ، كما ذكره المصنّف رحمه اللّه (2).

ونقل أيضا في « كشف الغمّة » خبر ولادته علیه السلام في الكعبة عن ابن المغازلي (3).

ورواه سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » (4).

ص: 306


1- كشف الغمّة 1 / 60.
2- تقدّم آنفا في الصفحة 300.
3- كشف الغمّة 1 / 59 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 58 ح 3.
4- تذكرة الخواصّ : 20. وسبط ابن الجوزي هو : أبو المظفر شمس الدين يوسف بن قُزُغلي - أو : قز أغلي - بن عبد اللّه ، التركي ، البغدادي ، الحنبلي ثم الحنفي . ولد ببغداد سنة 581 أو 582 ه- ، ونشأ بها ، ربّاه جده أبو الفرج ، سمع من جده وطائفة ، وحدّث عنه كثيرون ، انتقل إلى دمشق سنة 607 ه- فاستوطنها حتى آخر حياته . كان محدثاً فقيهاً مؤرّخاً واعظاً ، انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير ومعرفة التاريخ والإفتاء ، وافر الحرمة عند الملوك والعامة ، كان أول أمره حنبلياً ثمّ تحوّل حنفياً ، له مصنفات عديدة ، منها : مرآة الزمان في تاريخ الأعيان ، تفسير كبير، إيثار الإنصاف في آثار الخلاف - في الفقه على المذاهب الأربعة - ، مناقب أبي حنيفة ، تذكرة الخواص . ترجم له الذهبي في بعض كتبه وأثنى عليه ثناء جميلاً ، ثم عده في الضعفاء فقال : « ثمّ إنّه ترفض ، وله مؤلّف في ذلك ، نسأل اللّه العافية» ! ولم يضعفه إلا لتأليفه في تاريخ أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم ! فانظر إلى مدى غل الذهبي وحقده ، بل تعصبه ونصبه ! ! توفي سنة 654 ه- بمنزله بسفح جبل قاسيون ، ودفن هناك ، وشيعه السلطان والقضاة . أنظر : وفيات الأعيان 142/3 رقم 96، سير أعلام النبلاء 296/23 رقم 203 ، العبر 274/3 ، میزان الاعتدال 304/7 رقم 9888 ، الجواهر المضية في طبقات الحنفية 633/3 رقم 1851 ، المختصر في أخبار البشر 197/3 ، مرآة الجنان 104/4 ، طبقات المفسّرين - للداودي - 383/2 رقم 700.

وقال عبد الباقي العمري (1) مادحا لأمير المؤمنين علیه السلام [ من البسيط ] :

أنت العليّ الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكّة وسط البيت إذ وضعا (2)

وقال الحميري (3) في مدحه علیه السلام ومدح والدته الطاهرة [ من

ص: 307


1- هو : عبد الباقي بن سليمان بن أحمد العمريّ الموصلي ، أديب ، وشاعر ، ومؤرّخ. ولد بالموصل عام 1204 ، كان من وجهاء الموصل، تولّى المناصب العالية ، فقد عُيّن معاوناً للوالي العثماني ، وأنتقل إلى بغداد وولي بها أعمالاً حكومية ، وتوفّي فيها عام 1278 ه- ، وله مؤلفات عديدة منها : الباقيات الصالحات - قصائد في مدح أهل البيت عليهم السلام- ، الترياق الفاروقي . وهو ديوان شعره - ، نزهة الدهر في تراجم فضلاء العصر ، وغيرها . أنظر : معجم المؤلفين 42/2 رقم 6507 ، الأعلام 3 / 271 .
2- الترياق الفاروقي : 96.
3- تقدّمت ترجمته في ج 4 / 341 ه 6 من هذا الكتاب ؛ فراجع!

الكامل ] :

ولدته في حرم الإله وأمنه *** والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة *** طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلة غابت نحوس نجومها *** وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لفّ في خرق القوابل مثله *** إلّا ابن آمنة النبيّ محمّد (1)

وهذا كاشف عن معلومية ولادته بالكعبة في الصدر الأوّل ، كما هو كذلك في جميع الأوقات (2).

* * *

ص: 308


1- ديوان السيّد الحميري : 155.
2- هذا ، وقد أفاض الشيخ محمّد عليّ الغروي الأوردبادي رحمه اللّه الكلام عن تواتر حديث ولادة أمير المؤمنين الإمام عليّ علیه السلام في الكعبة المشرّفة ، وشهرته بين الأمّة جمعاء ، ولا سيّما بين المحدّثين والمؤرّخين والشعراء ؛ فراجع كتابه : « عليّ وليد الكعبة ». كما فنّد شاكر شَبَع مزعمة ولادة حكيم بن حزام في الكعبة ، في مقاله : «الولادة في الكعبة المعظمة فضيلة لعلى عليه السلام خصه بها ربّ البيت» ، المنشور في مجلة « تراثنا » ، العدد 26 ، السنة السابعة ، المحرّم 1412 ه- ، ص 11 - 42 ، وأعلها بالإرسال والنكارة والشذوذ والتحريف والوضع ، وغير ذلك ؛ فراجع ! وكذا فعل الشيخ محمد باقر الإلهي القمي، في مقاله : «المسك الفتيق في ولادة علي عليه السلام بالبيت العتيق » ، المنشور في مجلة « تراثنا » ، العدد المزدوج 63 64 ، السنة السادسة عشرة ، رجب 1421 ه- ، ص 48 - 84 ؛ فراجع !

فضائله بعد الولادة

من فضائله النفسانية : إيمانه

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - :

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه -(1) :

وإمّا بعد ولادته :

فأقسامها ثلاثة : نفسانية ، وبدنية ، وخارجية.

أمّا النفسانية : فينظمها مطالب :

الأوّل : الإيمان

وبواسطة سيفه تمهّدت قواعده ، وتشيّدت أركانه(2) ..

وبواسطة تعليمه الناس حصل لهم الإيمان ، أصوله وفروعه(3) ..

ص: 309


1- نهج الحقّ : 234.
2- وفي هذا المعنى قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 14 / 84 : ولو لا أبو طالب وابنه *** لما مثّل الدّين شخصا فقاما فذاك بمكّة آوى وحامى *** وهذا بيثرب جسّ الحماما
3- ذكر ابن أبي الحديد أنّ جميع العلوم ؛ من العلم الإلهي ، والفقه ، والقضاء ، والتفسير ، وعلم الطريقة ، وعلوم النحو والعربية ، كلّها تنتهي إلى الإمام عليّ علیه السلام ، وأنّ جميع الفرق الإسلامية أخذت علومها عنه ، من المعتزلة والأشاعرة ، والشيعة ، وغيرهم. انظر : شرح نهج البلاغة 1 / 17 - 20.

لم يشرك باللّه طرفة عين ، ولم يسجد لصنم ، بل هو الذي كسر الأصنام لمّا صعد على كتف النبيّ صلی اللّه علیه و آله (1) ..

( وهو أوّل الناس إسلاما ) (2) ؛ روى أحمد بن حنبل ، أنّه أوّل من أسلم ، وأوّل من صلّى مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله (3).

وفي « مسنده » ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال لفاطمة : « أما ترضين أنّي

ص: 310


1- راجع الحديث 23 في الصفحة 199 وما بعدها من هذا الجزء.
2- ما بين القوسين لم يرد في « نهج الحقّ ».
3- انظر : مسند أحمد 1 / 99 و 141 وج 4 / 368 و 371 وج 5 / 26 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 728 - 730 ح 997 - 1000 وص 732 ح 1003 و 1004 وص 754 ح 1040 ؛ وانظر : سنن الترمذي 5 / 598 ح 3728 وص 600 ح 3734 و 3735 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 43 - 44 ح 8137 وص 105 - 107 ح 8391 - 8396 ، سنن ابن ماجة 1 / 44 ح 120 ، مسند الطيالسي : 93 ح 678 وص 360 ح 2753 ، مصنّف عبد الرزّاق 5 / 325 ، ضمن ح 9719 وج 11 / 227 ح 20392 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 498 ح 21 و 22 وص 503 ح 49 وص 505 ح 68 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 15 ، مسند البزّار 2 / 320 ح 751 و 752 ، مسند أبي يعلى 1 / 348 ح 446 و 447 ، المعجم الكبير 5 / 176 - 177 ح 5002 وج 11 / 21 ح 10924 وص 321 ح 12151 وج 19 / 291 ح 648 وج 22 / 452 ح 1102 ، المعجم الأوسط 7 / 302 ح 7427 ، الأوائل - للطبراني - : 78 - 79 ح 51 - 53 ، المغازي النبوية - للزهري - : 46 ، السير والمغازي - لابن إسحاق - : 137 - 138 ، السيرة النبويّة - لابن هشام - 2 / 84 - 85 ، المعارف - لابن قتيبة - : 99 ، أنساب الأشراف 2 / 346 - 347 ، تاريخ اليعقوبي 1 / 343 ، تاريخ الطبري 1 / 537 - 539 ، العقد الفريد 3 / 312 ، السيرة النبوية - لابن حبّان - : 67 ، الأوائل - للعسكري - : 91 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 528 ح 5963 وص 571 ح 6121 ، حلية الأولياء 1 / 66 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 6 / 206 ، الاستيعاب 3 / 1090 - 1096 ، تاريخ بغداد 4 / 233 رقم 1947 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 64 - 67 ح 17 - 22 ، فردوس الأخبار 1 / 34 ح 39 وص 40 ح 95 ، تاريخ دمشق 42 / 26 - 45.

زوّجتك أقدم أمّتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما » (1).

وحديث الدار يدلّ عليه أيضا (2).

* * *

ص: 311


1- مسند أحمد 5 / 26 ؛ وانظر : المعجم الكبير 20 / 230 ح 538 ، مجمع الزوائد 9 / 101 و 114 ، كنز العمّال 11 / 605 ح 32924 و 32926 وج 13 / 135 ح 36423.
2- راجع مبحث الحديث الثاني ، في الصفحات 23 - 46 من هذا الجزء.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكر أنّ عليّا أوّل الناس إسلاما ، فهذا أمر مختلف فيه ، وأكثر العلماء على أنّ أوّل الناس إسلاما هو خديجة.

وقال بعضهم : أبو بكر.

وقال بعضهم : زيد بن حارثة.

وحاكم بعضهم فقال : أوّل الناس إسلاما من الرجال أبو بكر ، ومن الصبيان عليّ ، ومن النساء خديجة ، ومن العبيد زيد بن حارثة (2).

وقد حقّقنا هذا في « تلخيص كتاب كشف الغمّة ».

* * *

ص: 312


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 438 الطبعة الحجرية.
2- تاريخ الطبري 1 / 540 - 541 ، الكامل في التاريخ 1 / 582 - 583 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 2 / 163 - 165 ، السيرة النبوية - لابن كثير - 1 / 432 ، الأوائل - للطبراني : 82.

وأقول :

اشارة

تعرّضه لتقدّم الإسلام خاصّة ، ظاهر في تسليمه ما عداه - ممّا ذكره المصنّف رحمه اللّه - ، وهو كاف في المطلوب ، ومن رام المناقشة في شيء من ذلك فقد كشف عن قصوره.

وأمّا ما ذكره من الخلاف في تقدّم إسلام أيّ الجماعة فلا يضرّنا ؛ لأنّا نحتجّ على الخصوم برواياتهم بلا حجّة لهم علينا.

بل يظهر من بعضهم الإجماع على تقدّم إسلام أمير المؤمنين علیه السلام ، كما ذكره ابن حجر في « الصواعق » (1) ، قال : « قال ابن عبّاس ، وأنس ، وزيد بن أرقم ، وسلمان الفارسي ، وجماعة : إنّه أوّل من أسلم ؛ ونقل بعضهم الإجماع عليه (2) ».

أقول :

ويظهر من نفس الحاكم في « المستدرك » (3) دعوى الإجماع عليه ، فإنّه روى عن زيد بن أرقم : « إنّ أوّل من أسلم مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّ ».

ص: 313


1- في أوّل الفصل الأوّل من الباب التاسع [ ص 185 ]. منه قدس سره .
2- انظر : المعيار والموازنة : 66 ، معرفة علوم الحديث : 22 ، الاستيعاب 3 / 1092 ، شرح نهج البلاغة 1 / 30 ، تاريخ الخلفاء : 197.
3- ص 136 من الجزء الثالث [ 3 / 147 ح 4663 ]. منه قدس سره .

ثمّ قال : « هذا حديث صحيح الإسناد ، وإنّما الخلاف في هذا الحرف أنّ أبا بكر الصدّيق كان أوّل الرجال البالغين إسلاما ، وعليّ بن أبي طالب تقدّم إسلامه قبل البلوغ ».

فإنّ معنى هذا الكلام ، أنّ عليّا علیه السلام تقدّم إسلامه قبل البلوغ على الناس جميعا بلا خلاف ، وإنّما الخلاف في تقدّم إسلام أبي بكر على البالغين لا على عليّ علیه السلام (1).

وأمّا ما زعمه الفضل من المحاكمة ، فخطأ ؛ لأنّ حمل الأخبار المستفيضة في تقدّم إسلام عليّ على تقدّمه على الصبيان من المضاحك ، ولا يتفوّه به ذو رأي ؛ إذ أيّ صبيان أسلموا في ذلك الوقت حتّى يكون إسلام عليّ علیه السلام متقدّما لهم؟!

مع أنّ من جملة ما ورد في تقدّم إسلامه ، ما دلّ على تفضيل النبيّ صلی اللّه علیه و آله له به على الأمّة ، كما في خطابه لفاطمة علیهاالسلام ، وما اشتمل على افتخار عليّ علیه السلام به على الناس (2) ، فإنّ التفضيل والافتخار إنّما يناسبان تقدّم إسلامه على جميع الأمّة ، لا على الصبيان لو فرض إسلامهم.

كما أنّ أكثر الأخبار صريح في سبق إسلامه على المسلمين جميعا (3).

ص: 314


1- هذا فضلا عن أنّهم رووا بإسناد صحّحوه ورجال وثّقوهم ، أنّ أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين أسلموا قبله ؛ فانظر : تاريخ الطبري 1 / 540 ، البداية والنهاية 3 / 24. وكان خالد بن سعيد بن العاص بن أمية أحد هؤلاء الذين أسلموا قبل أبي بكر؛ أنظر : المعارف - لابن قتيبة -: 168.
2- انظر ما تقدّم آنفا في الصفحة 311.
3- تقدّم تفصيله في الصفحة 310 ه 3.

على أنّ تلك المحاكمة لو صحّت في نفسها لم تمنع من تقدّم إسلام أمير المؤمنين علیه السلام على أبي بكر وخديجة وزيد ؛ لأنّ تقدّم إسلامهم على أمثالهم لا ينافي تقدّم إسلام صبيّ على إسلامهم ، كما صرّح بعض الأخبار بتقدّم إسلامه على إسلام أبي بكر (1).

والحقّ أنّ أمير المؤمنين علیه السلام ولد مسلما مقرّا بشهادة : أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كالنبيّ ، فإنّهما معصومان طاهران من حين ولادتهما.

أترى أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان غير مؤمن بربّه ، ولا عارفا بنبوّته ، كما يتخيّله الجاهلون ، حتّى زعموا أنّ خديجة وورقة علّماه نبوّته ، كما سبق في آخر « مباحث النبوّة » (2)؟!

كيف لا؟! وقد خلقهما اللّه سبحانه نورا واحدا قبل أن يخلق آدم كما مرّ (3) ..

وهما خيرة اللّه من أرضه ؛ روى الحاكم في « المستدرك » (4) ، عن أبي هريرة ، وصحّحه على شرط الشيخين ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أما ترضين أنّ اللّه اطّلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين ، أحدهما أبوك ، والآخر بعلك ».

ص: 315


1- المعارف - لابن قتيبة - : 99 ، تاريخ دمشق 42 / 33 ، الرياض النضرة 3 / 110 ، ذخائر العقبى : 111 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 13 / 200 و 228 ، كنز العمّال 13 / 164 ح 36498.
2- راجع : ج 4 / 137 - 141 من هذا الكتاب.
3- تقدّم في مبحث حديث النور ، في الصفحات 5 - 22 من هذا الجزء.
4- ص 129 من الجزء الثالث [ 3 / 140 ح 4645 ]. منه قدس سره .

وحكاه في « كنز العمّال » (1) عن الحاكم ، عن أبي هريرة ؛ وعن الطبراني ، والحاكم ، والخطيب ، عن ابن عبّاس.

وحكى في « الكنز » أيضا - قبل هذا بحديث - ، عن الطبراني ، عن أبي أيّوب ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال لفاطمة : « أمّا علمت أنّ اللّه عزّ وجلّ اطّلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيّا ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ فأنكحته واتّخذته وصيّا » (2).

وحكى في « الكنز » الحديث الأوّل أيضا (3) ، عن الخطيب ، وقال : « سنده حسن ».

ونقله ابن أبي الحديد (4) ، عن أحمد في « مسنده » (5).

فكيف يتصوّر في من اختاره اللّه تعالى من جميع بريّته - حتّى الأنبياء - أن لا يكون مؤمنا عالما بالحقّ حين ولادته ، وقد كان عيسى - وهما مختاران عليه - مؤمنا عالما بأنّه رسول اللّه ساعة الولادة؟!

وحينئذ ، فهل يمكن أن يسبق عليّا في الإسلام غيره ممّن نشأ على عبادة الأوثان؟!

وكيف يتصوّر أن يكون مسبوقا وقد امتاز على الناس بالصلاة قبلهم

ص: 316


1- ص 153 من الجزء السادس [ 11 / 605 ح 32925 ]. منه قدس سره . وأنظر : المستدرك علی الصحيحين 140/3 ح 4645 أ ، المعجم الكبير 77/11 ح 11153 و 11154 ، تاريخ بغداد 196/4 رقم 1886.
2- كنز العمّال 11 / 604 ح 32923 ؛ وانظر : المعجم الكبير 4 / 171 ح 4046.
3- ص 291 ج 6 [ 13 / 108 - 109 ح 36355 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ بغداد 195/4 رقم 1886.
4- ص 451 من المجلّد الثاني [ 9 / 174 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 135/42 - 136.
5- (5) لم نعثر عليه في « المسند » المطبوع ، ولعلّه كان ضحية الإسقاط والحذف!

بسبع سنين؟! ..

روى الحاكم في « المستدرك » (1) ، عن عليّ علیه السلام ، قال : « إنّي عبد اللّه وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها أحد بعدي إلّا كاذب ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمّة ».

ونقله في « الكنز » (2) ، عن ابن أبي شيبة ، والنسائي في « الخصائص » ، وأبي نعيم ، وغيرهم.

وروى الحاكم - بعد الحديث المذكور - ، أنّ عليّا علیه السلام قال : « عبدت اللّه مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمّة » (3).

ونقله في « الكنز » ، عن الحاكم وابن مردويه (4).

ونقل أيضا عن الطبراني ، وأحمد وأبي يعلى في « مسنديهما » ، والحاكم في « المستدرك » ، أنّ عليّا قال : « اللّهمّ ما أعرف أنّ عبدا لك من هذه الأمّة عبدك قبلي غير نبيّك - ثلاث مرّات - ، لقد صلّيت قبل

ص: 317


1- ص 112 من الجزء الثالث [ 3 / 121 ح 4584 ]. منه قدس سره .
2- ص 394 من الجزء السادس [ 13 / 122 ح 36389 ]. منه قدس سره . وأنظر : مصنف ابن أبي شيبة 498/7 ح 21 ، خصائص الإمام علي عليه السلام - للنسائي - : 21 - 22 ح 6 ، السنة - لابن أبي عاصم - : 584 ح 1324 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ح 4584 ، معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 86/1 ح 339 ، سنن ابن ماجة 1/ 44 ح 120 ، السنن الكبرى - للنسائي - 106/5 ح 8395 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 /726 ح 993 ، تاريخ الطبري 537/1 ، المعارف - لابن قتيبة - : 98 ، الكنى والأسماء - للدولابي - 81/2 ، الأوائل - للعسكري - : 91 ، تفسير الثعلبي 85/5 .
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ح 4585.
4- كنز العمّال 13 / 122 ح 36390.

أن يصلّي الناس سبعا » (1).

... إلى غيرها من الأخبار (2).

وليت شعري ، كيف يدّعى أنّ أحدا أسبق من أمير المؤمنين علیه السلام في الإسلام ، وهو كان من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بمنزلة هارون من موسى؟!

* * *

ص: 318


1- كنز العمّال 13 / 126 ح 36400 ، وانظر : المعجم الأوسط 2 / 240 ح 1767 ، مسند أحمد 1 / 99 ، مسند أبي يعلى 1 / 348 ح 447 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ح 4585 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 107 ح 8396 ، مسند البزار 2 / 319 - 320 ح 751 ، مسند الطيالسي : 26 ح 188 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 848 ح 1164 ، تاريخ دمشق 42 / 31 - 32 ، مجمع الزوائد 9 / 102.
2- انظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 105 - 107 ح 8391 - 8396 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 120 ح 4582 وص 147 ح 4662 ، حلية الأولياء 1 / 66 ، تاريخ بغداد 2 / 81 رقم 459 وج 4 / 233 رقم 1947 ، الاستيعاب 3 / 1091 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي : 67 ح 22 ، تاريخ دمشق 42 / 36 و 42 و 44 و 45 و 81 و 132 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 13 / 225 ، الرياض النضرة 3 / 111 ، فرائد السمطين 1 / 245 ح 190 ، مجمع الزوائد 9 / 101 و 102 و 114 ، كنز العمّال 11 / 605 ح 32926.

علمه علیه السلام

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - :

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - (1) :

المطلب الثاني : العلم

والناس كلّهم - بلا خلاف - عيال عليه في المعارف الحقيقية ، والعلوم اليقينيّة ، والأحكام الشرعيّة ، والقضايا النقليّة (2) ؛ لأنّه علیه السلام كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم ، وملازمته لرسول اللّه - وهو أشفق الناس عليه - ، لا ينفكّ عنه ليلا ولا نهارا ؛ فيكون بالضرورة أعلم من غيره.

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في حقّه : « أقضاكم عليّ » (3)، والقضاء يستلزم العلم والدين.

وروى الترمذي في « صحيحه » ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » (4).

ص: 319


1- نهج الحقّ : 235.
2- راجع ما مرّ في الصفحة 311.
3- انظر : سنن ابن ماجة 1 / 55 ح 154 ، المعجم الصغير 1 / 201 ، أخبار القضاة - لوكيع - 1 / 88 - 90 ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم : 127 ، الاستيعاب 3 / 1102 ، الفقيه والمتفقّه - للخطيب البغدادي - 2 / 291 ح 992 ، التبصير في الدين - للأسفراييني - : 179 ، مفردات ألفاظ القرآن - للراغب - : 422 ، مصابيح السنّة 4 / 180 ح 4787 ، تاريخ دمشق 47 / 112 ، أسد الغابة 3 / 597 ، شرح نهج البلاغة 1 / 18.
4- (4) انظر : جامع الأصول 8 / 657 ح 6501 ، مطالب السؤول : 69 و 98 ، منهاج السنّة 7 515 / ، تاريخ الخلفاء : 202، جواهر العقدين : 57 ، الصواعق المحرقة : 189 ، شرح المواهب اللدنّيّة - للزرقاني - 4 / 215 ، مرقاة المفاتيح 10 / 470 ، كلّهم عن الترمذي بلفظ : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ». وسيأتي الكلام علی رواية الترمذي هذه في الصفحة 324 ، وراجع مبحث الحديث 19 في الصفحات 171 - 181 من هذا الجزء.

وذكر البغوي في « الصحاح » ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » (1).

* * *

ص: 320


1- مصابيح السنّة 4 / 174 ح 4772.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكره من علم أمير المؤمنين ، فلا شكّ أنّه من علماء الأمّة والناس محتاجون إليه فيه ، وكيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف ، فلا نزاع لأحد فيه.

وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي ، فصحيح.

وأمّا ما ذكره من صحاح البغوي ، فإنّه قال : « الحديث غريب ، لا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك ، وإسناده مضطرب » (2).

فكان ينبغي أن يذكر ما ذكروه من معائب الحديث ؛ ليكون أمينا في النقل.

* * *

ص: 321


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 439 الطبعة الحجرية.
2- مصابيح السنّة 4 / 174 ح 4772.

وأقول :

لا يخفى ما في كلامه من التنافي ؛ لأنّ قوله : « إنّه من علماء الأمّة » يدلّ على أنّه فرد من جماعة لا فضل له عليهم ؛ وقوله : « كيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف » يدلّ على فضله على غيره!

وقد استدلّ المصنّف رحمه اللّه على أعلميّة أمير المؤمنين بأمور :

الأوّل : « إنّه كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم ... » إلى آخره.

وهو دليل إقناعي ، ذكره تقريبا إلى أذهان السامعين ، وإلّا فعلم أمير المؤمنين علیه السلام كعلم النبيّ صلی اللّه علیه و آله رشحة من الفيض الإلهي ، سوى إنّ علم عليّ علیه السلام بواسطة النبيّ ، وعلم النبيّ صلی اللّه علیه و آله بواسطة جبرئيل.

فكما إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا يحتاج في علمه إلى ملازمة جبرئيل ، فكذا عليّ لا يحتاج إلى ملازمة النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

كيف؟! وقد علّمه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في مقام واحد ألف باب من العلم ، يفتح له من كلّ باب ألف باب (1)!

الثاني : إنّه قال فيه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أقضاكم عليّ » كما في

ص: 322


1- الرسالة اللدنّيّة - للغزّالي - : 232 ، تاريخ دمشق 42 / 385 ، مطالب السؤول : 118 ، فرائد السمطين 1 / 101 ح 70 ، البداية والنهاية 7 / 286 ، شرح المقاصد 5 / 297 ، سير أعلام النبلاء 8 / 24 ، كنز العمّال 13 / 114 - 115 ح 36372.

« الاستيعاب » بترجمة عليّ (1) ..

وفي « الصواعق » (2) ، نقلا عن الطبراني ، وأبي يعلى ، والعقيلي ، وابن عساكر ..

ورواه الحاكم في « المستدرك » (3).

وروى البخاري في تفسير قوله تعالى : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) من سورة البقرة (4) ، أنّ عمر قال : أقرأنا أبيّ ، وأقضانا عليّ (5).

ونحوه في « الاستيعاب » (6).

ووجه الاستدلال به ظاهر من كلام المصنّف رحمه اللّه .

الثالث : ما رواه الترمذي وذكره البغوي ، وقد سبق الكلام في سنده ودلالته في الحديث التاسع عشر (7).

ولا يفترق الحال بين الحديثين ، حيث قال في أحدهما : « أنا مدينة العلم » ، وفي الآخر : « أنا دار الحكمة » ؛ وذلك للتلازم بينهما ؛ فإنّ من يكون بابا لعلم النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا بدّ أن تنكشف له وجوه الحكمة ، فيكون بابا لحكمته.

ص: 323


1- الاستيعاب 3 / 1102.
2- في الفصل الثالث ، من الباب الثالث ، في الحديث الرابع والتسعين [ ص 120 ]. وأنظر : المعجم الصغير 201/1 ، مسند أبي يعلی 141/10 ح 5763 ، الضعفاء الكبير 159/2 رقم 664 ، تاريخ دمشق 112/47.
3- ص 553 ح 3 [ 3 / 616 ح 6281 ]. منه قدس سره .
4- سورة البقرة 2 : 106.
5- صحيح البخاري 6 / 46 ح 8.
6- الاستيعاب 3 / 1102.
7- راجع مبحث الحديث 19 ، في الصفحات 171 - 181 من هذا الجزء.

وإنّما لم يذكر المصنّف رحمه اللّه قول البغوي : « وإسناده مضطرب » ؛ لأنّ الاضطراب الذي أراده ، هو رواية بعضهم للحديث عن سويد (1) ، عن عليّ علیه السلام ؛ ورواية بعض آخر له عن سويد ، عن الصنابحي (2) ، عن عليّ علیه السلام ؛ وهو ليس بعيب في الحديث بعد اعتبار الصنابحي.

على أنّه لو كان عيبا ، لم يلزم التعرّض لمثله بعد استفاضة طرق الحديث ، وتصحيح جماعة من علمائهم لبعضها (3).

تنبيه :

لفظ الحديث في النسخة التي عندنا من صحيح الترمذي : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » (4) ، والمصنّف رحمه اللّه نقله بلفظ : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، وصحّح الفضل نقله (5) ، وقد نقله ابن حجر عن الترمذي باللفظين معا (6) ، فلعلّه رواه باللفظين في مقامين!

كما إنّ البغوي ذكر الحديث في « الحسان » لا في « الصحاح » ،

ص: 324


1- هو : سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي الكوفي ، وثّقه ابن معين والعجلي ، وتوفّى سنة 80 ه وقيل 82 ه ؛ أنظر : تهذيب التهذيب 3 / 564 - 565 رقم 2771.
2- هو : أبو عبد اللّه عبد الرحمن بن عسيلة المرادي ، وثّقه ابن سعد ؛ انظر : لسان الميزان 7 / 509 رقم 5835.
3- (3) راجع الأجزاء 10 - 12 من موسوعة « نفحات الأزهار » ، ففيها تفصيل كلّ ما يتعلّق بحديث مدينة العلم ، سندا ودلالة ، طرقا ومتنا ، رواته ، ألفاظه ، شواهد الحديث ، تصحيح أسانيده ، وتفنيد ما أثير ما حوله من شكوك وشبهات!
4- سنن الترمذي 5 / 596 ح 3723.
5- تقدّم آنفا في الصفحة 321.
6- في الفصل الثاني من الباب التاسع [ الصواعق المحرقة : 189 ]. منه قدس سره .

بحسب نسخة « المصابيح » (1) التي عندنا ، فيحتمل خطأها ، ويحتمل خطأ المصنّف رحمه اللّه ، والفضل - أيضا - بإقراره للمصنّف على نقله!

* * *

ص: 325


1- مصابيح السنّة 4 / 174 ح 4772.

قال المصنّف - طاب ثراه - :

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

وفيه (2) : عن أبي الحمراء ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب » (3).

وروى البيهقي ، بإسناده إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب » (4).

* * *

ص: 326


1- نهج الحقّ : 236.
2- أي في حقّه علیه السلام ، عطفا على قول العلّامة الحلّي قدس سره : « وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في حقّه : ... » المتقدّم آنفا في الصفحة 319 ؛ فلاحظ!
3- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 83 ح 70 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 200 ح 256 ، شواهد التنزيل 1 / 78 - 80 ح 116 و 117 وص 106 ح 147 ، تاريخ دمشق 42 / 313 ، الرياض النضرة 3 / 196 ، ذخائر العقبى : 168 ، البداية والنهاية 7 / 283 ، ينابيع المودّة 1 / 363 ح 1.
4- رواه أحمد في « المسند » ، ورواه أحمد البيهقي في « الصحيح » ، كما في شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 9 / 168. وأنظر : تفسير الفخر الرازي 91/8 ، مطالب السؤول : 97 ، كفاية الطالب : 121 - 122 ب 23 ، الفصول المهمّة : 123 ، نزهة المجالس 207/2.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

خان في هذا النقل ؛ لأنّه ذكر أنّ في « صحاح البغوي » هذا الحديث ، وهذا كذب باطل ؛ فإنّ الحديث لم يذكره البغوي أصلا ، لا في « صحاحه » ولا في « حسانه » ، وأثر الوضع على هذا الحديث ظاهر.

ولا شكّ أنّه منكر - مع ما نسبه إلى البيهقي - ؛ لأنّه يوهم أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الأنبياء ، وهذا باطل ؛ فإنّ غير النبيّ لا يكون أفضل من النبيّ.

وأمّا أنّه موهم لهذا المعنى ؛ لأنّه جمع فيه من الفضائل ما تفرّق في الأنبياء ، والجامع للفضائل أفضل ممّن تفرّق فيه الفضائل ، وأمثال هذا من موضوعات الغلاة ، وإن صحّ فيمكن حمله على أنّ له كمال هذه الفضائل.

* * *

ص: 327


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 440 الطبعة الحجرية.

وأقول :

لم يفهم الفضل مراد المصنّف رحمه اللّه ؛ فإنّ الضمير في قوله : « فيه » لو رجع إلى « صحاح البغوي » لقال : « وفيها ».

كما إنّه لا يرجع إلى « صحيح الترمذي » ؛ لعدم ذكره للحديث في مناقب عليّ علیه السلام ، ويبعد ذكره له في محلّ آخر.

فالظاهر أنّه راجع إلى « حقّه » في قول المصنّف سابقا : « وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في حقّه » (1) ، وما أبعد الخيانة عن المصنّف رحمه اللّه !

ويحتمل سقوط حديث آخر نقله المصنّف من كتاب آخر ، فيعود الضمير إلى ذلك الكتاب ، ولا يبعد - على هذا - أنّه « مسند أحمد » ؛ فإنّ المصنّف رحمه اللّه ينقل عنه كثيرا ، وهو موجود فيه بحسب ما ذكره ابن أبي الحديد (2) ، وصاحب « ينابيع المودّة » (3) ، كما نقلاه أيضا عن البيهقي.

لكنّي لم أجده في « المسند » ، ولا يبعد أنّه من يد التصرّف!

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن الحاكم ، أنّه أخرج عن أبي الحمراء مرفوعا : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، ونوح في فهمه ، وإبراهيم في حلمه ، ويحيى في زهده ، وموسى في بطشه ، فلينظر إلى عليّ » (4).

ص: 328


1- تقدّم آنفا في الصفحة 319.
2- ص 449 من المجلّد الثاني [ 9 / 168 ]. منه قدس سره .
3- في الباب الأربعين [ 1 / 363 ح 1 ]. منه قدس سره .
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 325.

ونقل عن ابن الجوزي ، أنّه قال : « موضوع » ؛ متعلّلا باشتمال سنده على أبي عمر الأزدي ، وهو متروك (1).

وتعقّبه السيوطي بأنّ له طريقا آخر عن أبي سعيد ، أخرجه ابن شاهين في « السنّة » عنه ، قال : كنّا حول النبيّ صلی اللّه علیه و آله فأقبل عليّ ، فأدام رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله النظر إليه ، ثمّ قال : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في حكمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى هذا » (2).

ونقل السيوطي طريقا آخر لابن شاهين عن أبي الحمراء (3).

فعليه يكون الحديث كثير الطرق ومعتبرا ، وإن فرض ضعف كلّ من أسانيده (4) ، مع أنّه قد رواه صاحب « المواقف » وما أعلّ سنده هو ولا الشارح (5).

ولا يضرّ اختلاف خصوصيّاته بحذف بعض الأنبياء وتبديل صفاتهم ؛ لجواز تعدّد أقوال النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، أو خطأ بعض الرواة.

ولا ريب بدلالة الحديث على فضل أمير المؤمنين علیه السلام على الأمّة

ص: 329


1- الموضوعات 1 / 370.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 325.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 325.
4- لقد روى هذا الحديث الشريف الصحيح طائفة كبيرة من الرواة والحفّاظ والعلماء المعتمدين عند أهل السنّة ، فبلغوا أكثر من أربعين رجل ، من رجال الصحاح ، وأصحاب المسانيد ، ومشاهير العلماء ؛ فراجع الجزء 19 من « نفحات الأزهار » لترى أسانيد حديث التشبيه ، وأسماء أشهر رواته ومخرّجيه ، وكذا دلالة الحديث على إمامة الإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام .
5- المواقف : 410 ، شرح المواقف 8 / 369.

وإمامته لهم ؛ لدلالته على فضله على هؤلاء الأنبياء العظام ، فكيف بآحاد الأمم؟!

وذلك لأنّه صرّح بأنّ عليّا علیه السلام جمع ما تفرّق في أعاظم الأنبياء من الأوصاف ، التي كلّ واحدة منها أعظم الأفراد من نوعها.

ودعوى أنّ غير النبيّ لا يكون أفضل منه ، دعوى بلا حجّة.

نعم ، لا يجوز أن يكون النبيّ مفضولا لواحد من أمّته ، كما يحكم به العقل ، وإن خالف به بعض القوم كما سبق في « مباحث النبوّة » لله (1).

وقد بيّنّا في آية « المباهلة » وغيرها ، أنّ عليّا أفضل من جميع النبيّين سوى ابن عمّه سيّد المرسلين (2).

وقد تواتر عندنا أنّ عليّا سيّد الوصيّين (3) ، ومن جملتهم الأنبياء ، كيوشع بن نون وصيّ موسى علیه السلام .

* * *

ص: 330


1- ( لله ) راجع : ج 4 / 33 من هذا الكتاب.
2- راجع : ج 4 / 402 - 408 من هذا الكتاب.
3- انظر مثلا : شرح الأخبار 1 / 223 ذ ح 207 ، الأمالي - للصدوق - : 61 ح 20 وص 74 ذ ح 42 ، الخصال : 575 ، معاني الأخبار : 373 ، الأمالي - للطوسي - : 442 ح 991 ، الحائريات - ضمن « الرسائل العشر » للشيخ الطوسي - : 306 ، تفصيل وسائل الشيعة 7 / 20 ح 6.

العلوم كلّها مستندة إليه

قال المصنّف - قدس سره - :

قال المصنّف - قدس سره - (1) :

وأيضا : جميع العلوم مستندة إليه ..

أمّا الكلام وأصول الفقه ؛ فظاهر ، وكلامه في « النهج » يدلّ على كمال معرفته في التوحيد والعدل ، وجميع جزئيات علم الكلام والأصول.

وأمّا الفقه ؛ فالفقهاء كلّهم يرجعون إليه ..

أمّا الإمامية ؛ فظاهر (2) ..

وأمّا الحنفية ؛ فإنّ أصحاب أبي حنيفة أخذوا عن أبي حنيفة (3) ، وهو تلميذ الصادق علیه السلام (4) ..

وأمّا الشافعية ؛ فأخذوا عن محمّد بن إدريس الشافعي (5) ، وهو

ص: 331


1- نهج الحقّ : 237.
2- انظر : شرح نهج البلاغة 1 / 17 و 18.
3- هو : أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي ، مولى تيم ، إمام الحنفية وأصحاب الرأي ، وأحد الأئمّة الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ؛ ولد سنة 80 ه ، ونشأ بالكوفة ، طلبه المنصور العبّاسي لتولّي القضاء فأبى ، فحبسه إلى أن مات سنة 150 ه ، وقيل : إنّ المنصور سمّه. أنظر : تاريخ بغداد 323/13 رقم 7297 ، المنتظم 185/5 ، البداية والنهاية 87/10.
4- انظر : شرح نهج البلاغة 1 / 18 ، تهذيب التهذيب 2 / 68 رقم 994.
5- هو : أبو عبد اللّه محمّد بن إدريس الشافعي ، إمام الشافعية ، وأحد الأئمّة الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ؛ ولد بفلسطين ، وحمل منها إلى مكّة ، وانتقل إلى مصر سنة 199 ه حتّى توفّي بها سنة 204 ه ، من أشهر آثاره : كتاب الأمّ ، المسند ، أحكام القرآن ، الرسالة في أصول الفقه. أنظر : تاريخ بغداد 56/2 رقم رقم 454 ، المنتظم 137/6 ، البداية والنهاية 210/10.

قرأ على محمّد بن الحسن (1) تلميذ أبي حنيفة ، وعلى مالك ؛ فرجع فقهه إليهما (2) ..

وأمّا أحمد بن حنبل (3) ؛ فقرأ على الشافعي ؛ فرجع فقهه إليه (4).

وأمّا مالك (5) ؛ فقرأ على اثنين :

ص: 332


1- هو : أبو عبد اللّه محمّد بن الحسن بن فرقد الشيباني ، مولاهم ، صاحب أبي حنيفة ، وإمام أهل الرأي ، أصله من دمشق من قرية حرستا وولد بواسط ، ونشأ بالكوفة ، سمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه ، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة ؛ انتقل إلى بغداد وولّاه الرشيد القضاء بالرقّة ، ثمّ عزله ، ولمّا خرج الرشيد إلى خراسان صحبه فمات في الريّ سنة 189 ه. أنظر : تاريخ بغداد 172/2 رقم 593 ، البداية والنهاية 167/10 ، المنتظم 532/5 ، الجواهر المضية 122/3 رقم 1270.
2- أنظر : حلية الأولياء 9 / 75 ، شرح نهج البلاغة 1 / 18 ، تاريخ دمشق 51 / 267 رقم 6071.
3- هو : أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل ، إمام أهل الحديث ، وأحد أئمّة المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ، أصله من مرو ، وكان أبوه والي سرخس ، توفّي سنة 241 ه ؛ ومن أشهر مصنّفاته « المسند ». أنظر : تاريخ بغداد 412/4 رقم 2317 ، المنتظم 488/6 ، البداية والنهاية 273/10.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 18.
5- هو : أبو عبد اللّه مالك بن أنس بن مالك الأصبحي ، إمام المالكية ، وأحد أئمّة المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة ، ولد سنة 93 ه بالمدينة ونشأ بها ، ورووا أنّ أمّه حملت به ثلاث سنين ؛ صنّف « الموطّأ » بأمر من المنصور العباسي ، وتوفي سنة 179 ه. أنظر : حلية الأولياء 316/6 ، ترتيب المدارك 110/1 - 112 ، المنتظم 426/5 ، البداية والنهاية 143/10.

أحدهما : ربيعة الرأي (1) ، وهو تلميذ عكرمة ، وهو تلميذ عبد اللّه ابن عبّاس ، وهو تلميذ عليّ علیه السلام (2).

والثاني : مولانا جعفر بن محمّد الصادق ..

وكان الخوارج تلامذة له (3).

وأمّا النحو ؛ فهو واضعه (4).

وكذا علم التفسير (5) ..

قال ابن عبّاس : حدّثني أمير المؤمنين علیه السلام في باء ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من أوّل الليل إلى الفجر ولم يتمّ (6).

* * *

ص: 333


1- هو : أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ التيمي المدني ، مولى آل المنكدر ، صاحب الرأي والقياس ، أدرك بعض الصحابة والتابعين ، وكان صاحب الفتوى بالمدينة المنوّرة ، روى عنه مالك بن أنس وسفيان الثوري وشعبة بن الحجّاج والليث بن سعد وغيرهم ، قدم على أبي العبّاس السفّاح في الأنبار ليولّيه القضاء ؛ وتوفّي في الأنبار سنة 136 ه. أنظر : تاريخ بغداد 420/8 رقم 4531 ، تذكرة الحفاظ 157/1 رقم 153 ، تهذيب التهذيب 83/3 رقم 1973.
2- انظر : شرح نهج البلاغة 1 / 18.
3- انظر : مطالب السؤول : 111 - 112 ، شرح المقاصد 5 / 297 - 298.
4- انظر : شرح نهج البلاغة 1 / 20.
5- أنظر : شرح نهج البلاغة 1 / 19.
6- ينابيع المودّة 1 / 214 ح 19 وج 3 / 211.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ذكر أنّ أبا حنيفة قرأ على الصادق ، ثمّ ذكر أنّ الشافعي قرأ على محمّد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة ، وعلى مالك ، فرجع فقهه إليهما.

ويفهم من هذا أنّ كلّ من قرأ على أحد يرجع فقهه إليه ، فيرجع فقه جميع الأئمّة على هذا التقدير إلى الصادق.

وفقه الصادق عنده لا شكّ أنّه حقّ وصدق ، فلم يبق له بعد هذا الكلام اعتراض على الأئمّة الأربعة.

وأمّا قوله : إنّ الشافعي قرأ على محمّد بن الحسن ؛ فهو كذب وباطل.

وأمّا قوله : إنّ جميع العلوم من الفقه والأصول والكلام يرجع إلى أمير المؤمنين ..

فإن أراد أنّ أصحاب هذه العلوم ما استفادوا في تدوين هذه العلوم من غير كلام أمير المؤمنين ؛ فهو ممنوع.

وإن أراد أنّهم استفادوا من كلامه أيضا كما استفادوا من كلام باقي علماء الصحابة ؛ فهو حقّ لا شكّ فيه.

* * *

ص: 334


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 443 الطبعة الحجرية.

وأقول :

ما فهمه من كلام المصنّف رحمه اللّه ، وزعم أنّه لا يبقى بعده اعتراض على أئمّتهم ، خطأ ظاهر ؛ إذ ليس معنى الرجوع إليه اتّفاق فتاويهم معه ، بل معناه أنّه أساس تحصيلهم ومنشأ قوّتهم ، وإن خالفوه في أمور خطيرة وأحكام كثيرة استحسنوها بآرائهم ، وقاسوها بمقاييسهم! (1).

ومنه يعلم أنّ ترديده في معنى رجوع العلوم إلى أمير المؤمنين علیه السلام غير حاصر.

فإنّ مراد المصنّف رحمه اللّه : أنّ أمير المؤمنين علیه السلام أساس تلك العلوم ،

ص: 335


1- ومن أمثلة مخالفة الطلّاب لشيوخهم : مخالفة الشافعي لمالك في مسائل كثيرة جدّا ، كالمسح ، ووقت صلاة المغرب ، وعدد كلمات الأذان ، فعنده تسعة عشر كلمة وعند مالك سبعة عشر كلمة ، وخالفه بالجهر بالبسملة ، وعند مالك لا تقرأ من أصلها ، وفي الجمع بين الظهر والعصر ، وفي الكلام حال خطبة الجمعة ، والتكبير في العيدين ، وفي مسائل الصيام ، والزكاة ، والحجّ ، وناقضه في مسائل كثيرة في كتاب البيوع إلى الإجارة ؛ فقال الشافعي باشتراط الإيجاب والقبول قولا بين البائع والمشتري ليدلّ على تراضيهما ؛ وقال مالك : لا يشترط ؛ وكذا في باقي أبواب الفقه. أنظر : طبقات الفقهاء 49/1 - 94. وخالف أبو يوسف والشيباني شيخهما أبا حنيفة بمسائل كثيرة جداً ، كما هو واضح لمن تتبع موارد فتياهم . وهذا أبو الحسن الأشعري ، إمام الأشاعرة ، الذي أنهى شطراً من حياته يأخذ المعتزلة وشيخهم الجبائي ، إلا أنه تبرأ من الاعتزال وردّ على المعتزلة في مصنفاته ؛ وبالرغم من ذلك نرى أنّ الأشعري يخالف عقيدة أهل الحديث في مسائل كثيرة ، وما ذلك إلا بسبب الاعتزال وأثره فيه .

ومنشأ قوّة البحث والاجتهاد فيها ، وإن استفاد العلماء رواية بعض الأحكام أو رواية تفسير بعض الآيات من غيره ؛ وهو غير ما أراده في شقّي الترديد.

ولا يمكن أن ينكر أنّ أمير المؤمنين علیه السلام منشأ التحصيل وسبب قوّة البحث والاستنباط والاجتهاد في علم الكلام ، والأصول ، والنحو ، بل والفقه والتفسير ، فإنّ أعظم من ينظر إليه فيهما هو ابن عبّاس ، وهو تلميذ أمير المؤمنين علیه السلام ، لا في عرضه(1).

وأمّا ابن مسعود ؛ فعلمه بالنسبة إلى علم أمير المؤمنين به كقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط ؛ إذ ليس هو بأعظم من ابن عبّاس ، وهو قد كان كذلك (2).

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح نهج البلاغة » : « ومن العلوم :

علم تفسير القرآن ، وعنه أخذ ومنه تفرّع ، وإذ رجعت إلى كتب التفسير علمت صحّة ذلك ؛ لأنّ أكثره عنه وعن عبد اللّه بن عبّاس.

وقد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنّه تلميذه وخرّيجه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمّك؟

فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط » (3).

بل علمه وعلم جميع الصحابة بالنسبة إلى علم أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 336


1- مراد الشيخ المظفّر قدس سره أنّ ابن عبّاس في العلم ليس في مصافّ ومنزلة الإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام العلميّة ، أي أنّه لا يترتّب معه ترتيبا عرضيا ، بل يترتّب معه ترتيبا طوليا ؛ لأنّ علمه امتداد من علم أمير المؤمنين علیه السلام .
2- أي : ابن عبّاس.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 19.

كذلك ..

فأين هم ممّن عنده علم الكتاب (1) ، وباب مدينة علم الرسول (2) ، ومن يقول : « سلوني قبل أن تفقدوني » (3)؟!

وهل يتصوّر منصف أن يكون أصلا في الكلام والتفسير والفقه من لا يعرف أنّ اللّه سبحانه لا يحويه مكان؟! ويقول : هو في السماء على العرش!! في جواب السائل : أين هو؟ (4) ..

ومن لا يعرف مفردات الكتاب - كالأبّ (5) ، والكلالة (6) - فضلا عن مركنباته المتشابهة؟! ..

ويضرب السائل عن تفسير : ( وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ) (7) ، فرارا عن

ص: 337


1- راجع مبحث آية ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) ، في ج 5 / 115 - 119 من هذا الكتاب.
2- راجع مبحث حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، في الصفحات 171 - 182 من هذا الجزء.
3- سيأتي في الصفحة 354 من هذا الجزء.
4- هو عمر بن الخطّاب. أنظر : الطبقات الكبری - لاب سعد - 249/3 ، تفسير الطبری 451/12 ح 36367 - 36372 ، المستدرك علی الصحيحين 559/2 ح 3897 ، تفسير الثعلبي 134/10، تفسير الماوردي 208/6 ، شعب الإيمان 424/2 ح 2281 ، تاريخ بغداد 468/11 - 469 ، كنز العمال 328/2 ح 4154 و 4155.
5- انظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 249 ، تفسير الطبري 12 / 451 ح 36367 - 36372 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 559 ح 3897 ، تفسير الثعلبي 10 / 134 ، تفسير الماوردي 6 / 208 ، شعب الإيمان 2 / 424 ح 2281 ، تاريخ بغداد 11 / 468 - 469 ، كنز العمّال 2 / 328 ح 4154 و 4155.
6- انظر : صحيح مسلم 5 / 61 ، مسند أحمد 1 / 48 ، سنن ابن ماجة 2 / 910 - 911 ح 2726 و 2727 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 332 - 333 ح 3186 - 3188 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 6 / 224 وج 8 / 150.
7- سورة الذاريات 51 : 1.

جوابه (1)؟! ..

ويقرّ بأنّ المخدّرات أفقه منه (2)؟!.

وأمّا تكذيبه للمصنّف رحمه اللّه في دعوى قراءة الشافعي على محمّد بن الحسن ، فمن الجهل! ..

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح النهج » : « ومن العلوم : علم الفقه ، وهو علیه السلام أصله وأساسه ، وكلّ فقيه في الإسلام عيال عليه ومستفيد من فقهه.

أمّا أصحاب أبي حنيفة ؛ كأبي يوسف (3) ، ومحمّد (4) ، وغيرهما (5) ، فأخذوا عن أبي حنيفة.

ص: 338


1- انظر : مسند البزّار 1 / 423 ح 299 ، تفسير القرطبي 17 / 21 ، تفسير ابن كثير 4 / 233 ، الدرّ المنثور 7 / 614.
2- انظر : سنن سعيد بن منصور 1 / 166 - 167 ح 598 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 7 / 233 ، تمهيد الأوائل : 501 ، الأربعين في أصول الدين - للفخر الرازي - 2 / 303 - 304 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 12 / 208 ، مجمع الزوائد 4 / 284 وقال : « رواه أبو يعلى ».
3- هو : أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي البغدادي ، القاضي ، صاحب أبي حنيفة وتلميذه ، وهو أوّل من نشر مذهبه ، ولد بالكوفة سنة 113 ه ، وتفقّه بالحديث والرواية ، ثمّ لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي ، ولي القضاء ببغداد أيّام المهدي والهادي والرشيد العبّاسيّين ، وهو أوّل من دعي قاضي القضاة ، ومات في أيّام الرشيد العبّاسي وهو على القضاء سنة 182 ه ؛ ومن مصنّفاته : الخراج ، الآثار ، الردّ على مالك بن أنس. أنظر : تاريخ بغداد 242/14 رقم 7558 ، المنتظم 451/5 ، البداية والنهاية 148/10 ، الجواهر المضية 611/3 رقم 1825.
4- هو : محمّد بن الحسن الشيباني ؛ انظر ترجمته المتقدّمة آنفا في الصفحة 317.
5- مثل : زفر بن الهذيل ، المتوفّى سنة 158 ه ؛ والحسن بن زياد اللؤلؤي ، المتوفّى سنة 204 ه ؛ انظر مثلا : الجواهر المضيّة 2 / 56 رقم 448 وص 207 رقم 596.

وأمّا الشافعي ؛ فقرأ على محمّد بن الحسن (1) ، فيرجع فقهه - أيضا - إلى أبي حنيفة.

وأمّا أحمد بن حنبل ؛ فقرأ على الشافعي ، فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة ؛ وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمّد ، وقرأ جعفر على أبيه ، وينتهي الأمر إلى عليّ علیه السلام .

وأمّا مالك بن أنس ؛ فقرأ على ربيعة الرأي ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة على عبد اللّه بن عبّاس ، وقرأ عبد اللّه بن عبّاس على عليّ (2).

وإن شئت رددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك ، كان لك ذلك » (3) (4).

* * *

ص: 339


1- انظر : تاريخ بغداد 2 / 56 رقم 454 ، تاريخ دمشق 51 / 267 رقم 6071 ، تهذيب الكمال 16 / 40 رقم 5636 ، سير أعلام النبلاء 10 / 7 رقم 1 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 362 رقم 354 ، البداية والنهاية 10 / 211 حوادث سنة 204 ه.
2- بل أخذ مالك عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام مباشرة ، حاله كحال أبي حنيفة. أنظر : التاريخ الكبير 2/ 198 رقم 2183 ، الجرح والتعديل 487/2 رقم 1987 ، الثقات - لابن حبان - 131/6 ، حلية الأولياء 199/3 رقم 236 ، تهذيب الكمال 419/3 رقم 933 ، میزان الاعتدال 144/2 رقم 1521 ، تهذيب التهذيب 2 / 68 رقم 994.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 18.
4- وانظر : نفحات الأزهار 1 / 103 - 105 رقم 8 ، في بيان انتشار العلوم في البلاد الإسلامية بواسطة الإمام عليّ علیه السلام .

قال المصنّف - طاب مرقده - :

قال المصنّف - طاب مرقده - (1) :

وعلم الفصاحة إليه منسوب ، حتّى قيل في كلامه : « إنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق » (2) ، ومن كلامه تعلّم الفصحاء.

قال ابن نباتة (3) : « حفظت من كلامه ألف خطبة ، ففاضت ثمّ فاضت » (4).

وأمّا المتكلّمون ، فأربعة ؛ معتزلة ، وأشاعرة ، وشيعة ، وخوارج .. وانتساب الشيعة معلوم ..

والخوارج كذلك ؛ فإنّ فضلاءهم رجعوا إليه (5).

وأمّا المعتزلة ؛ فإنّهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء (6) ، وهو تلميذ أبي

ص: 340


1- نهج الحقّ : 238.
2- شرح نهج البلاغة 1 / 24.
3- (3) هو : أبو يحيى عبد الرحيم بن محمّد بن إسماعيل بن نباتة الحذاقي الفارقي ، صاحب الخطب المنبرية ، قالوا : كان ديّنا ورعا ، فصيحا بليغا مقدّما في علوم الأدب ، وأجمعوا على أنّ خطبه لم يعمل مثلها في موضوعها ، وكان يحفظ « نهج البلاغة » وعامّة خطبه بألفاظها ومعانيها ، ولي خطابة حلب لسيف الدولة الحمداني ، وسمع على المتنبّي بعض ديوانه ، ولد في ميّافارقين سنة 335 ه وتوفّي بها سنة 374 ه أنظر : وفيات الأعيان 156/3 رقم 373 ، النجوم الزاهرة 150/4 ، البداية والنهاية 258/11 ، شذرات الذهب 83/3.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 24.
5- مطالب السؤول : 111 - 112.
6- هو : أبو حذيفة واصل بن عطاء المخزومي ، مولاهم البصري ، ولد بالمدينة سنة 80 ه ، كان بليغا مقتدرا باللغة ، وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينا ، اعتزل الحسن البصري - بعد أن كان يجلس إليه - بسبب الاختلاف في مسألة تكفير مرتكب الكبيرة ، وحضر على أبي هاشم عبد اللّه بن محمّد بن الحنفية ، كان هو وعمرو بن عبيد رأسي المعتزلة ، له مصنّفات ، منها : أصناف المرجئة ، المنزلة بين المنزلتين ، معاني القرآن ؛ توفّى سنة 131 ه. أنظر : معجم الأدباء 567/5 رقم 995 ، وفيات الأعيان 7/6 رقم 768 ، سير أعلام النبلاء 464/5 رقم 210 ، طبقات المعتزلة : 28 - 35 الطبقة الرابعة.

هاشم عبد اللّه (1) ، وهو تلميذ أبيه محمّد بن الحنفية ، وهو تلميذ أبيه عليّ علیه السلام .

وأمّا الأشاعرة ؛ فإنّهم تلاميذ أبي الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعري (2) ، وهو تلميذ أبي عليّ الجبّائي (3) ، وهو من مشايخ

ص: 341


1- هو : أبو هاشم عبد اللّه بن محمّد بن الحنفيّة ، كان ثقة ، قليل الحديث ، قيل : إنّ الوليد بن عبد الملك سمّه ومات سنة 98 ه ، وقيل : مات سنة 99 ه في زمان سليمان بن عبد الملك. أنظر : الملل و النحل 18/1 ، الجرح و التعديل 155/5 رقم 711 ، سير أعلام النبلاء 129/4 رقم 37 ، تهذيب الكمال 512/10 رقم 3527.
2- هو : أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق الأشعري اليماني البصري ، المتكلّم المعروف ، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية ، يرجع نسبه إلى أبي موسى الأشعري ، ولد بالبصرة سنة 270 ه ، وتوفّي ببغداد سنة 324 ه ، وقد كان من المعتزلة أوّل أمره ثمّ تركهم ، ونادى في المسجد الجامع في البصرة بتوبته عن القول بخلق القرآن ، وأنّ اللّه لا تراه الأبصار ، وأنّ العبد مسؤول عن أفعاله!! له مصنّفات عديدة ، منها : اللمع ، التبيين في أصول الدين ، الرؤية بالأبصار. أنظر : الملل والنحل 81/1 ، وفيات الأعيان 284/3 رقم 429 ، سير أعلام الننبلاء 85/15 رقم 51 ، شذرات الذهب 303/2.
3- هو : أبو عليّ محمّد بن عبد الوهّاب البصري الجبّائي ، شيخ المعتزلة وإمامهم ، ولد سنة 235 ه ، وتوفّي بالبصرة سنة 303 أو 304 ه ، وخلفه ابنه أبو هاشم الجبّائي بعد أن مات ، أخذ أبو الحسن الأشعري عنه فنّ علم الكلام ثمّ خالفه فيمابعد ؛ له عدّة مصنّفات ، منها : الأسماء والصفات ، النقض على ابن الراوندي ، الردّ على ابن كلّاب. أنظر : سير أعلام النبلاء 183/14 رقم 102 ، البداية والنهاية 106/11 ، ظذرات الذهب 241/2.

المعتزلة (1).

* * *

ص: 342


1- شرح نهج البلاغة 1 / 17.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

لا شكّ في توغّل أمير المؤمنين في العلم ، والفصاحة ، والأسرار المكنونة ، التي لم يطّلع عليها أحد غيره.

وأمّا ما ذكره من رجوع طوائف أهل الكلام إليه ؛ فإن أراد به أنّ أصول كلامهم مأخوذ منه ، فهذا يوجب أن يكون أصول عقائد الخوارج ، والمعتزلة ، والأشاعرة ، مأخوذا من أمير المؤمنين ، وما كان مأخوذا منه يكون حقّا ؛ وهذا لا يوافق مذهبه.

وإن أراد به أنّهم ينتسبون إليه بلا أخذ العلم والعقيدة ؛ فإثبات هذا لا يفيده في ما يدّعيه.

* * *

ص: 343


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 447 الطبعة الحجرية.

وأقول :

ظهر لك - ممّا سبق (1) - أنّ معنى رجوع هذه الطوائف ، هو أنّه المؤسّس لهم علم الكلام وطريقة الاستدلال على مسائله ، فلا ينافي مخالفتهم له في كثير من العقائد الحقّة.

ويكفيك من تعاليمه ما تضمّنه « نهج البلاغة » ، الذي هو سنا النور الإلهي ، ومصباح العلم الأحمدي.

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح النهج » : « ما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كلّ فرقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل ، وينبوعها ، وأبو عذرها (2) ، وسابق مضمارها ، ومجلّي (3) حلبتها ؛ كلّ من برع فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى؟!

وقد عرفت أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي ؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلوم.

ومن كلامه اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ!

فإنّ المعتزلة الّذين هم أهل التوحيد والعدل ، وأرباب النظر ، ومنهم

ص: 344


1- تقدّم آنفا في الصفحة 335 وما بعدها ؛ فراجع!
2- أبو عذرها وأبو عذرتها : أي هو أوّل كلّ فضيلة والسابق إليها ، وهو مجاز ؛ انظر : تاج العروس 7 / 204 مادّة « عذر ».
3- المجلّي : هو السابق الأوّل من الخيل ؛ وهو الفائز بكلّ فضيلة والسابق إليها ، على المجاز هنا ؛ انظر : لسان العرب 7 / 398 مادّة « صلا ».

تعلّم الناس هذا الفنّ (1) ، تلامذته وأصحابه ؛ لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء ، تلميذ أبي هاشم عبد اللّه بن محمّد بن الحنفية ، وأبو هاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذه علیه السلام .

وأمّا الأشاعرة ؛ فإنّهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي بشر الأشعري ، وهو تلميذ أبي عليّ الجبّائي ، وأبو عليّ أحد مشايخ المعتزلة.

فالأشعرية ينتهون بالآخرة الى أستاذ المعتزلة ومعلّمهم : عليّ بن أبي طالب.

وأمّا الإمامية والزيدية ؛ فانتماؤهم إليه ظاهر » (2).

* * *

ص: 345


1- تقدّم أنّ الإمامية ليسوا تبعا للمعتزلة ، لا في الأصول ولا في الفروع ، فظهور المعتزلة متأخّر بعشرات السنين عن الإمامية الّذين أخذوا معالم دينهم من أهل بيت العصمة والرسالة علیهم السلام . فانظر مقال «الكلام عند الإمامية » ، للشيخ محمد رضا الجعفري - حفظه اللّه -، المنشور في مجلة «تراثنا » ، العدد المزدوج 30 - 31 ، السنة الثامنة ، المحرم 1413 ه- ، ص 144 - 299 . وراجع : ج 2 / 143 ه- 3 من هذا الكتاب.
2- شرح نهج البلاغة 1 / 17.

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - :

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - (1) :

وأمّا علم الطريقة ؛ فإنّ جميع الصوفيّة وأرباب الإشارات والحقيقة ، يسندون الخرقة إليه (2).

وأصحاب الفتوّة يرجعون إليه ، وهو الذي نزل جبرئيل ينادي عليه يوم بدر :

لا سيف إلّا ذو الفقا *** ر ، ولا فتى إلّا عليّ (3)

وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « أنا الفتى ، ابن الفتى ، أخو الفتى » (4).

أمّا أنّه الفتى ؛ فلأنّه سيّد العرب ..

وأمّا أنّه ابن الفتى ؛ فلأنّه ابن إبراهيم ، الذي قال اللّه تعالى فيه : ( قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ) (5) ..

وأمّا أنّه أخو الفتى ؛ فلأنّه أخو عليّ ، الذي قال جبرئيل فيه : لا فتى إلّا عليّ.

* * *

ص: 346


1- نهج الحقّ : 238.
2- انظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 1 / 19 ، مطالب السؤول : 119.
3- مرّ تخريجه مفصّلا في الصفحات 201 - 202 و 224 - 226 من هذا الجزء ؛ فراجع!
4- معاني الأخبار : 119 ح 1.
5- سورة الأنبياء 21 : 60.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكره أنّ الصوفية يرجعون إليه ، ينافي ما ادّعى في صدر الكتاب ، أنّ الصوفية هم تاركو الصلاة ، والمعتقدون للحلول والاتّحاد (2).

وكيف يجوز نسبتهم إلى أمير المؤمنين وهذا علمهم وعقيدتهم؟!

ثمّ إنّ انتساب الخرقة لا يوجب أخذ العلم ، وأخذ العلم هو المدّعى.

وفي الجملة : هذا الرجل لا يعرف ما يقول ، وهو كالناقة العشواء يرتعي كلّ حشيش.

* * *

ص: 347


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 448 الطبعة الحجرية.
2- راجع : ج 2 / 203 - 204 من هذا الكتاب.

وأقول :

قد عرفت أنّ معنى الرجوع إليه ، هو أنّه الأصل لهم ، والأساس لأمرهم (1) ، وهو لا يستدعي الموافقة في كلّ شيء ..

فإنّ الملّيّين جميعا ينتسبون إلى أنبيائهم ، مع أنّ الضلال قد غلب عليهم ، فغيّروا وبدّلوا.

ومنهم المسلمون بطوائفهم ؛ فإنّهم ينتسبون إلى دين النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ويرجعون في علومهم إليه ، وأكثر فرقهم ضلّال.

ومنهم الصوفيّة ، فإنّهم من المسلمين ، وينتسبون إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالإسلام ، كما ينتسبون إلى أمير المؤمنين علیه السلام بعلم الطريقة ، وهما بريئان من عقائدهم وأعمالهم.

ويشهد لانتسابهم إلى أمير المؤمنين علیه السلام إسنادهم الخرقة إليه - التي هي شعارهم - سواء أرادوا بها - كما قيل - : سرّ الولاية ، فاستعاروا له الخرقة كلباس التقوى ؛ أم أرادوا بها : الخرقة الظاهريّة ، التي يزعم جهّالهم أنّها الخرقة التي أخذوها عن أسلافهم ، عن أهل البيت ، عن أمير المؤمنين علیه السلام (2).

ص: 348


1- (1) تقدّم آنفا في الصفحة 335 وما بعدها ؛ فراجع!
2- انظر : البرهان الجلي - للغماري - : 1 وما بعدها ، فقد ذكر أنّ فرقة التصوّف وأسانيد الصوفية أكثرها يتّصل بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، من رواية الحسن البصري عنه ، ثمّ شرع بتحقيق ذلك. وراجع : عوارف المعارف - للسهروردي -: 92 الباب الثاني عشر / في شرح حرقة المشايخ الصوفية.

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة الشرح : « ومن العلوم : علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف.

وقد عرفت أنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون ، وعنده يقفون.

وقد صرّح بذلك : الشّبلي (1) ، والجنيد (2) ، وسريّ (3) ، وأبو يزيد البسطامي (4) ، وأبو محفوظ معروف الكرخي (5) ، وغيرهم.

ص: 349


1- هو : أبو بكر الشّبلي ، دلف بن جحدر ، وقيل : جعفر بن يونس ، وقيل : جعفر ابن دلف ، كان مولده في سامراء ، وهو من أهل الشّبليّة ، وهي قرية من قرى أسروشنة وراء سمرقند من بلاد ما وراء النهر ، كان في بادئ أمره واليا في دنباوند من رساتيق الريّ ، ثمّ صحب أبا القاسم الجنيد ، وكان فقيها عارفا بمذهب مالك ، وكان من كبار الصوفيّة ، توفّي ببغداد سنة 334 ، وقيل : سنة 335 عن نيّف وثمانين عاما. أنظر : حلية الأولياء 366/10 رقم 654 ، معجم البلدان 365/3 رقم 6992 ، وفيات الأعيان 273/2 رقم 229 ، سیر أعلام النبلاء 15 / 367 رقم 190.
2- (2) تقدّمت ترجمته في ج 2 / 197 ه 1 من هذا الكتاب ؛ فراجع!
3- هو : أبو الحسن السّريّ بن المغلّس السّقطي البغدادي ، ولد حدود سنة 160 ه ، وصحب معروفا الكرخي ، وكان أجلّ أصحابه ، وهو خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه ، توفّي سنة 253 ه ، وقيل : 251 ه ، وقيل غير ذلك. أنظر : الأربعين في شيوخ الصوفية : 82 رقم 2 ، حلية الأولياء 116/10 رقم 469 ، سير أعلام النبلاء 12 / 185 رقم 65 ، لسان الميزان 13/3 رقم 46 ، شذرات الذهب 2 / 127.
4- (4) تقدّمت ترجمته في ج 2 / 196 ه 3 من هذا الكتاب ؛ فراجع!
5- هو : أبو محفوظ معروف بن فيروز - أو : الفيرزان - الكرخي البغدادي ، اشتهر بالزهد والعزوف عن الدنيا ، حتّى إنّه لم يتزوّج ، كان أستاذ السّريّ السّقطي ، وصحب داود الطائي. توفّي - على المشهور - سنة 200 ه- ، وقيل : 201 ه- ، وقيل : سنة 204 ه- ، وقبره ببغداد ظاهر معروف. قيل : كان أبواه نصرانيين ثمّ أسلما ، وقيل : كان من الصابئة ، فأسلم على يد الإمام علي بن موسى الرضاء عليه السلام ، وصار من مواليه وحجابه ، وقيل : روى عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام. نقول : وروايته عن الإمام الصادق عليه السلام تنافي ما ذكر من أن إسلامه كان على يد الإمام الرضا عليه السلام صغيراً ؛ لأن شهادة الإمام الصادق عليه السلام كانت في 25 شوال سنة 148 ه- ، وكانت ولادة الإمام الرضاء عليه السلام في 11 ذي القعدة من نفس السنة أو من سنة 153 ه- ؛ فلاحظ ! كما أن خدمته للإمام الرضا عليه السلام وموالاته له محل تأمل ، ولا سيما إذا علمنا أن الإمام الرضاء عليه السلام لم يسكن بغداد ، بل لم يمر بها في سفره من المدينة إلى طوس ، في حين أنهم قد ذكروا في سبب موت الكرخي أنه كان في حجابة الإمام الرضا عليه السلام عندما كسرت أضلعه فمات من ذلك ، وقد كان دفنه في بغداد ، فما الذي أتى به من طوس إلى بغداد ؟ ! كما أنه لم يعهد للإمام الرضا عليه السلام خادم اسمه «معروف» ! ! إضافة إلى ذلك فإنّ مترجمي «معروف» لم يذكروا أنه رحل إلى طوس أي--ام حياته ، بالرغم من أنهم ذكروا له كرامات عجيبة ! ! أنظر : الأربعين في شيوخ الصوفية : 75 رقم 1 ، طبقات الصوفية : 83 رقم 10 طبقات الحنابلة 340/1 رقم 498 ، حلية الأولياء 360/8 رقم 436 ، تاريخ بغداد 13 / 199 رقم 7177 ، الرسالة القشيرية : 427 رقم 62 ، صفة الصفوة 525/1 رقم 260 ، المنتظم 100/6 حوادث سنة 200 ه- ، وفيات الأعيان 231/5 رقم 729 ، سير أعلام النبلاء 339/9 رقم 111 ، مرآة الجنان 353/1 حوادث سنة 200 ه- ، لواقع الأنوار 72/1 رقم 142 ، مجمع البحرين 99/5 مادة «عرف » .

ويكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم ، وكونهم يسندونها بإسناد متّصل إليه علیه السلام » (1).

فقد ظهر أنّ مراد المصنّف رحمه اللّه بذكر الخرقة هو الاستشهاد بها على رجوعهم إليه ، لا أنّ إسنادها إليه موجب بذاته لأخذ العلم منه ، كما تخيّله الفضل.

ص: 350


1- شرح نهج البلاغة 1 / 19.

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - :

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - (1) :

وأيضا : جميع الصحابة رجعوا إليه في الأحكام واستفادوا منه ، ولم يرجع هو إلى أحد منهم في شيء ألبتّة.

وقال عمر بن الخطّاب في عدّة مواضع : « لو لا عليّ لهلك عمر » (2) ، حيث ردّه عن خطإ كثير.

* * *

ص: 351


1- نهج الحقّ : 239.
2- انظر : تأويل مختلف الحديث : 150 ، الاستيعاب 3 / 1103 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 1 / 18 و 141 ، ذخائر العقبى : 149 ، المواقف : 411 ، شرح تجريد الاعتقاد - للقوشجي : 483.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

رجوع الصحابة إليه في الفتوى غير بعيد (2) ؛ لأنّه كان مفتي الصحابة ، والرجوع إلى المفتي من شأنّ المستفتين ، وإنّ رجوع عمر إليه كرجوع الأئمّة وولاة العدل إلى علماء الأمّة.

وما ذكره من قوله : « لو لا عليّ لهلك عمر » ، فهو من فضائل عمر في عدله وصدقه وإنصافه وتواضعه.

* * *

ص: 352


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 450 الطبعة الحجرية.
2- لا مجال للاحتمال هنا ، فإنّ رجوعهم إليه علیه السلام من المسلّمات ؛ قال النووي : « وسؤال كبار الصحابة له ، ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله - في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات - مشهور ». أنظر : تهذيب الأسماء واللغات 346/1.

وأقول :

لا شكّ في رجوعهم إليه واستفتائهم منه ، لا سيّما في غوامض المسائل التي لا يهتدون إليها سبيلا ، ولا يعرفون لها عند أحد مخرجا ، وما هو إلّا لظهور فضله عليهم ، والأفضل أحقّ بالإمامة.

وأمّا قوله : « إنّ رجوع عمر إليه كرجوع الأئمّة وولاة العدل إلى علماء الأمّة » ..

فهو تجهيل لعمر ؛ إذ اعتبره كسائر الولاة الّذين يحتاجون إلى علم العلماء ، وقد سبق موضّحا أنّ الإمام أجلّ قدرا ، وأعلى شأنا ، من أن يحتاج إلى علم الرعيّة (1).

وأمّا ما زعمه من صدق عمر وتواضعه ، فمتنافيان ظاهرا ؛ لأنّ الحقّ إن كان مع أمير المؤمنين علیه السلام ، وكان عمر صادقا في قوله ، لزم أن لا يكون ذلك تواضعا ، بل إقرارا بالحقّ.

وإن كان الحقّ مع عمر ، فلا وجه لإقراره بعدم علمه وعمله بغير الحقّ تواضعا ، بل لزم أن يكون كاذبا في قوله.

* * *

ص: 353


1- (1) تقدّم في ج 4 / 237 - 240 من هذا الكتاب ؛ فراجع!

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - :

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - (1) :

وفي مسند أحمد بن حنبل : « لم يكن أحد من أصحاب النبيّ صلی اللّه علیه و آله يقول : سلوني ؛ إلّا عليّ بن أبي طالب » (2)

وفي صحيح مسلم ، أنّ عليّا قال على المنبر : « سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب اللّه عزّ وجلّ ، فما من آية إلّا وأعلم حيث نزلت ، بحضيض جبل ، أو سهل أرض.

سلوني عن الفتن ، فما من فتنة إلّا وقد علمت كبشها ، ومن يقتل فيها » (3).

وكان يقول : « سلوني عن طرق السماء فإنّي أعرف بها من طرق الأرض » (4).

وقال عليّ : « علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم ، في كلّ باب ألف باب » (5).

وقضاياه العجيبة أكثر من أن تحصى ؛ كقسمة الدراهم على صاحبي

ص: 354


1- نهج الحقّ : 240.
2- ينابيع المودّة 1 / 224 ح 50 نقلا عن « مسند أحمد » ، وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 802 ح 1098. وراجع تخريجه مفصلاً في الصفحة 171 ه 2 من هذا الجزء.
3- عمدة عيون صحاح الأخبار : 326 ح 435 نقلا عن صحيح مسلم.
4- نهج البلاغة : 280 الخطبة رقم 189.
5- راجع الصفحة 322 ه 1 من هذا الجزء.

الأرغفة (1) ..

وبسط الدّية على القامصة (2) ، والناسخة (3) (4) ..

وإلحاق الولد بالقرعة ، وصوّبه النبيّ صلی اللّه علیه و آله (5) ..

والأمر بشقّ الولد نصفين ، حتّى رجعت المتداعيتان إلى الحقّ (6) ..

ص: 355


1- الاستيعاب 3 / 1105 ، ذخائر العقبى : 152 ، الرياض النضرة 3 / 168 ، الصواعق المحرقة : 199 ، تاريخ الخلفاء : 211 - 212 ، وانظر : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 218 - 219.
2- القامصة : الواثبة النافرة الضاربة برجلها ؛ انظر : لسان العرب 11 / 303 مادّة « قمص ».
3- كذا العبارة في الأصل ، وكانت في المصدر هكذا : « وبسط الدية على القارصة ، والقامصة ، والواقصة ». والقَرْصُ - بالأصابع - : قَبْضٌ على الجلد بأصبعين حتى يُؤلم ، والقارصة : اسم فاعلة من القرص بالأصابع ؛ أنظر : لسان العرب 109/11 مادّة «قرص » . والوَقْصُ : كَسْرُ العنق ودَقَّها ، والواقصة : بمعنى المَوْقُوصة - ك- : عيشة راضية - ، وهي التي اندقت عنقها فكسرت ؛ أنظر مادّة «وقص» في : لسان العرب 15 / 367 ، تاج العروس 332/9 و 380 . ونَخَسَ الدابة وغيرها فهو ناخِس ؛ يَنْخُسُها - ويَنْخَسُها ، ويَنْخِسُها - نَخْساً : غَرَزَ جنبها أو مؤخّرتها بعودٍ أو نحوه ، وهو النَّخْسُ ؛ أنظر : لسان العرب 83/14 مادة «نخس» .
4- انظر : السنن الكبرى - للبيهقي - 8 / 112 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 196.
5- انظر : سنن ابن ماجة 2 / 786 ح 2348 ، سنن النسائي 6 / 182 ، سنن أبي داود 2 / 289 ح 2269 و 2270 ، مسند أبي داود الطيالسي 1 / 26 ح 187 ، مسند أحمد 4 / 374 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 146 ح 4659 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 10 / 266 - 267 ، الرياض النضرة 3 / 169 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 195.
6- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 205 ، مناقب آل أبي طالب - لابن شهر آشوب - 2 / 409.

والأمر بضرب عنق العبد حتّى رجع إلى الحقّ (1) ..

وحكمه في ذي الرأسين بإيقاظ أحدهما (2) ..

واستخراج حكم الخنثى (3) ..

وأحكام البغاة ؛ قال الشافعي : عرفنا أحكام البغاة من عليّ (4).

وغير ذلك من الأحكام الغريبة ، التي يستحيل أن يهتدي إليها من سئل عن الكلالة (5) والأبّ (6) فلم يعرفهما (7) ، وحكم في الجدّ بمئة قضيّة (8).

* * *

ص: 356


1- انظر : مناقب آل أبي طالب - لابن شهر آشوب - 2 / 423.
2- كنز العمّال 5 / 833 ح 14509 ، وانظر : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 212 ، مناقب آل أبي طالب - لابن شهر آشوب - 2 / 418.
3- الغارات : 114 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 101 - 102 ح 105 ، تذكرة الخواصّ : 148.
4- انظر : كتاب الأمّ 4 / 317 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 9 / 331.
5- مرّ تخريجه مفصّلا في الصفحة 337 ه 6 من هذا الجزء ؛ فراجع!
6- مرّ تخريجه مفصّلا في الصفحة 337 ه 5 من هذا الجزء ؛ فراجع!
7- أي : عمر بن الخطّاب.
8- انظر : سنن الدارمي 2 / 241 - 242 ح 2908 - 2911 ، مصنّف عبد الرزّاق 10 / 261 - 264 ح 19041 - 19052 وص 265 - 267 ح 19058 - 19062 ، المعجم الأوسط 4 / 482 - 483 ح 4245 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 377 - 378 ح 7983.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكره من الأقضية والأحكام التي قضى فيها أمير المؤمنين ، فهو حقّ لا يرتاب فيه ، وهذا شأنه وهو مشتهر به.

وأمّا قوله : « سلوني » ، فهذا من وفور علمه ، كالبحر الزاخر الذي يتموّج بما فيه ويريد إلقاء الدرّ على الساحل ، وليس هذا من باب النزاع حتّى يقيم فيه الدلائل.

وأمّا قوله : « من سئل عن الكلالة والأبّ فلم يعرفهما » ، فهو من المطاعن ، وستعرف جوابه في محلّه إن شاء اللّه.

* * *

ص: 357


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 451 الطبعة الحجرية.

وأقول :

مقصود المصنّف رحمه اللّه بيان فضل أمير المؤمنين علیه السلام ، وأنّه لا نسبة بينه وبين من تقدّم عليه ، فكيف يكون رعيّة لهم وهم أئمّته ، واللّه سبحانه يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (1) ..

ويقول : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلأَأَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2)؟!

وليس مراده مجرّد بيان علم أمير المؤمنين علیه السلام ؛ لئلّا يكون محلّ النزاع ، ولا مجرّد الطعن في غيره ليحيل جوابه على ما يأتي.

* * *

ص: 358


1- سورة الزمر 39 : 9.
2- سورة يونس 10 : 35.

إخباره بالمغيّبات

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - :

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - (1) :

المطلب الثالث : الإخبار بالغيب

وقد حصل منه في عدّة مواطن ..

فمنها : إنّه قال في خطبة : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فو اللّه لا تسألونني عن فئة تضلّ مئة وتهدي مئة ، إلّا نبّأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل فقال له : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟

فقال علیه السلام : واللّه لقد حدّثني خليلي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بما سألت ، وإنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك ، وإنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزّك ، وإنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ولو لا أنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به ، ولكن آية ذلك ما نبأت به من لعنك وسخلك الملعون ».

وكان ابنه في ذلك الوقت صغيرا ، وهو الذي تولّى قتل الحسين علیه السلام (2).

ص: 359


1- نهج الحقّ : 241.
2- شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 2 / 286 ؛ وانظر : الغارات : 6.

وأخبر بقتل ذي الثديّة من الخوارج (1).

وعدم عبور الخوارج النهر ، بعد أن قيل له : قد عبروا (2).

وعن قتله نفسه (3).

وبقطع يدي جويرية بن مسهر ، وصلبه ؛ فوقع في أيّام معاوية (4).

وبصلب ميثم التمّار ، وطعنه بحربة عاشر عشرة ، وأراه النخلة

ص: 360


1- مسند أحمد 1 / 88 ، مروج الذهب 2 / 406 ، الكامل في التاريخ 3 / 222 - 223. وذو الثدية هو : حُرْقُوص بن زُهير السعدي ، المعروف بذي الخويصرة ، وذي الثدية ، والمخدّج ، وهو الذي قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عند توزيع غنائم حنين : «لم تعدل منذ اليوم» ، فلما أراد المسلمون أن يقتلوه قال لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « دع---وه ! فإنه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فكان كما أخبر به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فصار من الخوارج ، حتى قتل في معركة النهروان سنة 37 ه- . أنظر : مسند أحمد 4/3 - 5 ، سنن أبي داود 243/4 - 246 ح 4770 ، مصنف ابن أبي شيبة 729/8 ب 3 ح 2 و 3 و ص 741 ح 52 ، السنّة - لابن أبي عاصم - : 426 - 428 ح 910 - 912 ، الإصابة 49 رقم 1663 ز .
2- مروج الذهب 2 / 405 ، الكامل في التاريخ 3 / 221 ، شرح نهج البلاغة 2 / 272.
3- الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 24 ، مسند أحمد 1 / 130 ، وموضاع أخر ، المعجم الكبير 1 / 106 ح 173 ، مسند أبي يعلى 1 / 377 ح 485 وص 430 ح 569 وص 443 ح 590 ، مسند البزّاز 3 / 137 ح 927 ، كنز العمّال 13 / 187 - 188 ح 36556 - 36561.
4- انظر : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 322 - 323 ، شرح نهج البلاغة 2 / 290 - 291. وجويرية هو : جويرية بن مُسْهِر العبدي الكوفي ، من ربيعة ، وقد كان من ثقات أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وشهد معه مشاهده ، قطع زياد بن أبيه يديه ورجليه ، ثم صلبه إلى جذع ابن مكعبر . أنظر : رجال البرقي : 5 ، رجال الطوسي : 37 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 322/1 .

التي يصلب على جذعها ؛ ففعل به ذلك عبيد اللّه بن زياد عليهما اللعنة (1).

وبقطع يدي رشيد الهجري ورجليه ، وصلبه ؛ ففعل ذلك به (2).

وقتل قنبر ؛ فقتله الحجّاج (3).

وبأفعال الحجّاج التي صدرت عنه (4).

وجاء رجل إليه فقال : إنّ خالد بن عرفطة (5) قد مات.

ص: 361


1- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 323 ، شرح نهج البلاغة 2 / 291 - 292. وميثم هو : ميثم بن يحيى التمار ، من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، و من شرطة الخميس ، قتله عبيد اللّه بن زياد بسبب ولائه لأمير المؤمنين علي عليه السلام وحبّ أهل البيت عليهم السلام ، وذلك قبل قدوم الإمام الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيام ، وقد صلبه على جذع نحلة بعد أن قطع يديه ورجليه ولسانه ، ثمّ ألجمه ، فكان أوّل من ألجم في الإسلام . أنظر : رجال البرقي : 4 ، رجال الطوسي : 58 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 323/1 .
2- شرح نهج البلاغة 2 / 294. ورشيد الهجري من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن شرطة الخميس ، قتله ابن زياد على حبّ علي عليه السلام . أنظر : رجال البرقي : 4 ، رجال الطوسي : 41 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 325 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 351 ، المناقب المرتضوية - للكشفي الترمذي - : 251. وقنبر هو : أبو فاختة قنبر ، من مضر ، مولى أمير المؤمنين عليه السلام ، خاصة أصحابه والمقربين منه ، قتله الحجّاج لحبه وموالاته للإمام علي عليه السلام. أنظر : رجال البرقي : 4 ، رجال الطوسي : 55 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1/ 328 .
4- شرح نهج البلاغة 2 / 289 ، منتخب كنز العمّال - المطبوع بهامش « مسند أحمد » - 5 / 454.
5- (5) تقدّمت ترجمته في ج 1 / 112 رقم 83 من هذا الكتاب ؛ فراجع!

فقال علیه السلام : إنّه لم يمت ، ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن حماز (1).

فقام رجل من تحت المنبر فقال : يا أمير المؤمنين! إنّي لك شيعة ومحبّ.

فقال : من أنت؟

فقال : أنا حبيب بن حماز.

قال : إيّاك أن تحملها! ولتحملنّها وتدخل بها من هذا الباب ؛ وأومأ بيده إلى باب الفيل.

فلما كان زمان الحسين علیه السلام ، جعل ابن زياد خالد بن عرفطة على مقدّمة عمر بن سعد ، وحبيب بن حماز صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل من باب الفيل (2).

ص: 362


1- هو : أبو كثير حبيب بن حماز الأسدي الكوفي ، روى عن الإمام عليّ علیه السلام وأبي ذرّ ، وروى عنه سماك بن حرب وعبد اللّه بن الحارث. أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 251/6 رقم 2261 ، التاريخ الكبير 315/2 رقم 2598 ، الجرح والتعديل 98/3 رقم 461 ، الثقات - لابن حبان - 4 / 139 ، المؤتلف والمختلف - للأزدي : 70 ، أسد الغابة 442/1 رقم 1041 ، الإكمال : 81 رقم 135 ، تبصير المنتبه 1 / 260 ، الإصابة 17/2 رقم 1577 . نقول : كان اسم أبيه في الأصل - هنا وفي المواضع التالية - : «حمار» بالراء المهملة ، ويبدو أنه تصحيف ، فقد ورد الاسم في أغلب المصادر مصحفاً بصور عديدة مختلفة ، وما أثبتناه وفقاً لما هو مشهور في كتب التراجم والرجال ؛ فلاحظ !
2- انظر : مقاتل الطالبيّين : 78 ، شرح نهج البلاغة 2 / 286 - 287 ، الإصابة 2 / 245 رقم 2184 ترجمة خالد بن عرفطة ، بصائر الدرجات : 318 ح 11 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 329.

وقال للبراء بن عازب (1) : يقتل ابني الحسين وأنت حيّ لا تنصره ؛ فقتل الحسين وهو حيّ لم ينصره (2).

ولمّا اجتاز بكربلاء في وقعة « صفّين » بكى وقال : هذا واللّه مناخ ركابهم ، وموضع قتلهم ؛ وأشار إلى ولده الحسين وأصحابه (3).

وأخبر بعمارة بغداد (4) ..

وملك بني العبّاس وأحوالهم (5) ..

ص: 363


1- هو : البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الخزرجي - وقيل : الأوسي - ، غزا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أربع عشرة غزوة ، وكان النبيّ صلی اللّه علیه و آله قد ردّه يوم بدر لصغره ، وهو من أصفياء الإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام ، وأحد رواة حديث الغدير ، وهو قوله صلی اللّه علیه و آله : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، وشهد مع أمير المؤمنين عليّ علیه السلام الجمل وصفّين والنهروان ، وكان الإمام عليّ علیه السلام قد بعثه إلى أهل النهروان يدعوهم ثلاثة أيّام ، فلمّا أبوا سار إليهم ؛ ونزل الكوفة وابتنى بها دارا ، ومات أيّام مصعب ابن الزبير. وروي أنه كان أحد الثلاثة - أو الأربعة - الذين امتنعوا عن الشهادة بحديث الغدير حين ناشدهم أمير المؤمنين علي عليه السلام ذلك في الرحبة ؛ وفي ذلك نظر ! وقد كف بصره في آخر عمره، ولعل هذا هو سبب عدم توفيقه لنصرة الإمام أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام. أنظر : جمهرة النسب 395/2 ، المعارف - لابن قتيبة - : 324 ، أنساب الأشراف 386/2 ، تاريخ بغداد 177/1 رقم 16 ، الاستيعاب 155/1 رقم 173 ، أسد الغابة 205/1 رقم 389 ، الإصابة 278/1 رقم 618 ، مناقب آل أبي طالب 315/2، معجم رجال الحديث 184/4 رقم 1661 .
2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 330 ، شرح نهج البلاغة 10 / 15.
3- وقعة صفّين : 141 - 142 ، دلائل النبوّة - لأبي نعيم - 2 / 582 ح 530.
4- مناقب آل أبي طالب 2 / 298 و 308.
5- الكامل في اللغة والأدب 1 / 367 وفيه عن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس ، ولا بدّ أنّه أخذه عن أمير المؤمنين عليّ علیه السلام ، منتخب كنز العمّال 5 / 425.

وأخذ المغول الملك منهم (1).

وبواسطة هذا الخبر سلمت الحلّة والكوفة والمشهدان من القتل في وقعة هلاكو ؛ لأنّه لمّا ورد بغداد كاتبه والدي (2) والسيّد ابن طاووس (3) والفقيه ابن أبي المعزّ (4) ، وسألوا الأمان قبل فتح بغداد ،

ص: 364


1- نهج البلاغة : 186 الخطبة 128 ، شرح نهج البلاغة 8 / 218 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 309.
2- هو : الشيخ سديد الدين أبو المظفّر يوسف بن عليّ بن محمّد بن المطهّر الحلّي ، المتوفّى نحو سنة 665 ه ، والد العلّامة الحلّي ، عالم فاضل ، فقيه متبحّر ، نقل ولده العلّامة أقواله وفتاويه وأدرجها في مصنّفاته ، وذكر حفيده فخر المحقّقين مصنّفات جدّه في إحدى إجازاته. أنظر : الأنوار الساطعة في المئة السابعة - طبقات أعلام الشيعة - 3 ق 209/1 ، معجم رجال الحديث 21 / 184 رقم 13828 .
3- هو : السيّد رضيّ الدين أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسني العلوي الفاطمي ، ولد في مدينة الحلّة سنة 589 ه ، وتوفّي سنة 664 ه. لقب بذي الحسين ؛ لأنّ نسبه ينتهي إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من طرف أبيه ، وإلى الإمام الحسين عليه السلام من طرف أمه . وهو من أعلام الطائفة وثقاتها ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، كثير الحفظ ، نقيّ الكلام ، وحاله في العلم والفضل والعبادة والزهد والورع أشهر من أن تذكر ، وكان كذلك شاعراً أديباً منشئاً بليغاً ، وصاحب كرامات ، وقد ولي نقابة الطالبيين سنة 661 ه- وبقي فيها إلى حين وفاته ، وله كتب كثيرة حسنة ، منها : سعد السعود ، فرج المهموم ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، إقبال الأعمال ، جمال الاسبوع ، الملهوف على قتلى الطفوف ، الدروع الواقية . أنظر : عمدة الطالب : 190 ، أمل الآمل 205/2 رقم 622 ، لؤلؤة البحرين : 235 رقم 84 ، الأنوار الساطعة في المئة السابعة - طبقات أعلام الشي-عة - 3 ق 1 / 165 ، معجم رجال الحديث 202/13 رقم 8546 .
4- كذا في الأصل ، وجاء في بعض المصادر : « العزّ » ، وفي بعضها : « الغرّ ». والظاهر أنّه : محمّد بن أبي العزّ الحلّي ، المعاصر للمحقّق الحلّي - المتوفّى سنة 676 ه - ، وهو الذي وقّع على فتاوى المحقّق الحلّي وكتب عليها - في مسألة المقدار الواجب من المعرفة - : « هذا صحيح » ، وقد رأى المحقّق الكركي - المتوفّى سنة 941 ه - هذه الفتاوى وكتب هو أيضا فتاوى نفسه في هذه المسألة مع فتاوى علماء الحلّة. وقد كتب الشيخ شرف الدين عليّ المازندراني هذه الفتاوى عن خط الشهيد الأول محمد بن مكي ، الذي كتبها عن خط علماء الحلة ، ومنها فتوى المحقق مع توقيع صاحب الترجمة عليه . أنظر : الأنوار الساطعة في المئة السابعة - طبقات أعلام الشيعة - 3 ق 1 / 165 .

فطلبهم ، فخافوا ، فمضى والدي إليه خاصّة ، فقال : كيف أقدمت على المكاتبة قبل الظفر؟!

فقال له والدي : لأنّ أمير المؤمنين علیه السلام أخبر بك وقال : « إنّه يرد الترك على الأخير من بني العبّاس ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم ، جهوري الصوت ، لا يمرّ بمدينة إلّا فتحها ، ولا ترفع له راية إلّا نكسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتّى يظفر » (1).

والأخبار بذلك كثيرة (2).

* * *

ص: 365


1- انظر : كشف اليقين : 80 - 82.
2- انظر : مناقب آل أبي طالب 2 / 291 - 313 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 2 / 286 - 295.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

من ضروريات الدين أنّ علم الغيب مخصوص باللّه ، والنصوص في ذلك كثيرة ..

( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلأَهُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ ... ) (2)الآية ..

( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ... ) (3) الآية ..

فلا يصحّ لغير اللّه أن يقال : إنّه يعلم الغيب.

ولهذا لمّا قيل عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في الرجز :

وفينا نبيّ يعلم ما في الغد

أنكر على قائله وقال : دع هذا! وقل غير هذا! (4)

وبالجملة ، لا يجوز أن يقال لأحد : فلان يعلم الغيب.

نعم ، الإخبار بالغيب بتعليم اللّه جائز ، وطريق هذا التعليم إمّا الوحي ، أو الإلهام عند من يجعله طريقا إلى علم الغيب.

فإن صحّ أنّ أمير المؤمنين أخبر بالمغيّبات ، فلا بدّ أن يقال :

ص: 366


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 452 الطبعة الحجرية.
2- سورة الأنعام 6 : 59.
3- سورة لقمان 31 : 34.
4- انظر : صحيح البخاري 7 / 33 ح 79 كتاب النكاح ، سنن أبي داود 4 / 282 - 283 ح 4922 ، سنن الترمذي 3 / 399 ح 1090 ، سنن ابن ماجة 1 / 611 ح 1897 ، السنن الكبرى - للنسائي - 3 / 332 ح 5563 ، مسند أحمد 6 / 359 و 360.

إنّه كان بتعليم اللّه ؛ إمّا بالإلهام كما يكون للأولياء ، أو بالسماع من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

وبعض الناس على أنّه كان يعلم بالعلم الموسوم بالجفر والجامعة(1) ، وهو - أيضا - من تعليم اللّه.

فكان ينبغي له أن يبيّن حقيقة هذا ، ولا يطلق القول بالإخبار بالغيب ، فإنّه يوهم أنّ البشر يمكن له الإخبار بالغيب.

وأمّا ما ذكر من الإخبار بوقائع خروج الترك وخراب بغداد ، فقد

ص: 367


1- انظر : شرح المواقف 6 / 22 ، الفصول المهمّة - لابن الصبّاغ - : 223 ، نور الأبصار : 160 - 161 ، ينابيع المودّة 3 / 222. والجفر : إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتّى أرش الخدش ، وسلاح رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، والكتب ، ومصحف فاطمة علیهاالسلام . وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله : لقد عجبوا لأهل البيت لمّا *** أتاهم علمهم في مسك جفر ومرآة المنجّم وهي صغرى *** أرته كلّ عامرة وقفر والجامعة : هي صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، من فلق فيه وإملائه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخطّ الإمام عليّ عليه السلام بيمينه ، فيها كلّ حلال وحرام ، وكلّ شيء يحتاج الناس إليه ، حتّى أرش الخدش. انظر مثلا : الكافي 1 / 264 - 267 ح 1 و 3 و 4 - 6 ، بصائر الدرجات : 170 - 181 ب 14 ح 1 - 34 ، كتاب من لا يحضره الفقيه 4 / 300 ح 910 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1 / 192 ب 19 ح 1 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 2 / 186 ، الغيبة - للطوسي - : 168 ، مجمع البحرين 3 / 248 مادّة « جفر » وج 4 / 314 مادّة « جمع ». وانظر الشعر في : لزوم ما لا يلزم 1 / 553 ، وفيات الأعيان 3 / 240 ، نسمة السحر 1 / 268. هذا ، وقد نسب علم الجفر - في بعض المصادر الجمهور - إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، ولا منافاة - في ذلك - مع نسبته إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام ؛ لأنّ علم الإمام الصادق عليه السلام من علم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

جاء في بعض الأحاديث الإخبار عنه (1) ، وهو بتعليم اللّه ، كما يقتضيه نصوص الكتاب وضرورة الدين.

* * *

ص: 368


1- انظر : كنز العمّال 14 / 571 ح 39630.

وأقول :

من نظر إلى مفتتح كلامه تخيّل أنّ المصنّف رحمه اللّه جاء بذنب لا يغفر! وما برح بعد القعقعة (1) حتّى كانت نتيجة كلامة أنّه ينبغي للمصنّف رحمه اللّه أن يبيّن الحقيقة ، ولا يطلق القول بالإخبار بالغيب.

وليت شعري ، أيّ جواب في هذا عن كون أمير المؤمنين علیه السلام ذا الفضيلة على غيره بالإخبار بالمغيّبات ، القاضي بامتيازه على غيره وبإمامته دون من سواه؟!

ثمّ أيّ ضرر في الإطلاق ، وهو ممّا لا إيهام فيه ؛ لمعلوميّة المراد منه عند الجاهل فضلا عن الفاضل؟!

على أنّ المصنّف رحمه اللّه ذكر من الأحاديث ما يدلّ على أنّ إخبار أمير المؤمنين علیه السلام بالغيب كان من حديث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فيرتفع الإيهام لو وجد.

وقد نقل ابن أبي الحديد كثيرا ممّا ذكره المصنّف رحمه اللّه ، ومن غيره ، في عدّة صحائف (2).

ص: 369


1- القعقعة : هي حكاية أصوات السلاح والتّرسة والجلود اليابسة والحجارة والرعد والبكرة والحليّ ونحوها ؛ انظر مادّة « قعع » في : لسان العرب 11 / 246 ، القاموس المحيط 3 / 74 ، تاج العروس 11 / 390. والمعنی هنا علی المجاز أنّ ما اعترض به ابن روزبهان علی العلامة لا طائل وراءه ولا محصّل منه.
2- أوّلها ص 208 من المجلّد الأوّل [ 2 / 286 - 295 ] ، وذكر غيرها في ص 175 من المجلّد الثاني وفي ما بعدها [ 7 / 47 ] ، وفي ص 508 من هذا المجلّد [ 10 /1. 15 ]. منه قدس سره . وأنظر كذلك : شرح نهج البلاغة 3/5 وما بعدها.

ويشهد لعلمه بالغيب إيصاؤه بدفنه خفية (1) ، مع كون السلطان لهم بالفعل ، فإنّه لم يقع مثله عادة ، ولا يحسن أن يفعله بنوه لو لا علمه وعلمهم باستيلاء معاوية وبني أميّة على البلاد ، وهم غير مأمونين من إهانة قبره الشريف بنبش أو نحوه.

وكذا يعلم بكثرة الخوارج بعد ، وعداوتهم له ، فخاف منهم ما خافه من بني أميّة ، أو علمه منهم جميعا ، فأوصى سيّدي شباب أهل الجنّة - العالمين بما يعلم - أن يدفناه ليلا ولا يظهرا قبره ، فأخفياه حتّى قام الرشيد ببنائه وإظهاره ؛ لكرامة ذكرها المؤرّخون (2).

* * *

ص: 370


1- انظر : تاريخ دمشق 42 / 565 - 566 ، كفاية الطالب : 470 - 471 ، البداية والنهاية 7 / 263 - 264 ، حياة الحيوان - للدميري - 1 / 47.
2- انظر مثلا : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 26 - 28 ، كفاية الطالب : 471 - 472.

شجاعته

قال المصنّف - أجزل اللّه ثوابه وأجره - :

قال المصنّف - أجزل اللّه ثوابه وأجره - (1) :

المطلب الرابع : في الشجاعة

وقد أجمع الناس كافّة على أنّ عليّا علیه السلام كان أشجع الناس بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وتعجّبت الملائكة من حملاته (2) ، وفضّل النبيّ صلی اللّه علیه و آله قتله لعمرو بن عبد ودّ على عبادة الثقلين (3).

ونادى جبرئيل :

لا سيف إلّا ذو الفقا *** ر ، ولا فتى إلّا عليّ (4)

وروى الجمهور أنّ المشركين كانوا إذا أبصروا عليّا في الحرب ، عهد بعضهم إلى بعض (5).

* * *

ص: 371


1- نهج الحقّ : 244.
2- انظر : ربيع الأبرار 1 / 833 ، شرح نهج البلاغة 14 / 251. وراجع الصفحتين 133 - 134 من هذا الجزء.
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 34 ح 4327 ، تاريخ بغداد 13 / 19 ذيل رقم 6978 ، كنز العمّال 11 / 623 ح 33035.
4- راجع الصفحة 201 ه 1 ، والصفحة 202 ه 1 ، من هذا الجزء.
5- انظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 110 ح 106 ، محاضرات الأدباء 2 / 151 ، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف 1 / 221.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

شجاعة أمير المؤمنين أمر لا ينكره إلّا من أنكر وجود الرمح السّماك (2) في السماء ، أو حصول درع السمك في الماء ، مقدام إذ الأبطال تحجم ، لبّاث إذ الملاحم تهجم.

وهذا ممّا يسلّمه الجمهور ، وليس هذا محلّ نزاع حتّى يقام عليه الدليل.

* * *

ص: 372


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 453 الطبعة الحجرية.
2- السّماك الرامح : هو أحد السّماكين ؛ والسّماكان : هما الأعزل والرامح : نجمان نيّران في السماء. وسمّي الأعزل أعزلاً لأنه لا شيء بين يديه، أي لا كوكب أمامه ، كالأع--زل لا رمح معه ، ويقال : لأنه إذا طلع لا يكون في أيامه ولا ريح برد ، وهو إلى جهة الجنوب ، وهو من منازل القمر. والسماك الرامح : ليس من منازل القمر ، ولا نوء له ، إنما النوء للأعزل ، وهو إلى جهة الشمال ، وهو نجم معروف قدّام الفكة ، وليس من منازل القمر ، سُمّي بذلك لأنه يقدِمُه كوكب يقولون : هو رُمحه ، وهو أشدُّ حمرة من الأعزل ، ويقال له كذلك : السماك المِرْزَم . أنظر: تاج العروس 54/4 مادّة «رمح» و ج 13 / 585 مادة «سمك » .

وأقول :

سبق أنّ الشجاعة شرط في الإمام ، فإذا ثبتت أشجعيّة أمير المؤمنين كان أولى بالإمامة.

وقول الفضل : « شجاعة أمير المؤمنين ... » إلى آخره ، دون أن يقول : أشجعيّته ؛ غفلة أو تغافل ، إلّا أن يرى أن لا شجاعة لغيره - ولو بالنسبة إليه - ، فيكون حسنا.

* * *

ص: 373

زهده

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - :

قال المصنّف - رفع اللّه درجته - (1) :

المطلب الخامس : في الزهد

لا خلاف في أنّه أزهد أهل زمانه ، طلّق الدنيا ثلاثا (2).

قال قبيصة بن جابر : « ما رأيت في الدنيا أزهد من عليّ بن أبي طالب ، كان قوته الشعير غير المأدوم ، ولم يشبع من البرّ ثلاثة أيّام » (3).

قال عمر بن عبد العزيز : « ما علمنا أنّ أحدا كان في هذه الأمّة بعد النبيّ أزهد من عليّ بن أبي طالب » (4).

وروى أخطب خوارزم ، عن عمّار بن ياسر ، قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « يا عليّ! إنّ اللّه تعالى زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحبّ إليه منها ، زهّدك في الدنيا ، وبغضها إليك ، وحبّب إليك الفقراء ، فرضيت بهم أتباعا ، ورضوا بك إماما.

يا عليّ! طوبى لمن أحبّك وصدّق عليك (5) ، والويل لمن

ص: 374


1- نهج الحقّ : 244.
2- انظر : نهج البلاغة : 480 رقم 77 ، الأمالي - لأبي علي القالي - 2 / 147 ، حلية الأولياء 1 / 84 - 85 ، الاستيعاب 3 / 1107 - 1108.
3- انظر : الزهد - لابن أبي الدنيا - : 166 ح 403.
4- مناقب آل أبي طالب 2 / 108 نقلا عن اللؤلؤيات.
5- في المصدر : « بك ».

أبغضك وكذب عليك.

أمّا من أحبّك وصدق عليك فإخوانك في دينك ، وشركاؤك في جنّتك.

وأمّا من أبغضك وكذّب عليك ، فحقيق على اللّه أن يقيمه يوم القيامة مقام الكاذبين » (1).

* * *

ص: 375


1- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 116 ح 126 ؛ وانظر : أسد الغابة 3 / 598 رقم 3783.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

أمّا زهد أمير المؤمنين فهو مسلّم عند الجمهور ، ولو أخذنا في الحكايات الدالّة على زهده ممّا رواه جمهور أصحابنا لطال الكتاب.

وهذا الرجل يزعم أنّ أهل السنّة والجماعة ينكرون فضائل أمير المؤمنين - حاشاهم عن ذلك - ، إنّما ينكر فضائل الشمس الخفافيش.

* * *

ص: 376


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 453 الطبعة الحجرية.

وأقول :

ليس الغرض بيان زهد أمير المؤمنين علیه السلام ، فإنّه أشهر وأظهر من أن يذكر ، وإنّما الغرض أزهديّته الكاشفة عن فضله الذاتي على من سواه ، وقربه الأقرب إلى اللّه تعالى ؛ فإن أقرّ القوم بذلك ، فنعم الوفاق ، وإلّا فليأتوا بسورة من مثله.

وتنزيه الفضل لأصحابه لا حقيقة له ؛ فإنّهم أنكروا أعظم فضائله وأجمعها للمزايا ، وهي خلافته بنصّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وأنكروا عصمته وفضله على من سواه ، الذي هو من أظهر الضروريّات.

والفضل بنفسه لم يستطع أن يقرّ لأمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، بالأفضلية في العلم ، والشجاعة ، والزهد ؛ بل أثبت له - كما رأيت - أصل هذه الأمور فقط.

فهل يرى أنّ إنكار فضائله إنّما هو بإنكار علمه ، وشجاعته ، وزهده؟! فهذا لا يقدر عليه حتّى الخوارج!!

ثمّ إنّ الحديث الذي حكاه المصنّف رحمه اللّه عن أخطب خوارزم قد حكاه في « كنز العمّال » (1) ، ونقله ابن أبي الحديد في « شرح النهج » (2) ، كلاهما عن أبي نعيم في « الحلية » ، بسنده عن عمّار ، ولفظه هكذا :

« يا عليّ! إنّ اللّه قد زيّنك بزينة ، لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إليه

ص: 377


1- ص 159 من الجزء السادس [ 11 / 626 ح 33053 ]. منه قدس سره .
2- ص 449 من المجلّد الثاني [ 9 / 166 ]. منه قدس سره .

منها ، هي زينة الأبرار عند اللّه ، الزهد في الدنيا ، فجعلك لا ترزأ (1) من الدنيا شيئا ، ولا ترزأ الدنيا منك شيئا ، ووهب لك حبّ المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعا ، ويرضون بك إماما » (2).

ثمّ قال ابن أبي الحديد : « وزاد فيه أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل في ( المسند ) : فطوبى لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذّب فيك » (3).

وروى الحاكم هذه الزيادة فقط (4) ، وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ».

ونقلها أيضا في « الكنز » ، عن الطبراني ، والخطيب ، مع الحاكم (5).

* * *

ص: 378


1- (1) يقال : ما رزأ فلانا شيئا ، أي ما أصاب من ماله شيئا ولا نقص منه ؛ انظر : لسان العرب 5 / 200 مادّة « رزأ » والمعنى هنا : أنك لا تصيب ولا تأخذ من الدنيا شيئاً ، ولا الدنيا تصيب منك أو تستحوذ عليك أو تأخذ منك مأخذها .
2- حلية الأولياء 1 / 71.
3- شرح نهج البلاغة 9 / 167 ؛ وانظر : فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 846 ح 1162.
4- ص 135 من الجزء الثالث [ 3 / 145 ح 4657 ]. منه قدس سره . و أنظر : مسند أبي يعلى 179/3 ح 1602 .
5- ص 158 من الجزء السابق [ 11 / 622 - 623 ح 33030 ]. منه قدس سره . وأنظر : المعجم الأوسط 403/2 ح 2178 ، موضح أوهام الجمع والتفريق 303/2 - 304 رقم 350 ، تاریخ بغداد 72/9 رقم 4656 .

كرمه

قال المصنّف - ضاعف اللّه أجره - :

قال المصنّف - ضاعف اللّه أجره - (1) :

المطلب السادس : في الكرم

لا خلاف في أنّه كان أسخى الناس ، جاد بنفسه فأنزل اللّه في حقّه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ ) (2) (3).

وتصدّق بجميع ماله في عدّة مرار (4).

وجاد بقوته ثلاثة أيّام (5).

وكان يعمل بيده حديقة حديقة ويتصدّق بها (6).

ص: 379


1- نهج الحقّ : 245.
2- سورة البقرة 2 : 207.
3- انظر : المستدرك على الصحيحين 3 / 5 ح 4263 و 4264 ، تاريخ دمشق 42 / 67 - 68 ، تفسير الفخر الرازي 5 / 222 ، تفسير القرطبي 3 / 16. وراجع : ج 393/4 - 398 من هذا الكتاب.
4- انظر : أسد الغابة 3 / 598 رقم 3783 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 1 / 22 و 26 وج 15 / 147 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 84 - 94 و 108 - 120.
5- انظر : تفسير الفخر الرازي 30 / 244 - 245 ، تفسير البغوي 4 / 397 ، الكشّاف 4 / 197 ، فتح القدير 5 / 348 - 349 ، الدرّ المنثور 8 / 371 ، أسباب النزول : 247. وراجع مبحث سورة (هَلْ أَتَى) في ج 50/5 من هذا الكتاب.
6- انظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 15 / 147 ، وفاء الوفا 4 / 1150 و 1271.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

جود أمير المؤمنين أشهر من سخاء البحر والسحاب ، وأظهر من موج القاموس العباب (2) ، فهو أسخى من مدرار الهواطل إذا فاض على الرمال ، وأجود من سيل دمث (3) يسيل بين الجبال.

* * *

ص: 380


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 453 الطبعة الحجرية.
2- القاموس : وسط البحر ومعظمه ، وقيل : قعر البحر الأقصى ، وقيل : أبعد موضع غورا في البحر ؛ انظر : لسان العرب 11 / 302 مادّة « قمس ». والعباب : كثرة الماء وارتفاع موجه ؛ أنظر : لسان العرب 7/9 مادّة «عبب».
3- الدّمث : السّهل اللّيّن ؛ انظر : لسان العرب 4 / 400 مادّة « دمث ».

وأقول :

قد عرفت أنّ الكلام - في هذا ونحوه - في الأفضليّة ، فإن أقرّ به الفضل ، فهو المراد ، وإلّا فليأت بشبهة.

وكيف يقاس بمن جاد بنفسه في جميع مواقف الزحام ، من بخل بها في كلّ مقام ، وفرّ مرارا عن سيّد الأنام (1)؟!

أو يقاس بمن سخا بجميع ماله على الأباعد ، من ضنّ ببعضه على الأقارب ، وحمل يوم الهجرة ماله كلّه وترك بلا قوت أهله (2)؟!

وهل يلحق من آثر على نفسه ولم يعزّ عليه قوته ، من كانت في أموال المسلمين نهمته حتّى كبت به بطنته (3).

* * *

ص: 381


1- إشارة إلى الشيخين وأغلب الصحابة ، حين فرّوا من الزحف ، كيوم أحد وخيبر وحنين ؛ راجع : ج 5 / 57 ه 1 وص 77 ه 1 وص 82 من هذا الكتاب ، وص 89 وما بعدها من هذا الجزء.
2- إشارة إلى أبي بكر ، الذي احتمل ماله كلّه ولم يترك لعياله منه شيئا ؛ انظر : البداية والنهاية 3 / 141 - 142.
3- إشارة إلى عثمان بن عفّان ، فقد وصفه أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة الشقشقية بقوله : « إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ». أنظر : نهج البلاغة : 49 الخطبة 3.

استجابة دعائه ، وحسن خلقه ، وحلمه

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - :

قال المصنّف - قدّس اللّه روحه - (1) :

المطلب السابع : في استجابة دعائه

كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد استسعد به (2) وطلب تأمينه على دعائه يوم المباهلة ، ولم تحصل هذه المرتبة لأحد من الصحابة (3).

ودعا على أنس بن مالك لمّا استشهده على قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ؛ فاعتذر بالنسيان ..

فقال : اللّهمّ إن كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه العمامة ؛ فبرص (4).

ص: 382


1- نهج الحقّ : 246.
2- استسعد به : عدّه سعدا ويمنا ؛ انظر مادّة « سعد » في : الصحاح 2 / 487 ، لسان العرب 6 / 262 ، تاج العروس 5 / 16.
3- راجع : ج 4 / 399 من هذا الكتاب.
4- انظر : جمهرة النسب 2 / 395 ، المعارف - لابن قتيبة - : 320 ، أنساب الأشراف 2 / 386 ، شرح نهج البلاغة 4 / 74 وج 19 / 217 - 218. وهناك من روى المناشدة ، وأنّ أنساً كان أحد الحاضرين حينها ، ولكنه تكتم عليه فلم يذكر أنّ أصابته الدعوة هو أنس ! أنظر : حلية الأولياء 26/5 - 27 . ومنهم من روى أن أنساً كان به برص ، ولم يذكر ذلك ! أنظر : تاريخ دمشق 375/9 - 377 . ومنهم من روى عن زيد بن أرقم أنه - أي : زيد - كان أحد الموجودين حين المناشدة ، فكتم الشهادة ، فعمي ؛ أنظر : المعجم الكبير 5 / 171 ح 4985 و ص 174 - 175 ح 4996 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 74 ح 33 ، شرح نهج البلاغة 4 / 74 ، مجمع الزوائد 9 / 106. وعاد الطبراني فأورد قصة المناشدة عن زيدٍ نفسه، إلا أنه لم يذكر كتمان الشهادة بالحديث ودعاء الإمام علي عليه السلام وذهاب البصر ! أنظر : المعجم الأوسط 2 / 324 - 325 ح 1987. و راجع : ج 4 / 328 من هذا الكتاب .

ودعا على البراء (1) بالعمى ؛ لأجل نقل أخباره إلى معاوية ، فعمي (2).

ص: 383


1- المغيرة / خ ل. منه قدس سره . نقول : ورد الاسم مصحفاً تصحيفاً بيناً في مصادر هذه الحادثة ، ففي بعضها : «الغرار » ، وفي بعضها الآخر غير ذلك ، والمنقول في أغلبها : «العيزار » ، حتى إنّ العلامة الحلّي قدس سره ضبطه كذلك في كتابه «كشف اليقين» . ولعل المقصود هو ، «العَيْزار بن جرول التنعي»، الذي قالوا عنه إنه يروي عن الإمام علي عليه السلام ، وقد سكت عنه بعض علمائهم ووثقه آخرون ! ! فإن كان هو المقصود ، فلا بد أن يكون توثيقهم له بسبب ميله إلى معاوية ! أنظر : التاريخ الكبير 79/7 رقم 361 ، الجرح والتعديل 37/7 رقم 197 ، الثقات - لابن حبان - 302/7 ، تاريخ أسماء الثقات - لابن شاهين - : 252 رقم 1003 ، الإكمال : 229 رقم 686 . أما «المغيرة» فلم يذكر لنا التاريخ أنه عمي ، بل وليّ الكوفة لمعاوية إلى أن مات بها سنة 50 ه- . ومما يقوّي احتمال التصحيف هنا ؛ أنّ قضية «البراء» - وفق ما جاءت به الروايات ، إن صحت - كانت في رحبة مسجد الكوفة عند مناشدة أمير المؤمنين علي عليه السلام الصحابة عن حديث الغدير ، وهذه القضية كانت في نقل أخبار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية . أما إذا كان ورود اسم «البراء» هنا صحيحاً ، فيُحتمل - حينها - أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد دعا على «البراء» مرتين ، مرّة بعد المناشدة ، وأُخرى بعد نقل الأخبار ، فعمي ؛ فلاحظ !
2- انظر : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 350 - 351 ، الخرائج والجرائح 1 / 207 ح 48 مناقب آل أبي طالب 2 / 314 ، كشف اليقين - للعلّامة الحلّي - : 111 ، إرشاد القلوب 2 / 40 ، أرجح المطالب : 681.

وردّت عليه الشمس مرّتين لمّا دعا به (1).

ودعا في زيادة الماء لأهل الكوفة حتّى خافوا الغرق ، فنقص حتّى ظهرت الحيتان ، فكلّمته إلّا الجرّي والمارماهي والزمّار (2) ، فتعجّب الناس من ذلك (3).

وأمّا حسن الخلق ؛ فبلغ فيه الغاية ، حتّى نسبه أعداؤه إلى الدعابة (4).

وكذا الحلم ؛ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لفاطمة علیهاالسلام : « إنّي زوّجتك من أقدم الناس سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما » (5).

* * *

ص: 384


1- انظر : وقعة صفّين : 135 - 136 ، منهاج السنّة 8 / 191 - 192 ، البداية والنهاية 6 / 65 و 66 ، مزيل اللبس عن حديث ردّ الشمس : 149 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 345 - 346. وراجع مبحث حديث رد الشمس في الصفحات 200 ه 1 و 207 - 223 من هذا الجزء ، وأنظر : ج 286/5 ه 2 من هذا الكتاب.
2- الجرّي والمارماهي والزمّار : ضروب من الأسماك ، لا فلس لها.
3- انظر : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 347 - 348.
4- انظر : نهج البلاغة : 115 الخطبة 84 ، العقد الفريد 3 / 290 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 118 مادّة « دعب » ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 6 / 326 - 330 ، لسان العرب 4 / 349 مادّة « دعب » وج 15 / 321 مادّة « وصي ».
5- مسند أحمد 5 / 26 ، مصنّف عبد الرزّاق 5 / 490 ح 9783 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 505 ح 68 ، المعجم الكبير 1 / 94 ح 156 وج 20 / 230 ح 538 ، تلخيص المتشابه 1 / 472 رقم 786 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 129 ح 144 ، تاريخ دمشق 42 / 126 و 131 - 133.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكره في هذا المطلب من استجابة دعاء أمير المؤمنين ؛ فهذا أمر لا ينبغي أن يرتاب فيه ، وإذا لم يكن دعاء سيّد الأولياء مستجابا ، فمن يستجاب له الدعاء؟!

وأمّا ما ذكر أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله استسعد بدعائه ؛ فقد ذكرنا سرّ هذا الاستسعاد والاشتراك في الدعاء في المباهلة ، أنّ هذا من عادات أهل المباهلة ، أن يشاركوا القوم والنساء والأولاد في الدعاء (2).

ويفهم منه أنّ النبيّ استسعد بدعائه لاحتياجه إلى ذلك الاستسعاد ، وهذا باطل عقلا ونقلا.

أمّا عقلا ؛ لأنّ النبيّ لا شكّ أنّه كان مستجاب الدعوة ، ومن كان مستجاب الدعوة فلا يحتاج إلى استسعاد الغير.

وأمّا نقلا ؛ فلأنّ الاشتراك في الدعاء في المباهلة لم يكن للاستسعاد ، بل لما ذكرنا.

وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك ، فاعتذر بالنسيان ، فدعا عليه ؛ فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض ؛ لأنّ خبر « من كنت مولاه فعليّ مولاه » كان في غدير خمّ.

ص: 385


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 454 الطبعة الحجرية.
2- راجع : ج 4 / 401 من هذا الكتاب.

وكان لكثرة سماع السامعين كالمستفاض (1) ، فأيّ حاجة إلى الاستشهاد من أنس؟!

ولو فرض أنّه استشهد ولم يشهد أنس ، لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ومن خدمه عشر سنين ، بالبرص ؛ ووضع الحديث ظاهر.

* * *

ص: 386


1- الحديث المستفيض : هو ما زاد عدد رواته عن ثلاثة في كلّ طبقة من الطبقات ، وبذلك يختلف عن الحديث المشهور ، الذي هو أعمّ من ذلك ، فقد تطرأ الشهرة على جزء منه ، كوسطه دون طرفيه. ويقال : فاض الخبرُ يَفِيضُ ، واسْتَفاضَ ، أي شاع وذاع ، وهو حديث مُسْتَفِيضُ ، أي منتشر شائع ذائع بين الناس ؛ ولا يقال : مُسْتَفاضُ - فذلك لحن - إلا أن يقال : مُسْتَفاضٌ فيه . وهو على المجاز هنا ، مأخوذ من «فاض الماء يفيض فيضاً» ، أي كثر حتى سال على طرف الوادي . أنظر : شرح شرح نخبة الفكر : 192 ، شرح البداية في علم الدراية : 70 ، مقباس الهداية في علم الدراية 128/1 ، ومادة «فيض» في : الصحاح 1099/3 ، لسان العرب 10 / 367 ، تاج العروس 10 / 131 .

وأقول :

استجابة الدعاء في مثل هذه الأمور الخارقة للعادة لا تقع إلّا لنبيّ أو وصيّ نبيّ ؛ لاشتمالها على المعجز ، وليس مثلها لغير أمير المؤمنين علیه السلام ، فيكون هو الإمام.

وأمّا ما ذكره من سرّ الاستسعاد ، فهو من الأسرار الخاصّة بضمائر المخالفين لأهل البيت ؛ إذ لم يظهر علمه لغيرهم ، كما عرفته في الآية السادسة (1) ، والحديث الثامن (2).

كما إنّ الاستسعاد لا يتوقّف على الحاجة الواقعيّة ، بل هو من أمر اللّه تعالى ؛ لبيان شرف آل محمّد صلی اللّه علیه و آله عنده وعنايته بهم ..

ومن كمال الرسول ، حيث لا يظهر منه الاعتماد على نفسه ، وأنّ له حقّا على اللّه في الإجابة ، كما سبق موضّحا (3).

وأمّا تكذيبه للدعاء على أنس بحجّة أنّ حديث الغدير مستفيض لا يحتاج إلى الاستشهاد ؛ ففيه :

إنّ أمير المؤمنين علیه السلام إنّما أراد بيان استفاضته ، وكثرة المطّلعين عليه ؛ لتظهر إمامته بالنصّ ، وهذا ممّا يحتاج إلى أعظم الشواهد عند من نشأوا على موالاة الأوّلين ، ولو لا هذا ونحوه لم يكثر الشيعة بالكوفة ،

ص: 387


1- راجع : ج 4 / 402 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- راجع مبحث حديث المباهلة في الصفحات 74 - 79 من هذا الجزء.
3- تقدّم في ج 4 / 402 - 410 من هذا الكتاب ، والصفحات 74 - 79 من هذا الجزء.

فيكون كتمان الشهادة فيه كتمانا لما أنزل اللّه تعالى ، فيستحقّ كاتمها العقوبة في الدنيا ، وأشدّ العذاب في الآخرة.

ولا ريب برجحان الدعاء بمثل البرص ؛ ليكون شاهدا عيانيّا مستمرّا على صدق حديث الغدير ، وإمامة أمير المؤمنين علیه السلام ، وظلم السابقين له.

ولا يستبعد منه الدعاء على خادم النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ فإنّ ضرر كتمانه في مثل المقام أشدّ من غيره ، وهو أولى بالعقوبة ، ولذا كان عذاب العاصية من أزواج النبيّ صلی اللّه علیه و آله ضعفين (1).

وليس هذا أوّل سيّئة من أنس مع أمير المؤمنين علیه السلام ، بل له نحوها في قصّة الطائر (2) ، وغيرها (3) ، وهو من المنحرفين عنه.

قال ابن أبي الحديد (4) : « ذكر جماعة من شيوخنا البغداديّين أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن عليّ علیه السلام ، قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ؛ ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة ، فمنهم : أنس بن مالك ، ناشد عليّ الناس في رحبة القصر - أو قالوا : برحبة الجامع - بالكوفة : أيّكم سمع رسول اللّه يقول : « من كنت مولاه فعليّ

ص: 388


1- إشارة إلى قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً ) سورة الأحزاب 33 : 30.
2- فقد ردّ أنس أمير المؤمنين علیه السلام ثلاثا مدّعيا انشغال النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ليصرفه عن الدخول متمنّيا أن يكون الآتي واحدا من قومه ؛ انظر مبحث حديث الطائر المشوي في الصفحات 159 - 170 من هذا الجزء.
3- (3) كبعث أمير المؤمنين علیه السلام لأنس إلى طلحة والزبير لمّا جاء إلى البصرة يذكّرهما شيئا ممّا سمعه من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في أمرهما ، فلوى عن ذلك ، فرجع إليه ، فقال : إنّي أنسيت ذلك الأمر! أنظر : نهج البلاغة 530 رقم 311.
4- ص 361 من المجلّد الأوّل [ 4 / 74 ]. منه قدس سره .

مولاه »؟

فقام اثنا عشر رجلا ، فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم.

فقال له : يا أنس! ما يمنعك أن تقوم فتشهد ، ولقد حضرتها؟!

فقال : يا أمير المؤمنين! كبرت ونسيت.

فقال : اللّهمّ إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة.

قال طلحة بن عمير : فو اللّه لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه

وروى عثمان بن مطرّف : إنّ رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن عليّ بن أبي طالب ، فقال : إنّي آليت أن لا أكتم حديثا سئلت عنه في عليّ بعد يوم الرحبة ، ذاك رأس المتّقين يوم القيامة ، سمعته واللّه من نبيّكم

وروى أبو إسرائيل ، عن الحكم ، عن أبي سليمان المؤذّن ، أنّ عليّا نشد الناس : من سمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه؟

فشهد له قوم ، وأمسك زيد بن أرقم فلم يشهد ، وكان يعلمها ، فدعا عليّ عليه بذهاب البصر ، فعمي ، فكان يحدّث الناس بالحديث بعدما كفّ بصره ».

وذكر فيه أمر البرص بمحلّ آخر (1) ، ثمّ قال : « ذكر ابن قتيبة حديث البرص والدعوة في كتاب ( المعارف ) في باب البرص من أعيان

ص: 389


1- ص 388 من المجلّد الرابع [ 19 / 218 ]. منه قدس سره . وأنظر : المعارف : 320.

الرجال ، وابن قتيبة غير متّهم في حقّ عليّ على المشهور من انحرافه عنه ».

وقد روى أحمد في مسنده من عدّة طرق استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام بالرحبة ، وقيام من قام للشهادة ، وفي بعضها : « فقام إلّا ثلاثة ، ودعا عليهم فأصابتهم دعوته » ، كما سبق في الآية الثانية (1).

هذا ، وقد أغفل الفضل ما ذكره المصنّف رحمه اللّه من فضل أمير المؤمنين علیه السلام بالحلم وحسن الأخلاق المطلوبين في الأئمّة ، ولا ريب بامتيازه على غيره بهما (2).

وأمّا الحديث الذي نقله المصنّف رحمه اللّه في تفضيل النبيّ صلی اللّه علیه و آله لحلم أمير المؤمنين علیه السلام ، فقد رواه أحمد في مسنده (3).

ص: 390


1- انظر : مسند أحمد 1 / 119 ، وج 4 / 370 ؛ وراجع : ج 4 / 327 - 329 من هذا الكتاب.
2- لا سيّما على عمر ؛ فإنّه معروف بالغلظة وسوء الخلق ، كما سبق ويأتي ؛ ومن سبر سيرة عمر ظهر له صدق ما ذكرنا. كما يُعرف حال عثمان من سيرته . وأما أبو بكر ؛ فقد كان - أيضاً - حاداً ، كما يدلّ عليه قوله : «إنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني لا أُؤثر في أشعاركم وأبشاركم» [ شرح نهج البلاغة 159/17]. قال ابن أبي الحديد - ص 168 من المجلد الرابع [161/17]، بعد قول المرتضى : «إنّها صفة طائش لا يملك نفسه» - قال : «لعمري ، إنّ أبا بكر كان حديداً ، وقد ذكره عمرُ بذلك ، وذكره غيره من الصحابة [ بالحدّة والسرعة ]» . إنتهى . منه قدس سره. نقول : راجع ما تقدّم في ج 4 / 238 ه- 1 و 2 و ج 213/5 ه- 5 ، وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه من الجزء السابع من هذا الكتاب .
3- ص 26 من الجزء الخامس. منه قدس سره .

ونقله في « كنز العمّال » (1) ، عن ابن جرير ، قال : « وصحّحه » ، وعن الدولابي في « الذرّيّة الطاهرة » ، من حديث ذكر فيه خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة علیهاالسلام ، وإباه النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وتزويجها من عليّ علیه السلام ، وقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله لفاطمة : « واللّه لقد أنكحتك أكثرهم علما ، وأفضلهم حلما ، وأقدمهم سلما » قال : « وفي لفظ : أوّلهم سلما ».

ونقله أيضا في « الكنز » (2) ، عن الطبراني ، بلفظ : « إنّه لأوّل أصحابي سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما ».

ولو لا خوف الإطالة والملال ، لذكرت في حلمه من الأخبار والآثار ما كثر ..

وقد ذكر ابن أبي الحديد - في « مقدّمة الشرح » ، وفي أثنائه - نبذا من حلم أمير المؤمنين علیه السلام ، وصفحه ، وحسن أخلاقه ؛ فراجع (3).

* * *

ص: 391


1- ص 392 من الجزء السادس [ 13 / 114 ح 36370 ]. منه قدس سره . وأنظر : الذرية الطاهرة : 93 ح 83.
2- ص 153 من الجزء المذكور [ 11 / 605 ح 32927 ]. منه قدس سره . وأنظر : المعجم الكبير 94/1 ح 156.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 22 - 24 وج 3 / 330 - 331 وج 6 / 146 و 313 - 314 و 316 وج 14 / 24.

عبادته من فضائله البدنية

قال المصنّف - شرّف اللّه قدره - :

قال المصنّف - شرّف اللّه قدره - (1) :

القسم الثاني : في الفضائل البدنية ، وينظمها مطلبان :

الأوّل : في العبادة

لا خلاف أنّه علیه السلام كان أعبد الناس ، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل ، والأدعية المأثورة ، والمناجاة في الأوقات الشريفة ، والأماكن المقدّسة (2).

وبلغ في العبادة إلى أنّه كان يؤخذ النشّاب من جسده عند الصلاة ؛ لانقطاع نظره عن غير اللّه تعالى بالكلّيّة (3).

وكان مولانا زين العابدين علیه السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، ويدعو بصحيفته ، ثمّ يرمي بها كالمتضجّر ويقول : أنّى لي بعبادة عليّ علیه السلام (4).

قال الكاظم علیه السلام : إنّ قوله تعالى : ( تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (5)

ص: 392


1- نهج الحقّ : 247.
2- انظر : مطالب السؤول : 124 و 131 - 132 و 136 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 1 / 27 ، كفاية الطالب : 399 - 400.
3- المناقب المرتضوية : 364.
4- كشف الغمّة 2 / 85 و 86 ، ينابيع المودّة 1 / 446 ح 12.
5- سورة الفتح 48 : 29.

نزلت في أمير المؤمنين علیه السلام (1).

وكان يوما في صفّين مشتغلا بالحرب ، وهو بين الصفّين يراقب الشمس ، فقال ابن عبّاس : ليس هذا وقت صلاة ، إنّ عندنا لشغلا!

فقال عليّ علیه السلام : فعلام نقاتلهم؟! إنّما نقاتلهم على الصلاة (2)!

وهو الذي عبد اللّه حقّ عبادته حيث قال : ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا شوقا إلى جنّتك ، ولكن رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك (3).

* * *

ص: 393


1- شواهد التنزيل 2 / 181 - 183 ح 886 - 888 ، روح المعاني 26 / 194 ، أرجح المطالب : 37 و 67 و 86 ، المناقب المرتضوية : 66.
2- إرشاد القلوب 2 / 22.
3- شرح مائة كلمة - لابن ميثم البحراني - : 219.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

عبادة أمير المؤمنين ، لا يقاربه العابدون ، ولا يدانيه الزاهدون ، الملائكة عاجزون عن تحمّل أعبائها ، وأهل القدس مغترفون من بحار صفائها.

وكيف لا؟! وهو أعرف الناس بجلال القدس ، وجمال الملكوت ، وأعشق النفوس إلى وصال الجبروت.

وأمّا ما ذكر أنّه عبد اللّه حقّ عبادته ، فهو لا يصحّ ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال - مع كمال العبادة - : « ما عبدناك حقّ عبادتك » (2).

واتّفق العارفون أنّ اللّه لا يقدر أحد أن يعبده حقّ عبادته ، والدلائل على هذا مذكورة في محالّه.

* * *

ص: 394


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 455 الطبعة الحجرية.
2- انظر : الكافي 2 / 99 ح 1 وفيه : « إنّ اللّه لا يعبد حقّ عبادته ».

وأقول :

إنّما الممتنع هو العبادة بحقّها من جميع الوجوه ، كمّا وكيفا ، وأمّا من جهة خاصّة فلا ، كعبادته سبحانه لذاته لا خوفا ولا طمعا ، وهي التي أرادها المصنّف رحمه اللّه ؛ ولذا جعل قوله علیه السلام : « ما عبدتك خوفا من نارك ... » إلى آخره ، تعليلا لكونه عبد اللّه حقّ عبادته ؛ وهي عبادة الأحرار ، لا عبادة العبيد والتجّار.

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « الشرح » : « كان أعبد الناس ، وأكثرهم صلاة وصوما ، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل ، وملازمة الأوراد ، وقيام النافلة.

وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده (1) ، أن يبسط له نطع (2) بين الصّفّين ليلة الهرير (3) ، فيصلّي عليه ورده ، والسهام تقع بين

ص: 395


1- الورد - والجمع : الأوراد - : النصيب أو الجزء أو المقدار المعلوم من القرآن ، وما يكون على الرجل أن يصلّيه في الليل ؛ انظر : لسان العرب 15 / 269 مادّة « ورد ».
2- النّطع والنّطع والنّطع والنّطع - والجمع : نطوع وأنطاع وأنطع - : بساط من الأديم ؛ انظر مادّة « نطع » في : الصحاح 3 / 1291 ، لسان العرب 14 / 186 ، تاج العروس 11 / 482.
3- (3) ليلة الهرير : ليلة من ليالي معركة صفّين ، في صفر من سنة 37 ه ، اقتتل الجيشان في تلك الليلة حتّى الصباح ، فتطاعنوا بالرماح حتّى تقصّفت وتكسّرت واندقّت ، وتراموا حتّى نفد النبل ، ثمّ مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد ، فلم يسمع السامع إلّا وقع الحديد بعضه على بعض ، فكشف في صبيحتها عن ما يقرب من سبعين ألف قتيل. أنظر : وقعة صفّين : 475 ، الكامل في التاريخ 191/3 ، تاج العروس 621/7 مادة «هرر».

يديه ، وتمرّ على صماخيه (1) يمينا وشمالا ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته؟!

وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير (2) ، لطول سجوده؟!

وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ، ووقفت على ما فيها من تعظيم اللّه سبحانه وإجلاله ، وما تتضمّنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزّته ، والاستحذاء له (3) ، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص ، وفهمت من أيّ قلب خرجت ، وعلى أيّ لسان جرت!

وقيل لعليّ بن الحسين علیه السلام - وكان الغاية في العبادة - : أين عبادتك من عبادة جدّك؟

قال : عبادتي عند عبادة جدّي ، كعبادة جدّي عند عبادة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (4).

ولا غرو فقد وحّد اللّه قبل الناس طفلا ، وعبده صبيّا مع النبيّ سبع سنين ، في محلّ لم يعبده فيه عابد ، ولم يسجد له من الملأ ساجد.

ص: 396


1- الصّماخ ، والسّماخ لغة فيه - والجمع : أصمخة وصمخ ، وبالسين لغة - : هو ثقب الأذن الماضي إلى داخل الرأس ، ويقال : إنّ الصماخ هو الأذن نفسها ؛ انظر : لسان العرب 7 / 403 مادّة « صمخ ».
2- الثّفنة من البعير والناقة : الرّكبة وما مسّ الأرض من جسمه وأصول أفخاذه ، والجمع : ثفن وثفنات ؛ انظر : لسان العرب 2 / 108 مادّة « ثفن ».
3- الاستحذاء له : أي متابعة أوامره والانقياد لها ؛ انظر : لسان العرب 3 / 98 مادّة « حذا ».
4- شرح نهج البلاغة 1 / 27.

وهذا بالضرورة لم يكن إلّا من كمال النفس ، وصفاء الذات ، وتمام العلم والمعرفة ، التي امتاز بها على من لم يعرف ضعة الحجارة في أكثر أعوامه ، ولم يتّصف بأدنى مراتب تلك العبادة في باقي أيّامه.

روى البخاري في : « باب يفكّر الرجل الشيء في صلاته » - قبل أبواب السهو - ، عن عمر ، قال : « إنّي لأجهّز جيشي وأنا في الصلاة » (1).

وروى في « كنز العمّال » (2) ، أنّ عمر صلّى بالناس المغرب ولم يقرأ شيئا ، فلمّا فرغ قيل له ، فاعتذر بأنّي جهّزت عيرا إلى الشام ، وجعلت أنقلها منقلة منقلة ، حتّى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها.

فكيف يقاس هذا بصاحب تلك العبادة والمعرفة؟!

وهل يحسن بشريعة العقل أن يكون هذا رئيسا دينيّا ، وإماما مذهبيّا ، وذاك مأموما؟!

ما هذا بحكم عدل ، ولا قول فصل!!

* * *

ص: 397


1- صحيح البخاري 2 / 148.
2- ص 213 من الجزء الرابع [ 8 / 133 ح 22257 ]. منه قدس سره . وأنظر : السنن الكبری - للبيهقي - 382/2.

جهاده في الحروب

قال المصنّف - طاب رمسه - :

قال المصنّف - طاب رمسه - (1) :

المطلب الثاني : في الجهاد

وإنّما تشيّدت مباني الدين ، وثبتت قواعده ، وظهرت معالمه ، بسيف مولانا أمير المؤمنين ، وتعجّبت الملائكة من شدّة بلائه في الحرب (2).

ففي غزاة بدر - وهي الداهية العظمى على المسلمين ، وأوّل حرب ابتلوا بها - قتل صناديد قريش الّذين طلبوا المبارزة ، كالوليد بن عتبة ، والعاص (3) بن سعيد بن العاص - الذي أحجم المسلمون عنه - ،

ص: 398


1- نهج الحقّ : 248.
2- انظر : ربيع الأبرار 1 / 833 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 14 / 251.
3- كذا في الأصل والمصدر. نقول : والصحيح في كتابته لغةً : «العاصي» ؛ إذ إنّه من الأسماء المنقوضة ، وهي كل اسم معرب في آخره ياءً ثابتة مكسور ما قبلها ، وحكمه الإعرابي حذف الياء منه في حالتي الرفع والجرّ ، كقولنا : هذا قاض .. ومررتُ بقاض ؛ وإثباتها عند الإضافة ودخول «أل» التعريف عليها ، كقولنا : جئتُ القضاة من عند قاضي القضاة .. والقاضي العادل أمان للضعفاء ؛ وثبوتها في حالة النصب - كذلك - كقولنا : رأيتُ قاضياً . وقد شاع بين الكتّاب والمتأدّبين - من العصر الأوّل حتّى يومنا هذا - كتابته بحذف الياء ، وهو ليس بصحيح .. قال المبرد : « هو العاصي ، بالياء ، لا يجوز حذفها ، وقد لهجت العامة بحذفها». أنظر : تاج العروس 682/19 مادّة «عصي » . وما قلناه هنا ينطبق على الموارد نفسها التي تقدمت وستأتي ؛ فلاحظ !

ونوفل بن خويلد - الذي قرن أبا بكر وطلحة بمكّة قبل الهجرة ، وأوثقهما بحبل وعذّبهما (1) -.

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا عرف حضوره في الحرب : « اللّهمّ اكفني نوفلا » (2).

ولمّا قتله عليّ علیه السلام ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه » (3).

ولم يزل يقتل في ذلك اليوم واحدا بعد واحد ، حتّى قتل نصف المقتولين ، وكانوا سبعين.

وقتل المسلمون كافّة ، وثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين النصف الآخر (4).

ص: 399


1- انظر : المغازي - للواقدي - 1 / 148 - 149 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 416 ح 5586 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 70.
2- المغازي - للواقدي - 1 / 91 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 3 / 94 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 14 / 143.
3- المغازي - للواقدي - 1 / 92 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 3 / 95 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 14 / 144.
4- انظر : المغازي - للواقدي - 1 / 147 - 152 ، أنساب الأشراف 1 / 355 - 360 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 70 - 72 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 1 / 24.

وفي غزاة أحد انهزم المسلمون عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ورمي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وضربه المشركون بالسيوف والرماح ، وعليّ يدافع عنه ، فنظر إليه النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعد إفاقته من غشيته ، وقال : ما فعل المسلمون؟

فقال : نقضوا العهد وولّوا الدّبر.

فقال : اكفني هؤلاء ؛ فكشفهم عنه.

وصاح صائح بالمدينة : قتل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ! فانخلعت القلوب ، ونزل جبرئيل قائلا :

لا سيف إلّا ذو الفقا *** ر ، ولا فتى إلّا عليّ

وقال للنبيّ صلی اللّه علیه و آله : يا رسول اللّه! لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة عليّ لك بنفسه.

فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : ما يمنعه من ذلك وهو منّي وأنا منه؟! (1).

ورجع بعض الناس لثبات عليّ علیه السلام ، ورجع عثمان بعد ثلاثة أيّام ، فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : لقد ذهبت بها عريضا! (2)

وفي غزاة الخندق أحدق المشركون بالمدينة كما قال اللّه تعالى : ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) (3) ، ونادى المشركون بالبراز ، فلم يخرج سوى عليّ ، وفيه قتل أمير المؤمنين علیه السلام عمرو بن

ص: 400


1- راجع مبحث الحديث الرابع عشر ، في الصفحات 133 - 141 من هذا الجزء.
2- انظر : السير والمغازي - لابن إسحاق - : 332 ، تاريخ الطبري 2 / 69 ، تفسير الفخر الرازي 9 / 64 تفسير الآية 159 من سورة آل عمران ، شرح نهج البلاغة 15 / 21 ، الكامل في التاريخ 2 / 52 ، تفسير الطبري 3 / 489 ح 8102.
3- سورة الأحزاب 33 : 10.

عبدِ ودّ (1).

قال ربيعة السعدي : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبد اللّه! إنّا لنتحدّث عن عليّ ومناقبه ، فيقول أهل البصرة : إنّكم لتفرطون في عليّ ؛ فهل تحدّثني بحديث؟

فقال حذيفة : والذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أمّة محمّد في كفّة ميزان منذ بعث اللّه محمّدا إلى يوم القيامة ، ووضع عمل عليّ في الكفّة الأخرى ، لرجح عمل عليّ على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد [ ولا يحمل ] (2)!

فقال حذيفة : يا لكع (3)! وكيف لا يحمل؟!

وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب النبيّ صلی اللّه علیه و آله يوم عمرو بن عبد ودّ وقد دعا إلى المبارزة ، فأحجم الناس كلّهم ما خلا عليّا ، فإنّه نزل إليه فقتله.

والذي نفس حذيفة بيده ، لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّد إلى يوم القيامة (4).

ص: 401


1- انظر : تاريخ الطبري 2 / 94 - 95 ، الكامل في التاريخ 2 / 71 - 72 ، البداية والنهاية 4 / 85 - 87.
2- أثبتناه من شرح نهج البلاغة.
3- اللّكع : اللئيم في الأصل ، والعييّ ، أو الصغير في العلم والعقل وإن كان كبيرا في السنّ ؛ وهو المراد هنا ، وهو تعبير مستعمل وشائع في محاوراتهم بهذا المعنى. أنظر مادة «لكع» في : الصحاح 1280/3 ، لسان العرب 321/12 - 322 ، تاج العروس 438/11.
4- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 103 ، شرح نهج البلاغة 19 / 60.

وفي يوم الأحزاب (1) تولّى أمير المؤمنين قتل الجماعة (2).

وفي غزاة بني المصطلق قتل أمير المؤمنين مالكا وابنه ، وسبى جويرية بنت الحارث (3) فاصطفاها النبيّ صلی اللّه علیه و آله (4).

وفي غزاة خيبر كان الفتح فيها لأمير المؤمنين علیه السلام ، قتل مرحبا ، وانهزم الجيش بقتله ، وأغلقوا باب الحصن ، فعالجه أمير المؤمنين علیه السلام ،

ص: 402


1- يوم الأحزاب : هو يوم غزاة الخندق ، سنة 5 ه ؛ وقد تقدّمت الإشارة إليها آنفا. راجع تفسير سورة الأحزاب من كتب التفسير ، وأنظر مثلاً : السيرة النبوية - لابن هشام - 4 / 170 ، تاریخ الطبري 2/ 90 ، السيرة النبوية - لابن حبان - : 254 ، الكامل في التاريخ 70/2 ، البداية والنهاية 76/4، سبل الهدى والرشاد 363/4.
2- كعمرو بن عبد ودّ ونوفل بن عبد اللّه بن المغيرة المخزومي ؛ انظر : شرح نهج البلاغة 19 / 64 ، تاريخ الخميس 1 / 487. وأنظر مبحث حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : « برز الإيمان كله إلى الشرك كله» في الصفحات 102 - 104 من هذا الجزء.
3- هي : أمّ المؤمنين زوج النبيّ صلی اللّه علیه و آله جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، أخذها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من سبي يوم المريسيع ، وهي غزوة بني المصطلق ، سنة خمس أو ستّ للهجرة ، وكانت قبله عند ابن عمّ لها ، وكان اسمها « برّة » فسمّاها النبيّ صلی اللّه علیه و آله « جويرية » ، وكان عمرها حين تزوّجها النبيّ صلی اللّه علیه و آله عشرين سنة ، بعد أن قضى عنها مكاتبتها لمن وقعت في سهمه ، فأرسل الناس ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق بسبب ذلك ، فكانت عظيمة البركة على قومها ؛ توفّيت سنة 50 - وقيل : سنة 56 ه - ولها خمس وستّون سنة ، وصلّى عليها مروان بن الحكم وهو - يومئذ - على المدينة المنوّرة من قبل معاوية. أنظر : المنتخب من أزواج النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم : 45 رقم 6 ، الاستيعاب 1804/4 رقم 3282 ، صفة الصفوة 360/1 رقم 132 ، أُسد الغابة 56/6 رقم 6822 ، السمط الثمين : 135 ، الإصابة 565/7 رقم 11002 .
4- انظر : تاريخ الطبري 2 / 111 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 4 / 257 ، البداية والنهاية 4 / 128 حوادث سنة 6 ه ، السيرة الحلبية 2 / 586.

ورمى به ، وجعله جسرا على الخندق للمسلمين ، وظفروا بالحصن ، وأخذوا الغنائم ، وكان يقلّه (1) سبعون رجلا (2).

وقال علیه السلام : واللّه ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة ، بل بقوّة ربانيّة (3).

وفي غزاة الفتح قتل أمير المؤمنين علیه السلام الحويرث بن نفيل بن كعب (4) - وكان يؤذي النبيّ صلی اللّه علیه و آله - ، وقتل جماعة ، وكان الفتح على يده (5).

وفي غزاة حنين حين استظهر (6) النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالكثرة ، فخرج بعشرة آلاف من المسلمين ، فعانهم (7) أبو بكر ، وقال : لن نغلب اليوم من

ص: 403


1- يقلبه / خ ل. منه قدس سره .
2- انظر : مسند أحمد 6 / 8 ، شرح نهج البلاغة 1 / 21 ، الرياض النضرة 3 / 151 - 152 ، المقاصد الحسنة : 230.
3- انظر : المطالب العالية 1 / 258 ، المواقف : 412 ، شرح المواقف 8 / 371.
4- هو : الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصيّ - ويبدو أنّ ما في المتن تصحيف - ، كان يعظم القول في رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وينشد الهجاء فيه ويكثر أذاه وهو بمكّة ، فلمّا كان يوم الفتح هرب من بيته فلقيه عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقتله. أنظر : أنساب الأشراف 456/1 ، الطبقات الكبری - لابن سعد - 103/2 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 70/5 ، تاريخ الطبري 160/2.
5- انظر : السيرة النبوية - لابن هشام - 5 / 66 و 72 ، تاريخ الطبري 2 / 161 ، تاريخ دمشق 29 / 32 ، الكامل في التاريخ 2 / 122 و 125 ، البداية والنهاية 4 / 236 و 238.
6- استظهر به : استعان واستنصر به ؛ انظر : لسان العرب 8 / 277 - 278 مادّة « ظهر ».
7- عانهم : أصابهم بعينه ؛ انظر مادّة « عين » في : الصحاح 6 / 2171 ، لسان العرب 9 / 504. والمراد هنا أنه أصابهم بعینه فبان أثر ذلك في المنظور.

قلّة (1) ؛ فانهزموا بأجمعهم ، ولم يبق مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله سوى تسعة من بني هاشم ، فأنزل اللّه تعالى : ( ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (2) ، يريد عليّا ومن ثبت معه.

وكان عليّ يضرب بالسيف بين يديه ، والعبّاس عن يمينه ، والفضل عن يساره ، وأبو سفيان بن الحارث يمسك سرجه ، ونوفل وربيعة ابنا الحارث ، وعبد اللّه بن الزبير بن عبد المطّلب ، وعتبة ومعتّب ابنا أبي لهب.

وقتل أمير المؤمنين جمعا كثيرا ، فانهزم المشركون وحصل الأسر (3).

وابتلي بجميع الغزوات ، وقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (4).

ص: 404


1- انظر : المغازي - للواقدي - 3 / 890 ، أنساب الأشراف 1 / 463 ، زاد المسير 3 / 314 ، تفسير الخازن 2 / 209 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 140.
2- سورة التوبة 9 : 25 و 26.
3- انظر : السيرة النبوية - لابن هشام - 5 / 111 - 113 ، أنساب الأشراف 1 / 464 ، تاريخ اليعقوبي 1 / 381 ، شواهد التنزيل 1 / 252 ح 340 - 341 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 140 - 141.
4- انظر : مسند البزّار 2 / 215 ح 604 وج 3 / 27 ح 774 ، مسند أبي يعلى 1 / 397 ح 519 ، المعجم الكبير 10 / 91 ح 10053 و 10054 ، المعجم الأوسط 8 / 253 - 254 ح 8433 ، السنّة - لابن أبي عاصم - : 425 ح 907 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 150 ح 4674 و 4675 ، الاستيعاب 3 / 1117 ، تاريخ بغداد 8 / 340 رقم 4447 وج 13 / 187 رقم 7165 ، موضّح أوهام الجمع والتفريق 1 / 393 رقم 13 ، تاريخ دمشق 42 / 468 - 473 ، مجمع الزوائد 6 / 235 ، كنز العمّال 292/11 ح 31552 و 31553 و ص 300 ح 31570 و ص 352 ح 31720 و 31721 و ج 112/13 - 113 ح 36367.

وروى أبو بكر الأنباري في « أماليه » ، أنّ عليّا علیه السلام جلس إلى عمر في المسجد وعنده ناس ، فلمّا قام عرض واحد بذكره ، ونسبه إلى التّيه والعجب.

فقال عمر : حقّ لمثله أن يتيه ، واللّه لو لا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمّة ، وذو سبقها (1) ، وذو شرفها.

فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟!

فقال : كرهناه على حداثة السنّ ، وحبّه بني عبد المطّلب (2).

وحمله سورة براءة إلى مكّة ، وكان النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنفذ بها أبا بكر ، فنزل عليه جبرئيل وقال : إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدّيها إلّا أنت أو واحد منك (3).

وفي هذه القصّة وحدها كفاية في شرف عليّ وعلوّ مرتبته ، بأضعاف كثيرة على من لا يوثق على أدائها ولم يؤتمن عليها.

وهذه الشجاعة ، مع خشونة مأكله ؛ فإنّه لم يطعم البر ثلاثة أيّام ، وكان يأكل الشعير بغير إدام ، ويختم جريشه لئلّا يؤدمه الحسنان علیهماالسلام (4).

وكان كثير الصوم ، كثير الصلاة (5) ، مع شدّة قوّته حتّى قلع باب

ص: 405


1- سابقتها / خ ل. منه قدس سره .
2- شرح نهج البلاغة 12 / 82.
3- راجع مبحث الحديث السادس ، في الصفحات 61 - 70 من هذا الجزء.
4- انظر : الغارات : 56 - 57 ، حلية الأولياء 1 / 82 ، صفة الصفوة 1 / 133 ، شرح نهج البلاغة 1 / 26.
5- شرح نهج البلاغة 1 / 27.

خيبر ، وقد عجز عنه المسلمون (1).

وفضائله أكثر من أن تحصى.

* * *

ص: 406


1- انظر : الكامل في التاريخ 2 / 102 ؛ وراجع ما مرّ آنفا في الصفحة 402 - 403 من هذا الجزء.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكر من بلاء أمير المؤمنين في الحروب مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فهذا أمر لا شبهة فيه ، وكان في أكثر الحروب صاحب الظفر ، وهذا مشهور مسلّم لا كلام لأحد فيه.

وما ذكر من بلائه يوم بدر ، وأنّه قتل الرجال من صناديد قريش ، فهو صحيح ؛ وهو أوّل من بارز الصفّ يوم بدر حين خرج عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة ، وطلبوا المبارزة ، فخرج إليهم فئة من الأنصار ، فقالوا :

نحن لا نبارزكم ؛ ثمّ نادوا : يا محمّد! فلتخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

فقال رسول اللّه : يا عبيدة! يا حمزة! يا عليّ! اخرجوا ..

فخرجوا ، وبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، وحمزة شيبة ، وعلي الوليد.

فقتل عليّ الوليد ، وحمزة شيبة ، واختلف الضرب بين عتبة وعبيدة ، فعاونه عليّ وحمزة وقتلوا عتبة (2).

وهذا أوّل مبارزة وقع في الإسلام ، وكان أمير المؤمنين فارسه.

وأمّا ما ذكر من بلائه يوم أحد ، فهو صحيح ؛ ولكن كان الصحابة ذلك اليوم صاحبي بلاء ، وكان طلحة بن عبيد اللّه صاحب البلاء ذلك

ص: 407


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 457 الطبعة الحجرية.
2- انظر : الكامل في التاريخ 2 / 22.

اليوم ، وكذا سعد بن أبي وقاص ، وأبي دجانة (1) ، وجماعة من الأنصار.

وأمّا ما ذكر من أمر حنين ، وأنّ أبا بكر عانهم ، فهذا من أكاذيبه.

وكيف يعين أبو بكر أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكان هو ذلك اليوم شيخ المهاجرين وصاحب رايتهم؟! ولكن رجل من المسلمين أعجبه الكثرة فأنزل اللّه تلك الآية (2).

وأمّا ما ذكر من أنّ عتبة ومعتّب ابني أبي لهب وقفوا عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله يوم حنين ، فهذا من عدم علمه بالتاريخ!

ألم يعلم أنّ عتبة دعا عليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن يسلّط اللّه عليه كلبا من كلابه ، فافترسه الأسد - وذلك قبل الهجرة - ومات في الكفر ؛ فكيف حضر مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في غزوة حنين؟!

وهذا من جهله بأحوال السابقين!

وأمّا قصّة سورة براءة فقد ذكرنا حقيقته قبل هذا ؛ وأنّه كان لأجل أن يعتبر العرب على نبذ العهود ، لا لأنّه لم يكن أبو بكر موثوقا به في أداء

ص: 408


1- كذا في الأصل ، وهو ليس بغريب من ابن روزبهان! والصواب : أبو دجانة ؛ وهو : أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري الخزرجي الساعدي ، شهد بدرا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كان من الأبطال الشجعان ، وله مقامات محمودة في مغازي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكان من الثابتين يوم أحد دفاعا عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد آخى بينه وبين عتبة بن غزوان ، استشهد يوم اليمامة ، وقيل : بل عاش حتّى شهد مع الإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام صفّين. أنظر : معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 3 / 1435 رقم 1353 ، الاستيعاب 2 / 651 رقم 1060 و ج 1644/4 رقم 2938 ، أسد الغابة 299/2 رقم 2235 وج 95/5 رقم 4856 ، الإصابة 7/ 119 رقم 9857 .
2- راجع الصفحة 403 - 404 من هذا الجزء.

سورة براءة (1).

وهذا كلام لا يرتضيه أحد من المسلمين أنّ مثل أبي بكر - وكان شيخ المهاجرين ، وأمين رسول اللّه - لا يثق عليه رسول اللّه في نبذ العهد وقراءة سورة براءة ؛ وهذا من غاية تعصّبه وجهله بأحوال الصحابة!

* * *

ص: 409


1- تقدّم ذلك في الصفحة 62 - 63 من هذا الجزء ؛ فراجع!

وأقول :

لا نعرف بلاء لأحد يوم أحد إلّا لأمير المؤمنين علیه السلام ، وأبي دجانة ، والمستشهدين.

وما قيل من بلاء طلحة وسعد فمحلّ نظر ؛ لأنّهما ممّن فرّوا.

روى الطبري في « تاريخه » (1) ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال :

« انتهى أنس بن النضر - عمّ أنس بن مالك - إلى عمر بن الخطّاب وطلحة ابن عبيد اللّه في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال :

ما يجلسكم؟

قالوا : قتل محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله !

قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللّه.

ثمّ استقبل القوم حتّى قتل ».

ومثله في « كامل » ابن الأثير (2) ، وفي « الدرّ المنثور » للسيوطي ، عن ابن جرير (3).

ص: 410


1- ص 19 من الجزء الثالث [ 2 / 66 حوادث سنة 3 ه ]. منه قدس سره .
2- ص 75 من الجزء الثاني [ 2 / 50 - 51 حوادث سنة 3 ه ]. منه قدس سره .
3- الدرّ المنثور 2 / 336 تفسير الآية 144 من سورة آل عمران ؛ وانظر : السير والمغازي - لابن إسحاق - : 330 ، المغازي - للواقدي - 1 / 280 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 4 / 31 - 32 ، الثقات - لابن حبّان - 1 / 228 ، الأغاني 15 / 189 ، البداية والنهاية 4 / 28 ، تاريخ الخميس 1 / 434.

هذا ممّا دلّ على فرار طلحة وعدم بلائه.

وأمّا ما دلّ على فرار سعد ..

فمنه : ما رواه الطبري ، عن السدّي ، قال : « لم يقف إلّا طلحة ، وسهل بن حنيف (1) » (2).

ومنه : ما رواه الحاكم ، في كتاب المغازي من « المستدرك » (3) ، عن سعد ، قال : « لمّا جال (4) الناس عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله تلك الجولة [ يوم أحد ] ، تنحّيت فقلت : أذود عن نفسي ، فإمّا أن أستشهد ، وإمّا أن أنجو » الحديث.

ومنه : ما نقله ابن أبي الحديد (5) ، عن الواقدي ، قال : « بايعه يومئذ على الموت ثمانية ؛ ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار.

ص: 411


1- هو : سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي ، شهد بدرا والمشاهد كلّها مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وثبت يوم أحد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا انهزم الناس ، وكان بايعه يومئذ على الموت ، وكان يرمي بالنبل عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ صحب الإمام أمير المؤمنين عليّا علیه السلام حين بويع له ، واستخلفه أمير المؤمنين عليّ علیه السلام على المدينة حين سار منها إلى البصرة ، وشهد معه صفّين ، وولّاه بلاد فارس ، وتوفّي في الكوفة سنة 38 ه ، وصلّى عليه الإمام عليّ علیه السلام . أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 358/3 رقم 134 ، معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 1306/3 رقم 1181 ، الاستيعاب 662/2 رقم 1084 ، أسد الغابة 2 / 318 رقم 2288 ، الإصابة 3 / 198 رقم 3529 .
2- ص 20 ج 3 [ تاريخ الطبري 2 / 67 ]. منه قدس سره .
3- ص 26 من الجزء الثالث [ 3 / 28 ح 4314 ]. منه قدس سره .
4- جال يجول جولانا وجولة : إذا ذهب وجاء وانكشف ثمّ كرّ ؛ والمراد هنا : انهزم وانكشف وزال عن مكانه ؛ انظر مادّة « جول » في : النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 317 ، تاج العروس 14 / 126.
5- ص 388 من المجلّد الثالث [ 15 / 20 ]. منه قدس سره .

فأمّا المهاجرون : فعليّ ، وطلحة ، والزبير - إلى أن قال : - وأمّا باقي المسلمين ففرّوا ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يدعوهم في أخراهم (1) ، حتّى انتهى منهم إلى قريب من المهراس(2) ».

وروى القوشجي في « شرح التجريد » ما يدلّ على فرار طلحة وسعد - عند ذكر نصير الدين رحمه اللّه لغزاة أحد - ، قال : « جمع له - أي : لعليّ - الرسول صلی اللّه علیه و آله بين اللواء والراية ، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة - وكان يسمّى كبش الكتيبة - فقتله عليّ.

فأخذ الراية غيره فقتله عليّ ، ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد ، حتّى قتل تسعة نفر ؛ فانهزم المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم.

فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبيّ صلی اللّه علیه و آله فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتّى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى عليّ.

فنظر إليه النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعد إفاقته وقال له : اكفني هؤلاء ؛ فهزمهم عليّ عنه ، وكان أكثر المقتولين منه »(3).

ص: 412


1- إشارة إلى قوله تعالى : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ... ) سورة آل عمران 3 : 153.
2- المهراس : موضع ماء بأحد ؛ وقال سديف بن إسماعيل بن ميمون ، مولى بني هاشم ، في قصيدته المشهورة حين قدم على أبي العبّاس السفّاح : واذكروا مصرع الحسين وزيد *** وقتيلا بجانب المهراس وقد عنى به حمزة بن عبد المطّلب علیه السلام . انظر مادّة « هرس » في : لسان العرب 15 / 75 ، تاج العروس 9 / 38 ؛ وانظر كذلك : تاريخ اليعقوبي 2 / 294 ، الكامل في التاريخ 5 / 77 ، تاريخ ابن خلدون 3 / 162.
3- شرح تجريد الاعتقاد : 486 ، وانظر : تجريد الاعتقاد : 260.

وبهذا جاءت أخبارنا ، لكن مع ذكرها لثبات أبي دجانة (1).

ولو سلّم أنّ طلحة وسعدا ثبتا ، فلا نعرف لهما بلاء يذكر.

ودعوى أنّ طلحة أصابه شلل وقاية لوجه النبيّ صلی اللّه علیه و آله محلّ نظر ، ولذا نسبه الشعبي إلى الزعم.

فقد حكى في « كنز العمّال » (2) ، في كتاب الغزوات ، عن ابن أبي شيبة ، عن الشعبي ، قال : « أصيب يوم أحد أنف النبيّ صلی اللّه علیه و آله ورباعيّته ، وزعم أنّ طلحة وقى رسول اللّه بيده ، فضرب فشلّت يده (3) ».

ولعلّ الشلل كان حينما فرّ!!

على أنّ عمدة المستند في ثباتهما وبلائهما هو نفسهما ، وهما محلّ التهمة ، لا سيّما مع العلم بكذبهما في بعض ما ادّعياه!

روى البخاري في غزاة أحد ، وفي مناقب المهاجرين ، عن أبي عثمان ، قال : « لم يبق مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله في بعض تلك الأيّام التي قاتل فيهنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله غير طلحة وسعد ، عن حديثهما » (4).

إذ لا ريب - على تقدير ثباتهما في أحد - قد ثبت معهما غيرهما

ص: 413


1- انظر مثلا : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 81 - 86 ، إعلام الورى 1 / 377 - 378.
2- ص 277 من الجزء الخامس [ 10 / 438 ح 30061 ]. منه قدس سره . وأنظر : مصنف ابن أبي شيبة 490/8 ح 34.
3- في المصدر : « أصبعه » ، وفي « المصنّف » : « أصابعه ». والأصبع : واحدة الأصابع ، تذكر و تؤنث ، وفيه لغات؛ أنظر : لسان العرب 279/7 مادّة «صبع».
4- صحيح البخاري 5 / 94 ح 216 وص 219 ح 101.

كأمير المؤمنين علیه السلام ، فكيف يقولون : لم يبق غيرهما ؛ وليس هناك مقام آخر فرّ فيه المسلمون وثبتا فيه وحدهما؟!

فإذا علم كذبهما في ذلك ، كانا محلّ التهمة في كلّ ما أخبرا به ، ومنه دعوى سعد أنّ رسول اللّه جمع له أبويه وفداه بهما (1)!

ولو سلّم أنّهما لم يفرّا ، وأنّ لهما بلاء في أحد ، فلا يقاسان بأمير المؤمنين علیه السلام ، الذي عجبت الملائكة من حسن مواساته ، وصاح بمدحه جبرئيل ، حتّى يجعلهما الفضل في عرضه!

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ؛ فعمدة المقصود : تفضيل أمير المؤمنين علیه السلام على المشايخ الثلاثة في الشجاعة والجهاد ، كسائر الصفات الحميدة ، والآثار الجميلة ، فلا ينفع الفضل إثبات شجاعة طلحة وسعد وبلائهما في أحد وحدهما دون المشايخ!

فكيف يستحقّون التقدّم على يعسوب الدين ، وليث العالمين ، وزين العلماء العاملين ، ونفس النبيّ الأمين؟!

لا سيّما عثمان! الذي اتّفقت الكلمة والأخبار على فراره بأحد ، وأنّه إنّما رجع بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « لقد ذهبت بها عريضا! » (2).

وكذا عمر ؛ فإنّ أكثر أخبارهم تدلّ على فراره ..

منها : جميع ما سبق.

ومنها : ما ذكره السيوطي في « الدرّ المنثور » ، بتفسير قوله سبحانه :

ص: 414


1- انظر : صحيح البخاري 5 / 94 ح 218 ، صحيح مسلم 7 / 125.
2- (2) تقدّم تخريجه في الصفحة 400 ه 2 ؛ فراجع!

( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ ... ) (1) الآية ، قال : أخرج ابن المنذر (2) ، عن كليب ، قال : خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر « آل عمران » ويقول : إنّها أحدية.

ثمّ قال : تفرّقنا عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوم أحد ، فصعدت الجبل ، فسمعت يهوديّا يقول : قتل محمّد!

فقلت : لا أسمع أحدا يقول قتل محمّد إلّا ضربت عنقه ؛ فنظرت فإذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله والناس يتراجعون إليه ، فنزلت هذه الآية : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (3).

وليت شعري من أين جاء اليهودي هناك؟!

وأين كانت هذه الحماسة عن قريش؟!

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال » ، في تفسير سورة آل عمران - بعدما ذكر حديث ابن المنذر المذكور (4) - ، عن ابن جرير ، عن كليب ، قال :

ص: 415


1- سورة آل عمران 3 : 144.
2- هو : أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ، نزيل مكّة ، والمتوفّى بها سنة 318 ه ، كان فقيها حافظا محدّثا ، أخذ الفقه عن أصحاب الشافعي ، ولا يتقيّد في اختيار فتياه بمذهب بعينه ، صنّف كتبا عديدة في الإجماع والخلاف ومذاهب العلماء وغيرها ، منها : الإشراف على مذاهب أهل العلم ، الإقناع ، الأوسط ، الإجماع ، المبسوط ، تفسير القرآن. أنظر : طبقات الفقهاء - لأبي إسحاق - : 105 ، وفيات الأعيان 207/4 رقم 580 ، تهذيب الأسماء واللغات 196/2 رقم 301 ، سير أعلام النبلاء 490/14 رقم 275 ، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 102 رقم 118 ، لسان الميزان 27/5 رقم 104 ، طبقات الحفاظ : 330 رقم 746 .
3- الدرّ المنثور 2 / 334.
4- ص 238 من الجزء الأوّل [ 2 / 375 ح 4290 ]. منه قدس سره .

خطبنا عمر فقرأ آل عمران ، فلمّا انتهى إلى قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ... ) (1) قال : لمّا كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتّى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروى (2) ... » (3) .. الحديث.

ومنها : ما ذكره ابن أبي الحديد (4) ، نقلا عن الواقدي ، قال : « لمّا صاح إبليس : إنّ محمّدا قد قتل ؛ تفرّق الناس - إلى أن قال : - وممّن فرّ عمر وعثمان ».

ومنها : ما حكاه أيضا عن الواقدي ، في قصّة الحديبية ، قال : « قال عمر : ألم تكن حدّثتنا أنّك ستدخل المسجد الحرام؟! - إلى أن قال : - ثمّ أقبل على عمر فقال : أنسيتم يوم أحد ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ) (5) وأنا أدعوكم في أخراكم؟! » (6) .. الحديث.

.. إلى غير ذلك من الأخبار (7).

ص: 416


1- سورة آل عمران 3 : 155.
2- الأروى : جمع كثرة للأرويّة ، وهي الأيايل التي تعيش في الجبال ، وقيل : إنّها غنم الجبال ، والأنثى من الوعول ؛ انظر : لسان العرب 5 / 384 مادّة « روي ».
3- كنز العمّال 2 / 376 ح 4291 ، وانظر : تفسير الطبري 3 / 488 ح 8097.
4- ص 389 ج 3 [ 15 / 24 ]. منه قدس سره . وأنظر : المغازي - للواقدي - 277/1 - 279.
5- سورة آل عمران 3 : 153.
6- شرح نهج البلاغة 15 / 24 ، وانظر : المغازي - للواقدي - 2 / 609.
7- منها : ما أخرجه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 15 / 22 ، أنّ عمر جاءته في أيّام خلافته امرأة تطلب بردا من برود كانت بين يديه ، وجاءت معها بنت لعمر تطلب بردا أيضا ، فأعطى المرأة وردّ ابنته ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّ أبا هذه ثبت يوم أحد ، وأبا هذه فرّ يوم أحد ولم يثبت. ومنها : ما رواه الواقدي في المغازي 237/1 ونقله عنه ابن أبي الحديد في ورأيت شرح نهج البلاغة 15 / 22 - 23 ، عن خالد بن الوليد ، أنه كان يقول : لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطاب حين جال المسلمون وأنهزموا يوم أحد وما معه أحد، وأني لفي كتيبة خشناء ، فما عرفه منهم أحد غيري ، وخشيت إن أغريت به من أن يصمدوا له ، فنظرت إليه وهو متوجّه إلى الشعب .

وأمّا أبو بكر ؛ فيدلّ على فراره أيضا أخبار ..

منها : بعض ما قدّمناه في أدلّة فرار سعد وطلحة (1).

ومنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك » (2) ، وصحّحه ، عن عائشة ، قالت : قال أبو بكر : لمّا جال الناس عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوم أحد كنت أوّل من فاء.

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال » (3) ، في غزاة أحد ، عن أبي داود الطيالسي ، وابن سعد ، والبزّار ، والدارقطني ، وابن حبّان ، وأبي نعيم ، والضياء في « المختارة » ، وغيرهم ، بأسانيدهم عن عائشة ، قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ، ثمّ قال : ذاك كان كلّه يوم طلحة!

ثمّ أنشأ يحدّث ، قال : كنت أوّل من فاء يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله [ دونه ] ، فقلت : كن طلحة حيث فاتني ما فاتني ، فقلت : يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ » .. الحديث.

ص: 417


1- راجع ما مرّ آنفا في الصفحة 410 وما بعدها من هذا الجزء.
2- ص 27 ج 3 [ 3 / 29 ح 4315 ]. منه قدس سره .
3- ص 294 ج 3 [ 10 / 424 - 425 ح 30025 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند أبي داود الطيالسي : 3 ، مسند البزار 132/1 - 63 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 163/3 ، الأوائل - للطبراني - : 91 ح 63 ، معرفة الصحابة 1 / 96 ح 369 ، المستدرك على الصحيحين 298/3 ح 5159 ، تاریخ دمشق 75/25.

ومنها : ما رواه مسلم ، في أوّل غزوة أحد ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش (1).

ومن المعلوم أنّ أحد الرجلين عليّ ، والآخر ليس أبا بكر ؛ إذ لا رواية ولا قائل في ثباته ، وفرار سعد أو طلحة.

ومنها : ما رواه الحاكم في فضائل أبي بكر من « المستدرك » (2) ، عن ابن عبّاس ، في قوله تعالى : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (3) ، قال : « أبو بكر وعمر » ؛ ثم قال الحاكم : « صحيح على شرط الشيخين ».

ونقله السيوطي في « الدرّ المنثور » ، عن الحاكم ، قال : « وصحّحه » ، وعن البيهقي في « سننه » ، عن ابن عبّاس ، قال : نزلت هذه الآية في : أبي بكر وعمر (4).

ونقل الرازي في « تفسيره » ، عن الواحدي في « الوسيط » ، عن عمرو ابن دينار ، أنّه قال : الذي أمر اللّه (5) بمشاورته في هذه الآية : أبو بكر وعمر (6).

ووجه الدلالة في ذلك على فرار أبي بكر وكذا عمر ، أنّ من أمر اللّه سبحانه بمشاورته هم المنهزمون في أحد ، الّذين أمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالعفو عنهم.

ص: 418


1- صحيح مسلم 5 / 178.
2- ص 70 من الجزء الثالث [ 3 / 74 ح 4436 ]. منه قدس سره .
3- سورة آل عمران 3 : 159.
4- الدرّ المنثور 2 / 359 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 10 / 108 - 109.
5- في المصدر : « النبيّ ».
6- تفسير الفخر الرازي 9 / 70 ، وانظر : الوسيط 1 / 512 - 513.

ولذا استشكل الرازي في رواية الواحدي فقال : « وعندي فيه إشكال ؛ لأنّ الّذين أمر اللّه رسوله بمشاورتهم في هذه الآية هم الّذين أمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم ، وهم المنهزمون.

فهب أنّ عمر كان من المنهزمين فدخل تحت الآية ، إلّا أنّ أبا بكر ما كان منهم ، فكيف يدخل تحت هذه الآية؟! واللّه أعلم » (1) انتهى.

وفيه : إنّ الإشكال موقوف على تقدير ثبات أبي بكر ، وهو خلاف الحقيقة!

هذا ، والآية ظاهرة في الأمر بمشاورتهم للتأليف ، كما يظهر من كثير من أخبارهم (2).

ومثله الأمر بالعفو عنهم والاستغفار لهم ، كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى.

وقال ابن أبي الحديد (3) : « قال الجاحظ : وقد ثبت أبو بكر مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله يوم أحد كما ثبت عليّ ، فلا فخر لأحدهما على صاحبه.

قال شيخنا أبو جعفر : أمّا ثباته يوم أحد فأكثر المؤرّخين وأرباب السير ينكرونه ، وجمهورهم يروي أنّه لم يبق مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلّا عليّ وطلحة والزبير وأبو دجانة.

وقد روى عن ابن عبّاس أنّه قال : ولهم خامس ، وهو عبد اللّه بن

ص: 419


1- تفسير الفخر الرازي 9 / 70.
2- انظر مثلا : تفسير الماوردي 1 / 433 ، تفسير الطبري 3 / 495 - 496 ، تفسير القرطبي 4 / 161.
3- ص 281 من المجلّد الثالث [ 13 / 293 - 294 ]. منه قدس سره .

مسعود ؛ ومنهم من أثبت سادسا ، وهو المقداد بن عمرو.

وروى يحيى بن سلمة بن كهيل ، قال : قلت [ لأبي ] : كم ثبت مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوم أحد؟

فقال : اثنان.

قلت : من هما؟

قال : عليّ وأبو دجانة.

وهب أنّ أبا بكر ثبت يوم أحد كما يدّعيه الجاحظ ، أيجوز له أن يقول : ( ثبت كما ثبت عليّ ، فلا فخر لأحدهما على الآخر )؟! وهو يعلم آثار عليّ ذلك اليوم ، وأنّه قتل أصحاب الألوية من بني عبد الدار ، منهم : طلحة بن أبي طلحة ، الذي رأى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في منامه أنّه مردف كبشا ، فأوّله وقال : كبش الكتيبة نقتله ؛ فلمّا قتله عليّ مبارزة - وهو أوّل قتيل قتل من المشركين ذلك اليوم - كبّر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقال : هذا كبش الكتيبة!

وما كان [ منه ] من المحاماة عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقد فرّ المسلمون وأسلموه ، فتصمد له كتيبة من قريش ، فيقول : يا عليّ! اكفني هذه ؛ فيحمل عليها فيهزمها ، ويقتل عميدها ، حتّى سمع المسلمون والمشركون صوتا من قبل السماء :

لا سيف إلّا ذو الفقا *** ر ولا فتى إلّا علي

وحتّى قال النبيّ عن جبرئيل ما قال!

أتكون هذه آثاره وأفعاله ثمّ يقول الجاحظ : لا فخر لأحدهما على صاحبه؟!

ص: 420

( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ) (1) ».

وليت شعري ، كيف يتصوّر ثبات أبي بكر في ذلك اليوم الهائل وحومة الحرب الطاحنة وما أصاب ولا أصيب؟!

أتراهم ينعون شلل أصبع طلحة ، ولا ينعون جرح أبي بكر لو أصيب؟!

وكيف يسلم وهو قد ثبت للحرب ومحاماة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وهو يرى ما جنى عليه الكافرون؟! ولا سيّما قد زعم أولياؤه أنّه قرين النبيّ صلی اللّه علیه و آله في طلب قريش له ، حتّى بذلوا في قتله ما بذلوا في قتل النبيّ صلی اللّه علیه و آله (2)!

وأمّا تكذيب الفضل للمصنّف رحمه اللّه في دعوى أنّ أبا بكر عانهم يوم حنين ، فمن الجهل ؛ لأنّ الرازي والزمخشري ذكرا من الأقوال : إنّ أبا بكر هو القائل : « لن نغلب اليوم عن (3) قلّة » (4).

وروى القوشجي في « شرح التجريد » ، عند تعرّض المصنّف لغزاة حنين ، قال : « سار النبيّ صلی اللّه علیه و آله في عشرة آلاف ، فتعجّب أبو بكر من كثرتهم وقال : ( لن نغلب اليوم لقلّة ) ، فانهزموا بأجمعهم ، ولم يبق مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله سوى تسعة نفر : عليّ ، والعبّاس ، وابنه الفضل ، وأبو سفيان

ص: 421


1- سورة الأعراف 7 : 89.
2- زعموا فضيلة اختلقوها له! استندوا فيها إلى قوله تعالى : ( إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ... ) سورة التوبة 9 : 40 ؛ انظر مؤدّى ذلك في العثمانية : 28 وما بعدها.
3- (3) كذا في الأصل ، وفي المصدرين : « من » ؛ وكلاهما بمعنى!
4- تفسير الفخر الرازي 16 / 22 ، تفسير الكشّاف 2 / 182.

ابن الحارث ، ونوفل بن الحارث (1) ، وربيعة بن الحارث (2) ، وعبد اللّه بن الزبير (3) ، وعتبة ومعتّب (4) ابنا أبي لهب.

ص: 422


1- هو : أبو الحارث نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، ابن عمّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كان أسنّ من إخوته ومن سائر من أسلم من بني هاشم ، أسر يوم بدر وفداه عمّه العبّاس ، وقيل : بل هو الذي فدى نفسه برماح كانت له ، ثمّ أسلم وهاجر أيّام الخندق ، وقيل : بل أسلم يوم فدى نفسه ، شهد فتح مكّة وحنينا والطائف ، آخى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بينه وبين العبّاس ، وكان ممّن ثبت يوم حنين مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وأعان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوم حنين بثلاثة آلاف رمح ، توفّي بالمدينة سنة 15 ه. أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 33/4 رقم 347 ، معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 2687/5 رقم 2897 ، الاستيعاب 1512/4 رقم 2642 ، أُسد الغابة 593/4 رقم 5310 .
2- هو : أبو أروى ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، كان أسنّ من عمّه العبّاس بسنتين ، كان غائبا بالشام حين خرج المشركون إلى بدر فلم يشهدها معهم ، ثمّ أسلم مع عمّه العبّاس وأخيه نوفل أيّام الخندق ، شهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فتح مكّة والطائف وحنين ، وتوفّي بالمدينة سنة 23 ه أيّام عمر ابن الخطّاب بعد أخويه نوفل وأبي سفيان. أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 35/4 رقم 348 ، معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 2 / 1085 رقم 943 ، الاستيعاب 2 / 490 رقم 756 ، أسد الغابة 57/2 رقم 1635.
3- هو : عبد اللّه بن الزبير بن عبد المطّلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، لا عقب له ، ويروى أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان يقول له : ابن عمّي وحبّي ؛ استشهد يوم أجنادين سنة 13 ه ، ووجد عنده عصبة من الروم قد قتلهم ، ثمّ أثخنته الجراح فمات ، وكان أوّل من برز يومئذ ، وكانت سنّه يوم توفّي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله نحوا من ثلاثين سنة. أنظر : جمهرة النسب 21/1 ، الاستيعاب 904/3 رقم 1534 ، التبيين في أنساب القرشيّين : 140 ، أسد الغابة 137/3 رقم 2946 ، الإصابة 89/4 رقم ،4684.
4- في المصدر : « مصعب » ، وهو تصحيف ظاهر.

فخرج أبو جرول وقتله عليّ ، فانهزم المشركون ، وأقبل النبيّ صلی اللّه علیه و آله وسار نحو العدوّ ، فقتل عليّ منهم أربعين وانهزم الباقون وغنمهم المسلمون » (1).

ومن المعلوم أنّ الإصابة بالعين تحصل من نحو هذا التعجّب ؛ ولذا ساء النبيّ صلی اللّه علیه و آله قوله : « لن نغلب اليوم عن قلّة ».

قال السيوطي في « الدرّ المنثور » : أخرج البيهقي في « الدلائل » ، عن الربيع ، أنّ رجلا قال يوم حنين : « لن نغلب اليوم عن قلّة » ، فشقّ ذلك على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فأنزل اللّه : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ) (2) (3).

ونحوه في « حاشية صحيح البخاري » للسندي (4).

والظاهر أنّ الراوي أراد بالرجل أبا بكر ، وعبّر عنه برجل احتشاما له في مثل المقام ، كما يشهد له التصريح باسمه في بعض الروايات!

وقول الفضل : « كيف يعين أبو بكر أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وكان ذلك اليوم شيخ المهاجرين؟! ... » إلى آخره ..

خطأ ؛ إذ لا يستبعد ذلك ممّن لم ينشأ على الحروب ومقارعة الجيوش ، ولا تتوقّف إصابة العين على العداوة ، بل تنشأ من أمور نفسيّة في العائن!

ص: 423


1- شرح تجريد الاعتقاد : 487.
2- سورة التوبة 9 : 25.
3- الدرّ المنثور 4 / 158 ، وانظر : دلائل النبوّة - للبيهقي - 5 / 123.
4- حاشية السندي على صحيح البخاري 3 / 110 ب 56.

راجع شرح ابن أبي الحديد لقوله علیه السلام : « العين حقّ » (1) (2).

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ أبا بكر كان صاحب رايتهم يوم حنين ، فلم أجد أحدا قاله أو رواه ، وإنّما صاحبها عليّ علیه السلام .

روى الحاكم (3) ، عن ابن عبّاس ، قال : « لعليّ أربع خصال ليست لأحد : هو أوّل عربي وأعجمي صلّى مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف ، والذي صبر معه يوم المهراس (4) ، وهو الذي غسّله وأدخله قبره ».

وروى الحاكم أيضا (5) ، عن مالك بن دينار ، قال : « سألت سعيد بن جبير : من كان حامل راية رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟! - إلى أن قال : - فقال : كان حاملها عليّ ، هكذا سمعت من عبد اللّه بن عبّاس ».

ثمّ قال الحاكم : « هذا صحيح الإسناد ، وله شاهد من حديث زنفل

ص: 424


1- ص 430 من المجلّد الرابع [ 19 / 372 الخطبة 408 ]. منه قدس سره .
2- (2) فمن العجيب ما جعله الرازي والزمخشري قولا لبعضهم - وإن استبعده الرازي - [ انظر : تفسير الفخر الرازي 16 / 22 ، تفسير الكشّاف 2 / 182 ] ، وهو أنّ الذي تعجّب من الكثرة وقال : « لن نغلب اليوم من قلّة » هو رسول اللّه!! فما أجرأهم على اللّه ورسوله!! كيف ينسبون إليه هذه الكلمة الدالّة على عدم التوكّل على اللّه ، وعلى صدور العين منه ، الكاشفة عن خبث النفس؟! وكل هذا حفظاً لشأن أبي بكر ! فهم مرة ينسبون الكلمة إلى رجل مجمل تبعيداً لها عن أبي بكر ، ومرة ينسبونها إلى سيد النبيين ، المطهر من كل عيب ، تبعيداً لها عن الدلالة على النقص !
3- ص 111 من الجزء الثالث [ 3 / 120 ح 4582 ]. منه قدس سره .
4- أي : يوم أحد ، جاء فيه عليّ علیه السلام بماء من المهراس. منه قدس سره .
5- ص 137 ج 3 [ 3 / 147 ح 4665 ]. منه قدس سره .

العرفي ، وفيه طول فلم أخرجه » (1).

ونقل في « كنز العمّال » (2) ، عن ابن عساكر ، عن ابن عبادة ، قال : كانت راية رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المواطن كلّها - راية المهاجرين - مع عليّ ابن أبي طالب علیه السلام .

وأمّا ما أنكره على المصنّف رحمه اللّه من حضور عتبة بن أبي لهب في حنين ، فيبطله رواية القوشجي له كما سبق (3).

وما ذكره في « الاستيعاب » بترجمة معتّب وعتبة ، من أنّهما ما شهدا مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله حنينا (4) ، وما زعمه من أنّ عتبة افترسه الأسد بدعاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فباطل ؛ لأنّ ذلك هو لهب بن أبي لهب كما رواه الحاكم في « المستدرك » بتفسير سورة ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (5) (6).

واعلم أنّه لا خلاف في فرار عثمان يوم حنين ، ويظهر من « الاستيعاب » أنّه لا إشكال أيضا في فرار أبي بكر! وإنّما الكلام في فرار عمر ..

قال في ترجمة العبّاس بن عبد المطّلب : « انهزم الناس [ عن رسول

ص: 425


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 147 ذ ح 4665.
2- ص 295 من الجزء الخامس [ 10 / 506 ح 30171 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 72/42.
3- تقدّم ذلك آنفا في الصفحتين 421 - 422.
4- الاستيعاب 3 / 1030 رقم 1766 وج 3 / 1430 رقم 2459 ، وانظر : أسد الغابة 3 / 465 رقم 3552 وج 4 / 449 رقم 5011 ، الإصابة 4 / 440 رقم 5417 وج 6 / 175 رقم 8126.
5- سورة المسد 111 : 1.
6- ص 539 من الجزء الثاني [ 2 / 588 ح 3984 ]. منه قدس سره . وأنظر : دلائل النبوّة - للبيهقي - 338/2.

اللّه صلی اللّه علیه و آله ] يوم حنين ، غيره (1) ، وغير عمر ، وعليّ ، وأبي سفيان ابن الحارث ، وقد قيل : غير سبعة من أهل بيته ..

وذلك مذكور في شعر العبّاس ، الذي يقول فيه [ من الطويل ] :

ألا هل أتى عرسي مكرّي ومقدمي

بوادي حنين والأسنّة تشرع »

إلى أن قال في « الاستيعاب » : « وهو شعر مذكور في ( السيرة ) لابن إسحاق ، وفيه:

نصرنا رسول اللّه في الحرب سبعة *** وقد فرّ من قد فرّ عنه وأقشعوا (2)

وثامننا لاقى الحمام بسيفه *** بما مسه في اللّه لا يتوجّع

وقال ابن إسحاق : السبعة : عليّ ، والعبّاس ، والفضل بن العبّاس ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه جعفر ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، والثامن أيمن بن عبيد (3).

وجعل غير ابن إسحاق في موضع أبي سفيان : عمر بن الخطّاب.

والصحيح أنّ أبا سفيان بن الحارث كان يومئذ معه ، لم يختلف فيه ،

ص: 426


1- أي : العبّاس بن عبد المطّلب.
2- أقشع القوم : تفرّقوا ؛ انظر : لسان العرب 11 / 173 مادّة « قشع ».
3- هو : أيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال ، وهو ابن أمّ أيمن حاضنة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وهو أخو أسامة بن زيد بن حارثة لأمّه ، استشهد يوم حنين. أنظر : معرفة الصحابة - لأبي نعيم - 318/1 رقم 197 ، الاستيعاب 128/1 رقم 131، أسد الغابة 189/1 رقم 353 ، الإصابة 170/1 - 171 رقم 394.

واختلف في عمر » (1).

ويؤيّد ما صحّحه ما ذكره البخاري في غزاة حنين ؛ فإنّه روى خبرين عن البراء صريحين في ثبات أبي سفيان (2) ، وخبرين عن أبي قتادة صريحين في فرار عمر ، قال أبو قتادة في أحدهما : « انهزم المسلمون وانهزمت معهم ، فإذا عمر بن الخطّاب في الناس ، فقلت له : ما شأن الناس؟!

قال : أمر اللّه!!

ثمّ تراجع الناس إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (3).

وقال في الآخر : « لمّا التقينا كانت للمسلمين جولة - إلى أن قال : - فلحقت عمر فقلت : ما بال الناس؟!

قال : أمر اللّه!! ثمّ رجعوا » (4) .. الحديث.

ونحوه في كتاب « الجهاد » من صحيح مسلم ، في « باب استحقاق القاتل سلب المقتول » (5).

وذكر في « كنز العمّال » - في كتاب الغزوات (6) - حديثين يتضمّنان أنّ الثابتين هم : عليّ ، والعبّاس ، وأبو سفيان بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، وعبد اللّه بن الزبير بن عبد المطّلب ، والزبير بن العوّام ، وأسامة بن

ص: 427


1- الاستيعاب 2 / 812 - 813 رقم 1378.
2- صحيح البخاري 5 / 310 ح 318 و 320.
3- صحيح البخاري 5 / 312 ح 323.
4- صحيح البخاري 5 / 312 ح 323.
5- صحيح مسلم 5 / 148.
6- ص 304 من الجزء الخامس [ 10 / 542 ح 30214 و 30215 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 137/28 - 138.

زيد.

وقد روى في « كشف الغمّة » بيتي العبّاس الأخيرين كما في « الاستيعاب » ، إلّا أنّه أبدل لفظ « سبعة » ب « تسعة » ، ولفظ « ثامن » ب « عاشر » ، وسمّى التسعة كما سمّاهم المصنّف والقوشجي (1).

وروى أيضا عن مالك بن عبادة الغافقي أنّه قال [ من الخفيف ] :

لم يواس النبيّ غير بني ها *** شم عند السيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط *** فهم يهتفون بالناس : أين (2)؟!

ثمّ قاموا مع النبيّ على المو *** ت فآبوا زينا لنا غير شين

وثوى أيمن الأمين من القو *** م شهيدا فاعتاض قرّة عين (3)

وأمّا ما زعمه من حقيقة قصّة براءة ، فقد سبق في الخبر السادس أنّها لا حقيقة لها ، اختلقوها لتسديد حال أبي بكر ، وبيّنّا أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لم يبعثه أوّلا إلّا ليعزله ثانيا ؛ تنبيها على فضل عليّ وعدم كفاية أبي بكر ؛ ليعتبر الناس أنّ من ليست له أهليّة القيام بتأدية « براءة » مقام النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا يصلح للقيام مقامه في الإمامة والزعامة العظمى بالأولويّة (4)!

* * *

ص: 428


1- كشف الغمّة 1 / 221 - 222 ، الاستيعاب 2 / 813 ، وانظر : شرح تجريد الاعتقاد : 487.
2- أين : ظرف للمكان مبنيّ على الفتح ، وكسر هنا لضرورة القافية.
3- كشف الغمّة 1 / 221.
4- انظر الصفحات 64 - 70 من هذا الجزء.

نسبه [ من فضائله الخارجية ]

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - :

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - (1) :

القسم الثالث : في الفضائل الخارجيّة ، وفيه مطالب :

الأوّل : في نسبه

لم يلحق أحد أمير المؤمنين علیه السلام في شرف النسب ، كما قال علیه السلام : « نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد » (2).

قال الجاحظ - وهو من أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين علیه السلام - :

« صدق عليّ في قوله : نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد.

كيف يقاس بقوم منهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، والأطيبان : عليّ وفاطمة ، والسبطان : الحسن والحسين ، والشهيدان : أسد اللّه حمزة وذو الجناحين جعفر ، وسيّد الوادي عبد المطّلب ، وساقي الحجيج عبّاس ، وحليم البطحاء أبو طالب.

والنجدة والخيرة فيهم ، والأنصار من نصرهم ، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم ، والصدّيق من صدّقهم ، والفاروق من فرق بين الحقّ والباطل فيهم ، والحواريّ حواريّهم ، وذو الشهادتين ؛ لأنّه شهد لهم ، ولا خير إلّا فيهم ولهم ومنهم؟!

ص: 429


1- نهج الحقّ : 252.
2- انظر : فردوس الأخبار 2 / 373 ح 7094 ، ذخائر العقبى : 49 ، كنز العمّال 12 / 104 ح 34201 وج 13 / 7 - 8 ح 36095.

وأبان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أهل بيته بقوله : إنّي تارك فيكم الخليفتين ؛ كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض (1).

ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لمّا طلب مصاهرة عليّ : إنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي (2).

فأمّا عليّ ، فلو أوردنا لأيّامه الشريفة ، ومقاماته الكريمة ، ومناقبه السنيّة ، لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال .. العرق صحيح ، والمنشأ كريم ، والشأن عظيم ، والعمل جسيم ، والعلم كثير ، والبيان عجيب ، واللسان خطيب ، والصدر رحيب ، وأخلاقه وفق أعراقه ، وحديثه يشهد لقديمه ».

هذا قول عدوّه (3).

* * *

ص: 430


1- راجع الصفحة 236 وما بعدها من هذا الجزء.
2- السير والمغازي - لابن إسحاق - : 249 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 8 / 339 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 774 - 776 ح 1069 و 1070 ، مسند البزّار 1 / 397 ح 274 ، المعجم الكبير 3 / 45 ح 2634 و 2635 وج 11 / 194 ح 1621 ، المعجم الأوسط 4 / 437 ح 4132 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 153 ح 4684 ، حلية الأولياء 2 / 34 رقم 131 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 7 / 64 و 114 ، تاريخ بغداد 6 / 182 رقم 3237 وج 10 / 271 رقم 5387.
3- انظر : كشف الغمّة 1 / 30 - 31 ، ينابيع المودّة 1 / 459.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكر من كلام الجاحظ صحيح لا شكّ فيه ، وفضائل أمير المؤمنين أكثر من أن تحصى ، ولو أنّي تصدّيت لبعضها لأغرقت فيه الطوامير.

وأمّا ما ذكر أنّ الجاحظ كان من أعدائه ، فهذا كذب ؛ لأنّ محبّة السلف لا تفهم إلّا من ذكر فضائلهم ، وليس هذه المحبّة أمرا مشتهيا للطبع.

وكلّ من ذكر فضائل أحد من السلف ، فنحن نستدلّ من ذلك الذكر على وفور محبّته إيّاه.

وقد ذكر الجاحظ أمير المؤمنين بالمناقب المنقولة ، وكذا ذكره في غير هذا من رسائله ، فكيف يحكم بأنّه عدوّ لأمير المؤمنين؟!

وهذا يصحّ على رأي الروافض ؛ فإنّ الروافض لا يحكمون بالمحبّة إلّا بذكر مثالب الغير.

فعندهم محبّ عليّ من كان مبغض الصحابة ، وبهذا المعنى يمكن أن يكون الجاحظ عدوّا.

* * *

ص: 431


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 460 الطبعة الحجرية.

وأقول :

لا يصحّ الاستدلال على حبّ أمير المؤمنين علیه السلام بمجرّد ذكر فضائله ؛ إذ لا يسع أحدا أن يعد فضلا لسواه ويدعه ، ويثني على غيره ويعدوه.

وقد علم اللّه ما في طيّات قلوبهم من بغضه ، وإن اختلف قوّة وضعفا ؛ إذ لا يجتمع حبّه الصادق مع موالاة مبغضيه ، لا سيّما أظهر أعدائه وأكبر حسّاده وأشدّ محاربيه ، كمعاوية ، وابن العاص ، ومروان ، والمغيرة ، وأشباههم! بل كيف يوالي النبيّ من والاهم؟! وكيف يؤمن به من نصرهم وأطراهم؟!

أليس هو القائل لعليّ علیه السلام : « حربك حربي » (1) و « من أبغضك أبغضني » (2) و « من سبّك سبّني » (3)؟!

ص: 432


1- انظر : المعجم الأوسط 3 / 256 ح 2875 وج 5 / 316 ح 5015 وج 7 / 242 ح 7259 ، المعجم الصغير 3 / 3 ، تاريخ بغداد 7 / 137 رقم 3582 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 96 ح 73 ، شرح نهج البلاغة 2 / 297 ، كنز العمّال 12 / 97 ح 34164 ، ينابيع المودّة 1 / 172 ح 19. وقد تقدم تخريج الحديث بألفاظه المختلفة في ج 358/4 ه 4 من هذا الكتاب ؛ فراجع!
2- انظر : المعجم الأوسط 5 / 166 ح 4751 ، تاريخ دمشق 42 / 269 - 271 ، تذكرة الخواصّ : 52 ، مجمع الزوائد 9 / 129. وقد تقدم تخريج الحديث بألفاظه المختلفة في ج 12/1 ه 2 و ج 271/5 ه 1 ؛ فراجع!
3- انظر : مسند أحمد 6 / 323 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 133 ح 8476 ، مسند أبي يعلى 12 / 444 ح 7013 المعجم الكبير 23 / 322 - 323 ح 737 ، المعجم الصغير 2 / 21 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 130 - 131 ح 4615 و 4616 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للمغازلي - 208 ح 271 ، مناقب الطمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 148 ح 175 ، تاريخ دمشق 42 / 266 ، كفاية الطالب : 82 - 89 باب « كفر من سبّ عليّا علیه السلام » ، الرياض النضرة 3 / 122 و 123 ، ذخائر العقبى : 123 ، مختصر تاريخ دمشق 17 / 366 وج 18 / 83 ، الخلفاء الراشدون - للذهبي - : 385 ، مشكاة المصابيح 3 / 359 ح 6101 ، البداية والنهاية 7 / 282 حوادث سنة 40 ه ، جامع المسانيد والسنن 19 / 31 ، مجمع الزوائد 9 / 130 - 133 ، الجامع الصغير 2 / 529 ح 8736 ، الصواعق المحرقة : 190 ، درّ السحابة : 224 ، ينابيع المودّة 2 / 274 ح 782 وص 277 - 278 ح 796.

وقال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (1).

فإذا رأيت أحدا ممّن يوالي هؤلاء يذكر فضلا لأمير المؤمنين علیه السلام ؛ فليس إلّا لأنّه لا يسعه - كما عرفت - ، أو لأنّه يريد أن يدفع عنه وصمة النصب (2) ، أو يريد بيان اطّلاعه وسعة باعه ، لا حبّا له ووفاء

ص: 433


1- سورة المجادلة 58 : 22.
2- كعبد اللّه بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، المولود في سجستان سنة 230 ه ، والمتوفّى ببغداد سنة 316 ه ، والمنسوب إلى النصب ، وهو ابن صاحب « السنن ». قال ابن عدي في ترجمته : سمعت عليّ بن عبد اللّه الداهري يقول : سألت ابن أبي داود بالريّ عن حديث الطير ، فقال : إن صح حديث الطير فنبوة النبي باطل ؛ لأنه حكى عن حاجب النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم خيانة ، وحاجب النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم لا يكون خائناً ! وروى عبد اللّه هذا عن الزهري ، عن عروة ، قال : كانت قد حَفِيتْ أظافير من كثرة ما كان يتسلّق على أزواج رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم ! وقد نفاه ابنُ الفرات من بغداد إلى واسط بسبب نصبه ، ورده علي بن عيسى ، فحدث وأظهر فضائل علي عليه السلام ، وكان يقول : كل الناس مني في حِل ، إلا من رماني ببغض علي عليه السلام ! ثم تحنبل فصار شيخاً فيهم! أنظر : الكامل في ضعفاء الرجال 265/4 رقم 1101 ، سير أعلام النبلاء 221/13 رقم 118.

بحقّه (1)!

ولذا لا يروون له فضيلة إلّا وطعنوا - مهما أمكن - بسندها أو دلالتها ، ولا تنشرح نفوسهم لها ، بخلاف ما إذا رووا فضيلة لغيره!

ولا بدّ أن يظهر اللّه مخفيّات سرائرهم على صفحات أرقامهم وطفحات أقلامهم ، كما رأيته من هذا الرجل في كثير من كلماته ، وظهر على الجاحظ في رسالته التي تحامل فيها على أمير المؤمنين علیه السلام كلّ التحامل ، وظهر فيها مظهر العداء له ، التي نقضها أبو جعفر الإسكافي (2).

ص: 434


1- كالذهبي ؛ فقد أفرد طرق حديث الطير بمصنّف ، وحديث « من كنت مولاه » بمصنّف آخر ، وكان قد أنكر في كتابه « تلخيص المستدرك » على الحاكم النيسابوري إخراجه في « المستدرك » حديث الطير ، ولمّا رأى كثرة طرقه أفرده هو بمصنّف! حتّى قال : « وأمّا حديث الطير ، فله طرق كثيرة جدّا ، قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ؛ وأمّا حديث : ( من كنت مولاه ) ، فله طرق جيّدة ، وقد أفردت ذلك أيضا ». أنظر : تذكرة الحفاظ 1042/3 - 1043 . وقال : « وقد جمعتُ طرق حديث الطير في جزء ، وطرق حديث : ( من كنت مولاه) ، وهو أصح ، وأصحُ منهما ما أخرجه مسلم عن علي ، قال : (إنّه لعهد النبي الأمي صلی اللّه عليه وآله وسلم إلى : إنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق )» . أنظر : سير أعلام النبلاء 17 / 169 .
2- والإسكافي ، المتوفى سنة 240 ه- ، هو أول من نقض بكتابه «نقض العثمانية» كتاب «العثمانية» للجاحظ ، وقد أورد ابن أبي الحديد مقاطع كثيرة منه في كتابه . أنظر : شرح نهج البلاغة 13 / 215 - 295 . ومن الذين نقضوا كتاب الجاحظ ، السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسیٰ بن طاووس، المتوفى سنة 673 ه- ، بكتابه «بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية » ، وهو مطبوع بتحقيق السيّد عليّ العدناني الغريفي ، ونشر مؤسّستنا.

ونقلنا كلمة منها في المبحث السابق (1).

هيهات لا تتكلّفنّ لي الهوى

فضح التطبّع شيمة المطبوع(2)

وممّا ذكرنا يعلم أنّه يشترط في حبّ عليّ علیه السلام الحقيقي بغض أعدائه.

* * *

ص: 435


1- راجع الصفحتين 419 - 420 من هذا الجزء.
2- البيت للشريف الرضي ، من الكامل ، من قصيدة في الغزل ، مطلعها : يا صاحب القلب الصحيح أما اشتفى *** ألم الجوى من قلبي المصدوع؟! انظر : ديوان الشريف الرضي 1 / 652.

شرف زوجته وأولاده

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - :

قال المصنّف - أعلى اللّه درجته - (1) :

المطلب الثاني : في زوجته وأولاده

كانت فاطمة سيّدة نساء العالمين زوجته ..

قال ابن عبّاس : « لمّا زفّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله فاطمة علیهاالسلام كان قدّامها ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك من ورائها ، يسبّحون اللّه ويقدّسونه حتّى طلع الفجر » (2).

فانظر - أيّها العاقل! - كيف يروي الجمهور هذه الروايات ، ويظلمونها ، ويأخذون حقّها (3) ، ويكسرون ضلعها ، ويجهضون ولدها من

ص: 436


1- نهج الحقّ : 254.
2- انظر : تاريخ بغداد 5 / 7 رقم 2354 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 341 - 342 ح 362 ، مقتل الحسين علیه السلام - للخوارزمي - : 108 ح 41 ، ذخائر العقبى : 73 ، فرائد السمطين 1 / 96 ح 65 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 402.
3- انظر : صحيح البخاري 4 / 177 - 178 ح 2 وج 5 / 91 ح 207 وص 288 ح 256 وج 8 / 266 ح 3 ، صحيح مسلم 5 / 154 - 155 ، سنن أبي داود 3 / 142 ح 2968 و 2969 ، سنن الترمذي 4 / 134 - 135 ح 1608 و 1609 ، سنن النسائي 7 / 132 - 133 ، مسند أحمد 1 / 4 و 6 و 9 و 10 ، مسند أبي يعلى 1 / 45 ح 43 ، المعجم الأوسط 5 / 441 ح 5339 ، مسند أبي عوانة 4 / 250 - 253 ح 6677 - 6684 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 7 / 156 ح 4803 وج 8 / 205 - 206 ح 6573 ، الإمامة والسياسة 1 / 31 ، فتوح البلدان : 44 - 46.

بطنها (1)!!

فليحذر المقلّد من اتّباع هؤلاء ، فإنّ أخذك منهم باطل قطعا!

* * *

ص: 437


1- انظر : الفرق بين الفرق : 133 ، إثبات الوصيّة : 146 ، الملل والنحل - للشهرستاني - 1 / 51 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 407 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 16 / 281 و 283 ، فرائد السمطين 2 / 35 ح 371 ، الخطط المقريزية 2 / 346.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكره من فضائل فاطمة معلوم ، محقّق ، ثابت ..

وما ذكر أنّ الجمهور يروون فضائلها ويظلمونها ، فكلام باطل ؛ لأنّه على تقدير صحّة الظلم عليها ، فإنّ الظالمين عليها (2) كانوا جماعة غير الراوين لفضائلها ، فكلامه هذا غير مربوط ولا معقول ، كأكثر كلامه في هذا الكتاب.

* * *

ص: 438


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 462 الطبعة الحجرية.
2- كذا في الأصل والنسخة الحجرية ، وهو غير غريب من ابن روزبهان ، والصواب لغة : « لها ».

وأقول :

أراد المصنّف رحمه اللّه بالجمهور : من خالفوا أمير المؤمنين علیه السلام ، سواء كانوا من الصحابة أم من غيرهم ، فتصحّ نسبة الظلم إليهم باعتبار بعضهم ، ونسبة الرواية إليهم باعتبار بعض آخر.

على أنّ الراوين لفضلها - إن لم يكونوا من الظالمين لها حقيقة - فهم منهم ببعض الوجوه والاعتبارات ؛ كمؤازرتهم لهم ، وتعظيمهم ، ونصرتهم لهم بالقلم واللسان!

ولنذكر من روى حديث سيادتها لنساء العالمين ، أو : المؤمنين ، أو : أهل الجنّة ، على اختلاف في ألفاظ الأحاديث ، ليعلم استفاضته عندهم أو تواتره.

فممّن رواه : البخاري ، في باب « مناقب فاطمة » ، وأواخر باب « علامات النبوّة » قبل أبواب فضائل أصحاب النبيّ صلی اللّه علیه و آله بقليل (1).

ومنهم : مسلم ، في باب « فضائل فاطمة » ، من طريقين عن عائشة ، عن فاطمة (2).

ومنهم : الحاكم ، في « المستدرك » ، من طريقين عن حذيفة (3) ،

ص: 439


1- (1) صحيح البخاري 5 / 54 - 55 ح 126 وص 91 باب « مناقب قرابة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومنقبة فاطمة علیهاالسلام » وص 105 باب « مناقب فاطمة علیهاالسلام ، وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : فاطمة سيّدة نساء العالمين » ولم يورد في البابين المذكورين أيّ حديث يدلّ على سيادتها للنساء علیهاالسلام ؛ فلاحظ!
2- صحيح مسلم 7 / 143 - 144.
3- ص 151 من الجزء الثالث [ 3 / 164 ح 4721 و 4722 ]. منه قدس سره .

ومن طريق عن أبي سعيد (1) ، ومن طريق عن عائشة (2).

ومنهم : الترمذي في باب « مناقب الحسنين » من طريق عن حذيفة ، وفي باب « فضل أزواج النبيّ صلی اللّه علیه و آله » من طريق عن أمّ سلمة (3).

ومنهم : ابن عبد البرّ في « الاستيعاب » من عدّة طرق ، عن عائشة ، وأبي سعيد ، وعمران بن حصين ، وأنس ، وأبي هريرة (4).

ومنهم : أحمد في « مسنده » ، عن أبي سعيد (5) ، وحذيفة (6) ، وعائشة عن فاطمة (7).

وأخرجه النسائي في « الخصائص » من عدّة طرق ، عن عائشة ، وأمّ سلمة ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة (8).

وحكاه في « كنز العمّال » في فضائل فاطمة ، عن ابن جرير عن حذيفة (9) ، وعن البزّار عن عليّ علیه السلام (10) ، وابن أبي شيبة عن حذيفة (11).

ص: 440


1- ص 154 من هذا الجزء [ 3 / 168 ح 4733 ]. منه قدس سره .
2- ص 156 منه أيضا [ 3 / 170 ح 4740 أ ]. منه قدس سره .
3- سنن الترمذي 5 / 619 ح 3781 وص 658 ح 3873 وص 666 ح 3893.
4- الاستيعاب 4 / 1894 - 1896.
5- ص 64 من الجزء الثالث. منه قدس سره .
6- ص 391 من الجزء الخامس. منه قدس سره .
7- ص 282 من الجزء السادس. منه قدس سره .
8- خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 98 - 101 ح 122 - 127 ، وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 145 - 147 ح 8512 - 8517.
9- ص 102 من الجزء السابع [ 13 / 640 ح 37617 ]. منه قدس سره .
10- ص 111 من هذا الجزء [ 13 / 674 - 675 ح 37727 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند البزّار 102/3 ح 885.
11- كنز العمّال 13 / 675 ح 37728 ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 527 ح 3.

وحكاه أيضا (1) ، عن البيهقي ، وابن ماجة ، والعقيلي ، عن فاطمة علیهاالسلام ..

وابن عساكر (2) ..

وابن حبّان في « صحيحه » ، عن حذيفة (3) ..

وابن أبي شيبة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (4) ..

وأبي يعلى والطبراني ، عن أبي سعيد (5) ..

وابن النجّار والطبراني ، عن أبي هريرة (6) ..

وفي أكثر هذه الروايات ذكر أنّ « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ».

وروى الحاكم في « المستدرك » (7) ، عن ابن عبّاس : أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة ، وفاطمة ، ومريم وآسية.

ومثله في « مسند أحمد » عن ابن عبّاس (8).

ص: 441


1- ص 218 من الجزء السادس [ 12 / 110 ح 34230 ]. منه قدس سره . وأنظر : الاعتقاد علی مذهب السلف : 187 ، دلائل النبوة - للبيهقي - 364/6 ، سنن ابن ماجة 518/1 ح 1321.
2- كنز العمّال 12 / 107 - 108 ح 34217 ، وانظر : تاريخ دمشق 42 / 134.
3- كنز العمّال 12 / 113 ح 34249 ، وانظر : الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 55 ح 6921.
4- كنز العمّال 12 / 110 ح 34233 ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 527 ح 5.
5- كنز العمّال 12 / 115 ح 34260 ، وانظر : مسند أبي يعلى 2 / 395 ح 195 ، المعجم الكبير 22 / 403 ح 1005 وص 418 - 420 ح 1031 - 1034.
6- كنز العمّال 12 / 117 ح 34274 ، وانظر : المعجم الكبير 22 / 403 ح 1006.
7- ص 185 من الجزء الثالث [ 3 / 205 ح 4852 ]. منه قدس سره .
8- ص 293 ج 1. منه قدس سره .

وفي رواية أخرى للحاكم ، عن عائشة : سيّدات نساء أهل الجنّة : مريم ، وفاطمة ، وخديجة ، وآسية (1).

وروى حديثه الأوّل بسند آخر عن ابن عبّاس (2).

وروى الحديث عن أنس - أيضا - من طريقين ، بلفظ : « حسبك من نساء العالمين ، مريم ، وخديجة ، وفاطمة ، وآسية » (3).

ومثله في « صحيح الترمذي » ، في فضائل خديجة (4).

وفي « مسند أحمد » ، عن أنس (5).

وروي في « الاستيعاب » بترجمة خديجة ، حديث تفضيل الأربع ، من أربعة طرق ، عن ابن عبّاس (6) ..

وثلاثة طرق ، عن أنس (7) ..

وطريق ، عن أبي هريرة (8) ..

ورواه بترجمة فاطمة بطرق أخر عن هؤلاء (9).

ورواه جماعة آخرون يطول ذكرهم (10).

ص: 442


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 205 ح 4853.
2- ص 160 ج 3 [ 3 / 174 ح 4754 ]. منه قدس سره .
3- ص 157 ج 3 [ 3 / 171 - 172 ح 4745 و 4746 ]. منه قدس سره .
4- سنن الترمذي 5 / 660 ح 3878.
5- ص 135 ج 3. منه قدس سره .
6- الاستيعاب 4 / 1821 - 1823.
7- الاستيعاب 4 / 1822.
8- الاستيعاب 4 / 1821.
9- الاستيعاب 4 / 1894 - 1896.
10- انظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 80 - 81 ح 8298 وص 94 - 96 ح 8364 - 8368 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 946 ح 1325 وص 949 ح 1331 و 1332 وص952 - 953 ح 1336 - 1339 ، مسند الطيالسي : 196 - 197 ح 1373 ، مصنّف عبد الرزّاق 11 / 430 ح 20919 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 8 / 22 ، مسند عبد بن حميد : 205 ح 597 ، أنساب الأشراف 2 / 225 ، مشكل الآثار 1 / 35 - 36 ح 96 - 101 ، حلية الأولياء 2 / 42 وج 4 / 190 ، تاريخ بغداد 9 / 404 رقم 5008 ، مصابيح السنّة 4 / 184 ح 4798.

وفي جملة هذه الروايات : « خير نساء العالمين أربع : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة علیهاالسلام ».

وذكر الحاكم (1) ، أنّ مسلما أخرج حديث أبي موسى ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « خير نساء العالمين أربع » ، ولم أجده في « صحيح مسلم » ، لا في فضائل خديجة! ولا في فضائل فاطمة علیهاالسلام !!

نعم ، روى في فضائل خديجة ، عن أبي موسى : « لم يكمل من النساء غير مريم وآسية ، وإنّ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام » (2).

فلعلّ النّساخ حرّفوا الحديث ، إيثارا لعائشة بالفضل ، كما يشهد له أنّ هذا الحديث لم يشتمل على ذكر خديجة ، فكيف أخرجه مسلم في فضائلها؟! (3).

ولو لم يكن أصل لما ذكره الحاكم ، لتعقّبه الذهبيّ في « تلخيصه »! وكيف كان! فلا ريب عندنا أنّ فاطمة علیهاالسلام أفضل الأربع ، وسيّدة نساء العالمين أجمع ، كما قضت به أخبارنا (4) ، وكذا أكثر أخبار القوم ؛

ص: 443


1- ص 154 ج 3 [ 3 / 168 ح 4733 ]. منه قدس سره .
2- صحيح مسلم 7 / 133.
3- انظر : ج 4 / 231 - 232 من هذا الكتاب.
4- انظر : علل الشرائع 1 / 216 ب 216 ح 1 ، الأمالي - للصدوق - : 575 ، معاني الأخبار : 107 ح 1، دلائل الإمامة : 11 و 54 و 56 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 37 ، الأمالي - للطوسي - : 575 ، إعلام الورى 1 / 295 - 296 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 369 - 371 ، عمدة عيون صحاح الأخبار : 445 ح 684 وص 448 - 449 ح 692 - 696.

لدلالتها على أنّها سيّدة نساء العالمين بلا استثناء (1)(2).

ص: 444


1- تقدّمت آنفا في الصفحات السابقة.
2- وبعضها مخصّصة بمريم ؛ ولا يبعد أنّه من الحسد لسيّدة النساء ، كما يشهد له أنّ بعض روايات التخصيص واهية اللفظ والمعنى ؛ قال فيها : « إلّا ما كان من مريم » أو « لمريم » ؛ إذ لا معنى للعدول عن استثناء مريم إلى ما كان منها! وبعضها متنافية المراد ، كالتي رواها في «الاستيعاب [1895/4]، عن عمران ابن حصين ، قال : «قال النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم لفاطمة : أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين ؟! قالت : فأين مريم؟ ! قال : تلك سيّدة نساء عالمها ، وأنتِ سيّدة نساء عالمك » . فإن قوله صلی اللّه عليه وآله وسلم : «... أنك سيّدة نساء العالمين» دال - بلحاظ أنّ «العالمين» جمع محلى باللام - على أن سيادتها لا تختص بعالمها ، وهو منافٍ لقوله : «أنتِ سيدة نساء عالمك» .. وإطلاق «العالمين» على العالم الواحد - مع مخالفته للظاهر - خالٍ عن الفائدة في المقام .. ولا يبعد أن في الحديث تحريفاً بإبدال «العالمين» ب- «عالمك» ، فيكون آخر الحديث كأوله مفيداً للعموم ولا يحصل التنافي ، ويكون موافقاً لما ورد عندنا ، فإنه جاء في أخبارنا [كما في الهامش 4 من الصفحة السابقة ] ، أن النبي قال : «فاطمة سيدة نساء العالمين ؛ فقيل له : أليست تلك مريم ؟! فقال : مریم سيدة نساء عالمها ، وفاطمة سيّدة نساء العالمين » . وأما قوله تعالى : ( وفضلك على نساء العالمين ) ، فالمراد به : أكثر العوالم ، بقرينة ما سبق. ثم إن بعض الرواة لم يكتف باستثناء مريم ، بل أضاف إليها غيرها ! فقد نقل في «كنز العمال » [ أنظر : كنز العمّال 12 / 110 ح 34233 ، مصنف ابن أبي شيبة 527/7 ب 33 ح 5] ، عن ابن أبي شيبة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « فاطمة سيّدة نساء العالمين بعد مريم وآسية وخديجة » .. وهو مناف لجميع أخبارهم! ويا ليتهم اكتفوا بذلك ولم يأتوا بما ينافضه في فضل عائشة!! منه قدس سره.

وقد رغب بعض القوم أن يعارض حديث سيادة الزهراء علیهاالسلام بما وضعه على لسان النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام » (1) ..

وهو ظاهر الوضع ؛ إذ لا يحسن نسبة هذا التشبيه الواهي إلى من أعطي جوامع الكلم ، وكان أفصح من نطق بالضاد.

وكيف لا يجزم بكذبه من عرف طريقة النبيّ صلی اللّه علیه و آله في لطف كلامه ، وحسن بيانه ، وبديع تشبيهاته؟!

وأين هو من قوله صلی اللّه علیه و آله : « فاطمة سيّدة نساء العالمين » (2)؟!

وليت شعري ، أيكون الفضل جزافا ، وقد خالفت أمر اللّه في كتابه بقرارها في بيتها (3) ، وخرجت على إمام زمانها الذي قال فيه رسول اللّه : « حربك حربي » (4)؟!

ص: 445


1- تقدّم في الصفحة السابقة عن « صحيح مسلم ».
2- انظر : سنن الترمذي 5 / 619 ح 3781 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 146 - 147 ح 8515 - 8517 ، مسند أحمد 5 / 391 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 990 ح 1406 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 527 ح 3 ، حلية الأولياء 4 / 190 ، الاعتقاد على مذهب السلف : 187. وأنظر ما مرّ آنفاً في الصفحات السابقة ، وكذا ما تقدم في ج 231/4 من هذا الكتاب.
3- إشارة إلى قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) سورة الأحزاب 33 : 33.
4- تقدّم تخريجه في الصفحة 432 ه 1 من هذا الجزء ؛ فراجع!

وجاهرت بعداوته (1) ، وقد قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله فيه : « من عاداك عاداني ، ومن عاداني عادى اللّه » (2).

واستمرّت على بغضه (3) ، وقد جعل الرسول بغضه دليل

ص: 446


1- وذلك بيّن من حملها الناس وقيادة الجيوش لقتال الإمام عليّ علیه السلام يوم الجمل فتسبّبت بشقّ كلمة المسلمين وقتل الآلاف منهم! وكذا لما جاءها خبر مبايعة الناس لأمير المؤمنين علي عليه السلام خليفة للمسلمين قالت : « لَودِدْتُ أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا الأمر » ! وقد وصف أمير المؤمنين علي عليه السلام عداوتها له بقوله : « ضِغْنٌ غَلا في صدرها كمِرْجَلِ القَيْنِ ، ولو دُعِيَتْ لِتنالَ مِن غيري ما أتت إليَّ ، لم تفعل » . أنظر : تاريخ الطبري 12/3 ، الإمامة والسياسة 71/1 ، تذكرة الخواص : 64 ، نهج البلاغة : 218 ، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 215/6 . وراجع الصفحات 149 - 151 من هذا الجزء !
2- لم نعثر عليه بهذا اللفظ ، وقد جاء فيه علیه السلام عنه صلی اللّه علیه و آله بلفظ : « اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » ضمن حديث الغدير ؛ فراجع تخريجه مفصّلا في كتابنا هذا في : ج 1 / 19 - 21 ه 1 ، وفي مبحث آية ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... ) في ج 4 /2. 332 ، وفي مبحث آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ... ) في ج 5 / 165 ه 1. كما ورد بلفظ : « عادى اللّه من عادى عليا» ؛ أنظر : أُسد الغابة 42/2 رقم 1589 ، الجامع الصغير : 332 رقم 5362 ، كنز العمّال 601/11 ح . ينابيع المودة 2 / 77 ح 69 .
3- (3) نذكر من ذلك مثلا : قول ابن عبّاس له : إنّ عائشة لا تطيب لعلى نفساً بخير . أنظر : مسند أحمد 34/6 و 228 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 179/2 ، تاريخ الطبري 226/2 . ونكرانها وصية رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم لعلي في مرضه الذي توفي فيه صلی اللّه عليه وآله وسلم. أنظر : صحيح البخاري 37/6 ح 442 ، صحيح مسلم 75/5 ، سنن النسائي 241/6 ، سنن ابن ماجة 1 / 519 ح 1626 . وروايتها افتراء على النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم أن علياً والعباس يموتان على غير ملته ، وأنّهما من أهل النار. انظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 4 / 63 - 64. وسجدت لله شكرا لمّا سمعت باستشهاد الإمام عليّ عليه السلام ، وتمثّلت قائلة : فألقت عصاها واستقرّ بها النوى كما قرّ عينا بالإياب المسافر ثمّ قالت : من قتله؟ فقيل : رجل من مراد ؛ فقالت : فإن يك نائيا فلقد بغاه ( نعاه ) *** غلام ليس في فيه التّراب انظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 29 ، تاريخ الطبري 3 / 159 ، مقاتل الطالبيّين : 55. وراجع الصفحات 149 - 151 من هذا الجزء!

النفاق(1) ، وقال فيه : « من أبغضك أبغضني ، ومن أبغضني أبغض اللّه »(2).

وكيف تكون أفضل النساء وقد ضرب اللّه سبحانه مثلها وصاحبتها في كتابه المجيد بقوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ) ادْخُلَا ( النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (3)؟!

ثمّ إنّه بعد ثبوت حديث سيادتها الجامع لأصناف الفضل ، لا نحتاج إلى إثبات الحديث الذي ذكره المصنّف رحمه اللّه في زفافها ؛ فإنّه من بعض ما يقتضيه سيادتها وشرفها ، ولا سيّما بعدما زوّجها اللّه تعالى في السماء من

ص: 447


1- انظر تفصيل ذلك في مبحث حديث : « لا يحبّك إلّا مؤمن » ، في الصفحات 147 - 151 من هذا الجزء.
2- انظر : تاريخ بغداد 13 / 32 رقم 6988 ، مجمع الزوائد 9 / 129 - 132 ، كنز العمّال 13 / 109 ح 36358. وراجع الصفحة 432 من هذا الجزء.
3- سورة التحريم 66 : 10.

عليّ سيّد الأولياء ، ولكنّي رأيته مصادفة في « ميزان الاعتدال » بترجمة توبة بن عبد اللّه (1) ، وقال عداوة ودفعا بالصدر : « هذا كذب [ صراح ] » (2).

ولنذكر عوضه ما هو أعظم منه ، بل أعظم من حديث سيادتها ، وهو ما رواه الحاكم (3) ، وصحّحه على شرط الشيخين ، عن عائشة ، قالت : « ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من فاطمة.

وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها ورحّب بها ، وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.

وكانت هي إذا دخل عليها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قامت إليه مستقبلة وقبّلت يده ».

ورواه أيضا (4) إلى قوله : « فأجلسها في مجلسه » ، وصحّحه أيضا على شرط الشيخين ، وأقرّ الذهبيّ بصحّته لكن لا على شرطهما.

وروى الترمذي نحو الأوّل ، في فضل فاطمة ، وحسّنه ، ثمّ قال : « وروي [ هذا الحديث ] من غير وجه عن عائشة » (5).

ص: 448


1- كذا في الأصل ، وهو سهو ، فإنّ الحديث جاء في ترجمة « توبة بن علوان » ، ويبدو أنّ الشيخ المظفّر قدس سره قد سبق نظره إلى ترجمة « توبة بن عبد اللّه » التي جاءت قبل ترجمة « ابن علوان » مباشرة ؛ فلاحظ! أنظر : ميزان الاعتدال 79/2 - 80 رقمي 1351 و 1352.
2- (2) نقول : إنّ مراد الشيخ المظفّر قدس سره هنا أنّ حديث زفاف سيّدة نساء العالمين الزهراء البتول علیهاالسلام - الذي أورده العلّامة الحلّي قدس سره - هو من المسلّمات ، وهو فرع لحديث سيادتها علیهاالسلام ، فهو في غنى عن الإثبات لو لا جرأة من كذّبه!
3- ص 160 من الجزء الثالث [ المستدرك على الصحيحين 3 / 174 ح 4753 ].
4- ص 154 ج 3 [ 3 / 167 ح 4732 ]. منه قدس سره .
5- سنن الترمذي 5 / 657 - 658 ح 3872.

وروي أيضا في « الاستيعاب » نحوه (1).

فانظر إلى ما فيه من الدلالة على الفضل الباذخ والشرف الشامخ ؛ إذ ليس من شأن البنت أن يقوم لها أبوها ويتنحّى عنها ويجلسها في مجلسه ، لا سيّما وهو سيّد النبيّين وخير الأوّلين والآخرين.

ولعلّه يريد بذلك من أمّته تعظيمها بعده ، ورعاية حرمتها ، علما منه بما تلقاه منهم من التقصير بحقّها ، وغصبها ميراثها ، والهجوم على بيتها ، إلى أن ماتت غضبى عليهم.

وقد كان من تعظيمه لها أنّه إذا جاء من سفر أتى المسجد فصلّى فيه ركعتين ، ثمّ ثنّى بفاطمة علیهاالسلام ، كما رواه في « المستدرك » عن أبي ثعلبة (2).

وروى أيضا (3) ، عن ابن عمر ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان إذا سافر كان آخر الناس عهدا به فاطمة ، وإذ قدم من سفر كان أوّل الناس به عهدا فاطمة.

* * *

ص: 449


1- الاستيعاب 4 / 1896 ، وانظر : سنن أبي داود 4 / 356 - 357 ح 5217 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 96 ح 8369 ، الأدب المفرد : 255 ح 974 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 7 / 101.
2- ص 155 من الجزء الثالث [ 3 / 169 ح 4737 ]. منه قدس سره .
3- ص 156 ج 3 [ 3 / 169 - 170 ح 4739 ]. منه قدس سره . وأنظر : سنن أبي داود 4 / 85 ح 4213 ، مسند أحمد 5 / 275 ، المعجم الكبير 103/2 ح 1453 ، حلية الأولياء 30/2 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 26/1 ، الاستيعاب 1895/4 ، ذخائر العقبى : 79 .

قال المصنّف - طاب ثراه - (1) :

وكان سبطاه الحسنان أشرف الناس بعده ..

روى أخطب خوارزم ، بإسناده إلى ابن مسعود ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » (2).

وعن البراء ، قال : رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حامل الحسن وهو يقول : « اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه » (3).

وقال أبو هريرة : « رأيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله يمصّ لعاب الحسن والحسين كما يمصّ الرجل التمر » (4).

ص: 450


1- نهج الحقّ : 255 - 259.
2- مقتل الحسين علیه السلام 1 / 142 ح 14 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام : 294 ح 283.
3- صحيح البخاري 3 / 138 - 139 ح 73 وج 5 / 101 ح 237 وج 7 / 291 ح 100 ، صحيح مسلم 7 / 130 ، سنن الترمذي 5 / 620 ح 3783 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 49 ح 8163 - 8165 ، سنن ابن ماجة 1 / 51 ح 142 ، مسند أحمد 2 / 249 و 331 و 532 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 514 ح 18 و 19 ، الأدب المفرد : 45 ح 86 باب حمل الصبي على العاتق ، المعجم الكبير 3 / 31 ح 2582 - 2585 ، المعجم الأوسط 2 / 91 ح 1371 وص 326 ح 1993 ، مسند أبي يعلى 2 / 254 ح 960 وج 11 / 279 ح 6391 ، مسند الحميدي 2 / 451 ح 1043 ، الجعديات 2 / 66 ح 2023 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 56 ح 6923 و 6924 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 185 ح 4791 وص 195 ح 4821 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 10 / 233 ، تاريخ بغداد 1 / 139 رقم 2 ، مصابيح السنّة 4 / 186 ح 4803 و 4804 ، شرح السنّة 8 / 101 - 102 ح 3931 و 3932 ، تاريخ دمشق 13 / 186 - 195.
4- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 298 ح 420 ، تاريخ دمشق 13 / 223 وج 14 / 169 ميزان الاعتدال 1 / 365 رقم 820 ، كنز العمّال 13 / 650 ح 37645 ، وانظر : مسند أحمد 4 / 93 ، المعجم الكبير 3 / 50 - 51 ح 2656 ، مجمع الزوائد 9 / 180 - 181.

وعن أسامة بن زيد ، قال : « قلت : يا رسول اللّه! ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فإذا هو حسن وحسين على ركبتيه.

فقال : هذان ابناي وابنا بنتي ، اللّهمّ إنّك تعلم أنّي أحبّهما فأحبّهما » ثلاث مرّات (1).

وعن جابر ، قال : دخلت على النبيّ صلی اللّه علیه و آله وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول : « نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما » (2).

وروى صاحب كتاب « [ نهاية ] الطلب وغاية السؤول » الحنبلي (3) ، بإسناده إلى ابن عبّاس ، قال : « كنت عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله وعلى فخذه الأيسر

ص: 451


1- انظر : سنن الترمذي 5 / 614 ح 3769 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 149 ح 8524 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 512 ح 8 ، المعجم الصغير 1 / 199 - 200 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 58 ح 6928 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 299 ح 421 ، مصابيح السنّة 4 / 194 ح 4829 ، تاريخ دمشق 14 / 155 ، أسد الغابة 1 / 489 بترجمة الإمام الحسن علیه السلام ، مشكاة المصابيح 3 / 374 ح 6165 ، موارد الظمآن : 552 ح 2234 ، كنز العمّال 12 / 114 ح 34255 وج 13 / 671 ح 37711.
2- المعجم الكبير 3 / 52 ح 2661 ، الكنى والأسماء - للدولابي - 2 / 6 ، مقتل الحسين علیه السلام - للخوارزمي - : 167 ح 74 ، تاريخ دمشق 13 / 217 ، التدوين في أخبار قزوين 3 / 191 رقم 2552 ، ذخائر العقبى : 226 ، البداية والنهاية 8 / 29 ، مجمع الزوائد 9 / 182 ، كنز العمّال 13 / 663 ح 37687 وص 664 ح 37689 و 37690.
3- هو : إبراهيم بن عليّ بن محمّد الدينوري الحنبلي ، له من المصنّفات : نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول. أنظر : الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 302 رقم 388.

ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين ، وهو يقبّل هذا تارة ، وهذا أخرى ، إذ هبط جبرئيل فقال : يا محمّد! إنّ اللّه يقرأ عليك السلام ، وهو يقول : لست أجمعهما لك ، فافد أحدهما بصاحبه.

فنظر إلى ولده إبراهيم وبكى ، ونظر إلى الحسين وبكى ، ثمّ قال : إنّ إبراهيم أمّه أمة ، إذا مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه عليّ ابن عمّي ، لحمه لحمي ، ودمه دمي ، ومتى مات حزنت عليه ابنتي ، وحزن ابن عمّي ، وحزنت ، أنا أوثر حزني على حزنهما ؛ يقبض إبراهيم ، فقد فديت الحسين به ؛ فقبض إبراهيم بعد ثلاث.

وكان النبيّ صلی اللّه علیه و آله إذا رأى الحسين مقبلا قبّله ، وضمّه إلى صدره ، ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم » (1).

وفي « صحيح مسلم » ، في تفسير قوله تعالى : ( فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ ) (2) ، قال : « لمّا قتل الحسين بن عليّ بكت السماء ، وبكاؤها حمرتها » (3).

ص: 452


1- كشف اليقين : 321 نقلا عن كتاب « نهاية الطلب وغاية السؤول » ، تاريخ بغداد 2 / 204 رقم 635.
2- سورة الدخان 44 : 29.
3- عمدة عيون صحاح الأخبار : 467 ح 761 عن صحيح مسلم ، وانظر : المعجم الكبير 3 / 113 - 114 ح 2836 - 2840 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 6 / 471 ، المحاسن والمساوئ - للبيهقي - : 63 ، تفسير السدّي الكبير : 440 ، تفسير الطبري 11 / 237 ح 31120 ، تفسير الثعلبي 8 / 353 ، الفتوح - لابن أعثم - 4 / 330 ، تاريخ دمشق 14 / 228 ، تفسير القرطبي 16 / 94 ، تذكرة الخواصّ : 246 ، تفسير ابن كثير 4 / 145 ، مجمع الزوائد 9 / 197 ، الدرّ المنثور 7 / 413 ، جواهر العقدين : 416.

وفي مسند أحمد بن حنبل ، أنّ من دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة ، أو قطرت قطرة ، بوّأه اللّه عزّ وجلّ الجنّة (1).

وفي تفسير الثعلبي ، بإسناده قال : « مطرنا دما أيّام قتل الحسين علیه السلام » (2).

وكان مولانا زين العابدين عليّ بن الحسين أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، يحجّ ماشيا والمحامل تساق معه (3).

وولده الباقر ؛ سلّم عليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ قال لجابر : أنت تدرك ولدي محمّد الباقر ، إنّه يبقر العلم بقرا ، فإذا رأيته فأقرئه عنّي السلام (4).

والصادق ؛ أعلم أهل زمانه وأزهدهم ، وكان يخبر بالغيب ، ولا أخبر

ص: 453


1- لم نجده في « مسند أحمد » ، وفي فضائل الصحابة - لأحمد - 2 / 841 ح 1154 ما لفظه : « كان حسين بن عليّ يقول : من دمعت عيناه فينا دمعة ، أو قطرت عيناه فينا قطرة ، أثواه اللّه عزّ وجلّ الجنّة » ، وانظر : ذخائر العقبى : 52 ، رشفة الصادي : 52 ، ينابيع المودّة 2 / 117 ح 337 وص 373 ح 56.
2- تفسير الثعلبي 8 / 353 ، وانظر : تاريخ دمشق 14 / 227 و 229 ، ذخائر العقبى : 248 و 249 ، مقتل الحسين علیه السلام - للخوارزمي - 2 / 102 ح 16 ، تذكرة الخواصّ : 246 ، سير أعلام النبلاء 3 / 312 ، مختصر تاريخ دمشق 7 / 150 ، الصواعق المحرقة : 295 ، ينابيع المودّة 3 / 15 ح 18 ، جواهر العقدين : 416.
3- حلية الأولياء 3 / 136 و 141 ، تاريخ دمشق 41 / 377 - 378 ، كفاية الطالب : 449 - 450 ، مختصر تاريخ دمشق 17 / 236 - 237 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 75 رقم 71 ، تهذيب التهذيب 5 / 670 - 671 رقم 4855 ، الفصول المهمّة - لابن الصبّاغ المالكي - : 201 ، الصواعق المحرقة : 302 ، نور الأبصار : 154.
4- انظر : عيون الأخبار 1 / 312 ، المعجم الأوسط 6 / 64 ح 5655 ، تاريخ دمشق 54 / 275 - 276 ، تذكرة الخواصّ : 303 ، مطالب السؤول : 281 ، سير أعلام النبلاء 4 / 404 رقم 158 ، مجمع الزوائد 10 / 22 ، الصواعق المحرقة : 304 - 305.

بشيء إلّا وقع ؛ فلهذا سمّوه الصادق (1).

وكان الكاظم أزهد أهل زمانه وأعلمهم (2) ، وكذا ولده الرضا (3) ، والجواد (4) ، والهادي (5) ، والعسكري (6) ، والمهدي (7).

فهؤلاء الأئمّة الاثنا عشر لم يسبقهم سابق ، ولم يلحقهم لاحق ،

ص: 454


1- انظر : مروج الذهب 3 / 254 - 255 ، مقاتل الطالبيّين : 186 ، الصواعق المحرقة : 305 - 307 ، نور الأبصار : 161 - 162.
2- انظر : تاريخ بغداد 13 / 27 - 32 رقم 6987 ، مطالب السؤول : 289 - 293 ، تذكرة الخواصّ : 312 - 314 ، سير أعلام النبلاء 6 / 271 - 274 رقم 118 ، مرآة الجنان 1 / 305 ، الفصول المهمّة - لابن الصبّاغ - : 231 - 242 ، جواهر العقدين : 445 - 446 ، الصواعق المحرقة : 307 - 309.
3- انظر : التدوين في أخبار قزوين 3 / 269 - 272 رقم 2709 ، مطالب السؤول : 295 - 302 ، تذكرة الخواصّ : 315 - 320 ، وفيات الأعيان 3 / 269 - 271 رقم 423 ، فرائد السمطين 2 / 188 ح 465 وص 190 ح 467 ، سير أعلام النبلاء 9 / 387 - 393 رقم 125 ، مرآة الجنان 2 / 10 - 11 ، الفصول المهمّة : 243 - 244 ، الصواعق المحرقة : 309 - 311.
4- تاريخ بغداد 3 / 54 - 55 رقم 997 ، مطالب السؤول : 303 - 305 ، تذكرة الخواصّ : 321 ، منهاج السنّة 4 / 68 ، مرآة الجنان 2 / 60 - 61 ، الفصول المهمّة : 265 - 275 ، الصواعق المحرقة : 311 - 312 ، ينابيع المودّة 3 / 170.
5- انظر : تاريخ بغداد 12 / 56 - 57 رقم 6440 ، مطالب السؤول : 307 - 308 ، تذكرة الخواصّ : 321 - 323 ، مرآة الجنان 2 / 119 ، الفصول المهمّة : 277 - 283 ، الصواعق المحرقة : 312 - 313.
6- انظر : تاريخ بغداد 7 / 366 رقم 3886 ، مطالب السؤول : 309 - 310 ، تذكرة الخواصّ : 324 ، وفيات الأعيان 2 / 94 - 95 رقم 169 ، مرآة الجنان 2 / 127 ، الفصول المهمّة : 284 - 290 ، الصواعق المحرقة : 313 - 314.
7- انظر : مطالب السؤول : 311 - 316 ، تذكرة الخواصّ : 325 ، وفيات الأعيان 4 / 176 رقم 562 ، الفصول المهمّة : 291 ، الأئمّة الاثنا عشر - لابن طولون - : 117 ، الصواعق المحرقة : 314 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : 179 ، ينابيع المودّة 3 / 171 ، سبائك الذهب - للسويدي - : 78.

اشتهر فضلهم وزهدهم بين المخالف والمؤالف ، وأقرّوا لهم بالعلم ، ولم يؤخذ عليهم في شيء ألبتّة كما أخذ على غيرهم!

فلينظر العاقل بعين البصيرة ، هل ينسب هؤلاء الزهّاد المعصومون العلماء إلى من لا يتوقّى المحارم ، ولا يفعل الطاعات؟!

* * *

ص: 455

وقال الفضل (1) :

ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات اللّه على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمّد والسلام ، أمر لا ينكر ؛ فإنّ الإنكار على البحر برحمته ، وعلى البرّ بسعته ، وعلى الشمس بنورها ، وعلى الأنوار بظهورها ، وعلى السحاب بجوده ، وعلى الملك بسجوده ، إنكار لا يزيد المنكر إلّا الاستهزاء به.

ومن هو قادر على أن ينكر على جماعة ، هم أهل السداد ، وخزّان معدن النبوّة ، وحفّاظ آداب الفتوّة ، صلوات اللّه وسلامه عليهم؟!

ونعم ما قلت فيهم منظوما [ من المتقارب ] :

سلام على المصطفى المجتبى *** سلام على السيّد المرتضى

سلام على ستّنا فاطمة *** من اختارها اللّه خير النّسا

سلام على المسك أنفاسه *** على الحسن الألمعيّ الرضا

سلام على الأروعيّ الحسين *** شهيد برى جسمه كربلا

سلام على سيّد العابدين *** عليّ بن الحسين المجتبى

سلام على الباقر المهتدي *** سلام على الصادق المقتدى

سلام على الكاظم الممتحن *** رضيّ السجايا إمام التّقى

سلام على الثامن المؤتمن *** عليّ الرضا سيّد الأصفيا

سلام على المتّقي التقي *** محمّد الطيّب المرتجى

ص: 456


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 463 الطبعة الحجرية.

سلام على الأريحيّ النقي *** عليّ المكرّم هادي الورى

سلام على السيّد العسكري *** إمام يجهّز جيش الصفا

سلام على القائم المنتظر *** أبي القاسم القرم نور الهدى

سيطلع كالشمس في غاسق *** ينجّيه من سيفه المنتضى

يرى يملأ الأرض من عدله *** كما ملئت جور أهل الهوى

سلام عليه وآبائه *** وأنصاره ما تدور السّما

* * *

ص: 457

وأقول :

إنّ سيّد المرسلين وآله خيرة اللّه من العالمين ، لغنيّون بمدح اللّه لهم في كتابه العزيز (1) ، عن مدحهم بمثل هذا الذي سمّاه منظوما ، لكنّا نشكره عليه ، فإنّه غاية مقدوره ، ومبلغ علمه.

وينبغي التعرّض لهذه الأخبار التي ذكرها المصنّف رحمه اللّه ، لكنّها كثيرة يطول المقام ببيان من رواها ، فإن شئت أن تعرفها فارجع إلى « كنز العمّال » ، و « جامع الترمذي » ، و « صواعق » ابن حجر ، ونحوها ، تجدها وأضعافها (2).

نعم ، لا يجمل الإخلال بذكرها أصلا ، فالأولى أن نتعرّض لبعضها بنحو الإشارة إلى من رواها من الصحابة ، ومن أخرجها ، كحديث أنّ الحسنين علیهماالسلام سيّدا شباب أهل الجنّة ، « وكلّ الصّيد في جوف الفرا » (3).

ص: 458


1- (1) كآية التطهير وآية المودّة وآية المباهلة ، وسورة هل آتى ؛ تجدها في ج 4 / 351 و 381 و 399 وج 5 / 50 من هذا الكتاب ، وكذا غيرها تجدها في محالّها من الجزءين الرابع والخامس من هذا الكتاب ؛ فراجع!
2- انظر : كنز العمّال 12 / 112 - 123 ح 34246 - 34300 وج 13 / 658 - 671 ح 37670 - 37712 ، سنن الترمذي 5 / 614 - 620 ح 3768 - 3784 ، الصواعق المحرقة : 211 - 213 وص 290 - 292 ، مجمع الزوائد 9 / 179 - 185.
3- مثل مشهور ، يضرب لمن يفضّل على أقرانه ، الذي يقوم مقام الكثير لعظمه. وقد تألّف رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم أبا سفيان بهذا المثل حين استأذن علی النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم فحجب قليلاً ثم أذن له. والفرا : حمار الوحش ، وليس ممّا يصيده الناس شيء أعظم منه. أنظر : مجمع الأمثال 11/3 - 12 رقم 3010 ، جمهرة الأمثال 162/2 - 163 رقم 1450 ، المستقصی في أمثال العرب 224/2 رقم 756.

فنقول : رواه من الصحابة عليّ علیه السلام ، وعمر ، وابنه ، وابن مسعود ، وأبو سعيد ، وجابر ، وحذيفة ، والبراء ، وأسامة ، وأنس ، وأبو هريرة ، وقرّة ، ومالك بن الحويرث ، وابن أبي رمثة ، وغيرهم (1) ..

وأخرجه الترمذي في « صحيحه » (2) ..

والنسائي في « الخصائص » (3).

والحاكم في « المستدرك » (4) ..

وأحمد في « المسند » (5) ..

والضياء في « المختارة » (6) ..

وابن عبد البرّ في « الاستيعاب » (7) ..

والطبراني في « الكبير » و « الأوسط » (8) ..

ص: 459


1- انظر : الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة : 156 ح 214 ، الشذرة في الأحاديث المشتهرة 1 / 255 ح 359 ، لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة : 149 - 151 ح 45 ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس 358/1 ح 1139. كما أخرجه السيوطي في «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» من خمسة عشر طريقاً.
2- سنن الترمذي 5 / 614 ح 3768 وص 619 ح 3781.
3- خصائص الإمام عليّ علیه السلام : 99 ح 124 و 125 وص 104 - 105 ح 135 - 137.
4- المستدرك على الصحيحين 3 / 182 ح 4778 - 4780.
5- مسند أحمد 3 / 3 و 62 و 64 و 82 وج 5 / 391 و 392.
6- انظر : كنز العمّال 12 / 120 ح 34288 عن « المختارة » للضياء المقدسي.
7- الاستيعاب 1 / 391.
8- المعجم الكبير 3 / 35 - 40 ح 2598 - 2618 وج 19 / 292 ح 650 وج 22 /402 - 403 ح 1005 ، المعجم الأوسط 1 / 174 ح 368 وج 3 / 8 ح 2211 وج 4 / 520 ح 4332 وج 5 / 388 ح 5208 وج 6 / 60 ح 5644.

وأبو يعلى ، والبزّار ، وأبو نعيم ، وابن النجّار ، وابن مندة ، وابن أبي شيبة ، وابن سعد ، وابن شاهين ، والديلمي ، وابن عساكر ، وغيرهم (1).

وربّما أخرجه الواحد منهم من نحو عشرة طرق عن جماعة من الصحابة (2).

ويعلم الكثير من هذا من مراجعة ما أشرنا إليه من محالّ روايات سيادة أمّهما فاطمة علیهاالسلام ؛ فإنّ كثيرا ممّن يروي سيادتها يروي سيادة

ص: 460


1- مسند أبي يعلى 2 / 395 ح 1169 ، مسند البزّار 3 / 102 ح 885 ، تاريخ أصفهان 2 / 321 - 322 رقم 1847 ، فضائل الخلفاء : 118 - 119 ح 129 و 130 ، معرفة الصحابة 2 / 655 ح 1741 - 1742 وص 664 ح 1771 ، حلية الأولياء 4 / 139 - 140 وج 5 / 58 و 71 ، كنز العمّال 12 / 117 - 118 ح 34274 عن ابن النجّار وج 13 / 661 ح 37680 عن ابن شاهين وص 665 ح 37693 عن ابن مندة ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 512 ح 2 و 5 ، ترجمة الإمام الحسن علیه السلام من الطبقات الكبرى - لابن سعد - : 47 - 50 ح 54 - 58 ، ترجمة الإمام الحسين علیه السلام من الطبقات الكبرى - لابن سعد - : 28 ح 211 ، فردوس الأخبار 1 / 355 ح 2624 ، تاريخ دمشق 13 / 207 - 212 وج 14 / 130 - 137. وأنظر : سنن ابن ماجة 44/1 ح 118 ، السنن الكبرى - للنسائي - 50/5 ح 8169 و ص 8365 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 968 ح 1360 وص 972 ح 1368 وص 979 ح 1384 و ص 990 ح 1406 ، مشكل الآثار 269/2 ح 2103 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 55/9 ح 6920 و 6921، تاریخ بغداد 140/1 رقم 2 و ج 2 / 185 رقم 598 و ج 207/4 رقم 1896 و ج 372/6 رقم 3397 و ج 231/9 و 232 رقم 4804 و ج 90/11 رقم 5778 و ج 4/12 رقم 6352 ، مصابيح السنة 193/4 ح 4872 و ص 196 ح 4835 ، شرح السنة 104/8 ح 3935 .
2- كالطبراني في المعجمين الكبير والأوسط ، وابن عساكر في تاريخ دمشق.

ولديها (1).

وقد وجدت حديث سيادتهما وحدهما ، أو مع أمّهما ، في « مسند أحمد » ، عن أبي سعيد ، من عدّة طرق (2) ..

وعن حذيفة من طريقين (3) ..

واعلم أنّه جاء في بعض ما أشرنا إليه من الأخبار أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة إلّا ابني الخالة عيسى ويحيى (4).

والظاهر أنّه من قلم التصرّف ؛ لأنّ المراد بالشباب : إمّا الشباب في الدنيا أو في الآخرة ..

لا شكّ أنّه لا يراد الأوّل ؛ لأنّ الحسنين في أيّام كلام جدّهما صلی اللّه علیه و آله كانا طفلين ، وبلحاظ ما بلغاه من السنّ ، كان الحسن كهلا والحسين شيخا ..

كما أنّ عيسى حينما رفعه اللّه تعالى قد بلغ سنّ الكهولة أو تجاوزه ؛ لقوله تعالى : ( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (5) ، وحينما ينزله يوم خروج المهديّ عجّل اللّه فرجه يكون من أكبر الأنبياء سنّا ..

ص: 461


1- كما في : سنن الترمذي 5 / 619 ح 3781 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 95 ح 8365 ، فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 2 / 990 ح 1406 ، المعجم الكبير 22 / 403 ح 1005 ، مصابيح السنّة 4 / 196 ح 4835 ، تاريخ دمشق 13 / 207 وج 14 / 134 - 135.
2- ص 3 و 62 و 64 و 82 ج 3. منه قدس سره .
3- ص 391 و 392 ج 5. منه قدس سره .
4- انظر : المستدرك على الصحيحين 3 / 182 ح 4778 ، المعجم الكبير 3 / 36 ح 2603 ، مجمع الزوائد 9 / 182.
5- سورة آل عمران 3 : 46.

فكيف يقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » ثمّ يستثني عيسى؟!

فلا بدّ أن يكون المراد : هو الشباب في الآخرة.

وحينئذ فلا وجه لاستثناء عيسى ويحيى وحدهما ، والناس كلّهم شباب في الجنّة ، ومنهم من هو أفضل من يحيى ، كنوح وإبراهيم وموسى.

فلا بدّ أن يكون الاستثناء باطلا ، ويكون الحسنان سيّدي شباب أهل الجنّة من دون استثناء ، كما تواترت به أخبارنا (1) ، واستفاضت به بقيّة أخبارهم (2).

ص: 462


1- انظر مثلا : كتاب سليم 2 / 734 ح 21 ، قرب الإسناد : 111 ح 386 ، الغيبة - للنعماني - : 65 ح 1 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 2 / 30 ح 12 وص 36 ح 56 ، الخصال : 320 ح 1 وص 550 و 575 ، الأمالي - للصدوق - : 74 ح 42 وص 112 ح 90 وص 187 ح 196 وص 245 ذ ح 262 وص 524 وص 560 ح 748 وص 575 ح 787 وص 652 ح 888 ، كمال الدين : 258 ح 3 وص 263 ح 10 وص 669 ح 14 ، معاني الأخبار : 124 ح 1 ، دعائم الإسلام 1 / 37 ، كفاية الأثر : 38 و 100 و 102 و 124 و 144 - 145 و 222 ، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 2 / 27 و 97 ، الأمالي - للمفيد - : 21 ح 2 ، الأمالي - للطوسي - : 85 ح 127 وص 312 ح 634 ، مئة منقبة : 42 رقم 2 ، الاحتجاج 1 / 158 ، إعلام الورى 1 / 407 ، روضة الواعظين 1 / 337 ح 346 وص 360 ح 381 ، الخرائج والجرائح 1 / 237 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 445.
2- بل يمكن القول بأنها قد تجاوزت حدّ الاستفاضة وبلغت التواتر بناء على ما هو المعتمد عندهم في بلوغ حد التواتر ، فقد حدّده بعضهم بالأربعة ، وقيل : خمسة ، كما عن الباقلّاني ، وقيل : سبعة ، وقيل : عشرة ، كما عن الإصطخري ، وقيل غير ذلك. انظر : شرح شرح نخبة الفكر : 2. تدريب الراوي 2 / 176. و قد روي هذا الحديث - كما تقدم - من طريق : الإمام علي عليه السلام ، والإمام الحسين بن عليّ علیه السلام ، وعمر بن الخطّاب ، وأبي هريرة ، وجابر بن عبد اللّه ، وحذيفة بن اليمان ، وقرّة بن إيار. وأسامة بن زيد ، ومالك بن الحويرث ، والبراء ابن عازب ، وابن عمر ، وبريدة ، وأنس بن مالك ، وجهم ، وابن عبّاس ، وعبد اللّه بن مسعود ، وابن أبي رمثة ، وبعض طرق أبي سعيد الخدري .. وعبداللّه ثمانية عشر طريقاً لم يرد فيها الاستثناء ؛ فلاحظ!

ولم يخرج من العموم إلّا جدّهما صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّه المتكلّم ، مع كون خروجه ضروريّا ..

وأبوهما ؛ لقول النبيّ صلی اللّه علیه و آله في كثير من هذه الأخبار : « وأبوهما خير منهما » ، كما رواه الحاكم في « المستدرك » (1) ، من طريق عن ابن مسعود ، وطريق عن ابن عمر ، واتّفق هو والذهبي على صحّة حديث ابن مسعود.

ونقله في « كنز العمّال » (2) بلفظه ، أو بلفظ : « وأبوهما أفضل منهما » ، عن ابن عساكر ، عن عليّ علیه السلام ..

وعن النسائي وابن عساكر ، عن ابن عمر ؛ وعن الطبراني ، عن قرّة ومالك بن الحويرث (3) ..

ونقله أيضا بعد ذلك (4) ، عن الديلمي ، عن أنس ؛ وعن الطبراني ،

ص: 463


1- ص 167 من الجزء الثالث [ 3 / 182 ح 4779 و 4780 ]. منه قدس سره .
2- ص 220 من الجزء السادس [ 12 / 112 ح 34246 و 34247 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 209/13.
3- كنز العمّال 12 / 115 ح 34259 ، وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 149 ح 8525 - 8527 ، تاريخ دمشق 13 / 209 ، المعجم الكبير 3 / 39 ح 2617 وج 19 / 292 ح 650. نقول : لم ترد فقرة «وأبوهما أفضل - أو : خيرٌ - منهما» في رواية النسائي ، كما إنّ سندة ينتهی إلی أبي سعيد بدل ابن عمر ؛ فلاحظ!
4- ص 222 ج 6 [ 12 / 122 ح 34293 و 34295 ]. منه قدس سره . وأنظر : فردوس الأخبار 385/2 ح 7227 ، المعجم الكبير 37/3 - 38 ح 2608.

عن حذيفة.

ولو سلّم صحّة الاستثناء المذكور ، فهو كالنصّ في سيادة الحسنين لبقيّة الأنبياء ، وهو الشرف الذي لا يوازى ، ودليل فضلهما على بقيّة الأنبياء ، فكيف بآحاد أمّتنا وغيرها؟!

وإنّما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « سيّدا شباب أهل الجنّة » ولم يقل : « [ سيّدا ] (1) أهل الجنّة » ؛ للإشارة إلى أنّ أهل الجنّة شباب كلّهم.

وفي بعض أخبارنا أنّ جميع أهل الجنّة شباب إلّا محمّدا وعليّا وآدم ونوحا وإبراهيم ، فإنّهم شيب.

وعليه : فيتّجه التقييد بالشباب ، ويرتفع الإشكال عن خروج محمّد صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام .

هذا ، ولمّا أراد بعض القوم أن يناظر الحسنين بالشيخين ، وضع على لسان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّهما سيّدا كهول أهل الجنّة (2) ، وما تصوّر أنّهما في الدنيا بلغا سنّ الشيخوخة حتّى في زمن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وأنّ أهل الجنّة شباب لا كهل فيهم.

وقد ذكر في « ميزان الاعتدال » حديث أنّهما سيّدا كهول أهل الجنّة ، بترجمة محمّد بن كثير الصنعاني ، كما ذكرناه بترجمته في مقدّمة الكتاب ، وذكرنا أنّ ابن المديني بعدما سمع روايته لهذا الحديث قال : « لا أحبّ

ص: 464


1- أثبتناه لضرورة النسق.
2- كنز العمّال 13 / 10 ح 36104 و 36105.

أن أراه » (1).

وينبغي التعرّض - أيضا - لما رواه المصنّف رحمه اللّه ، عن جابر ، من ركوب الحسنين علیهماالسلام على ظهر النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وقوله : « نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما » (2) ..

فنقول : نقله في « كنز العمّال » ، في فضائل الحسنين (3) ، عن ابن عديّ ، والرامهرمزي في « الأمثال » ، وعن ابن عساكر من ثلاثة طرق ، وكلّهم عن جابر ، إلّا أنّه قال في إحدى روايات ابن عساكر : دخلت على النبيّ صلی اللّه علیه و آله وهو يمشي بينهما (4) ، فقلت : نعم الجمل جملكما ؛ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « ونعم الراكبان هما » (5).

ونقله أيضا عن الطبراني ، عن سلمان - بقصّة طويلة أخرى - ، قال : « كنّا حول النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فجاءت أمّ أيمن ، فقالت : يا رسول اللّه! لقد ضلّ الحسن والحسين ، وذلك رأد (6) النهار.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : قوموا فاطلبوا ابنيّ!

ص: 465


1- راجع : ج 1 / 245 رقم 298 من هذا الكتاب ، وانظر : ميزان الاعتدال 6 / 312 رقم 8106.
2- تقدّم آنفا في الصفحة 451.
3- ص 108 من الجزء السابع [663/13 ح 37687 و ص 664 ح 37689]. وأنظر : الكامل في ضعفاء الرجال 259/5 رقم 1404 ، تاريخ دمشق 216/13 - 217.
4- في المصدر : « بهما » ، وهو المناسب لتتمّة الحديث ؛ فلاحظ!
5- كنز العمّال 13 / 664 ح 37690 ، تاريخ دمشق 13 / 216.
6- الرّأد : رونق الضحى ، وقيل : هو بعد انبساط الشمس وارتفاع النهار ؛ انظر : لسان العرب 5 / 79 مادّة « رأد ».

وأخذ كلّ رجل تجاه وجهه ، وأخذت نحو النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، [ فلم يزل حتّى أتى سطح جبل ] ، وإذا الحسن والحسين يلتزق كلّ واحد منهما صاحبه ، وإذا شجاع (1) قائم على ذنبه يخرج من فيه شبه النار ، فأسرع إليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فالتفت مخاطبا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ انساب فدخل بعض الأحجرة ، ثمّ أتاهما فأفرق بينهما ومسح وجوههما ، وقال : « بأبي وأمّي أنتما! ما أكرمكما على اللّه! » ، ثمّ حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر.

فقلت : طوبى لكما! نعم المطيّة مطيّتكما.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ونعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما » (2).

وروى الترمذي ، في مناقب الحسنين ، عن ابن عبّاس ، قال : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حامل الحسن (3) على عاتقه ، فقال رجل : نعم المركب ركبت يا غلام!

فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : ونعم الراكب هو (4).

ورواه الحاكم في فضائل الحسن (5).

ص: 466


1- شجاع - بالضمّ والكسر - : هي الحيّة الذكر ، وقيل : الحيّة مطلقا ؛ انظر مادّة « شجع » في : النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 447 ، لسان العرب 7 / 38.
2- كنز العمّال 13 / 662 - 663 ح 37685 ، المعجم الكبير 3 / 65 ح 2677.
3- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « الحسين ».
4- سنن الترمذي 5 / 620 ح 3784.
5- ص 170 من الجزء الثالث [المستدرك علی الصحيحين 186/3 ح 4794]. منه قدس سره. وقال الحاكم : «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

وقريب من ذلك ما رواه الحاكم (1) في « المستدرك » أيضا ، في فضائل الحسنين علیهماالسلام ، وصحّحه ، عن أبي هريرة ، قال : « كنّا نصلّي مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله العشاء ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا ، فإذا عاد عادا ، فلمّا صلّى جعل واحدا هاهنا ، وواحدا هاهنا.

فقلت : يا رسول اللّه! ألا أذهب بهما إلى أمّهما؟

قال : لا.

فبرقت برقة ، فقال : إلحقا بأمّكما.

فما زالا يمشيان في ضوئها حتّى دخلا ».

ومثله في « مسند أحمد » من طريقين ، عن أبي هريرة (2).

ونقله في « كنز العمّال » (3) ، عن ابن عساكر ، من طريقين ، عن أبي هريرة.

وأمّا أحاديث حبّ النبيّ للحسنين فمتواترة ، ومن أحسنها ما رواه الحاكم (4) وصحّحه ، عن أبي هريرة ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : من أحبّهما فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني.

ونقله في « كنز العمّال » (5) ، عن أحمد في « مسنده » ، وابن ماجة.

ص: 467


1- ص 167 ج 3 [ 3 / 183 ح 4782 ]. منه قدس سره .
2- ص 513 من الجزء الثاني. منه قدس سره .
3- ص 109 من الجزء السابع [ 13 / 669 ح 37706 و 37707 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 213/13 - 214.
4- ص 166 ج 3 [ المستدرك على الصحيحين 3 / 182 ح 4777 ]. منه قدس سره . ووافقه الذهبي في «تلخيص المستدرك» ، وقال : «صحيح».
5- ص 220 من الجزء السادس [ 12 / 116 ح 34268 ]. منه قدس سره . وانظر : مسند أحمد 2 / 288 سنن ابن ماجة 1 / 51 ح 143.

وروى الحاكم - أيضا - قبل الحديث المذكور ، وصحّحه على شرط الشيخين ، عن سلمان ، قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : الحسن والحسين ابناي ، من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبني أحبّ (1) اللّه ، ومن أحبّ (2) اللّه أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه اللّه ، ومن أبغضه اللّه أدخله النار.

وتعقّبه الذهبيّ بقوله : « هذا حديث منكر ، وإنّما رواه بقيّ بن خالد (3) بإسناد آخر واه ، عن زاذان ، عن سلمان » (4).

أقول :

حقّا له أن يستنكره ؛ لأنّه يستوجب دخول أكثر أوليائه النار ، ومجرّد روايته بإسناد آخر واه لا يمنع من روايته بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، ولذا لم يناقش الذهبيّ في هذا الإسناد!

ص: 468


1- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « أحبّه ».
2- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « أحبّه ».
3- كذا في الأصل ، وهو تصحيف ، والصحيح : « مخلد ». وهو : أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي القرطبي ، الحافظ ، ولد في حدود سنة 200 ه- ، أو قبلها بقليل ، وتفقه في إفريقية ، وحمل الحديث عن أهل الحرمين ومصر والشام والعراق ، كان ذا خاصة أحمد من بن حنبل ، وجارياً في مضمار البخاري ومسلم والنسائي ، له من المصنفات : تفسير ومسند وجزء في ما روي في الحوض والكوثر ، توفي سنة 276 ه- . انظر : تاریخ دمشق 354/10 رقم 935 ، طبقات الحنابلة 112/1 رقم 141 ، سير أعلام النبلاء 13 / 285 رقم 137 ، تذكرة الحفاظ 629/2 رقم 656 ، طبقات الحفاظ : 281 رقم 633.
4- المستدرك علی الصحيحين 181 ح 4776.

وحكى نحوه في « كنز العمّال » (1) ، عن أبي نعيم وابن عساكر ، عن سلمان ؛ وعن أبي نعيم ، عن أبي هريرة ؛ لكن بهذا اللفظ : « من أحبّهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه اللّه ، ومن أحبّه اللّه أدخله جنّات النّعم ، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه اللّه ، ومن أبغضه اللّه أدخله جهنّم ، وله عذاب مقيم ».

وأمّا حديث فداء النبيّ صلی اللّه علیه و آله ابنه إبراهيم للحسين علیه السلام ، فقد وردت به أخبارنا أيضا (2).

وحكاه السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن الخطيب ، وقال : « زعم ابن الجوزي أنّه موضوع ، آفته محمّد بن الحسن النقّاش » (3).

وفيه - مع ما عرفت في مقدّمة الكتاب من أنّ من روى فضيلة لأهل البيت ثقة فيها (4) - : إنّ النقّاش ممّن أثنى عليه أبو عمرو الداني (5) ، وكان شيخ المقرئين في عصره ، ورحل إلى عدّة مدائن في طلب

ص: 469


1- ص 221 ج 6 [ 12 / 119 - 120 ح 34284 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ دمشق 156/14 ، معرفة الصحابة 669/2 ح 1797.
2- انظر : مناقب آل أبي طالب 4 / 88 - 89 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 202 ح 289.
3- اللآلئ المصنوعة 1 / 356 - 357 ، وانظر : تاريخ بغداد 2 / 204 رقم 635 ، الموضوعات 1 / 407.
4- راجع : ج 1 / 7 وما بعدها من هذا الكتاب.
5- قال الداني فيه : « النقّاش جائز القول ، مقبول الشهادة » ؛ انظر : غاية النهاية في طبقات القرّاء 2 / 121 ذيل الرقم 2938. أما الداني فهو : أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي ، مولاهم الأندلسي ، القرطبي ثم الداني ، ويعرف بابن الصيرفي ، صاحب التصانيف الكثيرة في القراءات والقرآن ، ولد سنة 371 ه- ، وتوفّي سنة 444 ه- ودفن بمقبرة دانية. والداني : نسبة إلى دانية ، وهي مدينة بالأندلس من أعمال بلنسية ، على ضفة البحر شرقاً ، مرساها عجيب يسمّى السُّمّان ، ولها رساتيق واسعة كثيرة التين والعنب واللوز . أنظر : سير أعلام النبلاء 77/18 رقم 36 ، معجم البلدان 494/2 رقم 4671 .

العلم ، واحتيج إليه ، كما ذكره في « ميزان الاعتدال » (1) ، فأيّ داع له - وهو من أهل السنّة - إلى وضع هذا الحديث ، ويسقط نفسه بين قومه؟!

* * *

ص: 470


1- ميزان الاعتدال 6 / 115 رقم 7410. وقال فيه الذهبي - كذلك - ما نصه : «أبو بكر النقاش ، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون المَوْصِلي ، ثمّ البغدادي ، المقرئ ، المفسر ، أحد الأعلام ، ولد سنة ست وستين ومئتين...». أنظر : معرفة القراء الكبار : 294 رقم 209.

محبّته وموالاته

قال المصنّف - قدّس اللّه نفسه - :

قال المصنّف - قدّس اللّه نفسه - (1) :

المطلب الثالث : في محبّته

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله - كما في « مسند أحمد بن حنبل » ، وقد أخذ بيد حسن وحسين - : « من أحبّني وأحبّ هذين وأحبّ أباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة » (2).

وعن حذيفة ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من أحبّ أن يتمسّك بقصبة الياقوت التي خلقها اللّه تعالى ، ثمّ قال لها : كوني ، فكانت ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب من بعدي » (3).

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لو اجتمع الناس على حبّ عليّ لم يخلق اللّه النار » (4).

وقال صلی اللّه علیه و آله : « حبّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيئة ، وبغض عليّ

ص: 471


1- نهج الحقّ : 259.
2- مسند أحمد 1 / 77 ، ورواه في فضائل الصحابة 2 / 862 - 863 ح 1185 ، وقد تقدّم تخريجه عن جمع من الحفّاظ في مبحث الحديث الخامس والعشرين ، في الصفحة 235 من هذا الجزء ، فراجع!
3- انظر : فضائل الصحابة 2 / 826 ح 1132 ، حلية الأولياء 1 / 86 وج 4 / 174 رقم 270 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 202 - 204 ح 260 - 264.
4- فردوس الأخبار 2 / 203 ح 5175 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 67 ح 39 ، نزهة المجالس 2 / 207 ، ينابيع المودّة 1 / 272 ح 9 وج 2 / 290 ح 830.

سيّئة لا ينفع معها حسنة » (1).

وقال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعليّ علیه السلام !

قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « من أحبّ عليّا فقد أحبّني ، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني » (2).

ومن « المناقب » لخطيب خوارزم ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من أحبّ عليّا قبل اللّه منه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه.

ألا ومن أحبّ عليّا أعطاه بكلّ عرق في بدنه مدينة في الجنّة.

ألا ومن أحبّ آل محمّد أمن الحساب والميزان والصراط.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء.

ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : آيس من رحمة اللّه » (3).

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى (4) ..

ص: 472


1- فردوس الأخبار 1 / 347 ح 2547 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 75 - 76 ح 56 ، نزهة المجالس 2 / 207 ، ينابيع المودّة 1 / 270 ح 4 وص 375 ح 6 وج 2 / 75 ح 54 وص 292 ح 841.
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 141 ح 4648 ، الاستيعاب 3 / 1101 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 69 - 70 ح 44 ، وانظر : المعجم الكبير 23 / 380 ح 901 وفيه زيادة : « ومن أبغضني فقد أبغض اللّه ».
3- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 72 - 73 ح 51 ، مقتل الحسين علیه السلام - للخوارزمي - : 72 ح 15 ، وانظر : تفسير الكشّاف 3 / 467 ، تفسير الفخر الرازي 27 / 166 - 167 ، تفسير القرطبي 16 / 16 ، فرائد السمطين 2 / 255 ح 524 ، نزهة المجالس 2 / 222 ، جواهر العقدين : 337 - 338.
4- انظر : جواهر العقدين : 317 - 340 ، الصواعق المحرقة : 259 - 274 وص 339 - 348.

وآيات القرآن دالّة عليه ..

قال اللّه تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلأَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (1) ، جعل مودّة عليّ وآله أجرا لرسالة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (2).

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن ابن عبّاس ، قال : إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « أحبّوا اللّه لما يغذوكم به من نعمة ، ولما هو أهله ، وأحبّوني لحبّ اللّه ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي » (3).

ومن « مناقب » الخوارزمي : عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من ناصب عليّا الخلافة بعدي فهو كافر ، وقد حارب اللّه ورسوله » (4).

ومنه : عن معاوية بن حيدة القشيري (5) ، قال : سمعت

ص: 473


1- سورة الشورى 42 : 23.
2- تفسير البغوي 4 / 111 ، تفسير الكشّاف 3 / 467 ، زاد المسير 7 / 117 ، تفسير الفخر الرازي 27 / 167 ، تفسير القرطبي 16 / 16 ، تفسير البيضاوي 2 / 362 ، تفسير ابن كثير 4 / 115 ، الدرّ المنثور 7 / 348 ، فتح القدير 4 / 537 ، روح المعاني 25 / 49.
3- رواه رزين العبدري في « الجمع بين الصحاح الستّة » نقلا عن « سنن أبي داود » كما في عمدة عيون صحاح الأخبار : 464 ح 749 ، وانظر : سنن الترمذي 5 / 622 ح 3789 ، المعجم الكبير 3 / 46 ح 2639 وج 10 / 281 ح 10664 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 162 ح 4716 ، حلية الأولياء 3 / 211 ، تاريخ بغداد 4 / 160 رقم 1833 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 151 ح 180.
4- أخرجه الخوارزمي في كتابه كما في « مناقب عليّ » - للعيني الحيدرآبادي - : 52 ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 93 ح 68.
5- كان في الأصل : « عن معاوية بن وحيد ، بخطّ القشيري » ، ووضع المصنّف قدس سره في المخطوط الحرف « خ » على كلمة « بخطّ » إشارة إلى أنّها نسخة بدل ؛ وكلّ ذلك تصحيف ، وما أثبتناه في المتن هو الصحيح. أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 25/7 رقم 2855 ، تاريخ الثقات - للعجلي - : 432 رقم 1592 ، الثقات - لابن حبّان - 374/3، معرفة الصحابة 2503/5 رقم 2658 ، الاستيعاب 3 / 1415 رقم 2434 ، أسد الغابة 432/4 رقم 4975 ، تهذيب الكمال 198/18 رقم 6643 ، الإصابة 149/6 رقم 8071 .

النبيّ صلی اللّه علیه و آله يقول لعليّ : « يا عليّ! لا يبالي من مات وهو يبغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا » (1).

ومنه : عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعليّ : « كذب من زعم أنّه يبغضك ويحبّني » (2).

وعن أبي هريرة ، قال : أبصر النبيّ صلی اللّه علیه و آله عليّا وحسنا وحسينا وفاطمة ، فقال : « أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم » (3).

ومنه : عن ابن عبّاس ، قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله لعليّ : « أنت سيّد في الدنيا ، وسيّد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أحبّني

ص: 474


1- انظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 96 ح 74 ، فردوس الأخبار 2 / 482 ح 8312 ، وراجع الصفحة 185 من هذا الجزء.
2- انظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 97 ح 75 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 76 ح 57 ، تاريخ دمشق 42 / 268 ، كفاية الطالب : 320.
3- انظر : سنن الترمذي 5 / 656 ح 3870 ، سنن ابن ماجة 1 / 52 ح 145 ، مسند أحمد 2 / 442 ، فضائل الحصابة 2 / 962 ح 1350 ، المعجم الكبير 3 / 40 ح 2619 - 2621 وج 5 / 184 ح 5030 و 5031 ، المعجم الأوسط 3 / 256 ح 2875 وج 5 / 316 ح 5015 وج 7 / 242 ح 7259 ، المعجم الصغير 2 / 3 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 512 ح 7 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 61 ح 6938 ، الكنى والأسماء - للدولابي - 2 / 160 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 161 ح 4713 و 4714 ، تاريخ بغداد 7 / 137 رقم 3582 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 105 ح 90 ، مصابيح السنّة 4 / 190 ح 4817 ، تاريخ دمشق 14 / 144 و 157 - 158 ، بغية الطلب 6 / 2576.

أحبّ اللّه عزّ وجلّ (1) ، وعدوّك عدوّي ، وعدوّي عدوّ اللّه ، ويل لمن أبغضك » (2).

* * *

ص: 475


1- وفي نسخة : « وحبيبي حبيب اللّه عزّ وجلّ ». منه قدس سره .
2- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 327 ح 337 ، وانظر : فضائل الصحابة 2 / 797 ح 1092 ، سير أعلام النبلاء 12 / 366 رقم 157. وقد تقدم تخريجه في ج 12/1 ه 2 من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

ما ذكر في هذا المطلب من وجوب محبّة أهل بيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، سيّما عليّ بن أبي طالب ، فهو أمر لا منازع فيه ، والأخبار والآثار والدلائل على هذا المقصود عند أهل السنّة والجماعة كثيرة.

ولكن ذكر في هذا المطلب أخبارا منكرة موضوعة ، ظاهر عليها أثر الوضع والنّكارة (2) والمجهولية.

ولكن ما يتعلّق بذكر الفضائل لا يتعرّض لكونه موضوعا أو مجهولا ؛ لأنّ ذكر الفضائل مقصود ، ولا يتعلّق بالمذهب ولا يتوجّه إليه ردّ.

وأمّا ما ذكره من « مناقب الخوارزمي » نقلا عن أبي ذرّ ، أنّه قال : « من ناصب عليّا الخلافة بعدي فهو كافر » ، فهذا حديث موضوع ، منكر ، لا يرتضيه العلماء ، وأكثر ما ذكر من « مناقب الخوارزمي » ، فكذلك.

وهذا الخوارزمي رجل كأنّه شيعيّ مجهول ، لا يعرف بحال ، ولا يعدّه العلماء من أهل العلم ، بل لا يعرفه أحد ، ولا اعتداد برواياته وأخباره!

ص: 476


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 465 الطبعة الحجرية.
2- النّكر والنّكر والنّكارة والنّكراء - لغة - : الدهاء والفطنة ، والنّكر والنّكر : المنكر والأمر الشديد ؛ انظر : تاج العروس 7 / 557 مادّة « نكر ». وفي الاصطلاح ، فإنّ الحديث المنكر : هو ما يرويه غير الثقة خلافاً لما عليه المشهور ، بخلاف الشاذ الذي يرويه الثق-ة خلافاً لما عليه المشهور . أنظر : شرح شرح نخبة الفكر : 337 - 338 ، علوم الحديث : 76 - 79 ، تدريب الراوي 1 / 239 .

وأقول :

قد سبق كثير ممّا ذكره المصنّف رحمه اللّه هنا وبيّنّا ثبوته (1) ، ولو احتجنا إلى إثبات الباقي لذكرناه ، وفي « المستدرك » و « الكنز » أكثره (2) ، لكن لا حاجة إليه بعد قوله سبحانه : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلأَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (3) ، وغيرها من الآيات (4) ..

وبعد استفاضة الروايات في وجوب حبّهم وفضله ، وأنّ حبّهم علامة الإيمان ، وبغضهم علامة النفاق ، وأنّ من أحبّهم أحبّ اللّه ورسوله ، ومن أبغضهم أبغض اللّه ورسوله.

والإنسان في غنى عن البحث في سند الأحاديث المتعلّقة بحبّهم وبغضهم ؛ لاشتهارها ، بل تواترها معنى.

وإذا تأمّلت كثرة ما ورد في الترغيب بحبّهم ، والتحذير من بغضهم ، والوصيّة فيهم بالكيفيّات المختلفة ، والوجوه المتعدّدة ، لعلمت أنّ ذلك لم يكن إلّا لأمر في الأصحاب ، وإلّا لو كانوا كما يظنّ الظانّون ، لما احتاجوا إلى ذلك ؛ لقضاء العادة بحبّهم لأهل البيت علیهم السلام ، واحترامهم لهم ؛ لقربهم

ص: 477


1- تقدّم في ج 4 / 215 - 216 من هذا الكتاب ، وفي الصفحات 142 و 184 و 235 و 432 من هذا الجزء.
2- انظر : المستدرك على الصحيحين 3 / 138 - 145 ح 4640 - 4657 وص 161 - 162 ح 4713 - 4717 ، كنز العمّال 12 / 103 - 105 ح 34194 - 34206 وج 13 / 139 وما بعدها.
3- سورة الشورى 42 : 23.
4- راجع : ج 4 / 297 - 435 وتمام الجزء الخامس من هذا الكتاب.

من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فضلا عن أهليّتهم في أنفسهم وكثرة آثار عليّ علیه السلام في الإسلام ..

فلا بدّ أن يكون النبيّ صلی اللّه علیه و آله قد علم ما نقوله ، من بغض غالب الأصحاب لهم ، وظلمهم إيّاهم ، وأنّ النفاق قد فشا فيهم وانقلبوا على الأعقاب!

بل لو تأمّل المنصف أخبار حبّهم وبغضهم لم يفهم منها إلّا إرادة وجوب التمسّك بهم ، فهي بيان لإمامتهم ، ولسان في وجوب اتّباعهم وحرمة مخالفتهم ، وإلّا فالحبّ والبغض من حيث هما ليسا بتلك الأهميّة التي اشتمل عليها الكتاب والسنّة.

وبهذا يعلم صحّة ما رواه أبو ذرّ رحمه اللّه ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، أنّه قال : « من ناصب عليّا الخلافة [ بعدي ] فهو كافر » ..

وما زعمه - من كونه منكرا موضوعا - تامّ على مذهبه ، وإلّا فبالنظر إلى الخبر بنفسه لا نكارة فيه ، وهو وأشباهه حجّة عليهم.

ويؤيّده ما في « كنز العمّال » (1) ، عن الدارقطني في « الأفراد » ، عن ابن عبّاس : « عليّ باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ».

وما في « الكنز » أيضا ، عن عليّ ، وجابر ، وابن مسعود ، بطرق : « عليّ خير البشر ، فمن أبى فقد كفر » (2).

ورواه السيوطي في « اللآلئ » ، عن ابن عديّ ، بسنده عن أبي سعيد ؛

ص: 478


1- ص 153 ج 3 [ 11 / 603 ح 32910 ]. منه قدس سره .
2- كنز العمّال 11 / 625 ح 33045 و 33046 ، وانظر : تاريخ بغداد 3 / 192 رقم 1234 وج 7 / 421 رقم 3984.

وعن أبي الحسن بن شاذان الفضلي ، بسنده عن حذيفة (1).

فهو كثير الطرق ، حقيق بالاعتبار ..

.. إلى نحوها من الأخبار (2).

ولا يخفى أنّ قول الفضل : « ولكن ما يتعلّق بذكر الفضائل لا يتعرّض لكونه موضوعا ... » إلى آخره (3) ..

مناف لما ذكره في أوّل المبحث الخامس ، حيث قال : « يشترط في ذكر الفضائل أن يروى من الصحاح المعتبرة ، ومن العلماء الّذين اعتمدهم الناس ... » إلى آخره (4).

والظاهر أنّ السبب في هذا العدول إرادته رواية فضائل أوليائه قريبا ، لتقبل على علّاتها ولا يلتفت إلى وضعها!

وأمّا ما طعن به الخوارزمي ، فليس إلّا لرواياته في فضائل أهل البيت ، والحال أنّه قد استفاض أكثرها بطرق أخر عن غيره ، بل كلّها بلحاظ شواهدها ومناسباتها.

وهو ممّن لا يجهل عند القوم ، فقد روى عنه ابن حجر ، وكنّاه ب « أبي بكر » في « الصواعق » ، في المقصد الثاني من المقاصد المتعلّقة بالآية الرابعة عشرة ، من الآيات الواردة في أهل البيت علیهم السلام (5).

وقد ذكره الذهبيّ في « الميزان » ، بترجمة « محمّد بن عبد اللّه بن

ص: 479


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 301 ، الكامل في ضعفاء الرجال 4 / 10 رقم 888.
2- راجع : جواهر العقدين : 341 - 358 ، الصواعق المحرقة : 264 - 267 و 357.
3- تقدّم آنفا في الصفحة 476.
4- انظر الصفحة 286 من هذا الجزء.
5- الصواعق المحرقة : 263.

محمّد البلوي » ، فقال - بعد ما ذكر حديثا في فضل عليّ علیه السلام - : « رواه أخطب خوارزم » (1).

وذكره أيضا بترجمة « محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان » ، فإنّه ذكر في ترجمته أحاديث له في فضائل عليّ علیه السلام ، ثمّ قال :

« ولقد ساق خطيب خوارزم من طريق هذا الدجّال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب السيّد عليّ » (2).

ولو لا أنّ الرجل كبير المنزلة عندهم ، مسلّم الوثاقة بينهم ، لعرفت كيف رمته سهام ألسنتهم ، وطعنت فيه أسنّة أقلامهم!

فهذا ابن شاذان قد سمعت ما قال الذهبيّ فيه ، وهو لم يرو إلّا اليسير من فضائل أمير المؤمنين علیه السلام ، فكيف بالخوارزمي وقد روى الكثير لو لا فضله الكبير بينهم؟!

وغاية ما طعن به ابن تيميّة على خبث لسانه أن قال : « ليس الحديث من صنعته » (3) ، ذكر هذا في ردّه ل « منهاج الكرامة ».

فكأنّه لا يكون من أهل صنعة الحديث إلّا أن يترك رواية فضائل آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ، أو يروي ما يتحمّله رأي ابن تيميّة خاصّة (4).

ص: 480


1- ميزان الاعتدال 6 / 206 رقم 7763.
2- ميزان الاعتدال 6 / 54 - 55 رقم 7196.
3- انظر : منهاج السنّة 5 / 41 - 42 وج 7 / 62.
4- وخطيب - أو : أخطب - خوارزم هو : ضياء الدين أبو المؤيّد الموفّق - أو : موفّق الدين - بن أحمد بن محمّد المكّي ، الخوارزمي ، الحنفي ، ولد سنة 484 ه ، وتوفّي بخوارزم سنة 568 ه. من أفاضل أعيان علماء أهل السنة وفقهائهم و محدثيهم ، كان شاعراً بليغاً وأديباً فصيحا مفوّها ، برع في إنشاء الخطب ، أخذ علم العربية عن جار اللّه الزمخشري ، وتخرّج به جماعة ، من مصنّفاته : مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، مناقب الإمام أبي حنيفة. أنظر : الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية 523/3 رقم 1718 ، المختصر المحتاج إليه من ذيل تاريخ بغداد - للذهبي - : 360 رقم 1341 ، كشف الظنون 2 / 1837 و 1844 ، هديّة العارفين 482/6 ، معجم البلدان 454/2 رقم 4444.

إنّه صاحب الحوض ، واللواء ، والصراط ، والإذن

قال المصنّف - أعلى اللّه مقامه - (1) :

المطلب الرابع : في أنّه صاحب الحوض ، واللواء ، والصراط ، والإذن.

روى الخوارزمي ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « عليّ يوم القيامة على الحوض ، لا يدخل الجنّة إلّا من جاء بجواز من عليّ » (2).

وعنه ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إذا كان يوم القيامة أمر اللّه تعالى جبرئيل أن يجلس على باب الجنّة ، فلا يدخلها إلّا من معه براءة من عليّ علیه السلام » (3).

ص: 481


1- نهج الحقّ : 261.
2- لم نجده بهذا اللفظ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 71 ح 48 وص 310 ح 308 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 140 ح 156.
3- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 319 - 320 ح 324 ، وانظر : تاريخ أصفهان 1 / 400 ح 755 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 148 ح 172 ، فرائد السمطين 1 / 289 ح 228 ؛ وراجع : ج 5 / 7 - 8 من هذا الكتاب!

وعن جابر بن سمرة ، قال : قيل : يا رسول اللّه! من صاحب لوائك في الآخرة؟

قال : « صاحب لوائي في الآخرة ، صاحب لوائي في الدنيا ، عليّ ابن أبي طالب » (1).

وعن عبد اللّه بن أنس ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنّم ، لم يجز عليه إلّا من معه كتاب بولاية عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (2).

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

فلينظر العاقل إذا كانت مثل هذه وأضعافها أضعافا مضاعفة يرويها السنّة في صحاح الأخبار عندهم ، والآيات - أيضا - موافقة لها ثمّ يتركونها ، هل يجوز له تقليدهم؟!

ومع ذلك لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة ولا رذيلة ولا معصية ألبتّة ، والتجأوا في التقليد إلى قوم رووا عنهم كلّ رذيلة ، ونسبوهم إلى مخالفة الشريعة في قضايا كثيرة! ولنذكر هنا بعضها في مطالب ..

* * *

ص: 482


1- مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 358 ح 369 ؛ وانظر الصفحة 424 - 425 من هذا الجزء.
2- أنظر : مناقب الإمام عليّ علیه السلام - للخوارزمي - : 71 ح 48 ، مناقب الإمام عليّ علیه السلام - لابن المغازلي - : 219 ح 289 ؛ وراجع الصفحة 199 ه 3 من هذا الجزء.

وقال الفضل :

وقال الفضل (1) :

من ضروريّات الدين أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله صاحب الحوض المورود ، والشفاعة العظمى ، والمقام المحمود يوم القيامة.

وأمّا أنّ عليّا صاحب الحوض ، فهو من مخترعات الشيعة ولم يرد به نقل صحيح.

وهذا الرجل ، الذي ينقل كلّ مطالبه من كتب أصحابنا ، لم ينقل هذا منهم ؛ وذلك لأنّه لم يصحّ فيه نقل عندنا.

ولكن ما ذكره لمّا كان من الفضائل والمناقب لمولانا عليّ بن أبي طالب ، فنحن لا ننكره ؛ لأنّ كلّ ما نقل من فضائله وفضائل أهل بيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ما لم يكن سببا إلى الطعن في أفاضل الصحابة ، فنتسلّمه ونوافقه فيه ؛ لأنّ فضائلهم لا تحصى ، ولا ينكره إلّا منكر نور الشمس والقمر.

وأمّا ما ذكره ، أنّ أمثال هذه الأخبار يرويها السنّة ، وهي في صحاح الأخبار عندهم ، والآيات أيضا موافقة لها ، ثمّ يتركونها ، هل يجوز لهم تقليدهم؟!

فإنّ أهل السنّة يعملون بكلّ حديث وخبر صحيح بشرائطها.

ولكن كما صحّ عندهم الأحاديث الدالّة على فضل عليّ بن أبي طالب وأهل بيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كذلك صحّ عندهم الأحاديث الدالّة على

ص: 483


1- إبطال نهج الباطل - المطبوع ضمن إحقاق الحقّ - : 467 الطبعة الحجرية.

فضائل الخلفاء الراشدين ، فهم يجمعون بين الأحاديث الصحاح ، وينزلون كلّا منزله الذي أنزله اللّه ، ولا ينقصون أحدا ممّن صحّ فيه هذا الحديث ..

والشيعة ينقلون الأحاديث من كتب أصحابنا ممّا يتعلّق بفضائل أهل البيت ، ويسكتون عن فضائل الخلفاء وأكابر الصحابة ؛ ليتمشّى لهم الطعن والقدح ، وهذا غاية الخيانة في الدين.

وأيّة خيانة أعظم من أنّ رجلا ذكر بعض كلام أحد ممّا يتعلّق بشيء ، وترك البعض الآخر بما يتعلّق بعين ذلك الشيء ، ليتمشّى به مذهبه ومعتقده؟!

ونعوذ باللّه من هذه العقائد الفاسدة.

ثمّ ما ذكره ، أنّ أهل السنّة « لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة ولا رذيلة ولا معصية ألبتّة ».

فجوابه أن نقول :

أيّها الجاهل العاميّ ، الضالّ العاصي! الشيعة ينسبون أنفسهم إلى الأئمّة الاثني عشر ..

أترى أئمّة أهل السنّة والجماعة يقدحون في أهل بيت النبوّة والولاية؟!

أتراهم - يا أعمى القلب! - أنّهم يفترون مثلك ومثل أضرابك على الأئمّة ، ويفترون المطاعن والمثالب ممّا لم يصحّ به خبر ، بل ظاهر عليه آثار الوضع والبطلان ، ولا كظهور البدر ليلة الأضحيان؟!

ثمّ ذكر أنّهم « التجأوا في التقليد إلى قوم رووا عنهم كلّ رذيلة ، ونسبوهم إلى مخالفة الشريعة ».

فجوابه : إنّهم لم يرووا عمّن يقلّدونه رذيلة أصلا ، بل هو يفتري

ص: 484

الكذب عليهم ، ومن هاهنا يريد أن يشرع في مطاعن الخلفاء ، ويبدأ بأبي بكر الصدّيق ..

ونحن نقول له : أنت لا تروي شيئا يعتدّ به إلّا من صحاحنا ، وها نحن قبل شروعك في مطاعن أبي بكر الصدّيق ، نذكر شيئا يسيرا من فضائله المذكورة في صحاحنا.

وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند السنّة أنّها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام ، فعملّها وجعلها وديعة عند الإمام جعفر الصادق ، فلمّا توفّي حسب الناس أنّه من كلامه (1) ..

واللّه أعلم بحقيقة هذا الكلام ، وهذا من المشهورات ..

مع هذا ، لا ثقة لأهل السنّة بالمشهورات ، بل لا بدّ من الإسناد الصحيح حتّى يصحّ الرواية.

وأمّا صحاحنا ، فقد اتّفق العلماء أنّ كلّ ما عدّ من الصحاح - سوى التعليقات في الصحاح الستّة - لو حلف بالطلاق أنّه من قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، أو من فعله وتقريره ، لم يقع الطلاق ، ولم يحنث (2).

وها نحن نشرع في بعض فضائل الصدّيق ؛ إظهارا للحقّ ، الحقيق

ص: 485


1- نقول : إن كان يقصد باليهودي هو من يسمّى ب « عبد اللّه بن سبأ » ، فلنا أن نتساءل - على فرض ثبوت شخصية ابن سبأ - ، أنّه كيف لقي الإمام الصادق علیه السلام ، المستشهد سنة 148 ه؟! فإنّ ابن سبأ - على ما يروى ويدّعى - كان في عصر عثمان ، وهو الذي ألّب الناس عليه ، وأجّج نار الثورة حتّى قتل ، وهو الذي أحرقه الإمام عليّ علیه السلام وأصحابه ، فكيف اجتمع بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهو متأخّر عنه بزمن طويل ، حتّى يودعه كتبه الموضوعة المختلقة؟!
2- انظر : شرح صحيح مسلم - للنووي - 1 / 28 ، مقدّمة ابن الصلاح : 16. وراجع : ج 39/1 من هذا الكتاب!

بالتحقيق ، فنقول :

أوّل خلفاء الإسلام : أبو بكر عبد اللّه بن أبي قحافة ، من أولاد تيم ابن مرّة ، ونسبه يتّصل برسول اللّه في مرّة ، كان له ولدان : تيم وكلاب ، فكلاب هو أبو قصيّ ، وقصيّ جدّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وتيم هو جدّ أبي بكر الصدّيق.

وكان أبو بكر الصدّيق قبل البعثة من أكابر قريش وأشرافها ، وصناديدها ، وكان قاضيا حكما بينهم ، وكان صاحب أموال كثيرة ، حتّى اتّفق جميع أرباب التواريخ ، أنّه لم يبلغ مال قريش مبلغ مال أبي بكر.

وكان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يصادقه ويحبّه ، ويجلس في دكّانه ، وهو كان يحبّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله محبّة شديدة ، لا يفارقه ليلا ولا نهارا ، وكان يعين رسول اللّه بماله وأسبابه.

فلمّا بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان لا يظهر حال نبوّته في أوّل الأمر على الناس ، فذكر لأبي بكر فصدّقه ، وقال رسول اللّه : « ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلّا وأظهر تردّدا ما خلا أبي (1) بكر » (2) ( كما قال ) (3).

فأخذ أبو بكر يدعو الناس إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فآخر ذلك اليوم الذي أسلم أتى بعيون قبائل قريش ممّا (4) كانوا يصادقونه في مكّة ، وهم :

عثمان بن عفّان - من عيون بني أميّة - ، وسعد بن أبي وقّاص - من

ص: 486


1- كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والصواب لغة : « أبا »!
2- انظر : البداية والنهاية 3 / 22.
3- كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والعبارة مضطربة ومبهمة ، وذلك غير عزيز من فصاحة وبلاغة الفضل! ولعلّ في العبارة سقطا ، وربّما كان مراده : « فكان الأمر كما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في حقّ أبي بكر » ؛ فلاحظ!
4- كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والصواب لغة : « ممّن »!

أشراف بني زهرة - ، وطلحة بن عبيد اللّه - من أشراف تيم - ، والزبير بن العوّام - من أشراف بني أسد بن عبد العزّى - ، وغيرهم من الأشراف ، فبايعوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على الإسلام (1).

ثمّ أخذ في الدعوة ، ولا يقدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على أمر إلّا بمشاورته وهو يدعو الناس!

وكان عاقلا لبيبا مدبّرا ، مقبول القول ، وكان يبذل ماله في إعانة المسلمين وفي تشهير الإسلام.

وروي في الصحيح ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لاتّخذت أبا بكر ، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته ، لا تبقينّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر » (2).

وفيه - أيضا - : عن عبد اللّه بن مسعود ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، أنّه قال : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، ولكنّه أخي وصاحبي ، وقد اتّخذ اللّه صاحبكم خليلا » (3).

وفي الصحاح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « ما لأحد عندنا يد إلّا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإنّ له عندنا يدا يكافئه اللّه يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قطّ ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإنّ صاحبكم خليل اللّه » (4).

ص: 487


1- انظر : السيرة الحلبية 1 / 449.
2- انظر : صحيح البخاري 1 / 201 ح 125 ، صحيح مسلم 7 / 108.
3- صحيح مسلم 7 / 108.
4- سنن الترمذي 5 / 568 - 569 ح 3661.

ثمّ لمّا أخذ الكفّار في إيذاء المسلمين وتعذيبهم ، قام أبو بكر بأعباء أذيّة قريش وإعانة المعذّبين ، والذبّ عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بما هو مشتهر معلوم لا يحتاج إلى بيانه.

وكان يشتري المعذّبين من الكفّار ، واشترى بلال بن رباح ، وفدى غيره من الصحابة ، وابتلي بلاء حسنا لا يكون فوقها مرتبة حتّى جاء وقت الهجرة فصاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في الغار ، وأنزل اللّه فيه : ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) (1).

وأثنى اللّه عليه في كتابه العزيز في مواضع عديدة ممّا يطول ذكرها ، ولو لا أنّ الكتاب غير موضوع لذكر التفاصيل ، لفصّلنا مناقبه في عشر مجلّدات!

ثمّ بعد الهجرة أقام يحفظ الدين والجهاد ، ولم يقدر أحد من الشيعة أن يدّعي أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله غزا غزوة وتخلّف عنه أبو بكر حتّى توفّي.

وإجماع الأمّة على أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يقدّمه على أصحابه ويفضّله عليهم ، وهو لم يفارق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قطّ في غزاة ، ولا سفر ، ولا فرّ في غزوة ، ومن ادّعى خلاف ذلك فهو مفتر كذّاب ، مخالف لضرورات الدين.

ذكر في « صحيح البخاري » ، عن محمّد بن الحنفيّة ، قال : قلت لأبي : أيّ الناس خير بعد النبيّ؟

قال : أبو بكر.

قلت : ثمّ من؟

ص: 488


1- سورة التوبة 9 : 40.

قال : عمر.

قال : [ و ] خشيت أن يقول : عثمان ، قلت : ثمّ أنت؟

قال : ما أنا إلّا رجل من المسلمين (1).

انظروا معاشر العقلاء! إنّ أمير المؤمنين عليّ هكذا يذكر الخلفاء ، ثمّ جاء ابن المطهّر الأعرابي ، البوّال على عقبيه ، ويضع لهم المطاعن ، قاتله اللّه من رجل سوء بطّاط (2).

وأيضا : عن عبد اللّه بن عمر ، قال : كنّا في زمن النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا نعدل بأبي بكر أحدا ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ لا نفاضل بينهم (3).

وفي رواية : كنّا نحن نقول - ورسول اللّه حيّ - : أفضل أمّة النبيّ بعده أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان (4).

وفي الصحاح : عن ابن عمر ، عن رسول اللّه ، أنّه قال لأبي بكر : « أنت صاحبي في الغار ، وصاحبي في الحوض » (5).

وفيها : عنه ، قال : قال رسول اللّه : « أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ يأتي أهل البقيع فيحشرون معي ، ثمّ ينتظر أهل

ص: 489


1- صحيح البخاري 5 / 71 ح 168.
2- البطّاط : صانع البطّات ، جمع البطّة ؛ وهي الدبّة بلغة أهل مكّة ؛ لأنّها تعمل على شكل البطّة من الحيوان ، أو هو إناء كالقارورة يوضع فيه الدهن وغيره ؛ انظر مادّة « بطط » في : لسان العرب 1 / 431 ، تاج العروس 10 / 198.
3- صحيح البخاري 5 / 82 ح 193.
4- سنن أبي داود 4 / 205 - 206 ح 4628.
5- سنن الترمذي 5 / 572 ح 3670.

مكّة حتّى تحشر بين الحرمين » (1).

وفي الصحاح : عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أتاني جبرئيل فأخذ بيدي فأراني باب الجنّة الذي يدخل منه أمّتي.

فقال أبو بكر : يا رسول اللّه! وددت أنّي كنت معك حتّى أنظر إليه.

فقال رسول اللّه : أما إنّك يا أبا بكر أوّل من يدخل الجنّة من أمّتي » (2).

والأخبار في هذا أكثر من أن تحصى ..

ثمّ لمّا قرب وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله جعله في مرضه إماما للناس ؛ ليكون تلويحا إلى خلافته ، وهذا كالمتواتر عند المسلمين ، ولم يتردّد واحد في أنّ أبا بكر في أيّام مرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يؤمّ الناس.

وفي الصحاح : عن عائشة ، قالت : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في مرضه : « ادعي لي أبا بكر أباك ، وأخاك ، حتّى أكتب كتابا ، فإنّي أخاف أن يتمنّى متمنّ ، ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى اللّه والمؤمنون إلّا أبا بكر » (3).

وفي الصحاح : عن جبير بن مطعم ، قال : أتت النبيّ امرأة فكلّمته في شيء ، فأمرها أن ترجع إليه ، قالت ، يا رسول اللّه! أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ - كأنّها تريد الموت -.

قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر (4).

ص: 490


1- انظر : سنن الترمذي 5 / 581 ح 3692 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 505 ح 3732.
2- سنن أبي داود 4 / 212 ح 4652 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 77 ح 4444.
3- صحيح مسلم 7 / 110 ، وانظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 134 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 8 / 153.
4- انظر : صحيح مسلم 7 / 110.

والأخبار الدالّة على الإشارة بخلافته كثيرة ، وهي تعارض الأخبار الدالّة على خلافة عليّ.

والإجماع فضل زائد ودليل تامّ على صحّة خلافته.

ثمّ إنّ الرجل السوء يذكر لمثل هذا الرجل المطاعن ، لعن اللّه كلّ مخالف طاعن.

وكنت حين بلغت باب المطاعن أردت أن أطوي عنه كشحا ، ولا أذكر منه شيئا ؛ لأنّها تؤلم خاطر المؤمن ، ويفرح بها المنافق الفاسد الدين ؛ لأنّ من المعلوم أنّ الدين قام في خلافة هؤلاء الخلفاء الراشدين.

ولمّا سمع المنافق أنّ هؤلاء مطعونون ، فرح بأنّ الدين المحمّدي لا اعتداد به ؛ لأنّ هؤلاء المطعونين - حاشاهم - كانوا مؤسّسي هذا الدين ، وهذا ثلمة عظيمة في الإسلام ، وتقوية كاملة للكفر ، أقدم به الروافض ، لا أفلحوا!

ولكن رأيت لو أنّي أترك هذا الباب ولم أجاوبه ، يظنّ الناس أنّ ما أورده من الأباطيل كان كلاما متينا ، ونقلا صحيحا لا يقدر على مجاوبته ، فعزمت أن أجري على وفق ما جريت في هذا الكتاب ، من ذكر كلامه والردّ عليه ، واللّه الموفّق.

* * *

ص: 491

وأقول :

لا ريب أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله هو صاحب الحوض ، ولكنّ عليّا هو المتولّي عليه ، فهو صاحبه أيضا ، كما أنّ لواء النبيّ صلی اللّه علیه و آله في الآخرة - وهو لواء الحمد - بيد عليّ علیه السلام أيضا ، كما صرّحت بهذا كلّه أخبار القوم (1) ، فضلا عن أخبارنا (2).

فمنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك » (3) ، عن عليّ بن أبي طلحة ،

ص: 492


1- فلم يكن ذلك من مخترعات الشيعة كما ادّعاه ابن روزبهان ، بل رواه جمع من أئمّة وحفّاظ وأعلام أهل السنّة ، فانظر - علاوة على ما تقدّم في الصفحتين 481 و 482 من هذا الجزء ، وما سيأتي في الصفحات التالية منه - : المعجم الأوسط 1 / 110 ح 190 ، تاريخ دمشق 42 / 139 - 140 ، مطالب السؤول : 81 ، مختصر تاريخ دمشق 17 / 382 و 383. وأنظر مادة «صيد» في : الفائق في غريب الحديث 324/2 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 65/3 ، لسان العرب 451/7.
2- انظر مثلا : كتاب سليم 2 / 708 ح 16 وص 747 ح 24 ، بصائر الدرجات : 436 - 437 ح 11 ، تفسير فرات 2 / 366 - 367 ح 498 و 499 ، تفسير القمّي 2 / 364 - 365 ، تفسير العيّاشي 2 / 116 ح 127 ، كفاية الأثر : 101 ، علل الشرائع 1 / 196 - 197 ب 130 ح 6 وص 205 - 206 ب 137 ح 1 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1 / 272 ح 63 وج 2 / 52 - 53 ح 189 ، الخصال : 203 - 204 ح 19 وص 415 - 416 ح 5 و 6 وص 573 و 582 - 583 ح 7 ، الأمالي - للصدوق - : 178 ح 180 وص 402 ح 520 وص 586 ح 807 وص 756 ح 1019 ، الأمالي - للمفيد - : 272 ذ ح 3 ، الأمالي - للطوسي - : 209 ح 359 ، فضائل الإمام أمير المؤمنين علیه السلام - لابن شاذان - : 69 - 70 ح 94 و 95 ، إعلام الورى 1 / 369 - 370 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 185.
3- ص 138 ج 3 [ 3 / 148 ح 4669 ]. منه قدس سره . وانظر : السنّة - لابن أبي عاصم - : 346 ح 1. مسند أبي يعلى 12 / 139 - 141 ح 6771 ، مجمع الزوائد 9 / 130.

وصحّحه ، أنّ الحسن علیه السلام ، قال لمعاوية بن حديج : أنت السابّ لعليّ ... واللّه إن لقيته - وما أحسبك تلقاه - يوم القيامة ، لتجده قائما على حوض رسول اللّه يذود عنه رايات المنافقين.

ونحوه في « الصواعق » ، عن الطبراني (1).

ومنها : ما في « الصواعق » - أيضا - ، عن الطبراني : يا عليّ! معك يوم القيامة عصا من عصيّ الجنّة تذود بها المنافقين عن الحوض (2).

ومنها : ما في « الصواعق » ، عن أحمد : أعطيت في عليّ خمسا - إلى أن قال : - وأمّا الثانية : فلواء الحمد بيده ، آدم ومن ولده تحته.

وأمّا الثالثة : فواقف على حوضي ، يسقي من عرف من أمّتي (3).

ونحوه في « كنز العمّال » (4).

وروى في « الكنز » - أيضا - ، عن الطبراني ، عن عليّ علیه السلام : إنّي أذود عن حوض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بيديّ هاتين القصيرتين ؛ الكفّار

ص: 493


1- في المقصد الثالث من المقاصد المتعلقة بالآية الرابعة عشرة ، وهي آية المودّة [ الصواعق المحرقة : 265 ]. منه قدس سره .
2- الصواعق المحرقة : 265 ، وانظر : المعجم الصغير 2 / 89 ، فردوس الأخبار 2 / 482 ح 8314 ، ذخائر العقبى : 163 - 164 ، الرياض النضرة 3 / 185 - 186 ، جواهر المطالب 1 / 233.
3- الصواعق المحرقة : 265 ، وانظر : فضائل الصحابة 2 / 822 ح 1127 ، ذخائر العقبى : 155 ، مختصر تاريخ دمشق 17 / 384.
4- ص 402 و 403 من الجزء السادس [ 13 / 152 ح 46476 وص 154 ح 36479 ]. منه قدس سره .

والمنافقين (1).

وروى فيه - أيضا (2) - ، عن عمر - من حديث طويل - ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، قال فيه : وأنت تتقدّمني بلواء الحمد ، وتذود عن حوضي.

وفيه - أيضا (3) - : عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعليّ : أنت أمامي يوم القيامة ، فيدفع إليّ لواء الحمد ، فأدفعه إليك ، وأنت تذود الناس عن حوضي.

وقد ذكر كثير من أخبارهم أمر اللواء فقط ، كخبر « الكنز » (4) ، عن الديلمي ، عن أبي سعيد : يا عليّ! أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

وخبره الآخر (5) ، عن الخطيب ، والرافعي ، عن عليّ علیه السلام ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال له : سألت اللّه يا عليّ فيك خمسا - إلى أن قال : - أعطاني فيك أنّ أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ، وأنت معي ، معك لواء الحمد ، وأنت تحمله بين يديّ تسبق به الأوّلين والآخرين.

ص: 494


1- كنز العمّال 13 / 157 ح 36484 ، وانظر : المعجم الأوسط 5 / 367 ح 5153 ، مجمع الزوائد 9 / 135 ، الرياض النضرة 3 / 186 ، جواهر المطالب 1 / 233.
2- ص 393 ج 6 [ 13 / 117 ذ ح 36378 ]. منه قدس سره .
3- ص 400 ج 6 [ 13 / 145 ح 36455 ]. منه قدس سره .
4- ص 155 ج 6 [ 11 / 612 ح 32965 ]. منه قدس سره .
5- ص 159 ج 6 [ 11 / 625 ح 33047 ]. منه قدس سره . وأنظر : تاريخ بغداد 339/4 رقم 2167 ، التدوين في أخبار قزوين 42/2 رقم 863.

وروى نحوه في محلّ آخر (1).

وحكى (2) عن الطبراني ، عن بريدة ، قالوا : يا رسول اللّه! من يحمل رايتك يوم القيامة؟

قال : من يحسن أن يحملها إلّا من حملها في الدنيا ؛ عليّ بن أبي طالب.

.. إلى غيرها من الأخبار المصرّحة بأنّ عليّا صاحب حوض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ولوائه في الآخرة (3) ، وقد ذكر قسما منها في « ينابيع المودّة » (4).

وأمّا روايات الإذن ، التي ذكر قسما منها المصنّف رحمه اللّه (5) ، الدالّة على أنّه لا يدخل الجنّة ، ولا يجوز الصراط ، إلّا من بيده جواز وبراءة من عليّ علیه السلام ، فمستفيضة.

وقد تقدّم بعضها في الآية الحادية عشرة ، وهي قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (6) ، فراجع (7)!

وأمّا ما زعمه الفضل من الخيانة في نقل فضائل أهل البيت علیهم السلام من كتبهم والسكوت عن فضائل خلفائهم ، فخطأ ؛ لأنّا ننقل فضائل

ص: 495


1- ص 396 ج 3 [ 13 / 129 ح 36411 ]. منه قدس سره .
2- ص 398 ج 6 [ 13 / 136 ح 36427 ]. منه قدس سره . وأنظر : المعجم الكبير 247/2 ح 2036 عن جابر.
3- راجع ما مرّ في الصفحات 481 و 482 و 493 - 494 من هذا الجزء.
4- ينابيع المودّة 1 / 395 - 397 ح 10 و 13 - 17.
5- تقدّم ذلك في الصفحتين 481 و 482 من هذا الجزء.
6- سورة الصافّات 37 : 24.
7- راجع : ج 5 / 7 وما بعدها من هذا الكتاب.

أهل البيت من كتبهم للاحتجاج بها عليهم ، مع علمنا بصحّتها ؛ لورودها في أخبارنا ، وإن كانت أخبارهم متلجلجة البيان.

وأمّا ما رووه في فضائل من خالف أهل البيت ، فنحن نعتقد كذبه ، وأنّه ممّا حدث في أيّام معاوية وبعده طلبا للدراهم البيض ، والدنانير الصفر ، ومراغمة لآل محمّد ، وتقرّبا لأهل الخلاف ، كما سبق في المقدّمة (1).

وليت شعري ، كيف يطلب منّا أن نعتمد ما ليس حجّة عندنا؟! بل تواتر لدينا عكسه ، وظهر لنا ضدّه ، حتّى علمنا - كما دلّت عليه أخبارهم - أنّ كلّ ضلال وقع إنّما أساسه من رووا لهم الفضائل من يوم منعوا نبيّ الرحمة عن كتابة كتاب لا يضلّ المسلمون بعده أبدا (2).

وأمّا ما نال به كرامة الإمام العلّامة المصنّف رحمه اللّه لقوله : « لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة ... » إلى آخره ..

ففيه : إنّه أيّ مانع لهم عن القدح بهم لو وجدوا إليه سبيلا ، وليسوا عندهم بأعظم وأحبّ من خلفائهم ، وقد نقلوا عنهم ما نقلوا؟! كما ستعرفه (3).

وأمّا قوله : « أنت لا تروي شيئا يعتدّ به إلّا من صحاحنا » ..

ففيه : إنّه إن أراد أنّ صحاحهم ممّا يعتدّ بها حتّى عندنا ، فليس بصحيح ، وليس ما نرويه منها إلّا للاحتجاج به عليهم ؛ لأنّه حجّة عندهم.

وإن أراد أنّها ممّا يعتدّ بها عندهم خاصّة ، فذكره لما فيها من

ص: 496


1- راجع : ج 1 / 7 - 25 من هذا الكتاب.
2- انظر : ج 4 / 93 و 267 من هذا الكتاب.
3- سيأتي تفصيله في موضعه من الجزء السابع إن شاء اللّه.

فضائل أوليائهم لا فائدة فيه ؛ لعدم حاجة أصحابه إلى نقلها ، وعدم صلوحها للاحتجاج بها علينا ؛ وهذا غير خفيّ عليه.

ولكن ، وما حيلة المضطرّ إلّا ركوبها(1) ..

أو لأنّه يريد أن يخدع السذّج بها وبما لفّقه ، ممّا لا يخفى حتّى على أهل المعرفة من قومه.

وأمّا قوله : « وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند السنّة ... » إلى آخره ..

ففيه : إنّه لو صحّ نقله للشهرة عند أصحابه ، فهي ليست أوّل شهرة كاذبة أريد بها تشييد الباطل ، فقد اشتهر عندهم إدخال - من زعموه - ربّهم رجله في نار جهنّم حتّى تقول : قط قط(2).

واشتهر بينهم إلقاء الشيطان على لسان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : تلك الغرانيق العلى ، منها الشفاعة ترتجى(3).

واشتهر عندهم رقص النبيّ صلی اللّه علیه و آله بأكمامه واستماعه للغناء الباطل دون عمر وأبي بكر(4) .

ص: 497


1- عجز بيت مشهور يتمثّل به ، للكميت بن زيد الأسدي ( 60 - 126 ه ) ، من البحر الطويل ، وتمام البيت : وإن لم يكن إلّا الأسنّة مركب *** فلا رأي للمحمول إلّا ركوبها انظر : جمهرة أشعار العرب : 790 رقم 49 ، ديوان الكميت 1 / 102 رقم 49. وورد البيت بلفظ آخر ، هكذا : إذا لم تكن إلّا الأسنّة مركب *** فلا رأي للمضطرّ إلّا ركوبها انظر : لباب الآداب : 164.
2- راجع : ج 1 / 50 وج 4 / 163 - 166 من هذا الكتاب.
3- راجع : ج 4 / 18 و 43 - 49 من هذا الكتاب.
4- راجع : ج 4 / 74 - 87 من هذا الكتاب.

.. إلى غير ذلك من المشهورات الباطلة قطعا.

ولو كان لهذا الرجل معرفة ، لما روى هذه الشهرة عن أصحابه ؛ لأنّها تكشف عن كون شهراتهم من هذا القبيل ، مخالفة للضرورة والوجدان ، فإنّ كتب الشيعة مملوءة بالنقل عن إمامهم الصادق علیه السلام ، وما أحد نقل عن كتاب له ، وإنّما يروون عن لسانه وألسنة الأئمّة الميامين ومراسلاتهم ، وها هي ذي كتب الشيعة بمنظر لمن أراد الاطّلاع عليها.

وأمّا ما زعمه ، من اتّفاق علمائهم على أنّ كلّ ما في الصحاح لو حلف بالطلاق .. إلى آخره ..

ففيه : إنّ من حلف كذلك حانث جزما ؛ لأمور :

الأوّل : إنّ كثيرا ممّا فيها متناف ، فكيف تصدق كلّها؟!

الثاني : اشتمالها على ما فيه نقص لله ورسوله - كما سبق في مباحث النبوّة (1) - وهما منزّهان عن النقص.

الثالث : إنّ الكثير من رواتها كذبة فسقة - كما تقدّم في المقدّمة (2) - ، فكيف يحلف الحالف على صدقهم ولا يحنث؟!

الرابع : إنّ بعض أخبارها واضحة الكذب ؛ كالذي رواه البخاري في أواخر الجزء الثاني ، في باب مقدم النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأصحابه المدينة ، عن عثمان ، قال : « أمّا بعد ، فإنّ اللّه بعث محمّدا صلی اللّه علیه و آله بالحقّ ، وكنت ممّن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث به محمّد ، ثمّ هاجرت هجرتين ،

ص: 498


1- انظر : ج 4 / 17 - 170 ، وراجع : ج 1 / 49 - 52 ، من هذا الكتاب.
2- انظر : ج 1 / 57 وما بعدها من هذا الكتاب.

ونلت صهر رسول اللّه ، وبايعته ، فو اللّه ما عصيته ولا غششته حتّى توفّاه اللّه » (1) ، فإنّه قد ثبت عصيانه لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ولو بفراره في الغزوات ، كفراره في أحد ثلاثة أيّام (2).

فإذا وقع مثل هذا الكذب في الرواية ، فكيف لا يحنث الحالف؟!

ونحوه - في ظهور الكذب - ما رواه البخاري - أيضا - ، في باب هجرة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أقبل إلى المدينة وهو مردف أبا بكر ، وأبو بكر شيخ يعرف ، ونبيّ اللّه شابّ لا يعرف ... (3) الحديث.

فإنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان أكبر سنّا ، وشأنا ، وبيتا ، وأثرا ، وشهرة ، بدعوته التي تستدعي القصد إليه ورؤيته ومعرفته ، فكيف كان النبيّ صلی اللّه علیه و آله شابّا لا يعرف ، وأبو بكر شيخا يعرف؟!

ونحوهما كثير!!

وإذا أردت أن تعرف حقيقة صحاحهم ، فعليك بمراجعة مقدّمة الكتاب (4) ، وكفاك أنّ عمدة أحاديثها تنتهي إلى عائشة ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وهم ليسوا محلّ الاعتماد ، فضلا عن السند الذي ينتهي إليهم.

ص: 499


1- صحيح البخاري 5 / 168 ح 405.
2- انظر : السير والمغازي - لابن إسحاق - : 332 ، المغازي - للواقدي - 1 / 277 - 279 ، أنساب الأشراف 1 / 398 ، تاريخ الطبري 2 / 69 ، تفسير الفخر الرازي 9 / 64 تفسير الآية 159 من سورة آل عمران ، شرح نهج البلاغة 15 / 21 و 22 و 24 ، الكامل في التاريخ 2 / 52 ، تفسير الطبري 3 / 489 ح 8102. وراجع: الصفحات 400 و 414 و 416 من هذا الجزء.
3- صحيح البخاري 5 / 161 ح 392.
4- راجع : ج 1 / 41 وما بعدها من هذا الكتاب.

أمّا عائشة ؛ فلما سبق من بغضها لأمير المؤمنين (1) ، وما سيأتي في المآخذ ، من صدور الكبائر عنها (2).

على أنّها قد روت كثيرا من النقص للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، الذي يعلم الإنسان بكذبه (3) ، ونسبت إليه جهله بنبوّته في أوّل البعثة حتّى عرّفته خديجة وورقة نبوّته ، وهو مخالف لضرورة الدين ، كما مرّ بيانه في مباحث النبوّة (4).

وأمّا ابن عمر ؛ فيعلم حاله من عدّة وقائع ..

منها : ما نقله الفضل عنه ، من تفضيل الصحابة لأبي بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، على وجه كان مفروغا عنه عندهم ، وأنّهم يتركون بعد الثلاثة سائر الصحابة بلا تفضيل بينهم ، فيكون عليّ من سائر المسلمين لا يرون له فضلا على غيره (5).

وقد تعقّبه صاحب « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين علیه السلام ، فإنّه بعد ما روى حديث ابن عمر المذكور ، قال : « وهو الذي أنكر [ ه ] (6) ابن معين ، وتكلّم فيه بكلام غليظ ؛ لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر ، أنّ عليّا أفضل الناس بعد عثمان ، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه ..

وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان ..

ص: 500


1- راجع الصفحات 149 - 151 من هذا الجزء!
2- سيأتي ذلك في موضعه من الجزء السابع إن شاء اللّه.
3- انظر مثلا : ج 4 / 64 - 87 و 142 - 145 و 152 - 159 من هذا الكتاب.
4- انظر : ج 4 / 137 - 142 من هذا الكتاب.
5- مرّ ذلك في الصفحة 489 من هذا الجزء.
6- كان في الأصل والمصدر : « أنكر » ؛ وما أضفناه مقتضى اللغة والكلام.

واختلف السلف - أيضا - في تفضيل عليّ وأبي بكر ..

وفي إجماع الجميع - الذي وصفناه - دليل على أنّ حديث ابن عمر وهم وغلط ، وأنّه لا يصحّ معناه » (1).

ومنها : ما كذّبته فيه عائشة في اعتمار النبيّ صلی اللّه علیه و آله في رجب ..

روى مسلم في « باب عدد عمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله وزمانهنّ » ، من « كتاب الحجّ » ، عن عروة بن الزبير ، قال : كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة ، وإنّا لنسمع ضربها بالسواك تستنّ.

قال : فقلت : يا أبا عبد الرحمن! اعتمر النبيّ في رجب؟

قال : نعم.

فقلت لعائشة : يا أمّتاه! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟!

قالت : وما يقول؟

قلت : يقول : اعتمر النبيّ في رجب.

فقالت : لعمري ما اعتمر في رجب ، وما اعتمر من عمرة إلّا وإنّه لمعه.

قال : وابن عمر يسمع ، فما قال « لا » ، ولا « نعم » ؛ سكت (2)!

وأخرج مسلم أيضا نحوه ، عن مجاهد ، قال : دخلت أنا وعروة المسجد ، فإذا عبد اللّه بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، والناس يصلّون الضّحى في المسجد ، فسألناه عن صلاتهم؟

فقال : بدعة!

ص: 501


1- الاستيعاب 3 / 1116.
2- صحيح مسلم 4 / 61.

فقال له عروة : [ يا أبا عبد الرحمن! ] كم اعتمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟

فقال : أربع عمر ، إحداهنّ في رجب ...

ثمّ ذكر نحو الحديث السابق (1).

وروى البخاري مثله في باب « كم اعتمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله » ، من « كتاب الحجّ » (2).

وكذا أحمد في « مسنده » ، في مقامات عديدة (3).

ومنها : ما كذّبته فيه - أيضا - عائشة ، وهو عدد عمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

أخرج أحمد في « مسنده » (4) ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : سئل كم اعتمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟

قال : مرّتين.

فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد اعتمر ثلاثة سوى العمرة التي قرنها بحجّة الوداع.

وروى نحوه في مقام آخر (5) ، غير إنّ ابن عمر قال فيه : اعتمر رسول اللّه مرّتين قبل أن يحجّ.

ومنها : ما كذّبته هي أيضا فيه ، وهو روايته عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله.

ص: 502


1- صحيح مسلم 4 / 61 ، وانظر : صحيح البخاري 5 / 292 ح 265.
2- صحيح البخاري 3 / 16 ح 353.
3- منها : ص 129 ج 2 ، وص 157 ج 6. منه قدس سره . وأنظر كذلك : مسند أحمد 155/2.
4- ص 70 من الجزء الثاني ، منه قدس سره .
5- ص 139 ج 2. منه قدس سره .

روى البخاري ومسلم في « كتاب الجنائز » ، ما ملخّصه : أنّ ابنة لعثمان ماتت وحضرها ابن عبّاس وابن عمر ، فقال ابن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهى عن البكاء ، فإنّ النبيّ قال : « إنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه ».

فقال ابن عبّاس : قد كان عمر يقول بعض ذلك.

وذكر ذلك لعائشة ، فقالت : واللّه ما حدّث رسول اللّه أنّ اللّه يعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه ... فو اللّه ما قال ابن عمر شيئا (1).

وروى مسلم نحوه كثيرا (2).

وكذا أحمد (3).

ومنها : ما كذّبته هي أيضا فيه ، وهو ما رواه من كلام النبيّ لمّا وقف على قليب (4) بدر.

أخرج مسلم في كتاب الجنائز ، في « باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه » ، عن عروة ، قال : ذكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النبيّ أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه.

فقالت : إنّما قال رسول اللّه يعذّب بخطيئته أو بذنبه ، وإنّ أهله ليبكون عليه ، وذلك مثل قوله : إنّ رسول اللّه قام على القليب يوم بدر

ص: 503


1- صحيح البخاري 2 / 172 ح 47 ، صحيح مسلم 3 / 43.
2- صحيح مسلم 3 / 41 - 45.
3- ص 31 و 38 من الجزء الثاني ، وص 57 وص 209 من الجزء السادس. منه قدس سره . وأنظر كذلك : مسند أحمد 41/1 و 42.
4- القليب : البئر مطلقا ، وقيل : هي البئر التي لا يعلم لها ربّ ولا حافر ، تكون بالبراري ، تذكّر وتؤنّث ؛ انظر : لسان العرب 11 / 272 مادّة « قلب ».

وفيه قتلى بدر من المشركين ، فقال لهم ؛ ما قال : إنّهم ليسمعون ما أقول ، إنّما قال : إنّهم ليعلمون أنّ ما كنت أقول حقّ (1).

وروى أحمد ما تضمّنه عجز الحديث (2).

ومنها : ما كذّبته هي أيضا فيه ، وهو عدد أيّام الشهر ..

أخرج أحمد (3) ، عن ابن عمر ، عن النبيّ ، قال : الشهر تسع وعشرون.

فذكروا ذلك لعائشة ، فقالت : إنّما قال : الشهر يكون تسعا وعشرين.

ومنها : ما كذّبه فيه معاوية ..

روى البخاري في أوّل كتاب الأحكام ، في « باب الأمراء من قريش » ، عن الزهري ، عن جبير بن مطعم ، أنّه بلغ معاوية أنّ عبد اللّه بن عمر يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان.

فغضب ، فقام فأثنى على اللّه بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّ رجالا منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب اللّه ، ولا تؤثر عن رسول اللّه ، وأولئك جهّالكم ، فإيّاكم والأمانيّ التي تضلّ أهلها ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « إنّ هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلّا كبّه اللّه على وجهه ما أقاموا الدّين » (4).

ومنها : ما كذّبه فيه بعض أهله ..

ص: 504


1- صحيح مسلم 3 / 44 ، وانظر : صحيح البخاري 5 / 186 ح 29.
2- ص 31 و 38 من الجزء الثاني. منه قدس سره .
3- ص 51 من الجزء السادس. منه قدس سره . وأنظر كذلك : مسند أحمد 31/2 و 56 و ج 243/6.
4- صحيح البخاري 9 / 111 ح 3.

روى البخاري ، في « باب ما جاء في البناء » ، آخر « كتاب الاستئذان » ، عن سفيان ، قال ابن عمر : « واللّه ما وضعت لبنة على لبنة ، ولا غرست نخلة منذ قبض النبيّ.

قال سفيان : فذكرته لبعض أهله ، قال : واللّه لقد بنى!

لكنّ سفيان حمله على الصحّة ، فقال : لعلّه قال قبل أن يبني » (1).

أقول :

أهله أعرف به ، ولو لم يعرفه هذا البعض منهم بالكذب لما تسرّع لتكذيبه.

ولو سلّم ، فلا تتّجه بقيّة الروايات ؛ إذ لا وجه لها إلّا الحمل على الخطأ ، وهو ممتنع عادة في كثير منها.

ولو سلّم ، فمن أخطأ في هذه الأمور المحسوسة الظاهرة ، لا يمكن الحلف على صدق ما يرويه.

وبالجملة : الكذب - عمدا أو خطأ - في ما اختلف فيه ابن عمر وغيره ، لا بدّ أن يكون صادرا من أحدهما ، فيمتنع معه صحّة الحلف المذكور.

وقد وقع لأنس من ابن عمر ، مثل ما وقع لابن عمر من عائشة.

أخرج أحمد (2) ، عن بكر ، قال : قلت لابن عمر : إنّ أنسا حدّثه أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لبّى بالعمرة والحجّ.

فقال ابن عمر : هل خرجنا مع رسول اللّه إلّا حجّاجا؟! فلمّا قدمنا

ص: 505


1- صحيح البخاري 8 / 120 ح 73.
2- ص 79 ج 2 ، ونحوه ص 53 من الجزء المذكور. منه قدس سره .

أمرنا أن نجعلها عمرة إلّا من كان معه هدي.

قال : فحدّثت أنسا بذلك ، فغضب وقال : لا تعدّونا إلّا صبيانا!

ثمّ إنّ ابن عمر قد صدرت منه الكبائر ، فلا يعتدّ بروايته ..

منها : إنّه ترك صلاة الجمعة ..

روى البخاري في أوائل كتاب المغازي ، عن نافع ، أنّ ابن عمر ذكر له أنّ سعيد بن زيد ... مرض في يوم جمعة ، فركب إليه بعد أن تعالى النهار ، واقتربت الجمعة وترك الجمعة (1).

ومنها : وهو أعظمها ، تخلّفه عن بيعة أمير المؤمنين علیه السلام ، وقد بايعه أهل الحلّ والعقد (2) ، وعندهم أنّ الخلافة تنعقد بهم ، بل ببيعة الواحد والاثنين ، كما سبق (3).

مع أنّه قد روى مسلم في « باب الأمر بلزوم الجماعة » ، من « كتاب الإمارة » ، عن نافع ، قال : « جاء عبد اللّه بن عمر إلى عبد اللّه بن مطيع حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد ، فقال : اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة.

فقال : إنّي لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدّثك حديثا ؛ سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : من خلع يدا من طاعة لقي اللّه يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية » (4).

ص: 506


1- صحيح البخاري 5 / 191 - 192 ح 39.
2- انظر : تاريخ الطبري 2 / 697 ، الكامل في التاريخ 3 / 82 ، البداية والنهاية 7 / 182.
3- راجع : ج 4 / 241 - 243 من هذا الكتاب.
4- صحيح مسلم 6 / 22.

وروى أحمد نحوه من طرق (1).

فيا عجبا من ابن عمر! يروي هذا ويرى أنّ من ليس في عنقه بيعة ليزيد المارد يموت ميتة جاهلية ، ويترك بيعة أخي النبيّ صلی اللّه علیه و آله ونفسه عامدا مصرّا على الترك أكثر من أربع سنين!!

فهل تراه كاذبا في حديثه ، أو صادقا فيه غير مبال بالميتة الجاهلية بغضا لوليّ المؤمنين ومولاهم ، وهضما لحقّه ، والبغض له أعظم الفسق ، ودليل النفاق؟!

فكيف يكون مع هذا مقبول الرواية ، محلّ الاطمئنان برواياته؟!

فتدبّر واعتبر!!

وأمّا أبو هريرة ، فهو أولى بعدم الاعتماد عليه ؛ لكثرة خرافاته التي لا يقبلها عقل عاقل ، وظهور كذبه في كثير ممّا رواه ، واتّهام الصحابة والتابعين ، بل تكذيبهم له أفرادا ونوعا (2).

أمّا خرافاته وكذباته ، فلا يمكن إحصاؤها ، ولكنّا نذكر منها اليسير ..

فمنها : أخباره السابقة في « مبحث النبوّة » (3) ، التي وصم بها جلال اللّه سبحانه وشرف أنبيائه المعصومين.

ص: 507


1- ص 83 و 97 من الجزء الثاني. منه قدس سره . وأنظر نحوه في مسند أحمد 133/2 و 154. وراجع : ج 213/4 - 214 و ج 9/5 و 270 من هذا الكتاب!
2- انظر : تأويل مختلف الحديث - لابن قتيبة - : 22 و 32 و 33 ، وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحة 516 وما بعدها من هذا الجزء.
3- راجع : ج 4 / 60 - 63 و 90 و 92 و 99 و 116 - 117 و 120 و 159 - 170 من هذا الكتاب.

ومنها : ما سنذكره من سبب حفظه العلم (1).

ومنها : ما رواه البخاري ، عنه (2) ، قال : « سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : لن يدخل أحدا عمله الجنّة.

قالوا : ولا أنت يا رسول اللّه؟!

قال : [ لا ، ] ولا أنا! ». الحديث ..

فإنّه مخالف لقوله تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3) ..

وقوله سبحانه : ( وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (4).

.. إلى كثير من الآيات الكريمة ، والسنّة المستفيضة (5).

ص: 508


1- سيأتي ذلك عمّا قريب في الصفحة 521.
2- في باب تمنّي المريض الموت من كتاب المرضى [ 7 / 220 ح 34 ]. منه قدس سره .
3- سورة النحل 16 : 32.
4- سورة الأحقاف 46 : 19.
5- أمّا من الكتاب العزيز .. فمثل قوله تعالى : (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأحقاف 46 : 14. وقوله سبحانه : (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) سورة الإنسان 76: 12 . وقوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) سورة البينة 98: 7 و 8. وأما من السنّة الشريفة . فمثل قوله صلی اللّه عليه وآله وسلم : « من مات يعبد اللّه مخلصاً من قلبه ، أدخله اللّه الجنة وحرم عليه النار» أنظر : مسند أبي يعلى 352/3 ح 1820. وقوله صلی اللّه عليه وآله وسلم : « من أطاعني دخل الجنّة ، ومن عصاني فقد أبى» أنظر : مسند أحمد 2 / 361. وعن أبي أيوب ، قال : جاء رجل إلى النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم فقال : دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار. قال : « تعبد اللّه لا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل ذا رحمك». فلما أدبر قال رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم : «إن تمسك بما أمر به دخل الجنة» أنظر : صحيح البخاري 2 / 215 ح 151 ، صحیح مسلم 33/1 ، مسند أحمد 417/5 و 418 .

ولكنّ أبا هريرة ينسج على منوال القصّاصين ، ويمسخ معالم اللّه سبحانه بما يقتضيه عقله وتحكم به مخيّلته ، فيلقي على أسماع القوم هذه السخافات والكذب الظاهر ، فيقبلونها من دون التفات ؛ لاعتمادهم على كلّ صحابيّ وإن ظهرت منه الكبائر بأنواعها ، وجاز في حديثه حدّ العقل.

ومنها : ما أخرجه البخاري (1) ، عنه ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، قال : « رأى عيسى بن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت؟!

قال : كلّا والذي لا إله إلّا هو.

فقال عيسى : آمنت باللّه ، وكذّبت عيني » ..

فإنّ الإيمان باللّه لا ينافي صدق عينه ، وأيّ عقل يقتضي تكذيب العين ووجدانها ، وتصديق الحالف باللّه كذبا المستحقّ للعقاب من جهة السرقة والحلف باللّه كذبا؟!

ولكنّ وساوس أبي هريرة وخياليّاته لم تقنع إلّا بالكذب على نبيّ في نسبة نبيّ آخر إلى الحمق والجهل!

ص: 509


1- في باب : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها ) ، من كتاب بدء الخلق [ 4 / 323 ح 240 ]. منه قدس سره.

ومنها : ما أخرجه البخاري (1) ، ومسلم (2) ، وأحمد (3) ، عنه ، قال : « كانت امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما.

فقالت صاحبتها : إنّما ذهب بابنك.

وقالت الأخرى : إنّما ذهب بابنك.

فتحاكمتا إلى داود ، فقضى به للكبرى.

فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه ، فقال : ائتوني بالسكّين أشقّه بينهما.

فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك اللّه ، هو ابنها.

فقضى به للصغرى.

قال أبو هريرة : واللّه إن سمعت بالسكّين إلّا يومئذ ، وما كنّا نقول إلّا : المدية ».

فإنّ داود علیه السلام إن حكم بلا دليل ، فقد حكم بغير الحقّ الذي أمدّه اللّه تعالى به ، وهو منزّه عن ذلك.

وإن كان بدليل ، فكيف نقض سليمان حكم اللّه بمجرّد إشفاق الأخرى؟!

فالحديث طعن من أبي هريرة بأحد النبيّين الأكرمين.

ومن المضحك قوله : « واللّه إن سمعت بالسكّين إلّا يومئذ » ..

ص: 510


1- في باب : ( وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ) .. الآية ، من كتاب بدء الخلق [ 4 / 315 ح 225 ]. منه قدس سره .
2- في بيان اختلاف المجتهدين ، من كتاب الأقضية [ 5 / 133 ]. منه قدس سره .
3- ص 322 ج 2 من المسند. منه قدس سره .

فإنّ لفظ السكّين كثير الدوران في كلام العرب ، ولا يجهله أحد منهم ، وقد نطق به الكتاب العزيز ، فقال تعالى في سورة « يوسف » : ( وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً ) (1) ، وهي مكّيّة ، نزلت قبل إسلام أبي هريرة بعدّة سنين ؛ لأنّه أسلم سنة سبع للهجرة (2) ، فما باله لم يسمع هذه الآية التي عمّ علمها المسلمين لقدمها؟!

ولم لم يعلمها وقد زعم أنّه حفظ عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعاءين ، بثّ أحدهما ، ولو بثّ الآخر لقطع منه البلعوم ، كما رواه البخاري عنه (3)؟!

وليت شعري ، ما هذه الأسرار الغريبة التي خصّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله بها أبا هريرة ، وأخفاها عن المسلمين ، فضاعت عنّا؟!

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!

ومنها : ما رواه البخاري (4) ، عنه ، قال : « وكّلني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : واللّه لأرفعنّك إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

قال : إنّي محتاج ، وعليّ عيال ، ولي حاجة شديدة.

فخلّيت عنه ، فأصبحت ، فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟

قلت : يا رسول اللّه! شكا حاجة شديدة [ وعيالا ] ، فرحمته ، فخلّيت

ص: 511


1- سورة يوسف 12 : 31.
2- انظر : المعارف : 158 ، الاستيعاب 4 / 1771 رقم 3208 ، أسد الغابة 5 / 320 رقم 6319.
3- في باب حفظ العلم ، من كتاب العلم [ 1 / 68 ح 61 ]. منه قدس سره .
4- في أوائل كتاب الوكالة [ 3 / 204 ]. منه قدس سره .

سبيله.

قال : [ أمّا ] إنّه قد كذبك وسيعود.

فعرفت أنّه سيعود ؛ لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّه سيعود.

فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنّك إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

قال : دعني! فإنّي محتاج ، وعليّ عيال ، لا أعود.

فرحمته ، فخلّيت سبيله.

فأصبحت ، فقال لي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟

قلت : يا رسول اللّه! شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخلّيت سبيله.

قال : أمّا إنّه قد كذبك وسيعود.

فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنّك إلى رسول اللّه ، وهذا آخر ثلاث مرّات ، إنّك تزعم لا تعود ثمّ تعود.

قال : دعني أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بها.

قلت : ما هو؟

قال : إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( اللّهُ لا إِلهَ إِلأَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ... ) (1) حتّى تختم الآية ، فإنّك لا يزال عليك من اللّه حافظ ، ولا يقربك شيطان حتّى تصبح.

فخلّيت سبيله.

ص: 512


1- سورة البقرة 2 : 255.

فأصبحت ، فقال لي رسول اللّه : ما فعل أسيرك البارحة؟

قلت : يا رسول اللّه! زعم أنّه يعلّمني كلمات ينفعني اللّه بها ، فخلّيت سبيله.

إلى أن قال : تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟!

قال : لا.

قال : ذاك شيطان ».

فليت شعري ، أيّ حاجة للشيطان في هذه السرقة الخاصّة؟!

ولم لم يسرق من حيث لا يراه أبو هريرة؟!

وكيف قدر أبو هريرة أن يأسره ، وهو جسم شفّاف؟!

وكيف ساغ لأبي هريرة أن يرحمه وهو أمين في الحفظ؟!

وكيف لم يصدّق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في قوله : « قد كذبك » ، وصدّق السارق في الدعوى التي كذّبه النبيّ فيها ، ولا سيّما بعد التكرار؟!

وكيف صدّق النبيّ صلی اللّه علیه و آله في قوله : « سيعود » ، ولم يصدّقه في قوله : « كذبك » ، وكلّ منهما خبر للنبيّ صلی اللّه علیه و آله في كلام واحد؟!

وهل محلّ لرحمته لو صدّق النبيّ صلی اللّه علیه و آله في تكذيبه؟!

وكيف جاز لأبي هريرة أن يحنث في يمينه ثلاث مرّات بعدما حلف ثلاثا أن يرفعه إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؟!

بل كيف صحّ للنبيّ - مع علمه بأنّه شيطان - أن يسكت بعد المرّة الأولى ، ولا ينهى أبا هريرة عن مسامحته بعدها ، والمال للفقراء ، وهو صلی اللّه علیه و آله أمينهم في الجمع والحفظ؟!

فهل يشكّ عاقل - بعد هذه الأمور - في أنّ ذلك من كذبات أبي

ص: 513

هريرة وسخافاته؟!

ومنها : ما رواه الحاكم (1) ، عنه ، وصحّحه ، قال : [ لمّا ] خلق اللّه آدم فمسح على ظهره ، فسقط من ظهره كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة أمثال الذّرّ ، ثمّ جعل بين عيني كلّ إنسان منهم وبيصا - أي : بريقا (2) - من نور ، ثمّ عرضهم على آدم ، فقال آدم : من هؤلاء يا ربّ؟

قال : ذرّيّتك.

فرأى آدم رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه.

فقال : يا ربّ! من هذا؟

قال : هذا ابنك داود.

قال آدم : كم جعلت له من العمر؟

قال : ستّين سنة.

قال : يا ربّ! زده من عمري أربعين سنة حتّى يكون عمره مئة سنة.

فقال اللّه عزّ وجلّ : إذا يكتب ويختم فلا يبدّل.

فلمّا انقضى عمر آدم جاء ملك الموت لقبض روحه ، قال آدم : أولم يبق من عمري أربعون سنة؟!

قال له ملك الموت : أولم تجعلها لابنك داود؟!

[ قال : ] فجحد ، فجحدت ذرّيّته » .. الحديث.

ص: 514


1- ص 325 ج 2 من المستدرك [ 2 / 355 ح 3257 ]. منه قدس سره .
2- الوبيص : البريق ، وبص الشيء يبص وبصا ووبيصا وبصة : برق ولمع ؛ انظر : لسان العرب 15 / 200 مادّة « وبص ».

فانظر إلى هذه القصّة الخيالية ، واعتبر في آخرها كيف نسب أبو هريرة نبيّ اللّه إلى الكذب ، وجحود ما فعل ، وكتب عليه وختم ، كراهة للموت الذي بعده الكرامة التي رآها قبل الهبوط إلى الدنيا الدنية وبكى شوقا إليها!!

ولو فرض نسيان آدم ، فما معنى جحوده ، وقد ذكّره ملك الموت ، وهو الصادق الأمين؟!

ولكنّ أبا هريرة لا يبالي بنقص الأنبياء حتّى جعل جحود آدم علیه السلام سببا لجحود ذرّيّته الباطل!

وليت شعري ، لم دخل في خيال أبي هريرة أنّ وبيص ما بين عيني داود أعجب إلى آدم من وبيص ما بين عيون الأنبياء ، حتّى سيّدهم محمّد صلی اللّه علیه و آله ، وأحدهم يوسف ، ومن زاده اللّه بسطة في العلم والجسم (1)؟!

ومنها : ما رواه البخاري (2) ، عنه ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، قال : « بينا أيّوب يغتسل عريانا ، فخرّ عليه جراد من ذهب ، فجعل أيّوب يحثي في ثوبه ، فناداه ربّه : يا أيّوب! ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟!

قال : بلى وعزّتك ، ولكن لا غنى بي عن بركتك ».

فإنّ جمعه للمال ؛ إن كان رغبة في الدنيا ، فالأنبياء أجلّ قدرا من ذلك.

وإن كان للآخرة - ولو بإظهار الحاجة إلى كرمه تعالى وتلقّي النعمة

ص: 515


1- أي : نبيّ اللّه طالوت علیه السلام .
2- في باب من اغتسل عريانا وحده ، من كتاب الغسل [ 1 / 129 ح 30 ]. منه قدس سره .

بإعظامها - ، فما وجه عتاب اللّه تعالى له؟!

واحتمال أنّ العتاب للاختبار ، ليس في محلّه ؛ لأنّه إنّ أريد الاختبار حقيقة ، فاللّه ، عالم بما في نفسه من دون اختبار.

وإن أريد كشف ما في نفسه للناس ، إظهارا لفضله ، فهو قد اغتسل وحده عريانا.

وقصص أبي هريرة الخرافية لا تنتهي حتّى ينتهي عنها!

وأمّا تكذيب الصحابة والتابعين له ، عموما أو خصوصا ، فالأخبار به مستفيضة ، وقد كان أمير المؤمنين علیه السلام بالخصوص ، وعمر وابنه ، وعائشة ، وأفراد أخر من الصحابة يكذّبونه ، أو يتّهمونه بالكذب (1).

نقل ابن أبي الحديد (2) ، عن أبي جعفر الإسكافي ، وابن قتيبة في كتاب « المعارف » ، أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال : ألا إنّ أكذب الناس - أو قال : أكذب الأحياء - على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أبو هريرة الدوسي.

وإنّ عمر بن الخطّاب ضرب أبا هريرة بالدّرّة (3) ، وقال : « قد

ص: 516


1- (1) فممّن اتّهمه بالكذب من الصحابة والتابعين - على سبيل المثال لا الحصر - غير من ذكر في المتن : 1 - سعد بن أبي وقاص : فقد ردّ عليه حديثه حتى تواثبا ، وقامت الحجزة بينهما ، وأُرتِجَت الأبواب بينهما . انظر : تاریخ دمشق 346/67 ، سير أعلام النبلاء 603/2 . 2 - إبراهيم النخعي ، الفقيه : كان لا يأخذ بحديث أبي هريرة ، ويقول : «دعني من أبي هريرة ! » ؛ ويقول : «كانوا يتركون كثيراً من حديثه » . انظر : تاریخ دمشق 67 / 360 - 361 ، شرح نهج البلاغة 68/4 ، النبلاء 608/2 .
2- ص 360 ج 1 [ 4 / 68 ]. منه قدس سره .
3- الدّرّة - والجمع : درر - : درّة السلطان ، التي يضرب بها ، عربية معروفة ؛ انظر مادّة « درر » في : لسان العرب 4 / 327 ، تاج العروس 6 / 397.

أكثرت من الرواية ، وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (1).

وحكى في « كنز العمّال » (2) ، عن ابن عساكر ، أنّ عمر قال له : « لتتركنّ الحديث عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أو لألحقنّك بأرض دوس!

[ وقال لكعب : لتتركنّ الحديث ، ] أو [ لألحقنّك ] بأرض القردة! ».

وروى مسلم (3) ، عن ابن عمر ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أمر بقتل الكلاب إلّا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية ؛ فقيل لابن عمر : إنّ أبا هريرة يقول : أو كلب زرع.

فقال ابن عمر : إنّ لأبي هريرة زرعا!

ثمّ روى مسلم ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من اتّخذ كلبا إلّا كلب ماشية ، أو صيد ، أو زرع ، نقص من أجره قيراط.

قال الزهري : فذكر لابن عمر قول أبي هريرة ، فقال : يرحم اللّه أبا هريرة ، كان صاحب زرع (4).

وروى أيضا ، عن سالم ، عن أبيه ، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : « من اقتنى كلبا إلّا كلب ضار ، أو ماشية ، نقص من عمله كلّ يوم قيراطان.

ص: 517


1- شرح نهج البلاغة 4 / 67 - 68.
2- ص 239 ج 5 [ 10 / 291 ح 29472 ]. منه قدس سره . و أنظر : تاریخ دمشق 172/50 ترجمة كعب بن ماتع ، وج 343/67 ترجمة أبي هريرة . وأنظر : تاريخ المدينة - لابن شبة - 800/3، سير أعلام النبلاء 600/2 - 601 رقم 126 ، البداية والنهاية 87/8.
3- في كتاب البيوع ، في باب الأمر بقتل الكلاب [ 5 / 36 ]. منه قدس سره .
4- صحيح مسلم 5 / 38.

قال سالم : وكان أبو هريرة يقول : أو كلب حرث ؛ وكان صاحب حرث » (1).

وروى أحمد (2) ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، أنّه قال : « من اتّخذ [ أو قال : اقتنى ] كلبا ليس بضار ، ولا كلب ماشية ، نقص من أجره كلّ يوم قيراطان.

فقيل له : إنّ أبا هريرة يقول : وكلب حرث ، فقال : أنّى لأبي هريرة حرث! ».

وروى أحمد أيضا (3) ، عن عبد الرحمن بن عتاب ، ما حاصله أنّ أبا هريرة أفتى بشيء ، فأرسل مروان إلى أمّ سلمة وعائشة ، فذكرتا عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خلافه ، فقيل لأبي هريرة في ذلك ، فقال : كذا كنت أحسب ، وكذا كنت أظنّ.

فقال له مروان : بأظنّ وأحسب تفتي الناس؟!

وروى أحمد أيضا (4) ، عن أبي حسّان الأعرج ، أنّ رجلين دخلا على عائشة فقالا : إنّ أبا هريرة يحدّث أنّ نبيّ اللّه كان يقول : إنّما الطيرة في المرأة ، والدابّة ، والدار.

قال : فطارت شقّة منها في السماء وشقّة في الأرض (5) ، فقالت :

ص: 518


1- صحيح مسلم 5 / 37.
2- ص 4 من الجزء الثاني. منه قدس سره .
3- ص 184 من الجزء السادس. منه قدس سره .
4- ص 246 من الجزء السادس. منه قدس سره .
5- هذا ممّا يقال للإنسان عند المبالغة في الغضب والغيظ. والشِّقّة : الشظية أو القطعة المشقوقة من لوح أو خشب أو غيره ؛ أنظر : لسان العرب 165/7 مادّة «شقق».

والذي أنزل القرآن على أبي القاسم صلی اللّه علیه و آله ما هكذا كان يقول ، ولكنّ نبيّ اللّه كان يقول : كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة ، والدار ، والدابّة » (1).

وروى مسلم (2) ، أنّ أبا هريرة يقول : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.

فقال ابن عمر : أكثر علينا أبو هريرة!

نعم ، ذكر في ذيل الحديث أنّ ابن عمر أرسل إلى عائشة يسألها فصدّقت أبا هريرة ، لكنّه لا يخرج أبا هريرة عن كونه متّهما بالكذب.

وروى مسلم أيضا (3) ، عن ابن شهاب ، أنّ أبا سلمة بن عبد الرحمن حدّثه ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « لا عدوى ».

ويحدّث أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « لا يورد ممرض على مصحّ ».

قال أبو سلمة : كان أبو هريرة يحدّثهما - كلتيهما - عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ صمت بعد ذلك أبو هريرة عن قوله : « لا عدوى » ، وأقام على أن « لا يورد ممرض على مصحّ » ، قال : فقال الحارث : قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدّثنا مع هذا الحديث حديثا آخر قد سكتّ عنه ،

ص: 519


1- (1) نقول - علاوة على ما جاء في المتن - : لقد ردّت عائشة كثيرا من أحاديث أبي هريرة حتّى قالت : « ألا تعجب من هذا؟! وإن كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ليحدّث الحديث لو شاء العادّ أن يحصيه أحصاه »! وقالت : «لأخالفن أبا هريرة». أنظر : سنن أبي داود 319/3 ح 3654 ، الأصول - للسرخي - 341/1 ، تأويل مختلف الحديث : 32.
2- في كتاب الجنائز ، في باب فضل الصلاة على الجنائز [ 3 / 51 ]. منه قدس سره .
3- في كتاب السلام ، في باب لا عدوى ولا طيرة [ 7 / 31 ]. منه قدس سره .

كنت تقول : « قال رسول اللّه : لا عدوى ».

فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك ، [ وقال : لا يورد ممرض على مصحّ ].

فماراه (1) الحارث في ذلك حتّى غضب أبو هريرة ، فرطن (2) بالحبشيّة ، فقال للحارث : أتدري ماذا قلت؟!

قال : لا.

قال أبو هريرة : قلت : أبيت.

قال أبو سلمة : ولعمري ، لقد كان أبو هريرة يحدّثنا أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « لا عدوى » ؛ فلا أدري أنسي أبو هريرة ، أم نسخ أحد القولين الآخر؟!

أقول :

كلا العذرين باطل! ..

أمّا النسخ ؛ فلأنّه إنّما يدخل الأحكام ، مع أنّ النسخ لو دعا أبا هريرة إلى الترك لاعتذر به عند الحارث ، أو لم يروهما أوّلا.

ص: 520


1- ماراه مماراة ومراء : جادله ولاجه ؛ والمراء - في الأصل - : الجدال ، وأن يستخرج الرجل من مناظره كلاما ومعاني الخصومة وغيرها ؛ انظر : لسان العرب 13 / 90 مادّة « مرا » ، تاج العروس 20 / 183 مادّة « مري ». وفي صحيح مسلم 31/7 : «فما رآه» ، وهو تصحيف.
2- رطن العجميّ يرطن رطنا : تكلّم بلغته ؛ والرّطانة والرّطاّنة والمراطنة : التكلّم بالعجمية ؛ انظر : لسان العرب 5 / 239 مادّة « رطن ».

وأمّا النسيان ؛ فيبطله عندهم ما رواه البخاري (1) ، عن أبي هريرة ، قال : « قلت : يا رسول اللّه! إنّي أسمع منك حديثا كثيرا أنساه.

قال : ابسط رداءك!

فبسطته ؛ قال : فغرف بيديه ، ثمّ قال : ضمّه ؛ فضممته ؛ فما نسيت شيئا بعده ».

وأقول :

هذا أيضا من حديث خرافة (2) ، فإنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لو كان مريدا له الحفظ ، كفاه أن يدعو له به ، كما فعل مع أمير المؤمنين لمّا بعثه قاضيا إلى اليمن (3) ، ولمّا نزل قوله : ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (4).

ص: 521


1- في باب حفظ العلم ، من كتاب العلم [ 1 / 67 - 68 ح 60 ] ، وفي موارد كثيرة باختلاف فيه [ 5 / 62 ح 148 وج 9 / 194 ح 122 كتاب الاعتصام ]. منه قدس سره .
2- مثل يضرب لكلّ ما لا يمكن وقوعه.
3- انظر : سنن أبي داود 3 / 300 ح 3582 ، سنن ابن ماجة 2 / 774 ح 2310 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 116 - 117 ح 8417 - 8422 ، مسند أحمد 1 / 83 و 88 و 90 و 96 و 111 و 156 ، مسند البزّار 3 / 125 ح 912 ، مسند أبي يعلى 1 / 252 ح 293 وص 268 ح 316 ، المعجم الأوسط 4 / 348 ح 3892 ، مسند الطيالسي : 16 ح 98 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 2 / 257 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 13 ح 57 وص 495 ح 5 ، مسند عبد بن حميد : 61 ح 94 ، تأويل مختلف الحديث - لابن قتيبة - : 145 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 7 / 260 ح 5042 ، أخبار القضاة - لوكيع - 1 / 84 - 88 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 145 - 146 ح 4658 وج 4 / 99 ح 7003 ، حلية الأولياء 4 / 381 - 382 رقم 284 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 10 / 140 ، تاريخ بغداد 12 / 444 رقم 6916.
4- سورة الحاقّة 69 : 12. وراجع مبحث الآية ذاتها في ج 45/5 - 49 من هذا الكتاب!

فلم يحتج إلى هذا الفضول ، من البسط والاغتراف من الهواء والضمّ ، اللواتي لا تشبه أفعال العقلاء ، بل المشعبذين والخرافيّين ، فكيف ينسب إلى نبيّ الهدى؟!

وأمّا تكذيب الصحابة والتابعين له عموما ، أو اتّهامهم له ، فيدلّ عليه ما أقرّ به هو بنفسه في ما رواه مسلم (1) ، عن أبي رزين ، قال : « خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته ، فقال : إنّكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لتهتدوا وأضلّ » .. الحديث.

وما رواه البخاري (2) ، عن أبي هريرة ، قال : « يقولون : إنّ أبا هريرة يكثر الحديث! واللّه الموعد ؛ ويقولون : ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه؟!

وإنّ إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإنّ إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم ، وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول اللّه على ملء بطني ، فأحضر حين يغيبون ، وأعي حين ينسون ... » .. الحديث.

فهذا الحديث صريح باتّهامهم له ، كما إنّ الحديث الذي قبله صريح في تكذيبهم له!

فالعجب من السنّة! كيف يعتبرون حديثه ، وهم يطعنون في الراوي باتّهام بعض علمائهم له ، فضلا عن التكذيب له؟!

فكيف ، وقد اتّهمه الصحابة والتابعون ، وكذّبوه عموما وخصوصا؟!

ص: 522


1- في باب إذا انتعل فليبدأ باليمين ، من كتاب اللباس والزينة [ 6 / 153 ]. منه قدس سره .
2- في آخر أبواب المزارعة [ 3 / 219 ح 29 ] ، وباب حفظ العلم [ 1 / 67 ح 59 ] ، وغيره باختلاف [ 3 / 111 - 112 أوّل كتاب البيوع ]. منه قدس سره .

مع أنّ السنّة رأوه في هذا الحديث قد كذب كذبا ظاهرا ؛ إذ نسب إلى جميع المهاجرين الصفق بالأسواق ، وإلى عامّة الأنصار العمل بأموالهم (1) - أي : بساتينهم - ، والحال أنّ الّذين كانوا كذلك إنّما هم القليل.

ونسب إلى نفسه ملازمة النبيّ صلی اللّه علیه و آله لأن يملأ بطنه ؛ وهذا أمر - لو تمّ - زاد عليه فيه أنس ، وشاركه فيه جماعة من أهل الصّفة!

وما أدري كيف زاد حضوره على سائر المهاجرين والأنصار ، والحال أنّ أيّام إسلامه ثلاث سنين قبل وفاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله (2) ، وهم حضروا عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله من مبدإ الهجرة ، وبعضهم قبلها؟!

ولو سلّم ، فليس هذا جوابا عن إشكال عدم تحديث المهاجرين والأنصار مثل حديثه في الغرابة ؛ فإنّ زيادة حضوره عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا يقتضي أن يختصّ بالغرائب دون بطانة النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأهله وأكابر الصحابة!

وليت شعري ، كيف يرتضون عذره ، وهم يزعمون أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا يصنع شيئا إلّا بمشاورة أبي بكر ، وأنّ أبا بكر لا يفارق النبيّ صلی اللّه علیه و آله ليلا ولا نهارا طول أيّام إسلامه ، بل قبل البعثة ، وهو لم يرو إلّا أقلّ القليل بالنسبة إلى روايات أبي هريرة؟!

فهل يرون أنّ أبا هريرة أوعى منه للعلم وأحفظ؟!

ص: 523


1- المال : ما ملكته من جميع الأشياء ، وهو في الأصل ما يملك من الذهب والفضّة ، ثمّ أطلق على كلّ ما يقتنى ويملك من الأعيان. أنظر : لسان العرب 223/13 مادّة «مول».
2- راجع الصفحة 511 ه 2 من هذا الجزء.

وكذا الحال في عظماء الصحابة ، ولا سيّما أمير المؤمنين ، عديل القرآن ، وصاحب الأذن الواعية ، الذي لم يفارق النبيّ صلی اللّه علیه و آله من طفوليّته إلى ساعة وفاته ، وهو لم تكن له من الرواية عندهم إلّا القليل بالنسبة إلى ما رواه أبو هريرة!

ثمّ إنّ عدم الاعتداد بأبي هريرة لا يختصّ بالصحابة والتابعين ، بل يعمّ غيرهم ..

فقد حكى ابن أبي الحديد (1) ، عن أبي جعفر ، وابن قتيبة ، أنّ أبا يوسف ذكر عن أبي حنيفة أنّه قال : « الصحابة كلّهم عدول ما عدا رجالا ، ثمّ عدّ منهم أبا هريرة ، وأنس بن مالك!

وأنّ أبا أسامة روى عن الأعمش ، قال : كان إبراهيم صحيح الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه ، فأتيته يوما بأحاديث عن أبي هريرة ، فقال : دعني من أبي هريرة! إنّهم يتركون كثيرا من حديثه ».

ويؤيّد ما عن أبي حنيفة ، ما نقله السيّد السعيد رحمه اللّه ، عن فخر الدين الرازي ، في مسألة التّصرية (2) ، من رسالته المعمولة لتفضيل مذهب

ص: 524


1- ص 360 مجلّد 1 [ 4 / 68 ]. منه قدس سره . وأنظر : الميزان الكبرى - للشعراني - 45/1 ، فقد ورد فيه أن أبا حنيفة كان لا يعتد بحديث أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب .
2- التّصرية : هي إذا لم تحلب ذوات اللبن - الناقة أو البقرة أو الشاة - أيّاما وتصرّ أخلافها حتّى يجتمع اللبن في ضرعها ، فإذا حلبها المشتري استغزرها. والمُصَرَاةُ : هي الناقة أو البقرة أو الشاة يُصَرّى اللبن في ضرعها ، أي : يُجمَعُ ويُحبَس . أنظر : لسان العرب 337/7 مادة «صري » .

الشافعي ، أنّ الحنفيّة طعنوا في أبي هريرة وقالوا : إنّه كان متساهلا في الرواية (1).

هذا ، ولو أعرضنا عن طعن من سبق ذكرهم ، فلا ريب أنّ أبا هريرة كان من أعداء أمير المؤمنين علیه السلام ، وأنصار محاربيه ، ومن مبغضيه ، وقد عرفت أنّ بغضه علامة النفاق (2) ، والنفاق أكبر الفسق المانع من قبول الرواية.

وما زال أبو هريرة من المهاجرين بعداوة إمام الهدى وخذلانه ونصرة أعدائه ، حتّى إنّه كان يضع الحديث على رسول اللّه في نقصه!

نقل ابن أبي الحديد (3) ، عن أبي جعفر الإسكافي ، أنّ معاوية وضع قوما من الصحابة ، وقوما من التابعين ، على رواية أخبار قبيحة في عليّ تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير.

ثمّ ذكر ما اختلفوه ، وذكر عن أبي هريرة ما استحقّ به عند معاوية أن يولّيه إمارة المدينة (4).

ثمّ نقل عن أبي جعفر ، وابن قتيبة ، أنّ سفيان الثوري روى عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عمر بن عبد الغفّار ، أنّ أبا هريرة لمّا قدم

ص: 525


1- الصوارم المهرقة : 127 ، وانظر : مناقب الإمام الشافعي - للفخر الرازي - : 427 - 428 ، فتح الباري 4 / 459 ، إرشاد الساري 5 / 132 ذ ح 2151 ب 65.
2- راجع مبحث قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله لأمير المؤمنين عليّ علیه السلام : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » ، في الصفحات 147 - 151 من هذا الجزء.
3- ص 358 من المجلّد الأوّل [ 4 / 63 ]. منه قدس سره .
4- انظر : شرح نهج البلاغة 4 / 67.

الكوفة مع معاوية ، كان يجلس بالعشيّات بباب كندة ، ويجلس الناس إليه ، فجاء شابّ من الكوفة فجلس إليه ، فقال : يا أبا هريرة! أنشدك اللّه أسمعت من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول لعليّ بن أبي طالب علیه السلام : « اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه »؟!

فقال : اللّهمّ نعم.

قال : فأشهد باللّه! لقد واليت عدوّه وعاديت وليّه!

ثمّ قام عنه (1).

هذا كلّه مضافا إلى شهادة النبيّ صلی اللّه علیه و آله بأنّ أبا هريرة من أهل النار!

روى صاحبا « الإصابة » و « الاستيعاب » ، وغيرهما ، في ترجمة فرات ، أنّ أبا هريرة ، والرحّال بن عنفدة (2) ، والفرات بن حبّان (3) ، خرجوا من مجلس النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فقال مشيرا إليهم : لضرس أحدكم في النار أعظم من أحد ، وإنّ معه لقفا غادر.

ص: 526


1- شرح نهج البلاغة 4 / 68.
2- كذا في مطبوعة طهران ؛ وقد وقع اضطراب في ضبط الاسم في المصادر كلّها ، ففي « الاستيعاب » ورد الاسم بالحاء المهملة - كذلك - مجرّدا عن اسم أبيه ، وفي « الإصابة » : « الرّجال بن عنفوة » ، وفي « إتحاف السادة المتّقين » : « الرجّال بن عنفوت » وقال عنه الزبيدي ما نصّه : « وهو بالجيم ، وذكره عبد الغني بالحاء المهملة ، وسبقه لذلك الواقدي والمدائني ، والأوّل أصحّ وأكثر ». أنظر : الاستيعاب 3/ 1258 رقم 2070 ، الإصابة 358/5 رقم 6969 ، إتحاف السادة المتقين 181/7.
3- كذا في مطبوعة طهران وإتحاف السادة المتّقين ، والظاهر أنّه تصحيف ، والصحيح هو : « حيّان ». أنظر: معرفة الصحابة 2293/4 رقم 2412 ، الاستيعاب 1258/3 رقم 2070 ، اسد الغابة 51/4 رقم 4199 ، الإصابة 357/5 رقم 6969 ، إتحاف السادة المتقين 181/7 .

فكان أبو هريرة والفرات يقولان بعدها : ما أمنّا بعد هذا حتّى ارتدّ الرحّال وقتل مع مسيلمة (1).

أقول :

مرادهما : تأويل الحديث بحمل لفظ « أحدكم » على الواحد لا الجميع ، وهو خلاف الظاهر والاستعمال المستفيض.

قال تعالى : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ) (2) ..

( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ) (3) ..

( شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) (4) ..

( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) (5) ..

( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) (6) ..

( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) (7).

ص: 527


1- انظر : الاستيعاب 3 / 1258 رقم 2070 ، الإصابة 5 / 357 - 358 رقم 6969 ، إتحاف السادة المتّقين 7 / 181.
2- سورة البقرة 2 : 266.
3- سورة البقرة 2 : 180.
4- سورة المائدة 5 : 106.
5- سورة الأنعام 6 : 61.
6- سورة البقرة 2 : 96.
7- سورة النحل 16 : 58.

.. إلى غير ذلك ممّا لا يحصى من الآيات (1) ، وغيرها (2).

مضافا إلى أنّ النبيّ لا يمكن أن يسقط شأن جماعة من أمّته بالإجمال ، وهو يريد واحدا خاصّا (3).

ص: 528


1- كقوله تعالى : ( فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ ) سورة آل عمران 3 : 91. وقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) سورة المؤمنون 23 : 99. وقوله تعالى : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) سورة الحجرات 49 : 12 . وقوله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) سورة المنافقون 63 : 10.
2- (2) فمن السنّة الشريفة ، مثلا : قوله صلی اللّه عليه وآله وسلم : « إذا صلى أحدكم فلم يدر كيف صلّى ، فليسجد سجدتين وهو جالس » أنظر : سنن الترمذي 243/1 ح 396 ، سنن ابن ماجة 1 / 380 ح 1204 . وقوله صلی اللّه عليه وآله وسلم : «إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلّى ...» انظر : سنن الترمذي 244/1 ح 397 ، مسند أحمد 2 / 283 ، سنن ابن ماجة 1 / 384 ح 1216 . وقوله صلی اللّه عليه وآله وسلم : « إذا دخل أحدكم المسجد ، فليركع ركعتين قبل أن يجلس» أنظر : صحيح البخاري 1 / 193 ح 104 ، صحيح مسلم 2 / 155. وقوله صلی اللّه عليه وآله وسلم : «إن الملائكة تصلّي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلّى فيه ما لم يُحدث...» أنظر : صحيح البخاري 193/1 ح 105 ، صحيح مسلم 129/2.
3- نقول : وممّا يعضد ما أورده الشيخ المظفّر قدس سره في المتن ، أنّ القوم قد رووا أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال لأبي هريرة وسمرة بن جندب وأبي محذورة : « آخركم موتا في النار » ؛ انظر : التاريخ الصغير - للبخاري - 1 / 106 - 107 ، المعجم الأوسط 6 / 283 ح 6206 ، دلائل النبوّة - للبيهقي - 6 / 458 - 459. فمات سمرة بن جندب سنة 58 ه- ؛ أنظر : الاستيعاب 2 / 654 ، الكامل في التاريخ 362/3 حوادث سنة 58 ه- ، سير أعلام النبلاء 186/3 . ومات أبو محذورة سنة 59 ه ؛ انظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 6 /7 - 8 رقم 1494 ، الاستيعاب 4 / 1752 ، الكامل في التاريخ 3 / 366 ، سير أعلام النبلاء 3 / 118. وكان أبو هريرة آخرهم موتاً ؛ إذ إنّه مات - على ما هو مشهور - في شهر ذي الحجة من سنة 59 ه- ، وهو آخر شهر منها ؛ أنظر : تاريخ دمشق 389/67 - 391 ، الاستيعاب 4 /1772 ، الكامل في التاريخ 366/3 ، البداية والنهاية 93/8 . وإلا فإنّ أبا هريرة قد بقي حيّاً إلى ما بعد وقعة الحرة سنة 63 ه- ؛ لأنه أقرّ فقال عن نفسه : « أعطاني رسول اللّه شيئاً من تمر ، فجعلته في مكتل لنا ، فعلقناه في سقف البيت ، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهل الشام حيث أغاروا على المدينة » . انظر : مسند أحمد 324/2 ، مسند ابن راهويه 126/1 ، سير أعلام النبلاء 2 / 631 ، البداية والنهاية 90/6 .

ولو لا خوف الملال لزدنا في بيان أحوال هذا الرجل ، وفي ما ذكرناه تبصرة ومعتبر (1)!

فإذا كان هذا حال أبي هريرة - وهو أكثر رواتهم رواية - ، فكيف يحلف المنصف على صدور جميع ما في صحاحهم؟!

وأمّا ما ذكره الفضل من اتّصال نسب أبي بكر برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في الأب الثامن ، فغير نافع ما لم تحصل التقوى وطاعة المولى ، وقد كان أبو لهب أقرب منه نسبا!

على أنّ أبناء تيم من أرذل بيت في قريش (2) ، فلا يفيدهم شرف

ص: 529


1- ولتفصيل أحواله ، راجع الكتابين القيّمين : « أبو هريرة » للسيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي قدس سره ، و « شيخ المضيرة أبو هريرة » للشيخ محمود أبو ريّة.
2- انظر : الاستيعاب 3 / 974 وج 4 / 1679 ، مصنّف عبد الرزّاق 5 / 451 ح 9767 ، أنساب الأشراف 2 / 271 ، مروج الذهب 2 / 299 ، الكامل في التاريخ 2 / 189 حوادث سنة 11 ه ، شرح نهج البلاغة 2 / 45 وج 6 / 40. وراجع : ج 289/4 و ج 68/5 من هذا الكتاب!

الأصل ، وكلّ الناس من آدم ونوح.

وأمّا قوله : « كان أبو بكر قبل البعثة من أكابر قريش وأشرافها وصناديدها ... » إلى آخره ..

فيكذّبه ما رواه الجاحظ مفاخرا به - كما في « شرح النهج » (1) - ، من أنّ أبا بكر كان من المعذّبين بمكّة قبل الهجرة ، وأنّ نوفل بن خويلد ، المعروف بابن العدويّة (2) ، ضربه مرّتين حتّى أدماه ، وشدّه مع طلحة بن عبيد اللّه (3) في قرن (4) ، وجعلهما في الهاجرة عمير بن عثمان (5) ، ولذلك كانا يدعيان القرينين.

فإنّ مثل ذلك لم يفعلوه إلّا بأذلّائهم وعبيدهم ، لا بأشرافهم وصناديدهم (6).

ص: 530


1- ص 267 من المجلّد الثالث [ 13 / 253 ]. منه قدس سره . وأنظر : العثمانية : 27 - 28.
2- هو : نوفل بن خويلد بن أسد القرشي ، أحد كفّار قريش وأشدّهم عداوة وأذى للمسلمين ، وكانت أمّه من بني عديّ بن خزاعة ، فنسب إليها ، وهو الذي دعا عليه النبيّ صلی اللّه علیه و آله يوم بدر بقوله : « اللّهمّ اكفنا ابن العدويّة » ؛ قتله أمير المؤمنين عليّ علیه السلام يوم بدر. أنظر : نسب قريش : 229 - 230 ، المغازي - للواقدي - 149/1 ، أنساب الأشراف 357/1 ، عيون الأثر 342/1.
3- سيأتي تفصيل أحواله في محلّه من الجزء السابع إن شاء اللّه تعالى.
4- القرن : الحبل الذي يشدّ به الأسيران إلى بعضهما بعضا ؛ انظر : لسان العرب 11 / 139 مادّة « قرن ».
5- هو : عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، من بني تيم بن مرّة ، قتله أمير المؤمنين عليّ علیه السلام يوم بدر. أنظر : المغازي - للواقدي - 149/1 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 266/3 ، أنساب الأشراف 357/1 ، عيون الأثر 342/1.
6- انظر : شرح نهج البلاغة 13 / 255. وقد تبيّن لك مقدار شرف أبي بكر ممّا تقدّم آنفا! وأما بطولاته ؛ فإنّه لم يؤثر عنه أنه بارز رجلاً واحداً ، فضلاً عن أن يُعَدّ صنديداً ، بل ثبت فراره في عدة غزوات ؛ فراجع الصفحات 417 - 425 من هذا الجزء ! وأما قول الفضل عن أبي بكر - المتقدم في الصفحة 486 من هذا الجزء -: «وكان قاضياً حكماً بينهم».. فجوابه : إنّه لم يُعهد لأبي بكر علم أو حكمة تؤهله ليكون قاضياً حكماً بين الناس ، ولم يرو لنا التاريخ مورداً واحداً من ذلك ؛ وإلا لاحتكم إليه عتبة بن ربيعة - أبو هند ، أم معاوية - لما اتهمها زوجها الفاكه بن المغيرة بالفجور ، ولم يتكلف عناء السفر إلى أحد كُمّان اليمن لإظهار براءتها ! ! أنظر : الأغاني 66/9 - 67 ، المستطرف 92/2 .

وأمّا قوله : « كان صاحب أموال كثيرة ، حتّى اتّفق جميع أرباب التواريخ أنّه لم يبلغ مال قريش مبلغ مال أبي بكر ».

فلا أدري من هؤلاء أرباب التواريخ؟! فإنّي لم أجد أحدا ذكره!!

وغاية ما ادّعاه الجاحظ في مقام المفاخرة - كما ذكره ابن أبي الحديد في « الشرح » (1) - ، أنّ ماله كان أربعين ألف درهم.

وهذا لا يعدّ مالا في قريش ، لو سلّمنا أنّ أبا بكر يملكه (2).

ص: 531


1- ص 274 من المجلّد الثالث [ 13 / 273 ]. منه قدس سره . وأنظر : العثمانية : 35 - 36.
2- تقدّم أنّ أبا بكر من أقلّ حيّ وأذلّ وأرذل بيت في قريش ، وقد كان بزّازا يدور في السوق حاملا على رقبته أثوابا ليبيعها ، وقيل : كان خيّاطا ومعلّما للصبيان! أنظر : الأعلاق النفيسة : 215 ، كنز العمال 33/4 ح 9360 ، الصوارم المهرقة : 324 ، الصراط المستقيم 3 / 104 . وراجع : ج 14 / 289 و ج 5 / 60 ه- 4 و 68 من هذا الكتاب ، والصفحة 529 ه- 2 من هذا الجزء ! نقول : لو صح أن أبا بكر كان يملك هذا المبلغ من المال ، فلا بد أن يكون قد جمعه من التقتير على العيال ، وإشفاقه من تقديم الصدقات ، كما سيأتي بيانه ؛ فلاحظ!

وأمّا قوله : « كان يعين رسول اللّه بماله وأسبابه » ..

فكغيره من دعاواه الكاذبة ؛ إذ كيف يصحّ ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لم يرض أن يأخذ من أبي بكر بعيرا إلّا بالثمن عند الهجرة في تلك الحال الشديدة ، كما رواه البخاري (1) ، وأحمد (2) ، عن عائشة ؛ وذكره ابن الأثير في « الكامل » (3) ، والطبري في « تاريخه » (4)؟! ..

وكيف يمكن أن يدّعي لأبي بكر بذل المال (5) ، وقد أشفق أن يقدّم بين يدي نجواه صدقة يسيرة (6) ، وترك أهله المحاويج بلا شيء يوم الهجرة وأخذ ماله معه ، وكان خمسة آلاف أو ستّة آلاف درهم ، كما رواه أحمد ، عن أسماء بنت أبي بكر (7) ، ورواه الحاكم ، وصحّحه على شرط

ص: 532


1- في باب هجرة النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى المدينة ، من أواخر أبواب الجزء الثاني من صحيحه [ 5 / 156 ضمن ح 387 ]. منه قدس سره .
2- ص 245 ج 5. منه قدس سره .
3- ص 49 من الجزء الثاني [ 2 / 5 ]. منه قدس سره .
4- ص 245 و 247 من الجزء الثاني [ 1 / 568 ]. منه قدس سره .
5- ولمّا كان بذل ماله من الكذب البيّن ، اضطرّ ابن تيميّة إلى تأويل إنفاق أبي بكر على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال في منهاج السنّة 8 / 551 : « إنّ إنفاق أبي بكر لم يكن نفقة على النبيّ صلی اللّه علیه و آله في طعامه وكسوته ؛ فإنّ اللّه قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين ، بل كان معونة له على إقامة الإيمان ، فكان إنفاقه في ما يحبّه اللّه ورسوله ، لا نفقة على نفس الرسول ». نقول : فلا فرق - حينئذٍ - بين أبي بكر و بين سائر الصحابة الذين كانوا ينفقون أموالهم في سبيل الإسلام ؛ فلاحظ!
6- راجع مبحث آية النجوى في ج 5 / 29 - 38 من هذا الكتاب!
7- ص 350 من الجزء السادس. منه قدس سره .

مسلم (1)؟!

وأيضا : قد تزوّجت ابنته أسماء الزبير وهو فقير لا يملك سوى فرسه ، فكانت تخدم البيت وتسوس الفرس وتدقّ النوى لناضحه وتعلفه وتستقي الماء ، وكانت تنقل النوى على رأسها من أرض الزبير التي أقطعها إيّاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهي على ثلثي فرسخ من منزلها ، كما رواه البخاري (2) ، ومسلم (3) ، وأحمد (4).

فلو كان أبو بكر من أهل البذل ، فأين هو عن ابنته وهي بتلك الحال؟!

نعم ، ادّعت أسماء أنّ أباها أرسل إليها بعد ذلك خادما كفتها سياسة الفرس ، قالت : فكأنّما أعتقني (5).

وأمّا ما نقله عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلّا أظهر تردّدا ما خلا أبا بكر » ..

فكذب ظاهر ؛ فإنّ عليّا وخديجة أظهر منه سلما وتسليما.

وكيف يدّعي التردّد لأبي ذرّ وأشباهه ممّن جاءوا إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله قاصدين الإسلام رغبة فيه (6)؟!

ص: 533


1- ص 5 ج 3 [ المستدرك على الصحيحين 3 / 6 ح 4267 ]. منه قدس سره .
2- في باب الغيرة من كتاب النكاح [ 7 / 63 ح 153 ]. منه قدس سره .
3- في كتاب النكاح ، في باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق [ 7 / 11 ]. منه قدس سره .
4- ص 347 في الجزء السادس. منه قدس سره .
5- انظر المصادر المتقدّمة.
6- انظر : صحيح البخاري 5 / 136 ح 344 ، صحيح مسلم 7 / 155 - 156 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 382 ح 5456.

والحقّ أنّ أبا بكر إنّما أسلم لما سمعه من بحيرا الراهب وغيره ، في ارتفاع أمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وبعد صيته ، وانتشار حكمه ؛ وكذلك عمر (1).

ص: 534


1- انظر : معرفة الصحابة 1 / 445 ، رقم 352 ، أسد الغابة 1 / 199 رقم 371 ، السيرة الحلبية 1 / 198 و 443. نقول : كلام الشيخ المظفر قدس سره دقيق ؛ فقد قال : «لما سمعه من بحيرا الراهب وغيره وكذلك . . . » ؛ إذ الحق أنهما سمعا ذلك من غير بحيرا ، فقد شاع خبر نبوته وانتشار أمره صلی اللّه عليه وآله وسلم قبل ولادته وبعدها ، في الجزيرة العربية وغيرها ؛ إذ بشرت به الكتب السماوية ، وتناقل أخباره اليهود والنصارى ، كما صرحت بذلك كتب القوم . وإنما ذكر الشيخ المظفر قدس سره بحيرا هنا احتجاجاً على القوم بما زعموه من كون أبي بكر مع النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم في سفره إلى الشام ، أو مجاراة لهم ، وإلا فإنّ دعوى كونه معه صلی اللّه عليه وآله وسلم - سواء في السفرة الأولى أو الثانية - باطلة ؛ إذ لم يأتِ ذلك في رواية أحدِ نقلة الأخبار ، وقد كان عمره الشريف صلی اللّه عليه وآله وسلم عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً . وأبو بكر أصغر منه سناً . وما رواه الترمذي وغيره عن أبي موسى الأشعري - مرسلاً ، من أن أبا بكر أرسل بلالاً مع النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم لما أرجعه عمه أبو طالب إلى مكة ، فباطل كذلك ؛ لما تقدم من صغر سنّ أبي بكر حينذاك ؛ فقد كان ابن ست أو تسع سنين ، وبلال أصغر منه سنّاً ولم يكن قد ولد في ذلك الوقت ؛ وبذلك اعترف الحفاظ وحكموا ببطلان الحديث.. قال الحافظ شمس الدين الذهبي في ذلك : ومما يدل على أنه باطل قوله : ورده أبو طالب ، وبعث معه أبو بكر بلالاً ، وبلال لم يكن خُلق بعد ، وأبو بكر كان صبيّاً » أنظر : ميزان الاعتدال 306/4 - 307 رقم 4939 ترجمة عبد الرحمن بن غزوان . وقال ابن القيم الجوزية : « ووقع في كتاب الترمذي وغيره ، أنه [ أي : أبو بكر ] ؛ بعث معه بلالاً وهو من الغلط الواضح ؛ فإنّ بلالاً إذ ذاك لعله لم يكن موجوداً» انظر : زاد المعاد في هدي خير العباد 37/1 . وكذا قال غيرهما ؛ أنظر : عيون الأثر 55/1 ، سبل الهدى والرشاد 144/2، تاريخ الخميس 1 /1. 259. وكان القوم قد وضعوا هذه الأخبار ليثبتوا تقدّم إسلام أبي بكر ، لكنهم أخطأوا في كيفية الوضع ؛ لأنهم قد نصوا على تأخر إسلامه عن أكثر من خمسين رجلاً ، ولا خلاف بأنّ عمر - الذي لم يكن قد ولد حين السفرة الأولى ، وكان صغير السن أوان السفرة الثانية ، وقد سمع أخبار النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم من غير بحيرا - قد تأخر إسلامه عن إسلام أبي بكر ! ! أنظر : السير والمغازي - لابن إسحاق - : 73 - 75 و 81 - 82 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 11 / 319 - 322 و ج 2/ 5 - 6 ، سنن الترمذي 550/5 ح 3620 ، دلائل النبوة - للبيهقي - 2 / 24 - 29 ، تاريخ الطبري 540/1 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 672 ح 4229 ، تاریخ دمشق 425/3 ، الكامل في التاريخ 1/ 567 - 569 ، الاستيعاب 3 / 1155 - 1156 ، البداية والنهاية 2 / 225 - 228 وج 112/7 . وراجع : ج 5 / 259ه- 2 من هذا الكتاب ، والصفحة 314 ه- 1 من هذا الجزء! وإن تعجب فاعجب ممّا رووه عن الفرات بن السائب ، أنه قال : «سألت ميمون ابن مهران ، فقلت : كان على أوّل إسلاماً أو أبو بكر ؟ فقال : واللّه لقد آمن أبو بكر بالنبي عليه السلام زمن بحيرا الراهب ، وأختلف في ما بيننه وبين خديجة حتى أنكحها إياه ، وهذا كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب». وهذا في غاية النكارة ؛ لما تقدّم آنفاً ، فضلاً أن عن میمون بن مهران كان ناصبياً ، فقد كان يحمل على علي عليه السلام ، كما عن العجلي وأبن حجر ؛ فلا يُقبل له قول ! أنظر : تاريخ الثقات - للعجلي - : 445 رقم 1669 ، تاریخ دمشق 42/30 - 43 ، تهذيب التهذيب 447/8 رقم 7331 .

وأمّا قوله : « فأخذ أبو بكر يدعو الناس إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فآخر ذلك اليوم الذي أسلم ، أتى بعيون أشراف قبائل قريش ... » إلى آخره ..

ففيه نظر ؛ قال ابن أبي الحديد (1) ، في « شرح الخطبة التي مدح أمير المؤمنين علیه السلام في بعضها النبيّ صلی اللّه علیه و آله » بقوله : « لم يسهم فيه عاهر ،

ص: 535


1- ص 23 من المجلّد الثالث [ 11 / 67 و 68 ]. منه قدس سره .

ولا ضرب فيه فاجر » ..

قال : « في الكلام رمز إلى جماعة من الصحابة في أنسابهم طعن ، كما يقال : إنّ آل سعد بن أبي وقّاص ليسوا من بني زهرة بن كلاب ، وإنّهم من بني عذرة من قحطان.

وكما قالوا : إنّ آل الزبير بن العوّام من أرض مصر ، من القبط.

وقال الهيثم بن عديّ في كتاب ( مثالب العرب ) : إنّ خويلد بن أسد ابن عبد العزّى ، كان أتى مصرا ، ثمّ انصرف منه بالعوّام فتبنّاه.

فقال حسّان يهجو آل العوّام [ من الطويل ] :

بني أسد! ما بال آل خويلد *** يحنّون شوقا كلّ يوم إلى القبط؟!

إلى أن قال :

لعمر أبي العوّام إنّ خويلدا *** غداة تبنّاه ليوثق في الشّرط (1) »

أقول :

ولو سامحنا الفضل في أنّ هؤلاء من عيون الرجال ، وأنّ كلّ قبائلهم من أشراف القبائل ، فلا نسلّم أنّ إسلامهم بدعوة أبي بكر ، كما يشهد له

ص: 536


1- انظر : ديوان حسّان 1 / 374 رقم 202. والشُّرُطُ : جمع الشريطة ، وهي شبه خيوط تفتل من الخوص والليف ، وقيل : هو الحبل ما كان ، سُمّي بذلك لأنه يُشرط خوصه ؛ أي يُشقّ ثمّ يُفتل ، ويُجمع على شراء وشريط أيضاً ؛ وقد سكن الشاعر الراء للضرورة . أنظر : لسان العرب 85/7 مادة «شرط » .

ما ذكره عليّ بن برهان الدين الحلبي في « السيرة الحلبية » ، وأحمد زيني - المشهور ب « دحلان » - في « السيرة النبويّة » ، حيث ذكرا أنّ السبب في إسلام طلحة وعبد الرحمن إخبار الرهبان لهما بنبوّة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ غاية الأمر ، أنّهما أخبرا أبا بكر بقصّة الرهبان قبل إسلامهما ، ثمّ أسلما على يد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (1).

كما أنّ إسلام هؤلاء لم يكن في أوّل يوم.

ولو كان أبو بكر بهذه المنزلة من لطف الدعوة بحيث أسلم بسببه هؤلاء الجماعة في أوّل إسلامه ، لظهر له الأثر الكثير الكبير بعد ذلك بحيث تسلم مكّة عامّتها في أقلّ من مدّة سنة ، وما رأيناهم نقلوا إسلام أحد بسببه غير هؤلاء الّذين سمّاهم مع عبد الرحمن بن عوف!

وقد كشف عن كذب هذه الدعوى أبو جعفر الإسكافي ، في ردّه على رسالة الجاحظ ، كما حكاه ابن أبي الحديد (2) عنه ، قال :

« ما أعجب هذا القول ؛ إذ تدّعي العثمانية لأبي بكر الرفتي في الدعاء وحسن الاحتجاج ، وقد أسلم ومعه ابنه عبد الرحمن فما قدر أن يدخله في الإسلام طوعا برفقه ولطف احتجاجه ، ولا كرها بقطع النفقة عنه وإدخال المكروه عليه ، ولا كان له عند ابنه عبد الرحمن من القدر ما يطيعه في ما يأمره به » ..

إلى أن قال : « وكان أبو قحافة فقيرا مدقعا سيّئ الحال ، وأبو بكر عندهم مثريا فائض المال ، فلم يمكنه استمالته إلى الإسلام بالنفقة والإحسان ، وقد كانت امرأة أبي بكر أمّ عبد اللّه ابنه ... لم تسلم ، وأقامت

ص: 537


1- السيرة الحلبية 1 / 446 و 448 ، السيرة النبوية - لدحلان - 188 و 189.
2- ص 272 ج 3 [ 13 / 269 - 271 ]. منه قدس سره .

على شركها بمكّة ، وهاجر أبو بكر وهي كافرة ، فلمّا نزل قوله تعالى : ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (1) ، طلّقها أبو بكر ، فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز ».

ثمّ قال أبو جعفر : « وكيف أسلم سعد ، والزبير ، وعبد الرحمن ، بدعاء أبي بكر ، وليسوا من رهطه ، ولا من أترابه ، ولا من جلسائه ، ولا كانت بينهم صداقة متقدّمة [ ولا أنس وكيد ]؟! ...

وكيف ترك أبو بكر عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، لم يدخلهما في الإسلام برفقه وحسن دعائه ، وقد زعمتم أنّهما كانا يجلسان إليه لعلمه وطريف حديثه (2)؟!

وما باله لم يدخل جبير بن مطعم في الإسلام ، وقد ذكرتم أنّه أدّبه وخرّجه ، ومنه أخذ جبير العلم بأنساب قريش ومآثرها (3)؟!

فكيف عجز عن هؤلاء الّذين عددناهم ، وهم منه بالحال التي وصفنا ، ودعا من لم يكن بينه وبينه أنس ولا معرفة إلّا معرفة عيان؟!

وكيف لم يقبل منه عمر بن الخطّاب ، وقد كان شكله (4) ، وأقرب الناس شبها به في أغلب أخلاقه؟!

ولئن رجعتم إلى الإنصاف لتعلمن أنّ هؤلاء لم يكن إسلامهم إلّا بدعاء الرسول [ لهم ] وعلى يديه ».

وأمّا قوله : « ولا يقدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله [ على أمر ] إلّا

ص: 538


1- سورة الممتحنة 60 : 10.
2- انظر : العثمانية : 25.
3- انظر : العثمانية : 25 ، عمدة التحقيق : 28 ، تاريخ الخلفاء - للسيوطي - : 51.
4- الشكل : الشّبه والمثل ؛ انظر : لسان العرب 7 / 176 مادّة « شكل ».

بمشاورته » ..

فإن أراد به المشاورة عن حاجة ، فهو ظاهر البطلان ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أعظم قدرا وأجلّ شأنا من ذلك ؛ كيف؟! وهو مؤيّد بالوحي ، مسدّد بالعصمة.

وإن أراد به المشاورة لا عن حاجة ، فوقوعها في الجملة مسلّم كما أمره عزّ وجلّ بقوله : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) .

ولا ريب أنّ هذه المشاورة المنزّهة عن الحاجة إنّما هي للتأليف ، كما يدلّ عليه نفس الآية الكريمة ، قال تعالى : ( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ) لَانْفَضُّوا ( مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ) (1).

فإنّ قوله سبحانه : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا ... لَانْفَضُّوا ) دليل على ضعف إيمانهم ، وأنّه غير ثابت عن صميم القلب.

فلا بدّ أن يكون الأمر بمشاورتهم للتأليف ، مضافا إلى أنّها نازلة في العصاة المنهزمين في أحد (2) ، ومثلهم يحتاج إلى التأليف.

وقد أخذ الفضل قوله : « لا يقدم ... إلّا بمشاورته » ممّا ورد عندهم من نزول قوله تعالى : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) بأبي بكر وعمر ، كما سبقت روايته قريبا عن الحاكم ، والبيهقي ، والواحدي ، في جهاد أمير المؤمنين علیه السلام ، من القسم الثاني المتعلّق بالفضائل البدنيّة (3).

ص: 539


1- سورة آل عمران 3 : 159.
2- انظر : تفسير الفخر الرازي 9 / 63 و 70.
3- (3) راجع الصفحة 418 من هذا الجزء ، وانظر : المستدرك على الصحيحين 3 / 74 ح 4436، السنن الكبرى - للبيهقي - 10 / 108 - 109 ، الوسيط 1 / 512 - 513 ، تفسير الفخر الرازي 9 / 70 ، الدرّ المنثور 2 / 359.

وأمّا قوله : « كان يبذل ماله في إعانة المسلمين » ..

فيظهر لك ما فيه ممّا ذكرنا.

وقال أبو جعفر ردّا على زعم الجاحظ ، أنّ مال أبي بكر كان أربعين ألف درهم ، فأنفقه في نوائب الإسلام ، كما في « شرح النهج » (1).

قال أبو جعفر : « أخبرونا على أيّ نوائب الإسلام أنفق هذا المال؟! وفي أيّ وجه وضعه؟! فإنّه ليس بجائز أن يخفى ذلك ويدرس حتّى يفوت حفظه ، وينسى ذكره ، وأنتم لم تقفوا على شيء أكثر من عتقه - بزعمكم - ستّ رقاب ، لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مئة درهم ».

وأمّا ما رواه من قوله صلی اللّه علیه و آله : « إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله ، أبو بكر ».

فهو بالهزل أشبه! لأنّه إن أريد المنّة على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بالإنفاق عليه ، فيبطله روايتهم السابقة امتناع النبيّ صلی اللّه علیه و آله من أخذ البعير منه إلّا بالثمن (2).

على أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله غنيّ عنه وعن أمثاله ، وقد تكفّل عليّا علیه السلام في حياة عمّة شيخ البطحاء ، وطما (3) فضله على المسلمين عامّة بعد الهجرة (4).

ص: 540


1- ص 274 من المجلّد الثالث [ 13 / 273 و 274 ]. منه قدس سره .
2- راجع ما تقدّم آنفا في الصفحة 532.
3- طمى الماء يطمي طميا ، وطما يطمو طموّا : علا وارتفع ، وطمست به همّته : أي علت به ؛ انظر : تاج العروس 19 / 642 مادّتي « طمى » و « طمو ».
4- انظر : تفسير الفخر الرازي 31 / 205 ، السيرة الحلبية 1 / 432.

فكيف يحتاج إلى منّ أبي بكر؟!

وإن أريد المنّة عليه بالإنفاق في سبيل اللّه ، فهو ممّا لوجه له ، بل المنّة لله ورسوله عليه ، كما أنّ أعظم المنّة لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليه بالصحبة لا له ، ( قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ ... ) (1) (2).

وليت شعري ، لم لم يتّخذه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خليلا؟! أبخلا منه بالخلّة على من هو - بزعمهم - أهل لها؟!

أم لمانع منها؟! وهو خلّة النبيّ صلی اللّه علیه و آله لله تعالى ، كما يظهر من أخبارهم ..

ففي حديث البخاري ، في آخر باب قول النبيّ : « سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر » ، قال فيه : « لو كنت متّخذا خليلا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلا » (3).

وهذا ليس بمانع ؛ لأنّ خلّة المؤمنين ممّا يزيد في القرب إلى اللّه ، والخلّة له ، مع أنّ وصف الخليل مختصّ بإبراهيم علیه السلام ، وليس من أوصاف نبيّنا المعروفة ، وإنّما يوصف بأنّه حبيب اللّه.

ومن المشتبه ما رواه البخاري أيضا : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذته خليلا ، ولكن أخوّة الإسلام أفضل » (4).

فإنّ أخوّة الإسلام نفس الخلّة الإسلامية ، فما وجه الاختلاف

ص: 541


1- سورة الحجرات 49 : 17.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 532 - 533 وما بعدها.
3- صحيح البخاري 5 / 65 ح 154.
4- صحيح البخاري 5 / 66 ح 157.

الحقيقي بينهما والأفضليّة؟!

ولو كانت الأخوّة أفضل من ذات الخلّة ، لكانت أخوّة النبيّ صلی اللّه علیه و آله لأبي بكر أفضل من خلّته لله سبحانه! (1).

وأمّا قوله : « ثمّ لمّا أخذ المشركون في إيذاء المسلمين وتعذيبهم ، قام أبو بكر بأعباء أذيّة قريش ».

فهو كسابقه في الكذب والهزل ؛ لأنّ من لم يقدر على دفع الأذى عن نفسه حتّى أدموه وأوثقوه مع طلحة في حبل واحد ، كيف يقدر على دفع الأذى عن غيره؟! (2).

وهل كان أعظم من شيخ البطحاء (3) ، وأسدي اللّه ورسوله ، حمزة وأمير المؤمنين ، وهم لم يقدروا على دفع الأذى عن المسلمين؟!

فكيف قدر عليه أبو بكر ، وهو من أرذل بيت في قريش ، كما ترويه (4)؟!

ومن هذا الباب - أو أكبر - ، دعوى ذبّه عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، لكن غرّه ما رواه البخاري ، عن عروة بن الزبير (5) ، قال : سألت ابن عمرو بن

ص: 542


1- وراجع : مبحث حديث سدّ الأبواب في الصفحات 105 - 121 من هذا الجزء ؛ وكذا ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني - حفظه اللّه - من مباحث حول حديث سدّ الأبواب ، سندا ودلالة ، في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة » : 28 - 73 ، وهي الرسالة السابعة من كتابه : « الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب السنّة ».
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 530 من هذا الجزء.
3- أي : أبو طالب عمّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ وانظر الصفحة 196 ه 3 من هذا الجزء.
4- راجع الصفحة 529 من هذا الجزء.
5- (5) هو : أبو عبد اللّه عروة بن الزبير بن العوّام الأسدي القرشي ، أمّه أسماء بنت أبي بكر ، فهو أخو عبد اللّه لأبيه وأمّه ، لازم خالته عائشة وتفقّه بها! ويعدّ أحد الفقهاء السبعة عند الجمهور ، عزم على القتال يوم الجمل ضدّ أمير المؤمنين علیه السلام فردّ لصغر سنّه ، سكن البصرة ، ثمّ انتقل إلى مصر وتزوّج بها ، وعاد إلى المدينة ، وتوفّي بها سنة 93 ه ، وقيل غير ذلك. أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 136/5 رقم 729 ، سير أعلام النبلاء 421/4 رقم 168 ، تهذيب التهذيب 545/5 رقم 4698 .

العاص (1) : أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله ؟

ص: 543


1- هو : أبو محمّد عبد اللّه بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي ، كان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة! أسلم قبل أبيه. وهو الذي استأذن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم العالي في أن يكتب عنه حديثه ، فأذن له ، قال : يا رسول اللّه ! أكتبُ كلُّ ما أسمع منك في الرضا والغضب ؟ فقال صلی اللّه عليه وآله وسلم : نعم ، فإنّي لا أقول إلا حقاً ! كان أبيه في صفّين في جانب معاوية ، وكانت الراية بيده يومئذ ، وندم بعد ذلك على قتاله مع معاوية، وكان يقول : ما لي ولصفّين ؟! ما لي ولقتال المسلمين ؟ ! لوددت أني مت قبله بعشرين سنة . وقال لجماعة كان فيهم لما مرّ بهم الإمام الحسين عليه السلام يوماً : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء ؟ قالوا : بلى . قال : هو هذا الماشي ، ما كلّمني كلمةً منذ ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبُّ إليَّ من أن يكون لي حُمْرُ النَّعَم ... فقال له الإمام الحسين عليه السلام : أعلمت يا عبد اللّه أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ؟ ! قال : إي ورب الكعبة ! قال : فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفّين ؟ ! فواللّه لأبي كان خيراً مني ! قال : أجل ! مات ابن أبي العاص سنة 63 ه ، وقيل غير ذلك. أنظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 197/4 رقم 447 ، معرفة الصحابة 1720/3 رقم 1699 ، الاستيعاب 956/3 رقم 1618 أسد الغابة 245/3 رقم 3090 ، الإصابة 192/4 رقم 4850 .

قال : بينا النبيّ صلی اللّه علیه و آله يصلّي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتّى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، قال : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ ) (1)؟! (2).

وما أدري أأنظر إلى متن الحديث ودلالته على أنّ هذا أشدّ شيء صنعه المشركون بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، والحال أنّهم صنعوا معه أشدّ منه أضعافا كثيرة ؛ كحصاره وأهله وقومه بالشعب سنين (3) ، وتشريده من مكّة مرارا (4) ، ورميه بالحجارة حتّى أدموا جبهته الشريفة وساقيه (5) ، وكسروا رباعيّته (6) ، وأدخلوا حلق المغفر في وجهه الشريف (7).

... إلى غير ذلك من أفعالهم الشنيعة (8).

ص: 544


1- سورة غافر 40 : 28.
2- صحيح البخاري 5 / 134 ح 338 ، ونحوه في ص 75 ح 175.
3- تاريخ الطبري 1 / 550 ، الكامل في التاريخ 1 / 604 ، البداية والنهاية 3 / 67.
4- تاريخ الطبري 1 / 554 ، السيرة النبوية - لابن حبّان - : 90 ، الكامل في التاريخ 1 / 607.
5- المغازي - للواقدي - 1 / 244 ، تاريخ الطبري 2 / 67 ، البداية والنهاية 4 / 19 - 20.
6- مسند أحمد 3 / 99 ، المغازي - للواقدي - 1 / 248 ، تاريخ الطبري 2 / 65 ، البداية والنهاية 4 / 19.
7- المغازي - للواقدي - 1 / 246 - 247 ، الكامل في التاريخ 2 / 49.
8- كإلقائهم سلى جزور وفرثه وقذره على ظهره ورقبته وهو ساجد صلی اللّه علیه و آله ، فجاءت ابنته وبضعته فاطمة الزهراء علیهاالسلام فألقته عنه. والسَّلَى ، أو : السُّلّيّ : الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من الدواب والإيل ، وهو من الناس المشيمة. أنظر : السيرة النبوية - لابن حبّان - : 83 ، عيون الأثر 1 / 128 ، السيرة النبوية - لابن كثير - 1 / 468 لسان العرب 6 / 353 مادّة « سلا ». هذا فضلاً عن وصفهم له صلی اللّه عليه وآله وسلم بأنه ساحر ، وكذاب ، وشاعر ، ومجنون ، و معلم .. قال تعالى : ( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) سورة ص 38 : 4 . وقال عزّ وجلّ : ( وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ) سورة الصافات 37: 36. وقال سبحانه : ( ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ) سورة الدخان 44 : 14 .

ودلالته أيضا على أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لا حراك به ولا قوّة حتّى يخنقه عقبة خنقا شديدا ولا يقدر على تخليص نفسه ، وأنّ أبا بكر شجاع قويّ القلب والبدن والجانب ، حتّى أخذ بمنكب عقبة ودفعه من دون أن يلاقيه بالمثل؟!

أم أنظر إلى سنده ورجاله وهم من أسوأ الرجال؟!

فإنّ منهم : عروة (1) ، وابن أبي العاص (2) ، الخارجيّين (3).

ومنهم من تقدّمت ترجمته في مقدّمة الكتاب ، وهما :

يحيى بن أبي كثير ، المدلّس (4) ..

والوليد بن مسلم ، مولى بني أميّة ، الكذّاب ، المدلّس عن الكذّابين ، ولا سيّما في روايته عن الأوزاعي (5) ، كهذه الرواية.

ص: 545


1- تقدّمت ترجمته آنفا في الصفحة 542 ه 5.
2- أي : عبد اللّه بن عمرو بن العاص. ونسبه الشيخ المظفّر قدس سره إلى أبيه بكنيته ، وإنّما كان اسمه «العاص» قبل أن يغيّره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى «عبد اللّه » . وقد تقدمت ترجمته آنفاً في الصفحة 543 ه- 1 ؛ فراجع !
3- وصفهما الشيخ المظفّر قدس سره ب « الخارجيّين » لانحرافهما عن أهل البيت علیهم السلام .
4- انظر : ج 1 / 275 رقم 346 من هذا الكتاب.
5- انظر : ج 1 / 267 - 268 رقم 336 من هذا الكتاب.

ومنهم : محمّد بن إبراهيم التيمي ، راوي المناكير ، كما قاله أحمد بن حنبل (1) ؛ مع أنّه متّهم في حقّ أبي بكر ، كعروة.

وأمّا قوله : « كان يشتري المعذّبين من الكفّار .. » إلى آخره ..

فقد أجاب عنه أبو جعفر ، كما حكاه عنه ابن أبي الحديد (2) ، بعد قول الجاحظ : « أعتق أبو بكر جماعة من المعذّبين في اللّه ، وهم ستّ رقاب ، منهم : بلال (3) ، وعامر بن فهيرة (4) ، وزبيرة

ص: 546


1- انظر : الضعفاء الكبير - للعقيلي - 4 / 20 رقم 1574 ، الكامل في ضعفاء الرجال 6 / 131 رقم 1633 ، ميزان الاعتدال 6 / 32 رقم 7103 ، تهذيب التهذيب 7 / 6 - 7 رقم 5890 ، لسان الميزان 5 / 20 رقم 76.
2- ص 274 ج 3 [ 13 / 273 ]. منه قدس سره . وأنظر : العثمانية : 33 - 34.
3- هو : أبو عبد اللّه بلال بن رباح ، الحبشي ، واسم أمّه : حمامة ، كان آدم شديد الأدمة ، نحيفا طوالا ، خفيف العارضين ، من السابقين إلى الإسلام ، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلّها مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وهو من مولّدي السّراة ، وقيل : من مولّدي مكّة ، وكان يؤذّن لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حياته سفرا وحضرا ، وكان خازنه على بيت المال ، آخى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بينه وبين عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب ، ولم يعقب بلال ولدا ، توفّي بدمشق سنة 20 ه ، وهو ابن بضع وستّين سنة ، ودفن بمقبرة الباب الصغير ، وقيل غير ذلك. أنظر : تاريخ الصحابة : 43 رقم 106 ، معرفة الصحابة 373/1 رقم 271 ، الاستيعاب 178/1 رقم 213 ، أسد الغابة 243/1 رقم 493 ، الإصابة 326/1 رقم 736 .
4- هو : أبو عمرو عامر بن فهيرة ، من المهاجرين الأوّلين ، كان مولّدا من مولّدي الأزد ، أسود اللون ، وكان مملوكا للطفيل بن عبد اللّه بن سخبرة ، وهو أخو عائشة وعبد الرحمن لأمّهما ، شهد بدرا وأحدا ، ثمّ قتل يوم بئر معونة سنة أربع للهجرة وهو ابن أربعين سنة. أنظر : معرفة الصحابة 4/ 2051 رقم 2131 ، الاستيعاب 796/2 رقم 1338 ، أسد الغابة 32/3 رقم 2722 ، الإصابة 3 / 594 رقم 4418 .

النهديّة (1) ، وابنتها ، ومرّ بجارية يعذّبها عمر بن الخطّاب ، فابتاعها منه ، وأعتقها ، وأعتق أبا عيسى (2) ».

قال أبو جعفر : « أمّا بلال وعامر فإنّما أعتقهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، روى ذلك الواقدي ، وابن إسحاق ، وغيرهما.

وأمّا باقي مواليهم الأربع ، فإن سامحناكم في دعواكم ، لم يبلغ ثمنهم في تلك الحال - لشدّة بغض مواليهم لهم - إلّا مئة درهم أو نحوها ، فأيّ

ص: 547


1- كذا في الأصل ، وضبط اسمها في نسخة في هامش « الاستيعاب » - كما في المتن - : « زبيرة » فقط بلا لقب ، وقد اختلف المصادر في ضبط اسمها ولقبها ، والمشهور هو : « زنّيرة ». وهي : زِنّيرة ، النهدية ، التروميّة ، مولاة بني مخزوم ، وقيل : كانت مولاة بني عبد الدار ، كانت من السابقات إلى الإسلام ، وممن عُذب في سبيل اللّه ، وكان أبو جهل يعذبها ، ولما أسلمت ذهب بصرها ، فقال المشركون : أعمتها اللات والعزى لكفرها بهما ؛ فقالت : وما يُدري اللات والعزّى مَن يعبدهما ؟ ! فرد اللّه عليها بصرها . أنظر : السير والمغازي - لابن إسحاق - : 191 ، العثمانية : 33 ، معرفة الصحابة 3345/6 رقم 3893 ، الاستيعاب 1849/4 رقم 3354 ، الروض الأنف 85/2 و 88 ، أسد الغابة 123/6 رقم 6940 ، شرح نهج البلاغة 13 / 273 ، الإصابة 664/7 رقم 11216 .
2- (2) كذا في الأصل والمصدر ؛ وفي الروض الأنف : « أمّ عميس » ؛ وفي المصادر الأخرى : « أمّ عبيس » ؛ والتصحيف في الاسم بيّن ؛ فلاحظ! وهي ممن سبق إلى الإسلام وعُذب في اللّه ، وهي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، ولدت له عبيساً فكنيت به ، كانت أمةً لبني تيم بن مرة ، وقيل : لبني زهرة ، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها . أنظر : السير والمغازي - لابن إسحاق - : 191 ، العثمانية : 34 ، معرفة الصحابة 3542/6 رقم 4151 ، الاستيعاب 946/4 رقم 4182 ، أسد الغابة 365/6 رقم 7526 ، شرح نهج البلاغة 13 / 273 ، الإصابة 257/8 رقم 12159 ، الروض الانف 88/2.

فخر في هذا؟! ».

وأمّا قوله : « فأنزل اللّه فيه : ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ... ) (1) ... » إلى آخره ..

فيرد عليه : إنّ الاستدلال على فضله بهذه الآية بأمور كلّها باطلة :

الأوّل : قوله تعالى : ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) بدعوى دلالته على أنّ أبا بكر أحد اثنين في الفضل والشرف ، ولا فضل أعظم من كون أبي بكر قرينا للنبيّ صلی اللّه علیه و آله في الفضل.

وفيه : إنّه لو أريد الاثنينيّة في الفضل والشرف ، لكان النبيّ صلی اللّه علیه و آله - بلحاظ أنّه المراد بالثاني - متأخّرا رتبة عن أبي بكر في الفضل والشرف ؛ وهو كفر!

فليس المراد ب ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) إلّا ما هو ظاهر اللفظ ؛ أعني مجرّد الإخبار عن العدد ، وهو لا يدلّ على الفضل بالضرورة!

الثاني : إنّه جعله صاحبا للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، والصحبة في هذا المقام العظيم منزلة عظمى.

وفيه : إنّ الصحبة - بما هي صحبة - لا تدلّ على أكثر من المرافقة والاصطحاب ، وهو قد يكون بين المؤمن وغيره ، كما قال تعالى : ( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ... ) (2).

وأمّا خصوصيّة المقام ، فلا أثر لها إلّا إذا كانت لحاجة ورغبة في أبي بكر لذاته ، فيكون الدالّ على الفضل هو الرغبة في صحبة أبي بكر لذاته ، وهو ممنوع ؛ إذ لا إشارة في الآية الكريمة إليه ، وأخبارهم

ص: 548


1- سورة التوبة 9 : 40.
2- سورة الكهف 18 : 37.

مدخولة!

على أنّ رواية البخاري وغيره ، الواردة في هجرة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، مصرّحة بأنّ أبا بكر هو الذي طلب الصحبة لمّا قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « قد أذن بالخروج إلى المدينة » (1).

ولا شكّ عندنا أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لم يصحبه إلّا خشية أن يطلع عليه أحدا حيث أحسّ بخروجه ، وجاءت به بعض روايات القوم ، كما نقله السيّد السعيد رحمه اللّه عن أبي القاسم الصبّاغ (2) ، من علماء الجمهور ، في كتابه « النور والبرهان » (3).

وكيف يكون في صحبة أبي بكر خير للنبيّ صلی اللّه علیه و آله وقد ابتلي به فوق بلائه ، واحتاج إلى مداراته في دفع الخوف عنه؟!

ولو كان لأبي بكر فضل لعبّر اللّه سبحانه عنه ببعض ألفاظ التعظيم والإكرام ، ك « الأخ » و « النفس » ، ونحوهما ، لا ب « الصاحب » ، كما عبّر

ص: 549


1- انظر : صحيح البخاري 5 / 156 ح 387 ، مسند أحمد 6 / 198 و 212 ، تاريخ الطبري 1 / 568.
2- هو : أبو القاسم عليّ بن أبي نصر عبد السيّد بن محمّد بن عبد الواحد بن الصبّاغ البغدادي ( 461 - 542 ه ). كان شيخاً فاضلاً محترماً ، حسن السيرة ، تبعه خلق عظيم ، سمع من أبيه شيخ الشافعية أبي نصر ابن الصباغ والصريفيني والزينبي ، وحدث عنه جمع ، منهم : السلفي وابن عساكر والسمعاني ؛ وقد ذكره السبكي في عدة مواضع من كتابه «طبقات الشافعية» ، وكان هو آخر من روى ببغداد كتاب ابن مجاهد في القراءات . أنظر : سير أعلام النبلاء 20 / 167 رقم 102 ، العبر 462/2 ، شذرات الذهب 131/4.
3- انظر : إحقاق الحقّ : 479 الطبعة الحجرية.

عن عليّ ب « الأنفس » (1) و « الّذين آمنوا » (2).

الثالث : إنّه قال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا ) (3) ، أي : معنا بلحاظ نصرته ورعايته لنا ، ومن كان شريكا للنبيّ صلی اللّه علیه و آله في نصرة اللّه له كان من أعظم الناس.

وفيه : إنّ المقصود بالنصرة والرعاية واقعا هو النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وأمّا أبو بكر فتابع محض ؛ ولذا خصّه اللّه تعالى بقوله : ( فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ ) (4) .. الآية.

والتبعيّة في النصرة - لأجل الاجتماع - لا تدلّ على فضل بالضرورة.

الرابع : قوله تعالى : ( فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) (5) ، فإنّ كثيرا من الناس قالوا : إنّ السكينة مخصوصة بأبي بكر ؛ لأنّه المحتاج إليها لما تداخله من الحزن والهلع ، بخلاف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فإنّه عالم بأنّه محروس من اللّه تعالى (6).

وفيه : إنّه لا يتّجه إرجاع السكينة إلى أبي بكر ؛ لأنّ بعدها ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) (7)..

ص: 550


1- إشارة إلى قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ... ) سورة آل عمران 3 : 61. راجع مبحث آية المباهلة في ج 399/4 - 410 من هذا الكتاب.
2- إشارة إلى قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) سورة المائدة 5 : 55. راجع مبحث الآية في ج 297/4 - 313 من هذا الكتاب!
3- (3. 5) سورة التوبة 9 : 40.
4- انظر مثلا : تفسير الماوردي 2 / 364 ، تفسير البغوي 2 / 250 ، تفسير الفخر الرازي 16 / 67 - 68 ، تفسير القرطبي 8 / 95 ، تفسير ابن كثير 2 / 343.
5- سورة التوبة 9 : 40.
6- أنظر مثلاً : تفسير الماوردي 364/2 ، تفسير البغوي 250/2 ، تفسير الفخر الرازي 67/16 - 68 ، تفسير القرطبي 95/8 ، تفسير ابن كثير 343/2.
7- سورة التوبة 9 : 40.

ودعوى عدم حاجة النبيّ صلی اللّه علیه و آله الى السكينة ، باطلة ؛ إذ لا يستغني أحد عن لطف اللّه وتأييده وتثبيت قلبه ، كما قال تعالى في قصّة حنين : ( وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (1).

فلمّا خصّ اللّه نبيّه بالسكينة في آية الغار ، ولم يجر أبا بكر مجرى المؤمنين في ثبوت السكينة له معه ، كشف عمّا لا خفاء به عليك!

كما إنّ ظهور الحزن منه في موطن لا ينبغي للمؤمن حقّا أن يحزن فيه ، دليل على نقصانه ؛ فإنّه قد ظهر على يد النبيّ صلی اللّه علیه و آله من الآيات البيّنة والكرامات الظاهرة ما يشهد لكلّ مؤمن بالحفظ والسلامة ؛ كإنبات الشجرة ، ونسج العنكبوت ، وتعشيش الطائر ، وخروج النبيّ صلی اللّه علیه و آله من بين القوم في حال لا يرجى لغيره الخروج فيها .. إلى غير ذلك (2).

فالآية من أوضح الأدلّة على ذمّ أبي بكر ؛ لعدم إدخالها له بالسكينة ؛ ودلالتها على حزنه في مقام لا يحزن فيه كامل الإيمان ، بل المؤمن ؛ وإعراضها عن مدحه أصلا ؛ ودلالتها على حزنه المحرّم ، كما يقتضيه النهي ..

فكيف يقاس من يحزن ويهلع - مع هذه الآيات الواضحة - بمن شرى نفسه ابتغاء مرضاة اللّه ، وبات على زيّ (3) النبيّ صلی اللّه علیه و آله بين من

ص: 551


1- سورة التوبة 9 : 25 و 26.
2- انظر : السيرة النبوية - لابن حبّان - : 126 وما بعدها ، الروض الأنف 2 / 319 وما بعدها ، البدايه والنهاية 3 / 141 - 143.
3- الزّيّ : الهيئة من الناس ، والجمع : أزياء ؛ انظر : لسان العرب 6 / 130 مادّة « زيا ».

يطلبون سفك دمه ، ولا يرجى منهم الخروج؟!

فإن قلت : يرد النقض على بعض ما ذكرته بما جاء في الأنبياء ، قال تعالى : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى * قُلْنا لا تَخَفْ ) (1) ، فإنّ موسى - مع نبوّته ، وعظيم شأنّه ، وثبات إيمانه ، ووعد اللّه له ولأخيه بأن يجعل لهما سلطانا ، وأنّهم لا يصلون إليهما ، وأنّهما ومن اتّبعهما الغالبون - أوجس في نفسه خيفة ، حتّى نهاه اللّه تعالى ؛ فكيف ينكر على أبي بكر حزنه عند ظهور الآيات له؟!

وأيضا : فقد نهى اللّه سيّد رسله فقال : ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) (2) ..

وقال تعالى : ( وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ) (3) ...

وقال تعالى : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ) (4) ..

[ وقال تعالى : ] (5) ( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ) (6) ..

فكيف يلام أبو بكر وينكر عليه ، وهو من أمّته؟!

قلت : أمّا موسى فلم يحزن خوفا على نفسه ، أو من عدم غلبته ، بل خاف إيقاع السحرة في أوهام البسطاء إمكان معارضة آياته تشبّثا في مقام الجدال بالأمور الصورية الكاذبة ، فيعسر عليه الانتصار والغلبة سريعا ؛

ص: 552


1- سورة طه 20 : 67 و 68.
2- سورة النحل 16 : 127.
3- سورة لقمان 31 : 23.
4- سورة الأنعام 6 : 33.
5- أثبتناه لتوحيد النسق.
6- سورة يس 36 : 76.

ولذا قال سبحانه : ( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ... * إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى ) (1).

فليس نهيه نهي تحريم ، بل للتطمين بالنصر السريع بإلقاء عصاه.

ومنه يعلم الوجه في قوله تعالى : ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) (2) ، وقوله سبحانه : ( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ... ) (3).

وأمّا نهي اللّه تعالى له عن الحزن على الكافرين وكفرهم ، فالمراد به التنبيه على عدم الاعتناء بهم ، وعدم استحقاقهم للحزن والأسف عليهم بإهلاكهم أنفسهم ، كما قال تعالى : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) (4).

وهذا هو ظاهر الآيات بلا حاجة إلى تكلّف ، بخلاف نهي أبي بكر!

على أنّ تلك الآيات لو لم تكن ظاهرة بما قلنا ، فلا بدّ من حملها عليه ؛ للعلم بكمال الأنبياء وعصمتهم ، بخلاف أبي بكر ، ولا سيّما مع سهولة الحمل في تلك الآيات دون ما يتعلّق بأبي بكر ، بل هو متّضح الحال ، وأنّ حزنه لإشفاقه من القتل ، كما تدلّ عليه الأخبار.

وأمّا قوله : « وأثنى عليه في كتابه العزيز في مواضع عديدة » ..

فهو كذب مفترى ، بدليل ما رواه البخاري في سورة الأحقاف من

ص: 553


1- سورة طه 20 : 68 و 69.
2- سورة النحل 16 : 127.
3- سورة يس 36 : 76.
4- سورة فاطر 35 : 8.

« كتاب التفسير » ، عن يوسف بن ماهك ، أنّ مروان قال : « إنّ هذا - يعني عبد الرحمن بن أبي بكر - الذي أنزل اللّه فيه : ( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي ) (1) ، فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل اللّه فينا شيئا من القرآن ، إلّا أنّ اللّه أنزل عذري » (2).

إذ لو نزلت آية في مدح أبيها لاستثنتها أيضا ، فمن أين جاؤوا بالآيات العديدة؟!

ولا ينافي هذا العموم آية الغار ؛ لنزولها في رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ولكنّها دلّت على خطابه لأبي بكر ، وهو ليس نزولا فيه!

وأشهر ما زعموا نزوله في أبي بكر قوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى * وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (3).

رووا ذلك عن عروة وعبد اللّه ، ابني الزبير (4) ، وهو - مع كونه عن رأيهما قول - محلّ التهمة ، وأعدى عدوّ لعليّ ، وممّن حاربه يوم الجمل.

وقد مرّ أنّ بغضه - فضلا عن حربه - علامة النفاق (5) ، والمنافق فاسق لا يقبل رأيه في التفسير وروايته ، ولا كرامة!

ص: 554


1- سورة الأحقاف 46 : 17.
2- صحيح البخاري 6 / 237 ح 323.
3- سورة الليل 92 : 17 - 19.
4- انظر : تفسير الطبري 12 / 620 ح 37490 ، لباب النقول : 230.
5- راجع مبحث حديث : « لا يحبّك إلّا مؤمن ... » ، في الصفحات5. 151 من هذا الجزء.

على أنّه معارض برواية أخرى ؛ فقد رووا نزولها في عليّ علیه السلام ، أو أبي الدحداح (1) ، أو غيرهم (2).

وقال ابن حجر في « الصواعق » (3) : « ولا يمكن حملها على عليّ خلافا لما افتراه بعض الجهلة ؛ لأنّ قوله : ( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (4) يصرفه عن حمله على عليّ ؛ لأنّ النبيّ ربّاه فله عليه نعمة ، أي نعمة تجزى ، وإذا خرج عليّ تعيّن أبو بكر ؛ للإجماع على أنّ ذلك ( الْأَتْقَى ) أحدهما لا غير ».

ص: 555


1- هو : أبو الدّحداح الأنصاري ، وقيل : أبو الدّحداحة بن الدّحداحة الأنصاري ، وقيل : اسمه « ثابت بن الدّحداح » ، ولم يذكر له اسم ولا نسب ، ولم يذكر عنه أكثر من أنّه من الأنصار ، حليف لهم ، وقيل : قتل شهيدا في يوم أحد ، وقيل : بل بقي إلى زمان معاوية. أنظر : معرفة الصحابة 5/ 2882 رقم 4196 و ج 472/1 رقم 382 ، الاستيعاب 4 / 1645 رقم 2939 و ج 203/1 رقم 251 ، أسد الغابة 96/5 رقم 5857 و ج 267/1 رقم 545 ، الإصابة 119/7 رقم 9858 و ص 121 رقم 9859 و ج 386/1 رقم 879 .
2- انظر : مسند أحمد 3 / 146 ، تفسير الثعلبي 10 / 220 - 221 ، تفسير الفخر الرازي 31 / 205 ، الدرّ المنثور 8 / 532 - 538 ، مجمع البيان 10 / 335. وقد تكلّم السيد علي الحسيني الميلاني - حفظه اللّه - على الاستدلال بما روي في نزول هذه الآية ، في كتابيه : الإمامة في أهم الكتب الكلامية : 119 رقم 366 ، محاضرات في الاعتقادات 341/1 . وكذا فعل السيد حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي - حفظه اللّه - فقد فصل الكلام على هذه الرواية سنداً ومتناً وما يتعلق بذلك من مباحث ، في مقاله : «نقض رسالة (الحبل الوثيق في نصرة الصدّيق) للسيوطي»، المنشور في مجلة «تراثنا » ، العدد المزدوج 43 - 44 ، السنة 11 ، رجب 1416 ه- ، ص 86 - 143 . فراجع !
3- في الفصل الثاني من الباب الثالث [ ص : 98 ]. منه قدس سره .
4- سورة الليل 92 : 19.

وأقول :

تكرّر هذا الكلام بينهم وتشدّقوا به ، وهو جهل وتعصّب ؛ إذ ليس المراد بقوله تعالى : ( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) هو الثناء على الأتقى بأنّه لا يد لأحد عنده ؛ إذ لا يوجد أحد من بني آدم إلّا ولأحد نعمة عليه ، إذ لا أقلّ من أحد أبويه ، أو غيرهما من المربّين والكافلين ، سواء في ذلك عليّ ، أم أبو بكر ، أم غيرهما!

بل المراد : هو الثناء عليه بأنّه لم ينفق ماله لأجل مكافأة أحد بنعمة له عليه ، بل أنفق ماله ابتغاء وجه ربّه الأعلى.

ولذا صحّ الاستثناء في الآية ، فإنّه لا معنى لاستثناء قوله : ( إِلأَابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ) (1) من مجرّد مدح الشخص بأن لا يد لأحد عليه.

ثمّ كيف جاز لهم أن ينفوا نعمة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على أبي بكر؟!

ألم ينعم عليه بدعوته إلى الإسلام ورفع شأنه؟!

ألم ينعم عليه بالغنائم وغيرها؟!

( وَما نَقَمُوا إِلأَأَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ... ) (2).

وأمّا قوله : « ولم يقدر أحد من الشيعة أن يدّعي أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله غزا غزوة وتخلّف عنه أبو بكر » ..

فلو صحّ ، فهم يقدرون على إثبات تخلّفه عن أمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله في

ص: 556


1- سورة الليل 92 : 20.
2- سورة التوبة 9 : 74.

الخروج تحت لواء أسامة (1).

ويقدرون على إثبات أنّه ما قاتل ولا همّ بقتال إلّا مرّة واحدة - كما رواه القوم - لمّا تقدّم ابنه عبد الرحمن في غزاة أحد ، وطلب المبارزة ، فقام إليه أبو بكر ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « شم (2) سيفك وأمتعنا بنفسك » (3) - مشيرا إلى جبنه - مع حنو (4) الولد على أبيه.

ويقدرون على إثبات أنّه فرّ في مقامات الزحام ، كخيبر وأحد وحنين - كما سبق نقله من أخبارهم (5) - ، وتستّر بالعريش في بدر (6).

فأيّ فائدة في عدم تخلّفه؟!

وأمّا قوله : « وإجماع الأمّة على أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يقدّمه

ص: 557


1- انظر : تاريخ دمشق 8 / 60 - 63 ، شرح نهج البلاغة 1 / 160 وج 5 / 52 وج 17 / 175. وقد مر تخريج ذلك مفصلاً في ج 319/4 ه- 6 و ج 213/5 ه 1 من هذا الكتاب ؛ فراجع !
2- شام السيف شيما : سلّه وأغمده ، وهو من الأضداد ؛ وهو هنا فعل أمر بمعنى : أغمد ؛ انظر : لسان العرب 7 / 262 - 263 مادّة « شيم ».
3- انظر : شرح نهج البلاغة 13 / 281 ، البداية والنهاية 4 / 12. قال أبو جعفر الإسكافي - كما في «شرح النهج » - : « لم يقل رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم: وأمتعنا بنفسك ؛ إلا لعلمه بأنه ليس أهلاً للحرب وملاقاة الرجال ، وأنه لو بارز لقتل».
4- الحنوّ : العطف والشفقة ؛ يقال : حنا يحنو حنوّا ، وحنا عليه يحنو ، وأحنى يحني ؛ انظر : لسان العرب 3 / 371 مادّة « حنا ».
5- راجع : ج 5 / 57 ه 1 وص 77 ه 1 وص 82 من هذا الكتاب ، ومبحث حديث النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّي دافع الراية غدا ... » في الصفحات 89 - 101 من هذا الجزء!
6- انظر : تاريخ الطبري 2 / 33 ، المغازي - للواقدي - 1 / 55 ، السيرة النبوية - لابن هشام - 3 / 173 ، السيرة النبوية - لابن حبّان - : 167 ، عيون الأثر 1 / 306.

على أصحابه ويفضّله عليهم » ..

فهو من مخيّلات أمّة أبي بكر وتسويلاتهم!

وأمّا ما نقله عن محمّد بن الحنفيّة (1) ، فهو ممّا رقمه (2) قلم الأهواء ، ولا حجّة لهم - بنقلهم - على خصومهم ، وكيف يفضّله أمير المؤمنين علیه السلام ، وهو مولى المؤمنين والمؤمنات؟!

وقال في « خطبته الشقشقية » : « لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السّيل ، ولا يرقى إليّ الطير » (3).

وما زال يتظلّم منه ومن أصحابه (4).

وأمّا ما حكاه عن ابن عمر (5) ، فقد سبق أنّه من موارد الطعن عليه ، ومن كذباته الواضحة (6).

فهل ترى أعجب من ابن عمر ، يسمع نداء آية المباهلة بأنّه نفس سيّد النبيّين ، وآية التصدّق بأنّه مع اللّه ورسوله وليّ المؤمنين .. إلى أمثالهما من الكتاب والسنّة ، ثمّ يجعله من سائر المسلمين ، ويجعل فضل

ص: 558


1- تقدّمت في الصفحة 488 - 489 من هذا الجزء.
2- الرّقم والتّرقيم : تعجيم الكتاب ، ورقم الكتاب يرقمه رقما : أعجمه وبيّنه ، وكتاب مرقوم : أي كتاب مكتوب قد بيّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط ؛ انظر : لسان العرب 5 / 290 مادّة « رقم ».
3- نهج البلاغة : 48 رقم 3 ، شرح نهج البلاغة 1 / 151.
4- وقد تظلّم علیه السلام من قريش مرّات عدّة ؛ فانظر : نهج البلاغة : 97 - 98 رقم 67 وص 246 رقم 172 وص 336 رقم 217.
5- تقدّمت في الصفحة 489 من هذا الجزء.
6- راجع الصفحات 500 - 507 من هذا الجزء.

أبيه وصاحبيه مفروغا عنه؟!

ما هذا إلّا الغيّ والحمق!!

وبما ذكرنا من بيان حال صحاحهم في المقدّمة وغيرها (1) ، تستغني عن التعرّض لبقيّة ما ذكره الفضل من الأحاديث والتكلّم في أسانيدها ومتونها ومعارضاتها.

وأمّا ما زعمه من جعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لأبي بكر إماما في الصلاة تلويحا إلى خلافته ، وأنّه صلّى بهم أيّام مرضه (2) ..

فهو من كذباتهم ..

والحقّ أنّه لم يصلّ بالناس إلّا في صلاة واحدة ، وهي صلاة الصبح ، تلبّس بها بأمر ابنته ، فعلم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فخرج يتهادى بين عليّ والعبّاس - أو ابنه الفضل - ، ورجلاه تخطّان في الأرض من المرض (3) ، وممّا لحقه من تقدّم أبي بكر ، ومخالفة أمره بالخروج في جيش أسامة ، فنحّاه النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وصلّى ، ثمّ خطب ، وحذّر الفتنة ، ثمّ توفّي من يومه ، وهو يوم الاثنين.

وقد صرّحت بذلك أخبارنا (4) ..

ودلّت عليه أخبارهم ؛ لإفادتها أنّ الصلاة التي تقدّم فيها هي التي عزله النبيّ عنها ، وأنّها صبح الاثنين ، وهو الذي توفّى فيه ..

ص: 559


1- راجع : ج 1 / 27 وما بعدها من هذا الكتاب.
2- تقدّم في الصفحة 490 من هذا الجزء.
3- انظر : شرح نهج البلاغة 9 / 197 ، البداية والنهاية 2 / 231.
4- انظر : الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 182 - 183 ، إعلام الورى 1 / 265.

أمّا الأوّل (1) ؛ فلما رواه مسلم (2) ، عن عائشة ، قالت : « لمّا ثقل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس.

قالت : فقلت : يا رسول اللّه! إنّ أبا بكر رجل أسيف (3) ، وإنّه متى يقم مقامك لم يسمع الناس ، فلو أمرت عمر؟

فقال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس!

قالت : فقلت لحفصة : قولي له : إنّ أبا بكر رجل أسيف ، وإنّه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر؟

فقالت له ؛ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف! مروا أبا بكر فليصلّ بالناس!

قالت : فأمروا أبا بكر يصلّي بالناس.

[ قالت : ] فلمّا دخل في الصلاة وجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من نفسه خفّة ، فقام يهادى بين رجلين (4) ، ورجلاه تخطّان في الأرض.

فلمّا دخل المسجد سمع أبو بكر حسّه ، فذهب يتأخّر ، فأومأ إليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله [ قم مكانك ] ، فجاء رسول اللّه حتّى جلس عن يسار أبي بكر.

ص: 560


1- أي : عزل أبي بكر عن الصلاة.
2- في باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من كتاب الصلاة [ 2 / 23 ]. منه قدس سره .
3- الأسيف - والأسوف - : السريع البكاء والحزن والكآبة ، الرقيق القلب والشيخ الفاني ؛ انظر مادّة « أسف » في : لسان العرب 1 / 142 - 143 ، تاج العروس 12 / 82.
4- يهادى بين رجلين : أي يمشي بينهما يعتمد عليهما من ضعفه وتمايله ؛ انظر : لسان العرب 15 / 63 مادّة « هدي ».

فكان أبو بكر يصلّي قائما ، وكان رسول اللّه يصلّي قاعدا ، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول اللّه ، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر ».

ورواه البخاري (1) ونحوه (2).

وهو - كما تراه - صريح في أنّ أوّل صلاة صلّاها أبو بكر هي التي عزله النبيّ صلی اللّه علیه و آله عنها.

وتدلّ عليه أخبار أخر أيضا (3).

وأمّا الثاني ؛ وهو أنّها صبح يوم الاثنين ؛ فلما رواه الطبري (4) ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة ، قال : « لمّا كان يوم الاثنين خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عاصبا رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلّي بالناس.

فلمّا خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله تفرّج الناس ، فعرف أبو بكر أنّ الناس لم يفعلوا ذلك إلّا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فنكص عن مصلّاه فدفع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في ظهره ، وقال : صلّ بالناس ؛ وجلس رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى جنبه ، فصلّى قاعدا عن يمين أبي بكر.

فلمّا فرغ من الصلاة ، أقبل على الناس وكلّمهم رافعا صوته ، حتّى خرج صوته من باب المسجد ، يقول : يا أيّها الناس! سعّرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإنّي واللّه لا تمسكون عليّ شيئا ، إنّي لم

ص: 561


1- في باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم ، من أبواب صلاة الجماعة [ 1 / 287 ح 102 ]. منه قدس سره .
2- في باب قبل الباب المذكور [ 1 / 287 ح 101 ]. منه قدس سره .
3- انظر : سنن ابن ماجة 1 / 519 ح 1624 ، مسند أحمد 6 / 251 ، صحيح ابن خزيمة 1 / 127 ح 257.
4- في تاريخه ، ص 196 من الجزء الثالث [ 2 / 231 ]. منه قدس سره .

أحلّ لكم إلّا ما أحلّ لكم القرآن ، ولم أحرّم عليكم إلّا ما حرّم عليكم القرآن ... » .. الحديث.

وأمّا الثالث ؛ هو أنّها في يوم وفاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ فلما حكاه في « كنز العمّال » (1) ، عن ابن جرير ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، قال : « صلّى - أي : النبيّ صلی اللّه علیه و آله - في اليوم الذي مات فيه صلاة الصبح في المسجد ».

وما في « الكنز » أيضا (2) ، عن أبي يعلى في « مسنده » ، وابن عساكر ، عن أنس ، قال : « لمّا مرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مرضه الذي مات فيه ، أتاه بلال فآذنه بالصلاة ، فقال : يا بلال! قد بلّغت ، فمن شاء فليصلّ ، ومن شاء فليدع.

قال : يا رسول اللّه! فمن يصلّي بالناس؟

قال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس.

فلمّا تقدّم أبو بكر رفعت الستور عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فنظرنا إليه كأنّه ورقة بيضاء عليه خميصة (3) سوداء ، فظنّ أبو بكر أنّه يريد الخروج ، فتأخّر ، فأشار إليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن صلّ مكانك ، فصلّى أبو بكر ، فما رأينا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حتّى مات من يومه ».

ص: 562


1- ص 60 من الجزء الرابع [ 7 / 272 ح 18852 ]. منه قدس سره .
2- ص 57 ج 4 [ 7 / 261 ح 18822 ]. منه قدس سره . وأنظر : مسند أحمد 202/3 ، مصنّف ابن أبي شيبة 227/2 ح 2.
3- الخميصة : كساء أو ثوب خزّ أو صوف معلم أسود مربّع له علمان ، فإن لم يكن معلما فليس بخميصة ، وقيل : لا تسمّى إلّا ان تكون سوداء معلمة ؛ انظر : لسان العرب 4 / 219 - 220 مادّة « خمص ».

ومنه ما في « الكنز » أيضا (1) ، عن أبي الشيخ في الأذان ، عن عائشة ، قالت : « ما مرّ عليّ ليلة مثل ليلة مات رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، يقول : يا عائشة! هل طلع الفجر؟

فأقول : لا يا رسول اللّه ؛ حتّى أذّن بلال بالصبح.

ثمّ جاء بلال ، فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته!

الصلاة يرحمك اللّه.

فقال النبيّ : ما هذا؟

فقلت : بلال.

فقال : مري أباك أن يصلّي بالناس »

فقد ثبت من جميع ما ذكرنا ، أنّ أوّل صلاة تقدّم فيها أبو بكر هي التي عزله النبيّ صلی اللّه علیه و آله عنها ، وأنّها صبح يوم الاثنين الذي توفّي فيه ، ولم يتقدّم في غيرها.

فما في بعض أخبار عائشة ، من أنّ الصلاة التي تأخّر فيها أبو بكر عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله هي الظهر ، وأنّه صلّى بالناس في مرض النبيّ صلی اللّه علیه و آله أيّاما (2) ، مردودة بالأخبار المذكورة.

مع أنّها ليست حجّة علينا ، ولا سيّما أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قد نبز عائشة وصاحبتها بأنّهما صواحب يوسف (3) ، وهي أيضا محلّ التهمة في حقّ

ص: 563


1- ص 58 ج 4 [ 7 / 266 ح 18834 ]. منه قدس سره .
2- انظر : صحيح البخاري 1 / 278 - 279 ح 78 ، صحيح مسلم 2 / 20 - 21 ، سنن النسائي 2 / 101 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 3 / 276 - 277 ح 2113 ، مسند أبي عوانة 1 / 440 ح 1632.
3- انظر : صحيح البخاري 1 / 273 ح 69 و 70 وص 287 ح 101 و 102 وص 289 ح 105 ، صحيح مسلم 2 / 22 - 23 ، سنن الترمذي 5 / 573 ح 3672.

أبيها.

وأقرّت بكذبها في المقام بما أظهرته من سبب الاستعفاء ؛ فإنّها تقول في كثير من أخبارهم : « ما حملني على كثرة مراجعتي إلّا أنّي كنت أرى أنّه لن يقوم أحد مقام النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلّا تشاءم الناس به » (1).

فمع هذا ونحوه ، كيف تعتبر روايتها وتقدّم على ما يخالفها؟!

كما لا نعتبر خبرها بأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله هو الآمر بتقديم أبي بكر ، بل إنّما أمر أن يصلّي بالناس بعضهم ، فانتهزت عائشة الفرصة فأمرت بتقديم أبي بكر ؛ كما يشهد له خبر عائشة السابق في رواية أبي الشيخ ، حيث أخبرت في آخره بأنّ النبيّ قال : « مري أباك أن يصلّي بالناس » (2)، فإنّه كاشف عن أنّ الأمر بتقديم أبيها قد صدر منها ، لكن ادّعت أنّه عن أمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله !

ويشهد لعدم تعيين النبيّ صلی اللّه علیه و آله للمصلّي ، ما في « الاستيعاب » بترجمة أبي بكر ، عن عبد اللّه بن زمعة (3) ، قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « مروا

ص: 564


1- انظر : صحيح البخاري 6 / 33 ح 432 ، صحيح مسلم 2 / 22 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 8 / 152.
2- تقدّم آنفا في الصفحة السابقة.
3- هو : عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن عبد المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي القرشي الأسدي ، أمّه : قريبة بنت أبي أميّة بن المغيرة ، أخت أمّ سلمة أمّ المؤمنين رضوان اللّه عليها. قتل أبوه زمعة وعمه عقيل يوم بدر كافرين ، وأبوهما : الأسود ، كان من المستهزئين الذين قال اللّه تعالى فيهم : ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) سورة الحجر 90:15. وقتل هو سنة 35 ه- عثمان عفان بن في داره يوم هجم عليه المسلمون . أنظر : معرفة الصحابة 1653/3 رقم 1638 ، الاستيعاب 910/3 رقم 1537، أسد الغابة 3 / 141 رقم 2949 ، الإصابة 95/4 رقم 4687 .

من يصلّي بالناس ».

لكن زعم ابن زمعة أنّه أمر عمر بالصلاة ، فلمّا كبّر سمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صوته ، قال : « فأين أبو بكر؟! يأبى اللّه ذلك والمسلمون! » (1).

وهو غير مقبول منه ؛ لأنّه يقتضي قطع صلاة عمر ، وتأخيره ، وتقديم أبي بكر ؛ وهو حادث كبير ، لو صحّ لشاع.

ويشهد أيضا لعدم تعيين النبيّ صلی اللّه علیه و آله للمصلّي بالناس ، ما أخبر به أنس في الرواية المذكورة ، أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « يا بلال! قد بلّغت ، فمن شاء فليصلّ ، ومن شاء فليدع » (2).

فإنّ مراد النبيّ صلی اللّه علیه و آله هو التخيير في أمر الجماعة والإمامة ، لا أصل الصلاة بالضرورة ، وحينئذ فيكون خبر الراوي في تتمّة الحديث بأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « مروا أبا بكر فليصلّ بالناس » (3) من الإضافات التي قضت بها السياسة!

وكيف يجتمع زعمهم أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله هو الآمر بتقديم أبي بكر ، وأنّه صلّى بالناس أيّاما ، مع جعله من جيش أسامة ، ولعن من تخلّف عنه؟! (4).

وأيضا : لو كان النبيّ صلی اللّه علیه و آله هو الآمر المصرّ على تقديم أبي بكر ، وقد قصد التلويح إلى خلافته ، فما معنى خروجه صلی اللّه علیه و آله بأوّل صلاة صلّاها

ص: 565


1- الاستيعاب 3 / 969 - 970.
2- تقدّم آنفا في الصفحة 562.
3- تقدّم آنفا في الصفحة 560.
4- راجع الصفحة 557 ه 1 من هذا الجزء.

أبو بكر وعزله عن الجماعة ، وهو بتلك الحال الشديدة المشجية ، تخطّ رجلاه في الأرض ، ويتهادى بين رجلين ، حتّى صلّى بالناس من جلوس صلاة المضطرّين؟!

فلا بدّ أن يكون مريدا بخروجه المستغرب رفع ما لبسوه على الناس ، من أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله هو الآمر بتقديمه.

وأيضا : لو كانت صلاته بأمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وصلّى بالناس أيّاما ، لا صلاة الصبح فقط ، فلم لم يحضر صلاة النهار يوم وفاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، بل كان بمنزله في السّنح (1)؟!

وأيضا : لو كانت صلاته بأمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ومرغوبة له ، ومريدا بها التلويح إلى خلافته التي يعلم بوقوعها ، وأنّهاعلى الهدى كما زعموا ، فما الذي حدث حتّى خرج على تلك الحال ، وخطب تلك الخطبة العالية ، وقال : « سعّرت النار ، وأقبلت الفتن » (2)؟!

فالمنصف يعلم من هذا أنّ صلاة أبي بكر لم تكن عن أمره ، بل كانت فتنة اتّخذها أولياؤه حجّة ، وكانت أوّل نار سعّرت على الحقّ ، وفتنة مظلمة!

ولذا لم يعتدّ بها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وصلّى مبتدئا ؛ فإنّه لو صلّى إماما لهم من حيث وصل إليه أبو بكر ، لخلت صلاته - على الأقل - من

ص: 566


1- انظر : تاريخ الطبري 2 / 231 و 232 ، تاريخ دمشق 2 / 56 ، البداية والنهاية 5 / 184 - 186 ، شرح نهج البلاغة 13 / 36. والسنح : هي إحدى محال المدينة المنوّرة ، وهي في طرف من أطرافها ، بينها وبين منزل النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ميل ، كان بها منزل أبي بكر. أنظر : معجم البلدان 3 / 301 رقم 6675 .
2- تقدّم آنفا في الصفحة 561.

تكبيرة الافتتاح ، فتبطل!

فإذا كان مبتدئا تعيّن أن يكون الناس قد ابتدأوا معه غير معتدّين بصلاة أبي بكر ، وإلّا كانوا سابقين على النبيّ صلی اللّه علیه و آله في بعض أفعال الصلاة ، وهو غير جائز في الجماعة (1).

ومن الواضح أنّ عدم اعتداد النبيّ صلی اللّه علیه و آله بصلاة أبي بكر ، دليل على أنّها ليست بأمره ، وأنّها أوّل فتنة أصابت الإسلام.

هذا ، ومن الأوهام والخيالات زعمهم أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قدّمه في الصلاة تلويحا إلى خلافته (2) ..

والحال أنّ إمامة الصلاة عندهم لا يعتبر فيها العدالة ، فضلا عن الاجتهاد ونحوه من شروط الإمامة العامّة (3) ، فكيف تكون تلويحا إلى الزعامة العظمى والرياسة الكبرى؟!

وأعجب من ذلك ، ما كذبوا فيه على أمير المؤمنين علیه السلام ، أنّه قال - كما في « الاستيعاب » - : « رضينا لدنيانا من رضي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لديننا » (4) ..

إذ مع معلوميّة تظلّم أمير المؤمنين منهم وسخطه عليهم إلى حين وفاته ، كيف يجعل الخلافة من أمر الدنيا ، ويجعل الرضا بها تابعا للرضا

ص: 567


1- انظر : الأمّ 1 / 310 ، الحاوي الكبير 2 / 430 - 431 ، حاشية ردّ المحتار 1 / 508 ، بداية المجتهد 2 / 312 - 313.
2- تقدّم في الصفحة 490 من هذا الجزء.
3- انظر : المدوّنة الكبرى 1 / 83 ، الحاوي الكبير 2 / 214 - 215 ، النكت والفوائد السنيّة 1 / 169 ، الفتاوى الكبرى 1 / 71 وج 2 / 36 ، نصب الراية 2 / 34.
4- الاستيعاب 3 / 971 رقم 1633.

بإمامة الصلاة التي تجوز حتّى للفاجر بزعم القوم؟!

وأعجب من الجميع ، زعم الفضل معارضة ما دلّ على خلافة أمير المؤمنين بما أشير فيه إلى خلافة أبي بكر ..

فإنّ هذا من أخبارهم ، فلا يكون حجّة على خصومهم حتّى يوجب المعارضة ، ولا سيّما أنّهم أقرّوا بأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لم يخلّف أبا بكر ، ورووه عن عمر مستفيضا (1) ، فيلزم تكذيب ذلك أو تأويله ، ويبقى ما دلّ على خلافة أمير المؤمنين بلا معارض!

مع أنّ ما زعموا الإشارة فيه إلى خلافة أبي بكر نادر لا يصلح للمعارضة ، وغير دالّ على مرادهم أصلا ؛ إذ لا دلالة أصلا في خبر جبير ابن مطعم (2) على أنّ الشيء الذي كلّمت المرأة فيه النبيّ صلی اللّه علیه و آله من الأشياء التي مرجعها السلطان.

كما لا دلالة بقولها : « لم أجدك » على إرادة الموت ، وقول جبير : « كأنّها تريد الموت » ، ظنّ أو احتمال ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

وأمّا ما رواه عن عائشة ، من قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله في مرضه : « ادعي لي

ص: 568


1- إشارة إلى ما رووه عن عمر عندما قيل له : ألا تستخلف؟! فقال : إن أترك فقد ترك من هو خير منّي ، رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ وإن استخلف فقد استخلف من هو خير منّي ، أبو بكر. أنظر : صحيح البخاري 145/9 ح 75 صحیح مسلم 4/6 - 5 ، سنن أبي داود 133/3 ح 2939 ، سنن الترمذي 435/4 ح 2225 ، مسند أحمد 43/1 و 46 و 47 ، مصنف عبد الرزاق 448/5 - 449 ح 9763 ، مسند البزار 257/1 ح 153 ، مسند الطيالسي : 6 - 7 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 261/3 ، مسند عمر - لابن النجاد - : 73 ح 42 و ص 90 ح 70 .
2- تقدّم في الصفحة 490 من هذا الجزء.

أباك وأخاك ... » (1) إلى آخره ..

فقد كفانا أمره عمر بقوله : « إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله - وحاشاه - يهجر » (2).

مع احتمال أن يريد النبيّ صلی اللّه علیه و آله أن يعطيه مالا ويكتب له فيه ، أو يكتب له في الصلاة بالناس التي زعموا أمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله بها ، أو نحو ذلك.

على أنّ هذا الحديث مقطوع الكذب ؛ إذ كيف يتصوّر أن يأمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله عائشة بدعوة أبيها - وتحتمل أن يكتب له بالخلافة - فلا تحضره ، والحال أنّها تدعوه بلا دعوة!

أخرج الطبري في « تاريخه » (3) ، عن الأرقم بن شرحبيل ، قال : « سألت ابن عبّاس : أوصى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟

قال : لا.

قلت : فكيف ذلك؟!

قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ابعثوا إلى عليّ فادعوه!

فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر؟

وقالت حفصة : لو بعثت إلى عمر؟

فاجتمعوا عنده جميعا ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : انصرفوا! فإن تك لي حاجة أبعث إليكم ؛ فانصرفوا ».

ص: 569


1- تقدّم في الصفحة 490 من هذا الجزء.
2- قد تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج 4 / 93 ه 2 من هذا الكتاب ؛ وانظر إضافة إلى ذلك : صحيح البخاري 4 / 211 - 212 ح 10 وج 6 / 29 ح 422 ، البداية والنهاية 5 / 173 أحداث سنة 11 ه.
3- ص 195 من الجزء الثالث [ 2 / 230 ]. منه قدس سره .

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن الدارقطني ، أنّه أخرج عن عائشة ، قالت : « لمّا حضر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الموت قال : ادعوا لي حبيبي!

فدعوت له أبا بكر ، فنظر ، ثمّ وضع رأسه ، فقال : ادعوا لي حبيبي!

فدعوا له عمر ، فنظر إليه ، ثمّ وضع رأسه ، وقال : ادعوا لي حبيبي!

فقلت : ويلكم! ادعوا له عليّ بن أبي طالب ، فو اللّه ما يريد غيره.

فلمّا رآه أفرد الثوب الذي كان عليه ، ثمّ أدخله فيه ، فلم يزل محتضنه حتّى قبض ويده عليه » (1).

ثمّ نقل السيوطي ، عن ابن الجوزي ، أنّه قال : « موضوع » (2).

ولم يذكر له دليلا!

ثمّ نقل عن الدارقطني ، أنّه قال : « غريب ، تفرّد به مسلم بن كيسان الأعور ، وتفرّد به عن ابنه (3) إسماعيل بن أبان الورّاق » (4).

ثمّ قال السيوطي : « مسلم : روى له الترمذي ، وابن ماجة ، وهو متروك ، وإسماعيل بن أبان من شيوخ البخاري » (5).

ثمّ قال : « وله طريق آخر » وأنهاه إلى عبد اللّه بن عمرو ، قال : « إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال في مرضه : ادعوا لي أخي! فدعوا له أبا بكر ، فأعرض عنه!

ص: 570


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 341 - 342.
2- اللآلئ المصنوعة 1 / 342 ، الموضوعات 1 / 392.
3- أي تفرّد إسماعيل عن ابن مسلم ، وهو عبد اللّه. منه قدس سره .
4- اللآلئ المصنوعة 1 / 342.
5- اللآلئ المصنوعة 1 / 342.

ثمّ قال : ادعوا لي أخي! فدعوا له عمر ، فأعرض عنه!

ثمّ قال : ادعوا لي أخي! فدعوا له عثمان ، فأعرض عنه!

ثمّ قال : ادعوا لي أخي! فدعوا له عليّ بن أبي طالب ، فستره بثوب وأكبّ عليه.

فلمّا خرج من عنده قيل له : ما قال؟

قال : علّمني ألف باب ، يفتح لي من كلّ باب ألف باب » (1).

أقول :

مضمون الحديث معتبر ؛ لاعتضاد طرقه بعضها ببعض ، ولا سيّما أنّ مناقشة الدارقطني بإسماعيل ليست في محلّها ؛ لأنّه ممّن احتجّ به البخاري في صحيحه ، ووثّقه عامّة علمائهم حتّى الدارقطني في إحدى الروايتين عنه ، كما في « تهذيب التهذيب » (2).

وأمّا مسلم بن كيسان ، فدعوى أنّه متروك ، غير مسموعة ..

كيف؟! وقد أخرج له الترمذي وابن ماجة في صحيحيهما (3) ، وروى عنه عدّة عديدة وفيهم أكابر رواتهم ، كشعبة ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وعليّ بن مسهر ، والأعمش ، وسفيان بن عيينة ، وابن فضيل ، وإسرائيل ، وشريك ، وورقاء ، ومحمّد بن جحادة ، وزياد ، وعليّ بن

ص: 571


1- اللآلئ المصنوعة 1 / 342 ، وانظر : المجروحين - لابن حبّان - 2 / 14 ، العلل المتناهية 1 / 221 ح 347.
2- تهذيب التهذيب 1 / 286 رقم 443 ، وانظر : صحيح البخاري 2 / 311 ح 239.
3- انظر : سنن الترمذي 3 / 337 ح 1017 ، سنن ابن ماجة 2 / 825 ح 2469 وص 1184 ح 3577.

عابس ، وجرير بن عبد الحميد ، وغيرهم ، كما في « تهذيب التهذيب » (1) (2).

وأمّا قوله : « والإجماع فضل زائد ... » إلى آخره ..

فقد سبق ما في دعوى الإجماع ، في أوائل مباحث الإمامة (3).

وأمّا قوله : « ولمّا سمع المنافق أنّ هؤلاء مطعونون فرح ... » إلى آخره ..

ففيه : إنّ المنافق يعلم أنّ صاحب الدّين ومؤسّسة هو رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خاصّة ، فلا طعن في الدّين إلّا بالطعن به نفسه ، دون آحاد أمّته أو جميعها ؛ ولذا طعن اللّه سبحانه بالأمّة فما كان منه نقصا في نبيّه الكريم ، قال سبحانه : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ... ) (4) الآية ؛ ونحن ما زدنا على هذا الطعن!

على أنّ المنافق لا يرى فرقا بين المشايخ الثلاثة ، وعبد الملك ، والمنصور والرشيد ، وأشباههم ممّن فتحوا الفتوح ، ومصّروا الأمصار ، واتّخذهم القوم أئمّة وأمراء للمؤمنين.

ص: 572


1- تهذيب التهذيب 8 / 158 رقم 6912 ، وانظر : تهذيب الكمال 18 / 84 رقم 6530.
2- (2) نقول : وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني - حفظه اللّه ورعاه - في دراسة وبحث هذه الأخبار ، سندا ودلالة ، في مقاله : « استخلاف النبيّ أبا بكر في الصلاة » ، المنشور أوّلا في مجلّة « تراثنا » ، العدد 24 ، السنة 6 ، رجب 1411 ه ، ص 7 - 76 ؛ وثانيا ضمن كتابه « الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة » ، فكان الرسالة الرابعة منها ، بعنوان : « رسالة في صلاة أبي بكر » ؛ فراجع!
3- راجع : ج 4 / 249 وما بعدها من هذا الكتاب.
4- سورة آل عمران 3 : 144.

فكما لا يجوز منّا ترك القول بالحقّ في الآخرين لأجل أن لا يفرح المنافق ، لا يجوز منّا تركه في الأوّلين ، ولو أنصف المنافق لرأى أنّ من دلائل صحّة الإسلام فساد أمرائه ، وهو لا يزداد إلّا رفعة وسناء.

ثمّ إنّ الطعن لو صحّ لم يختصّ بأمّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ، بل هو جار في الأمم السالفة ، كما في أمر السامري (1) ، وبلعم (2) ، وغيرهما (3).

وكلّ ما جرى في أمّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله جرى في الأمم السابقة ، حذو

ص: 573


1- قال تعالى : ( قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * ... قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) سورة طه 20 :85 - 97. أنظر ما جرى للسامري مع نبيَّي اللّه موسى وهارون عليهماالسلام ، في تفسير الآيات المذكورة من كتب التفسير . وأنظر : تاريخ الطبري 250/1 - 253 ، الكامل في التاريخ 145/1 - 146 ، البداية والنهاية 252/1 - 254 ، المنتظم 1 / 235.
2- قال تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَالَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة الأعراف 7 : 175 و 176. أنظر تفصيل ما جرى لبلعم بن باعوراء ، في تفسير الآيتين المذكورتين من كتب التفسير . وأنظر : تاريخ الطبري 258/1 - 260 ، الكامل في التاريخ 153/1 ، البداية والنهاية 1 / 280 ، المنتظم 1 / 237 .
3- مثل : طالوت وجالوت ، وأقوام نوح علیه السلام وصالح علیه السلام ولوط علیه السلام ، وغيرهم ممّن ذكرهم القرآن الكريم.

النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة (1) ، كما صرّحت به أخبارنا (2) وأخبارهم (3) ..

فهل يحسن من الخصم ترك القول في السامريّ وأمثاله ، لئلّا يفرح المنافق حتّى يحسن منّا ترك القول بأشباههم؟!

ثمّ ما باله لم يوجّه الاعتراض أوّلا إلى إمامه معاوية ، حيث نسب إلى أخي النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ونفسه ، ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى ، كلّ مكروه ، وسبّه على المنائر والمنابر؟!

فكان اللازم عليه أن يدعو أوّلا بعدم الفلاح على معاوية ، وسائر بني أميّة وأشياعهم ، ولو دعا لأمّنّا وحمدنا اللّه على ذلك!

* * *

تمّ الجزء الثاني ،

ويليه الجزء الثالث (4).

* * *

ص: 574


1- القذّة : ريش السهم ، وجمعها : قذذ وقذاذ ؛ والحديث الشريف يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان ؛ انظر مادّة « قذذ » في : لسان العرب 11 / 71 - 72 ، تاج العروس 5 / 388 - 389.
2- انظر : من لا يحضره الفقيه 1 / 130 ح 609 ، الخصال 2 / 463 ح 4 ، علل الشرائع 1 / 247 ح 12 ، قرب الإسناد : 381 ح 1343 ، كفاية الأثر : 15 ، دعائم الإسلام 1 / 1.
3- تقدّمت تخريجاته مفصّلة في ج 3 / 202 ه 1 وج 4 / 269 ه 1 و 2 وص 283 ه 7 من هذا الكتاب ؛ فراجع!
4- طبقا لتقسيم الشيخ المظفّر قدس سره .

فهرس المحتويات

تعيين إمامة عليّ علیه السلام بالسّنّة

1 - حديث النور... 5

رد الفضل بن روزبهان... 7

ردّ الشيخ المظفّر... 12

2 - حديث : ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة... 23

رد الفضل بن روزبهان... 24

ردّ الشيخ المظفّر... 26

3 - حديث الوصيّة... 47

رد الفضل بن روزبهان... 48

ردّ الشيخ المظفّر... 49

4 - حديث : من أحبّ أصحابك؟ وإن كان أمرٌ كنّا معه... 53

رد الفضل بن روزبهان... 54

ردّ الشيخ المظفّر... 55

5 - حديث : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث... 57

رد الفضل بن روزبهان... 58

ردّ الشيخ المظفّر... 59

6 - حديث : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك... 61

رد الفضل بن روزبهان... 62

ردّ الشيخ المظفّر... 64

7 - حديث اختصاص المناجاة بعليّ علیه السلام ... 71

رد الفضل بن روزبهان... 72

ص: 575

ردّ الشيخ المظفّر... 73

8 - حديث المباهلة... 74

رد الفضل بن روزبهان... 75

ردّ الشيخ المظفّر... 76

9 - حديث المنزلة... 80

رد الفضل بن روزبهان... 82

ردّ الشيخ المظفّر... 83

10 - حديث : إنّي دافع الراية غدا... 89

رد الفضل بن روزبهان... 91

ردّ الشيخ المظفّر... 92

11 - حديث : برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه... 102

رد الفضل بن روزبهان... 103

ردّ الشيخ المظفّر... 104

12 - حديث سدّ الأبواب عدا باب عليّ... 105

رد الفضل بن روزبهان... 106

ردّ الشيخ المظفّر... 107

13 - حديث المؤاخاة... 122

رد الفضل بن روزبهان... 124

ردّ الشيخ المظفّر... 125

14 - حديث : إنّ عليّا منّي وأنا من عليّ... 133

رد الفضل بن روزبهان... 135

ردّ الشيخ المظفّر... 136

15 - حديث : إنّ فيك مثلا من عيسى... 142

رد الفضل بن روزبهان... 143

ردّ الشيخ المظفّر... 144

16 - حديث : لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق... 147

ص: 576

رد الفضل بن روزبهان... 148

ردّ الشيخ المظفّر... 149

17 - حديث : ... ولكنّه خاصف النعل... 152

رد الفضل بن روزبهان... 154

ردّ الشيخ المظفّر... 155

18 - حديث الطائر... 159

رد الفضل بن روزبهان... 161

ردّ الشيخ المظفّر... 162

19 - حديث : أنا مدينة العلم وعليّ بابها... 171

رد الفضل بن روزبهان... 172

ردّ الشيخ المظفّر... 173

20 - حديث : من آذى عليّا فقد آذاني... 182

رد الفضل بن روزبهان... 183

ردّ الشيخ المظفّر... 184

21 - حديث تزويج عليّ من فاطمة الزهراء علیهماالسلام ... 187

رد الفضل بن روزبهان... 188

ردّ الشيخ المظفّر... 189

22 - حديث : إجلس يا أبا تراب... 194

رد الفضل بن روزبهان... 195

ردّ الشيخ المظفّر... 196

23 - أحاديث : كسر الأصنام ، وصكّ الولاية ، وردّ الشمس ،... 199

رد الفضل بن روزبهان... 203

ردّ الشيخ المظفّر... 204

24 - حديث : الحقّ مع عليّ... 227

رد الفضل بن روزبهان... 229

ردّ الشيخ المظفّر... 231

ص: 577

25 - حديث الثّقلين وما بمعناه... 235

رد الفضل بن روزبهان... 238

ردّ الشيخ المظفّر... 240

26 - حديث الكساء... 251

رد الفضل بن روزبهان... 253

ردّ الشيخ المظفّر... 254

27 - حديث : أهل بيتي أمان لأهل الأرض... 255

رد الفضل بن روزبهان... 257

ردّ الشيخ المظفّر... 258

28 - حديث : اثنا عشر خليفة... 264

رد الفضل بن روزبهان... 268

ردّ الشيخ المظفّر... 271

المبحث الخامس

في بعض فضائل عليّ علیه السلام قبل الولادة... 283

رد الفضل بن روزبهان... 286

ردّ الشيخ المظفّر... 289

فضائله حال الولادة... 300

رد الفضل بن روزبهان... 301

ردّ الشيخ المظفّر... 302

فضائله بعد الولادة...

من فضائله النفسانية :...

المطلب الأوّل : الإيمانه علیه السلام ... 309

رد الفضل بن روزبهان... 312

ردّ الشيخ المظفّر... 313

المطلب الثاني : علمه علیه السلام ... 319

رد الفضل بن روزبهان... 321

ص: 578

ردّ الشيخ المظفّر... 322

كلام العلامة الحلّي... 326

رد الفضل بن روزبهان... 327

ردّ الشيخ المظفّر... 328

العلوم كلّها مستندة إليه علیه السلام ... 331

رد الفضل بن روزبهان... 334

ردّ الشيخ المظفّر... 335

كلام العلامة الحلّي... 340

رد الفضل بن روزبهان... 343

ردّ الشيخ المظفّر... 344

كلام العلامة الحلّي... 346

رد الفضل بن روزبهان... 347

ردّ الشيخ المظفّر... 348

كلام العلامة الحلّي... 351

رد الفضل بن روزبهان... 352

ردّ الشيخ المظفّر... 353

كلام العلامة الحلّي... 354

رد الفضل بن روزبهان... 357

ردّ الشيخ المظفّر... 358

إخباره علیه السلام بالمغيّبات...

المطلب الثالث : الإخبار بالغيب... 359

رد الفضل بن روزبهان... 366

ردّ الشيخ المظفّر... 369

المطلب الرابع : الشجاعة علیه السلام ... 371

رد الفضل بن روزبهان... 372

ردّ الشيخ المظفّر... 373

ص: 579

المطلب الخامس : في الزهد علیه السلام ... 374

رد الفضل بن روزبهان... 376

ردّ الشيخ المظفّر... 377

المطلب السادس : كرمه... 379

رد الفضل بن روزبهان... 380

ردّ الشيخ المظفّر... 381

المطلب السابع : في استجابة دعائه علیه السلام ... 382

رد الفضل بن روزبهان... 385

ردّ الشيخ المظفّر... 387

من فضائله البدنية...

المطلب الأوّل : عبادته علیه السلام ... 392

رد الفضل بن روزبهان... 394

ردّ الشيخ المظفّر... 395

المطلب الثاني : جهاده علیه السلام ... 398

رد الفضل بن روزبهان... 407

ردّ الشيخ المظفّر... 410

من فضائله الخارجية...

المطلب الأوّل : في نسبه علیه السلام ... 429

رد الفضل بن روزبهان... 431

ردّ الشيخ المظفّر... 432

المطلب الثاني : في زوجته وأولاده علیهم السلام ... 436

رد الفضل بن روزبهان... 438

ردّ الشيخ المظفّر... 439

كلام العلامة الحلّي... 450

رد الفضل بن روزبهان... 456

ردّ الشيخ المظفّر... 458

ص: 580

المطلب الثالث : في محبّته علیه السلام ... 471

رد الفضل بن روزبهان... 476

ردّ الشيخ المظفّر... 477

المطلب الرابع : في أنّه صاحب الحوض ، واللواء و... 481

رد الفضل بن روزبهان... 483

ردّ الشيخ المظفّر... 492

فهرس المحتويات... 575

* * *

ص: 581

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.