نبي الله آدم عليه السلام في بيان صفة خلقه وعلة سجود الملائكة له
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 1
ص: 2
سلسلة الأنبياء في نهج البلاغة (1) نبي الله آدم عليه السلام في بيان صفة خلقه وعلة سجود الملائكة له الجزء الأول
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وآله الطيبين الأخيار.
وبعد:
فهذه سلسلة خاصة بما ورد في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حول بعض الأنبياء عليهم السلام، وقد تناول فيها الإمام جوانب مختلفة من حياتهم
ص: 5
وما ارتبط بمم ابتداءً من آدم عليه السلام، حيث بيّن الإمام علي عليه السلام العلة في خلقه وما رافق هذا الأمر من ابتلاء للملائكة وغير ذلك مما ارتبط بهذه الشخصية.
والحديث في نهج البلاغة عن الأنبياء عليهم السلام لم يكن شاملاً لجميع الأنبياء وإنما اكتفي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بذکر بعض منهم، وهم (آدم وموسى وعيسى وداود ويحي وسليمان والحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ الحيز الأكبر من البيان والتعريف في كلام أمير المؤمنين عليه السلام.
ولذا:
وجدت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم هذا البيان الوارد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في
ص: 6
الشخصيات الربانية ضمن هذه السلسلة مع بیان موجز لما أورده الشرّاح لكتاب نهج البلاغة فضلاً عن رفد هذه الألفاظ الشريفة بما يناسبها من روایات نبوية شريفة عن آل البيت عليهم السلام، بغية الوصول إلى معنى واضح يأخذ بأيادينا وید القارئ الكريم إلى ما يحب الله ويرضى.
السيد نبيل الحسني
رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 7
قال أمير المؤمنين عليه السلام في آدم عليه السلام:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَبِسَ الْعِزَّ وَ الْکِبْرِیَاءَ، وَ اخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُمَا حِمًی وَ حَرَماً عَلَی غَیْرِهِ وَ اصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ وَ جَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَی مَنْ نَازَعَهُ فِیهِمَا مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلاَئِکَتَهُ الْمُقَرَّبِینَ، لِیَمِیزَ الْمُتَوَاضِعِینَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَکْبِرِینَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ، وَ مَحْجُوبَاتِ الْغُیُوبِ:
«...إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ * فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِینَ * فَسَجَدَ الْمَلاٰئِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّٰ إِبْلِیسَ...»(1).
ص: 8
اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِیَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَی آدَمَ بِخَلْقِهِ، وَ تَعَصَّبَ عَلَیْهِ لِأَصْلِهِ، فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِینَ وَ سَلَفُ الْمُسْتَکْبِرِینَ، الَّذِی وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِیَّةِ وَ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِیَّةِ، وَ ادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ وَ خَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ، أَلاَ تَرَوْنَ کَیْفَ صَغَّرَهُ اللَّهُ بِتَکَبُّرِهِ، وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِی الدُّنْیَا مَدْحُوراً، وَ أَعَدَّ لَهُ فِی الْآخِرَةِ سَعِیراً وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ، یَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِیَاؤُهُ وَ یَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ، وَ طِیبٍ یَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ. وَ لَو فَعَلَ لَظَلّت لَهُ الأَعنَاقُ خَاضِعَةً، وَ لَخَفّتِ البَلوَی فِیهِ عَلَی المَلَائِکَةِ وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَبْتَلِی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ، تَمْیِیزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْیاً لِلاِسْتِکْبَارِ عَنْهُمْ، وَ إِبْعَاداً لِلْخُیَلاَءِ مِنْهُمْ»(1).
ومن كلام لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال:
ص: 9
«ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بالمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا باِلبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْها صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاء وَوُصُول وَأَعْضَاء. وَفُصُول أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْت مَعْدُود وَأجَل مَعْلُوم، ثُمَّ نَفَخَ فيِها مِنْ رُوحِهِ، فَمَثُلَتْ إِنْساناً ذَا أَذْهَان يُجیلُهَا، وَفِكَر يَتَصَرَّفُ بِهَا وَجَوَارِحَ یَخْتَدِمُهَا، وَأَدَوَات يُقَلِّبُهَا وَمَعْرِفَة يَفْرُقُ بِهَا بَیْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، والاَذْوَاقِ والمَشَامِّ وَالْاَلوَانِ وَالْاَجْنَاس، مَعْجُوناً بطيِنَةِ الْاَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالاَشْبَاهِ المُؤْتَلِفَةِ وَالْاَضْدَادِ المُتَعَادِيَةِ، والْاَخْلاطِ المُتَبَايِنَةِ مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ، وَالبَلَّةِ وَالْجُمُودِ، وَ اسْتَأْدَی اللّه سُبْحَانَهُ الْمَلائِکَةَ وَدِیعَتَهُ لَدَیْهِمْ، وَعَهْدَ وَصِیَّتِهِ إِلَیْهِمْ فِی الْإِذْعانِ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَالْخُنُوعِ لِتَکْرِمَتِهِ، فَقالَ سُبْحانَهُ:
«اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِیسَ»(1).
ص: 10
اعْتَرَتْهُ الْحَمِیَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَیْهِ الشِّقْوَةُ، وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النّارِ وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصالِ، فَأَعْطَاهُ اللّه النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ، وَاسْتِتْماماً لِلْبَلِیَّةِ وَإِنْجازاً لِلْعِدَةِ، فَقالَ:
«فَإِنَّك مِنَ الْمُنْظَرِینَ * إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»(1).
ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا، عَيْشَهُ وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ، وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ، فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وَبِالْإِغْتِرَارِ نَدَماً. ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ، وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِالَبَلِيَّةِ وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ وَاصْطَفى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدَهِ أَنْبيَاءَ، أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ، وَعَلَى تَبْليغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا
ص: 11
حَقَّهُ واتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ، وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ، مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَآجَال تُفْنِيهمْ وَأَوْصَاب تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَة أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ، رُسُلٌ لاتُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ المُكَذِّبِينَ لَهُمْ، مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى ذْلِكَ نَسَلَتِ القُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً، رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم لِإَنْجَازِ عِدَتِهِ»(1).
ص: 12
وقال عليه السلام أيضاً:
«فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ وَأَنْفَذَ أَمْرَهُ اخْتَارَ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلامُ خِیرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَجَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ وَأَسْکَنَهُ جَنَّتَهُ وَأَرْغَدَ فِیهَا أُکُلَهُ وَأَوْ عَزَ إِلَیْهِ فِیمَا نَهَاهُ عَنْهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِی الإِقْدَامِ عَلَیْهِ التَّعَرَّضَ لِمَعْصِیَتِهِ وَالْمُخَاطَرَهَ بِمَنْزَلَتِهِ فَأَقْدَمَ عَلَی مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاهً لِسَابِقِ عِلْمِهِ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَهِ لِیَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَلِیُقِیمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَی عِبَادِهِ»(1).
وهذا القول الصادر عن أمير المؤمنين ومولی الموحدين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام اشتمل على مجموعة بحوث ومسائل وهي كالآتي:
ص: 13
ص: 14
بيّن عليه السلام في خطبته المعروفة بالقاصعة العلة في خلق الله آدم ببيان جديد غير الذي ورد في تفاسير القرآن الكريم حول قوله عزّ وجل:
«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(1).
فهو هنا يفصل بين الغاية من خلق آدم وهي جعل الخليفة في الأرض وبين العلة في خلقه وهي اختيار الملائكة المقربين كما سیمرّ بیانه.
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال قال تعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري
ص: 15
فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في ناري»(1).
والمعنى أن الكبرياء والعظمة مخصوصان بي کلصوق الرداء والإزار على أجسادكم ومن تكبر فقد أشرك بي بل غصب حقي، وعمدة التكبر، لتكبر على أهل الحق(2).
قال تعالى:
«وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(3).
أي جعل العز والكبرياء له ومحضورا على غيره، فلا يجوز لأحدٍ أن يتكبر ويتعزز لأن المخلوقات لا حول ولا قوة لها، وإنما العز والكبرياء للقادر القاهر الذي بيده ملكوت
ص: 16
السموات والأرض وله الأسماء الحسنى فكيف للمخلوق الضعيف أن يساوي نفسه مع الله.
فالتكبر حرام وهو من الكبائر ولا يجوز للإنسان ذلك، قال الإمام علي عليه السلام:
«فاطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية، وأحقاد الجاهلية، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان، ونخاوته، ونزعاته، ونفثاته، واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم وإلقاء التعزز تحت أقدامكم وخلع التكبر من أعناقكم واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده»(1).
أي اختارهما - العزة والكبرياء - له وجعل العقاب على من نازعه عليهما من جميع
ص: 17
المخلوقات، فهاتان صفتان لا تكونان لمخلوق وإنما لخالق عظيم يستحق أن تكون له العزة والكبرياء العظمته وقدرته على خلق الأشياء والقدرة على كل شيء، يبقى الحلق عباداً متواضعين له، ومتذللين لكبريائه، كونه خالقهم فمن الواجب طاعة العبد لربه، فكل المخلوقات هم عباد الله.
وقال عليه السلام:
«فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِی الْکِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِیهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِیَائِهِ وَ أَوْلِیَائِهِ وَ لَکِنَّهُ سُبْحَانَهُ کَرَّهَ إِلَیْهِمُ التَّکَابُرَ وَ رَضِیَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ»(1).
قال تعالى:
«وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
ص: 18
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»(1).
فقال عليه السلام:
«فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ القُلُوبِ، وَمَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ:
«...إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ»(2).
قال تعالى:
«يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»(3).
وقوله تعالى:
«أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(4).
ص: 19
واستعبد الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم تعظيما له لما غيبه عن أبصارهم وذلك انه عز وجل إنما أمرهم بالسجود لآدم لما أودع صلبه من أرواح حجج الله تعالى ذكره، فكان ذلك السجود الله عز وجل عبودية ولآدم طاعة، ولما في صلبه تعظيما فأبى إبليس أن يسجد لآدم حسدا له إذ جعل في صلبه مستودع أرواح حجج الله دون صلبه فكفر بحسده وتأبيّه، وفسق عن أمر ربه، وطرد عن جواره ولعن وسمي رجيماً لأجل إنكاره للغيبة لأنه احتج في امتناعه عن السجود لآدم بأن قال:
«قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1).
ص: 20
فجحد ما غيب عن بصره ولم يوقع التصديق به، واحتج بالظاهر الذي شاهده وهو جسد آدم عليه السلام وأنكر أن يكون يعلم لما في صلبه وجوداً، ولم يؤمن بأن آدم إنما جعل قبلة للملائكة وأمروا بالسجود له لتعظيم ما في صلبه، فمَثُل من آمن بالقائم عليه السلام في غيبته مثل الملائكة الذين أطاعوا الله في السجود لآدم ومثل من أنكر القائم عليه السلام في غيبته مثل إبليس في امتناعه عن السجود لآدم.
وروي عن الصادق عليه السلام، أنه قال: «إن الله تبارك وتعالى علّم آدم أسماء حجج الله كلها ثم عرضهم - وهم أرواح - على الملائكة فقال انبئوني - بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم أحق بالخلافة في الأرض بتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام قالوا:
«قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ
ص: 21
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»(1).
قال الله تبارك وتعالی:
«يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ»(2).
وقفوا على عظیم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته ثم غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم:
«أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(3).
الحمية العصبية: أي تعصب، قال:
ص: 22
«خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1).
أي كما أن هنالك أئمة الهدى كذلك هنالك أئمة الكفر وإبليس هو إمام العصاة البغات الذين يتكبرون على الله وعلى عباده قوله تعالى:
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(2).
إن إبليس عدو الله وإمام كل متكبر، فمن تبعه حشر معه في الآخرة.
قال عليه السلام:
«فاحذروا - عباد الله - عدو الله - أن يعديكم بدائه وأن يستفزكم بندائه وأن يجلب عليكم بخيله ورجله، فلعمري لقد فوِّق لكم سهم الوعيد، وأغرق لكم بالنزع الشديد، ورماكم من مكان قريب، وقال:
ص: 23
«قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»(1)
قذفا بغيب بعيد»(2).
إن إبليس أول مخلوق تكبّر على الله وهو المنشأ لرذيلة العصبية والافتخار بالأصل التي نعاني منها اليوم، والسلف: المتقدم اليوم(3).
فالكبرياء رداء الله لذا لا يحق لأحد من خلقه أن يتكبر، فمن يفعل ذلك فقد نازع الله، وان إبليس لبس لباس التعزز وأظهر الوجه الحقيقي له
ص: 24
بعد ما كان من العابدين الذين يتذللون لله في العبادة فظهرت حقيقته فعلمت الملائكة أن إبليس ليس منهم ذلك إن الملائكة مطيعة لله.
وجاء في شرح جمج الصباغة للعلامة التستري ما روي (عن الإمام الصادق) عليه السلام:
«إذا خلق الله العبد في أصل الخلقة كافرة لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ فيقرب منه، فابتلاه بالكبر والجبريّة، فقسا قلبه وساء خلقه، وغلظ وجهه وظهر فحشه، وقلّ حياؤه، وكشف الله ستره، وركب المحارم، فلم ينزع عنها، ثمّ ركب معاصي الله وأبغض طاعته ووثب على الناس لا يشبع من الخصومات، فاسألوا الله العافية واطلبوها منه».
وعنه عليه السلام أنه قال:
«أدنى الإلحاد الكبر»)(1).
ص: 25
كان إبليس مع الملائكة وكانت الملائكة تظن أنه منهم فكانت منزلته مثل منزلتهم، فبعد ما تكبر على الله أصبح رجيما مدحورا من رحمة الله؛ قال تعالى:
«اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا»(1).
فهو في الدنيا ملعون وفي الآخرة من الضالين. جاء في شرح بهج الصباغة للعلامة التستري ما روي في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه قال:
«ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها، فإذا تكبر قال له: إتّضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس»(2).
ص: 26
وعنه عليه السلام قال:
«إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر فشكى إلى الله شدة حرّه، وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم»(1).
فلو خلق الله آدم من نور ساطع وجسد يملأ المكان رائحة طيبة لكانت الحجة واضحة عليهم حيث تظهر عظمة آدم عليه السلام، ولكن الله جعل هذه العظمة سراً من أسراره لكي يميز الخبيث من الطيب ويختبر عباده بما يجهلون، أي أن الله اختبر ملائكته بخلق آدم عليه السلام من هذه المادة وهي التراب ليميز منهم من هو مطيع ومن هو عاصٍ.
ص: 27
فلو خلقه من نور لخف الابتلاء على الملائكة لأن النور أقدس الموجودات، قال تعالی:
«نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ»(1).
أي إن الله عز وجل لو أراهم نورانية آدم عليه السلام خضعوا له، قال تعالى:
«إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ»(2).
كما قلنا أن الله لو وضح لهم قدسية آدم عليه السلام وما حباه الله به من کرامات، كونه حجة الله وفيه أسراره حيث وضع في صلبه أقدس
ص: 28
الموجودات وهم محمد وآله الطيبين، فلو علمت الملائكة ذلك لما صعب عليهم الأمر وما سألوا الله بقولهم:
«أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ»(1).
والدليل أن الملائكة عندما عرفوا أنّ آدم عليه السلام حجة الله سجدوا له، ولكن الله عز وجل أراد أن يظهر سرائر خلقه فيميز المطيعين منهم والعاصين له فظهر تكبر إبليس فأبعده عن الملائكة وطرده من رحمة الله، قال تعالى:
«لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»(2).
إذن فالله حبب لعباده التواضع وكره لهم التكبر، لأن التكبر أساس كل خطيئة.
ص: 29
ص: 30
وجاء عنه عليه السلام في بيان صفة خلق آدم عليه السلام أنه قال:
«ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَ سَهْلِهَا، وَ عَذْبِهَا وَ سَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَ لاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ وَ أَعْضَاءٍ، وَ فُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَ أَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَ أَمَدٍ مَعْلُومٍ»(1).
ص: 31
إسناد الجمع إليه تعالى من التوسع في الإسناد من باب بني الأمير المدينة إذا الجمع حقيقة فعل ملك الموت بأمر الله بعد أن اقتضت الحكمة خلقة آدم عليه السلام وجعله خليفة في الأرض.
فقد ورد في اللغة أن: (الحزن - بفتح الحاء - ما صعب من الأرض: ضد السهل؛ والسبخ: ما ملح ضد العذب؛ وسَنَّ الماء: أي صبه؛ والمراد صب عليها أو تنها بمعنی ملسها كما قال: مرمر مسنون؛ وحتى خلصت: أي صارت طينة خالصة)(1).
وقوله: ((حق خلصت) أي صارت طينة خالصة؛ وفي بعض النسخ: حتى خضلت بتقديم الضاد المعجمة على اللام أي ابتلت ولعلها أظهر)(2).
ص: 32
وجاء في تبيان الفصاحة للسيد عباس الموسوي: («سنها بالماء»: أي خلطها ومزجها (حتى خلصت) أي صارت طينة خالصة)(1).
قال السيد ابن طاووس في (كتاب سعد السعود) على ما حکی عنه في (البحار): (وجدت في صحف إدريس نسخة عتيقة أن الأرض عرّفها الله جل جلاله أنه يخلق منها خلقاً فمنهم من يطيعه ومنهم من يعصيه، فاقشعرت الأرض واستعفت إليه وسألته أن لا يأخذ منها من يعصيه ويدخله النار، وأن جبرائيل أتاها ليأخذ عنها طينة آدم عليه السلام فسألته بعزة الله أن لا يأخذ منها شيئا حتى يتضرع إلى الله تعالى وتضرعت فأمره الله تعالى بالانصراف عنها.
فأمر الله میکائیل فاقشعرت وتضرعت
ص: 33
وسألت فأمره الله بالانصراف عنها.
فأمر الله تعالى إسرافيل بذلك فاقشعرت وسألت وتضرعت فأمره الله بالانصراف عنها.
فأمر عزرائيل فاقشعرت وتضرعت فقال: قد أمرني ربي بأمر أنا ماض سرَّكِ ذاك أم ساءك فقبض منها كما أمره الله ثم صعد بها إلى موقفه فقال الله له: كما وليت قبضها من الأرض وهو کاره كذلك تلي قبض أرواح كل من عليها، وكلما قضيت عليه الموت من اليوم إلى يوم القيامة.
ومضمون هذه الرواية مطابق لأخبار أهل البيت عليهم السلام فإن الموجود فيها أيضا أن القابض هو عزرائيل وانه قبض «من حزن الارض وسهلها وعذبها وسبخها» أي من غليظها ولينها وطيبها ومالحها، وهذه إشارة إلى القبضة المأخوذة
ص: 34
من غير محل واحد من وجه الأرض ويوافقه سائر الأخبار، ولعل هذا هو السر في تفاوت أنواع الخلق لاستناده إلى اختلاف المواد وفي بعض الأخبار إنها أخذت من أديم الأرض أي من وجهها ومنه سمي آدم والمراد أنه سبحانه أجمع من أجزاء الأرض المختلفة)(1).
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
«سمّي آدم عليه السلام آدم لأنه خلق من أديم الأرض وذلك أن الله تعالى بعث جبرائيل عليه السلام وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربعة طينات طينة بيضاء، وطينة حمراء، وطينة غبراء، وطينة سوداء؛ وذلك من سهلها، وحزنها؛ ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن، ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين وأدمه الله بيده فلم يفضل شيء من
ص: 35
الطين يحتاج إلى الماء ولا من الماء شيء يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينه، وجعل الماء المرفي أذنه، وجعل الماء المنتن في أنفه»(1).
هنا إشارة إلى أن الإنسان كأمه الأرض يجمع في استعداده وغرائزه بين المتناقضات والمفارقات كالطيب والخبيث، والأسود والأبيض، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«خلق ادم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على مثل الأرض منهم الأسود والأبيض والأحمر وما بين ذلك»(2).
ولاطها: أي خلطها وعجنها؛ أو هو من الاط الحوض بالطين ملطه وطينه به. والبلة: بالفتح من
ص: 36
البلل. ولَزُبَ الطين: كَكَرُمَ، أي تداخل بعضه في بعض وصلب أو لزق، ومن باب نصر بمعنى التصق وثبت واشتد)(1).
قوله تعالى: «من طين لازب»(2).
وجاء في تبيان الفصاحة للسيد عباس الموسوي: (البلة): أي الرطوبة، و (حتى لزبت): أي اشتدت).
ومزجها مزجا جيدا حتى اشتدت واستمسكت وإنما خلقها من هذه العناصر المختلفة ليكون فيها استعداد للخير والشر والحسن والقبيح(3) حيث يشير هذا المعنى إلى قوله تعالی:
«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ»(4).
ص: 37
روي عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«إن الله عز وجل خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكافر من طينة النار»(1).
وقال:
« إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره»(2).
قال وسمعته يقول:
«الطينات ثلاث: طينة الأنبياء، والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم من صفوتها، هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع من طين لازب، كذلك لا يفرق الله عز وجل بينهم وبين شيعتهم»(3).
ص: 38
وقال:
«طينة الناصب من حمأٍ مسنون وأما المستضعفون فمن تراب لا يتحول مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشيئة فيهم»(1).
وعن إبراهيم عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:
«إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام بعث جبرائيل عليه السلام في أول ساعة من يوم الجمعة، فقبض بيمينه قبضة، بلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، وأخذ من كل سماء تربة، وقبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى فأمر الله عز وجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله ففلق الطين فلقتين، فذرا من الأرض ذرواً ومن السموات ذرواً فقال للذي بيمينه: منك الرسل والأنبياء
ص: 39
والأوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن أريد کرامته، فوجب لهم ما قال كما قال، وقال للذي بشماله منك الجبارون المشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته فوجب لهم ما قال كما قال، ثم أن الطينتين خلطتا جميعاً وذلك قول الله عز وجل:
«إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»(1).
فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير وإنما سمي النوى من أجل انه نأى عن كل خير وتباعد عنه، وقال الله عز وجل:
«يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ»(2).
فالحي المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر والميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن، والميت الكافر وذلك قوله
ص: 40
عز وجل:
«أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ»(1).
فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكانت حياته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته، كذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور وذلك قوله عز وجل:
«لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ»(2).(3)
جاء في كتاب (في ظلال نهج البلاغة للشيخ محمد جواد مغنية): قال البعض أراد الله سبحانه أن يعلّم الناس الرويّة والأناة وعدم الاستعجال في
ص: 41
أمورهم، أما نحن فنظن أنه تعالی أراد أن يعلم الناس أنهم في الخلق سواء لا فرق بين أبيض وأسود وكما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
«كلكم من آدم وآدم من تراب»(1).
وان يعتبروا بقدرة الله التي خلقت من المادة الصماء إنساناً عاقلاً يفعل الأعاجيب ويومى(2) ويشير إلى ذلك قوله تعالی:
«أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ»(3).
وأيضاً أن يستدل الإنسان على النشأة الثانية بالأولى كما تشير الآية:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ»(4).
ص: 42
وقال الإمام عليه السلام:
«عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الاولى»(1).
وعلى أية حال فإن الأرض هي البيئة الطبيعية للإنسان ومصدر حياته وفيها يتعرف على خالقه ويعبده(2).
ضمير منها يعود إلى التربة، والمراد من الصورة صورة آدم عليه السلام قوله تعالی:
ص: 43
«وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ»(1).
وفي جسم الإنسان أجزاء کالرأس واليدين والصدر والرجلين وإليها أشار بكلمة أعضاء وفيه أضلاع، وإليها أشار بالأحناء، وفيه مفاصل، وهي ملتقى العظام ولولاها لعجز الإنسان عن الحركة، وقد عبّر الإمام عنها بالفصول، وفيه عصب يشد الأعضاء بعضها إلى بعض وهو المقصود من كلمة (وصول) من الوصل(2).
وقال السيد محمد الشيرازي رحمه الله (فصول) لعل المراد منها الأحوال المختلفة كفصل الشباب وفصل الهرم، والمراد ما هو أعظم من العضو الرأس فصل، بينما العين في الرأس عضو وهكذا(3).
جاء في شرح جمج الصباغة للعلامة
ص: 44
التستري: «فجبل منها صورة» قال ابن أبي الحديد: قال الرواندي: أي خلق خلقا عظيما، واعترض عليه بأن (جَبَلَ) بمعنى خلق سواء كان عظيما أم غير عظيم، وعلق على الرأيين العلامة التستري أن جبل، وذرأ، وأنشأ كلها بمعنى: خلق إلا أن لكل منها خصوصية لا يصح استعمال أحدها في موضع الآخر. فإن ذرأ معناه: خلق متکثر منتشر؛ قال تعالى:
«يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ...»(1).
وأنشأ معناه خلقٌ حادث جديد؛ قال تعالى:
«هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ»(2).
وجَبَل معناه: خلق غليظ؛ قال الجوهري:
يقال للرجل إذا كان غليظاً: إنه لذو جبلة، وامرأة
ص: 45
مجبال، أي: غليظة الخلق، وشيء جَبِل بکسر الباء، أي: غليظ جاف.
ويقال: أجبل الشاعر، إذا صعب عليه القول، فكأنه بلغ المكان الغليظ، وأجبل الحافر إذا بلغ المكان الصلب.
وقال الزمخشري: ناقة جبلة السنام تامته، رجل جبل الوجه، وجبل الرأس: غليظهما وسيف جبل ومجبال: لم يرقّق، قال الشاعر:
أ فی الحديدةِ لا نابٌ ولا جبلٌ *** وسألناهم فاجبلوا إذا لم ينولوا
قال الكميت:
فبان وأبقى لنا من بنيه *** لهاميم سادوا ولم يجبلوا(1)
ص: 46
بعد أن صار الماء والتراب طيناً جمداً وتماسكت أجزاؤه، وأصبح جسماً واحداً، يابساً متيناً، إذ هبت عليه الريح سمع له صلصلة، وأسند جمود الطين وصلصلته إلى الله، لأنه هو الذي خلق التراب والماء، ومزجهما حتى صارا طينا، وبهذه الأطوار الأربعة تمّ الجسم وكمل، ومع هذا أبقاه الله سبحانه بلا روح إلى أمد معين، لأن حكمته تعالی قضت أن يكون لكل أجل كتاب(1).
وجاء في كتاب منهاج البراعة: أي جعلها جامدة بعدما كانت طينة لينة حتى صار لها استمساك وقوام وجعلها صلبة متينة حتى صارت صلصالا يابسا يسمع له عند النقر صوت كصلصلة الحديد(2).
وقال أبو عبده (الصلصال) الطين الحر خلط
ص: 47
بالرمل فصار يتصلصل إذا جف، فإذا أصبح في النار فهو الفخار(1).
وقال تعالى:
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ»(2).
الإنسان آدم الصلصال الطين اليابس تسمع له عند النقر صلصلة أي صوت وقيل طين صلب يخالطه الكثب وقيل منتن من حمأ أي من طين متغير (مسنون) أي مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة كما يصب الذهب والفضة وقيل أنه الرطب وقيل عن سيبويه قال أخذ منه سنة الوجه(3).
قال تعالى:
ص: 48
«هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا»(1).
جاء في منهاج البراعة ما نقل من (مجمع البيان) وقد كان شيئاً إلا أنه لم يكن شيئاً مذكوراً لأنه كان تراباً وطيناً إلى أن نفخ فيه الروح وقيل أنه أتي على آدم أربعون سنة لم يكن شيئاً مذكوراً لا في السماء ولا في الأرض لأنه كان جسداً ملقىً من طين قبل أن ينفخ فيه الروح.
وروي عن عطاء عن ابن عباس: أنه تم خلقه بعد عشرين ومائة سنة وعن بعض الصحف السماوية أن طينة آدم عليه السلام عجنت أربعين سنة ثم جعلت لازباً، ثم جعلت حمأً مسنوناً أربعين سنة ثم جعلت صلصالاً كالفخار أربعين سنة ثم جعلت جسدا ملقىً على طريق الملائكة أربعين
ص: 49
سنة ونفخ فيها من روحه بعد تلك المدة(1).
قال الشيرازي رحمه الله: (الوقت المعلوم) هو الوقت الذي ينفخ فيه الروح، (وأمد معلوم) الأمد المدة من الزمان باعتبار الامتداد(2).
وقال الشيخ الصدوق: (ويوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى والثانية)(3).
ص: 50
ص: 51
ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ، فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وَ فِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَ أَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ الْأَذْوَاقِ وَ الْمَشَامِّ وَ الْأَلْوَانِ وَ الْأَجْنَاسِ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَ الْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَ الْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ، وَ الْأَخْلاَطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ، وَ الْبَلَّةِ وَ الْجُمُودِ(1).
نسب تعالى الروح إلى نفسه دلالة على شرف الإنسان، قال تعالى:
ص: 52
«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»(1).
وقال الشيخ محمد مغنية: واختلفوا في معنى الروح وبصرف النظر عن التي نفخها سبحانه في آدم أو مريم، فمنهم من قال: إن الله سبحانه حجب علمها عن العباد فلا ينبغي الحديث عنها بحال لقوله تعالی:
«قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي»(2).
وقال آخر: هي على هيئة الإنسان، لها رأس ویدان وبطن ورجلان، ولكنها ليست إنساناً! وقال ثالث: هي نور لطيف وهواء خفيف. ونقل عن فلاسفة اليونان أهم يفرّقون بين العقل والروح والنفس، فالعقل أرفع وأشرف من الروح، وهي أشرف من النفس.
ص: 53
وللروح في لغة القران معانٍ منها:
أولا: الرحمة:
«لا تيأسوا من روح الله»(1).
ثانيا: جبرائیل:
«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ»(2).
ثالثا: القرآن:
«وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا»(3).
والقاسم المشترك المعنى الروح هو كل ما يحيا به الشيء مادياً ومعنوياً.
أما المراد بالروح التي نفخها سبحانه في آدم فهي الحياة .. حتى لو كان للروح ألف معنى ومعنى، لان الحديث في كلام الإمام عليه السلام وفي قوله تعالی:
ص: 54
«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»(1).
مساق عن جسد آدم الذي بقي جامداً بلا روح لوقت معدود، وأمد معلوم.. ومثلها تماماً الروح التي نفخها في مريم، كما في قوله تعالی:
«فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا»(2).
أي أنه تعالى خلق جنيناً في رحم مريم بلا تلقيح(3).
وقال السيد حبيب الله الخوئي: (بقي الكلام في إفاضة الروح إليه سبحانه فنقول أن الإفاضة من باب التشريف والإكرام، روي في (الكافي) بإسناده عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عن قوله تعالی:
«وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي»(4)، کَیفَ هَذَا
ص: 55
اَلنَّفْخُ فَقَالَ إِنَّ اَلرُّوحَ مُتَحَرِّكٌ کَالرِّیحِ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ رُوحاً لِأَنَّهُ اُشْتُقَّ اِسْمُهُ مِنَ اَلرِّیحِ وَ إِنَّمَا أَخْرَجَهُ عَلَی لَفْظَةِ اَلرُّوحِ لِأَنَّ اَلرُّوحَ مُجَانِسٌ لِلرِّیحِ وَ إِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَی نَفْسِهِ لِأَنَّهُ اِصْطَفَاهُ عَلَی سَائِرِ اَلْأَرْوَاحِ کَمَا اِصْطَفَی بَیْتاً مِنَ اَلْبُیُوتِ فَقَالَ بَیْتِی وَ قَالَ لِرَسُولٍ مِنَ اَلرُّسُلِ خَلِیلِی وَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ وَ کُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مُحْدَثٌ مَرْبُوبٌ مُدَبَّرٌ»(1))(2).
فعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عن قوله تعالى: «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» قال عليه السلام:
«روح اختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافة إلى نفسه وفضّله على جميع الأرواح فأمر فنفخ منه في آدم»(3).
ص: 56
وروي عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
«إن الله سبحانه وتعالى أحد صمد ليس له جوف، وإنما الروح خلق من خلقه، نصر وتأييد وقوة يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين»(1).
وجاء عن اليقطيني قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عن قوله عز وجل:
«وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ»(2).
فقال عليه السلام:
«ذلك تعبير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه ألا ترى إنه تعالى قال:
«وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(3).
ص: 57
إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ثم نزّه عز وجل نفسه عن القبضة واليمين وقال سبحانه وتعالى: «عَمَّا يُشْرِكُونَ»(1)»(2).
عن ابن أذينة عن الأحوال قال: سألت أبا عبد الله عن الروح التي في ادم عليه السلام في قوله تعالى:
«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي».
قال:
«هذه روح مخلوقة والروح التي في عيسى مخلوقة»(3).
قال الإمام علي عليه السلام:
«فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وَ فِكَرٍ يَتَصَرَّفُ
ص: 58
بِهَا وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَ أَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ الْأَذْوَاقِ وَ الْمَشَامِّ وَ الْأَلْوَانِ وَ الْأَجْنَاسِ».
اشتمل هذا الكلام على مفردات وهي: (أذهان، وفكر، وجوارح) وقيل في معناها:
(أذهان: جمع ذهن أي الفهم، - وفكر - بكسر الفاء وفتح الكاف - جمع فكر - بسكون الكاف - وهو النظر في الشيء. وجوارح: جمع جارحة: وهو العضو الذي يستعمله الإنسان في شؤونه والأذواق: جمع ذوق، ويكون باللسان والفرج، ويطلق أيضا على الطبع)(1).
إن الإنسان العاقل الذي خلقه الله على الفطرة لا يعمل عملاً إلا بعد فكر وإمعان في الأمر، فيبتعد عن الأشياء الخطرة لأن الله خلق له
ص: 59
أدوات النظر والسمع وسائر الأعضاء التي من خلالهما يميز الأشياء التي تنفعه والتي تضره، فهذه الجوارح يجعلها في خدمته، ومصدر هذه الحواس هو العقل وهو الحاكم عليها كما ورد في كتاب مرآة العقول عن المجلسي بإسناده عن يونس بن يعقوب، قال: كان عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين و محمّد ابن النّعمان وهشام بن سالم والطيار وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
«يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟»
فقال هشام: یابن رسول الله إنّي أجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله عليه السّلام:
ص: 60
«إذا أمرتكم بشيء فافعلوا».
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملّة سوداء متّزر بها من صوف وشملّة مرتد بها والنّاس يسألونه فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي، ثم قلت: أيّها العالّم، إنّي رجل غريب أتأذن لي لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عين؟ فقال لي: يا بنيّ أيّ شيء تريد من هذا السؤال وشيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي فقال: يا بنيّ سل وإن كانت مسألتك حمقاء، قلت: أجبني فيها، قال لي: سل، قلت: ألك عين؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟
ص: 61
قال: أرى بها الألوان والأشخاص، قلت: فَلَكَ أنف؟، قال: نعم، قلت : فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة، قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق -ه الطعم، قلت: فلك أذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت، قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميّز به كلما ورد على هذه الجوارح و الحواس، قلت: أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال: يا بنّي إنّ الجوارح إذا شكت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب فيستبين اليقين ويبطل الشّك.
قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم، قلت: لا بدّ من
ص: 62
القلب وإلاّ لم يستيقن الجوارح؟ قال: نعم، فقلت له: يا أبا مروان فإنّ الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّ لها الصحيح ويتيقن به ما شككت فيه ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك؟
قال: فسكت ولم يقل لي شيئا، ثمّ التفت إليّ فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، فقال: أمن جلسائه؟ قلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: فأنت إذا هو، ثمّ ضمّني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت، قال: فضحك أبو هو عبد الله الله عليه السّلام فقال:
«یا هشام من علمك هذا؟»
ص: 63
قلت: شيء أخذته منك وألفته، فقال عليه السلام:
«هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم و موسی»(1).
روي في (العيون) عن ابن السكيت أنه قال للرضا عليه السلام بعد سؤاله عن وجه اختلاف معجزات موسى وعيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال عليه السلام:
«العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه».
فقال ابن السكيت: هذا والله الجواب(2).
أعطى الله للإنسان نعماً كثيرة منها الذوق
ص: 64
فيعرف به الطعم الحلو من المر وأعطاه الشم ليميز به الريح الطيب عن الخبيث وأعطاه النظر ليميز به طريقه ويبتعد عن المضار ويميز بين الألوان، فالله خلق الإنسان بأكمل وجه وأتم خلق والإنسان هو أعظم مخلوقات الله والدليل على ذلك هو نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأئمتنا الأطهار عليهم السلام، قال تعالى:
«إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ»(1).
أما (الأجناس) قال السيد الشيرازي: (والمراد من الأجناس كالعربي، والتركي، والفارسي، وقال البعض أنه مطلق الأمور الكلية لا الجنس المصطلح في علم المنطق والكلام)(2).
ص: 65
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَ الْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَ الْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ، وَ الْأَخْلاَطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ، وَ الْبَلَّةِ وَ الْجُمُودِ
والمراد بالألوان الأولى الأعراض كالسواد والصفار، وبالثانية الأحوال كالحر والبرد، والمساءة والمسرة، والأخلاط الأصناف المختلطة(1).
(بطينة الالوان المختلفة) روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله بعد أن سأله عبد الله بن سلام أن آدم خلق من الطين كله أو من طينة واحدة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«من الطين كله، ولو خلق من طين واحد لما عرف ص: 66
الناس بعضهم بعضا وكانوا على صورة واحدة».
قال: فلهم في الدنيا مثل؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر وفيه أغبر وفيه أحمر وفيه أزرق وفيه عذب وفيه مالح وفيه خشن وفيه لين وفيه أصهب فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن وفيهم أبيض وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التراب»(1).
قال الشيخ محمد مغنية: (يشير الإمام بهذا أن في طبيعة الإنسان ومزاجه قوى عناصر منها ما ينسجم بعضها مع بع-ض كانسجام العلم مع الحلم، والصدق مع الوفاء، وكانسجام الجبن مع البخل، والكذب مع الرياء، ومنها ما يختلف بعضها مع الآخر كاختلاف الرضا والغضب، والضحك والبكاء، والحفظ والنسيان، وغير ذلك
ص: 67
وكلها لخير الإنسان ومصلحته وبقائه واستمراره ولو نقصت منه صفة واحدة لاختل توازن الإنسان ولم ينتفع بشي.
ونضرب لذلك مثلاً واحداً أنّه لولا النسيان لتراكمت الهموم على الإنسان ولم يستمتع بشيء ولانتهت حياته في أمد قصير، ولولا الحفظ لأنسدّ باب العلم بشتى أنواعه بل ولم يهتدِ الإنسان إلى أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، وإذا خرج من بيته استحال أن يعود إليه؛ وهكذا سائر الصفات المتباعدة منها والمتقاربة.. وكلها تجري على نظام مشترك، وقدر جامع، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على وحدة الخالق والمدبر الذي لا إله إلا هو، قال تعالى:
«قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا»(1))(2).
ص: 68
جاء في شرح بهج الصباغة للعلامة التستري..: (قال الناظم: الدليل على الصانع إنا رأينا أشياءً متضادة من شأنها التنافي والتباين والتفاسد مجموعة، وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة المجتمعة في كل حيوان، وفي أكثر سائر الأجسام، فعلمنا أن جامعها قسرها على الاجتماع ولولا ذلك لتباينت وتفاسدت، ولو جاز أن تجتمع المتضادات المتناثرات، وتتقاوم من غير جامع جمعها، لجاز أن يجتمع الماء والنار ويتقاوما من ذاتهما، بغير جامع مدبر مقيم يقيمهما، وهذا محال.
هذا، وقال المبرد: دخلت على الجاحظ في آخر أيامه وهو عليل فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج ولو نشر بالمناشير لما أحس به، ونصف الآخر منقرس لو
ص: 69
طار الذباب بقربه لآلمه.
وقال الجاحظ لمتطبب يشكو إليه علته: قد اصطلحت الأضداد على جسدي إن أكلت بارداً أخذ برجلي، وإن أكلت حاراً أخذ برأسي)(1).
حدثنا عبد الله بن بن الفضل الهاشمي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة جعل الله عز وجل الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الأعلى في أرفع محمل؟ فقال عليه السلام:
«إن الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متى ما تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عز وجل، فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدّر لها في ابتداء التقدير نظرا لها ورحمة بها وأحوج بعضها إلى بعض وعلق بعضها على
ص: 70
بعض ورفع بعضها على بعض في الدنيا ورفع بعضها فوق بعض درجات في الآخرة وكفى بعضها ببعض وبعث إليهم رسله واتخذ عليهم حججه مبشرين ومنذرين يأمرون بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودهم بالأنواع التي تعبدهم بها، ونصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات في الأجل ومثوبات في العاجل ومثوبات في الأجل ليرغّبهم بذلك في الخير ويزيدهم في الشر وليد بهم بطلب المعاش والمكاسب فيعملوا بذلك إنهم بها مربوبون وعباد مخلوقون ويقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الأبد وجنة الخلد ويأمنوا من الفزع إلى ما ليس لهم بحق».
ثم قال عليه السلام:
«يا بن الفضل، إن الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم، ألا ترى انك لا ترى فيهم إلا محبا للعلو على غيره حتى يكون منهم لمن قد نزع إلى دعوى الربوبية، ومنهم من قد نزع إلى دعوى النبوة
ص: 71
بغير حقها، ومنهم من قد نزع إلى دعوى الإمامة بغير حقها وذلك مع ما يرون في أنفسهم من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام المناوبة عليهم والموت الغالب لهم والقاهر لجمعهم، يا بن الفضل: إن الله تبارك وتعالى لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون»(1).
ما هي العلة التي من أجلها خلق الله آدم عليه السلام من غير أب وأم - وخلق عيسى بن مريم عليهما السلام من غير أب وخلق سائر الخلق من أم وأب؟
سُئل الامام الصادق عليه السلام عن العلة في خلق آدم من غير أب وأم، فأجاب كما في
ص: 72
الرواية: عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة خلق الله عز وجل آدم من غير أب وأم وخلق عيسى من غير أب وخلق سائر الناس من الآباء والأمهات؟ فقال عليه السلام:
«ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها، ويعلموا أنه قادر على أن يخلق خلقا " من أنثى من غير ذكر، كما هو قادر على أن يخلقه من غير ذكر ولا أنثى، وأنه عز وجل فعل ذلك لِيُعلم أنه على كل شيء قدير»(1).
قال تعالى:
«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2).
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
ص: 73
«إن الله عجن طينتنا وطينة شيعتنا فخلطنا بهم وخلطهم بنا فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حنَّ إلينا فأنتم والله منا»(1).
محبيهم وعنه عليه السلام قال:
«إن الله عز وجل خلقنا من عليين وخلق محبينا من دون ما خلقنا منه وخلق عدونا من سجين وخلق مما خلقهم منه فلذلك يهوي كل إلى كل»(2).
فمن هاتين الروايتين وغيرهما نستدل أن كل إنسان يختار مصيره في الانتماء لمن يحب فإن الله قد خيّر البشر فخيّرهم بين الخير والشر والحق والباطل وكذلك خيرهم بين الجنة والنار وجعل السبيل إليهما من خلال أعمالهم، وحتى الطينة التي خلق منها فمنهم من هوى طينة الصالحين ومنهم من
ص: 74
هوى طينة الفاسقين فكل إنسان يحب قرينه.
قال تعالى:
«كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»(1).
وروي عن فضيل بن الزبير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«يا فضيل أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّا أهل بيت خلقنا من عليين وخلق قلوبنا من الذي خلقنا منه وخلق شيعتنا من أسفل من ذلك وخلق قلوب شيعتنا منه؛ وأن عدونا خلقوا من سجين وخلق قلوبهم من الذي خلقوا منه وخلق شيعتهم من أسفل من ذلك وخلق قلوب شيعتهم مما خلقوا منه فهل يستطيع أحد من أهل عليين أن يكون من أهل سجين وهل يستطيع أهل سجين أن يكونوا من أهل علين»(2).
ص: 75
1. القرآن الكريم.
2. نهج البلاغة تحقيق محمد عبده / طبعة جديدة / منقحة مصححة مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع.
3. مستدرك الوسائل، المؤلف ميرزا حسين النوري الطبرسي ج 12 / تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث / سنة الطبع 1408 1988 م / مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث - بيروت - لبنان.
4. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه
ص: 76
/ المؤلف محمد تقي المجلسي، ج 4 المتوفى 1070 / تحقيق نمقه وعلق عليه واشرف على طبعه السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه الاشتهاردي.
5. كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق المتوفى 381 / صححه وقدمه العلامة الشيخ حسين الاعلمي / منشورات مؤسسة الاعلمي بيروت - لبنان.
6. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة لعلامة الشيخ محمد تقي التستري / مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان.
7. في ظلال نهج البلاغة / شرح الشيخ محمد جواد مغنية / منشورات الرضا.
8. تبيان الفصاحة في شرح نهج البلاغة للسيد عباس علي الموسوي / مركز الغدير للدراسات والنشر والتوزيع.
9. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة العلامة
ص: 77
المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي 1261 ه - 1324 ه دار المحجة البيضاء.
10. مرآة العقول في شرح اخبار الرسول شرح كتاب الكافي للكليني تأليف العلامة الحجة فخر الأمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي قدس سره، 1111 ه، تحقيق الشيخ مصطفى صبحي الخضر / تصحيح علاء الأعلمي / شركة الأعلمي للمطبوعات.
11. تفسير مجمع البيان / الشيخ البرسي الوفاة 548 / تحقيق وتعلقي لجنة من العلماء والمحققين 1415 ه 1995 م - الناشر مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
12. علل الشرائع للشيخ الصدوق المتوفى 381 ه مؤسسة الاعلمي / الجزء الأول والثاني.
13. الصحاح المؤلف الجوهري الجزء الخامس الوفاة 393 / المجموعة علوم اللغة العربية / الطبعة الرابعة / سنة الطبع 1407 - 1987 م / نشر دار العلم
ص: 78
- بيروت - لبنان.
14. الكافي / الشيخ الكليني الوفاة 329 ه / تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري / الطبعة الخامسة / سنة الطبع 1363 / المطبعة الحيدري / نشر دار الكتاب الاسلامية - طهران.
15. بحار الانوار الجامعة لاخبار الائمة الاطهار / تأليف العلامة الحجة فخر الأمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي طبعه منقحه بتعاليق العلامة الشيخ علي النمازي الشاهرودي / منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
16. بصائر الدرجات للثقة الجليل المحدث النبيل شيخ القميين / ابو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المتوفى سنة 290 ه من اصحاب الامام الحسن العسكري عليه السلام / منشورات شركة الاعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
17. عيون اخبار الرضا عليه السلام للشيخ
ص: 79
الصدوق المتوفى 381 ه / صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الأعلمي / منشورات الأعلمي، بيروت - لبنان.
ص: 80
مقدمة المؤسسة...5
المبحث الأول العلة في امتحان الملائكة قبل خلق آدم عليه السلام
أولاً - قال عليه السلام: الحَمدُ لله الَّذِي لَبسَ العِزَّ والكِبريَاءَ، واختَارَهُمَا لِنَفسِه دُونَ خَلقِه...15
ثانياً - قال عليه السلام: واصطَفَاهُمَا لِجَلَالِه وجَعَلَ اللَّعنَةَ عَلَى مَن نَازَعَه فِيهمَا مِن عِبَادِه...17
ثالثاً - قال عليه السلام: ثُمَّ اختَبَرَ بِذَلِكَ مَلَائِكَتَه المُقَرَّبينَ، لِيَميِزَ المُتَوَاضِعِينَ مِنهُم مِنَ المُستَكبِرينَ...18
رابعاً - قال عليه السلام: السر في أمره تعالى الملائكة بالسجود أدم عليه السلام...20
خامسا - قال عليه السلام: اعتَرَضَته الحَمِيَّةُ فَافتَخَرَ عَلَى آدَمَ بخَلقِه، وتَعَصَّبَ عَلَيه لأصلِه، فَعَدُوُّ الله إمَامُ المُتَعَصِّبينَ...22
سادساً - قال عليه السلام: وسَلَفُ المُستَكبرينَ، الَّذي وَضَعَ
ص: 81
أسَاسَ العَصَبيَّةِ، ونَازَعَ الله ردَاءَ الجَبريَّةِ، وادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّز وخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ...24
سابعاً - قال عليه السلام: أَلَا تَرَونَ كَيفَ صَغَّرَه الله بتَكَبُّره، ووَضَعَه بتَرَفُّعِه فَجَعَلَه فِي الدُّنيَا مَدحُوراً، وأعَدَّ لَه فِي الآخِرَةِ سَعِيراً...26
ثامناً - عليه السلام: ولَو أرَادَ الله أن يَخلُقَ آدَمَ مِن نُورِ، يَخطَفُ الأبصَارَ ضِيَاؤُه ويَبهَرُ العُقُولَ رُوَاؤُه، وطِيبِ يَأخُذُ الأنفَاسَ عَرفُه لَفَعَلَ، ولَو فَعَلَ لَظَلَّت لَه الأعنَاقُ خَاضِعَةً...27
تاسعاً - قال عليه السلام: ولَخَفَّتِ البَلوَى فيه عَلَى المَلَائِكَة ولَكِنَّ الله سُبحَانَه يَبتَلِي خَلقَه ببَعضِ مَا يَجهَلُونَ أصلَه، تَمييزاً بالاِختِبَار لَهُم ونَفياً لِلاِستِكبَار عَنهُم، وإبعَاداً لِلخُيَلَاءِ مِنهُم...28
المبحث الثاني بيان صفة خُلِق آدم عليه السلام
المسالة الأولى: الطينة التي خلق منها آدم علیه السلام...31
أولاً - قال عليه السلام، «ثُمَّ جَمَعَ سُبحَانَه مِن حَزنِ الأَرضِ وسَهلِهَا، وعَذبِهَا وسَبَخِهَا، تُربَةً سَنهَا بِالمَاءِ حَتَّى خَلَصَت»...31
ثانياً - سبب تسمية نبي الله آدم عليه السلام بآدم...35
ثالثاً - ولاَطَهَا بِالبَلَّةِ حَتَّى لَزبَت...36
رابعاً - اختلاف طينة المؤمن عن طينة الكافر...38
خامساً - السبب في خلق الله الإنسان من تراب...41
المسالة الثانية: الصورة التي خُلِق عليها آدم عليه السلام...43
أولاً - قال عليه السلام: فَجَبَلَ مِنهَا صُورَةَ ذَاتَ أَحنَاءٍ ووُصُولٍ
ص: 82
وأَعضَاءٍ، وفُصُولٍ أجمَدَهَا حَتَّى استمسَكَت، وأَصلَدَهَا حَتَّى صَلصَلَت، لِوَقتٍ مَعدُودٍ وأَمَدٍ مَعلُومٍ...43
ثانياً - أَجمَدَهَا حَتَّى استمسَكَت، وأَصلَدَهَا حَتَّى صَلصَلَت...46
ثالثاً - لِوَقتٍ مَعدُودٍ وأَمَدٍ مَعلُومٍ...48
المبحث الثالث بث الروح في الطينة واختلاف الألوان والأضداد
المسالة الأولى: نفخ الروح في آدم عليه السلام...52
المادة الثانية: الأذهان والفكر والجوارح...58
المسالة الثالثة: الاختلاف في الألوان والأضداد والأخلاط في خلق الإنسان وخُلقه...66
المسالة الرابعة: لماذا جعل الله الأرواح في الأبدان...70
أولاً: علة خلق آدم من غير أب وأم...72
ثانياً - الحنين إلى طينة الأصل...7.
ص: 83