تحفة العالم فی شرح خطبة المعالم المجلد 2

هویة الکتاب

اسم الکتاب: تحفة العالم فی شرح خطبة المعالم (المجلد الثانی)

المؤلف: آیة الله السید جعفر بحرالعلوم قدس سره

تحقیق: أحمد علی مجید الحلی

الطبعة: الاولی ، 1433 ﻫ-ق

حقوق الطبه المحفوظة

مرکز تراث السید بحرالعلوم قدس سره

العراق - النجف الأشرف - حی الغدیر

خلف فندق النجف السیاحی

نقال: 33367534 - 0964 / 7808726339 - 00964

الموقع: www.bahrululoom.org

طبع علی مطابع

شرکة الاعلم للمطبوعات

بیروت - طریق المطار - قرب سنتر زعرور

هاتف: 450426 / 01 - فاکس: 450427 / 01

Published by Aalami Est.

Beirut Airport Road

Tel: 01/45026 --- Fax: 01/450427

فرع الثانی: العراق - کربلاء المقدسة - شارع السدرة - موبایل: 07801561980

ص: 1

اشارة

مرکز تراث السید بحرالعلوم

تحفة العالم فی شرح خطبة المعالم

تألیف: آیة الله السید جعفر بحرالعلوم

(1289-1377)

تحقیق

أحمد علی مجید الحلی

المجلد الثانی

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

المقام الرابع في الإمام علي بن الحسين عليه السلام

اشارة

قال ابن خَلّكان : (هو أحد الأئمّة الاثني عشر ، وكان من سادات التابعين).

قال الزهري : (ما رأيت قرشياً أفضل منه ، إلى أن قال : وكان يقال لزين العابدین : ابن الخيرتين ؛ لقوله صلى الله عليه وآله : «لله تعالى من عباده خیرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس») ، انتهى (1).

في عبادته عليه السلام

وقال في الصواعق : (وزين العابدين هذا : هو الَّذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة ، وكان إذا توضّأ للصلاة أصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك؟ فقال : ألا تدرون بین يدي من أقف.

قال : وحُكي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة) ، انتهى (2).

وفي ربيع الأبرار للزمخشري : (أنه عليه السلام لمّا غسّلوه وجدوا على ظهره مجلاً (3) ؛ ممَّا كان يستقي لضعفة جيرانه في الليل ، وممّا كان يحمل إلى بيوت المساكين في جرب الطعام) ، انتهى (4).

وقال الجاحظ في رسالته التي في فضائل بني هاشم : (لم أجد أحداً يتماری في تفضيله ويشك في تقديمه) (5).

ص: 5


1- وفيات الأعيان 3 : 265 رقم 422 ، الوافي بالوفيات 20 : 230 رقم 321.
2- الصواعق المحرقة : 200.
3- يقال : مجلت يده تمجل مجلا ، ومجلت تمجل مجلا ، إذا ثخن جلدها وتعجر ، وظهر فيها ما يشبه البئر ، من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. (النهاية في غريب الحديث : 4 : 300).
4- ربيع الأبرار 2 : 305 ح 323.
5- نقله عنه ابن عنبة في عمدة الطالب : 193.

[وقال ابن عنبة :] (1) (وفضائله أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف) (2).

قصيدة الفرزدق

وذكر أبو نعيم : (أنه لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه ، أو الوليد ، لم يمكنه أن يصل إلى الحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل زین العابدين ، فلمَّا انتهى إلى الحجر تنحَّى له الناس حَتَّى استلمه. فقال أهل الشام لهشام : من هذا؟ قال : لا أعرفه - مخافة أن يرغب أهل الشام في زین العابدین -.

فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثُمَّ أنشد :

هذا الَّذي تعرفُ البطحاءُ وطأتُهُ *** والبيتُ يعرفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ

هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهِمُ *** هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ

إذا رأتهُ قريشٌ قال قائِلُهُمْ *** إلى مكارِمِ هذا ينتهي الكَرَمُ

يُنمي إلى ذِروَةِ العزِّ التي قَصُرَتْ *** عن نيلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ

إلى أن قال :

هذا ابنُ فاطمةٍ إن كُنتَ جاهِلَهُ *** بِجَدِّهِ أنبياءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا

فَلَيْسَ قولُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ *** العُربُ تَعرِفُ مَنْ أنكَرتَ والعَجَمُ (3)

والقصيدة مشهورة ، ذكر منها ابن الأثير في النهاية ، في (ج. ن. ه-) بيتاً ، وأشار إليها ، وقال : (إنها من شعر الفرزدق في علي بن الحسين ، زین العابدين) (4).

ص: 6


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
2- عمدة الطالب : 193.
3- حلية الأولياء 3 : 163 رقم 3560 ، شرح دیوان الفرزدق : 402 مع اختلاف في ترتيب الأبيات.
4- النهاية في غريب الحديث 1 : 309 مادة : (ج. ن. ه-) ، و 2 : 28 مادة : (خ. ي. ز. ر. ا. ن).

وذكرها الجنابذي ، وابن الشافعي ، وابن حجر (1).

ومع ذلك : فمن الغريب ما عن ابن بكَّار في الموفَّقيات أنَّها للحزين اللَّيثي في بني اُميَّة (2) ، وغلّطه في ذلك وأنكر عليه ابن عبد البرّ ، وقال : (إنه لا يصح) (3).

والزبيرُ هذا من أشدّ الناس عداوة لله ولأوليائه. وإنَّما صنّف الموفَّقيات تقرباً إلى الموفَّق العبَّاسي : وهو معروف بالعداوة الشديدة لأهل البيت عليهم السلام.

تاريخ ولادته عليه السلام

ووُلد في الخامس من شعبان في المدينة المنورة سنة 38 ﻫ، وقُبض فيها سنة 95 ﻫ، في الخامس والعشرين من مُحرَّم ، كما في الكافي عن الصادق عليه السلام (4).

ويفهم من الرواية : أنَّ له حين قُتل أبوه اثنتين وعشرين سنة.

أمُّه المولود منها

وأمّا أمُّه الحقيقية : فقد روى الصدوق رحمه الله عن الرضا عليه السلام : «ماتت في أيام نفاسها به ، فسلّمه الحسين عليه السلام إلى اُمّ ولد له ، وكان يدعوها عليه السلام : بالأُمّ ، وهي التي زوّجها لمولى له ، لا اُمُّه الحقيقية».

والسبب في إقدامه على تزويجها على ما رواه الصدوق : (أنه عليه السلام واقع بعض

ص: 7


1- الجنابذي هو محمّد بن عبد العزيز المعروف بابن الأخضر ، وكتابه (معالم العترة النبوية) ولم أقف عليه ، وكذا مصدر قول ابن الشافعي ، وذكرها ابن حجر في الصواعق المحرقة : 200 ، وفي مجمع الزوائد 9 : 200.
2- الموفقيات : 634.
3- الاستيعاب 3 : 1305 في ترجمة (قثُمَّ بن العبَّاس).
4- الكافي 1 : 468 ح 1 وفيه : سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «قُبض علي بن الحسين عليه السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة ، في عام خمس (خمسة - ظ) وتسعين ، عاش بعد الحسين خمساً وثلاثين سنة».

نسائه ثُمَّ خرج يغتسل ، فلقيته اُمُّه هذه ، فقال لها : إن كان في نفسك شيء من هذا الأمر فاتقي الله وأعلميني؟ فقالت : نعم ، فزوّجها. فقال الناس : زوّج علي بن الحسين عليه اُمُّه) (1).

حَتَّى نقل ابن قتيبة في كتاب (المعارف) : (أنَّ اُمّ زین العابدین زوّجها بعد أبيه بزيد مولى أبيه ، وأعتق جارية له وتزوَّجها ، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيّره بذلك.

فكتب إليه زين العابدين : ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (2) ، وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وآله صفية بنت حييّ بن أخطب ، وتزوَّجها ، وأعتق زيد بن حارثة ، وزوّجه بنت عمَّته زينب بنت جحش») (3).

ولكن حقيقة الحال ما عرّفناك ، فكيف لا؟ والنفس تستنكف عن قبوله ، والحال أنها كانت بنت يزدجرد ملك الفرس. ولمّا اُتي بها لم ترضَ إلّا بالحسين عليه السلام ، فكيف ترضى بعده بأحد الموالي (4).

وعلى كلّ حال ، إنَّ المتحقق من السّيَر والأخبار ، أن في اُسراء الفرس الَّذين جاؤوا إلى المدينة من بنات يزدجرد ثلاث فتيات :

تزوّج واحدة منهن عبد الله بن عمر ، فأولدها سالم. والاُخرى محمّد بن أبي بكر ، فأولدها القاسم. والثالثة : الحسين عليه السلام ، فأولدها علي بن الحسين عليه السلام ، وهي

ص: 8


1- عیون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 135 ح 6.
2- سورة الأحزاب : من آية 21.
3- المعارف لابن قتيبة : 94.
4- ينظر رواية رضاها وعدمه : بصائر الدرجات : 355 ح 8 ، الكافي 1 : 466 ح 1 ، مناقب آل أبي طالب عليه السلام 3 : 207.

شاه زنان (1) ، ولم تحضر وقعة الطف قطعاً.

ومن الممكن أن شهربانويه التي كانت في كربلاء ، هي زوجة محمّد بن أبي بكر ، قَدْ تزوّجها الحسين عليه السلام بعد وفاته ، وهي التي رمت نفسها في الفرات بعد قتل الحسين عليه السلام (2).

وبالجملة : فلا ينال عليَّ بن الحسين عليه السلام نقص من جهة اُمُّه ، وأنَّها من المجوس ، وأن ولادتها من غير عقد ، كما قاله صاحب العمدة (3) ؛ فإنه ناشئ من عدم الخبرة بالأحكام الشرعية ، فإنَّ الكافر إذا أسلم على نكاح اُقرّ عليه ، إذا كان صحيحاً عندهم ؛ وإن كان فاسداً عندنا ، فإن لكل قوم نكاحاً ، ولا يجب الفحص عن كيفيته ؛ فإن كثيراً من الكفَّار أسلموا على عهده صلى الله عليه وآله مع أزواجهم ، فأقرّهم على نكاحهم من غير استفصال ، نعم ، إذا اشتمل على ما يبطله استدامةً كنكاح المحارم ، كان باطلاً بعد الإسلام (4).

فصل في أولاده عليه السلام

وُلد له ستة عشر ولداً :

محمّد الباقر عليه السلام : المكنّى بأبي جعفر ، اُمُّه أم عبد الله ، بنت عمّه الحسن بن

ص: 9


1- مجمع البحرين 2 : 270 ، عن ربيع الأبرار.
2- ينظر : مناقب آل أبي طالب عليه السلام 3 : 259 رواه عن أبي مخنف ، ونحن نجلّ زوجة الإمام الحسين عليه السلام أن ترمي بنفسها في الفرات ، وهي المصطفاة المختارة مع كون هذا الفعل يتعارض مع صريح الشرع المقدّس ، وينظر عن هذا المطلب : الأنوار النعمانية 4 : 87.
3- عمدة الطالب : 193.
4- تعرضت الكتب الفقهية إلى ذلك في باب نكاح الكافر ، فلتراجع.

علي عليه السلام ، كما سيأتي.

قال الدميري في (حياة الحيوان) : (لم يكن للحسين عليه السلام عقب إلا من ابنه زين العابدين ، ولم يكن لزين العابدین نسل إلا من ابنة عمّه الحسن عليه السلام ، فجميع الحسينيين من نسله ، وكل حسيني لأب ، هو حسني لأم ، ولا عكس) (1).

[عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام]

وعبد الله كان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان فاضلاً فقيهاً ، يروي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخباراً كثيرة ، وحدّث الناس عنه ، وحملوا عنه الآثار (2).

وفي أول (شرح المسائل الناصرية) : (روی أبو الجارود زياد بن المنذر ، قال : قيل لأبي جعفر الباقر عليه السلام : أيّ إخوتك أحبّ إليك وأفضل؟ فقال عليه السلام : «أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها - وكان عبد الله أخاه لأبيه واُمُّه - (ويقال له : الباهر ؛ لجماله ، ما جلس مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر ، توفّي وهو ابن سبع وخمسين سنة ، وله عقب ذكره في العمدة) (3).

وأمّا عمر : فبصري الَّذي اُبصر به ، وأمّا زيد : فلساني الَّذي أنطق به ، وأمّا الحسين : فحليم يمشي على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً» (4)) (5).

ص: 10


1- حياة الحيوان 1 : 173 (مادة : البغل) ، وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق 41 : 374.
2- الإرشاد 2 : 169.
3- ما بين القوسين من المؤلف رحمه الله للبيان نقله عن عمدة الطالب : 252.
4- إقتباس من سورة الفرقان : من آية 63.
5- الناصريات : 64.

وهذا الخبر وإن كان مرسلاً إلا أن الظاهر من إيراد السيِّد له كونه عنده قطعياً ؛ ولعله ذُكر إظهاراً لمدح عبد الله ، وشاهداً على حسن حاله.

ولكن يعارض هذا الخبر ما رواه ابن شهر آشوب ، قال : «رُوي عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : فيما أوصاني به أبي عليه السلام أن قال : يا بني ، إذا أنا مِتُّ فلا يلي غسلي غيرك ، فإن الإمام لا يغسّله إلا إمام مثله بعده. واعلم أنَّ عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه ، فامنعه ، فإنْ أبى ، فإنَّ عمره قصير.

قال الباقر عليه السلام : فلمَّا مضى أبي ادَّعي عبد الله الإمامة ، فلم أنازعه ؛ فلم يلبث إلا شهوراً يسيرة حَتَّى قضى نحبه (1) ، وتربته في الموصل» (2).

والحسن والحسين الأكبر : وهما مع عبد الله ، اُمُّمهم أم ولد (3) ، وكان الحسين عليه السلام تابعياً مدنياً ، مات سنة 157 ﻫ، ودُفن بالبقيع ، يكنّى أبا عبد الله ، وله أربع وستون سنة ، من أصحاب أبيه الباقر والصادقعليهم السلام.

كذا في رجال الشيخ (4).

وفي إرشاد المفيد رحمه الله : (إنه كان فاضلاً ورعاً) ، انتهی (5).

زيد بن علي بن الحسين عليه السلام

(وزيد : وهو الَّذي نُسب إليه الزيدية ، وهم جماعة قالوا بإمامته بعد أبيه ، وهو

ص: 11


1- ينظر : مناقب آل أبي طالب 3 : 351.
2- ذكره القندوزي في ينابيع المودة 3 : 152.
3- الأصح : (والحسن والحسين الأكبر أمهما أم ولد). (السيد محمّد الطباطبائي).
4- رجال الطوسي : 112 رقم 1098 / 5 ، 130 رقم 1328 / 7 ، 182 رقم 2197 / 54 ، وفي المطبوع : (أربع وسبعون سنة).
5- الإرشاد 2 : 174.

جدّ شرفاء اليمن) (1).

والروايات في مدح زيد وذمَّه متعارضة ، وما يدل على المدح أكثر.

قال في (الرجال الكبير) : (هو جليل القدر ، عظيم المنزلة ، قُتل في سبيل الله وطاعته سنة 121 ﻫ. وله اثنتان وأربعون سنة ، وورد (ووردت - ظ) في علو قدره روايات تضيق (يضيق - ط) المقام عن إيرادها) ، انتهى (2).

وفي الإرشاد : (كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطالب بثارات الحسين عليه السلام (3).

واعتقد كثير من الشيعة فيه أنه الإمام ، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلى الله عليه وآله ، فظنوه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يریدها ؛ لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة من قبله ، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه السلام) ، انتهى (4).

وليس المراد بالرضا الإمام الثامن عليه السلام كما لا يخفى ، بل المراد من يرضون به من آل محمّد صلى الله عليه وآله.

ما ورد فيه من الأخبار

ومن جملة ما ورد في مدحه ، ما رواه في الأمالي يسنده إلى ابن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران ، قال : «دخلت على الصادق عليه السلام ، فقال : من أين أقبلت؟

ص: 12


1- ذكره القندوزي في ينابيع المودة 3 : 152.
2- منهج المقال : 154.
3- الإرشاد 2 : 171.
4- الإرشاد 2 : 172.

فقلت له : من الكوفة. قال : فبكی عليه السلام حَتَّى بُلَّت لحيتُه ، فقلت له : يا ابن رسول الله مالك أكثرت من البكاء؟ فقال : ذكرت عمِّي زيداً وما صُنع به فبكيت.

فقلت : وما الَّذي ذكرت منه؟ فقال : ذكرت مقتله ، وقد أصاب جبینه سهم ، فجاءه ابنه يحيى فأنكبّ عليه ، وقال له : أبشر يا أبتاه ، إنك ترد على رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

قال : أجل يا بني ، ثُمَّ دعا بحدّاد ، فنزع السَّهم من جبينه ، فكانت خروج نفسه معه ، فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة ، فحفر له فيها ودُفن ، واُجري عليه الماء. وكان معهم غلام سندي لبعضهم ، فذهب إلى يوسف بن عمر - الثقفي عامل هشام بن عبد الملك (1) - من الغد ، فأخبره بدفنهم إيّاه ، فأخرجه يوسف بن عمر ، وصلبه في الكناسة أربع سنين ، ثُمَّ أمر به فاُحرق بالنار ، وذُري في الرياح. فلعن الله قاتله وخاذله. وإلى الله جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته ، وبه نستعين على عدونا ، وهو خير مستعان» (2).

إلى غير ذلك ممَّا لا يُحصى كثرة.

وأمّا العلماء المتصدون لمدحه ، فأولهم: الصدوق رحمه الله في العيون ، ثُمَّ تبعه شيخنا المفيد ، والطبرسي في كتاب إعلام الورى (3).

ومنهم : النجاشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وشيخ الطائفة في الفهرست (4).

ص: 13


1- ما بين الشارحتين من المؤلف رحمه الله للبيان ، فلاحظ.
2- آمالي الصدوق : 477 رقم 643 / 3.
3- عیون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 225 - 228 باب 25 وفيه 7 أحادیث ، الإرشاد 2 : 171 ، إعلام الوری 1 : 493.
4- رجال النجاشي : 76 رقم 182 ، الفهرست : 62 رقم 65 / 3 ، رقم 1126 / 1.

ومنهم : شيخنا الشهيد في (الذكرى) في مسألة الصلاة على المصلوب ، ووافقه الشهيد الثاني في (الروضة البهية) (1).

ومنهم : الأستر آبادي في رجاله (2).

[عمر الأشرف]

وعمر : وهو مع أخيه زيد لاُمِّ ولد واحدة. وسمعت مدحه في الخبر المتقدّم ، ونزيدك : أنه قال الطوسي رحمه الله (3) : (إنَّه مدني تابعي ، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنیف) (4).

وفي الإرشاد : (كان عمر بن علي بن الحسين عليه السلام فاضلاً جليلاً ، ولِيَ صدقات النبي صلى الله عليه وآله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان ورعاً سخياً) (5).

وهو جدّ السيِّد الرضي والمرتضى [لأمهما] (6) ، قال المرتضی رحمه الله في شرح (المسائل الناصرية) ، عند وصف أجداده من قبل اُمّه : (وأمّا عمر بن علي بن الحسين عليه السلام ولقبه : الأشرف ، فإنه كان فخم السيادة ، جليل القدر والمنزلة في الدولتين معاً : الاُموية والعبَّاسية ، وكان ذا علم. وقد رُوي عنه الحديث ، ثُمَّ ذكر الخبر المذكور) (7).

ص: 14


1- ذكرى الشيعة 1 : 445 ، روض الجنان : 308 للشهيد الثاني قدس سره ولم يذكر في الروضة كما ذكر المؤلف رحمه الله ، فلاحظ.
2- منهج الرجال : 154.
3- في الأصل : (قال الصدوق) وهو اشتباه ، والصحيح ما أثبتناه.
4- رجال الطوسي : 252 رقم 3540 / 449.
5- في الأصل : (متجنبا) وما أثبتناه من المصدر ، الإرشاد 2 : 170.
6- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
7- الناصريات : 63.

وإنما قيل له : الأشرف بالنسبة إلى عمر الأطرف عم أبيه ، فإن هذا لمّا نال فضيلة ولادة الزهراء البتول عليها السلام ، كان أشرف من ذلك ، وسُمي الآخر : الأطرف ؛ لأن فضيلته من طرف واحد ، وهو طرف أبيه أمير المؤمنين عليه السلام (1).

[بقية أولاده عليه السلام]

والحسين الأصغر ، وعبد الرحمن ، وسليمان لاُمّ ولد ، وعلي - وكان أصغر أولاده - ومحمّد الأصغر اُمّه اُمُّ ولد ، وخديجة هي مع أخيها علي الأصغر ، من اُمّ ولد واحدة ، تزوجها محمّد بن عمر بن علي ، فولدت له عدة أولاد.

وفاطمة ، وعلية - ذكرها النجاشي في الفهرست - وصرّح بأنَّ لها كتاباً يرويه عنها أبو جعفر محمّد بن عبد الله ، عمّن روى عنهم ، عن زرارة بن أعين عنها (2).

واُم كلثوم : لاُمَّهات أولاد.

ومليكة : من اُمِّ ولد.

وذكر بعضهم موضع ولد وبنتين ، من الذكور القاسم ، واُمّ الحسن ، [ومن الإناث] (3) وأم الحسين ، وأنه من أولاده عليه السلام هذا لم يعقب (4).

ص: 15


1- عمدة الطالب : 305 ، وينظر عن مرقده : مراقد المعارف 2 : 111 رقم 108.
2- رجال النجاشي : 304 رقم 832.
3- ما بين المعقوفين زيادة منا يقتضيها السياق للتوضيح.
4- ينظر في أولاده عليه السلام : المجدي في أنساب الطالبین : 93 ، عمدة الطالب : 194 ، بحار الأنوار 46 : 155 - 212 باب 11 وفيه جمع من الأقوال.

ص: 16

المقام الخامس: الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام

اشارة

لقّبه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبلغه السلام على لسان جابر لمّا اُضرّ في آخر عمره. «وافاه الباقر عليه السلام في يوم من الأيام وسلّم عليه ، وكان حدث السن ، فردّ عليه جابر وسأله من أنت؟ فقال له عليه السلام : أنا محمّد بن علي بن الحسين عليه السلام ، فقال : اُدنُ منّي ، فدنا منه عليه السلام ، فأخذ يده وقبله ، وقال له : يا بن رسول الله ، إنَّ رسول الله يقرؤك السلام.

فقال الباقر عليه السلام : على رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته. ثُمَّ قال عليه السلام : وكيف كان ذلك؟ فقال جابر : كنت يوماً مع رسول الله ، فقال : يا جابر لعلَّك تبقى حَتَّى توافي أحد ولدي ، يقال له : محمّد بن علي بن الحسين عليه السلام ، أعطاه الله النور والحكمة. أبلغه سلامي» (1).

قال صاحب (عمدة الطالب) : (ويُقال له : عمود الشرف ، ومناقبه متواترة بين الأنام ، مشهورة بين الخاص والعام ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مراراً ، فعصمه الله منه) ، انتهى (2).

ويكنّى بأبي جعفر ، ويظهر من بعض الأخبار أنه كان يُكنّى بذلك في صغر سنّه ، ويؤيده ما رُوي عنه من : «إنّا لنُكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النّبز أن يُلحق بهم» (3).

ص: 17


1- المؤلف رحمه الله نقل الحديث باختصار وتصرف يسير ، ورد تمامه في : روضة الواعظين : 202 ، کشف الغُمَّة 2 : 335 ، مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي 2 : 275 ح 743 ، بحار الأنوار 46 : 225 - 229.
2- عمدة الطالب : 196 ، والحديث كما في المصدر عن الإمام الصادق عليه السلام ، وليس عن أبيه عليه السلام ، فلاحظ.
3- الكافي 6 : 20 ح 11 ، وأمّا كنيته عليه السلام من الصغر ، تظهر لنا من أحاديث لقائه بالصحابي جابر الأنصاري رضي الله عنه.

مولده عليه السلام

ولد عليه السلام بالمدينة ، يوم الجمعة أول شهر رجب ، وقيل : (يوم الثالث من صفر) (1).

والأول أصح ؛ لما رواه الشيخ في المصباح ، عن جابر الجعفي قال : (وُلد الباقر أبو جعفر بن علي عليه السلام يوم الجمعة ، غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة) (2).

اُمُّه عليه السلام

وكانت اُمُّه فاطمة ، المكنّاة : باُمّ عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. قال الصادق فيها : «إنَّها كانت صدّيقة ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها» (3).

وفي (دعوات الراوندي) : رُوي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : «كانت اُمِّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة ، فأشارت بيدها ، وقالت : لا وحقِّ المصطفى ، ما أذن الله لك في السقوط ، فبقي معلّقاً حَتَّى جازته ، فتصدّق عنها أبي بمائة دينار» (4).

وهو هاشمي من هاشميّين ، وعلوي من علويّين (5).

قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي : (واُمُّها اُمُّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر) (6).

وهذا من الاشتباه والغلط ؛ فإنَّ من المُسلَّم أنّ اُمَّ فروة بنت القاسم هذه زوجة

ص: 18


1- المصباح للكفعمي : 510 ، بحار الأنوار 46 : 212 باب في ولادته.
2- مصباح المتهجد : 801.
3- الكافي 1 : 469 ح 1.
4- الدعوات : 68 ح 165 ، الكافي 1 : 469 ح 1.
5- تهذيب الأحكام 6 : 77 باب 24.
6- معالم العترة النبوية ، عنه کشف الغُمَّة 2 : 231.

الباقر عليه السلام ، أم ولده الصادق عليه السلام ؛ فكيف يمكن أن تكون جدّة الباقر يعني : اُمّ اُمّه.

وأشنع من ذلك ما صدر من صاحب (جنات الخلود) ، من : (أنَّ الأصحّ : أنَّ اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر) (1) ، مع أنّ اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر - أيضاً - اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وصرّح به هو أيضاً ؛ ولذا كان الصادق عليه السلام يقول : «لقد ولدني أبو بكر مرّتين». وذلك من حيث إنَّ اُمَّه اُمّ فروة ، كانت بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر من طرف الأب ، وبنت أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من طرف الأُم (2) ، فأبو بكر جدّه عليه السلام لأُمه من الطرفين ، وثبت بالنص الصحيح : أنَّ أجداد الأئمة عليهم السلام كلُّهم أولاد حلال.

وعلى كل حال : فلا يجتمع القول : بكون زوجة الباقر عليه السلام بنت أسماء هذه ، مع القول : بكون اُمُّه بنت أسماء المزبورة.

فإن كان من المحقِّق : أنّ اُمّ عبد الله التي هي بنت الحسن عليه السلام أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلا نسلّم أنَّها اُمّ الباقر عليه السلام ، فقد ذكر الطريحي في المجمع : (أنَّ اُمَّ الباقر عليه السلام كانت بنت عبد الله بن الحسن بن علي عليه السلام) (3) ، وذُكر في الدراية : (أنَّ اُمَّه اُم عبد الله بنت الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام) (4) ، وإن كان الأخير باطلاً أيضاً ؛ فإن الحسن بن الحسن ، قَدْ تزوج بفاطمة بنت الحسين عليه السلام ، فتكون بنته هذه بنت اُخت علي بن الحسين عليه السلام ، فلا يصح له تزوَّجها ، ولعله لذلك عدل

ص: 19


1- جنات الخلود : 27.
2- کشف الغُمَّة 2 : 374 ، عمدة الطالب : 195.
3- مجمع البحرين 1 : 571.
4- جامع المقال : 188.

إلى ما في المجمع ؛ فإنَّه متأخّر تصنيفه عن الدراية.

والصحيح : أنَّ اُمَّها اُم ولد تدعى : صافية (1) ، كما تقدم بيانه في أولاد الحسن عليه السلام ، فعليك بالتأمُّل التام في هذا المقام ، فقد زلَّت فيه جملة من الأقدام.

وفاته عليه السلام بالمدينة

وقُبض مسموماً بالمدينة ، من هشام بن عبد الملك بن مروان سنة 114 من الهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة وشهرين ، كما في الكافي. ودُفن بالبقيع ، في القبر الَّذي دُفن فيه أبوه : علي بن الحسين عليه السلام (2).

فصل في أولاده عليه السلام

وُلد له عليه السلام سبعة أولاد : أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، وعبد الله ، من اُمٍّ واحدة ، اُمُّهما : اُم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وكان عبد الله يشار إليه بالفضل والصلاح.

وفي مقاتل الطالبيين : (أن عبد الله هذا دخل على رجل من بني اُميَّة فأراد قتله ، فقال له عبد الله : لا تقتلني أكن لله عليك عيناً ، ولك على الله تعالى عوناً. فقال : لست هناك ، وترکه ساعة ، ثُمَّ سقاه سمّاً في شراب سقاه إياه فقتله (3)) (4).

وإبراهيم ، وعبد الله ، اُمُّهما : اُمّ حكيم بنت الأسد بن المغيرة الثقفي.

ص: 20


1- ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من طبقات ابن سعد : 28 ح 23.
2- الكافي 1 : 469.
3- في الأصل : (سقاه أيام فقتله) وما أثبتناه من المصدر.
4- مقاتل الطالبين : 10.

وعلي : وقبره في حوالي بلدة كاشان ، يُعرف بإمام زاده مشهد (بار کرس) (1).

وزينب : لاُمِّ ولد ، واُم سلمة : لاُمِّ ولد.

وفي معجم البلدان : (أن في مصر قبر آمنة بنت محمّد الباقر عليه السلام) (2). (3)

ص: 21


1- ينظر : الكنى والألقاب 2 : 7.
2- معجم البلدان 5 : 142.
3- ينظر في أولاده عليه السلام : المجدي : 94 ، عمدة الطالب : 194 ، بحار الأنوار 46 : 365 - 368 وفيه جمع من الأقوال.

المقام السادس: الإمام جعفر الصادق عليه السلام

مولده عليه السلام

وكنيته : أبو عبد الله ، وُلد عليه السلام بالمدينة ، في السابع عشر من شهر ربيع الأول ، سنة 83 من الهجرة. وعلى الأصح سنة 80 ، وهو يوم شریف ، عظيم البركة ، من جملة الأعياد الأربعة الإسلامية (1) ، واُمّه اُم فروة ، واسمها قريبة (2) - وعن الجعفي : أنَّ اسمها فاطمة - بنت الفقيه القاسم ابن النجيب محمّد بن أبي بكر (3) ، واُمّها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ؛ فالقاسم : هو جدّ مولانا الصادق عليه السلام لأُمِّه ، وابن خالة سيد الساجدین عليه السلام ؛ لأنّ اُمَّه واُمَّ القاسم بنتا یزدجرد.

قال الدميري في (حياة الحيوان) نقلاً عن كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة : إن الجفر جلد كتب فيه الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام لآل البيت كل ما يحتاجون إلى علمه ، وكل ما يكون إلى يوم القيامة ، قال : وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري بقوله :

لقد عجبوا لأهل البيت لمّا *** أتاهم عِلمُهُم في مِسْكِ جَفْرِ

ومرآةُ المنجِّمِ وهي صغرى *** أرته كلّ عامِرَةٍ وقفرِ (4)

وقال صاحب (الملل والنحل) في مدح الإمام الصادق عليه السلام : (وهو ذو علم

ص: 22


1- الأعياد الأربعة : عيد الفطر ، عيد الأضحى ، عيد الغدير ، يوم الجمعة [معجم ألفاظ الفقه الجعفري : 62] ، فيوم مولده عليه السلام ليس منها ، بل هو من الأيام الأربعة التي ورد فضل صيامها في السنة ، كما رُوي في وسائل الشيعة 10 : 454 باب 19 وفيه 7 أحاديث.
2- کشف الغُمَّة 2 : 374.
3- الدروس 2 : 12.
4- حياة الحيوان 1 : 246 (مادة : الجفرة) ، اللزوميات 1 : 423.

غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا (1) ، وورع تام عن الشهوات ، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ، ثُمَّ دخل العراق وأقام بها مدّة ، ما تعرض للإمامة قطُّ ، ولا نازع أحداً في الخلافة قطُّ.

ومَن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شطّ ، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ. وقيل : مَن أنس بالله توحّش عن الناس ، ومَن استأنس بغير الله نهبه الوسواس ، وهو من جهة الأب ينتسب إلى شجرة النبوة ، ومن جانب الأُم إلى أبي بكر) ، انتهى (2).

القاسم بن محمّد بن أبي بكر

وبالحري أن نذكر شيئاً من فضل القاسم وأبيه ، فإنَّ ذلك مقصد نبيه :

قال ابن خَلّکان : (أبو محمّد القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ونسبه معروف ؛ فلا حاجة إلى رفعه ، كان من سادات التابعين وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكان من أفضل أهل زمانه ، روی عن جماعة من الصحابة رضي الله عنه ، ورَوي عنه جماعة من كبار التابعين.

قال يحيى بن سعيد : ما أدركنا أحداً نفضّله على القاسم بن محمّد.

وقال مالك : كان القاسم من فقهاء هذه الأُمَّة.

وقال محمّد بن إسحاق : جاء رجل إلى القاسم بن محمّد ، فقال : أنت أعلمُ أم سالم؟ فقال : ذاك مبارك سالم. قال ابن إسحاق : کره أن يقول : هو أعلم منّي فيكذب ، أو يقول : أنا أعلم منه ، فيزكّي نفسه.

ص: 23


1- في الأصل : (الدين) وما أثبتناه من المصدر.
2- الملل والنحل 1 : 165.

وكان القاسم أعلمهما. وتوفي سنة 101 ﻫ، وقيل : سنة 102 ﻫ، وقيل : سنة 108 ه ، وقيل : سنة 112 ﻫ بقدید. فقال : كفّنوني في ثيابي التي كنت أُصلّي فيها وقميصي وإزاري وردائي.

فقال ابنه : يا أبتِ ، ألا نزيد ثوبين؟ فقال : هكذا كُفّن أبو بكر : في ثلاثة أثواب ، والحي أحوج إلى الجديد من الميِّت.

وكان عمره سبعين سنة ، أو اثنتين وسبعين سنة). انتهى (1).

ورُوي في الكافي في باب مولد الصادق عليه السلام ، عن إسحاق بن حريز ، قال أبو عبد الله عليه السلام : «كان سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي من ثقات علي بن الحسين عليه السلام» (2).

وفي (قرب الإسناد) : (أنه ذُكر عند الرضا عليه السلام ، القاسم بن محمّد خال أبيه ، وسعيد بن المسيّب ؛ فقال عليه السلام : «كانا على هذا الأمر») ، انتهى (3).

وذكر الشهيد الثاني رحمه الله في (منية المريد) : (أنَّ القاسم بن محمّد بن أبي بكر أحد فقهاء المدينة المتفق على علمه وفقهه بين المسلمين ، قيل : إنه سُئل عن شيء؟ فقال : لا أحسِنُهُ. فقال السائل : إنّي جئت إليك لا أعرف غيرك.

فقال القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي ، وكثرة الناس حولي. والله لا اُحسِنُهُ. فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه : يا بن أخي ألزمها ، فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك مثل اليوم. فقال القاسم : والله لئن يُقطع لساني أحبّ إليّ من أن أتكلَّم بما لا علم لي به) (4).

ص: 24


1- وفيات الأعيان 4 : 59.
2- الكافي 1 : 472 ح 1.
3- قرب الإسناد : 358 ح 1278.
4- منية المريد : 286.

أبوه محمّد بن أبي بكر

وأمّا محمّد بن أبي بكر أبوه ، فهو جليل القدر ، عظيم المنزلة من خواص علي عليه السلام ، وُلد في حجّة الوداع ، وقُتل بمصر سنة 38 من الهجرة في خلافة علي عليه السلام ، واُحرق في جيفة حمار بمصر القديمة ، ولم يبق إلا رأسه الشريف ، فدفنه مولاه بمحراب المسجد ، وقيل تحت المئذنة ، وكان عاملاً على مصر من قبل علي عليه السلام ، فمکث دون السنة ، ثُمَّ قتل (1).

قال في (معجم البلدان) عند ذكر من دُفن بالقرافة : (وقبر خال رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو أخو حليمة السعدية - ، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق) (2).

وقد ذكرنا سابقاً حديث أبي الحسن الرضا عليه السلام في شأن المحمّدين الأربعة (3).

وفي المروي عن موسی بن جعفر عليه السلام ، المتضمن الذكر حوارييّ كل إمام ، قال عليه السلام : «ثُمَّ ينادي منادٍ : أين حوارييّ علي بن أبي طالب وصي محمّد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فيقوم عمرو بن الحمق ، ومحمّد بن أبي بكر ، وميثُمَّ التمار : مولى بني أسد ، واُويس القرني» (4).

وعن الرضا عليه السلام : «أنه دخل عليه جماعة من الشيعة ، فلم يأذن لهم بالجلوس : فقالوا : يابن رسول الله ، ما هذا الجفاء العظيم؟! قال : لدعواكم أنكم شيعة أمير

ص: 25


1- ينظر مقتله وأحواله رضي الله عنه في : الغدير 11 : 66 - 71 ، والكتب الرجالية لهجت بأريج ذكره.
2- معجم البلدان 5 : 143 ، وينظر عن مرقده : مراقد المعارف 2 : 244 رقم 216.
3- حديث المحامدة ورد في اختيار معرفة الرجال 1 : 286 ح 125 ونصّه : عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : إن المحامدة تأبى أن يُعصى الله عز وجل ، قلت : ومن المحامدة؟ قال : محمّد بن جعفر ، ومحمّد بن أبي بكر ، ومحمّد ابن أبي حذيفة ، ومحمّد ابن أمير المؤمنين عليه السلام ، أما محمّد بن أبي حذيفة ، فهو ابن عتبة بن ربيعة ، وهو ابن خال معاوية».
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 39 ح 20.

المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. ويحكم! إنما شیعته : الحسن والحسين عليهما السلام وسلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، ومحمّد بن أبي بكر ، الَّذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره ، ولم يرتكبوا شيئاً من زواجره ... الحديث» (1).

واُمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، كانت تحت جعفر الطيار ، اُمُّ ولديه : عبد الله ، ومحمّد ، وفي السنة العاشرة لمّا توفّي جعفر بمؤتة ، تزوجها أبو بكر ، فولدت منه محمّداً في طريق حجّة الوداع ، ثُمَّ تزوَّجها أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة أبي بكر ، فكان محمّد في تربيته عليه السلام ، وكان عمره حينئذ سنتين (2).

مدفنه عليه السلام

وقُبض الصادق عليه السلام مسموماً ، سمّه أبو جعفر المنصور الدوانيقي ، في يوم النصف من شهر شوال ، وقيل : (في النصف من رجب سنة 148 ﻫ، وله خمس وستون سنة. عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، ودُفن بالبقيع في القبر الَّذي دُفن فيه أبوه صلوات الله عليهما) (3).

ص: 26


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 313.
2- ينظر عن أحوالها رضي الله عنه ا : الطبقات الكبرى 8 : 280.
3- الكافي 1 : 472 ، الارشاد 2 : 180 ، بحار الأنوار 47 : 1.

فصل في أولاده عليه السلام

وُلد له عشرة أولاد : موسى عليه السلام ، وهو الإمام بعده ، وإسماعيل ، وعبد الله الأفطح ، وأم فروة - اسمها عالية - ، أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين عليه السلام.

ونُقل عن ابن إدريس رحمه الله أنه قال : (أم إسماعيل ، فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام) (1).

وإسحاق لأم ولد ، والعبَّاس ، وعلي ، ومحمّد ، وأسماء ، وفاطمة لأمهات أولاد شتَّى.

وكان إسماعيل أكبر أولاد الصادق عليه السلام ، وهو جدّ الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر ، ومصر الجديد (الجديدة - ظ) من بنائهم (2).

قبران مذمومان في بغداد

وفي بغداد قبران مذمومان : أحدهما علي بن إسماعيل ابن الصادق عليه السلام ، ويعرف عند البغداديين بالسيد سلطان علي ، والآخر : أخوه محمّد بن إسماعيل جدّ الفاطميين ، ويعرف عندهم : بالفضل. والمحلة التي فيها محلة الفضل (3).

ص: 27


1- نصّ عليه التستري في قاموس الرجال 12 : 191 رقم 14 ، والنمازي في مستدركاته 8 : 550 رقم 17951 دون الإشارة إلى ذكر العلّامة ابن أدريس رحمه الله.
2- ينابيع المودة 3 : 153.
3- ينظر : مراقد المعارف 1 : 361 رقم 121 (قبر سلطان علي) ، 2 : 169 رقم 194 (قبر الفضل).

إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام

وكان عليه السلام شديد المحبة لإسماعيل ، والبرِّ به ، والإشفاق عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له ؛ لما ذكرنا من كبر سنه ، وميل أبيه إليه ، وإكرامه له ؛ ولما كان عليه من الجمال ، والكمال الصوري والمعنوي ، توفّي في حياة أبيه ، وحينما حُمل إلى البقيع للدفن كان الصادق عليه السلام يضع جنازته على الأرض ويرفع عن وجهه الكفن ، بحيث يراه الناس ، فعل ذلك في أثناء الطريق ثلاث مرّات ليرى الناس موته ، وأنه لم يغب ، كما كان يظن به ذلك. ولمّا تحقّق موته رجع الأكثرون عن القول بإمامته ، وفرض طاعته ، وقال قوم : إنه لم يمت ، وإنَّما لُبس على الناس في أمره.

وقالت فرقة : إنَّه مات ، ولكن نصّ على ابنه محمّد : وهو الإمام بعد جعفر ، وهم المسمّون : بالقرامطة ، والمباركة ، وذهب جماعة : إلى أنه نصّ على محمّد جدّه الصادق دون إسماعيل ، ثُمَّ يسحبون الإمامة في ولده إلى آخر الزَّمان (1).

قال جدّي الأمجد السيِّد محمّد جدّ جدِّنا بحر العلوم : (وسخافة مذهبهم وبطلانه أظهر من أن يُبيّن ، مع أنه مبيّن بما لا مزيد عليه في محلّه) (2).

ص: 28


1- ينظر عن أحواله رضي الله عنه : معجم رجال الحديث 4 : 40 رقم 1316.
2- رسالة في تاريخ المعصومين : 153 ، وقال السيد بحر العلوم رحمه الله في (الفوائد الرجالية) 3 : 342 عند ترجمته ما نصّه : (المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن سعد. تبناه الأسود بن يغوث فأضيف إليه ، أحد الحواريين وثاني الأركان من السابقين الأولين ، عظيم القدر ، شريف المنزلة ، هاجر الهجرتين ، وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد ، وهو القائل - ببدر - : والله يا رسول الله : ما نقول كما قالت بنو إسرائيل : ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن أمامك ومن خلفك. فسر رسول الله صلى الله عليه وآله حَتَّى رثي البشري في وجهه ، تجمعت فيه رضي الله عنه أنواع الفضائل ، وأخذ بمجامع المناقب من السبق ، والهجرة ، والعلم ، والنجدة ، والثبات ، والاستقامة ، والشرف ، والنجابة. زوّجه رسول الله صلى الله عليه وآله (ضباعة) بنت الزبير بن عبد المطلب أخي عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «لو عُرض علم مقداد على سلمان الكفر ، ولو عرض علم سلمان على أبي ذر لكفر» وحديث الحضرمي عن ابي جعفر عليه السلام : «إن أردت الَّذي لم يشك ولم يدخله شيء ، فالمقداد». وروي : «أنه لم يبقَ أحد إلا وجال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد» ، وروى الترمذي في جامعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : «إنّ الله تعالى أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنه يحبّهم ، وهم : علي ، ومقداد ، وسلمان ، وأبو ذر». وفضائل هؤلاء الثلاثة ومناقبهم أكثر من أن تُحصى ، وكفى لهم شرفاً وفخراً ، ضمّتهم إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - في حبّ الله وحبّ رسوله. توفي المقداد رضي الله عنه بالجرف ، وهو على ثلاثة أميال من المدينة ، وهو ابن سبعين سنة من الهجرة ، فحُمل على الرقاب حَتَّى دفع بالبقيع. وينظر عن مرقده أيضا : مراقد المعارف 2 : 328 رقم 343.

وقبر إسماعيل ليس في البقيع نفسه ، بل هو في الطرف الغربي من قُبَّة العبَّاس في خارج البقيع ، وتلك البقعة [هي] (1) ركن سور المدينة من جهة القبلة والمشرق ، وبابه من داخل المدينة ، وبناء تلك البقعة قبل بناء السور ، فاتَّصل السور به ، وهو من بناء بعض الفاطميين من ملوك مصر (2).

قبر المقداد بن الأسود الكندي

وقبر المقداد بن الأسود الكندي في البقيع أيضاً ، فإنه مات بالجرف ، يبعد عن المدينة بفرسخ ، وحُمل إلى المدينة. فما عليه سواد أهل شهروان (3) من أن فيه قبر مقداد بن الأسود ؛ هذا اشتباه.

ومن المحتمل قوياً كما في (الروضات) : (أن القبر المشهور الَّذي في شهروان هو للشيخ الجليل الفاضل المقداد صاحب المصنَّفات ، من أجلّ علماء الشيعة) (4). (5)

ص: 29


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
2- وفاء الوفا 2 : 104.
3- شهروان : قضاء يقع الآن ضمن مدينة ديالى ، ويقال له شهربان ، واشتُهر أخيراً بالمقدادية نسبة إلى هذا القبر ، (ينظر : مراصد الاطلاع 2 : 822).
4- روضات الجنات 7 : 175.
5- قال سماحة السيِّد المحقق مهدي الخرسان حفظه الله في هامش بحار الأنوار 48 : 296 ما نصّه : (قال في الروضات) : ومن جملة ما يُحتمل عندي قوياً هو أن تكون البقعة الواقعة في بريّة شهروان بغداد والمعروفة عند أهل تلك الناحية بمقبرة مقداد ، مدفن هذا الرجل الجليل الشأن ، يعني الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري المعروف بالفاضل المقداد بناءً على وقوع وفاته رحمه الله في ذلك المكان أو إيصائه بأن يُدفن هناك ؛ لكونه على طريق القافلة الراحلة إلی العتبات العاليات. قال : وإلا فالمقداد بن الأسود الكندي رحمه الله ، الَّذي هو من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، مرقده المنيف في أرض بقيع الغرقد الشريف ، لما ذكره المؤرخون المعتبرون من أنه رضي الله عنه توفي في أرضه بالجرف ، وهو على ثلاثة أميال من المدينة ، فُحمل على الرقاب حَتَّى دُفن بالبقيع) ، انتهى. قلت : لكنه من عجیب الاحتمال ، حيث إن المسمّين بالمقداد كثيرون ، وليس لنا أن نقول بأن المقبرة المشهورة عندهم لمّا لم تكن للمقداد بن أسود الكندي فلتكن للمقداد بن عبد الله الفاضل السيوري ، مع أن الفاضل المقداد رحمه الله كان قاطناً في النجف الأشرف ، وليس شهروان في طريق النجف الأشرف إلى كربلاء ، ولا إلى الكاظمية ، ولا سامراء. بل الفاضل السيوري قَدْ توفّي بالمشهد الغروي في النجف الأشرف على ساكنه آلاف الثناء والتحف ، ضحی نهار الأحد السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 826 ﻫ ودُفن بمقابر المشهد المذكور كما صرّح به تلميذه الشيخ حسن بن راشد الحلي. (ينظر : الذريعة ج 1 ص 429 و 465 ، روضات الجنات 7 : 176).

وذكر علماء السير والتواريخ فيما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة : (أن أي أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله دُفنوا في البقيع).

وذكر القاضي عيّاض في (المدارك) : (أنَّ المدفونين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله هناك عشرة آلاف) (1) ، ولكن الغالب منهم مخفي الآثار عيناً وجهة. وسبب ذلك : أن السابقين لم يُعلّموا القبور بالكتابة والبناء ، إضافةً إلى أن تمادي الأيام يوجب زوال الآثار.

نعم ، إن من يُعرف مرقده من بني هاشم عيناً وجهة ، قبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله في بقعة قريبة من البقيع ، وفيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة ، وهو أول من دُفن في البقيع.

وفيه أيضاً قبر أسعد بن زرارة ، وابن مسعود ، ورُقيَّة ، واُمّ كلثوم - بنات رسول الله صلى الله عليه وآله -. 3.

ص: 30


1- ترتيب المدارك : 23.

[قبر عثمان بن مظعون]

وفي الروايات من العامة والخاصة ، أنه : (لمّا توفت رقية ودفنها صلى الله عليه وآله ، قال : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون) (1).

قال السمهودي : (إنّ الظاهر أن بنات النبي صلى الله عليه وآله كلهن مدفونات عند عثمان بن مظعون ؛ لأنه صلى الله عليه وآله لمّا وضع حجراً على قبر عثمان ، قال : بهذا اُميّز قبر أخي ، وأدفن معه كل من مات من ولدي) (2).

وروى الدولابي المتوفَّى سنة 310 ﻫ في كتاب (الكنى) : (أنه لمّا مات عثمان بن مظعون ، قالت امرأته : هنيئاً لك يا أبا السائب الجنّة ، وإنه أول من تبعه إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وآله) (3).

قبر عثمان بن عفان

وبالجملة : فما يقال : (من أن قبر عثمان بن عفان هناك غلط ، فإنَّ قبره خارج البقيع) (4).

قال ابن الأثير في (النهاية) : (في (حشش) ومنه حديث عثمان : أنه دُفن في (حش کوکب) ، وهو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع) ، انتهى (5).

ص: 31


1- الكافي 3 : 241 ح 4730 / 18 ، مسند أحمد 1 : 237.
2- وفاء الوفا 2 : 86 وفيه : (والظاهر أنهن جميعاً عند عثمان بن مظعون لما تقدّم من قوله صلى الله عليه وسلم : وأدفن إليه من مات من أهلي).
3- ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 3 : 1053.
4- وفاء الوفا 2 : 99.
5- النهاية في غريب الحديث 1 : 390.

قبر عقيل بن أبي طالب عليه السلام

وقبر عقيل بن أبي طالب ، ومعه في القبر ابن أخيه : عبد الله الجواد ابن جعفر الطيّار.

وقريب من قُبَّة عقيل ، بقعة فيها زوجات النبي ، وقبر صفية بنت عبد المطلب ، عمّة النبي صلى الله عليه وآله على يسار الخارج من البقيع (1).

قبر الصدّيقة الطاهرة عليها السلام

وفي طرف القبلة من البقعة قبر متصل بجدار البقعة عليه ضريح ، والعامَّة يعتقدون : أنه قبر الزهراء عليها السلام (2).

وأنَّ قبر فاطمة بنت أسد هو الواقع في زاوية المقبرة العمومية للبقيع في الطرف الشمالي من قُبَّة عثمان ، وهو اشتباه ؛ فإن من المحقّق : أن قبر فاطمة الزهراء عليها السلام إما في بيتها ، أو في الروضة النبوية ، على مشرفها آلاف الثناء والتحيَّة.

وإنَّ القبر الواقع في الطرف القبلي من البقعة ، هو قبر فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في بعض الأخبار أنَّ الأئمة عليهم السلام الأربعة نزلوا إلى جوار جدّتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

وإنَّ القبر الواقع في المقبرة العمومية هو : مشهد سعد بن معاذ الأشهلي ، أحد

أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، كما ذكره في تلخيص معالم الهجرة.

وممَّن عُين قبر فاطمة بنت أسد حيثما ذكر لنا السيِّد على السمهودي في وفاء

ص: 32


1- وفاء الوفا 2 : 98.
2- وفاء الوفا 2 : 94.

الوفا بأخبار دار المصطفی (1).

ولنختم الكلام في أمر البقيع بما رُوي عن سليمان الشاذكوني (2) : (أنه رجفت قبور البقيع في عهد عمر بن الخطاب ، فضجّ أهل المدينة من ذلك ، فخرج عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يدعون بسكون الرجفة ، فما زالت تزيد في كل يوم إلى أن تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، وعزم أهلها إلى الخروج عنها ، فعند ذلك قال عمر : عليّ بأبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فحضر ، فقال : يا أبا الحسن ، ألا ترى إلى قبور البقيع ورجيفها حَتَّى تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، وقد همّ أهلها بالرحلة منها؟ فقال علي عليه السلام : «عليّ بمائة رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من البدريين» ، فجاؤوا بهم ، فاختار من المائة عشرة ، فجعلهم خلفه ، وجعل التسعين من ورائهم ، ولم يبقَ بالمدينة ثيّب ولا عاتق إلا خرجت ، ثُمَّ دعا بأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد ، وعمّار ، فقال لهم : «کونوا بين يديَّ حَتَّى توسّط البقيع». والناس محدقون به ، فضرب الأرض برجله ، ثُمَّ قال : «مالَكِ؟» ثلاثاً فسكنت.

فقال : «صدق الله وصدق رسوله صلى الله عليه وآله ، فقد أنبأني بهذا الخبر ، وهذا اليوم ، وهذه الساعة ، وباجتماع الناس له. إنّ الله تعالى يقول في كتابه : ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا﴾ (3). وأخرجت لي

ص: 33


1- وفاء الوفا 2 : 86 ، واحتوى الفصل السادس منه (83 ص - 107) على تعيين بعض من دُفن بالبقيع من أهل البيت عليهم السلام والصحابة ، فليراجع.
2- في الأصل : (سلمان الفارسي) ، والصحيح ما أثبتناه كما سيأتي في صدر الحديث ، وترجم له في رجال النجاشي : 184 رقم 488 ، فليراجع.
3- سورة الزلزلة : 1 - 4.

أثقالها» ، ثُمَّ انصرف الناس معه ، وقد سكنت الرجفة) (1).

عبد الله ابن الإمام الصادق عليه السلام

هذا وكان عبد الله أكبر إخوته بعد أخيه إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه عليه السلام منزلة غيره من إخوته الأكرام ، وكان متَّهماً في الخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال : إنه كان يخالط الحشوية ، ويميل إلى مذهب المرجئة ، وادّعی بعد أبيه الإمامة محتجّاً بأنّه أكبر أولاده الباقين بعده ، فاتَّبعه جماعة من أصحاب الصادق عليه السلام ، ثُمَّ رجع أكثرهم عن القول ، ولم يبقَ عليه إلا نفر يسير منهم. وهم الطائفة الملقّبة بالفطحية ؛ لأن عبد الله كان أفطح الرجلين ، ويقال : إنهم لُقبوا بذلك ؛ لأنَّ رئيسهم وداعيهم إلى هذا المذهب يقال له : عبد الله بن أفطح (2).

إسحاق ابن الإمام الصادق عليه السلام

وأمّا إسحاق فقد قال في (الإرشاد) : (وكان إسحاق بن جعفر عليه السلام من أهل الفضل ، والصلاح ، والورع ، والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار. وكان ابنُ کاسب إذا حدّث عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر عليه السلام ، وكان يقول : بإمامة أخيه موسی بن جعفر عليه السلام ، وروي عن أبيه النصّ على إمامته) (3).

ص: 34


1- الثاقب في المناقب 273 ح 238 / 7 وصدر الحديث فيه : عن الحسين بن عبد الرحمن التمار ، قال : (انصرفت عن مجلس بعض الفقهاء ، فمررت بسليمان الشاذكوني ، فقال لي : من أين أقبلت؟ قلت : من مجلس فلان العالم. قال : فما قوله؟ قلت : شيئاً من مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فقال : والله لأحدثنك بفضيلة سمعتها من قرشي عن قرشي). كما ورد في : شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام : 258 ، تأويل الآيات الظاهرة 2 : 837 ح 5 ، بحار الأنوار 41 : 372 عنه ، مدينة المعاجز 2 : 100 ، والمؤلِّف رحمه الله نقله بتصرف يسير.
2- الإرشاد 2 : 210 ، عنه شرح اُصول الكافي 6 : 177.
3- الإرشاد 2 : 210.

وقال في (العمدة) : (ويكنّى أبا محمّد ، ويُلقّب المؤتمن. ووُلد بالعريض ، وكان. أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ، واُمُّه اُمُّ أخيه موسى الكاظم عليه السلام ، وكان محدّثاً جليلاً ، وادَّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول : حدثني الثقة الرضا إسحاق بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين عليه السلام) (1).

محمّد ابن الإمام الصادق عليه السلام وقبره

وكان محمّد بن جعفر عليه السلام سخياً شجاعاً ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان يصرف في مطبخه كل يوم شاتاً ، وكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف ، وخرج على المأمون في سنة 199 ﻫ بمكّة ، وتبعه الجارودية ، فوجَّه عليه المأمون جنداً بقيادة عيسى الجلودي ، فكسره وقبض عليه ، وأتی به إلى المأمون ، فأكرمه المأمون ولم يقتله ، وأصحبه معه إلى خراسان (2).

وقبره في بسطام (3) ، وهو الَّذي ذكرنا سابقاً أن قبره في جرجان ، فإن جرجان اسم لمجموع الناحية المعينة المشتملة على المدينة المدعوة بالأسترآباد وغيرها ، مثل مصر والقاهرة ، والعراق والكوفة.

قال في (مجالس المؤمنين) في ضمن أحوال بايزيد البسطامي : (إنَّ السلطان أولجایتوخان أمر ببناء قُبَّة على تربته).

وقد ذهب إلى إمامته بعد أبيه قوم من الشيعة يقال لهم : السمطية ؛ لنسبتهم إلى

ص: 35


1- عمدة الطالب : 249.
2- الإرشاد 2 : 211 بتصرف يسير.
3- بسطام (بالكسر ثُمَّ السكون) : بلدة كبيرة بقومس على جادة الطريق إلى نيسابور بعد دامغان بمرحلتين ، قال مسعر بن مهلهل : بسطام قرية كبيرة شبيهة بالمدينة الصغيرة ، منها أبو يزيد البسطامي الزاهد. (معجم البلدان 1 : 421).

رئيس لهم يقال له : يحيى بن أبي السمط (1).

علي بن جعفر العُرَيْضِيْ

وكان علي بن جعفر كثير الفضل ، شديد الورع ، سديد الطريق ، راوية للحديث من أخيه موسى عليه السلام (2).

وهو المعروف بعلي بن جعفر العُرَيْضِيّ ، نشأ في تربية أخيه موسی بن جعفر عليه السلام ، ومن أهل التضييف بأيدي الشيعة إلى هذا اليوم (3) ، وأدرك من الأئمّة أربعة أو خمسة.

وقال السيِّد في الأنوار : (كان من الورع بمكان لا يدانى فيه ، وكذلك من الفضل ، ولزم أخاه موسی بن جعفر عليه السلام ، وقال بإمامته وإمامة الرضا والجواد عليهما السلام. وكان إذا رأى الجواد عليه السلام مع الصبيان يقوم إليه من المسجد من بين جماعة الشيعة ، وينكبّ على أقدامه ، ويمسح شیبته على تراب رجليه ، ويقول : قَدْ رأى الله هذا الصبيّ أهلاً للإمامة ، فجعله إماماً ولم يَر شيبتي هذه أهلاً للإمامة ؛ لأنَّ جماعة من الشيعة كانوا يقولون له : أنت إمام فادّع الإمامة ، وكان رضي الله عنه لا يقبل منهم قولاً.

ورُوي أنَّ الجواد إذا أراد أن يفصد أخذ الدم ، يقول عليّ بن جعفر للفصّاد : إفصدني حَتَّى أذوقَ حرارة الحديد قبل الجواد عليه السلام) ، انتهى (4).

وله مشاهد ثلاثة :

الأول : في (قم) ، وهو المعروف ، وهو في خارج البلد ، وله صحن وسيع ، وقُبَّة

ص: 36


1- ينظر عن أحواله : قاموس الرجال 9 : 171 رقم 6538.
2- الإرشاد 2 : 214 مع تقديم وتأخير في النص.
3- كذا ، ولعل الصحيح : (وهو من أهل التصنيف وكتابه بأيدي الشيعة إلى هذا اليوم).
4- الأنوار النعمانية 1 : 378.

عالية ، وآثار قديمة ، منها : اللوح الموضوع على المرقد المكتوب فيه اسمه واسم والده ، وتاريخ الكتابة سنة 74 (1).

قال المجلسي رحمه الله في (البحار) : (من جملة من هو معروف بالجلالة والنبالة علي بن جعفر عليه السلام ، مدفون في (قم) ، وجلالته أشهر من أن تذكر.

وأمّا كون مدفنه في (قم) ، فلم يُذكر في الكتب المعتبرة ، لكن أثر القبر الشريف الموجود قدیم ، وعليه مكتوب اسمه). انتهى (2).

وفي (تحفة الزائر) : (يوجد مزار في (قم) ، وفيه قبر كبير ، وعلى القبر مکتوب : قبر على بن جعفر الصادق عليه السلام ، ومحمّد بن موسی.

ومن تاريخ بناء ذلك القبر إلى هذا الزَّمان قريب من أربعمائة سنة) ، انتهى (3).

وقال الفقيه المجلسي الأول في (شرح الفقيه) في ترجمة علي بن جعفر عليه السلام بعد ذکر نبذة من فضائله : (وقبره في (قم) مشهور.

قال : سمعت أن أهل الكوفة طلبوا منه أن يأتيهم من المدينة ، ويقيم عندهم ، فأجابهم إلى ذلك ، ومكث في الكوفة مدَّة ، وحفظَ أهل الكوفة منه أحاديث ، ثُمَّ طلب أهل (قم) النزول إليهم ، فأجابهم إلى ذلك. وبقي هناك إلى أن توفّي وله ذرِّية منتشرة في العالم.

وفي أصفهان قبر بعضهم ، منهم : قبر السيِّد كمال الدين في قرية (سين برخوار) ، وهو مزار معروف) ، انتهى (4).

ص: 37


1- كذا ، ولعلَّه سنة 740 ﻫ أو 744 ﻫ، فلاحظ.
2- بحار الأنوار 99 : 273.
3- تحفة الزائر : 667.
4- روضة المتقين 14 : 191 ، عنه خاتمة المستدرك 4 : 481.

وظنّي القوي : أن محمّد بن موسى المدفون معه ، هو من ذرِّية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، وهو محمّد بن موسی بن إسحاق بن إبراهيم العسكري ابن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر عليه السلام.

قال صاحب (تاريخ قم) : (وُلد من أبي محمّد موسی بن إسحاق ولدٌ وبنت ، ولكن لم يُذكر اسم الولد) (1).

وذكر صاحب (العمدة) : (أنه أعقب موسی بن إسحاق بن إبراهيم العسكري ، أبا جعفر محمّد الفقيه بقم ، وأبا عبد الله إسحاق .. الخ) (2).

الثاني : في خارج قلعة سمنان ، في وسط بستان نضرة مع قُبَّة ، وبقعة ، وعمارة نزهة.

ولكن المنقول عن المجلسي أنه قال : (لم يُعلم أنَّ ذلك قبره ، بل المظنون خلافه) (3).

الثالث : في العُريض - بالتصغير - على بعد فرسخ من المدينة : اسم قرية كانت ملکه ، ومحلّ سكناه وسکنی ذرِّیته ؛ ولهذا كان يُعرف بالعُرَيْضِيّ. وله فيها قبر وقُبَّة ، وهو الَّذي اختاره المحدّث النوري في خاتمة المستدرکات (4) ، مع بسط تام وهو الظاهر ، ولعل الموجود في قم هو لأحد أحفاده (5).

ص: 38


1- تاريخ قم : 592.
2- عمدة الطالب : 214.
3- تحفة الزائر : 667.
4- خاتمة المستدرك 4 : 478 - 487.
5- ينظر عن أحوال علي بن جعفر رضي الله عنه وموضع قبره : مسائل علي بن جعفر : 9 - 80 المقدمة ، وفيها ترجمة وافية عنه ، وخاتمة المستدرك 4 : 478 - 487.

وأمّا العبَّاس بن جعفر ، فقد قال المفيد في الإرشاد : (كان فاضلاً نبيلاً) (1).

مقام الإمام الصادق عليه السلام في كربلاء

تتميم : لا يخفى أنه يوجد على ضفة نهر كربلاء المشرّفة المعروفة بالحسينية ، مقام یُعرف بمقام جعفر الصادق عليه السلام ، على لسان سواد أهل تلك البلدة ، ولعلَّه هو الَّذي عبّر عنه الصادق عليه السلام في حديث صفوان الَّذي نقله المجلسي في تحفة الزائر عن مصباح الشيخ الطوسي رحمه الله ، الوارد لتعليمه إياه آداب زيارة جدّه الحسين عليه السلام ، وفيه : فإذا وصلت إلى نهر الفرات - يعني : شريعة الصادق ، بالعلقمي - فقل : كذا ، والتفسير من الشيخين (2) ، وظاهره : أن المقام المقدّس كان منسوباً إلى الصادق عليه السلام في عصرهما.

ص: 39


1- الإرشاد 2 : 214.
2- مصباح المتهجد : 717 ، تحفه الزائر : 376 ، والمراد بالشيخین : المفيد والطوسي رحمهما الله ، وقال العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار 98 : 205 عنه ما نصّه : قوله : يعني شرعة الصادق عليه السلام بالعلقمي ، هذا التفسير من المفيد والشيخ رحمهما الله. والشرعة بالكسر ، والمشرعة مورد الشاربة من النهر ، والآن النهر العلقمي مطموس ، وشرعة الصادق عليه السلام غير معلوم ، لكن بنسب إليه عليه السلام : موضع في تلك الجهة فلعله هي.

ص: 40

المقام السابع: في الإمام موسی بن جعفر عليه السلام

اشارة

ولقبه : الكاظم ، وكنيته : أبو الحسن ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي.

ويُعرف : بالعبد الصالح ، والعالم ، وباب الحوائج.

وفي ذلك يقول الشاعر وما أحسنه :

يا سميَّ الكليم جئتكُ أسعى *** نحوَ مَغناكَ قاصداً مِن بلادي

ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا *** عندَ بابِ الرَّجاء جدِّ الجوادِ

وقد شطّرهما جدّي بحر العلوم رحمه الله :

(يا سميَّ الكليم جئتُكَ أسعى) *** والهَوى مركبي وحبُّك زادي

مسَّني الضرُّ وانتحی بِيَ فقري *** (نَحو مغناكَ قاصداً مِن بلادي)

(ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا) *** عندَ بابِ الحوائجِ المعتادِ

عند بَحرِ النَّدى ابن جعفرَ موسی *** (عند باب الرَّجاء جدّ الجَوادِ) (1)

مولده عليه السلام في الأبواء

واُمّه عليه السلام : اُمُّ ولد ، يقال لها : حميدة البربرية.

وُلد عليه السلام بالأبواء - وهو منزل بين مكّة والمدينة ، قريب من الجُحفة - يوم الأحد في السابع من شهر صفر سنة ثمان ، وقيل : تسع وعشرين ومائة من الهجرة ، وقُبض مسموماً بسمّ هارون الرشید ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك.

تاريخ وفاته عليه السلام

ولمّا مات أدخل السندي عليه الفقهاءَ ، ووجوهَ أهل بغداد ؛ لينظروا إليه ،

ص: 41


1- ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم : 63 ، وهي من تشطیره رحمه الله والأصل - الَّذي بين قوسين - للحاج محمّد البغدادي.

وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه ، فشهدوا على ذلك ، حيث لم يجدوا به جراح ، ولا خنق ، فاُخرج ووُضع على الجسر ببغداد ، ونودي عليه : هذا موسی بن جعفر قَدْ مات ، فانظروا إليه.

ثُمَّ حُمل ، فدُفن في مقابر قريش في باب التبن ، وكانت هذه المقبرة قديماً لبني هاشم ، والأشراف من الناس (1).

وكان المتولي لأُموره ابنه أبو الحسن الرضا عليه السلام ، ولا يُلتفت إلى ما يستبعده الوهم من أنه عليه السلام : وقت وفاة أبيه كان بالمدينة ، فكيف حضر بغداد في ليلة واحدة؟ فإن القادر الَّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، قادر على مثله.

وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رجب ، وقيل : في الخامس منه ، وقيل : في السادس ، والأول أشهر ، وهو الموافق لرواية التهذيب : لستّ بقین من رجب. إذا حُسب يوم الوفاة في سنة 183 ﻫ، وله خمس وخمسون سنة (2). (3)

حکی ابن خَلّكان في ترجمته عليه السلام : (أن هارون الرشيد حبسه في بغداد ، ثُمَّ دعا صاحب شرطته ذات يوم ، فقال له : رأيت في منامي حبشياً أتاني ومعه حربة ، وقال : إن لم تخل عن موسی بن جعفر عليه السلام وإلّا نحرتك بهذه الحربة.

فاذهب فخلِّ عنه ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : إن أحببت المقام عندنا ، فلك عندي ما تحب ، وإن أحببت المضي إلى المدينة ، فامضِ. قال صاحب الشرطة : ففعلت ذلك ، وقلت له : لقد رأيت من أمرك عجباً.

ص: 42


1- الإرشاد 2 : 242.
2- تهذيب الأحکام 6 : 81.
3- ينظر عن يوم ولادته وشهادته بالتفصيل : بحار الأنوار 48 : 1 - 10.

فقال عليه السلام : أنا أخبرك : بينما أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : يا موسی حُبست مظلوماً ، فقل هذه الكلمات ، فإنك لا تبيت هذه الليلة في السجن : وذكر الدعاء.

ثُمَّ قال : وتوفّي موسى الكاظم في رجب ، سنة 183 ﻫ، وقيل : سنة 187 ﻫ، بغداد مسموماً ، وقيل : توفّي في الحبس) (1).

وكان الشافعي يقول : (قبر موسى الكاظم عليه السلام الترياق المجرّب) (2).

وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي ومرقده

وفي (جامع التواريخ) ، تأليف رشید الدین فضل الله الوزير ابن عماد الدولة ، أبي الخير : (أن في يوم الاثنين في السابع عشر من ذي الحجّة سنة 672 ﻫ وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي في بغداد ، عند غروب الشمس) (3) ، وأوصى أن يُدفن عند قبر موسی عليه السلام والجواد عليه السلام ، فوجدوا هناك ضريحاً مبنياً بالكاشي والآلات. فلمَّا تفحصوا ، تبيّن أن الخليفة الناصر لدين الله قَدْ حفره لنفسه مضجعاً ، ولمّا مات دفنه ابنه الظاهر في الرصافة مدفن آبائه وأجداده.

ومن عجائب الاتّفاق : أنَّ تاريخ الفراغ من إتمام هذا السرداب يوافق يومه مع م ولادة الخواجة ، يوم السبت في الحادي عشر من جمادى الأُولى سنة 597 ، تمام عمره : خمس وسبعون سنة وسبعة أيام.

ترجمة الشيباني

وممَّن فاز بحسن الجوار هو : أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الدين علي بن

ص: 43


1- وفيات الأعيان 5 : 309 ضمن ترجمته عليه السلام رقم 746 ، باختصار.
2- رسالة في إثبات کرامات الأولياء : 6 ، نقله عنه سيدي محمّد بن عبد القادر الفاسي.
3- جامع التواريخ : 66.

قزعلي بن زيادة ، من اُمراء بني العبَّاس. يقال له : الشيباني ، وأصله من واسط ، وُلد في بغداد سنة 522 ﻫ، وتوفّي سنة 594 ﻫ، ودُفن بجنب روضة الإمام موسی عليه السلام ، ذكره ابن خَلّكان في تاريخه ، وكان شيعي المذهب ، حسن الأخلاق ، محمود السيرة (1).

الأمير توزون الديلمي

وممَّن فاز بحسن الجوار بعد الممات : الأمير توزن الديلمي من اُمراء رجال الديالمة في عصر المتَّقي العبَّاسي ، وعصى عليه ، وخالفه حَتَّى فرّ الخليفة منه إلى الموصل ، ثُمَّ استماله ، وأرجعه إلى بغداد ، توفّي الأمير المزبور سنة 334 ﻫ (2) ، ودُفن في داره ، ثُمَّ نُقل إلى مقابر قريش (3).

فصل في ذكر أولاده عليه السلام

وُلد له سبع وثلاثون ، وقيل : تسع وثلاثون ولداً ذکراً واُنثی ؛ علي بن موسی الرضا عليه السلام ، وإبراهيم ، والعبَّاس ، والقاسم لاُمَّهات أولاد.

وإسماعيل ، وله مزار في تويسرکان من بلاد ايران (4).

وجعفر ، وهارون ، والحسن : لأُمّ ولد.

ص: 44


1- وفيات الأعيان 6 : 244 رقم 808.
2- في الأصل : (سنة 568 ﻫ) وهو اشتباه واضح ، وما أثبتناه من الكامل في التاريخ 8 : 448 وفيه أحواله ، فلاحظ.
3- لم أهتدِ إلى مصدر قوله ، وينظر عن مَن جاوره عليه السلام حياً وميتا : صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد : 58 - 67.
4- ينظر : مشاهد العترة الطاهرة : 60.

وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة : لأُمّ ولد.

وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وقبره في بهبهان معروف یزار ، ويعرف ب-(شاه فضل) (1).

والحسين ، وسليمان : لأُمَّهات أولاد.

وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورُقيَّة ، وحكيمة ، واُمّ أبيها ، ورقيَّة الصغرى ، وكلثوم ، واُمّ جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعليَّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبُريهة ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، وميمونة : لأُمَّهات شتَّى (2).

أمّا علي عليه السلام : فسيأتي شرح حاله في المقام الثامن.

إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه السلام

وأمّا إبراهيم : فقد قال المفيد رحمه الله في الإرشاد ، والطبرسي في (إعلام الوری) : (كان إبراهيم بن موسى عليه السلام شجاعاً كريماً ، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام الَّذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ، ومضى إليها ، ففتحها وأقام بها مدَّةً إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ له الأمان من المأمون. وصرّحا : بأنَّ لكلّ من ولد أبي الحسن موسی عليه السلام فضل ومنقبة مشهورة) (3).

وفي (وجيزة) المجلسي : (إبراهيم بن موسی بن جعفر ممدوح) (4).

ص: 45


1- ينظر : مشاهد العترة الطاهرة : 58.
2- ينظر عن أحوالهم وعددهم بالتفصيل : بحار الأنوار 48 : 283 - 293.
3- الارشاد 2 : 245 ، إعلام الوری 2 : 36.
4- الوجيزة في الرجال : 15 رقم 47.

وفي (الكافي) في باب (إنّ الإمام متى يعلم أنّ الأمر قَدْ صار إليه) ، بسنده عن علي بن أسباط : قال : «قلت للرضا عليه السلام : إن رجلاً عنى أخاك إبراهيم فذكر له : أن أباك في الحياة ، وأنت تعلم من ذلك ما يعلم.

فقال : سبحان الله! يموت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا يموت موسی؟! قَدْ والله مضى كما مضى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل منذ قبض نبيه صلى الله عليه وآله هلّم جرّاً ، يمُّن بهذا الدين على أولاد الأعاجم ، ويصرفه عن قرابة نبيَّه هلّم جرّاً ، فيعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء ، لقد قضيتُ عنه في هلال ذي الحجّة ألف دينار ، بعد أن أشفي على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، ولكن قَدْ سمعتَ ما لقي يوسف من إخوته» (1).

قال جدّي الصالح في (شرح اُصول الكافي) : (قوله : (عنی) بمعنی : قصد ، وأراد.

وفي بعض النسخ : (غرّ أخاك) ، قيل : ذلك الرجل أخوهما : عبَّاس.

قوله : (فذكر له) فاعل (ذكر) راجع إلى الرجل ، وضمير (له) إلى إبراهيم.

قوله : (وأنت تعلم) أي : ذكر أيضاً له أنك تعلم ما لا يعلم من مكانه.

ولفظة : (لا) غير موجودة في بعض النسخ ، ومعناه واضح.

قوله : (على أولاد الأعاجم) کسلمان وغيره ، وفيه مدح عظيم للعجم ، وتفضيلهم على العرب) (2).

ما ورد في شأن العجم

وكتب أبو عامر بن خرشنة كتاباً في تفضيل العجم على العرب (3). وكذلك

ص: 46


1- الكافي 1 : 380 ح 2.
2- شرح اُصول الكافي 6 : 368.
3- رسالة في تفضيل العجم على العرب - لأبي عامر بن عرسه [حرشنه] البشکسي (السبكي) [البسكتي] قيل : (ابتدع فيها وفسق ، فدعا عليه جماعة من العلماء ، فرده أبو الطيب عبد المنعم في حديقة البلاغة ، وأبو مروان في الاستدلال بالحق في تفضيل العرب على جميع الخلق ، وأبو عبد الله الفارقي في خطف البارق ، والفقيه أبو محمّد عبد المنعم بن محمّد ابن الغرس الغرناطي من المتأخرين). (کشف الظنون 1 : 644 ، 856).

إسحاق ابن سلمة (1).

وكيف يُنكر فضلهم ؛ وفي الأخبار ما يدلُّ على أنَّهم من أعوان القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأنهم أهل تأييد الدين؟

قال النبي صلى الله عليه وآله : «أسعد الناس بهذا الدين فارس».

رواه الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمِّي ، نزيل الريّ ، في كتاب (جامع الأحاديث) (2) ، مع أنهم في تأييد الدين ، وقبول العلم ، أحسن وأكثر من العرب يدل على ذلك ، قوله تعالى : ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ (3).

قال علي بن إبراهيم ، قال الصادق عليه السلام : «لو انزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم» (4). فهي فضيلة للعجم.

وقال عند تفسير قوله تعالى : ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (5) : الشعوب : العجم ، والقبائل : من العرب ، (والأسباط : من بني إسرائيل ، قال : ورُوي ذلك عن الصادق عليه السلام) (6).

ص: 47


1- فهرست ابن الندیم : 142.
2- جامع الأحاديث : 4.
3- سورة الشعراء : آية 198 - 199.
4- تفسير القمي 2 : 124.
5- سورة الحجرات : من آية 13.
6- ما بين القوسين لم يرد في تفسير القمي ، وإنما ورد في تفسير مجمع البيان 9 : 229 ، فلاحظ.

وقال رسول الله يوم فتح مكَّة : «يا أيُّها الناس إن الله قَدْ أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها. إنَّ العربية ليست بأبٍ والد (1) ، وإنَّما هو لسان ناطق ؛ فمن تكلَّم به فهو عربي ، ألّا إنّكم من آدم ، وآدم من التراب» (2).

وهذا صريح في أنَّ التكلَّم بلغة العرب وحده لا فخر فيه ، بل المناط هو التقوى. وفي (الفتوحات المكية) في الباب السادس والستين وثلاثمائة : (أن وزراء المهدي عليه السلام من الأعاجم ، ما فيهم عربي ، لكن لا يتكلَّمون إلا بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم) ، انتهى (3).

بل المستفاد من خطبة أمير المؤمنين فيما يتعلق بإخباره عن القائم عليه السلام ، حيث يقول فيها : «وكأنَّي أسمع صهيل خيلهم ، وطمطمة رجالهم» (4) ، إنَّهم يتكلَّمون بالفارسية.

قال في البحار : (الطمطمة) : اللُّغة العجمية ، ورجل طمطمي : في لسانه عجمة. وأشار عليه السلام بذلك إلى أن عسكرهم من العجم) ، انتهی (5).

ولا ينافي ما ذكره صاحب الفتوحات ؛ إذ لعلَّ التكلُّم بالعربي لوزرائه خاصة دون بقية الجيش.

وفي حياة الحيوان : عن ابن عمر : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «رأيت غنماً سوداً دخلت فيها غنم كثير بيض». قالوا : فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال : «العجم

ص: 48


1- في تفسير القمي 2 : 94 (ليست بأبٍ وجد) ، وفي 2 : 322 (بابٍ ووالدة) والأخير أقرب للسياق.
2- تفسير القمي 2 : 322.
3- الفتوحات المكية 3 : 328.
4- الكافي 8 : 63 ح 22.
5- بحار الأنوار 51 : 128.

يشركونكم في دينكم ، وأنسابكم» ، قالوا : العجم يا رسول الله؟ قال : «لو كان الإيمان متعلّقاً بالثُّريا ؛ لناله رجال من العجم» (1).

[رجع] (2) : وسبب المن والإعطاء والصرف والمنع في رواية الكافي : هو استعمال الاستعداد الفطري ، وقبوله ، وإبطاله ، والإعراض عنه ، فلا يلزم الجبر.

قوله : (لقد قضيت عنه).

قال الفاضل الأمين الأسترآبادي : (أي قضيت عن الَّذي غَرَّ إبراهيم ، وكأنه عبَّاس أخوهما).

قوله : (ألف دينار) بعد أن أشرف وعزم على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، وعلى أن يشرد من الغرماء. وكان قصده من الطلاق والعتق أن لا يأخذ الغرماء مماليكه ، ويختموا بيوت نسائه ، وقيل : عزمه على ذلك ؛ لفقره ، وعجزه من النفقة.

قوله : (قد سمعتَ ما لقيَ يوسفُ) يعني : أنَّهم يقولون ذلك افتراء ، وينكرون حقّي حسداً. انتهى (3).

وفي بصائر الدرجات : (أنه ألحَّ إلى أبي الحسن عليه السلام في السؤال ، فحكّ بسوطه الأرض ، فتناول سبيكة ذهب ، فقال له : استغن بها ، واكتم ما رأيت) (4).

[إبراهيم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام]

وبالجملة : قال جدّي بحر العلوم رحمه الله : (ما ذكره المفيد رحمه الله ، وغيره من الحكم

ص: 49


1- حياة الحيوان 2 : 235 (مادة : الغنم).
2- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
3- شرح اُصول الكافي 6 : 367.
4- بصائر الدرجات : 394 ح 2.

بحسن حال أولاد الكاظم عليه السلام عموماً محلُّ نظر ؛ وكذا في خصوص إبراهيم ، كما هو ظاهر الرواية المتقدمة (1).

وكيف كان : فإبراهيم هذا هو جدّ السيِّد المرتضى والرضي رحمه الله ، فإنَّهما ابنا أبي أحمد النقيب ، وهو الحسين بن موسی بن محمّد بن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر عليه السلام.

وظاهر الأكثر ، كالمفيد رحمه الله في (الإرشاد) ، والطبرسي في (إعلام الوری) ، وابن شهر آشوب في (المناقب) ، والإربلي في (كشف الغُمَّة) : (أن المسمَّى بإبراهيم من أولاد أبي الحسن عليه السلام : رجل واحد) (2).

ولكن عبارة صاحب (العمدة) تعطي : (أن إبراهيم من ولده اثنان : إبراهيم الأكبر ، وإبراهيم الأصغر (3) ، وأنه يلقب بالمرتضی ، والعقب منه ، واُمُّه اُمُّ ولد نُوبِيَّة ، اسمها : نَجِيَّة) (4).

والظاهر التعدد ، فإن علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن.

والظاهر : أن المسؤول عن أبيه ، والمخبر بحياته هو إبراهيم الأكبر ، وأن الَّذي هو جدّ المرتضی والرضي هو الأصغر ، كما صرّح به جدّي بحر العلوم (5) ، وقد ذكرنا أنه مدفون في الحائر الحسيني ، خلف ظهر الحسين عليه السلام.

وكيف كان : ففي شيراز بقعة تُنسب إلى إبراهيم بن موسی عليه السلام واقعة في محلّة (لب آب) ، بناها محمّد زكي خان النوري ، من وزراء شیراز سنة 1240 ﻫ، ولكن لم

ص: 50


1- الفوائد الرجالية 1 : 421.
2- الفوائد الرجالية 1 : 424 ، الإرشاد 2 : 245 ، إعلام الوری 2 : 36 ، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 3 : 438 ، كشف الغُمَّة 3 : 29.
3- عمدة الطالب : 197.
4- عمدة الطالب : 201.
5- الفوائد الرجالية 1 : 424.

أعثر على مستند قوي يدل على صحَّة النسبة ، بل يبعدها ما سمعت من إرشاد المفيد من أنه : (كان والياً باليمن) (1) ، بل ذكر صاحب أنساب الطالبيّين : أنّ إبراهيم الأكبر ابن الامام موسی عليه السلام ، خرج باليمن ودعا الناس إلى بيعة محمّد بن إبراهيم طباطبا (2) ، ثُمَّ دعا الناس إلى بيعة نفسه ، وحجّ في سنة 202 ﻫ، وكان المأمون يومئذ في خراسان ، فوجّه إليه حمدويه بن علي وحاربه ، فانهزم إبراهيم وتوجَّه إلى العراق (3) ، وأمّنه المأمون وتوفي في بغداد ، وعلى فرض صحَّة ما ذكرناه فالمتيقّن أنه أحد المدفونين في صحن الكاظم ؛ لأنَّ هذا الموضع كان فيه مقابر قريش من قديم الزَّمان ، فدُفن إلى جنب أبيه عليه السلام) (4).

أحمد ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام

وأمّا أحمد بن موسى عليه السلام، ففي (الإرشاد) : (كان کریماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن موسى يحبّه ويقدّمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة. ويقال : إنه رضي الله عنه أعتق ألف مملوك.

قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى ، قال : حدثنا جدّي : سمعت إسماعيل بن موسى عليه السلام يقول : خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة ، فكنَّا في

ص: 51


1- الإرشاد 2 : 245.
2- قال صاحب المجدي في أنساب الطالبين : 122 ما نصّه : (ووُلد إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السلام ، وهو لأم ولد ، ويلقب بالمرتضی ، وهو الأصغر ظهر باليمن أيام أبي السرايا ، وكانت اُمّه نُوبية اسمها تحية) ، انتهى. وهو مغاير لما ذكره المؤلف رحمه الله فلعله نقله من الفخري في أنساب الطالبيين ، والَّذي لم نقف عليه ، فلاحظ.
3- اخباره في : تاريخ اليعقوبي 2 : 448 ، تاريخ الطبري 7 : 128.
4- قال ابن الطقطقي (ت 709 ﻫ) في الأصیلی : 182 ، ما نصّه : (أنه ظهر داعياً إلى أخيه الرضا عليه السلام ، فبلغ المأمون ذلك ، فارسل إليه عسكراً ، فتخاذل عسكره عنه ، فانكسر وانهزم وعاد إلى بغداد ، فشفّع الرضا عليه السلام فيه إلى المأمون ، فتشفّعه فيه وتركه ، فتوفّي في بغداد ، وقبره بمقابر قريش عند أبيه عليه السلام في تربة مفردة معروفة قدس الله روحه) ، (انتهى). كما ينظر عن قبره : مراقد المعارف 1 : 40 رقم 5.

ذلك المكان ، وكان مع أحمد بن موسی عشرون من خدام أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا ، وإن جلس جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ويبصّرهُ ما يغفل عنه ، فما انقلبنا حَتَّى تشيّخ (1) أحمد بن موسی بيننا). انتهى (2).

وكانت اُمُّه من الخواتين المحترمات ، تدعی : باُمّ أحمد ، وكان الإمام موسی شديد التلطّف بها. ولمّا توجَّه من المدينة إلى بغداد أودعها ودائع الإمامة ، وقال لها : كلّ من جاءك وطلب منك هذه الأمانة في أيِّ وقت من الأوقات ، فاعلمي بأنّي قَدْ استشهدت ، وأنه هو الخليفة من بعدي ، والإمام المفترض الطاعة عليك ، وعلى سائر الناس ، وأمر ابنه الرضا عليه السلام بحفظ الدار.

ولمّا سمّه الرشيد في بغداد جاء إليها الرضا عليه السلام ، وطالبها بالأمانة ، فقالت له اُمّ أحمد : لقد استشهد والدك؟ فقال : بلى ، والآن فرغت من دفنه فأعطني الأمانة التي سلّمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد ، وأنا خليفته والإمام بالحق على تمام الإنس والجنِّ.

فشقّت اُمّ أحمد جيبها ، وردّت عليه الأمانة ، وبايعته بالإمامة (3).

ص: 52


1- كذا في البحار عن الإرشاد ، وفي المطبوع منه بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام : (حَتَّى إنشج) مع بيان معنی كلمة الشجة في الهامش ، وهي لا تستقيم مع السياق ، فلاحظ.
2- الإرشاد 2 : 244.
3- الخبر رواه الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي 1 : 381 ح 6 ، ونصّه : «علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن مسافر قال : أمر أبو إبراهيم عليه السلام - حين أخرج به - أبا الحسن عليه السلام ، أن ينام على بابه في كل ليلة أبداً ما كان حياً إلى أن يأتيه خبره قال : فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز ، ثُمَّ يأتي بعد العشاء ، فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله ، قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين ، فلمَّا كان (كانت - ظ) ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي ، فاستوحش العيال وذعروا ودخلنا أمر عظيم من إبطائه ، فلمَّا كان من الغد أتى الدار ، ودخل إلى العيال ، وقصد إلى أم أحمد فقال لها : هات التي أودعك أبي ، فصرخت ولطمت وجهها وشقّت جيبها وقالت : مات والله سيدي ، فكفّها ، وقال لها : لا تتكلمي بشيء ولا تظهریه ، حَتَّى يجيء الخبر إلى الوالي ، فأخرجت إليه سفطاً وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره وقالت : إنه قال لي فيما بيني وبينه - وكانت أثيرة عنده - احتفظي بهذه الوديعة عندك ، لا تطلعي عليها أحداً حَتَّى أموت ، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك ، فادفعيها إليه واعلمي أني قَدْ متّ وقد جاءني والله علامة سيدي ، فقبض ذلك منها وأمرهم بالإمساك جميعاً إلى أن ورد الخبر ، وانصرف فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل ، فما لبثنا إلا أياماً يسيرة حَتَّى جاءت الخريطة بنعيه ، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت ، فاذا هو قَدْ في الوقت الَّذي فعل أبو الحسن ليه السلام ما فعل ، من تخلّفه عن المبيت ، وقبضه لما قبض». وينظر أيضاً عن وصيته عليه السلام إليها : عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 42 ففيه خبر اخر.

فلمّا شاع خبر وفاة الإمام موسی بن جعفر عليه السلام في المدينة ، اجتمع أهلها على باب اُمّ أحمد ، وسار معهم إلى المسجد.

ولما كان عليه من الجلالة (1) ، ووفور العبادة ، ونشر الشرائع ، وظهور الكرامات ، ظنوا به أنه الخليفة والإمام بعد أبيه ، حينئذ فبايعوه بالإمامة ، فأخذ منهم البيعة ، ثُمَّ صعد المنبر ، وأنشأ خطبة في نهاية البلاغة ، وكمال الفصاحة.

ثُمَّ قال : أيُّها الناس ، كما أنكم جميعاً في بيعتي ، فإني في بيعة أخي علي بن موسی الرضا عليه السلام ، واعلموا أنَّه الإمام والخليفة من بعد أبي ، وهو ولي الله ، والفرض عليّ وعليكم من الله والرسول طاعته ، بكل ما يأمرنا.

فكلُّ من كان حاضراً خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد بن موسی عليه السلام ، وحضروا باب دار الرضا عليه السلام ، فجدّدوا معه البيعة ، فدعا له الرضا عليه السلام (2) ، وكان في خدمة أخيه مدة من الزَّمان إلى أن أرسل المأمون على الرضا عليه السلام ، وأشخصه إلى خراسان ، وعقد له خلافة العهد ، وهو المدفون بشیراز المعروف : بسيد السادات ، ويعرف عند أهل شيراز بشاه جراغ.

ص: 53


1- الحديث عن أحمد بن موسی بن جعفر عليه السلام ، فلاحظ.
2- ذکره حرز الدين في مراقد المعارف 1 : 118 دون ذكر المصدر.

وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليه السلام. فلمَّا سمع به (قتلغ خان) عامل المأمون على شیراز توجَّه إليه خارج البلد ، في مكان يقال له : خان زینان على مسافة ثمانية فراسخ من شیراز قتلاقی الفريقان ، ووقع الحرب بينهما. فنادى رجل من أصحاب قتلغ : إن كان تريدون ثمَّة الوصول إلى الرضا عليه السلام فقد مات. فحين ما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرَّقوا عنه ، ولم يبق معه إلا بعض عشيرته وإخوته ، فلمَّا لم يتيسر له الرجوع توجَّه نحو شیراز ، فأتبعه المخلفون ، وقتلوه حيث مرقده هناك (1).

وكتب بعض في ترجمته : (أنه لمّا دخل شیراز اختفى في زاوية ، واشتغل بعبادة ربِّه حَتَّى تُوفّي لأجله ، ولم يطلّع على مرقده أحد ، إلى زمان الأمير : مقرب الدين مسعود بن بدر الدين ، الَّذي كان من الوزراء المقربين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكي ، فإنه لمّا عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن ، ظهر له قبر وجسد صحیح غير متغيّر ، وفي إصبعه خاتم منقوش فيه : العزة لله أحمد بن موسی ، فشرحوا الحال لأبي بكر ، فبنى عليه قُبَّة ، وبعد مدة من السنين آذنت بالانهدام ، فجدّدت تعميرها الملكة تاشي خواتون أم السلطان الشيخ أبي إسحاق ابن السلطان محمود ، وبنت عليه قُبَّة عالية ، وإلى جنب ذلك مدرسة ، وجعلت قبرها في جواره ، وتاريخه يقرب من سنة 750 هجرية) (2).

وفي سنة 1243 ﻫ جعل السلطان فتح علي شاه القاجاري عليه مشبّكاً من الفضة الخالصة ، ويوجد على قبره نصف قرآن بقطع البياض بالخطّ الكوفي الجيد

ص: 54


1- ليالي بيشاور : 43 ، مراقد المعارف 1 : 116 رقم 39.
2- ليالي بيشاور : 44 ، مشاهد العترة الطاهرة : 121 ، وقد أثبت نسبة القبر إليه عليه السلام مع ترجمته الخوانساري في روضات الجنات 1 : 42 رقم 8 ، فلتراجع.

على ورق من رَقِّ الغزال ، ونصفه الآخر بذلك الخطّ في مكتبة الرضا عليه السلام ، وفي آخره : (كتبه علي بن أبي طالب) ، فلذلك كان الاعتقاد بأنه خطه عليه السلام ، وأورد بعض أنَّ مخترع علم النحو لا يكتب المجرور مرفوعاً.

والَّذي ببالي أن غير واحد من النحاة ، وأهل العربية صرّح : بأن الأب والابن إذا صارا علمين يعامل معهما معاملة الأعلام الشخصية في أحكامها ، وصرّح بذلك صاحب (التصريح) (1).

وقال أبو البقاء في آخر كتابه (الكُلّيات) : (وممَّا جرى مجرى المثل الَّذي لا يغيّر : (علي بن أبي طالب) حَتَّى ترك في حالي النصب والجر على لفظه في حالة الرفع ؛ لأنه اشتهر في ذلك ، وكذلك معاوية بن أبي سفيان ، وأبو اُميَّة) ، انتهي (2).

وظني القوي : أن القرآن بخط علي عليه السلام لا يوجد إلا عند الحجّة صلوات الله عليه ، وأن القرآن المُدعی کونه بخطه عليه السلام هو علي بن أبي طالب المغربي ، وكان معروفاً بحسن الخط الكوفي ، ونظير هذا القرآن بذلك الرقم بعينه يوجد في مصر في مقام رأس الحسين عليه السلام ، كما ذكرنا : أنه كان يوجد نظيره أيضاً في المرقد العلوي المرتضوي ، وأنه احترق فيما احترق.

هذا وربّما يُنقل عن بعض أنَّ مشهد السيِّد أحمد المذكور في بلخ ، والله العالم.

وفي بيرم من أعمال شیراز مشهد يُنسب إلى أخي السيِّد أحمد يُعرف عندهم بشاه علي أكبر ، ولعلّه هو الَّذي عدّه صاحب (العمدة) من أولاد موسی بن

ص: 55


1- ينظر تفصيل ذلك في : الصحيح من مسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 4 : 196 - 197.
2- کليات أبي البقاء = كليات العلوم = الإعراب.

جعفر عليه السلام وسمّاه علياً (1).

القاسم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام

وأمّا القاسم بن موسى عليه السلام كان يحبُّه أبوه حبّاً شديداً ، وأدخله في وصاياه ، وفي باب الإشارة والنصّ على الرضا عليه السلام من الكافي في حديث أبي عمارة ، يزيد بن سليط الطويل ، قال أبو إبراهيم : «اُخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي ، فأوصيت إلى ابني فلان - يعني : علياً الرضا عليه السلام - وأشركت معه بنيّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن ، فأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني ؛ لحبِّي إياه ، ورأفتي عليه ، ولكنَّ ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ ، يجعله حيث يشاء. ولقد جاءني بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجدّي علي عليه السلام ، ثُمَّ أرانيه وأراني من يكون معه ، وكذلك لا يوصّى إلى أحد منَّا حَتَّى يأتي بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجدّي علي عليه السلام ، ورأيت مع رسول الله خاتماً ، وسيفاً ، وعصاً ، وكتاباً ، وعمامة ، فقلت : ما هذا يا رسول الله؟ فقال لي : أمّا العمامة فسلطان الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا السيف فعزّ الله تبارك وتعالى ، وأمّا الكتاب فنور الله تبارك وتعالى ، وأمّا العصا فقوة الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأُمور.

ثُمَّ قال لي : والأمر قَدْ خرج منك إلى غيرك ، فقلت : يا رسول الله ، أرنيه أيّهم هو؟ فقال رسول الله : ما رأيتُ من الأئمّة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك ، ولو كانت الإمامة بالمحبة ؛ لكان إسماعيل أحبّ إلى أبيك منك ، ولكنَّ ذلك من الله» (2).

وفي الكافي أيضاً ، بسنده إلى سليمان الجعفري ، قال : «رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : قُم يا بني ، فاقرأ عند رأس أخيك : ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ (3) حَتَّی

ص: 56


1- عمدة الطالب : 197.
2- الكافي 1 : 315 ضمن ح 14.
3- بداية سورة الصافات.

تستتمها ، فقرأ ، فلمَّا بلغ : ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ (1) قضى الفتى ، فلمَّا سُجِّي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر ، فقال له : كنا نعهد الميِّت إذا نزل به الموت يُقرأ عنده : ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ (2) ، فصرت تأمرنا بالصافات؟! فقال : يا بني ، لم تُقرأ عند مکروب من موت قطّ إلّا عجَّل الله راحته» (3).

ونصّ السيِّد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة القاسم ، وقرنه بالعبَّاس ابن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلي بن الحسين عليه السلام المقتول بالطف. وذكر لهم ولمن يجري مجراهم زيارة يزارون بها ، من أرادها وقف عليها في كتابه (مصباح الزائرين) (4).

وقال في البحار : (والقاسم بن الكاظم عليه السلام - الَّذي ذكره السيد رحمه الله - قبره قريب من الغريّ) (5).

ص: 57


1- سورة الصافات : من آية 11.
2- بداية سورة يس المباركة.
3- الكافي 3 : 126 ح 5.
4- مصباح الزائر : 503.
5- بحار الأنوار 99 : 376 ، تحفة الزائر : 699 ، وقال المحقّق السيِّد محمّد مهدي الخرسان حفظه الله ورعاه في هامش ص 283 من بحار الأنوار ج 48 ما نصّه : (القاسم بن موسی بن جعفر : كان يحبه أبوه حباً شديداً ، وأدخله في وصاياه ، وقد نصّ السيِّد الجليل النقيب الطاهر رضی الدین علي بن موسی بن طاووس في كتابه (مصباح الزائر) على استحباب زيارته ، وقرنه بأبي الفضل العبَّاس ابن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين الأكبر المقتول بالطف ، وذكر لهم ولمن يجرى مجراهم زيارة ذكرها في كتابه (مصباح الزائر) - مخطوط - وقبر القاسم قريب من الحلة السيفية عند الهاشمية ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس للزيارة وطلب البركة وقد ذكر قبره ياقوت في (معجم البلدان) ، والبغدادي في (مراصد الاطلاع) ، أن شوشة قرية بأرض بابل ، أسفل من حلة بني مزيد ، بها قبر القاسم بن موسی بن جعفر .. إلخ). (معجم البلدان 3 : 372 ، مراصد الاطلاع 2 : 819). وقال في 99 : 275 بالهامش منه ، ما نصّه : لقد سبق أنّا ذكرنا في هامش ص 283 ج 48 من البحار (الطبعة الإسلامية) في باب أحوال أولاد الإمام موسی بن جعفر عليه السلام شيئاً من ترجمة القاسم ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام ، وذكرنا أن قبره قريب من الحلة السيفية عند الهاشمية ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس للزيارة وطلب البركة ، ثُمَّ ذكرنا قول ياقوت في معجمه والبغدادي في مراصده [معجم البلدان 3 : 372 ، مراصد الاطلاع 2 : 815] : أن بشوشة - قرية بأرض بابل أسفل من حلة بني مزيد - قبر القاسم بن موسی بن جعفر ، ولم يكن ذكرنا لقول ياقوت وابن عبد الحق البغدادی اختياراً منا لقولهما ، بل ذكرنا أولاً اختيارنا وذكرنا قولهما ثانياً إحاطة للقاري بما ذهب إليه هذان في كتابهما ، ولكن مع الأسف الشديد أن يتوهم بعض المعلّقين المحدثين أن ذكرنا لقول ياقوت وصاحبه اختيار منا لذلك ، فنسبه إلينا وهذا الوهم من سوء الفهم ونسأله التسديد والعصمة. ولا يعزب عن ذهن القارئ أن ما ذهب إليه شيخنا المؤلف في تعيين قبر القاسم المذكور حيث قال : وقبره قريب من الغري ، إنما هو مبني على ظنه أو أنه من سهو القلم والعصمة لله وحده ، واحتمال أن يكون مراده قربه من الغري بالنسبة إلى بعده عن بلده إصفهان كما احتمله بعضهم ، بعید غايته. وقد اشتهر عن الرضا عليه السلام أنه قال : من لم يزرني ، فلیزر أخي القاسم ، ولم أقف على مصدر لهذا الحديث إلا أنه مستفيض ، حَتَّى نظمه بعض الشعراء ، ومنهم السيِّد علي بن يحيى بن حديد الحسيني من أعلام القرن الحادي عشر ، وقد ترجمه صاحب (نشوة السلافة) ، فقد نظم السيِّد المذكور الحديث المشهور بقوله مخاطباً القاسم عليه السلام كما في البابليات ج 1 ص 162 : ايُّها السيِّدُ الَّذي جاءَ فيه *** قولُ صدقٍ ثِقاتُنا تَرويهِ بصحيحِ الإسنادِ قَدْ جاءَ حَقّاً *** عن أخيهِ لاُمِّهِ وأبيهِ إنّني قَدْ ضمِنتُ جناتِ عَدْنٍ *** للَّذي زارَني بِلا تَمويهِ وإذا لم يُطِقْ زيارَةَ قبري *** حَيثُ لم يستطع وُصولاً إليهِ فَلْيَزُرْ في العراقِ قَبر أخي *** القاسِمِ وَلَيُحْسِنِ الثناءَ عَليهِ [نشوة السلافة ج 2 مخطوط ، ونسخته في مكتبة الإمام الحكيم في النجف الأشرف ، وطُبع الجزء الأول منه دون الثاني بتحقيق السيِّد محمّد بحر العلوم ، وهو من منشورات المكتبة المذكورة]

وما هو معروف في الألسنة من أن الرضا عليه السلام قال فيه : «من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم» كذب ، لا أصل له في أصل من الاُصول ، وشأنه أجلّ من أن يُرغَّب الناس في زيارته بمثل هذه الأكاذيب (1).

محمّد ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام

وأمّا محمّد بن موسى عليه السلام : ففي الإرشاد : (أنه من أهل الفضل ، والصلاح - ثُمَّ

ص: 58


1- قاله المتتبع الخبير الشيخ ميرزا حسين النوري رحمه الله في كتابه (جنة المأوى) والمنضم إلى بحار الأنوار 53 : 256 بالهامش.

ذكر ما يدل على مدحه ، وحسن عبادته -) (1).

وفي رجال الشيخ أبي علي ، نقلاً عن حمد الله المستوفي في (نزهة القلوب) : (أنه مدفون أخيه شاه جراغ في شيراز ، وصرّح بذلك أيضاً السيِّد الجزائري في الأنوار ، قال : وهما مدفونان في شيراز ، والشيعة تتبرّك بقبورهما (بقبريهما - ظ) ، وتكثر زيارتهما ، وقد زرناهما كثيراً) ، انتهى (2).

يقال : (إنه في أيام الخلفاء العبَّاسية (العبَّاسيين - ظ) دخل شیراز واختفى بمكان ، ومن أجرة كتابة القرآن أعتق ألف نسمة) (3).

واختلف المؤرخون في : أنه الأكبر ، أو السيِّد أحمد؟

وكيف كان : فمرقده في شيراز معروف ، بعد أن كان مخفياً على زمان أتابك ابن سعد بن زنكي ، فبُني له قُبَّة في محلَّة (باغ قتلغ) ، وقد جُدّد بناؤه مرات عديدة :

منها : في زمان السلطان نادر خان ، وفي سنة 1296 رمثه (4) النواب اُويس ميرزا

ص: 59


1- الإرشاد 2 : 245 ، وإليك نصّ المدح : «أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى قال : حدثني جدّي قال : حدثني هاشمية مولاة رقية بنت موسی قالت : كان محمّد بن موسی صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كله يتوضأ يصلي ، فنسمع سكب الماء والوضوء ، ثُمَّ يصلي ، ليلاً ثُمَّ يهدأ ساعة فيرقد ، ويقوم فنسمع سكب الماء والوضوء ثُمَّ يصلي ثُمَّ يرقد سويعة ، ثُمَّ يقوم فنسمع سكب الماء والوضوء ، ثُمَّ يصلي ، فلا يزال ليله كذلك حَتَّى يُصبح ، وما رأيته قط إلا ذكرت قول الله تعالى : ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [سورة الذاريات : آية 17]».
2- منتهى المقال 6 : 210 رقم 2894 ، نزهة القلوب عنه روضات الجنات 1 : 43 ، الأنوار النعمانية 1 : 380.
3- روضات الجنات 1 : 42.
4- رمثه : أصلحه. انظر المعجم الوسيط : 371.

ابن النواب الأعظم ، العالم ، الفاضل الشاه زاده فرهاد ميرزا القاجاري (1).

الحسين ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام

وأمّا الحسين بن موسی ويلقّب بالسيد علاء الدين ، فقبره أيضاً في شيراز ، معروف ذكره شيخ الإسلام : شهاب الدين أبو الخير حمزة بن حسن بن مودود ، حفيد الخواجة : عز الدين مودود بن محمّد بن معين الدين محمود ، المشهور بزر کوش الشيراز ، المنسوب من طرف الأم إلى أبي المعالي مظفر الدین بن محمّد بن روزبهان ، توفّي حدود سنة 800 ﻫ ذكره المؤرخ الفارسي في تاريخه المعروف بشیراز نامة ، وملخَّصُ ما ذكره :

إنَّ قتلغ خان كان والياً على شيراز ، وكان له حديقة في مكان ، حيث هو مرقد السيِّد المذكور ، وكان بوّاب تلك الحديقة رجلاً من أهل الدين ، وكان يرى في ليالي الجمعة نوراً يسطع من مرتفع في تلك الحديقة ، فأبدى حقيقة الحال إلى الأمير : قتلغ ، وبعد مشاهدته لما كان يشاهده البوّاب ، وزيادة تجسّسه وكشفه عن ذلك المكان ؛ ظهر له قبر ، وفيه جسد عظيم ، في كمال العظمة ، والجلال ، والطراوة ، والجمال ، بيده مصحف ، وبالأُخرى سيف مصلت.

فبالعلامات والقرائن علموا : أنه قبر حسين بن موسى عليه السلام ، فبنى له قُبَّة ورواقاً.

الظاهر : أن قتلغ خان هذا ، غير الَّذي حارب أخاه السيِّد أحمد ، ويمكن أن تكون الحديقة باسمه ، والوالي الَّذي أمر ببناء مشهده غيره ، فإن قتلغ خان لقب جماعة ، كأبي بكر بن سعد الزنكي ، واحدٌ [من] (2) أتابكية أذربيجان ، بل هم (3) من

ص: 60


1- الفوائد الرجالية 1 : 428 بالهامش.
2- زيادة منا اقتضاها تمام المعنى.
3- أي الدولة الأتابكية ، ومن الملاحظ أن الجملة تحمل شيئاً من الارتباك.

الدول الإسلامية ، كرسيُّ ملكها : کرمان ، عدد ملوكها : ثمانية ، نشأت سنة 619 ﻫ، وانقضت سنة 703 ﻫ ؛ إذ من المعلوم أن ظهور مرقده كان بعد وفاته بسنين.

وكتب بعضهم : أن السيِّد علاء الدين حسين كان ذاهباً إلى تلك الحديقة فعرفوه أنه من بني هاشم ، فقتلوه في تلك الحديقة ، وبعد مضي مدَّة ، وزوال آثار الحديقة ، بحيث لم يبق منها إلا ربوة مرتفعة ، عرفوا قبره بالعلامات المذكورة. وكان ذلك في دور الدولة الصفوية.

وجاء رجل من المدينة يقال له : ميرزا علي وسكن شیراز ، وكان مثرياً ، فبنی عليه قُبَّة عالية ، وأوقف عليه أملاكاً وبساتين ، ولمّا توفّي دُفن بجنب البقعة ، وتولية الأوقاف كانت بيد ولده ميرزا نظام الملك ، أحد وزراء تلك الدولة ، ومن بعده إلى أحفاده ، والسلطان خليل الَّذي كان حاكماً في شيراز من قبل الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي ، رمث (1) البقعة المذكورة ، وزاد على عمارتها السابقة في سنة 810.

حمزة ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام

وأمّا حمزة بن موسی : فهو المدفون في الري ، في القرية المعروفة : بشاه زاده عبد العظيم ، وله قُبَّة وصحن ، وخدّام.

وكان الشاهزادة عبد العظيم على جلالة شأنه ، وعظم قدره ، يزوره أيام إقامته في الريَّ ، وكان يُخفي ذلك على عامَّة الناس ، وقد أسرّ على بعض خواصه : أنه قبر رجل من أبناء موسی بن جعفر عليه السلام (2). (3)

ص: 61


1- رمثه : أصلحه. انظر : المعجم الوسیط : 371.
2- تحفة الزائر: 669.
3- قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله : (حدثنا جعفر بن محمّد أبو القاسم قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال : حدثنا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي قال : كان عبد العظيم ورد الري هارباً من السلطان ، وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي ، وكان يعبد الله في ذلك السرب ، ويصوم نهاره ، ويقوم ليله ، وكان يخرج مستتراً ، فيزور القبر المقابل قبره ، وبينهما الطريق ، ويقول : هو قبر رجل من ولد موسی بن جعفر عليه السلام). (رجال النجاشي : 247 رقم 635).

وممَّن فاز بقرب جواره بعد الممات : هو الشيخ الجليل ، السعيد ، قدوة المفسرین : جمال الدين أبو الفتوح حسين بن علي الخزاعي الرازي : صاحب التفسير المعروف ب-(روض الجنان) في عشرين مجلّداً فارسياً ، إلّا أنّه عجیب ، ومكتوب على قبره اسمه ونسبه بخطّ قدیم. فما في مجالس المؤمنين من أن قبره في أصفهان ، بعيد جداً (1).

وفي تبریز : مزار عظيم يُنسب إلى حمزة ، وكذلك في قم في وسط البلدة ، وله ضریح. وذكر صاحب (تاريخ قم) : (أنه قبر حمزة ابن الإمام موسى عليه السلام) (2).

والصحيح : ما ذكرنا ، ولعلَّ المزار المذكور لبعض أحفاد موسی بن جعفر عليه السلام.

القبران في مشهد الكاظمين عليهما السلام

وأمّا المرقدان في صحن الكاظمين عليهما السلام فيقال : إنهما من أولاد الكاظم عليه السلام ، ولا يُعلم حالهما في المدح والقدح ، ولم أر من تعرّض لهذين المرقدين.

نعم ، ذكر العلّامة السيِّد مهدي القزويني في مزار کتابه (فلك النجاة) : (أن الأولاد الأئمة قبرين مشهورين في مشهد الإمام موسى عليه السلام من أولاده ، لكن لم يكونا من المعروفين. وقال: إن أحدهم اسمه : العبَّاس ابن الإمام موسى عليه السلام ، الَّذي ورد في

ص: 62


1- مجالس المؤمنين 1 : 490.
2- تاريخ قم : 584 ، منتهى الآمال 2 : 305.

حقّه القدح). انتهى (1).

قلت : والمكتوب في لوح زيارة المرقدين أن أحدهما إبراهيم ، وقد تقدم أنه أحد المدفونين في الصحن الكاظمي.

والآخر : إسماعيل. ولعل الَّذي يُعرف بإسماعيل : هو العبَّاس بن موسى. وقد عرفت ذمَّه من أخيه الرضا عليه السلام بما لا مزيد عليه ، ويؤيده ما هو شائع على الألسنة : من أن جدّي بحر العلوم - طاب ثراه - لمّا خرج من الحرم الكاظمي أعرض عن زيارة المشهد المزبور ، فقيل له في ذلك ؛ فلم يلتفت (2).

[إسماعيل ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام]

وأمّا إسماعيل بن موسی ، الَّذي هو صاحب الجعفريات ، فقبره في مصر (3) ، وكان ساكناً به ، وولده هناك ، وله كتب يرويها عن أبيه ، عن آبائه ، منها : کتاب الطهارة ، کتاب الصلاة ، کتاب الزكاة ، کتاب الصوم ، کتاب الحج ، کتاب الجنائز ، کتاب الطلاق ، کتاب الحدود ، کتاب الدعاء ، کتاب السنن والآداب ، کتاب الرؤيا. كذا في رجال النجاشي (4).

ص: 63


1- المزار : 139.
2- ينظر عن تعدد إبراهيم وحاله : الفوائد الرجالية 1 : 414 - 435 ، وقد هُدم قبراهما في العقد المنصرم ، ورأيت صورة قبريهما في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف ، وقال الشيخ القمي في منتهى الأمال 2 : 292 : (إن إبراهيم بن موسى توفي في بغداد ، ودُفن في مقابر قريش مع أبيه عليه السلام في قبر منفصل معروف) ، انتهى. وسيأتي كلام الطقطقي عن قبره ، فلاحظ.
3- لم يُذكر أن قبره بمصر ، وإنما نُصّ علی سکنه بها ومن بعده أولاده وأحفاده ، والظاهر أنه يرد على سبيل الاحتمال.
4- رجال النجاشي : 26 رقم 48.

وفي تعليقات الرجال : (أن كثرة تصانيفه ، وملاحظة عنواناتها ، وترتيباتها ، ونظمها ، تشير إلى المدح ، مضافاً إلى ما في [خبر] (1) صفوان بن يحيى : أن أبا جعفر - أعني : الجواد عليه السلام - بعث إليه بحنوط : وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه.

قال : والظاهر : أنه هذا ، وفيه أشعار بنباهته) ، انتهى (2).

وفي مجمع الرجال لمولانا عناية الله : (أنه هو جزماً ، وقال : يدل على زيادة جلالته جداً) (3).

وفي رجال ابن شهر آشوب : (إسماعيل بن موسی بن جعفر الصادق عليه السلام سكن مصر وولده بها ، ثُمَّ عدّ كتبه المذكورة) (4).

ولا يخفى ظهور كون الرجل من الفقهاء عندهم ، وفي القرية المعروفة : بفيروز کوه ، مزار ينسب إلى إسماعيل ابن الإمام موسی عليه السلام أيضاً (5).

وأمّا إسحاق : فمن نسله الشريف أبو عبد الله ، المعروف : بنعمة ، وهو محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن إسحاق بن موسی بن جعفر عليه السلام ، الَّذي كتب الصدوق له (من لا يحضره الفقيه) ، كما صرّح به في أول الكتاب المزبور (6).

قبر حمزة في أطراف الحلّة

يوجد في أطراف الحلَّة مزار عظيم ، وله بقعة وسيعة ، وقبة رفيعة تُنسب إلى

ص: 64


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنی.
2- تعليقة على منهج المقال : 93 ، وخبر صفوان ورد في اختيار معرفة الرجال 2 : 792 ح 961.
3- مجمع الرجال 1 : 244 ، 3 : 218.
4- معالم العلماء : 43 رقم 31.
5- فیروز کوه : نسبة إلى قلعة في ولاية غُوْر الواقعة بين هراة وغزنة. (معجم البلدان 4 : 218).
6- من لا یحضره الفقيه 1 : 2 ، وينظر عن أحواله وموضع قبره : منتهی الآمال 2 : 312.

حمزة ابن الإمام موسی عليه السلام (1) ، تزوره الناس وتنقل له الكرامات. ولا أصل لهذه الشهرة. بل هو قبر حمزة بن قاسم بن علي بن حمزة بن حسن بن عبيد الله بن العبَّاس ابن أمير المؤمنين عليه السلام ، المكنَّى بأبي يَعلَى (2) ، ثقة جليل القدر ذكره

ص: 65


1- وأقدم من ذكره بهذه النسبة ابن الطقطقي (ت 709 ﻫ) في (الأصيلي) إذ قال في ص 180 منه : (وقبره بمشهد الغربات بالصدرين ، رستاق من بلاد الحلة المزيدية) انتهى. أفادنا بذلك شيخ إجازتنا العلّامة السيِّد عبد الستار الحسني دام توفيقه ، كما ذكر بذلك في نبذة الغري في أحوال الحسن الجعفري ، وألّف في ترجمته الشيخ محمّد علي الأوردبادي رحمه الله رسالة باسم : (المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلی) وطُبعت بتحقيق السيِّد جودت القزويني.
2- حكاية تصحيح النسبة لقبره رضي الله عنه ذكرها الشيخ حسين النوري رحمه الله في كتابه (جنة المأوى) المطبوع مع بحار الأنوار 53 : 286 - 287 رقم 45 ، ونصّها : (قال سلمه الله : وحدثني الوالد أعلى الله مقامه [المتحدث هو ابن السيِّد محمّد مهدي القزويني (ت 1300 ﻫ)] قال : لازمت الخروج إلى الجزيرة مدة مديدة ؛ لأجل إرشاد عشائر بني زيد إلى مذهب الحق ، وكانوا كلهم على رأي أهل التسنّن ، وببركة هداية الوالد قدس سره وإرشاده ، رجعوا إلى مذهب الإمامية كما هم عليه الآن ، وهم عدد كثير يزيدون على عشرة آلاف نفس ، وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم ، يزوره الناس ويذكرون له كرامات كثيرة ، وحوله قرية تحتوي على مائة دار تقريباً. قال قدس سره : فكنت أستطرق الجزيرة وأمرّ عليه ولا أزوره ؛ لما صحّ عندي أن الحمزة بن الكاظم مقبور في الري مع عبد العظيم الحسني ، فخرجت مرة على عادتي ونزلت ضيفاً عند أهل تلك القرية ، فتوقعوا مني أن أزور المرقد المذكور فأبيت ، وقلت لهم : لا أزور من لا أعرف ، وكان المزار المذكور قلّت رغبة الناس فيه لإعراضي عنه ، ثُمَّ ركبت من عندهم وبتّ تلك الليلة في قرية المزيدية ، عند بعض ساداتها ، فلمَّا كان وقت السحر جلست لنافلة الليل وتهيأت للصلاة ، فلمَّا صليت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر ، وأنا على هيئة التعقيب إذ دخل علي سيد أعرفه بالصلاح والتقوى ، من سادة تلك القرية ، فسلّم وجلس. ثُمَّ قال : يا مولانا بالأمس تضيّفت أهل قرية الحمزة ، وما زرته؟ قلت : نعم ، قال : ولِمَ ذلك؟ قلت : لأني لا أزور من لا أعرف ، والحمزة بن الكاظم مدفون بالري ، فقال : ربّ مشهور لا أصل له ، ليس هذا قبر الحمزة بن موسى الكاظم وإن اشتهر أنه كذلك ، بل هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العبَّاسي أحد علماء الإجازة وأهل الحديث ، وقد ذكره أهل الرجال في كتبهم ، وأثنوا عليه بالعلم والورع ، فقلت في نفسي : هذا السيِّد من عوام السادة ، وليس من أهل الاطلاع على الرجال والحديث ، فلعله أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء ، ثُمَّ قمت لأرتقب طلوع الفجر ، فقام ذلك السيِّد وخرج وأغفلت أن أسأله عمّن أخذ هذا لأن الفجر قّدْ طلع ، وتشاغلت بالصلاة ، فلمَّا صليت جلست للتعقيب حَتَّى طلع الشمس وكان معي جملة من كتب الرجال ، فنظرت فيها وإذا الحال كما ذکر ، فجاءني أهل القرية مسلّمين عليّ وفي جملتهم ذلك السيد ، فقلت : جئتني قبل الفجر وأخبرتني عن قبر الحمزة ، أنه أبو يعلی حمزة بن القاسم العلوي فمن أين لك هذا وعمّن أخذته؟ فقال : والله ما جئتك قبل الفجر ولا رأيتك قبل هذه الساعة ، ولقد كنت ليلة أمس بائتاً خارج القرية - في مكان سماء - وسمعنا بقدومك ، فجئنا في هذا اليوم زائرين لك ، فقلت لأهل القرية : الآن لزمتي الرجوع إلى زيارة الحمزة فإني لا أشكّ في أن الشخص الَّذي رأيته هو صاحب الأمر عليه السلام ، قال : فركبت أنا وجميع أهل تلك القرية لزيارته ، ومن ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهوراً تاماً علی وجه صار بحيث تُشدّ الرحال إليه من الاماكن البعيدة. قلت : في رجال النجاشي : حمزة بن القاسم بن علي بن حمزه بن الحسن بن عبيد الله بن العبَّاس بن علي بن أبي طالب عليه السلام أبو یعلی ، ثقة جلیل القدر ، من أصحابنا ، کثير الحديث ، له كتاب من روى عن جعفر بن محمّد عليهما السلام من الرجال ، وهو كتاب حسن. وذكر الشيخ الطوسي أنه يروي عن سعد بن عبد الله ، ويروي عنه التلعکبري رحمه الله إجازة ، فهو في طبقة والد الصدوق).

النجاشي في الفهرست ، وقال : (إنه من أصحابنا ، كثير الحديث ، له كتاب من روى عن جعفر بن محمّد عليه السلام من الرجال ، وهو كتاب حسن ، وكتاب التمهید ، وكتاب الزيارات والمناسك ، وكتاب الرد على محمّد بن جعفر الأسدي) (1).

زيد ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام

وأمّا زيد فقد خرج بالبصرة ، فدعا إلى نفسه ، وأحرق دوراً ، وأعاث ، ثُمَّ ظُفر به وحُمل إلى المأمون.

قال زيد : (لمّا دخلت على المأمون نظر إليّ ثُمَّ قال : اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى ، فتركني بين يديه ساعة واقفاً ، ثُمَّ قال : يا زيد ، سوءةً لك : ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وآله إذا سفكت الدماء ، وأخفتَ السبيل ، وأخذت المال من غير حلّه ، غرّك حديث حمقى أهل الكوفة : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّمها الله وذرِّيتها على النار ، إن هذا لمن خرج من بطنها : الحسن والحسين عليهما السلام فقط. والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله ؛ فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته ، إنك إذاً لأكرم عند الله منهم) (2).

وفي العيون : (إنه عاش زيد بن موسى إلى آخر خلافة المتوكّل ، ومات بسُرَّ من

ص: 66


1- رجال النجاشي : 140 رقم 364.
2- کشف الغُمَّة 3 : 104.

رأى) (1).

وكيف كان فهذا زيد هو المعروف بزيد النار ، وقد ضعَّفه أهل الرجال ، ومنهم : المجلسي في وجيزته (2).

وفي العمدة : (أنه حاربه الحسن بن سهل ، فظفر به ، وأرسله إلى المأمون ، فأدخله عليه بمرو مقيَّداً ، فأرسله المأمون إلى أخيه علي الرضا عليه السلام ، ووهب له جرمه ، فحلف علي الرضا عليه السلام : أن لا يكلّمه أبداً ، وأمر بإطلاقه ، ثُمَّ إنَّ المأمون سقاه السمَّ فمات) (3).

حكيمة بنت الإمام موسی بن جعفر عليه السلام

هذا وقال ابن شهر آشوب صاحب المعالم (4) : (حكيمة بنت أبي الحسن موسی بن جعفر عليه السلام قالت : لمّا حضرت ولادة الخيزران اُمّ أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا عليه السلام ، فقال : يا حكيمة ، أحضري ولادتها ، وادخُلي وإيَّاها والقابلةَ بيتاً. ووضع لنا مصباحاً ، وأغلق الباب علينا ، فلمَّا أخذها الطلق طُفي المصباح وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست ، وإذا

ص: 67


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 259 ضمن ح 3 ، ويدل عليه ما رُوي في (الثاقب في المناقب) لابن حمزة الطوسي : 540 ح 481 / 5 ، عن الطيب بن محمّد بن الحسن بن شمون ، قال : (ركب المتوكّل ذات يوم وخلفه الناس ، وركب آل أبي طالب إلى أبي الحسن عليه السلام ؛ ليركبوا بركوبه ، فخرج في يوم صائف شديد الحر ، والسماء صافية ما فيها غيم ، وهو عليه السلام معقود ذنب الدابة بسرج جلود طويل وعليه ممطر وبرنس ، فقال زيد بن موسى بن جعفر لجماعة آل أبي طالب : انظروا إلى هذا الرجل يخرج مثل هذا اليوم كأنه وسط الشتاء ، قال : فساروا جميعاً فما جاوزوا الجسر ولا خرجوا عنه حَتَّى تغيّمت السماء ، وأرخت عزاليها كأفواه القرب ، وابتلّت ثياب الناس ، فدنا منه زيد بن موسى بن جعفر وقال : يا سيدي ، أنت قَدْ علمت أن السماء قَدْ تمطر ، فهلا أعلمتنا ، فقد هلكنا وعطبنا).
2- الوجيزة في الرجال : 84 رقم 800.
3- عمدة الطالب : 221.
4- في الأصل : (في المعالم) والصحيح ما أثبتناه.

عليه شيء رقيق ، كهيئة الثوب ، يسطع نوره حَتَّى أضاء البيت ، فأبصرناه ، فأخذته فوضعته في حجري ، ونزعت عنه ذلك الغشاء.

فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب ، وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد ، وقال : يا حكيمة إلزمي مهده. قالت : فلمَّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ، [ثُمَّ نظر يمينه ويساره] (1) ، ثُمَّ قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله. فقمتُ ذَعِرَةً فَزِعَةً ، فأتيت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت له : قَدْ سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال : ما ذاك؟ فأخبرته الخبر ، فقال : يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر) ، انتهى (2).

وحكيمة بالكاف - كما صرّح به جدّي بحر العلوم رحمه الله : (وأمّا حليمة - باللام - فمن تصحيف العوام) (3).

قلت : وفي جبال طريق بهبهان مزار ، يُنسب إليها ، يزوره المتردِّدون من الشيعة (4).

فاطمة المعروفة بمعصومة قم

وأمّا فاطمة : فقد روى الصدوق في (ثواب الأعمال) ، و (العيون) أيضاً ، بإسناده ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن فاطمة بنت موسی بن جعفر عليها السلام؟ فقال : «من زارها فله الجنَّة» (5).

وفي كامل الزيارة مثله ، وفيه أيضاً بإسناده عن ابن الرضا - أعني : الجواد عليه السلام -

ص: 68


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 3 : 499.
3- الفوائد الرجالية 2 : 316.
4- ينظر ترجمتها بالتفصيل في : مجموعة الآثار 2 : 229 رقم 20.
5- ثواب الأعمال : 98 ، عیون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 299 ح 1.

قال : «من زار عمَّتي بقم فله الجنَّة» (1).

وفي مزار البحار : رأيت في بعض كتب الزيارات : حدّث علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : «يا سعد ، عندكم لنا قبر؟ قلت : جُعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسی عليهما السلام ، قال : نعم ، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنَّة» (2).

وعن (تاريخ قم) للحسن بن محمّد القمي : بإسناده عن الصادق عليه السلام قال : «إن لله حرماً وهو مكة ، ولرسوله حرماً وهو المدينة ، ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، ولنا حرماً وهو قم ، وستُدفن فيه امرأة من ولدي تسمی : فاطمة ؛ من زارها وجبت له الجنَّة. قال عليه السلام ذلك ولم تحمل بموسى عليه السلام اُمُّه» (3).

وبسند آخر عنه : «أن زيارتها تعدلُ الجنَّة» (4).

قلت : وهي المعروفة اليوم بمعصومة ، ولها مزار عظيم ، ويُذكر في بعض كتب التاريخ : أن القُبَّة الحالية التي على قبرها من بناء سنة 529 ﻫ، بأمر المرحومة : شاه بیکم بنت عماد بيك.

وأمّا تذهيب القُبَّة مع بعض الجواهر الموضوعة على القبر ، فهي من آثار السلطان : فتح علي شاه القاجاري (5).

ص: 69


1- کامل الزيارات : 536 ح 826 / 1 ، 827 / 2 تباعاً.
2- بحار الأنوار 99 : 265 ح 4.
3- تاريخ قم : 573 ، عنه بحار الأنوار 99 : 267 ح 5.
4- تاريخ قم : 573 ، عنه بحار الأنوار 99 : 267 ح 6.
5- ينظر ترجمتها بالتفصيل في : مجموعة الأثار 2 : 236 رقم 32 ، وقد ألفت فيها وفي تاريخ عمارة قبرها کتب مختصة فلتراجع.

وأمّا فاطمة الصغرى ، وقبرها في بادکوبة خارج البلد ، يبعد عنه بفرسخ من جهة جنوب البلد ، واقع في وسط مسجد بناؤه قدیم. هكذا ذكره صاحب مرآة البلدان.

وفي رشت مزار : (يُنسب إلى فاطمة الطاهرة : اُخت الرضا عليه السلام ، ولعلها غير من ذكرناها) (1).

فقد ذكر سبط ابن الجوزي في (تذكرة خواص الاُمَّة) في ضمن تعداد بنات موسی بن جعفر عليه السلام : (أربع فواطم : کبری ، ووسطی ، وصغرى ، واُخرى ، والله أعلم) (2).

تتميم

القاضي أبو يوسف

ومن جملة المدفونين بجنب الإمامين ، الهمامين ، الكاظمين عليهما السلام ، القاضي أبو يوسف : يعقوب بن إبراهيم ، أحد صاحبي أبي حنيفة ، والآخر هو محمّد بن الحسن الشيباني (3). كانت ولادة القاضي المذكور سنة 113 ﻫ، وتوفي وقت الظهر ، في الخامس من ربيع الأول ، سنة 182 ﻫ، وقبره بجنب مشهدهما عليه السلام معلوم (4).

فرهاد ميرزا القاجاري

وممَّن فاز أيضاً بقرب الجوار بعد الموت : النواب فرهاد ميرزا ، معتمد الدولة ، خلف المرحوم عبَّاس ميرزا ابن فتح علي شاه القاجاري ، وولي عهده السابق ،

ص: 70


1- ينظر ترجمتها بالتفصيل في مجموعة الآثار 2 : 235 رقم 31.
2- تذکرة الخواص 2 : 469.
3- ترجم له ابن حبان في كتابه المجروحين 2 : 275 ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 2 : 169 رقم 593.
4- ينظر ترجمته في : تاريخ بغداد 14 : 245 - 264 ، قاموس الرجال 11 : 123 رقم 8478 ، وكل من ذكره قال : إن وفاته كانت سنة 182 ﻫ، وقيل : 192 ﻫ، فلاحظ.

وكان من النواب المذكور من فحول فضلاء الدورة القاجارية ، معروفاً بوسعة التتبع والاستحضار ، خصوصاً في فَنَّي التاريخ والجغرافيا ، واللُّغة الإنكليسية.

وله مآثر مأثورة منها : كتابه الموسوم (بجام جم) في تاريخ الملوك والعالم ، وكتاب (القمقام الزخّار والصمصام البتّار) في المقتل ، وكتاب (الزنبيل) يجري مجرى الكشكول ، و (شرح خلاصة الحساب بالفارسية ، و (هداية السبيل وكفاية الدليل) رحلة زيارته بيت الله الحرام.

ومن أعظم آثاره : تعمير صحن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام ، وتذهیب رؤوس منائره الأربع ، كما هو المشاهد الآن ، ومدَّة التعمير ستّ سنين ، وفرغ من تعميره سنة 1299 ﻫ وتوفي سنة 1305 ﻫ في طهران ، وحُمل نعشه إلى الكاظمين عليهما السلام ، ودفن بباب الصحن الشريف الكاظمي ، حيث لا يخفى (1).

ص: 71


1- ينظر ترجمته في : أعيان الشيعة 8 : 397 ، الكنى والألقاب 3 : 190.

ص: 72

المقام الثامن: في الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

مولده عليه السلام

وكنيته : أبو الحسن الثالث ، كان مولده يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس ، وقيل : يوم الجمعة ، في الحادي عشر من شهر ذي القعدة ، وقيل : ذي الحجة ، سنة 148 من الهجرة على ما ذكره المفيد في (الإرشاد) ، والكليني في (الكافي) ، والشيخ في (التهذيب) (1) ، وقيل سنة 153 ﻫ (2).

ونسب إلى ما رواه (3) الصدوق : (من بعد وفاة الصادق عليه السلام بخمس سنين في المدينة) (4).

اُمُّه اُمّ ولد ، يقال لها : اُمّ البنين.

والمروي أن حميدة : اُمّ موسی بن جعفر عليهما السلام لمّا اشترتها. رأت رسول الله في المنام ، وقد أمرها بأن يقطعها (تقطعها - ظ) إلى الإمام موسی عليه السلام ، وأخبرتها (وأخبرها - ظ) بأنه يلد منها الرضا عليه السلام (5).

فصل في ذكر أولاده عليه السلام

قيل : لم يُعرف له ولد سوى ابنه الإمام محمّد بن علي ، كما هو في

ص: 73


1- الإرشاد 2 : 247 ، الكافي 1 : 486 ، تهذيب الأحکام 6 : 83.
2- ينظر : شرح إحقاق الحق 28 : 640.
3- عبارة : (ونسب إلى ما رواه) كان الأولى منها كلمة : (وقال) ؛ ليستقيم الكلام والمعنى ، فلاحظ.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 28.
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 26 ح 3.

(الإرشاد) (1) ، والأصح : أن له أولاد ، أو قَدْ ذكر غير واحد من العامة : له خمسة بنين ، وابنة واحدة. وهم :

محمّد القانع ، والحسن ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة (2).

وفي بعض كتب الأنساب : مذكورٌ العقبُ من بعضهم فلاحظ (3).

ص: 74


1- الإرشاد 2 : 271.
2- کشف الغُمَّة 3 : 60.
3- فائدة : قال الشيخ عزیز الله العطاردي في كتابه (مسند الإمام الرضا عليه السلام) 1 : 140 - 142 في باب ذکر أولاده ، ما نصّه : ([1] - قال المفيد رحمه الله : ومضى الرضا عليه السلام ، ولم يترك ولداً تعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام ، وكان سنّهُ يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا. [الإرشاد 2 : 271]. [2] - قال الطبرسي : وكان للرضا عليه السلام من الولد ، ابنه أبو جعفر محمّد بن علي الجواد لا غير [إعلام الوری 2 : 86]. [3] - قال الإربلي : وأمّا أولاده ، فكانوا ستة ، خمسة ذكور ، وبنت واحدة ، وأسماء أولاده : محمّد القانع ، الحسن ، جعفر ، إبراهيم ، الحسين ، وعائشة [كشف الغُمَّة 3 : 60]. [4] - ونقل عن الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي : أن له عليه السلام من الولد خمسة رجال وابنة واحدة : محمّد الإمام ، وأبو محمّد الحسن ، وجعفر ، وإبراهيم والحسين ، وعائشة [كشف الغُمَّة 3 : 60]. روى الإربلي بسنده ، عن حنان بن سدير قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام ، أيكون إمام ليس له عقب؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : أما إنه لا يولد لي إلا واحد ، ولكن الله منشئ منه ذرية كثيرة ، قال أبو خداش : سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة [كشف الغُمَّة 3 : 95]. [5] - قال ابن الخشاب : وُلد له خمسة ، وابنة واحدة ، أسماء بنیه : محمّد الإمام أبو جعفر الثاني ، أبو محمّد الحسين ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسن ، وعائشة فقط [تاريخ مواليد الأئمة عليهم السلام : 381]. [6] - قال ابن شهر آشوب : كان للرضا عليه السلام من الولد ، ابنه أبو جعفر عليه السلام لا غير. [7] - في كتاب العدد : كان له عليه السلام ولدان ، أحدهما محمّد والآخر موسى ، لم يترك غيرهما [العدد القوية : 294]. [8] - في كتاب الدر : مضي الرضا عليه السلام ولم يترك ولداً إلا أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام ، وكان سنّه يوم وفات أبيه سبع سنين وأشهر [الدر النظيم : 699]. [9] - قال ابن الجوزي : وأولاده ، محمّد الإمام أبو جعفر الثاني ، وأبو جعفر ، وأبو محمّد الحسن ، وابراهيم ، وابنة واحدة. [10] - قال محمّد بن طلحة : وأمّا أولاده ، فكانوا ستة ، خمسة ذكور ، وبنت واحدة ، وأسماء أولاده : محمّد القانع ، والحسن ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة [مطالب السؤول : 464]. [11] - قال ابن حزم : فولد علي الرضا : علي بن علي لم يعقب ، ومحمّد بن علي صهر المأمون والعقب له ، والحسين. [12] - قال ابن شهر آشوب : الأصل في مسجد زرد في كورة مرو ، أنه صلّى فيه الرضا عليه السلام ، فبنى مسجداً ، ثُمَّ دُفن فيه ولد الرضا عليه السلام ، ويروي فيه من الكرامات [مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 3 : 472]. [13] - قال العطاردي : ويظهر من رواية رواها الصدوق في العيون ، ونقلناها في مسنده الشريف في كتاب (الآداب والمواعظ) تحت رقم 28 ، بأن له عليه السلام بنتاً تسمى فاطمة ، وروت عنه عليه السلام ، وسند الحديث هكذا : حدثني أبو الحسن بكر بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن زياد بن موسی بن مالك الأشج العصري ، قال حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى قالت : سمعت أبي علياً يحدّث عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ... إلى آخر الحديث. ورأيت في كتاب (رشحات الفنون) من تأليفات أمين الدين أبي المكارم الحسيني الهروي المخطوط في مكتبة ملا فیروز - کاماهال - ببمئي من بلاد الهند ما هذا نصه : حضرت رضا عليه السلام أولاد ذكورش : أول محمّد تقي دوم أبو جعفر أكبر ، سوم أبو جعفر أصغر ، چهارم ابو محمّد الحسن ، پنجم إبراهيم ، ششم حسين ، إناث یکتن بود. وفي قزوين مزار مشهور ، يُعرف بشاهزاده حسين بن علي بن موسى الرضا عليهما السلام ، وله قُبَّة وروضة ، يُقصد ویُزار ، وذكر هذا المزار الرافعي في (التدوين في أخبار قزوين) ، وحمد الله مستوفي في تاريخه المسمى ب-(تاريخ گزيده) فليراجع) ، انتهى. وقد نقلته بتمامه لفائدة لا تخفى على اللبيب ، وأورد العطاردي ذكر مصادر قوله ، فلتراجع ، وأيضاً ذكر ولده عليه السلام إبراهيم الذهبي في تاريخ الإسلام 13 : 74 أحداث سنة 199 ﻫ.

مرقد سلطان إبراهيم

وفي قوجان مشهد عظيم يُعرف : بسلطان إبراهيم بن علي بن موسی الرضا عليه السلام.

صحائف قرآن بخط غريب

ومن عجيب ما يوجد في ذلك المشهد من الآثار بعض الأوراق من كلام الله المجيد هي بخط : بأي سنقر بن شاه رخ ابن أمير تیمور الكرر كاني يقال : إن السلطان نادر شاه الأفشاري جاء بها من سمرقند إلى هذا المشهد ، وطول الصفحة في ذراعين ونصف ، وعرضها في ذراع وعشرة عقود ، وطول السطر في ذراع ، وعرضه خمسة عقود ، والفاصل ما بين السطرين ربع ذراع ، بقلم غلیظ في عرض ثلاث أصابع (1).

والسلطان ناصر الدین شاه القاجاري : لمّا سافر إلى خراسان لزيارة الرضا عليه السلام

ص: 75


1- وقد رأيت أنا بعض تلك الصحائف في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام وهي باقية إلى زماننا هذا.

جاء بورقتين منها إلى طهران ، جعلها في متحفه الملوكي.

وفاة الإمام الرضا عليه السلام

وكيف كان : فإن المأمون الخليفة العبَّاسي أشخص الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان ، سنة 200 من الهجرة ، ولمّا رجع إلى بغداد ؛ لاختلال وقع في العراق ، أنهض معه الرضا عليه السلام ، وسمّه في قرية بطوس ، كما هو المشهور بين الإمامية ، فقُبض عليه السلام بها في يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر صفر ، وذكر الصدوق رحمه الله : في يوم الجمعة الإحدى والعشرين من رمضان (1).

وذكر المفيد رحمه الله في تاريخه : (أن اليوم الثالث والعشرين من ذي القعدة كانت وفاته ، سنة 203 ﻫ على المشهور) (2).

وفي الكافي عن محمّد بن سنان : (أنه قُبض عليه السلام في سنة 202 ﻫ) (3).

وذكر النجاشي في ترجمة أحمد بن عامر رواية تؤيّد هذا القول ، وهي : (أنه مات الرضا عليه السلام بطوس سنة اثنتين ومائتين يوم الثلاثاء ، لثمانٍ خلون من جمادی الأولى) (4).

كلمة لا إله إلا الله حصني

وأورد صاحب کتاب (تاريخ نيسابور) : (أن علياً الرضا ابن موسی بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين عليهم السلام ، لمّا دخل نیسابور كان في قُبَّة مستورة ، على بغلة شهباء ، وقد شقّ بها السوق ، فعرض له الإمامان الحافظان : أبو

ص: 76


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 274.
2- مسار الشيعة : 34.
3- الكافي 1 : 491.
4- رجال النجاشي : 100 رقم 250.

زرعة الرازي ، وابن أسلم الطوسي ، ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يُحصى ؛ فقالا : يا أيُّها السيِّد الجليل ابن السادة الأئمة ، بحق آبائك ، وأجدادك الأطهرين ، وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ، ورويت لنا حديثاً عن آبائك ، عن جدِّك نذكرك به. فاستوقف غلمانه ، وأمر بكشف المظلّة ، وأقرَّ عيون الخلائق برؤية طلعته ، وإذا له ذؤابتان متدلّيتان (1) على عاتقه ، والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باكِ ، وضارعِ (2) ، ومتمرِّغ في الترابِ ، ومقبّل لحافر بغلته ، وعلا الضجيج ، فصاحت الأئمَّة الأعلام : معاشر الناس أنصتوا ، واسمعوا ما ينفعكم ، ولا تؤذونا بصراخكم ، وكان المستملي أبا زرعة ، ومحمّد بن أسلم الطوسي.

فقال علي الرضا عليه السلام : «حدثني أبي موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمّد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن أبيه شهيد کربلا ، عن أبيه علي المرتضی ؛ قال : حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : حدّثني جبرئيل عليه السلام ، قال : حدَّثني ربّ العزَّة سبحانه وتعالى ، قال : كلمة لا إله إلا الله حصني ؛ فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي» ، ثُمَّ أرخی الستر على القُبَّة (3) ، وسار.

قال : قُعدّ أهل المحابر والدواوين الَّذين كانوا يكتبون ، فأنافوا على عشرين ألفا.

(قال أحمد : لو قُرئ هذا الإسناد علی مجنون لأفاق من جنونه) (4).

ص: 77


1- في الأصل ، وفي بعض المصادر : (متعلقتان) وما أثبتناه من المصدر وهو أقوم للنصّ ، فلاحظ.
2- ضارع : خضع وذل ، وفي بعض المصادر : (وصارخ) وهي أكثر ملاءمة مع سياق الكلام.
3- في الأصل : (على المظلّة) وما أثبتناه من المصدر.
4- ما بين القوسين لم يرد في تاريخ نيسابور ، وهو زيادة من المؤلف رحمه الله ، وهو مذكور في تاريخ إصفهان 1 : 138 ، وكان ينبغي منه رحمه الله أن يجعله بعد قول القشيري ، فلاحظ.

وقال أبو القاسم القشيري : اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض اُمراء السامانية ، فكتبه بالذهب ، وأوصى أن يُدفن معه في قبره ، فرُئي في المنام بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لي بتلفظي : بلا إله إلا الله ، وتصديقي : أنَّ محمّداً رسول الله.

هكذا أورده المنّاوي - من العامَّة - في شرحه الكبير على الجامع الصغير) (1).

وقال في الجواهر : (ولعلَّه لذا سُمّي بسلسلة الذهب ، وإنّي كثيراً ما أكتبه في كأس ، وأمحوه بماء ، وأضع عليه شيئاً من تربة الحسين ؛ فأرى تأثيره سريعاً والحمد لله. ولي فيه رؤيا عن أمير المؤمنين عليه السلام تصدّق ذلك ، لكنَّها مشروطة بالصدقة بخمسة قروش) (2).

وعن أمالي الصدوق رحمه الله بسنده عن إسحاق بن راهويه قال : «لما وافی أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور ، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع إليه أصحاب الحديث ، فقالوا : يا بن رسول الله ، ترحَلُ عنّا ، ولا تحدِّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وقد كان قعد في العمَّارية ، فأطلع رأسه ، وقال : سمعت أبي موسی بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول : سمعت أبي محمّد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سمعت جبرئيل عليه السلام يقول : سمعت الله عزَّ وجلَّ يقول : لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي. فلمّا مرّت الراحلة ، نادانا :

ص: 78


1- تاريخ نيسابور ، عنه فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 : 641 ، دون قول أحمد.
2- جواهر الكلام 4 : 226 بالهامش.

بشروطها ، وأنا من شروطها» (1).

فصل في ذكر ولاية العهد من المأمون للرضا عليه السلام

ذكر جماعة من أصحاب السِّير والتاريخ ، ورواة الأخبار بأيام الخلفاء : (أنَّ المأمون لمّا أراد ولاية العهد الرضا عليه السلام ، وحدّث نفسه بذلك وعزم عليه ، أحضر الفضل بن سهل ، وأخبره بما في عزمه ، وأمره بمشاورة أخيه الحسن في ذلك.

فاجتمعا وحضرا عند المأمون ، فجعل الحسن يعظّم ذلك عليه ، ويعرّفه ما في خروج الأمر عن أهل بيته.

فقال المأمون : إنّي عاهدت الله تعالى : إنّي إنْ ظفرتُ بالمخدوع - وفي نسخة الإرشاد (المخلوع) عوض (المخدوع) ، والمراد منه : محمّد الأمين - سلّمت الخلافة إلى أفضل بني طالب ، وهو أفضلهم ، ولا بدّ من ذلك.

فلمّا رأيا تصميمه ، وعزمه على ذلك ، أمسكا عن معارضته ، فقال : تذهبان إليه الساعة ، وتخبر انه بذلك عنّي ، وتلزمانه به.

فذهبا إلى الرضا عليه السلام وأخبراه بذلك وألزماه ، فامتنع ، فلم يزالا به حَتَّى أجاب على أنه : لا يأمر ولا ينهى ، ولا يعزل ولا يُولّي ، ولا يتكلَّم بين اثنين في حكومة ، ولا يغيّر شيئاً ممَّا هو قائم على أصله.

فأجابه المأمون إلى ذلك. ثُمَّ إنَّ المأمون جلس مجلساً لخواصّه من الوزراء والحجّاب والكتّاب ، وأهل الحلّ والعقد ، وكان ذلك في يوم الخميس ، لخمس خلون من شهر رمضان سنة 201 ﻫ، وقال للفضل بن سهل : أخبر الجماعة الحاضرين برأي

ص: 79


1- أمالي الصدوق : 305 ح 349 / 8 ، التوحيد : 25 ح 23 ، ثواب الأعمال : 6 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 144 ح 4.

أمير المؤمنين في الرضا علي بن موسى عليه السلام ، وأنّه : ولّاه العهد ، وأمرهم بلبس الخضرة ، والعود لبيعته في الخميس الثاني.

فحضروا ، وجلسوا على مقادیر طبقاتهم ومنازلهم ، كلّ في موضعه ، وجلس المأمون ، ثُمَّ جيء بالرضا عليه السلام ، فجلس بين وسادتين عظيمتين ، وُضعتا له ، وهو لابس الخضرة ، وعلى رأسه عمامة ، تقلّد سيفاً ، فأمر المأمون ابنه العبَّاس بالقيام إليه ، ومبايعته أول الناس.

فرفع الرضا عليه السلام يده وجعلها من فوق ، فقال له المأمون : ابسط يدك ، فقال : هكذا كان يبايع رسول الله صلى الله عليه وآله يده فوق أيديهم.

فقال له : افعل ما ترى. ثُمَّ وُضعت بِدَرُ الدراهم ، والدنانير ، والثياب ، والخِلَع. وقام الخطباء والشعراء ، وذكروا ما كان من أمر المأمون من ولاية عهده للرضا عليه السلام ، وذكروا فضل الرضا عليه السلام ، وفُرّقت الصّلات والجوائز على الحاضرين على حسب مراتبهم ، وأول من بُدئ به العلويون ، ثُمَّ العبَّاسيون ، ثُمَّ باقي الناس ، ثُمَّ إنَّ المأمون قال للرضا عليه السلام : قم فاخطب الناس.

فقام عليه السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، وثنّى بذکر نبيَّه محمّد صلى الله عليه وآله ، فصلّى عليه وقال : أيُّها الناس ، إنَّ لنا عليكم حقّاً برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكم علينا حقّ به ، فإذا أديتم إلينا ذلك ، وجب لكم علينا الحكم والسلام.

ولم يُسمع منه في هذا المجلس غير هذا ، وخُطب للرضا عليه السلام بولاية العهد في كلّ بلد ، وخطب عبد الجبّار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة. فقال في الدعاء للرضا عليه السلام وهو على المنبر : ولي عهد المسلمین علي بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام.

وأنشد :

ستَّة آباءٍ هُمُ ما هُمُ *** أفضلُ مَنْ يشرَبُ صوبَ الغَمامْ

ص: 80

وذكر المدائني ، قال : لمّا جلس الرضا عليه السلام ذلك المجلس ، وهو لابس تلك الخِلَع ، والشعراء ، والخطباء يتكلَّمون ، وتلك الألوية تخفق على رأس الرضا عليه السلام ، نظر إلى بعض أصحابه الحاضرين ممَّن كان يختصّ به ، وقد داخله من السرور ما لا مزيد عليه ؛ وذلك لِما رأى ، فأشار إليه الرضا عليه السلام ، فدنا منه ، فقال له في اُذنه سرّاً : لا تشغل قلبك بشيء ممَّا ترى من هذا الأمر ، ولا تستبشر به ؛ فإنَّه لا يتمّ) (1).

وهذه صورة مختصرة من كتاب العهد ، الَّذي كتبه المأمون بخطّه للرضا عليه السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد لعلي بن موسی بن جعفر وليّ عهده.

أمّا بعدُ : فإنَّ الله عزَّ وجلَّ اصطفى الإسلام ديناً ، واختار له من عباده رسلاً ، دالّین عليه ، وهادين إليه ، يبشّر أولهم بآخرهم ، ويصدّق تاليهم ماضيهم ، حَتَّى انتهت نبوَّةُ الله إلى محمّد صلى الله عليه على فترة من الرسل ، ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين ، وجعله شاهداً عليهم ومهيمناً ، وأنزل عليه كتابه العزيز الَّذي ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (2).

فلمَّا انقضت النبوة ، وختم الله بمحمّد صلى الله عليه وآله الرسالة ، جعل قوام الدين ، ونظام أمر المسلمين في الخلافة ونظامها ، والقيام بشرائعها وأحكامها ، ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، وحمل مشاقّها ، وخبر مرارةَ طعمها وذاقها ، مُسهِراً لعينيه ، مُنْصِباً لبدنه ، مُطيلاً لفكره ، فيما فيه عز الدين وقمع المشركين ، وصلاح الأمَّة وجمع الكلمة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسنة ، ومنعه لك من الخفض والدَّعة ، ومهن العيش ، محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى مناصحاً له في دينه وعباده ، ومختارةً لولاية عهده ، ورعاية الاُمَّة من بعده ، أفضل من يقتدر عليه في دينه ، وورعه ،

ص: 81


1- ورد بهذا النص في الإرشاد 2 : 260 ، ونور الأبصار : 155 ، وينظر نحوه في : مقاتل الطالبيين : 375 ، روضة الواعظين : 225 ، إعلام الورى ص : 73 ، كشف الغُمَّة 3 : 70 ، بحار الأنوار 49 : 145 - 148.
2- سورة فصلت : 42.

وعلمه ، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقّه ، مناجياً لله تعالی بالاستخارة في ذلك ، ومساءلته العامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره.

مُعمِلاً فكرَهُ ونظره في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العبَّاس ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، مقتصراً ممَّن علم حاله ومذهبه منهم على علمه ، وبالغاً في المسألة ممَّن حفي عليه أمر (1) جهده وطاقته ، حَتَّى استقصى اُمورهم معرفةً ، وابتلى أخبارهم مشاهدةً ، واستبرأ أهوالهم معاينةً ، وكشف ما عندهم مسألةً ، وكانت خيرته بعد استخارة الله تعالى ، وإجهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده ، وبلاده في الفئتين جميعاً : علي بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ لما رأى من فضله البارع ، وعمله الذائع ، وورعه الظاهر الشائع ، وزهده الخالص النافع وتخلّيه عن الدنيا ، وتفرّده عن الناس. وقد استبان له من لم تزل الأخبار عليه منطبقة ، والألسن عليه متَّفقة ، والكلمة فيه جامعة ، والأخبار واسعة ؛ ولمّا لم يزل يُعرف به الفضل يافعاً وناشئاً ، وحدثاً وكهلاً ؛ فلذلك عقد له بالعهد والخلافة من بعده ، واثقاً بخيرة الله في ذلك ، إذ علم الله تعالى : أنه فعله إيثاراً له وللدين ، ونظراً للإسلام والمسلمين ، وطلباً للسلامة وإثبات الحجَّة ، والنجاة في اليوم الَّذي تقوم فيه الناس لربِّ العالمين ، ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته ، وقوّاده وخدمه ؛ فبايعه الكلُّ مطيعين ، مسارعين ، عالمين ، بایثار أمير المؤمنين ، طاعة الله على الهوى في ولده ، وغيره ممَّن هو أشبك رحماً وأقرب قرابة ، وسمّاه الرضا إذ كان مرضياً عند الله تعالی وعند الناس ، وقد آثر طاعة الله تعالى ، والنظر لنفسه وللمسلمين ، والحمد لله رب العالمين.

كتبه بيده في اليوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان المعظَّم ، سنة إحدى ومائتين ، وهذه صورة ما على العهد مكتوباً بخط الإمام علي بن موسی الرضا :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الفعّال لما يشاء ، لا مُعقّب لحكمه ، ولا راد لقضائه. يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وصلواته على نبيه محمّد صلى الله عليه وآله ، خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.

أقول : وأنا علي بن موسی بن جعفر : إنّ أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ، ووفّقه

ص: 82


1- لعلّ العبارة هكذا : (مِمَّن خفيَ عليهِ أمرُهُ) والله أعلم.

للرشاد ، عرف من حقّنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاماً قُطعت ، وأمّن نفوساً فُزعت ، بل أحياها بعد أن كانت من الحياة آيسة ؛ فأغناها بعد فقرها ، وعرفها بعد نکرها ، مبتغياً بذلك رضا ربِّ العالمين ، لا يريد جزاء من غيره. وسيجزي الله الشاكرين ، ولا يضيع أجر المحسنين.

وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى ، إنْ بقيتُ بعدَه ، فمن حلّ عقدة أمر الله بشدّها ، أو قصم عروة أحبّ الله اتّساقها ، فقد أباح الله حريمه ، وأحلّ محرمة ؛ إذا كان بذلك زارياً على الإمام ، منتهكاً حرمة الإسلام ، وخوفاً من شتات الدين ، واضطراب أمر المسلمين ، وحذر فرصة تنتهز ، وعلقة (1) تبتدر.

وجعلت لله تعالى على نفسي عهداً إن استرعاني أمر المسلمين ، وقلَّدني خلافة العمل فيهم عامّة ، وفي بني العبَّاس بن عبد المطلب خاصة ، أن أعمل فيهم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله ، ولا أسفك دماً ، ولا اُبيح فرجاً ولا مالاً ؛ إلا ما سفكته حدوده ، وأباحته فرائضه ، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي ، جعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكّداً ، يسألني الله عنه ؛ فإنه عزَّ وجلَّ يقول : ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (2) ، وإن أحدثت ، أو غيَّرت ، أو بدَّلت ، كنت للعزل مستحقاً وللنكال متعرضاً ، وأعوذ بالله من سخطه ، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بیني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين.

والجامعة ، والجفر يدلان على ضدِّ ذلك. وما أدري ما يفعل الله بي ولا بكم ، إن الحكم إلا لله يقضي بالحق ، وهو خير الفاصلين.

ولكنّي امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت رضاءه والله تعالى يعصمني وإيّاه ، وأشهدت الله على نفسي ، وكفى بالله شهيداً ، وكتبت بخطّي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، والحاضرين اولياء نعمته ، وخواص دولته : الفضل بن سهل ، وسهل بن الفضل ، والقاضي يحيى بن أكثُمَّ ، وعبد الله بن طاهر ، وثمامة بن الأبرش ، وبشر بن المعتمر ، وحمَّاد بن النعمان. وذلك في شهر رمضان ،

ص: 83


1- كذا وفي بعض المصادر : (وبائقة) وفي غيرها : (وناعقة).
2- سورة الأسراء : 34.

سنة إحدى ومائتين.

صورة رقم شهادة القاضي يحيى بن أكثُمَّ : شهد يحيى بن أكثُمَّ على مضمون هذا المكتوب : ظهره ، وبطنه ، وهو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين ، وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق.

وكتب بخطه في التاريخ المبين فيه صورة رقم شهادة عبد الله بن طاهر ، أثبت شهادته فيه بتاريخه عبد الله بن طاهر.

وصورة رقم شهادة حمّاد : شهد بذلك حمّاد بن النعمان بمضمونه : ظهراً ، وبطناً ، وكتبه بيده في تاريخه.

وصورة شهادة ابن المعتمر : شهد بمثل ذلك بشر بن المعتمر.

وعلى الجانب الأيسر : بخط الفضل بن سهل : رسم أمير المؤمنين بقراءة هذه الصحيفة ، التي هي صحيفة العهد والميثاق : ظهراً وبطناً ، بحرم سیِّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، بين الروضة والمنبر ، على رؤوس الأشهاد ، بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم ، وسائر الأولياء والأخيار ، بعد أخذ البيعة عليهم ، واستيفاء شروطها بما أوجبه أمير المؤمنين من العهد لعلي بن موسی الرضا ؛ لتقوم به الحجَّة على جميع المسلمين ، ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين ، وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه (1).

وفي كشف الغُمَّة : «وممّا تلقته الأسماع بالاستماع ، ونقلته الألسن في بقاع الأصقاع : أنَّ الخليفة المأمون وجد في يوم عيدٍ انحراف مزاج ، أحدث عنده ثقلاً عن الخروج إلى الصلاة بالناس ، فقال لأبي الحسن علي الرضا عليه السلام : يا أبا الحسن قم وصلّ بالناس.

ص: 84


1- أورد تمامها الإربلي رحمه الله في كشف الغُمَّة 3 : 124 وقد اختصرها المؤلف رحمه الله كما في أولها ، فلاحظ.

فخرج الرضا عليه السلام وعليه قميص قصير أبيض ، وعمامة بيضاء لطيفة ، وهما من قطن ، وفي يده قضيب. فأقبل ماشياً يؤم المصلِّين ، وهو يقول : السلام على أبويّ آدمَ ونوحٍ ، السلام على أبويّ إبراهيمَ وإسماعيلَ ، السلام على أبويّ محمّد وعليٍ ، السلام على عباد الله الصالحين.

فلمّا رآه الناس هرعوا إليه ، وانهالوا عليه ؛ لتقبيل يديه.

فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة المأمون ، فقال : يا أمير المؤمنين تدارك الناس ، واخرج وصلّ بهم ؛ وإلّا خرجت الخلافة منك.

فحمله على أن خرج بنفسه ، وجاء مسرعاً ، والرضا عليه السلام بعد من كثرة الزحام عليه لم يخلص إلى المصلى ، فتقدَّم المأمون وصلَّى بالناس» (1).

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام عن تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، قال : «سألت أبا الصلت الهروي ، فقلت له : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه السلام ، مع إكرامه ومحبته له ، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟

فقال : إنَّ المأمون إنّما كان يكرمه ويحبُّه لمعرفته بفضله ، وجعله له ولاية العهد من بعده ، ليري الناس أنه راغب في الدنيا ، فيسقط محلُّه من نفوسهم. فلمَّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم ، ومحلّا في نفوسهم ، جلب عليه المتكلّمين من البلدان ، طمعاً من أن يقطعه واحد منهم ، فيسقط محلُّه عند العلماء ، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامَّة ، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين ، والبراهمة ، والملحدين ، والدهرية ، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له ، إلّا قطعه وألزمه الحجّة.

وكان الناس يقولون : والله إنه أولى بالخلافة من المأمون.

وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه ، فيغتاظ من ذلك ، ويشتدُّ حسده.

ص: 85


1- کشف الغُمَّة 2 : 58.

وكان الرضا عليه السلام لا يحابي المأمون من حق ، وكان يجيبه (1) بما يكره في أكثر أحواله ؛ فيغيظه ذلك ، ويحقده عليه ، ولا يظهره له.

فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله ، فقتله بالسمّ) ، انتهى (2).

في سمّ المأمون له عليه السلام

قال في البحار : (اعلم أن أصحابنا والمخالفين اختلفوا أنّ الرضا عليه السلام هل مات حتف أنفه ، أو مضى شهيداً بالسمّ؟ وعلى الأخير : هل سمّه المأمون لعنه الله أو غيره؟

والأشهر بيننا أنه عليه السلام مضى شهيداً بسمّ المأمون.

ويُنسب إلى السيِّد علي ابن طاووس أنه أنكر ذلك ، وأنكره الإربَلَي رحمه الله ، في (کشف الغُمَّة). وردّ ما ذكره المفيد بوجوه سخيفة ، حيث قال : بعد إيراد كلام المفيد : بلغني ممَّن أثقُ بهَّ أن السيِّد رضی الدین علي بن طاووس رحمه الله كان لا يوافق على أن المأمون سقى عليّاً عليه السلام السمّ ، ولا يعتقده.

وكان رحمه الله كثير المطالعة ، والتنقيب ، والتفتيش على مثل ذلك. والَّذي كان يظهر من المأمون ، من حنوه عليه ، وميله إليه ، واختياره له دون أهله وأولاده ممَّا يؤيد ذلك ويقرِّره.

وقد ذكر المفيد رحمه الله شيئاً ما يقبله عقلي ، ولعلّي واهم. وهو أن الإمام كان يعيب ابني سهل عند المأمون ، ويقبِّح ذكرهما إلى غير ذلك. وما كان أشغلَهُ باُمور دينه وآخرته ، واشتغاله بالله عن مثل ذلك.

وعلى رأي المفيد رحمه الله : إن الدولة المذكورة من أصلها فاسدة ، وعلى غير قاعدة مرضية ؛ فاهتمامه عليه السلام بالوقيعة فيهما ، حَتَّى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه السلام ، فيه ما فيه ، ثُمَّ إن نصيحته للمأمون وإشارته عليه بما ينفعه في دينه لا توجب أن تكون سبباً

ص: 86


1- في الأصل : (وكان يحابيه) وفي بعض المصادر : (وكان يجبهه) وما أثبتناه من المصدر.
2- عیون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 265.

لقتله ، وموجباً لركوب هذا الأمر العظيم منه. وقد كان يكفي في هذا الأمر أن يمنعه من الدخول عليه ، أو يكفّه عن وعظه.

ثُمَّ إنا لا نعرف أن الإبر إذا غُرست في العنب صار مسموماً ، ولا يشهده القياس الطبَّي. والله أعلم بحال الجميع ، وإليه المصير. وعنده تجتمع الخصوم) ، انتهى (1).

قلت : وممَّن منع من صحَّة نسبة ذلك إلى المأمون : الصدوق أيضاً في العلل ، والعيون ، فإنه بعد نقل الرواية المتضمنة لسرقة الصوفي ، ورفع أمره إلى المأمون ، ومكالمة المأمون مع الرضا عليه السلام في شأن ذلك الصوفي ، وأنه احتجب المأمون عن الناس ، واشتغل بالرضا عليه السلام حَتَّى سمّه ، فقتله. وقد كان قتل الفضل بن سهل ، وجماعة من الشيعة.

قال رحمه الله : (روي هذا الحديث كما حكيته ، وأنا بريء من عهدة صحَّته) ، انتهى (2).

وكيف كان فهو موهون من حيث مخالفته لمذهب المشهور ، والأخبار ناطقة بخلافه ، ولذا ترى المجلسي رحمه الله أخذ في ردّ ما استند إليه الإربلّي : (بأن الوقيعة في ابني سهل لم يكن للدنيا حَتَّی يمنعه عنه الإشتغال بعبادة الله تعالی ، بل كان ذلك لما وجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن. وکون خلافة المأمون فاسدة أيضاً لا تمنع منه ، كما لم تمنع غيره من الإرشاد إلى ما فيه مصالح المسلمين في الغزوات وغيرها.

ص: 87


1- بحار الأنوار 49 : 311 ، كشف الغُمَّة 3 : 76 ، الإرشاد 2 : 269 ، وينظر إلى ما كتبه الشهيد السيِّد علي القاضي في إثبات سمّه في هامش الأنوار النعمانية 4 : 79 - 82.
2- علل الشرائع 1 : 239 ح 1 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 263 ح 1 ، لا يمكن أن يُأخذ رأي الشيخ الصدوق رحمه الله هنا على الإطلاق فهو مفيد بحصَّة هذه الرواية ، فهي غير صحيحة عنده وربما لضعف في السند أو اختلاف في المضمون فالشيخ هنا يردّ الرواية ولا يرد حادثة السمّ ، فالأولى أن لا يعمم رأيه رحمه الله على الحادثة.

ثُمَّ إنه ظاهر أن نصيحة الأشقياء ووعظهم بمحضر الناس لا سيما المدَّعين الفضل والخلافة ، ممَّا يثير حقدهم ، وحسدهم ، وغيظهم. مع أنه لعنه الله كان أول أمره مبنياً على الحيلة والخديعة ؛ لإطفاء نائرة الفتن الحادثة من [خروج] (1) الأشراف والسادة من العلويين في الأطراف ، فلمَّا استقر أمره أظهر كيده) (2).

وأمّا دعوی عدم شهادة القياس الطبِّي على غرس الإبرة في العنب ، وصيرورة العنب مسموماً : فهو إنما يتم مع خلو الإبرة من المواد السمومية ، وأمّا مع غمسها في السمّ ، ثُمَّ غرسها في العنب ؛ فلا بعد في تأثيره ، بل يكون مؤثّراً قطعاً.

قال السيِّد الأجل السيِّد عبد الله الجزائري (3) في مسألة الاستخراج من الجفر : (لا ريب أنه أشرف وأوثق من الاستخراج من النجوم والرمل ، والإصابة فيه أكثر ، إلى أن قال : ورأيت بعض المهوسين بهذا العلم عملاً منسوباً إلى الرضا عليه السلام ، سُئل نفسه : كيف حال الرضا مع المأمون؟ - كتبه في سطر ، ثُمَّ كتب حروفاً من السؤال مفصولة في سطر آخر ، ثُمَّ أخذ نظائرها في سطر ثالث - وساق العمل في سطور متعدِّدة إلى أن حصل الجواب : (يسمُّهُ المأمون في عنب). قال : فأخذت ذلك دستوراً ، ونسجت على منواله ، وعملت أعمالاً رأيت منها العجائب.

ومن وجوه إعجاز القرآن المعلومة بهذا العلم الشريف : أنك إذا عملت في قوله تعالى : ﴿مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ بالأعمال الجفرية ، خرج الجواب : ﴿يُحْيِيهَا الَّذي

ص: 88


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- بحار الأنوار 49 : 314.
3- هو حفيد السيِّد نعمة الله الجزائري ، له الإجازة الكبيرة ، ت 1173 ﻫ.

أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (1). وفي قوله تعالى : ﴿مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ (2).

قال : وهذا كلّه من الشواهد المعتبرة على وثاقة هذا العلم ، وأنه من الأسرار المكنونة التي لا يمسّها إلا المطهَّرون).

هذا إتمام الكلام في سبب وفاته ، وأن الحق ما اختاره أجلاء أصحابنا الإمامية من أنه عليه السلام مضى شهيداً بسمّ المأمون ، عليه لعائن الله أبد الآبدين.

خاتمة شريفة

في فضيلة بقعته ، ومحلّ دفنه - صلوات الله عليه - ومن بنی قبَّته ، وشيّد أثاره فاعلم : أن من جملة الأخبار الدالة على فضيلة تلك الأرض المقدسة ، والبقعة المباركة ما رواه الشيخ رحمه الله في باب الزيارات من التهذيب : «أنَّ الرضا عليه السلام قال : إنَّ بخراسان لبقعة من الأرض يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة ، فقال : فلا يزال فوج ينزل من السماء وفوج يصعد ، إلى أن يُنفخ في الصور.

فقيل له عليه السلام : يا بن رسول الله وأيّ بقعة هذه؟ فقال : هي أرض طوس ، وهي والله روضة من رياض الجنَّة ... الخ» (3).

روي أيضاً عن الصادق عليه السلام : «أربع بقاع ضجّت إلى الله من الغرق في أيام الطوفان ، قال : البيت المعمور فرفعه الله إليه ، والغري وکربلا وطوس» (4).

قال في الوافي : (ولمّا ضجّت تلك البقاع ، وكان ضجيجها إلى الله من جهة

ص: 89


1- سورة يس : من آية 78 ، 79 تباعاً.
2- سورة الزخرف : من آية 9.
3- تهذيب الأحكام 6 : 108 رقم 190 / 6 ، والمؤلف رحمه الله نقله بالمعنى وما أثبتناه من المصدر.
4- تهذيب الأحكام 6 : 110 رقم 196 / 12 ، والمؤلف رحمه الله نقله بالمعنى وما أثبتناه من المصدر.

عدم وجود من يعبد الله على وجهها ، فجعلها الله مدفن أوليائه) (1).

فأول مدفن بُني في تلك الأرض المقدَّسة سناباد ، بناها اسکندر ذو القرنين صاحب السدّ ، وكانت دائرة إلى زمان بناء طوس.

قال في معجم البلدان : (طوس مدينة بخراسان ، بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ ، وتشتمل على مدينتين : يقال لإحداهما الطابران ، وللأُخرى نوقان. ولهما أكثر من ألف قرية ، فتحت في أيام عثمان ، وبها قبر علي بن موسی الرضا ، وبها أيضاً قبر هارون الرشيد.

وقال مسعر بن المهلهل : وطوس أربع مدن : منها اثنتان كبيرتان ، واثنتان صغيرتان ، وبهما آثار أبنية إسلامية جليلة ، وبها دار حميد بن قحطبة ، ومساحتها ميل في مثله ، وفي بعض بساتينها قبر علي بن موسى الرضا عليه السلام وقبر الرشید) ، انتهى (2).

وكان حميد بن قحطبة والياً على طوس من قبل هارون ، فبنى في سناباد بنياناً ومحلاً لنفسه ، متی خرج إلى الصيد نزل فيه ، وحميد هذا هو الَّذي قتل في ليلة واحدة ستين سيِّداً من ذرِّية الرسول بأمر من هارون الرشيد ، كما هو في العيون (3).

قال ابن عساكر في تاريخه : (حميد بن قحطبة ، واسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي ، أحد قوّاد بني العبَّاس ، شهد حصار دمشق ، وكان نازلاً علی باب توما ، ويقال على باب الفراديس ، وولي الجزيرة للمنصور ، ثُمَّ ولي خراسان في خلافة المنصور ، وأقرّه المهدي عليها حَتَّى مات ، واستخلف ابنه عبد الله ، وولي مصر

ص: 90


1- الوافي 14 : 1598 بيان 14669 / 4 باختلاف يسير.
2- معجم البلدان 4 : 49.
3- عیون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 100 ح 1.

في خلافة المنصور في شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين ومائة ، سنة كاملة ، ثُمَّ صُرف عنها ، وكانت وفاة المترجم سنة تسع وخمسين ومائة) ، انتهى (1).

وأمّا أصل بناء القُبَّة المنورة ، فالظاهر أنها كانت في حياته عليه السلام مشهورة بالبقعة الهارونية ، كما هو مروي في العيون من أنه : دخل دار حمید بن قحطبة الطائي ، ودخل القُبَّة التي فيها قبر هارون الرشيد (2).

وأيضاً عن الحسن بن الجهم ، قال : (حضرت مجلس المأمون يوماً ، وعنده علي بن موسی الرضا عليه السلام، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام - وذكر أسئلة القوم ، وسؤال المأمون عنه عليه السلام وجواباته ، وساق الكلام - إلى أن قال : فلمَّا قام الرضا عليه السلام تبعته ، فانصرف إلى منزله ، فدخلت عليه ، وقلت له : يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ، الحمد لله الَّذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك ، وقبوله لقولك.

فقال عليه السلام : يا بن الجهم ، لا يغرنّك ما ألفيته عليه من إكرامي ، والاستماع منّي ، فإنه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم لي ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من آبائي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فاکتم عليّ هذا ما دُمْتُ حيّاً.

قال الحسن بن الجهم : فما حدّثت أحداً بهذا الحديث إلى أن مضى الرضا عليه السلام بطوس مقتولاً بالسمّ [ودُفن في دار حمید بن قحطبة الطائي في القُبَّة التي فيها قبر هارون الرشيد إلى جانبه] (3)) (4).

ص: 91


1- تاريخ مدينة دمشق 15 : 289 رقم 1807.
2- عیون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 147 ح 1.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 216 ح 1.

وبالجملة ، فالظاهر أن سناباد كانت بلدة صغيرة بطوس ، وكانت لحميد بن قحطبة فيها دارٌ وبستانٌ ، ولمّا مات هارون الرشيد في طوس دُفن في بيت حمید ، ثُمَّ بنى المأمون قُبَّة على تربة أبيه ، ولمّا توفي (1) الإمام عليه السلام دُفن بجنب هارون في تلك القُبَّة التي بناها المأمون ، فلا وجه لما هو الشائع على الألسن أن قبَّته المباركة من بناء ذي القرنين.

ولعلَّ وجه الشبهة أنّ (مرو شاه جان) الَّذي هو من أعظم بلاد خراسان ، هو من بناء ذي القرنين كما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان ، وكان فيها سریر سلطنته ، ومن حسن هوائه كان يسمّيه بروح الملك ، بكسر اللام ، وباعتبار تقديم المضاف إليه اشتهر بشاه جان (2).

وفيه أيضاً : (وقد رُوي عن بريدة بن الحصيب أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بريدة إنه سيُبعث من بعدي بعوث ، فإذا بُعثت ، فکن في بعث المشرق ، ثُمَّ كن في بعث خراسان ، ثُمَّ كن في بعث أرض يقال لها مرو ، إذا أتيتها فانزل مدينتها ؛ فإنَّه بناها ذو القرنين ، وصلّى فيها عزير ، أنهارها تجري بالبركة ، على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة) (3).

وقال بعض : هي خير بقاع الأرض من بعد الجنات الأربع التي هي : سعد سمرقند ، ونهر أبلة ، وشعب بوّان ، وغوطة دمشق ، من حيث طيب الفواكه والغلّة ، وجمال النساء والرجال ، والخيل الجياد التي توجد فيها ، وسائر الحيوانات.

ص: 92


1- كذا وكان الأجدر أن يقول رحمه الله : (قتل) أو (استشهد) فهي من سهو القلم.
2- معجم البلدان 5 : 113 ، وفي 4 : 49 منه ذكر وصف قصر ضمن مادة (ط. و. س) دون ذكر شاهجان.
3- معجم البلدان 5 : 113.

و كانت مرو دار الإمارة للملوك من آل طاهر ، ومن المحتمل أنَّ إسکندر حيث كان من المقرَّبين عند الله ، اُلهم من عالم الغيب أنه يُدفن في هذه البقعة من الأرض أحد الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين ، فبنى هذه البلدة ، وسمَّاها سناباد كما رواه الصدوق رحمه الله في إكمال الدين ، وفيه : يقتله عفریت متكبِّر ، ويُدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين ، ويُدفن إلى جنب شرّ خلق الله (1).

ولنعم ما قاله دعبل الخزاعي رضي الله عنه :

أربع بطوسٍ على قبرِ الزَّكيِّ إذا *** ما كُنتَ تَرفَعُ من دینٍ على فطَرِ

قبرانِ في طوس : خيرُ الناسِ كلَّهمُ *** وقبرُ شرِّهُمُ، هذا مِن العِبَرِ

ما ينفعُ الرجسَ من قبرِ الزكيّ وما *** على الزكيِّ بِقُربِ الرجسِ من ضَرَرِ

هيهاتَ كلُّ امرئٍ رهنٌ بِما كَسَبَتْ *** بهِ يداهُ فَخُذْ ما شِئْتَ او فَذَرِ

وعليه ، فإن إسكندر لم يبنِ القُبَّة ، بل إنَّما هو المُمَصّر لتلك البلدة (2).

وفي الخرائج : (رُوي عن الحسن بن عبَّاد - وكان كاتب الرضا عليه السلام - قال : دخلت عليه ، وقد عزم المأمون بالمسير إلى بغداد ، فقال : يا بن عبَّاد ما ندخل العراق ولا نراه ، فبكيت وقلت : آيستني أن آتي أهلي وولدي. قال عليه السلام : أمّا أنت فستدخلها ، وإنَّما عنيت نفسي. فاعتلَّ وتوفّي في قرية من قرى طوس

ص: 93


1- کمال الدين : 310 ضمن خبر اللوح.
2- ديوان دعبل الخزاعي : 106 ، معجم البلدان 4 : 50 ، ورواية الديوان : أربع بطوس على قبر الزكي بها *** إن كنت تربعُ من دين على وطر قبران في طوس : خير الناس كلّهم *** وقبر شرّهم ، هذا من العبر ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا *** على الزكي بقرب الرجس من ضرر هيهات كلّ امرئ رهن بما كسبت *** له يداه ، فخذ ما شئت أو فذر

[قال الراوندي رحمه الله :] (1) وقد كان تقدّم في وصيته أن يُحفر قبره ممَّا يلي الحائط ، بينه وبين قبر هارون ثلاثة أذرع. وقد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون ، فكُسرت المعاول والمساحي ، فتركوه ، وحفروا حيث أمكن الحفر ، فقال : أحفروا ذلك المكان ، فإنَّه سيلين عليكم ، وستجدون صورة سمكة من نحاس وعليها كتابة بالعبرانية ، فإذا حفرتم لحدي ، فعمّقوه وردّوها ممَّا يلي رجليَّ.

فحفرنا ذلك المكان ، فكانت المحافر تقع في الرمل الليّن بالموضع ، ووجدنا السمكة مكتوب عليها بالعبرانية : (هذه روضة علي بن موسى ، وتلكَ حفرةُ هارون الجبَّار) فرددناها ، ودفناها في لحده عند موضع قاله) (2).

ومن المعلوم أن حفر الأرض ، وعمل سمكة من نحاس وكتابة ، لا يكون إلا من إنسان (3) ، وبالجملة ، فالظاهر أن الحفر المزبور من آثار إسكندر ذي القرنين دون القُبَّة المنوَّرة.

قال في مجالس المؤمنين عند ترجمة الشيخ كمال الدين حسين الخوارزمي : (إنه مسطور في التواریخ ، وفي الألسنة ، والأفواه خصوصاً عند أهل خراسان ، أنه مدّة أربعمائة سنة لم تكن عمارة لائقة على قبر الإمام علي بن موسی ، وبعض الآثار التي كانت توجد عليه هي من أساس حميد بن قحطبة الطائي ، الَّذي كان في زمان هارون الرشيد حاكماً في طوس من قبله ، ولمّا توفّي دفنه في داره ، ومن بعده دفنوا الإمام عليه السلام في تلك البقعة بجنب هارون) (4).

ص: 94


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
2- الخرائج والجرائح 1 : 367.
3- ينظر عن أمر وصيته عليه السلام : بحار الأنوار 48 : 276.
4- مجالس المؤمنين 2 : 175 ضمن ترجمته الواقعة في ص 162.

ويظهر من الخبر المروي عن الرضا عليه السلام : «أنّي اُدفن في دار موحشة ، وبلاد غريبة» (1) ، أنه في مدة أربعمائة سنة المذكورة ، لم تكن في حوالي مرقده الشریف دار ولا سكنة ، وكانت نوقان في كمال العمران مع أنه ما بين (2) نوقان وسناباد من البعد إلا حدّ مدّ الصوت.

وقال في (کشف الغُمَّة) : (إن امرأة كانت تأتي إلى مشهد الإمام عليه السلام في النهار وتخدم الزوَّار ، فإذا جاء الليل سدّت باب الروضة وذهبت إلى سناباد) (3).

وربّما يقال : (إن بعض التزيينات كانت توجد في بناء المأمون من بعض الديالمة إلى أن خرّبه الأمير سبکتکین ، وذلك لتعصُّبه وشدّته على الشيعة ، وكان خراباً إلى زمان يمين الدولة محمود بن سبکتکين) (4).

قال ابن الأثير في (الكامل) في ضمن حوادث سنة 421 ﻫ : (وجُدّد عمارة المشهد بطوس الَّذي فيه قبر علي بن موسی الرضا عليه السلام والرشيد ، وأحسن عمارته ، وكان أبوه سبکتکین أخربه ، وكان أهل طوس يؤذون من يزوره ، فمنعهم من ذلك ، وكان سبب فعله ؛ أنه رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام وهو يقول له : إلى متى هذا؟ فعلم أنه يريد أمر المشهد ، فأمر بعمارته) (5).

ص: 95


1- ينظر : أمالي الصدوق : 120 ح 109 / 8.
2- كذا والأولى أن يقول رحمه الله : (مع أنه لم يكن بين) ليستقيم المعنى.
3- لم أعثر عليه في كشف الغُمَّة وربّما نقله رحمه الله من هامش نسخة أخرى للكتاب كانت عنده ، فيها تعاليق لأحد المتأخرين.
4- لم أهتد إلى مصدر قوله.
5- الكامل في التاريخ 9 : 401.

ثُمَّ إن هذه العمارة قَدْ هدمت عند تطرق قبائل غز ، وجُدّدت في عهد السلطان سنجر السلجوقي (1).

قال في مجالس المؤمنين : (وإنَّ القُبَّة العالية ، والبناء المعظّم الموجود الآن من أثار شرف الدين أبي طاهر القمِّي ، الَّذي كان وزيراً للسلطان سنجر.

قال : وكان بناء الوزير المزبور بإشارة غيبية ، وأن تعيين المحراب الواقع في المسجد فوق الرأس إنما كان بإشارة من الإمام عليه السلام ، وتعيين علماء الشيعة) ، انتهى (2).

وفي سنة 500 ﻫ أمر السلطان سنجر السلجوقي بصناعة الكاشي الَّذي يفوق في الجودة حلي الصين ، وأن يُكتب عليه الأحاديث النبوية والمرتضوية ، وتمام القرآن ، وكان الكاتب لهما عبد العزيز بن أبي نصر القمِّي.

ومن عجيب أمر ذلك ، أنه حُملت تلك الآلات على النوق ، واُرسلت من قم ، فجاءت بطيّ الأرض إلى حوالي خراسان ، ونزلت في منخفض من الأرض بقرب البلدة المقدَّسة ، فمرّ جماعة من المارة على تلك الناحية ، فاطّلعوا على صورة الحال ، فحملوها إلى سيد النقباء السيِّد محمّد الموسوي ، فبنى بها الهزارة الرضوية.

وكان السلطان سنجر ابن الملك شاه السلجوقي مع سعة ملکه قَدْ اختار هذا المكان على سائر بلاده ، ومازال مقيماً به إلى أن مات ، وقبره به في قُبَّة عظيمة ، لها شبَّاك إلى الجامع ، وقُبَّته زرقاء تظهر من مسيرة يوم ، بناها له بعض خدمه بعد موته ووقف عليها وقفاً لمن يقرأ القرآن ، ويكسو الموضع (3).

ص: 96


1- بحار الأنوار 48 : 325.
2- مجالس المؤمنين 2 : 175.
3- لم أهتد إلى مصدر قوله.

قال في (المعجم) : (وتركتها أنا في سنة 612 ﻫ على أحسن ما يكون) (1).

واستمر بناء سنجر إلى زمان جنكيز خان ، فهدمه تولي خان بن جنكيز خان ، وذلك في سنة 617 ﻫ (2).

قال ابن الأثير في (الكامل) في ما يتعلق بأحوال التتار الَّذين هم جند جنكيز : (إنه لمّا فرغوا من نيسابور ، سیّروا طائفة منهم إلى طوس ، ففعلوا بها كذلك أيضاً ، وخرَّبوها وخرَّبوا المشهد الَّذي فيه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام والرشید حَتَّى جعلوا الجميع خراباً). ومثله في (شرح نهج البلاغة) (3).

وفي الكتيبة الذهبية الواقعة في منطقة القُبَّة المنوَّرة ما صورته :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من عظائم توفيق الله سبحانه أن وفق السلطان الأعظم ، مولی ملوك العرب والعجم ، صاحب النسب الطاهر النبوي ، والحسب الباهر العلوي ، تراب أقدام خدّام هذه الروضة المنورة الملكوتية ، مروّج آثار أجداده المعصومين ، السلطان ابن السلطان ، أبا المظفر شاه عبَّاس الحسيني الموسوي الصفوي بهادرخان ، فاستدعى بالمجيء ماشياً على قدميه من دار السلطنة إصفهان إلى زيارة هذا الحرم الأشرف.

وقد تشرّف بزينة هذه العتبة من خُلَّصِ ماله في سنة ألف وعشر ، وتمّ فيسنة ألف وستَّ عشرة.

وفي موضع آخر من القُبَّة مكتوب ، وهو من إملاء المحقّق الخونساري :

ص: 97


1- معجم البلدان 5 : 114.
2- لم أهتد إلى مصدر قوله.
3- الكامل في التاريخ 12 : 393 ، شرح نهج البلاغة 8 : 235.

من ميامين منن الله سبحانه الَّذي زيَّنَ السماء بزينةٍ الكواكب ، ورصّع هذه القباب العُلا بدرر الدراري الثواقب ، أن استعد السلطان الأعدل الأعظم ، والخاقان الأفخم الأكرم ، أشرف ملوك الأرض حسباً ونسباً ، وأكرمهم خُلُقاً وأدباً ، مروّج مذهب أجداده الأئمّة المعصومين ، ومحيي مراسم آبائه الطيبين الطاهرين ، السلطان ابن السلطان ابن السلطان بن السلطان ، سليمان الحسيني الموسوي الصفوي بهادر خان ، بتذهيب هذه القُبَّة العرشية الملكوتية وتزيينها ، وتشرّف بتجديدها وتحسينها ؛ إذ تطرّق عليها الانكسار ، وسقطت لِبَناتُها الذهبية التي كانت تشرق الشمس في رابعة النهار ، بسبب حدوث الزلزلة العظيمة في هذه البلدة الطيِّبة الكريمة في سنة أربع وثمانين وألف ، وكان هذا التجديد سنة ستّ وثمانين وألف ، كتبه محمّد رضا الإمامي.

ومكتوب على جبهة الباب الواقع في قبلة المرقد الشريف :

لقد تشرّف بتذهيب الروضة الرضوية التي يتمنّى العرش لها أمر النيابة ، وأرواح القدس تخدم جنابه ، السلطان نادر الأفشاري رحمه الله الملك الغفّار سنة 1155 ﻫ.

وكُتب بعده :

ثُمَّ بمرور الأعوام ، ظهر عليها الاندراس ، فأمر السلطان ابن السلطان والخاقان ابن الخاقان ، ناصر الدین شاه قاجار خلّد الله ملکه ، بالتزيين بالزجاجة (بالزجاج - ظ) والبلُّور ؛ لتصير نوراً على نور.

وأرسل السلطان قطب شاه الدكني طاب ثراه ألماسةً كبيرة بقدر بیضة الدجاجة هدية إلى الضريح الرضوي ، ولمّا استولى عبد المؤمن خان رئیس طائفة الأزبكية على خراسان ، نهبها من الخزانة في جملة ما نهب.

ص: 98

ولمّا زار السلطان شاه عبَّاس الصفوي خراسان في الدفعة التي مشى فيها على قدمه ، وكانت مدّة خروجه من إصفهان ودخوله خراسان ثمانية عشر يوماً ، أهدى له بعض الخواتين الأزبكية تلك الألماسة ، ولمّا بلغه أن الألماسة من الأعيان الراجعة إلى الخزانة الرضوية ، أمر ببيعها في استانبول ، واشترى بقيمتها أملاكاً وأنهاراً تُصرف منافعها على تلك البقعة ، وكان ذلك بإجازة بعض العلماء (1).

وحكى بعض المؤرِّخين ، عن محمّد بن عبد الله الكوفي - وكان حاكماً في نوقان (2) - : (أن بعض ملوك الريّ أرسل رجلين إلى نصر بن أحمد ببخارى ؛ لتبليغ أمر ، وكان أحدهما شيعياً من أهل ريِّ ، والأخر سنيّاً من أهل قم ، فلمَّا وصلا إلى طوس ، قال الشيعي للسنّي : لا بدّ لنا من زيارة الرضا عليه السلام ، ثُمَّ التوجُّه إلى بخاری.

فقال له صاحبه : إنَّ السلطان أرسلنا في شغل مهم ، ولا يناسب لنا الاشتغال بغيره ما لم نفرغ من مهمَّة السلطان ، فتوجَّها إلى بخاری وعملا بالمقصود ، ولمّا وصلا إلى طوس عند المراجعة ، قال الشيعي لصاحبه السنّي : فلنذهب إلى زيارة مرقد علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فأبى صاحبه من ذلك وقال : إني خرجت من قم وكنتُ سنيّاً ، ولا أحبّ أن أرجع إلى بلدي وأنا رافضي.

فلمَّا سمع ذلك سلّم إليه ما في راحلته من أسباب ومتاع ، وركب دابته مخففاً ، وتوجَّه نحو المرقد الشريف قاصداً تقبيل العتبة ، والتشرّف بتلك الروضة المقدَّسة ، فلمَّا جاء الليل التمس من الخادم أن يبيت داخل الروضة ، وأن يجعل مفاتیح الروضة

ص: 99


1- لم أهتد إلى مصدر قوله.
2- نوقان : بالضم ، والقاف ، وآخره نون : إحدی قصبتي طوس لأن طوس ولاية ولها مدينتان إحداهما طابران والأخرى نوقان ، وفيها تُنحت القدور البرام ، وقد خرج منها خلق من العلماء ... وبنيسابور قرية أخرى اسمها نوقان. (معجم البلدان 5 : 311).

عنده ، فأجابه على ملتمسه ، ودفع إليه المفاتيح ، وذهب إلى أهله ، فاشتغل الرجل بالتضرّع إلى الله تعالى ، والطواف حول مرقد الإمام ، والاشتغال بقراءة القرآن على الرأس الشريف ، وحينما كان يقرأ ، سمع صوت قارئ آخر يقرأ معه حيث يقرأ من السور والآيات ، فلمَّا سمع ذلك الصوت مع علمه بعدم وجود أحد غيره قطع القراءة ، وأخذ يتجسّس ويدور حول الضريح ؛ ليطّلع على حقيقة الحال ، فلم يرَ أحداً ، فعاد إلى قراءة القرآن ، فسمع ثانياً ما كان يسمع ، فأصغى إصغاءً جيداً.

فتبيّن له أن الصوت من داخل المرقد الشريف ، ومن شدَّة شوقه إلى تلك النغمة ، أخذ يجدّ في قراءة القرآن من أول الفاتحة إلى سورة مريم ، فلمَّا وصل إلى قوله تعالى : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ (1) ، سمع من المرقد الشريف قراءة الآية هكذا : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ (2) ، فلمَّا أصبح وقد ختم القرآن خرج من الروضة متوجِّهاً إلى نوقان ، وسأل القرّاء عن منشأ القراءة ، فقالوا : لا بأس بهذه القراءة من حيث اللفظ والمعنى غير أنّا لم نظفر في قراءة أحد من القرّاء بهذه القراءة.

ثُمَّ لمّا حضر نيسابور ، سأل عن هذه القراءة قرّاء نيسابور ، فقالوا : لم نسمع بهذه القراءة ، ثُمَّ لمّا حضر الري ، سأل القرّاء بها ، قالوا : أنت من أين أخذت هذه القراءة؟

ص: 100


1- سورة مريم : آیة 85 - 86.
2- قرأ الحسن وقتادة والجحدري واُبي بن كعب ومعاذ القارئ وأبو المتوكّل : (یحشر المتقون). ينظر : البحر المحيط 6 : 217 ، مجمع البيان 16 : 70 ، مختصر شواذ القراءات : 86 ، واتحاف فضلاء البشر : 301 ، والمحرر الوجيز 9 : 534 ، والكشّاف 2 : 292 ، وزاد المسير 5 : 263 ، ومعجم القراءات القرآنية 5 : 396. وقرأ الحسن وقتادة والجحدري واُبي بن كعب ومعاذ القارئ وأبو المتوكّل : (ويُساق المجرمون). ينظر : زاد المسير 5 : 263 ، ومعجم القراءات القرآنية 5 : 396.

فقال لهم : أنا في حاجة إلى قراءتها ، فقالوا له : إنها قراءة النبي صلى الله عليه وآله على رواية أهل البيت عليهم السلام ، ثُمَّ أصرّوا عليه فحكى لهم القصة ، فزاد اعتقادهم في صحَّة القراءة) (1).

قلت : وفي (مجمع البيان) ما نصّه : (في الشواذ رواية قتادة ، عن الحسن (يحشر المتقون) و (يساق المجرمون) ، قال : فقلت : إنها بالنون يا أبا سعيد ، قال : وهي للمتقين إذاً) (2).

وفي (فردوس التواریخ) نقلاً عن بعض التواريخ : (أنه كان للسلطان سنجر - أو أحد وزرائه - ولد اُصيب بالدق ، فحكم الأطباء عليه بالتفرّج والاشتغال بالصيد ، فكان من أمره أن خرج يوماً مع بعض غلمانه وحاشيته في طلب الصيد ، فبينما هو كذلك فإذا هو بغزال مارق من بين يديه ، فأرسل فرسه في طلبه ، وجدَّ في العدو ، فالتجأ الغزال إلى قبر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فوصل ابن الملك إلى ذلك المقام المنيع ، والمأمن الرفيع الَّذي من دخله كان آمنا ، وحاول صيد الغزال فلم تجسر خيله على الإقدام عليه ، فتحيّروا من ذلك ، فأمر ابن الملك غلمانه وحاشيته بالنزول من خيولهم ، ونزل هو معهم ومشي حافياً مع كمال الأدب نحو المرقد الشريف ، وألقى نفسه على المرقد ، فأخذ في الابتهال إلى حضرة ذي الجلال ، ويسأل شفاء علَّته من صاحب المرقد ، فعوفي ، فأخذوا جميعاً في الفرح والسرور وبشروا الملك بما لاقاه ولده من الصحَّة ببركة صاحب المرقد ، وقالوا له : إنه مقيم عليه ، ولا بتول منه حَتَّى يصل البنّاؤون إليه ، فيبني عليه قُبَّة ، ويستحدث هناك بلداً ويشيّده ؛

ص: 101


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 314 ح 6.
2- مجمع البيان 6 : 449.

ليبقى بعده تذكاراً ، ولمّا بلغ السلطان ذلك ، سجد لله شكراً ، ومن حينه وجّه نحوه المعماريين ، وبنوا علی مشهده بقعة وقبَّة وسوراً يدور على البدر) (1).

ص: 102


1- فردوس التواريخ : في تواریخ خراسان وأحوال الإمام الرضا عليه السلام ، لم أقف عليه ، وهو للمولی نوروز علي بن محمّد باقر الواعظ البسطامي ، (ت 1309 ﻫ) ، طبع في إيران في (1315 ﻫ) على الحجر في 428 ص ، (ينظر : الذريعة 16 : 165 رقم 466).

المقام التاسع: في الإمام محمّد بن علي عليه السلام

اشارة

الملقَّب : بالتقي ، والجواد ، والمرتضى ، والمنتجب ، والقانع ، والمختار ، والعالم.

وكنيته : أبو جعفر الثاني ، وأبو الفضل ، وقد يُكنّى بأبي علي ولكنّه متروك.

ولادته عليه السلام في شهر رجب

وُلد بالمدينة يوم الجمعة ، النصف - أو التاسع عشر - من شهر رمضان ، علی ما ذكره المفيد في (الإرشاد) و (التاريخ) ، والكليني ، والطوسي ، في (الكافي) و (التهذيب) (1).

ونقل الشيخ رحمه الله في المصباح ، عن ابن عيّاش : (أنه ذكر مولده في عاشر رجب) (2).

قال جدّي الأمجد : (وربّما دلّ عليه ظاهر ما خرج من الناحية المقدّسة على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رحمه الله من الدعاء في أيام رجب ، وذلك ؛ لأن الظاهر تعلّق الجار في قوله عليه السلام في رجب : (بالمولودين). واحتمال تعلّقه بالسؤال بعيد) ، انتهى (3).

قلت : والدعاء المذكور هو هذا : «اللهُمَّ إني أسألك بالمَولودَينِ في رجب ، محمّد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمّد المنتجب ...» إلى آخر الدعاء (4).

ص: 103


1- الإرشاد 2 : 273 ، مسار الشيعة : 24 ، الکافي 1 : 492 ، تهذيب الأحكام 6 : 90.
2- مصباح المتهجد : 805.
3- رسالة في تاريخ المعصومين : 190.
4- مصباح المتهجد : 804 ح 867 / 10.

وذكر الشيخ الطوسي رحمه الله في متهجّده عن ابن عيّاش : (أنّ اليوم الثاني من رجب كان مولد الهادي عليه السلام ، ورُوي أنه كان اليوم الخامس منه ، وأن في عاشره وُلد الجواد عليه السلام) (1).

وقال الكفعمي : (وبعض أصحابنا كأنهم لم يقفوا على هذه الرواية ، فأوردوا هنا سؤالاً وأجابوا عنه ، وصفتها : أن [قلت] (2) : إنَّ الجواد والهادي عليهما السلام لم يولدا في شهر رجب ، فكيف يقول الإمام الحجّة عليه السلام : (اللهُمَّ إنّي أسألك بالمولودَينِ في رجب) ، قلت : إنه أراد التوسل بهما في هذا الشهر ، لا كونهما وُلدا فيه.

ثُمَّ قال : وما ذكروه غير صحيح من وجوه ، الأول : إنَّما يتأتّى قولهم على بطلان رواية ابن عيّاش ، وقد ذكرها الطوسي رحمه الله في متهجّده ، وغيره من أصحابنا في مصابيحهم.

قال ابن طاووس رحمه الله في كتاب (فتح الأبواب) : وکتاب متهجّد جدّي الشيخ الطوسي رحمه الله كتاب عمل ودراية (3) ، وما هو على سبيل مجرد الرواية ؛ لأن من صنّف کتاب عمل ، فقد تقلّد العمل بما فيه ، ومتى كان فيه ما لا يعتقده ، فقد أبدع بالإسلام ، وحوشي الشيخ الطوسي من أن يصنّف بدعة (4).

الثاني : ظهوره في تخصيص التوسّل بهما عليهما السلام في رجب دون شعبان ورمضان وغيرهما ، وهو تخصیص من غير مخصّص لولا الولادة.

ص: 104


1- مصباح المتهجد : 805.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- في الأصل : (عمل بالدراية) وما أثبتناه من المصدر.
4- فتح الأبواب : 186 باختصار.

الثالث : إنه لو كان كما ذكروا ، لقال صاحب الأمر عليه السلام : اللهُمَّ إني أسألك الامامين. ولم يقل : (بالمولودين) ، ولأجل ولادة الحسين عليه السلام ثالث شعبان ، قيل في دعائه : (اللهُمَّ إني أسألك بالمولود في هذا اليوم)) ، انتهى (1).

لعل التوسل بولادتهما عليهما السلام دون باقي الأئمّة عليهم السلام لمزيد إتمام الحجّة في توالي الأئمّة الاثني عشر ؛ لظهوره إلى الرضا عليه السلام ، فكأنه عليه السلام أراد إحياء أمرهما عند الشيعة كما هو دأبهم في سائر الأدعية والصلاة ، فافهم.

وكيف كان فهو بالاتفاق في سنة 195 ﻫ، واُمُّه اُمّ ولد يُقال لها : سبيكة نوبية ، وقيل أيضاً : إن اسمها خيزران ، وكان له من العمر عند وفاة اُمِّه سبع سنين وأشهرُ على المشهور.

وفاته ومحل دفنه عليه السلام

ثُمَّ أشخصه المعتصم محمّد بن هارون ، بعد ما ملك الخلافة بعد أخيه المأمون من المدينة إلى بغداد ، فورد عليه السلام بغداد لليلتين بقيتا من المحرَّم سنة 220 ﻫ، فقتله بالسمّ على يد زوجته اُمّ الفضل بنت المأمون في آخر ذي القعدة من تلك السنة ، فكان له عليه السلام يومئذ خمس وعشرون سنة وشهران وثمانية عشر يوماً ، ودُفن بمقابر قريش في ظهر جدّه موسی بن جعفر عليه السلام (2).

ص: 105


1- البلد الأمين ، نقله عنه المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار 50 : 14 ، ولم أعثر عليه في النسخة المطبوعة سنة 1425 ﻫ من منشورات مؤسسة الأعلمي ، وكذا في مصباحه ، فلعل نسخة العلّامة المجلسي رحمه الله فيها زيادات ، فلاحظ.
2- ينظر عن أحواله وما يتعلق به عليه السلام : کشف الغُمَّة 3 : 134 - 166 ، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 3 : 485 - 504 ، الفصول المهمة 2 : 1033 - 1066 ، بحار الأنوار 50 : 1 - 113 ، وغيرها في غيرها.

فصل في ذكر أولاده عليه السلام

فهم ذكوراً وإناثاً ثلاثة عشر ، أمّا الذكور : فعليٌّ عليه السلام الَّذي هو الإمام من بعده ، وأبو الحسن ، وأبو طالب ، وزيد ، وجعفر ، وموسى المبرقع (1).

وأمّا الإناث : فحكيمة - بالكاف - وأمّا حليمة - باللام - غلط ، كما تقدم نظيره ، وسيأتي.

وفاطمة : تزوجها المأمون كما في مناقب ابن شهر آشوب (2).

وزينب ، وأم محمّد ، وميمونة : وهذه الثلاث دُفِنَّ في قم عند فاطمة بنت موسی بن جعفر عليه السلام (3).

وخديجة ، وأم كلثوم.

وأمّا أبو الحسن : فقد أعقب ، وكذلك أبو طالب ، وكذلك جعفر ، وكذلك موسی المبرقع.

أحوال موسى المبرقع

وذكر صاحب العمدة : (أنه عليه السلام أعقب من رجلين هما : علي الهادي عليه السلام ، وموسی المبرقع) (4).

وموسی : اُمُّه اُمّ ولد.

ص: 106


1- إجماع النسابة على أنه وُلد له عليه السلام الإمام الهادي والمبرقع لا غيرهما من الذكور ، ولم أعثر على مصدر قوله.
2- کذا ، وفي المناقب 3 : 487 ما نصّه : (خلّف فاطمة وأمامة فقط ، وقد كان زوّجه المامون ابنته ، ولم يكن له منها ولد) ، فلعل المؤلف رحمه الله نقل من نسخة فيها من هو القلم ما لا يخفى.
3- کشکول البهائي 1 : 207 ، بحار الأنوار 57 : 220.
4- عمدة الطالب : 199.

قال في عمدة الطالب : (مات بقم ، وقبره بها ، ويقال لولده الرضويين ، وهم بقم إلا من شذ منهم) ، انتهى (1).

وتُنسب إلى موسى المبرقع بيوت من الهند ، منها : أولاد مير أمان الله في سامانه.

ومنها : أولاد السيِّد مخدوم شاه زيد بور ، وغيرهما.

وفي (تاريخ قم) في باب أحوال الجواد عليه السلام ، قال : (ومن أولاده موسي الَّذي هو في قم) (2).

ونقل المجلسي عنه : (أن أول من جاء إلى قم من السادة الرضوية ، أبو جعفر موسی بن محمّد بن علي الرضا عليه السلام سنه 256 ﻫ، وكان يضع البرقع على وجهه ، وتوفي ليلة الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة 296 ﻫ، ودفنوه في الموضع المعروف الآن أنه مدفنه ، وهو معروف اليوم بالمحلة الموسوية) (3).

ونقل أيضاً المحدث النوري في رسالته المسمّاة ب-(البدر المشعشع في احوال موسی المبرقع) ، عن التاريخ المذكور : (أنه دُفن في الخان المعروف من اقليم الأيام بمحمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب بشنبوله ، واُمّ موسی أول من دُفن في ذلك المكان) ، انتهى (4).

ص: 107


1- عمدة الطالب : 201.
2- نقل عنه المجلسي في بحار الأنوار في فضل قم 57 : 219.
3- بحار الأنوار 57 : 220.
4- البدر المشعشع : 292 مطبوع ضمن مجلة الموسم ، العددان 26 - 27 سنة 1416 ﻫ.

ومحمّد بن الحسن - هذا الَّذي هو ضجيع موسی - : هو أحد الرواة من القمّيين من أصحاب الرضا عليه السلام ، وكان وصياً لسعد بن عبد الله القمّي (1).

ويظهر من بعض الروايات مذمّة موسی بما لا مزيد عليه ، ففي (الإرشاد) بإسناده عن يعقوب بن ياسر ، قال : (كان المتوكّل يقول : ويحكم قَدْ أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني ، فامتنع ، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى ، فلم أجدها. فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحالة ، فهذا أخوه موسی ، قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ، ويعشق ويتخالع ، فأحضره وأشهره ، فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك ، فلا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، ومن عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مُكرَّماً ، فاُشخص مكرَّماً ، فتقدم المتوكّل أن يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس ، وعمل على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سرياً يصلح أن يزوره هو فيه.

فلمَّا وافی موسی تلقّاه أبو الحسن عليه السلام في قنطرة وصيف - وهو موضع يتلقی فيه القادمون - فسلّم عليه ووافاه حقّه ثُمَّ قال له : إن هذا الرجل قَدْ أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقرّ له أنك شربت نبيذاً قطّ ، واتق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً. فقال له موسی : وإنَّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال : فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربِّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلا هتكك.

فأبى عليه موسی ، فکرّر عليه أبو الحسن عليه السلام القول والوعظ ، وهو مقيم على خلافه ، فلمَّا رأى أنه لا يجيب قال له : أما إن المجلس الَّذي تريد الاجتماع معه عليه ، لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً.

ص: 108


1- تعليقة على منهج المقال : 305.

قال : فأقام موسی ثلاث سنين يُبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ، فيقال له : قَدْ تشاغل اليوم ، فيروح ويُبكر ، فيقال له : قَدْ سكر ، فيُبكر ، فيقال له : قَدْ شرب دواء. فما زال على هذا ثلاث سنين حَتَّى قُتل المتوكّل ، ولم يجتمع معه على الشراب) (1).

وأنت خبير بأن هذا الخبر دال على قدحه بما هو مخرج عن العدالة ، غير أنه معارض بما رواه في الكافي من الحديث المتضمّن لإشهاد الجواد عليه السلام ابنه موسى على نسخة وصيَّته ، وقد صرّح عليه السلام فيها بأنه مستقل في التولية على جملة موقوفات أبيه عليه السلام من غير مشاركة أحد ، ومن المعلوم أن تولية الأوقاف من قبل الإمام من أقوى شواهد العدالة في حق المتولّي (2).

وما رواه الشيخ الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول) : عن موسی بن محمّد بن الرضا عليه السلام ، عن أخيه أبي الحسن الثالث عليه السلام حين سأله يحيى بن أكثُمَّ عن مسائل ، فسأل عنها أخاه عليه السلام ، وعبارة الحديث : «فجئت إلى علي بن محمّد ، فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته ، فقلت له : جُعلت فداك إن ابن أكثُمَّ كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحك عليه السلام ثُمَّ قال : وهل افتيته؟ قلت : لا ، قال : ولِمَ؟ قلت : لم أعرفها ، فقال عليه السلام : وما هي؟ قلت : کتب يسألني عن كيت وكيت ... إلى أخر الحديث بطوله» (3).

ص: 109


1- الإرشاد 2 : 307.
2- ينظر الكافي 1 : 235 ح 3.
3- تحف العقول : 476 مع إيراد تمام المسائل.

وفيه دلالة على كمال معرفته ، وتبصّره ، وتجنّبه عن القول بغير ما يعلم في الدين ، وإن أردت الاطلاع على الشواهد المبرئة لموسى ، فعليك بالرسالة المسماة ب-(البدر المشعشع) للعلّامة النوري - طاب ثراه - (1).

ولموسی المبرقع ولدان : محمّد درج ، ولم يعقب.

وأحمد ، أعقب : أبا علي محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، وتوفي سنة 315 ﻫ، ودُفن في بقعة جدّه موسی المبرقع (2) ، والبقية في ولده لابنه أبي عبد الله أحمد نقیب قم ، فيهم السيِّد العالم عبيد الله بن موسی بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، ذكر الشيخ منتجب الدين في فهرسته : (أنه ثقة ، ورع فاضل ، محدّث ، له : كتاب (أنساب آل الرسول وأولاد البتول) ، (كتاب في الحلال والحرام) ، كتاب (الأديان والملل)) ، انتهى (3).

ص: 110


1- قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة 3 : 68 رقم 203 عنه ما نصّه : (البدر المشعشع في أحوال ذرية موسى المبرقع ، لشيخنا العلّامة النوري الحاج ميرزا حسين ابن ميرزا محمّد تقي بن محمّد علي الطبرسي قدس سره ، المتوفى في ليلة الأربعاء (27 ج 2 - 1320 ﻫ) ، ذكر فيه ترجمة السيِّد الشريف أبي جعفر موسی المبرقع ابن الإمام أبي جعفر محمّد الجواد التقي عليه السلام ، وشرح أحواله وهجرته من الكوفة ، ووروده إلى قم سنة 256 ﻫ إلى أن توفي بها سنة 296 ﻫ وذكر ذريته وأحفاده ، وأثبت صحَّة نسب جمع من المنتمين إليه ، وفرغ منه في (ع 1 - 1308) كما في النسخة التي رأيتها ، وهي بخطه في خزانة كتب الشيخ ميرزا محمّد الطهراني ، وكتب عليها بخط أنه وهبها إياه ، وقد طُبع على الحجر في سنة تأليفه في بمبئ ، وعليه تقريض السيِّد المجدد الشيرازي) ، انتهى. وقد طُبعت الرسالة أخيراً ضمن محلة الموسم العددان 26 - 27 سنة 1416 ﻫ.
2- تاريخ قم : 588 ، عنه بحار الأنوار 57 : 220.
3- فهرست منتجب الدين المنضم إلى بحار الأنوار 102 : 244.

المقام العاشر: الإمام علي بن محمّد عليه السلام

اشارة

الملقّب بالهادي ، والنّقي ، والطيِّب ، والأمين ، والناصح ، والفتَّاح ، والمرتضی ، والفقيه ، والعالم ، والمتوكّل - وكان يُخفي على الناس هذا اللَّقب ، ويسعى في إخفائه ، ويوصي بعدم ذكره بهذا اللقب في مجمع العامّة ؛ من باب التقية من الخليفة العبَّاسي - ولكنَّ أشهر ألقابه الأول والثاني ، وربّما كان يلقّب بالعسكري ؛ لحضوره في معسكر الخليفة (1).

ويکتنّی : بأبي الحسن الرابع ، أو بأبي الحسن الثالث (2).

ولادته ، وفاته ، مدفنه عليه السلام

وُلد قريباً من المدينة في النصف من ذي الحجّة على ما ذكره الشيخان في (الإرشاد) و (التهذيب) والكليني في (الكافي) (3).

ص: 111


1- وقصة ذلك ما نقله الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 414 ح 19 وعنه المجلسي في بحار الأنوار 50 : 155 ح 44 ونصّه : «رُوي أن المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر ، وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأى ، أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك ، ففعلوا. فلمَّا صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخالي ، صعد فوقه ، واستدعى أبا الحسن واستصعده ، وقال : استحضرتك لنظارة خيولى ، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجانيف ويحملوا الأسلحة ، وقد عرضوا بأحسن زينة ، وأتمّ عدة ، وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه ، وكان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : وهل أعرض عليك عسكري؟ قال : نعم ، فدعا الله سبحانه ، فإذا بين السماء والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدجّجون ، فغشي على الخليفة ، فلمَّا أفاق ، قال أبو الحسن عليه السلام : نحن لا نناقشكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، فلا عليك شيء ممَّا تظن». وقال الشيخ الصدوق رحمه الله في علل الشرائع 1 : 241 باب 176 ما نصه : (سمعت من مشايخنا رضي الله عنه م يقولون إن المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمّد والحسن بن علي عليهما السلام بسر من رأى كانت تسمى عسكر ؛ فلذلك قيل لكل واحد منهما عسكري).
2- ينظر : بحار الأنوار 50 : 113 باب أسمائه وألقابه عليه السلام.
3- الإرشاد 2 : 297 ، تهذيب الأحکام 6 : 92 ح 41 ، الكافي 1 : 498 ، بقرية يقال لها : بصرياً.

وروى الشيخ في المصباح : (أنه وُلد عليه السلام في السابع والعشرين من ذي الحجّة (1) ، واختاره المفيد رحمه الله في (التاريخ) (2) ، وقيل : في ثاني رجب أو خامسه) (3).

ورُوي عن إبراهيم [بن هاشم القمِّي] (4) : (أنه كان في ثالث عشر من رجب) (5).

وربّما يُشعر بكونه في رجب ما ذكرنا من الدعاء (6) ، وكان ذلك في سنة 212 - وقيل الرابعة عشرة - من الهجرة ، وكان له حين وفاة أبيه ستّ - أو ثماني - سنین.

واُمُّه : اُمّ ولد ، يقال لها : سمانة المغربية ، وقيل : إنّ اُمُّه اُمّ الفضل بنت المأمون (7).

ثُمَّ إن المتوكّل بعث یحیی بن هرثمة بن أعين مع جنود إلى المدينة ؛ ليشخصه إلى سُرَّ من رأى ، فأشخصه ، فأقام بها عشرين سنة وبضعة أشهر ، ثُمَّ سمّه المتوكّل ، فقتله على ما رواه الصدوق وجماعة (8).

قال جدّي الأمجد : (ويظهر من بعض الأخبار أن المتوكّل جهد كثيراً في إيقاع حيلة به عليه السلام ، فلم يتمكّن ، بل مات - لعنه الله - بدعائه عليه قبل أن يُقبض عليه السلام ، فقُبض مسموماً من ابن المتوكّل أعني المعتمد) ، انتهى (9).

ص: 112


1- مصباح المتهجد : 767.
2- مسار الشيعة : 42.
3- المصباح للكفعمي : 512.
4- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
5- مصباح المتهجد : 819 ، وفي الأصل : (ابن إبراهيم) فصححناه ، فلاحظ.
6- قَدْ مرّ في تاريخ الإمام الجواد عليه السلام.
7- شرح اُصول الكافي 7 : 296 ، والصحيح أنها زوجة أبيه عليه السلام ولم يلد منها.
8- الاعتقادات : 98 والأحاديث فيمن سمّه عليه السلام مختلفة ، وحديث إشخاصه عليه السلام ورد في الإرشاد 2 : 309 وكان سنة 243 ﻫ.
9- رسالة في تاريخ المعصومین : 205.

وكان قبضه في يوم الاثنين الثالث من شهر رجب في سنة 354 ﻫ على ما نقله جماعة ، وقيل : إنه اتّفاقي ، وكان عمره الشريف يومئذ إحدى وأربعين سنة وستة أشهر على المشهور في الميلاد ، فكانت مدَّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة ، ودُفن في بيته الَّذي كان يعبدُ الله فيه بِسُرَّ من رأى مدّة عشر سنين وأشهر ، وهو البيت الَّذي عيّنه له المتوكّل العبَّاسي (1).

من دُفن بجواره عليه السلام

قال في (المعجم) : (وبسامراء قبر الإمام علي بن محمّد بن علي بن موسی بن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريين ، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية ، وبها من قبور الخلفاء ، قبر الواثق ، وقبر المتوكّل ، وابنه المتصر ، وأخيه المعتز ، والمهتدي والمعتمد ابن المتوكّل) (2).

وممَّن فاز بحسن الجوار حيّاً وميتاً : إبراهيم بن العبَّاس بن محمّد بن صولتكين ، الشاعر المشهور المتوفّى في منتصف شعبان سنة 243 ﻫ بِسُرَّ من رأى ، وكان متصلاً بذي الرئاستين الفضل بن سهل ، ثُمَّ تنقّل في أعمال السلطان ودواوينه إلى حين وفاته ، وكان من شعراء عصره ، وذكره ابن شهر آشوب من شعراء الشيعة ومادحي أهل البيت عليهم السلام (3).

ص: 113


1- ينظر عن أحواله عليه السلام وما يتعلق به بالتفصيل : بحار الأنوار 50 : 113 - 235.
2- معجم البلدان 3 : 178.
3- معالم العلماء : 187 ، وقال آقا بزرگ الطهراني في الذريعة 9 ق 2 : 622 رقم 4440 عن ديوانه ما نصّه : (ديوان الصولي : أبو بكر إبراهيم بن عبَّاس بن محمّد بن صولتكين الدولي المتوفى بشعبان 242 ﻫ، في سامراء. ترجمه في معجم الأدباء ووفيات الأعيان وتاريخ بغداد ، وعدّه في معالم العلماء ص 141 من شعراء الشيعة. وديوانه صغير مطبوع. وهو عمّ الصولي الشطرنجي).

قصة شجرة كشمر

قصة شجرة كشمر (1)

ومدينة سامراء من إنشاء المعتصم العبَّاسي ، وبنى بها منارة كان يصعدها على حمار مريسي ، ودرج تلك المنارة من خارجها ، وأساسها على جریب من الأرض ، وطولها تسع وتسعون ذراعاً ، ومريس قرية بمصر (2).

ونقل المؤرِّخ الفارسي في (مرآة البلدان) - تاريخ السلطان ناصر الدین شاه - : (أن المتوكّل العبَّاسي كتب إلى عامله في خراسان ، وهو طاهر بن عبد الله ذو اليمينين أن يقطع الشجرة التي في قرية كشمر - من توابع خراسان - ، وذلك حينما أراد بناء جعفرية سامراء ، فقطعها وحملها على الإبل ، وقد غلّف أغصانها بالنماط الصوفية ، وأرسلها إلى بغداد ، وأن المجوس بذلوا له خمسين ألف دينار لئلّا يقطعها ؛ لاعتقادهم أنها غرس زردشت ، جاء بها من الجنّة).

ويقول بعض المؤرِّخين : (إن عمر الشجرة إلى سنة 232 هجرية 1450 سنة ، وهي سنة تلبّس المتوكّل بالخلافة ، وحين وصول الشجرة إلى قريب سامراء قُتل المتوكّل ، وعليه ، فمدّة حملها تقرب من أربع عشرة سنة ، ومن عظمها أنه لمّا وقعت على الأرض تزلزت جملة من الأبنية حولها وتضررت ، وأن ساقها بحجم 28 ذراعاً ، ويستظل تحتها أكثر من ألفي حيوان من البقر والغنم ، ومن قسم الطيور الموكّرة على أغصانها ما حجبت الشمس عن الناس حين ما هاجت عنها لدى انقلابها ، وقد حُملت أغصانها على ألف وثلاثمائة بعير ، واُجرة حمل مَن ساقها إلى بغداد ألف درهم) (3).

ص: 114


1- کشمر : قرية من قرى نيسابور. (معجم البلدان 4 : 463).
2- ينظر في تاريخ سامراء : موسوعة العتبات المقدسة - قسم سامراء ، ومآثر الكبراء في تاريخ سامراء للمحلاتي رحمه الله.
3- لم أهتد إلى مصدر هذا القول ، ولم أجد من ذكره ، والقصة هي أقرب إلى الخيال.

تنبيه

جواز دخول حرمه عليه السلام

قال الشهيد رحمه الله في مزار (الدروس) ناقلاً عن المفيد رحمه الله : (إنه لا يجوز الدخول في حرم الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام ، بل يُزار من ظاهر الشباك ، ومنع من دخول الدار ، ونقل عن الشيخ أبي جعفر : أنه الأحوط ، لأنها ملك الغير ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، قال : ولو أن أحداً دخلها لم يكن مأثوماً وخاصة إذا تأول في ذلك ما رُوي عنهم عليهم السلام أنهم جعلوا شيعتهم في حلٍّ من مالهم) ، انتهى (1).

أقول : تعليل الجواز بتحليل الخمس لشيعتهم عليل جداً ، فإنَّ تحليل الخمس للشيعة لا يستلزم تحلیل سائر أموالهم أينما كانت ، على أنه ليس في كلام المفيد المنع من دخول المشهد ، ولعل نظره في الوقوف بظاهر الشباك إلى رعاية الأدب ، بل على جواز الدخول ما هو المروي بطرق عديدة في آداب الزيارة من الوقوف عند القبر ، واللصوق به ، والانكباب عليه (2) ، مضافاً إلى ما عليه كافة العلماء الأبرار والزائرين الأخيار ، نعم الأحوط والأرجح تأخر الزائر عند زيارة الهادي عليه السلام من الضريح المقدّس ؛ لما سننقله قريباً عن مزار الشيخ الجليل الشيخ خضر شلال (3).

ص: 115


1- الدروس 2 : 15 کتاب المزار ، المقنعة : 486 ، تهذيب الأحكام 6 : 94 والكلام فيها عن حرم الإمامين العسكريين عليهما السلام.
2- ينظر إلى ما كتبه الشيخ الأمیني رحمه الله في آداب الزيارة في كتابه أدب الزائر لمن يمم الحائر ، وإلى ما ذكر من ذلك في كتب المزار المتعددة.
3- ياتي الكلام في تاريخ ولده الإمام العسكري عليه السلام.

[دفع شبهة حول مكان القبر الشريف]

وقال صاحب (الملل والنحل) : (إن مشهده عليه السلام في قم) (1).

وأنت خبير بأنه ناشئ من عدم التثبُّت ، وعدم التعُّمق في أحوال الأئمّة صلوات الله عليهم ، وأعظم من ذلك ما في الجزء الرابع من (تاريخ ابن خلدون) عند ذكره الدولة الإسماعيلية ، حيث ذكر أن الشيعة تزعم أن الإمام بعد محمّد التقي ابنه علي ويلقّبونه الهادي ، ويقال الجواد ، ومات سنة 254 ﻫ وقبره بقم.

وقال : (ويزعمون أن الإمام بعده ابنه العسكري ؛ لأنه وُلد بِسُرِّ من رأى ، وكانت تُسمّى العسكر ، وحُبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة 260 ﻫ، ودُفن جنب أبيه في المشهد) (2).

وفيه ، أولاً : أنَّ الجواد من ألقاب الإمام التاسع محمّد بن علي عليه السلام.

وثانيا : ما عرفت من موضوع قبر الإمام الهادي عليه السلام وأنه في سُرَّ من رأى ، لا في قم ، والعجب أنه صرّح بأن العسكري عليه السلام توفّي في سُرَّ من رأى ، ودُفن بجنب أبيه في المشهد ، ومع ذلك كيف يكون مدفن أبيه في قم ، وهل هو إلا تناقض في عبارة واحدة.

فصل في أولاده عليه السلام

وُلد له : الحسن عليه السلام ، والحسين ، ومحمّد ، وأبو عبد الله جعفر المعروف بالكذّاب ، وابنة مسمّاة بعائشة.

ص: 116


1- الملل والنحل 1 : 169.
2- تاريخ ابن خلدون 4 : 29.

أمّا الحسن عليه السلام : فهو الإمام من بعده.

وأمّا الحسين : فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله ، تابعاً لأخيه الحسن معتقداً بإمامته ، ودُفن في حرم العسكريين تحت قدميهما (1).

وعن بعض كتب الأنساب : أن هارون بن علي الواقع في الميدان العتيق بأصبهان هو من أولاد أبي الحسن الهادي عليه السلام (2).

محمّد المعروف بسبع الدجيل

وأمّا محمّد : جلالته وعظمة شأنه أكثر من أن يذكر ، وكفى في ذلك قابليته للإمامة ، وهو أكبر أولاد الهادي عليه السلام ، وكانت الشيعة تظن فيه أنه الإمام بعد أبيه ، ولمّا توفّي في حياة الهادي عليه السلام ، قال لولده الحسن : «يا بني أحدث الله شكراً ، فقد أحدث في أمراً» (3).

وفي رواية اُخرى أنه قال : «بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر - يعني محمّد - مالم يكن يعرف له ، كما بدا له في موسی بعد مضي إسماعيل ما کشف به عن حاله» (4).

وفي الإرشاد : بسنده عن النوفلي قال : «كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمّد ابنه ، فقلت له : جُعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : لا ، صاحبكم من بعدي الحسن» (5).

ص: 117


1- وقد كتب محقق هذا الكتاب مقالة وافية عنه رضي الله عنه نشرت في مجلة الانتظار عدد / 5 سنة 1427 ﻫ بعنوان عمّ الإمام الحجة غجل الله تعالى فرجه الشريف الحسين بن علي ، فلتراجع.
2- لم أهتد إلى مصدر قوله ، وكان ينبغي أن يجعل هذا القول في آخر الفصل.
3- الكافي 1 : 326 ح 4.
4- الكافي 1 : 327 ح 10.
5- الإرشاد 2 : 314.

وبسنده : عن محمّد الأصبهاني قال : «قال لي أبو الحسن عليه السلام : صاحبكم من بعدي الَّذي يصلّي عليّ ، قال : ولم نكن نعرف أبا محمّد قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمّد بعد وفاته ، فصلّی عليه» (1).

وبسنده ، إلى جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسين الأفطس : «أنهم حضروا يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد دار أبي الحسن عليه السلام ، وقد بُسط له في صحن داره ، والناس جلوس حوله ، من آل أبي طالب وبني العبَّاس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ؛ إذ نظر إلى الحسن بن علي عليهما السلام وقد جاء مشقوق الجيب حَتَّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة من قيامه ، ثُمَّ قال له : يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً ، فبكى الحسن واسترجع ، فقال : الحمد لله ربِّ العالمين ، وإيَّاه أسأل تمام نعمه علينا ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فسألنا عنه ، فقيل لنا : هذا الحسن بن علي ابنه ، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها ، فيومئذ عرفنا وعلمنا أنه قَدْ أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه» (2).

والأخبار في هذا كثيرة قَدْ أوردها المفيد رحمه الله في الإرشاد (3) ، ومع ذلك فالعجب من صاحب (جنّات الخلود) حيث قال فيها : (إنه لم يُعرف حاله) (4). مع أن قبره مزار معروف في قرية بلد من نواحي الدجيل.

ص: 118


1- الإرشاد 2 : 315.
2- الإرشاد 2 : 317.
3- الإرشاد 2 : 314 - 320.
4- جنّات الخلود : 37.

وفي معجم البلدان : (نقل عن السيِّد عبد الكريم ابن طاووس رحمه الله أن قبر أبي جعفر محمّد ابن الهادي عليه السلام في بلد - التي هي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل - وادّعى الإتفاق على ذلك) (1).

وهو غريب منه ، وسواد أطراف سامراء من العامّة والخاصّة يعظّمون هذا المشهد ، ويقطعون الخصومات التي تقع بينهم بالحلف به ، والحضور في مشهده ، ولا يعرفونه إلا قبر السيِّد محمّد بن علي الهادي عليه السلام ، ويعبّرون عنه بسبع الدجيل (2).

توبة ولده جعفر

وأمّا جعفر : فهو الملقّب بالكذّاب ، وكان معروفاً بحبّ الجاه وطلب الدنيا ، وصرف أكثر عمره مع الأوباش والأجامرة ولعب الطنبور وسائر ما هو غير مشروع ، ولكن كان متظاهراً بإمامة الحسن العسكري ، ومن بعد وفاته ادّعی

ص: 119


1- معجم البلدان 1 : 481 ، قال العلّامة السيِّد عبد الستار الحسني دام توفيقه في تعليقة له على نسخة كتابنا هذا تتعلق بما ذُكر : (وفاة ياقوت الحموي صاحب (معجم البلدان) سنة 626 ﻫ قبل ولادة السيِّد عبد الكريم ابن طاووس سنة 647 - 693 ﻫ) ، وإنما كان السيِّد عبد الكريم المذكور يملك نسخة من (معجم البلدان) ، فعلّق عليها ، فادخل الناسخ كلامه في الأصل).
2- قال السيِّد محسن الأمين في أعيان الشيعة 10 : 5 في ترجمته ما نصّه : (السيِّد أبو جفر محمّد ابن الإمام علي أبي الحسن الهادي. توفي في حدود سنة 252 ﻫ جليل القدر ، عظيم الشأن ، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه عليه السلام ، فلمَّا توفي نصّ أبوه على أخيه أبي محمّد الحسن الزكي عليه السلام ، وكان أبوه خلّفه بالمدينة طفلاً لمّا اُتي به إلى العراق ، ثُمَّ قدم عليه في سامراء ، ثُمَّ أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلمَّا بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء ، مرض وتوفي ودُفن قريباً منها ، ومشهده هناك مفروف مزور. ولمّا توفي شقّ أخوه أبو محمّد ثوبه وقال في جواب من لامه على ذلك : قَدْ شقّ موسى على أخيه هارون. وسعى المحدِّث العلّامة الشيخ ميرزا حسين النوري في تشييد مشهده وتعميره ، وكان له فيه اعتقاد عظيم) ، انتهى. وقد ألّف الشيخ محمّد علي الاوردبادي رحمه الله كتاباً عنه اسمه (حياة سبع الدجيل) ، وطبع في النجف الأشرف ، وكذا السيِّد موسى الموسوي الهندي باسم (سبع الدجيل محمّد ابن الإمام الهادي عليه السلام) ، فلاحظ.

الإمامة ، وكان يجبر الناس على إطاعته والقول بإمامته (1) ، وأراد أن يصلّي على جنازة أخيه ، فمنعه ذلك الحجّة صاحب الأمر عليه السلام ، وقصته معروفة (2).

ويقال : إنه تاب في أخر عمره ، فلُقّب بجعفر التوّاب ، بل ورد في الأخبار تشبیه جعفر بأخوة يوسف علييه السلام ؛ حيث غفر الله لهم ذنوبهم ، وعفا عنهم يوسف (3) ، وقال : ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ (4).

ص: 120


1- ينظر : كمال الدين : 41 ، 319 ، 320 ، 442 ، 476 ، 479.
2- رواها الصدوق رحمه الله في كمال الدين : 475 ، والخبر معروف بخبر أبي الأديان.
3- ينظر : كمال الدين : 483 ح 4 ، الغيبة للطوسي : 290 ح 247 ، کشف الغُمَّة 3 : 339.
4- سورة يوسف : من آية 92.

المقام الحادي عشر: في الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام

ولادته ووفاته عليه السلام

ويُلقّب بصاحب الناحية أيضاً كما في كتب الرجال (1) ، وبهذا يصحّ سند زيارة الناحية المرويّة في الإقبال ، قال : (خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين ... إلخ) (2).

وخروجها بهذا التاريخ يكون مقدّماً على ولادة الحجّة بأربع سنين ، فالمراد منه العسكري (3).

وكنيته : أبو محمّد ، وُلد بالمدينة على المشهور - وقيل بسُرَّ من رأى (4) ، ولعله خطأ كما صرّح به جدّي الأمجد (5) - في يوم الجمعة ، الثامن من شهر ربيع الآخر - وقيل غير ذلك ، والأول أشهر - في سنة 232 من الهجرة (6) - وقيل في سنة الثلاثين فوق (ثلاثين بعد - ظ) المائتين ، ونقل عن المفيد رحمه الله قال جدّي الأمجد : (لعله سهو في النقل ؛ إذ ليس فيما رأينا من كتبه ذلك) (7) - (8).

ص: 121


1- قاموس الرجال 9 : 504.
2- إقبال الأعمال 2 : 73.
3- ينظر عن سند هذه الزيارة : أنصار الحسين عليه السلام : 154 - 156.
4- ذكر المفيد في الإرشاد 2 : 310 ، والإربلي في كشف الغُمَّة 3 : 176 أن سنة ورود والده الإمام الهادي عليه السلام بأمر المتوكل إلى سر من رأى هي 243 ﻫ، فيكون عمر الإمام العسكري عليه السلام حينها 11 سنة ، فلاحظ.
5- رسالة في تاريخ المعصومين : 211.
6- الإرشاد 2 : 312.
7- ذكر الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد ولادته سنة 232 ﻫ كما ورد أعلاه ، فلاحظ.
8- رسالة في تاريخ المعصومين : 213.

وكانت اُمُّه اُمّ ولد ، يقال لها حديث ، وكانت في غاية الورع والتقوى ، فأقام عليه السلام بسُرَّ من رأى بعد أبيه عليه السلام قريباً من ستّ سنين ، ثُمَّ سمّه المعتمد أبو عيسی ابن المتوكّل على ما ذكره الصدوق رحمه الله (1).

وقال الطبرسي : (ذهب كثير من أصحابنا إلى أنه مضى مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة عليهم السلام) (2).

فقُبض يوم الجمعة - وقيل يوم الأحد ، وقيل يوم الأربعاء والأول أشهر - الثامن من شهر ربيع الأول - وقيل في غيره ، والأول هو المعتمد - وكان ذلك في عام الستّين فوق (ستين بعد - ط) المائتين ، وكان عليه السلام يومئذ ابن ثماني وعشرين سنة ، ومدّة إمامته ستّ سنين ، ودُفن بسامراء في داره في البيت الَّذي دُفن فيه أبوه عليه السلام ، ومرقده خلف ظهر أبيه ، وعلى قولٍ : إنّ ذرِّيته عليه السلام منحصرة في ابنه الإمام صاحب الأمر محمّد بن الحسن ، وبنت واحدة غير موسومة ولا مذكورة في الكتب ، والأصح انحصار ولده في الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف (3).

تنبيهان

[حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام]

الأول : قال المجلسي رحمه الله في مزار البحار : (إن في القُبَّة الشريفة - يعني قُبَّة الإمامين العسكريين عليهما السلام - قبراً منسوباً إلى النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقية الرضية حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام ، ولا أدري لِمَ لَمْ يتعرضوا لزيارتها مع ظهور فضلها

ص: 122


1- الاعتقادات : 99.
2- إعلام الوری 2 : 131.
3- ينظر عن أحواله وما يتعلق به عليه السلام : الإرشاد 2 : 313 - 339 ، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 3 : 522 - 541 ، بحار الأنوار 50 : 235 - 338 ، وغيرها في غيرها.

وجلالتها؟! وأنها كانت مخصوصة بالأئمّة عليهم السلام ومودعة أسرارهم ، وكانت اُمُّ القائم عله السلام عندها ، وكانت حاضرة عند ولادته عليه السلام ، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري عليه السلام ، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته ، فينبغي زيارتها بما أجرى الله على اللَّسان ممَّا يناسب فضلها وشأنها والله الموفق) ، انتهى كلامه (1).

قال جدّي بحر العلوم رحمه الله بعد نقل هذه العبارة : (قلت : عدم التعرُّض لزيارتها - رضي الله عنه ا - كما أشار إليه الخال المفضال عجيب ، وأعجب منه عدم تعرض الأكثر لها - کالمفيد في الإرشاد ، وغيره في كتب التواريخ والسِّيَر والنسب - في أولاد الجواد عليه السلام ، بل حصر بعضهم بناته عليه السلام في غيرها :

قال المفيد رحمه الله : وخلّف أبو جعفر الجواد عليه السلام من الولد عليّاً - ابنه الإمام من بعده - وموسی ، وفاطمة ، وأمامة ، ولم يخلّف ذكراً غير من سمَّيناه.

وقال الطبرسي في إعلام الوری : وخلّف من الولد عليّاً - الإمام - وموسی ، (ومن البنات حكيمة وخديجة وأم كلثوم) (2).

ويقال : خلّف فاطمة وأمامة ابنتيه ، ولم يخلف غيرهم.

وقال السروي في المناقب : وأولاده : علي الإمام ، وموسى وحكيمة ، وخديجة ، واُمّ كلثوم. قال : وقال - (أيوب الأنصاري) (3) - أبو عبد الله الحارثي : خلّف فاطمة وأمامة فقط) ، انتهى (4).

ص: 123


1- بحار الأنوار 99 : 79.
2- ما بين القوسين غیر موجود في نسخة إعلام الوری المطبوعة التي اعتمدناها ، ويؤيده قول التستري في قاموس الرجال 12 : 238 رقم 81 بعد إيراده هذا الكلام ما نصّه : (أقول : نقل المصنّف كلام الطبرسي كالمفيد لعدم ذكر حكيمة) في أولاد الجواد عليه السلام مع أنها مذكورة في ما نقل ، ولعله حُرّف عليه).
3- ما بين الشارتین زيادة من المؤلف رحمه الله لا أعرف مناسبتها ، ولعلها من سهو القلم ، وأبو عبد الله الحارثي هو الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي المعروف بالمفيد رحمه الله ، وهو إشارة إلى ما ذكره في كتابه الارشاد ، ولعلّ المؤلف رحمه الله ظن بالحارثي بشر النخاس المعاصر للإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ، من ولد أبي أيوب الأنصاري ، فسقطت (ابن أبي) في الطباعة ، فلاحظ.
4- الفوائد الرجالية 2 : 317 ، الإرشاد 2 : 295 ، إعلام الوری 2 : 106 ، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 3 : 487.

أقول : فهذه الجليلة بنت الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ، واُخت الإمام علي الهادي عليه السلام ، وعمّة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، وقد أدركت أئمّة أربعة بزيادة إمام العصر عليه السلام إلى من تقدّم ، وأن الهادي عليه السلام أمر نرجس خاتون أن تتعلم منها معالم الدين وأحكام الشرع والتأدُّب بالآداب الإلهية (1) ، وكان لها منصب السفارة بعد العسكري عليه السلام من قبل إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وكانت توصل عرائض الناس إليه ، والتوقيعات الصادرة منه عليه السلام إلى الناس (2) ، ومرقدها الشريف ممَّا يلي قدمي العسكريين عليهما السلام ، ولها صندوق على حِدَة.

وبجنب ضريح العسكري عليه السلام أيضاً ، ضریح نرجس خاتون اُمّ الإمام صاحب الزَّمان عليه السلام ، واقع خلفه.

عدم اللصوق بضريحه عليه السلام

الثاني : قال الشيخ الجليل والفقيه النبيل الشيخ خضر شلّال النَّجفي المتوفى 1255 ﻫ، - وقبره في محلّة العمارة من النَّجف ، معروف تقصده الناس ؛ لقراءة الفاتحة وإسعاف الحوائج (3) - في مزاره في باب زيارة العسكريين : (أنه لا شكّ أنَّ

ص: 124


1- إشارة إلى قول الإمام الهادي عليه السلام المروي في الإكمال ، ونصّه : قال أبو الحسن عليه السلام : «يا کافور ادعُ لي أختي حکيمة ، فلمَّا دخلت عليه ، قال عليه السلام لها : هاهيه ، فاعتنقتها طويلاً ، وسُرّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمّد ، وأم القائم عليه السلام». (ينظر كمال الدين : 423).
2- ينظر : كمال الدين : 426 ح 2.
3- هُدِّم قبره في أوائل القرن الحالي ، وهو الخامس عشر الهجري من قبل النظام البعثي البائد ، ونقله بعض الصلحاء إلى وادي السلام ، وقبره معروف هناك يُزار.

الأرجح عند زيارة الإمام علي الهادي عليه السلام ، تأخُّر الزائر عن الضريح المبارك بمقدار ذراع أو أزيد ، ولا يلصق نفسه بالشبَّاك كما هو المتعارف في آداب زيارة الأئمَّة عليهم السلام.

قال رحمه الله : إذ من المحقَّق الواصل إلينا أنَّ الشبَّاك الواقع على الضريح المقدِّس في زماننا هو متأخّر عن موضع القبر ، وأنَّ القبر الشريف قُدَّام الشبَّاك.

قال رحمه الله : ويؤيد هذه المقالة أنّي وجماعة من العلماء والصلحاء تشرفنا إلى زيارته وكان معنا أحد العلويين الحاملين للعلم ، فأخبرني بشيء كان أوجب تشويشهم واضطرابهم ، وهو أنه كان واقفاً بقرب الضريح مستدبر القبلة ، فسمع صوتاً من الضريح يقول له : تنحّ عن موقفك إلى ورائك. قال : وليس سبب ذلك إلّا ما ذكرناه من أنَّ الضريح خارج عن الشبَّاك) ، انتهى (1).

ولا يخفى أنَّ الضريح هو الضريح الفولاذي الَّذي هو من آثار الشاه سلطان حسين الصفوي خاتمة السلاطين الصفوية ، كما أن تذهيب القُبَّة الموجودة الآن من آثار السلطان ناصر الدین شاه القاجاري المقتول سنة 1313 ﻫ، بنظارة الفقيه الجامع الشيخ عبد الحسين الطهراني المتوفّى سنة 1286 ﻫ، وعدد أحجارها الذهبية هكذا 27748 ، کتیبة 160 ، حاشية 320.

والمراد من العلوي هو السيِّد جدّنا بحر العلوم (طاب ثراه) كما صرّح به العلّامة النوري رحمه الله في تحية الزائر ، وكان اضطرابه ؛ لتأخُّره عن موقفه دفعة (2).

ص: 125


1- أبواب الجنان : 504 بتصرف ، عنه تحية الزائر : 225.
2- تحية الزائر : 224.

[داهية عظمى]

ونقل المجلسي في آخر المجلّد الثاني عشر من البحار : (أنه وقعت داهية عظمی ، وفتنة كبرى ، في سنة ستّ ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنورة بِسُرَّ من رأى ، وذلك أنه لغلبة الأروام (1) وأجلاف العرب على سُرَّ من رأى ، وقلَّة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدّسة ، وجلاء السادات والأشراف الظلم الأروام عليهم منها ، وضعوا ليلة من الليالي سراجاً داخل الروضة المطهَّرة في غير المحل المناسب له ، فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ، ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش والصناديق المقدَّسة والأخشاب والأبواب ، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنُصَّاب من المخالفين ؛ جهلاً منهم بأن أمثال ذلك لا يضرّ بحال هؤلاء الأجلَّة الكرام ، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلّام ، وإنَّما ذلك غضب على الناس ، ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت ، وإنَّما هو تابع للمصالح الكلّية والأسرار في ذلك خفية ، وفيه شدَّة تكليف ، وافتتان وامتحان للمكلَّفين ، وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدّسة النبوية بالمدينة أيضاً صلوات الله على مشرِّفها وآله.

قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد (قدس الله روحه) في كتاب (جامع الشرائع) في باب اللّعان : إنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبره عليه السلام.

ثُمَّ قال : وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ، ثُمَّ عُمل بدل المنبر) (2).

ص: 126


1- الأروام : يراد بهم رجال دولة الروم.
2- بحار الأنوار 50 : 337 ، والمؤلف رحمه الله أوردها باختلاف يسير وما أثبتناه من المصدر ، جامع الشرائع : 481.

المقام الثاني عشر

اشارة

في الغوث الأعظم ، والملاذ الأفخم ، ناموس الدهر ، وصاحب العصر ، الإمام محمّد بن الحسن ، الملقَّب بالحجّة ، والصاحب ، وصاحب العسكر ، وصاحب الأمر ، وصاحب الناحية ، وصاحب الدار ، وصاحب الزَّمان ، والغريم ، والمهدي ، والقائم ، والمنتظر ، والهادي ، والخلف الصالح ، والبلد الأمين ، والخاتم ، المکنَّی بأبي عبد الله ، وأبي القاسم (1).

ولادته وغيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف

وُلد في سُرَّ من رأى ، في دار أبيه العسكري ، يوم الجمعة - وعلى الأصح ليلة الجمعة - في ليلة النصف من شعبان سنة 256 ﻫ، بعد انقضاء أحد وأربعين يوماً من خلافة المعتمد على الله العبَّاسي.

واُمُّه نرجس خاتون بنت قيصر الروم ، وعلى قولٍ بنت یشوعا بن قیصر من نسل شمعون من حواري عيسی عليه السلام ، وذكر بعض المؤرِّخين أن قيصر كان عازماً على تزويجها من ابن أخيه ، واحتفل بمأدبة عظيمة ، فلم يتم الأمر في تلك الحفلة ، فلمَّا أن جاء الليل رأت نرجس خاتون في منامها النبي صلى الله عليه وآله مع فاطمة الزهراء عليها السلام ، فأسلمت على يديهما ، وعقداها للحسن العسكري عليه السلام ، ورأته في المنام ، ومن شدَّة شوقها إليه ألقت نفسها بين اُسارى المسلمين ، فجاء المسلمون بها إلى بغداد وجعلوها في البيع ، فأرسل الإمام علي بن محمّد الهادي عليه السلام مع

ص: 127


1- ينظر: النجم الثاقب في احوال الحجّة الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف ، الباب الثاني من المجلد الأول منه ، فقد ذكر مؤلّفه رحمه الله فيه (182) ما بين اسم ولقب له عجل الله تعالى فرجه الشريف.

بشر بن سليمان مائتين وعشرين ديناراً ذهباً إلى بغداد ، فشراها ، ثُمَّ أعطاها إلى ابنه العسكري عليه السلام ، وفي عرض الطريق سمّت نفسها نرجس خاتون (1).

ومدّة عمره عليه السلام من حين ولادته إلى التحرير يوم الخامس عشر من شهر شعبان سنة 1343 ﻫ ألف وثماني وأربعون سنة ، وغيبته يوم الأحد - وقيل : يوم الجمعة - من خوف الأعداء عاشر شهر شوال سنة 262 ﻫ، وعلى قول سنة 265 ﻫ (2).

شمائله وعلامات ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف

وشمائله على ما نقله السيِّد الشبلنجي : (شاب أكحل العينين ، أزجّ الحاجبين ، أقنى الأنف ، كثُّ اللّحية ، على خدِّه الأيمن خالٌ.

قال : وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما : المهدي من ولدي ، وجهه كالكوكب الدرِّي ، اللّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي - أي طويل - يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً) ، انتهى (3).

وقال صاحب (الفتوحات) : (واعلم أنَّ المهدي عليه السلام إذا خرج يفرح به جميع المسلمين ، خاصَّتهم وعامَّتهم ، وله رجال إلهيّون يقيمون دعوته وينصرونه ، ثُمَّ الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ، ويعينونه على ما قلّده الله ، ينزل عليه عيسی بن مریم عليه الصلاة والسلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق ، متَّكئاً على ملكين ، ملك عن

ص: 128


1- ينظر : كمال الدين 417 ، ح 1 ، دلائل الإمامة : 489 ح 488 / 92 ، الغيبة للطوسي : 208 ح 177 ، روضة الواعظين : 252.
2- ينظر ما يتعلق به صلوات الله عليه وعلى آبائه الكتب التي ألّفت حوله ، والتي تُعرف بكتب الغيبة ك : کمال الدين للصدوق ، وغيبة النعماني ، وغيبة الطوسي ، وغيبة المجلسي من بحار الأنوار ، والنجم الثاقب للنوري ، وغيرها في غيرها.
3- نور الأبصار : 170 ، الصواعق المحرقة : 164.

يمينه ، ملك عن يساره ، والناس في صلاة العصر ، فيتنحى له الإمام عن مكانه ، فيتقدَّم فيصلي بالناس ، يؤمّ الناس بسُنَّة سيدنا محمّد صلى الله عليه وآله ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويقبض الله إليه المهدي طاهراً مطهِّراً ، وفي زمانه يُقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ، ويُخسف بجيشه البيداء ، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يُحشر على نيَّته) ، انتهى (1).

وفي سنن أبي داود ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالی رجلاً من أهل بيتي ، يملؤها عدلاً كما ملئت جورا» (2).

وأخرج أبو داود والترمذي ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عنه صلى الله عليه وآله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : «المهدي منّي ، أجلى الجبهةِ ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».

وزاد أبو داود : «يملك سبع سنين» (3).

وأخرج ابن شیرویه - وهو من أكابر العامَّة - في كتابه (فردوس الأخبار) في باب الألف واللام ، عن ابن عبَّاس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «المهدي طاووس أهلِ الجنَّة» (4).

ص: 129


1- الفتوحات المكية 3 : 327 باختلاف يسير ، وبلفظه ورد في نور الأبصار : 170.
2- سنن أبي داود 2 : 310 ح 4283 وفيه : (الدهر) بدل (الدنيا) ، عنه بلفظه نور الأبصار : 170.
3- سنن أبي داود 2 : 310 ح 4285 ، ولم نجده في سنن الترمذي ونقل عنه في مطالب السؤول : 483 ، ونور الأبصار : 170.
4- فردوس الأخبار 2 : 359 ح 6941 ، عنه نور الأبصار : 170.

وعنه أيضاً بإسناده ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : «المهديّ [رجلٌ من] (1) ولدي ، وجهه كالقمر الدرّي ، اللَّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي ، يملأ الأرض عدلاً ، كما مُلئت جوراً ، يرضى بخلافته أهلُ السموات والأرض ، والطير في الجو ، يملك عشرين سنة» (2).

وأخرج الحافظ أبو نعيم ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «إذا رأيتم الرايات السود قَدْ أقبلت من خراسان ، فأتوها ولو حَبْواً على الثلج ، فإنَّ فيها خليفة الله المهدي» (3).

وأخرج أيضاً ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة» (4).

وأخرج الحافظ أبو عبد الله محمّد بن ماجة القزويني في حديث طويل في نزول عيسی بن مریم عليه السلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله - وذكر الدجَّال - فقال : «إنَّ المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم (يوم الخلاص)» ، قالت اُمّ شريك بنت أبي العسكر : فأين العرب يومئذ؟ قال صلى الله عليه وآله : «هم يومئذ قليل ، وجلّهم بيت المقدس ، وإمامهم المهدي ، وقد تقدّم ليصلّي بهم الصبح إذ نزل عيسی بن مريم ، فرجع ذلك

ص: 130


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- فردوس الأخبار 2 : 359 ح 6940 ، وفي الأصل : (عشر سنين) ، عنه نور الأبصار : 170.
3- الأربعون حديث المندرج في كشف الغُمَّة 3 : 272 ح 26 ، عنه الصواعق المحرقة : 164 ، نور الأبصار : 170.
4- الأربعون حديث المندرج في كشف الغُمَّة 3 : 269 ح 7 ، وفيه اسم القرية : (كرعة) ، عنه نور الأبصار : 170.

الامام ينكص عن عيسى القهقرى ؛ ليتقدم عيسى يصلّي بالناس ، فيضع عيسی يده على كتفيه ثُمَّ يقول له : تقدّم» (1).

وروى البخاري ومسلم في صحيحهما ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله الله صلى الله عليه وآله : «كيف أنتم إذا نزل ابن مریم فیکم وإمامكم منكم» (2).

وههنا فوائد ذكرها صاحب (الصواعق المحرقة) يناسب لنا نقلها :

(الأولى - قال : الأظهر أنَّ خروج المهدي قبل نزول عيسی ، وقيل بعده.

الثانية - قال : تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله ، أنه من أهل بيته ، وأنه يملأ الأرض عدلا.

الثالثة - تواترت الأخبار على أنه يعاون عيسى على قتل الدجَّال بباب (لُد) بأرض يقال لها فلسطين بالشام.

الرابعة - قال جاء في بعض الآثار أنه يخرج في وتر السنين ، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.

الخامسة - بعد أن تعقد له البيعة بمكَّة يسير منها إلى الكوفة ، ثُمَّ يفرّق الجند إلى الأمصار.

السادسة - أنَّ السَّنة من سِنِيِّه مقدارُ عشر سنين.

السابعة - أنَّ سلطانه يبلغ المشرق والمغرب ، تظهر له الكنوز ، لا يبقى في الأرض خراب إلا عمّره) (3).

ص: 131


1- سنن ابن ماجة 2 : 1359 بتفصيل ، عنه بلفظه نور الأبصار : 170.
2- صحيح البخاري البخاري 4 : 143 ، صحیح مسلم 1 : 94 ، عنهما نور الأبصار : 170.
3- الصواعق المحرقة : 165 ، نور الأبصار : 171.

وهذه علامات قيام القائم ، مروية عن أبي جعفر رضي الله عنه ، قال : «إذا تشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وأمات الناس الصلوات ، واتَّبعوا الشهوات ، واستخفُّوا بالدماء ، وتعاملوا بالربا ، وتظاهروا بالزنا ، وشيّدوا البناء ، واستحلوا الكذب ، وأخذوا الرشا ، واتبعوا الهوى ، وباعوا الدين بالدنيا ، وقطعوا الأرحام ، وظنوا بالطعام ، وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، والأمراء فجرة ، والوزراء كذبة ، والأمناء خونة ، والأعوان ظلمة ، والقرّاء فسقة ، وظهر الجور ، وكثر الطلاق ، وبدأ الفجور ، وقُبلت شهادة الزور ، وشُربت الخمور ، وركبت الذكور الذكور ، واستغنت النساء بالنساء ، واتَّخِذ الفيء مغنماً ، والصدقة مغرماً ، واتُّقي الأشرار مخالفة ألسنتهم ، وخروج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء بين مكَّة والمدينة ، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام ، وصاح صائح من السماء بأنَّ الحقَّ معه ومع أتباعه.

قال : فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أتباعه ، فأول ما ينطق به هذه الآية : ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (1) ، ثُمَّ يقول : أنا [بقية الله وخليفته وحجَّته عليكم ، فلا يسلّم عليه أحد إلا قال : السلام عليك يا] (2) بقية الله في الأرض ، فإذا اجتمع عنده العقد - عشرة آلاف رجل - فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممَّن يعبد غير الله تعالى إلا آمن به وصدّقه ، وتكون الملَّةُ واحدة ، ملّة الإسلام وكل ما كان في الأرض من معبود سوى الله تعالى تتزل

ص: 132


1- سورة هود : 86.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.

عليه نار من السماء فتحرقه ، والله أعلم (1). انتهى ما في الصواعق ؛ وإنَّما آثرت نقله بطوله ؛ لكونه أدخل في إثبات الحجَّة وإيضاح المحجّة» (2).

قال ابن أبي الحديد في شرحه ، عند قوله عليه السلام في آخر الخطبة التي خطبها في المدينة «بنا فتح الله لا بكم ، وبنا يختم لا بكم» : إنه إشارة إلى المهدي عليه السلام الَّذي يظهر في آخر الزَّمان (3).

وما أحسن قوله في إحدى معلقاته :

ولقد عَلِمْتُ بأنه لا بدَّ مِنْ *** مَهدِيِّكُمْ ولِيَومِهِ أتوقَّعُ

تحميهِ مِنْ جُندِ الإلهِ کتائِبٌ *** کاليمِّ أقبلَ زاخِراً يَتَدَفَّعُ

فيها لآلِ أبي الحديد صوارِمٌ *** مشهورَةٌ ورِماحُ خَطٍّ شُرَّعُ

ورجالُ موتٍ مُقدِمون كأنَّهم *** أُسُدُ العرينِ الرُّبْدُ لا تَتَكَعْكَعُ

تِلكَ المُنى إمّا أغِبْ عنها فَلِي *** نفسٌ تُنازِعُني وشوقٌ يَنزَعُ (4)

وألطف منه قول الحافظ الشيرازي :

مژده ايدل كه مسيحا نفسي مي آيد *** كه انفاس خوشش بوى كسى مي آيد

از غم هجر مكن ناله وفرياد كه من *** زده ام فالي وفرياد رسى مي آيد

كس ندانست كه منزل گه معشوق كجاست *** اين قدر هست كه بانك جرسي مي آيد

ص: 133


1- نور الأبصار : 171 ، ومن طرقنا ورد بالتفصيل في كمال الدین : 330 ح 16 ، إعلام الوری 2 : 291 ، کشف الغُمَّة 3 : 342.
2- لم يرد هذا الحديث في صواعق ابن حجر ، وإنما نقل الشبلنجي کلاماً له - أعني السابق - وتبعه بحديث أبي جعفر الباقر عليه السلام ، فظنّ المؤلِّف رحمه الله أنه من كتاب الصواعق المحرقة ، فلاحظ.
3- شرح نهج البلاغة 1 : 281.
4- وردت في مقدمة التحقيق لشرح نهج البلاغة 1 : 14.

ولعلَّ الحكمة في نزول عيسى عليه السلام واقتدائه به في صلاته ، أنَّ ملوك الأرض من الكفَّار كلّهم اُمّة عيسى عليه السلام كما هو المشاهد الآن ، فإذا نزل عليه السلام وكان من أعوانه عليه السلام ورأوه يصلّي خلفه وهم يعرفونه أنه عيسی ، فتحصل لهم الرغبة في الإيمان به وقبول أوامره ، وفيه من المصالح مالا يخفی ، فتدبّر.

هداية ، فيها مطلبان

المطلب الأول: في سبب غيبته عليه السلام

إن قيل : ما السبب في غيبته عليه السلام ، وما الوجه فيها؟

فالجواب : السبب من الأعداء والخصوم ، فإنَّ الواجب عليه تعالی إعلامهم به ، وقد فعل ما وجب عليه من تتميم اللُّطف.

وقد يقال : إنَّ السبب فيها استخلاص النطف التي يحصل منها أهل الإيمان من أصلاب أهل النفاق ، فإنّ بسط اليد يقتضي القيام بالسيف الموجب لقتل أهل الخلاف ، فيفوت بقتلهم وجود تلك الذراري الصالحة من أصلابهم ، هذا مع ضبط القواعد الكلّية الشرعية في غيبته ، فمتى تعذّر الانتفاع به في الجزئيات بقي الانتفاع به في الكلّيات المهمة - التي هي الأُصول بحالها - فإنه الحافظ للشريعة ، والعالم بقوانينها ، والعارف بأحكامها ، فبقاؤه مستلزم لبقائها وحفظها عن التغيّر والزوال ؛ وذلك هو الأصل في وجوب نصبه في الحكمة الإلهية.

وأمّا تصرفه في الأحكام الجزئية ، وإنفاذ السياسات ، وإصلاح أفراد النوع ، فربّما منع منه تغلّب الظلمة ، ورُوي عن الحسين عليه السلام أنه كان يوم الطف إذا حمل

ص: 134

على عسكر ابن زياد يقتل بعضاً ويترك بعضاً [مع تمكُّنه من قتلهم] (1) ، فقيل له في ذلك ، فقال عليه السلام : «كُشف عن بصري ، فأبصرت النطف التي في أصلابهم فعرفت من يخرج من أهل الإيمان ، فتركته عن القتل لاستخلاص تلك الذرِّية» (2).

وهذا شأن أهل الولاية في تدبير أمور الخلق.

المطلب الثاني: تفسير مراتب الأئمّة عليهم السلام

في ذكر مراتب الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين وتفضيل بعضهم على بعض في المرتبة ، فنقول : لا ريب أنَّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من الحسن والحسين عليهما السلام ، والأخبار في ذلك مشحونة ، وأنه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خير خلق الله ، وسيد من دخل في عالم الوجود.

ومختصر الدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خير خلق الله بالكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين ، وعلي عليه السلام نفس النبيّ صلى الله عليه وآله بنصّ القرآن في قوله تعالى: ﴿وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ﴾ (3) ، ولا ريب أنه ليس المراد أن نفسه عليه السلام نفسه صلى الله عليه وآله حقيقة ، فالمراد المساواة معه في جميع الخصوصيات سوى النبوة ، بقاعدة أنه إذا تعذَّرت الحقيقة فالمراد أقرب المجازات ، وتذكّر هنا البيت من القصيدة المتقدِّمة لجدّي بحر العلوم رحمه الله في ردّ مروان بن أبي حفص حيث يقول :

ص: 135


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
2- أسرار الشهادة 3 : 15.
3- سورة آل عمران : من آية 61.

عليٌّ أبونا کانَ کالطُّهرِ جدّنا *** لَهُ ما لَهُ إلَّا النُّبوَّة مِنْ فَضْلِ

ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وآله في الحسنين حين حملهما : «نعم الراكبان وأبوهما خير منهما» (1).

وقوله صلى الله عليه وآله : «يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت ، ولا عرفني إلا الله وأنت ، ولا عرفك إلا الله وأنا» (2) ، صريح بأنه عليه السلام لا يعرفه إلا الله ورسوله ، فيكون الحسنان عليهما السلام قاصرين عن رتبة ذات علي عليه السلام.

وقال صلى الله عليه وآله : «أنت نفسيَ التي بين جنبيّ» (3) تبعاً للآية الشريفة (4).

وقال صلى الله عليه وآله : «أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد» (5).

والحسن عليه السلام أفضل من الحسين عليه السلام ، ومن الأدلة على ذلك ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب (إكمال الدين) بإسناده إلى هشام بن سالم ، قال : «قلت للصادق عليه السلام : الحسن عليه السلام أفضل أم الحسين عليه السلام؟ فقال : الحسن عليه السلام أفضل من الحسين. قلت : فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين عليه السلام في عقبه دون ولد الحسن عليه السلام؟ فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى لم يرد ذلك إلا أن يجعل سنّة موسی وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما السلام ، ألا ترى أنهما كانا شريكين في

ص: 136


1- علل الشرائع 1 : 174 ، ذخائر العقبی : 130.
2- ورد في مختصر بصائر الدرجات : 125 ، المحتضر : 78 ، تأويل الآيات 1 : 139 ، مدينة المعاجز 2 : 439 ، والمؤلف رحمه الله أورده بتقديم وتأخير في النص ، وما أثبتناه من المصادر.
3- ورد في المصادر الحديثية في كل من : الشهب الثواقب لرجم شياطين النواصب : 106 ، الخصائص الفاطمية للكجوري 1 : 522 ، اللمعة البيضاء : 59.
4- أي : آية المباهلة.
5- مشارق أنوار اليقين : 256.

النبوة ، كما كان الحسن والحسين عليهما السلام شريكين في الإمامة ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون» (1).

وأمّا فضل الحسن والحسين عليهما السلام على الأئمّة التسعة عليهم السلام فيحديث «سيدا شباب أهل الجنة» (2) ، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام بالنص ، وبقي كلٌّ من سواهما وهو ممَّا عليه الإجماع.

وأمّا فاطمة عليها السلام ، فاختلف العلماء في شأنها ، فقال قوم : إنها بعد علي عليه السلام أفضل من بنيها الأحد عشر عليهم السلام.

وقال قوم : إنها بعد الحسن والحسين عليهما السلام أفضل من التسعة عليهم السلام.

وقال آخرون : إن الأئمّة الاثني عشر كلّهم أفضل منها. وسبب الاختلاف اختلاف الروايات ، والَّذي يترجَّح عندنا أن فضلها بعد الأئمّة الاثني عشر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ﴾ (3) ، وهو عام لا يلزم منه ترجيح كل ذکر عليها ؛ ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وبعض الأئمّة عليهم السلام أنها أفضل نساء العالمين (4) ، ولم يرد أنها أفضل الرجال من العالمين.

ولما رواه الصدوق رحمه الله في (الفقيه) ، في ما أوصى محمّد صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام : «يا علي ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أشرفَ على الدنيا ، فاختارني منها على رجال العالمين ،

ص: 137


1- کمال الدين : 416 ح 9.
2- ورد الحديث في : قرب الإسناد : 111 ح 386 ، الأمالي : 112 ، الخصال : 320 ح 1 وغيرها في غير ها.
3- سورة آل عمران : من آية 36.
4- ينظر : شرح الأخبار 1 : 119 ، 3 : 64.

ثُمَّ أطَّلع ثانية ، فاختارك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الثالثة ، فاختار الأئمّة عليهم السلام من ولدك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الرابعة ، فاختار فاطمة عليها السلام على نساء العالمين» (1) ، وهو مشعر بتفضيلهم عليها.

وأمّا أفضلية القائم عليه السلام ، فمن تتبع الأخبار والأدعية ، مثل دعاء الندبة المرويّ عن الصادق عليه السلام (2) لم يُشك أنه أفضل التسعة من ذرِّية الحسين عليه السلام ، قال عليه السلام في جملة ما قال في الدعاء المزبور : «اللهُمَّ ونحن عبيدك التائقون إلى وليّك ، المذكّر بك وبنبيِّك ، خلقته لنا عصمة وملاذاً ، وأقمته لنا قواماً ومعاذاً ، وجعلته للمؤمنين منَّا إماماً ، فبلغه منَّا تحية وسلاماً ، وزدنا بذلك يا ربّ إكراماً ، واجعل مستقره لنا مستقراً ومقاماً ، وأتمم نعمته بتقديمك إيَّاه أمامنا حَتَّى توردنا جنانك ، ومرافقة الشهداء من خلصائك» (3).

وممَّا صُرّح به من الأحاديث ما رواه الفاضل المقداد في شرح باب الحادي

عشر : «تسعة من ذرِّية الحسين عليه السلام تاسعهم قائمهم ، أعلمهم» (4).

وفي رواية اُخرى : «تاسعهم قائمهم ، أعلمهم ، [أحكمهم] (5) ، أفضلهم» (6).

ص: 138


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 374.
2- نصّ على ذلك العلّامة المجلسي رحمه الله في زاد المعاد : 310 باب زيارة صاحب الزَّمان عليه السلام ، وتبعه الإصفهاني في مکيال المکارم 2 : 86 ، ولم ينصّ على ذلك غيره ، وإلا فالدعاء ورد في مزار المشهدي عن كتاب محمّد بن أبي قرّة نقلاً من كتاب أبي جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري دون تصريح بأنه للإمام الصادق عليه السلام ، فلاحظ.
3- مزار المشهدي : 573 / 2 ، إقبال الأعمال 1 : 504.
4- كذا والوارد في النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : 115 ، نصّه : (النص من النبي صلى الله عليه وآله فمن ذلك قوله للحسين عليه السلام : «هذا ولدي الحسين ، إمام ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، أفضلهم»).
5- ما بين المعقوفين من المصدر.
6- مقتضب الأثر : 8 ، تقريب المعارف : 182.

وفي حديث الوصية في قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في أمر الوصية : «وأنا دنيا اليك يا علي ، وأنت تدفعها إلى وصيّك ، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد ، حَتَّی تُدفع إلى خير أهل الأرض بعدَك ...» الحديث (1).

خرج من عموم قوله بعدك تفضيل الحسنين عليهما السلام بما عرفت من حديث السيادة وبقي من سواهما.

لا يقال : إنّا إذا سلَّمنا واعتقدنا أن بعضهم عليهم السلام أفضل من بعض ، فما وجه ما ورد في بعض الأخبار أنهم قالوا : «إنّا كلَّنا خلقنا من نور واحد وطينة واحدة». وورد : «إنّا كلّنا سواء ، أولنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد ، فلا تفرَّقوا بيننا» (2). وأمثال ذلك.

لأنا نقول : إن المراد التساوي في الفضيلة على الغير ، وهو لا يستلزم المساواة بينهم ، أو أنهم عليهم السلام أرادوا أنهم متساوون فيما يحتاج إليه جميع الخلق ، فكلّهم فيهم الكفاية في مرحلة الهداية ، وإراءة الطرق (3) وتبلیغ أحكام سيّد الأنام ، وإن تفاضلوا في درجات أنفسهم ، وفيما يختصون به من معرفة الله سبحانه كما سمعت من قول النبي : «ولا يعرف الله إلا أنا وأنت».

ص: 139


1- الأمالي للصدوق : 488.
2- الغيبة للنعماني : 87 ح 16 ، المحتضر : 277 ، بحار الأنوار 26 : 16.
3- كذا ، والظاهر مراد المؤلف رحمه الله طرق الهداية أو طرق الأحكام.

وروى الحسن بن سليمان الحِلّي في مختصر کتاب سعد بن عبد الله الأشعري بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قلنا له : الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال : «نعم ، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد»» (1).

هذا ، وأنت خبير بأن مقتضى آية المباهلة وحسب ما أشرنا إليه أفضلية علي عليه السلام على سائر الأنبياء حَتَّى اُولي العزم منهم ، عدا نبيّنا صلى الله عليه وآله ؛ إذ لا مانع من مشارکته عليه السلام معه صلى الله عليه وآله في هذه الخصوصية.

ويدل عليه ما هو المتفق عليه بين الفريقين من أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب». رواه ابن أبي الحديد في شرحه ، عن أحمد بن حنبل في المسند ، وعن أحمد البيهقي في صحيحه (2) ، والدلالة على المطلوب واضحة ، فإن كل واحد منهم صلى الله عليه وآله امتاز عن سائرهم بخصلة واحدة من هذه الخصال فمن اجتمعت فيه جميعها يكون أفضل من جميعهم.

وما في (تفسير النيشابوري) من أنه : (كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمّد صلى الله عليه وآله أفضل من سائر الأنبياء ، فكذلك انعقد الإجماع بينهم على أن النبي أفضل ممَّن ليس بنبي) (3).

فهو جواب عار من الصواب ؛ لأنَّ ترجيحه على خصوص من عدا النبي يلزم مساواته مع سائر الأنبياء في الرتبة وهو خلاف ضروري للمسلمين.

ص: 140


1- مختصر البصائر : 73 ح 21.
2- شرح نهج البلاغة 9 : 168 ، كنز العمال 11 : 634 نحوه.
3- تفسير النيسابوري 2 : 179.

[شرح الأخبار والأحاديث المتضمنة لفضيلة العلم وفضل العلماء]

اشارة

وهذا أوان الشروع في شرح الأخبار والأحاديث المتضمِّنة لفضيلة العلم وفضل العلماء ، ورأينا أن نبحث في كل حدیث منه على صحَّة السند وإبطاله ، وما اشتمل عليه المتن من المباحث الأُصولية ، وما يُستنبط منه من الأحكام الشرعية وغيرها.

الحديث الأوّل: في ثواب العالم والمتعلم

[63] - قال رحمه الله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «مَن سلكَ طريقاً يطلب فيه علماً سلكَ الله به طريقاً إلى الجنّة ، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وإنه ليستغفر لطالب العلم مَن في السماء ومَن في الأرض حَتَّى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ (1) الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورَّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» (2).

أقول : وفي هذا الخبر من الدلالة على ثواب العالم والمتعلِّم ما لا يخفی.

[أ] - «مَن سلكَ طريقاً» : أي من دخل في طريق.

[ب] - «يطلب فيه علماً» : الجملة في محل النصب ، على أنها حال من فاعل سلك ، أو صفة لطريق ، والضمير فيها للطريق ، والمراد بهذا العلم المعارف الربانيّة ، والنوامیس الإلهية ، والأحكام النبويّة ، ويمكن حمله على العموم بناءً على أنّ

ص: 141


1- في الأصل : (وإنَّ) وما أثبتناه من المصدر.
2- معالم الدين : 10 ، الكافي 1 : 34 ح 1.

العلم من حيث إنّه عِلم له شرف وكمال ، ومن طريق هذا العلم الفكر ، والأخذ من العالم ابتداء أو بواسطة أو وسائط.

[ج] - «سلكَ الله به طريقاً إلى الجنّة» : الباء للتعدية ، أي : أدخله الله في طريق يوصل سلوكه إلى الجنّة في الآخرة أو في الدنيا ، بتوفيق عمل من أعمال الخير يوصله إلى الجنّة.

ومن طريق العامّة : «سهّل الله له طريقاً من طرق الجنّة» (1).

وحاصل المراد : من سلك في الدنيا طريق العلم سلك في الآخرة طريق الجنّة ؛ لأنَّ سلوك طريق الجنّة لا يمكن بدون العلم به وبكيفية سلوكه ، فالسلوك والعبور في طريق العلم سلوك وعبور في طريق الجنّة ، ادعاء لكمال الأوّل في السببية حَتَّى كأنه لم يتخلف أحدهما عن الآخر.

[د] - «إنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به» : قال ابن الأثير : (أي تضعها لتكون وطاءً له إذا مشى. وقيل : هو بمعنى التواضع [له] تعظيماً لحقّه. وقيل : أراد بوضع الأجنحة ، نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران. وقيل : أراد به إظلالهم بها) (2).

[ﻫ] - «مَن في السماء ومَن في الأرض ... إلخ» : لفظ (مَن) هنا ليس مختصاً بذوي العقول كما يقتضيه الوضع اللُّغوي ، بل يعمّ كل ذي حياة ، كما يظهر من بعض الأخبار أنّ لسائر الحيوانات تسبیحاً وتقديساً ، وإنّما ذكر الحوت بعد حتّى ؛ لبُعد المناسبة بينه وبين العالم من حيث الطبيعة والتحيّز وسائر الأوصاف ، بحيث

ص: 142


1- ينظر : تفسير الرازي 3 : 150.
2- النهاية في غريب الحديث 1 : 294 ، وما بين المعقوفين من المصدر.

لا تكون مشاركة بينهما إلا في مجرد الروح الحيواني ، وإنّما يستغفرون لطالب العلم ، لأنّ بقاء طالب العلم وصلاح حاله وطهارة ظاهره وباطنه من الذنوب سبب لقاء الكائنات كلّها وصلاح حالها وتمام نظامها ، فكلّ ذي حياة سواء كان عاقلاً أو جاهلاً ، ناقصاً أو غير ناقص ، يطلب لطالب العلم مغفرة الذنوب وصلاح الحال ؛ العلمه بأن صلاح ذلك راجع إلى صلاح نفسه في الحقيقة ، وذلك في العاقل المعلوم ، وأمّا في الأخيرين ؛ فلأنَّ كلّ ذي وجود يحب وجوده وبقاءه وصلاح حاله ، فهو يستغفر لطالب العلم من جهة أنه من أسباب وجوده من حيث لا يعلم.

[و] - «وفضل العالم على العابد ... إلخ» : لمّا كان العلم والعبادة كل منهما نوراً يُمشی به على صراط الحق ، غير أن كونهما كذلك لا ينافي زيادة أحدهما على الآخر ، كما في القمر وسائر النجوم أراد دفع توهَّم عدم الزيادة بهذا الكلام ، فهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس في المقدار زيادة للإيضاح.

[ز] - «وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء» : الوارث من يرث رجلاً بعد موته ، والعلماء هم الوارثون لعلوم الأنبياء.

[ح] - «إنَّ الأنبياء لم يورَّثوا ديناراً ولا درهماً» : والمراد أنَّ الأنبياء لم يكن من شأنهم جمع الأموال وتخلّفها (1) ، لمن بعدهم كما هو شأن أبناء الدنيا ، وهذا لا ينافي انتقال ما في أيديهم من الضروريات کالمساكن والمراكب والملبوسات ونحوها ، وإلا كان منافياً لظاهر ما دلَّ من الآيات والروايات على توريثهم ؛ فلذا عدالت العامّة : (دُفن أبو بكر وعمر في بيته صلى الله عليه وآله من نصيب بنتيهما) (2).

ص: 143


1- كذا في الأصل ، وهي غلط واضح.
2- ينظر : الغدير 6 : 189 - 191 وفيه عرض المصادر هذا القول.

ونقل السيِّد محمود الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) من بعض أهل السُنَّة : (أنه أجاب عن أصل البحث بأنَّ المال بعد [وفاة] (1) النبي صلى الله عليه وآله صار في حكم الوقف على المسلمين ، فيجوز لخليفة الوقت أن يخصّ من شاء بما شاء ... إلخ) (2).

وعليه فكان من الإنصاف إعطاء فدك لفاطمة عليها السلام بعد ادِّعائها وإظهار رغبتها فيه ، كما رُوي عن عثمان أنه أعطى الحكم بن العاص - طرید رسول الله صلى الله عليه وآله - ثلث مال أفريقية ، وقيل : ثلاثين ألفاً (3).

وإن كان صدقة ، فمن البيِّن أن تلك الصدقة لم تكن صدقة واجبة محرَّمة على أهل البيت ، بل إنَّما كانت مستحبة مباحة عليهم عليهم السلام ، مع أنَّ فدك كانت في قبضة الزهراء وتحت تصرُّفها في حياة النبي صلى الله عليه وآله بإعطائه إياها (4).

وكان ذلك عند نزول الآية : ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ﴾ (5).

كما روى ذلك أبو سعيد الخدري ، وجماعة من الصحابة (6).

ويدل عليه قول أمير المؤمنين في نهج البلاغة : «بلی ، كانت في أيدينا فدك (7) من كل ما أظلّته السماء ، فشحَّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس

ص: 144


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- روح المعاني 4 : 220.
3- ينظر الغدیر 8 : 258 وما بعدها ، وفيه عرض المصادر هذا القول.
4- ينظر : الصوارم المهرقة : 152.
5- سورة الإسراء : 26.
6- ينظر : تفسير مجمع البيان 6 : 234.
7- في الأصل : (كانت فدك في أيدينا) وما أثبتناه من المصدر.

آخرين. ونِعمَ الحكمُ اللهُ. وما أصنع بفدك وغير فدك ، والنفس مظانُّها في غد جدث (1)» (2).

[ط] - «فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» : المراد من الأخذ هو أخذ دراية وفهم ، لا مجرد النقل والرواية فإنَّ ذلك ليس من التورّث للعلم ، وإن كان يُعد خِدمةً للعلم والفاعل خادم العلماء ، كما يدل عليه قوله : «بحظّ وافر» ؛ إذ من المعلوم أنَّ الحظّ الوافر من العلم الَّذي يُعد قليله خير من الدنيا وما فيها لا يكون إلا في الأوّل : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (3).

قال بعض العلماء : (لو علم الملوك ما نحن فيه من لذّة العلم الحاربونا بالسيوف ، ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ (4).

قيل : (أراد واحد خدمة ملك ، فقال الملك : اذهب وتعلَّم حَتَّى تصلح لخدمتي ، فلمَّا شرع في التعلم وذاق لذّة العلم ، بعث الملك إليه وقال : اتركِ التعلُّم ، فقد صرت أهلاً لخدمتي.

فقال : كنت أهلاً لخدمتك حين لم ترني أهلاً لخدمتك ، وحين رأيتني أهلاً لخدمتك رأيت نفسي أهلاً لخدمة الله ، وذلك لأني كنت أظنُّ أنَّ الباب بابك ؛ لجهلي والآن علمت أنَّ الباب باب الربّ) (5).

ص: 145


1- القوم الآخرون الَّذين سخت نفوسهم عنها هم : بنو هاشم. المظان : جمع مظنة ، وهو المكان الَّذي يظن فيه وجود الشيء ، وموضع النفس الَّذي يُظن وجودها فيه. في غد جدث : بالتحريك أي قبر.
2- نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده : 3 : 71.
3- سورة البقرة : 269.
4- الوافي 1 : 156 بيان ح 73 ، سورة الإسراء : 21.
5- تفسير الرازی 2 : 193.

الحديث الثاني: تعلم العلم حسنة

اشارة

[64] - قال رحمه الله : وبالإسناد عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي رحمه الله ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن زياد العطار ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :

«تعلَّموا العلم ، فإنَّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وهو عند الله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام ، وسالك بطالبه سبل (1) الجنّة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الأعداء ، وزين الإخلّاء ، يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم ، تُرمق أعمالهم ، وتُقتبس آثارهم ، وترغب الملائكة في خلَّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لأنَّ العلم حياة القلوب ، ونور الأبصار من العمى ، وقوَّة الأبدان من الضعف ، يُنزل الله حامله منازل الأبرار ، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة. [وبالعلم يُطاع الله ويُعبد ، وبالعلم يُعرف الله ويُوحَّد] (2) ، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يُعرف الحلالُ والحرامُ. والعلم إمام العقل ، والعقل تابعه ، يُلهمه (3) السعداء ، ويحرمه الأشقياء» (4).

أقول : وشرح الحديث يستدعي بسطاً في موضعين :

ص: 146


1- في أمالي الصدوق والخصال : (سبيل).
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- في أمالي الصدوق والخصال : (يلهمه الله).
4- معالم الدين : 12 ، الخصال : 522 ح 12 ، أمالي الصدوق : 713 ح 982 / 1 ، ولم أعثر عليه في كتب الشيخ المفيد رحمه الله.

الموضع الأوّل

فيما يتعلق بالسند وترجمة رجاله من دون تکرار ذكر مَن تقدَّم ذكره ، وكذلك الحال في الأحاديث الآتية ، فإنّا نتعرض لذكر رجال سند كل حدیث بحذف مَنْ تقدَّم ذكره ، فنقول :

[ترجمة الشيخ الصدوق رحمه الله]

أمّا الصدوق فهو : محمّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي أبو جعفر ، نزيل الريّ ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السِنّ. وله كتب كثيرة لا حاجة في تعدادها ، مات - رضي الله عنه - بالريّ سنة 381 ﻫ (1).

قال جدّي بحر العلوم في رجاله - بعد أن أطال الكلام في ترجمة حاله وما يدل على علو شأنه وسمو مقامه - ما لفظه : (وكيف كان فوثاقته أمر ظاهر جليّ ، بل معلوم ضروري ، کوثاقة أبي ذر وسلمان) (2).

وقال الاُستاذ في (تعليقاته) : (نقل المشايخ معنعناً عن شيخنا البهائي رحمه الله وقد سئل عنه ، فعدَّله ووثّقه وأثنى عليه وقال : سئلت قديماً عن زکريا بن آدم والصدوق محمّد بن علي بن بابویه : أيُّهما أفضل وأجلّ مرتبة؟ فقلت : زکريا بن آدم ، لتوافر الأخبار بمدحه ، فرأيت شيخنا الصدوق - رحمة الله عليه - عاتباً عليَّ وقال : من أين ظهر لك فضل زکريا بن آدم؟ وأعرض عنّي) ، انتهی (3).

ص: 147


1- ينظر : رجال النجاشي : 389 - 393 رقم 1049 وفيه تعداد كتبه رحمه الله.
2- الفوائد الرجالية : 3 : 301.
3- بلغة المحدثین : 362 ، عنه تعليقة البهبهاني على منهج المقال : 318.

وفي كتاب (بُلغَةُ المحدِّثين) : (كان بعضٌ من مشايخنا يتوقَّف في وثاقة شيخنا الصدوق رحمه الله ، وهو غريب مع أنه رئيس المحدِّثين المعبّر عنه في عبارات الأصحاب بالصدوق ، وهو المولود بالدعوة ، الموصوف في التوقيع بالمقدَّس الفقيه. وصرّح العلّامة في (المختلف) بتعديله وتوثيقه ، وقبله ابن طاووس في [كتاب] (1) (فلاح السائل) وغيره.

ولم أقف على أحد من الأصحاب يتوقَّف في روايات (من لا يحضره الفقيه) إذا صحّ طريقها ، بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحَّة ، ويقولون : إنها لا تقصر عن مراسیل ابن أبي عمير ، ومنهم العلّامة في (المختلف) ، والشهيد في (شرح الإرشاد) ، والسيّد [المحقِّق] (2) الداماد - قدّس الله أرواحهم -) (3). وسنذكر لك التوقيع في ترجمة أبيه.

ومرقده الشريف في الريّ قريب من مشهد الشاه زاده عبد العظيم في وسط بستان وعليه قُبَّة تزوره الناس.

[ترجمة والد الشيخ الصدوق رحمه الله]

وأمّا علي فهو أبوه ، أعني علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمّي ، أبو الحسن ، شيخ القمّيين في عصره ، [ومتقدمهم] (4) ، وفقيههم ، وثقتهم.

وكان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله وسأله مسائل ، ثُمَّ كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود ، يسأله أن يوصل له

ص: 148


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
2- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
3- بلغة المحدثین : 410 ، عنه تعليقة البهبهاني على منهج المقال : 318.
4- ما بين المعقوفين من المصدر.

رقعة إلى الصاحب عليه السلام ويسأله فيها الولد. فكتب إليه : «قد دعونا الله لك بذلك ، وسترزق ولدین ذکرین خيِّرين».

فوُلد له أبو جعفر وأبو عبد الله من اُمّ ولد.

وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول : سمعت أبا جعفر يقول : (أنا وُلدت بدعوة صاحب الأمر عليه السلام)) ، وكان - طاب ثراه - يذكر أنَّ جميع ذلك التوقيع عنده بخط الإمام عليه السلام ويفتخر بذلك.

وكان قدومه بغداد سنة 328 ﻫ ومات رحمه الله سنة 329 ﻫ وهي سنة تناثر النجوم ، وقد أخبر عن وفاته في قم علي بن محمّد السّمري رحمه الله وهو في بغداد ، فقال : (رحم الله علي بن الحسين بن بابويه) ، فقيل له : هو حيّ ، فقال : (إنه مات في يومنا هذا). فكتب اليوم ، فجاء الخبر بأنه مات فيه (1).

هكذا ذكره غير واحد من علماء الرجال كالنجاشي ومن تأخّر عنه ، والظاهر من ذلك أنَّ قدومه بغداد كان قبل وفاته بسنة ، فتكون ولادة ابنيه قبل وفاته بأقل من سنة ؛ لأنَّ طلب الولد منه عليه السلام كان بعد رجوعه إلى قم وهو غير ملائم ؛ لما يظهر من موارد من كلماته في (الفقيه) حيث قال : (قال والدي في رسالته إليّ) (2) ؛ لوضوح أنَّ الظاهر منه أنه كان في حال حياة والده على حد يليق أن يرسل إليه رسالة ، مضافاً إلى أن الظاهر من العبارة المنقولة عنه عليه السلام في باب الدعوة للولد ،

ص: 149


1- رجال النجاشي : 261 رقم 684 باختلاف يسير.
2- ينظر عن أحاديث هذه الرسالة من لا يحضره الفقيه 1 : 57 ، 81 ، 88 ، 89 ، 98 ، 165 ، 169 ، 171 ، 262 ، 263 ، 269 ، 277 ، 379 ، 380 ، 414 ، 484 ، 496 ، 561 ، 563 ، 2 : 17 ، 85 ، 100 ، 129 ، 182 ، 328 ، 513 ، 3 : 66 ، 515 ، 517 ، 4 : 56 ، وغرضي من نقل مواضع قوله رحمه الله : (قال والدي في رسالته إلي) في (الفقيه) هو ؛ ليوفّق لاستخراجها أحد المحققين ويطبعها رسالة على حدة.

أنَّ الولدين كانا من اُمّ ولد واحدة ، فعند كونهما في سنة واحدة لا يمكن أن وُلدا توأماً ، ومرقده الشريف في المقبرة الكبيرة في قم وله بقعة وسيعة وقبة رفيعة (1).

[ترجمة سعد بن عبد الله الأشعري رحمه الله]

وأمّا سعد ، فهو ابن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي ، يُكنى أبا القاسم ، جلیل القدر ، واسع الأخبار ، كثير التصانیف ، ثقة ، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها ، ولقی مولانا أبا محمّد العسكري عليه السلام. وإن تردَّد في ذلك النجاشي (2) ، توفّي رحمه الله سنة 301 ﻫ، وقيل : مات يوم الأربعاء للسابع والعشرين من شوال سنة 300 ﻫ في ولاية رستم ، ووثّقه صاحب (المشتركات) (3).

[ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني رحمه الله]

وأمّا محمّد بن عيسی ، فربّما يُظن فيه التضعيف ؛ لاستثناء محمّد بن الحسن بن الوليد إيّاه في رجال (نوادر الحكمة) ، ولا دلالة في ذلك على الضعف ، وله عدّة دلائل ناهضة بتوثيقه كما صرّح به في (الرواشح) (4).

وكيف يُتوقف منه مع أنَّ النجاشي قَدْ صرّح بأنه : (جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف ، روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة) ،

ص: 150


1- وقد ترجمه مفصلاً سماحة السيِّد محمّد رضا الجلالي (حفظه الله) في مقدمة كتابه (الإمامة والتبصرة من الحيرة) في تسعين صفحة.
2- ينظر : رجال النجاشي : 177 رقم 467.
3- ينظر : الفهرست للطوسي : 135 رقم 316 / 1 ، خلاصة الأقوال : 155 رقم 3 ، عدة الرجال 2 : 135 ، هداية المحدثین : 71.
4- ينظر : الرواشح السماوية : 165.

ثُمَّ ذکر کلام ابن الوليد وقال : (إنَّ أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَنْ مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى سكن بغداد. وهذا إشارة منه إلى إجماع الأصحاب على إنكارهم ذلك منه).

وقال القتيبي : وهو علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري - الَّذي اعتمد عليه الكَشِّي في كتاب (الرجال) وهو تلميذ فضل بن شاذان - (كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحب العبيدي - يعني محمّد بن عيسى - ويثني عليه ، ويمدحه ، ويميل إليه ، ويقول : ليس في أقرانه مثله ، وحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله) (1).

وأمّا الجواب عن مسألة الاستثناء ، فهو أنه ليس قدحاّ لابن عيسى لأجل نفسه ، بل لأمر آخر ، والَّذي ذكره بعض المحقّقين المتأخّرين : أنَّ الداعي لذلك هو أنَّ شيخنا ابن الوليد كان يعتقد أنه يُعتبر في الإجازة أن يقرأ على الشيخ ، أو يقرأ الشيخ عليه ، وكان السامع فاهماً لما يرويه ، وكان لا يعتبر الإجازة المشهورة بأن يقول : أجزت لك أن تروي عنّي ، وكان محمّد بن عيسى صغير السن ولا يُعتمد على فهمه عند القراءة ، ولا على إجازة يونس له ، ويؤيد ذلك ما حكاه الكَشِّی عن نصر بن الصباح أنه قال : [إنَّ] (2) محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين اصغر في السن من أن يروي عن ابن محبوب (3). - وهو الحسن بن محبوب - وحصل الجواب :

أوّلاً : إنَّ البلوغ يُعتبر في الراوي حال الرواية لا حال التحمُّل.

ص: 151


1- ينظر : رجال النجاشي : 333 - 334 رقم 896 ، اختيار معرفة الرجال 2 : 817 رقم 1021.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- ينظر : خاتمة المستدرك 4 : 144 عن التقي المجلسي في روضة المتقين 14 : 54 باختلاف يسير ، رجال النجاشي : 334 رقم 896 ، اختيار معرفة الرجال 2 : 817 رقم 1021.

وثانياً : إنَّ وفاة يونس على ما في رجال النجاشي سنة 208 ﻫ (1) ، ومقتضاه أنه أدرك من إمامة مولانا الجواد عليه السلام خمس سنين ؛ لأنَّ وفاة مولانا الرضا عليه السلام كان في سنة 203 ﻫ - أوّل سنة إمامة الجواد - وأمّا حسن بن محبوب فإنه عاش بعد يونس ستَّ عشرة سنة (2) ، ومحمّد بن عيسى أيضاً ممَّن روى عن مولانا الرضا عليه السلام كما صرّح به شيخ الطائفة في (التهذيب) (3).

فمن أين يقال : إنه لم يكن قابلاً للإجازة؟! مع أنه قَدْ أدرك يونساً في زمن مولانا الرضا عليه السلام وقد روي عنه ، وممّا يدل على صحَّة ما نقول ، ما رواه الشيخ رحمه الله في طلاق (التهذيب) في الصحيح عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، عن الرضا عليه السلام أنه فرض إليه الحج وإلى يونس بن عبد الرحمن ، قال : «بعث إليَّ أبو الحسن الرضا عليه السلام رزم ثياب وغلماناً ودنانير (4) وحجّة لي وحجّة لأخي موسى بن عبيد ، وحَجّة ليونس بن عبد الرحمن ، فأمرنا أن نحجّ عنه ، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا ، فلمَّا أردت أن اُعبِّى الثياب رأيت في أضعاف الثياب طيناً! فقلت للرسول : ما هذا؟ فقال : ليس يوجّه بمتاع إلا جعل فيه طيناً من قبر الحسين عليه السلام

ص: 152


1- رجال النجاشي : 446 رقم 1208 ترجمة يونس بن عبد الرحمن وليس فيها ذكر سنة وفاته ، إنما ذكرها العلّامة الحلي في خلاصة الرجال : 296 باب 4 / 1 ، فلاحظ.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 851 ح 1094 ، وفيه : ومات الحسن بن محبوب في آخر سنة أربع وعشرين ومئتين ، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة.
3- وسيأتي حديثه لاحقاً ، فتأمَّل.
4- ليس في المصدر : (ودنانير).

[ثُمَّ] (1) قال الرسول : قال أبو الحسن عليه السلام : هو أمان باذن الله ، وأمرنا بالمال باُمور : من صلة أهل بيته ، وقوم محاويج لا يؤبه لهم (2) ، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحم امرأة كانت له ، وأمرني أن أطلّقها عنه واُمتّعها بهذا المال ، وأمرني أن اُشهد على طلاقها صفوان بن يحيي وآخر ، نسي محمّد بن عيسی اسمه» (3).

بيان : الرِّزمة بتقديم المهملة وكسرها ما شُدّ في ثوب واحد ، ورزم الثياب ترزيماً شدّها (4) ، والتعبية تهيئة الأشياء في موضعها (5) ، فكيف يحكم بأن محمّد بن عيسی حال إدرا که يونس كان صغير السن؟!

وممّا يدل على ما ذكر أيضاً ما في رجال الكَشِّي في ترجمة محمّد بن سنان : (روى عنه الفضل وأبوه يونس ومحمّد بن عيسى ، وذكر جماعة اُخرى - إلى أن قال - : وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم) (6).

فإن المستفاد من هذا الكلام اعتقاد وثاقته كمن ذكرهم ، وقد حققنا أنَّ جبع ما في رجال الكَشِّي هو اختيار الشيخ رحمه الله ، فالشيخ أيضاً موافق في هذا الكلام.

ص: 153


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- في الأصل : (لا مؤنة لهم) وما أثبتناه من المصدر.
3- ينظر : تهذيب الأحكام 8 : 40 ح 121 / 40.
4- ينظر : لسان العرب 12 : 239 (ر. ز. م).
5- ينظر : لسان العرب 1 : 117 (ع. ب. أ).
6- اختيار معرفة الرجال 2 : 796 ح 979.

ويدل على ذلك أيضاً قول خالنا المجلسي رحمه الله في (الوجيزة) : (إنَّ الأصحَّ عندي أنَّ محمّد بن عيسى العبيدي ثقة ، صحيح الحديث ، فقد وثّقه أبو عمرو الكَشِّي) (1).

[كتاب نوادر الحكمة]

تنبيه : ولمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمِّي كتب ، منها : كتاب نوادر الحكمة ، وهو كتاب حسن [كبير] (2) ، يعرفه القمّيون ب-(دَبَّة شبيب) ، قال : (وشبيب (فامِيّ) (3) كان بقم ، له دبّة ذات بيوت ، يُعطي منها ما يُطلب منه من دهن ، فشبَّهوا هذا الكتاب بذلك) (4).

وقد استثنی محمّد بن الحسن الصفّار صاحب کتاب (بصائر الدرجات) من رجال أسانيد (نوادر الحكمة) ثلاثين رجلاً ، وتبعه على ذلك ابن الوليد ، ثُمَّ تبعه على ذلك الصدوق ؛ لكونه من تلامذة ابن الوليد ، فترى كثيراً ممَّا يحكم بصحَّته إنما يحكم بذلك اعتماداً على تصحيح شيخه ابن الوليد المذكور (5).

ص: 154


1- الوجيزة في الرجال : 169 رقم 1772 و 246 رقم 321.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- في الأصل : (وشبيب قاض) ، والصحيح ما أثبتناه ، وفامي : بياع الفوم ، والفوم : الزرع أو الحنطة ، وقال بعضهم : (الفوم الحمص لغة شامية ، وبائعه فامي مغير عن فومي ، والفوم : الخبز أيضاً ، وقيل : الفوم لغة في الثوم). ينظر لسان العرب : 12 / 460 (ف. و. م).
4- ينظر : رجال النجاشي : 348 رقم 939.
5- كذا ورد في الأصل من استثناء محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار لثلاثين رجلاً من كتاب (نوادر الحكمة) وهو غريب ، إذ إنَّ النجاشي لم يصرّح بهذا ، ونصّ عبارته : (وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثنی من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمّد بن موسى الهمداني ... إلى أن قال : قال أبو العبَّاس بن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه ، وتبعه أبو جعفر ابن بابویه رحمه الله ملى ذلك). وبحسب استقصائي لم أعثر على مصدر يؤيد هذا القول ؛ لأنَّ المعروف عند الرجاليين أنَّ المستثني هو محمّد بن الحسن بن الوليد لا الصفّار ، ولعل منشأ القول عبارة الصدوق في الفقيه التالية لها والتي ذكر فيها محمّد بن الحسن دون ذکر جدّه الوليد أو لقبه ، فمع الاشتراك بالاسم واسم الأب ، وتقارب الطبقة يمكن الاشتباه ، فإنَّ ابن الوليد يروي عن ابن الصفّار على ما ذكره الشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه. ينظر من لا يحضره الفقيه 4 : 434 رجال النجاشي : 348 رقم 939 ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي مؤلِّف كتاب (نوادر الحكمة) ، الذريعة 2 : 124 رقم 416 باسم (بصائر الدرجات) ، و 24 : 346 رقم 1857 باسم (نوادر الحكمة).

قال في بحث الصوم من كتاب الفقيه : (وأمّا خبر صوم يوم غدیر خم والثواب المذكور فيه لمن صامه ، فإنَّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه كان لا يصحّحه ، ويقول إنه من طريق محمّد بن موسى الهمداني وكان [كذّاباً] (1) غير ثقة ، وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ قدس الله روحه ، ولم يحكم بصحَّته من الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح) ، انتهى (2).

وإنَّما لم يعمل بهذه الرواية ؛ لأن الصفّار استثناه فيمن استثناه من رجال أسانید نوادر الحكمة (3).

الوضوء والغسل بماء الورد

إذا عرفت ذلك فنقول : ذهب الصدوق في أوّل الفقيه في باب المياه إلى أنه (لا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة بماء الورد) (4).

مع كون المستند في ذلك رواية محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس وهو من المستثنَين كما عرفت ، وقد استثناه هو وشيخه ، وأنه لا يجوز العمل بما تفرّد به ، وهذه الرواية ممَّا تفرّد به العبيدي ، عن يونس مع أنه قَدْ ضمن في أوّل الفقيه

ص: 155


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- ينظر : من لا يحضره الفقيه 2 : 90 ح 1817.
3- راجع : التعليقة السابقة في أنَّ المستثنيات هي لابن الوليد وليس للصفار.
4- من لا يحضره الفقيه 6 : 1 وفيه : (ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والإستياك بماء الورد).

أن يورد فيه ما هو حجّة بينه وبين ربّه (1) ، وهذا من المصدوق ربّما يكون مؤيداً لقبول رواية العبيدي المذكور أيضاً فتدبّر ، وبذلك كفاية لمن كان من أهل المعرفة والدراية.

[ترجمة يونس بن عبد الرحمن]

(وأمّا يونس) فهو ابن عبد الرحمن ، مولی علي بن يقطين بن موسی ، مولی بني أسد ، أبو محمّد ، كان وجهاً في أصحابنا ، متقدِّماً ، عظيم المنزلة ، وُلد في أيام هشام بن عبد الملك ، ورأى جعفر بن محمّد عليهما السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه ، وروى عن أبي الحسن موسی والرضا عليه السلام ، وكان الرضا يشير إليه في العلم والفتيا ، وكان ممَّن بُذل له على الوقف مال جزیل وامتنع من أحذه وثبت علی الحق ، ويكفيه فضلاً وشرفاً ووثوقاً قول الرضا عليه السلام - لوكيله وخاصّته عبد العزيز بن المهتدي حين سأله : إنّي لا أقدر على لقائك في كل وقت ، فممَّن آخذ معالم ديني؟ - : «خُذ عن يونس».

فإنَّها منزلة عظيمة ، وقول أبي محمّد صاحب العسكر عليه السلام في حقّ كتابه (يوم وليلة) بعد أن سأل عليه السلام : تصنيفُ مَنْ هذا؟ فقيل له : تصنيف يونس بن عدن الرحمن [مولى] (2) آل يقطين.

[فقال:] (3) أعطاء الله بكل حرف نوراً يوم القيامة.

ص: 156


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.

ولذا قال النجاشي : (ومدائح يونس كثيرة ، ليس هذا موضعها ، وإنَّما ذكرنا هذا حَتَّى لا نخليه من بعض حقوقه) (1).

وعلى كل حال ، فلا ينبغي الالتفات إلى بعض ما ورد فيه من الذَّم ، وإن شنت الاطلاع التام فعليك بمراجعة تعليقات الأُستاذ البهبهاني (2).

[ترجمة الحسن بن زياد العطار]

(وأمّا الحسن) فهو ابن زياد العطّار ، وثّقه النجاشي وصاحب المشتركات (3) ، ويُميّز عن غيره برواية ابن أبي عمير عنه.

[ترجمة سعد بن طريف الحنظلي]

(وأمّا سعد) بن طريف بالطاء المهملة الحنظلي ، الإسكاف ، مولى بني تميم الكوفي ، ويقال : سعد الخفّاف.

قال النجاشي فيه : (إنه يُعرّف ويُنكّر) (4).

وذكره العلّامة رحمه الله في القسم الثاني في كتاب (الخلاصة) (5) : (ويظهر من صاحب المشتركات - حيثُ لم يصفه بشيء - التوقُّف فيه أيضاً) (6) ، وعدّه في (الوجيزة) : مِنَ المختَلفِ فيهِ (7).

ص: 157


1- رجال النجاشي : 446 رقم 1208.
2- تعليقة البهبهاني على منهج المقال : 366.
3- قال النجاشي : 47 رقم 96 ، هداية المحدثین : 188.
4- رجال النجاشي : 178 رقم 468.
5- خلاصة الأقوال : 352 رقم 1.
6- هداية المحدثین : 71.
7- الوجيزة في الرجال : 85 رقم 821.

[ترجمة الأصبغ بن نباتة]

(وأمّا الأصبغ) فهو ابن نُباتة - بضم النون - المُجاشعي - بضم الميم - كان من خاصَّة أمير المؤمنين عليه السلام ، وعمّر بعده.

قال في (الخلاصة) : وهو مشکور (1).

وفي (الحاوي) عدّه في الحسان (2).

وفي (الوجيزة) : أنه ممدوح (3).

الموضع الثاني

في شرح متن الحديث :

[أ] - «فإن تعلُّمه حسنة» : فيه دلالة على أنه سبب لتكفير الذنوب ، ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ (4) ، والمراد بالعلم في هذا المقام هو العلم المتكفِّل المعرفة الله وصفاته ، وما يتوقف عليه المعرفة ، والعلم المتعلق بمعرفة الشريعة. والواجب من القسم الأول مرتية يحصل بها الاعتقاد بالحق الجازم ومن القسم الثاني العلم بما يحتاج إلى علمه من العبادات وغيرها ولو تقلیداً ، وطلب هذا المقدار فرض عين.

[ب] - «ومدارسته تسبيح» : من حيث إن مدارسة العلم توجب زيادة البصيرة في ذات الباری تعالی وصفاته ، وكلَّما ازداد الإنسان معرفة بالله وبصفاته

ص: 158


1- خلاصة الأقوال : 77 رقم 9.
2- حاوي اقرال 3 : 93 رقم 1056.
3- الوحيرة في الرجال : 33 رقم 329.
4- سورة هود : عن آية 114.

ازدادت خشيته ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (1) ، ومراتب الخشية لا تُحصى حسب مراتب العلم والعرفان ، وكلما زاد خشية من الله زاد تسبیحاً وتنزیهاً له بولی ولخشية سبب لهما ، والحمل مجاز من باب إطلاق المسبَّب على السبب.

[ج] - «والبحث عنه جهاد» : إذ لا ريب أن العالم ببحثه يُظهر الحق الَّذي فيه ترویج الشرع الشريف ، واستقامة دعامته ، فهو كالمجاهد في هذا الغرض ، وعن طريق العامّة أنه قال صلى الله عليه وآله : «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد ، أمّا أهل العلم فدلُّوا الناس على ما جاء به الرسل ، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل» (2).

وقال عليه السلام : «يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء» (3).

[د] - «وتعليمه من لا يعلمه صدقة» : فيه تحريض وترغيب على التعليم ، حيث إنه كالصدقة ولكن الغرض المشابهة في اقتضاء الثواب لا في كمِّيته ، فإنَّه ربّما يزيد على ثواب الصدقة ، فإن الروايات الواردة في هذا الباب كثيرة ، (فمنها) ما في الكافي بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنَّ الَّذي يعلّم العلم منكم ، له أجر مثل المتعلّم ، وله الفضل عليه ، فتعلّموا العلم من حملة العلم ، وعلّموه إخوانكم كما علَّمَكُمُوه العلماء» (4). أي من غير تغيير في النقل.

ص: 159


1- سورة فاطر : من آية 28.
2- المحجة البيضاء 1 : 14 ، وصدره في كنز العمال 4 : 310 رقم 10647 ، و (أسياف) جمع تقليل أو قلّة فهي لا تناسب المقام والأصح (سيوفهم) ..
3- كشفف الخفاء 2 : 200 رقم 2276.
4- الكافي 1 : 3 ح 2.

وفيه أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام ، [قال] (1) : «من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من أجورهم شيئاً ، ومن علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من أوزارهم شيئاً» (2).

وفيه أيضاً عن حفص بن غياث ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «من تعلّم العلم وعمل به وعلّم لله ، دُعي في ملكوت السماوات عظيماً ، فقيل : تعلّم لله ، وعمِلَ لله ، وعَلَّمَ لله» (3).

[د] - «لأهله قربة» : إذ بالعلم يحصل القرب إلى الله تعالى ، لأنه بالعلم يُعرف الحلال والحرام ، فيُتّبع الأول ويُجتنب الثاني ، ولذا قال عليه السلام : «وسالِكٌ بطالبهِ إلى الجنَّة».

[ﻫ] - وكذلك «هو أنيسٌ في الوحشة» : أي رافع للهمِّ من حامله ، فإنه إن كان للآخرة فالعلم سبب للنجاة منه ، وإن كان لأسباب دنيوية كالفقر ، والفاقة ، والضيق ، والمرض ، فالعالم يعلم أن ذلك كلّه موجب لمزيد أجره ، وذخيرة لآخرته ، فيهوّن عليه ذلك ، ويتمسَّك بعرى الصبر كما صبر اُولوا العزم.

[و] - وكذلك «هو صاحب في الوحدة» : نُقل عن بعض الأكابر : (أنّه كان يحترز عن مجالسة الناس ومصاحبتهم ، فقيل له في ذلك ، فقال : أيّ صاحب أفضل ممَّا في صدري) (4).

ص: 160


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
2- الكافي 1 : 35 ح 4.
3- الكافي 2 : 4.
4- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

ولنعم ما قاله شمس الدين المعروف بخواجة حافظ الشيرازي المتوفى سنة 791 ﻫ :

فراغتني وكتابي وكوشه چمني *** من اين مقام بدنيا واخرة ندهم

[ز] - وكذلك «هو سلاح على الأعداء» : إذ به تنقطع حُجَّة أعداء الدين ، كما بالقتال بالسلاح تنقطع شوكتهم ، وباقي فقرات الحديث واضحة.

ص: 161

الحديث الثالث: طلب العلم فريضة

اشارة

[65] - قال رحمه الله : فصل : وروينا بالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الحسن بن الحسين الفارسي ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ، ألا إنَّ الله تعالى يُحِبُّ بغاةَ العلم» (1).

(أقول) وهنا موضعان :

الموضع الأول

فيما يتعلق بسند الحديث ، والمذكور في (الكافي) بدل الحسن بن الحسين ، الحسن بن أبي الحسين ، فكأن لفظة : (أبي) ساقطة من عبارة الماتن رحمه الله ، وبناءً على ما في (الكافي) فهو غير مذكور في كتب الرجال (2) ؛ ولذا حكم المجلسي في (مرآة العقول) بأن الحديث مجهول السند (3).

نعم ، ذكر الشيخ في فهرسته في باب (الحسين) ، الحسين بن الحسن الفارسي القمّي ، له كتاب (4) ، ولعلّ المذكور في الكافي سهو من الناسخین ، والصحيح ما في الفهرست ، وعليه فيمكن تصحيح السند بتقديم الحسين على الحسن.

ص: 162


1- معالم الدين : 12 ، الكافي 1 : 30 ح 1.
2- ذكره السيِّد الخوئي رحمه الله في كتابه معجم رجال الحديث 5 : 262 رقم 2692.
3- مرآة العقول 1 : 98.
4- الفهرست للطوسي : 108 رقم 209 / 6.

[ترجمة عبد الرحمن بن زيد]

(وأمّا عبد الرحمن بن زيد) فهو من أصحاب الصادق عليه السلام كما في رجال الشيخ (1) ، وهو من المجاهيل ، وزيد أبوه هو ابن أسلم مولى عمر بن الخطّاب ، فيه نظر كما في (الخلاصة) نقلاً عن الشيخ رحمه الله (2).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] - «الفرض والوجوب» : سيّان عندنا وعند الشافعي ، والفرض آكد من الواجب عند أبي حنيفة ؛ لأنَّه خُصّ الفرض بما ثبت بدلیل قطعي ، والواجب بما ثبت بدلیل ظنّي (3).

[ب] - «والبغاة» : جمع الباغي ، وهو الطالب.

(وربّما) يستدل بهذا الخبر على نفي تكليف الكُفَّار بالفروع نظراً إلى أن موردها المسلم دون مجرد البالغ.

عمل الجاهل التارك للطريقين

(وفيه) أنه لا يدل على عدم تكليف غير المسلم وعدم وجوبه عليه ، ولو سَلِمَ ، فإنَّما هو بمفهوم الَّلقب وهو كما ترى ، وقد أشرنا فيما تقدّم إلى ما هو المراد من العلم في أمثال هذه الأخبار ، ونزيدك بياناً هنا ، فنقول : لا يخفى على كلّ من أشرق نور العقل على جبهة استعداده ، أنَّ شرف الإنسان على سائر

ص: 163


1- رجال الطوسي : 236 رقم 3227 / 136.
2- خلاصة الأقوال : 347 رقم 2 ، رجال الطوسي : 207 رقم 2676 / 22.
3- ينظر : لسان العرب 7 : 203.

الكائنات بجوهر العقل ، وأن ذلك الشرف إنَّما يحصل له في الحقيقة عند ما يتحلَّی بخاصيَّة العقل - أعني معرفة الأشياء والعمل بمقتضاها - ومن أهم المعارف معرفة النفس ، فمن عرف نفسه فقد عرف ربّه ، ولنعم ما قيل :

تو که در علم خودزبان باشي *** عرف کردگار گي باشي

وكذلك معرفة ما يرجع إليه نفسه ، ومعرفة ربّه ، ومعرفة تكاليف الربّ الواردة على العبد ، وما عدا الأخير وهي المعارف التي تسمّى اُصول الدين عند المتكلّمين ، والحكمة الإلهية عند الحكماء ، وعلم المعرفة عند الصوفية الموحِّدين ، (وباتّفاق العلماء والمحصّلين من العقلاء أنه لا يمكن الفوز لأحد بدون هذه المعارف والعمل بموجبها.

(وجمهور العلماء) متَّفقون على عدم كفاية التقليد في معرفة اُصول الدين ، بل لابدّ فيها من الدليل ، والمراد من التقليد غير الكافي في المقام هو محض السماع من الغير ، كالخبر المحتمل للصدق والكذب ، كما أنَّ المراد من الدليل اللازم هو ما أوجب السامع اطمئناناً وسکوناً في خاطره بصدق ما سمعه ، کالأخبار الحاصلة لنا التي نصدّقها في عرفنا لما نجد فيها من أمارات الصدق ، قلا محالة تعمل بمقتضاها ، وهذا المقدار كافٍ لكلّ مكلّف في تحصيل معارف نفسه ، وعمل شخصه ، ولا يجب عليه تحصيل ما زاد عليه ، كالعلم باصطلاحات العلماء ، وأرباب النظر ، وتطبيق كلّ دليل على قانون علم الميزان ، نعم ربّما يلزم ذلك من يريد تعليم الغير أو لأجل دفع بعض الشبهات الواردة ، وما ذكرناه من هذا المقدار الواجب يمكن تحصيله لكلّ مكلّف جامع الشرائط التكليف ، سواء كان من الخواص أو من العوام ، ولا يُعذر أحد من سائر الأصناف في عدم طلبه ،

ص: 164

وترك السعي في تحصيله ، كما هو مقتضى هذا الحديث ؛ إذ لا يزاحم شغلاً ولا نافيه شغل.

(ومع ذلك) فالناس معرضون عن تحصيله ، ويعتذرون بصعوبته ، بل أكثر المنسوبين إلى العلم في زماننا مع إفناء عمرهم في قراءة الكتب وأخذ المسائل قَدْ حُرموا من الوقوف على القدر الضروري منه ، بحيث لا تجد فرقاً بينهم وبين سائر عوام الناس.

(وأمّا معرفة تكاليف الرب) ، فاللازم على المكلّف تحصيل المعرفة مقدِّمة للعمل ، إمّا بالاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط ، فالجاهل التارك للاحتياط والتقليد ، إمّا قاصر أو مقصِّر ، والقاصر لا يستحق العقاب على جهله وتر که التعلُّم ، وإن وجب عليه الفعل ثانياً مع انكشاف الخلاف ، وأمّا إذا طابق عمله الواقع فلا يجب عليه الإعادة ولا القضاء وكذلك المقصِّر ، نعم ، الفرق بينهما في مخالفة الواقع ، فإنَّ المقصر يستحق العقاب مع وجوب القضاء والإعادة عليه عند انکشاف المخالفة ، والقاصر لا يستحق العقاب وإن وجب عليه الفعل ثانياً ، (وهذا كلّه) بناءً على ما هو المحقَّق في محلّه من أن التقليد إنَّما يجب مقدمة للامتثال الظاهري للأحكام الواقعية ؛ لأن هذا هو المستفاد من جميع أدلّته ، وليس له وجوب نفسي ، ولا هو شرط للعمل شرطاً شرعياً.

(ويترتَّب) على ذلك أنه لو بنى الجاهل في عمله على ترك الاحتياط والتقليد ، لكنَّه اتَّفق مطابقة عمله للواقع أو لرأي المجتهد الأعلم ، صحّ ذلك منه وترتَّب عليه الأثر.

أمّا في المعاملات : فظاهر.

ص: 165

وأمّا في العبادات : فلفرض تأتّي نيَّة القربة من المقصّرين ، فإنَّ كثيراً منهم يعتقدون أن ما يفعلونه من التقصير أيضاً مقرّب ، وأن فعله خير من تركه ، وأن فيه ثواباً لكن دون الثواب المترتّب على الفرد الجامع الشرائط الصحَّة ، كما هو المشاهد من المصلّي أول الوقت مع عدم صحَّة قراءته ، وإن كان ذلك من تسويلات النفس أو الشيطان إلا أنَّ الظاهر کفایته إذا طابق العمل الواقع ، نعم ، في صورة المخالفة وعدم تحقُّق القربة ، لا إشكال في بطلان عمله ، ويُعاقب المقصر على ذلك (هذا هو الحق الحقيق) اللائق بالقبول ، وإن خالف فيه المشهور ، (والَّذي يؤيده) ما ذكره صاحب (المدارك) مصرّحاً بنسبته إلى سلطان المحقِّقين ، نصير الملَّة والدين ، من أن : (كل من أتی بواجبٍ في نفس الأمر وإن لم يكن عالماً بحكمه ، فإنَّه يصحّ ما فعله.

ومثله القول في الاعتقادات الكلامية إذا طابقت نفس الأمر ، فإنَّها كافية وإنْ لم تحصل من الأدلة المقرَّرة ، حَتَّى لو أخذ المسائل من غير أهله تقليداً ، بل لو لم يأخذ من أحد وظنَّها كذلك) ، انتهى (1).

(وممَّا يدل) على ذلك ما في رواية عمّار الواردة في التيمُّم بدلاً عن الغسل حين سأله ، «كيف صنعت في سفرك حين لم تجد الماء؟ فقال : تمعّكت في التراب. فقال عليه السلام : ذلك صنع الحمير ، أجزأك لو صنعت كذا» (2).

فإنَّه صريح في صحَّة العمل المطابق للواقع مع عدم العلم.

ص: 166


1- مدارك الأحكام 3 : 102.
2- كذا والحديث روي هنا بالمعنى وليس فيه تصريح اسم عمار ، ولفظه كما في تحفة الأحوذي ج 1 ص 378 : (حدّثنا فهد قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنا عزرة بن ثابت ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : أتاه رجل فقال : أصابتنى جنابة ، وإني تمسكت في التراب! فقال : أصرت حماراً؟! وضرب بيديه إلى الأرض فمسح وجهه ، ثُمَّ ضرب بيديه إلى الأرض ، فمسح بيديه إلى المرفقين وقال : هكذا التيمم).

(وكذا) لو تبيّن في موارد التجديد فساد وضوئه السابق ، بل الأمر كذلك إذا توضأ بعنوان الاحتياط فيما كان مستصحب الطهارة ، وإنَّ تأمَّل فيه بعض الفقهاء ، لكنّ الحق ما عرفت من الكفاية ، بل هو المستفاد ممَّا ورد فيه من كونه نوراً على نور فإنَّه ظاهر في إفادة الطهارة أيضاً فإذا تبيّن عدم حصول الطهارة بالوضوء الواجب لفساده کفی عنه من جهة حصول الغرض بالتجديد.

(وهذا بابٌ) واسع في الفقه يتفرَّع عليه فروع منها : ما إذا تبيَّن فساد صلاة الفرد بعد المعادة جماعة ، فإنَّه لا إشكال في سقوط الأمر بالصلاة معها كما صرّح به سيِّدنا الأُستاذ رحمه الله في العروة الوثقى.

(ومنها) ما هو المجمع عليه من أنّ من صام آخر يوم من شعبان بنيَّة أنه منه ثُمَّ انكشف أنه أول رمضان أجزأهُ من رمضان.

(كما قد) اجمعوا على عدم وجوب الحدِّ على من وطئ امرأة ثُمَّ ظهر كونها زوجته.

(ومن أفطر) يوم الثلاثين من شهر رمضان ثُمَّ تبيَّن كونه من شوال لم يجب عليه القضاء والكفَّارة ، سواء كان شاكّاً فيه أو معتقداً أنه من رمضان ، ولو اعتقد في يوم الشكّ في أول الشهر أنه من رمضان فأفطر فإن [تبيَّن] (1) أنه من شعبان ايضاً لم يجب عليه شيء ، كما هو صريح السيِّد الأُستاذ رحمه الله في العروة (2).

ص: 167


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- ينظر : العروة الوثقی ، کتاب الصيام.

(لا يقال) : إنَّ هذه الفروع كلَّها إنَّما صِيرَ إليها لقيام الدليل عليها ؛ لأنا نقول : قيام الدليل على ذلك دليل على أنَّ للمطابقة مع الواقع مدخلية تامّة في صحَّة العمل كما هو المدّعى.

(هذا كله) في تصحيح عمل الجاهل إذا أحرز مطابقته للواقع أو لرأي الفقيه الأعلم الَّذي كان يجب عليه العمل بفتواه ، وأمّا إذا شكَّ في المطابقة ففي المعاملات قيل : يبني على الصحَّة بعد العمل ، وهو مشکل.

وفي العبادات المؤقتة إذا شك في خارج الوقت لا يجب عليه القضاء لأن القضاء مرتَّب على الفرات وصدق الفوت مع الشك في المخالفة والمطابقة غير معلوم ، وهو أيضاً مشكل ؛ لأنَّ الفوت أمر عدمي ؛ إذ هو عبارة عن عدم الإتيان ، وهو موافق للأصل ، ولا يحتاج في إثباته إلى الأصل حَتَّى يكون من الأصل المثبت. وإذا شكَّ والوقت باق فالأقوى وجوب الإعادة تحصيلاً لليقين بالفراغ بعد اليقين بالشغل ، ولا مجرى القاعدة الشكّ بعد الفراغ هنا مع فرض كونه شاکّاً في الصحَّة والفساد من حين العمل ؛ لبنائه على ترك التقليد.

وبعبارة أخرى: الصحَّة والفساد يدوران مدار المخالفة والموافقة للواقع ، وهو غير معلوم له من أول الأمر ، والله العالم.

(ثُمَّ إن الناس) كما أنَّهم تسامحوا في مرحلة تحصيل المعارف الإلهية ، كذلك تسامحوا في تحصيل المعرفة بالتكاليف أيضاً.

[في ذمّ حب الرئاسة والعمل بها]

(وبالجملة) فالناس غير باذلين جهدهم في كسب العلوم ، والسبب الواقعي في ذلك أنهم لم يتصوروا غاية العلوم كما هي ، بل جعلوا الغاية القصوى من

ص: 168

تلك العلوم تحصيل المال والجاه والاعتبار الدنيوي ، ونهاية ذوي الهمم من أهل هذه الطبقة هي الشهرة وخفق النّعال ، ولا يرومون الوصول إلى ما فوق ذلك ، (وهؤلاء) هم المعنيون بما ورد في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام : «إياكم وهؤلاء الرؤساء الَّذين يترأسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك» (1).

وفيه أيضاً بإسناده عن جويرية بن مسهر ، قال : اشتددت خلف أمير المؤمنين عليه السلام فقال لي : «يا جويرية ، إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق النّعال خلفهم» (2).

والخفق : صوت النعل ، أمّا هلاکه ؛ فلأنه يورث الفخر ، والعجب ، والتكبُّر وغيرها من المهلكات ، وأمّا إهلاکه ، فإنَّ الرئيس المقدّم والأمير المعظّم إذا ضلّ عن العدل ، وعدل عن الطريق تبعه كافة العوام ؛ خوفاً من بطشه ، وطمعاً في جاهه وماله ، فضلّوا بمتابعته ، وأضلّهم عن سبيل الرشد بسيرته القبيحة.

(هذا) إذا كان الرئيس جاهلاً ظاهراً ، وكذا إذا كان عالماً غير عادل ؛ فإنَّه كثيراً ما تعتريه شبهة ، وتعترضه زلة ، فيضلّ بها عوام المؤمنين ، فإنَّهم يقلّدونه في ظاهر أحواله ، ويعتمدون عليه في أقواله ، بل ربّما يقولون في أنفسهم : إذا فعل هو هذا ، فنحن أولى به منه ، كما قيل :

إذا كان ربُّ البيتِ بالطَّبلِ مُولَعاً *** فشيمةُ أهلِ البيتِ كُلِّهم الرَّقصُ

(ومن ثَمّ) قال النبي صلى الله عليه وآله : «أخاف على اُمَّتي زلة عالم» (3).

ص: 169


1- الكافي 2 : 297 ح 3.
2- الکافي 8 : 241 ح 331.
3- شرح اُصول الكافي 9 : 301.

وفي الكافي أيضاً بإسناده عن الرضا عليه السلام أنه ذكر رجلاً ، فقال : إنَّه يحبُّ الرئاسة ، فقال : «ما أتيان ضاريانِ في غنمٍ قَدْ تفرَّقَ رِعاؤُها بأضرَّ في دينِ المُسلمِ من (1) الرئاسة» (2).

وفيه من التبعيد من طلب الرئاسة ما لا يخفى ؛ لأنها تهلك دينه وتفسده ؛ لأن الرئاسة متوقّفة على العلم بالأُمور الشرعية ، والأخلاق النفسانية ، وتهذيب الظاهر والباطن من الأعمال والأخلاق الباطلة ، وتحليتهما بالأعمال والأخلاق الفاضلة ، او تطويع النفس الأمّارة للنفس المطمئنّة ، وتعديل القوَّة الشهرية والغضبية ، ورعاية العدل في جميع الأُمور ، وهذه الأُمور لا توجد إلّا في المعصوم ، ومن وفَّقه الله تعالی من أوليائه.

وقد سأل بعض موالي علي بن الحسين عليه السلام أبا عبد الله عليه السلام أن يكلّم الولاة على أن يولّيه في بعض البلاد ، وأقسم بأيمان مغلّظة أن يعدل ولا يظلم ولا یجور ، فرفع أبو عبد الله عليه السلام رأسه إلى السماء فقال : «تناولُ السماء أيسرُ عليك من ذلك» (3).

ص: 170


1- في الأصل زيادة : (طلب) وما أثبتناء من المصدر.
2- الكافي 2 : 297 ح 1.
3- نقل المؤلف الحديث بالمعنى ، ولفظه كما في الكافي ج 5 ص 107 ح 9 : «علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن داود بن ربي قال : أخبرني مولي لعلي بن الحسين عليه السلام قال : كنت بالكوفة ، فقدم أبو عبد الله عليه السلام الحيرة ، فأتيته قلت له : جُعلت فداك لو کلّمت داود بن علي أو بعض هؤلاء ، فأدخل في بعض هذه الولايات ، فقال : ما كنت لأفعل ، قال : فانصرفت إلى منزلي فتفكرت ، فقلت : ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور ، والله لأتينّه وأعطينّه الطلاق والعتاق والأيمان المغلّظة ألّا أظلم أحداً ولا أجور ولأعدلنّ ، قال : فأتيته فقلت : جعلت فداك إنتي فكرت في إبانك عليّ فظننت أنك إنما منعتني وكرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم وان كل امرأة لي طالق وكّل مملوك لي حرٍّ عليّ ، وعليّ إن ظلمت أحداً أو جرت عليه وإن لم أعدل؟ قال : كيف قلت : قال : فأعدت عليه الأيمان ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : تناول السماء أيسر عليك من ذلك».

(وروی) مسلم بإسناده عن أبي ذرّ ، قال : «قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله ألا تستعملني؟ قال : فضرب بيديه على منكبي ثُمَّ قال : يا أبا ذر ، إنّك ضعيف ، وإنَّها أمانة ، وإنَّها يوم القيامة خزي وندامة ، إلّا من أخذها بحقّها وأدّى الَّذي عليه فيها» (1).

ومن هنا لمّا سمع بعض العلماء يقول : (أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة؟ فقال له : اقلب الكلام وضع يدك على من شئت) (2).

وعن الحسن البصري ، قال : (مرض سلمان مرضه الَّذي مات عنه ، فدخل عليه سعد يعوده وقال : يا سلمان کیف تجدُك؟ قال : فبكي.

فقال : ما يبكيك؟ فقال : والله ما أبكي حبّاً للدنيا ، وإنَّما أبكي لهذه الأساور حولي.

فقال سعد : فنظرت فو الله ما رأيت إلا إجّانَة ومطِهَرَة) (3).

(ورُوي) : (أنه لمّا بُعث إلى المدائن ركب حماراً وحده ، ولم يصحبه أحد ، ووصل إلى المدائن خبر قدومه ، فاستقبله أصناف الناس على طبقاتهم ، فلمَّا رأوه قالوا له : أيُّها الشيخ أين خلّفت أميرنا؟ قال : ومن أميركم؟ قالوا : الأمير سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال : لا أعرف الأمير ، وأنا سلمان الفارسي ، ولست بأمير ، فترجّلوا له ، وقادوا إليه النجائب والمراكب.

ص: 171


1- صحيح مسلم 6 : 6.
2- لم أهتد إلى مصدر هذا القول ، وفي كشف الغُمَّة ج 2 ص 298 ، ما نصّه : «وعن زرارة بن أعين قال : سمع قائل في جوف الليل وهو يقول اين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه : ذاك علي بن الحسين عليه السلام».
3- روضة الواعظين : 490 باختلاف يسير.

فقال : إن حماري هذا خير لي وأوفق ، فلمَّا دخل البلد أرادوا أن ينزلوه دار الإمارة ، فقال : مالي ودار الإمارة ولست بأمير ، فنزل على حانوت في السوق ، وقال : ادعوا صاحب الحانوت ، فاستأجره منه وجلس هناك يقضي بين الناس ، وكان معه وطاء يجلس عليه ، ومِطهَرة يتطهَّر بها للصلاة ، وعكّازة يتعمّد عليها في المشي ، فاتفق أن سيلاً وقع في البلاد ، فارتفع صباح الناس بالويل والعويل ويقولون : وا أهلاه ، وا ولداه ، وا مالاه ، فقام سلمان ووضع وطاءه على عاتقه ، وأخذ مِطهَرته وعكّازته وارتفع على صعيد ، وقال : هكذا ينجو المخفُّمون يوم القيامة) (1).

وفي الكافي أيضاً بسنده ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «ملعون من ترأس ، ملعون من همّ بها ، ملعون من حدث بها نفسه» (2).

والترؤُس ادِّعاءُ الرئاسة بغير حق ، فإنَّ التفعُّل غالباً يكون للتكلّف.

[وفي حديثٍ آخر له عليه السلام في الكافي] (3) قال : «إيَّاك والرئاسة ، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال ، قال : قلت : جُعلت فداك أمّا الرئاسة فقد عرفتها ، وأمّا أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلّا ممَّا وطئت أعقاب الرجال ، فقال لي : ليس حيثُ تذهب ، إياك أن تُنَصّبَ رجلاً دون الحجَّة ، فتصدّقه في كل ما قال» (4).

وقال أبو عبد الله عليه السلام : «وإن شراركم من أحبّ أن يوطأ عقبه ، إنه لابد من كذّاب أو عاجز الرأي» (5).

ص: 172


1- نفس الرحمان : 139 ، باختلاف يسير.
2- الكافي 2 : 298 ح 4.
3- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
4- الكافي 2 : 298 ح 5.
5- الكافي 2 : 299 ح 8.

وذلك ؛ لأن حبّ الرئاسة أشد الفسوق وأعظمها ، إذ كلّ فسق غيره يعود ضرره إلى الفاسق ، وهذا الفسق يعود ضرره إلى تخريب الدين ، وإلى الفاسق ، والخلق أجمعين ، وقد قال الله تعالى : ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (1).

وإن كثيراً من المعتنين بطلب العلم من أرباب العمائم قَدْ أكثر من أسباب جلب العوام ، واقتداء الأنام ، وهو في مرحلة المعرفة معتمداً على التقليد المحض ، بحيث يساوي معرفته معرفة الأطفال والعجائز ، ومشاهدة هذه الأحوال ربّما منعت بعض الأذكياء من السلوك في مسالك العلم ، واليأس من الفوز بالسعادة الحقيقية ، عصمني الله وإياك من الزلل.

ص: 173


1- سورة القصص : آیه 83.

ص: 174

الحديث الرابع: كمال الدين طلب العلم

اشارة

[66] - قال رحمه الله : وعن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن عيسی ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عمّن حدّثه ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «أيُّها الناس اعلموا أنَّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، [ألا] وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنَّ المال مقسوم مضمون لکم ، قَدْ قسّمه عادل بینکم [وضمنه] ، وسَيَفِي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد اُمرتم بطلبه من أهله ، فاطلبوه» (1).

أقول : شرح الحديث يتمُّ في موضعين :

الموضع الأول: في رجال السند

[ترجمة الحسن بن محبوب السراد]

(فأمّا ابن محبوب) فهو الحسن بن محبوب السراد ، ويقال له : الزراد ، ویکنّی أبا علي ، مولى بجيلة ، كوفي ، ثقة.

روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ، وكان جليل القدر ، ويعدّ من الأركان الأربعة في عصره (2).

وهو ممَّن أجمعت العصابة عليه (3) ، ومات رحمه الله سنة 224 ﻫ وهو من أبناء خمس وسبعين سنة (4) ، وصّرح بتوثيقه غير واحد من علماء الرجال ، كالنجاشي في (الفهرست) ، والعلّامة في (الخلاصة) ، والكاظمي في (المشتركات) (5).

ص: 175


1- معالم الدين : 13 ، الكافي 1 : 30 ح 4 ، وما بين المعقوفين من المصدر.
2- الفهرست للطوسي : 96 رقم 162 / 2.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 830 رقم 1050.
4- خلاصة الأقوال : 97 رقم 1.
5- رجال النجاشي : 120 ، خلاصة الأقوال : 97 رقم 1 ، هداية المحدثین : 40.

[ترجمة هشام بن سالم الجواليقي]

(وأمّا هشام) بن سالم فهو المعروف بالجواليقي الجعفي (1).

قال في (الخلاصة) : ثقة ، ثقة (2).

وقال ابن طاووس : ظاهر أنه صحيح العقيدة ، معروف الولاية ، غير مدافع ، انتهى (3).

وفي الكافي ، في باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه ، رواية دالة على فساد عقيدته (4) ، وكان العلّامة رحمه الله بنى على ضعف تلك الرواية بحيث لا يوجب قدحها في الرجل (5).

[ترجمة أبي حمزة الثمالي]

(وأمّا أبو حمزة) الثمالي فاسمه ثابت بن دينار ، ثقة. قال النجاشي : (إنه لقي عليَّ ابن الحسين عليه السلام ، وأبا جعفر عليه السلام ، وأبا عبد الله عليه السلام ، وأبا الحسن عليه السلام وروى عنهم ، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث) (6).

ص: 176


1- رجال النجاشي : 434 رقم 1165.
2- خلاصة الأقوال : 289 رقم 2.
3- التحرير الطاووسي : 599 رقم 455.
4- الكافي 1 : 100 ح 3.
5- ينظر عن ترجمته بالتفصيل : معجم رجال الحديث 20 : 224 رقم 13360.
6- رجال النجاشي : 115 رقم 296.

[ترجمة أبو إسحاق السبيعي]

(وأمّا السبيعي) فهو أبو إسحاق بن کلیب ، على ما ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام (1) ، وروى عنه أبو حمزة الثمالي ، وقيل : هو عمر - أو عمرو - بن عبد الله بن علي السبيعي ، وهو موافق لما في شرح الكرماني لصحيح البخاري (2) ، وعليه فهو من الثقات ، بل من أخصّ الخواص.

قال في مجمع البحرين : (روی محمّد بن جعفر المؤدِّب أن أبا إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله السبيعي ، صلّی أربعين سنة صلاة الغداء بوضوء العتمة ، وكان يختم القرآن في كُلّ ليلة ، ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في الحديث عند الخاص والعام ، وكان من ثقات علي بن الحسين عليه السلام ، ووُلد في الليلة التي قُبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام ، وله تسع وتسعون سنة ، وهو من هَمْدان) ، انتهى (3).

وفي رجال الوسيط أنه وابن يونس من العامّة ، ولعل بما قاله الذهبي في میزان الاعتدال إن أبا إسحاق السبيعي من أئمّة التابعين بالكوفة وأثباتهم (4) وهو ليس بقاطع عليه بالخلاف ؛ إذ لعله قَدْ خفي مذهبه لشدَّة التقية ، على أنه ااَّفق له اولغيره مدح رجال الشيعة كأبان بن تغلب وغيره بأعظم من هذا (5).

ص: 177


1- رجال الطوسي : 96 رقم 956 ، وفي المطبوع ذكر أبا إسحاق السبيعي فقط ، وابن كليب بعده رقم فهو على ذلك شخص آخر ، فلاحظ.
2- ذكره عنه المازندراني في شرح اُصول الكافي 2 : 8.
3- مجمع البحرين 3 : 250.
4- میزان الاعتدال 3 : 370 رقم 6393.
5- تلخيص الأقوال ، للأسترآبادي ، (مخطوط).

وفي (القاموس) : (السبيع ، كأمير ، السبيع بن سبع ، أبو بطن من هَمْدان ، ومنهم : الإمام أبو إسحاق عمرو بن عبد الله ، ومحلّة بالكوفة منسوب إليهم) (1).

وقال ابن الأثير في النهاية : (السبيع ، هو بفتح السين وكسر الباء : محلّة من محالّ الكوفة منسوبة إلى القبيلة ، وهم بنو سبيع من هَمْدان) (2).

وقوله : عمّن حدثه يوجب إرسال الحديث.

الموضع الثاني: اختصاص علي عليه السلام بإمرة المؤمنين

في شرح متن الحديث :

[أ] - «قال : سمعت أمير المؤمنين» : هذا لقب خُصّ به علي بن أبي طالب كما هو متفق عليه بين علماء الإمامية ، ثبتت له هذه المرتبة من عهد النبي صلى الله عليه وآله ، بل لُقِّب به وآدم بين الروح والجسد ، كما رواه من العامّة ابن شیرویه في فردوس الأخبار (3) ، ومع ذلك فقد زعمت العامّة مشاركة الأول والثاني معه عليه السلام في هذا اللَّقب ، بل جعلوا ذلك من أوليات الثاني ، وقالوا : أوَّل من لقِّب بأمير المؤمنين هو عمر (4) ، وللسيد رضي الدين علي بن طاووس الحسني رحمه الله كتاب (اليقين باختصاص مولانا أمير المؤمنين بإمرة المؤمنين) قَدْ جمع فيه من طرق العامّة المعتبرة والكتب المعتمدة عندهم مائتي وعشرين حديثاً بأسانيد مختلفة متعددة ،

ص: 178


1- القاموس المحيط 3 : 36.
2- النهاية في غريب الحديث 2 : 338.
3- فردوس الأخبار 2 : 197 ح 5104.
4- فتح الباري 7 : 285 ، عمدة القاري 17 : 160.

ممَّا يدل على تخصيص هذا اللقب بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، واعترف رحمه الله بأنه لم يستوعب جميع الأخبار.

[ب] - «والعمل به» : إعلم أن كلّ علم من علوم الدين يقتضي عملاً لو لم يأت به لكان ذلك العلم ناقصاً ، حَتَّى مُثّل العلم بوجوده تعالى ، وقدرته ، ولطفه ، وإحسانه ، يقتضي طاعةً في أمره ونهيه ، والعلم بوجود الجنَّة والنار يقتضي العمل الموجب لحصول الأوَّل والنجاة من الثاني ، فلا وجه للاختصاص بالعلم المتعلّق بكيفية العمل كما هو المنقول عن بعض الناظرين إلى هذا الحديث (1).

[ج] - «أوجب عليكم من طلب المال» : فيه دلالة على أمرين :

الأول : طلب المال ، وعلى قدر الكفاف واجب قطعاً ، وبه يحصل الاستعانة بالعبادات والطاعات كما ورد : لولا الخبز ما صلَّينا ولا صمنا (2).

ولا ينافي الزهد المطلوب في دار الدنيا ؛ لأن المراد به كما عن أمير المؤمنين عليه السلام : «قُصر الأمل ، وشكر كلّ نعمة ، والورع عمّا حرّم الله عزَّ وجلَّ» (3).

وكيف يكون الزهد في ترك الحلال وقد قال الصادق عليه السلام : «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكفُّ به وجهه ، ويقضي به دينه ، ويصل به رحمه» (4).

ص: 179


1- شرح اُصول الكافي 2 : 9.
2- الكافي 5 : 73 ح 13 عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
3- ينظر : نهج البلاغة 1 : 130 والحديث نقل بالمعنی.
4- الکافي 5 : 72 ح 5.

الثاني : طلب العلم أوجب وأوكد من طلب المال ، والمراد به الوجوب العقلي العيني ، أي أحسن وأليق بأنفسكم ، والدليل عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد : «يا کميل العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق» (1).

[د] - ويمكن أن يُجعل قوله عليه السلام : «إنَّ المال مقسوم» : بيان لأرجحية طلب العلم ؛ إذ يعد الالتفات إلى قوله تعالى : ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (2) ، وقوله تعالى : ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (3) لا ينبغي لعاقل أن يصرف عزيز أوقاته ، وثمین ساعاته في جلب الأموال ، وتحصيل الأسباب ، ويترك طلب العلم الَّذي فيه حياة القلب والبقاء الأبدي ، فإن العلم غذاء الروح وحياته الباقية التي لا انقطاع لها (الناس موتی وأهل العلم أحياء) (4).

[ﻫ] - «فاطلبوه من أهله» : وهم الأئمّة الَّذين هم أهل الذكر كما قال تعالى : ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (5).

وحاصل هذه الرواية أن الرزق من لوازم الحياة ، فالإنسان غير مختار في ترکه ، بل مأتيّ إليه وإن فرّ عنه ، وما كان بهذه المثابة من ملازمة الوجود لا ينبغي الجهد في تحصيله ، بخلاف العلم فإنه ليس من شرائط الوجود والحياة ، بل يحصل بالطلب والابتغاء من أهله ، فينبغي المبالغة في طلبه وتحصيله من أهله.

ص: 180


1- نهج البلاغة 4 : 36 وفي الأصل : (والعلم يزكو ويزداد).
2- سورة الزخرف : من آية 32.
3- سورة هود : من آية 6.
4- الدر المختار 1 : 43 ، من شعرٍ ينسب لأمير المؤمنين عليه السلام.
5- سورة النحل : من آية 43.

الحديث الخامس: العلماء ورثة الأنبياء

اشارة

[67] - قال رحمه الله : وعنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسی ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي البختري (1) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أن الأنبياء لم يورَّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنَّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها أخذ حظاً وافراً ، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين» (2).

أقول : وتقريب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في حال سند الحديث : ومرجع الضمير الكليني رحمه الله.

[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]

فأمّا محمّد بن خالد : فهو المعروف بالبرقي ، أبو عبد الله ، مولى أبي موسى الأشعري.

قال النجاشي : (وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان أديباً ، حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب) ، انتهى (3).

ووثّقه المجلسي في (الوجيزة) (4) ، وقال صاحب البُلغَة : (وابن خالد البرقي مختلف فيه ، ولعلَّ الأظهر تعديله) (5).

ص: 181


1- في الأصل : (أبي الحسن البختري) وهي لم ترد في المصدر وکتاب الكافي.
2- معالم الدين : 13 ، الكافي 1 : 32 ح 2.
3- رجال النجاشي : 335 رقم 898.
4- الوجيزة في الرجال : 158 رقم 1662.
5- لم أعثر عليه في بلغة المحدثین.

[ترجمة أبي الحسن البختري]

وأمّا أبو الحسن البختري : بالخاء المعجمة ، اسمه وهب بن وهب ، فعن الفضل بن شاذان أنه من أكذب البريَّة (1).

وقال الشيخ : (إنه ضعيف ، عامَّي المذهب) (2).

وعدّه المجلسي : (غالياً) (3).

مع ذلك فقد قال جدّي الفاضل الصالح في شرحه : (إن الحديث معتبر ، وإن كان الراوي كذوباً ؛ لأن الكذوب قَدْ يصدق) (4).

الموضع الثاني: العلماء ورثة الأنبياء

[أ] - قَدْ عرفت من البيانات السابقة شرح ما يتعلق ببعض فقرات الحديث بما لا ينافي ما عليه الشيعة من توريث الأنبياء ، والمقصود من قوله عليه السلام : «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه» هو التنبيه على أنه ينبغي لكم أن تعرفوا أحوال الناس حَتَّى تجدوا أهل هذا العلم لتأخذوا منه ؛ لأنَّ مدّعي العلم بعد النبي صلى الله عليه وآله كثير ، والجميع ليسوا قائلين بالصواب ، ولا آخذين له من مشكاة النبوة ، بل أكثرهم يدعون بمجرد الأهواء طالبين للتقدّم والرئاسة ، التابعين للشيطان والنفس الأمارة بالسوء وإنَّما القائلون بالحقّ ، الآخذون له من منبع الرسالة ، وهم أهل البيت الَّذين قال النبي صلى الله عليه وآله فيهم : «إنّي تارك فيكم الثَّقلين : كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي».

ص: 182


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 597 ح 558.
2- الفهرست للطوسي : 256 رقم 779 / 3.
3- الوجيزة في الرجال : 191 رقم 2038.
4- شرح اُصول الكافي 2 : 25.

[ب] - ويدل عليه قوله : «فإنَّ فينا أهلَ البيتِ عُدولاً» : فينا خبر إنَّ مقدَّم على اسمه وهو عدولاً ؛ لكونه ظرفاً ، وأهل البيت منصوب على المدح بتقدير أعني ، أو مجرور على أنه بدل لفينا ، أو مجرور بدلاً عن ضمير المتكلّم إن جُوِّز ، كما هو المنقول عن الأخفش من أنه أجاز تبديل الظاهر من ضمير الحاضر مطلقاً (1). (2)

[ج] - «في كل خلف» : أي في كلّ قرن ، فإن الخلف للمرء من يكون بعده ، وكلّ قرن خلف للقرن السابق.

قال في النهاية : [في مادة (خ. ل. ف) (3) (فيه (يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين) الخلف بالتحريك والسكون : كل من يجيء بعد من مضى ، إلا أنه بالتحريك في الخير ، وبالتسكين في الشر) ، انتهى (4).

والمراد من العدول النافين للتحريف والانتحال هم الأئمّة عليهم السلام الراسخون في العلم كما هو صريح قوله عليه السلام في زيارة الجامعة : «ورضيَكُم خلفاءَ في أرضه ، وحُجَجّاً على بريّته ، وأنصاراً لدينه» (5) فإنهم عليه السلام يذبّون عن دينه كل مخالف ، بأن يبطلوا حجّته بالبرهان الحق ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «يحمل هذا

ص: 183


1- إبدال الاسم الظاهر من الضمير الحاضر المتكلم مطلقاً بدون شرط إفادة الإحاطة والشمول هو رأي الكوفيين وتبعهم الأخفش. (ينظر شرح ابن الناظم : 298 ، وشرح الأشموني 2 : 8 ، وشرح التصريح 2 : 199).
2- حكاه عنه في تفسير أبي السعود 1 : 62.
3- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
4- النهاية في غريب الحديث 2 : 65.
5- تهذيب الأحكام 6 : 95 ح 177 / 1.

الدين في كلّ قرن عدول ، ينفون عنه تأويل المبطلين ، وتحريف الغالين ، وانتحال الجاهلين كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد» (1).

وهذا على الحقيقة والأصل ، ويحتمل أن يريد بالعدول : علماء شیعتهم الَّذين يقتفون آثارهم ، ويعرفون أحكامهم ، الممتحنين ، المحتملين لعلومهم ، وهم من عناهم السيِّد السجّاد عليه السلام في تقسيم العلماء ، إلى أن قال :

«ولكنّ الرجلّ كل الرجل ، نعم الرجل ، هو الَّذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذلَّ مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل ، ويعلم أنَّ قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدية إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأنَّ كثيراً ممَّا يلحقه من سرائها - إن اتّبع هواه - يؤدِّيه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلكم الرجل نعم الرجل ، فيه فتمسَّكوا ... الحديث» (2).

وقال جدّي الصالح رحمه الله : (في هذا الخبر دلالة ظاهرة على أن العصر لا يخلو من حجّة ، والروايات الدالّة عليه أكثر من أن تُحصى ، وقد يُستدل بهذا الخبر على حجّية الإجماع) ، انتهى (3).

ص: 184


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 10 ح 5.
2- الاحتجاج 2 : 53 ضمن خبر طويل.
3- شرح اُصول الكافي 2 : 28.

الحديث السادس

اشارة

[68] - قال رحمه الله : وعنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن علي بن محمّد بن سعد رفعه ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه السلام ، قال : «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللُّجَج ، إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال : إنّ أمقتَ عبيدي إليّ ، الجاهل المستخف بحقّ أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وإنّ أحبَّ عبيدي إليّ ، التقيّ الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء» (1).

أقول : وتقريب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال سند الحديث : مرجع الضمير في عنه كما تقدّم.

[ترجمة الحسين بن محمّد الأشعري]

والحديث مرفوع ، والمراد من الحسين بن محمّد : هو حسين بن محمّد بن عامر ابن أخي عبد الله بن عامر ، وهو ابن محمّد بن عمران كما في (المشتركات) : (ابن محمّد بن عمران الثقة ، ويقال له : ابن عامر ، روى عنه محمّد بن يعقوب) (2).

وقال في (الرواشح) : (هو من أجلَّاء مشايخ الكليني ، وقد أكثر من الرواية عنه في الكافي ، وصرّح باسم جدِّه عامر الأشعري في مواضع عديدة) (3) ، ونسخ الكافي مختلفة ، ففي بعضها كما في المتن ، وفي بعضها عن علي بن محمّد بن سعد ،

ص: 185


1- معالم الدين : 13 ، الكافي 1 : 35 ح 5.
2- هداية المحدثین : 196.
3- الرواشح السماوية : 174 ، تعليقة البهبهاني على منهج المقال : 146.

رفعه بإسقاط الحسين بن محمّد ، والمراد بعلي بن محمّد بن سعد في النسخة الأُولى : هو علي بن محمّد بن علي بن سعد الأشعري القمِّي المعروف بابن متویه ، والمراد به في النسخة الثانية : هو علي بن محمّد بن سعد الأشعري وهو أحد شيوخ أبي جعفر الكليني صاحب الكافي رحمه الله (1).

الموضع الثاني

في شرح متن الحديث :

[أ] - «ما في طلب العلم» : يعني من الشرف ، والكمال ، والمنافع ، والحياة الأبدية للنفس الناطقة بعد رقودها في مهد الطبيعة البشرية ، ورکودها في مرقد القوى الإنسانية ، وصدودها عن مشاهدة ما عند الحضرة الربوبية.

[ب] - «وسفك المهج» : كناية عن ارتكاب التعب والمشقَّة الشديدة في طلبه ، كما أن «خوض اللُّجَجَ» كناية عن ارتكاب المكاره والشدائد.

دانيال النبي عليه السلام

[ج] - «إلى دانيال» : وهو النبيّ من أولاد یهودا بن يعقوب ، وهو الَّذي كان في زمن بخت نصر ، وهو الَّذي تفرّد في علم النجوم والرمل ، وله كتاب (الملاحم والحوادث في الدنيا) كما رواه القطب الراوندي في القصص عن الصدوق بالإسناد عن الصادق عليه السلام (2).

ص: 186


1- شرح اُصول الكافي 2 : 57.
2- قصص الأنبياء : 234 ح 305.

(وكان [قد] (1) ذهب به بخت نصر مع أطفال من أولاد الأنبياء عليه السلام إلى بابل ، وحُبس دانيال في الجبّ المعروف الآن بجبّ دانيال في قرية صغيرة على شاطئ نهر الفرات بأرض العراق ، وذهب أكثر الناس إلى أنها بئر هاروت وماروت ، ثُمَّ إنّ بخت نصر رأى رؤيا عجيبة أهالته ، فسأل عنها الكهنة والسحرة ، فعجزوا عن تعبيرها ، وكان دانيال مع أصحابه في السجن ، فأخبر السجّان بخت نصر بقصَّة دانيال ، فقال له : عليّ به وكان لا يدخل عليه أحدٌ إلا سجد له فأتوا به فقام بين يديه ولم يسجد ، فقال له : ما الَّذي منعك من السجود لي؟

فقال : إن لي ربّاً آتاني الحكمة والعلم ، وأمرني أن لا أسجد لغيره ، فخشيت أن أسجد لغيره فينزع منّي علمه الَّذي أتاني ويهلكني ، فأعجب به ، وقال : نِعمَ ما فعلت حيثُ وفيتَ نعمه ، ثُمَّ أخبره برؤياه التي رآها قبل أن يخبره الملك وعبّرها له ، فجعل يكرمه ويستشيره في اُموره حَتَّى كان أكرم الناس عليه ، وأحبَّهم إليه ، فحسده المجوس وذهبوا إلى إهلاکه ، فنجّاه الله تعالی) (2).

وبخت نصر من ولد نمرود ، وهو الَّذي غزا بني إسرائيل ، وقتل منهم خلقاً كثيراً ، وسبی بعثتهم ، وغزا مصر ، ودوَّخ كثيراً من البلاد ، وهو من الكلدانيين : اُمَّةٌ قديمةُ الرئاسة ، نبيهةُ الملوك ، كان منهم النماردة والجبابرة الَّذين كان أوَّلهم نمرود من بني حام ، ولم يزل ملك الكلدانيين ببابل إلى أن ظهر عليهم الفرس ، وغلبوهم على مملكتهم ، وأبادوا كثيراً منهم ، فدُرست أخبارهم ، وطُمست آثارهم.

ص: 187


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
2- بحار الأنوار 14 : 364.

فتح شوشتر في خلافة عمر

(وفي سنة 19 من الهجرة في السنة السابعة من خلافة عمر ، لمّا فرغ أبو موسی الأشعري من فتح مناذر توجَّه إلى فتح شوش ، فحاصرها ، ولمّا رأى شابور صاحب القلعة قوة الأعراب ، وعدم نهوضه بالمقاومة أرسل إلى أبي موسى من يأخذ منه الأمان لعشرة أنفس من أقاربه ، فيفتح لهم باب البلدة ، فقبل أبو موسى ذلك ، وقال للرسول : فليكتب صاحبك أسماءهم ، فكتب شابور ذلك وفتح باب الحصار وتوجَّه مع العشرة إلى أبي موسى.

فقال أبو موسى : لم يكن اسمك مكتوباً مع العشرة ، ونحن على ما وعدناك من سلامة العشرة ، والأصلح بحال المسلمين قتلك ، فقتله ، ثُمَّ دخل حصار شوش وضبط ما في خزائن شابور من الأموال ، ثُمَّ رأى باباً محكماً مقفولاً مختوماً ، فسأل عمّا وراء الباب؟ فقيل له : ليس فيه ما ينفعك ، فقال : لابدّ من الاطّلاع عليه ، فأمر بكسر الأقفال ، ودخل فرأى صخرة كبيرة مثل القبر ، وعليها جسد ميِّت وهو مكفّن بقطع من الحرير المزرکش ، مکشوف الرأس ، طويل القامة جداً ، فتعجبوا من طول قامته ، وطول أنفه أكثر من شبر ، فسأل أبو موسى عنه أهل شوش؟

فقالوا : كان هذا الرجل مستجاب الدعوة يستسقون به أهل بابل ، فابتُلي أهل شوش بسنة مجدية ، فأرسلوا إلى بابل يطلبون أهله إرساله إليهم حَتَّى يدعو لهم بالمطر ، فأبوا من إجابة ذلك ، فأرسلوا إليهم خمسين رجلاً برسم الرهينة حَتَّى أرسلوه ، فدعى لهم ، وسقوا ببركته ، وكثر خيرهم ، فلمَّا رأوا ذلك رفعوا اليد من الأشخاص المرهونين ، وبقي الرجل عندهم إلى أن مات ، فكتب أبو موسى صورة الواقعة إلى عمر ، فسأل عمر عن حال هذا الشخص جميع الصحابة ، فلم يُعلمه أحد بحقيقة الحال إلا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : إنَّه دانيال ، وذكر قصته مع بخت نصر ، وأسارته من بيت المقدس إلى أرض بابل ، وقال لعمر : أكتب لأبي موسى أن يخرجه

ص: 188

من هذا المكان ، ويكفنه فوق كفنه ، ويصلّي عليه ، ويدفنه في محل لا تصل إليه يد أهل الشوش ، ففعل ذلك أبو موسى وحفر له قبراً في قعر نهر شوش بنى عليه بالرخام في غاية الرصانة والاستحکام ، ثُمَّ أجرى الماء عليه) (1).

قال الحموي في مراصد الاطلاع : (السُّوْس بالضم ، ثُمَّ السكون ، وسين اُخرى : بلدة بخوزستان ، وُجد فيها جسد دانيال عليه السلام ، فدُفن في نهرها تحت الماء ، وغُمر قبره ، وموضعه [ظاهر] يُزار) (2).

قال السيِّد الجزائري في (الأنوار) : (ومات دانيال بناحية الشوش ، ودُفن فيها ، والشوش بلد كبير في ناحية شوشتر لكنَّها هذا (هي - ظ) الآن من توابع حويزة فقد خُربت وصارت تلاً من التراب ، وقد وصلنا إليها مراراً وشاهدنا فيها آثاراً غريبة ، وأطواراً عجيبة ، وقبر دانيال قريب منها تتبرَّك به الناس ، وقد شاهدوا له کرامات (وفي بعض الروايات) أن أهل الشوش شكوا إلى أحد المعصومين عليه السلام كثرة الأمطار ، فكتب لهم : إنَّ عظام أخي دانيال تحت السماء والسماء تهطل دموعاً عليه ، فوارَوْهُ تحت التراب حَتَّى تسكن عنكم الأمطار ، فواروه تحت التراب.

وقريب من قبره المبارك النهر الَّذي حفره شابور ذو الأكتاف ، وقد عُمل قريباً من القبر حوض كبير ، وفيه سمك كثير شاهدناها لمّا وصلنا إلى زيارته ، وقد ألفت الزائرين حَتَّى كنا نجلس إلى جرف النهر ونضع الخبز في أيدينا ، وتظهر الحيتان من الماء تأكله من أيدينا شيئاً فشيئاً.

والشوش في لغة الفرس القديمة اسم للشيء الحسن ، ولمّا بنوا الشوشتر سمَّوها بهذا الاسم ، ومعناه الأحسن يعني أنه أحسن من الشوش ، وفي قبَّته صخرة إذا وقَّف

ص: 189


1- كتاب الفتوح لابن أعثم 2 : 273.
2- مراصد الاطلاع 2 : 755 ، وما بين المعقوفين من المصدر.

عليها الإنسان وحرَّكها تحركت مستديرة والإنسانُ فوقها ، ثُمَّ تبقى الحركة حَتَّى ينزل الإنسان من فوقها) ، انتهى (1).

وفي باب التوبة من الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إن الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى داود أن أئت عبدي دانيال وقل له : إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فأتاه داود عليه السلام ، فقال : يا دانيال ، إنَّني رسول الله إليك وهو يقول : إنك عصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن عصيتني الرابعة لم أغفر لك.

فقال له دانيال : قَدْ أبلغت يا نبي الله ، فلمَّا كان في السحر قام دانيال فناجی ربَّه ، فقال : يا ربّ ، إن داود نبيَّك أخبرني عنك أنني قَدْ عصيتُكَ فغفرتَ لي ، وعصيتُكَ فغفرتَ لي ، وعصيتُكَ فغفرتَ لي ، وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي ، فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينّك ، ثُمَّ لأعصينّك ، ثُمَّ الأعصينّك» (2).

قال المجلسي رحمه الله : (والعصيان محمول على ترك الأولى ؛ لأن دانيال عليه السلام كان من الأنبياء ، وهم معصومون من الكبائر والصغائر عندنا كما مرّ ، وقوله : (لئن لم تعصمني لأعصينّك) فيه مع الإقرار بالتقصير اعتراف بالعجز عن مقاومة النفس وأهوائها ، وحثّ على التوسُّل بذيل الألطاف الربانية ، والاستعاذة من التسويلات النفسانيّة ، والوساوس الشيطانية) ، انتهی (3).

ص: 190


1- لم أعثر عليه في الأنوار النعمانية ، وينظر عن مرقده : مراقد المعارف 1 : 284 رقم 97.
2- الكافي 2 : 434 ح 11.
3- مرآة العقول 11 : 305.

وفي (مجمع البحرين) : (دانيال النبي بكسر النون ، كان غلاماً يتيماً لا أب له ولا اُمّ ، ربّته عجوز من بني إسرائيل ، وقد أسره بخت نصر وعزيراً ، فأنجاهما الله من العذاب ، ومات دانيال بناحية السوس. وقد وُجد خاتمه في عهد عمر ، وكان على قصّه أسدان وبينهما رجل يلحسانه ، وذلك أن بخت نصر لمّا أخذ في تتبُّع الصبيان وقتلهم ، ووُلد هو ألقته اُمُّه في غيضة رجاء أن ينجو منه ، فقيّض الله له أسداً يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلحسانه. فلمَّا كبر صوّر ذلك في خاتمه حَتَّى لا ينسى نعمة الله عليه) (1).

وفي کشکول شيخنا البهائي نقلاً عن خط الشهيد رحمه الله ، يرفعه إلى دانيال النبيّ ، قال : (إذا أراد أحدكم يعلم أن حاجته تقضى أم لا ، فليقبض على شيء من الحبوب ويضمر حاجته ، ويأخذ ثماناً ثماناً من الحبوب المقبوضة ، فإن بقي في يده واحدة فهي للزهرة فالحاجة مقضية ، وإن بقي اثنتان فهي للمريخ فإنَّها لا تقضى ، وإن بقي ثلاث فهي للذئب يكون نحساً لا تقضى ، وإن بقي أربع فهي لزحل فإنها لا تقضى ، وإن بقي خمس فهي للمشتري فإنها تقضي سريعاً ، وإن بقي ست فهي للقمر فإنها تقضى ، وإن بقي سبع فهي لمطارد تقضي حسناً ، وإن بقي ثماني فلا تعرض لها بوجه من الوجوه فإنها وقعت في التوقُّف) (2).

[د] - «والمقت» : هو الإبغاض.

[ﻫ] - «المستخف بحق المعلم» : فيه دلالة على أن الجاهل على إطلاقه ليس مبغوضاً ، بل إنَّما يكون كذلك إذا كان متصفاً بما ذُكر من الاستخفاف والترك ،

ص: 191


1- مجمع البحرين 2 : 60.
2- لم أهتد إليه في كشكول البهائي.

والا فالجاهل المعظّم لأهل العلم ، المقتدي بهم المحب لهم والمتعلّم منهم ، هو من أهل المحبَّة دون المقت.

[و] - «والتقي» : الَّذي هو من أحبّ عباد الله إليه ، هو الخائف منه تعالی ، المتجنب عن معصيته بالتزام أوامره ، واجتناب نواهيه ، الطالب للثواب الجزيل ، الحاصل لذلك له من العمل بما يوجبه ، وعمدته تحلية الظاهر بالأفعال الجميلة ، وتخلية الباطن من الأخلاق الرذيلة.

[ز] - «اللازم للعلماء» : وهم أهل العلم من الشيعة ، وفيه دلالة على أن الفضيلة والشرف إنَّما تكون في ملازمة العالم الحلِّيم السليم من مقتضيات القوَّة الغضبية والشهوية ، وبعبارة اُخرى : من صدق قوله فعله ، ومن لم يكن كذلك فليس بعالم ، فقد قال الصادق عليه السلام : «اطلبوا العلم وتزيَّنوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبّارين فيذهب باطلُكم بحقّكم» (1).

وعن الرضا عليه السلام : «أنَّ من علامات الفقيه الحلم والصمت» (2).

وقال بعض الشرّاح : (اختلفت أقوال الأكبر في الفرق بين العالم والحكيم ، فقيل : العالم طبيب الدين بأدوية الحق والصدق والتصفُّح والتعطف.

وقيل : من يخلّص الناس من أيدي الشياطين.

وقيل : هو من لان قلبه ، وحسن خلقه ، ورقّ ذكره ، ودقّ فکره ، ولا يطمع ولا يبخل.

ص: 192


1- الكافي 1 : 36 ح 1.
2- عیون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 234 ح 14.

وقيل : الحكيم هو الَّذي يطلب ما ينفعه ، ويترك ما يضرّه ، ويقرب منه ما قيل : هو العدل الأخذ بالحق والصواب قولاً وعملاً.

وقيل : من لا يغضب على من عصي ، ولا يحقد على من جفا.

وقيل : هو من كان كل أفعاله صواباً ، ولا يدخل في اختياره خلل ولا فساد.

وقيل : ليس الحكيم الَّذي يجمع العلم الكثير ، لكن الحكيم الَّذي يعرف صواب ما لَهُ وما عَليهِ.

وقيل : الحكماء للأخلاق کالأطباء للأجساد.

وقيل لعالم : مَن الحكيمُ؟ قال : من تعلَّق بثلاث فيها علم الأولين والآخرين ، قيل : وما هي؟ قال : تقديم الأمر ، واجتناب النهي ، واتّباع السنَّة.

وكيفَ تريدُ أن تُدعى حكيماً *** وأنت لكلّ ما تهوی رَکوبُ

لعلَّ العُمرَ أكثرُهُ تولَّی *** وقد قَرُبَ الرَّدى فمتى تَتوبُ

ورُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : «العلم نهر ، والحكمة بحر ، والعلماء حول النهر يطوفون ، والحكماء في وسط البحر يغوصون ، والعارفون في سفن النجاة يخوضون» ، ولكون الحكماء أعظم شأناً ، وأرفع مكاناً ، رغّب في قبول العلم عنهم ، والأخذ منهم) ، انتهى (1).

ومن كلام الحكيم زيتون الأكبر : (لا تخف موت البدن ، وخف موت النفس ، فقيل له : لم قلت ذلك والنفس لا تموت؟ فقال : إذا انتقلت النفس الناطقة من حد

ص: 193


1- شرح اُصول الكافي 2 : 60.

النطق إلى حد البهمي ، وإن كان جوهرها لا يبطل ، فإنها قَدْ ماتت من العيش العقلي) (1).

ومثل هذا الكلام ما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : «للجسم ستة أحوال : الصحَّة ، والمرض ، والموت ، والحياة ، والنوم ، واليقظة وكذلك الروح فحياتها علمها ، وموتها جهلها ، ومرضها شكّها ، وصحَّتها يقينها ، ونومها غفلتها ، ويقظتها حفظها» (2).

ا ولا يخفى ما في كلامه عليه السلام من الحقائق الحكمية والمسائل الفلسفية ، فانظر أيُّها اللبيب إلى ما في هذا الحديث من شرف فضيلة العلم وكماله ، حيث بالغ فيه :

(أولاً) : بأنه لا ينبغي أن يعوق عنه شيء من شدائد الدهر ونوائبه ، ولا يكون ذلك مانعاً من تحصيله.

(وثانياً) : بأن الاستخفاف بالعلماء من أعظم الكبائر الموجبة لمقت الله تعالی وسخطه.

(وثالثاً) : أن ملازمتهم من أعظم القربات الموجب لأعلى درجات محبته.

ص: 194


1- الملل والنحل 2 : 99.
2- التوحيد للصدوق : 300 ح 7.

[ترجمة المولى محمّد صالح المازندراني]

وفي رياض العلماء (1) في أحوال جدّنا العالم الرباني المولى محمّد صالح المازندراني : (أن أباه المولى أحمد المازندراني كان في غاية من الفقر والفاقة ، فقال يوماً لولده : إنّي لا أقدر على تحمل نفقتك ، ولابد لك من السعي للمعاش ، وأنت في سعة من حاجتي ، فاطلب لنفسك ما تريد.

فهاجر المولى المزبور إلى أصبهان وسكن في المدرسة ، وكان للمدارس وظائف معيَّنة من طرف السلاطين ، يُعطى كل الطلبة على حسب رتبته ، ولمّا كان المولى المعظم أول أمر تحصيله ، كان سهمه منها في كل يوم غازين ، وهما غير وافيين لمصارف أكله ، فضلاً عن سائر لوازم معاشه ، ومضى عليه مدّة لم يتمكّن من تحصيل ضوء لمطالعته ، وكان يقنع بسراج بيت الخلاء ، وكان يطالع بمعونته واقفاً على قدميه إلى الصباح حَتَّى صار في مدة قليلة قابلاً للتلقّي من المولى محمّد تقي المجسي ، فحضر في مجلس درسه في عداد العلماء الأعلام ، إلى أن فاق عليهم ، وكان للمولى الجليل اُستاذه شفقة تامَّة عليه ، وكان يعتمد على جرحه وتعديله في المسائل ، وفي خلال ذلك حصل له رغبة في التزويج ، وعرف ذلك منه اُستاذه رحمه الله.

فقال له يوماً : إن أذنت لي أزوِّجك امرأة ، فاستحيى ، ثُمَّ أذن له فدخل المولى في بيته وطلب بنته آمنة الفاضلة المقدسة المجتهدة البالغة في العلوم حدّ الكمال ، وقال : عيّنت لك زوجاً في غاية من الفقر ، ونهاية من الفضل والصلاح والكمال ، وهو موقوف على إذنك ورضاك.

ص: 195


1- لم ترد هذه الحكاية في كتاب رياض العلماء ، وتقع ترجمته فيه في ج 5 ص 110 ، وإنما ذكرها الشيخ النوري رحمه الله في كتابه الفيض القدسي ناقلاً قبلها ترجمة زوجته آمنة بيكم عن كتاب رياض العلماء ، فسرى الاشتباه ، فلاحظ.

فقالت الصالحة : ليس الفقر عيباً في الرجال ، فهيّأ والدها المعظَّم مجلساً عالياً زوجها منه ، فلمَّا كانت ليلة الزفاف ودخل عليها ورفع البرقع عن وجهها ونظر جمالها عمد إلى زاوية وحمد الله شكراً واشتغل بالمطالعة.

واتفق أنه ورد على مسألة مشكلة لم يقدر على حلّها ، وعرفت ذلك الفاضلة آمنه بیکم بحسن فراستها وتدبيرها ، فلمَّا خرج المولى المذكور من الدار للبحث والتدريس عمدت إلى تلك المسألة وكتبتها مشروحة مبسوطة ، ووضعتها في مقامه ، فلمَّا دخل الليل وصار وقت المطالعة وعثر المولى على المكتوب وحلّ ما أشكل عليه ، سجد لله شكراً واشتغل بالعبادة إلى الفجر ، وطالت مقدمة الزفاف إلى ثلاثة أيام ، واطّلع على ذلك والدُها المعظَّم فقال له : إن لم تكن هذه الزوجة مرضية لك اُزوّجُك غيرها.

فقال : ليس الأمر كما توهم ، بل المقصود أداء الشكر ، كُلَّما أجهد نفسي في الحياة لا أبلغ أداء ذرَّة من هذه العناية الربانية.

قال رحمه الله : الإقرار بالعجز غاية الشكر) ، انتهى (1).

وله من المصنفات الفائقة والتحريرات الرائقة ما لا يخفى على أهل الكمال حسنها ، كحاشية معالم الأُصول ، وشرح الزبدة ، وشرح اُصول الكافي ، وشرح قصيدة البردة ، توفّي بإصفهان سنة 1081 ﻫ ودُفن في مرقد المجلسي رحمهما الله.

ص: 196


1- أورد هذه الحكاية الشيخ النوري رحمه الله في كتابيه الفيض القدسي : 233 عن كتاب مرآة الأحوال جهان نما ، وفي خاتمة المستدرك 2 : 196.

الحديث السابع: افضل العالم على العابد

اشارة

[69] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، جميعاً عن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد» (1).

أقول : وشرح المقام في موضعين :

الموضع الأول

في شرح سند الحديث : مرجع الضمير كسابقه.

[ترجمة محمّد بن أبي عمير]

(وابن أبي عمير: هو محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى ، أبو أحمد الأزدي ، من موالي المهلَّب بن أبي صفرة ، وقيل : مولى بني اُميَّة ، والأول أصح.

بغدادي الأصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسی عليه السلام وسمع منه أحاديث ، كنّاه في بعضها ، فقال : يا أبا أحمد ، وروى عن الرضا عليه السلام ، كان جلیل القدر ، عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين.

والجاحظ يحكي عنه في كتبه ، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية ، وقال في (البيان والتبيين) : حدّثني إبراهيم بن داحية ، عن ابن أبي عمير. وكان وجهاً من وجوه الرافضة ، وكان حُبس في أيام الرشيد فقيل : لِيَلِيَ القضاء ، وقيل : إنه وُلّي بعد ذلك ، وقيل : بل لِيدلَّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسی بن جعفر عليه السلام ، ورُوي أنه ضُرب أسواطاً بلغت منه ، فكاد أن يقرّ العظيم الألم ، فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول : اتق الله يا محمّد بن أبي عمير ، فصبر ففرّج الله عنه.

ص: 197


1- معالم الدين : 13 ، الكافي 1 : 33 ح 8.

ورُوي أنه حبسه المأمون حَتَّى ولّاه قضاء بعض البلاد ، وقيل : إنَّ اُخته دفنت كتبه في حالة استتاره وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل : بل تركتها في غرفة ، فسال عليها المطر فهلكت ، فحدّث من حفظه ، وممّا كان سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله) (1).

وربّما أورد بعضهم على الأصحاب كالمصنِّف والسيد محمّد صاحب المدارك بأن محمّد بن أبي عمير يروي عن غير الثقة أيضاً (2) ، فكيف تنظيم مراسيله في سلك الصّحاح ، وفيه أن المذكور أنه لا يرسل إلا عن ثقة ، لا أنه لا يروي إلا عن ثقة ، فتأمّل جيداً ، وقَدْ صنّف كتباً كثيرة ، مات سنة 217 ﻫ.

[ترجمة سيف بن عميرة]

وأمّا سيف بن عميرة النخعي : عربي ، كوفي ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام.

له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا ، كذا قال النجاشي (3).

الموضع الثاني

في شرح متن الحديث :

[أ] - قال جدّنا الصالح رحمه الله : (أن المراد بهذا العالم ، صاحب الحكمة النظرية والعلمية) (4).

ص: 198


1- رجال النجاشي : 15 رقم 14 ، و 326 رقم 887 ، خلاصة الأقوال : 239 رقم 18.
2- مدارك الأحكام 1 : 246.
3- رجال النجاشي : 189 رقم 504.
4- شرح اُصول الكافي 2 : 35 ، ولعلّ الصحيح : والعمليّة.

[ب] - «أفضل من سبعين ألف عابد» : لأن عقل العابد الجاهل راقد في مراقد الطبيعة ، وعقل العالم سائر في معالم الشريعة ، وبه نری حقائق الأشياء كما هي ، وبه تُعرف الشرائع من الأوامر والنواهي.

وأيضاً نفع العابد لو تحقق يرجع إلى نفسه ، ونفع العالم يرجع إليه وإلى جميع الخلائق.

وأيضاً العالم وارث الأنبياء ، وقائم مقامهم ، فنسبته إلى غيره كنسبة الأنبياء إلى غيرهم.

وأيضاً العابد في عرنية العقل الهيولاني ، والعالم في مرتبة العقل بالفعل أوفوقها ،ومزية الثانية على الأُولى لا تخفى على ذي بصيرة.

وحده الوجوه تفيد أن العالم أفضل من العابد ، وأمّا كونه أفضل من خصوص هذا العدد ، أعني سبعين ألف عابد ، فعقولنا قاصرة عن إدراك سر ذلك ، والعلم به مختص بأهل الذكر عليه السلام وإنَّما الواجب علينا التسليم ، ويحتمل أن يكون الغرض [من هذا العدد] مجرد إفادة الكثرة الخارجة عن إحاطة الحصر كما هو المتعارف من استعمال هذه العبارة) (1).

(وبالحري بالمقام) ذكر ما رواه الكليني رحمه الله باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : «كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئاً ، فنخر إبليس نخرة ، فاجتمع إليه جنوده فقال : من لي بفلان؟ فقال بعضهم : أنا له ، فقال : من اين تأتیه؟ قال : من ناحية النساء.

قال : لستَ له ، لم يجرِّب النساء.

قال آخر : فأنا له من ناحية الشراب واللَّذات.

ص: 199


1- شرح اُصول الكافي 2 : 35 ، وما بين المعقوفين من المصدر.

قال : لست له [ليس هذا بهذا].

قال آخر : فأنا له.

قال : من أين تأتيه؟ قال : من ناحية البرّ.

قال : انطلق فأنت صاحبه ، فانطلق إلى موضع الرجل ، فقام حذاه يصلّي.

قال : وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لا يستريح ، فتحوَّل إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه ، واستصغر عمله ، فقال : يا عبد الله بأي شيء قويت على هذه الصلاة؟ فلم يجبه ، ثُمَّ أعاد عليه ، فقال : يا عبد الله ، إنّي أذنبت ذنباً وأنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويتُ على الصلاة.

قال : فأخبرني عن ذنبك أعمله وأتوب ، فإذا فعلته قويتُ على الصلاة؟ قال : اُدخل المدينة فسل عن فلانة البغيَّة ، فاعطها درهمین ونَلْ منها.

قال : ومن أين لي درهمان؟ وما أدري ما الدرهمان؟ فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين ، فناوله إيَّاهما ، فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغيَّة ، فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها ، فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين.

وقال : قومي فقامت ودخلت منزلها وقالت : اُدخل ، وقالت : إنك جئتني في هيئة ليس يأتي مثلي في مثلها ، فاخبرني بخبرك؟

فأخبرها ، فقالت له : يا عبد الله ، إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة ، وليس كل من طلب التوبة وجدها ، وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطاناً مُثّلَ لك ، فانصرف فإنك لا ترى شيئاً ، فانصرف وماتت من ليلتها ، فأصبحت فإذا على بابها مكتوب : أحضروا فلانة فإنها من أهل الجنَّة ، فارتاب الناس ، فمكثوا ثلاثاً

ص: 200

لا يدفنوها ارتياباً في أمرها ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه الا موسی بن عمران أن ائت فلانة ، فصلّ عليها ومُرِ الناسَ أن يُصلُّوا عليها ، فإنّي قَدْ غفرت لها وأوجبت لها الجنَّة بتثبيطها فلان عبدي عن معصيتي» (1).

ص: 201


1- الكافي 8 : 384 ح 584.

الحديث الثامن: حديث الراوية

اشارة

[70] - قال رحمه الله : وعنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : «رجل راوية لحديثكم يبثّ ذلك في الناس ويشدّده في قلوبكم وقلوب شيعتكم ، ولعل عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية ، أيُّهما أفضل؟ قال : الراوي لحديثنا يشدّ قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» (1).

أقول : وشرح ما يتعلَّق بالمقام في موضعين :

الموضع الأول

في ما يرجع إلى السند : ومرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة أحمد بن إسحاق]

وأما أحمد بن إسحاق : فمشترك بين الرازي والقمِّي ، وكلاهما ثقة ، جليل القدر ، ويُحتمل اتّحادهما (2).

[ترجمة سعدان بن مسلم]

وأمّا سعدان بن مسلم ، واسمه عبد الرحمن ، أبو الحسن العامري ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ، وعمّر عمراً طويلاً (3).

ويروي عنه جماعة من الأجلّاء الأعاظم ، كصفوان ، والقمِّيين ، وابن أبي عمير ، والأصحاب حَتَّى المتأخّرين ربما يرجّحون خبره على خبر الثقة الجليل ،

ص: 202


1- معالم الدين : 14 ، الكافي 1 : 33 ح 9.
2- شرح اُصول الكافي 2 : 36.
3- رجال النجاشي : 192 رقم 515.

وهو بمحلّه ، فإنّ في رواية من ذكرنا من الأعاظم عنه شهادة بوثاقته ، ومن جملة ما ربّما رجّحه الأصحاب ما رُوي عنه في تزويج الباكرة الرشيدة بغير إذن أبيها كما في (الوسائل) : عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبَّاس ، عن سعدان بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها» (1).

ولذا قال المحقّق رحمه الله في الشرائع : (وهل تثبت ولايتهما - يعني الأب والجد - على البكر الرشيدة؟ فيه روايات ، أظهرها سقوط الولاية عنها ، وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع.

قال : ولو زوَّجها أحدهما ، لم يمض عقده إلا برضاها) ، انتهى (2).

[ترجمة معاوية بن عمار]

وأمّا معاوية بن عمّار ، فقد قال النجاشي : (إنه كان وجهاً في أصحابنا ، ومقدَّما ، كثير الشأن ، عظيم المحلّ ، ثقة ، وكان أبوه عمّار ثقة في العامَّة ، وجهاً ، يُكنى أبا معاوية ، وأبا القاسم ، وأبا حکيم ... إلى أن قال : ومات معاوية سنة 175 ﻫ) (3).

الموضع الثاني

في شرح متن الحديث :

[أ] - «الراوية» : كثير الرواية ، والتاء للمبالغة ، وفي (المغرب) : الراوية بعيرُ السقاء ؛ لأنه يروي من يحمله ، ومنه راوي الحديث وروايته (4).

ص: 203


1- وسائل الشيعة 2 0: 284 ح 25640 / 4.
2- شرائع الإسلام 2 : 502.
3- رجال النجاشي : 411 ح 1096.
4- عنه بحار الأنوار 71 : 337 ولم أعثر عليه في كتاب المغرب المطبوع للمطرزي.

[ب] - «والمراد ببثّ الحديث بين الناس» : نشره بينهم.

[ج] - «ويشدِّده» : أي يجعله مستحکماً.

[د] - والمراد من الناس العامة : المستضعفون منهم، الَّذين يُرجی رجوعهم إلى الحق.

[في معنى لفظ الشيعة]

[ﻫ] - «وشيعة» الرجل : أتباعه وأنصاره.

قال ابن الأثير في النهاية : (وأصل الشيعة الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكّر والمؤنّث بلفظ واحد ومعنىً واحد. وقد غلب هذا الاسم على كل من زعم أنه يوالي علياً وأهل بيته ، حَتَّى صار لهم اسماً خاصاً ، فإذا قيل : فلان من الشيعة ، عُرف أنه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا : أي عندهم ، وتُجمَعُ الشيعةُ على شِيَع، وأصلها من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة) ، انتهى (1).

قال الطريحي في (المجمع) : (وفي الحديث : (طال ما اتكؤوا على الأرائك ، وقالوا نحن من شيعة علي) ولعل هذا الحديث وغيره ممَّا يقتضي بظاهره نفي الإسلام عمن ليس فيهم أوصاف مخصوصة زيادة على المذكور المتعارف ، مخصوص بنفي الكمال من التشيُّع) (2).

وفي (النهاية) أيضاً : (إن في حديث علي ، قال له النبي صلى الله عليه وآله : ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه عدوُّك غضباناً مقمحين ، ثُمَّ جمع يده إلى عنقه ، يريهم كيف الإقماح) (3).

ص: 204


1- النهاية في غريب الحديث 2 : 519.
2- مجمع البحرين 2 : 572.
3- النهاية في غريب الحديث 4 : 106 ، والإقماح : رفع الرأس وغض البصر.

وروى المغازلي في (المناقب) بسنده إلى أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «يدخل الجنّة من اُمَّتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ، ثُمَّ التفت إلى عليّ عليه السلام ، فقال : هم من شيعتك وأنت إمامهم» (1).

وفيه أيضاً باسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، عنه صلى الله عليه وآله ، قال : «أتاني جبرائيل عليه السلام آنفاً فقال : تختَّموا بالعقيق ، فإنَّه أوَّل حجر شهد الله بالوحدانيّة ، ولي بالنبوَّة ، ولعليّ بالوصيّة ، [ولولده بالإمامة] ، ولشيعته بالجنَّة» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة من طرق الخاصة والعامَّة بذكر الشيعة اونجاتهم حَتَّى روى الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره الموسوم ب-(روض الجنان) عند تفسير قوله تعالى : ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ (3) : إنّ الخضر عليه السلام قال لبعض مواليه : «إنّي من موالي علي عليه السلام ومن جملة الموكّلين بشيعته» (4).

وبذلك كلّه يظهر فساد من يدّعي من الناس حدوث هذه الكلمة بين المتأخّرين ، وعدم وجودها في زمن النبي صلى الله عليه وآله ، حَتَّى إنّ القاضي (نور الله) كتب (مجالس المؤمنين) لرد هذه الشبهة ، فاغتنم (5).

ص: 205


1- مناقب ابن المغازلي : 249 ح 335.
2- مناقب ابن المغازلي : 242 ح 326 ، وما بين المعقوفين من المصدر.
3- سورة المائدة : من آية 26.
4- لم أعثر على هذا القول في تفسير الآية المشار إليها في المطبوع بين أيدينا من تفسير الرازي ، في طبعته الثالثة ، وربّما حذفته صروف الأيام والدهر.
5- ينظر عن تعريف الكتاب : الذريعة 19 : 270 رقم 1652.

والظاهر بقرينة ما سبق أن المراد من الراوي في الحديث غير العالم ، بأن يكون راوياً للحديث من غير أن يكون له علم حقيقة الحال ، وقوَّة في فهم معناه ، وهو بهذه المنزلة يفوق على العابد في الفضيلة بألف درجة ، وإلّا فإن كان من أهل الفقه والفهم لما يرویه ، فقد عرفت الحديث السابق : أنه أفضل من سبعين ألف عابد ، ولنعم ما قيل :

صاحب دلي بمدرسه آمد زخانقاه *** بشكسته عهد صحبت أهل طريق را

گفتم ميان عابد وعالم چه فرق بود *** تا اختيار كردي از آن اين طريق را

گفت آن گليم خويش برون ميبر دز آب *** واين جهد ميكند كه بگيرد غريق را

وجوب تصحيح النية

[71] - قال رحمه الله : (فصل ، ومن أهم ما يجب على العلماء مراعاته تصحيح القصد ، وإخلاص النيَّة) (1).

أقول : إنَّ كل شيء يتصور أن يشوبه غيره ، فإذا صفا عن شوبه صار خالصاً ، قال الله تعالى : ﴿مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ﴾ (2) ، فخلوص اللبن أن لا يكون فيه شوب من الدم والفرث ، ومن كل ما يمكن أن يمتزج به ، فمن تصدق وغرضه محض الرياء فهو مخلص ، ومن غرضه محض التقرُّب إلى الله تعالى فهو مخلص أيضاً ، ولكن العادة جرت بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرُّب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب ، كما أن الإلحاد عبارة عن الميل ،

ص: 206


1- معالم الدين : 114 وقوله ما أورده بعد الحديث المذكور آنفاً.
2- سورة النحل : من آية 66.

ولكن خصَّصته العادة بالميل عن الحق ، ومن طلب العلم لمحض الرياء والسمعة ، فطلبه خالص لغة كمن طلبه لمجرد القرية إلى الله تعالی.

والمراد من الخلوص في النيَّة المطلوبة ، هو أن يكون طلبه غير ملحوظ معه شيء سوى وجه الله.

قال الحكيم بطليموس الفلوذي من علماء اليونان : (النيَّة أساس العمل ، والعمل سفير الآخرة) (1).

والمراد من هذا الكلام أن النيَّة هي المقصودة بالذات من الأعمال ، كما أن المقصود من الأبدان الأرواح ، فالنيَّة روح العمل ، كما أن الإخلاص روح النيَّة ، والمعنی روح اللفظ ، والأعمال شرَّعت لغرض النيَّة ، وصيرورتها شجرة مغروسة في أرض القلب ، وملكة راسخة لجوهر النفس ، فالأصل الأصيل والركن الوثيق في اكتساب السعادة والشقاوة الأُخروية صحَّة النيَّة وفسادها ، ومن هنا ورد الحديث مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وآله : «إن الله تعالى يحشر الناس على نيَّاتهم يوم القيامة» (2).

ومراده بأن العمل سفير الآخرة ، أنَّ التوجَّه والإقبال والحضور المعنوي بدون الأعمال الصورية الظاهرية بالقوى البدنية غير كاف ، ولا مخرج عن عهدة التكليف ؛ لأن للطاعات والملكات البدنية تأثيراً بالتنوير في النفس ، كما أنَّ المعاصي تأثيراً بالقسوة والظلمة ، وبأنوار الطاعة يستحکم مناسبة النفس

ص: 207


1- لم أهتد إلى مصدر قوله هذا ، وقائله هو صاحب كتاب المجسطي.
2- ينظر : مسند أحمد 2 : 392 عن النبي صلى الله عليه وآله ، وليس فيه : (يوم القيامة) ، وبهذا اللفظ عن الإمام الصادق عليه السلام في الكافي 5 : 20 ح 1.

لاستعدادها القبول المعارف الإلهية ، ومشاهدة الحضرة الربوبية ، كما بالقسوة والظلمة يستبعد للعيد والحُجّاب عن مشاهدة الجمال الإلهي ، فالطاعة مولّدة للَّذة المشاهدة والقرب بواسطة الصفا ، والنور الَّذي يحدث في النفس هو السفير والمصلح لأُمور الآخرة ، وبالجملة فكل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب قلّ أم كثر ، إذا تطرق إلى العمل تكدّر بهِ صفوه وزال به إخلاصه ، والإنسان مرتبط بحظوظه منغمس في شهواته ، قلّما ينفك فعل من أفعاله أو عيادة من عياداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس ، فلذلك قيل : من سلم له من عمره لحظةً واحدةً خالِصَةً لوجه الله نجا.

وذلك لعزَّة الإخلاص ، وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب ، بل الخالص الَّذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله ، وهذه الحظوظ إن كانت هي الباعث وحدها فلا يخفى شدة الأمر على العبد فيها ، وإنَّما نظرنا فيما إذا كان القصد الأصلي هو التقرُّب واتضافت (واُضيفت - ظ) إليه هذه الأُمور ، وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله ، ويكون فيها مغروراً كما حُکى عن بعض أنه قال : (قضيت صلاة ثلاثين سنة صلَّيتها في المسجد في الصف الأوَّل ؛ لأنّي تأخَّرت يوماً لعذر ، فصليت في الصف الثاني ، فاعترتني خجلة من الناس حيث رأوني في الصف الثاني ، فعرفت أن في نظر الناس إليّ في الصف الأول كان مسرَّتي وسبب استراحة قلبي من حيث لا أشعر) (1).

وهذا دقيق غامض قلَّما تسلم الأعمال منه ، وقلّ من يتنبه له إلا من رفعه الله تعالى ، والغافلون عنه يرون حسناتهم كلّها في الآخرة سيّئات ، وهم المعنيون

ص: 208


1- فلاح السائل : 121 ، جامع السعادات 2 : 312.

بقوله تعالى : ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ (1) ، ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (2).

[موعظة بليغة لأهل العلم والوعظ]

[72] - قال رحمه الله : (وتطهير القلب من دنس الأغراض الدنيويّة) (3).

أقول : لا يخفى أنَّ العلم عبادة القلب ، كما أنَّ الصلاة عبادة الجوارح ، وكما أنَّ الثانية لا تصحّ بدون الطهارة ، فكذلك الأُولى لا تصحّ ما لم يكن القلب خالياً من الصفات الذميمة كالبخل ، والحقد ، وطلب العلوّ ، وطول الأمل ، وحب المكث في الدنيا للتمتُّع ، والكبر ، والرياء ، والغضب ، والأنفة ، والعداوة ، والبغضاء ، والطمع ، والرغبة ، والبذخ ، والأشر ، والبطر ، وتعظيم الأغنياء ، والاستهانة بالفقراء ، والفخر ، والخيلاء ، والتنافس ، والمباهاة ، والاستكبار عن الحق ، والخوض فيما لا يعني ، وحبّ كثرة الكلام ، والصلف ، والمداهنة ، والعجب ، والاشتغال عن عيوب النفس بعيوب الناس ، وزوال الحزن من القلب ، وخروج الخشية منه ، وشدَّة الانتصار للنفس إذا نالها ذلٌّ ، وضعف الانتصار للحق ، والفرح بالدنيا ، والأسف على فواتها ، والأُنس بالمخلوقين ، والوحشة لفراقهم ، إلّا لإعانةٍ معهم على الدين ، والجفا والطيش ... ونحو ذلك.

ص: 209


1- سورة الزمر : من آية 47.
2- سورة الكهف : من آية 104.
3- معالم الدين : 14.

وأشد الخَلق تعرضاً لهذه الفتنة العلماء ، فإنَّ الباعث للأكثرين على نشر العلم لذَّةُ الاستيلاء ، والفرح بالاستتباع ، والاستبشار بالحمد والثناء ، والشيطان يلبس عليهم ذلك ويقول : غرضکم نشر دين الله والمحاماة عن الشرع.

ونرى في زماننا هذا أنَّ الواعظ يمنُّ على الله تعالی بوعظه ونصيحته لعباد الله ، وتحذيره الملوك والسلاطين ، ويفرح بقبول الناس قوله ، وإقبالهم عليه وإشارتهم بالأكف إليه ، ولعلَّه يتوهَّم في نفسه أن فرحه لِما يُسّر له من نصرة الدين ، ووُفق إليه من تذكير الجاهل ، ولكن انتظر منه حالة ظهور من هو أحسن منه في فنّ الوعظ وعكوف الناس على ذلك الشخص وانصرافهم عنه ، إنَّك تراه مغضباً من ذلك ، ولو كان الباعث له على الوعظ أمر الدين ، وحفظ شريعة سیِّد المرسلين ، وهداية من أراد الهداية إلى [الله عزَّ وجلَّ] (1) ؛ لأحبّ الطريق الواضح المبين ، لكن المطلوب منه عندما يرى من هو أولی بذلك ، وأتم بهذا الغرض أن يشكر الله تعالى على حصول غرضه على النحو الأتم والأكمل ، وأنه كفاه مؤنة ذلك.

وربّما يسوّل الشيطان له ويقول : إنَّما غمُّك لانقطاع الثواب منك ، لا الانصراف وجوه الناس عنك.

ولا يدري أنَّ انقياده للحق وتسليمه الأمر إلى من هو أصلح منه ، أعوَدُ عليه في الدين من تكليفه بمصالح الخلق مع ما فيه.

وقد ينخدع بعض أهل العلم بغرور الشيطان ، فيحدّث نفسه بأنه لو ظهر من هو أولى منه بالأمر الفرح به وأسلم له وقدمه على نفسه ، وهذه الحالة منه قبل

ص: 210


1- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

التجربة والامتحان محض الجهل والغرور ، فإنَّ النفس سهلة الانقياد في مقام الوعد قبل نزول الأمر ، فإذا آن وقت الوفاء بالوعد رجع ولم يف ؛ وذلك لا يعرفه إلّا من عرف مكائد الشيطان والنفس ، وطال اشتغاله بامتحانها.

فمعرفة حقيقة الإخلاص والعمل به بحر عميق فيه الكثير إلا الشاذ النادر ، والفرد الفذ وهو المستثنى في قوله تعالى : ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (1).

فلتكن - يا أخي - شديد التعقُّل والمراقبة لهذه الأُمور والدقائق ، ولا تكن المعنيَّ بهذا البيت :

لقد أسمعتَ لو نادَيْتَ حيّاً *** ولكِنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادي

تكميل النفس

[73] - قال رحمه الله : (تكميل النفس في قوَّتها العملية ، وتزكيتها باجتناب الرذائل واقتناء الفضائل الخُلقية) (2).

أقول : إعلم أن الحكمة عبارة عن العلم بأحوال الأعيان الموجودة على ما هي عليه في نفس الأمر ، وهي تنقسم إلى قسمين : نظرية وعملية.

أمّا الحكمة النظرية : فهي العلم بأحوال الموجودات الخارجة ووجودها عن القدرة والاختيار ، كالعلم بوجود الواجب ، والمبادئ العالية ، والأفلاك ، والعناصر ، النفوس ، والقوى ، والصور ، والطبائع .. إلى غير ذلك.

وأمّا الحكمة العمليَّة : فهي العلم بأحوال الموجودات التي لها تعلُّق باختيار الإنسان وداخل تحت قدرته ، كالأفعال ، والأعمال المؤدِّية إلى صلاح المعاش

ص: 211


1- سورة الحجر : 40.
2- معالم الدين : 14.

والمعاد ، وهذه الأفعال والأعمال إن كانت راجعة إلى مشاركة جماعة في المنزل فيقال له : علم تدبير المنزل.

أو في البلد فعلم السياسة ، وإن لم تكن راجعة لمشاركة أحد ، بل كان باعتبار الانفراد من حيث ينبغي أن يفعل أو لا يفعل ، فهو علم تهذيب الأخلاق ، والمقصود في المقام الإشارة إلى الأخير أعني علم تهذيب الأخلاق.

فنقول : إنَّ الفضائل والرذائل عبارة عن الهيئات الحاصلة في جوهر الذات من مزاولة الأعمال المولّدة للأخلاق الحميدة والذميمة ، وكما أنَّ الفضائل لا محال تؤدّي إلى صلاح المعاد والمعاش كذلك الرذائل تؤدّي إلى فسادهما ، فلا بدَّ من تدبير يوجب كون الهيئات المرتسمة في النفس كلها منشئاً للفضائل والتخلّي عن الرذائل ، وهو تدبیر صنعة تهذيب الأخلاق ، وأن الخُلق ملكة نفسانية تقتضي سهولة صدور الأفعال من النفس بحيث لا يحتاج إلى فكر ورويَّة ، وأنَّ الخُلق على قسمين : طبيعي وعادي.

أمّا الطبيعي : فكمقتضيات أصل المزاج من حركة القوَّة الغضبية بأدنی سبب ، والجزع من أسهل الأسباب ، والجبن من الموهمات ، والإفراط في الضحك أو البكاء بسبب ضعيف ... وأمثال ذلك.

وأمّا العادي : فكما أنَّ الإنسان في ابتداء الأمر يعمل عملاً بفكر ورويَّة ومن كثرة التكرار والتمرُّن يعتاده حَتَّى لا يحتاج إلى فكر ورؤيَّة ، وما ذكرناه من انقسام الخُلق على هذين القسمين هو مذهب المحقّقين من الحكماء ، وبعض غلب عليه البطالة ، وثقل عليه مجاهدة النفس الأمارة والاشتغال بتز کيتها ،

ص: 212

وتهذيب أخلاقها ، يذهب إلى أن الخُلق ليس هو إلا الطبيعي ، فيمتنع تبدیل الأخلاق ، وربّما استدل بعض هؤلاء على ذلك بوجهين :

الأوَّل : أنَّ الخُلق - بالضم - عبارة عن صورة الباطن ، كما أن الخَلق - بالفتح - عبارة عن صورة الظاهر ، وكما لا يمكن تبديل الصورة الظاهرية كذلك لا يمكن تبديل الصورة الباطنية.

الثاني : أنَّ حُسن الخُلُق لا يحصل إلا بمنع النفس من الغضب والشهوة وحب الدنيا وأمثال ذلك ، وهو أمر ممتنع ، والاشتغال به يوجب تضييع العمر فيما لا فائدة فيه.

وهو في غاية الضعف والوهن ، فإنَّ من المُشاهَد المعلوم حدوث الخُلق وتبديله ، وإلا لانتفى أثر التربية والتعليم والتأديب ، مع أنّا نرى الأشرار يكتسبون حالات الأخبار بالمصاحبة معهم ، وكذلك الأخبار يكتسبون حالات الأشرار بالمصاحبة والمعاشرة معهم ، وأنَّ الطبع مکتسب من كل مصحوب.

قال الشيخ الرئيس : (والدليل على أنَّ الأخلاق إنَّما تحصل من اعتياد الأفعال التي تصدر عن الأخلاق ، ما نراه من أصحاب السِّياسات وأفاضل الملوك ، فإنَّهم إنَّما يجعلون أهل المدن أخياراً بما يعوّدونهم من أفعال الخير ، وكذلك أصحاب السياسات الرديَّة والمتغلّبون على المدن يجعلون أهلها أشراراً بما يعودونهم من أفعال الشر) ، انتهى (1).

ص: 213


1- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

بل لو قلنا بامتناع التبديل لبطلت المواعظ القرآنية ، والنصائح النبوية ، والتأديبات الشرعية ، وخلت الأوامر والنواهي من الثمرة ، كيف وقد قال الله تعالى : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (1).

وقال النبي صلى الله عليه وآله : «حسّنوا أخلاقكم» (2).

وقال صلى الله عليه وآله : «إنَّما بُعثت لأُتمّمَ مكارِمَ الأخلاق» (3).

ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وآله : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» (4) ؛ إذ المقصود أن الناس يتفاوتون في مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، وفيما يُذكر عنهم من المآثر على حسب الاستعداد ومقدار الشرف ، تفاوت المعادن : فيها الرديء والجيِّد. وكيف يُنكر إمكانه بالنسبة إلى الإنسان مع أنّا نشاهد التغيير في أخلاق البهائم وسائر الحيوانات الأهلية والوحشية ، مثل : كلاب الصيد ، وبعض الطيور ، بل وقسم من الخيل ، فإنَّ ذلك كلَّه من تغيير الخُلُق.

إذا عرفت ذلك فنقول : المراد من تکميل النفس في قوَّتها العملية أن تصدر منها الأفعال الإرادية محكمة متقنة ، أي على حسب ما تقتضيه القوَّة النظرية لا على مقتضى الشهوة والغضب ، حَتَّى تحصل في النفس الملكيَّة هيئة فاعلة بالنسبة إلى القوى البدنية ، والنفس السبعية والبهيمية إنَّما تتّصفان بالبدن بمقتضی إشارتها ، وتحصل أيضاً هيئة منفعلة في القوى البدنية تقبل إشارة النفس الملكيَّة بسهولة ، ولا تحصل منها الأفعال بمقتضى الغريزة والطبع.

ص: 214


1- سورة الشمس : آية 9 - 11.
2- أعيان الشيعة 1 : 301 باب حکمة القصيرة ، ولم أعثر عليها في الكتب الحديثية ، فلاحظ.
3- مكارم الأخلاق : 8.
4- بحار الأنوار 58 : 65.

فالرذائل : هي الآثار الحاصلة في النفس من الأخلاق المذمومة الناشئة من متابعة النفس الملكيَّة إلى النفس البهيمية والسَّبُعية ومطاوعتها لهما ، فهي تارة کالبهيمة المرسلة تأكل ما تجد وتشرب ما ترد ، وتارة كالسَّبُع يُؤذي ويفترس ، فهو وإن كان بصورة إنسان إلا أنه سبع أو بهيمة.

والفضائل : هي الآثار الحاصلة في النفس من الأخلاق المحمودة الناشئة من تسليط النفس الملكيَّة على النفسين البهيمية والسَّبُعية ، ومطاوعتهما لهما كما أشار إلى ذلك.

[74] - وقال رحمه الله : (وقهر القوَّتين الشهرية والغضبية) (1).

أقول : فلا بد من کسر هاتين القوَّتين بالسياسة البدنية ليكمل القوَّة الملكيَّة التي من شأنها أفعال الملائكة من العكوف على عبادة الله ، وملازمة طاعته ، وطلب الزلفى والقرب إليه.

قال الشيخ أبو علي بن مسکویه في كتابه (طهارة النفس) : (أجمع الحكماء على أن أجناس الفضائل أربع وهي : الحكمة ، والعفَّة ، والشجاعة ، والعدالة ؛ ولذلك لا يفتخر أحد ولا يباهي إلا بهذه الفضائل أو عليها ، فأمّا من افتخر بآبائه وأسلافه ؛ فلأنَّهم كانوا على بعض هذه الفضائل أو عليها كلّها).

ثُمَّ قال : (الحكمة هي فضيلة النفس الناطقة المميِّزة ، وهي أن تعلم الموجودات كلّها من حيث هي موجودة ، وإن شئت فقل أن تعلم الأُمور الإلهية ، والأُمور الإنسانية ، ويثمر علمها بذلك أن تعرف المفعولات أيُّها يجب أن يُفعل ، وأيّها يجب أن لا يُفعل.

ص: 215


1- معالم الدين : 14.

وأمّا العفَّة : فهي فضيلة الجزء الشهواني ، وظهور هذه الفضيلة في الإنسان يكون بأن يصرف شهواته بحسب الرأي ، أعني أن يوافق التمييز الصحيح حَتَّى لا يتنقاد لها ، ويصير بذلك حرّاً غير مستعيد بشیء من شهواته.

وأمّا الشجاعة : فهي فضيلة التنفس الغضبية ، وتظهر في الإنسان بحسن انقيادها للنفس الناطقة المميِّزة واستعمال ما يوجبه الرأي المحمود ، أعني أن لا يخاف من الأُمور المفزعة إذا كان فعلها جميلاً والصبر عليها محموداً.

وأمّا العدالة : فهي فضيلة في التنفس تحدث لها من اجتماع هذه الفضائل الثلاث التي عدَّدنا ، وذلك عند مسالمة هذه القوى بعضها لبعض ، واستسلامها للقوة المميِّزة ، حَتَّى لا تتغالب ولا تتحرَّك نحو مطلوباتها على رسوم طبائعها ، وتحدث للإنسان بها هيئة يختار بها أبداً الإنصاف من نفسه على نفسه أولاً ، ثُمَّ الإنصاف والانتصاف من غيره) ، انتهى (1).

وأمّا أجناس الرذائل التي هي أضداد الفضائل ، فهي وإن كانت في بادئ النظر أيضاً أربع كما قال الشيخ ابن مسکویه : وأضداد هذه الفضائل الأربع من الرذائل أيضاً أربع : الجهل ، والشَّره ، والجُبن ، والجور.

غير أنه بحسب النظر المستقصى أنَّ لكلّ فضيلة حدّاً ، والتجاوز عنه إلى طرف الأقراط والتفريط يتأدَّى إلى رذيلة (2).

قال المحقّق الطوسي رحمه الله في أخلاقه : (إنَّ كلّ قيد يعتبر في تحديد فضيلة ، فإهماله وجب رذيلة ، كما أن رعاية كلّ قيد لا يعتبر فيها يوجب تبديل الفضيلة إلى الرذيلة ، كالسَّفه والبله بازاء الحكمة ، والتهوَّر والجُبن بازاء الشجاعة ، والشَّره وخمود

ص: 216


1- طهارة النفس (مخطوط) لأحمد بن محمد بن يعقوب مسکویه (ت 421 ﻫ). (ينظر : الأعلام 1 : 211).
2- طهارة النفس (مخطوط).

الشهوة بإزاء العفَّة ، والظلم والانظلام بإزاء العدالة ، وفي كلّ واحد منها ، فالأول في جانب الإفراط ، والثاني في جانب التفريط ، فالسَّفهُ : هو استعمال قوة الفكر فيما لا يجب ، أو الزيادة على ما يجب ، وهو المراد من الجربزة.

والبله : تعطيل قوة الفكر بالإرادة ، لا ما كان بحسب الخلقة.

والتهوُّر : هو الإقدام على ما لا يحسن الإقدام عليه.

والجبن : هو الحذر ممَّا لا يُحمد الحذر منه.

والشَّره : هو الانغمار في اللَّذات زائداً على قدر الواجب.

والخمود : سكون الشهوة من طلب اللَّذات الضرورية المباحة بحسب الإرادة ، لا من حيث نقصان الخلقة.

والظلم : هو تحصيل أسباب المعاش من الوجوه الذميمة.

والانظلام ، ويُعبر عنه بالهضم ، وهو : تمكين الغير على النفس ، والتطأمن (1) له في الظلم ، وأخذ الأموال والأسباب منه بدون استحقاق).

ص: 217


1- طأمن الشيء : سکنه.

الحديث التاسع: طلبة العلم ثلاثة

اشارة

[75] - قال رحمه الله : وقد روينا بالطريق السابق وغيره ، عن محمّد بن یعقوب رحمه الله ، عن علي بن إبراهيم ، رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام.

حيلولة : وعن محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني به محمّد بن محمود أبو عبد الله القزويني ، عن عدّة من أصحابنا ، منهم جعفر بن أحمد الصيقل ، بقزوین ، عن أحمد بن عيسى العلوي ، عن عبّاد بن صهيب البصري ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «طلبةُ العلم ثلاثة ، فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للاستطالة والختل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب الجهل والمراء مؤذٍ ، ممارٍ ، متعرّض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم ، قَدْ تسربل بالخشوع ، وتخلّى من الورع ، فدقّ الله من هذا خيشومه ، وقطع منه حيزومه ، وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق ، يستطيل على مثله من أشباهه ، ويتواضع للأغنياء من دونه ، فهو لحلوانهم (1) هاضم ، ولدينهم حاطم ، فأعمى الله على هذا خبره ، وقطع من آثار العلماء أثره ، وصاحب الفقه والعقل ، ذو كآبة وحزن وسهر ، قَدْ تحنّك في برنسه ، وقام الليل في حندسه ، يعمل ويخشی ، وَجِلاً ، داعياً ، مُشفِقاً ، مُقبِلاً على شأنه ، عارفاً بأهل زمانه ، مستوحشاً من أوثق إخوانه ، فشدّ الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه» (2).

أقول : وشرح المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

ص: 218


1- في المصدر : (لحلوائهم) وسيأتي بيانها من المؤلف رحمه الله.
2- معالم الدين : 14 ، الكافي 1 : 49 ح 5.

والسند الأول مرفوع في الاصطلاح ، والثاني مجهول.

رواه الصدوق رحمه الله في (الأمالي) ، عن جعفر بن محمّد بن مسرور ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن محمّد بن زياد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عبَّاس ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، بأدنی تغییر (1).

ورواه أيضاً في (الخصال) ، عن محمّد بن موسى المتوكّل ، عن علي الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن سعيد بن علاقة ، عنه عليه السلام. (2)

ومرجع الضمير في (به) الحديث ، أي : حدّثني بهذا الحديث.

(وبقزوین) متعلق بقوله : حدّثني على الظاهر ، والغرض من ذكره هو الإشعار باهتمامه في ضبط الرواية ، والظاهر أن هذه العدّة غير العدّة التي يروي عنهم صاحب الكافي بلا واسطة.

(ويؤيِّده) أن جعفر بن أحمد الصيقل غیر داخل في عدّته ، وهو مجهول الحال.

[ترجمة أحمد بن عيسى العلوي]

وأمّا أحمد بن عيسى العلوي : ثقة من أصحاب العيّاشي (3).

ص: 219


1- أمالي الصدوق : 727 ح 99 / 9.
2- الخصال : 194 ح 269.
3- شرح اُصول الكافي 2 : 188.

[ترجمة عباد بن صهيب البصري]

وأمّا عبّاد بن صهيب البصري :

قال الكَشِّي : (إنه بتري) (1).

وقال النجاشي : (إنه ثقة) (2).

وقال الطريحي : (إنَّ عباداً مشترك بين جماعة لا حال لهم في التوثيق ما عدا ابن صهيب) (3).

الموضع الثاني

في شرح ما يتعلق بالمتن :

[أ] - «فاعرفهم بأعيانهم» : أي : المشاهدة الذوقية والمعاينة القلبية ، فإنَّ أصحاب القلوب الصافية ، وأرباب المشاهدات الذوقية ، قَدْ يعرفون خباثة ذات رجل بمجرد النظر إليه ، وإن لم يشاهدوا شيئاً من صفاته بالمشاهدات العينية.

[ب] - «وصفاتهم» : فإن خباثة صفاتهم مظهر لخباثة ذواتهم ، والغرض من هذه المعرفة هو التمييز ما بين المُحقّ والمُبطل ، والهادي والمُظلّ.

[ج] - «والمراء» : بكسر الميم : مصدر بمعنى المجادلة (4) ، والمراد ب-(الجهل) الاستخفاف والاستهزاء ؛ لأن ذلك شأن الجهّال.

[د] - «والاستطالة» : الترفُّع من الطَول بالفتح ، وهو الزيادة.

ص: 220


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 689 رقم 736.
2- رجال النجاشي 293 رقم 791.
3- جامع المقال : 75.
4- تاج العروس 20 : 183.

[ﻫ] - «والخَتل» : بفتح الخاء المعجمة ، والتاء المثناة من فوق : الخُدعة ، يقال : ختله يختله من باب ضرب إذا خدعه وراوغه (1) ، وختل الدنيا بالدين إذا طلبها بعمل الآخرة.

[و] - «وصنفٌ يطلبه للفقه والعقل» : يطلب العلم لتحصيل البصيرة الكاملة في الدين ، والتطلُّع إلى أحوال الآخرة ، وحقارة الدنيا ، ولتكمیل عقله الفطري.

ولمّا ذكر الأصناف الثلاثة وغاية مقاصدهم من طلب المال أراد أن يذكر جملة من أوصاف كل واحد منهم ليعرفوا بها فقال عليه السلام : «فصاحب الجهل والمِراء مؤذ ، ممار» ، أي : مؤذ لغيره لخبث باطنه ، وقدرته على التكلُّم بالأقوال الخشنة عند المباحثة ، والمحاورة في كيفية النزاع والجدل ، يريد بذلك الاستطالة والتفوّق على صاحبه ، أو لمجرد التذاذه بالغلبة كما هو دأب الأكثرين (2).

«والممار» اسم فاعل من (ماراه).

[ز] - «استطال عليه» : أي : تطاول وتفاخر.

[من أخلاق العلامة السيِّد رضا آل بحرالعلوم]

نقل جدّي العلّامة السيِّد آل بحر العلوم (طاب ثراه) (3) : (أنَّ يوماً من الأيام كان هو مع أخيه جدّي السيِّد علي آل بحر العلوم صاحب البرهان القاطع (طاب ثراه)

ص: 221


1- مجمع البحرين 1 : 621.
2- شرح اُصول الكافي 2 : 182.
3- غفل مؤلف الكتاب السيِّد جعفر بن محمّد باقر بن علي بن السیِّد رضا آل بحر العلوم رحمه الله عن ذكر اسم راوي الحكاية ، والراوي هو أحد أولاد السيِّد الرضا رحمه الله ، غير السيِّد علي رحمه الله ، والسيد الرضا رحمه الله انجب من الأولاد سبعة وهم : السيِّد جواد ، السيِّد حسين ، السيِّد عبد الحسين ، السيِّد علي - جدّ المؤلف المذكور في الحكاية - ، السيِّد كاظم ، السيِّد محمّد تقي ، السيِّد محمّد علي ، فيكون الراوي احد الستة الباقون.

بخدمة والدهما السيِّد رضا بحر العلوم (طاب ثراه) ، فأمرهما السيِّد والدهما المذكور بمصاحبتهما اله إلى عيادة شخص من أكابر بیوت العلم المعروفين بالنَّجف.

قال : وبالاتفاق لمّا دخلنا على صاحب الدار لم نجد في مجلسه من أهل العلم أحداً ، وكان الحاضرون كلهم من السواد السوقية ، فلمَّا استقر بنا الجلوس وأدّى كلٌّ منّا مع صاحبه الوظائف والرسوم العادية ، سأل الشيخ صاحب المنزل والدي عن مسألة فقهية وادّعى الاشتباه فيها على الأصحاب ، وأخذ يقرر إشكاله على الأصحاب لوالدي ، فلمَّا أتمّ كلامه أجابه والدي : بأنك مشتبه في فهم مرادهم ، وإن الإشكال غير وارد عليهم بعد فهم المراد ، وأخذ في بيان مرادهم بأحسن تقریر ، وأوفی بيان وتعبیر ، فلمَّا فرغ من الكلام لم يتقبل الشيخ منه ذلك وأخذ في التثبُّت بالمناقشات ، فكرَّر الوالد عليه الكلام بأوفى من المرة الأولى ، فلم يقنع الشيخ بذلك ، فکرَّر عليه الكلام ثالثاً وبالغ في الايضاح ، فلم يقنع الشيخ بذلك ، فسكت الوالد ولم يتكلَّم بعده بكلمة واحدة ، وحين رأي الشيخ من والدي ذلك قوي عزمه على الكلام وأخذ بإقامة ما عنده من البراهين على صحَّة ما ادّعاه من الغثّ والسمين ، والوالد ساكت لا يتكلَّم بحيث تحقَّق عند العام الحاضرين في ذلك المجلس تفوق الشيخ على السيِّد الوالد وإقحامه بما لا مزيد عليه.

قال : ونحن حاضرون وأدركنا ذلك المعنى من أهل المجلس ، وكنا نقدر على إعانة الوالد ومساعدته في الكلام وإقعاد كلمته على حسب الواقع والمرام ، ولكنّا تأدُّباً اللوالد ، وتوقيراً لصاحب المنزل سكتنا ، ولمّا قمنا وخرجنا من المنزل تقدم أخي السيِّد علي إلى جنب السيِّد الوالد رحمه الله وقال له : يا والدي ، ما الَّذي دعاك إلى السكوت عن إحقاق الحق وقمع الباطل حَتَّى فضحت نفسك ، وفضحت جدَّنا بحر العلوم ، بل وأسأت جعفر بن محمّد عليه السلام بهذا السكوت ، لِمَ سكتّ وأنت محقٌّ في کلامك؟ وبالغ في انزعاجه من تلك الحالة ، ولمّا سكن قال له والدي رحمه الله : مع العلم

ص: 222

بأن الطرف المقابل - يعني الشيخ - فهم كلامي ؛ لأنه ليس بتلك الدرجة من الغباوة بحيث لم يفهم ما قلته ، ولاسيَّما مع تكراري عليه ذلك مرّات ، فالمجادلة معه أكثر من ذلك ما هو إلا لأجل إقعاد الكلمة والالتذاذ بالغلبة ، وهو ممقوت عند صاحب الشرع).

(ولعمري) لتلك حالة لا توجد إلا عند الأوحدين من الناس ، ولاسيَّما بمحضر جماعة من العوام الَّذين هم كالأنعام ، ولا يعرفون الموازين العلمية للأشخاص إلّا بما يشاهدونه بأعينهم من المفاوضات والمكالمات ، ولكن ربَّما كان السكوت جواباً ، قال أبو العبَّاس الناشئ :

وإذا بُليتُ بِجاهلٍ مُتَحامِلٍ *** حَسِبَ (1) المَحالَ من الأُمورِ صَوابا

أوليتُهُ منِّي السكوتَ ورُبَّما *** كانَ السُكوتُ عنِ القبیحِ (2) جَوابا (3)

وقيل لبعض : (ما لكم لا تعاتبون الجهّال ليعلموا؟ فقال : إنّا لا نكلّف العُمْيَ بأن يبصروا ، ولا الصُمَّ بأن يسمعوا) (4).

وقال آخر : (ليس على العالم شيء أصعب ولا أتعب من جاهل يغالطه بالجهل إذا لم يكن عندَهُ عالم يفقه کلامه) (5).

ص: 223


1- في الوفيات : (يجد).
2- في الوفيات : (الجواب).
3- وفيات الأعيان 3 : 371 ، وانشده الإمام الرضا عليه السلام كما في عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 187 ويدل ذلك أنه لغير الناشئ الصغير المتوفی سنة 366 ﻫ، فلاحظ.
4- فيض القدير 2 : 22.
5- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

رجع

[ح] - «متعرّض للمقال» : لأن غرض إظهار التفوُّق والغلبة والتفاخُر والجاه ، ولا يحصل إلا بجلاله ومقاله.

[ط] - «في أندية الرجال» : الأندية ، جمع النادي وهو : مجلس القوم ما داموا مجتمعين فيه فإذا تفرقوا فليس بناد (1).

[ي] - «قد تسربل الخشوع» : السِّربال بالكسر : القميص ، وسربلته : أي ألبسته السربال - أعني القميص (2).

والخشوع : التذلُّل والخضوع ، يعني : أظهر الخشوع بالتشبُّه بالخاشعين ، والتزييّ بزيهم مع أنه خال من الورع اللازم للخشوع.

[مراتب الورع]

(واعلم أنّ الورع على مراتب :

الأول : ورع التائبين ، وهو ما يخرج به الإنسان عن الفسق ويوجب قبول شهادته.

الثاني : ورع الصالحين ، وهم ترك الشبهات خوفاً من سقوط المنزلة بارتكابها.

الثالثة : ورع المتَّقين ، وهم ترك الحلال الَّذي يُتخوَّف منه أن ينجرّ إلى الحرام ، كترك التكلُّم بأحوال الناس خوفاً من الوقوع في الغيبة.

الرابع : ورع السالكين ، وهم الإعراض عما سواه تعالی خوفاً من صرف ساعة من العمر فيما لا يفيد زيادة القرب منه) (3).

[ك] - «فدقَّ الله من هذا» ، أي من أجل عمله هذا العمل.

ص: 224


1- ينظر : لسان العرب 15 : 317 ، مادة (ن. د. ي).
2- الصحاح 5 : 1729.
3- بحار الأنوار 67 : 100.

[ل] - «خيشومه» : أي أعلى أنفه ، وهو كناية عن إذلاله وجعله خائباً خاسراً عمّا قصده من العمل.

[م] - «وقطع منه حيزومه» : الحَيزوم بفتح الحاء المهملة والياء المثناة من تحت ، والزاي المعجمة : وسط الصدر ، وفي القاموس : هو ما استدار من الظهر والبطن (1).

وكيف كان فهو أيضاً كناية عن إهلاکه واستيصاله بالمرَّة ، لقطع ما هو مناط الحياة.

[ن] - «ذو خِبّ ومَلَق» : الخب بكسر الخاء المعجمة والباء الموحدة المشددة ، مصدر بمعنى : الخدعة والغش (2).

والملق بالتحريك : اللُّطف الشديد ، والتودُّد فوق ما ينبغي باللسان من غير أن يكون له أثر في القلب (3).

[س] - «يستطيل على مثله» : من أشباهه أي على من يشابهه في رتبة العلم

والفضل.

[ع] - «ويتواضع للأغنياء من دونه» : أي ممَّن هو دونه في الرتبة والمنزلة ، والاستطالة على المماثل ، والتواضع للأدون من أقبح الأفعال ، ودليل على ركاكة الذات وشناعة الصفات.

ص: 225


1- القاموس المحيط 4 : 96.
2- مجمع البحرين 1 : 616 ، والخب بالفتح : الخداع ، وهو الجريز الَّذي يسعى بين الناس بالفساد. (ينظر : النهاية في غريب الحديث 2 : 4).
3- ينظر : العين 5 : 174 ، الصحاح 4 : 1556.

[ف] - «فهو الحلوانهم هاضم» : الحلوان هو الرشوة ، فكأن ما يأخذه منهم اُجرة لما يعمله ، وفي بعض النسخ لحلوائهم بالهمزة وهي الأطعمة اللَّذيذة.

[ص] - «ولدينه» : بإفراد الضمير كما هو المتَّفق عليه في نسخ الكافي.

[ق] - «حاطم» : أي كاسر ؛ لأنه باع دينه بدنياه ، بل بلقمة من مائدتهم تبعاً لقوَّة الشهوة ، فهو معط لهم فوق ما يأخذ منهم ؛ لأنه يأخذ منهم ما يطعمون ، ومعط إياهم من دينه ، فلا جرم كان عادماً لإيمانه ويقينه ، أو لأنه يحلّ لهم بفتواه ما يشتهون ، ويحطم دينه بما يُدهن فيدهنون.

وبناءً على ما في المتن من ضمير الجمع فله وجه ، فإن فعله ذلك يوجب تجرّيهم على الحرام ، واعطاءهم إيّاه بالرشوة عند ما يتوقعون منه ما يوافق طباعهم ، فهو حاطم لدينهم ، ثُمَّ دعا عليه بالاستیصال بحيث لم يبق له خبر ولا أثر.

[ر] - «عمي عليه الخبر» : أي خفي ، كناية عن عمى البصر.

[ش] - «وقطع من آثار العلماء أثره» : أي ما بقی من أثار علمه بين الناس ، فلا يُذكر به كما يُذكر به غيره في الدهور ، وتوجب اشتهاره وحسن ذكره ، وإنما دعا على الصنفين للحوق ضررهما على العلماء المحقّين ، أكثر من ضرر الكفّار المتمرِّدين.

[ت] - «وصاحب الفقه والعقل» : وهو الصنف الَّذي يطلب العلم لتکميل القوَّة النظرية والقوَّة العلمية والتخلُّق بالأخلاق الحسنة.

[ث] - «قد تحنّك في برنسه» : التحنُّك إدارة طرف العمامة تحت حنکه ، أي ما تحت ذقنه ، وفيه استحباب التحنُّك.

ص: 226

وقال المجلسي رحمه الله في (مرآة العقول) في شرح هذا الخبر (عند قوله : تحنُّك في برنسه) : (يومين إلى استحباب التحنُّك في الصلاة) (1).

وفيه ما فيه ، نعم ، يدل على ذلك من النصوص ما رواه صاحب العوالي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال صلى الله عليه وآله : «من صلّى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه» (2).

وعنه صلى الله عليه وآله : «من صلّی مقتطعاً (3) فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه» (4).

وفي (شرح المفاتيح) : (أن الأوّل مروي في العوالي في مكانين عن النبيّ صلى الله عليه وآله) (5).

ورواه عنه أيضاً في (المستدرکات) (6).

والثاني رواه مستقلاً فخر الإسلام في (شرح الإرشاد) (7) ، فلا دغدغة في ذلك.

(والبرنس) : قلنسوة طويلة ، كان يلبسها النُسَّاك في صدر الإسلام (8).

ص: 227


1- مرآة العقول 1 : 162.
2- يأتي تخريج الحديث.
3- (مقتطعاً) هي تصحيف (مقتعطاً) كما في مجمع البحرين 3 : 533 وهو : شدّ العمامة على الرأس من غير إدارة على الحنك.
4- يأتي تخريج الحديث.
5- شرح المفاتيح مخطوط لم أقف عليه ، وفي العوالي الحديثان موجودان في مكانين وليس الأول منه ، فلاحظ (ينظر : عوالي اللئالي 2 : 216 ح 6 للأول ، و 4 : 37 ح 128 للثاني).
6- مستدرك الوسائل 3 : 215 ح 3402 / 2.
7- عنه کشف اللثام 3 : 262 في لباس المصلي.
8- الصحاح 3 : 908.

أو كل ثوب رأسه منه [ملترق به ، من] (1) درّاعة كان أوجبّة أو ممطر ، معرَّب یوناني (2).

ويكفي في كراهة ترك التحنُّك أو السدل مطلقاً ولو في غير الصلاة المرسل أن الطبقية عِمة إبليس ؛ ولذا لم يتوقَّف أحد في كراهة عدم التحنُّك مطلقاً ، كما صرّح به جدّي صاحب البرهان (طاب ثراه) (3).

[خ] - «وجِلاً ، خائفاً» : من عدم قبول عمله ؛ لعلمه بأن الله إنَّما يتقبل أعمال المتَّقين ، ولعلَّه لا يكون منهم ، أو لعلمه بأنَّ المقبول إنَّما هو العمل الصالح ولا يعلم صلاح عمله ، أو يخاف من سوء الخاتمة وانقلاب العاقبة وعدم الاستمرار كما انعكست حالة كثير من العُبَّاد في آخر عمره.

[ذ] - «داعياً لقبول» : عمله وحسن عاقبته ومغفرة ذنوبه.

[ض] - «مشفقاً» : من عدم استجابته ، فإنَّ الدعاء أيضاً من جملة الأعمال التي لا تقبل إلا الصالح منها ، أو من أن يكون قَدْ صدر منه ما يحبس دعاءه ، كما قال عليه السلام في دعاء كميل : «اللهُمَّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء» (4).

وكما في الحديث : «أعوذ بك من الذنوب التي تردّ الدعاء» (5).

وهي كما جاءت به الرواية عن الصادق عليه السلام : «سوءُ النيَّة والسريرة ، أو ترك التصديق بالإجابة ، والنفاق مع الإخوان ، وتأخير الصلاة عن وقتها» (6).

ص: 228


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- النهاية في غريب الحديث 1 : 122.
3- البرهان القاطع : مخطوط لم أقف عليه.
4- دعاء کميل ورد في العديد من كتب الدعاء والزيارة ، ولا حاجة لذكرها.
5- ورد بهذا النص في مجمع البحرين 2 : 38.
6- مجمع البحرين 2 : 38.

[ظ] - «مقبلاً على شأنه» : أي على إصلاح نفسه ، وتهذيب باطنه بالتخلية من الرذائل ، والتحلية بالفضائل.

[غ] - «عارفاً» : بأهل زمانه وبحركاتهم ومقاصدهم بالمكاشفات القلبية والمشاهدات العينية.

[أب] - «مستوحشاً» : من أوثق إخوانه ؛ لعلمه بأن مخالطتهم تُميتُ القلب ، وتُفسد الدين ، فيختار الاعتزال عنهم ؛ لما فيه السلامة ، إذ قَدْ خُصّ بالبلاء من عرفته الناس ؛ ولذا ورد : «فُرَّ من الناس فرارَكَ مِنَ الأسدِ» (1).

وفي الشعر الفارسي :

دلا خو کن بتنهائي *** که از تنها بلا خيزد

سعادت آنکسي دارد *** که از مردم ببرهيزد

وإن شئت توسيع المخاض بأكثر من ذلك ، فنقول : لمّا عرفت أنه ليس الغرض من بعث الأنبياء إلا تهذيب الأخلاق البشرية ، كما قال سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله : «إنَّما بعثتُ لأتَمِّمَ مكارِمَ الأخلاق» (2).

فلا بد من مباشرة الأعمال الشرعية بصورة توجب التحلّي بالفضائل ، والتخلّي عن الرذائل ، وتسبِّب التحصّل للأخلاق الفاضلة ، وتبديل الملكات الرذيلة ، وهذا الأمر لا محال يتوقَّفُ على تنبُّهٍ کامل واطّلاع وافر على أحوال النفس ، والأُمور الباطنية ، وتقلُّبات القلب ، ودقائق آفات النفس ، ويحتاج إلى

ص: 229


1- شرح اُصول الكافي 2 : 187.
2- تقدم ذكره.

اهتمام عظيم في إيقاع العبادات على وجه الإخلاص المحض ، وخلوص النيَّة من جميع الشوائب ، والاهتمام بذلك كلّه ، وملاحظة هذه المعاني مع المعاشرة والمخالطة ، وارتكاب اللوازم والرسوم والعادات ، ومباشرة الأُمور الدنيوية مطلقاً متعسِّرٌ جداً ، بل يتعذَّر على أكثر النفوس.

فلا جرم أنَّ كثيراً من السالكين ، وعلماء الشريعة ، وحكماء الملَّة في كلّ زمان من الأزمان اختاروا العزلة ، وتقليل الخلطة بعد تحصيل العلوم اليقينية ، وحصول الملكات العلمية ، وتكميل القوَّة النظرية ، وكانوا يحثُّون تلاميذهم عليها ، وفي صدر السلف أيضاً كان شعار خلّص الصحابة وكمّل التابعين هو الانقطاع إلى الله ، والانفراد لجهة العبادة من غير تزيّ بزيٍّ خاص ، ولا تسمّ باسم مخصوص ، ولا وضع اصطلاح جدید.

قال مالك بن دينار : (من لم يأنس بمحادثة الله عن محادثة المخلوقين ، فقد قلّ علمه ، وعَمِيَ قلمه ، وضاع عمره) (1).

قيل لبعضهم : (من معك في الدار؟

قال : الله تعالى معي ، ولا يستوحش من أنس به) (2).

ووصف بعض العارفين صفة أهل المحبة الواصلين ، فقال : (جدّد لهم الودّ في كلّ طرفة بدوام الاتصال ، وآواهم (3) في كنفة بحقائق السكون إليه حَتَّى أنّت قلوبهم ، وحنّت أرواحهم شوقاً ، وكان الحبُّ والشوق منهم إشارة من الحق إليهم عن

ص: 230


1- شرح نهج البلاغة 10 : 43.
2- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
3- في الأصل : (واوهم) وما في المتن من استظهارنا حَتَّى يستقيم النص.

حقيقة التوحيد وهو الوجود بالله ، فذهبت مناهم ، وانقطعت آمالهم عنده ؛ لما بان منه لهم) (1).

[أج] - «فشدّ الله من هذا أركانه» : المشار إليه بهذا هو العالم الَّذي هو صاحب الفقه والعقل ، أي : ثبّت الله تعالى ، وأحكم غاية الإحكام أركانه الظاهرة ، أعني جوارحه وأعضاءه الباطنة من عقله وفهمه ودينه.

ص: 231


1- لم اهتد إلى مصدر هذا القول.

الحديث العاشر: منهومان لا يشبعان

اشارة

[76] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسی ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس ، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : منهومان لا يشبعان : طالب دنيا وطالب علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك ، إلا أن يتوب أو يراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ، ومن أراد به الدنيا فهي حظُّه» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

فيما يتعلق برجال السند :

ومرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة عُمَر بن أذينة]

أمّا عُمَر بن أذينة : هو ابن محمّد بن عبد الرحمن بن اُذينة ، بضم الهمزة ، وفتح الذال المعجمة ، وسكون الياء المنقطة تحتها نقطتين ، وفتح النون.

ذكره النجاشي في (الفهرست) وعدّ نسبه إلى عدنان ، ثُمَّ قال : (شيخ أصحابنا البصريين ووجههم ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام بمكاتبة (2) ، له كتاب (الفرائض)) (3).

وزاد في (الخلاصة) : (أنه كان ثقة صحيحاً).

ص: 232


1- معالم الدين : 15 ، الكافي 1 : 46 ح 1.
2- في رجال النجاشي : (بمکاتبه) ، وفي الخلاصة : (مکاتبة) ولعله الأصح ، فلاحظ.
3- رجال النجاشي : 283 رقم 752.

ثُمَّ قال : (قال الكَشِّي : قال حمدويه : سمعت أشياخي منهم العبيدي وغيره ، أنَّ ابن اُذينة كوفي ، وكان هرب من المهدي ، ومات باليمن ؛ فلذلك لم يروِ عنه كثير ، ويقال : اسمه محمّد بن عُمَر بن اُذينة ، غلب عليه اسم أبيه) (1).

وفي (المشتركات) : (ابن اُذينة ، الثقة ، روى عنه ابن أبي عمير ، وصفوان ، والحسن بن محمّد بن سماعة ، وحريز ، وأحمد بن ميثم ، وأحمد بن محمّد بن عيسی ، وأبوه ، وعثمان بن عيسی ، وجميل بن درَّاج ، وحمّاد بن عيسی) (2).

[ترجمة أبان بن أبي عياش]

(وأمّا أبان : فهو ابن أبي عياش - بالعين المهملة ، والشين المعجمة - واسم أبي عياش : فيروز - بالفاء المفتوحة ، والياء المنقطة تحتها نقطتين الساكنة وبعدها راء ، وبعد الواو زاي - تابعي ضعيف ، روى عن أنس بن مالك ، وروي عن علي بن الحسين عليهما السلام ، لا يُلتفت إليه ، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه) (3).

وفي (الخلاصة) : (الأقوى عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لشهادة ابن الغضائري عليه بالضعف) (4).

وقال الشيخ في رجاله : (إنه ضعيف) (5).

وحكم بتضعيفه خالنا المجلسي رحمه الله في (الوجيزة) (6).

ص: 233


1- خلاصة الأقوال : 211 رقم 2 ، اختيار معرفة الرجال 2 : 626 رقم 612.
2- هداية المحدثين : 123.
3- خلاصة الأقوال : 325 رقم 2 ، شرح اُصول الكافي 2 : 307.
4- خلاصة الأقوال : 325 رقم 2 ، رجال ابن الغضائري : 36 رقم 1.
5- رجال الطوسی : 136 رقم 1264 / 36.
6- الوجيزة في الرجال : 11 رقم 5.

ولم يتعرَّض لذكره صاحب (البُلغة) ؛ بناءً على ما بنى عليه من إسقاط المجاهيل والضعفاء.

[ترجمة سليم بن قيس]

وأمّا سُلیم بن قيس : فقد صرّح السيِّد الداماد بأنه صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ومن خواصّه ، روی عن السبطين والسجاد والباقر والصادق عليهم السلام وهو من الأولياء ، والحقّ فيه - وفاقاً للعلّامة وغيره من وجوه الأصحاب - تعديلُهُ (1).

وقال ابن شهر آشوب : (سُليم بن قيس الهلالي صاحب الأحاديث ، له كتاب) (2).

وقال ابن طاووس : (تضمّن الكتاب ما يشهد بشكره [وصحَّة كتابه]) ، انتهى (3).

وقال المجلسي : (وكتاب سُليم بن قيس في غاية الاشتهار ، وقد طعن فيه جماعة ، والحق أنه من الأُصول المعتبرة) (4).

وفي موضع من البحار - أظنُّه في كتاب الغيبة - عدّه من الثقات العظام (5).

ص: 234


1- نسبه أبو علي الحائري في منتهى المقال إلى السيِّد الداماد في رواشحه ، ولم أعثر عليه في الرواشح السماوية ، وذكره المازندراني في شرح اُصول الكافي 2 : 307 عن بعض المحدثين من أصحابنا ، ولم يصرّح رحمه الله بأنه للسيد الداماد ، فلاحظ. وينظر : خلاصة الأقوال : 161 رقم 1 ، منتهى المقال 3 : 382.
2- معالم العلماء : 93 رقم 390.
3- التحرير الطاووسي : 252 رقم 180 وما بين المعقوفين من المصدر.
4- بحار الأنوار 1 : 32.
5- قال النعماني : (وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمّة عليهم السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأُصول التي رواها أهل العلم ومن حملة حديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها ، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنما هو من رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وسمع منهما ، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ويعول عليها). (غيبة النعماني : 103). وقال عنه في موضع من بحار الأنوار 30 : 134 ما نصّه : (والحق أن بمثل هذا لا يمكن القدح في كتاب معروف بين المحدّثين اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما من القدماء ، وأكثر أخباره مطابقة لما رُوى بالأسانيد الصحيحة في الأُصول المعتبرة).

وقال الشيخ أبو علي : (ولقد طعن فيه الغضائري ، ولو حَكَمْنا بالطَّمْنِ لِطَعنهِ ، لَمّا سَلِمَ جليلٌ مِنَ الطَّعن) (1).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

ذُكر هذا الحديث في الكافي في باب (المستأكل بعلمه والمباهي به) (2) ، والمراد بالمستأكل من يتخذ علمه رأس مال يأكل منه ويتوسَّع به في معاشه ، يقال : فلان ذو أكل ، إذا كان ذا حظّ من الدنيا ورزق واسع ، والمأكل : الكسب.

قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : «ويحك يا أبا الربيع [لا تطلبنّ الرئاسة ، ولا تكن ذئباً ، و] لا تأكل بنا الناس ، فيفقرك الله» (3).

نهاه أن يجعل العلوم الشرعية التي أخذها منهم عليهم السلام آلة الأكل والأموال ، كما هو شأن قضاة الجور ، وأوعده بأن الله يفقره في الدنيا بتفويت المال ونقص العيش.

والحديث : مروي في التهذيب أيضاً (4).

[أ] - «والمنهوم» : من النَّهَم ، بالتحريك ، وهو إفراط الشهوة في الطعام (5).

ص: 235


1- منتهى المقال 3 : 382.
2- الكافي 1 : 46 وفيه ستة أحاديث.
3- الكافي 2 : 398 ح 6 ، وما بين المعقوفين من المصدر
4- تهذيب الأحكام 6 : 328 ح 906 / 27.
5- لسان العرب 12 : 593.

وليس فيه دلالة على ذمّ الحرص في تحصيل العلم حَتَّى يُحمل على أن المراد من العلم هو غير علم الآخرة ، بل المقصود أن (أنه - ظ) خاصية الدنيا والعلم (1) ذلك ، يعني : مَنْ ذاق طعم حلاوة العلم ، وحلاوة الدنيا لم يشبع منهما ، (أمّا الدنيا) فكلَّما تناول مرتبة من مراتبها حثَّهُ الحرص وطول الأمل إلى تناول ما فوق ذلك ، ولا يكاد يقنع بمرتبة من مراتب الدنيا ، فهو في ألم من تلك الأحوال حَتَّى يموت.

[ب] - «وأمّا طالب العلم» : فلأنَّ ساحة العلوم أوسع من أن يحوم حولها عقل أحد من أفراد البشر ، قال تعالى : ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (2).

[ج] - «فمَنِ اقتصَرَ مِنَ الدُّنيا على ما أحَلًّ اللهَ لَهُ سَلِم» : أي وإن كان كثيراً في غاية الكثرة ، وكان فيه شهوة وميل إليها كما هو مقتضى العموم المستفاد من الموصول ؛ ولأنَّ جمع الدنيا من مَمَرّ الحلال حلال لا عقوبة فيه وإن بلغ ما بلغ ، ما لم يؤدِّ إلى حد الغرور ، وقطع علائق التوكُّل على الله تعالى ، والاستيثاق بما عنده من المال.

[د] - «إلا أن يتوب» : إلى الله تعالى بأن يندم على ما فعل فيما سبق ، ويعزم على الترك فيما يأتي ، أو يراجع من ظلمه ويرضيه.

وظاهر الحديث : أن كلّا من التوبة والمراجعة ناج (منجٍ - ظ) من العقاب ، وهو مشکل مع اشتغال الذمَّة بمال الناس المتناول له من غير حلّه ، فأمّا أن يجعل

ص: 236


1- كذا والجملة غير مستقيمة ، إلا إذا قلنا : (خاصية الدنيا بالعلم).
2- سورة يوسف : من آية 76.

(أو) : بمعنى الواو للتفسير ، كما هو مذهب الكوفيين ، وابن مالك ، والأخفش ، والجرمي ، واختاره ابن هشام في المغني (1).

أو للإضراب كما قال ابن مالك :

خَيَّر ، أبِحُ ، قَسِّمْ بِأَوْ وأبْهِمِ *** وَاشْكُكْ وإضرابٌ بِها أيضاً نُمِي

والفرق بين الإباحة والتخيير جواز الجمع في تلك دونه ، واحتجوا له بقول توبة :

وقد زَعَمَتْ ليلى بِأنِّيَ فاجِرٌ *** نَفسي تُقاها أو عَلَيْها فُجُورها (2)

وله شواهد أخر.

(أو) : يجعل التوبة علاجاً لما وقع منه من الظلم في حق نفسه من غير تعلُّق بحقّ الغير ، والمراجعة علاجاً لما وقع منه من الاغتصاب لحق الغير ، فإن ذلك لا يرفع إلا مع إرضاء صاحب الحقّ.

ويحتمل تخصيص التوبة بما إذا لم يقدر على رد المال الحرام إلى صاحبه والمراجعة بما قدر عليه.

[ﻫ] - «ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا» : أهل العلم هم النبي صلى الله عليه وآله والأئمّة المعصومون ، والعلماء التابعون لهم ، يعني : من أخذ العلم منهم وعمل بما يقتضيه علمه نجا من العقوبات الأُخروية ، ومن كل ما يمنعه عن

ص: 237


1- لم يذکر ابن هشام معنى التفسير كما لم يذكره غيره ، وإنما قال : (والخامس - أي من معاني (أو) - : الجمع المطلق كالواو ، قاله الكوفيون والأخفش والجرمي ...) ثُمَّ استغرب بعدها من ذهاب ابن مالك إلى هذا الرأي أيضاً واعترض عليه. (ينظر : المغني 1 : 63).
2- البيت لتوبة من الحمير. (ينظر : أمالي القالي 1 : 131 ، خزانة الأدب 11 : 68).

التقرُّب إلى الله تعالی ؛ إذ اللازم لطريقتهم لاحق بهم لا محالة ، بل منهم ، كما ورد : «إنَّ سلمان منَّا أهلَ البيت» (1).

ولا شك أن طريقتهم هي الطريقة الحقَّة التي لا يشوبها أدنی رائحة الباطل ، كما قال صلى الله عليه وآله : «الحق مع علي وهو مع الحق ، أينما دار» (2).

وقال صلى الله عليه وآله : «اللهُمَّ أدر الحق معه أينما دار» (3) ، رواه العامَّة في صحاحهم ، وذكروا في ذلك خمسة عشر حديثاً ، ومن جملة من رواه ، إمام الحرمين في الجمع بين الصّحاح السَّتة) في الجزء الثالث منه ، والزمخشري في ربيع الأبرار (4).

وقال ابن أبي الحديد في شرحه عند قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إن الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على من سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم» :

(فإن قلت : إنَّك شرحت هذا الكتاب على مذهب المعتزلة ، فما قولك في هذا الكلام ، وهو تصريح بأن الإمامة لا تصلح من قريش إلا في بني هاشم خاصَّة ، وليس ذلك بمذهب المعتزلة.

قلت : هذا الموضع مشکل ، ولي فيه نظر ، وإن صحّ أن علياً عليه السلام قال ذلك ، قلت : كما قال ؛ لأنه ثبت عندي أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «إنه مع الحق وإن الحق يدور معه

ص: 238


1- عیون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 70.
2- ذكر المؤلفين رحمه الله الحديث بالمعنى ونصّه : «علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيثما دار». (شرح نهج البلاغة 18 : 72).
3- ذكر المؤلف رحمه الله الحديث بالمعنى ونصّه : «اللهمّ أدر الحق مع على حيث دار». (خصائص الوحي المبین 31).
4- ينظر : مصادر هذا الحديث الشريف من كتب أهل السنة في كتاب الغدير 3 : 176 - 179 ، فإن مؤلفه رحمه الله كفانا مؤونة ذلك ، فجزاه الله عن كتابه هذا وغيره ألف خير.

حيثما دار» ، ويمكن أن يتأول ويطبّق على مذهب المعتزلة ، فيحمل على أن المراد به كمال الإمامة ، كما حُمل قوله صلى الله عليه وآله : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» على نفي الكمال ، لا على نفي الصحَّة) ، انتهى (1).

وأنت خير بأن نفي الصحَّة أقرب إلى المعنى الحقيقي من نفي الكمال كما حُقّق في محلّه ، ويدل على صحَّة قوله صلى الله عليه وآله ما رواه ابن حجر في (الصواعق) أنه خرّج مسلم والترمذي وغيرهما عن وائلة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «إنّ الله اصطفی كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم» (2).

وأصرح من ذلك كلّه ما نقله أبو العبَّاس القلقشندي المصري الشافعي في كتابه (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) : (أنهم يعني أصحابه الشافعية نصّوا على أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش).

راجع الفصل الأول من مقدمة الكتاب المزبور (3).

[و] - «من أراد به الدنيا فهي حظه» : يعني من أراد بعلمه التوسل إلى زخارق الدنيا ، والتقرَّب إلى الملوك والسلاطين ، وجلب المال من الفاسقين ، والسوق على العالمين ، ذلك حظه وثمرة علمه وماله في الآخرة من نصيب ، قال الله تعالی : ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ (4).

ص: 239


1- شرح نهج البلاغة 9 : 87.
2- الصواعق المحرقة : 188 ح 31.
3- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب : 7.
4- سورة الشوری : 20.

الحديث الحادي عشر: الحديث لمنفعة الدنيا

اشارة

[77] - قال رحمه الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّی بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من أراد الحديث لمنفعة الدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب ، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

ومرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة معلی بن محمّد]

ومعلّی بن محمّد : هو أبو الحسن البصري.

قال في (الخلاصة) : (وهو مضطرب الحديث والمذهب ، ونقل عن ابن الغضائري : أنه يعرف حديثُه وينكر ، وأنه يروي عن الضعفاء ، وأنه يجوّز أن يخرج شاهداً) (2).

وقال في (التعليقة) : (قال جدّي رحمه الله : لم نطّلع على خبر يدلُّ على اضطرابه في الحديث والمذهب كما ذكره بعض الأصحاب) ، انتهى (3).

ولم يذكره صاحب (البُلغة) ، وقال في حاشية له على هذا المقام ما لفظه : (لم نذكر معلّی بن محمّد البصري ؛ لأنه ضعيف مضطرب.

ص: 240


1- معالم الدين : 16 ، الكافي 1 : 46 ح 2.
2- خلاصة الأقوال : 409 رقم 2 ، رجال ابن الغضائري : 96 رقم 141 / 26.
3- تعليقة البهبهاني على منهج المقال : 329.

قال المعاصر المجلسي في وجيزته ، بعد تضعیفه : ولعلَّه لا يضرّ في السند ؛ لكونه من مشايخ الإجازة ، انتهى.

وفيه نظر ؛ إذ الظاهر عدم انتظام هذا في هذا السلك كما بيَّناه في المعراج وغيره) ، انتهى (1).

فالأقوى: كونه ضعيفا.

[ترجمة الحسن بن علي الوشّا]

وأمّا الحسن بن علي الوشّا : هو ابن زياد الحسن بن علي الهمداني ، أبو محمّد.

قال الشيخ رحمه الله في (التهذيب) في باب (الوصية لأهل الضلال) : (إنّه مطعون) (2).

وفي (الوجيزة) : (إنه ضعيف) (3).

قلت : والأقوى عندي توثيقه لأُمور :

الأول : رواية ابن أبي عمير عنه ، كما صرّح به في (التعليقة) (4).

الثاني : رواية الأجلاء عنه مثل : يعقوب بن زيد (5) ، وأحمد بن محمّد بن عيسی (6) ، والحسين بن سعيد (7) ، وإبراهيم بن هاشم القمِّي (8) ، واحتياط القمِّيين في هذا الباب معروف.

ص: 241


1- لم أعثر عليه في بلغة المحدثين ، الوجيزة في الرجال : 181 رقم 1923.
2- تهذيب الأحكام 9 : 204 ح 812 / 9.
3- الوجيزة في الرجال : 58 رقم 518.
4- تعليقة البهبهاني على منهج المقال : 104.
5- رجال النجاشي : 40 رقم 80.
6- رجال النجاشي : 39 رقم 80 ، والفهرست للطوسي : 54 رقم 192.
7- تهذيب الأحكام 8 : 292 ح 1080.
8- من لا یحضره الفقيه 4 : 83 من المشيخة.

الثالث : ما قاله النجاشي في حقّه ، من أنه كان من وجوه هذه الطائفة (1) ، وربّما يُفهم من هذه العبارة فوق الوثاقة.

قال المحقِّق السيِّد الكاظمي رحمه الله في عدّته ، في ذكر جملة ما يُفهم منه التوثيق : (وكذا قولهم عين من عيون هذه الطائفة ، ووجه من وجوهها) ، انتهى (2).

وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في رسالة (وصول الأخيار) : (وأمّا نحو شيخ الطائفة ، وعمدتها ، ووجهها ، ورئيسها ، ونحو ذلك ، فقد استعمله أصحابنا فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته ، إيماءً إلى أنَّ التوثيق دون مرتبته) (3).

وهو صريح منه في كونه من ألفاظ التوثيق وأنه أمر مسلّم.

الرابع : قول النجاشي فيه أيضاً : (وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة) (4) ، ووجه الدلالة كسابقه.

الخامس : كونه من مشايخ الإجازة كما صرّح به الأُستاذ الأكبر (5) ، وتلميذه جدّي العلّامة في (التعليقة) وفي (شرح الوافية) (6).

السادس : حكم جماعة من الفقهاء بصحَّة طرق هو فيها ، منهم العلّامة (7) ،

وفي كتاب التدبير من (المسالك) عند ذكر رواية عنه :

ص: 242


1- رجال النجاشي : 39 رقم 80.
2- عدة الرجال 1 : 19.
3- وصول الأخيار 192.
4- رجال النجاشي : 39 رقم 80.
5- تعليقة البهبهاني على منهج المقال : 104.
6- شرح الوافية للعلامة السيِّد محمّد مهمدي بحر العلوم قدس سره ، مخلوط في مكتبة السيِّد محمّد صادق بحر العلوم رحمه الله ونسخته تقع رقم 43.
7- خلاصة الأقوال : 441 من الفائدة الثامنة.

(أنَّ الأصحاب ذكروها في الصّحاح) (1).

وفي (شرح اللمعة) وصف حديثه بالصحَّة (2).

السابع : إن عمدة ما يُطعن به ، الوقف على [الإمام] (3) الكاظم عليه السلام ، ولكن من المحقِّق أنه رجع عن ذلك الاعتقاد في جملة من رجع ، وكانت عثرته في أول شبابه ، كما هو مذكور في غيبة الطوسي (4). (5)

[ترجمة أحمد بن عائذ]

وأمّا أحمد فهو : ابن عائذ بن حبيب - وما في (الخلاصة) : أبو حبيب ، اشتباه (6) - الأحمسي البجلي.

قال النجاشي : (هو مولی ، ثقة ، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرَّم ، وأخذ عنه وعُرف به ، وكان خلّالاً (7)) (8).

وقال في (المشتركات) : (ابن عائذ الثقة ، روى عنه علي بن الحسين بن عمر الخزّاز ، وهو عن أبي خديجة سالم بن مُكَرَّم) (9).

ص: 243


1- مسالك الأفهام 2 : 111.
2- شرح اللمعة 5 : 344.
3- ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنی.
4- الغيبة للطوسي : 72 ح 77.
5- قَدْ تعرض لسرد هذه الأقوال العلّامة الشيخ النوري قدس سره في خاتمة المستدرك 4 : 46 - 51 رقم 17 ، فلاحظ.
6- خلاصة الأقوال : 68 رقم 28.
7- في الأصل : (حلالاً) وما أثبتناه من المصدر ومعناه يبيع الخل ، والحلال هو الَّذي يبيع الحلّ ، والحلّ هو دهن السمسم.
8- رجال النجاشي : 98 رقم 246.
9- هداية المحدثین : 14.

[ترجمة سالم بن مكرم]

وأمّا أبو خديجة : فاسمه سالم بن مکرم الجمَّال.

قال الشيخ : (هو ضعيف) (1).

وقال في موضع آخر : (هو ثقة) ؛ ولذا قال العلّامة في (الخلاصة) : (والوجه عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لتعارض الأقوال فيه) (2).

وكذلك توقَّف فيه ابن طاووس (3) ، ولكنَّ الأقوى عندي كونه من الثقات ؛ القول النجاشي فيه : (إنّه ثقة ، ثقة) (4).

وذكره صاحب (الحاوي) في قسم الثقات ، وقال : (الأرجح عدالته ؛ لتساقط قولي الشيخ وتكافئهما) (5).

فیبقی توثيق النجاشي ، وشهادة علي بن فضَّال له بالصلاح.

وفي (المشتركات) : (أبو خديجة بن مكرم الثقة ، روى عنه الحسن بن علي بن الوشا ، وأحمد بن عائذ) ، انتهى (6).

ص: 244


1- رجال الطوسي : 141 رقم 337 / 2 ، وقال الشيخ جواد القيومي في هامش ص 355 من خلاصة الأقوال المطبوع بتحقيقه ما نصّه : (ضعّفه الشيخ في فهرسه : 79 ، الرقم : 327 ، ولم نجد توثيقه في موضع ، عنونه الكَشِّي في رجاله : 352 ، الرقم : 661 ، والنجاشي في رجاله : 188 ، الرقم : 501. والظاهر أن سالم بن مكرم موثق ، وتوثيق النجاشي ومدح ابن فضال إياه بلا معارض ، وتضعيف الشيخ ؛ لتوهمه أن سالم بن مكرم متّحد مع سالم بن أبي سلمة ، والتضعيف في الحقيقة راجع إلى سالم بن أبي سلمة) ، راجع معجم الرجال 8 : 25.
2- خلاصة الأقوال : 354 رقم 2.
3- التحرير الطاروسي : 273 رقم 90.
4- رجال النجاشي : 188 رقم 501.
5- حاوي الأقوال 1 : 23 ، رقم 315.
6- هداية المحدثین : 69.

ولعلَّه من أجل ذلك كلّه حكم العلّامة في (المختلف) بصحَّة روايته في كتاب الخمس (1).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] - «لم يكن له في الآخرة من نصيب» : هذا الفصل بيِّنٌ في نفسه لا يحتاج إلى شرح ؛ لأن من بدل بسوء اختياره النعيم الباقي بالنعيم الفاني الزائل ، فلا جرم إن صار بتلك المعاملة محجوباً عن مشاهدة الأنوار ، محروماً من الفوز بما فاز فيه الأحرار الأخيار.

ص: 245


1- مختلف الشيعة 3 : 341.

الحديث الثاني عشر: العالم المحب للدنيا

اشارة

[78] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه ؛ فاتَّهموه على دينكم ، فإن كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ».

وقال صلى الله عليه وآله : «أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبَّتي ، فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنَّ أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة القاسم بن محمّد الأصبهاني]

فالقاسم ، هو : ابن محمّد الأصبهاني القمِّي ، المعروف بكاسولا.

قال النجاشي : (لم يكن بالمرضي) (2) ، ومثله في (الخلاصة) (3) ، وقال الغضائري : (إنه يُكنى أبا محمّد ، حديثه يعرف تارة وينكر اُخرى ، ويجوز أن يخرج شاهداً) (4).

وقال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ضعيف) (5).

ص: 246


1- معالم الدين : 16 ، الكافي 1 : 46 ح 4.
2- رجال النجاشي : 315 رقم 863.
3- خلاصة الأقوال : 389 رقم 5.
4- رجال ابن الغضائري : 86 رقم 113 / 2.
5- الوجيزة في الرجال : 141 رقم 1460.

وأسقطه في (البلغة) بناءً على ما التزم فيها من حذف الضعفاء ، والعجب من العلّامة في (الخلاصة) ؛ إذ حكم بصحَّة طريق الصدوق إلى سليمان المنقري (1) ، وهو فيه مع ما عرفت من أنه ليس بالمرضيّ عنده.

وكيف كان فالحديث ضعيف ، كما جزم به المجلسي في (مرآة العقول) (2) ، نعم ، يحتمل أن يكون القاسم الواقع في السند هو : ابن محمّد الخلقاني الكوفي ، وهو من الممدوحين كما صرّح به في (الوجيزة) (3).

[ترجمة سليمان بن داود المنقري]

وأمّا المنقري ، فهو : سليمان بن داود المنقري ، أبو أيوب الشاذكوني ، بصري.

قال النجاشي : (ليس بالمتحقّق بنا (4) ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمّد عليه السلام ، وكان ثقة ، له کتاب) ، انتهى (5).

وقال العلّامة في كتاب (إيضاح الاشتباه) : (سليمان - بالياء بعد اللام - بن داود المِنْقَريّ : بكسر الميم ، وإسكان النون ، وفتح القاف والراء ، أبو أيوب الشاذکوني : الشين المعجمة ، والذال المعجمة ، والكاف ، والنون بعد الواو ، بصري : بالباء ، ليس

ص: 247


1- خلاصة الأقوال :435 ضمن الفائدة الثامنة.
2- لم أعثر على الحديث في مرآة العقول ، ولكن مؤلفه رحمه الله ضعّف حديثاً ورد فيه الأصبهاني ، فلاحظ : (مرآة العقول 24 : 345).
3- الوجيزة في الرجال : 141 رقم 1465.
4- في الأصل : (منا) وما أثبتناه من المصدر ، والظاهر أنها تصحيف : (لنا) ، فلاحظ.
5- رجال النجاشي : 184 رقم 488.

بالمتحقّق لنا ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب الصادق عليه السلام ، وكان ثقة) (1).

فما في (الخلاصة) من أنه من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ، فالظاهر أن كلمة (أبي) زائدة ؛ لما عرفت من عبارة النجاشي والتوضيح (2).

وذكره في (الحاوي) مع ما هو المعروف من طريقته في الموثَّقين (3) ، وبالجملة فتضعيف الغضائري (4) ضعيف لو انفرد ، فكيف إذا عارضه توثيق النجاشي.

[ترجمة حفص بن غياث القاضي]

وأمّا حفص ، فهو : ابن غياث القاضي.

ذكر الشيخ في (الفهرست) : (أنه عامِّي المذهب ، له کتاب معتمد) (5). ومثله في (الخلاصة) (6).

وقال الميرزا محمّد في (رجاله الكبير) : (وربّما جعل ذلك مقام التوثيق من أصحابنا) (7).

ص: 248


1- إيضاح الاشتباه : 195 رقم 312.
2- خلاصة الأقرال : 352 رقم 3.
3- حاوي الأقوال 3 : 204 رقم 1156.
4- رجال ابن الغضائري : 65 رقم 58 / 4.
5- الفهرست للطوسي : 116 رقم 242 / 1.
6- خلاصة الأقوال : 340 رقم 1.
7- منهج المقال : 120.

وقال الشيخ في (عدّته الأُصولية) : (عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث ابن كلوب ، ونوح بن دراج ، والسكوني ، وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه ، ولم يكن عندهم خلافُه) (1).

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] - «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه» : بسبب ميله إليها ، ووثوقه بها ، والاهتمام بشأنها بحيث يجزع من فوتها منه ، ويبتش مع إقبالها عليه.

[ب] - «فاتَّهِموه على دينكم» : أي اجعلوه متَّهَماً على الدين الَّذي أنتم عليه ، وبعيداً عن اليقين ، فإنَّ من كان ناظراً إلى الدنيا وزخارفها ، مائلاً عن الآخرة وذخائرها ، لا يكون على وثوق من أمر الآخرة ، فإنَّ الدنيا والآخرة ككفَّتي الميزان ، متی رجح أحدهما نقص الآخر ، ولا يمكن الجمع بينهما.

[ج] - «فإنَّ كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ» : أي يكلأ ويرعى ما أحبّ ويعرض عما سواه ، كما قال أمير المؤمنين : عليه السلام : «فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها» (2).

فهذا العالم أيضاً متّهم في الدين ؛ إذ لا يجتمع الحُبّان : حبُّ الدّنيا والدّین في جوف واحد ، فمن كان محبّاً للدنيا لا محالة يكون كارهاً للدين ؛ فلذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة» (3).

ص: 249


1- عدة الأُصول 1 : 149.
2- نهج البلاغة 4 : 23.
3- التحصين لابن فهد الحلي : 27 ح 43.

وبالجملة فمثل هذا العالم خارج عن زمرة العلماء الَّذين قال الله تعالى فيهم : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (1) ولا يليق بالاحترام ، ولا بجلوسه مجلس النيابة ، بل ولا يجوز مجالسته ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «قالت الحواريون لعيسى : يا روح الله ، مَنْ نُجالس قال : مَنْ يذكركم اللهَ رؤيتُه ، ويزيد في علمِكُم منطقُه ، ويرغّبُكُم في الآخرة علمه» (2). فمن كان منهم محبّاً لدنياه لا ينبغي ملازمته ؛ لأنه يزيّن زينة الدنيا لجلسائه قولاً وفعلاً ، ويتصرف في صدورهم تصرفاً تامّاً ، ويقربه قول أمير المؤمنين عليه السلام : «لا ترفعوا من رفعته الدنيا» (3) وذلك لأنَّ من رفعته الدنيا وأهلها لمّا كان عادلاً عن التقوى ، كان الميل إليه واحترامه ومحبَّته ومجالسته يستلزم المحبَّة للدنيا والميل إليها ، فكان منهياً عنه ، وعدم توقيره ومجالسته زهداً في الدنيا وفي أهلها ، وهو من التقوى ، فكان مأموراً به.

ويؤيده أيضاً قوله عليه السلام في خطبة نهج البلاغة : «لا يُقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتَّبع المطامع» (4).

والمُصانع من يستعمل الرشوة ، والمضارع من يتضرَّع - أي : يطلب الحاجة - ، ومن كان محباً للدنيا لا بد وأن يكون المعروف عنده ما عرفه ، لا ما دلّ الدليل على كونه معروفاً وحقّاً ، وكذلك المنكر عنده ما أنكره ، بل ليس عنده أنكر من المعروف ؛ وذلك أنه لمّا خالف غرضه ومقصده طرحه حَتَّى صار عنده منكراً يُستقبح فعله ، ولا أعرف من المنكر لموافقته لغرضه ومحبَّته له ، ولذلك لا يستشير

ص: 250


1- سورة فاطر : من آية 28.
2- الكافي 1 : 39 ح 3.
3- نهج البلاغة 2 : 135.
4- نهج البلاغة 4 : 26 ح 110.

من عالم أعلم منه ، ولا يستغني فقيهاً أفقه منه ، فتصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعجّ منه المواريث مع أنه ممَّا خاطب الله به عيسی عليه السلام أن قال له : «يا عيسی ، أطب الكلام - أي تكلَّم بما ينفع ولا يضر - وكن حيث ما كنت عالماً متعلّماً» (1).

ودلّ على ذلك قوله تعالى : ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (2) ، ودلّ عليه حكاية موسی عليه السلام مع الخضر عليه السلام (3) ، بل أمر اللهُ بذلك سيِّدَ المُرسلين بقوله : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (4).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا خير في الصمت عن العلم ، كما لا خير في الكلام عن الجهل» (5).

وما أحسن قول بعض الأعراب لولده : (كن مستمعاً جالساً ، أو ذئباً خالساً ، أو كلباً حارساً ، وإيَّاك أن تكون إنساناً ناقصاً) (6).

وقيل لابن مسعود : (بمَ وجدت هذا العلم؟ قال : بلسان سَؤول ، وقلب عَقول) (7).

وقال بعضهم : (سل مسألة الحمقى ، واحفظ حفظ الأكياس) (8).

ص: 251


1- الكافي 8 : 137.
2- سورة يوسف : من آية 76.
3- تعرض القرآن الكريم لحكايتهما في سورة الكهف.
4- سورة طه : 114.
5- تفسير الرازي 2 : 181.
6- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
7- تفسير الرازي 2 : 180.
8- تفسير الرازي 2 : 181.

وبالجملة فربّما يكون قصور العلم من التصدي للرئاسة قبل أوانها ، والتصدر للإمامة قبل زمانها ، فهو يستنكف أن يسأل ، وأن يتعلَّم ما لم يعلم ، وإذا استفاد يرى أنه أفاد ، وإذا تعلَّم يظهر أنه يعلم ، فذلك الَّذي لا يزال هو في نقصان وخسران.

قال أبو حاتم : (فاتني نصفُ العلم! قيل : وكيف ذاك؟ قال : تصدرت ولم أكن للتصدُّر أهلاً ، واستحييت أن أسأل مَن دوني ، واختلف إليّ مَن فوقي ، فذلك الجهل إلى اليوم في نفسي) (1).

وما أحسن ما قيل : (آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة العلماء حبُّ الرئاسة) (2).

[د] - «ولا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبَّتي» : وذلك لأنَّ المفتون بشيء يزيّن ذلك الشيء إلى الناس ، ويرغبهم إليه قولاً وفعلاً ، ويمنعهم من الرجوع إلى غيره ، نعوذ بالله من حبّ الدنيا وتسويل الشيطان ووساوسه ، فربّما ينجرُّ إلى أقصى مراتب الكفر والجحود بحيث لا تنفعه التوبة والندم.

فقد روى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في كتابه ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : «كان رجل في الزَّمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، فطلبها حراماً فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال : يا هذا قَدْ طلبت الدنيا من حلال

ص: 252


1- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
2- عيون الحكم والمواعظ : 181.

فلم تقدر عليها ، وطلبتها من الحرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلّك على شيء يكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟

قال : نعم ، قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس ، ففعل ، فاستجاب له الناس ، فأطاعوه وأصاب من الدنيا ، ثُمَّ إنه فكر وقال : ما صنعتُ شيئاً ، ابتدعت ديناً ودعوت الناس إليه ، ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأردَّه عنه ، فجعل يأتي أصحابه الَّذين أجابوه فيقول : إنَّ الَّذي دعوتكم إليه باطل وإنَّما ابتدعته كذباً ، فجعلوا يقولون له : كذبت ، هو الحق ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه ، فلمَّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة ، فأوتد لها وتداً ثُمَّ جعلها في عنقه فقال : لا أحلّها حَتَّى يتوب الله عليّ ، فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان بن فلان : وعزتي وجلالي لو دعوتني حَتَّى تنقطع أوصالُك ما استجبتُ لك ، حَتَّى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه» (1).

ورواه الصدوق رحمه الله في (من لا يحضره الفقيه) أيضاً (2).

وبالجملة : إنَّ الرئاسة حق العالم الرّباني الخالص عن المفاسد النفسانية ؛ لأن التصرُّف والتدبير في أمور الخلق ، وإجراء الأحكام عليهم ، وإقامة العدل بينهم موقوف على العلم بالقوانين الشرعية كلّها ، ومعرفة أحوال الناس ، وطهارة النفس واتّصافها بجميع الكمالات ، وتنزُّهها عن جميع المهلكات ، فمن ملك الرئاسة وهو فاقد لما ذكرنا ، فقد أفسد الشرع ونظام الخلق في أول وهلة.

ص: 253


1- المحاسن 1 : 207 ح 70.
2- من لا يحضره الفقيه 3 : 572 رقم 4958.

ويعجبني أن أختمَ المقام بذکر کلام جدّي بحر العلوم قدس سره في ضمن ذكره أصناف العلماء ، حيث قال : (ورابع قَدْ غرته الدنيا واستهوته (واستهواه - ظ) ملاذُّها ، ونعيمها وزبرجها ، حَتَّى غلب عليه حبّ الجاه ، والاعتبار ، والرئاسة الباطلة المفضية إلى الهلاك والبوار ، فَهِمَّةُ هذا وأشباهه في تحصيل العلم وتشهير الاسم ، وغرضهم الأصلي ليس إلا الجدال والمراء ، والاستطالة على أشباههم من أشباه العلماء ، أو التوصُّل إلى حطام الدنيا بالخِبِّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وحسب هؤلاء القوم من تحصيلهم هذا دعاء أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام بإعماء الخبر ، وقطع الأثر ، أو بدقِّ الخيشوم ، وحزّ الحيزوم ، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوّأ مقعده من النار» (1) ، وكفاهم خزياً وذلاً تشبيهُهُم في كلام الملك الجبَّار تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك الخزي الشنيع والذلُّ الفظيع ، أعاذنا الله وجميع الطالبين منّي من موجبات الآثام ، ومن أخلاق هؤلاء القوم اللّئام) ، انتهى ما أردنا نقله من كلامه طاب ثراه (2).

ص: 254


1- ورد معناه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في كتب العامَّة ، وأمّا بهذا النص فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في الكافي 1 : 46 ح 6 وسيأتي لاحقاً.
2- قاله قدس سره في إجازته للسيد عبد الكريم بن محمّد بن جواد بن عبد الله سبط المحدث الجزائري رحمه الله التي أوردها العلّامة النوري رحمه الله في خاتمة المستدرك 2 : 61.

الحديث الثالث العاشر: طلب العلم للمباهاة

اشارة

[79] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السُّفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فليتبوَّأ مقعده من النار ، إنَّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة محمّد بن إسماعيل]

ومحمّد بن إسماعيل هذا : هو الَّذي يروي عنه أبو عمرو الكَشِّي أيضاً ، عن الفضل بن شاذان ، ويصدّر به السند حيث يقول (قال - ظ) مثلاً في كتابه في معرفة الرجال : محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبی عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ارتدّ الناس إلا ثلاثة : أبو ذرّ وسلمان والمقداد.

قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : فأين أبو ساسان ، وأبو عمرة الأنصاري» (2).

ويكنَّى بأبي الحسين ، ويقال : أبو الحسن النيسابوري ، المتكلّم الفاضل المتقدّم البارع المحدِّث ، تلميذ الفضل بن شاذان الخصیص به ، كان يقال له :

ص: 255


1- معالم الدين : 16 ، الكافي 1 : 47 ح 6.
2- اختيار معرفة الرجال 1 : 38 ح 17.

(بندفر) البَنْد - بفتح الباء الموحِّدة ، وتسكين النون ، والدال المهملة أخيراً - : العلم الكبير ، جمعه بنود.

وهو فَرّ القوم - بفتح الفاء وتشديد الراء - وفُرّتهم - بضم الفاء - وعلى قول صاحب القاموس کلاهما بالضم ، والحق الأول أي : من خيارهم ، ووجههم الَّذي يفترُّون عنه (1). أي : يتحادثون ويتشافهون ويستكثرون من کشف أسنانهم بالحديث عنه والبحث عن اُموره.

وقد يقال له : (بندويه) كما في القاموس : (محمّد بن بندويه : من المحدِّثين) (2). (3)

وقد يقال له : (البندقي) وهو خطأ ، فإن بُنْدُقَة - بالنون الساكنة بين الباء الموحدة ، والدال المهملة المضمومتين قبل القاف - أبو قبيلة من اليمن ، ولم يقع إلينا في كلام أحد من السالفين أن محمّد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة ، وما وقع في بعض النسخ من التعبير بالبندقي تصحيف وتحریف من قلم الناسخ کما صرح به في الرواشح (4).

وكيف كان فطريق الحديث بمحمّد بن إسماعيل النيسابوري هذا ، صحيحٌ لا حَسَنٌ كما وقع في بعض الظنون.

ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحَّة.

ص: 256


1- القاموس المحيط 2 : 109.
2- القاموس المحيط 1 : 279.
3- الرواشح السماوية : 119 ، الراشحة 19.
4- الرواشح السماوية : 122 الراشحة 19.

وهو غير محمّد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة ، وغير محمّد بن إسماعيل بن بزيع (1).

[ترجمة الفضل بن شاذان]

وأمّا الفضل : فهو ابن شاذان بن الخليل ، أبو محمّد الأزدي النيشابوري ، كان أبوه من أصحاب يونس ، وروي عن أبي جعفر الثاني ، [وقيل عن الرضا عليه السلام] (2) أيضاً ، وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين. وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه. وذكر الكنجي : أنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً ، هذا كلام النجاشي (3).

وفي (الخلاصة) زيادة على ذلك : (أنه كان ثقة ، جليلاً فقيهاً متكلّماً ، له عظم الشأن في هذه الطائفة ، قيل : إنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً وترحّم عليه أبو محمّد عليه السلام مرّتين ، ورُوي ثلاثاً ولاءً.

ونقل الكَشِّي عن الأئمّة عليهم السلام مدحه ، ثُمَّ ذكر ما ينافيه (4) ، وقد أجبنا عنه في كتابنا الكبير.

وهذا الشيخ أجل من أن يُغمز عليه ، فإنه رئيس طائفتنا) ، انتهى (5).

وتوفّي رحمه الله : سنة (206 ﻫ).

ص: 257


1- الرواشح السماوية : 123 الراشحة 19.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- رجال النجاشي : 306 رقم 840.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 817.
5- خلاصة الأقوال : 229 رقم 2.

[ترجمة ربعي بن عبد الله الهُذلي]

وأمّا ربعي ، فهو : ابن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهُذلي ، أبو نعيم ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام ، وعن أبي الحسن عليه السلام (1) ، وصرّح بتوثيقه النجاشي والعلّامة وصاحب المشتركات (2).

قال صاحب (الوافي) : (وفي بعض النسخ (حریز) بدل (ربعي) وكأنّه الأصح ، وكلاهما ثقة) ، انتهى (3).

والحديث مرسل في الاصطلاح.

الموضع الثاني

فيما يتعلق في شرح المتن :

[أ] - «المباهاة» : المفاخرة.

[ب] - «والمماراة» : المجادلة.

[ج] - «ويتبوّأ» : من كذا ، أي : يتَّخذه منزلاً (4) ، والأمر للتهكُّم.

والمعنى : أن من طلب العلم لأحدٍ من هذين الغرضين الفاسدين فهو من أهل النار ، وإنَّما عبّر عليه السلام بمفاخرة العلماء ومماراة السفهاء ؛ لأن العلماء العالمين بعلمهم لا ينازعون الجهّال ، بل يسكتون إذا بلغت المباحثة إلى حد الجدال ؛ لقبح الجدال ، فيحصل للجاهل المفاخرة عليهم بالغلبة والإسكات ، بخلاف السفهاء فإنَّهم لا يبالون بالمجادلة ، بل هي جلّ غرضهم من ذلك ، كما هو المشاهد من

ص: 258


1- رجال النجاشي : 167 رقم 441.
2- رجال النجاشي : 167 رقم 441 ، خلاصة الأقوال : 146 رقم 3 ، هداية المحدثین : 60.
3- الوافي 1 : 214 ح 149 / 6 باب المستأكل بعلمه.
4- الكشّاف عن حقائق التنزیل 2 : 329 ، وينظر : الصحاح 1 : 37 ، لسان العرب 1 : 36.

حال أغلب حَمَلة العلم من أبناء زماننا ، فإنَّ كثيراً منهم لا يقصد من المذاكرة العلمية إلا الغلبة والاشتهار ، وتحصيل التفوُّق والاعتبار.

روى الصدوق رحمه الله في (معاني الأخبار) بإسناده عن الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : «رحم الله عبداً أحيا أمرنا». فقلت : وكيف يُحيي أمركم؟

قال : «يتعلَّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنَّ الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتَّبعونا» ، قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، فقد رُوي لنا عن أبي عبد الله أنه قال : «من تعلَّم علماً ليماري به السُّفهاء ، أو يباهي به العلماء ، أو ليقبل بوجوه الناس إليه ، فهو في النار».

فقال عليه السلام : «صدق جدّي ، أفتدري من السُّفهاء؟» ، فقلت : لا يا بن رسول الله. فقال : «هم قُصَّاص من مخالفينا ، وتدري من العلماء؟» ، فقلت : لا ، يا بن رسول الله. فقال : «هم علماء آل محمّد صلى الله عليه وآله الَّذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودَّتهم» ، ثُمَّ قال : «أتدري ما معنى قوله : «أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟»» ، قلت : لا ، قال : «يعني بذلك والله ادِّعاء الإمامة بغير حقّها ، ومن فعل ذلك فهو في النار» (1).

وبإسناده عن حمزة بن حمران ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «من استأكل بعلمه افتقر».

فقلت له : جُعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوماً يتحملون علومكم ، ويبثونها في شيعتكم ، فلا يعدمون على ذلك منهم البرّ والصلة والإكرام.

ص: 259


1- معاني الأخبار : 180 ح 1.

فقال عليه السلام : «ليس اُولئك بمستأكلين ، إنَّما المستأكل بعلمه الَّذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عزَّ وجلَّ ، ليبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا» (1).

قال المجلسي في (مرآة العقول) : (ويمكن حمل الخبر على بيان الفرد الكامل منها ، لكن لا ضرورة تدعو إليه) (2).

[د] - ثُمَّ أشار عليه السلام إلى عظم خطر الرئاسة وعظم آفتها ، وأنها لا تصلح إلّا لأهلها ، أعني الكاملين في مرتبتي العلم والعمل ، وهم : الأنبياء ، ثُمَّ الأوصياء ، ثُمَّ المتَّبعون لآثارهم من العلماء الفائزين بالنفوس القدسية.

(وما أحسن) من قول جدّي الفاضل الصالح رحمه الله في هذا المقام ، حيث قال : (وبالجملة : إنَّما تصلح الرئاسة لمن يكون : حكيماً عليماً ، شجاعاً عفيفاً ، سخيّاً عادلاً ، فهيماً ذكياً ، متواضعاً رقيقاً ، رفيعاً حيّياً ، سليماً صبوراً ، شكوراً قنوعاً ، ورعاً وقوراً ، حرّاً عفوّاً ، مُؤثراً مسامحاً ، صدّيقاً وفياً ، شفيقاً مكافئاً ، متودّداً متوكّلاً ، عابداً زاهداً ، موفياً محسناً ، بارّاً فائزاً بجميع أسباب الاتصال بالحق ، متجنّباً عن جميع أسباب الانقطاع عنه) ، انتهى (3).

وفي بعض الأخبار : «هلاك المرء سماع خفقان النّعال عقبه» ، وفي بعضها : «يتمنَّى الناس يوم القيمة كونَهُم من الفقراء».

ص: 260


1- معاني الأخبار : 181 ح 1.
2- مرآة العقول 1 : 151.
3- شرح اُصول الكافي 2 : 164.

الحديث الرابع عشر: تعظيم العلماء

اشارة

[80] - قال رحمه الله : فصل : وروينا بالإسناد السابق ، عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابویه رحمه الله ، عن علي بن أحمد بن موسی الدقّاق رضي الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد [الدقّاق] (1) ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : «حقّ سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال إليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء ، حَتَّى يكون هو الَّذي يجيب ، ولا تحدِّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتُظهر مناقبه ، ولا تُجالس له عدواً ، ولا تُعادي له ولياً.

فإذا فعلت ذلك ، شهد لك ملائكة الله بأنَّك قصدته وتعلَّمت علمه لله جلَّ اسمه ، لا للناس. وحقّ رعيتك بالعلم أن تعلم أن الله عزَّ وجلَّ إنَّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه. فإنْ أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ، ولم تضجر عليهم ، زادك الله عزَّ وجلَّ من فضله. وإن أنت منعت الناس علمك ، أو خرقت عند طلبهم منك ، كان حقّاً على الله عزَّ وجلَّ أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلَّك» (2).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

ص: 261


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- معالم الدين : 16 ، الخصال 567.

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة علي بن أحمد الدقاق]

علي بن أحمد بن موسى ، ويقال له : الدقّاق ، وروى الصدوق رحمه الله عنه مترضياً عليه ، ولعله من مشايخه (1).

[ترجمة محمّد بن جعفر]

وأمّا محمّد بن جعفر ، فهو : محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي ، أبو الحسين الكوفي ، ساكن الريّ ، يقال له : محمّد بن أبي عبد الله.

قال النجاشي : (كان ثقة ، صحيح الحديث ، إلا أنّه روي عن الضعفاء ، وكان يقول بالجبر والتشبيه ، وكان أبوه وجهاً) ، انتهى (2).

ولذا توقف العلّامة في روايته (3) ، والأقوى عندي أنه ثقة لا غميزة فيه ، وفاقاً لجملة من أفاضل أصحاب الرجال كصاحب (الحاوي) ، و (المشتركات) ، و (الوجيزة) ، و (الدراية) (4) ، ويدلّ على وثاقته ما ذكره الصدوق رحمه الله في حقّه أنه من وكلاء الصاحب عليه السلام الَّذين رأوه ووقفوا على معجزاته (5).

ص: 262


1- نقد الرجال 3 : 229 رقم 350 / 33 ، جامع الرواة 1 : 554.
2- رجال النجاشي : 373 رقم 1020.
3- خلاصة الأقوال : 265 رقم 145.
4- حاوي الأقوال 2 : 207 رقم 557 ، هداية المحدثين : 231 ، الوجيزة في علم الرجال : 154 رقم 1618.
5- كمال الدين : 442 ح 16.

وأمّا الشيخ رحمه الله : فقد بجّله وترحّم عليه ، وقال : إنه مات على العدالة ، ولم يُطعن عليه (1) ، نعم ، ذكر أن له كتاباً في الرد على أهل الاستطاعة (2) وهو لا يستلزم کونه جبرياً ؛ لإمكان كونه قائلاً بالحق من أنه : «لا جبر ولا تفويض» ، ولو كان فاسد المذهب كيف يعتمد الصاحب عليه السلام عليه ويجعله بواباً ؛ ولذا قال صاحب (البُلغة) : (والحق أنه غير ثابت ، وقد حقَّقنا ذلك في المعراج) (3).

[ترجمة محمّد بن إسماعيل]

وأمّا محمّد بن إسماعيل ، فهو : محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشیر البرمكي المعروف بصاحب الصومعة ، أبو عبد الله ، سكن قم ، وليس أصله منها. ووثّقه النجاشي في (الفهرست) ، والعلّامة في (الخلاصة) والمجلسي في (الوجيزة) والماحوزي في (البُلغة) وصاحب (المشتركات) (4) ، فلا عبرة بما عن الغضائري : (أنه ضعيف) (5).

[ترجمة عبد الله بن أحمد]

وأمّا عبد الله بن أحمد : فمشترك بين الثقة وغيره ، وما وجدت له مميِّزاً فهو من المجاهيل (6).

ص: 263


1- الغيبة للطوسي : 416.
2- الفهرست للطوسي : 229 رقم 660 / 75.
3- بلغة المحدثین : 405.
4- رجال النجاشي : 341 رقم 915 ، خلاصة الأقوال : 257 رقم 89 ، الوجيزة في الرجال : 151 رقم 1594 ، بلغة المحدثین : 404 ، هداية المحدثین : 228.
5- رجال ابن الغضائری : 97 رقم 146 / 31.
6- هداية المحدثین : 201.

قال الشيخ عبد اللطيف المجامعي في رجاله : (عبد الله بن أحمد الرازي في طريق الفقيه مجهول) (1).

[ترجمة إسماعيل الهاشمي]

وأمّا إسماعيل ، فهو : اين الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام ، ثقة من أهل البصرة ، رُوي أن الصادق عليه السلام قال : «هو کهل من کهولنا ، وسيِّد من ساداتنا» ، وكفاه بهذا شرفاً ، مع صحَّة الرواية ، كذا ذكره في (الخلاصة) (2).

أقول : وظاهر الرواية ، وصريح الشيخ رحمه الله أنه من أصحاب الصادق عليه السلام أيضاً (3) ، بل يظهر من ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمّد روايته عن الكاظم عليه السلام أيضاً (4) ؛ ولذا صرّح بوثاقته المجلسي في (الوجيزة) ، والمحقِّق الماحوزي في (البُلغة) (5).

وأمّا ثابت ، فهو : ابن دينار ، يُکنّی دينار ، وأبا صفية ، وكنيته : ثابت ، أبو حمزة الثمالي (6) ، وقد تقدّم ذكره.

ص: 264


1- الكتاب مخطوط وهو من نسخ مكتبة المؤلف رحمه الله ، لم أقف عليه. (ينظر : الذريعة 10 : 128 رقم 253).
2- خلاصة الأقوال : 53 رقم 1.
3- رجال الطوسي : 159 رقم 88 / 1784.
4- رجال النجاشي : 56 رقم 131.
5- الوجيزة في الرجال : 32 رقم 212 ، بلغة المحدثين : 333.
6- رجال الطوسي : 110 رقم 1083 / 3.

الموضع الثاني

في شرح ما يتعلق بمتن الحديث :

[أ] - «حق سائسك بالعلم» : أي مالك أمرك في التعليم ، من سستُ الرعيّةَ سياسةً (1) ، أي : ملكت اُمورها.

[ب] - «التعظيم له» : عند طلب العلم منه ، والتواضع إليه ، والمذلَّة له ، وترك العلو عليه ، كما قال الصادق عليه السلام : «وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا المن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبَّارين» (2).

وقال عليه السلام أيضاً : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع» (3).

قيل : (إن زید بن ثابت ركب ، فأخذ عبد الله بن عبّاس بركابه فقال : لا تفعل يابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بعلمائنا.

فقال له زيد : أرني يدك ، فأخرج إليه يده ، فأخذها فقبَّلها ، وقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيِّنا) (4).

ومن طرق العامَّة : «ليس من أخلاق المؤمن التملُّق ، [ولا الحسد] (5) ، إلا في طلب العلم» (6) ، فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبّر على المعلّم.

ص: 265


1- الصحاح 3 : 938.
2- الكافي 1 : 36 ح 1.
3- الکافي 1 : 48 ح 2.
4- تاريخ دمشق 19 : 326 ، کنز العمال 13 : 396.
5- ما بين المعقوفين من المصدر.
6- کنز العمال 3 : 455.

وقيل : (أربعة لا ينبغي للشريف أن يأنف منها ، وإن كان أميراً : قيامه من مجلسه لأبيه ، وخدمته لضيفه ، وخدمته للعالم الَّذي يتعلَّم منه ، والسؤال عمّا لا يعلم ممَّن هو أعلم منه) ، انتهى (1).

ومن تكبُّره على المعلّم أن يستنكف من الاستفادة إلا من الأكابر المشهورين ، وهو عين الحماقة ، فإن الحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ، ويتقلد المنّة لمن ساقها إليه كائناً من كان ، فلا يُنال العلم إلا بالتواضع ، بل من الأدب تعظيم جميع الخلق ، وإن نبا عنه القلب وازدرته العين ، فإن كلّ أحد من المسلمين كائناً من كان لا يخلو من فضل الله ، فكن لربِّك عبداً ولإخوانك

خادماً ، واعلم أنه ما من أحد من المسلمين إلا وله مع الله سر ، فاحفظ مرتبة ذلك ، كما قيل : (درهيچ سري نيست که سرّي زخدا نيست).

[ج] - «وحسن الاستماع إليه» : بإلقاء السمع ، وتوجيه الحاسة نحو تقریره ، والإصغاء إلى كلماته بحيث يكون كلّه سمعاً ، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (2).

قيل : ومن حسن الاستماع إمهال المتكلّم حَتَّى يفضي حديثه ، وقلة التلفت إلى الجوانب ، والإقبال بالوجه ، والنظر إليه حين الكلام ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ (3) ، وقال : ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ (4) ، هذا تعليم من الله تعالی لرسوله حسن الاستماع.

ص: 266


1- تفسير الرازي 2 : 185.
2- سورة ق : آية 37.
3- سورة طه : من آية 114.
4- سورة القيامة : 16.

قال أبو الليث - من رجال العامَّة - : (من جلس عند العالم ولا يقدر أن يحفظ من ذلك العلم شيئاً ، فله سبع كرامات : ينال فضل المتعلّمين ، وكان محبوساً من الذنوب ما دام جالساً عنده ، وإذا خرج من منزله طلباً للعلم نزلت الرحمة عليه ، وإذا جلس في حلقة العلم فنزلت الرحمة عليهم حصل له نصيب ، وما دام يكون في الاستماع يُكتب له طاعة ، وإذا استمع ولم يفهم ضاق قلبه وانكسر فيكون في زمرة : «أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي» ، وإذا رأي إعزاز المسلمين للعالم وإذلالهم للفاسق نفر عن الفسق ومال إلى طلب العلم) (1).

وقالت الحكماء : (رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتفهُّم ، والإصغاء للمتكلّم) (2).

وقال بعض الحكماء لابنه : (يا بني ، تعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الحديث ، وليعلم الناس أنك أحرص على أن تَسمع منك على أن تقول قالوا ، ومن حسن الأدب أن لا تغالب أحداً على كلامه ، وإذا سأل غيرك فلا تجب عنه ، وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إياه ، ولا تقتحم عليه ، ولا تُرِهِ أنَّك تعلمه ، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجَّتُكَ ، فحسَن مخرج ذلك إليه ، ولا تُظهر الظفر به ، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الكلام) (3).

[د] - «والإقبال إليه» : بأن يستقبل كلّما اُلقي إليه بحسن الإصغاء والضراعة ، والشكر والفرح وقبول المنّة.

ص: 267


1- تفسير الرازي 2 : 183.
2- شرح رسالة الحقوق : 109 دون ذكر المصدر.
3- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

وبعبارة أخرى ، فليكن المتعلّمُ لمُعلّمهِ كأرض دَمِنَة نالت مطراً غزيراً ، فتشربت جميع أجزائها ، وأذعنت بالكلّية لقبوله ، ومهما أشار عليه المعلّم بطریق في التعلُّم فليُقلدْهُ وليَدَعْ رأيه ، فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه.

قال الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام : ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ (1) ، ثُمَّ شرط عليه السكوت والتسليم ، ومع ذلك لم يصبر ولم يزل في مراددته إلى أن فارقه.

[ﻫ] - «وأن لا ترفع عليه صوتك» : المنع من رفع الصوت لا يكون إلا للاحترام وإظهار الاحتشام ، ومن بلغ احترامه إلى حيث تنخفض الأصوات منه ، من هيبته وعلو مرتبته لا يكثر عنده الكلام ، ولا يرجع المتكلّم معه إلّا في الخطاب الليّن القريب من الهمس ، كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظَّم محاماةً على الترحيب ، ومراعاةً إلى احترام من يجب احترامه في نظر العرف ، ولا سيَّما معاداة أحباء الشخص والتحبُّب إلى أعدائه ، فإنه تذليل له وتحطيط لشأنه البتة.

[و] - «ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم» : الخرق بالتحريك : الدهش من الخوف أو الحياء ، أو أن يتهيَّب فاتحاً عينيه بنظر ، وقد خَرِق - بالكسر - وأخرقته أنا ، أي : أدهشته (2).

والهاء للتعدية ، أي : ولم تدهشهم من تخويف ونحوه.

ص: 268


1- سورة الكهف : آية 67 - 69.
2- الخرق : هو التحير والدهش ، ويقال : خرق الغزال إذا طاف به الصائد فدهش ولصق بالأرض. (ينظر : معجم مقاييس اللُّغة 2 : 172 ، مادة (خ. ر. ق)).

و (ضجر منه وبه إذا تبرّم وانقلق من الغمّ (1) ، وقد ضمن معنى الغضب ونحوه فعدّاه ب-(على).

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : «ما كان الرفق في شيء قطّ إلّا زانه ، ولا كان الخرق في شيء قط إلّا شأنه» (2).

وفي (تحف العقول) : عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لولده الحسين عليه السلام : «يا بنيّ ، رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق» (3).

وعنه عليه السلام قال : «الخرق شين الخُلق».

وقال عليه السلام : «الخرق شرّ خُلق».

وقال عليه السلام : «من كثر خرقه استُرذل».

وقال عليه السلام : «الخرق مناواة الأمراء ، ومعاداة من يقدر على الضراء».

وقال عليه السلام : «أقبح شيء الخرق».

وقال عليه السلام : «بئس الشيمة الخرق».

وقال عليه السلام : «رأس الجهل الخرق» (4).

وروي : (أنَّ رجلاً من بني إسرائيل كان منهمكاً في المعاصي ، وسائراً في الغيّ والجهالة ، أتى في بعض أسفاره على بئر ، فإذا كلب قَدْ لهث من العطش ، فرقّ له فأخذ العمامة من رأسه وشدّ بخفه واستسقي الماء وأروى الكلب ، فأوحى الله إلى

ص: 269


1- والضجر : القلق من الغم ، وتضجر ، تبرّم. (ينظر : لسان العرب 4 : 481 ، مادة (ض. ج. ر)).
2- تحف العقول : 47.
3- تحف العقول : 89.
4- أورد هذه الأحاديث تباعاً العلّامة النوري في مستدرك الوسائل 12 : 72 رقم 13542 - 13544 في باب كراهة الخرق.

نبي ذلك الزَّمان : إني قَدْ شكرت له سعيه ، وغفرت له ذنبه ؛ لشفقته على خلقٍ من خلقي.

فسمع ذلك ، فتاب من المعاصي ، وصار ذلك سبباً لتوبته ، وخلاصه من العقاب) (1).

وفي بعض الأخبار : «ومن علامة الإيمان الشفقة على خلق الله».

وبالجملة ينبغي للمعلّم الشفقة على المتعلّمين بأن يجريهم مجری ولده وبنيه ، بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وأن يزجرهم عن سوء الخُلُق ، فليكن ذلك منه بطريق التعريض مهما أمكن لا بالتصريح ، وبطریق الرحمة لا بطريق التوبيخ ، فإنَّ التصريح بهتك حجاب الهيبة يورث التجرِّي على المخالفة كما قيل : لو مُنع الناس عن فت البعرة لفتوه ، وقالوا : ما نهينا عنه إلّا وفيه شيء.

وفي (تحف العقول) في مواعظ السجاد عليه السلام ، قال في رسالته المعروفة برسالة الحقوق : «وأمّا حق سائسك بالعلم والتعظيم له ، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك من العلم : بأن تفرغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، [وتكّي له قلبك] ، وتجلّي له بصرك بترك اللَّذات ونقص الشهوات ، وأن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه [إليهم] ، ولا تخنه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلَّدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (2).

ص: 270


1- كتاب الموطأ 2 : 929 ح 23 ، المجموع 6 : 240.
2- تحف العقول : 260 ، وما بين المعقوفين من المصدر.

وفي (إرشاد القلوب) : عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث المعراج ، إلى أن قال : «قال الله تبارك وتعالى : يا أحمدُ ، إنّ عيب أهل الدنيا كثير ، فيهم الجهل والحمق ، لا يتواضعون لمن يتعلّمون منه ...» (1).

تنبيه : لا فرق في وجوب تعظيم العالم بين كونه حيّاً أو ميِّتاً بعد أن كان داخلاً تحت عنوان تعظيم شعائر الله ؛ ولذا فإن الفقهاء استثنوا من كراهة تجدید القبر بعد اندراسه أو البناء عليه قبور الأنبياء والأوصياء والصلحاء والعلماء ، وكذلك اتّخاذ المقبرة مسجداً.

وأمّا ما ورد من طرق العامَّة من أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (2) ، فالمراد جعلها قبلة يُسجد إليها كالوثن ، وأمّا من اتَّخذ مسجداً في جوار صالح ، أو صلَّى في مقبرة من غير قصد التوجُّه نحوه فلا حرج فيه ، صرّح بذلك الإمام أبو الحسن الحنفي في حواشيه على سنن الإمام النسائي (3).

كما لا فرق أيضاً في وجوب تعظيمه على الناس بين سائر طبقاتهم حَتَّى الملوك والسلاطين ؛ ولذا ورد : (إذا رأيتم الملوك على باب العلماء فقولوا : نِعْمَ المُلوك ونِعْمَ العُلماء ، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا : بئسَ المُلوك وبئسَ العُلماء) (4) ، أمّا نِعْمَ الملوك ؛ فلأنَّ موقفهم ذلك كاشف عن حسن سيرتهم وخلوص سريرتهم ، ولأنَّ فيه متابعة باقي الناس لهم ورغبتهم في ذلك ، فإنَّ

ص: 271


1- إرشاد القلوب 1 : 376.
2- مسند أحمد 1 : 246.
3- لم أقف على هذه الحواشي لتخريج القول.
4- لم ترد هذه المقولة في حديث ، بل هي مشهورة على ألسن الناس ، وربّ مشهور لا أصل له.

الناس على دين ملوكهم ، وأمّا نِعْمَ العُلماء ؛ فلأنَّ في تركهم لباب السلطان رفعاً لمنصبهم الروحاني عن الانخفاض.

يُحکی : (أنَّ السلطان شاه عبَّاس الثاني الصفوي المتوفّى سنة (1077 ﻫ) دخل مدرسة المولی ملا عبد الله التوني المتوفى سنة (1071 ﻫ) صاحب (الوافية في الأُصول) - وكان معاصراً للسيد الداماد - فرأى أنَّ المدرسة خالية من طلبة العلوم ، فسأل من المولى عبد الله السبب في ذلك فقال له : إنّي اُجيب حضرة السلطان بعد أيام ، فلمَّا كان بعد أيام ، حضر المولى مجلس السلطان ، فأكرم قدومه ، وقال له : اطلب منّي ما يهمّك؟ فقال المولى : ما يهمني شيء. فأصرّ عليه السلطان ، فقال له : لي إليك حاجة واحدة وهي أني أركب فرس السلطان ، والسلطان يمشي قدَّامی راجلاً حَتَّى يجتاز الميدان الفلاني.

فسأله السلطان عن الحكمة والغرض من ذلك ، فقال المولى : اُبيّن لك ذلك بعد أيام ، ففعل السلطان ما سأله ، وبعد أيام عاود السلطان إلى المدرسة ، فرآها مملوءة من الطلاب مشحونة بالتلاميذ وهي مجدّة في التحصيل غاية الجدّ ، فسأل السلطان عن السبب في تغيير الحالة؟ فقال المولى : السبب فيما يراه حضرة السلطان وما طلبته منه ، إنَّ الناس ما كانوا عارفين قدر العلم ، وفضيلة العلماء حَتَّى إذا رأو بعيونهم من فعل السلطان مع العالم ، ومشيه قدّامه راجلاً وهو راكب ، فعلموا من ذلك أن مرتبة العالم في الدنيا أعلى من مرتبة السلطان ، فطلباً لهذه المرتبة ، وطمعاً في الجاه والجلال ، وجمع المال السريع الزوال ، اجتمعوا في المدرسة وجدّوا في تحصيل العلم ، وإذا تمّ لهم ذلك ، وبلغوا بعض المراتب العلمية ، تتبدَّل نياتهم وتصلح سرائرهم وتحصل لهم

ص: 272

القربة في سائر العبادات ، كما ورد في الخبر : اطلبوا العلم ولو لغير الله ، فإنه ينجرّ إلى الله) ، انتهت الحكاية (1).

ويؤيده ما رُوي عن طريق العامَّة ، عن النبي صلى الله عليه وآله : «من طلب العلم لغير الله لم يخرج من الدنيا حَتَّى يأتي عليه العلم [فيكون لله]» (2).

وقال في (شرح نهج البلاغة) : (الزهد هو الإعراض عن غير الله. وقد يكون ظاهراً ، وقد يكون باطناً ، إن المنتفع به هو الباطن ، قال صلى الله عليه وآله : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، وإنَّما ينظر إلى قلوبكم ونيَّاتكم ، نعم ، وإنْ كان لا بدّ من الزهد الظاهري أولاً ؛ إذ الزهد الحقيقي مبدأ السلوك لا يتحقق ، والسبب فيه أن اللّذات البدنية حاضرة ، والغاية العقلية التي يطلبها الزاهد الحقيقي غير متصورة له في مبدأ الأمر ، وأمّا الظاهري فهو ممكن متيسّر لمن قصده ؛ لتيسّر غایته وهي الرياء والسمعة ؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله : «الرياء قنطرة الإخلاص») ، انتهى (3).

ص: 273


1- الوافية : 16 مقدمة المحقق ، عن قصص العلماء للتنكابني.
2- تفسير الرازي 2 : 180 ، وما بين المعقوفين من المصدر.
3- شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام للبحرانی : 36 باختلاف يسیر.

الحديث الخامس عشر: عدم إكثار السؤال على العالم

اشارة

[81] - قال رحمه الله : وبالإسناد عن المفيد ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الرازي ، قال : حدّثنا مؤدبي علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أبي الحسن القمّي ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان علي عليه السلام ، يقول : إنَّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه. وإذا دخلت عليه وعنده قوم ، فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيَّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينيك ، [ولا تشر بيدك] ، ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان ، خلافاً لقوله ، ولا تضجر بطول صحبته ، فإنما مثل العالم مثل النخلة ، تنتظرها حَتَّى يسقط عليك منها شيء ، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم ، الغازي في سبيل الله. وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة أبي غالب الزراري]

أمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بکیر بن أعين بن سنسن ، أبو غالب الزراري.

ص: 274


1- معالم الدين : 17 ، المحاسن 1 : 233 ح 185 ، الکافي 1 : 37.

قال النجاشي : (وكان أبو غالب شيخ العصابة في زمنه ووجههم. له كتب ، حدّثنا شيخنا أبو عبد الله عنه بكتبه. ومات أبو غالب رحمه الله سنة 368 ﻫ، انقرض ولده إلا من ابنة ابنه ، وكان مولده سنة 285 ﻫ) (1).

وقد صرّح بتوثيقه في جعفر بن محمّد بن مالك (2) ، وصرّح بتوثيقه العلّامة في (الخلاصة) (3) ، وصاحب المشتركات أيضاً (4).

[ترجمة علي بن الحسين السعد آبادي]

وأمّا علي بن الحسين ، فهو : علي بن الحسين السعد آبادي ، وظاهر جماعة من أصحاب الرجال عدّ حديثه حسناً ، بل لا يبعد عدّ حديثه صحيحاً ؛ نظراً إلى كثرة روايته ؛ ولأنه من مشايخ الإجازة ، وجلالة شأن أبي غالب وعلو مرتبته في باب الرواية تمنع من الرواية عنه وأخذه معلّماً مؤدِّباً لو لم يكن من الثقات ، بل أجلّائهم كما هو ظاهر للماهر في الفن (5).

وبالجملة : فإنه وإن كان مسكوتاً عنه ، ولكنَّ أجلاء المشايخ اعتمدوه وروَوا عنه ، كالكليني في العدّة ؛ إذ هو من جملة العدّة الَّذين روى ثقة الإسلام عن أحمد بن خالد بتوسُّطهم ، والصدوق علي بن الحسين ، وعلي بن إبراهيم ، ومحمّد بن موسی بن المتوكّل ، وأبو غالب الزراري الثقة.

ص: 275


1- رجال النجاشي : 83 رقم 201.
2- رجال النجاشي : 122 رقم 313.
3- خلاصة الأقوال : 67 رقم 22.
4- هداية المحدثین : 177.
5- نقل المحدث الأرموی رحمه الله هذا القول من الشيخ عبد الحسين الطهراني ، واستظهر أنه لشيخ العراقين شيخ اجازة الشيخ النوري رحمه الله. (ينظر : المحاسن 1 : 7 مقدمة المحقق).

والصدوق إذا ذكره ترضّى عنه ، مع أنه شيخ إجازته ، ولم يرو إلا عن أحمد بن محمّد البرقي ، ويؤكّد توثيقه ، بل يدل عليه كثرة رواية جعفر بن قولویه عنه في كتاب (کامل الزيارة) ، وقد نصّ في أوله أن لا يروي فيه إلا عن الثقات من أصحابنا (1).

[ترجمة أحمد بن محمّد البرقي]

وأمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن علي البرقي أبو جعفر ، أصله كوفي (2).

وثّقه الشيخ والنجاشي ، ولكن طعنوا فيه أنه كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل (3) ؛ ولذلك أبعده أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم ، ثُمَّ ذكروا أنّه أعاده واعتذر إليه ، وأنّه لمّا مات مشى في جنازته حافياً حاسراً (4).

وبالجملة : فهو من أجلّاء رواتنا ، وقد نقل عن جامعه الكبير المسمّى ب-(المحاسن) كلّ من تأخَّر عنه من المصنّفین.

[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]

وأمّا أبوه محمّد : يُكنّى بأبي عبد الله ، فقد صرّح الشيخ والعلّامة بتوثيقه (5) ، بل في (الخلاصة) تصحيح طرق الصدوق إلى جملة هو فيها (6) ؛ ولأنه روي عن جعفر بن بشير الَّذي قالوا فيه : (روى عنه الثقات).

ص: 276


1- کامل الزيارات : 37.
2- رجال النجاشي : 76 رقم 182.
3- الفهرست : 62 رقم 64 / 2 ، رجال النجاشي : 76 رقم 182.
4- رجال ابن الغضائري : 39 رقم 10 / 10 ، خلاصة الأقوال : 63 رقم 7.
5- رجال الطوسي : 363 رقم 5391 / 4 ، خلاصة الأقوال : 237 رقم 15.
6- خلاصة الأقوال : 440 ضمن الفائدة الثامنة.

وقول النجاشي : (وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان أديباً ، حسن المعرفة الأخبار وعلوم العرب) (1) ، لا يدل على ضعفه في نفسه ؛ ولذا قدّم العلّامة وجملة من المحقِّقين توثيق الشيخ عليه مع بنائهم على تقديم قول الجارح خصوصاً إذا كان مثل النجاشي ، وهو اسطوانة أهل هذا الفن ولا مجال لردّ كلامه ، فالمراد من كونه ضعيفاً في الحديث أنه : يروي عن الضعفاء وتقدّم في الحديث الخامس أيضاً.

[ترجمة سليمان بن جعفرالجعفري]

وأمّا سلیمان بن جعفر الجعفري ، (فهو : من أولاد جعفر الطيَّار رضي الله عنه ، ثقة ، من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام) (2).

[فائدة رجالية]

فائدة جليلة من رجال الشيخ : إذا قيل في الحديث : عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، فهو إمّا : ابن أبي محمّد بن أبي حمزة التيملي ، الفاضل الثقة ، وهو الَّذي روى الحديث المتضمِّن لكثرة السهو عنه في الفقيه.

أو : محمّد بن أبي حمزة الثمالي الممدوح ، وهو الَّذي يروي عنه ابن أبي عمير.

أو : محمّد بن حسَّان.

وإمّا : ثعلبة بن میمون أبو إسحاق الفقيه النحوي.

ص: 277


1- رجال النجاشي : 335 رقم 898.
2- رجال النجاشي : 182 رقم 483.

وإذا قيل : عن رجل ، عن جعفي (1) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، فهو : عجلان صالح الثقة ، الَّذي قال له أبو عبد الله عليه السلام : «يا أبا صالح ، كأنَّي أنظر إليك وإلى جنبي الناس يعرضون عليّ» (2).

فلا إشكال في السند من جهة الرجل ، نعم ، الحديث معلّق في الاصطلاح ؛ لسقوط رجال السند من أوله (3).

الموضع الثاني

في شرح ما يتعلَّق بالمتن :

[أ] - «من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال» : لمّا كان العالم أباً روحانياً لك ، وله عليك حقٌّ التربية ، وحقٌّ التعلُّم والتقدُّم ، وجب عليك توقيره وتعظيمه ، ورعاية الأدب معه ، ومع ذلك أن لا تكثر السؤال منه ، فإن ذلك قَدْ يؤذيه ويؤلمه ، إلّا مع إحراز رضائه بذلك.

[ب] - «ولا تأخذ بثوبه» : كناية عن الإلحاح في الطلب ، فإن ذلك أيضاً استخفاف به.

استحباب السلام في الشرع

[ج] - «فسلِّم عليهم جميعاً وخصّه بالتحيَّة دونهم» : بأن تخاطبه وتقول : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا فلان ، وتُسمِّيه بأشرف أسمائه ، وتصبر حَتَّی

ص: 278


1- كذا ، والظاهر عن المفضل بن عمر الجعفي كما في بعض الأسانيد.
2- الحديث ورد في اختيار معرفة الرجال 2 : 710 ح 772.
3- هذه الفائدة صرّح المؤلف رحمه الله بنقلها من رجال الشيخ ، ولكني وبحسب الاستقصاء لم أجد لها أثراً ولا عيان في رجال الشيخ الطوسي قدس سره ، ولا في غيره من الكتب الرجالية المعروفة المشهورة والتي يطول سردها ، فلعله رحمه الله نقلها من تعليقة على نسخة مخطوطة لرجال الشيخ كتبها بعض الرجاليين المتأخرين ، وأدرجها المؤلف رحمه الله في كتابه هذا ، وهذا ليس ببعيد ، فلاحظ.

يردَّ عليك السلام ، ثُمَّ تخاطب القوم وتقول : السلام عليكم. كما قَدْ فعل مثل ذلك بعض المتكلّمين لمّا دخل على الباقر عليه السلام وعنده جماعة كثيرة.

أو تقول : السلام عليكم جميعاً ، والسلام عليك يا فلان ، وتقصدهم جميعاً بالسلام ، وتخصّه بالثناء والمدح بعد السلام.

مسألة : لا ريب في استحباب سلام المؤمن على المؤمن إذا دخل عليه في بيته ، أو في خارج بيته ، وأصل شرعيته واستحبابه مجمع عليه من الضروريات في دين الإسلام ، قال الله تعالى : ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (1).

وفي (معائي الأخبار) ، عن الباقر عليه السلام ، قال : «هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثُمَّ يردُّون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم» (2).

وفي (المجمع) ، عن الصادق عليه السلام مثله (3).

وعن (تفسير القمّي) هو : (سلامكم (4) على أهل البيت وردُّهم عليکم ، فهو سلامك على نفسك) (5).

وعن الباقر عليه السلام أيضاً : «إذا دخل الرجل منكم بيته ، فإن كان فيه أحد يسلّم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربِّنا».

يقول الله : (تحية من عند الله مباركة طيبة) (6).

ص: 279


1- سورة النور : من آیة 61.
2- معاني الأخبار : 162 ح 1.
3- مجمع البيان 7 : 274.
4- في الأصل : (سلامك) وما اثناء من المصدر ، وتفسیر الصافي ، ومجمع البحرين.
5- تفسير القمي 2 : 101.
6- تفسير القمي 2 : 109.

وعن (الجوامع) : (وصفها بالبركة والطيب ؛ لأنها دعوة مؤمن [لمؤمن] (1) ، يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق.

ومنه قوله عليه السلام : «سلّم على أهل بيتك ، يكثر خير بيتك») (2).

ومن كلام الحسين عليه السلام : «البخيل من بخل بالسلام» (3).

وقال عليه السلام : «للسلام سبعون حسنة : تسع وستون للمبتديء ، وواحدة للراد» (4).

ومن طرق العامة : عن أنس قال : «كنت واقفاً على رأس النبي أصبّ الماء على يديه ، فرفع رأسه وقال : «ألا اُعلّمك ثلاث خصال يُنتفع بها؟»

قلت : بلى بأبي واُمِّي يا رسول الله.

قال : «متی لقيت من اُمَّتي أحداً فسلِّم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلِّم عليهم يكثر خير بيتك ... الخبر»» (5) ، بل التحيَّة كانت شائعة بين الناس في زمن الجاهلية ولكن لا بصيغة السلام.

قال في (القاموس) : (ووعم الدار کوعد ، وورث (يعمّها) و (عمّا) (6) قال لها : انعمي ، ومنه قولهم : عم صباحاً ومساء وظلاماً) ، انتهى (7).

قال يونس : (وسئل أبو عمرو بن العلاء عن قول عنترة : وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي؟

ص: 280


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- تفسیر جوامع الجامع 2 : 635.
3- تحف العقول : 248.
4- تحف العقول : 248.
5- تفسير الثعلبي 7 : 120 ، تفسير الرازي 24 : 38.
6- كذا ، ويبدو أنها (عمها) وهي غير موجودة في المصدر وكذلك (يعمها).
7- القاموس المحيط 4 : 187.

فقال : هو كما يعمي المطر ويعمي البحر بزبده ، وأراد كثرة الدعاء لها بالاستسقاء.

وقال الأزهري : كأنه لمّا كثر هذا الحرف في كلامهم حذفوا بعض حروفه المعرفة المخاطب به ، وهذا كقولهم : لا هُمَّ ، وتمام الكلام (اللهُمَّ) ، وكقولك : لَهِنَّكَ ، والأصلُ (للهِ إنَّك) (1).

وكيف كان فالمقصود أنَّ من عادات العرب أنهم يقولون عند التحيَّة في الغداة : عم صباحاً.

وفي المساء : عم مساءً ، أي : انعم صباحك ومساءك ، من النعومة.

قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :

ألا عِمْ صباحاً أیُّها الطَّللُ البالي *** وهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخالي

وقال في (مجمع البحرين) : (اختلفت الأقاويل في معنى (السلام عليك) فمن قائل : معناه (الدعاء) أي : سَلِمتَ من المكاره.

ومن قائل : معناه (اسم الله عليك) ، أي : أنت في حفظه ، كما يقال : (الله معك) ، وإذا قلت : (السلام علينا) ، أو (السلام على الأموات) فلا وجه ؛ لكون المراد به الإعلام بالسلامة ، بل الوجه أن يقال : هو دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدنيا ، ومن عذاب الآخرة ، وضعه الشارع موضع التحيَّة والبشري بالسلامة.

ثم إنه اختار لفظ (السلام) وجعله تحيّةً لما فيه من المعاني ، أو لأنه مطابق للسلام الَّذي هو اسم من أسماء الله تيَّمُناً وتبرُّكاً ، وكان يُحيّى به قبل الإسلام ، ويُحيّی بغيره ، بل كان السلام أقل ، وغيره أكثر وأغلب ، فلمَّا جاء الإسلام اقتصروا عليه ومنعوا ما سواه من تحايا الجاهلية.

ص: 281


1- لسان العرب 12 : 641.

قال رحمه الله : وإيراده على صيغة التعريف أزين لفظاً ، وأبلغ معنی) ، انتهى (1).

ولعمري إن هذا تبدیل بالأحسن ؛ لأن الحياة إن لم تكن مقرونة بالسلامة لي يعتد بها ، بل لعلَّ الموت خير منها.

[أحكام السلام]

إذا عرفت ذلك فهنا فروع :

الأوَّل : قَدْ عرفت أنَّ السلام من السُّنن الخاصة المؤكّدة ، وردّه فرض ؛ لصيغة الأمر الدالّة على الوجوب في آية التحيَّة (2) ، المراد بها السلام ظاهراً على ما نصّ عليه أهل اللُّغة ، ودلّ عليه العرف.

قال في (القاموس) : (التحيَّة ، هي : السلام) (3).

وفي (لسان العرب) : (والتحيَّة : السلام ، وقد حيَّاهُ تحيَّةً) (4).

فلو كانت التحيَّة بغير لفظ السلام كقولك : صبّحك الله بالخير ، أو مسّاك الله بالخير ، لم يجب الردّ كما عليه الأكثر ، واختاره الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة) (5) ، وذهب غير واحد من الفقهاء إلى وجوب الرد حينئذ ، منهم الفاضل المقداد رحمه الله في (کنز العرفان) ، فقد صرّح بأنه : (ليس المراد بحُيِّيتم في الآية : سلام عليکم ، بل كلّ تحيّة وبِرٍّ وإحسان) (6).

ص: 282


1- مجمع البحرين 2 : 408.
2- وردت آية التحية في سورة النساء آية 86 ، وهي : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾.
3- القاموس المحیط 4 : 322.
4- لسان العرب 14 : 216.
5- العروة الوثقی 3 : 22 مسألة 27.
6- كنز العرفان 1 : 223.

واستند في ذلك إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليهما السلام أنه قال : «التحيَّة السلام وغيرُه من البرّ» ، انتهى (1).

وربّما يُرشد إلى ذلك ما رواه في (المناقب) ، قال أنس : «حيّت جارية للحسن عليه السلام بطاقة ريحان ، فقال لها : «أنتِ حُرَّة لوجه الله» ، فقلت له في ذلك؟ فقال : «أدَّبنا الله عزَّ وجلَّ فقال : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ ...﴾ الآية ، وكان أحسن منها إعتاقها»» (2).

وما عن (الخصال) ، فيما علّم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه ، قال : «إذا عطس أحدكم فسمِّتوه ، قولوا : يرحمك الله ، ويقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم ...﴾ الآية» (3).

وقوله عليه السلام : «وحيَّا كما الله من كاتبين» (4).

أقول : لا شكّ في إطلاق التحيَّة قبل الإسلام على ما يشمل السلام وغيره من التحيَّات المعروفة عند الجاهلية كما تقدّم تفصيله ، فلمَّا جاء الإسلام اقتصروا من التحايا على السلام ، وتغلّب فيه الاستعمال كما هو الشائع في العرف وعند أهل البيت عليهم السلام من حيث لم يستعملوا سواه ، بل في (الكافي) عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : يُكره للرجل أن يقول : حيّاك الله ، ثُمَّ يسكت حَتَّى يتبعها بالسلام» (5).

ص: 283


1- تفسیر القمي 1 : 145.
2- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 3 : 183.
3- الخصال : 633.
4- مصباح المتهجد : 217 ح 69 / 331 ضمن دعاء يُقرأ بعد الفجر.
5- الكافي 2 : 646 ح 15.

فلا ريب في أنَّ إطلاق الآية يحمل على ذلك ، فأمّا الروايات المذكورة المتضمِّنة لإطلاق التحيَّة في الآية الشريفة على غير السلام من أنواع البرّ والإحسان ، فعلی تقدیر صحَّتها يمكن أن يكون ذلك من البطون التي أخبروا بها عليهم السلام ، فلا ينافي كون المراد من ظاهرها خاصَّة السلام.

والحاصل : أنَّه لا يجب ردّ غير السلام من أفراد التحيَّة ، كما قاله الأكثر ؛ للأصل وعدم الدليل الدال على الوجوب ، بل ويظهر من بعض الروايات تخصيص الوجوب بالسلام خاصة ، كقوله صلى الله عليه وآله : «من بدأ بالكلام قبل السلام ، فلا تجيبوه» (1).

إذ غير السلام من الأفراد داخل تحت عموم الكلام ، والعجب من المعاصر النوري رحمه الله في (شرح نجاة العباد) حيث استظهر عدم الإشكال في وجوب الرد في غير الصلاة ، وجعل محلّ الكلام في حال الصلاة ، مع اعترافه بأنَّ كثيراً من المفسِّرين وأهل اللُّغة فسّروا التحيَّة بالسلام (2) ، وأنه على هذا لا عموم في الآية الكريمة ، هذا كلُّه في غير حال الصلاة ، وأمّا فيها فالأحوط الرد بقصد الدعاء إذا كان ممَّن يستحق الرد ؛ لما ثبت من جواز الدعاء في الصلاة لنفسه ولغيره وبدون ذلك لا يجوز.

الثاني : يجب ردُّ السلام نطقاً ، ولو كان في حال الصلاة ، وهو المجمع ع بین علمائنا كما في (التذكرة) (3) ؛ ولإطلاق الأمر بالرد المتناول لحال الصلاة وغيرها ؛ ولأن ترك الجواب إهانة ، ولا يجوز إهانة المؤمن.

ص: 284


1- الكافي 2 : 644.
2- وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد 2 : 410.
3- تذکرة الفقهاء 3 : 376.

الثالث : الظاهر من الآية المعقبة بناء التعقيب من قوله تعالى : ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ وجوب الفورية ، وفي (الجواهر) : (أنه ظاهر الأدلة والفتاوی) (1).

وفي الحدائق : (أن معناه تعجيله بحيث لا يُعدُّ تاركاً له عرفاً) ، انتهى (2).

ولا فرق في ذلك بين سائر الأحوال حَتَّى حال الصلاة ؛ وذلك لإطلاق الآية ، وعليه فالكلام يقع في مقامين :

المقام الأول : لو عصى المكلّف بالتراخي العرفي في غير حال الصلاة وأخلّ بالفورية ، أو ترکه ساهياً ، فهل يجب عليه إتيانه ثانياً ، وإن عصي فثالثاً ، وهكذا فوراً ففوراً ، أو أنه يسقط الوجوب بفوت الوقت ، أو يبقى الوجوب مُوسَّعاً ، فالساقط الفورية دون الوجوب ، اختار الأول الأردبيلي رحمه الله في (شرح الإرشاد) (3) ؛ نظراً منه إلى مقتضى ظاهر الواجبات الفورية في سائر الموارد ، فإنَّها من قبيل تعدُّد المطلوب ، وأنَّه لو كان المسلم حاضراً وجب عليه الرد دائماً ، ولو غاب يجب عليه قصده أينما كان حَتَّى يرد عليه ، بل احتمل الوجوب في نفسه ، ومع عدم إمكان الوصول إلى المسلِّم وعدم سماعه ؛ إذ ذاك يجب مع إمكانه ، فلا يسقط حينئذ أصل الرد ، وفيه أن الكلّية غير مسلَّمة في الواجبات الفورية ، وليس كلّ واجب فوري يتعدد فيه المطلوب ، بل إنَّما هو فيما إذا استفید فوريتها من الأمر ولو بالقرينة ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنَّ فوریته مستفادة من الكيفية المأخوذة في ردِّ التحيَّة عُرفاً ، فهي من أوصاف المأمور به وقيوده ، أعني الرد لا الأمر.

ص: 285


1- جواهر الكلام 11 : 104.
2- الحدائق الناضرة 9 : 81.
3- مجمع الفائدة 3 : 122.

وبعبارة اُخرى : إنَّ السلام وردَّه من قبيل الخطاب والجواب المرتبط أحدهما بالآخر ربطاً وضعياً ، نظير القبول الملحوظ فيه الفورية ؛ لربطه بالإيجاب ربطاً وضعياً ؛ ولذا لا يُكتفى بإتيانه في ثاني الحال وثالثه عند التخلُّف في أول الحال إلا بإعادة الإيجاب ثانياً ، وعلى هذا فمتى اُخلّ بالفورية العرفية سقط أصلُ الوجوب ، فعدم الوجوب حينئذ في ثاني الحال وثالثه ؛ لعدم صدق الردِّ عرفاً ، نظير ما لو قال المولى : إذا ركب الأمير فخذ ركابه. فكما أن من المعلوم وجوب المبادرة إلى الأخذ بالركاب حال الرکوب ، أيضاً من المعلوم عدم وجوب الأخذ في ثاني الحال وثالثه ، وما ذلك إلا من حيث فوات الكيفية المطلوبة فيه ، فلا يجب التلافي بعد ذلك لا قضاءً ولا أداءً.

بل لنا اختيار عدم وجوب الردِّ في الحال الثاني حَتَّى مع استفادة الفورية من نفس الأمر ، وهو الحق الحقيق الَّذي عليه أهل التحقيق ؛ إذ الظاهر من الصيغة على القول بدلالتها بنفسها على الفور هو الوجوب في أول الوقت ، والظاهر هو الحجّة وهو تكلیف واحد من قبيل المطلق والمقيَّد ، والحقُّ أنَّ المقيَّد ينتفي بانتفاء قيده ، فلا يبقى تكليف في الوقت الثاني مع الشك فيه ، كما هو مقتضی أصل البراءة ، وثبوت وجوب الموقَّت بعد فوات الوقت خلاف التحقيق ؛ لأن الجنس لا بقاء له بعد انتفاء الفصل كما حُقّق في محلّه.

والحقُّ أنَّ القضاء بفرض جديد فالخطاب غير شامل لثاني الحال ، ووجو مالم يشمله الخطاب غير معقول ، هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية وهو اختيار

ص: 286

الشيخ في (الجواهر) ، وسيدنا الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة) (1) ، وممَّا ذكرنا تعرف ما في الوجه الثالث ، بل هو باطل حَتَّى مع البناء على اختلاف کيفيات الفور ، فبعضها على نحو تعدُّد المطلوب ، وبعضها على نحو وحدة المطلوب ؛ إذ مع الشك في دخول واجب فوري في أحد القسمين بخصوصه لم يكن لنا الحكم بإرادة بقائه في الذمَّة لو انتفت الفورية عمداً أو سهواً ؛ لأنَّ الشك حينئذ في التكليف الزائد المدفوع بالأصل ، ولا مجال للتمسُّك بالاستصحاب ، فإنَّه من قبيل الشكّ السَّببي الَّذي يُقدّم فيه الأصل على المسبَّب قطعاً.

المقام الثاني : فيما لو عصى المكلّف بالتراخي العرفي في أثناء الصلاة ، ففي بطلان ذلك وعدمه وجوه :

الأول : البطلان مطلقاً ؛ وستعرف وجه الإطلاق ، وهو اختيار العلّامة في (التحرير) قال رحمه الله : (لو ترك المصلّي ردَّ السلام مع تعيينه عليه ، فالوجه بطلان صلاته) ، انتهى (2).

وربّما يُستدل له بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد الخاص ، أو عدم الأمر به كما هو المنقول عن البهائي (3) ، وضعفهما ظاهر ، أمّا الأول :

فلمنع الاقتضاء أولاً ، وثانياً وإنْ سلّمنا الاقتضاء فيدل عليه من باب المقدِّمة وبالتبعية ، ولو سلَّمنا دلالة النهي على الفساد في العبادات فهو مخصوص بالنهي

ص: 287


1- مجمع الفائدة 3 : 114 وما بعدها ضمن أحكام السلام ، العروة الوثقى 3 : 15 وما بعدها ضمن مبطلات الصلاة.
2- تحرير الأحكام 1 : 269.
3- تعليقة على معالم الأُصول للقزويني 3 : 656.

الأصلي لا التبعي ، مع أنَّ بطلان الصلاة ببطلان الجزء لا يتمُّ إلا إذا لم يتدارك فتأمَّل ، ومجرد القراءة المحرَّمة أو الذكر المحرَّم بين الصلاة لا دليل على كونه مبطلاً ، مع أنَّ تخصيص الكلام بالذكر والقراءة لا وجه له ؛ إذ قَدْ يضاد الردّ بعض الأكوان والأفعال كما لو سلّم عليه ومرّ مستعجلاً وتوقَّف إيصال جوابه إلى مشي وحركة ولا يمكن إيصاله برفع الصوت ، فإنَّ الأمر بالردّ يقتضي النهي عن الكون لا عن الذكر والقراءة.

وأمّا عن الثاني ؛ فلأن عدم الأمر بالضد لمانع الاستهجان العرفي أو العقلي لا ينافي المحبوبية الواقعية ، فالصلاة في حال الأمر بالردّ محبوبة وإن لم يمكن الشارع الأمر بها ، فيقصد المصلّي التارك للردّ أمثال المحبوبية الواقعية حينئذ ، وهو من المحقّق في محلّه في الأُصول.

هذا ، وربّما يُدَّعی ظهور النصوص في وجوب الرد في الصلاة ، فيكون کسائر ما يجب في الصلاة من الستر والاستفال ونحوهما ، ولا ينافيه وجوبه قبلها ؛ إذ هو فهم عرفي من اللفظ كالمحرم قبل الصلاة لو فرض مجيء نهي به نحو : لا تنظر إلى الأجنبية في الصلاة. وفيه أنه لاشك في ظهور الأدلَّة في إرادة أنَّ الصلاة لا تمنع من وجوب الردّ ، لا أنّه من واجبات الصلاة.

الثاني : وهو الأظهر عام البطلان مطلقاً كما اختاره الشيخ في (الجواهر) ، والسيد الأُستاذ في (العروة) تبعاً (للدروس) و (البيان) و (الذكری) و (الموجز)

ص: 288

و (جامع المقاصد) و (فوائد الشرائع) و (الإرشاد) و (المسالك) (1) لما عرفت من بطلان الوجهين المزبورين اللَّذينِ يمكن الاستناد إليهما في القول بالبطلان.

الثالث : التفصيل بين ما لو اشتغل بشيء من الواجب في زمان الترك ، فالمتَّجه بطلان الصلاة وعدمه ، فالصحَّة بتقريب أن التعمُّد بالترك موجب لفساد الجزء المستلزم لفساد الكلّ ، إمّا لاقتضاء الأمر بالشيء والنهي عن الضدّ الخاص ، أو لعدم الأمر به ، فيلزم التشريع المفسد للجزء المستلزم لفساد الكلّ ، بحيث لا يجزي بعد إعادته على الوجه الصحيح ، أو لأنه في مثل المفروض من نحو کلام الآدميين في البطلان ، بخلاف ما لو ترك الردَّ وسكت حَتَّى مضى زمان الرد ، ثُمَّ اشتغل بالقراءة فإنَّه لا يبطل ؛ لعدم المقتضي ، وقد عرفت الجواب عمّا عدا الأخير ، وأمّا عنه فهو أنَّ القرآن قرآن بالنظم والأُسلوب ، وحرمة القراءة - على فرض تسليمها - لا تلحقه بكلام الآدميين مادام قصده الحكاية لكلام الله التي لا تحقق القرآنية بدونها ، إنْ هو إلّا كقراءة المجنب القرآن.

الرابع : يُستحب إفشاء السلام وتأكيده ، وفيه من الفضل حَتَّى قيل أنه مندوب أفضل من ردِّه الواجب ، ويدلُّ عليه مارواه في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام : «من التواضع أن تسلّم على من لقيت» (2).

فإنَّ التواضع المطلوب لا يحصل عرفاً إلّا بالإفشاء ، وعن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان سلمان رحمه الله يقول : افشوا سلام الله ؛ فإن سلام الله لا ينال الظالمين» (3).

ص: 289


1- جواهر الكلام 11 : 68 في حكم رد السلام ، العروة الوثقی 3 : 16 مسألة 16 ، الدروس 1 : 186 ، البيان : 95 ، ذكرى الشيعة 4 : 24 ، جامع المقاصد 2 : 356.
2- الكافي 2 : 646 ح 12.
3- الكافي 2 : 644.

وفي هذا المعنى أخبار كثيرة.

الخامس : المشهور أنه يجب على الراد إسماع المسلّم تحقيقاً أو تقديراً ، واستدل عليه بالتبادر ، وحكم العرف والعادة ، وبما في الكافي عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه السلام : «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول : سلّمت فلم يردوا عليّ ، ولعلَّه يكون قَدْ سلّم ولم يُسمِعْهُم ، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردِّه ولا يقول المُسَلّم : سلَّمْتُ فلم يَرُدّوا عليَ» (1).

ويدلّ بعمومه على المصلّي وغيره ، وقيل : لا يجب الإسماع ، وهو ظاهر المحقِّق في (المعتبر) والأردبيلي في (شرح الإرشاد) (2) ؛ لصحيحة منصور عن الصادق عليه السلام ، وموثَّقة عمّار الدالَّتينِ على إخفاء الرد ، وهما محمولان على التقية (3) ، وكذلك رواية محمّد بن مسلم (4).

ص: 290


1- الكافي 2 : 645 ح 7.
2- المعتبر 2 : 263 ، مجمع الفائدة 3 : 119.
3- صحيحة منصور : «وبإسناده عن سعد ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن علي بن النعمان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا سلَّم عليك الرجل وأنت تصلّي ، قال : تردّ عليه خفياً ، كما قال». (وسائل الشيعة 7 : 268 ح 9304 / 3. موثقة عمار : «وعنه ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمر بن موسی ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن السلام على المصلّي فقال : إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك». (وسائل الشيعة 7 : 268 ح 9305 / 4).
4- محمّد بن الحسن بإسناده ، عن احمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام ابن سالم ، عن محمّد بن مسلم قال : «دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك. فقال : السلام عليك. فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلمَّا انصرف ، قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ قال : نعم ، مثل ما قيل له». (وسائل الشيعة 7 : 267 ح 9302 / 1).

السادس : يتحقق السلام من الجماعة بوقوعه من واحد ، ويحصل الامتثال بالرد من واحد ؛ لأنَّهما من الأُمور الكفاية ، ويدل عليه ما رواه في (الكافي) عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا رد واحد أجزأ عنهم» (1).

ونحوه رواية ابن أبي بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام وصحيحة عبد الرحمن بن الحجَّاج ، ويترتب عليه أنّه لو سلّم على جماعة منهم المصلّي فردّ الجواب غيره لم يجز له الردّ بعد تمام الردّ ، نعم ، يجوز قبله.

السابع : قال الأستاذ (طاب ثراه) في (العروة) : (لو ردّ السلام صبيٌّ مميِّز ففي كفايته إشكال ، والأحوط ردّ المصلّي بقصد القرآن أو الدعاء) (2).

أقول : وجه الإشكال والترديد من عموم قوله تعالى : ﴿فَحَيُّوا ...﴾ الشامل المثل الصبي المميِّز ، ولاسيَّما إذا كان ابن عشر سنين ؛ ولأن عبادته شرعية كما يظهر من بعض الأخبار ، ومن أنه مندوب ، ولا يسقط الواجب بالمندوب ، والأقوى الكفاية وسقوط الفرض بالنفل الكثير ، وعليه فلو كان المسلِّم على المصلي صبياً مميِّزاً ، فالأقوى وجوب الرد عليه بعنوان ردّ التحيَّة ، وإن أراد الاحتياط فليقصد القرآن أو الدعاء.

الثامن : إذا كان بعض المسلَّم عليهم مصلياً وبعضهم قاعداً ، فهل يجب الردّ على القاعد أو يتساويان؟ الأظهر التساوي وبردِّ أحدهما يسقط عن الآخر ، ولا يسقط بردِّ من لم يكن مقصوداً بالسلام ؛ لعدم صدق الردِّ عليه.

ص: 291


1- الكافي 2 : 647 ح 3.
2- العروة الوثقی 3 : 19 مسألة 21.

التاسع : إذا سلّم واحد على جماعة يكفي جواب واحد إجماعاً ، كما هو الشأن في سقوط جميع الواجبات الكفائية بعد قيام من به الكفاية ، ولا يعتبر في السقوط قصد المجیب الردّ عن الجميع ، نعم ، قيل باستحباب أجوبة متعدِّدة ولو بعد جواب واحد فيما لم يكن في الصلاة ، ولم يكفِ ردُّ من لم يكن داخلاً في الجماعة لما ذكرناه.

العاشر : عكس السابق ، بأن سلّم جماعة على شخص واحد ، فهل يكتفي بجواب واحد بصيغة الجمع عن سلامهم بحيث يقصد منها جواب واحد الجماعة ، كما يكتفي بجواب واحد في المسألة السابقة ، أو يجب تكرار الجواب ورد المُسَلّمين؟

المنقول عن ظاهر المشهور الثاني ، وهو الحقُّ فإن تعدُّد التحيَّة بتعدُّد المسلّمین موجب لتعدُّد الردّ ، فلا معنى لكفاية ردّ واحد ، ولو كان بصيغة الجمع ؛ ضرورةَ عدم تعدُّد الردّ مع وحدة الصيغة ، ولا فرق في ذلك بين كون المسلّم عليه الواحد في الصلاة أو خارجها ، فيجب عليه التكرار في الجواب حَتَّی حال الصلاة بعدد أشخاص المسلّمين ، كما يجب عليه في خارجها ، وصریح بعض الأعلام في أجوية مسائله هو الاكتفاء بردّ واحد لو قصد بردّه الردّ على الجميع ، وكان المشروع بردّه بعد فراغ الجميع من صيغة السلام ، وهو كما ترى ؛ فإنَّ قصد التعدُّد لا يوجب التعدُّد الواقعي ، وهذا الفرع غير مذكور في العروة.

الحادي عشر : إنما يجب ردّ السلام على من علم بكونه مقصوداً بالتحيَّة خصوصاً أو عموماً ، أمّا لو شك فيه لم يجب ، ولو كان في حال الصلاة لا يجوز له ذلك حين بطلت صلاته ، إلّا أن يقصد بردّه القرآن أو الدعاء.

ص: 292

الثاني عشر : يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلَّمَ، فلو قال (قیل - ظ) : سلام عليکم. يجب أن يقول في الجواب : (سلام عليکم) ، بل الأحوط المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع ، نعم ، لا يجب المماثلة إذا زاد قوله : ورحمة الله وبركاته ، كما لا تجب في أمير الصلاة أيضاً ، بل الأحوط إسقاط الزيادة المزبورة في حال الصلاة ، ولو اقتصر المسلّم في سلامه بلفظ (سلام) كما هو المتعارف ما بين كثير من العوام والنسوان - سواء كان مكلّفاً أو غير مكلّف - قيل بعدم وجوب ردّ مثل هذا السلام بغير الصلاة ، فإن التحيَّة التي وجب ردّها في الشرع إنَّما هي التحيَّة الصحيحة ، وأمَّا في أثناء الصلاة فالظاهر عدم جوازه ؛ لكونه موجباً لفساد الصلاة ، نعم ، ربّما فرق كما في (العروة) (1) بين ما لو كان المسلّم شخصاً عالماً عارفاً بقواعد النحو ، وأنَّ قوله : سلام ، متدأ محذوف الخبر وكان المحذوف منويّاً له ، وجب الردّ حينئذ ، وما لو لم يكن كذلك فلا يجب ، وفيه أن الصحَّة والغلط تابعان للّسان العربي ولا مدخلية الاقتصاد فيهما ، بل ولا العلم والجهل ، وحذف الخبر من الكلام يُعد من اللّسان العربي ، ولا فرق فيه بين العالم ، والجاهل ، والشيخ ، وصاحب الجواهر أوجب ردّ السلام الغلط ؛ لصدق التحيَّة به عرفاً ، وهو الأقرب ، هذا والظاهر أن العامَّة لا يوجبون الاتحاد مطلقاً.

قال الفخر الرازي في تفسيره : (المبتدئ يقول : السلام عليك ، والمجيب يقول : وعليکم السلام ، وهذا هو الترتيب الحسن) ، انتهي (2).

ص: 293


1- العروة الوثقی 3 : 15 وما بعدها.
2- تفسير الرازي 10 : 212.

ومنه ما يُحکی أنَّ جدّي بحر العلوم (طاب ثراه) مذ كان مجاوراً لبيت الله الحرام دخل عليه رجل من أهل مكَّة من أهل السنَّة وسلّم عليه ، فأجابه السيد رحمه الله بقوله : سلام عليکم.

ثُمَّ التفت رحمه الله إلى أن المماثلة بين السلام وجوابه خلاف مذهب الجمهور ، وكان رحمه الله يستعمل التقيَّة معهم ، فأخذ في تدارك المطلب بأن قال للوارد : يا شيخ ، لقد تسالمنا ولم يرد أحدُنا جواب سلام صاحبه ، عليکم السلام ، فاعتقد الشيخ أنَّ السيِّد قصد بقوله : سلام عليکم ، التحيَّة للمبتدئ لا جواب التحيَّة ، والجواب إنَّما هو قوله : عليکم السلام.

الثالث عشر : يُشترط في صحَّة جواب التحيَّة صدوره من المجيب بعد فراغ المحيِّي من تمام الصيغة لعدم صدق الردّ قبل ذلك وهو واضح.

الرابع عشر : قال في (العروة) مقتضي بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلّا لضرورة ، ولكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة (1).

أقول : روى الصدوق رحمه الله في الخصال عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه الباقر عليه السلام قال : «لا تسلّموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس ، ولا على عبدة الأوثان ، ولا على موائد شرب الخمر ، ولا على صاحب الشطرنج والنرد ، ولا على المخنَّث ، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ، ولا على المصلّي ؛ وذلك لأنَّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ؛ لأنَّ التسليم من المسلّم تطوع

ص: 294


1- العروة الوثقی 3 : 25 مسألة 32.

والرد عليه فريضة ، ولا على آكل الربا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الَّذي في الحمّام ، ولا على الفاسق المعلن بفسقه» (1).

وإنَّما حُمل النهي هنا على الكراهة جمعاً بينه وبين ما مرّ من الأخبار.

وإذا سلّم أهل الملل من الكفَّار ، فقل في الردّ عليهم : عليك ؛ لما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : «لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم» (2).

وفي حديث آخر : «إذا سلّم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك» (3).

وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله أنهم سلّموا عليه فردّ عليهم بلفظ : «عليك» (4).

وفي خبر آخر تقول في الردّ : «سلام» (5).

روی هذه الأخبار في الكافي.

الخامس عشر : قال السيِّد الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة) : (المستفاد من بعض الأخبار أنه يُستحب أن يسلّم الراكب على الماشي ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال ، وهم على أصحاب الحمير ، والقائم على الجالس ، والجماعة القليلة على الجماعة الكثيرة ، والصغير على الكبير.

ص: 295


1- الخصال : 484 ح 57.
2- الكافي 2 : 649 ح 2.
3- الكافي 2 : 649 ح 4.
4- الكافي 2 : 648 ح 1.
5- الكافي 2 : 648 ح 6.

قال : ومن المعلوم أنَّ هذا مستحب في مستحب ، وإلا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً) (1).

هذا تمام الكلام في أحكام السَّلام.

رجع

[تتمة شرح الحديث]

[د] - «واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه» : أي حيث تواجهه ولا تحوجه في الخطاب والمواجهة إلى الانحراف لما فيه من صعوبة نظره إليك ، وحرمانك من التشرُّف بنظرك إلى وجهه مع أنه عبادة.

[ﻫ] - «ولا تضجر بطول صحبته» : وفيه مبالغة على لزوم الوقوف عند العلماء ، وترك الإلحاح على السؤال من العالم ، بل اللازم انتظار صدور الكلام منه ، فإذا شرع البيان تصغي إليه بقلبك.

[و] - والمقصود من قوله : «فإنَّما مثل العالم مثل النخلة» : التمثيل للإيضاح ، بانَّك كما لا تسارع إلى الصعود على النخلة ولا إلى هزّها قبل أوان اقتطاف ثمرتها ، فكذلك ينبغي لك أن لا تحرِّك العالم ولا تضطره إلى كثرة الكلام ، واتباع السؤال بالسؤال.

[ز] - «والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم» : إذ لا ريب أنَّ العالم الرباني الهادي للخلق إلى الحقّ أعظم أجراً من الصائم القائم ، فإنَّ الثاني إنَّما يكفُّ نفسه عن المفطرات والملهيات ، وفي ذلك تفع لنفسه دون غيره ، بخلاف الأول فإنه بعلمه ينقذ الناس من الوقوع في الشبهات والاعتقادات الباطلة ، وكذلك المجاهد

ص: 296


1- العروة الوثقی 3 : 26 مسالة 33.

الغازي في سبيل الله ، فإنه بمجاهدته مع الكفَّار مدافع عن غلبة الكفَّار على أبدان الخلق ، بخلاف العالم ، فإنه بعلمه مدافع لجنود الجهل عن الاستيلاء على قلوب الضعفاء.

[ح] - «ثلم في الإسلام» : قال في (مجمع البحرين) : (الثلمة كبرمة : الخلل الواقع في الحائط وغيره ، والجمع : ثلم كبرم. وعلَّل ذلك بأنَّهم حصون كحصون سور المدينة ، فذكر ذلك على سبيل الاستعارة والتشبيه) ، انتهى (1).

ويستعمل متعديّاً ولازماً ؛ ولذا عُديّ ب-(في) في الحديث.

[في العالم العامل]

[82] - قال رحمه الله : (فصل ، ويجب على العالم العمل ، كما يجب على غيره ، لكنَّه في حق العالم آكد ، ومن ثُمَّ جعل الله تعالی ثواب المطيعات من نساء النبي صلى الله عليه وآله وعقاب العاصيات منهن ، ضعف ما لغيرهِنَّ ، وليجعل له حظاً وافراً من الطاعات والقربات ، فإنَّها تفيد النفس ملكةً صالحةً واستعداداً تامّاً لقبول الكمالات) (2).

[أ] - أقول : إعلم أنَّه كلَّما ازداد العبد معرفة بالله تعالی ازداد خضوعاً له وخوفاً منه ، نظير خدم السلطان وحشمه ، فإنَّهم كلما ازدادوا قرباً من السلطان ازداد خطرهم وثقلت تكاليفهم ؛ لزيادة معرفتهم بشؤون السلطنة وعلو العرش الملوكي ، فما ظنُّك بمالك الملوك ووالي مملكة الوجود ، فإذا كان عالماً لا بدَّ له من العلم بأن الله مطَّلع على الضمائر ، عالم بالسرائر ، رقيب على أعمال عباده ، قائم على كل نفس بما كسبت ، وأن سرّ القلب في حقّه مکشوف ، كما أن ظاهر

ص: 297


1- مجمع البحرين 1 : 322.
2- معالم الدين : 18.

البشرة للخلق مكشوف ، بل أشد من ذلك ، قال الله تعالى : ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ﴾ (1) ، وقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (2) ، فهذه المعومات التي هي من خصائص العلماء ، تقهر قلب العالم على مراعاة جانب الله ، وصرف الهمَّة إليه ، واستغراق قلبه بملاحظة ذلك الجلال منكسراً تحت هيبته ، فلا يبقى فيه متسع الالتفات إلى الغير ، فصار همّه همّاً واحداً ولابد من أن يكفيه الله سائر الهموم ، ومن ثُمَّ جعل الله ثواب المطيعات من نساء النبي صلى الله عليه وآله وعقابهن ضعفاً بما أنهن عالمات بالأحكام الشرعية من حيث معاشرتهن له صلى الله عليه وآله ، واختصاصهن بصحبته ، وكسبهن الأخلاق الفاضلة من طول مجاورته ، وكان فعل الواجبات وترك المحرمات في حقّهن آكد من الغير ، وكذلك ثوابهن وعقابهن أكثر من الغير ، فإن الثواب والعقاب يتأكَّدان بتأكُّد الوجوب والحرمة ؛ إذ ربّما يخفّف العقاب عن بعض الجهّال لعذر الجهل ، وكذلك يخفف الثواب لوقوعه من العامل مع قلَّة معرفته فاقداً لشرائط الكمال.

[ب] - «وليجعل له حظاً وافراً ... إلخ» : بأن يجدَّ ويجتهد في العبادة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا ، على عسر أم على يسر» (3).

ص: 298


1- سورة العلق : آية 13.
2- سورة النساء : من آية 1.
3- الكافي 2 : 83 ح 3 وفيه وفي غيره من المصادر الحديثية أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلاحظ.

وعن أبي عبد الله عليه السلام : مذ سأله بعض أصحابه عن طلب الصّيد ، إلى أن قال عليه السلام : «وإنَّ المؤمنَ لفي شُغُلٍ عن ذلك ، شغله طلب الآخرة عن طلب الملاهي» (1).

وعن کميل بن زياد ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «يا کميل ، إنّه لا تخلو من نعمة الله عزَّ وجلَّ عندك وعافيته ، فلا تخلُ من تحميده ، وتمجيده ، وتسبيحه ، وتقديسه ، وشكره ، وذكره على كلّ حال ... الخبر» (2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (3) ، قال : «خلقهم للعبادة» (4).

وبالجملة : فإن العالم أولى بهذه من غيره وأحرى.

قال علي بن الحسين : «إنَّ أحقَّ الناس بالاجتهاد ، والورع ، والعمل بما عند الله ويرضاه ، الأنبياءُ وأتباعُهم» (5).

والمعروف على قدر المعرفة ، والمراد من المعروف كلّ ما عُرف من طاعة الله والتقرُّب إليه ، فلا ينبغي للعالم أن يَنقُصَ معروفُه عن معرفته.

ص: 299


1- مستدرك الوسائل 1 : 121 ح 151 / 4.
2- بحار الأنوار 74 : 273 ضمن وصاياه عليه السلام.
3- سورة الذاريات : آية 56.
4- تفسير العياشي 2 : 164 ح 82.
5- مستدرك الوسائل 1 : 125 ح 163 / 9.

الحديث السادس عشر: العلماء رجلان

[83] - قال رحمه الله : وقد روينا بالإسناد السالف وغيره ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في كلام له : «العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناجٍ ، وعالمٌ تارك لعلمه فهذا هالِكٌ ، وإنَّ أهل النار ليتأذَّون من ريح العالم التارك لعلمه ، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله ، فاستجاب له وقبل منه ، فأطاع الله، فأدخله الجنَّة وأدخل الداعي النار بترکه علمه ، واتّباعِه الهوي ، وطول الأمل ، أمّا اتّباعُ الهوى فيصدُّ عن الحق ، وطولُ الأملِ يُنسي الآخرة» (1).

أقول : أمّا رجال السند فقد تقدّم ذكرهم جميعاً ، وأمّا ما يتعلق بشرح المتن :

[أ] - قال صاحب الوافي : (هذا التقسيم للعلماء الَّذينَ علمهم مقصور على ما يتعلق بالعمل ، کالعالم بالشريعة ، وكالعالم بالأخلاق دون الَّذينَ علمُهم مقصود لذاته ، کالعالم بالمبدأ والمعاد ، فإنّه لا يكون غالباً إلا ناجياً ، وإذا وقع منه زلَّة أو ذنب تذکّر لربه وتاب ، وتضرّع إليه وأناب) ، انتهى (2).

[ب] - «آخذ بعلمه» : يعني عامل بمقتضاه من تهذيب الظاهر والباطن عن الأعمال القبيحة ، والأخلاق الرذيلة ، وتحليتهما بالأعمال الحسنة ، والأخلاق الفاضلة.

ص: 300


1- معالم الدين : 18 ، الكافي 1 : 44 ح 1.
2- الوافي 1 : 203 ح 137 / 1 باب استعمال العلم.

[ج] - «وعالم تارك لعلمه» : غیر عامل بمقتضاه من التجنُّب عن الأخلاق الفاسدة ، وأعمال قُوَّتيهِ الشَّهَويةِ والغضبيةِ ، وتطلُّبِهِ الدّنيا وزُهرتَها ، والإكثار من زخارفها ومشتهياتها ، وتسرُّعه إلى الفتاوى والحكومة بين العباد ، وإنما كان عذاب العالم أكثرَ وأشدَّ ؛ لأنَّ نفسه أقوى ، ومعرفته بقبائح الأعمال الصادرة منه أتمّ ، فتألُّمه وتحسُّرهُ أشدّ ، كما أن ثوابه مع العمل أعظم.

[د] - «لَيَتأذَّونَ من ريح العالم» : قيل : إنّ هذا النتن موجود في الدنيا أيضاً ، إلّا أنّ الشامّة القاصرة لا تدركها ، والآخرة محل بروز الكامنات.

[ﻫ] - «والهوى» : هو ميل النفس الأمَّارة بالسوء إلى مقتضی طباعها من الانغمار في اللَّذات على أنواعها ، واتّباع الهوى يصد عن الحق لا محالة ، أي يحجب القلب عن فهم المعارف ؛ لأنه يضاد العلم والمعرفة ، وحبُّ الشيء يُعمي ويُصِمُّ ، ويكون المتبع لهواه مشركاً بالشرك الخفي ، أفرأيت من اتَّخذ إلهه هواه (1) ، عصمنا الله وإياك.

[و] - «وطول الأمل يُنسي الآخرة» : لأنه يورث قسوة القلب ، وقاسي القلب بعيد عن الآخرة ؛ لأنه شائق إلى الدنيا ، ومن أحبّ شيئاً واشتاقه بعّد عن نفسه اضداده ، وقرّب إليها ملائماته ، فيرى أن على نفسه من حبّه غشاوة مظلمة ، فلا يكاد يتطبَّع فيه الحق.

ص: 301


1- اقتباس من آية 43 من سورة الفرقان.

الحديث السابع عشر: اقتران العلم بالعمل

اشارة

[84] - قال رحمه الله : عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «العلم مقرون إلى العمل ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم. والعلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل عنه» (1).

أقول : الكلام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة محمّد بن سنان]

أمّا محمّد بن سنان : فمختلف فيه غاية الاختلاف ، حَتَّى من شخص واحد ، كالشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والعلّامة ، ونقل كلماتهم وما فيها يحتاج إلى بسط لا يقتضيه المقام (2) ، إلّا أنَّ الرجل عندي من عمدة الثقات ، وأجلّ الرواة تبعاً لغير واحد من المحقّقين ونُقَّاد المحصّلين (3) ، ومن أراد التفصيل فعليه برجال جدّي بحر العلوم ، ورسالة حجّة الإسلام السيِّد محمّد باقر الرشتي (4).

ص: 302


1- معالم الدين : 18 ، الكافي 1 : 44 ح 2.
2- بسط الكلام فيه تجده في خاتمة المستدرك ج 4 ص 66 - 90 ، فإن مؤلفها رحمه الله بسط القول فيه وفي نقل كلماتهم عنه ، فراجع.
3- اتفق المؤلف رحمه الله في هذا الرأي مع رأي الشيخ النوري رحمه الله المذكور في خاتمة مستدرکه ج 4 ص 68 ، فلاحظ.
4- الفوائد الرجالية 3 : 249 - 272.

[ترجمة إسماعيل بن جابر الجعفي]

وأمّا إسماعيل بن جابر الجعفي : فهو ثقة من أرباب الأُصول التي يرويها عنه الجمّ الغفير ، والجمع الكثير من الأجلّاء ، وصرّح بوثاقته غير واحد من أرباب الفن ، كصاحب (الحاوي) و (الوجيزة) و (المشتركات) (1)، ويروي عن الباقر ، والصادق ، والكاظم عليههم السلام أصابته لقوة ، فأمره الصادق ، فأتى قبر النبي وعلّمه کلمات ، فدعى بها فبرأ (2) ، وقد يقال : الخثعمي ، وهو تصحيف الجعفي.

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] - لا ريب في أنَّ العلم مقرون بالعمل في كتاب الله كقول الله تعالى : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ (3) ، وقد فسّر الحكمة في قوله تعالى : ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾ (4) - إلى داود - الحكمة : بالعلم والعمل.

ص: 303


1- حاوي الأقوال 1 : 144 رقم 29 ، الوجيزة في الرجال : 30 رقم 194 ، هداية المحدثین : 19.
2- اللقوة : داء في الوجه ، يعوج منه الشدق. ورد حديث اللّقوة في اختيار معرفة الرجال 2 : 450 ح 349 ونصّه : «حدّثنا محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني علي بن الحسن ، قال : حدّثني ابن أورمة ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : أصابني لقوة في وجهی ، فلمَّا قدمنا المدينة دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ما الَّذي أرى بوجهك؟ قال : قلت : فاسدة ريح. قال : فقال لي : إئت قبر النبي صلى الله عليه وآله ، فصلّ عنده ركعتين ، ثُمَّ ضع يدك على وجهك ، ثُمَّ قل : بسم الله وبالله هذا أحرج عليك من عين إنس أو عين جن ، أو وجع أحرج عليك ، بالَّذي اتخذ إبراهيم خليلاً ، وكلّم موسى تكليماً ، وخلق عيسی من روح القدس ، لما هدأت وطفيت ، كما طفيت نار إبراهيم ، أطفئ بإذن الله ، أطفئ بإذن الله ، قال : فما عاودته إلا مرتين حَتَّى رجع وجهي ، فما عاد إليّ الساعة».
3- وردت بأكثر من موضع في القرآن الكريم في أوائل الآيات ، منها في سورة البقرة آية 25.
4- سورة ص : من آية 20.

وشبّه المحقّق الطوسي رحمه الله العلم بالصورة والعمل بالمادة وقال : (وكما لا وجود للمادة بلا صورة ، ولا ثيات للصورة بلا مادة ، فكذلك لا وجود لعمل بلا علم ، ولا ثيات لعلم بلا عمل ، وباجتماعهما يحصل الغرض الأصلي من خلق الإنسان) (1).

وقال حكيم : (القلب ميِّت وحياته بالعلم ، والعلم ميِّت وحياته بالطلب ، والطلب ضعیف وقوته بالمدارسة ، فإذا قوي بالمدارسة فهو محتجب ، وإظهاره بالمناظرة ، فإذا ظهر بالمناظرة فهو عقيم ، ونتاجه بالعمل ، فإذا زُوِّجَ العلم بالعمل توالد وتناسل ملكاً أبدياً لا آخر له) (2).

وقال أفلاطون الحكيم في كتاب (معادلة التفس) - وهي من الصدئ المنسوبة إليه - مخاطباً بها ومعاذلاً لها : (يا نفس ، هذه رتب جماعة ثلاث ، فكوني على أشرفها ، وأجملها : وأدناها رتبة : عامل غير عالم ، كرجل دي سلاح لا شجاعة له ، وما يصنع الجبان بالسلاح؟

والرتبة الثانية : رجل عالم غیر عامل ، كرجل شجاع ولا سلاح معه ، وكيف يلقى عدوه ولا سلاح معه؟ غير أنَّ الشجاع على السلاح أقدر من الجبان على السلاح.

والرتبة الثالثة : هي رجل عالم عامل ، كرجل ذي شجاعة وسلاح ، وهذه ينبغي أن تكون الرتبة الشريفة) (3).

ومن هنا قيل : العلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر ، أو كالحمل على جمل.

ص: 304


1- شرح اُصول الكافي 2 : 142.
2- تفسير الرازي 2 : 193.
3- لم أهتد إلى مصادر هذا القول.

والسر في ذلك كلّه على ما قيل : إنَّ العلم الَّذي هو خارج من حدِّ الحال ، وبالغ درجة الكمال ، والملكة ، والرسوخ لا ينفك عن آثاره وخواصّه ، ومن أظهر الخواص له العمل ، أعني الاشتغال بالأفعال الحسنة ، والالتزام بالخصال الجيِّدة.

[ب] - «العلم يهتف بالعمل» : لكونه باعثاً عن العمل ودليلاً عليه ، فإنَّ العالم بموجب علمه دام علمه ؛ لأنَّ للعمل تأثيراً عظيماً في صفاء قلب العامل ، وإزالة الظلمة ، ورفع حجب الجهل عنه ، فلا جرم أنَّ له تأثيراً في رسوخ علمه وتُوَكُّدِهِ ، فيكون محفوظاً من الزوال ، بخلاف ما لو ترك العالم العمل بعلمه ، فإنَّ ترکه موجب لظلمة قلبه ، واحتواء الكدورات عليه ، وانحجابه بالغشاوات ، فإذا استمرّ هذا الحال مع العالم أخذ قلبه في ازدياد الظلمة شيئاً فشيئاً حَتَّى يستوعبه ، فلا يبقى محلٌّ فيه النور العلم ، فيزول عنه بالكلّية لطُروِّ النسيان ، وعروض الشكوك والشُّبَه ، وهو معنى الارتحال عنه ؛ ولذا أنَّ أهل المعرفة قسَّموا أسباب الوصول إلى السعادات الآخروية ، والحظوظ الباقية إلى علم وعمل ، وارتباط أحدهما بالآخر معلوم من الدين ضرورة ، فانفراد أحدهما عن الآخر لا يفيد شيئاً. إنَّ بعض أهل الحكمة قال : إنَّ إدراك المعقولات على ما ينبغي موقوف على صفاء النفس وتنوُّرِها ، وهما موقوفان على تهذيب الأخلاق ، وتكميل السياسيات.

قال الشيخ أبو نصر الفارابي : (ينبغي لمن أراد أن يشرع في الحكمة أن يكون صحيح المزاج ، متأدِّباً بآداب الأخبار ، قَدْ تعلَّم القرآن ، واللُّغَة ، وعُلومَ الشرع أوّلاً ، ويكون عفيفاً ، صدوقاً ، معرضاً عن الفسوق ، والفجور ، والغدر ، والخيانة ، والمكر ، والحيلة ، فارغ البال من مصالح المعاش ، مقبلاً على أداء الوظائف الشرعية ، غير مخلّ بركن من أركان الشريعة ، ولا بأدب من آدابها ، معظّماً للعلم والعلماء ، ولا يكون عنده

ص: 305

لشیء قدر إلا الحكمة وأهلها ، ولا يتَّخذُ العلم حرفة ، وإذا كان بخلاف ذلك فهو عالم زور ، وحکيم کذب ، بل لا يُعدُّ منهم) (1).

فتأمّل - يا أخي - في كلام هذا الحكيم ، فإنَّه صريح في أنَّ العلم هو الثمرة المجتناة من شجرة العلم ، بل هو المحصّل.

ص: 306


1- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

الحديث الثامن عشر: العالم إذا لم يعمل بعلمه

اشارة

[85] - قال رحمه الله : وعنه عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن علي بن محمّد القاشاني ، عمّن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم الجعفري ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته من القلوب ، كما يزلُّ المطرُ عن الصفا» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

فيما يتعلق برجال السند : ومرجع الضمير كما تقدّم.

والمراد من العدّة هنا : عليّ بن إبراهيم ، وعلي بن محمّد بن عبد الله بن اُذينة ، وأحمد بن محمّد بن اُميَّة ، وعلي بن حسن.

وكلّما قال الصندوق : (عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد - أعني البرقي المعروف - فالمراد بها هؤلاء) (2).

قال جدّي بحر العلوم (طاب ثراه) ، في ذكر العدّة وصاحبها :

وعدّهُ البرقي وهو أحمدُ *** عليٌّ بنُ الحَسَنِ وأحمَدُ

وبَعْدَ ذينِ ابنُ أُذينَةٍ علي *** وابنٌ لإبراهيمَ واسمُهُ علي (3)

ص: 307


1- معالم الدين : 18 ، الكافي 1 : 44 ح 3.
2- عوائد الأيام : 768 باب العدّة عن البرقي.
3- حكاه عنه الكلباسي في سماء المقال 1 : 254.

[ترجمة علي بن محمّد القاشاني]

وأمّا علي بن محمّد القاشاني ، فهو : الضعيف ، من ولد زياد مولی عبد الله بن عبَّاس ، من آل خالد بن الأزهر ، لا علي بن محمّد بن شيرة القاشاني الفاضل الفقيه المحدّث الَّذي مدحه النجاشي (1) ، ووثّقه الشيخ وعدّه من أصحاب أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام (2) ، وظنّ العلّامة في (الخلاصة) أنهما واحد (3) ، وهو اشتباه.

قال جدّي الصالح في (شرح الأُصول) بالتغاير ، ونقله عن بعض أفاضل أصحابنا (4).

وقال الشيخ أبو علي رحمه الله : (إنّ احتمال التعدّد ليس بذاك البعيد أيضاً ، بل لا داعي للقول بالاتّحاد أصلاً سوى الوصف بالقاشانيّة ، وهو كما ترى. والله أعلم) (5).

[ترجمة الجعفري]

والجعفري : غير معروف كما صرّح به جدّي الصالح (6).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

ص: 308


1- رجال النجاشي : 255 رقم 669.
2- رجال الشيخ الطوسي : 388 رقم 5711 / 8 باب أصحاب الإمام الهادي عليه السلام ، وليس في أصحاب الإمام الجواد عليه السلام ، وسبب الاشتباه ماذكره العلّامة في خلاصة الأقوال ، والمازندراني فی شرحه لكتاب الكافي ، فلاحظ.
3- خلاصة الأقوال : 363 رقم 6.
4- شرح اُصول الكافي 2 : 143.
5- منتهی المقال 5 : 59 ضمن ترجمة رقم 2094.
6- شرح اُصول الكافي 2 : 143.

[أ] - «كما يزلُّ المطر عن الصفا» : هو مقصورٌ جمع الصفاة ، وهو الحجر الصلد الَّذي لا يستقر عليه الماء فلا ينبت (1) ، شبّه المعقول - أعني عدم تأثر القلب بموعظة مثل هذا الواعظ - بالمحسوس - أعني عدم تأثر الصخرة الصمّاء من المطر - لزيادة التقرير والإيضاح كما هو شأن الحكماء والبلغاء ، ولا شك أن الموعظة إذا خرجت من القلب دخلت في القلب ، وإذا جرت من اللّسان لم تتجاوز الآذان ، فإن من خالف قوله فعله لا يبقى لقوله تأثير في القلوب ، ومتابعة قوله بالخصوص دون فعله ترجيح بلا مرجَّح ؛ لأنَّ العالم إذا لم يظهر من علمه إلا لقلقة اللّسان من غير أن تظهر منه عبادة ، كان عالماً ناقصاً ، فأمَّا إذا كان يفيد الناس بألفاظه ومنطقه ثُمَّ تشاهده الناس على قدم عظيمة من العبادة ، فإنَّ النفع به يكون عامّاً تامّاً وذلك ؛ لأن الناس يقولون : لو لم يكن معتقداً حقّية ما يقول لما أدأبَ نفسه هذا الدأب ، وأمّا الأول فيقولون فيه : كلّ ما يقوله نفاق وباطل ؛ لأنه لو كان يعتقد حقّية ما يقول لأخذ به ، ولظهر ذلك في حركاته ، فيعتقدون بفعله لا بقوله ، فلا يشتغل أحد منهم بالعبادة ولا يهمّ بها.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أوضع العلم ما وقف على اللّسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان» (2).

فکنّی عليه السلام بالأول عن العلم الَّذي لا عمل معه ، وظهوره وقف على اللّسان فقط ، وهو أنقص درجات العلم ، وأراد الثاني المعلم المقرون بالعمل ، فإنَّ الأعمال الصالحة لمّا كانت من ثمرات العلم بالله وما هو أهله ، كان فيها ظاهرٌ

ص: 309


1- لسان العرب 14 : 464.
2- نهج البلاغة 4 : 20 ح 92.

على جوارح العبد ، وأركانه ظهور العلّة في معلولها ، وذلك هو العلم المنتفع به في الآخرة.

ثُمَّ لا يخفى أنَّ عدم التأثير إنّما يكون في الغالب ، فربّما يحصل لبعض السامعين رقّة قلب وصفاء طينة (1) ، فيتأثَّر من كلام الواعظ المذكور ، وإن كان مخالفاً لعمله فلا ينافي ما سبق في حديث سلیم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام : «إنَّ أشدَّ أهل النار ندامة رجل دعا عبداً إلى الله ، فاستجاب دعاءه وقبل ... إلى آخر الحديث» (2).

فإنّه يدل على أنه ربّما كانت موعظة من لم يعلم مؤثّرة ، فلعل ذلك بطريق النُّدرة.

واحتمل بعضهم حمل ذلك على صورة الجهل من السامع بحال المتكلّم بخلاف هذا ، فإنَّ زلَّة الموعظة مخصوصة بصورة علم السامع بحال الواعظ.

ص: 310


1- کذا ، ولعلها : (وصفاء نيّة).
2- کتاب سليم بن قيس : 261.

الحديث التاسع عشر

اشارة

[86] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقري ، عن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، قال : جاء رجل إلى علي بن الحسين عليه السلام ، فسأله عن مسائل ، فأجاب ، ثُمَّ عاد ليسأل عن مثلها ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : «مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعلموا بما علمتم ، فإن العلم إذا لم يُعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفراً ، ولم يزدد من الله إلا بعداً» (1).

أقول : مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة علي بن هاشم]

وعلي بن هاشم المذكور (2) ، هو وأبوه مجهولان ؛ ولذا حكم غير واحد من أهل التحقيق بضعف الحديث.

[أ] - «فسأله عن مسائل» : الظاهر كونها متعلَّقة بالعمل ولو بقرينة السياق.

الأناجيل الأربعة لعيسی عليه السلام

[ب] - «مکتوب في الإنجيل» : فيه إشارة إلى ثبوت ما كان في الشرائع السابقة في شريعتنا إلا ما اُخرج بالدليل ، ولا ينافيه ثبوت عموم نسخ شريعتنا للشرائع السابقة ؛ إذ الثابت مطلق النسخ لكلّية الشرائع والأديان لا لكلّ حكم من كلّ شريعة.

ص: 311


1- معالم الدين : 19 ، الكافي 1 : 44 ح 4.
2- عدّه الشيخ الطوسي في رجاله : 244 رقم 3384 / 293 من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، وقال عنه : علي بن هاشم بن البريد ، أبو الحسن الزبيدي الخزاز ، مولاهم الكوفي.

والانجيل : کتاب عيسی عليه السلام يؤنّث ويذكّر ، فمن أنّث أراد الصحيفة ، ومن ذكر أراد الكتاب ، وهو اسم عبراني أو سرياني ، وقيل : هو عربي.

والإنجيل مثل الأخريط والإكليل وقيل اشتقاقه من النجل الَّذي هو الأصل ، ويقال هو كريم النجل اي الأصل والطبع ، ولمّا عرج عيسی عليه السلام من أقليم الأرض إلى أوج السماء انفقد أكثر فصول الإنجيل إلا ما حفظه الله تعالى ؛ ليكون حجّة وبرهاناً علی النصاری ، كالوصية بفارقليط - ويعنی سيِّد الرسل صلى الله عليه وآله - وبقاء دينه إلى آخر الزَّمان ، وأن بعض ما کان (من كان - ظ) متديِّناً بدین عيسی عليه السلام لمّا رأوا اختلال الإنجيل عزموا على الرجوع عن دينه عليه السلام ، وكان ذلك بعد عروجه باثنتين وعشرين سنة ،فتوجَّه متّى - أحد تلامذة عيسی عليه السلام - إلى تأليف إنجيل ، ومن بعده لوقا - طبيب إنطاکي أحد تلامذة شمعون بطرس - ، ومن بعده يوحنا بن سيداي ، ومن بعده مرقش - أحد تلامذة بطرس - ، فهؤلاء الأربعة ألّف كلّ واحد منهم إنجيلاً ، ومن هنا كان للنصارى أناجیل أربعة على ترتيب الأسامي.

[ج] - «لم يزدد صاحبه إلّا كفرا» : لأن ترك العمل مع العالم جحود وإنكار ، والجاهل التصرف لا يلزمه الإنكار.

[د] - «ولم يزدد من الله إلا بعداً» : أي من رحمة الله وإكرامه في الآخرة ، ولا ريب أنَّ العمل في دار الدنيا موجب لنيل الآخرة والقرب إلى رحمة الله في الآخرة ، فكلّما ازداد العبد في العمل ازداد قرباً إلى الله.

ص: 312

الحديث العشرون: العمل بمقتضى العلم

[87] - قال رحمه الله : وعنه ، عن عدّة من أصحابنا ، من أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، رفعه قال : قال أمير المؤملين عليه السلام في كلام له خطب به على المنبر : «أيُّها الناس ، إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلَّكم تهتدون ، إنّ العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الَّذي لا يستفيق من جهله ، بل قَدْ رأت أنّ الحجّة عليه أعظم ، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه ، منها على هذا الجاهل المتحيَّر في جهله ، وكلاهما حائر بائر ، لا ترتابوا فتشكُّوا ، ولا تشكُّوا فتكفروا ، ولا تُرخِصوا لأنفسكم فَتُدهِنوا ، ولا تُدْهِنوا في الحقِّ فتخسروا ، وإن من الحقّ أن تَفَقَّهوا ، ومن الله أن لا تفتُروا ، وإنَّ أنصحَكُم لنفسه أطوعُكُم لربِّه ، وأغشَّکم لنفسه أعصاکم لربِّه ، ومن يُطِعِ اللهَ يأمَنْ ويستَبشِرْ ، ومن يعصِ اللهَ يَخِبْ وَينْدَم» (1).

أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، وقد عرفت من يقصده الكليني من العدّة عن أحمد بن خالد البرقي ، وباقي الرجال غير مذکورين ، فالحديث مرفوع.

وأمّا شرح متن الحديث :

[أ] - «خطب على المِنبَر» : بكسر الميم وفتح الباء ، وفي الصّحاح : (نبرت الشيء أنبره نبراً : رفعته. ومنه سُمّي المنبر) (2).

[ب] - «لعلکم تهتدون» : فيه تنبيه على أن العمل بمقتضى العلم يؤدي إلى الاهتداء بهدى الله ، وهو الثبوت على نور اليقين الَّذي هو غاية كلّ شيء ؛ لما

ص: 313


1- معالم الدين : 19 ، الكافي 1 : 45 ح 6.
2- ينظر : الصحاح 2 : 821.

عرفت من أنّ العلم مع العمل موجب للثبوت على سبيل الهداية وصراط الحق ، وأنَّ العلم بلا عمل مستودع.

وبعبارة اُخرى : سلّم الصعود إلى الحضرة الإلهية والقرب من رحمته الواسعة هو العلم والعمل ، لا يمكن الترقّي إلّا بهما ، ولا يكفي التوحيد الَّذي هو الأصل في الاتّصاف بعزَّته وسائر صفاته ؛ لأنَّ الصفات مصادر الأفعال فما لم يترك الأفعال النفسية التي مصادرها صفات النفس بالزهد والتوكُّل ، ولم يتجرَّد عن هيئاتها بالعبادة والتبتُّل ، لم يحصل استعداد الاتّصاف بصفاته تعالى ، فكان العلم الحقيقي الَّذي هو التوحيد بمثابة عُضادتي السلّم ، والعمل بمثابة الدرجات في الترقّي.

[ج] - «العالم العامل بغيره» : أي بغير علمه.

[د] - «كالجاهل الحائر» : في عدم العلم ؛ لأنَّ العلم بلا عمل ليس بعلم ، بل هو أسوأ من الجهل.

[ﻫ] - «لا يستفيق عن جهله» : فيه إشعار بأنَّ الجهل کالسكر أو المرض ، فإنَّ الاستفاقة بمعنى الخلاص من أحدهما.

[و] - «بل قَدْ رأيت» : أي علمت يقيناً كالمشاهدة بالعين.

[ز] - «أنَّ الحُجَّة» : على العالم التارك للعمل بعلمه أعظم من الجاهل المتحيِّر في جهله.

[ح] - «والحسرة» : عليه ، (أدوم) أمّا :

الأوّل : فلأنَّ محاسبته في يوم القيامة على قدر ما عقله وفهمه ، وليس حالة كحال الجاهل قطعاً ، فإنَّ العلم قاطع للعذر.

ص: 314

وأمّا الثاني ، فلأنه كلّما رأى يوم القيامة ربح العاملين وكرامتهم عند الله تعالی ازدادت حسرته وندامته.

ولعلَّ المراد : الحسرة في دار الدنيا ، فإنَّه من حيث إدرا که بالعلم درجات العاملين ، وما أعدّ لهم من القرب والمنزلة في دار جنّات نعيم ، فهو في ألم الغبطة والحسرة من تلك الحيثية ، وما أحسن ما قيل :

قدر زر زرگر شناسد *** قدر جوهر جوهرى

ولا يلزم من ذلك مواظبته على العمل ، كما نرى كثيراً من الناس يترکون النفع الجليل الآجِل ، ويُقدِمون على المنافع الحقيرة العاجلة ، وهم معترفون بتقصيرهم وقصور هممهم ، وأن الألم الحاصل عند زوالها أشدّ من اللَّذة الحاصلة عند وجدانها ، ولكنَّ النفوس الضعيفة تحبُّ الشهوات العاجلة ، حَتَّى أن من الأمثال السائرة على لسان الفرس ، قولهم : (سيلي نقد به از حلواي نسيه).

فتهافت الناس على المعاصي ، وبلوغ الشهوات والمآرب ، وهم في حال التذاذهم بتلك المنافع الطفيفة واجدين ألم الغبطة من حيث تفويتهم على أنفسهم ما هو أعظم وأنفع وألذّ في الآجِل ، وضحك المغبون مشهور عند العقلاء.

[ط] - «وکلاهما حائر بائر» : البائر : الَّذي يتّجه لشيء ولم يأتمر رشداً ، ولا يطيع مرشداً.

[ي] - «ألا ترتابوا» : الريبة بالكسر في أصل اللُّغة : القلق والاضطراب ، ثُمَّ شاع استعمالها في الشكّ وسوء الظن والتُّهمة. والمعنى لا تتَّهموا أهل العلم ولا تنسبوهم إلى احتمال الكذب والافتراء ، فإنَّه يؤدي بكم إلى الشكّ في صدقهم.

ص: 315

هذا في باب العلم ، ولعلَّ المراد : كونوا على يقين في اعتقاداتكم ، ولا ترتابوا أي : لا تجوِّزوا خلافها أصلاً ، وإن كان تجويزاً مرجوحاً ، فإنَّ ذلك يؤدّي إلى الشكّ ، أي ، يقوى على التدريج حَتَّى ينتهي إلى تساوي الحقّ والباطل في نظرکم فنکفروا.

[ك] - «ولا تُرخّصوا» : من الرخصة ضد العزيمة.

[ل] - «لأنفسكم» : أي اعزموا على الطاعات وترك المعاصي ، ولا تتساهلوا في ارتكاب الشهوات في تنويع المآكل ، والمشارب ، والمناکح ، والخروج منها إلى ما لا ينبغي في نفس الأمر ، فتقعوا في المداهنة ، وهي المساهلة في أمر الدين والمسامحة في باب الحقّ واليقين ، فتكونوا من الكافرين والخاسرين.

هذا في باب العمل ، وفيه الحثُّ التامّ على العمل بالطاعات والاجتناب عن المنهيات وغيرها ممَّا يمكن أن يؤدِّي إليها.

[م] - «ولا تُدهِنوا في الحقّ فتخسروا» : أي لا تتساهلوا فيما ثبت حقّيته عندكم ، سواء أكان من العقائد. أم ما يتعلَّق بالعمل ، فإنَّ المساهلة فيه موجبة لنقصان الايمان وحرمان الثواب في يوم الحساب.

[ن] - «وإنَّ من الحقِّ أن تَفَقَّهوا» : أي من حقوق الله الواجبة عليكم أن تتفقهوا في الدين تحصيل المعرفة بحلاله وحرامه وتمييز الخير من الشر.

[س] - «وإنَّ أنصحَكُم لنفسه أطوَعُكُم لربِّه» : لوضوح أن ذلك هو السبب الوحيد لفوزها بالنعيم الأبدي وخلاصها من العقوبات ، وهو معنى النصح حقيقة ، وفيه ترغيب للطاعة بذكر فوائدها كما في قوله : «وأغشّكم لنفسه أعصاکم» تزهيداً عن المعصية بأنها تغشيش للنفس وخيانة في حقّها.

ص: 316

الحديث الواحد والعشرون: [من لوازم العلم]

[88] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ، ما العلم؟ قال : الإنصاتُ قال : ثُمَّ مه يا رسول الله (1)؟ قال : الاستماع ، قال : ثُمَّ مه؟ قال : الحفظ ، قال : ثُمَّ مه؟ قال : العمل به ، قال : ثُمَّ مه يا رسول الله؟ قال : نشره» (2).

أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، ورجال السند معلومو الحال ، وأمّا شرح المتن :

[أ] - «والإنصات» : (هو السكوت عند الاستماع) (3) ، فإن كثرة المجادلة عند العالم توجب الحرمان من الانتفاع بعلمه ، والسكوت وسيلة إلى حصول العلم وأول مقدماته ؛ ولذا وقع في الجواب عن السؤال عن حقيقته تجوُّزٌ ومبالغةٌ في اشتراطه به ، وكذا ما بعده.

[ب] - «ثم مه» : أصل (مه) (ما) حُذفت الألف وزيدت الهاء للوقف.

[ج] - «قال : الاستماع» : يعني للعلم ، طلباً لسماع الحديث ، وذِكرُ الاستماع بعد الإنصات قرينة على أنَّ المراد من الإنصات هو السكوت فقط ، وإلا فالإنصات لغة هو السكوت للاستماع ، وكيف كان فهما إشارتان إلى سببين من أسباب حصول العلم ، فإنَّ المتعلّم لا بدّ له من السكوت والإصغاء لما يُملي عليه معلّمُهُ.

ص: 317


1- ليس في المصدر : (يا رسول الله).
2- معالم الدين : 19 ، الكافي 1 : 48 ح 4.
3- الصحاح 1 : 268 ، بحار الأنوار 2 : 28 ح 8.

[د] - «قال : الحفظ» : أي حفظ العلم وضبطه ، وفيه إشارة إلى سبب بقائه ، ولا بدَّ منه ؛ إذ لا ينفع الإنصات والاستماع بدونه ، ولعلَّ المراد منه الحث على الكتابة بخصوصها ؛ إذ لا يأمن الحفظ من النسيان ؛ ولذا قيل : ما حُفظ فرّ وما کُتِبَ فرَّ (1) ، كما وردت به الرواية ، والأخبار بشأن الكتابة مستفيضة قَدْ ذكرناها في الجزء الأول عند تفسير قوله تعالى : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (2).

[ﻫ] - وأمّا العمل فقد عرفت أنَّ الغرض الأصلي من العلم هو العمل به.

[و] - وأمّا نشر العلم بين الناس فقد وردت فيه جملة من الأخبار ، ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قرأت في كتاب علي عليه السلام أنَّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم حَتَّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال ؛ لأنَّ العلم كان قبل الجهل» (3).

ولعلَّ المراد التقدم بالشرف والرتبة ، وفيه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية : ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ (4) ، قال : «ليكن الناس عندك في العلم سواء» (5).

وبهذا الإسناد عن أبي جعفر عليه السلام قال : «زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله» (6).

وقد ذكروا لوجه الشبه وجوهاً :

ص: 318


1- تدوين السنة الشريفة : 381 وأوعز القول إلى السلف.
2- سورة العلق : من آية 1.
3- الكافي 1 : 41 ح 1.
4- سورة لقمان : 18.
5- الكافي 1 : 41 ح 2.
6- الكافي 1 : 41 ح 3.

الأول : إنَّ الزكاة حقُّ الله في المال بإزاء الإنعام ، فكذا التعليم.

الثاني : إنَّ الزكاة توجب نموَّ المال فكذا تعليم العلم يوجب نموَّهُ وزيادته ؛ لأنه شكر النعمة العلم ، والشكر يوجب زيادة النعمة.

الثالث : إنَّ الزكاة توجب طهارة المال عن الشُّبهات ، فكذا تعليم العلم يوجب طهارته عن الشكوك والشُّبَه.

الرابع : إنَّ الزكاة سبب لحفظ المال عن التلف ، فكذا التعليم يوجب حفظه عن الزوال.

وبالجملة : فما هو مذكور في الرواية - من الإنصات وما بعده - من أهمِّ وسائل حصول العلم وأوَّل مقدماته ؛ ولذا وقع في جواب السؤال ب-(ما) الاستفهامية الَّذي هو سؤال عن الحقيقة غالباً ، وليس ذلك إلّا تجوُّزاً ومبالغة في اشتراطه به.

هذا ولا ينبغي أن يمتنع من بذل العلم لأحد لكونه غير صحيح النيَّة ، فإنه يُرجى له صحَّتها ، فقد جاء في الآثار عن بعض العلماء الأخيار أنه قال : طلبنا العلى لغير الله ، فأبى أن يكون إلّا لله.

وقال بعضهم : (فأوصلنا إلى الله) (1).

وذكرنا نظير ذلك فيما تقدّم ، بل اللازم عليه أن يجتهد كلّ الجهد على نشره ، وإذاعته ببذله ، والترغيب فيه ، ولاسيَّما في مثل زماننا هذا الَّذي كادت تندرس فيه أثار الوحي ، والنبوة ، والأئمة عليهم السلام بالكلّية ، فإنَّ بذل الجهد في إشاعة الحديث ، وإفادته ، واستفادته في يومنا هذا من أهمِّ الواجبات.

ص: 319


1- وصول الأخبار : 125.

الحديث الثاني والعشرون: التزيُّن مع طلب العلم

اشارة

[89] - قال رحمه الله : فصل : وروينا بالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «اطلبوا العلم ، وتزيَّنوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لِمَن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبَّارين ، فيذهب باطِلُكُم بِحَقّكُم» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة الحسن بن محبوب]

الحسن بن محبوب : هو المعروف بالسراد ، ويقال : الزرّاد ، ويكّنى أبا علي ، مولى بجيلة.

قال العلّامة في (الخلاصة) : (كوفي ، ثقة ، عين ، روى عن الرضا عليه السلام ، ، وكان جليل القدر ، يُعدُّ في الأركان الأربعة في عصره. وعدّه الكَشِّي من أصحاب الإجماع ، وقال بعضهم : موضع الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضَّال.

ومات الحسن بن محبوب رحمه الله في آخر سنة 224 ﻫ وكان موافياً خمساً وسبعين سنة) (2).

ص: 320


1- معالم الدين : 20 ، الكافي 1 : 36 ح 1.
2- خلاصة الأقوال : 97 رقم 1 ، اختيار معرفة الرجال 2 : 821.

[ترجمة معاوية بن وهب]

وأمّا معاوية : فهو ابن وهب البجلي ، أبو الحسن.

قال النجاشي : (عربي صميم ، ثقة ، حسن الطريقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ، له كتب ... إلخ) (1).

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] - «اطلبوا العلم» : قال جدّي الصالح رحمه الله : (إنَّ هذه الأُمور الثلاثة من أعظم الأُصول لتحصيل سعادة الدارين ، واستقامة أحوال الكونين ؛ إذ بالأول تُعرف الأحكام ، والحلال ، والحرام، وأحوال المبدأ والمعاد ، وأحوال السياسات البدنية ، والمنزلية ، والمدنية ، وبالأخيرين تُزيّن النفس بزينة الإناءة ، والرزانة ، والتحلّي بِحِلْيَةِ الصيانة والمتانة ، والتجنُّب عن تبعات الغضب من التضاغن ، والسفه ، والخِفَّة وغيرها ، وهذا أصل عظيم في جلب طيب عيش الدارین ، وطلب نظام النشأتين) (2).

[ب] - «تواضعوا لمن تعلّمونه العلم» : أمّا في أوان اشتغاله بالطلب كما قيل ، أو الأعمّ.

[ج] - «وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم» : أي عند الطلب وبعده.

قال بعض العلماء : (حقُّ المعلّم الربَّاني ، والمربِّي الروحاني على المتعلّم أعظمُ وأولی من حقِّ أبيه الجسماني).

ص: 321


1- رجال النجاشي : 412 رقم 1097.
2- شرح اُصول الكافي 2 : 65.

وقال بعض الأكابر : (العلماء أرحم باُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله من أبائهم واُمّهاتهم ، قيل : فكيف ذلك؟ قال : لأنَّ أباءهم واُمَّهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا ، والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة).

وقيل لإسكندر : (ما بالُكَ تُحبُّ معلّمكَ أكثر ممَّا تحب أباك؟ فقال : لانَّ مُعلّمي سبب حياتي الروحانية الأُخروية ، وأبي وسيلة حياتي الجسمانية الدنيوية) (1).

وبالجملة : فالتواضع معناه التذلُّل ، وهو من الأخلاق العالية التي قَدْ كثر عليها من الله تعالى في كلام الأئمة عليهم السلام في أدعيتهم ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل بن زياد : «وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً ، وفي جميع الأحوال متواضعاً» (2).

وفي الحديث : «ما تواضع أحد لله إلا رفعه» (3).

قال بعض الشراح : (فيحتمل رفعه في الدنيا ، وفي الآخرة ، وفي كليهما) (4).

وفيه أيضاً ، عن أبي عبد الله عليه السلام عنه قال : «سمعته يقول : إن في السماء ملکین موكَّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه» (5).

ولعلَّ المراد من رفعه الثناء عليه ، أو بإعانته في الحصول على المطالب ، وتيسّر أسباب العزة والرفعة في الدارين ، وفي التكبُّر بالعكس فيهما.

وفيه أيضاً : «أنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه» (6).

ص: 322


1- شرح اُصول الكافي 2 : 66.
2- مصباح المتهجد : 844.
3- مسند أحمد 2 : 386.
4- مجمع البحرين 4 : 515.
5- الكافي 2 : 122 ح 2.
6- الكافي 2 : 123 ح 9.

أي : عند المجلس الَّذي يقتضي شرفة الجلوس فيه ، أو أدون (أدنى - ظ) منه ، والأخير أظهر.

وفيه أيضاً : «أنَّه نظر أبو عبد الله عليه السلام إلى رجل من أهل المدينة قَدْ اشتری العياله شيئاً وهو يحمله ، فلمَّا رآه الرجل استحيى منه ، فقال أبو عبد الله : «اشتريته العيالك وحملته إليهم ، أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثُمَّ احمله إليهم»» (1).

ويدل على استحباب شراء الطعام للأهل وحمله إليهم ، وأنه مع ملامة الناس الترك أولی.

وفي الكافي : بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : «التواضع أن تعطي الناس ما تُحبُّ أن تُعْطَاه».

وفي حديث آخر قال : «قلت : ما حدُّ التواضع الَّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال : «التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه ، إن رأى سيِّئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحب المحسنين»» (2).

أمّا معرفة قدر المرء نفسه فبملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه ، والحاصل التواضع عبارة عن ترك التكبُّر ، والتذلُّل لله ، ولرسوله ، ولأُولي الأمر ، وللمؤمنين ، وعدم حبّ الرفعة والاستيلاء ، وكلّ ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدَّين موجباً للقرب ، كان الآخر موجباً للبعد.

ص: 323


1- الكافي 2 : 123 ح 10.
2- الكافي 2 : 124 ح 13.

[د] - «ولا تكونوا علماء جبّارين» : الجبار المتكبِّر ، والكبرياء من صفات الباري تعالى ، قال تعالى : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره» (1).

فهو حقٌّ له ، وباطل في غيره ممَّن ادَّعاه لنفسه ، فالتكبُّر من العالم دليل على جهله ، وموجب لسقوط حقوقه التي من جملتها الرئاسة العظمی ، والخلافة الكبرى في الدين والدنيا ، وهو المراد بقوله : «فيذهب باطلُكُم بِحَقّكُم» ، والباء في (بحقّكم) للتعدية.

ص: 324


1- الجواهر السنية : 167 وفيه : (قصمته) بدل : (قصمت ظهره).

الحديث الثالث والعشرون: العالم من صدق قوله فعله

اشارة

[90] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة النصري ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (1) قال : «يعني بالعلماء من صدَّق قولَه فعلُه ، ومن لم يصدق قولَهُ فعله فليس بعالم» (2).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة حمّاد بن عثمان]

و (حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري ، وأخوه عبد الله ، ثقتان ، رويا عن أبي عبد الله ، وروی حمّاد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، ومات حمّاد بالكوفة سنة 190 ، كما هو المنقول عن ابن الجوزي في كتاب الجملة) (3).

[ترجمة النصري]

و (النصري - بالنون والصاد المهملة - : من بني نصر بن معاوية ، ثقة ثقة) (4).

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

ص: 325


1- سورة فاطر : من آية 28.
2- معالم الدين : 20 ، الكافي 1 : 36 ح 2 ، وفيه : أن الفعل مقدم على القول.
3- رجال النجاشي : 142 رقم 371.
4- رجال النجاشي : 139 رقم 361 ، وفيه : أنه روی عن أبي جعفر ، وجعفر ، وموسی بن جعفر ، وزيد بن علي عليهم السلام.

[أ] - قَدْ تقدم شرح الآية مفصّلاً ، وقد ذكرنا هناك أنَّ القراءة المشهورة فيها هي نصب لفظ الجلالة ورفع العلماء على أن يكون الأول مفعولاً مقدَّماً والثاني هو الفاعل ، وتقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر ، فكان المقصود من الآية انحصار الخشية من الله تعالی بصنف العلماء ، وأنَّ من يخشى الله من عباده مثلُ العالم ومن على صفته ، مِمَّن نظر في دلائل الحقّ فعرفه حق معرفته ، وأراد أن يعرفه كنه معرفته ؛ لأن الخشية على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله.

[ب] - «فليس بعالم» : وذلك ؛ لأن ترکه العمل بعلمه دليل على أنه ليس بمستیقن في علمه ، وأن العلم عنده مستعار مستودع ، وأنه عن قریب سیسليه ؛ لأنَّ مخالفة العالم علمه من أعظم الذنوب الموجبة لظلمة قلبه ، فلا تجتمع مع نور العلم ، فلا محالة زائل عنه.

ص: 326

الحديث الرابع والعشرون: الفقيه حقّ الفقيه

اشارة

[91] - قال رحمه الله : وعنه ، عن عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في شرح حال السند : ومرجع الضمير معلوم.

[ترجمة إسماعيل بن مهران]

وإسماعيل بن مهران : كوفي ، يُكنّى أبا يعقوب ، ثقة معتمد عليه ، روى عن جماعة من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، صرّح بذلك النجاشي في (الفهرست) ، وکفی به شاهداً على الوثوق (2).

[ترجمة خالد القمّاط]

وأبو سعيد القمّاط : اسمه خالد ، کوفي ، ثقة (3).

ص: 327


1- معالم الدين : 20 ، الكافي 1 : 36 ح 3.
2- رجال النجاشي : 26 رقم 49.
3- رجال النجاشي : 149 رقم 387 ، وفيه : أنه روي عن أبي عبد الله عليه السلام.

[ترجمة الحلبي]

والحلبي: يُطلق على محمّد بن علي بن أبي شعبة ، وعلى إخوته : عبيد الله ، وعمران ، وعبد الأعلى ، وعلى أبيهم علي بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمر بن أبي شعبة ، وأبيه عمر بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمران. وفي الأول ثُمَّ في الثاني أشهر ، كذا في نقد الرجال (1).

وهؤلاء كلّهم ثقات إلا أحمد بن عمران ، وعمر بن أبي شعبة ؛ فإنّه لا نصَّ على توثيقهما ، إلّا أنَّه يُفهم التوثيق من توثيق آل أبي شعبة عموماً (2).

قال النجاشي رحمه الله : (عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي ، مولى بني تيم اللات بن ثعلبة ، أبو علي ، کوفي ، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب ، فغلبت عليهم النسبة إلى حلب. وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا ، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين عليهما السلام ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون.

وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم. وصنّف الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي الله عليه السلام ، وصحّحه وقال عند قراءته : أترى لهؤلاء مثل هذا؟) انتهى (3).

وقال المجلسي في (الوجيزة) : (الحلبي يُطلق على ثقات) (4).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

ص: 328


1- نقد الرجال 5 : 376 رقم 6408.
2- رجال النجاشي : 98 رقم 245.
3- رجال النجاشي : 230 رقم 612.
4- الوجيزة في الرجال : 213 رقم 2341.

[أ] - «حق الفقيه» : أي كامل الفقه ، هو إمّا بدل من الفقيه ، أو صفة له ، ويكون ما بعده - أعني قوله : «من لم يقنِّط الناس» - خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو) ، و (أنا) مبتدأ ، وما بعده خبره ، وقيل : أو منصوب بتقدير أعني والمقصود : أن الفقيه الكامل في فقهه لا محالة يكون كذلك ، وذلك ؛ لأنه إن فقه وضع الكتاب العزيز علم أن غرضه عزَّ وجلَّ جذب الناس إليه في سبل مخصوصة بوجوه من الترغيب ، والترهيب ، والوعد ، والوعيد ، والبشارة ، والنذارة وغيرها ، فمن ضرورته إذاً أن لا يقنِّط الناس من رحمة الله بآيات وعیده ونذارته ، ولا يؤيسهم بذلك من روحه لما يلزم اليأس من إغراء العصاة بالمعصية ، واتّباع الهوى ، والحاضر الَّذي يُرجى من نهي النفس عنه ثمرة في الآخرة ، ولذلك قال تعالى : ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (1) وقال : ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (2).

وأن لا يؤمِّنهم من مكر الله بالجزم بآيات وعده وبشارته ، لما يستلزم السكون إلى ذلك ، والاعتماد عليه من الانهماك في المعاصي واتباع الهوى ؛ ولذا قال تعالى : ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (3) بل يكون تابعاً في وعظه وجذبه إلى مقاصد سنته ووضع شريعته ، فإنه قلّ موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلّا ويمزجه بالوعد ، والحكمة تقتضي ذلك ؛ ليكون المكلفّ متردِّداً بين الرغبة والرهبة.

ص: 329


1- سورة الزمر : 53.
2- سورة يوسف : من آية 87.
3- سورة الأعراف : 99.

ويقولون في الأمثال المرموزة : «لقي موسى عليه السلام وهو ضاحك مستبشر عيسى عليه السلام وهو كالح قاطب ، فقال عيسى : مالك كأنك آمن من عذاب الله؟ فقال موسی عليه السلام : مالك كأنك آيس من روح الله! فأوحى الله إليهما : موسی أحبّكما إليّ شعاراً ، فإنّي عند حسن ظنِّ عبدي بي» (1).

[ج] - «ولم يترك القرآن رغبة إلى غيره» : من الكتب السماوية وغيرها ، يعني الفقيه الكامل يأخذ بالأحكام وغيرها من كتاب الله ، ويتَّبع أوامره ونواهيه ، او يقتفي أثره في العالم ، والعمل ، والقراءة ، ويستنبط منه سائر العلوم الراجعة إلى الاعتقاد من معرفة الله تعالی بذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحوال القيامة ، والمعاد الجسماني ، وطريق السلوك إليه تعالى ، والإقبال عليه كما قال : ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ (2) ، أي انقطع إليه انقطاعاً ، ويعتبر بما حواه من شرح أحوال السالكين من قصص الأنبياء والأولياء ، كقصة : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسی ، وهارون ، وزکريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومريم ، وداود ، وشعيب ، وسليمان ، ويونس ، وإدريس ، والخضر ، وإلياس ، وجبرئيل ، والملائكة ، وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين ، ويتنبّه من أحوال الجاحدين المنطوية في قصص : نمرود ، وفرعون ، وقارون ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وقوم تُبّع ، وأصحاب الأيكة ، وكفّار مكّة ، وعبدة الأوثان ، وإيليس ، والشياطين ، وغيرهم ، ففيما ورد في ذلك من الآيات ماهو واف بالهداية ؛ لاشتمالها على العلوم العقلية ، والحكم البرهانية ، والآثار الإلهية ، والدلائل الوحدانية ، وشواهد ربوبية ، ومواعظ لقمانية ، هي مناهج الإيمان ،

ص: 330


1- شرح نهج البلاغة 18 : 243.
2- سورة المزمل : من آية 8.

ومعارج العرفان ، كما بشّر الله أهل العقل والفهم في كتابه العزيز أيضاً بما ذكر ، فقال تعالى : ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَ-ٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَ-ٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (1) ، ففيها دلالة على التفخيم ، والتعظيم ، ومدح السالكين في نهج الصواب ، والتابعين للحق في كلّ باب.

[د] - «ألّا لا خير في علم ليس فيه تفهُّم» : أي طلب فهم حقيقته والغرض منه ، فإنَّ الاستدلال بوجود العالم على وجود الصانع ربّما يؤثر العلم في نفس المستدل علماً ظاهرياً يشاركه فيه سائر الناس من العوام ، بخلاف ما لو تأمَّل في كلّ واحد من أجزائه الساكنة ، والمتحركة ، والعلوية ، والسفلية ، والمركَّبة ، والبسيطة ، والنامية ، وغير النامية ، وفي كيفية حركتها ونُشوِّها ، واختلاف مقادیر تلك الحركات ، ومسافتها ، واقتراناتها ، واتصالاتها إلى غير ذلك من الأحوال التي دلَّت على كمال قدرة صانعها ، كما استدل بها خلیل الرحمن ، فيحصل له على ثابت ويقين جازم ، كما حصل له عليه السلام حَتَّى قال له الروح الأمين حين رُمي بالمنجنيق وكان في الهوى مائلاً إلى النار : «ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا» (2).

فإعراضه عنه في تلك الحالة ، وإلجاؤه إلى ربِّه ليس إلّا ؛ لأنَّه رأى كلّ من سواه محتاجاً إليه ، خاشعاً لديه ، خاضعاً بين يديه ، مقهوراً لعزَّته ، مغلوباً لقدرته ، بل لم ير موجوداً سواه وملجأً إلّا إياه ، وبالجملة : ففيه الحثّ على الاطّلاع على بواطن الأشياء التي به تتنور قلوب العارفين ، والفرق بين علماء الظاهر والباطن ، أن علماء الباطن واصلون إلى الحق ، وعلماء الظاهر طالبون لطريقه.

ص: 331


1- سورة الزمر : من آية 17 - 18.
2- أمالي الصدوق : 542.

[ﻫ] - «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر» : التدبُّر في القرآن هو التفكُّر فيه والاعتبار به والَّذي هو المقصد الأصلي من سيره من الله إلى هذا العالم ، وهو طورٌ وراء حضور القلب ، فإن الإنسان قَدْ لا يتفكّر في غير القرآن ولكنه يقتصر اعلى سماع القرآن من نفسه ، وهؤلاء يتدبره ، والمقصود من التلاوة التدبر ، فقال سبحانه : ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (1) ، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (2) ، وقال : ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ (3) وإذا لم يكن التدبُّر إلّا بالترديد فليردِّد.

قال أبو ذر : «قام رسول الله صلى الله عليه وآله ليلةً يردِّد قوله تعالى : ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (4)». فمن لم يتدبَّر فيه كما هو المقصود منه كان بمنزلة منافق يتكلَّم بالحقِّ ظاهراً ، وهو غافل عنه باطناً.

[و] - «ألا لا خير في عبادة ليس فيا تفكُّر» : كما في رواية اُخرى : لأن العرض الأصلي من العيادة هو التقرُّب إلى المعبود ، وطلب رضاه ، والوصول إليه ، والانقطاع عمَّا عداه ، ولا يتحقَّق ذلك من دون يقظة في القلب ، ولذا جاء في الخير : «تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة» (5).

[ز] - «ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها» : لا ريب في أنَّ صلاة الفقيه المستنبط لأحكامها من السُنَّة والكتاب أعلى ثواباً وأقرب تناولاً للملائكة ممَّن

ص: 332


1- سورة محمّد : 21.
2- سورة النساء : 82.
3- سورة المزمل : من آية 4 ، والحديث في بحار الأنوار 16 : 393 ح 162.
4- سورة المائدة : 118.
5- رياض السالکین : 370.

لم يفقه شيئاً من أحكامها ، بل أخذها من مقلّده من باب المتابعة والتسليم ورجوع الجاهل إلى العالم ، والمراد من نفي الخير عنها قلَّة ثوابها لا عدم إجزائها.

[ح] - «ألا لا خير في نُسُكٍ لا ورع فيه» : المراد هنا بالنسك هو مطلق العبادة ، والورع هو الكفّ عن المحرَّمات ، ومعلوم أنَّ فعل الواجب من العبادات مع التلبُّس بالمحرَّمات غير منجية لصاحبها.

ص: 333

الحديث الخامس والعشرون: للعالم ثلاث علامات

اشارة

[92] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عمّن ذكره ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت ، وللمتكلّف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة» (1).

أقول : مرجع الضمير كما تقدم.

[حال علي بن معبد]

وعلي بن معبد : مجهول الحال (2) ، والحديث مرسل.

وأمّا شرح المتن :

[أ] - «إنَّ للعالم» : المراد به العالم الكامل والراسخ في العلم ، أعني العم الربَّاني الَّذي يليق الاقتداء بأفعاله والاقتباس من مشكاة أقواله.

[ب] - «ثلاث علامات» : يُعرف هو بها : «العلم والحلم والصمت» : والمراد من الأول آثاره ، أعني العمل على طبق العلم ، وكذالك المراد بالثاني ، أعني سكون الأعضاء وعدم حرکتها بسهولة نحو الانتقام.

ص: 334


1- معالم الدين : 21 ، الكافي 1 : 37 ح 7.
2- شرح اُصول الكافي 2 : 79 ، وقال عنه التفرشي في نقد الرجال 3 : 302 رقم 3706 / 236 ما نصّه : (علي بن معيد ، روى عنه موسی بن جعفر كتابه ، (رجال النجاشي). له کتاب ، روی عنه إبراهيم بن هاشم ، (الفهرست)).

وفي الحديث : «الزم الصمت تسلم» (1) ، أي : من آفات اللّسان والمعاصي ، وهي كثيرة (2) ؛ ولذا عدّه عليه السلام من علامات العالم ، فإنَّ ملازمته له دليل على وفور علمه ، ومعرفته ، وصدقه.

[ج] - «وللمتكلّف» : والمراد به من يدّعي مثل ذلك تكلّفاً ، وليس له من تحصيل العلم إلا الرسم وتشهير الاسم ، وغرضه الأصلي ليس إلا الجدل والمراء ، والاستطالة على أشياهه من أشباه العلماء ، أو التوصيل إلى حطام الدنيا بالخبّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وكفى خزياً وذلاً تشبيهه في کلام الملك العلّام تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك هو الخزي الشنيع ، والذلُّ الفظيع.

[د] - «ينازع من فوقه» : من أهل العلم الَّذي يجب عليه الإطاعة والانقياد له ، فكلّما تكلَّم هذا العالم الربَّاني الفوقاني بما فيه نشر للدين القويم ، وسلوك الصراط المستقيم ، ودفعاً للشبهات المظلمة ، تعرّضه المتكلّف بالمزخرفات.

[ﻫ] - «ويظلم من دونه» : في العلم والمعرفة بالغلبة ؛ لقوة ذهنه فيما اكتسبه من الباطل وضعف من دونه ، فلا يتمكّن من التخلُّص عنه.

[و] - «ويظاهر الظلمة» : أي يعينهم على الظلم ، ويمدحهم على ما هم عليه من العقائد الفاسدة ، والسِّير المبغوضة ؛ طلباً لرفعة المنزلة عندهم ، والتفوُّق على الضعفاء بسببهم ، وتحصيل المال بواسطتهم ، كما هو شأن غير واحد من أبناء عصرنا منّ الله تعالى على عباده بفنائه.

ص: 335


1- بحار الأنوار 68 : 280 ح 24.
2- مجمع البحرين 2 : 633.

الحديث السادس والعشرون: إن العلم ذوفضائل

اشارة

[93] - قال رحمه الله : عنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد ، واُذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حُسن النيَّة ، وعقله معرفة الأشياء والأُمور ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمَّته السلامة ، وحكمته الورع ، ومستقرُّه النجاة ، وقائده العافية ، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة ، وسيفه الرضا ، وقوسه المداراة ، وجيشه محاورة العلماء ، وماله الأدب ، وذخيرته اجتناب الذنوب ، وزاده المعروف ، ومأواه الموادعة ، ودليله الهدی ، ورفيقه محبَّة الأخيار» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدم.

[ترجمة نوح بن شعيب]

نوح بن شعيب : البغدادي (2) من أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي الثاني عليه السلام (3) ، ذكر الفضل بن شاذان أنه : (كان فقيهاً ، عالماً ، صالحاً ، مرضياً ، ويظهر

ص: 336


1- معالم الدين : 21 ، الكافي 1 : 48 ح 2.
2- يظهر من صاحب جامع الرواة أنه هو النيسابوري أيضا. (منه).
3- خلاصة الأقوال : 284 رقم 1.

من رجال الكَشِّي والشيخ أنَّ نوح بن صالح ونوح بن شعيب البغدادي واحد) (1). وذكر الفضل بن شاذان في حق ابن صالح ما يشهد بأنه من شيعة أهل البيت عليهم السلام وكان فقيهاً (2) ، وبالجملة فلا ريب في كون الرجل ممدوحاً بما يقرب من الوثوق ، وصرّح بممدوحيته العلّامة المجلسي في (الوجيزة) وصاحب (بُلغة المحدثین) (3).

[ترجمة عبيد الله الدهقان]

والدهقان : ضعيف ، كما صرّح به النجاشي والمجلسي أيضاً (4).

قيل : الدهقان ، اسم أعجمي مركب من (ده) و (قان) ومعناه : سلطان القرية ؛ لأن (ده) اسم للقرية ، و (قان) اسم للسلطان (5).

[ترجمة درست]

وأمّا درست - ومعناه صحيح - : ذكره النجاشي في (الفهرست) (6) ، وذكر له في رجاله دليلاً على كونه من الشيعة الإمامية ، كما يدل عليه وضع هذا الكتاب ، فإنَّه في فهرست كتب الأصحاب ومصنّفاتهم ، دون غيرهم من الفرق ، وكذلك (الفهرست) للشيخ ، فكلّ من ذكر له ترجمة في الكتابين ، فهو صحيح المذهب

ص: 337


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 832 رقم 1056 ، رجال الطوسي : 279 رقم 5619 / 1 ، التحرير الطاووسي : 577 رقم 432.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 832 رقم 1056 ، خلاصة الأقوال : 284 رقم 1 و 2.
3- الوجيزة في الرجال : 190 رقم 2022 ، بلغة المحدثین : 427.
4- رجال النجاشي : 231 رقم 614 ، الوجيزة في الرجال : 114 رقم 1165.
5- مجمع البحرين 2 : 64.
6- رجال النجاشي : 162 رقم 430.

ممدوح بمدحٍ عام يقتضيه الوضع ؛ لذكر المصنِّفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشان کتبهم ، وذكر الطريق إليهم ، وذكر من روى عنهم ومن رووا عنه.

ومن ذلك يُعلم أنَّ إطلاق الجهالة على المذكورين في (الفهرست) للشيخ ، والنجاشي من دون توثيق أو مدح خاص ، ليس على ما ينبغي.

وكذا الكلام فيمن ذكره الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السَّروي في كتاب (معالم العلماء) ، ومن ذكره الشيخ علي بن عبيد الله بن بابویه في فهرسته ، وهذا ممَّا ينبغي أن يلحظ ، فقد غفل أكثرهم عنه (1).

وفي خصوص (دُرُست) المذكور ، فرواية ابن أبي عمير عنه إشارة إلى وثاقته أيضاً (2) ، فلا أقل من إدخال حديثه في القويّ ، وإخراجه بذلك من قسم الضعيف.

[ترجمة عروة]

وأمّا عروة : فلم أقف له على ترجمة في كتب الرجال فهو مهمل ؛ ولذا حكم العلّامة المجلسي بضعف الرواية (3).

وأمّا شعيب العقرقوقي - بالقاف - فهو : أبو يعقوب ابن اُخت أبي بصير يحبی بن القاسم ، عين ، ثقة ، كما صرّح به النجاشي في (الفهرست) والعلّامة في (الخلاصة) وصاحب (المشتركات) (4).

ص: 338


1- الفوائد الرجالية 4 : 114 فائدة 10.
2- ينظر : خاتمة المستدرك 1: 43.
3- ينظر : معجم رجال الحديث 12 : 51 رقم 7675.
4- رجال النجاشي : 196 رقم 520 ، خلاصة الأقوال : 167 رقم 1 ، هداية المحدثین : 79.

وأمّا أبو بصير : فهو كنية جماعة ، وعند الإطلاق ينصرف إلى الثقة كما هو المعروف في أمثاله ، وهو عبد الله بن محمّد الأسدي الثقة (1).

الموضع الثاني

فيما يتعلَّق بشرح المتن :

[أ] - «ذو فضائل كثيرة» : ببَّههم على أن العلم إذا لم يكن معه هذه الفضائل التي بها تظهر آثاره ، فهو ليس بعلم حقيقة ولا يُعدُّ صاحبه عالماً ، فشبّه العلم بإنسان له حواس ظاهرة وباطنة لزيادة الإيضاح والتقرير.

[ب] - «فرأسه التواضع» : شبّه التواضع بالرأس ؛ إذ كما أنَّ الإنسان ينتفي بانتفاء رأسه ؛ لكونه جزءه المقوّم له ، فكذلك التواضع إذا انتفى من صاحب العلم انتفى منه العلم ، والجهل مع التواضع خير من العلم مع الكبر ، وقد عرفت معنی التواضع وخواصه.

[في ذم الحسد]

[ج] - «وعينه البراءة من الحسد» : البراءة من الحسد شبيهة بالعين ، ووجه الشبه بينهما أن كلاً منهما آلة للإدراك ، فالعين الجارحة آلة لإدراك المحسوسات ، وعدم الحسد آلة لإدراك المعقولات ، فإنَّ من لا حسد فيه يستعلم المجهولات من الَّذين يعلمونها بخلاف الحاسد ، فإنه لبغضه من يعلم لا يستعلم منه ما لا يعلم تحقيراً بعلمه وإيذاناً منه بأن ذلك غير قابل للتعليم وليس من الفضائل التي ينبغي اكتسابها ، ومع ذلك يُخفي ما حصله من العلوم عن غيره ،

ص: 339


1- ينظر : هداية المحدثین : 206 ، 272.

فهو بذلك غير مشاهد لغيره ما هو حاصل له من العلوم محروم من الزيادة عليه ، وفي هذه الفقرة دلالة على ذمِّ الحسد كما في الكافي بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «إنَّ الرجل ليأتي بأيِّ بادرة فيكفر ، وإنَّ الحسد ليأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب» (1).

وفيه أيضاً باسناده عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كاد الفقر أن يكون كفراً ، وكاد الحسد أن يغلب القدر» (2).

وفيه أيضاً باسناده عن معاوية بن وهب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «آفة الدين الحسد ، والعُجب ، والفخر» (3).

وفيه أيضاً عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزَّ وجلَّ لموسی بن عمران عليه السلام : يا بن عمران ، لا تحسدنَّ الناس على ما آتيتهم (4) من فضلي ، ولا تمدَنَّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسَك ، فإنَّ الحاسد ساخط لِنِعَمي ، صادّ لقسمي الَّذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» (5).

وفيه أيضاً باسناده عن الفضيل بن عياض ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط» (6).

ص: 340


1- الكافي 2 : 306 ح 1.
2- الكافي 2 : 307 ح 4.
3- الكافي 2 : 307 ح 5.
4- في الأصل : (ما رزقتهم) وما أثبتناء من المصدر.
5- الكافي 2 : 307 ح 6.
6- الكافي 2 : 307 ح 6.

قال ابن الأثير : (الحسدُ أن يرى الرجل لأخيه نعمة ، فيتمنَّى أن تزول عنه ، وتكون له دونه.

والغبط : أن يتمنَّى أن يكون له مثلها ، ولا يتمنَّى زوالها عنه) ، انتهى (1).

قلت : أمّا الأول فحرام مطلقاً كما هو المنقول عن المشهور ، أو إظهاره كما يظهر من بعض الأخبار ، ففي مرفوعة النَّهدي عن أبي عبد الله عليه السلام المروية في آخر أبواب الكفر والإيمان من اُصول الكافي ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وُضع عن اُمَّتي تسع خصال : الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطُرّوا إليه ، وما استُكرِهوا عليه ، والطَيَرة ، والوسوسة في التفكُّر في الخلق ، ابوالحسن ما لم يظهر بلسان أو يد» (2).

وروي : «ثلاث لا يسلم منها أحد : الطَيَرة ، والحسد ، والظن. قيل : فما نصنع؟ قال : إذا تطيرت فامضِ ، وإذا حسدت فلا تبغِ ، وإذا ظننت فلا تحقّق» (3).

والبغي عبارة عن استعمال الحسد ؛ ولذا عَدَّ في الدروس من الكبائر - في باب الشهادات - بغضَ المؤمن وإظهار الحسد ، لا نفسَه (4).

وبالجملة : ففي كثير من أخبار الحسد إشارة إلى ذلك ولعله الأظهر ، فإنَّ العقاب على حالة الحسد التي هي من القهريات مناف لقواعد العدل ، وإن دلَّت حلى خبث سريرة الحاسد ، وعلى كل حال فيستثنى من ذلك نعمة أصابها فاجر أو کافر ، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة ، وإفساد ذات البين ، وإيذاء الخلق ، فلا

ص: 341


1- النهاية في تقريب الحديث 1 : 383.
2- الكافي 2 : 463 ح 2.
3- الفائق في غريب الحديت 2 : 312.
4- الدروس 2 : 126.

يضرّ کراهتك لها ، ومحبَّتك لزوالها ، فإنَّك لا تحبُّ زوالها من حيث إنَّها نعمة ، بل من حيث إنَّها آلة الفساد ، ولو أمنت فساده لم يغمَّك تنعُّمه (1).

ثُمَّ إن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ، ولا تداوي أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل ، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقاً أنَّ الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين ، وأنه لا ضرر به على المحسود في الدين والدنيا ، بل يستقع به في الدين والدنيا ، ومهما عرفت هذا عن بصيرة ، ولم تكن عدوَّ نفسك وصديق عدوَّك ، فارقت الحسد لا محالة.

أمّا كونه ضرراً عليك في الدين ، فهو أنَّك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى ، وكرهت نعمته التي قسّمها لعباده ، وعدله الَّذي أقامه في ملکه بخفي حكمته ، واستنكرت ذلك واستبشعته ، وهذه جناية على حدقة التوحيد ، وقذى في عين الإيمان (2).

وأمّا كونه ضرراً عليك في الدنيا ، فهو أنه تتألم بحسدك وتتعذّب به ، ولا تزال في كدر وغمّ بما تراه في عدوك من نعمة أو بليَّة منصرفة عنه ، فتبقى محزوناً متشعِّب القلب ، ضیِّق النفس ، كما تشتهيه لعدوِّك ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لله در الحسد ، حيث بدأ بصاحبه فقتله».

وأمّا أنه ينتفع المحسود في الدين والدنيا فواضح ، أمّا الأول فهو أنه مظلوم من جهتك ولا سيّما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة ، والقدح فيه ، وهتك الستر ، وذكر المساوئ ، فتكون بذلك مهدياً إليه حسناتك حَتَّى تلقاه يوم

ص: 342


1- بحار الأنوار 70 : 238 في معنى الحسد.
2- بحار الأنوار 70 : 241 في معنى الحسد.

القيامة وأنت مفلس مخروم من النعمة كما حُرّمت في الدنيا ، فأضفت له نعمة إلى نعمته ، ولنفسك شقاوة إلى شقاوتها (1).

وإمّا الثاني : فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء ، وغمُّهم ، وشقاوتهم ، وکونهم معذَّبين مغمومين ، ولا عذاب أعظم ممَّا أنت فيه من ألم الحسد ، وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة ، وأن تكون في غمٍّ وحسرة (2).

ومن نوابغ الحكم : (الحسد حسكٌ من تعلَّق به هلك) (3).

ولبعضهم ، شعر :

اصبر على حسد الحسود *** فإنَّ صبرَكَ قاتِلُهْ

كالنارِ تأكلُ بعضَها *** إنْ لمْ تَجِدْ ما تأكُلُهْ (4)

وقال آخر :

أيا حاسداً لي على نعمتي *** أتدري على مَنْ أسأتَ الأدَبْ

أسأتَ على اللهِ في حُكْمِهِ *** لأنَّك لم تَرْضَ لي ما وَهَبْ

فجازاك ربِّي بأنْ زادني *** وسدَّ عليكَ وُجوهَ الطَّلب (5)

ص: 343


1- بحار الأنوار 70 : 241 وما بعدها في معنى الحسد.
2- بحار الأنوار 70 : 242 في معنى الحسد.
3- الدر المختار 1 : 24 ، والحسك : جمع حسكة ، شوكة صلبة معروفة.
4- نسب الشعر لابن المعتز كما في تفسير الآلوسي 30 : 284 والكنى والألقاب 1 : 409 ، ونسبه الباعوني في جواهر المطالب 2 : 126 لأمير المؤمنين عليه السلام.
5- الشعر ورد باختلاف ونسب لمنصور الفقيه كما في تفسير الثعلبي 3 : 330 وتفسير القرطبي 5 : 251 ، وللمعافى بن زكريا الجريري كما في تاريخ بغداد 13 : 231 ووفيات الأعيان 5 : 222.

وحكى صاحب الطرائف : (أن رجلاً من العرب دخل على المعتصم ، فقرّبه وأدناه وجعله نديمه ، وصار يدخل على حريمه من غير استئذان ، وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده وقال في نفسه : إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه.

فصار يتلطّف بالبدوي حَتَّى أتى به إلى منزله ، فطبخ له طعاماً ، وأكثر فيه من الثوم ، فلمَّا أكل البدوي منه ، قال : احذر أن تقرب من أمير المؤمنين ، فيشمّ منك رائحة الثوم ، فيتأذى من ذلك ، فإنه يكره رائحته.

ثُمَّ ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين ، فخلا به وقال : يا أمير المؤمنين ، إن البدوي يقول عنك للناس : إن أمير المؤمنين أبخر ، وهلكت من رائحة فمه.

فلمَّا دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمّه على فمه ؛ مخافة أن يُشمَ منه رائحة الثوم ، فلمَّا رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه ، قال : إن الَّذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح! فكتب أمير المؤمنين كتاباً إلى بعض عماله يقول له فيه : إذا وصل إليك كتابي هذا ، فاضرب رقبة حامله.

ثُمَّ دعا بالبدوي ودفع إليه الكتاب ، وقال له : امض به إلى فلان وايتني بالجواب ، فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده ، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال : أين تريد؟

فقال : أتوجَّه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان. فقال الوزير في نفسه : إنَّ هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مالاً جزيلاً.

فقال له : يا بدوي ما تقول فیمن يريحك من هذا التعب الَّذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار؟

فقال : أنت الكبير وأنت الحاكم ، مهما رأيته من الرأي أقبل (1).

ص: 344


1- في المصدر : (أفعل).

قال : أعطني الكتاب ، فدفعه إليه ، فأعطاء الوزير ألفي دينار ، وسار بالكتاب إلى المكان الَّذي هو قاصده ، فلمَّا قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير ، فبعد أيام تذكّر الخليفة في أمر البدوي وسأل عن الوزير ، واُخبر بأن له أياماً ما ظهر ، وأن البدوي بالمدينة مقيم ، فتعجَّب من ذلك وأمر بإحضار البدوي ، فحضر فسأله عن حاله ، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها ، فقال له : أنت قلت عني للناس : إنّي أبخر.

فقال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس به علم ، وإنما كان ذلك مكرً منه وحسداً ، وأعلمه كيف دخل إلى بيته أطعمه الثوم وما جرى له معه.

فقال أمير المؤمنين : قاتل الله الحسد ما أعدله ؛ بدأ بصاحبه فقتله ، ثُمَّ خلع على البدوي واتّخذه وزيراً ، وراح الوزير بحسده) (1).

وأمّا الثاني : أعني عنوان الغبطة - فلا بأس به - بل هو راجع ، وهو مثل من وجد درجة من الكمال يسأل الله تعالى ويطلب منه التوفيق لما فوقها.

[د] - «واُذنه الفهم» : فإن من خوطب بما لا يفهم كمن خوطب بما لا يسمع ، فالعلم بلا فهم كالإنسن بلا اُذن.

[ﻫ] - «ولسانه الصدق» : فإنَّ من أعظم فوائد اللّسان انتفاع الناس بمنطقه ، وإذا لم يكن صادق اللهجة فلا يُعتمد على قوله ، ولا يُعتمد بشيءٍ من منطقه ؛ فيكون كمن لا لسان له.

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبياً إلّا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر» (2).

ص: 345


1- المستطرف في كل فن مستظرف : 295.
2- الكافي 2 : 104 ح 1.

وبإسناده عنه عليه السلام أيضاً ، قال : «إنَّما سُمّي إسماعيل صادق الوعد ؛ لأنه وعد رجلاً في مكان ، فانتظره في ذلك المكان سنة ، فسمّاه الله عزَّ وجلَّ صادق الوعد»

ثُمَّ قال : «إن الرجل أثاه بعد ذلك فقال له إسماعيل : مازلت منتظراً لك» (1).

وفيه أيضاً بإسناده عن زياد الصيقل ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «من صدق لسانه زکی عمله ، ومن حسنت نيَّته زيد في رزقه ، ومن حَسًن برّه بأهل بيته مُدَّ له في عمره» (2).

وفيه من الدلالة على رفعة درجة الصادقين عند الله عزَّ وجلَّ ما لا يخفی ، وقال الله تعالى : ﴿هَ-ٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ (3) ، وقال تعالى : ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ (4) فمدحهم وبيّن لهم المغفرة والأجر العظيم.

وعن طريق العامة ، عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله بِمَ يعرف المؤمن؟ قال : «بوقاره ، ولين کلامه ، وصدق حديثه» (5).

قيل : (لكلّ شيء حلية ، وحلية النطق الصدق) (6).

قال ارسطو طاليس : (أحسن الكلام ما صدق فيه قائله ، وانتفع به سامعه) (7).

ص: 346


1- الكافي 2 : 105 ح 7.
2- الكافي 2 : 105 ح 11.
3- سورة المائدة : من آية 119.
4- سورة الأحزاب : من آية 35.
5- الاستذکار 8 : 574.
6- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
7- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

وقال عامر العدواني في وصيَّته : (إنّي وجدت صدق الحديث طرفاً من الغيب ، فاصدقوا) (1).

يعني : من لزم الصدق وعوّده لسانه وُفّق فلا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ظنَّه ، وما أحسن ما قيل في ذلك :

عليكَ بالصدقِ ولو أنَّه *** أحرقَكَ الصّدقُ بنار الوعيدْ

وابغِ رضا المولى فأغبى الورى *** مَنْ أسخَطَ المولى وأرضى العَبيدْ (2)

وقال فضيل : (ما من مضغة أحبّ إلى الله تعالى من اللّسان إذا كان صدوقاً ، ولا مضغة أبغض إلى الله تعالى من اللّسان إذا كان كذوباً) (3).

[و] - «وحفظه الفحص» : يعني البحث والتفتيش ؛ إذ بذلك يحفظ من الضِّياع والنسيان.

[ز] - «وقلبه حسن النيَّة» : فكما أنَّ الرجل إذا كان صحيح القلب تصحُّ معه حركاته وسائرُ جوارحه وأعضائه ، وتترتَّب عليها ما هو المطلوب منها ، كذلك إذا حسنت نيَّته يحسن عمله ، ويترتَّب عليه ما هو غرضه من العلم - أعني الحياة الأبدية - فالعلم العاري عن ذلك كالإنسان العاري عن القلب فلا حياة له.

[ح] - «وعقله معرفة الأشياء والأُمور» : فكما أن قوام الإنسان بعقله ، كذلك قوام العلم بمعرفة الأشياء والأُمور ، والمراد من الأُمور الدنيا وفناؤها ، وما يوجب الزهد فيها ، والإعراض عنها ، والتوجَّه إلى الحق.

ص: 347


1- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
2- نسب للحريري كما في كشف الخفاء 1 : 45.
3- لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

[ط] - «ويده الرحمة» : فكما أنَّ اليد الجارحة وسيلة إلى إيصال النعمة التي هي من الفواضل ، كذلك الرحمة من العالم على المحتاجين إليه في العلم ، فإنَّها وسيلة لإيصال النعمة التي هي من الفضائل بالنسبة إلى من يتعلَّم ، فإنَّ العلم مع عدم الرحمة بالمعنى المذكور كالَّذي لا يد له ، وقد قدَّمنا ما يناسب المقام في شرح الحديث الثالث عشر.

[ي] - «ورجله زيارة العلماء» : فكما أنَّ المرء يحصّلُ مآربه بسعي رجله ، فكذلك زيارة العلماء بعضهم بعضاً يوجب انتقال العلم من صدر إلى صدر.

[ك] - «وهمَّته السلامة» : والمراد بالسلامة إمّا سلامته من المعاصي ، أو سلامة الناس من شرّه وحكمته - بفتح الحاء والكاف - وهو المحيط من اللّجام المانعة من خروج الدابة عن لاحبِ الطريق (1) ، والتوجُّه إلى خلاف مقصده.

[ل] - «ومستقرُّه النجاة من الشكوك والشُّبهات» : فإنَّ العالم لا يستقر في منزله ولا يطمئنّ بعلمه إلّا إذا وصل إلى حد اليقين.

[م] - «وقائده العافية» : أي ما يجرُّه إلى نجاته العافية من مرض الجهل ، وسائر الأمراض النفسانية.

[ن] - «ومركبه الوفاء بعهد الله تعالی» : والإتيان بما أمر به ، والاجتناب عمّا نهى عنه ؛ فإنه بذلك يصل إلى مقصوده.

[س] - «وسلاحه لين الكلمة» : وإنَّما شبَّه لين الكلمة بالسلاح الَّذي هو آلة الدفاع ؛ لأنه يدفع بذلك عن صاحبه سَوْرَةَ المكارة.

ص: 348


1- لأحب الطريق : أي واضح الطريق.

[ع] - «وسيفه الرضا» : بالقضاء ، أو بما وقع من عدوِّه بالنسبة إليه عند ملاقاته ، فإن بذلك يندفع عنه المضرَّة العاجلة القريبة ، كما أنَّ بالسيف يُدفع العدو القريب ، رُوي في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحبّ العبد أو كره ، ولا يرضى عبد عن الله فيما أحبّ أو كره ، إلا كان خيراً له فيما أحبَّ أو كره» (1).

وفيه أيضاً بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزَّ وجلَّ» (2).

وفيه أيضاً بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام ، قال : «الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحبّ أو كره ، لم يقض الله عزَّ وجلَّ له فيما أحبّ أو كره إلا ما هو خير له» (3).

وفي قوله : «إنَّ أعلم الناس ... الخ» دلالة على أنَّ الرضا بالقضاء تابع للعلم والمعرفة ، وأنه قابل للشدَّة والضعف مثلهما ؛ وذلك لأنَّ الرضا مبني على العلم بأنه سبحانه قادر ، قاهر ، عدل ، حکيم ، لطيف بعباده لا يفعل بهم إلّا الأصلح ، وأنّه المدبِّر للعالم وبيده نظامه ، فكلّما كان العلم بتلك الأُمور أتمّ كان الرضا بقضائه أكمل وأعظم ، وأيضاً الرضا من ثمرات المحبَّة والمحبّة تابعة للمعرفة إذا كملت المحبّة ، فكلّما أتاه من محبوبه التذّ به ، وهذه أعلى مدارج الكمال.

ص: 349


1- الكافي 3 : 60 ح 1.
2- الكافي 2 : 60 ح 2.
3- الكافي 2 : 60 ح 3.

[ف] - «وقوسه المداراة» : فإنَّ القوس آلةٌ يُدفع بها العدوُّ البعيد ، وكذلك حسنُ الخُلُق والمداراة ، فإنَّهما يَدفع بهما صاحبهما المضرَّة الآجلة والعاجلة ؛ إذ من المعلوم أن حُسنَ الخُلُق يمنع صاحبه عن المعاصي المتعلّقة بإيذاء الخلق ، کعقوق الوالدين ، وقطع الأرحام ، والإضرار بالمسلمين ، وإساءة الجار ، فلا يقع منهم إلّا المقابلة بالمثل - أعني دفع الضرر وكفّ الأذى عنه -.

ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «ما يقدم المؤمن على الله عزَّ وجلَّ بعمل - بعد الفرائض - أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخُلُقه» (1).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «أكثر ما تلجُ به اُمَّتي الجنَّة ، تقوى الله وحُسنُ الخُلُق» (2).

وفي المروي بالإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «البّر وحسن الخُلق يعمِّران الديار ، ويزيدان في الأعمار» (3).

وبالجملة : فحسن الخُلق حالة نفسانية يتوقف حصولها على اشتباك الأخلاق النفسانية بعضها ببعض ، ومن ثُمَّ قيل : هو حسن الصورة الباطنة التي هي صورة النفس الناطقة ، كما أنَّ حسن الخُلق هو حسن الصورة الظاهرة وتناسب الأجزاء ، إلّا أنَّ الأول قَدْ يكون مكسباً كما حقَّقناه سابقاً ، ويُعرف ذلك من الشخص بمخالطة الناس بالجهل ، والتودُّد ، والصلة ، والصدق ، واللُّطف ، والمبرّة ، وحسن الصحبة ، والعشرة ، والمراعاة ، والمساواة ، والرفق ، والحلم ، والصبر ، والاحتمال لهم ، والإشفاق عليهم

ص: 350


1- الكافي 2 : 100 ح 4.
2- الکافي 2 : 100 ح 6.
3- الكافي 2 : 100 ح 8.

[ص] - «وجيشه محاورة العلماء» : فإنَّها تقوِّي علمه وتعينه كمعاونة الجيش للسلطان ، فكما أن السلطان يحفظ ثغوره بالجيوش ، كذلك العالم يحفظ مسالك قلبه من هجمات جيش الجهل ، واستيلاء جنود الشيطان عليها بالمحاورة مع العلماء ، والمذاكرة مع الفضلاء ، فإنَّ لكلّ علم أسراراً لا يطّلع عليها من الكتب ، فيجب أخذها من العلماء ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله : «خذ العلم من أفواه الرجال» ونهی عن الأخذ ممَّن أخذ علمه من الدفاتر ، وقال صلى الله عليه وآله : «لا يغرّنَّكم الصّحفيون» ، وأمر عليه السلام بالمحادثة في العلم والمباحثة ، فإنَّها تفيد التفس استعداداً تامّاً لتحصيل المطالب واستخراج المجهولات.

قال صلى الله عليه وآله : «تذاكروا وتلاقَوا وتحدَّثوا ، فإنَّ الحديث جلاء القلوب ، فإن القلوب لَتَرِينُ كما يَرِينُ السيف ، وجلاؤه الحديث».

وقال صلى الله عليه وآله : «إنَّ الله عزَّ وعلا يقول : تذاكُرُ العلم بين عبادي ممَّا تحيى عليه القلوب الميِّتة ، إن هم انتهوا فيه إلى أمري» (1).

وفي آداب المتعلّمين : (لا بدّ لطالب العلم من المطارحة والمناظرة ، فينبغي أن يكون بالإنصاف ، والتأنّي ، والتأمُّل ، فيحترز عن الشغب والغضب ، فإنّ المناظرة والمذاكرة مشاورة ، إنما يكون لاستخراج الصواب ، وذلك إنَّما حصل بالتأمُّل والإنصاف ، ولا يحصل بالغضب والشغب.

وفائدة المطارحة والمناظرة أقوى من قائدة مجرد التكرار ؛ لأن فيه تكرار مع زيادة.

قيل : (مطارحة ساعة خير من تكرار شهر) ، لكن إذا كان منصفاً سليم الطبع.

ص: 351


1- أوردها العلّامة الحلي في تحرير الأحكام 1 : 39 الفصل السابع.

وإيَّاك والمناظرة مع [متعنّت] غير مستقيم الطبع ، فإنَّ الطبيعة مسترقة ، والأخلاق متعدية ، والمجاورة مؤثّرة) ، انتهى (1).

[ق] - «ومالُهُ الأدب» : لأن بالأدب يحصل له الألفة والمحبة مع معلّمه ومتعلّمه وسائر الناس ، فهو بمنزلة البضاعة له يتّجر به ، والمراد بالذخيرة ما يحرزه لوقت الحاجة ، فإن اجتناب الذنوب نافعة في يوم القيامة.

[ر] - «وزادُهُ المعروف» : شبَّهه بالزاد من حيث إنَّ الزاد ما يُتَّخذ للسفر الجسماني ، وبدونه يهلك المسافر ولا يصل إلى كعبة مقصوده ، فكذلك السفر إلى الله لا بدَّ له من زاد روحاني وهو المعروف - أعني الأعمال الموافقة لقانون الشرع - وضدُّه المنكر - أعني الأعمال الخارجة عن قانون الشريعة المحمّدية - ومن هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر واجبین عقلاً ونقلاً.

أمّا الأول ؛ فلأنَّهما لطفٌ ، وهو واجب على مقتضى قواعد العدل.

وأمّا الثاني : فكثير في الكتاب والسُّنة ؛ أمّا الكتاب كقوله تعالى : ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (2).

وقوله تعالی : ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (3).

وأمّا السُّنة فكقوله صلى الله عليه وآله : «لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر ، أو لَيُسَلِطَنَّ اللهُ شرارَكم على خيارِكم ، فيدعوا خيارُكم فلا يُستجاب لهم».

ص: 352


1- آداب المتعلمين : 95.
2- سورة آل عمران : من آية 104.
3- سورة آل عمران : من آية 110.

ومن طرق أهل البيت عليهم السلام فيه ما يقصم الظهر ، فليقف عليه من أراده في فروع الكافي ، ووجوبهما على الكفاية في أجود القولين ؛ للآية السابقة ولأن الغرض شرعاً وقوع المعروف ، وارتفاع المنكر من غير اعتبار مباشر معيَّن ، فإذا حصلا ارتفع وهو معنى الكفائي (1).

وذهب الشيخ في (المبسوط) (2) ، وابن حمزة في (الوسيلة) إلى كونهما من فروض الأعيان (3) ، استدل عليه بالرواية السابقة ، حيث إنَّ الخطاب فيه للعموم وفيه نظر بیّن ، فإنَّ الواجب الكفائي يُخاطب به جميع المكلَّفين كالعيني ، وإنَّما يسقط عن الكل بقيام البعض ، فجاز خطاب الجميع به ، ولا شبهة على القولين في سقوط الوجوب بعد حصول المطلوب ؛ لفقد شرطه الَّذي منه إصرار العاصي ، وإنما تختلف فائدة القولين في وجوب قيام الكل به قبل حصول الغرض وإن قام به من فيه الكفاية وعدمه.

وما أبعد ما بين هذا القول وما ذهب إليه صاحب (المستند) رحمه الله من اختصاص ذلك بالمجتهد ، بتقريب : أنَّ أخبار الأمر بالمعروف وإنْ كانت عامَّة ، إلّا أنَّها مختصّة بمثل خبر مسعدة بن صدقة : «سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأُمَّة جميعاً؟ فقال صلى الله عليه وآله : لا ، فقيل له : ولم؟ فقال : إنَّما هو على القويّ المطاع ، العالم بالمعروف من المنكر ، لا على الضعيف الَّذي لا يهتدي سبيلا ... إلى أن قال عليه السلام : والدليل على ذلك كتاب الله عزَّ وجلَّ :

ص: 353


1- الروضة البهية 2 : 413 باب الأمر بالمعروف.
2- كذا والصحيح أنه قاله في النهاية.
3- النهاية : 299 ، الوسيلة : 207.

﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (1) ، فهذا خاص غير عام .. الحديث» (2).

قلت : والأقوى جواز ما عدا الحبس حسب مراتبه الأهون فالأهون ، وتخصيص أخباره بخبر مسعدة لا يستلزم ما ذكره ؛ إذ الظاهر منه جوازه بمراتبه لكلّ قوي مطاع عالم وإن لم يكن مجتهداً ، بل يمكن أن يقال بجواز الحبس لغير المجتهد أيضاً ، لكن الأحوط اختصاصه به ، نعم يجوز له الإذن لغيره ، واللّازم على المأذون الاقتصار على مقدار الإذن في الكيفية ، وعلى كل حال فلا يجب ذلك إلّا بشروط أربعة : العلم بأن ما يأمر به معروفاً وما ينهى عنه منكراً ، وأن يجوز تأثير الإنكار ، وأن لا يظهر من الفاعل أمارة الإقلاع ، وأن لا يترتَّب على أحدهما مفسدة. ولو توقَّف على الضرب جاز قطعاً ، وسيأتي ما يدل عليه من کلام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولو افتقر إلى الجرح والقتل لم يجز قطعاً إلا بإذن الإمام أو نائبه الخاص أو العام.

[ش] - «ومأواهُ المُوادعة» : لهذه الدنيا الفانية وعدم الركون إليها.

[ت] - «ودليله الهدی» : كما أنَّ للإنسان المسافر في عالم الجسم دليلاً يدلّه ولولاه لتاه في البيداء ، ونكب عن الطريق فضلّ عن مقصوده ، كذلك للعلم دليل يهدي صاحبة إلى كعبة مقصوده ، وهو هدى الله تعالى بسبب الأنبياء والأوصياء ، ولا بد للمسافر من رفيق حَتَّى قيل : الرفيق ثُمَّ الطريق ، ورفيق العلم محبَّة الأخيار.

ص: 354


1- سورة آل عمران : آیة 104.
2- الكافي 5 : 59 ح 16 ، مستند الشيعة 17 : 179.

الحديث السابع والعشرون: من تعلم العلم وعمل به

اشارة

[94] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «من تعلَّم العلم ، وعمل به ، وعلّم لله ، دُعي في ملكوت السموات عظيماً ، فقيل : تعلّمَ لله ، وعَمِلَ لله ، وعلَمَ لله» (1).

أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، وقد تقدّم شرح كلّ واحد من رجال السند ، فالكلام في شرح المتن :

[أ] - الدعاء هنا بمعنى : التسمية - أي سُمِّي عظيماً - قال في (النهاية) : (دعوته زيداً إذا سمَّيته) (2).

[ب] - والمراد بملكوت السماء ملكها ، والفاء في (فقيل) للتفصيل والتفسير مثل قوله تعالى : ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ﴾ (3) ، وبقية فقرات الحديث واضحة لا تحتاج إلى بيان.

[في فضيلة الفقه ومنزلته]

[95] - قال رحمه الله : «فصل : ولمّا ثبت أنَّ كمال العلم إنَّما هو بالعمل ، تبيّن أنه ليس في العلوم - بعد المعرفة - أشرف من علم الفقه ؛ لأن مدخليته في العمل أقوى ممَّا سواه ؛ إذ به تعرف أوامر الله فتُمتثل، ونواهيه فتُجتنب ؛ ولأنَّ معلوماته - أعني :

ص: 355


1- معالم الدين : 2 ، الكافي 1 : 35 ح 6.
2- النهاية في غريب الحديث 2 : 121.
3- سورة هود : من آية 45.

أحكام الله تعالى - أشرف المعلومات بعد ما ذكر. ومع ذلك فهو الناظم لأُمور المعاش ، وبه يتمُّ كمال نوع الإنسان» (1).

أقول : المستفاد من عبارة المصنِّف رحمه الله تفضيل علم الكلام على علم الفقه ، وهو كذلك عقلاً ونقلاً ، ولا ينافيه جعل العبادة غاية للخلق في قوله تعالى : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (2) ؛ إذ لو لم يفسّر بالمعرفة نصّاً أو جمعاً لقلنا : إنَّ العبادة حقّها امتثال المعبود على وجه يليق بما يطلب من الطرق ، لا ما يفعل كيف ما اتَّفق ، وهذا لا يحصل إلا بالمعرفة ، وأن الشرف الذاتي للعلم إنَّما هو بالنظر إلى ضدَّه - أعني : الجهل - وأمّا تقدم بعضه على بعض في الشرف ، إنَّما يعرض له بالنظر إلى الغير لا بالذات كتقدُّم موضوعه ؛ لأنَّ العلم بحال ما هو أشرف ، أشرف معنى من العلم بحال ما ليس كذلك ، وموضوع علم الكلام هو ذات الباري تعالی ، ولا شكَّ أنَّه أشرف الموجودات ؛ فلذلك كانت له المرتبة الأولى من الشرافة بالنسبة إلى علم الفقه ، وهو أشرف العلوم من بعده.

قال جدّي في الدرة :

وأنَّ علمَ الفقهِ في العلومِ *** كالقَمَرِ البازغِ في النُّجوم

بِنورِهِ مِنْ بَعدِ شَمسِ المَعرِفَةْ *** معالِمُ الدينِ عدَتْ مُنْكَشِفَةْ (3)

ص: 356


1- معالم الدين : 22.
2- الذاريات : 56.
3- الدرة النجفية : 2.

والمراد بقوله رحمه الله : «شمس المعرفة» : معرفة الله تعالی حسب ما ينبغي ، وسائر اُصول الدين والمذهب ممَّا هو مذكور في الكلام ، وحاصل ما استدل به المصنِّف رحمه الله على تقدم الفقه على بقية العلوم الإلهية وجوه :

الأول : إن كلّ علم يتبعه عمل ، فكمال ذلك العلم بترتب ذلك العمل عليه ، وحيث إن علم الفقه به تُعرف أوامر الله تعالی ونواهيه ، وبه يعرف أن مخالفتهما توجب العذاب الأليم والوصول إلى الجحيم ، فلا يرتكبه العاقل ، بخلاف سائر العلوم ؛ فإنَّ تخلُّفَ العمل عنها يوجب فوات ما هو الغاية لها من زوال الحياة في الطب مثلاً ، وحفظ اللّسان عن الخطأ في النحو ، وهكذا ، فعلمُ الفقه أقوى في ترتُّب ما هو من شرائط کماله عليه ، وما كان كذلك يكون أشرف ممَّا ليس كذلك.

الثاني : إنَّ معلومات هذا العلم أشرف من معلومات سائر العلوم بعد علم الكلام ، فإنَّها عبارة عن أحكام الحلال والحرام التي هي نواميس الشارع المقدّس.

الثالث : إنه الناظم لأُمور المعاش ؛ وذلك لأن كمال الإنسان إمّا بجلب نفعٍ أو بدفع ضرر ، والأول إمّا عاجل أو آجل ، فجلب النافع العاجل : المعاملات ، والأطعمة والأشربة ، والنكاح ، وجلب النافع الآجل : بالعبادات ، ودفع الضرر بالقصاص وما شابهه.

ص: 357

الحديث الثامن والعشرون: تحديد العلم الحقيقي

اشارة

[96] - قال رحمه الله : وقد روينا بطرقنا ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن الحسن وعلي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد الله بن عباد الله الدِّهقان ، عن درست الواسطي ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن موسی عليه السلام ، قال : «دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد فإذا جماعة قَدْ أطافوا برجل ، فقال : ما هذا؟ فقيل : علّامة.

فقال : وما العلّامة؟ فقالوا له : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها ، وأيام الجاهلية ، والأشعار العربية.

قال : فقال النبي صلى الله عليه وآله : ذاك علم لا يضرّ من جهله ، ولا ينفع من علمه.

ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وآله : إنَّما العلم ثلاثة : آيةٌ مُحكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سُنَّةٌ قائمة ، وما خلاهن فهو فضل» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في أحوال رجال السند :

[الترجمة إبراهيم الأنماطي]

إبراهيم : هو ابن عبد الحميد الأسدي الكوفي الأنماطي ، أخو محمّد بن عبد الله بن زرارة لأُمّه (2) ، الثقة كما صرّح بذلك الشيخ في (الفهرست) (3) ، ولرواية

ص: 358


1- معالم الدين : 22 ، الكافي 1 : 32 ح 1.
2- رجال النجاشي : 20 رقم 27.
3- الفهرست للطوسي : 40 رقم 12 / 12.

الأجلّاء عنه ، وهو مرمي بالوقف ولا يضرّ بوثاقته (1) ؛ ولذا صرّح بوثاقته غير واحد من أهل الفن (2) ، كابن شهر آشوب (3) ، والعلّامة والمجلسي ، وصاحب (البُلغَة) (4).

الموضع الثاني

في ما يتعلق بشرح المتن :

[أ] - «فقال ما هذا» : (ما) للاستفهام وطلب التصوُّر ، وهو على قسمين :

الأول : أن يكون المطلوب بها شرح الاسم ، وهو مقابل التعريف الحقيقي الَّذي هو القسم الثاني المنقسم على أربعة أقسام كما سنذكره ، وحينئذ فالجواب بلفظ دلالته على المطلوب أظهر وأشهر كقولهم : (سعدانة نبت) (5) ؛ إذ المقصود منه شرح الاسم وإيضاحه ، يعني : تفسیر مدلول اللفظ بما يعيّن مسمَّاه من بین المعاني المخزونة في الخاطر ، وليس فيه تحصیل مجهول من معلوم.

الثاني : أن يكون المطلوب بها بيان ماهيّة الشيء وحقيقته ، سواء أكان ذلك الشيء ذاتاً مثل : (ما الإنسان) ، أم وصفاً مثل : (ما العلم) ، أم مركَّباً منهما مثل : (ما الإنسان العالم) ، وحينئذ فالجواب إمّا بالفصل القريب والجنس القريب ، كقولك :

ص: 359


1- خاتمة المستدرك 4 : 19 وفيه تعداد الرواة عنه.
2- قال الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة (ط - الإسلامية) 20 : 120 عنه ما نصّه : (إبراهيم بن عبد الحميد ، ثقة ، له أصل يرويه ابن أبي عمير وصفوان ، وله كتاب النوادر قاله الشيخ وذكره في رجال الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام وقال : إنه واقفي ، وقال النجاشي : له کتاب يرويه عنه ابن أبي عمير ، ونقل الكَشِّي الوقف عن نصر بن الصباح ، وعن الفضل بن شاذان : أنه صالح ، والعلّامة نقل الجميع ، ولا يخفى ضعف الوقف وعدم ثبوته ، وقد وثّقه ابن شهر آشوب ولم يذكر الوقف).
3- المذكور في معالم العلماء : 41 رقم 5 وفي خلاصة الأقوال : 314 رقم 6 هو إبراهيم بن صالح الأنماطي الأسدي ، فالخلط في الاشتراك واضح لأولي الألباب.
4- الوجيزة في الرجال : 14 رقم 30 ، بلغة المحدثین : 323.
5- سعدانة : نبات ذو شوك يُضرب به المثل في طيبه ، وجمعه السعدان.

(حيوان ناطق) في جواب (ما الإنسان) ، وإمّا بالفصل القريب والجنس البعيد ، كقولك : (جسم ناطق) في جواب (ما الإنسان) ويُسمَّى الأول : حدّاً تاماً ، والثاني : حدّاً ناقصاً , وإمّا بالخاصة مع الجنس القريب ، كقولك : (حیوان کاتب) أو (ضاحك) في جواب (ما الإنسان) وإمّا بالخاصة مع الجنس البعيد ، كقولك : (جسمٌ نامٍ کاتب) أو (ضاحك) في جواب (ما الإنسان) ، ويسمى الأول : رسماً تامّاً ، والثاني : ناقصاً ، وهذه الأقسام الأربعة مقابل القسم الأول ، فاغتنم.

والظاهر أن المراد هنا هو القسم الثاني الَّذي هو من قسم التعريف الحقيقي ، لأنَّ المقصود هو السؤال عن حقيقة ذلك المتَّصف بالوصف ، الباعث لاجتماع الخلق عليه

[ج] - «فقيل : علّامة» : أي هو رجل موصوف بكثرة العلم ، والتاء فيه للمبالغة في وصف العلم ، بناءً على أنَّ كثرة الشيء فرع تحقُّق أصله ، كما أنَّ التأنيث فرع التذكير.

[د] - «بأنساب العرب» : هو علم تُعرف به أنساب الناس ، وقواعده الكلّية والجزئية وفائدته الاحتراز عن الخطأ في نسب الإنسان ، وهو علم مشهور طويل الَّذيل ، وقد صنّفوا فيه كتباً كثيرة ، وأحسن من كتب في هذا الفن هو الاهم النسابة هشام بن محمّد بن السائب الكلبي المتوفى سنة 204 ﻫ، بل هو الَّذي فتح هذا الباب ، وضبط علم الأنساب.

[م] - «ذاك علم لا يضرّ من جهله» : أراد صلى الله عليه وآله التنبيه على أن العلم الحقيقي هو الَّذي يضرّ جهله في الآخرة ، وينفع اقتناؤه في يوم المعاد ، ويُعد الجهل به نقصاً في نظر العلماء ، لا الَّذي يستحسنه العوام ويكون مصيدة للحطام.

ص: 360

[و] - ثُمَّ أخذ في بيان ذلك وحصره في ثلاث : «آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنَّة قائمة» ، وقد اختلفت أراء الأكابر في تفسير هذه الفقرات ، فقال بعضهم : (إنَّ (الآية المحكمة) إشارة إلى اُصول العقائد ، فإنّ براهينها الآيات المحكمات عن العالم ومن القرآن ، وفي القرآن وفي غير موضع : ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ﴾ أو ﴿لَآيَة﴾ (1) ، حيث يذكر دلائل المبدأ والمعاد.

و (الفريضة العادلة) إشارة إلى علوم الأخلاق التي محاسنها من جنود العقل ، ومساوئها من جنود الجهل ، فإنَّ التحلّي بالأول والتخلّي عن الثاني فريضة ، وعدالتها كناية عن توسُّطها بين طرفي الإفراط والتفريط.

و (السنَّة القائمة) إشارة إلى شرائع الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، وانحصار العلوم الدينية في هذه الثلاثة معلوم) (2).

وعن السيِّد الداماد رحمه الله : (أنَّ المراد بالفريضة العادلة هو العلم بالشرائع ، والسنن ، والقواعد ، والأحكام في الحلال والحرام ، والمراد من السنَّة القائمة ، هو علم تهذيب الأخلاق ، وتكميل الآداب ، والسفر الى الله تعالی والسير إليه) (3).

وقال جدّي الصالح في شرحه : (والأول إشارة إلى التعلم بالمحكمات القرآنية المتعلقة باُصول الدين وفروعه ، وبالمواعظ والنصائح ، والعبرة بأحوال الماضين.

والثاني : إشارة إلى العلم بكيفية العمل ، وجميع الأُمور المعتبرة فيه شرعاً من غير إفراط وتفريط.

ص: 361


1- وردت هذه الفقرات في القرآن الكريم في أكثر من موضع يطول سردها.
2- ذكر هذا الشرح الفيض الكاشاني في الوافي 1 : 134 ح 50 / 1 باب صفة العلم ، وهو المراد به بالبعض.
3- الوافي 1 : 133 ح 50 / 1 بالهامش.

والثالث : إلى العلم بالأحاديث التي بعضها في التوحيد وما يليق به ، وبعضها في المعاد وما يناسبه ، وبعضها في الأخلاق وما يتعلَّق بها ، وبعضها في الأحكام وما يُعتبر فيها ، وبعضها في عادات الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام) ، انتهى ملخّصاً (1).

ووجه الحصر في الثلاثة ظاهر ، فإنَّ العلوم النافعة إمّا متعلقة باُصول الدين أو بفروعه ، والثانية إمّا متعلّقة بأعمال الجوارح أو بأفعال القلب عن محاسن الأخلاق ومقابحها.

[ز] - «وما خلاهُنَّ فهو فضل» : أي زيادة لا خير فيه في الآخرة ، وإن كان بعضه ممدوحاً في حدِّ ذاته كعلم الرياضي والهندسة (2).

ص: 362


1- شرح اُصول الكافي 2 : 23.
2- المصدر نفسه.

الحديث التاسع والعشرون: الفقه في الدين

[97] - قال رحمه الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلّی بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فَقَّهُه في الدين» (1).

أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، ورجال السند مذكورون فيما تقدّم ، وأمّا ما يتعلق بشرح المتن ، فقد قال شيخنا البهائي رحمه الله :

(ليس المراد بالفقه الفهم ، ولا العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية ، فإنَّه معنی مستحدث ، بل المراد به البصيرة في أمر الدين ، والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى ، والفقيه هو صاحب هذه البصيرة ، وإليها أشار النبي صلى الله عليه وآله بقوله : «لا يفقه العبد كلّ الفقه حَتَّى يمقت الناس في ذات الله ، ويری للقرآن وجوهاً كثيرة» ، ثُمَّ يُقبل على نفسه ، فيكون لها أشدَّ مقتاً) ، انتهى (2).

وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام حين أرسله إلى اليمن : «اللهُمَّ فقّهه في الدين» (3) ، وقول أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام : «وتفقَّه يا بني في الدين» (4) ، وقوله تعالى : ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (5) حيث جعل العلَّة الغائية من الفقه الإنذار والتخويف ، ومعلوم

ص: 363


1- معالم الدين : 22 ، الكافي 1 : 32 ح 3.
2- ذكره عنه المازندرانی فی شرح اُصول الكافي 2 : 29.
3- ذكره المؤرخون في حوادث سنة 10 ﻫ.
4- نهج البلاغة 3 : 39.
5- سورة التوبة : 122.

أن ذلك لا يترتَّب إلا على معرفة دقائق آفات النفوس ، ومفسدات الأعمال ، والتطلُّع إلى نعيم الآخرة ، ومراتب الخذلان ، والبعد عن رحمة الملك المنَّان (1).

ص: 364


1- ينظر : شرح اُصول الكافي 2 : 29 وما بعده في شرح الحديث.

الحديث الثلاثون: الصبر على النائبة

[98] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «الكمالُ كلّ الكمال : التفقُّه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة» (1).

أقول : أمّا رجال السند فقد تقدّم ذكرهم جميعاً ، ومرجع الضمير كما تقدّم ، وأمّا شرح المتن :

[أ] - «الكمال كلّ الكمال» : أي البالغ حدّ كماله ، وقد عرفت معنى التفقُّه في أمثال هذه الأخبار.

[ب] - «والصبر على النائبة» : أي ترك الجزع والشكاية منها إذا نزلت به ، وفيه إشارة إلى أنَّ شدَّة الجزع موجب لنقص الدين ؛ لاستلزامه كراهية قضاء الله ، وسخطه ، وعدم الالتفات إلى ما وعد به من ثواب الصابرين ، حيث قال تعالى : ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ (2) ، وهو لمحو الحسنات وسقوط ما يلزمها من ثواب الآخرة ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره» (3) ، وقال عليه السلام : «الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عما تحب» (4).

ولا ريب أن الأول أشق من الثاني ؛ لأن الأول صبر على مضرَّة نازلة ، والثاني مير علی محبوب متوقَّع لم يحصل.

ص: 365


1- معالم الدين : 23 ، الكافي 1 : 32 ح 4.
2- سورة الإنسان : 12.
3- تحف العقول /231.
4- نهج البلاغة 4 : 14.

وسئل بزرجمهر في بليَّته عن حاله ، فقال : (هون عليّ ما أنا فيه فکري في أربعة أشياء : أولها أنَّي قلت : القضاء والقدر لابدَّ من جريانهما ، والثاني أنّي قلت : إن لم أصير فما أصنع ، والثالث أنّي قلت : قَدْ كان يجوز أن تكون المحنة أشد من هذه ، والرابع أني قلت : لعلَّ الفرج قريب) (1).

قال أنوشروان : (جميع أمر الدنيا منقسم إلى ضربين لا ثالث لهما : أمّا ما في دفعه حيلة فالاضطراب دواؤه ، وأمّا ما لا حيلة فيه فالصبر شفاؤه) (2).

وكان يقال : (الصبر مر ، لا يتجرعه إلا حر) (3).

وكان يقال : (إنَّ للأزمان المحمودة والمذمومة أعماراً وآجالاً كأعمار الناس وآجالهم ، فاصبروا لزمان السوء حَتَّى يفنى عمره ، ويأتي أجله) (4).

وكان يقال : (إذا تضيفتك نازلة فأقرِها الصبرَ عليها ، وأكرم مثواها لديك بالتوكُّل والاحتساب لترحل عنك وقد أبقت عليك أكثر ممَّا سلبت منك ، ولا تنسها عند رخائك ، فإن تذكُّرك لها أوقات الرخاء يبعد السوء عن فعلك ، وينفي القساوة عن قلبك ، ويوزعك حمد الله وتقواه) (5).

وقال الله : ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (6).

ص: 366


1- شرح نهج البلاغه 18 : 192.
2- شرح نهج البلاغة 18 : 192.
3- شرح نهج البلاغة 1 : 320.
4- شرح نهج البلاغة 18 : 90.
5- شرح نهج البلاغة 18 : 90.
6- سورة النحل : من آية 127.

وقال علي عليه السلام : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» (1) ، فإنَّ الإنسان ما دام في تلك النشأة هو مورد للمصائب والآفات ، ومحل للحوادث والنوائب والعاهات ، ومبتلى بتحمُّل الأذى من بني نوع الإنسان في المعاملات ، ومكلّف بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات ، وكل ذلك ثقيل على النفس غير ملائم لطبعها ، فلابد من أن يكون فيه قوة ثابتة وملكة راسخة بها يقدر على حبس النفس على (عن - ظ) هذه الأُمور الشاقة ، ورعاية ما يوافق الشرع والعقل فيها ، وترك الجزع والانتقام وسائر ما ينافي الآداب المستحسنة المرضية عقلاً وشرعاً وهي المسمَّاة بالصبر ، ومن البيّن أنَّ الإيمان الكامل ، بل نفس التصديق أيضاً يبقى ببقائه ويفنی بفنائه ؛ فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.

وسئل الفضيل عن الصبر؟ قال : (تجرع المرارة من غير تعبيس).

وقال رويم : (الصبر ترك الشكوى).

وقال علي عليه السلام : «الصبر مطية لا تكبو».

وقف رجل على الشبلي فقال : (أيّ صبر أشدُّ على الصابرين؟ الصبر في الله تعالی؟

فقال : لا ، قال : فالصبر لله تعالی.

فقال : لا ، قال : الصبر مع الله تعالی.

فقال : لا ، قال فأي شيء؟ فقال : الصبر عن الله ، فصرخ الشبلي صرخة عظيمة ووقع).

ص: 367


1- نهج البلاغة 11 : 202.

ويقال : (إن الشبلي حُبس في المارستان ، فدخل عليه قوم فقال : من أنتم؟ قالوا : محبُّوك جئناك زائرين ، فرماهم بالحجارة فهربوا ، فقال : لو كنتم أحبائي لصبرتم على بلائي).

وعن طريق العامة عن الله عزَّ وجلَّ : «بعيني ما يتحمَّلُ المتحمَّلون من أجلي» (1).

وفي الكافي بإسناده عن حمزة بن عمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنَّة ، وجهنم محفوفة باللَّذات والشهوات ، فمن أعطى نفسه لذَّتها وشهوتها دخل النار» (2).

وهذا المضمون متفق عليه بين الخاصّة والعامَّة ، فقد روى مسلم عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «حُفَّت الجنَّةُ بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات» (3).

وهذا من بديع الكلام ، والمراد من المكاره الطاعات ، ومن الشهوات المعاصي ، ورُوي : «أن الله تعالى لمّا خلق الجنَّة قال لجبرائيل : انظر إليها ، فلمَّا نظر إليها قال : يا ربّ لا يتركها أحد إلا دخلها ، فلمَّا حفّها بالمكاره ، قال : انظر إليها ، قال : يا ربّ ، أخشى أن لا يدخلها أحد ، ولمّا خلق النار قال له : انظر إليها ، فلمَّا نظر إليها قال : يا ربّ ، لا يدخلها أحد ، فلمَّا حفّها بالشهوات قال : انظر إليها ، قال : يا ربّ أخشى أن يدخلها كلّ أحد» (4).

ص: 368


1- وردت هذه الأقوال الستة تباعاً في شرح نهج البلاغة 11 : 202.
2- الكافي 2 : 89 ح 7.
3- صحيح مسلم 8 : 142.
4- سنن أبي داود 2 : 422 ح 4744 ، مسند أحمد 2 : 332 وغيرها والحديث اختصره المؤلف رحمه الله.

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنّا صُبَّر وشيعتنا أصبر منّا» ، قلت : جعلت فداك ، كيف صار شيعتكم أصبر منكم؟ قال : «لأنّا نصبر على ما نعلم ، وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون» (1).

و «الصُبَّر» : - بضمِّ الصاد وتشديد الياء المفتوحة. جمع الصابر.

«أصبر منا»: أي الصبر عليهم أشقّ وأشدّ ؛ لأنّا نصبر على ما نعلم ، وأظهر احتمالات الخبر : إنّا نصبر على ما تعلم نزوله قبل وقوعه وهذا ممَّا يهوَّن المصيبة ويسهِّلها ، وشيعتنا تنزل عليهم المصائب فجأة مع عدم علمهم بها قبل وقوعها ، فهي عليهم أشد ، ويحتمل أن يكون المراد : إنا تصبر على ما تعلم كته ثوابه ، والحكمة في وقوعه ، ورفعة الدرجات بسببه ، وشيعتنا ليس علمهم بجميع ذلك كعلمنا ، وهذه كلُّها ممَّا يسكّن التنفس عند المصيبة ويعزّيها ، ويحتمل أن يكون المراد : إنا تصبر على ما تعلم عواقبه وكيفية زواله ، وتبدُّل الأحوال بعده ، كعلم يوسف عليه السلام في الجبّ بعاقبة أمره ، واحتياج الإخوة إليه ، وكذا علم الأئمة عليهم السلام برجوع الدولة إليهم ، والانتقام من أعدائهم ، وابتلاء أعدائهم بأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة (2).

قيل : (ولأجل أنَّ الصوم من الصبر قال تعالى : كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنَّه لي وأنا أجزي به) (3).

وقال بعضهم :

ص: 369


1- الكافي 2 : 93 ح 25.
2- هذا البيان ذكره العلّامة المجلسي رحمه الله في شرحه للحديث في بحار الأنوار 68 : 80.
3- ورد معناه في مسند أحمد 3 : 443 ، سنن أبي داود 3 : 158 وغيرها.

أما والَّذي لا يعلمُ الغيبَ غيرُه *** ومَنْ ليسَ في كُلِّ الأُمورِ لَهُ كُفْوُ

لَئِنْ كانَ بدءُ الصبرِ مرٌّ مذاقُهُ *** فَقَدْ يُجتنى مِن بَعدِهِ الثَّمرُ الحُلْوُ

ورُوي : «أن عيسی عليه السلام مرّ برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنين بالفالج ، وقد تناثر لحمه من الجذام ، وهو يقول : الحمد لله الَّذي عافاني ممَّا ابتلی به كثيراً من خلقه.

فقال له عيسى عليه السلام : يا هذا ، وأيّ شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟

قال : يا روح الله ، أنا خير ممَّن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته.

فقال له : صدقت ، هات يدك ، فتناوله يده ، فإذا هو أحسن الناس وجهاً ، وأفضلهم همينة ، قَدْ أذهب الله عنه ما كان به ، فصحب عيسی عليه السلام ، وتعبّد معه» (1).

وقال بعضهم : (قصدت عبادان في بدايتي ، وإذا أنا برجل أعمى مجذوم مجنون قَدْ صُرع ، والنمل تأكل لحمه ، فرفعت رأسه ، ووضعته في حجري ، وأنا اُردّد الكلام ، فلمَّا أفاق قال : من هذا الفضولي الَّذي يدخل بینی وبین ربي؟ فوحقه لو قطَّعني إرباً إربآً ما ازددت له إلا حبّاً) (2).

ورُوي : «أن يونس عليه السلام قال لجبرئيل : دُلَّني على أعبد أهل الأرض ، فدلَّهُ على رجل قَدْ قطع الجذام يديه ورجليه ، وذهب ببصره وسمعه ، وهو يقول :

ص: 370


1- مسکن الفؤاد : 87.
2- مسكن الفؤاد : 87.

إلهي متّعتني بهما ما شئت ، وسلبتني ما شئت ، وأبقيت لي فيك الأمل ، يا بَرُّ يا وَصول» (1).

ورُوي : «أنَّ مؤذّناً كان لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام يدخل منزله ، فرأى فيه خادمة فهواها ، وكلَّما التقى معها ، قال : اصبر حَتَّى يحكم الله وهو خير الحاکمين ، ثُمَّ إنَّ الخادمة أتت علياً عليه السلام وأخبرته بهوي المؤذّن إياها ، فقال : ما قال لك؟ قالت : كلَّما رآني قال : اصبر حَتَّى يحكم الله ، فطلبه عليّ فقال : يا فلان الآن حكم الله ، فزوَّجها إياه ، فاستمتع منها حلالاً» (2).

شعر :

فلمَّا رأيتُ النفسَ أوفَتْ على الرَّدى *** فٌزِعْتُ إلى صبري فأسلَمَني صبري

وقال آخر :

على قَدْرِ فَضلِ المرءِ تأتي خُطوبُهُ *** ويُحمَدُ منهُ الصبرُ مِمَّا يُسيبُهُ

فمَنْ قَلَّ فيما يبتغيهِ اصطيارُهُ *** لقد قَلَّ مِمَّا يَرتجيهِ نصيبُهُ (3)

فعليك يا أخي بتحمل تلك الأعمال المفضية إلى الجنَّة ، والتجنُّب عن الأعمال الموصلة إلى النار ، وفَّقنا الله وجميع إخواننا المؤمنين لما فيه الفوز بدار جنَّات النعيم والخلاص من درکات الجحيم ، وقد مدح الله تعالى الصبر في كتابه العزيز في مواضع كثيرة ، وأمر به وجعل أكثر الخيرات مضافاً إلى الصبر ، وأثنی على فاعله ، وأخبر أنه سبحانه وتعالى معه ، وحثّ على التثبُّت في الأشياء ومجانية

ص: 371


1- مسكن الفؤاد : 87.
2- الأنوار النعمانية 1 : 31.
3- الشعر لابن المظفر ، وفيات الأعيان 4 : 397.

الاستعجال فيها ، فمن ذلك قوله تعالى : ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾ (1).

وبالجملة : فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الصبر في كتابه العزيز في نيِّف وسبعين موضعاً ، وأمر نبيه صلى الله عليه وآله به فقال : ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾ (2) ، وإنه صلى الله عليه وآله لمّا صبر كما اُمر ، أسفَرَ وجهُ صبرِهِ عن ظفره ونصره ، وكذلك الرسل - الَّذين هم اُولو العزم - لمّا صبروا ظفروا وانتصروا.

حُکي : (أنَّ امرأة من بني إسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة ، فسرقها سارق فصبرت وردَّت أمرها إلى الله تعالى ، ولم تدعُ عليه ، ولمّا ذبحها السارق ونتف ريشها نبت جميعه في وجهه ، فسعى في إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتي حبراً من أحبار بني إسرائيل ، فشکی له ، فقال : لا أجد لك دواء إلا أن تدعو عليك هذه المرأة ، فأرسل إليها من قال لها : أين دجاجتك؟ فقالت : سُرقت ، فقال : لقد آذاك من سرقها؟ قالت : قَدْ فعل ، ولم تدعُ عليه ، قال : وقد فجعك في بيضها؟ قالت : هو كذلك ، فما زال بها حَتَّى أثار الغضب منها ، فدعت عليه ، فتساقط الريش عن وجهه ، فقيل لذلك الحبر : من أين علمت ذلك؟ قال : لأنها لمّا صبرت ولم تدعُ عليه انتصر الله لها ، فلمَّا انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش عن وجهه) (3).

فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدَّة ، ويحمد الله تعالی ، ويعلم أن النصر مع الصبر ، وأن مع العسر يسرا.

ص: 372


1- سورة الأعراف : من آية 137.
2- سورة الأحقاف : من آية 35.
3- مغني المحتاج 4 : 157.

[ج] - «وتقدير المعيشة» : بجعلها مقدرةً بقدر يليق بحاله من غير إفراط وتفريط ، ويمكن عطفها على النائبة فتكون مجرورةً ، أي الكمال كلّ الكمال الصبر على النائبة وعلى تقدير المعيشة ، وهو ضيقها.

ص: 373

الحديث الواحد والثلاثون: إبليس يحبُّ موت الفقيه

اشارة

[99] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخراز ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موت فقيه» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة إبراهيم الخراز]

والخراز - بالخاء المعجمة والراء المهملة - وقيل : المعجمة - والزاي المعجمة بعد الألف - : اسمه إبراهيم بن عيسى (2) ، وقيل : ابن زياد ، وقيل : ابن عثمان (3).

وفي (الخلاصة) : (ثقة) (4).

[ترجمة سليمان بن خالد]

وسليمان بن خالد بن دهقان : ثقة ، صاحب القرآن (5). وقد رواه بحذف لفظ : «من المؤمنين» بهذا السند في (الفقيه) (6).

ص: 374


1- معالم الدين : 23 ، الكافي 1 : 38 ح 4.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 661 ح 679.
3- ينظر : معجم رجال الحديث 1 : 203.
4- خلاصة الأقوال : 50 رقم 13.
5- رجال النجاشي : 183 رقم 484.
6- من لا یحضره الفقيه 1 : 186 ح 559.

ورواه في (الكافي) أيضاً ، هكذا : (عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخراز ، عن سليمان بن خالد ، عنه عليه السلام) (1).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

وإنَّما قيّد الأحد بالمؤمنين ؛ لأن إبليس لا يحب موت الكافرين ، بل يغتمّ ؛ لأنَّهم من أعوانه وأنصاره ، وإنَّما كان موت الفقيه أحبّ إليه من موت سائر المؤمنين مع أنه لا شيء أشد عليه من خروج أحد من الدنيا وهو مؤمن ؛ لأن شأن الفقيه : إفادة العلم ، وتعليم الحقّ ، وإرشاد السبيل ، والحثّ على الطاعة ، والزجر عن المعصية ، وشأن إبليس : إلقاء الشك والوسوسة في النفوس ، وإراءة الباطل بصورة الحق ، والإضلال ، والحث على المعاصي ، فإذا كان منه على طرف الضدّ ، فلا محالة أحبّ فقده ، وليس موت سائر المؤمنين عنده بهذه المنزلة.

ص: 375


1- الكافي 1 : 38 ح 1.

الحديث الثاني والثلاثون: موت الفقيه ثلمة

[100] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا مات المؤمن الفقيه ، ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء» (1).

أقول : عمدة ما يتعلق بشرح الحديث هو التكلُّم في رجاله ، فنقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، وذهب جماعة من علمائنا الأُصوليين إلى أنَّ ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البيزنطي ، لا يرسلون إلا عن ثقة ، وردّه المحقِّق (2) ، وشيخنا الماتن بناءً على أن في رجالهم من طعنه الأصحاب ، فإذا أرسل واحد منهم احتمل أن يكون المطعون أحدهم (3) ، وأجاب عنه شيخنا البهائي بأن هذا لا يقدح ؛ إذ المنقول عدم إرسالهم عن غير الثقة لا عدم روايتهم عنه ، فيحصل بسبب هذا النقل الظن بعدم إرساله عن غير الثقة ، وفيه نظر ؛ لأن العلم بعدم إرساله عن غير الثقة إن كان مستنداً إلى إخبار الراوي بانه لا يرسل إلا عن ثقة ، فيردّ ذلك أنه غير كاف ؛ لجواز أن يكون له جارح لا يعلمه وإن كان مستنداً إلى استقراء مراسيله ، والاطلاع من الخارج على أن المحذوف فيها لا يكون إلا ثقة ، فهذا في معنى الإسناد.

فإن قلت : إخبار الراوي بذلك تزكية للمحذوف ، فيحصل لنا ظن بعدالته إن كان الراوي عدلاً ، فوجب القبول ، واحتمال وجود الجارح لا يقدح في ذلك كما لا يقدح مع العلم بعين الذات ، على أن كون ذلك في معنى الإسناد إنّما هو بالنظر

ص: 376


1- معالم الدين : 23 ، الكافي 1 : 38 ح 2.
2- المعتبر 1 : 46.
3- استوفى تمام البحث في ذلك مع سرد المصادر شيخنا النوري رحمه الله في خاتمة المستدرك 5 : 120 ، فليراجع.

إلى المتفحِّص لا بالنظر إلينا ؛ لأنّا لا نعلم عدالته بالاستقراء ، بل حصل لنا الظن بها يقول المتفحِّص ؛ لكونه عدلاً.

قلت : قول المتفحِّص وإخبار الراوي بذلك تزكية ، ولا يجوز العمل بها إلا بعد حصول الظن بعدم الجارح بالفحص عنه اتفاقاً ، ولا يمكن ذلك مع عدم تعيين الذات ، ولا يندفع احتمال وجود الجارح احتمالاً قوياً بدونه ، فلا يتوجَّه القبول.

وأمّا ما يتعلق بمتن الحديث : فالثلمة - بالضم - : فرجة المكسور والمهدوم ، شبّه الإسلام بالمدينة ، والعلماء بمنزلة الحصن لها ، وموت كلّ واحد منهم بمنزلة انعدام حصن من حصونها ، وانتظر لتمام البيان في شرح ما يأتي.

ص: 377

الحديث الثالث والثلاثون: بكاء الملائكة على الفقيه

اشارة

[101] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر عليه السلام يقول : «إذا مات المؤمن - الفقيه (1) - بكت عليه الملائكة ، وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها ، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله ، وثُلم في الإسلام ثُلمة لا يسدُّها شيء ؛ لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام ، كحصون سور المدينة لها» (2).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة علي بن أبي حمزة]

علي بن أبي حمزة : وردت فيه أخبار فيها ذمُّه ، ووقفُه ، واللَّعنُ عليه ، ومنها اشتهر ضعفه ، وضعف الخبر الَّذي هو فيه ، ولا حاجة إلى نقل كلماتهم بعد تكرُّرها في الكتب (3) ، ومع ذلك فقد ادّعى المحقِّق في (المعتبر) إجماع الأصحاب على العمل بروايته ، قال في بحث الأسآر - بعد أن استدلّ على طهارة سؤر الطيور بروايتي علي بن أبي حمزة وعمّار - : (لا يقال : علي بن أبي حمزة

ص: 378


1- ليس في المصدر والكافي كلمة : (الفقيه) وإنما هي زيادة من المؤلِّف رحمه الله للبيان ، وقال المازندراني في شرحه بعد كلمة (المؤمن) ما نصّه : (لا يبعد تقييده بالفقيه ، كما يرشد إليه آخر الحديث). (شرح اُصول الكافي 2 : 89).
2- الكافي 1 : 38 ح 3.
3- ينظر : اختيار معرفة الرجال 2 : 705 ، التحرير الطاووسي : 354 رقم 245 وغيرها.

واقفي ، وعمَّار فطحي ، فلا يُعمل بروايتهما ؛ لأنّا نقول : الوجه الَّذي لأجله عُمل برواية الثقة قبول الأصحاب ، وانضمام القرينة ، لأنَّه لولا ذلك ؛ لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ؛ إذ لا وثوق (1) بقوله ، وهذا المعنى موجود هنا ، فإنَّ الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك ، ولو قيل : فقد ردّوا رواية كلّ واحد منهما في بعض المواضع ، قلنا : كما ردوا رواية الثّقة في بعض المواضع متعلّلين بأنه خبر واحد ، وإلا فاعتبر کتب الأصحاب ، فإنَّك تراها مملوءة من رواية علي المذكور) ، انتهى (2).

أقول : فالظاهر من الأصحاب أنهم لا يرون ما نُسب إليه قدحاً في رواياته ، وضعفاً في أخباره ؛ لعدم منافاة ما ورد في ذمّه ممَّا يتعلق بمذهبه ، كونه ثقة عندهم في غير ما يتعلق بالمذهب الباطل.

نعم ، ينافيه ما في رجال الكَشِّي قال : (قال ابن مسعود ، حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن فضّال ، قال : ابن أبي حمزة كذّاب متَّهم) (3).

وقال في موضع آخر : (قال ابن مسعود : سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي حمزة كذّاب ملعون ، قَدْ رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كلُّه من أوله إلى آخره ، إلا أنّي لا أستحلُّ أن أروي عنه حديثاً واحداً) (4).

والجواب ، أولاً : إن قول ابن فضال واعتقاده في علي بن أبي حمزة لا يعارض عمل الأعاظم بخبره حسب ما نقل المحقِّق رحمه الله الإجماع عليه.

ص: 379


1- في الأصل : (لا قطع) وما أثبتناه من المصدر.
2- المعتبر 1 : 94.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 705 ح 755.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 706 ح 756.

وثانياً : إن ما قاله فيه داخل في جملة ما رآه ، وقد قالوا في بني فضّال : (ذروا ما رأوا ، وخُذُوا ما رووا) (1).

وثالثاً : إن التأمُّل الصادق يشهد أنه سقط من كلام الكَشِّي هذا شيء ، أن ما قاله ابن فضّال إنَّما هو في حقّ الحسن بن علي بن أبي حمزة لا في حق أبيه علي ، والاشتباه إنَّما هو في نسخة الكَشِّي التي كانت عند ابن طاووس ، وما ذكره في (الخلاصة) إنَّما هو تبعاً لابن طاووس (2) ، والنجاشي ذكره ولم يذكر له ما يوجب طعناً في غير مذهبه بأنه واقفي ، بل وهو أحد عمد الواقفة.

نعم ، قال في ترجمة الحسن ابنه : (قال أبو عمرو الكَشِّي فيما أخبرنا به محمّد بن محمّد بن جعفر بن محمّد عنه ، قال : قال محمّد بن مسعود : سألت علي بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، فطعن عليه) ، انتهى (3).

ولعلَّه نظراً إلى ما ذكرنا تردَّد المجلسي رحمه الله في (الوجيزة) في حال علي بن أبي حمزة المذكور ، حيث قال : (إنَّه ضعيف ، وقيل : مُوثَّق : لأنَّ الشيخ قال في العدّة : عمل الطائفة بأخباره ، ولقوله في الرجال : له أصل ، ولقول ابن الغضائري في ابنه الحسن : أبوه أوثق منه) ، انتهى (4).

فتراه لا يمكنه الجزم بطرف من الضعف والوثوق ، والحقّ ما عرفته ، والعجب من الشيخ أبي علي في رجاله ، حيث لم يرض من المجلسي بالتردُّد

ص: 380


1- الغيبة للطوسي : 389 ح 355 وفيه : (خذوا بما رووا وذروا ما رأوا).
2- التحرير الطاووسي : 129 رقم 96 ، خلاصة الأقوال : 334 رقم 7.
3- رجال النجاشي : 89 رقم 73.
4- الوجيزة في الرجال : 118 رقم 1214 ، عدّة الأُصول 1 : 150 ، الفهرست للطوسي : 161 رقم 418 / 45 ، رجال ابن الغضائري : 51 رقم 33 / 6.

متوقّعاً منه الجزم بالضعف ، فأورد عليه بأن تصريح الشيخ بعمل الطائفة بأخباره لا يكون ناهضاً بمقاومة التصريحات الواردة بضعفه من العلماء الأخيار ، وذمّه ، ولعنه المستفيض في الأخبار ، وإن حصل منه نوع اعتماد عليه ، كما أنَّ إثبات الأصل له لا يفيده مدحاً أصلاً ، وصرّحوا بأن كون الرجل ذا أصل لا يخرجه عن الجهالة مطلقاً.

وقول الغضائري في ابنه الحسن : (أبوه أوثق منه ، لا يدل على حسنه ؛ إذ كونه أوثق من رجل ضعیف متَّفق على ضعفه ، أيّ حسن فيه) ، انتهى (1).

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ لا مساس لشيء من تصريحاتهم بما يضرُّ في غير مذهبه ، وأنه لا ينافي الوثوق والقول بكون الرجل ذا أصل غير مخرج له عن الجهالة قول من لا اطّلاع له بكلمات السلف - قال المفيد في رسالته في الردّ على الصدوق وغيره في غيرها في مدح جماعة : (هم أصحاب الأُصول المدوَّنة) (2) - له أصل ، أو كتاب ، ولا ريب أنَّ إكثارهم ذلك ليس إلّا لإرادتهم من ذلك الإشارة إلى مدحهم ، وإلّا لكان ذكر ذلك عبثاً ولغواً ، وهو في غاية البعد عن طريقة هؤلاء الأجلّاء ، وبالجملة فدعوى عدم إفادته الحسن مكابرة بيّنة ، وأمّا قول : (أبوه أوثق منه) (3) فهو على وثوقه أدلّ (4).

ص: 381


1- منتهی المقال 4 : 330 ضمن ترجمته المرقمة 1932.
2- جوابات أهل الموصل : 25.
3- أي : قول الغضائري.
4- ينظر تفصيل الكلام في : خاتمة المستدرك 4 : 462 - 470.

الموضع الثاني

الرد على الفلاسفة

في شرح المتن :

[أ] - «وأبواب السماء» : فيه ردّ على الفلاسفة القائلين بأن الأفلاك متصلة واحدة لا تقبل الخرق والالتنام ، ويدل عليه أيضاً قوله تعالى : ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ (1).

[ب] - «كحصون سور المدينة» : فإنه يدافع عن أهلها هجوم الأعادي والطغاة ، ويمنع عنهم غوائل الخصوم والعصاة ، والحصن هنا - بکسر الحاء - والسور حائط المدينة ، والإضافة بيانية ، والمؤمنون الفقهاء حصون الإسلام ؛ لأنهم يدفعون عنه وعن أهله صدمات المعادين وطغاة الكافرين ، كما يدفع الحصن ذلك عمَّن دخله.

قال الصادق عليه السلام : «علماء شیعتا مرابطون في الثَّغر الَّذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم من الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلَّط عليهم إبليس وشيعته النواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممَّن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرَّة ، لأنه يدفع عن أديان محبِّينا ، وذلك يدفع عن أبدانهم» (2).

وفيه دلالة على المغالاة بنعمة وجود العلماء الربانيين ، كما ورد أن بين المرء والحكمة نعمة العالم (3) ، وهي إرشاده وهدايته الموصل إليها ، وتخليصه من

ص: 382


1- سورة النبأ : 19.
2- الاحتجاج 1 : 8.
3- الكافي 1 : 26 ح 29.

ظلمات الأوهام ، وتثبيته من مزالّ الأقدام ، وتسديده من مواضع أغاليط الأفهام ، وتعليمه كيفية السلوك في طريق المطالب ، وتقويته للوصول إلى دقائق الحكمة في أعلى المراتب ، فالعالم الحقّاني المؤيِّد الرباني ، جُنّة يقي الناس بعلمه من سهام الشيطان ، وأسنّة مخاطرات النفوس ، وصولات القوى الشهوية والغضبية ، والدواعي الفاسدة النفسانية ، بل من جميع آفات الدنيا وعقوبات الآخرة ، ويؤيِّده تفسير نقص الأرض في قوله تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ (1) بذهاب العلماء (2) ، فبذلك يُعلم أنَّ وجود العلماء الأخيار سبب لعمارة الأرض ، ونظام أهلها ، وارتكابهم لما ينبغي ، واجتنابهم عمّا لا ينبغي من الأخلاق السيِّئة ، والأعمال الرديَّة ، فالأرض وما عليها مشرقة بنور جمالهم ، ناقصة مظلمة بظلم الجور ، والفسق ، والشك ، والشبهة بفقدهم وموتهم ، ومنه تعرف الوجه في بكاء الملائكة عليه الَّذي هو كناية عن شدَّة الحزن ؛ وذلك لانقطاع إعانته المؤمنين وزوال نصرته للدين وأهله ، وبقائهم متحيِّرين ، ووقوع الهرج والمرج من تصدي من ليس أهلاً للرئاسة ، ورجوع الناس إلى الحور بعد الكور ، كما هو ظاهر في زماننا ؛ إذ قَدْ ولي الفتيا والتدريس كثير من الجهّال والصبيان ، وتأتي القضاء للحكومة جماعة من أهل الجور والطغيان ، وفي الدعاء «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» ، أي : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة والتمام (3).

ص: 383


1- سورة الرعد : من آية 41.
2- تفسير القمي 1 : 367.
3- الصحاح 2 : 638.

الحديث الرابع والثلاثون: [الحديث في حلال وحرام]

اشارة

[102] - قال رحمه الله : وبالإسناد السالف ، عن الشيخ المفيد محمّد بن النعمان ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري ، عن علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن محمّد بن عبد الحميد العطّار ، عن عمَّه عبد السلام بن سالم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق ، خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضة» (1).

أقول : واستيعاب المراء في موضوعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة محمّد بن عبد الحميد]

قال النجاشي : (محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطّار أبو جعفر ، روی عبد الحميد عن أبي الحسن موسی عليه السلام ، وكان ثقة من أصحاب الكوفيين) ، انتهى (2).

واختلفوا في كون التوثيق للأب حول الابن ؛ ولذا قال الطريحي في (الدراية) : (محمّد بن عبد الحميد ، المشترك بين الثقة وغيره ، ویمکن استعلام أنه ابن سالم العطّار المحتمل توثيقه پرواية أحمد بن أبي عبد الله عنه ، وبرواية عبد الله بن جعفر عنه) ، انتهی (3).

وصرّح بتوثيقه خالنا العلّامة المجلسي في (الوجيزة) (4).

ص: 384


1- معالم الدين : 23 ، المحاسن 1 : 229 ح 166 ، الكافي 1 : 7 مقدمة (1 الكتاب.
2- رجال النجاشي : 339 رقم 906.
3- جامع المقال : 123.
4- الوجيزة في الرجال : 162 رقم 1706.

[حال عبد السلام بن سالم]

وأمّا عبد السلام بن سالم : فهو البجلي ، كوفي ، ثقة كما صرّح به النجاشي (1).

الموضع الثاني

حُجية الخبر الموثق

في شرح المتن. وهذا الحديث صريح في حُجِّية الخبر الموثوق - أعني : من کا راوی محترزاً عن الكذب وإن كان غير محرز العدالة - وفي التقييد بالحلال والحراء إشارة إلى ما سيأتي في الحديث الَّذي بعده ، من أنَّ الفضل والخير فيما کان من قبيل العلوم الشرعية المتعلّقة بفعال المكلّفين ، ولا خير فيما لا يعنيه.

ص: 385


1- رجال النجاشي : 245 رقم 644.

الحديث الخامس والثلاثون: [وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام]

اشارة

[103] - قال رحمه الله : وبالإسناد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنَّ لي ابناً قَدْ أحبّ أن يسألك عن حلال وحرام ، ولا يسألك عمّا لا يعنيه ، قال : فقال لي : «وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة يونس بن يعقوب الدهني]

قال النجاشي : (يونس بن يعقوب بن قيس ، أبو علي الجلّاب البجلي الدهني ، اُمُّه منية بنت عمّار بن أبي معاوية الدهني ، اُخت معاوية بن عمّار. اختصّ بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ، وكان يتوكل لأبي الحسن عليه السلام ، ومات بالمدينة في أيام الرضا عليه السلام ، فتولى أمره ، وكان حظياً عندهم ، موثقاً ، وكان قَدْ قال بعبد الله ورجع) ، انتهى (2).

وقال في (الخلاصة) : (اختلف علماؤنا فيه ، ... والَّذي اعتمد عليه قبول روايته) (3).

ص: 386


1- معالم الدين : 24 ، المحاسن 1 : 229 ح 168.
2- رجال النجاشي : 446 رقم 1207.
3- خلاصة الأقوال : 297 رقم 2.

وعدّه في (الحاوي) في قسم الثقات دون الموثَّقين ، وكذا صاحب (المشتركات) (1) ؛ ولذا قال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ثقة كالصحيح ؛ لرجوعه عن الفطحية) (2).

وفي (التعليقة) : (أن حديثه لا يقصر عن الصحيح) (3).

وأمّا يعقوب هذا ، فلم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فهو من صنف المهملين (4).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] - «أحب» : يحتمل أن يكون بضم الباء على صيغة المتكلّم ، ويحتمل أن يكون بصيغة الماضي مبنياً على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر فيه راجع إلى ابنه ، والجملة في محل النصب صفة ل-(ابنا).

[ب] - «وهل يسأل الناس» : الاستفهام ليس حقيقياً ، وإنَّما هو للتقرير ، وبقية الفقرات واضحة لا تحتاج إلى بيان.

ص: 387


1- حاوي الأقوال 2 : 355 رقم 735 ، هداية المحدثین : 165.
2- تعليقة على منهج المقال : 368.
3- الصحاح 1 : 178.
4- تُرجم في معجم رجال الحديث 21 : 154 رقم 13773 بما نصّه : (يعقوب بن قيس البجلي الدهني ، أبو خالد ، والد يونس بن يعقوب ، من أصحاب الصادق عليه السلام ، رجال الشيخ (55). وعدّ يعقوب بن يونس ، والد يونس بن يعقوب ، في أصحاب الباقر عليه السلام (14) ، وحيث لا شبهة في أن يونس بن يعقوب المعروف الَّذي جُعل معرفاً لوالده هو يونس بن يعقوب بن قيس ، ففي عبارة الرجال تحريف لا محالة ، والصحيح يعقوب بن قيس ، لا يعقوب بن يونس ، بل إن يونس بن يعقوب بن يونس لا وجود له ، ولم يُذكر لا في الرجال ، ولا في رواية).

[104] - قال رحمه الله : (فصل : الحقّ عندنا أنَّ الله تعالى إنَّما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية) (1).

أقول : اختلفت الآراء هنا ، فذهبت المعتزلة : إلى أنَّه تعالى يفعل لغرض ، ولا يفعل شيئاً لغير فائدة.

وذهبت الأشاعرة : إلى أنَّ أفعاله تعالى يستحيل تعليلها بالأغراض والمقاصد (2).

والدليل على صحَّة مذهب المعتزلة أن كلّ فعل لا قع لغرض فإنَّه عبث ، العبث قبيح والله تعالى يستحيل منه القبيح.

احتجَّ المخالف بأنَّ كلّ فاعل لغرض وقصد ، فإنَّه ناقص بذاته مستكمل بذلك الغرض ، والله تعالی پستحيل عليه النقصان.

والجواب : إنَّ النقص إنَّما يلزم لو عاد الغرض والنفع إليه ، أمَّا إذا كان الغرض عائداً إلى غيره فلا ، كما نقول : إنَّه تعالى يخلق الحالم لنفعهم (3).

وجوه شرف الإنسان

[105] - قال رحمه الله : (ولا ريب أنَّ نوع الإنسان أشرف ما في العالم السفلي من الأجسام) (4).

أقول : وفي تقييده بالسفلي دلالة على أشرفية نوع الملاكة من نوع البشر ، كما هو المنقول من العلّامة الزمخشري ، ولا يخلو عن تحكُّم ، وذكروا لأشرفية

ص: 388


1- معالم الدين : 24.
2- الرسالة السعدية : 61 باب في أنه تعالى يفعل لغرض.
3- أورده العلّامة الحلي رحمه الله في كشف المراد : 422 ، الرسالة السعدية : 61 باب في أنه تعالى يفعل لغرض.
4- معالم الدين : 24.

الإنسان وجوهاً ، منها : قابليته للكتابة التي بها يقدر على إبداع العلوم التي يستنبطها في الدفاتر.

ومنها : الصورة الحسنة كما صرّح به القرآن الشريف : ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (1).

ومنها : تکریم صفاته ، فإنه تعالى قَدْ أدَّب الإنسان بآدابه الكريمة ، وكمّله بتکميلاته الجليلة ، وألبسه حلل صفاته الجميلة من العقل ، والحياء ، والعلم ، والعفَّة ، والتقوى ، والرأفة ، والرحمة ، والجود ، والكرم ، والحلم ، والحكمة ، والبيان ، والقدرة ، وغير ذلك من ملابس صفات الربوبية.

ومنها : تكريم أفعاله ، فإنَّ الله تعالی أرسل إليه رسلاً ليعرِّفوه كرم الأفعال ، وحسن الأعمال ، حَتَّى إنه دُلّ على حصر جميع أفعاله في صرفها في خدمته وطاعته ، وكفى بهذا تكرِمةً له.

ومنها : انتصاب قامته ، وصفاء لونه ، وبضاضة جلده ، واعتدال أعضائه ، وكثرة الانتفاع بها وصلاحها لأكثر الأعمال ، حَتَّى إذا قيس كلّ واحد إلى نظيره في سائر الحيوانات رأيت فيه صفات الربوبية والتدبير.

منها : قدرته على الانتصاب قائماً ، والاستواء جالساً ، فيستقبل الأشياء بيديه وجوارحه ، ويمكنه العلاج والعمل بهما ، فلو كان مكبوباً على وجهه كذات الأربع لما استطاع أن يعمل شيئاً من الأعمال إلى غير ذلك ممَّا هو مفصّل في

ص: 389


1- سورة التين : 4.

(توحيد المفضّل) (1) ، وقال الله تعالى : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (2)(3).

[106] - قال رحمه الله : (فيلزم تعلُّق الغرض بخلقه) (4).

أقول : وذلك ؛ لأن الأشرف أولى بأن يكون متعلّقاً لغرض الحكيم على الإطلاق.

[107] - قال رحمه الله : (ولا يمكن أن يكون ذلك الغرض حصول ضرر له ؛ إذ هذا إنَّما يقع من الجاهل أو المحتاج تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) (5).

أقول : معنى العبارة أنه لا يمكن الغرض الَّذي لأجله خلق الإنسان إيصال الضرر إليه ؛ إذ هذا إنَّما يتصور من الجاهل غير المميِّز بين النفع والضرر ، أو النافع والضار ، أو الجاهل بقبح الإضرار وحسن النفع ، وربّما يتصور وقوعه من المحتاج ؛ إذ المحتاج إلى شيء ربّما يقدم على الإضرار بالغير ؛ لجلب النفع إلى نفسه ، أو دفع الضرر عنها ، ولا مسرح لهما في حق الباري تعالی.

ص: 390


1- التوحيد : لأبي عبد الله - الإمام الصادق عليه السلام - أو أبي محمّد مفضل بن عمر الجعفي الكوفي ، عبّر عنه النجاشي بكتاب (فكر) ، وسماه بعض الفضلاء ب-(کنز الحقائق والمعارف) ، وقد أمر السيِّد علي بن طاووس في (کشف المحجّة) وفي (أمان الأخطار) بلزوم مصاحبة هذا الكتاب والنظر والتفكير فيه ، وقال : (إنه ممَّا أملاه الإما الصادق عليه السلام فيما خلقه الله جلّ جلاله من الآثار ، وهو في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء المعالم السلفي ، وإظهار أسراره ، وإنه عجيب في معناه) فتبيّن أنه قال لرسالة الإهليلجة ، وكلاهما في إثبات التوحيد وهما من منشآت الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام. (الذريعة 4 : 482 رقم 2156).
2- في الأصل : (على كثير من عبادنا) وما أثبتناه من الآية الكريمة.
3- سورة الإسراء : 70.
4- معالم الدين : 24.
5- معالم الدين : 24.

[108] - قال رحمه الله : (فتعيَّن أن يكون هو النفع ولا يجوز أن يكون عائداً إليه سبحانه لاستغنائه وكماله ، فلابدَّ أن يكون عائداً إلى العبد) (1).

أقول : كما قال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ (2) ، ولأن الاحتياج من صفات الممكن ، والمراد من الغنيّ في حقّه تعالى هو عدم افتقاره إلى الغير لا في ذاته ولا في صفاته.

المنافع هي دفع آلام

[109] - قال رحمه الله : (وحيث كانت المنافع الدنيوية في الحقيقة ليست بمنافع ، وإنَّما هي دفع آلام ، فلا يكاد يُطلق اسم النفع إلا على ما ندر منهما ، لم يعقل أن يكون هو الغرض من إيجاد هذا المخلوق الشريف ، ولا سيّما مع كونه منقطعاً مشوياً بالآلام المتضاعفة) (3).

أقول : كلّ من تأمل بعين البصيرة يرى في الحقيقة أنَّ المنافع الدنيوية التي هي عبارة عن اللَّذّات الجسمانية ليست هي لذّات ، بل هي دفع آلام حاصلة للبدن ، فما يظنُّه الآكل عند الأكل لذّة ؛ ما هو إلا دفع ألم الجوع ، وما يجده الناكح حين النكاح من اللذّة ؛ ما هو إلا دفع مضرّة المني المجتمع ، وقس عليه ما سواه من المسكن ، والملبس ، والحشم ، والمركب ، والجاه ، والمنصب ؛ ولذا ترى أن الممتلئ لا يلتذ بالأكل أصلاً ولو قُدّم إليه أنفس المأكل ، ومن البديهي أنَّ الخلاص من الألم غير مرتبة الكمال ، فليس في اللَّذّات الجسمانية بأسرها کمال

ص: 391


1- معالم الدين : 24.
2- سورة فاطر : من آية 15.
3- معالم الدين : 24.

أصلاً ولا اعتبار لها في نظر أهل البصيرة ، بل إنما الإنسان بهذه اللذّات يكون شريكاً للحيوان ، وتكون نفسة الناطقة عند استيفائه خادمة لقوة البهيمة ؛ ولذا لل نسبنا إلى أحد كثرة الأكل ووصفناهبذلك لتأثر من ذلك إلى الغاية ، مع أن كلّ عاقل يطلب نشر كماله ويبتشُّ بِذِكره بما فيه من وصف الكمال ، وكيف نعد نيل اللَّذّات الجسمانية كمالاً مع أنَّ كلّنا نقدِّس ذات الباري تعالى الجامع لجميع صفات الكمال من لوث هذه اللذّة ، فلو كانت من الكمال في شيء لثبتت في حقّ مبدأ الكائنات ، هذا كله مع أنه نفع منقطع غير دائم في دار الدنيا ؛ إذ غاية صفة الدنيا للراغبين فيها والراضين بها لا يتجاوز المثل ، وهو أن تزهر في عيونهم وتروقهم محاسنهم ، ثُمَّ عن قليل تزولُ عنهم ، فكأنَّها لم تكن كما هو معنى المثل المضروب لها في القرآن الكريم : ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (1).

وقال مولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين في وصف الدنيا : «لم يكن امرؤ منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة ، ولم يلق من سرّائها بطناً إلّا منحته من ضرائها ظهراً ، ولم تطله فيها ديمة رخاء ، إلا همت (2) عليه مزنة بلاء ، وحري إذا أصبحت له منتصرة أن تسمي له متنكرة ، وإن جانبٌ منها اعذوذبَ واحلولى أمرّ منها جانب فأوبى ، لا ينال امرؤ من غضارتها رغباً إلا أرهقته من نوائبها

ص: 392


1- سورة الكهف : من الآيتين 45 - 46.
2- كذا وفي بعض النسخ : (هننت) وفي غيرها (هتفت).

تعباً ، ولا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف ، غرّارة غرور ما فيها ، فائية فانٍ من عليها ، لا خير في شيء من أزوادها إلا التقوى» (1).

فقد تحقّق من جميع ما ذُكر أنه لا ينبغي أن تكون المنافع الدنيوية التي قَدْ عرفت حقارتها هي الغرض من إيجاد الإنسان ؛ ولذا قال رحمه الله : (فلا بد أن يكون الغرض شيئاً آخر ، ممَّا يتعلّق بالمنافع الأُخروية) (2).

أقول : أعني الفوز بلذّات النشأة الأُخروية والوصول إلى منتهی مراتب الإنسانية ، والأُنس بالابتهاجات الروحانية ، واللذّات العقلية ، والقرب من بساط الرحمة ؛ ولذا عدّه من أعظم المنافع حيث قال : (ولمّا كان ذلك النفع من أعظم المطالب وأنفس المواهب ، لم يكن مبذولاً لكلّ طالب ، بل إنَّما يحصل بالاستحقاق ، وهو لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار ، المسبوق بمعرفة كيفية العمل المشتمل عليها هذا العلم ، فكانت الحاجة ماسّةً إليه جدّاً لتحصيل هذا النفع العظيم) (3).

أقول : لا ريب أنَّ الثواب والجزاء إنَّما يترتَّبان على فعل المأمور به وترك المنهيّ عنه ، ولا يتصور ذلك إلّا بالعلم والبصيرة بهما ؛ لأنَّ الَّذي يؤدِّي بغير علم وبصيرة لا يدري إلى من يؤدِّي ؛ لظهور أن من لم يعرف ربِّه ولم يعلم أوامره ونواهيه لا يدري ما يفعل ، ولا لمن يفعل ، ولا من يتقرَّب إليه ، فلو فعل شيئاً لم يكن ذلك عبادة ؛ لأن العلم أصل العبادة والتقرُّب روحه ، فإذا لم يتحقَّقا لم تتحقق العبادة ، وإذا كان جاهلاً لم يكن على ثقة ممَّا أدَّى ولا مصدقاً بأن ما أداه

ص: 393


1- نهج البلاغة 1 : 217.
2- معالم الدين : 24.
3- معالم الدين : 24.

هو المطلوب منه ويترتَّب عليه الثواب والجزاء ، وبالجملة فإنَّ قبول العمل يتوقف على معرفته تعالى ، ومعرفة صفاته ، ورسوله المبلّغ عنه ، ومعرفة العمل ومأخذه الَّذي يجب الأخذ عنه ، ومعرفة كيفيته ، وأجزائه ، وشرائطه ، ومفاسده ، ومواضع صحَّته ، فإذا حصلت تلك المعارف لأحد وعمل على وفقها كان عمله مقبولاً ، وإلّا فلا ضرورة توقف انتقاء الموقوف بانتقاء الموقوف عليه ، وقد قال العالم عليه السالم : «من دخل في الإيمان يعلم ثبت فيه ، ونفعه إيمانه ، ومن دخل فيه يغير علم خرج منه كما دخل فيه».

وقال : «من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله زالت الجبال قبل أن يزول ، ومن أخذ ديته من أقواه الرجال ردّته الرجال - عنه (1)(2).

ص: 394


1- ليس في الحديث : (عنه) وإنما وضعها المؤلف رحمه الله للبيان.
2- الحديثان وردا تباعاً في خطبة كتاب الكافي 1 : 7.

الحديث السادس والثلاثون: في الأمر بالمعروف

اشارة

[110] - قال رحمه الله : وقد روينا بالإسناد السابق وغيره ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درَّاج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «لوددت أنَّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسهم بالسياط حَتَّى يتفقَّهوا - في الدين (1)(2).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة جميل بن درّاج]

جميل بن درَّاج : وجه هذه الطائفة ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام (3).

[ترجمة أبان بن تغلب]

أبان بن تغلب : ثقة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة في أصحابنا ، لقي أبا محمّد علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله عليهم السلام ، وروى عنهم (4).

وهذا الحديث مجهول في الاصطلاح ، ولكنَّه في قوّة الصحيح ؛ لكون محمّد بن إسماعيل من مشايخ الإجازة كما تقدّم ولا تضرُّ جهالته (5).

ص: 395


1- ليس في المعالم والكافي : (في الدين) وإنما وضعها المؤلف رحمه الله للبيان.
2- معالم الدين : 25 ، الكافي 1 : 31 ح 8.
3- رجال النجاشي : 126 رقم 328.
4- رجال النجاشي : 10 رقم 7.
5- ينظر حال محمّد بن إسماعيل مفصلاً في : شرح اُصول الكافي للمازندرانی 2 : 16.

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] - «أصحابي» : والأصحاب جمع صحب مثل فرخ وأفراخ ، والصحابة جمع صاحب ، ولم يجمع فاعل على فَعالة إلّا هذا (1).

والصحابي على ما هو المختار عند جمهور أهل الحديث : (كلّ مسلم رأی النبي صلى الله عليه وآله ، قیل : وروى عنه ، وقيل : أو رآه النبي صلى الله عليه وآله ، قيل : وكان أهل الرواية عند وفاته مائة ألف وأربعة عشر ألفاً) (2).

وذهب أصحابنا الإمامية إلى أنَّ وصف الصحبة مع النبي صلى الله عليه وآله لا يصير بنفسه سبباً لحسن المتَّصف بها ، فضلاً عن أن يصير بها موثَّقاً عادلاً ، وإنَّ الحكم بتعديل الصحابي وتوثيقه ، أو مدحه وحسنه كغيره يحتاج إلى ثبوت الإيمان أولاً ، ثُمَّ العدالة من اجتناب الكبائر ، وعدم الإصرار على الصغائر ، أو ما هو سبب للمدح ممَّا هو مذكور في محلّه ، وهذا واضح لا يحتاج إلى دليل وبرهان بعد الرجوع إلى أوصاف المؤمنين والفسَّاق في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، وإن المناط في الجرح والتعديل هو الإطاعة والعصيان (3).

وأقوى دليل على عدم العبرة بمحض الصحبة قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نهج البلاغة في تمييز الأحاديث الصحيحة :

«وإنَّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس : رجل منافق مظهر للإيمان ، متصنَّع بالإسلام ، لم يتأثم ولا يتحرَّج ، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 396


1- مجمع البحرين 2 : 585.
2- مجمع البحرين 2 : 585.
3- نفس الرحمن : 590 باب مذهب الإمامية في الصحابة ، وفيه تفصيل الحديث ، فليراجع.

متعمداً ، فلو علم الناس أنه منافق کاذب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوا قوله ، ولكنَّهم قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ، رآه وسمع منه ولقف عنه ، فيأخذون بقوله ، ولقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ، ووصفهم بما وصفهم به لك ... إلخ» (1).

فإنَّ هذا تصريح منه عليه السلام بنفاق بعض الصحابة.

[ب] - «ضربت» : بضم التاء على صيغة المتكلّم أو بسكونها ، وضم الأول على البناء للمجهول.

[ج] - «رؤوسهم» : خصّه عليه السلام بالذكر من بين سائر الأعضاء مع أنه أشرفها مبالغة في تأديبهم في ترك التفقُّه ، وفيه دلالة على وجوب الأمر بالمعروف وإن احتاج إلى الضرب وغيره من أنواع التأديب ، كما هو صریح رواية جابر الطويلة : «فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكُّموا بها جباههم» (2).

ومرسلة التهذيب : قَدْ حق لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحق لي ذلك؟! وأنتم يبلغكم عن الرجل منکم القبيح ، ولا تنكرون عليه ، ولا تهجرونه ، ولا تؤذونه حَتَّى يترکه» (3).

وغير ذلك ممَّا تختصُّ به أدلَّة نفي الضرر ونحوها ، وأمّا صحيحة زرارة : «كان علي عليه السلام لا يُجلس في السجن إلا ثلاثة : الغاصب ، ومن أكل مال اليتيم ظلماً ، ومن أؤتمن على أمانة فذهب بها» (4).

ص: 397


1- نهج البلاغة 2 : 189.
2- الكافي 5 : 55 ، تهذيب الأحكام 6 : 180 ح 372 / 21.
3- تهذيب الأحكام 6 : 181 ح 375 / 24.
4- تهذيب الأحكام 6 : 299 ح 836 / 43.

حيث دلَّت من جهة إطلاق الجزء المستفاد من الحصر على عدم حبس غير الثلاثة ، فهي أعم مطلقاً لا ممَّا مرَّ ، فيجب تخصيصها به ، فيتمُّ الوجوب ولكن مع حصول شرائطه المذكورة فيما سبق.

[د] - «بالسِّياط» : بكسر السين ، جمع سوط ، وهو آلة الجلد ، والأصل سواط - والواو فقلبت ياء لكسرة ما قبلها - وتجمع على الأصل أسواط ، وأمّا جمعه على أسباط فشاذ (1).

ص: 398


1- مجمع البحرين 2 : 453.

الحديث السابع والثلاثون: وجوب النفرللتفقه

اشارة

[111] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن محمّد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «تفقَّهوا في الدين ، فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ، إن الله تعالى يقول في كتابه : ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (1)» (2).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : فمرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة علي بن محمّد]

علي بن محمّد : قال الشيخ عبد اللطيف الجامعي في رجاله : (علي بن محمّد مطلقاً روى عنه في الكافي ، وقد مراراً بابن عبد الله ، ومراراً بابن زياد ، ومراراً بابن بندار ، والاشتباه يلوح على الكلّ) ، انتهى (3).

فهو من صنف المجهول (4) ، والرواية من جهته ضعيفة اصطلاحاً.

ص: 399


1- سورة التوبة : 122.
2- معالم الدين : 25 ، الكافي 1 : 31.
3- رجال الشيخ عبد اللطيف الجامعي ، لم أقف عليه وكانت نسخته عند المؤلف رحمه الله كما في الذريعة 10 : 128 رقم 253.
4- قال السيِّد الخوئي قدس سره في معجم رجال الحديث 13 : 162 رقم 8450 ما نصّه : (علي بن محمّد بن عبد الله : من مشايخ الكليني قدس سره ، وتقدّم في علي بن محمّد أنه علي بن محمّد ابن بندار ، وقد أكثر الكليني الرواية عنه. وقع بهذا العنوان في إسناد عدة من الروايات تبلغ تسعة وثلاثين مورداً. فقد روى عن أبيه ، وابن البرقي ، وإبراهيم بن إسحاق ، وإبراهيم بن إسحاق الأحمر ، وأحمد ، وأحمد بن أبي عبد الله ، وأحمد بن محمّد ، وأحمد بن محمّد البرقي ، وأحمد بن محمّد بن خالد ، ومحمّد بن عبد الله ، والسياري. وروى عنه في جميع ذلك محمّد بن يعقوب).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] - قال جدّنا الفاضل الصالح : (المراد بالتفقُّه في الدين طلب العلوم النافعة في الآخرة ، الجالبة للقلب إلى حظيرة القدس دائماً ، بحيث يُعد الطالب عرفاً من جملة طلبتها ومشتغلاً بها ، وتلك العلوم في المعدّة لسلوك سبيل الحق ، والوصول إلى الغاية من الكمال ، كالعلوم الإلهية ، والأحكام النبوية ، وعلم الأخلاق ، وأحوال المعاد ومقدّماتها) ، انتهى (1).

[ب] - «فهو أعرابي» : أي كالأعراب في عدم التفقُّه ، وقد ذمَّهم الله تعالی بقوله : ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ (2).

قال الجوهري في (الصحاح) : (الأعراب سكان البادية خاصة من العرب ، والنسبة إلى الأعراب أعرابي ؛ لأنه لا واحد له) (3).

وفي الآية دلالة على وجوب التفقُّه ؛ لأنه تعالى أوجب النفر له ، ولو لم يكن واجباً لم يجب النفر له.

وفيه دلالة على وجوب مقدمة الواجب ، وعلى كون وجوبه كفائياً ؛ لإيجاب النقر على طائفة من كلّ فرقة ، وعلى حُجِّية خبر الواحد ؛ لوجوب الحذر علی القوم عند تبليغ الطائفة لهم وإنذارها إياهم ، ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة مظانّه من كتب الأُصول.

ص: 400


1- شرح اُصول الكافي 2 : 14.
2- سورة التوبة : من آية 97.
3- الصحاح 1 : 178.

ثُمَّ إنَّ وجوب التفقه والتعلم يستتبع إيجاب التعليم ؛ إذ لا وجه لوجوب التعليم بالسؤال وعدم وجوب الجواب ، بل وتحريم كتمان العلم والفقه من المسلَّمات عندنا ، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَ-ٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ (1).

وقال : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَ-ٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ (2).

وقال صلى الله عليه وآله : «من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (3).

ص: 401


1- سورة البقرة : 159.
2- سورة البقرة : 174.
3- مستدرك الحاكم 1 : 102.

الحديث الثامن والثلاثون: التفقّه في دين الله

اشارة

[112] - قال رحمه الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد ، عن القاسم بن الربيع ، عن المفضَّل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «عليكم بالتفقُّه في دين الله ولا تكونوا أعراباً ، فإنه من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكِّ له عملاً» (1).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : ومرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة جعفر بن محمّد الكوفي]

وجعفر بن محمّد : هو جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، ضعّفه النجاشي في (الفهرست) ، ونقل عن أحمد بن الحسين - أعني ابن الغضائري على الإعاد شيخ الشيخ والنجاشي - أنه قال في حقّه : (كان يضع الحديث وضعاً ، ويروي عن المجاهيل ، قال : وسمعت من قال : كان أيضاً فاسد المذهب والرواية ... إلى أن قال : ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام ، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما الله) (2).

وقال ابن الغضائري : (إنَّه كان كذّاباً ، متروك الحديث جملة ، وكان في مذهبه ارتفاع ، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وكلّ عيوب الضعفاء مجتمعة فيه) (3).

ص: 402


1- معالم الدين : 25 ، الكافي 1 : 31 ح 7.
2- رجال النجاشي : 122 رقم 313.
3- رجال ابن الغضاري : 48 رقم 27 / 6.

نعم ، وثّقه الشيخ رحمه الله ولا عبرة بتوثيقه (1) بعد معارضته بكلام من تقدّم ، ولاسيَّما مثل النجاشي المقدّم تعديله على جرح الشيخ ، فضلاً عن جرحه كما هو الحال فيما نحن فيه ؛ ولذا قال العلّامة في (الخلاصة) : عندي في حديثه توقّف ، ولا أعمل بروايته (2).

[ترجمة القاسم بن محمّد بن الربيع]

والقاسم : هو ابن محمّد بن الربيع ، صرّح بتضعيفه العلّامة في (الخلاصة) (3).

وقال الطريحي في (الدراية) : (هو مشترك بين جماعة لا حَظّ لهم في (التوثيق) (4) ، وصرّح أيضاً بتضعيفه المجلسي في (الوجيزة) (5).

[ترجمة المفضّل بن عمر]

وأمّا المفضّل : فالكلام فيه طويل ، وعند المشهور ضعيف ، وعندي تبعاً لجملة من أجلّاء المحقِّقين أنه من أجلّاء الرواة وثقات الأئمّة الهداة ، وكفى شاهداً لنا قول المفيد رحمه الله في الإرشاد : (إنه من شيوخ أصحاب أبي عبد الله عليه السلام وخاصَّته ، وبطانته ، وثقاته الفقهاء الصالحين) (6) ، وإن أردت الاطّلاع على ما في هذا

ص: 403


1- رجال الطوسي : 418 ، رقم 6037 / 2.
2- خلاصة الأقوال : 330 رقم 3.
3- خلاصة الأقوال : 389 رقم 8.
4- جامع المقال : 116.
5- الوجيزة في علم الرجال : 140 رقم 1455.
6- الإرشاد 2 : 216.

الشأن فعليك بمراجعة المجلد الثالث من المستدركات فيما يتعلق بشرح مشيخة (من لا يحضره الفقيه) ، فإنَّه قَدْ أورد ما يزيح به العلّة ويشفي الغلة (1).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] - قال جدّي الفاضل الصالح : (والوجه في عدم نظر الله إليه أنَّ استحقاق العبد للكرامة يوم القيامة ليس باعتبار أنه خلق الله ، ولا باعتبار جسمه ، وحسن صورته ، وكثرة أمواله وأولاده وعشيرته ، بل إنَّما هو لصفاء قلبه ، وإحاطته بالمعارف الإلهية ، واتّصافه بالصور العقلية ، وإذعانه بالشرائع النبوية ، وانقياده للأحكام الشرعية ، فكلّ من كانت فيه هذه الأُمور أقوى كان استحقاقه للكرامة والرحمة والنظر إليه أجدر وأحرى ، ومن لم يكن فيه شيء منها كان أبداً منعوتاً بالحرمان موصوفاً بالخذلان).

قال رحمه الله : (ويرشد إليه ما رُوي من طريق العامَّة عنه صلى الله عليه وآله قال : «إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إلى قلوبكم ، ونياتکم ، وأعمالكم») ، انتهی (2).

[ب] - «ولم يزكِّ له عملاً» : من البديهي أنَّ تزكية العمل متوقّفة على جامعية العمل للشرائط والأجزاء ، وفاقديته لموانع القبول ، ومن لم يكن متفقّهاً في دينه لا يكون كذلك.

ص: 404


1- خاتمة مستدرك الوسائل 4 : 128 - 136.
2- شرح اُصول الكافي 2 : 16.

الحديث التاسع والثلاثون: [في أهمية التفقه]

اشارة

[113] - قال رحمه الله : وبالإسناد السالف ، عن المفيد ، عن الحسن بن حمزة العلوي الطبري ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي ، عن أبيه ، قال : حدثنا جدّي أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن العملاء ، عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «لو اُتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا يتفقَّه لأدّبته».

قال : وكان أبو جعفر عليه السلام يقول : «تفقَّهوا وإلا فأنتم أعراب» (1). أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : والمراد من الإسناد السالف هو الَّذي ذكره أولاً عن عدّة من أصحابنا.

[ترجمة الحسن بن حمزة العلوي]

وأمّا الحسن : فهو ابن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أبو محمّد ، الطبري ، يُعرف بالمرعشي.

قال النجاشي : (كان من أجلّاء هذه الطائفة وفقهائها ، قدم بغداد ولقيه شيوخنا في سنة 356 ﻫ ومات في سنة 358 ﻫ) ، انتهى (2).

ص: 405


1- معالم الدين : 25 ، المحاسن 1 : 228 ح 161.
2- رجال النجاشي : 63 رقم 150.

وكان فاضلاً دیّناً ، عارفاً فقيهاً ، زاهداً ورعاً ، كثير المحاسن ، أديباً ، روى عنه التلعکبري ، والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون ، والمفيد كما في هذا الحديث ، له كتب كثيرة ك-(المبسوط) ، و (المفتخر) (1).

صرّح بتوثيقه صاحب (المشتركات) (2) و (الحاوي) (3).

[ترجمة أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي]

وأمّا أحمد : فهو ابن عبد الله ابن بنت أحمد بن محمّد البرقي ، وثّقه المجلسي في (الوجيزة) (4) ، ونقل الوحيد البهبهاني في (التعليقة) عن جدّه : (الظاهر أنه ثقة عند الصدوق ؛ لاعتماده في كثير من الروايات عليه) ، انتهى (5).

وأمّا العلاء : فهو ابن رزين القلّاء ، قال النجاشي : (ثقفي ، مولی ، قاله ابن فضال ، وقال ابن عبدة الناسب : مولى يشكر. كان يقلّي السويق ، روي عن أبي عبد الله عليه السلام ، وصحب محمّد بن مسلم وتفقَّه عليه ، وكان ثقة وجهاً ، ثُمَّ ذكر له كتباً) ، انتهی (6).

ص: 406


1- الفهرست للطوسي : 104 رقم 195 / 35 ، خلاصة الأقوال : 100 رقم 8.
2- هداية المحدثین : 38.
3- حاوي الأقوال 1 : 261 رقم 151.
4- لم يرد ذكره في الوجيزة والمذكورون هم : أحمد بن عبد الله بن أحمد بن جلين ، وأحمد بن عبد الله الرفا ، وأحمد بن عبد الله الأشعري ، وأحمد بن عبد الله بن مهران المعروف بابن خائبة. (ينظر : الوجيزة في الرجال 20 رقم 98 - 102) ، وينظر ترجمته في : معجم رجال الحديث 2 : 146 رقم 635.
5- تعليقة على منهج المقال : 68.
6- رجال النجاشي : 298 رقم 811.

[محمّد بن مسلم الثقفي]

وأمّا محمّد بن مسلم ، فقد قال النجاشي : (محمّد بن مسلم بن رياح ، أبو جعفر ، الأوقص ، الطحّان ، مولی ثقيف الأعور ، وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ورع ، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام وروي عنهما ، وكان من أوثق الناس.

له كتاب يسمَّى : (الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام) ... إلى أن قال : ومات محمّد بن مسلم سنة 150 ﻫ) (1).

قلت : وهو الَّذي قال أبو عبد الله في حقّه لمّا قال له ابن أبي يعفور : إنه ليس كل ساعة ألقاك ، [ولا يمكن القدوم ، ويجيء الرجل من أصحابنا ، فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه ، قال :] (2) فما يمنعك عن محمّد بن مسلم الثقفي ، فإنَّه قَدْ سمع من أبي ، وكان عنده وجيهاً (3).

وما أورده الكَشِّي ممَّا يدل على ذمِّه (4) ، مجاب عنه بمثل ما أجاب به الصادق عليه السلام عن ذم زُرارة (5) ، فتأمَّل.

الموضع الثاني

في شرح المتن :

ص: 407


1- رجال النجاشي : 323 رقم 882.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 382 ح 273.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 383.
5- حمل الأصحاب أخبار الذم ممَّا ورد في ذمّ زرارة ونظرائه من أجلّاء الأصحاب على التقية ؛ حفظاً لهم وحقناً لدمائهم ، ويدل على صحَّة هذا الحمل ما ورد من الروايات ، من الاعتذار عن ذمهم مثل قول الصادق عليه السلام لعبد الله بن زرارة : «اقرأ منّي على والدك السلام ، وقل له إني إنما أعيبك دفاعاً منِّي عنك ، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه ؛ لإدخال الأذى فيمن نحبّه ونقرّبه ، ويذمونه لمحبتنا له ، وقربه ودنوه منا».

[أ] - تكرر في الحديث ذكر الشباب ، هو كسحاب جمع (شاب) بالتشدید ، وكذلك الشبان کفرسان ، والأنثى شابّة ، والجمع شواب کدابة ودواب.

وفي الحديث : (ابن ثلاثين سنة يُسمّی شاباً) (1) ، وكان المراد به التحديد من طرف النهاية ، أي آخر من يُطلق عليه هذا الاسم من بلغ الثلاثين.

[ب] - «الشيعة» : قَدْ سبق شرح هذه الكلمة ، وفي الحديث أيضاً : «نحن قريش ، وشيعتنا العرب ، وعدوُّنا العجم» (2) ، وليس فيه دلالة على تفضيل العرب على الفرس ؛ إذ المراد بالعجم من قابل العرب ، وإن كان تركياً أو هندياً كما في الحديث : «أعوذ بك من شرّ فسقة العرب والعجم» (3) ، إذ لا وجه للتعوُّذ من شرِّ العرب وخصوص الفرس.

قال شهاب الدين أحمد القلقشندي في نهاية الأرب : (إنَّ كلّ من كان عدا العرب فهو عجمي ، سواء الفرس ، أو الترك ، أو الروم وغيرهم ، وليس كما تتوهَّمه العامَّة من اختصاص العجم بالفرس ، بل أهل المغرب إلى الآن يطلقون لفظ العجم على الروم والفرنج ومن في معناهم) (4) ، ويُحتمل أن يكون المراد من العجم في الحديث خصوص الخزر ، والديلم ، والترك ، والكلّ من مشركي العجم كما ورد في الخبر المروي في الكافي في باب الجهاد (5).

وباقي فقرات الحديث واضحة لا تحتاج إلى بيان بعد ما سبق منّا نظائره.

ص: 408


1- مجمع البحرين 2 : 474.
2- معاني الأخبار : 402 ح 71.
3- مصباح المتهجد : 179.
4- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب : 11.
5- الكافي 5 : 11.

الحديث الأربعون: [في أهمية التفقه أيضا]

اشارة

[114] - قال رحمه الله : وبالإسناد عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن أسباط ، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «ليت السياط على رؤوس أصحابي حَتَّى يتفقهوا في الحلال والحرام» (1).

أقول : إسحاق بن عمّار مشترك بين الثقة والموثق ، أمّا الأول : فهو ابن عمّار بن حيان ، مولى بني تغلب ، أبو يعقوب الصيرفي ، وثّقه النجاشي ، وصرّح بأنه شيخ من أصحابنا ، وأنه في بيت كبير من الشيعة ، وأنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام (2).

والثاني : هو ابن عمّار بن موسی الساباطي الفطحي ، ولا وجه لتوهُّم الاتّحاد ، غير أن النجاشي لم يذكر الثاني ، وأول من وقع في شبهة الاتّحاد السيِّد ابن طاووس ، ثُمَّ تبعه في ذلك العلّامة في (الخلاصة) ، ثُمَّ تبعهما جملة ممَّن تأخَّر عنهُما كالميرزا في (رجاله الكبير) (3).

وممَّن ذهب إلى التغاير شيخنا البهائي في محكيّ (مشرق الشمسين) (4) ، وتلميذه العلّامة الشيخ علي بن سليمان في حواشي الحديث ، وصاحب

ص: 409


1- معالم الدين : 25 ، المحاسن 1 : 229 ح 165.
2- رجال النجاشي : 71 رقم 169.
3- التحرير الطاووسي : 38 رقم 21 ، خلاصة الأقوال : 317 رقم 1 ، منهج المقال : 52.
4- مشرق الشمسين : 277.

(الوافي) (1) ، والمولي عناية الله في (مجمع الرجال) (2) ، وشيخنا يوسف البحراني رحمه الله ، والشيخ أبو علي رحمه الله (3).

وقال الميرزا في حاشية كتاب رجاله الوسيط : (الظاهر من التتبُّع أنَّ إسحاق بن عمّار اثنان : ابن عمّار بن حيان الكوفي ، وهو المذكور في رجال النجاشي ، وابن عمّار بن موسى الساباطي ، وهو المذكور في (الفهرست) ، وأن الثاني فطحي دون الأول ، فتدبَّر) (4).

وكيف كان ، فالثاني موثق ويُميّز بينهما بالقرائن ، ولا حاجة إلى بيان الباقي (5).

شفاعة العلماء يوم القيامة

ولنقبض عنان القلم على ما أراد الله لنا من إثبات ما حصل من شرح خطبة المعالم ، ولتذييل الكلام بذکر خاتمة فيها فضيلة جليلة في شأن العلماء الأخيار الأبرار ، وقد وردت في جملة من الأخبار ، وهي أنَّ شفاعة العلماء کشفاعة الأنبياء يوم القيامة.

ص: 410


1- لم أقف على حاشية الحديث للشيخ زین الدین علي بن سليمان البحراني المتوفى سنة 1064 ﻫ، ذكر قوله وقول صاحب (الوافي) السيِّد بحر العلوم في الفوائد الرجالية 1 : 308 عند ذكر آل حيان التغلبي.
2- مجمع الرجال 1 : 188 ، 195.
3- قَدْ تعرض لهذا القول ايضاً الشيخ حسين آل عصفور البحراني في تتمة الحدائق 1 : 33 ، منتهى المقال : 22 رقم 304 ، 4 رقم 305.
4- الوسيط في الرجال : 28 (مخطوط) والنسخة التي اعتمدناها هي من مخطوطات مكتبة السيِّد محمّد صادق بحر العلوم رحمه الله ، رجال النجاشي : 71 رقم 169 ، الفهرست للطوسي : 54 رقم 52 / 1.
5- ينظر : تعليقة على منهج المقال : 84 ، أعيان الشيعة 3 : 272 رقم 852.

روى الديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله : «من أعان طالب العلم فقد أحبّ الأنبياء وكان معهم ، ومن أبغض طالب العلم فقد أبغض الأنبياء ، فجزاؤه جهنّم ، وإنّ لطالب العلم شفاعة كشفاعة الأنبياء ، وله في جنّة الفردوس ألف قصر من ذهب ، وفي جنّة الخلد مائة ألف مدينة من نور ، وفي جنّة المأوى ثمانون درجة من ياقوتةٍ حمراء ، وله بكلّ درهم أنفقه في طلب العلم جوارٍ بعدد النجوم وبعدد الملائكة ، ومن صافح طالب العلم حرّم الله جسده على النار ، ومن أعان طالب العلم إذا مات غفر الله له ولمن حضر جنازته» (1).

وقال عليه السلام : «إذا كان يوم القيامة جمع الله العلماء فيقول لهم : عبادي ، إنّي اُريد بكم الخير الكثير بعد ما أنتم عليه تحملون الشدّة من قبلي وكرامتي ، وتعبَّدني الناسُ بكم ، فابشروا فإنّكم أحبّائي ، وأفضل خلقي بعد أنبيائي ، وابشروا فإنّي غفرت لكم ذنوبكم ، وقبلت أعمالكم ، ولكم في الناس شفاعة مثل شفاعة أنبيائي ، فابشروا فإنّي منكم راض ولا أهتك ستوركم ، ولا أفضحكم في هذا الجمع» (2).

وممّا يناسب ذکره ، ما نقله بعض علمائنا المتأخّرين من أن جدّي العلّامة السیِّد رضا نجل السيِّد بحر العلوم طاب ثراهما (3) ، المتوفى سنة 123 ﻫ، توالت

ص: 411


1- إرشاد القلوب 1 : 31.
2- إرشاد القلوب 1 : 318.
3- السيِّد محمّد رضا ابن السيِّد بحر العلوم (1189 - 1253). وهو أبو الأسرة [وثاني أولاد أبيه]. وُلد في النجف الأشرف ، وأرخ ولادته كثير من شعراء عصره ، منهم الشيخ محمّد رضا النحوي بقوله - من قصيدة - : قَدْطاب أصلاً وميلاداً وتربية *** لذاك أرخت : قَدْ طاب الرضا ولدا ونشأ - رحمه الله - نشأة علمية على يد أبيه بحر العلوم. وتلمذ - أيضاً - على العلماء البارزين - يومئذ - كالشيخ الأكبر الشيخ جعفر کاشف الغطاء ، والشيخ محمّد سعيد الدينوري القرجه داغي ، والشيخ محمّد تقي ملا كتاب ، والسيد محمّد القصير الخراساني. وتسنم الزعامة العلمية والاجتماعية - بعد أبيه - وجعل يقوم بأعبائها أحسن قيام ، رغم وجود أساتذته وقرنائه. اجازه عامة أساتذته ، فمن ذلك إجازة أستاذه الديتوري القرجه داغي ، وإجازة اُستاذه القصير الخراساني. وله من المؤلفات - في الأُصول - رسائل في الأُصول ، کشف القناع في أصحاب الإجماع - وفي الفقه - : شرح اللمعتین ، جزءان كبيران ، يشرح بعض أبواب اللمعة وشرحها للشهيدين - قدس سرهما في غاية الدقة في المضمون ، والبساطة في العرض والاستدلال ، وكثيراً ما يتقال آراء والده بحر العلوم ويعبّر عنه بأستاذي الوالد. وما تزال مؤلفاته مخطوطة ، وتوجد لدى مكتبات الأسرة. توفي في النجف الأشرف ستة 1253 ﻫ ودُفن إلى جنب والده - قدس سرهما - ورثاه عامة شعراء عصره ، کالسید مهدي ابن السیِّد داود الحلي المتوفى سنة 1289 ﻫ، والشيخ حسين بن محمّد بن مبارك المتوفى سنة 1289 ﻫ، والشيخ حسن قفطان المتوفى سنة 1227 ﻫ وخلّف - من البنين - سبعة. وأمهم : الفقيهة الفاضلة العلويةبنت العلّامة السيِّد آقا اليزدي متولي أوقاف يزد - المدفون في الصحن الشريف في الحجرة التي دٌفن فيها - بعد حين - الحجتان الورعان : الشيخ الأنصاري ، والشيخ محمّد طه نجف - رحمهم الله -. (مقدمة الفوائدالرجالية 1 : 128 باختصار). والحمد لله ربّ العالمين على إتمام تحقيق هذا الكتاب على يد أفقر العباد إليه أحمد علي مجيد الحلي النجفي ، النجف الأشرف.

عليه من الديون المبالغ الباهظة ، فسافر من النَّجف إلى کرمانشاهان يسعى في تحصیل ما يؤدِّي به ديونه ، وأن الشاهزاده محمّد علي ميرزا المتوفى سنة 1237 ﻫ نجل السلطان فتحعلی شاه القاجاري قال له : بعني باباً من الجنة بألف تومان.

فقال له السيد : من أين علمت أنّي أملك ذلك؟

فقال له الشاهزاده : اكتب لي بذلك صكّاً ، واجعل فيه شهادة علماء النَّجف وكربلاء وخواتيمهم ، وأنا أقبل ذلك منك واُسلّمُك الدراهم.

ففعل له السيِّد ذلك ، وقبض منه المبلغ المزبور ، ثُمَّ إنَّ الشاهزاده لمّا توفّي أوصى أن يُجعل الصك معه في كفنه ، ولا شك أن الله تعالى يدخله الجنّة بكرمه ،

ص: 412

ولمّا توفّي حُمل نعشه إلى الحائر الحسيني عليه السلام ودُفن في الرواق الشريف ، فهنيئاً له على ما رزقه الله من حسن النيَّة.

اللهُمَّ اجعلنا ممَّن اجتذبته جواذب الأشواق حَتَّى وقف على بابك ، واختطفته مخالب العشَّاق حَتَّى وصل إلى جنابك ، موقناً بثوابك ، آمناً من عذابك ، إنَّك مجيب دعوة المضطرين ، وأنت أرحم الراحمين ، وكتب بيده مؤلفه الأحقر جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي وذلك في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 1342 ﻫ في النَّجف الأشرف على مُشرِّفها آلاف التحيَّة والتُّحف.

ص: 413

ص: 414

الفهارس الفنية

اشارة

• الآيات القرآنية

• الأحاديث

• الأشعار

• الأعلام

• المصادر

• المحتويات

ص: 415

ص: 416

الآيات القرآنية

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا....................................................... 33

اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ...................................... 28

أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ........................ 331

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.......... 334

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ............................................................. 320

إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ.................................................. 211

الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ.................... 403

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ................................................ 305

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ......................................... 333

أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ....................................................... 299

إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ................................................ 158

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا....................... 404

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ........................................ 404

إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا..................................................... 299

إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ................ 334

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ.......................................................... 364

اِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.................. 267

إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا.................................................. 269

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ............................... 159 ، 251 ، 327

إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ.................................... 331

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا.................................... 386

بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ........................................... 132

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا.................................. 173

خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.......................................................... 89

فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ......................... 280

فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ......................................... 180

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا.......................................... 57

ص: 417

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ.......................... 375

فَبَشِّرْ عِبَادِ................................................................ 333

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا......................................... 283 ، 286

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ................................................. 47

قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ....................... 205

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا.......................................................... 214

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا.............................. 331

كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ............................................... 59

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.............. 354

لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ...................................................... 120

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ................................................. 268

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ........................................... 392

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.......................................... 8

ليتفقهوا لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ..... 366، 402

مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ.................................. 206

مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ................................................... 89

مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ 240

مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.................................................... 88

نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.................................... 180

هَ-ٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.............................................. 348

وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ......................................................... 144

وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ............................................................. 305

وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا....................................................... 33

وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ................................................... 283 ، 284

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ................................................... 369

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ................................... 395

ص: 418

وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ...................................................... 348

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا.............................................................. 56

وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ.......................................................... 135

وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ........................................ 209

وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا............................................................ 332

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا............................ 375

وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا................................................. 368

وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ................................... 47

وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا.......................................................... 334

وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا................................................ 385

وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ............................................. 236 ، 252

وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا.......................................................... 33

وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا....................................................... 214

وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا......................................................... 252

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا.......................................... 269

وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ...................................................... 320

وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ................................ 268

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... 354 ، 356

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ......................................................... 393

وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا......................................... 145

وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ............................................... 47

وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ........................................................ 137

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.................................. 300 ، 359

وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا..................................... 180

وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا......................................... 145

ص: 419

وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ........................................................ 358

وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا............................................. 100

وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا............................................. 209

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ.............................. 394

يُحْيِيهَا الَّذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ................................................... 89

يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ........................................................ 57

يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا............................................ 100

ص: 420

الأحاديث

أتاني جبرائيل عليه السلام آنفاً فقال : تختَّموا بالعقيق.................................. 205

أخاف على اُمَّتي زلة عالم.................................................... 169

إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقَّههُ في الدين.......................................... 366

إذا تشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال..................................... 131

إذا دخل الرجل منکم بيته ، فإن كان فيه أحد يسلّم عليهم...................... 281

إذا رأيتم الرايات السود قَدْ أقبلت من خراسان.................................. 130

إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه ؛ فاتَّهموه على دينكم................................. 247

إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه.............................................. 291

إذا سلَّم عليك الرجل وأنت تصلّي ، قال : تردّ................................. 292

إذا سلّم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل................................. 296

إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في.................................... 292

إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم........................................... 292

إذا عطس أحدكم فسمِّتوه................................................... 284

إذا كان يوم القيامة جمع الله العلماء فيقول لهم.................................. 414

إذا مات المؤمن - الفقيه...................................................... 381

إذا مات المؤمن الفقيه ، ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء..................... 379

أربع بقاع ضجّت إلى الله من الغرق في أيام الطوفان............................... 89

ارتدّ الناس إلا ثلاثة : أبو ذرّ وسلمان والمقداد.................................. 256

أسعد الناس بهذا الدين فارس.................................................. 47

اطلبوا العلم ، وتزيَّنوا معه بالحلم والوقار........................................ 322

أعوذ بك من الذنوب التي تردّ الدعاء.......................................... 228

آفة الدين الحسد ، والعُجب ، والفخر......................................... 342

افشوا سلام الله ؛ فإن سلام الله لا ينال الظالمين................................ 291

أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه............................ 300

أقبح شيء الخرق........................................................... 270

أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد.................................. 159

ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنِّط الناس من........................... 329

ص: 421

البخيل من بخل بالسلام..................................................... 281

البرّ وحسن الخُلق يعمِّران الديار ، ويزيدان في الأعمار........................... 352

التحيَّة السلام وغيرُه من البرّ................................................. 284

التواضع أن تعطي الناس ما تُحبُّ أن تُعْطَاه..................................... 325

التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها.......................... 325

الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره............................. 371

الحسن عليه السلام أفضل من الحسين عليه السلام......................................... 136

الحق مع علي وهو مع الحق ، أينما دار........................................ 238

الخرق شرّ خُلق............................................................ 270

الخرق شين الخُلق........................................................... 270

الخرق مناواة الأمراء ، ومعاداة من يقدر على الضراء............................. 270

الزم الصمت تسلم......................................................... 337

الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عما تحب............................ 368

الصبر مطية لا تكبو........................................................ 370

الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد....................................... 370

الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر................................ 351

المعجم يشر کوتكم في دينكم ، وأنسابكم....................................... 49

العلم مقرون إلى العمل ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم....................... 304

العلم نهر ، والحكمة بحر ، والعلماء حول النهر يطوفون.......................... 193

العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناجٍ............................... 302

الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره................ 326

الكمالُ كلّ الكمال : التفقُّه في الدين ، والصبر على النائبة....................... 368

اللهمّ أدر الحق مع علي حيث دار............................................ 238

اللهُمَّ أدر الحق معه أينما دار................................................. 238

اللهُمَّ فقّهه في الدين........................................................ 366

المهديّ [رجلٌ من] ولدي................................................... 129

ص: 422

المهدي طاووس أهلِ الجنَّة................................................... 129

المهدي منّي ، أجلى الجبهةِ ، أقنى الأنف....................................... 129

الناس معادن كمعادن الذهب والفضة......................................... 214

أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها............................................... 10

إنَّ أحقَّ الناس بالاجتهاد ، والورع ، والعمل بما عند الله ويرضاه................... 300

إن أردت الَّذي لم يشك ولم يدخله شيء ، فالمقداد............................... 29

إنَّ أشدَّ أهل النار ندامة رجل دعا عبداً إلى الله................................. 312

إنَّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزَّ وجلَّ................................ 351

إنَّ الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم............................. 238

إنَّ الَّذي يعلّم العلم منكم ، له أجر مثل المتعلّم................................. 159

إنَّ الرجل ليأتي بأيِّ بادرة فيكفر ، وإنَّ الحسد.................................. 342

إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته من القلوب............................ 309

إنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أن الأنبياء لم يورِّثوا.............................. 181

إنَّ الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل......................................... 239

إنَّ الله تعالی أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنه يحبّهم................................ 29

إنَّ الله تعالى يحشر الناس على نيَّاتهم يوم القيامة................................ 207

إنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى داود أن ائت عبدي دانيال وقل له..................... 190

إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبياً إلّا بصدق الحديث............................... 347

إنَّ الله عزَّ وعلا يقول : تذاكُرُ العلم بين عبادي ممَّا تحيی......................... 353

إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إلى قلوبكم......................... 407

إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط............................. 342

إنَّ بخراسان لبقعة من الأرض يأتي عليها زمان تصير............................... 89

أنَّ زيارتها تعدلُ الجنَّة......................................................... 69

إن في السماء ملكين موكَّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه....................... 324

إن لله حرماً وهو مكة ، ولرسوله حرماً وهو المدينة................................. 69

ص: 423

أنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه..................................... 324

أنَّ من علامات الفقيه الحلم والصمت......................................... 192

إنّا صُبَّر وشيعتنا أصبر منّا.................................................... 372

أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي............................................... 268

إنّا كلَّنا خلقنا من نور واحد وطينة واحدة...................................... 139

إنّا كلّنا سواء ، أولنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد........................... 139

إنّا لنُكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النّبز أن يُلحق بهم.............................. 17

أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد.............................................. 136

أنت نفسيَ التي بين جنبيَ................................................... 136

إنَّما العلم ثلاثة : آيةٌ محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سُنَّةٌ......................... 361

إنَّما بعثتُ لأتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق.............................................. 229

إنَّما سُمّي إسماعيل صادق الوعد............................................... 348

أنه دخل عليه جماعة من الشيعة ، فلم يأذن لهم بالجلوس.......................... 25

أنه لم يبقَ أحد إلا وجال جولة إلا المقداد بن الأسود.............................. 29

إنَّها كانت صدّيقة ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها............................. 18

أنّي اُدفن في دار موحشة ، وبلاد غريبة.......................................... 95

إني إنما أعيك دفاعاً منِّي عنك................................................ 410

أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا....... 247

أوضع العلم ما وقف على اللّسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان............. 311

إيَّاك والرئاسة ، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال................................... 172

إياكم وهؤلاء الرؤساء الَّذين يترأسون ، فوالله ما خفقت.......................... 169

أيُّها الناس اعلموا أنَّ كمال الدين طلب العلم والعمل به......................... 175

أيُّها الناس ، إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلَّكم تهتدون......................... 315

بئس الشيعة الخرق.......................................................... 270

بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر............................................ 118

بلى ، كانت في أيدينا فدك.................................................. 144

ص: 424

بِمَ يعرف المؤمن............................................................ 348

بنا فتح الله لا بكم ، وهنا يختم لا بكم........................................ 133

تاسعهم قائمهم ، أعلمهم................................................... 138

تذاكروا وتلاقَوا وتحدَّثوا ، فإنَّ الحديث جلاء القلوب............................. 353

تسعة من ذرِّية الحسين عليهم السلام تاسعهم قائمهم ، أعلمهم......................... 138

تعلَّموا العلم ، فإنَّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح.............................. 146

تفقَّهوا في الدين ، فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي.................... 402

تفقَّهوا وإلا فأنتم أعراب..................................................... 408

تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة........................................ 334

تناولُ السماء أيسرُ عليك من ذلك........................................... 170

ثلاث لا يسلم منها أحد : الطَيَرة ، والحسد ، والظن............................ 343

ثُمَّ ينادي منادٍ : أين حوارييَ علي بن أبي طالب.................................. 25

حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة.................................................. 250

حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق..................................... 387

حسّنوا أخلاقكم........................................................... 214

حٌفَّت الجنَّةُ بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات.................................... 371

حقّ سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه.............................. 262

خذ العلم من أفواه الرجال................................................... 353

رأس الجهل الخرق.......................................................... 270

رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحبّ العبد............................ 351

رجل راوية لحد يشكم يبثّ ذلك في الناس..................................... 202

رحم الله عبداً أحيا أمرنا..................................................... 260

سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..................................... 355

سوء النيَّة والسريرة ، أو ترك التصديق بالإجابة.................................. 228

سيدا شباب أهل الجنة...................................................... 137

ص: 425

طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة..................................... 162

طلبةُ العلم ثلاثة ، فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم................................... 218

عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.................................. 197

علماء شيعتنا مرابطون في الثَّغر الَّذي يلي إبليس وعفاريته........................ 385

علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيثما دار............................. 238

عليكم بالتفقُّه في دين الله ولا تكونوا أعراباً ، فإنه من لم يتفقَّه.................... 405

فقال : سبحان الله! يموت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا يموت موسی...................... 46

فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها................................. 250

قال لي أبو الحسن عليه السلام : صاحبکم من بعدي الَّذي يصلّي عليّ................. 118

قُبض علي بن الحسين عليهما السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة............................ 7

قَدْ حق لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا........................... 400

قرأت في كتاب علي عليه السلام أنَّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً..................... 320

قُصر الأمل ، وشكر كلّ نعمة ، والورع عمّا حرّم الله عزَّ وجلَّ.................... 179

قُم با بني ، فاقرأ عند رأس أخيك............................................... 56

كاد الفقر أن يكون كفراً ، وكاد الحسد أن يغلب القدر.......................... 342

كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم إن العلم......................... 266

كان رجل في الزَّمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم........................... 253

كان سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر............................ 24

كان عابد في بني إسرائيل لم بنارف من أمر الدنيا شيئاً........................... 199

كان علي عليه السلام لا يُجلس في السجن إلا ثلاثة : الغاصب........................ 400

كانت أُمِّي نامدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة................. 18

کُشف عن بصري ، فأبصرت النطف التي في أصلابهم ،......................... 134

كلمة لا إله إلا الله حصني ؛ فمن قالها دخل حصني.............................. 77

كيف أنتم إذا نزل ابن مريم ايکم وإمامكم منكم................................ 131

كيف صنعت في سفرك من لم تجد الماء........................................ 166

لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي........................... 78

ص: 426

لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها................................. 203

لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم............................ 296

لا تسلّموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس..................... 296

لا تطلبنّ الرئاسة ، ولا تكن ذئباً.............................................. 235

لا خير في الصمت عن العلم ، كما لا خير في الكلام عن الجهل.................. 252

لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكفُّ................................ 179

لا يغرّنَّكم الصّحفيون....................................................... 353

لا يُقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع................................ 251

لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر............................................ 355

لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد...................................... 272

لقد ولدني أبو بكر مرّتين...................................................... 19

للجسم ستة أحوال : الصحَّة ، والمرض ، والموت ، والحياة........................ 193

للسلام سبعون حسنة : تسع وستون للمبتديء ، وواحدة للراد.................... 281

لله تعالى من عباده خیرتان : فخيرته من العرب..................................... 5

لله در الحسد ، حيث بدأ بصاحبه فقتله....................................... 344

لم يكن امرؤ منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة................................ 395

لو أتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا يتفقَّه لأدّبته............................... 408

لو انزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب.................................... 47

لو عُرض علم مقداد علی سلمان لكفر......................................... 28

لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالی رجلاً............................... 129

لوددت أنَّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسهم بالسياط حَتَّى يتفقَّهوا....................... 398

لولا أهل المدينة الأحببت أن اشتري لعيالي الشيء............................... 325

ليت السياط على رؤوس أصحابي حَتَّى........................................ 412

ليس من أخلاق المؤمن التملُّق................................................ 266

ليكن الناس عندك في العلم سواء............................................. 320

ص: 427

ما تواضع أحد لله إلا رفعه................................................... 324

ما ذنبانِ ضاربانِ في غنمٍ قَدْ تفرَّقَ رِعاؤها بأضرَّ في دينِ.......................... 170

ما كان الرفق في شيء قطّ إلّا زانه............................................ 270

ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس................................. 377

ما يقدم المؤمن على الله عزَّ وجلَّ بعمل........................................ 352

متی لقيت من اُمَّي أحداً فسلَّم عليه يطل عمرك................................ 281

مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعلموا بما..................... 313

من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله زالت الجبال قبل أن.................. 397

من أراد الحديث المنفعة الدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب...................... 241

من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه........................... 140

من استأكل بعلمه افتقر..................................................... 260

من أعان طالب العلم فقد أحبّ الأنبياء وكان معهم............................ 414

من التواضع أن تسلّم على من لقيت.......................................... 291

من بدأ بالكلام قبل السلام ، فلا تجيبوه....................................... 285

من تعلّم العلم............................................................. 160

من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه........................... 275

من دخل في الإيمان بملم ثبت فيه ، ونفعه إيمانه ، ومن دخل فيه.................. 397

من زار عمَّتي بقم فله الجنَّة.................................................... 69

من زارها فله الجنَّة............................................................ 68

مَن سلكَ طريقاً يطلب فيه علماً سلكَ الله به طريقاً إلى الجنَّة..................... 141

من صدق لسانه زكى عمله ، ومن حسنت نيَّته زيد في رزقه...................... 348

من صلّى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنَ إلّا نفسه................. 227

من طلب العلم لغير الله لم يخرج من الدنيا..................................... 274

من طلب العلم ليباهي به العلماء..................................... 255 ، 256

من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به.................................. 160

ص: 428

من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة............................................ 404

من كثر خرقه استُرذل....................................................... 270

منهومان لا يشبعان : طالب دنيا وطالب علم.................................. 232

نحن قريش ، وشيعتنا العرب ، وعدوُّنا العجم................................... 411

نعم الراكبان وأبوهما خير منهما............................................... 136

هذا ولدي الحسين ، إمام ابن إمام............................................ 138

هلاك المرء سماع خفقان النّعال عقبه........................................... 261

هو تسليم الرجل على أهل البيت............................................. 280

هو كهل من کهولنا ، وسيِّد من ساداتنا....................................... 265

وإنَّ المؤمنَ لفي شُغُلٍ عن ذلك............................................... 300

وإن شراركم من أحبّ أن يوطأ عقبه ، إنه لابد من كذّاب........................ 173

وأنا أدفعها إليك يا علي ، وأنت تدفعها إلى وصيّك............................. 139

وإنَّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس................................ 399

وتفقَّه يا بني في الدين....................................................... 366

وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا.......................... 192 ، 266 ، 322

وُضع عن اُمَّتي تسع خصال.................................................. 343

وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد................................... 140

وكأنَّي أسمع صهيل خيلهم ، وطمطمة رجالهم..................................... 48

ولا يعرف الله إلا أنا وأنت................................................... 139

ولكنّ الرجل كل الرجل ، نعم الرجل.......................................... 184

ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره............................. 368

ومن علامة الإيمان الشفقة على خلق الله....................................... 271

وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام............................ 389

يا أبا ذرّ ، إنّك ضعيف ، وإنَّها أمانة.......................................... 171

يا أبا صالح ، كأنَّي أنظر إليك وإلى جنبي الناس................................. 279

ص: 429

يا أحمدُ ، إنّ عيب أهل الدنيا كثير ، فهم الجهل................................ 272

يا أيُّها الناس إن الله قَدْ أذهب عنكم بالإسلام................................... 48

يا بن عمران ، لا تحسدنّ الناس على ما أتيتهم................................. 342

يا بني أحدث الله شكراً ، فقد أحدث فيك.................................... 117

يا بني ، إذا أنا مِتُّ فلا يلي غسلي غيرك........................................ 11

يا بنيّ ، رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق........................................ 270

يا جابر لعلَّك تبقى حَتَّی توافي أحد ولدي....................................... 17

يا جويرية ، إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق................................ 169

يا رسول الله ، ما العلم؟ قال : الإنصاتُ...................................... 319

يا طالب العلم ، إنَّ العلم ذو فضائل كثيرة..................................... 338

يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاث علامات..................................... 336

يا عليّ ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أشرفَ على الدنيا.................................... 137

يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت........................................... 136

يا عيسی ، أطب الكلام.................................................... 252

يا کميل العلم خير من المال................................................. 180

يا کميل ، إنّه لا تخلو من نعمة............................................... 300

يتمنَّى الناس يوم القيمة كونَهُم من الفقراء...................................... 261

يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول............................................ 184

يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة........................................... 130

يُكره للرجل أن يقول : حيّاك الله............................................. 285

يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء..................................... 159

ص: 430

الأشعار

أتاهم عِلمُهُم في مِسْكِ جَفْرِ.................................................. 22

أتدري على مَنْ أسأتَ الأدَبْ................................................ 345

أحرقَكَ الصّدقُ بنار الوعيدُ.................................................. 349

أفضلُ مَنْ يشرَبُ صوبَ الغَمامْ................................................ 80

إن كنت تربعُ من دين على وطر............................................... 93

بشکسته عهد صحبت أهل طريق را.......................................... 206

عرف کردگار گي باشي..................................................... 164

عليٌّ بنُ الحَسَنِ وأحمَدُ....................................................... 309

فإنَّ صبرَكَ قاتِلُهْ............................................................ 345

فَزِعْتُ إلى صبري فأسلَمَني صبري............................................. 374

فشيمةُ أهلِ البيتِ كُلُّهم الرَّقصُ............................................... 169

قدر جوهر جوهری......................................................... 317

قولُ صدقٍ ثِقاتُنا تَرويهِ........................................................ 58

كالقَمَرِ البازغِ في النُّجوم.................................................... 359

که از تنها بلا خيزد........................................................ 229

که انفاس خوشش بوی کسی مي آيد........................................ 133

لذاك أرخت : قَدْ طاب الرضا ولدا........................................... 414

لَهُ ما لَهُ إلَّا النُّبوَّةِ مِنْ فَضْلِ.................................................. 135

ما كُنتَ ترفَعُ من دينٍ على فطَرِ................................................ 93

من اين مقام بدنيا واخرة ندهم............................................... 161

مَهدِيِّكُمْ ولِيَومِهِ أتوقَّعُ....................................................... 133

نحوَ مَغناكَ قاصداً مِن بلادي.................................................. 41

وَاشْكُكْ وإضرابٌ بِها أيضاً نُمِي............................................... 237

والبيتُ يعرفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ....................................................... 6

والهَوى مركبي وحبُّك زادي..................................................... 41

وأنت لكلّ ما تهوى رَكوبُ................................................... 193

ولكِنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادي................................................... 211

ص: 431

ومَنْ ليسَ في كُلِّ الأُمورِ لَهُ كُفْوُ............................................... 372

وهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصرِ الخالي.......................................... 282

ويُحمَدُ منهُ الصبرُ مِمَّا يُصيبُهُ................................................... 374

ص: 432

الأعلام

إبراهيم 7 ، 30 ، 31، 38 ، 41 ، 45 ، 46 ، 49 ، 50 ، 51 ، 52 ، 56 ، 63 ، 70 ، 74 ، 75 ، 112 ، 113 ، 140 ، 197 ، 256 ، 276 ، 292 ، 305 ، 309 ، 336 ، 361 ، 362 ، 376 ، 423 ، 425 ، 426 ، 432 ، 436 ، 438 ، 439 ، 447 ، 454

إبراهيم الأكبر......................................................... 50 ، 51

ابن أبي الحديد.............................................. 133 ، 140 ، 238

ابن الأثير.............. 6 ، 31 ، 95 ، 97 ، 142 ، 178 ، 204 ، 343 ، 452

ابن الشافعي.................................................................. 6

ابن الغضائري.. 233 ، 241 ، 247 ، 249 ، 264 ، 277 ، 382 ، 404 ، 432

ابن الوليد.................................................. 151 ، 154 ، 155

ابن حبان........................................................... 70 ، 436

ابن حجر..................................................... 6 ، 132 ، 239

ابن حمزة.................................................................. 407

ابن شهر آشوب.................... 10 ، 64 ، 67 ، 106 ، 113 ، 234 ، 340

ابن شيرويه......................................................... 129 ، 178

ابن طاووس...... 86 ، 104 ، 119 ، 148 ، 176 ، 234 ، 245 ، 382 ، 411

ابن عبد البر............................................................ 7 ، 31

ابن عساكر........................................................... 10 ، 90

ابن عمر.................................................................... 48

ابن عنبة...................................................................... 5

ابن قتيبة.............................................................. 8 ، 448

ابن مسعود................................................................ 381

ابن مسكان.................................................................. 7

أبو الجارود.................................................................. 10

أبو عبد الله 20 ، 22 ، 24 ، 61 ، 64 ، 124 ، 130 ، 149 ، 160 ، 170 ، 172 ، 173 ، 181 ، 203 ، 218 ، 256 ، 264 ، 276 ، 279 ، 325 ، 348 ، 358 ، 407 ، 409

أبو نعيم............................................... 6 ، 130 ، 166 ، 259

أبي أمامة............................................................ 14 ، 130

ص: 433

أتابك ابن سعد.............................................................. 59

أسعد بن زرارة............................................................... 30

اسكندر.................................................................... 90

أسماء بنت عميس............................................................ 26

إسماعيل 27 ، 28 ، 29 ، 34 ، 51 ، 56 ، 61 ، 63 ، 64 ، 118 ، 239 ، 256 ، 257 ، 258 ، 262 ، 264 ، 265 ، 292 ، 304 ، 305 ، 329 ، 348 ، 368 ، 379 ، 436 ، 437 ، 445 ، 448 ، 451 ، 453 ، 460 ، 461

إسمعيل ابن الإمام موسى...................................................... 64

إسماعيل الهاشمي............................................................ 265

الإربلي............................................................... 74 ، 84

الأسترآبادي................................................... 14 ، 49 ، 433

الأشعري 107 ، 140 ، 150 ، 154 ، 155 ، 181 ، 185 ، 187 ، 319 ، 408 ، 424

الأصفهاني.................................................. 430 ، 433 ، 446

الأفطس.................................................................. 118

الآلوسي........................................................... 144 ، 345

الأمين..................... 49 ، 79 ، 105 ، 127 ، 333 ، 421 ، 23 ، 446

الأنماطي........................................................... 361 ، 362

الأوردبادي.......................................................... 65 ، 120

الباقر 9 ، 10 ، 11 ، 17 ، 18 ، 19 ، 21 ، 76 ، 77 ، 132 ، 235 ، 255 ، 265 ، 280 ، 281 ، 296 ، 305 ، 389

الباهلي................................................................... 130

البخاري............................................ 131 ، 177 ، 434 ، 437

البختري........................................................... 181 ، 182

البرقي 13 ، 61 ، 181 ، 219 ، 253 ، 275 ، 277 ، 309 ، 315 ، 329 ، 386 ، 401 ، 407 ، 408 ، 445

البزوفري.................................................................. 138

البهائي 106 ، 147 ، 191 ، 243 ، 289 ، 366 ، 378 ، 411 ، 420 ، 430 ، 442 ، 447

البهبهاني....... 147 ، 148 ، 157 ، 185 ، 241 ، 242 ، 243 ، 408 ، 426

البيزنطي.................................................................. 378

ص: 434

البيهقي............................................................ 140 ، 434

الترمذي..................................................... 29 ، 129 ، 434

الثمالي............................... 175 ، 176 ، 177 ، 262 ، 265 ، 278

الحاحظ...................................................................... 5

الجامعي................................................................... 401

الجزائري................................. 59 ، 88 ، 189 ، 255 ، 422 ، 426

الجعفري........................... 22 ، 56 ، 65 ، 275 ، 278 ، 309 ، 310

الجعفي.................................. 18 ، 22 ، 176 ، 279 ، 305 ، 392

الجنابذي......................................................... 6 ، 18 ، 74

الجواد 32 ، 36 ، 64 ، 68 ، 74 ، 104 ، 107 ، 109 ، 110 ، 112 ، 116 ، 122 ، 123 ، 124 ، 152 ، 310

الجواليقي.................................................................. 176

الحر العاملي......................................... 362 ، 422 ، 427 ، 429

الحسن بن الحسن............................................................ 19

الحسن بن حمزة............................................................ 407

الحسن بن سليمان......................................................... 140

الحسن بن علي 9 ، 18 ، 19 ، 27 ، 109 ، 113 ، 118 ، 119 ، 177 ، 241 ، 242 ، 246 ، 322 ، 366 ، 382 ، 425 ، 429 ، 432 ، 442 ، 452

الحسني....................................... 65 ، 178 ، 421 ، 440 ، 444

الحسين بن سعيد.............................................................. 7

الحسين عليه السلام 7، 8 ، 9 ، 11 ، 12 ، 19 ، 39 ، 50 ، 55 ، 57 ، 105 ، 121 ، 134 ، 136 ، 138 ، 152 ، 170 ، 176 ، 270 ، 281 ، 313 ، 459 ، 462

الحلبي....................................... 329 ، 330 ، 434 ، 442 ، 445

الحموي....................................... 92 ، 119 ، 189 ، 428 ، 449

الحميري....................................................... 7 ، 219 ، 441

الحنظلي................................................................... 157

ص: 435

الخدري............................................................ 129 ، 144

الخراز............................................................. 376 ، 377

الخيزران..................................................................... 67

الداماد............................................. 148 ، 234 ، 273 ، 364

الدميري......................................................... 9 ، 22 ، 430

الدهني............................................................ 388 ، 389

الدولابي.................................................................... 31

الديلمي.............................................. 44 ، 413 ، 420 ، 440

الذهبي....................................................... 75 ، 177 ، 435

الرازي 62 ، 76 ، 142 ، 145 ، 202 ، 205 ، 252 ، 265 ، 267 ، 268 ، 274 ، 275 ، 281 ، 295 ، 306 ، 440 ، 445 ، 449

الراوندي................................ 18 ، 94 ، 111 ، 186 ، 430 ، 441

الرشيد..................... 41 ، 42 ، 52 ، 81 ، 90 ، 91 ، 92 ، 94 ، 197

الرضا 7 ، 8 ، 12 ، 13 ، 24 ، 25 ، 35 ، 36 ، 42 ، 44 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 58 ، 63 ، 67 ، 68 ، 69 ، 70 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 80 ، 82 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 93 ، 95 ، 97 ، 99 ، 101 ، 102 ، 105 ، 107 ، 108 ، 109 ، 152 ، 156 ، 170 ، 175 ، 192 ، 197 ، 221 ، 223 ، 238 ، 258 ، 260 ، 322 ، 325 ، 327 ،338 ، 351 ، 388 ، 413 ، 438 ، 446 ، 467

الرضي........................... 14 ، 34 ، 428 ، 433 ، 446 ، 448 ، 452

الرقي..................................................................... 342

الزبير........................................................ 28 ، 166 ، 419

الزراري............................................. 275 ، 276 ، 386 ، 404

الزمخشري........................................... 390 ، 432 ، 439 ، 442

الزهراء.................................. 15 ، 32 ، 127 ، 144 ، 419 ، 423

الزهري....................................................................... 5

الساباطي.......................................................... 411 ، 412

السبيعي........................................................... 175 ، 177

ص: 436

السجاد................................................................... 271

السراد.................................................................... 175

السروي................................................................... 123

السعد آبادي......................................... 61 ، 219 ، 276 ، 386

السفياني........................................................... 128 ، 132

السلطان أولجايتوخان......................................................... 35

السمهودي.................................................... 31 ، 32 ، 453

السندي بن شاهك.......................................................... 41

السيوري............................................................ 29 ، 443

الشاذكوني..................................................... 33 ، 34 ، 248

الشبلنجي.......................................................... 128 ، 132

الشبلي............................................................ 370 ، 371

الشهيد الأول...................................................... 432 ، 436

الشهيد الثاني.................................... 14 ، 24 ، 433 ، 446 ، 448

الشيباني................................................ 44 ، 70 ، 420 ، 442

الصادق 7 ، 12 ، 17 ، 18 ، 19 ، 20 ، 22 ، 24 ، 26 ، 27 ، 28 ، 34 ، 37 ، 39 ، 47 ، 64 ، 69 ، 73 ، 76 ، 77 ، 89 ، 138 ، 163 ، 179 ، 186 ، 192 ، 207 ، 229 ، 249 ، 253 ، 265 ، 266 ، 280 ، 292 ، 296 ، 305 ، 313 ، 362 ، 382 ، 384 ، 389 ، 390 ، 409 ، 425 ، 441 ، 446 ، 447

الصدوق 7 ، 13 ، 14 ، 64 ، 66 ، 68 ، 73 ، 75 ، 76 ، 78 ، 87 ، 93 ، 95 ، 111 ، 112 ، 120 ، 122 ، 136 ، 137 ، 146 ، 147 ، 148 ، 154 ، 155 ، 156 ، 186 ، 219 ، 248 ، 254 ، 260 ، 262 ، 263 ، 277 ، 296 ، 309 ، 333 ، 383 ، 408 ، 421 ، 422 ، 427 ، 428 ، 430 ، 438 ، 443 ، 448 ، 449 ، 450

الصفار................................................................... 423

الصفوي.................................... 61 ، 97 ، 98 ، 99 ، 125 ، 273

الصولي................................................................... 113

الصيقل.................................................... 218 ، 219 ، 348

ص: 437

الطباطبائي.................................... 11 ، 415 ، 422 ، 438 ، 439

الطبرسي........ 74 ، 110 ، 122 ، 123 ، 419 ، 421 ، 444 ، 447 ، 453

الطريحي........................ 19 ، 204 ، 220 ، 386 ، 405 ، 429 ، 444

الطقطقي................................................ 51 ، 63 ، 65 ، 421

الطهراني............... 110 ، 113 ، 125 ، 276 ، 432 ، 436 ، 439 ، 452

الطوسي 11 ، 14 ، 39 ، 66 ، 67 ، 76 ، 104 ، 128 ، 163 ، 177 ، 216 ، 233 ، 244 ، 245 ، 265 ، 278 ، 279 ، 304 ، 306 ، 310 ، 313 ، 339 ، 405 ، 419 ، 420 ، 422 ، 424 ، 427 ، 428 ، 431 ، 433 ، 437 ، 439 ، 440 ، 448 ، 452

العاملي 420 ، 421 ، 23 ، 424 ، 427 ، 429 ، 430 ، 431 ، 432 ، 433 ، 437 ، 446 ، 447 ، 451 ، 453

العبَّاس بن جعفر............................................................. 39

العبيدي............................................ 151 ، 154 ، 155 ، 233

العُرَيْضِيّ.................................................................... 36

العسكري 26 ، 38 ، 115 ، 116 ، 120 ، 121 ، 123 ، 124 ، 127 ، 150 ، 427 ، 449

العطار.............................................. 146 ، 157 ، 386 ، 419

العطاردي............................................................. 74 ، 75

العقرقوقي................................................................. 340

العلّامة 27 ، 39 ، 62 ، 65 ، 105 ، 110 ، 119 ، 120 ، 125 ، 138 ، 148 ، 152 ، 157 ، 176 ، 221 ، 243 ، 244 ، 245 ، 246 ، 248 ، 255 ، 257 ، 263 ، 270 ، 276 ، 278 ، 289 ، 310 ، 322 ، 339 ، 340 ، 353 ، 361 ، 372 ، 386 ، 390 ، 405 ، 411 ، 413 ، 414 ، 420 ، 422 ، 423 ، 425 ، 426 ، 428 ، 430 ، 432 ، 433 ، 434 ، 439 ، 440 ، 442 ، 443 ، 444 ، 445 ، 451

الفاضل المقداد.......................................... 29 ، 30 ، 138 ، 284

الفرزدق...................................................................... 6

الفزاري................................................................... 327

الفضل بن سهل.................................... 79 ، 83 ، 84 ، 87 ، 113

الفضل بن شاذان 151 ، 182 ، 256 ، 258 ، 338 ، 362 ، 368 ، 397 ، 422

الفضيل............................................................ 342 ، 370

ص: 438

القائم.............. 28 ، 47 ، 48 ، 123 ، 124 ، 131 ، 138 ، 275 ، 298

القاسم 8 ، 15 ، 18 ، 19 ، 20 ، 22 ، 23 ، 24 ، 56 ، 57 ، 58 ، 61 ، 65 ، 77 ، 103 ، 127 ، 148 ، 150 ، 203 ، 247 ، 248 ، 309 ، 313 ، 340 ، 358 ، 404 ، 424 ، 427 ، 432 ، 433 ، 435 ، 440 ، 441 ، 442 ، 449

القاسم بن الإمام موسى...................................................... 57

القاسم بن محمّد بن أبي بكر........................... 18 ، 19 ، 20 ، 23 ، 24

القاشاني........................................................... 309 ، 310

القاضي عيّاض.............................................................. 30

القتيبي.................................................................... 151

القزويني.............................................. 65 ، 130 ، 218 ، 434

القشيري.................................................................... 77

القلقشندي.......................................... 239 ، 410 ، 436 ، 452

القندوزي............................................................ 11 ، 454

الكاظم 35 ، 41 ، 43 ، 44 ، 45 ، 50 ، 51 ، 57 ، 62 ، 65 ، 77 ، 244 ، 265 ، 278

الكرماني.................................................................. 177

الكشي................................................................... 419

الكليني................. 52 ، 181 ، 185 ، 199 ، 235 ، 315 ، 401 ، 442

الكوفي 54 ، 55 ، 99 ، 157 ، 248 ، 262 ، 263 ، 313 ، 361 ، 392 ، 404 ، 412 ، 439 ، 440

المازندراني...... 177 ، 194 ، 234 ، 366 ، 380 ، 429 ، 435 ، 448 ، 450

المأمون 35 ، 45 ، 51 ، 53 ، 54 ، 66 ، 67 ، 74 ، 76 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 91 ، 92 ، 93 ، 95 ، 105 ، 106 ، 112 ، 198 ، 449

المجامعي................................................................... 265

المجلسي 37 ، 38 ، 39 ، 45 ، 67 ، 87 ، 105 ، 107 ، 111 ، 122 ، 126 ، 128 ، 138 ، 151 ، 154 ، 162 ، 181 ، 182 ، 190 ، 195 ، 196 ، 277 ، 233 ، 234 ، 242 ، 247 ، 248 ، 261 ، 265 ، 330 ، 339 ، 340 ، 372 ، 382 ، 386 ، 389 ، 405 ، 408 ، 423 ، 445

ص: 439

المرتضى................................... 14 ، 50 ، 77 ، 427 ، 433 ، 452

المشهدي.......................................................... 138 ، 446

المعتصم.................................................... 105 ، 114 ، 346

المعتمد..................................................... 112 ، 122 ، 127

المفضل بن عمر............................................................ 279

المفيد 11 ، 13 ، 39 ، 45 ، 49 ، 51 ، 73 ، 74 ، 76 ، 86 ، 103 ، 112 ، 115 ، 119 ، 121 ، 123 ، 146 ، 262 ، 275 ، 304 ، 383 ، 386 ، 405 ، 407 ، 419 ، 420 ، 421 ، 422 ، 429 ، 431 ، 449 ، 451

المقداد......................................... 28 ، 29 ، 284 ، 443 ، 461

المنصور الدوانيقي...................................................... 17 ، 26

المنقري............................................. 247 ، 248 ، 313 ، 358

المهدي 48 ، 90 ، 128 ، 129 ، 130 ، 131 ، 133 ، 233 ، 427 ، 430 ، 454 ، 460 ، 466

الناشئ.................................................................... 223

الناصر لدين الله............................................................. 43

النجاشي 13 ، 15 ، 33 ، 62 ، 63 ، 66 ، 76 ، 147 ، 149 ، 150 ، 151 ، 152 ، 154 ، 157 ، 176 ، 181 ، 198 ، 202 ، 203 ، 220 ، 232 ، 242 ، 243 ، 244 ، 245 ، 247 ، 248 ، 249 ، 258 ، 259 ، 263 ، 264 ، 265 ، 276 ، 277 ، 278 ، 310 ، 323 ، 327 ، 329 ، 330 ، 336 ، 339 ، 340 ، 361 ، 362 ، 376 ، 382 ، 386 ، 387 ، 388 ، 392 ، 397 ، 404 ، 405 ، 407 ، 408 ، 409 ، 411 ، 412 ، 440

النسائي........................................................... 272 ، 434

النصري................................................................... 327

النوري 38 ، 50 ، 58 ، 65 ، 107 ، 110 ، 120 ، 125 ، 194 ، 196 ، 244 ، 255 ، 270 ، 276 ، 285 ، 304 ، 378 ، 423 ، 425 ، 446 ، 453

النوفلي................................................................... 118

النيسابوري 140 ، 151 ، 256 ، 257 ، 338 ، 422 ، 426 ، 427 ، 433 ، 439 ، 442 ، 444 ، 453 ، 454

الهادي 104 ، 106 ، 116 ، 117 ، 119 ، 120 ، 121 ، 124 ، 125 ، 127 ، 298 ، 310 ، 441 ، 449 ، 452

الهمداني..................................... 154 ، 155 ، 242 ، 435 ، 445

الوشا..................................................................... 246

ص: 440

اليقطيني.................................................... 146 ، 150 ، 152

آمنة......................................................... 21 ، 194 ، 195

آمنة بيكم......................................................... 194 ، 195

أمير المؤمنين 10 ، 14 ، 15 ، 17 ، 25 ، 26 ، 29 ، 32 ، 34 ، 48 ، 57 ، 63 ، 65 ، 78 ، 79 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 ، 91 ، 95 ، 135 ، 144 ، 146 ، 158 ، 169 ، 175 ، 177 ، 178 ، 179 ، 188 ، 193 ، 205 ، 219 ، 232 ، 234 ، 238 ، 250 ، 251 ، 252 ، 255 ، 266 ، 270 ، 272 ، 284 ، 285 ، 296 ، 300 ، 302 ، 311 ، 312 ، 315 ، 324 ، 329 ، 336 ، 338 ، 344 ، 346 ، 347 ، 356 ، 366 ، 368 ، 374 ، 394 ، 398 ، 440 ، 463

أنوشيروان................................................................. 369

بحر العلوم 1 ، 28 ، 41 ، 49 ، 50 ، 58 ، 63 ، 68 ، 123 ، 125 ، 135 ، 147 ، 221 ، 222 ، 243 ، 254 ، 295 ، 304 ، 309 ، 412 ، 413 ، 414 ، 415 ، 420 ، 425 ، 431 ، 432 ، 434 ، 440 ، 441 ، 443 ، 448 ، 454

بخت نصر.................................................. 186 ، 188 ، 190

بزرجمهر................................................................... 369

بطليموس................................................................. 207

بن أبي عمير................................................ 197 ، 198 ، 292

بن أذينة.................................................................. 232

بن الجهم............................................................ 91 ، 275

بن العاص................................................................. 144

بن المهلهل.................................................................. 90

بن اليمان................................................................. 129

بن بابويه 146 ، 147 ، 148 ، 149 ، 262 ، 340 ، 421 ، 422 ، 427 ، 428 ، 430 ، 438 ، 440 ، 443 ، 448 ، 449 ، 450

بن سنان......................................... 7 ، 76 ، 153 ، 219 ، 304

بن شاذان.................................................. 151 ، 256 ، 339

بن شعبة........................................................... 109 ، 425

بن شهر آشوب.................................................... 448 ، 450

ص: 441

بن شيرويه................................................................. 440

بن طاووس.............................. 57 ، 86 ، 178 ، 392 ، 440 ، 444

بن عياش................................................................. 426

بن غياث........................................... 160 ، 247 ، 250 ، 358

بن قحطبة................................................. 90 ، 91 ، 92 ، 94

بن قولويه.......................................................... 277 ، 442

بن ماجة.................................................................. 130

بن محبوب................................... 151 ، 152 ، 175 ، 203 ، 322

بن مسكويه............................................................... 215

بن معبد.................................................................. 336

بن مهران.......................................................... 329 ، 408

بن مهزيار.................................................................... 7

تاشي خاتون................................................................ 54

ثعلبة........................................................ 28 ، 279 ، 330

ثوبان..................................................................... 130

جابر.................... 17 ، 18 ، 166 ، 304 ، 305 ، 399 ، 445 ، 465

جبرئيل............................................................... 77 ، 78

جبرائيل............................................................ 205 ، 459

جعفر الطيار................................................................ 26

جعفر بن بشير............................................................. 277

جنكيز خان................................................................ 97

جويرية............................................................. 169، 466

حسنة....................................... 146 ، 158 ، 281 ، 462 ، 463

حكيمة........................................ 67 ، 68 ، 122 ، 123 ، 124

حمد الله المستوفي............................................................. 59

حمدويه بن علي.............................................................. 51

ص: 442

حمزة ابن الإمام موسى.................................................. 62 ، 65

حمزة بن حمران....................................................... 12 ، 260

حمزة بن عمران............................................................. 371

خديجة............................................. 241 ، 244 ، 245 ، 246

خضر شلال............................................................... 116

خيزران................................................................... 105

دانيال........................ 185 ، 186 ، 188 ، 189 ، 190 ، 191 ، 460

داوود..................................................................... 436

درست..................................................... 338 ، 339 ، 361

ذو اليمينين................................................................ 114

ربعي بن عبد الله.................................................... 256 ، 368

رسول الله 8 ، 10 ، 12 ، 13 ، 17 ، 25 ، 28 ، 30 ، 31 ، 33 ، 43 ، 46 ، 48 ، 56 ، 68 ، 73 ، 77 ، 78 ، 80 ، 84 ، 89 ، 91 ، 92 ، 124 ، 129 ، 130 ، 131 ، 135 ، 137 ، 141 ، 144 ، 162 ، 171 ، 179 ، 184 ، 190 ، 205 ، 232 ، 234 ، 250 ، 251 ، 255 ، 260 ، 266 ، 270 ، 281 ، 300 ، 319 ، 334 ، 342 ، 343 ، 348 ، 352 ، 361 ، 371 ، 398 ، 462 ، 466

رشيد الدين فضل الله................................................. 43 ، 428

رقية.................................................................. 31 ، 59

روزبهان..................................................................... 60

رويم...................................................................... 370

زرارة بن أعين........................................................ 15 ، 171

زكريا بن آدم............................................................... 147

زين العابدين............................................ 6 ، 8 ، 9 ، 77 ، 437

سالم بن مكرم............................................................. 245

سبيكة نوبية............................................................... 105

سعد بن طريف............................................................ 146

ص: 443

سعد بن عبد الله......................................... 7 ، 66 ، 140 ، 146

سعد بن معاذ............................................................... 32

سلمان................... 28 ، 33 ، 171 ، 172 ، 238 ، 291 ، 442 ، 464

سليم بن قيس................................ 232 ، 233 ، 234 ، 302 ، 312

سليمان بن خالد................................................... 376 ، 377

سمانة المغربية............................................................... 112

سنجر السلجوقي............................................................ 96

سهل بن زياد....................................................... 319 ، 361

شاپور..................................................... 187 ، 188 ، 189

شاه بيكم................................................................... 69

شاه جان................................................................... 92

شاه زنان..................................................................... 8

شاه فضل.................................................................. 45

شمعون............................................................. 127 ، 314

شهر آشوب......................................................... 50 ، 362

شهربانويه..................................................................... 8

صافية................................................................ 20 ، 67

صفوان........................................................ 39 ، 64 ، 153

صفية بنت عبد المطلب....................................................... 32

صولتكين................................................................. 113

عائشة.................................................................... 348

عامر بن حرشنة............................................................. 46

عبد الستار الحسني................................................... 65 ، 119

عبد السلام بن سالم................................................ 386 ، 387

عبد الله ابن الإمام الصادق.................................................... 34

عبد الله بن أحمد..................................... 262 ، 264 ، 265 ، 408

ص: 444

عبد الله بن علي بن الحسين................................................... 10

عبد الله بن عمر......................................................... 8 ، 13

عبد الملك بن مروان............................................................ 8

عبيد الله الدهقان.......................................................... 339

عثمان بن عفان............................................................. 31

عثمان بن مظعون...................................................... 30 ، 31

عجلان................................................................... 279

عروة........................................................ 83 ، 338 ، 340

علي بن إبراهيم 47 ، 52 ، 69 ، 162 ، 170 ، 197 ، 218 ، 232 ، 247 ، 284 ، 313 ، 327 ، 336 ، 358 ، 378 ، 426 ، 454

علي بن أبي حمزة..................................... 380 ، 381 ، 382 ، 401

علي بن أبي طالب 25 ، 26 ، 33 ، 45 ، 55 ، 66 ، 78 ، 82 ، 95 ، 129 ، 140 ، 146 ، 178 ، 255 ، 262 ، 407 ، 450 ، 462

علي بن الحسين 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 12 ، 17 ، 19 ، 20 ، 24 ، 27 ، 35 ، 45 ، 57 ، 61 ، 76 ، 78 ، 80 ، 82 ، 146 ، 147 ، 148 ، 149 ، 170 ، 177 ، 185 ، 233 ، 245 ، 262 ، 275 ، 276 ، 300 ، 313 ، 351 ، 386 ، 397 ، 407 ، 427 ، 428 ، 430 ، 438 ، 443 ، 446 ، 463

علي بن هاشم............................................................. 313

عمر بن الخطاب............................................................. 33

عمر بن علي بن الحسين...................................................... 14

عمرو بن الحمق............................................................. 25

عناية الله..................................................... 64 ، 412 ، 444

عيسى 35 ، 52 ، 122 ، 127 ، 128 ، 130 ، 131 ، 133 ، 140 ، 146 ، 150 ، 151 ، 152 ، 153 ، 154 ، 155 ، 175 ، 181 ، 197 ، 218 ، 219 ، 232 ، 233 ، 242 ، 252 ، 256 ، 277 ، 302 ، 305 ، 313 ، 314 ، 322 ، 327 ، 332 ، 361 ، 368 ، 373 ، 376 ، 377 ، 401 ، 434 ، 442 ، 466

عيسى الجلودي.............................................................. 35

ص: 445

فاطمة 18 ، 22 ، 27 ، 32 ، 66 ، 68 ، 69 ، 70 ، 75 ، 106 ، 123 ، 127 ، 137 ، 138

فتح علي شاه.................................................... 54 ، 69 ، 70

فرهاد ميرزا............................................................ 59 ، 70

قتادة..................................................................... 101

قتلغ خان............................................................. 54 ، 60

قيصر الروم................................................................ 127

كمال الدين 37 ، 93 ، 94 ، 120 ، 124 ، 127 ، 128 ، 132 ، 137 ، 175 ، 263 ، 430 ، 443 ، 448 ، 461

كميل بن زياد...................................................... 300 ، 324

محسن الأمين....................................................... 119 ، 421

محمّد ابن الإمام الصادق...................................................... 35

محمّد بن أبي بكر........................... 8 ، 9 ، 19 ، 22 ، 24 ، 25 ، 463

مروان.................................................. 20 ، 46 ، 135 ، 426

مسعدة بن صدقة.......................................................... 355

معاوية بن وهب..................................... 322 ، 323 ، 336 ، 342

مهدي الخرسان........................................................ 29 ، 75

مهدي القزويني........................................................ 62 ، 65

موسى 25 ، 27 ، 34 ، 35 ، 36 ، 37 ، 38 ، 41 ، 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، 46 ، 50 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 57 ، 58 ، 59 ، 60 ، 61 ، 62 ، 63 ، 64 ، 65 ، 66 ، 67 ، 68 ، 69 ، 70 ، 71 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 84 ، 90 ، 91 ، 94 ، 95 ، 97 ، 99 ، 101 ، 105 ، 106 ، 107 ، 108 ، 109 ، 110 ، 113 ، 118 ، 120 ، 136 ، 140 ، 147 ، 148 ، 152 ، 154 ، 155 ، 156 ، 181 ، 187 ، 188 ، 197 ، 201 ، 219 ، 252 ، 262 ، 263 ، 276 ، 292 ، 305 ، 332 ، 336 ، 361 ، 380 ، 386 ، 411 ، 412 ، 421 ، 422 ، 425 ، 427 ، 428 ، 430 ، 431 ، 438 ، 440 ، 444 ، 462

نادر خان................................................................... 59

نادر شاه................................................................... 75

ناصر الدين شاه........................................ 75 ، 98 ، 114 ، 125

نرجس خاتون...................................................... 124 ، 127

ص: 446

نصر بن أحمد............................................................... 99

نصر بن الصباح.................................................... 151 ، 362

نصير الدين الطوسي........................................... 43 ، 419 ، 422

نمرود.............................................................. 187 ، 332

نوح بن شعيب............................................................. 338

هشام بن عبد الملك........................................ 6 ، 13 ، 20 ، 156

يحيى بن سعيد.................................................. 23 ، 43 ، 126

يزدجرد....................................................................... 8

يشوعا بن قيصر............................................................ 127

يعقوببن زيد............................................................... 242

يوسف البحراني............................................. 412 ، 429 ، 443

يونس بن عبد الرحمن................................ 1446 ، 152 ، 156 ، 197

ص: 447

ص: 448

المصادر

(أ)

1. أبواب الجنان وبشائر الرضوان : الشيخ خضر بن شلّال آل خدّام العفكاوي (ت 1255 ﻫ) ، تحقيق : قيس بهجت العطار ، نشر : مرکز الزهراء الإسلامي ، قم المقدسة ، سنة 1430 ﻫ.

2. الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين السيوطي (911 ﻫ) ، تحقيق : سعيد المندوب ، دار الفکر ، بيروت ، 1416 ﻫ.

3. الاحتجاج : أحمد بن علي الطبرسي (ق 6) ، تعليق : مُحَمَّد باقر الخرسان ، ط 1 ، النجف الأشرف.

4. إحياء علوم الدين : الإمام أبي حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي (ت 505 ﻫ) ، دار المعرفة ، بيروت.

5. أخبار الدول وآثار الأُول : أبو العباس أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني (ت 1019 ﻫ) ، عالم الكتب ، بيروت.

6. الأخبار الموفَّقيات : الزبير بن بكار ، تحقيق : د. سامي مكّي العاني ، ديوان الأوقاف ، سنة 1393 ﻫ.

7. الاختصاص : ينسب إلى أبي عبد الله مُحَمَّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقَّب بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، منشورات جماعة المدرِّسين ، قم المقدسة.

8. اختيار معرفة الرجال = رجال الكشي : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، تصحيح وتعليق : المعلِّم الثالث مير داماد الاستربادي ، تحقيق : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم المقدسة ، 1404 ﻫ.

9. آداب المتعلمين : الخواجه نصير الدين الطوسي (ت 672 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد رضا الجلالي ، ستارة ، قم المقدسة ، سنة 1416 ﻫ.

ص: 449

10. الأربعون حديثاً : الشيخ بهاء الدين مُحَمَّد بن حسين الجبعي العاملي ، الشيخ البهائي (ت 1031 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، سنة 1422 ﻫ.

11. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان : العلّامة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر الأسدي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ فارس الحسون ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1410 ﻫ.

12. إرشاد القلوب : الحسن بن أبي الحسن مُحَمَّد الديلمي (ق 8) ، تحقيق : السَّيد هاشم الميلاني ، دار الأُسوة ، قم المقدسة ، 1417 ﻫ.

13. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد : أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد (413 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، دار المفيد ، بيروت ، ط 2 ، 1414 ﻫ.

14. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي قدس سره (ت 460 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه : السَّيد حسن الموسوي الخرسان ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1363 ﻫ.

15. الاستيعاب في معرفة الأصحاب : أبو عمر يوسف أحمد بن عبد الله أحمد بن مُحَمَّد أحمد بن عبد البر النمري الأندلسي (463 ﻫ) ، بدون معلومات.

16. أسد الغابة في معرفة الصحابة : الشيخ عز الدين أبي الحسن علي بن أبي مُحَمَّد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ﻫ) ، انتشارات اسماعيليان ، طهران.

17. أسرار العارفين : السَّيد جعفر بحر العلوم (1377 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ عبد الرحمن الربيعي ، نشر مرکز تراث السَّید بحر العلوم ، 1430 ﻫ.

ص: 450

18. الأصول الستة عشر : مجموعة من كتب الرواية الأولية في عصر الأئمة المعصومین عليهم السلام ، تحقيق ضياء الدين المحمودي ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1423 ﻫ.

19. الأصيلي في أنساب الطالبيين : صفي الدين مُحَمَّد بن تاج الدين المعروف بابن الطقطقي الحسني (709 ﻫ) تحقيق : مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1418 ﻫ.

20. الاعتقادات : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي ابن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (381 ﻫ) ، تحقيق : عصام عبد السيد ، دار المفيد ، بيروت ، ط 2 ، 1414 ﻫ.

21. إعلام الوری بأعلام الهدی : أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت لإحياء التراث ، قم المقدسة ، 1417 ﻫ.

22. الأعلام : خير الدين الزركلي (ت 1410 ﻫ)، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 5 ، 1980 م.

23. أعيان الشيعة : السَّيد محسن الأمين العاملي (ت 1371 ﻫ) ، حقَّقه وأخرجه : حسن الأمين ، دار التعارف ، بيروت.

24. إقبال الأعمال : السَّيد علي بن طاوس (ت 664 ﻫ) ، تحقيق : جواد القيومي ، مکتب الإعلام الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1414 ﻫ.

25. إكسير العبادات في أسرار الشهادات : آغا بن عابد الدربندي المعروف بالفاضل الدربندي (ت 1285 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد جمعة بادي وعباس ملا عطية الجمري ، نشر : دار ذوي القربی ، قم المقدسة ، 1428 ﻫ.

ص: 451

26. الأمالي : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي ابن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (381 ﻫ) ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسَّسة البعية ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.

27. الأمالي الشيخ الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة البعثة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1414 ﻫ.

28. الأمالي : الشيخ المفيد (413 ﻫ) ، تحقيق : حسين استاد ، ولي وعلي اکبر غفاري ، جماعة المدرِّسین ، قم المقدسة.

29. أمل الآمل : الشيخ مُحَمَّد بن الحسن (الحر العاملي) (ت 1104 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد أحمد الحسيني ، مط الآداب ، النجف الأشرف.

30. الأنوار النعمانية : السَّيد نعمة الله الجزائري (ت 1112 ﻫ) تحقيق : السَّيد مُحَمَّد علي القاضي الطباطبائي ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت.

31. أوائل المقالات : الشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) ، دار المفيد ، بيروت ، ط 2 ، 1414 ﻫ.

32. أوصاف الأشراف : الخواجة نصر الدين الطوسي (ت 672 ﻫ) ، تحقيق : علي المنصوري ، مؤسَّسة البلاغ ، لبنان ، ط 1 ، 1421 ﻫ.

33. إيضاح الاشتباه : أي منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر الأسدي ، العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ مُحَمَّد الحسون ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة.

34. الإيضاح : الشيخ الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري (ت 260 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث ، مؤسَّسة دار الحديث الثقافية.

ص: 452

(ب)

35. بحار الأنوار : العلّامة مُحَمَّد باقر بن مُحَمَّد تقي المجلسي (ت 1111 ﻫ) ، مؤسَّسة الوفاء ، بيروت ، ط 3 ، 1403 ﻫ.

36. البداية والنهاية : ابن کثير الدمشقي (774 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط 1 ، 1408 ﻫ.

37. البدر المشعشع : الميرزا حسين بن مُحَمَّد تقي النوري (ت 1320 ﻫ) ، طبع ضمن مجلة الموسم ، العددان 26 - 27.

38. بصائر الدرجات الكبرى : أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290 ﻫ) ، تقدیم وتعليق وتصحيح : العلّامة ميرزا محسن کوچه باغي ، منشورات الأعلمي ، طهران ، 1404 ﻫ.

39. البلد الأمين والدرع الحصين : الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي

الكفعمي (ت 905 ﻫ) ، منشورات الأعلمي ، بيروت ، 1425 ﻫ.

40. بلغة المحدثين : الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي ، تحقيق : عبد الزهراء العويناتي ، نشر : العويناتي ، طبع منضما إلى معراج الكمال.

(ت)

41. تاج العروس من جواهر القاموس : محب الدين أبي فيض السَّيد مُحَمَّد مرتضی الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي (ت 1205 ﻫ) ، دراسة وتحقيق : علي شيري ، دار الفکر ، بيروت ، 1414 ﻫ.

ص: 453

42. تاريخ الأمم والملوك : أبي جعفر مُحَمَّد بن جرير الطبري (310 ﻫ) ، قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بليدن في سنة 1879 م ، راجعه وصحَّحه وضبطه نخبة من العلماء الأجلاء.

43. تاريخ الخميس في أحوال انفس نفيس : الشيخ حسين بن مُحَمَّد الديار بكري ، دار صادر ، بيروت.

44. تاريخ النجف الأشرف : الشيخ مُحَمَّد حسين حرز الدين (1418 ﻫ) ، هذبه وزاد عليه : عبد الرزاق حرز الدين ، منشورات دليل ما ، 1427 ﻫ، قم المقدسة.

45. تاريخ قم : الحسن بن مُحَمَّد بن الحسن الأشعري القمِّي (ت 378 ﻫ) ، ترجمة : تاج الدين حسن بن بهاء الدين القمِّي (في 806 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد رضا الأنصاري ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1427 ﻫ.

46. تاريخ مدينة دمشق : الحافظ أبي القاسم علی بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساکر (571 ﻫ) ، دراسة وتحقيق : علي شيري ، دار الفکر ، بيروت ، 1415 ﻫ.

47. التبيان في تفسير القرآن : الشيخ الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : أحمد العاملي ، مكتب الإعلام الإسلامي ، دار إحياء التراث العربي ، ط 1 ، 1409 ﻫ.

48. تحرير الأحكام الشرعية : الحسن بن يوسف بن علی بن المطهَّر العلّامة الحلي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري ، مؤسَّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1420 ﻫ.

49. التحرير الطاووسي : الشيخ حسن بن زين الدين (1011 ﻫ) ، تحقيق : فاضل الجواهري ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1411 ﻫ.

ص: 454

50. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله : أبو مُحَمَّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (ق 4) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، ط 2 ، 1404 ﻫ.

51. تحفة الطالب في حكم اللحية والشارب : السَّيد جعفر بحر العلوم (1377 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ مُحَمَّد الباقري ، نشر مرکز تراث السَّيد بحر العلوم ، 1430 ﻫ، ط 1.

52. تحية الزائر : العلّامة الشيخ حسين بن مُحَمَّد تقي النوري (ت 1320 ﻫ) ، طبعة حجرية ، إيران ، 1327 ﻫ.

53. تذكرة الفقهاء : العلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهَّر (ت 726 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1414 ﻫ.

54. ترتيب المدارك : القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 ﻫ) ، ضبط وتصحيح : مُحَمَّد سالم هاشم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، سنة 1418 ﻫ.

55. الترياق الفاروقي : عبد الباقي العمري (ت 1278 ﻫ) ، مط النعمان ، النجف الأشرف ، ط 2 ، 1384 ﻫ.

56. تعليقات على أجوبة المسائل المهنائية : التي حررها العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) ، تعليق السَّيد مُحَمَّد تقي السيستاني ، مجمع الذخائر الإسلامية ، قم المقدسة ، 1421 ﻫ.

57. تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال : مُحَمَّد باقر بن مُحَمَّد أكمل البهبهاني (ت 1205 ﻫ) ، بدون معلومات.

58. تفسير أبي السعود : أبي السعود مُحَمَّد بن مُحَمَّد العمادي (ت 951 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

ص: 455

59. تفسير الثعلبي : أبو إسحاق الثعلبي أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم النيسابوري (ت 427 ﻫ) ، تحقيق : الإمام أبي مُحَمَّد بن عاشور ، الناشر : دار إحياء التراث العربي ، ط 1 ، 1422 ﻫ.

60. تفسير الجلالين : العلّامة جلال الدین مُحَمَّد بن أحمد المحلي والعلّامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، قدم له وراجعه : الأستاذ مروان سوار ، دار المعرفة ، بيروت.

61. تفسير الصافي : المولی محسن الملقَّب بالفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ) ، صحَّحه وقدم له وعلَّق عليه : العلّامة الشيخ حسين الأعلمي ، منشورات مكتبة الصدر ، طهران ، ط 2 ، 1416 ﻫ.

62. تفسير العياشي : أبي النظر مُحَمَّد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي (ت 320 ﻫ) ، صحَّحه وحقَّقه وعلَّق عليه : السَّيد هاشم الرسولي المحلاتي ، المكتبة العلمية الإسلامية ، طهران.

63. تفسير القمِّي : أبي الحسن علي بن إبراهيم القمِّي (ق 4 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : السَّيد طيَّب الموسوي الجزائري ، مؤسَّسة دار الكتاب ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1404 ﻫ.

64. التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام : تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عج) ، قم المقدسة.

65. تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان : نظام الدین الحسن بن مُحَمَّد القمِّي النيسابوري (ت 728 ﻫ) ، تحقيق زکريا عميرات ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1416 ﻫ.

66. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : الشيخ مُحَمَّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء الترات

ص: 456

الحر العاملي ، قم المقدسة ، 1414 ﻫ والثانية المعروفة بالطبعة الإسلامية ، تحقيق وتصحيح وتذييل : الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ط 5 ، 1403 ﻫ.

67. تنزيه الأنبياء : أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضی (436 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 2 ، 1409 ﻫ.

68. تهذيب الأحکام : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه : السَّيد حسن الموسوي الخرسان ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران.

69. التوحيد : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي ابن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (381 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد هاشم الحسيني ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، 1398 ﻫ.

(ث)

70. الثاقب في المناقب : الفقيه عماد الدين أبي جعفر مُحَمَّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة (ق 6) ، تحقيق : الأستاذ نبيل رضا علوان ، مؤسَّسة أنصاريان ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1411 ﻫ.

71. ثمرات الأوراق في المحاضرات : الشيخ تقي الدين أبي بكر بن علي المعروف بابن حجة الحموي (ت 837 ﻫ) ، مطبوع بهامش محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء للراغب الأصفهاني ، جمعية المعارف ، مصر ، 1287 ﻫ.

72. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي رحمه الله (381 ﻫ) ، تقديم : العلّامة الجليل السَّيد

ص: 457

مُحَمَّد مهدي السَّيد حسن الخرسان ، منشورات الرضي ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1368 ﻫ.

73. جامع الأحاديث : أبي مُحَمَّد جعفر بن أحمد القمِّي (ق 4) ، ط المطبعة الإسلامية ، طهران ، سنة 1369 ﻫ.

74. جامع التواريخ : رشید الدین فضل الله الهمذاني - تاريخ المغول ، تعریب : مُحَمَّد صادق نشأت وفؤاد عبد المعطي الصياد ، ط الجمهورية العربي المتحدة ، وزارة الأوقاف.

75. جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والاسناد : المولى مُحَمَّد بن علي الأردبيلي (ت 1101 ﻫ) ، نشر : مكتبة المُحَمَّدي.

76. جامع السعادات : الشيخ مُحَمَّد مهدي النراقي (ت 1209 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه العلّامة السَّيد مُحَمَّد کلانتر ، مط النعمان ، النجف الأشرف.

77. جامع المقال : الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد کاظم الطريحي ، مط حيدري ، طهران.

78. الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي : مُحَمَّد بن أحمد الأنصاري (671 ﻫ) ، مؤسَّسة التاريخ العربي ، بيروت ، 1405 ﻫ.

79. جنات الخلود : مُحَمَّد رضا إمامي خاتون آبادي (ق 12) ، نشر : لؤلؤ ومرجان.

80. جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب : السَّيد أحمد الهاشمي ، ط 21 ، مط السعادة ، مصر ، 1384 ﻫ.

81. الجواهر السنية في الأحاديث القدسية : الشيخ مُحَمَّد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي (ت 1104 ﻫ) ، منشورات مكتبة المفيد ، قم المقدسة.

ص: 458

82. جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام : الشيخ مُحَمَّد حسن النجفي (ت 1266 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه : الشيخ عباس القوچاني ، دار الكتب الإسلامية ، طهران.

83. حاشية المعالم : الشيخ مُحَمَّد صالح المازندراني (ت 1181 ﻫ) ، مؤسَّسة الداوري.

84. حبل المتين : الشيخ بهاء الدين مُحَمَّد بن الحسين العاملي (1031 ﻫ) ، انتشارات : بصیرتي ، قم المقدسة.

85. حبيب السير : غياث الدین الحسيني المعروف خواند أمير (ت 943 ﻫ) ، انتشارات خيام ، ط 4 ، 1380 ﻫ.

86. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة : الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) ، نشره : الشيخ علي الآخوندي ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة.

87. الحديقة الهلالية : العلّامة الشيخ مُحَمَّد بن الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي (1030 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد علي الموسوي الخراساني ، مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1410 ﻫ.

88. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت 730 ﻫ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، 1427 ﻫ.

89. حياة الحيوان : الشيخ كمال الدين مُحَمَّد بن موسی الدميري (ت 808 ﻫ) ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، سنة 1424 ﻫ.

(خ)

90. الخرائج والجرائح : أبي الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن القطب الراوندي (573 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم المقدسة.

ص: 459

91. خزائن الكتب العربية في الخافقين : الفيكنت فيليب دي طرازي ، نشر دار الكتب ، مط جوزيف صيقلي ، بيروت.

92. خصائص الوحي المبين : خصائص الوحي المبين ، الحافظ ابن البطريق شمس الدين يحیی بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي (600 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ مالك المحمودي ، دار القرآن الكريم ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.

93. الخصال : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، منشورات جماعة المدرَّسين ، قم المقدسة.

94. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : العلّامة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر الأسدي (726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، مؤسَّسة نشر الفقاهة قم المقدسة.

95. خلاصة الإيجاز في المتعة : الشيخ المفيد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النعمان ابن المعلِّم أبي عبد الله العكبري البغدادي (ت 413 ﻫ) ، تحقيق : علي أكبر زماني نزاد ، دار المفيد ، بيروت ، 1414 ﻫ الخلاف : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ) ، تحقيق : جماعة من المحققين ، نشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1407 ﻫ.

(د)

96. الدُّر المختار شرح تنوير الأبصار : مُحَمَّد أمين الشهير بابن عابدین ، دار الفكر ، بيروت.

97. درُّ النثير : جلال الدين السيوطي (911 ﻫ) ، المطبوع بهامش النهاية في غرب الحديث ، مط العثمانية ، مصر ، 1311 ﻫ.

ص: 460

98. الدرُّ النظيم : الشيخ جمال الدین یوسف الشامي العاملي (ق 7) ، تحقيق : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة.

99. الدرة النجفية : السَّيد مُحَمَّد مهدي آل بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، نشر : مكتبة المفيد ، ط 2 ، 1414 ﻫ.

100. الدروس الشرعية في فقه الإمامية : الشيخ شمس الدين مُحَمَّد بن مكي

العاملي (ت 786 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 112 ﻫ.

101. دلائل الإمامة : الشيخ أبي جعفر مُحَمَّد بن جرير بن رستم الطبري (ق 5) ، تحقيق : مؤسَّسة البعثة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.

102. ديوان السَّيد رضا الهندي : السَّيد رضا الموسوي الهندي (ت 1362 ﻫ) ، تحقيق وجمع : السَّيد موسى الموسوي ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 1 ، 1409 ﻫ.

103. ديوان السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم : السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد جواد فخر الدين وحيدر شاكر الجد ، نشر : المكتبة الأدبية المختصة ، النجف الأشرف ، ط 1 ، 1427 ﻫ.

(ذ)

104. الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 3 ، 1403 ﻫ.

105. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : الشهيد الأول مُحَمَّد بن جمال الدين مكي العاملي الجزّينی (786 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، في المقدسة ، 1418 ﻫ.

ص: 461

(ر)

106. ربيع الأبرار : أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ﻫ) ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، سنة 1412 ﻫ.

107. رجال ابن الغضائري : أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم أبي الحسين الواسطي البغدادي (ق 5) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد رضا الحسيني الجلالي ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.

108. رجال ابن داود : تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (ت بعد سنة 707 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف.

109. رجال الخاقاني : الفقيه الأكبر الشيخ علي الخاقاني (ت 1334 ﻫ) ، تحقيق : العلّامة السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، نشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، ط 2 ، 1404 ﻫ.

110. رجال الطوسي : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ) تحقيق : جواد القيومي الأصفهانی ، مؤسَّسة النشر الاسلامي ، قم المقدسة ، 1415 ﻫ.

111. رسائل المرتضى : الشريف المرتضی أبي القاسم علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين (ت 436 ﻫ) ، تقديم : السَّيد أحمد الحسيني ، إعداد : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : دار القرآن الكريم ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.

112. الرواشح السماوية : المير داماد مُحَمَّد باقر الحسيني الأسترآبادي (ت 1040 ﻫ) ، تحقيق : غلام حسين قيصريه ها ونعمت الله الجليلي ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.

ص: 462

113. روض الجنان : الشهيد الثاني زين الدين العاملي (466 ﻫ) ، مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام ، قم المقدسة ، ط - حجرية ، 1404 ﻫ.

114. روضات الجنات : السَّيد مُحَمَّد باقر الموسوي الخوانساري (ت 1313 ﻫ) ، الدار الإسلامية ، بيروت ، ط 1 ، سنة 1411 ﻫ.

115. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : الشهيد الثاني زين الدين العاملي ، (966 ﻫ) ، انتشارات الداوري ، ط 1 ، 1410 ﻫ.

116. روضة الواعظين : الشيخ مُحَمَّد بن الفتال النيسابوري الشهيد في سنة (508 ﻫ) ، تقديم : السَّيد مُحَمَّد مهدي السَّيد حسن الخرسان ، منشورات الرضي ، قم المقدسة.

117. رياض العلماء وحياض الفضلاء : العلّامة الميرزا عبد الله الأصفهاني (ق 12) ، تحقيق السَّيد أحمد الحسيني ، نشر مكتبة المرعشي ، سنة 1415 ﻫ.

118. ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا : لشهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد بن عمر الخفاجي (ت 1069 ﻫ) ، تحقيق عبد الفتاح الحلو ، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي ، مصر ، ط 1 ، 1967 م.

(س)

119. سر السلسلة العلوية : الشيخ أبي نصر سهل بن عبد الله بن داود البخاري (ق 4) ، قدَّم له وعلَّق عليه : العلّامة الكبير السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ط 1 ، 1381 ﻫ.

ص: 463

120. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي : الفقيه أبي جعفر مُحَمَّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (ت 598 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1410 ﻫ.

121. سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر : السَّيد علي خان المدني (ت 1120 ﻫ) ، المكتبة الرضوية ، 1324 ﻫ.

122. سنن ابن ماجة : مُحَمَّد بن يزيد القزويني (275 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد فؤاد عبد الباقي ، دار الفکر ، بيروت.

123. سنن أبي داود : للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275 ﻫ) ، تحقيق : سعيد مُحَمَّد اللَّحام ، دار الفکر ، بيروت.

124. سنن الترمذي : أبي عيسی مُحَمَّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ﻫ) ، حقَّقه وصحَّحه : عبد الوهاب عبد اللطيف ، دار الفکر ، بيروت ، ط 2 ، 1403 ﻫ.

125. السنن الكبرى : أحمد بن الحسين البيهقي (458 ﻫ) ، دار الفکر ، بيروت.

126. السنن الكبرى : أحمد بن شعيب النسائي (303 ﻫ) ، تحقيق : عبد الغفار البنداري وسيِّد کسروي ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، 1411 ﻫ.

127. سير أعلام النبلاء : شمس الدين مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ﻫ) ، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه : شعيب الأرنؤوط ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، ط 9 ، 1413 ﻫ.

(ش)

128. شذرات الذهب في أخبار من ذهب : أبي الفلاح عبد الحيّ بن العماد الحنبلي (ت 1089 ﻫ) ، ط 2 ، دار المسيرة ، بيروت ، 1399 ﻫ.

ص: 464

129. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام : المحقّق الحلّي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (تت 676 ﻫ) ، تعليق : السَّيد صادق الشيرازي ، مؤسَّسة الوفاء ، بيروت ط 2 ، 1409 ﻫ.

130. شرح اُصول الكافي : مُحَمَّد صالح المازندراني (1081 ﻫ) ، مع تعاليق الميرزا أبو الحسن الشعراني ، تصحيح : السَّيد علي عاشور ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1421 ﻫ.

131. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار : القاضي أبي حنيفة النعمان بن مُحَمَّد التميمي المغربي (ت 363 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد الحسيني الجلالي ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1414 ﻫ.

132. شرح الأسماء الحسنی : ملا هادي السبزواري (1300 ﻫ) ، مكتبة بصیرتي ، إيران.

133. شرح ألفية ابن مالك : بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري (ت 769 ﻫ) ، ط 2 ، بدون معلومات.

134. شرح رسالة الحقوق : السَّيد حسن القبانجي (ت 1411 ﻫ) ، بدون معلومات.

135. شرح صحيح مسلم : يحيى بن شرف النووي (676 ﻫ) ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1407 ﻫ.

136. شرح فصوص الحكم : مُحَمَّد داوود قيصري رومي (معاصر) ، انتشارات علمي وفرهنکي ، 1375 ش.

137. شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني (398 ﻫ) : تأليف مُحَمَّد محيي الدين عبد الحميد ، مط المدني ، مصر ، 1381 ﻫ.

ص: 465

138. شرح نهج البلاغة : عبد الحميد بن مُحَمَّد بن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ﻫ) ، تحقيق مُحَمَّد إبراهيم ، نشر : دار إحياء الكتب العربية ، ط 1 ، 1378 ﻫ.

139. شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور : الميرزا أبي الفضل الطهراني (1316 ﻫ) ، تعريب وتحقيق : مُحَمَّد شعاع فاخر ، انتشارات المكتبة الحيدرية ، قم المشرفة ، 1426 ﻫ.

140. الشهيد الأول حياته وآثاره : الشيخ رضا المختاري ، قسم إحياء التراث

الإسلامي ، قم المقدسة ، 1426 ﻫ.

(ص)

141. صبح الأعشى في صناعة الإنشا : أحمد بن علي القلقشندي (ت 821 ﻫ) ، شرح : مُحَمَّد حسين شمس الدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1418 ﻫ.

142. الصحاح في اللُّغة : إسماعيل بن حمّاد الجوهري (393 ﻫ) ، دار العلم

للملایین ، بيروت ، ط 4 ، 1407 ﻫ.

143. صحيح ابن حبان : مُحَمَّد بن حبان (354 ﻫ) ، تحقيق شعیب الارنؤوط ، مؤسَّسة الرسالة ، ط 2 ، 1414 ﻫ.

144. صحيح البخاري : أبي عبد الله مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري ، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانیول ، دار الفکر ، 1401 ﻫ.

145. صحيح مسلم : مسلم النسابوري (261 ﻫ) ، دار الفکر ، بيروت.

146. الصحيفة السجاديّة : الإمام زين العابدين عليه السلام (ت 94 ﻫ) ، جماعة المدرِّسين ، قم المقدسة.

ص: 466

147. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : الشيخ زين الدين أبي مُحَمَّد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (ت 877 ﻫ) ، صحَّحه وحقَّقه وعلَّق عليه : مُحَمَّد باقر البهبودي ، نشر : المكتبة المرتضوية ، إيران ، ط 1 ، 1384 ﻫ.

(ط)

148. طبقات الشافعية الكبرى : تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771 ﻫ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر أحمد عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1420 ﻫ.

149. طراز المجالس : شهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد الخفاجي ، مط الوهبية ، مصر ، 1284 ﻫ.

(ع)

150. العدة في اُصول الفقه : شيخ الطائفة الإمام أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد رضا الأنصاري القمِّي ، مط ستارة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.

151. العدد القوية لدفع المخاوف اليومية : الشيخ علي بن يوسف الحلي ، تحقيق : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة المرعشي ، ط 1 ، 1408 ﻫ.

152. العروة الوثقی : السَّيد مُحَمَّد کاظم الطباطبائي اليزدي (ت 1337 ﻫ) ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.

153. العقد الفريد : أبي عمر أحمد بن مُحَمَّد بن عبد ربه الأندلسي (327 ﻫ) ، شرح إبراهيم الأبياري ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، بدون تاريخ.

ص: 467

154. علل الشرائع : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، نشر : المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1385 ﻫ.

155. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب عليهم السلام : جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة (828 ﻫ) ، صحَّحه : مُحَمَّد حسن آل الطالقاني ، نشر المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ط 2 ، 1380 ﻫ.

156. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار : الحافظ یحیی بن

الحسن الأسدي الحلّي المعروف بابن البطريق (ت 600 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسه النشر الإسلامي قم المشرفة ، 1407 ﻫ.

157. العين : أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (175 ﻫ) ، تحقيق : الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي ، نشر : مؤسَّسة دار الهجرة ، إيران ، ط 2 ، 1409 ﻫ.

158. عيون الأنباء في طبقات الأطباء : أبو العباس ابن أبي أصيبعة (ت 668 ﻫ) ، دار الفکر ، بيروت ، 1377 ﻫ.

159. عيون أخبار الرضا عليه السلام : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 1 ، 1404 ﻫ.

(غ)

160. الغاية القصوى : السَّيد مُحَمَّد کاظم الطباطبائي اليزدي (ت 1337 ﻫ) ، ترجمة : خاتم المحدثين الشيخ عباس القمِّي ، نشر : المكتبة المرتضوية ، طهران.

ص: 468

161. غرائب القرآن ورغائب الفرقان : نظام الدین الحسن بن مُحَمَّد النيسابوري (ت 728 ﻫ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، سنة 1416 ﻫ.

162. الغدير في الكتاب والسنة والأدب : الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني (ت 1392 ﻫ) ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط 4 ، 1397 ﻫ.

163. الغيبة : الشيخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن ابن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بابن أبي زينب النعماني (ت حدود 360 ﻫ) ، تحقيق : فارس حسون کریم ، أنوار الهدی ، قم المقدسة.

164. الغيبة : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ عباد الله الطهراني ، مؤسَّسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة ، 1411 ﻫ.

(ف)

165. الفائق في غريب الحديث : العلّامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 583 ﻫ) ،. وضع حواشيه : إبراهيم شمس الدین ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1417 ﻫ.

166. الفتوح : العلّامة أبي مُحَمَّد أحمد بن اعثم الكوفي (نحو 314 ﻫ) ، تحقيق : علي شيري ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 1 ، 1411 ﻫ.

197. الفتوحات المكية : محيي الدين مُحَمَّد بن علي بن العربي (638 ﻫ) ، دار صادر ، بيروت.

ص: 469

168. فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم : السَّيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسی بن جعفر بن مُحَمَّد بن طاووس الحسني (ت 664 ﻫ) ، المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف.

169. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين عليه السلام : السَّيد عبد الكريم بن طاووس الحسني (ت 693 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد تحسين آل شبيب الموسوي ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، قم المقدسة ، 1419 ﻫ.

170. فردوس الأخبار : للحافظ شیرویه بن شهريار بن شیرویه الديلمي (ت 509) ، دار الفکر ، بيروت ، 1418 ﻫ.

171. الفصول المهمة في معرفة الأئمّة عليهم السلام : علي بن مُحَمَّد بن أحمد المالكي المكي (ت 850 ﻫ) حقَّقه ووثق أصوله وعلَّق عليه : سامي الغريري ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1379 ش ، وطبعة أخرى في دار الأضواء ، بيروت ، 1409 ﻫ.

172. فهرس مكتبة العلّامة السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم : أحمد علي مجيد الحلي، نشر مؤسَّسة تراث الشيعة ، قم المقدسة ، 1431 ﻫ.

173. فهرست أسماء مصنفي الشيعة رجال النجاشي : الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن أحماء بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي (450 ﻫ) ، تحقيق : الحجّة السَّيد موسى الشبيري الزنجاني ، نشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسین ، قم المشرفة.

174. الفهرست : الشيخ منتجب الدین علي بن بابويه الرازي (ت 585 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد جلال الله بن المحدث الأرموي ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1366 ش.

ص: 470

175. الفهرست : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، نشر : مؤسَّسة نشر الفقاهة ، قم المقدسة ، 1417 ﻫ.

176. الفهرست : للنديم أبو الفرج مُحَمَّد بن أبي يعقوب اسحق المعروف بالورّاق (ت 438 ﻫ) ، تحقيق رضا - تجدد ، طهران ، 1393 ﻫ.

177. فوائد الأصول : السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، إيران ، طبعة حجرية ، بدون تاريخ.

178. الفوائد الرجالية : السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، تحقيق وتعليق : السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، السَّيد حسين بحر العلوم ، نشر : مكتبة الصادق ، طهران ، ط 1 ، سنة 1363 ش.

(ق)

179. القاموس المحيط : مُحَمَّد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 ﻫ) ، بدون معلومات.

180. قرب الإسناد : الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري (ق 3) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.

181. قصص الأنبياء : قطب الدین سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ﻫ) ، تحقيق : الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني ، الناشر : الهادي ، ط 1 ، قم المقدسة.

182 قوانين الأصول : المحقق الفقيه أبو القاسم القمِّي (ت 1231 ﻫ) ، إيران ، طبعة حجرية.

ص: 471

(ك)

183. الكافي : الشيخ مُحَمَّد بن يعقوب الكليني (ت 329 ﻫ) ، تحقيق : علي أكبر غفاري ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، ط 3 ، 1388 ﻫ.

184. كامل البهائي : الحسن بن علي الطبري (ق 7) ، تعریب وتحقيق : مُحَمَّد شعاع فاخر ، نشر : المكتبة الحيدرية ، قم المقدسة ، 1426 ﻫ.

185. كامل الزيارات : أبي القاسم جعفر بن مُحَمَّد بن قولويه القمي (368 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، نشر : مؤسَّسة الفقاهة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.

186. الكامل في التاريخ : أبي الحسن علي بن أبي الكرم مُحَمَّد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 360 ﻫ) ، دار صادر ، بيروت ، 1385 ﻫ.

187. کربلاء في الذاكرة : سلمان هادي آل طعمة ، مط العاني ، بغداد ، 1988 م.

188. الكشاف عن حقائق التنزيل : أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (538 ﻫ) ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر الطبعة الأخيرة ، 1385 ﻫ.

189. کشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار : السَّيد إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري (ت 1286 ﻫ) ، تقديم العلّامة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم المقدسة.

190. کشف الظنون : مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجی خلیفة وبکاتب چلبي (1067 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

191. کشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام : أبي الحسن علي بن عيسی بن أبي الفتح الأربلي (693 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، 1405 ﻫ.

ص: 472

192. کشف القناع عن وجوه الإجماع : الشيخ أسد الله المعروف بالمحقق الكاظمي (ت 1237 ﻫ) ، نشر : أحمد الشيرازي ، إيران ، سنة 1317 ﻫ.

193. کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهَّر العلّامة الحلي (ت 726 ﻫ) ، صحَّحه وقدم له وعلَّق عليه : آية الله الشيخ حسن زادة الآملي ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1417 ﻫ.

194. كمال الدين وتمام النعمة : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.

195. کنز العرفان في فقه القران : أبي عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري (ت 829 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد القاضي ، نشر المجمع العالمي للتقريب ، قم المقدسة ، 1419 ﻫ.

199. کنز العمال : المتقي الهندي (975 ﻫ) ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، 1409 ﻫ.

197. الكنى والألقاب : الشيخ عباس القمِّي (ت 1359 ﻫ) ، تقديم : مُحَمَّد هادي الأميني ، مكتبة الصدر ، طهران ، 1368 ﻫ.

(ل)

198. لؤلؤة البحرين : الشيخ المحدث يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، مط النعمان النجف الأشرف ، ط 2 ، سنة 1969 م.

199. لسان العرب : مُحَمَّد بن مکرم بن منظور (ت 711 ﻫ) ، نشر أدب الحوزة ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.

ص: 473

200. اللهوف في قتلي الطفوف : السَّيد علي بن موسی بن جعفر بن مُحَمَّد طاووس الحسني (ت 664 ﻫ) ، مكتبة الأنوار الهدى ، قم المقدسة.

201. ليالي بيشاور : السَّيد مُحَمَّد الموسوي الشيرازي ، تعریب وتحقيق : السَّيد حسين الفالي ، نشر : پرهيزكار ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.

(م)

202. ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر بن مُحَمَّد باقر محبوبة (1377 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، 1430 ﻫ.

203. مجالس المؤمنين : القاضي نور الله التستري (1019 ﻫ) ، المكتبة الإسلامية ، طهران ، 1377 ش.

204. المجدي في أنساب الطالبين : السَّيد نجم الدين أبي الحسن علي بن مُحَمَّد العلوي العمري (ق 5) ، تحقيق : د. أحمد المهدوي الدامغاني ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1409 ﻫ.

205. مجمع الأمثال : أبو الفضل النيسابوري الميداني (ت 518 ﻫ) ، الآستانة الرضوية ، مشهد المقدسة.

206. مجمع البحرين : الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ﻫ) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، مکتب نشر الثقافة الإعلام الإسلامي ، ط 2 ، 1408 ﻫ.

207. مجمع البيان : أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (560 ﻫ) ، تحقيق : مجموعة ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 1 ، 1415 ﻫ.

208. مجمع الرجال : عناية الله علي القهباني (بعد 1126 ﻫ) ، صحَّحه : ضياء الدين العلّامة ، إصفهان ، 1384 ﻫ.

ص: 474

209. مجمع الفائدة والبرهان : المولى أحمد الأردبيلي (ت 993 ﻫ) ، صحَّحه ونمقه وعلَّق عليه : مجموعة ، منشورات جماعة المدرَّسین ، قم المقدسة.

210. المحاسن : أحمد بن مُحَمَّد بن خالد البرقي (ت 274 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد جلال الدين الحسيني (المحدث) ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1370 ﻫ.

211. المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج : شرح الشيخ مُحَمَّد الشربيني (ق 10) ، نشر : مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، 1377 ﻫ.

212. المحصول في علم أصول الفقه : فخر الدين مُحَمَّد بن عمر الرازي (606 ﻫ) ، تحقيق : د. طه جابر فياض العلواني ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، ط 2 ، 1412 ﻫ.

213. المختصر في أخبار البشر : عماد الدين إسماعيل أبي الفداء (ت 732 ﻫ) ، دار المعرفة ، بيروت.

214. مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر : السَّيد هاشم بن سليمان البحراني (ت

1107 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ عزة الله المولائي الهمداني ، نشر : مؤسَّسة المعارف الاسلامية ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.

215. مرآة الجنان وعبرة اليقظان : لأبي مُحَمَّد عبد الله بن أسعد اليافعي (768 ﻫ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 1417 ﻫ.

219. مرآة العقول في شرح أخبار الرسول صلى الله عليه وآله : العلّامة مُحَمَّد باقر بن مُحَمَّد تقي المجلسي (ت 1111 ﻫ) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط 3 ، 1369 ﻫ.

217. مراقد المعارف : الشيخ مُحَمَّد حرز الدين (1365 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد حسين حرز الدین ، مط الآداب ، النجف الأشرف ، 1391 ﻫ.

ص: 475

218. مروج الذهب ومعادن الجواهر : أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 346 ﻫ) ، نقحه وصحَّحه : شارل بلا ، انتشارات الشريف الرضي ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.

219. المزار : الشيخ مُحَمَّد بن المشهدي (ق 6) ، تحقيق : جواد القيومي الأصفهاني ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، طهران ، 1419 ﻫ.

220. مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها : علي ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، قم المقدسة ، نشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، مشهد المقدسة ، ط 1 ، 1409 ﻫ.

221. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام : الشيخ زين الدين بن علي العاملي (ت 965 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.

222، مستدرك الوسائل : الشيخ حسين بن مُحَمَّد تقی النوري (ت 1320 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1408 ﻫ.

223. مستدركات أعيان الشيعة : السَّيد حسن الأمين ، دار التعارف ، بيروت ، ط 2 ، (1418 ﻫ).

224. مستطرف في كل فن مستظرف : شهاب الدین مُحَمَّد بن أحمد الأبشيهي (ت 850 ﻫ) ، دار الندی ، بيروت ، ط 1 ، 1425 ﻫ.

225. مستند الشيعة في أحكام الشريعة : أحمد بن مُحَمَّد مهدي النراقي (ت 1245 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، مشهد المقدسة ، 1415 ﻫ.

ص: 476

226. مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد : الشهيد الثاني الشيخ زین الدین

علي بن أحمد الجبعي العاملي (ت 965 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1407 ﻫ.

227. المسلسلات في الإجازات : السَّيد محمود المرعشي (معاصر) ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1416 ﻫ.

228. مسند أبي داود الطيالسي : الحافظ سلیمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي (ت 204 ﻫ) ، دار المعرفة ، بيروت.

229. مسند أحمد : أحمد بن حنبل (241 ﻫ) ، دار صادر ، بيروت.

230. مسند الشهاب : القاضي أبي عبد الله مُحَمَّد بن سلامة القضاعي (454 ﻫ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، ط 1 ، 1405 ﻫ.

231. مشاهد العترة الطاهرة : السَّيد عبد الرزاق كمونة الحسيني (ت 1390 ﻫ) ، مط الآداب ، النجف الأشرف ، سنة 1387 ﻫ.

232. مشرق الشمسين : بهاء الدين مُحَمَّد بن الحسين البهائي العاملي (ت 1031 ﻫ) ، منشورات مكتبة بصیرتي ، قم المقدسة ، طبعة حجرية ، وبضميمته كتاب العروة الوثقى للمؤلف نفسه.

233. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار : الشيخ أبي الفضل علي الطبرسي (ق 7) ، تحقيق : مهدي هوشمند ، نشر : دار الحديث ، ط 1.

234. المصباح = جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية : الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي الحسن بن مُحَمَّد بن صالح العاملي الكفعمي (ت 905 ﻫ) ، منشورات مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 3 ، 1403 ﻫ.

ص: 477

235. مصباح الشريعة : المنسوب إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، نشر : مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 1 ، 1400 ﻫ.

236. مصباح المتهجد : الشيخ أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، مؤسَّسة فقه الشيعة ، بيروت ، ط 1 ، 1411 ﻫ.

237. مطالب السؤول مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله : الشيخ كمال الدین مُحَمَّد بن طلحة الشافعي (652 ﻫ) ، تحقيق : ماجد بن أحمد العطية ، قم المقدسة.

238. المطول (شرح تلخيص مفتاح العلوم) : سعد الدین مسعود بن عمر التفتازاني (ت 792 ﻫ) ، تحقيق : د. عبد الحميد هنداوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 1422 ﻫ.

239. معارف الرجال : الشيخ مُحَمَّد حرز الدين (ت 1365 ﻫ) ، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.

240. المعارف : ابن قتيبة الدينوري (ت 276 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : مُحَمَّد إسماعيل الصادي ، دار إحياء التراث العربی ، بيروت ، ط 2 ، 1390 ﻫ.

241. معالم الدين وملاذ المجتهدين : الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني (ت 1101 ﻫ) ، جماعة المدرِّسین ، قم المقدسة.

242. معالم العلماء : أبي عبد الله مُحَمَّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ﻫ) ، تقديم : السَّيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1380 ﻫ.

243. معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين عليهما السلام : الشيخ مُحَمَّد مهدي الحائري (1369 ﻫ) ، منشورات الشريف الرضي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1419 ﻫ.

ص: 478

244. معاني الأخبار : الشيخ مُحَمَّد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه : علي أكبر الغفاري ، نشر : انتشارات إسلامي ، قم المقدسة ، 1361 ﻫ.

245. المعتبر في شرح المختصر : أبي القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلّي (676 ﻫ) ، حقَّقه وصحَّحه : عدة من الأفاضل ، نشر : مؤسَّسة سيد الشهداء عليه السلام ، 1364 ش.

246. معجم الأدباء : ياقوت الحموي المتوفی 626 ﻫ، دار المأمون ، مصر.

247. معجم البلدان : الشيخ أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1399 ﻫ.

248. معجم الفروق اللغوية : أبي هلال العسكري (ت 395 ﻫ) ، تنظیم الشيخ بيت الله بيات ، تحقيق مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1412 ﻫ.

249. معجم المطبوعات النجفية : مُحَمَّد هادي الأميني ، مط الآداب ، النجف الأشرف ، ط 1 ، 1385 ﻫ.

250. معجم رجال الحديث : السَّيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413 ﻫ) ، ط 5 ، سنة 1413 ﻫ.

251. معجم مقاییس اللغة : أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 ﻫ) ، تحقيق : عبد السلام مُحَمَّد هارون ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ﻫ.

252. مفاتيح الغيب = تفسير الرازي : فخر الدين مُحَمَّد بن عمر الرازي (606 ﻫ) ، ط 3.

ص: 479

253. المقنع : الشيخ مُحَمَّد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381 ﻫ) ، تحقيق : لجنة التحقيق التابعة لمؤسَّسة الإمام الهادي عليه السلام ، نشر : مؤسَّسة الإمام الهادي عليه السلام ، قم المقدسة ، 1415 ﻫ.

254. المقنعة : أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقَّب بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1410 ﻫ.

255. المكاسب : الشيخ مرتضی بن مُحَمَّد أمين الأنصاري (ت 1281 ﻫ) ، مجمع الفكر الإسلامي ، قم المقدسة ، 1420 ﻫ.

256. الملل والنحل : أبي الفتح مُحَمَّد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (548 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد سید گیلاني ، دار المعرفة ، بيروت.

257. من لا يحضره الفقيه : الشيخ مُحَمَّد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، نشر : جماعة المدرِّسین ، قم المقدسة ، ط 2.

258. منار الهدى في الأنساب : الشيخ مُحَمَّد حسين الأعلمي (ت 1393 ﻫ) ، نشر مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1423 ﻫ.

259. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام : أبي عبد الله مُحَمَّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ﻫ) ، صحَّحه وشرحه وقابله : لجنة من أساتذة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1376 ﻫ.

260. مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : أبي الحسن علي بن مُحَمَّد الشافعي المعروف بابن المغازلي (ت 483 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، 1424 ﻫ.

261. المنتخب من کتاب ابل المذيل : أبو جعفر مُحَمَّد بن جرير الطبري (310 ﻫ) ، نشر : مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، 1358 ﻫ.

ص: 480

262. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم : أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي (ت 597 ﻫ) ، تحقيق : د. سهیل زکار ، دار الفکر ، بيروت ، 1415 ﻫ.

263. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان : الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن زین الدین (ت 1011 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، منشورات جامعة المدرِّسین ، قم المشرفة ، ط 1 ، 1362 ش.

264. منتهى المقال في أحوال الرجال : لأبي علي مُحَمَّد بن إسماعيل الحائري (ت 1216 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسِّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة 1416 ﻫ.

265. منتهى المطلب : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهَّر العلّامة الحلي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، إيران.

266. منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال : مُحَمَّد الاسترآبادي (ت 1028 ﻫ) ، إيران ، ط حجرية ، 1307 ﻫ.

267. منية المريد في أدب المفيد والمستفيد : الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (965 ﻫ) ، تحقيق : رضا المختاري ، الناشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1409 ﻫ.

268. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار : تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845 ﻫ) ، تحقيق د. مُحّمَّد زينهم - مديحة الشرقاوي ، مكتبة مدبولي ، مصر ، 1997 م.

269. موسوعة العتبات المقدسة : جعفر الخليلي ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 2 ، 1407 ﻫ.

ص: 481

270. میزان الاعتدال في نقد الرجال : أبي عبد الله مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ﻫ) ، تحقيق : علي مُحَمَّد البجاوي ، دار المعرفة ، بيروت ، 1382 ﻫ.

(ن)

271. نقباء البشر : الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ) ، دار المرتضی ، مشهد المقدسة ، ط 3 ، 1404 ﻫ.

272. نقد الرجال : السَّيد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي (ق 11) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، 1418 ﻫ.

273. نهاية الأرب في فنون الأدب : شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733 ﻫ) ، تحقيق : د. علي بو ملحم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1424 ﻫ.

274. نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب : أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي (ت 821 ﻫ) ، تحقيق : علي الخاقاني ، مط النجاح ، بغداد ، 1387 ﻫ.

275. النهاية في غريب الحديث والأثر : ابن الأثير الجزري (606 ﻫ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1.

276. النهاية في مجرد الفقه والفتاوی : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن بن علي الطوسي (460 ﻫ) ، تقديم : الشيخ آغا بزرگ الطهراني ، نشر مُحَمَّدي ، قم المقدسة.

277. نهج الإيمان : زين الدين علي بن يوسف بن جبر (ق 7) ، تحقيق : السَّيد أحمد الحسيني ، نشر : مجتمع الإمام الهادي عليه السلام ، مشهد ، ط 1 ، 1418 ﻫ.

278. نهج البلاغة : خطب الإمام علي عليه السلام ، جمع الشريف الرضي (ت 406 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد عبدة ، دار المعرفة ، بيروت.

ص: 482

(ﻫ)

279. هداية المحدثين إلى طريقة المُحَمَّدين : الشيخ مُحَمَّد أمين بن مُحَمَّد علي الكاظمي (ت ق 11) ، تحقيق : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.

280. هدية العارفين : إسماعيل باشا البغدادي ، طبع بعنابة وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية استانبول سنه 1951 م ، أعادت طبعه بالأوفست دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

(و)

281. الوافي بالوفيات : خليل بن ابيك بن عبد الله الصفدي (ت 764 ﻫ) ، التحقيق : أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1420 ﻫ.

282. الوسيط في تفسير القرآن المجيد : أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 ﻫ) ، دار الكتب العربية ، بيروت ، ط 1 ، 1415 ﻫ.

283. وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد : السَّيد إسماعيل النوري الطبرسي ، 1324 ﻫ، طبعة حجرية.

284. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (ت 984 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد عبد اللطيف الكوهكمري ، نشر : مجمع الذخائر الإسلامية ، قم المقدسة ، 1401 ﻫ.

285. وفاء الوفا بأخبار دار المصطفی صلى الله عليه وآله : نور الدين علي بن أبو المحاسن عبد الله السمهودي (ت 911 ﻫ) ، مط الآداب ، مصر ، 1326 ﻫ.

ص: 483

(ي)

286. يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر : أبي منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري (429 ﻫ) ، شرح وتحقيق : الدكتور مفيد مُحَمَّد قميحة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، ط 1 ، 1403 ﻫ.

287. ينابيع المودة لذوي القربى : الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (1294 ﻫ) ، تحقيق : سيد علي جمال أشرف الحسيني : نشر : دار الأسوة ، ط 1 ، 1416 ﻫ.

المخطوطات

288. إجازاتي : السَّيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ﻫ).

289. تلخيص الأقوال في معرفة الرجال : السَّيد ميرزا مُحَمَّد بن علي بن إبراهيم الحسيني الاسترآبادي (ت 1028 ﻫ).

290. الدرر البهية في تراجم علماء الإمامية : السَّثيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ﻫ).

291. الرحيق المختوم في ما قيل في آل بحر العلوم : السَّيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ﻫ).

الدوريات

292. الانتظار : مجلة ، تصدر عن مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، النجف الأشرف ، العدد الرابع ، سنة 1427 ﻫ.

293. بهارستان : مجلة ، تصدر عن مكتبة مجلس الشورى ، طهران ، السنة الثامنة ، العدد الثامن ، سنة 1389 ش.

ص: 484

294. علوم الحديث : مجلة ، تصدر عن دار الحديث ، طهران ، السنة الأولى ، العدد الثاني ، شهر رجب - ذو الحجة الحرام ، سنة 1418 ﻫ.

ص: 485

ص: 486

المحتويات

المقام الرابع : في الإمام علي بن الحسين عليه السلام.................................. 5

في عبادته عليه السلام............................................................... 5

قصيدة الفرزدق................................................................ 6

تاريخ ولادته عليه السلام............................................................. 7

اُمُّه المولود منها................................................................ 7

فصل : في أولاده عليه السلام......................................................... 9

[عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام]............................................ 10

زيد بن علي بن الحسين عليه السلام.................................................. 11

ما ورد فيه من الأخبار........................................................ 12

[عمر الأشرف]............................................................. 14

[بقية أولاده عليه السلام]........................................................... 15

المقام الخامس : في الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام.......................... 17

مولده عليه السلام................................................................. 18

اُمُّه عليه السلام................................................................... 18

وفاته عليه السلام بالمدينة........................................................... 20

فصل : في أولاده عليه السلام....................................................... 20

المقام السادس : في الإمام جعفر الصادق عليه السلام................................ 22

مولده عليه السلام................................................................. 22

القاسم بن محمّد بن أبي بكر................................................... 23

أبوه محمّد بن أبي بكر........................................................ 25

مدفنه عليه السلام................................................................. 26

ص: 487

فصل : في أولاده عليه السلام....................................................... 27

قبران مذمومان في بغداد...................................................... 27

إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام.............................................. 28

قبر المقداد بن الأسود الكندي................................................. 29

[قبر عثمان بن مظعون]...................................................... 31

قبر عثمان بن عفان.......................................................... 31

قبر عقيل بن أبي طالب عليه السلام.................................................. 32

قبر الصدِّيقة الطاهرة عليها السلام.................................................... 32

عبد الله ابن الإمام الصادق عليه السلام............................................... 34

إسحاق ابن الإمام الصادق عليه السلام.............................................. 34

محمّد ابن الإمام الصادق عليه السلام وقبره............................................ 35

علي بن جعفر العُرَيْضِيّ....................................................... 36

مقام الإمام الصادق عليه السلام في كربلاء............................................ 39

المقام السابع : في الإمام موسی بن جعفر عليه السلام................................ 41

مولده عليه السلام في الأبواء........................................................ 41

تاريخ وفاته عليه السلام............................................................ 41

وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي ومرقده........................................ 43

ترجمة الشيباني............................................................... 43

الأمير توزون الديلمي......................................................... 44

فصل : في ذكر أولاده عليه السلام................................................... 44

إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه السلام................................................ 45

ما ورد في شأن العجم........................................................ 46

[إبراهيم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام]...................................... 49

ص: 488

أحمد ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام......................................... 51

القاسم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام....................................... 56

محمّد ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام......................................... 58

الحسين ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام........................................ 60

حمزة ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام.......................................... 61

القبران في مشهد الكاظمين عليهما السلام............................................. 62

[إسماعيل ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام]..................................... 63

قبر حمزة في أطراف الحلَّة...................................................... 64

زید ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام........................................... 66

حكيمة بنت الإمام موسی بن جعفر عليه السلام...................................... 67

فاطمة المعروفة بمعصومة قم.................................................... 68

تتميم...................................................................... 70

القاضي أبو يوسف........................................................... 70

فرهاد ميرزا القاجاري......................................................... 70

المقام الثامن : في الإمام علي بن موسی الرضا عليه السلام............................ 73

مولده عليه السلام................................................................. 73

فصل : في ذكر أولاده عليه السلام................................................... 73

مرقد سلطان إبراهيم.......................................................... 75

صحائف قرآن بخط غريب.................................................... 75

وفاة الإمام الرضا عليه السلام....................................................... 76

كلمة لا إله إلا الله حصني.................................................... 76

فصل : في ذكر ولاية العهد من المأمون للرضا عليه السلام............................... 79

ص: 489

في سمّ المأمون له عليه السلام....................................................... 86

خاتمة شريفة................................................................. 89

المقام التاسع : في الإمام محمّد بن علي عليه السلام................................ 103

ولادته عليه السلام في شهر رجب.................................................. 103

وفاته ومحل دفنه عليه السلام....................................................... 105

فصل : في ذكر أولاده عليه السلام................................................. 106

أحوال موسی المبرقع........................................................ 106

المقام العاشر : في الإمام علي بن محمّد عليه السلام................................ 111

ولادته ، وفاته ، مدفنه عليه السلام................................................. 111

من دُفن بجواره عليه السلام........................................................ 113

قصة شجرة كشمر.......................................................... 114

تنبيه...................................................................... 115

جواز دخول حرمه عليه السلام..................................................... 115

[دفع شبهة حول مكان القبر الشريف]........................................ 116

فصل : في أولاده عليه السلام..................................................... 116

محمد المعروف بسبع الدجيل................................................. 117

توبة ولده جعفر............................................................ 119

المقام الحادي عشر : في الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام.............. 121

ولادته ووفاته عليه السلام......................................................... 121

تنبيهان................................................................... 122

[حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام]............................................ 122

ص: 490

عدم اللصوق بضريحه عليه السلام.................................................. 124

[داهية عظمى]............................................................ 126

المقام الثاني عشر.......................................................... 127

ولادته وغيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف.................................... 127

شمائله وعلامات ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف........................... 128

هداية ، فيها مطلبان........................................................ 134

المطلب الأول : [في سبب غيبته عليه السلام]........................................ 134

المطلب الثاني : (تفسیر مراتب الأئمّة عليهم السلام)............................. 135

[شرح الأخبار والأحاديث المتضمنة لفضيلة العلم وفضل العلماء]............. 141

الحديث الأوّل : في ثواب العالم والمتعلم.................................... 141

الحديث الثاني : تعلم العلم حسنة........................................... 146

[ترجمة الشيخ الصدوق رحمه الله].............................................. 147

[ترجمة والد الشيخ الصدوق رحمه الله].......................................... 148

[ترجمة سعد بن عبد الله الأشعري رحمه الله]..................................... 150

[ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني رحمه الله]............................... 150

[كتاب نوادر الحكمة]...................................................... 154

الوضوء والغسل بماء الورد.................................................... 155

[ترجمة يونس بن عبد الرحمن]................................................ 156

[ترجمة الحسن بن زياد العطار]............................................... 157

ص: 491

[ترجمة سعد بن طريف الحنظلي]............................................. 157

[ترجمة الأصبغ بن نُباتة]..................................................... 158

الحديث الثالث : طلب العلم فريضة......................................... 162

الموضع الأول.............................................................. 162

[ترجمة عبد الرحمن بن زيد].................................................. 163

الموضع الثاني.............................................................. 163

عمل الجاهل التارك للطريقين................................................. 163

[في ذمِّ حبِّ الرئاسة والعمل بها]............................................. 168

الحديث الرابع : كمال الدين طلب العلم..................................... 175

الموضع الأول : في رجال السند............................................... 175

[ترجمة الحسن بن محبوب السراد]............................................. 175

[ترجمة هشام بن سالم الجواليقي]............................................. 176

[ترجمة أبي حمزة الثمالي]..................................................... 176

[ترجمة أبو إسحاق السبيعي]................................................. 177

الموضع الثاني : اختصاص علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.............................. 178

الحديث الخامس : العلماء ورثة الأنبياء...................................... 181

الموضع الأول.............................................................. 181

[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]................................................ 181

[ترجمة أبي الحسن البختري].................................................. 182

الموضع الثاني.............................................................. 182

العلماء ورثة الأنبياء......................................................... 182

ص: 492

الحديث السادس........................................................... 185

الموضع الأول.............................................................. 185

[ترجمة الحسين بن محمّد الأشعري]............................................ 185

الموضع الثاني.............................................................. 186

دانيال النبي عليه السلام........................................................... 186

فتح شوشتر في خلافة عمر.................................................. 188

[ترجمة المولی محمّد صالح المازندراني].......................................... 195

الحديث السابع : فضل العالم على العابد.................................... 197

الموضع الأول.............................................................. 197

[ترجمة محمّد بن أبي عمير]................................................... 197

[ترجمة سيف بن عميرة]..................................................... 198

الموضع الثاني.............................................................. 198

الحديث الثامن : حديث الراوية.............................................. 202

الموضع الأول.............................................................. 202

[ترجمة أحمد بن إسحاق].................................................... 202

[ترجمة سعدان بن مسلم].................................................... 202

[ترجمة معاوية بن عمار]..................................................... 203

الموضع الثاني.............................................................. 203

[في معنى لفظ الشيعة]...................................................... 204

وجوب تصحيح النيَّة........................................................ 206

ص: 493

[موعظة بليغة لأهل العلم والوعظ]........................................... 209

تكميل النفس............................................................. 211

الحديث التاسع : طلبة العلم ثلاثة........................................... 218

الموضع الأول.............................................................. 218

[ترجمة أحمد بن عيسى العلوي]............................................... 219

[ترجمة عباد بن صهيب البصري]............................................. 220

الموضع الثاني.............................................................. 220

[من أخلاق العلّامة السيِّد رضا آل بحر العلوم]................................. 221

(رجع).................................................................... 224

[مراتب الورع]............................................................. 224

الحديث العاشر : منهومان لا يشبعان........................................ 232

الموضع الأول.............................................................. 232

[ترجمة عُمَر بن اُذينة]....................................................... 232

[ترجمة أبان بن أبي عياش]................................................... 233

[ترجمة سلیم بن قيس]...................................................... 234

الموضع الثاني.............................................................. 235

الحديث الحادي عشر : الحديث المنفعة الدنيا.............................. 240

الموضع الأول.............................................................. 240

[ترجمة معلّی بن محمّد]...................................................... 240

[ترجمة الحسن بن علي الوشّا]................................................ 241

[ترجمة أحمد بن عائذ]...................................................... 243

ص: 494

[ترجمة سالم بن مکرم]...................................................... 244

الموضع الثاني.............................................................. 245

الحديث الثاني عشر : العالم المحب للدنيا.................................. 246

الموضع الأول.............................................................. 246

[ترجمة القاسم بن محمّد الأصبهاني]........................................... 246

[ترجمة سليمان بن داود المنقري].............................................. 247

[ترجمة حفص بن غياث القاضي]............................................ 248

الموضع الثاني.............................................................. 249

الحديث الثالث العاشر : طلب العلم للمباهاة................................ 255

الموضع الأول.............................................................. 255

[ترجمة محمّد بن إسماعيل].................................................... 255

]ترجمة الفضل بن شاذان]................................................... 257

[الترجمة ربعي بن عبد الله الهُذلي]............................................. 258

الموضع الثاني.............................................................. 258

الحديث الرابع عشر : تعظيم العلماء......................................... 261

الموضع الأول.............................................................. 262

[ترجمة علي بن أحمد الدقّاق]................................................ 262

[ترجمة محمّد بن جعفر]..................................................... 262

[ترجمة محمّد بن إسماعيل].................................................... 263

[ترجمة عبد الله بن أحمد].................................................... 263

ص: 495

[ترجمة إسماعيل الهاشمي]..................................................... 264

الموضع الثاني.............................................................. 265

الحديث الخامس عشر : عدم إكثار السؤال على العالم....................... 274

الموضع الأول.............................................................. 274

[ترجمة أبي غالب الزراري]................................................... 274

[ترجمة علي بن الحسين السعد آبادي]......................................... 275

[ترجمة أحمد بن محمّد البرقي]................................................. 276

[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]................................................ 276

[ترجمة سليمان بن جعفر الجعفري]........................................... 277

[فائدة رجالية]............................................................. 277

الموضع الثاني.............................................................. 278

استحباب السلام في الشرع.................................................. 278

[أحكام السلام]........................................................... 282

[تتمة شرح الحديث]....................................................... 296

[في العالم العامل].......................................................... 297

الحديث السادس عشر : العلماء رجلان...................................... 300

الحديث السابع عشر : اقتران العلم بالعمل.................................. 302

الموضع الأول.............................................................. 302

[ترجمة محمّد بن سنان]...................................................... 302

[ترجمة إسماعيل بن جابر الجعفي]............................................. 303

ص: 496

الموضع الثاني.............................................................. 303

الحديث الثامن عشر : العالم إذا لم يعمل بعلمه.............................. 307

الموضع الأول.............................................................. 307

[ترجمة علي بن محمّد القاشاني]............................................... 308

[ترجمة الجعفري]........................................................... 308

الموضع الثاني.............................................................. 308

الحديث التاسع عشر....................................................... 311

[ترجمة علي بن هاشم]...................................................... 311

الأناجيل الأربعة لعيسى عليه السلام................................................ 311

الحديث العشرون : العمل بمقتضى العلم..................................... 313

الحديث الواحد والعشرون : [من لوازم العلم]................................ 317

الحديث الثاني والعشرون : التزيُّن مع طلب العلم............................. 320

الموضع الأول.............................................................. 320

[ترجمة الحسن بن محبوب]................................................... 320

[ترجمة معاوية بن وهب].................................................... 321

الموضع الثاني.............................................................. 321

الحديث الثالث والعشرون : العالم من صدق قوله فعله........................ 325

ص: 497

الموضع الأول.............................................................. 325

[ترجمة حمّاد بن عثمان]..................................................... 325

[ترجمة النصري]............................................................ 325

الموضع الثاني.............................................................. 325

الحديث الرابع والعشرون : الفقيه حقّ الفقيه.................................. 327

الموضع الأول.............................................................. 327

[ترجمة إسماعيل بن مهران]................................................... 327

[ترجمة خالد القمّاط]....................................................... 327

[ترجمة الحلبي]............................................................. 328

الموضع الثاني.............................................................. 328

الحديث الخامس والعشرون : للعالم ثلاث علامات........................... 334

[حال علي بن معبد]...................................................... 334.

الحديث السادس والعشرون : إن العلم ذو فضائل............................ 336

الموضع الأول.............................................................. 336

[ترجمة نوح بن شعيب]..................................................... 336

[ترجمة عبد الله الدهقان].................................................... 337

[ترجمة درست]............................................................ 337

[ترجمة عروة].............................................................. 338

الموضع الثاني.............................................................. 339

[في ذم الحسد]............................................................ 339

ص: 498

الحديث السابع والعشرون : من تعلَّم العلم وعمل به.......................... 355

[في فضيلة الفقه ومنزلته].................................................... 355

الحديث الثامن والعشرون : تحديد العلم الحقيقي............................ 358

الموضع الأول.............................................................. 358

[ترجمة إبراهيم الأنماطي]..................................................... 358

الموضع الثاني.............................................................. 359

الحديث التاسع والعشرون : الفقه في الدين.................................. 363

الحديث الثلاثون : الصبر على النائبة........................................ 365

الحديث الواحد والثلاثون : إبليس يحبُّ موت الفقيه......................... 374

الموضع الأول.............................................................. 374

[ترجمة إبراهيم الخرّاز]....................................................... 374

[ترجمة سليمان بن خالد]................................................... 374

الموضع الثاني.............................................................. 375

الحديث الثاني والثلاثون : موت الفقيه ثلمة.................................. 376

الحديث الثالث والثلاثون : بكاء الملائكة على الفقيه......................... 378

الموضع الأول.............................................................. 378

[ترجمة علي بن أبي حمزة].................................................... 378

ص: 499

الموضع الثاني.............................................................. 382

الرد على الفلاسفة.......................................................... 382

الحديث الرابع والثلاثون : [حديث في حلال وحرام]......................... 384

الموضع الأول.............................................................. 384

[ترجمة محمّد بن عبد الحميد]................................................ 384

[حال عبد السلام بن سالم]................................................. 385

الموضع الثاني.............................................................. 385

حُجية الخبر الموثق.......................................................... 385

الحديث الخامس والثلاثون : [وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام] 386

الموضع الأول.............................................................. 386

[ترجمة يونس بن يعقوب الدهني]............................................. 386

الموضع الثاني.............................................................. 387

وجوه شرف الإنسان........................................................ 388

المنافع هي دفع آلام........................................................ 391

الحديث السادس والثلاثون : في الأمر بالمعروف............................. 395

الموضع الأول.............................................................. 395

[ترجمة جميل بن درَّاج]...................................................... 395

[ترجمة أبان بن تغلب]...................................................... 395

الموضع الثاني.............................................................. 396

الحديث السابع والثلاثون : وجوب النفر للتفقُّه............................... 399

ص: 500

الموضع الأول.............................................................. 399

[ترجمة علي بن محمّد]...................................................... 399

الموضع الثاني.............................................................. 400

الحديث الثامن والثلاثون : التفقُّه في دين الله................................. 402

الموضع الأول.............................................................. 402

[ترجمة جعفر بن محمّد الكوفي]............................................... 402

[ترجمة القاسم بن محمّد بن الربيع]............................................ 403

[ترجمة المفضَّل بن عمر]..................................................... 403

الموضع الثاني.............................................................. 404

الحديث التاسع والثلاثون : [في أهمية التفقُّه]................................ 405

الموضع الأول.............................................................. 405

[ترجمة الحسن بن حمزة العلوي]............................................... 405

[ترجمة أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي]...................................... 406

[محمّد بن مسلم الثقفي].................................................... 407

الموضع الثاني.............................................................. 407

الحديث الأربعون : [في أهمية التفقُّه أيضاً].................................. 409

شفاعة العلماء يوم القيامة................................................... 410

الآيات القرآنية.............................................................. 417

الأحاديث.................................................................. 421

ص: 501

الأشعار.................................................................. 431

الأعلام..................................................................... 433

المصادر................................................................... 449

المحتويات 487

ص: 502

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.