مُسنَد نهج البلاغه المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الحسیني الجلالي، محمّدحسین، 1321 -

عنوان واسم المؤلف:مسند نهج البلاغة/ مؤلف: محمّدحسین الحسیني الجلالي؛ بحث: محمّدجواد الحسیني الجلالي.

تفاصيل المنشور:قم: مکتبة العلامة المجلسي، 13 -

خصائص المظهر:ج.

الصقيع:الی التراث الشیعي، 1

ISBN:دوره 978-964-95663-3-7 : ؛ ج. 3 978-964-95663-2-0 :

لسان:العربية.

ملحوظة:الفهرسة على أساس المجلد الثالث، 1431 ق.= 1389.

ملحوظة:ج. 3 (چاپ اول: 1431 ق.= 1389).

ملحوظة:فهرس.

موضوع:علي بن أبي طالب (ع)،أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40 ه_ .ق - خطب

موضوع:علي بن أبي طالب (ع)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- الأمثال

موضوع:علي بن أبي طالب (ع)،أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- حروف

موضوع:علي بن أبي طالب (ع)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة - النقد والتعليق

المعرف المضاف:حسیني جلالي، محمدجواد، 1331 -

المعرف المضاف:مکتبة العلامة المجلسي (قم)3

ترتيب الكونجرس:BP38/02 /ح5 1300ی

تصنيف ديوي:297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:2 1 9 7 4 3 1

ص: 1

اشارة

ص: 2

مسند

نهج البلاغة

تالیف

العلامة الحية السيد محمّد حسين الحسيني الجلالي

المجلد الثاني

مكتبة الروضة الحيدرية

الرقم 1-8388

التاربخ 26/09/1311

ص: 3

مسند نهج البلاغه (ج 2)

العلّامة السيّد محمّد حسين الحسيني الجلالي

تحقيق : السيّد محمّد جواد الحسيني الجلالي

منشورات: مكتبة العلّامة المجلسي رحمه الله

الطبعة الأولى 1431ه-.

طبع في 1500 نسخة

المطبعة : عمران

ردمك: 3-1 - 195663 - 964-978 : ISBN دوره : 7-3 - 15663 - 964 - 978

العنوان : قم - شارع فاطمي ( دور شهر ) - زقاق 18، فرع 6 ، رقم 48

هاتف : 7746611 - فکس : 7836587(98251)

info@almajlesilib.com www.almajlesilib.com

مركز التوزيع :

(1) ،قم، شارع المعلم، ساحة روح الله ، رقم 65 دليل ما ، الهاتف 7733413 - 7744988(98251)

(2 )طهران، شارع إنقلاب، شارع فخر رازي رقم 61 دليل ما الهاتف(9821)66464141

(3) مشهد شارع الشهداء حديقة النادري زقاق خوراكيان ، بناية گنجینه کتاب ، دلیل ما الهاتف (98511)22371135

(4) النجف الأشرف، سوق الحويش مقابل جامع الهندي ، مكتبة الإمام باقر العلوم علیه السلام، الهاتف 7801553289(964)

(5)كربلاء المقدسة شارع قبلة الإمام الحسين علیه السلام ، فرع مقابل ابن فهد الحلّي ، دار الناشر الحسيني.

الهاتف7706001185(964) -7807851985(964)

سرشناسه :حسيني جلالي ، محمد حسین ، 1321 -

عنوان و نام پدیدآور : مّسند نهج البلاغة (ج)2) / تأليف السيد ّمحمّد حسين الحسيني الجلالي : تحقيق

محمّد جواد الحسيني الجلالي . - قم : مكتبة العلّامة المجلسي ، 1431 ق. =1389.

مشخصات نشر : قم : مكتبة العلامة المجلسي ، 1389.

مشخصات ظاهری :605 ص.

شایک: 978-964-95663-1-3-ج 2 978-964-95633-0-6.ج 1

978-964-95633-3-7.دوره 978-964-95633-2-0.ج 3

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

یادداشت : عربي

موضوع : کتابنامه : ج20، ص. [651]654 : همچنین به صورت زیرنویس .

موضوع : : 1 ، على بن أبي طالب علیه السلام أمام اول 23 قبل از هجرت - 40 ق . نهج البلاغة -مأخذ . 2. ، على بن ابی طالب علیه السلام، امام اول ، 23 قبل از هجرت - 40 ق . - نقد و تفسیر .

شناسه افزوده : الف. حسيني جلالي، محمّد جواد 1331

شناسه افزوده : محقق . ب. عنوان.

رده بندی کنگره :1389 5م 5ح/08/38 bp

رده بندی دیویی :297/9515

شماره کتابخانه ملی :2979515

ص: 4

[ الخطبة ( 26) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: لم يبايع حتى شرط .. الى آخره قال الشارح الفاضل : هذا فصل من كلام يذكر فيه عمر بن

، العاص، وفي النسخة التي عليها شرح العلامة الشارح: «لم يبايع معاوية حتى شرط ان يعطيه مصر طعمة » . (1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : رواها ابن قتيبة في الجزء الاول من الامامة والسياسة (146) : ورواها ابراهيم الثقفي بتفاصيلها في كتاب الغارات [ابن أبي الحديد[ ج 1 ص 295] . (انتهى) (2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 283 ه-) في ( الغارات» تحت عنوان: رسالة علي علیه السلام إلى أصحابه بعد مقتل محمّد بن أبي بكر رحمه الله، بالاسناد عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه جندب :قال: دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث الاعور وعبد الله بن سبأ علي أمير المؤمنين علیه السلام بعدما افتتحت مصر وهو مغموم حزين، فقالوا له : بيّن لنا ما قولك في أبي بكر وعمر ؟

فقال لهم علي علیه السلام: وهل فرغتم لهذا ؟ وهذه مصر قد افتتحت، وشيعتي بها قد

ص: 5


1- مدارك نهج البلاغة : 76.
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

قتلت ؟! أنا مخرج اليكم كتابا اخبركم فيه عما سألتم ، وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيّعتم، فاقرؤوه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا، وهذه نسخة الكتاب من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين

والمسلمين ، السلام عليكم ، فاني أحمد اليكم الله الذي لا اله الا هو .

أما بعد ، فان الله بعث محمّدا صلی الله علیه و آله وسلم نذيرا للعالمين ، وأمينا على التنزيل ، وشهيدا على هذه الامة ، وأنتم يا معشر العرب يومئذ على شرّدين وفي شرّ دار منيخون على حجارة خشن وحيات صم، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث، وتأكلون الطعام الجشيب، وتسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والاصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة ولا يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون، فمن الله عليكم بمحمّدصلی الله علیه و آله وسلمفبعثه اليكم رسولا من أنفسكم، وقال فيما أنزل من كتابه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(1)، وقال : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمُ (2)، وقال: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (3)، وقال : ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيم )(4) فكان الرسول اليكم من أنفسكم بلسانكم ، وكنتم أوّل المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته ، فعلمكم الكتاب والحكمة، والفرائض والسنة ، وأمركم بصلة أرحامكم، وحقن دمائكم، وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الامانات إلى أهلها ، وأن توفوا بالعهد، ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وأمركم أن

ص: 6


1- الجمعة : 2
2- التوبة : 128 .
3- آل عمران : 164 .
4- الحديد : 21 .

تعاطفوا وتباروا وتباذلوا وتراحموا، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف والتباغي ، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان، وتقدم اليكم فيما أنزل عليكم ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما، وأن

تؤدوا الامانات إلى أهلها ، ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(1) ، ( وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(2)، كل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به، وكل شرّ يباعد من الجنة ويدني من النار نهاكم عنه.

فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله إليه سعيدا حميدا، فيالها مصيبة خصت الأقربين وعمّت جميع المسلمين، ما اصيبوا بمثلها قبلها ، ولن يعاينوا بعد اختها. فلما مضى السبيله صلی الله علیه و آله وسلم لا تنازع المسلمون الامر بعده ، فوالله ما كان يلقي في

روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد صلى الله عليه وسلم عن أهل ولا أنهم منحوه عنّي من بعده، فما راعني الا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ممن تولى الامر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين الله وملة محمّد وابراهيم علیه السلام فخشيت ان لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون مصيبته أعظم عليَّ من فوات ولاية اموركم الاتي نما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب

/ وكما يتقشّع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الاحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا ) (3)، ولو كره الكافرون . فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسّر وشدّد وقارب واقتصد، فصحبته

ص: 7


1- البقرة : 60
2- البقرة : 190 .
3- التوبة : 40 .

مناصحا ، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا ، وما طمعت ان لو حدث به حدث وأنا حيّ أن يرد إلي الامر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولو لا خاصمة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني، فلما احتضر بعث إلى عمر ،فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا وتولّى عمر الامر وكان مرضي السيرة ميمون النقيبة حتى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها عنّي فجعلني سادس سنة فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم ، فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم احاج أبا بكر وأقول : يا معشر قريش انا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين دين الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الامر نصيب ما بقوا فأجمعوا اجماعا واحدا، فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ ينسوا أن ينالوا من قبلي، ثم قالوا: هلم فبايع والّا جاهدناك قبایعت مستکرها وصبرت محتسبا فقال قائلهم يا ابن أبي طالب انك على هذا

، الأمر لحريص، فقلت: أنتم أحرص منّي ،وأبعد أأنا أحرص إذ طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله أولى به؟ أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه؟

وتحولون بيني وبينه ؟! فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين

اللّهم اني أستعديك على قريش، فانهم قطعوا رحمي، وأصغوا انائي وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا ألا ان في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبر كمدا متوخما أو مت متأسفا حنقا، فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا مساعد الا أهل بيتي بهم عن الهلاك، فأغضيت على القذى، وتجرّعت ريقي على الشجي، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم ، وآلم للقلب من حزّ الشفار . حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني لتبايعوني، فأبيت عليكم

فضننت

ص: 8

وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها، ومددتم يدي فقبضتها، وازدحمتم عليٍّ حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم ،قاتلي فقلتم : بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك، فبايعنا لانفترق ولا تختلف كلمتنا، فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طائعا قبلته منه ، ومن أبي لم اكرهه وتركته، فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم اكره غيرهما، فما لبثنا إلا يسيرا حتى بلغني أن خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلّا بايعني وأعطاني الطاعة، فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصر كلّهم على بيعني وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفه منهم غدرا، وطائفة صبرا ، وطائفة عصبوا بأسيافهم فضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين، فوالله لو لم يصيبوا منهم الا رجلا واحدا متعمدين لقتله بلا جرم جرّه لحّل لي به قتل ذلك الجيش كله فدع ما انهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها

، عليهم، وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين ، ثم أني نظرت في أهل الشام فإذا أعراب أحزاب وأهل طمع جفاة طغام، يجتمعون من كل أوب ومن كان ينبغي ان يؤدّب ويدرّب أو يولّى عليه ويؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين ولا الانصار، ولا التابعين باحسان ، فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة، فأبوا إلا شقاقا ونفاقا ونهوضا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح، فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عظّهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا ،قرآن وأنّهم رفعوها غدرا ومكيدة وخديعة ووهنا وضعفا، فامضوا على حقكم وقتالكم ، فأبيتم عليٍّ وقلتم : اقبل منهم، فان أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق وان أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم، فقبلت

ص: 9

منكم ، وكففت عنهم إذا أبيتم وونيتم ، وكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيا ،القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما وتفرّق

حكمهما، ونبذا ما في القرآن، وخالفا ما في الكتاب، فجنّبهما الله السداد ودلاهما في الضلال، فنبذا حكمهما وكانا أهله ، فانخزلت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتى إذا عثوا في الارض يقتلون ويفسدون، أتيناهم فقلنا : ادفعوا الينا قتلة اخواننا ثم كتاب الله بيننا وبينكم قالوا كلنا قتلهم ، وكلنا استحل دماءهم ودماءكم، وشدّت

الله علينا خيلهم ورجالهم ، فصرعهم مصرع الظالمين. فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم : كلت سيوفنا، ونفدت نبالنا ونصلت أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا وإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا وفارقنا، فان ذلك أقوى لنا على عدونا ، فأقبلت بكم حتى إذا أطللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة، وأن تلزموا معسكركم، وأن تضموا قواضبكم، وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم ، ولا تكثروا زياره أبنائكم ونسائكم ، فان أصحاب الحرب المصابروها، وأهل التشمير فيها الذين لا ينوحون من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم ولا خمص بطونهم ولا نصب أبدانهم، فنزلت طائفة منكم ،معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر

معي

عاصية ، فلا من بقي منكم ثبت وصبر ولا من دخل المصر عاد إلى ورجع، فنظرت إلى معسكري وليس فيه الا خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم دخلت اليكم فما قدرت على أن تخرجوا معى إلى يومنا هذا، فما تنتظرون ؟ أما ترون إلى أطرافكم قد انتقصت ، والى أمصاركم قد افتتحت ، والى شعيتي بها بعد قد قتلت ، والى مسالحكم تعرى والى بلادكم تغزى، أنتم ذوو عدد كثير ، وشوكة وبأس شديد فما بالكم ؟ الله أنتم ! من أين تؤتون؟ ومالكم أني تؤفكون ؟! وأنى تسحرون؟! ولو أنكم عزمتم وأجمعتم لم تراموا ألا ان القوم قد اجتمعوا

ص: 10

وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم وافترقتم، ما أنتم ان أتممتم عندي على ذي سعداء، فأنبهوا نائمكم واجتمعوا على حقكم، وتجردوا الحرب عدوكم، قد بدت الرغوة عن الصريح وقد بيّن الصبح لذي عينين ، انما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء وأولي الجفاء ومن أسلم كرها ، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنف الاسلام كله حربا ، أعداء الله والسنة والقرآن وأهل البدع والاحداث، ومن كانت بوائقه تتقى، وكان على الاسلام وأهله مخوفا، وأكلة الرشا وعبدة الدنيا ، لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع حتى أعطاه ثمنا وشرط أن يؤتيه أتية هي أعظم مما في يده من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وان فيهم لمن قد شرب فيكم الخمر وجلد الحد في الاسلام، ويعرف بالفساد في الدين والفعل السيئ، وان فيهم لمن لم يسلم حتى رضخ له على الاسلام رضيخة. فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساوية من قادتهم مثل من ذكرت منهم ، بل هو شرّ منهم، وهؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم لأظهروا فيكم الفساد والكبر والفجور والتسلّط بالجبرية والفساد في الارض ، واتبعوا الهوى وحكموا بغير الحق ، ولأنتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلا ، فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء، وحملة الكتاب والمتهجدون بالاسحار، وعمار المساجد بتلاوة القرآن، أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم ، والأشرار الأراذل منكم فاسمعوا قولي - هداكم الله - إذا قلت وأطيعوا أمري إذا أمرت، فوالله لئن أطعتموني لا تغوون، وان عصيتموني لا ترشدون ، خذوا للحرب اهبتها وأعدوا لها عدتها ، وأجمعوا إليها فقد شبت و اوقدت نارها و علا شنارها، وتجرّد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله، ويطفؤوا نور الله ألا انه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء والكبر بأولى بالجد في غيّهم وضلالهم وباطلهم من أولياء

ص: 11

الله من أهل البر والزهادة والاخبات في حقهم وطاعة ربهم ومناصحة إمامهم، اني والله لو لقيتهم فردا وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت واني من ضلالتهم الّتي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبيّنة ويقين وصبر واني

، المشتاق ولحسن ثواب ربى لمنتظر ، ولكن أسفا يعتريني، وحزنا يخامرني من أن يلي أمر هذه الامة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا ، وأيم الله لولا ذلك ما أكثرت تأنيبكم وتأليبكم وتحريضكم ، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حُمَّ لي رہی

لقاؤهم، فوالله انّي لعلى الحق، واني للشهادة لمحب في(انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرُ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (1)، ولا تثاقلوا إلى الارض فتقرّوا بالخسف وتبوؤوا بالذل ويكن نصيبكم الاخسر ، ان أخا الحرب اليقظان الارق ، ومن نام لم ينم عنه ، ومن ضعف أودى، ومن ترك الجهاد في الله كان كالمغبون المهين. اللّهم اجمعنا واياهم على الهدى، وزهدنا واياهم في الدنيا، واجعل الآخرة خيرا لنا ولهم من الاولى، والسلام(2)

وبالاسناد عن السيّد رضي الدين علي بن طاووس ( ت / 664 ه-) في كتابه كشف المحجة لثمرة المهجة»، ط / النجف، سنة 1370 ه- وقد ورد بعض المقطع الأول الذي اختاره الرضي في الصفحة ( 174) وبعض المقطع الثاني من مختاره في الصفحة ( 180 ) ، وقد رواها باسناده عن كتاب الرسائل للكليني ( ت ) 328ه-) ويظهر من الرضي انها خطبة للامام ومن رواية الكليني انها رسالة وحيث ان المنبع لكلّها هو الامام علیه السلام فمن الطبيعيّ ان تظهر مقاطع من افكاره تارة الخطب واخرى في الرسائل والحكم كما تقدم، واليك نصّ كلام السيّد

ص: 12


1- التوبة : 41 .
2- الغارات ؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 2204:2 .

ابن طاووس الحسني في كشف المحجة لثمرة المهجة»، قال في الفصل الخامس والخمسون والمائة واعلم يا ولدي محمد - كمّل الله جل جلاله هدايتك وفضل ولايتك - أنني رويت من طرق كثيرة واضحات قد ذكرت بعضها في الجزء الأول من كتاب المهمات والتتمات جميع ما صنفه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ورواه رضی الله عنه وأرضاه في هذا الكتاب الرسائل » رسالة أخرى من أبيك

علي علیه السلام إلى شيعته وإلى من يعزّ عليه في ذكر المتقدمين في الخلاف عليه ، وهي في معنى رسالة إليك كما أن رسالته إلى أبيك الحسن علیه السلام كأنها منهما إليك، فانظر بعين المنة عليك ، قال محمّد بن يعقوب في كتاب الرسائل : عن علي بن إبراهيم بإسناده قال : كتب أمير المؤمنين علیه السلام كتابا بعد منصرفه من النهروان وأمر أن يقرأ على الناس، وذلك أن الناس سألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان، فغضب علیه السلام وقال : قد تفرّغتم للسؤال عما لا يعنيكم، وهذه مصر قد انفتحت وقتل معاوية بن خديج ومحمّد بن أبي بكر ، فيالها من مصيبة ما أعظمها بمصيبتي بمحمّد، فوالله ما كان إلا كبعض بنيّ ، سبحان الله بينا نحن نرجوا أن نغلب القوم على ما في أيديهم إذ غلبونا على ما في أيدينا، وأنا كاتب لكم كتابا فيه تصريح ما سألتم إن شاء الله تعالى فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له : أدخل عليَّ عشرة من ثقاتي ، فقال : سمّهم لي يا أمير المؤمنين ، فقال : أدخل أصبغ بن نباتة وأبا الطفيل عامر بن وائلة الكناني ورزين بن حبيش الاسدي وجويرية بن مسهر العبدي وخندف بن زهير الاسدي وحارثة بن مضرب الهمداني والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني ومصباح النخعي وعلقمة بن قيس وكميل بن زياد و عمير بن زرارة، فدخلوا عليه فقال لهم: خذوا هذا الكتاب وليقرأه عبيد الله بن أبي رافع وأنتم شهود كل يوم جمعة، فإن شغب شاغب عليكم فانصفوه بكتاب الله بينكم وبينه. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى شيعته من

ص: 13

المؤمنين والمسلمين، فإن الله يقول: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ )(1) وهو اسم شرّفه الله تعالى في الكتاب ، أنتم شيعة النبي محمّدصلی الله علیه و آله وسلم كما أن محمّدا صلی الله علیه و آله وسلم من شيعة إبراهيم، اسم غير مختص وأمر غير مبتدع، وسلام عليكم والله هو السلام المؤمن لأوليائه من العذاب المهين ، الحاكم عليهم بعدله ، بعث محمّداً وأنتم معاشر العرب على شرّ حال، يغذو أحدكم كلبه ويقتل ولده، ويغير على غيره، فيرجع وقد أغير عليه تأكلون الهلعز والهبيدة والميتة والدم منيخون على أحجار خشن وأوثان ،مضلة ، تأكلون الطعام الجشب وتشربون الماء الآجن، تسافكون دمائكم ويسبي بعضكم بعضا، وقد خص الله قريشا بثلاث آيات وعم العرب بآية، فأما الآيات اللواتي في قريش فهو قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلُ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(2)

والثانية: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ

أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (3). والثالثة : قول قريش لنبي الله تعالى حين دعاهم إلى الاسلام والهجرة فقالوا: ( إن تَتَّبع الْهُدَى مَعَكَ تُتَخَطَّفَ مِنْ أَرْضِنَا) (4)فقال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ تُمَكِّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَدُنَّا وَلكِنْ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )(5).

وأما الاية التى عم بها العرب فهو قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ

ص: 14


1- الصافات: 83
2- الانفال : 26
3- النور : 55 .
4- القصص : 57 .
5- القصص : 57 .

أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (1)فيالها من نعمة ما أعظمها إن لم تخرجوا منها إلى غيرها ويا لها من مصيبة ما أعظمها إن لم تؤمنوا بها وترغبوا عنها ، فمضى نبي الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغ ما أرسل به ، فيا لها من مصيبة خصت الأقربين

ما ما وعمت المؤمنين، لم تصابوا بمثلها ولن تعاينوا بعدها مثلها، فمضى لسبيله الا الله وترك كتاب الله وأهل بيته إمامين لا يختلفان، وأخوين لا يتخاذلان ومجتمعين لا يتفرقان ، ولقد قبض الله محمّد نبيه صلی الله علیه و آله وسلم ولأنا أولى الناس به منّي بقميصي هذا ، وما ألقي في روعي ولا عرض في رأيي أن وجه الناس إلى غيري، فلما أبطأ عني بالولاية لهممهم وتثبيط الانصار وهم أنصار الله وكتيبة الاسلام، قالوا: ما إذا لم تسلموها لعلى فصاحبنا أحق بها من غيره، فوالله ما أدري إلى من أشكو إما أن يكون الانصار ظلمت حقها ، وإما أن يكونوا ظلموني حقي، بل حقي المأخوذ وأنا المظلوم، فقال قائل قريش إن نبيّ الله صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «الأئمة من قريش فدفعوا الانصار عن دعوتها ومنعوني حقي منها ، فأتاني رهط يعرضون علي النصر منهم أبناء سعيد والمقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي والزبير بن العوام والبراء بن عازب، فقلت لهم: إن عندي من نبي صلی الله علیه و آله وسلم إلي وصية

الله لست أخالفه عمّا أمرني به فوالله لو خرموني بأنفي لأقررت الله تعالى سمعا وطاعة، فلما رأيت الناس قد انثالوا على أبي بكر للبيعة أمسكت يدي وظننت أني أولى وأحق بمقام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلممنه هو من غيره، وقد كان نبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر أسامة بن زيد على جيش وجعلهما في جيشه وما زال النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى أن فاضت نفسه يقول: أنفذوا جيش أسامة أنفذوا جيش أسامة فمضى جيشه إلى الشام حتى انتهوا إلى أذرعات، فلقي جيشا من الروم فهزموهم وغنمهم الله أموالهم، فلما رأيت

ص: 15


1- آل عمران 103

راجعة من الناس قد رجعت من الاسلام تدعوا إلى محو دين محمّد وملة إبراهيم علیه السلام خشيت إنّ أنّا لم أنصر الاسلام وأهله أرى فيه ثلما وهدما تكون المصيبة عليَّ فيه أعظم من فوت ولاية أموركم الاتي انّما هي متاع أيام قلائل ثم تزول وتتقشع كما يزول ويتقشع السحاب، فنهضت مع القوم في تلك الاحداث حتى زهق الباطل وكانت( كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا )(1) وإن رغم الكافرون، ولقد كان سعد لمّا رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى أيّها الناس إني والله ما أردتها حتى رأيتكم تصرفونها عن علي ، ولا أبايعكم حتى يبايع علي ولعلّي لا أفعل وإن

أحد

بايع، ثم ركب دابته وأتى حوران، وأقام في خان حتى هلك ولم يبايع . وقام فروة بن عمر الانصاري وكان يقود مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له فرسين ويصرع ألفا ويشتري تمراً فيتصدق به علی المساکین فنادی یا معشر قريش ، أخبروني هل فيكم رجل تحلّ له الخلافة وفيه ما في علي ؟ فقال قيس بن مخزمة الزهري: ليس فينا من فيه ما في علي علیه السلام، فقال له صدقت، فهل في علي علیه السلام ما ليس في

: منكم ؟ قال : نعم ، قال : فما يصدّكم عنه ؟ قال : اجتماع الناس على أبي بكر ، قال : أمّا والله لئن أصبتم سنتكم لقد أخطأتم سنة نبيكم، ولو جعلتموها في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم. فولى أبي بكر فقارب واقتصد فصحبته مناصحا وأطعته فيما أطاع الله فيه

جاهدا ، حتى إ ، حتى إذا احتضر . قلت في نفسي : ليس يعدل بهذا الامر عنّي ولولا خاصة بينه وبين عمر أمر كانا رضياه بينهما لظننت أنه لا يعدله عني ، وقد سمع قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم الا الله البريدة الاسلمي حين بعثني وخالد بن الوليد إلى اليمن وقال: «إذا افترقتما فكل واحد منكما على حياله ، وإذا اجتمعتما فعليّ عليكم جميعا فغزونا وأصبنا سبيا فيهم خولة بنت جعفر جار ،الصفا وإنّما سمي جار الصفا من حسنه،

ص: 16


1- التوبة : 40 .

فأخذت الخيفة خولة، واغتنمها خالد منّي وبعث بريدة إلى رسول الله محرّشا عليّ فأخبره بما كان من أخذي خولة ، فقال : « يا بريدة حظه في الخمس أكثر مما أخذ إنه وليكم بعدي سمعها أبو بكر وعمر ، وهذا بريدة حي لم يمت، فهل بعد

هذا مقال لقائل ؟ فبايع عمر دون المشورة، فكان مرضي السيرة من الناس عندهم ، حتى إذا احتضر قلت في نفسي : ليس يعدل بهذا الامر عنّي للذي قد رأى مني في المواطن، وسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم ، فجعلني سادس ستة وأمر صهيبا أن يصلي بالناس ودعا أبا طلحة زيد بن سعد الانصاري فقال له كن في خمسين رجلا من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستة، فالعجب القوم إذ زعموا أن أبا بكر استخلفه النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فلو كان هذا حقا لم يخف على الانصار فبايعه الناس على الشورى، ثم جعله أبو بكر لعمر برأيه خاصة ، ثم جعلها عمر برأيه شورى بين ستة ، فهذا العجب من اختلافهم، والدليل على ما لا أحب أن أذكر قول هؤلاء الرهط الذين قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له وهو عنهم ،راض ، فكيف يأمر بقتل قوم رضي الله عنهم ورسوله إن هذا الأمر عجيب، ولم يكونوا الولاية أحد منهم أكره منهم لولايتي، كانوا يسمعون وأنا أحاج أبا بكر فأنا أقول: يا معشر قريش أنا أحق بهذا الأمر منكم ما كان منكم من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين دين الله الحق ، وإنما حجّتي أني ولي هذا الامر من دون قريش، إن نبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : الولاء لمن أعتق فجاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يعتق الرقاب من النار وأعتقها من الرق

فكان للنبي صلی الله علیه و آله وسلم الا الله الولاء هذه الأمة، وكان لي بعده ما كان له فما جاز لقريش من فضلها عليها بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم الا الله جاز لبني هاشم على قريش، وجاز لي على بني هاشم يقول النبي يوم غدير خم من كنت مولاه فهذا علي مولاه إلا أن تدعي قريش فضلها على العرب بغير النبي ، فإن شاؤا فليقولوا ذلك ، فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن آخذ بأنفاسهم وأعترض في حلوقهم ولا يكون لهم في الامر

ص: 17

نصيب، فأجمعوا عليّ إجماع رجل واحد منهم، حتى صرفوا الولاية عني إلى عثمان رجاء أن ينالوها ويتداولوها فيما بينهم، فبيناهم كذلك إذ نادى مناد لا يُدرى من هو وأظنه جنّيا فأسمع أهل المدينة ليلة بايعوا عثمان، فقال:

يا ناعي الاسلام قم قانعه*** قدمات عرف وبدأ منكر

ما لقريش لا على كعبها ***من قدموا اليوم ومن أخروا

إنّ عليا هو أولى به ***منه فولوه ولا تنكروا

فكان لهم في ذلك عبرة ولولا أن العامة قد علمت بذلك لم أذكره، فدعوني إلى بيعة عثمان فبايعت مستكرها، وصبرت محتسبا وعلّمت أهل القنوت أن يقولوا: اللّهم لك أخلصت القلوب، وإليك شخصت الابصار، وأنت دعيت بالالسن

وإليك تحوكم في الاعمال، فافتح بيننا وبين قومنا بالحقّ ، اللّهم إنا نشكوا إليك غيبة نبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم وكثرة عدوّنا وقلة عددنا وهواننا على الناس ، وشدة الزمان ووقوع الفتن بنا، اللهم ففرّج ذلك بعدل تظهره وسلطان حق تعرفه» . فقال عبد الرحمن بن عوف يابن أبي طالب إنك على هذا الامر الحريص، فقلت: لست عليه حريصا ، إنما أطلب ميراث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وحقه وأن ولاء أمته لي من بعده، وأنتم أحرص عليه منّي إذ تحوّلون بيني وبينه، وتصرفون وجهي دونه بالسيف، اللهم إني أستعديك على قريش؛ فإنهم قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي وصغّر وا قدري، وعظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فاستلبونيه ، ثم قالوا : اصبر مغموما أو مت متأسفا، وأيم الله لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سببي فعلوا، ولكنهم لا يجدون إلى ذلك سبيلا، إنّما حقي على هذه الامة كرجل له حق على قوم إلى أجل معلوم، فإن أحسنوا وعجلوا له حقه قبله حامدا وإن أخّروه إلى أجله أخذه غير حامد، وليس يعاب المرء بتأخير حقه إنّما يعاب من أخذ ما ليس له، وقد كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له عهد إلى عهدا فقال :

ص: 18

يابن أبي طالب لك ولاء أمتي، فإن ولّوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم

بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه؛ فإن الله سيجعل لك مخرجا

مساعد إلّا أهل بيتي فظننت

فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا معي بهم عن الهلاك، ولو كان لي بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عمّي حمزة وأخي جعفر لم أبايع كرها ولكنني بليت برجلين حديثي عهد بالاسلام العباس وعقيل ، فظننت بأهل بيتي عن الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، وتجرّعت ريقي على الشجا، وصبرت على أمر من العلقم وآلم للقلب من حزّ الشفار .

،منه

وأما أمّر عثمان، فكأنه علم من القرون الاولى (عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ

رَبِّي وَلَا يَنسَى ) (1)خذله أهل بدر وقتله أهل مصر، والله ما أمرت ولا نهيت ولو أنني أمرت كنت قاتلا ولو أنني نهيت كنت ناصرا ، وكان الأمر لا ينفع فيه العيان، ولا يشفي منه الخبر، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول هو: خذله من أنا خير ، ولا يستطيع من خذله أن يقول : نصره من هو خير منّي، وأنا جامع أمره: استأثر فأساء الاثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع والله يحكم بيننا وبينه، والله ما يلزمني في دم عثمان تهمة، ما كنت إلا رجلا من المسلمين المهاجرين في بيتي فلما قتلوه أتيتموني تبايعوني فأبيت عليكم وأبيتم علي فقبضت يدي فبسطتموها، وبسطتها فمددتموها ثم تداككتم عليّ تداكّ الابل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض، حتى انقطعت النعل وسقط الرداء ووطي الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن حمل إليها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل إليها العليل، وحسرت لها الكعبات، فقالوا بايعنا على ما بويع عليه أبو بكر وعمر فإنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك، فبايعنا لا نفترق ولا نختلف فبايعتكم على كتاب الله

ص: 19


1- طه : 52 .

نبيه صلی الله علیه و آله وسلم و دعوت الناس إلى بيعني ، فمن بايعني طائعا قبلت منه ، ومن أبي تركته ، فكان أول من بايعني طلحة والزبير، فقالا : نبايعك على أنا شركاؤك في الامر فقلت : لا ولكنكما شركائي في القوة وعوناي في العجز ، فبايعاني على هذا الأمر، ولو أبيا لم أكرههما كما لم أكره غيرهما، وكان طلحة يرجو اليمن، والزبير يرجو العراق ، فلما علما أني غير مولّيهما استأذناني للعمرة يريدان الغدر، فاتبعا عائشة واستخفاها مع كل شي في نفسها علي . والنساء نواقص الايمان نواقص العقول نواقص الحظوظ ، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأما نقصان عقولهن : فلا شهادة لهن إلا في الدين وشهادة امرأتين برجل، وأما نقصان حظوظهن : فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال

وقادهما عبيد الله بن عامر إلى البصرة وضمن لهما الأموال والرجال، فبيناهما يقودانها إذ هي تقودهما فاتخذاها فئة يقاتلان ،دونها، فأي خطيئة أعظم مما أتيا إخراجهما زوجة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له من بيتها، فكشفا عنها حجابا ستره نجا با ستره الله عليها وصانا حلائلهما في بيوتهما، ولا أنصفا الله ولا رسوله من أنفسهما، ثلاث خصال مرجعها على الناس : قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَعْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم )(1) ، وقال: ﴿ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ )(2) ، وقال : ( وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّنُ إلَّا بأهْلِهِ )(3)، فقد بغيا عليّ ونكثا بيعتي ومكراني، فمنيت بأطوع الناس في الناس عائشة بنت أبي بكر، وبأشجع الناس الزبير وبأخصم الناس طلحة، وأعانهم على يعلى بن منبه بأصواع الدنانير ، والله لئن استقام أمري لأجعلن ماله فينا للمسلمين. ثم أتوا البصرة وأهلها مجتمعون على بيعتي وطاعتي، وبها شيعتي خزّان بيت مال

ص: 20


1- يونس : 23 .
2- الفتح : 10 .
3- فاطر: 43 .

الله ومال المسلمين، فدعوا الناس إلى معصيتي وإلى نقض بيعتي وطاعتي، فمن أطاعهم أكفروه ومن عصاهم قتلوه فناجزهم حكيم بن جبلة فقتلوه في سبعين

، رجلا من عبّاد أهل البصرة ومخبتيهم يسمون المثقنين كانّ راح أكفهم ثفنات الابل ، وأبى أن يبايعهم يزيد بن الحارث اليشكري، فقال: اتقيا الله إن أولكم قادنا إلى الجنة فلا يقودنا آخركم إلى النار ، فلا تكلفونا أن نصدق المدّعى ونقضى على الغائب، أمّا يميني فشغلها علي بن أبي طالب علیه السلام ببيعتي إياه وهذه شمالي فارغة، فخذاها إن شئتما فخنق حتى مات رحمه الله. وقام عبد الله بن حكيم التميمي فقال : يا طلحة من يعرف هذا الكتاب قال: نعم، هذا كتابي إليك، قال: هل تدري ما فيه ؟ :قال اقرأه عليّ فإذا فيه عيب عثمان، ودعاؤه إلى قتله، فسيّروه من البصرة. وأخذوا عاملي عثمان بن حنيف الانصاري غدرا ، فمثلوا به كل المثلة ونتفوا كل شعرة في رأسه ،ووجهه، وقتلوا شيعتي طائفة صبرا وطائفة غدرا وطائفة عضوا بأسيافهم حتى لقوا الله ، فوالله لو لم يقتلوا منهم إلا رجلا واحدا الحل لي به دماؤهم ودماء ذلك الجيش لرضاهم بقتل من قتل. دع (مع - خ ل ) أنّهم قد قتلوا أكثر من العدّة الّتي دخلوا بها عليهم ، وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين، فأما طلحة فرماه مروان بسهم فقتله. وأما الزبير فذكّرته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تقاتل عليا علیه السلام وأنت ظالم له. وأمّا عايشة فإنها

( كان نهاها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له عن مسيرها فعضت يديها نادمة على ما كان منها . وقد كان طلحة لما نزل« ذا قار» قام خطيبا فقال: أيّها النّاس إنا قد أخطأنا في عثمان خطيئة ما يخرجنا منها إلا الطلب بدمه، وعلي قاتله وعليه دمه وقد نزل دارن مع شكاك اليمن ونصارى ربيعة ومنافقي مضر. فلما بلغني قوله وقول كان عن الزبير قبيح، بعثت إليهما أناشدهما بحق محمّد وآله : ما أتيتماني وأهل مصر محاصروا عثمان فقلتما: اذهب بنا إلى هذا الرجل فإنا لا نستطيع قتله إلّا بك لما تعلم أنه سير أبا ذر رحمه الله، وفتق عمارا ، وآوى الحكم بن العاص وقد طرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر

ص: 21

وعمر، واستعمل الفاسق على كتاب الله الوليد بن عقبة، وسلّط خالد بن عرفطة بن العذري على كتاب الله تعالى يمزقه ويحرقه . فقلت : كل هذا قد علمت ولا أرى

قتله يومي هذا، وأوشكت سقاؤه أن يخرج المخيض زيدته . فاقّرا بما قلت . وأما قولكما إنكما تطلبان بدم عثمان، فهذان ابناه عمرو وسعيد، فخلوا عنهما

يطلبان دم أبيهما . متى كان أسد وتيم أولياء بني أمية . فانقطعا عند ذلك. فقام عمران بن الحصين الخزاعي صاحب رسول صلى الله عليه وسلم - وهو الذي جاءت فيه الاحاديث - وقال يا هاذان لا تخرجانا ببيعتكما من طاعة عليّ ولا تحملانا على

نقض بيعته فإنها الله ،رضا، أما وسعتكما بيوتكما حتّى أتيتما بأم المؤمنين فالعجب لاختلافها إياكما ومسيرها معكما ، فكفًا عنا أنفسكما وارجعا من حيث جئتما، فلسنا عبيد من غلب ولا أول من سبق . فهما به ثم كفا عنه . وكانت عائشة قد شكت في مسيرها ها وتعاظمها القتال فدعت كاتبها عبيد الله بن كعب النميري فقالت: اكتب من عائشة بنت أبي بكر إلى علي بن أبي طالب علیه السلام، فقال: هذا أمر لا يجري به القلم قالت ولم ؟ قال لأن علي بن أبي طالب في الاسلام أول، وله بذلك البداء في الكتاب، فقالت: اكتب إلى علي بن أبي طالب علیه السلام من عائشة بنت أبي .بكر. أمّا بعد: فإني لست أجهل قرابتك من رسول الله الله لولا قدمك في الاسلام. ولا غناك من رسول الله، وإنما خرجت مصلحة بين بنئ ، لا أريد حربك إن كففت عن هذين الرجلين - في كلام لها كثير - فلم أجبها بحرف. وأخرت جوابها لقتالها . فلما قضى الله لي الحسنى سرت إلى الكوفة، واستخلفت عبد الله بن عباس على البصرة فقدمت الكوفة وقد اتسقت لي الوجوه كلّها إلا الشام فأحببت أن أتخذ الحجة وأقضي العذر وأخذت بقول الله تعالى: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةٌ فَأَنْبِلْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ) (1)فبعثت جرير بن عبد الله إلى

ص: 22


1- الأنفال : 58 .

معاوية معذّرا إليه متخذا الحجة عليه، فرد كتابي وجحد حقّي ودفع بيعتي . وبعث إلي أن ابعث إلىَّّ قتلة عثمان، فبعثت إليه : ما أنت وقتلة عثمان؟ ، أولاده أولى به فادخل أنت وهم في طاعتي ، ثم خاصموا القوم لأحملكم وإياهم على كتاب الله ، وإلا فهذه خدعة الصبي عن رضاع الملي، فلما يئس من هذا الامر بعث إلي أن اجعل الشام لي حياتك، فإن حدث بك حادث من الموت لم يكن لأحد علي طاعة وإنما أراد بذلك أن يخلع طاعتي من عنقه، فأبيت عليه، فبعث إليَّ إن أهل الحجاز كانوا الحكام على أهل الشام، فلما قتلوا عثمان صار أهل الشام الحكام على أهل الحجاز، فبعثت إليه : إن كنت صادقا فسمّ لي رجلا من قريش للشام تحل له الخلافة ويقبل في الشورى ونظرت إلى أهل الشام فإذا هم بقية الاحزاب فراش ،نار وذئاب طمع تجمّع من كل أوب ممن ينبغي له أن يؤدب ويحمل على السنة ، ليسوا من المهاجرين ولا الانصار ولا التابعين بإحسان، فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة، فأبوا إلا فراقي وشقاقي ، ثم نهضوا في وجه المسلمين ينضحونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح ، فعند ذلك نهضت إليهم فلما عضّتهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعوكم إلى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين ولا قرآن، وإنما رفعوا بها مكيدة وخديعة فامضوا لقتالهم، فقلتم : اقبل منهم واكفف عنهم ، فإنهم إن أجابوا إلى ما في القرآن إن حاجونا على ما نحن عليه من الحق. فقبلت منهم وكففت عنهم ، فكان الصلح بينكم وبينهم ع-ل-ى رجلين حكمين ليحييا ما أحياه القرآن، ويميتا ما أماته القرآن فاختلف رأيهما واختلف حكمهما، فنبذا ما في الكتاب وخالفا ما في القرآن وكانا أهله، ثم إن طائفة اعتزلت فتركناهم ما تركونا حتى إذا عانوا في الارض يفسدون ويقتلون وكان فيمن قتلوه أهل ميرة من بني أسد وقتلوا خبابا وابنه وأمّ ولده والحارث بن مرة العبدي، فبعثت إليهم داعيا فقلت : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ، فقالوا: كلنا قتلتهم.

ص: 23

ثم شدّت علينا خيلهم ورجالهم فصرعهم الله مصارع الظالمين ، فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم كلّت سيوفنا ونصلت أسنة رماحنا وعاد أكثرها قصيرا فأذن لنا فلنرجع ولنستعد بأحسن عدتنا ، وإذا نحن رجعنا زدنا في مقاتلتنا عدة من قتل منا ، حتى إذا ظللتم على النخيلة أمرتكم أن تلزموا معسكركم وأن تضمّوا إليه نواصيكم وأن توطنوا على الجهاد نفوسكم ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم فإن أصحاب الحرب مصابروها وأهل التشمير فيها، والذين لا يتوجدون من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم ولا فقدان أولادهم ولا نسائهم، و ، وأقامت طائفة منكم معدّة وطائفة دخلت المصر عاصية، فلا من دخل المصر عاد إليّ، ولا من أقام منكم ثبت معي ولا صبر، فلقد راب-تني وما في عسكري منكم خمسون رجلا، فلما رأيت ما أنتم عليه دخلت عليكم فما قدر لكم أن تخرجوا معي إلى يومكم هذا الله أبوكم، ألّا ترون إلى مصر قد افتتحت وإلى أطرافكم قد انتقصت، وإلى مسالحكم ،ترقى، وإلى بلادكم تغزى؟ وأنتم ذووا عدد جمّ وشوكة شديدة، وأولوا بأس قد كان مخوفا لله أنتم أين تذهبون؟ وأنى تؤفكون؟ ألا إن القوم جدوا وبأسوا وتناصروا ، وتناصحوا وإنكم أبيتم وونيتم وتخاذلتم وتغاششتم، ما أنتم إن بقيتم على ذلك سعداء، فنّبهوا رحمكم نائمكم وتحرزوا الحرب عدوّكم فقد أبدت الدعوة عن الصريح وأضاء الصبح لذي عينين . فانتبهوا ، إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء وأهل الجفاء ومن أسلم كرها وكان لرسول الله أنفا، وللاسلام كله حربا ، أعداء السنة والقرآن، وأهل البدع والاحداث ، ومن كانت نكابته تتقى وكان على الاسلام وأهله مخوفا، وأكلة الرشا وعبيد الدنيا، ولقد أنهي إليّ أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه آتية وهي أعظم مما في يديه من سلطانه، فصغرت يد هذا البائع دينه بالدنيا . وخزيت أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وأي سهم لهذا

ص: 24

المشتري بنصرة فاسق غادر وقد شرب الخمر وضرب حدا في الاسلام ، وكلكم يعرفه بالفساد في الدين، وإن منهم من لم يدخل في الاسلام وأهله حتى رضخ عليه رضيخة ، فهؤلاء قادة القوم. ومن تركت لكم ذكر مساويه أكثر وأنور. وأنتم تعرفونهم بأعيانهم وأسمائهم ، كانوا على الاسلام ضدا، وللنبي صلى الله عليه وسلم حربا وللشيطان حزبا ، لم يتقدم إيمانهم ولم يحدث نفاقهم، وهؤلاء الذين لو ولوا عليكم لأظهروا فيكم الفخر والتكبر والتسلط بالجبرية والفساد في الارض ، وأنتم على ما كان منكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلا منكم الفقهاء والعلماء والفهماء وحملة الكتاب والمتهجدون بالاسحار ، ألا تسخطون وتنقمون أن ينازعكم الولاية السفهاء البطاة عن الاسلام، الجفاة فيه. اسمعوا قولي يهديكم الله إذا قلت وأطيعوا أمري إذا أمرت فوالله لئن أطعتموني لا تغووا. وإن عصيتموني لا ترشدوا، قال الله تعالى : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1)، وقال الله تعالى لنبيه صلی الله علیه و آله وسلم: ﴿إِنَّمَا أَنتَ

مُنذِرُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (2)، فالهادي بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم هاد لأمته ع-ل-ى م-ا ك-ان م-ن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فمن عسى أن يكون الهادي إلا الذي دعاكم إلى الحق وقادكم إلى الهدى ؟ خذوا للحرب أهبتها وأعدوا لها عدتها فقد شبت وأوقدت نارها وتجرّد لكم الفاسقون لكيما يطفؤوا نور الله بأفواههم ويغزوا عباد الله، ألا ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء أولى بالحق من أهل البر والاحسان في طاعة ومناصحة إمامهم ، إني - والله - لو لقيتهم وحدي وهم وأهل الأرض ما استوحشت منهم، ولا باليت، ولكن أسف يريبني وجزع يعتريني من أن يلي هذه الامة فجّارها وسفهاؤها، يتخذون مال الله ،دولا، وكتابه دخلا والفاسقين حزبا ،

ربهم

ص: 25


1- یونس: 35 .
2- الرعد : 7 .

والصالحين حربا ، وأيم الله لولا ذلك ما أكثرت تأنيبكم وتحريضكم ولتركتكم إذا أبيتم حتى ألقاهم متى حُم لي لقاؤهم، فوالله إنّي لعلى الحق وإني للشهادة لمحب لمشتاق . ولحسن ثوابه لمنتظر ، إني نافر بكم، فانفِرُوا

ربّی

وإني إلى لقاء الله خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ (1) ، ولا تثاقلوا في الارض فتعمّوا بالذل وتقروا بالخسف ، ويكون نصيبكم الخسران . إنّ أخ الحرب اليقظان الارق، وإن نام لم تنم عينه، ومن ضعف أوذي، ومن كره الجهاد في سبيل الله كان المغبون المهين إني لكم اليوم على ما كنت عليه أمس، ولستم لي على ما كنتم عليه من تكونوا ناصريه أخذ بالسهم الاخيب، والله لو نصرتم الله لنصركم وثبت أقدامكم، إنّه حقّ على الله أن ينصر من نصره ويخذل من خذله، أترون الغلبة لمن صبر بغیر نصر ؟ وقد يكون الصبر جبنا ويكون حمية، وإنّما الصبر بالنصر والورود بالصدر، والبرق بالمطر . اللّهم اجمعنا وإياهم على الهدى وزهدّنا وإياهم في الدنيا، واجعل الاخرة خيرا لنا من الاولى .(2)

ص: 26


1- التوبة : 41 .
2- کشف المحجة لثمرة المهجة ؛ للسيّد ابن طاووس الحسني : 173 - 188 .

[ الخطبة (27)]

قال الهاد كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: «أما بعد ، فان الجهاد باب من ابواب الجنة ... الى آخره هذه الخطبة من مشاهير خطبه، وقال الشارح العلامة هذه الخطبة مشهورة، وأقول : هي مروية في كتاب الجهاد من كتاب الكافي، وقد ذكرها الجاحظ في كتاب البيان والتبيين مع اختلاف يسير وذكرت في كتاب الأخبار الطوال، وفي الكامل للمبرد وفي عقد إبن عبد ربه مع اختلاف في بعض الألفاظ والفقرات ، وقوله : « فيا عجبا والله يميت القلب ... الى آخره مروي في كتاب عيون الاخبار لابن قتيبة ؛ قال : خطب عليّ حين قتل عامله في الانبار ، فقال في خطبته ... الى آخره.» ، وقال الشارح الفاضل بعد ذكر أن أبا العباس المبرد ذكرها في الكامل، وانه أسقط من هذه الرواية ألفاظا وزاد فيها ألفاظاً، وكان فيها « وسيما الخسف ، قال : ونحن نقول : إن السماع الذي حكاه ابو العباس غير مرضي، والصحيح ما تضمنه نهج البلاغة وهو وسيم الخسف » فعل

- كما

ما لم يسم فاعله - والخسف منصوب لانه مفعول ... الى آخر ما ذكره، وهو

قال ؛ لان رواية السيّد أصح وأعلا ، واما ما ذكره من التعليل فيحتاج الى ملاحظة» .(1)

ص: 27


1- مدارك نهج البلاغة : 77 .

وقال العرشي في التخريج مانصه : رواها الجاحظ بتغيير يسير في البيان

والتبيين (ج 1 ص 170] والمبرد في الكامل ج 1 ص 13] ، وابن قتيبة في عيون الأخبار [ ج 2 ص 236] ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (ج 2 ص 163]، وأبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ج 15 ص 43] والشيخ الصدوق في معاني

الأخبار ( ص 113)، والشيخ المفيد في الارشاد ( 160 - 164)». (انتهى) .(1)) قال الجلالي : وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني

في «الكافي»، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن جعفر بن عبد الله العلوي وأحمد بن محمّد الكوفي ، عن علي بن العباس، عن إسماعيل بن إسحاق جميعا، عن أبي روح فرج بن قرة عن مسعدة بن صدقة ، قال : حدثني ابن أبي ليلي عن

، أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه وسوّغهم كرامة منه لهم ونعمة ،ذخرها، والجهاد هو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه البسه الله ثوب الذل وشمله البلاء، وفارق الرضا وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالاسداد واديل الحق منه بتضييع الجهاد وسيم الخسف ومنع النصف.

ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت

، لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا،

: فتواكلتم وتخاذلتم حتى شُنّت عليكم الغارات وملكت عليكم الاوطان ، هذا أخو غامد، قد وردت خيله الانبار وقتل حسان بن حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها، وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ،ورعاثها ما تمنع منه إلا بالاسترجاع

ص: 28


1- راجع : استناد نهج البلاغة

والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا اريق له ،دم فلو أن

امرءاً مسلما مات من ،

، هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان عندي به جديرا فيا

عجبا عجبا والله يميث القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرّقكم عن حقكم ، فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى يغار عليكم ولا تغيرون

، وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون ، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم : هذه حمارة القيظ أمهلنا حتى يسبخ عنا الحر. وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم : هذه صبّارة القر، أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد ، كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرّون فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال حلوم الاطفال وعقول ربات ،الحجال لوددت أنّي لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما وأعقبت ،ذما ، قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا وجرّعتموني نغب التهمام أنفاسا وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب الله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني، لقد نهضت فيها ما بلغت العشرين وها أنا قد ذرفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع (1)وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في معاني «الأخبار» في باب الالفاظ التي ذكرها أمير المؤمنين علیه السلام في خطبته بالنخيلة حين بلغه قتل

حسان بر بن حسان عامله بالانبار حدثنا أبو العباس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال حدثنا هشام بن

معاني

علي ، ومحمّد بن زكريا الجوهري، قالا : حدثنا ابن عائشة بإسناد ذكره أن عليا علیه السلام انتهى إليه أن خيلا لمعاوية وردت الانبار فقتلوا عاملا له يقال له: «حسان بن حسان فخرج مغضبا يجرّ ثوبه حتى أتى النخيلة وأتبعه الناس، فرقى رباوة من

ص: 29


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 5: 65.

الأرض، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم قال : أمّا بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه البسه الله ثوب الذل وسيما الخسف وديث الصغار ، وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا ونهار وسرا وإعلانا وقلت لكم اغزوهم من قبل أن يغزوكم ، فوالذي نفسي بيده ما

: غزي قوم قط في عقر ديارهم إلّا ذلّّوا، فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار ، وقتلوا حسان بن حسان ورجالا منهم كثيرا ونساء ، والذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة فتنتزع أحجالهما ورعتهما، ثم انصرفوا موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما ، فلو أن امرءا مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي فيه ملوما ، بل كان عندي به جديرا يا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم ! إذا قلت لكم : اغزوهم في الشتاء قلتم هذا أوان قرّ وصر! وإذا قلت لكم اغزوهم في الصيف

: :قلتم هذه حمارة القيظ أنظرنا ينصرم الحر عنا ! فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أفر. يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الاحلام، ويا عقول ربات الحجال والله لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان، ولقد ملأتم جوفي غيظا حتى قالت قريش إن ابن أبي طالب شجاع ولكن لا رأي له في الحرب الله درّهم! ومن ذا يكون أعلم بها وأشدّ لها مراسا منّي ؟ فو الله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيفت اليوم على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع - يقولها ثلاثا - فقام إليه رجل ومعه أخوه فقال: يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا كما قال الله عزوجل حكاية عن موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي )(1) فمرنا بأمرك

ص: 30


1- المائدة : 25 .

فوالله لننتهين إليه ولو حال بينا وبينه جمر الغضا وشوك القتاد. فدعا له بخير قال: وأين تقعان مما أريد ؟! ثم نزل (1)

وبالاسناد عن الهاروني ( ت / 424 ه-) في ( تيسير المطالب»، قال: أخبرنا أبو عبد الله احمد بن محمّد البغدادي قال: حدثنا عبد العزيز بن اسحاق بن جعفر الكوفي، قال: حدثنا أبو بكر احمد بن يحيى، قال: حدثنا احمد بن الوليد، عن سيابة، عن قيس بن الربيع، عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي صادق، قال: بلغ علي بن أبي طالب ان خيلا لمعاوية اغارت الأنبار وقتلوا بها عامله حسان بن حسان البكري ، فقام على يجر ثوبه حتى أتى النخيلة، فقالوا: نحن نكفيك يا أمير المؤمنين علیه السلام، فقال: ما تكفوني، ولا تكفوني أنفسكم قال واجتمع الناس إليه،

، : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ان هذا الجهاد باب من أبواب الجنة من تركه ألبسه الله الذلة وسيم الخسف وديث بالصغار، وقد دعوتكم الى جهاد هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً وسراً وإعلانا، وقلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم قط فى عقر دارهم إلا ذلّوا فتثاقلتم وتواكلتم وثقل عليكم ذلك حتى شنّت عليكم ،الغارات هذا اخو غامد قد نزلت خيله الأنبار وقتلوا حسان بن حسان ورجالاً صالحين ونساء، ولقد بلغني انه كان يدخل [ الرجل منهم ] على المرأة المسلمة والأخرى (أي المعاهدة) فينتزع رعائها وحجلها، ثم انصرفوا موزورين لم يكلم كلماً ، والله لو أنّ امرءاً مسلما مات من دون هذا أسفاً لما كان عندي بذلك ملوماً ، بل كان عندي جديراً، فيا عجباً - والله - يميت القلب ويكثر الهمّ ويبعث الأحزان من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقّكم ، حتى صرتم غرضاً تُرمون ولاترمون وتغزون ولاتغزون ويغار عليك ولا تغيرون، ويعصى الله وترضون يا أشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال وعقول ربات

أحد منهم

ص: 31


1- معاني الأخبار : للشيخ الصدوق : 310309.

الحجال اذا قلت لكم : اغزوهم في البرد. قلتم : هذه أيام قرّ امهلنا حتى ينسلخ القرّ عنا، فإذا كنتم من الحر والبرد تفرّون فأنتم والله من السيف أفرّ، أما والله لوددت اني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله جرّت ندماً ، قاتلكم الله ، لقد ملئتم قلبي غيظاً ، وأفسدتم عليَّ رأيي بالخذلان ، حتى لقد بلغني ان قرشياً تقول : ان أبي طالب رجل شجاع ولكن لا رأي له بالحروب لله ابوهم، وهل احد منهم أشد لها مراساً منّي ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها انا الآن قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

قال : فقام رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين علیه السلام انا وأخي كما قال الله تعالى : ( لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي )(1)فها أنا وهذا أخي فمرنا بأمرك، فوالله لنضر بن دونك ولو حال بيننا الغضا وشوك القتاد ، قال : فقال علي : يرحمكما الله واين تقعان مما أريد» . (2)

وقال البلاذري ( ت / 279 ه-) في أنساب الأشراف»: قالوا: ودعا معاوية سفيان بن عوف بن المغفل الأزدي ثم الغامدي، فسرّحه في ستة آلاف من أهل الشام ذوي بأس وإناءة [كذا ] وأمره أن يلزم جانب الفرات الغربي حتى يأتي هيت فيغير على مسالح على وأصحابه بها وبنواحيها ، ثم يأتى الانبار فيفعل بها مثل ذلك حتى ينتهى إلى المدائن، وحذره أن يقرب الكوفة، وقال له : إن الغارة تنخب قلوبهم وتكسر حدّهم وتقوّي أنفس أوليائنا ومنتهم. فشخص سفيان في الستة آلاف المضمومين إليه، فلما بلغ أهل هيت قربه منهم قطعوا الفرات إلى العبر الشرقي كذا] فلم يجد سفيان بها أحدا، وأتى الانبار فأغار عليها، فقاتله من بها من قبل عليّ فأتى على كثير منهم، وأخذ أموال الناس، وقتل أشرس بن حسان البكري عامل عليّ، ثم انصرف. وأتى عليا ،علج ، فأخبره الخبر، وكان عليلاً

ص: 32


1- المائدة : 25 .
2- تيسير المطالب : 187 ، ط / 1395ه-.

لا يمكنه الخطبة، فكتب كتابا قرئ على الناس ، وقد أدني عليّ من السدة التي كان يخرج منها ليسمع القراءة ، وكانت نسخة الكتاب هكذا :

ما

أما بعد ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه البس ثوب الذلة، وشملة البلاء، وديث بالصغار، وسيم الخشف، ومنع النصف، وقد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وعلانية وسرا، وأمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم؛ فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليك-م ق-ول-ي، وعصيتم أمري واتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى شنّت عليكم الغارات من كل ناحية، هذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار فقتل ابن حسان البكري، وأزال مسالحكم عن مواضعها وقتل منكم رجالا صالحين. ولقد بلغني أن الرجل من أهل الشام كان يدخل بيت المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيأخذ حجلها وقلبها ورعاتها ،وقلادتها فيا عجبا عجبا يميت القلب، ويجلب الهم، ويسعر الاحزان من جد هؤلاء القوم في باطلهم ، وفشلكم عن حقكم، فقبحا وترحا حيث صرتم غرضا يرمى ، يغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله فترضون إذا قلت لكم : اغزوا عدوكم في الحر، قلتم : هذه حمارة القيظ من يغزوا فيها ؟!! أمهلنا ينسلخ عنا الحر ، وإذا قلت: أغزوهم في أنف الشتاء ، قلتم : الصر والقرّ، أفكل هذا منكم فرار من الحر والقر ؟! فأنتم والله من السيف أفر ؟! يا أشباه الرجال - ولا رجال - يا أحلام الاطفال وعقول ربات الحجال ، لوددت أني لم أركم وأن الله أخرجني من

بين أظهركم، فلقد ورّيتم صدري غيظا وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش إن ابن أبي طالب شجاع ولكنه لا علم له بالحرب. الله أبوهم وهل منهم أحد أشدّ لها مراسا ومقاساة منّي، لقد نهضت فيها وقد بلغت العشرين، فها أنا ذا قد ذرفت على الستين، ولكنه

لا رأي لمن لا يطاع ، والسلام(1)

ص: 33


1- نساب الاشراف ؛ للبلاذري : 441 .

[ الخطبة (28)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: « قوله علیه السلام: أما بعد فان الدنيا قد أدبرت ... الخ ، هذه الخطبة رواها الجاحظ في كتاب البيان والتبيين والمسعودي في مروج الذهب وابن قتيبة في كتاب عيون الاخبار مع اختلاف في بعض الفقرات ورواها صاحب كتاب إعجاز القرآن ورواها في كتاب تحف

العقول من جملة الخطبة المعروفة بالديباج ورواها ابن عبد ربه في عقده . قال الشارح العلامة هذا الفصل من الخطبة التي في اولها: «الحمد الله غير مقنوط من رحمته ... الخ) وسيجيئ بعدو إنما قدمه الرضي عليها لما سبق من اعتذاره في خطبة الكتاب انه لا يراعي النتالي والنسق في كلامه .(1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : رواها الجاحظ في البيان والتبيين [ ج 2

ص 235] الثقفي في كتاب «الغارات» [بحار الأنوار ج 17 ، ص 136] ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ج 2 ص 163]، وأبو محمد الحسن بن علي بن شعبة الحراني المتوفى 943432( م ) في تحف العقول (35) ، والقاضي أبو بكر 13403 - الباقلاني المتوفى سنة 403 (13 - 1012 م ) في إعجاز القرآن المطبوع على

ص: 34


1- مدارك نهج البلاغة : 77 .

حاشية الاتقان للسيوطي ج 1 ص 194 ، والشيخ المفيد في الارشاد (138). (انتهى ) . (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن نصر بن مزاحم المنقري في« وقعة صفّين»، وفيه: أنبأنا نصر بن مزاحم التميمي، قال عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي ، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره، قالوا: لما قدم علي بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين، وقد أعزّ الله نصره وأظهره على عدوّه، ومعه أشراف الناس وأهل البصرة، استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم، فدعوا له بالبركة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، أين تنزل ؟ أتنزل القصر ؟ فقال : لا ، ولكني أنزل الرحبة فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال: أما بعد، يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدّلُوا وتغيّروا. دعوتكم إلى الحق فأجبتم ، وبدأتم بالمنكر فغيرتم ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله في الأحكام والقسم . فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه. ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل . فأما اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. ألا إن الدنيا قد ترحلت ،مدبرة، والآخرة ترحّلت ،مقبلة، ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة. اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل . (2)

وبالاسناد عن الشيخ المفيد ( ت / 413 ه-) في الأمالي»: قال: أخبرني أبو بكر ا محمّد بن عمر الجعابي قال: حدثنا الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدثنا

ص: 35


1- راجع : استناد نهج البلاغة
2- وقعة صفّين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 3.

مسلم بن عبد الله البصري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمّد بن عبد الرحمن النهدي، قال: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني ، قال سمعت

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يقول : إني أخشى عليكم اثنتين : طول الامل واتباع الهوى. فأما طول الامل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى، فيصد عن الحق، وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، والآخرة قد جاءت مقبلة، ولكل واحدة منهما ،بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا. فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل(1)

وبالاسناد عن أبي نعيم الأصفهاني ( ت / 430 ه-)، قال: حدثنا أبو بكر الضحي ، ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ثنا عون من سلام ، ثنا ابو مريم زبيد ، عن مهاجر بن عمير، قال: قال علي بن أبي طالب ان أخوف ما أخاف : اتباع الهوى وطول الامل ... فذكر مثل ما تقدم عن المفيد وفي آخره: رواه الثوري وجماعة عن زبيد مثله عن علي مرسلاً، ولم يذكروا مهاجر بن عمير (2)

وبالاسناد عن الشيخ المفيد الثاني ابي علي الحسن بن محمّد الطوسي ( ت / 515 ه- رحمه الله ، قال : حدثنا الشيخ السعيد الوالد رحمه الله ، قال : أخبرنا محمّد بن محمّد قال أخبرني أبو بكر محمّد بن عمر بن عمر الجعابي، قال: حدثنا محمّد

بن الوليد قال : حدثنا غندر بن محمّد قال : حدثنا شعبة، عن سلمة بن جميل، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني رحمه الله ، قال : سمعت أمير المؤمنين علیه السلام يقول : إن أخوف ما أخاف عليكم طول الامل واتباع الهوى ، فأما طول الامل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق، ألا وإن الدنيا قد تولّت مديرة، والآخرة قد أقبلت مقبلة، ولكل واحدة منهما ،بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من

ص: 36


1- الأمالي ؛ للشيخ المفيد : 9392
2- حلبة الأولياء 76:1

أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا عمل(1) وبالاسناد عن الموفق الخوارزمي ( ت / 568ه-) في المناقب، قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي أخبرني

، القاضي الإمام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرني محمّد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الله علي بن عبد الله العطار ببغداد حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن سائب ، عن أبي عبد الرحمان السلمي قال: خطب علي بن أبي طالب رحمه الله بالكوفة ، فقال : ايها الناس ان اخوف ما اخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى، فاما طول الامل فينسى الآخرة ، واما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق ، ألا ان الدنيا قد ولّت مديرة والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بتون فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا، فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل(2)

وبالاسناد عن ابن عساكر (ت / 571ه-) في تاريخ مدينة دمشق»، قال أخبرنا أبو القاسم العلوي، أنا رشا بن ،نظيف، أنا الحسن بن إسماعيل، أنا أحمد بن مروان، أنا أحمد بن يوسف التغلبي ، نا ابن نمير، عن وكيع، عن عمر بن منبه ، عن أوفى بن دلهم عن علي بن أبي طالب رحمه الله أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الاخرة قد أقبلت وأشرفت

باطلاع، وإن المضمار اليوم وغدا السباق، ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيّب عمله، ألا فاعملوا الله في

ص: 37


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 117.
2- المناقب : للموفق الخوارزمی : 313.

الرغبة كما تعملون له في الرهبة ، ألا وأني لم أر كالجنة نام طالبها ولم أر كالنار نام هاربها ، ألا وأنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقم به الهدى حاربه الضلال، ألا وانكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد، ألا أيها الناس، إنما الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر ، وأنّ الاخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر ، ألا إن( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (1) أيها الناس أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فإن الله وعد جنته من أطاعه وأوعد ناره من عصاه إنها نار لا يهدأ ،زفيرها، ولا يفك ،أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرّها شديد وقعرها ،بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل(2)

وأيضاً بالاستاد عن ابن عساكر (ت / 571 ه-) في تاريخ مدينة دمشق»: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن علي

، أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي

الزجاجي، حدثني أبو عبد الله علي بن سليمان صاحب الحكيمي ،، نا علي بن حرب . ح ، وأخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو عبد الله علي بن عبد الله العطار ببغداد نا علي بن حرب الموصلي سنة ست

وستين ومائتين بالموصل.

ح، وأخبرنا أبو حفص عمر بن محمّد بن الحسن بن محمّد بن إبراهيم، أنا أبو بكر بن خلف، أنا الحاكم أبو عبد الله ، قال : سمعت أبا عبد الله علي بن عبد الله العطار صاحب الحكم ببغداد يقول : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، نا وكيع عن سفيان عن عطا بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: خطب علي بن

ص: 38


1- البقرة : 268 .
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 497 - 498 .

أبي طالب على منبر الكوفة ، وقال الشحامي بالكوفة، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ألا إن الدنيا قد ولّت مديرة والاخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الاخرة ولا تكونوا من

ابناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل . (1) وبالاسناد عن ابن عساكر قال أخبرنا أبو غالب بن البنا، أنا أبو محمد

: الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيوية وأبو بكر محمّد بن إسماعيل بن العباس ، قالا : نا يحيى بن محمّد بن صاعد ، أنا الحسين بن الحسن بن حرب، أنا عبد الله بن المبارك، أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زبيد اليامي، عن رجل من بني عامر ، قال : قال علي بن أبي طالب : إنما أخشى عليكم اثنتين : طول الأمل واتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الآخرة ، وإن اتباع الهوى يصد عن الحق، وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة والاخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.(2) وبالاسناد عن ابن عساكر، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع، أنا أبو الفضل

العباس بن محمّد

بن عبد الواحد الرازي وسليمان بن إبراهيم بن محمّد ومحمّد بن أحمد بن محمّد بن هارون وأحمد بن عبد الرحمن بن محمّد الذكواني وسهل بن عبد الله بن علي وعبد الرزاق بن عبد الكريم بن عبد الواحد، وأخبرنا أبو محمّد بن طاوس نا سليمان بن إبراهيم قالوا نا محمّد بن إبراهيم بن جعفر أملاء، أنا محمّد بن الحسين بن الحسن، نا علي بن الحسن الدرابجردي نا عبيد الله بن موسى، أنا إسماعيل بن زبيد ، قال : قال علي : إنما أخاف عليكم خصلتين :

ص: 39


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 495
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 495 .

طول الأمل واتباع الهوى ، فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق، وإن الدنيا قد ترجّلت مديرة وإن الآخرة قد قربت مقبلة، ولكل واحدة منهما ،بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل(1)وبالاسناد عن العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن مناقب ابن الجوزي ( ت / 597(ه-) مانصه : خطبة وتعرف بالبالغة ، روى ابن أبي ذئب، عن أبي صالح العجلي قال شهدت أمير المؤمنين رحمه الله كرم الله وجهه وهو يخطب، فقال بعد أن حمد الله تعالى وصلى على محمّد رسوله صلی الله علیه و آله وسلم: أيها الناس، إن الله أرسل إليكم رسولا ليزيح به علتكم ويوقظ به غفلتكم ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل ، أما اتباع الهوى فيصدّكم عن الحق، وأما طول الامل فينسيكم الآخرة.

ألا وإن الدنيا قد ترجّلت مدبرة وإن الآخرة قد أقبلت مقبلة، ولكل واحد منهما

بنون فكونوا من أبناء الاخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فان اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، واعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت، ومحاسبون على أعمالكم ومجازون بها فَلا تَغُرُنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرْتُكُم بالله الْغَرُورُ (2) ، فانها دار بالبلاء محفوفة وبالعناء والغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال ، لا تدوم أحوالها ، ولا يسلم من شرها نزالها، بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم في بلاء وغرور، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم أهلها فيها أهداف وأغراض مستهدفة، وكل فيها حتفه

مقدور وحظه من نوائبها موفور، وأنتم عباد الله على محجة من قد مضى، وسبيل

ص: 40


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 : 495
2- لقمان : 33 .

من كان ثم انقضى ممن كان أطول منكم أعمارا، وأشد بطشا وأعمر ديارا أصبحت أجسادهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور

المشيدة، والنمارق الموسدة بطون اللحود ومجاورة اللدود في دار ساكنها مغترب ومحلّها مقترب بين قوم مستوحشين متجاورين غير متزاورين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل، وقد طحنتهم البلى، وأظلتهم الجنادل والثرى. فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد غضارة العيش رفاتا. قد فجع بهم الاحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب وتمنوا الرجوع فحيل بينهم وبين ما

يشتهون(1)(كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (2).

وقد أخرج أبو نعيم طرفا من هذه الخطبة في كتابه المعروف بالحلية (3)وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال ، عن على أنه خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد! فان الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع وإن المضمار اليوم وغدا السباق، ألا! وإنكم في أيام أمل ، من ورائه أجل، فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله ، ألا ! فاعملوا الله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة، ألا وإني لم أر

! كالجنة نائم ،طالبها، ولم أر كالنار نائم هاربها ، ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضرّه الباطل، ومن لم يستقم به الهدى جار به الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد ، الا أيها الناس إنما الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر

L

ص: 41


1- اقتباس من قوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) ( سبأ : 54 ) .
2- المؤمنون: 100 .
3- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 74: 295 .

وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر ألا إن( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ

! وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعُ عَلِيمٌ ) (1) أيها الناس !

أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فان الله تبارك وتعالى وعد جنّته من أطاعه، ووعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ ،زفيرها، ولا يفك أسيرها ، ولا يجبر کسیرها حرّها شديد وقعرها بعيد وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل . (الدينوري، كر ) (2)

وأيضاً : عن علي علیه السلام قال : إنما أخشى عليكم من اثنتين : طول الامل، واتباع الهوى، فان طول الأمل ينسي الآخرة، وإن اتباع الهوى يصّد عن الحق ، وإن الدنيا قد ارتحلت مديرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما ،بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل (ابن المبارك ، حم في الزهد ، وهناد وابن أبي الدنيا وفي قصر الامل، حل ق في الزهد، كر ) (3)

ص: 42


1- البقرة : 268
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 16 : 202 ، ح 4422 .
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 3: 818، ح 8856

[ الخطبة ( 29)]

قال كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج مانصّه : « ذكرت هذه الخطبة في كتاب البيان والتبيين مع اختلاف وزيادة ، وروى بعض فقراتها ابن قتيبة وروى قسما منها في مطالب السؤل ورواها في العقد الفريد مع اختلاف يسير وقال الشارح هذه الخطبة خطب بها امير المؤمنين في غارة الضحاك بن قيس » .(1)وقال العرشي في التخريج مانصه : الخطبة الثامنة والعشرون ، يعاتب فيها أمير المؤمنين علیه السلام أتباعه فيقول: «أيها الناس ، المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت وكيت، فاذا جاء القتال قلتم : حيدي حياد ... الى آخره . [ج 1 69] رواها الجاحظ في البيان والتبيين[ ج 1 ص 171] ، وابن قتيبة في الامامة والسياسة (142) ، والكليني في كتابه ابن أبي الحديد [ج 1 ص 85]، وابن عبد ربه في العقد الفريد [ج 2 ص 164] ، والشيخ المفيد في الارشاد ،[185]، وشيخ

ص

الطائفة في الأمالي [113] (انتهى). (2)

ص: 43


1- مدارك نهج البلاغة : 78 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

قال الجلالي وردت مقاطع من النص في رواية الاسكافي (ت / 240) في

المعيار والموازنة ص 99 ، ط / 1402 مرسلاً.

وروى البلاذري ( ت / 279 ه-) في أنساب الأشراف»، قال: وحدثني عباس

بن هشام، عن أبيه ، عن أبي مخنف، عن الحرث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن جندب بن عبد الله الازدي: ان عليا خطبهم حين استنفرهم إلى الشام بعد النهروان، فلم ينفروا فقال:

أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة قلوبهم وأهواؤهم، ما عزّت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهن الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم عدوّكم ، إذا دعوتكم إلى الجهاد قلتم كيت وكيت وذيت ،وذيت أعاليل بأباطيل، وسألتمونى التأخير، فعل ذي الدين المطول، حيدي حياد، لا يدفع الضيم ،الذليل ولا يدرك الحق إلا بالجد والعزم واستشعار الصبر أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ ، المغرور - والله من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الاخيب، أصبحت لا أطمع في نصركم ولا أصدق قولكم فرّق الله بيني وبينكم وأبدلني بكم من هو خير لي منكم. أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة، فيفرق جماعتكم ويبكي عيونكم ويدخل الفقر بيوتكم، وتتمنون عن قليل أنكم رأيتموني فنصر تموني ، فستعلمون حق ما أقول لكم ، ولا يبعد الله إلا من ظلم وأثم .(1)

وبالاسناد عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 281 ه-) في «الغارات»: عن أبي

،مسلم قال سمعت عليا علیه السلام يقول : لولا بقية المسلمين لهلكتم. وعن اسماعيل بن رجاء الزبيدي أن عليا علیه السلام خطبهم بعد هذا الكلام، فقال بعد

أن حمد الله وأثنى عليه

ص: 44


1- أنساب الاشراف :2 380

أيها الناس المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم، ما عزّ من دعاكم ولا استراح

من قاساكم ، كلامكم، يوهن الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم ان قلت لكم : سيروا إليهم في الحر ، قلتم أمهلنا ينسلخ عنا الحر ، وان قلت لكم سيروا

: الشتاء ، قلتم : أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد فعل ذي الدين المُطول، من فاز بكم فاز بالسهم الاخيب، أصبحت لا اصدق قولكم ، ولا أطمع في نصركم، فرّق الله بيني وبينكم، أي دار بعد داركم تمنعون ؟! ومع أي امام بعدي تقاتلون ؟! أما إنكم ستلقون بعدي أثرة يتخذها عليكم الضلال سنة، وفقرا يدخل بيوتكم، وسيفا قاطعا، وتتمنون عند ذلك أنكم رأيتموني وقاتلتم معي وقتلتم دوني وكأن قد. (1) عن الاعمش، عن ابن عطية ، قال : قال لهم علي علیه السلام: إن بالكوفة مساجد مباركة ومساجد ،ملعونة ، فأما المباركة فإن منها مسجد غني وهو مسجد مبارك، والله إن قبلته القاسطة، ولقد أسسه رجل مؤمن، وإنه لفي سرّة الارض، وإن بقعته لطيبة ، ولا تذهب الليالي والأيام حتى تنفجر فيه عين وحتى تكون على جنبيه جنتان وأهله ملعونون، وهو مسلوب منهم، ومسجد جعفي مسجد مبارك وربما اجتمع فيه اناس من الغيب يصلون فيه ومسجد ابن ظفر مسجد مبارك، والله إن اطباقه لصخرة خضراء ما بعث الله من نبي إلا فيها تمثال وجهه وهو مسجد السهلة ومسجد الحمراء وهو مسجد يونس بن متّي علیه السلام ولتنفجرن فيه عين تظهر على السبخة وما حوله.

وأما المساجد الملعونة : فمسجد الاشعث بن قيس ، ومسجد جرير بن عبد الله البجلي ، ومسجد ثقيف، ومسجد سماك بني على قبر فرعون من الفراعنة فكانت غارة معاوية في أداني الكوفة».(2)

ص: 45


1- كذا في الغارات والعبارة كماترى غير تامة
2- كذا في الغارات .

وعن ثعلبة بن يزيد الحماني أنه قال: بينما أنا في السوق إذ سمعت مناديا ينادي: الصلاة جامعة، فجئت أهرول والناس يهرعون، فدخلت الرحبة، فإذا لي على علیه السلام منبر من طين مجصص وهو غضبان قد بلغه أن ناسا قد أغاروا

عد بالسواد فسمعته يقول : أما ورب السماء والارض ثم رب السماء والارض، إنه لعهد النبي صلی الله علیه و آله وسلم الّاإلى أن الامة ستغدر بي. (1)

إلى وبالاسناد عن الشيخ الطوسي (ت / 460 ه-) في «الأمالي»: أخبرني جماعة عن أبي عبيد الله محمّد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمّد بن موسى، قال: حدثنا محمّد بن سهل، قال: أخبرنا هشام، قال حدثني أبو مخنف، قال: حدثني الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق، عن جندب بن عبد الله الازدي، قال: قام علي بن أبي طالب علیه السلام في الناس ليستنفرهم إلى أهل الشام، وذلك بعد انقضاء المدة التي كانت بينه وبينهم، وقد شن معاوية على بلاد المسلمين الغارات فاستنفرهم بالرغبة في الجهاد والرهبة فلم ينفروا ، فأضجره ذلك فقال : أيها الناس المجتمعة ،أبدانهم المختلفة ،أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم كلامكم يوهن الصم الصلاب وتثاقلكم عن طاعتي يطمع فيكم عدوكم، إذا أمرتكم قلتم كيت وكيت وليت وعسى أعاليل أباطيل وتسألوني التأخير دفاع ذي الدين المُطوِل هيهات هيهات لا يدفع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصبر . أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟! المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز بكم فاز بالسهم الاخيب أصبحت لا أطمع فى نصر تكم، ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو خير لي منكم. أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، وسيفا قاطعا وأثرة يتخذها الظالمون فيكم

ص: 46


1- الغارات ؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 3 : 488 482

سنة، تفرق جماعتكم، وتبكي عيونكم ، وتتمنون عما قليل أنكم رأيتموني فنصر تموني، وستعرفون ما أقول لكم عما قليل، ولا يبعد الله إلا من ظلم. قال: فكان جندب لا يذكر هذا الحديث إلا بكى وقال صدق والله أمير

المؤمنين علیه السلام، قد شملنا الذل ، ورأينا الاثرة ، ولا يبعد الله إلا من ظلم(1) وبالاسناد عن ابن عساكر ( ت / 571 ه-) في تاريخ مدينة دمشق»: أخبرنا أبو عبد الله الحسین بن محمّد بن خسروا البلخي، أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب، أنا أبو علي بن شاذان أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن بنخاب الطيبي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي ، نا أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي، حدثني أبو داود، نا أبو معاوية، عن عمر بن حسان البرجمي ، عن خباب بن عبد الله : أن معاوية بعث خيلا فأغارت على هيت والأنبار فاستنفر علي الناس فابطأوا وتثاقلوا فخطبهم ، فقال : أيها الناس المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم ، فإذا دعوتكم إلى المسير أبطأتم وتثاقلتم

وقلتم كيت وكيت ، أعاليل أباطيل، وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المُطول حيدي حياد ، لا يمنع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصدق فأي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه ومن قاربكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحتم والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم، فرّق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم، وأعقبكم مني من هو شر لكم منّي، أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثا : ذلا شاملا، وسيفا قاطعا ، وأثرة قبيحة يتخذها فيكم الظالمون سنة، فتبكي لذلك أعينكم، ويدخل الفقر بيوتكم وستذكرون عند تلك المواطن فتودون أنكم رأيتموني وهرقتم دماءكم دوني

ص: 47


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 181 180

ولا يبعد الله إلا من ظلم، والله لوددت أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم عشرة منكم برجل من أهل الشام .

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين علیه السلام إنا وإياك كما قال الأعشى :

علقتها عرضا وعلقت رجلا ***غيري وعلق أخرى غيرها الرجل

علقنا بحبك وعلقت أنت بأهل الشام وعلق أهل الشام معاوية .(1)

ص: 48


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر .1 : 321 320

[ الخطبة (30)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما رواه محمد بن عبدالله الاسكافي ت / 220 ه-) مرسلاً في ( المعيار والموازنة» بعنوان : خطبة أمير المؤمنين علیه السلام لما أخبره أكابر أصحاب رسول الله علیه السلامبأن طلحة والزبير التقيا ببني أمية ممن كان منهم بمدينة، فأجمع رأيهم على نقض بيعتك، قال الاسكافي: وذكروا أن عليا علیه السلام لما قسم بيينهم بالسوية ، وأعطى الأسود والاحمر عطية ،واحدة أنكر ذلك من قوم ووجدوا من ذلك، ومشى بعضهم إلى بعض بالعتب والطعن فبلغ ذلك أصحابه من المهاجرين والانصار، فاجتمع أبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وعمار بن ياسر ، ورفاعة بن رافع ، وأبو حية وخالد بن زيد وسهل

فعله

بن حنيف، فتشاوروا، فاجتمع رأيهم على أن يركبوا إلى علي بن أبي طالب ويخبروه أن طلحة والزبير ومن كان من بني أمية بالحجاز قد اجتمع رأيهم واشتملت عداوتهم، وهم مصرّون على أمر لا نأمنهم عليه . فركبوا إلى علي بن أبي طالب علیه السلام، فقالوا: يا أمير المؤمنين علیه السلام انظر في أمرك، وعاتب قومك هذا الحي من ،قريش، فإنهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك ، وقد دعونا في السر إلى رفضك، هداك الله لرشدك، وذلك لانهم فقدوا الأثرة، وكرهوا الاسوة، فلما

ص: 49

استتب بينهم وبين الاعاجم، أنكروا ، واستشاروا عدوك ، فاجتمع رأيهم على أن

يطلبوا بدم ،عثمان، فرقة للجماعة ، وائتلافا لاهل ..الجهالة فرأيك

فأقبل علي راكبا بغلة رسول الله الشهباء، فدخل المسجد ، فركب المنبر مغضبا وعليه عمامة خز ،سوداء، مرتديا ،بطاق، متز را ببرد قطري متوشحا سيفا، متوكنا على قوس، فقال:

أما بعد، أيها الناس، فإنا نحمد الله ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا، الذي أصبحت

نعمه علينا ظاهرة وباطنة بغير حول منا ولاقوة إلا امتنانا علينا، وفضلا ليبلونا أنشكر أم نكفر ، فمن شكر زاده ومن كفر عذبه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا وأشهد أن محمّدا عبده

. ورسوله، بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والانعام نعمة أنعم به علينا ومنا

وفضلا علیه السلام.

فأفضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم شرفا، وأقربهم من رسول الله قربا، وأعظمهم عند الله خطرا، أطوعهم لامر الله ، وأعلمهم بطاعة الله، أعملهم وأتبعهم لسنة رسول الله علیه السلام ، وأحياهم لكتاب الله ، فليس لاحد ممن خلق

الله عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة نبيه علیه السلام. هذا كتاب الله بين أظهركم، وعهد نبي الله وسيرته فينا لا يجهلها إلا جاهل معاند عن الحق، يقول الله في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (1) فمن أتقى فهو الشريف المكرم المحب . وكذلك أهل طاعة الله وطاعة رسوله، لقول الله في كتابه: (إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ (2) الآية . ويقول الله : ( أَطِيعُوا الله

ص: 50


1- الحجرات : 13 .
2- آل عمران: 31

وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلُّوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ )(1) .

ثم صاح بأعلى صوته يا معشر المهاجرين، يا معشر الانصار، يا معشر المسلمين أتمنّون على الله ورسوله بإسلامكم ؟ والله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين. ثم نادى : ألا إنه من استقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمّدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن، وأقسام الاسلام، ليس لاحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأوليائه وأحبابه الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون. ثم قال: ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تطلبونها، وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دعيتم إليه. ألا وإنها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها، ولا تغرنكم فقد حذرتموها، ووصفت لكم وجربتموها، فأصبحتم لا تحمدون عواقبها . فسابقوا إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها ، فهي العامرة التي لا تخرب أبدا والباقية التي لا تنفد ، وهي التي رغبكم الله فيها، ودعاكم إليها، وجعل لكم الثواب فيها. فانظروا يا معشر المهاجرين والانصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله وجاهدتم عليه قيم فضلتم ؟ أبحسب أو نسب ؟ أو بعمل وطاعة ؟ فاستتموا نعم الله عليكم - يرحمكم الله بالصبر لانفسكم على طاعة الله، والذل لحكم الله والمسارعة في رضوان الله والمحافظة على ما استحفظكم الله من كتابه ألا وإنه لا وإنه لا يضركم تضييع شي من دنياكم بعد حفظكم وصية رسول الله علیه السلام. ألا وإنه لا ينفعكم شي حافظتم عليه من دنياكم بعد تضييع ما أمرتم به من التقوى. عليكم عباد الله بتقوى الله والتسليم لامره والرضا بقضائه والصبر على بلائه. فأما هذا الفئ، فليس لاحد على أحد فيه أثره، قد فرغ الله من قسمه

ص: 51


1- آل عمران: 32، وفي النسخ: «فإن تولّيتم ....»

فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون. وهذا كتاب الله به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا ، وعهد نبينا علیه السلام بين أظهرنا فسلّموا رحمكم الله لأمر الله، فمن لم يرض بهذا فليتبوأ حيث شاء وكيف شاء، فإن العامل بطاعة الله، والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه، أولئك حزب الله، لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، وأولئك هم المفلحون(1).

نسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته، وأن يجعل رغبتنا

ورغبتكم فيما عنده ، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

ثم نزل عن المنبر وصلى ركعتين، وبعث بعمار إلى طلحة والزبير وهما في ناحية من المسجد ، فقاما فجلسا ،إليه ، فقال لهما : أنشدكما الله ، هل جئتماني تبايعاني طائعين، ودعوتماني إليها وأنا كاره ؟ قالا: أللهم نعم قال: غير مجبورين ولا مقسورين فأسلمتمالي بيعتكما ، وأعطيتماني عهد كما ؟ قالا : اللهم نعم . فقال : علي : الحمد لله رب العالمين على ذلك . ثم قال لهما فما عدا مما بدا ؟ قالا: أعطيناك بيعتنا على أن لا تقطع الامر دوننا وأن تستشيرنا في الأمور ، ولا تستبد بها عنا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ! فأنت تقسم القسوم، وتقطع الامور وتمضي الاحكام بغير مشاورتنا ولا رأينا ولا علمنا .

فقال علي : لقد نقمتما يسيرا ، وأرجئتما كثيرا، استغفر الله لي ولكم. ثم قال لهما : ألا تخبراني أفي شي لكما فيه حق دفعتكما عنه ؟ أم في قسم استأثرت به عليكما ؟ قالا : معاذ الله . قال : ففي حق رفعه إلى أحد من المسلمين ضعفت عنه أو جهلته ، أو حكم أخطأت فيه ؟ قالا: اللهم لا قال ففي أمر

دعوتماني إليه من أمر عامة عامة المسلمين فقصرت عنه وخالفتكما فيه ؟ قالا: اللهم لا . قال : فما الذي كرهتما من أمري ونقمتما من تأميري ورأيتما من

ص: 52


1- اقتباس من قوله تعالى : ( أُولئِكَ حِزب الله أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (المجادلة : 23).

خلافي ؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب وأثمتنا وحقنا في الفئ جعلت حقنا في الاسلام كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من أفاء الله به علينا بسيوفنا ورماحنا واوجفنا عليه بخيلنا وظهرت عليه دعوتنا ، وأخذناه قسرا ممن لم يأتوا الاسلام إلا كرها . فقال : علي - رحمة الله عليه - الله أكبر الله أكبر، اللهم إني أشهدك عليهما، وأشهد من حضر مجلسي هذا اليوم عليهما. ثم قال : أما ما احتججتما به علي من أمر الاستشارة، فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولا لي فيها محبة ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، وأنا كاره فخفت أن تختلفوا وان أردكم عن جماعتكم . فلما أفضت إلى نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمر بالحكم فيه وما قسم واستن النبي علیه السلام فأمضيته واتبعته، فلم أحتج إلى رأيكما ولا دخولكما معي ، ولا غيركما، ولم يقع حق جهلته فأثق ،، برأيكما فيه وأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما إذا كان أمر ليس في كتاب الله بيانه وبرهانه، ولم يكن فيه سنة من

نبينا ولم يمض فيه أحكام من إخواننا ممن يقتدى برأيه ويرضى بحكمه. وأما ما ذكرتما من الاسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ولم أقسمه ، قد وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله علیه السلام قسما قد فرغ الله من قسمته وأمضى فيه حكمه . وأما قولكم جعلت لهم فيئنا وما أفاءت رماحنا وسيوفنا، فقدما ما سبق إلى الاسلام قوم لم يضرهم في شي من الاحكام إذا استؤثر عليهم ، ولم يضرهم حين استجابوا لربهم والله مو فيهم يوم القيامة أعمالهم. ألا وإنا مجرون عليهم أقسامهم فليس لكما والله عندي ولا لغير كما في هذا عتبا. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر . ثم قال: رحم الله رجلا رأى حقا فأعان عليه، أو رأى جورا ،فرده، وكان عونا للحق على صاحبه .(1)

ص: 53


1- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي : 109 - 114

[ الخطبة (31)]

قال العرشي في التخريج مانصه : «لاتلقين طلحة ، فانك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه، يركب الصعب ويقول : هو الذلول[ ج 1 ص 72] رواه ابن قتيبة في [ج

«[190

عيون الأخبار[ج 1 ص 195] .(1)

قال ابن أبي الحديد ( ت / 656ه-) مانصه : وروى جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه، عن جدّه علیهم السلام، قال: سألت ابن عباس رضی الله عنه عن ذلك، فقال: إني قد أتيت الزبير، فقلت له ، فقال : قل له إني أريد ما تريد - كأنه يقول : الملك - لم يزدني على ذلك . فرجعت إلى على علیه السلام فأخبرته .

وروی محمّد بن إسحاق والكلبي، عن ابن عباس رضی الله عنه، قال : قلت الكلمة للزبير

فلم یزدني على أن قال: قل له إنا مع الخوف الشديد لنطمع. :قال وسئل ابن عباس عمّا يعنى بقوله هذا ، فقال : يقول : إنا على الخوف

لتطمع ن نلى من الأمر ما وليتم.

وقد فسره قوم تفسيراً آخر، وقالوا أراد إنا مع الخوف من الله ، لنطمع أن يغفر

لنا هذا الذنب.

ص: 54


1- راجع استناد نهج البلاغة .

قلت :وعلى كلا التفسيرين لم يحصل جواب المسألة(1)1)

أصحابنا، عن

وبالاسناد عن العلامة المجلسي في بحار الأنوار، عن الكافي، باسناده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعدة من ، عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعا عن الحسن بن محبوب عن يعقوب السراج، عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام وبأسانيد مختلفة عن الاصبغ بن نباتة، قال: خطبنا أمير المؤمنين في داره - أو قال في القصر - ونحن مجتمعون ثم أمر صلوات الله عليه فكتب في كتاب وقرى على الناس. وروى غيره أن ابن الكوا سأل أمير المؤمنين علیه السلام عن صفة الاسلام والايمان والكفر والنفاق فقال : أما بعد فان الله تبارك وتعالى شرع الاسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه لمن جار به وجعله عزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله

وهدى لمن انتم ،به وزينة لمن تجلله ، وعذرا لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلا لمن استمسك به وبرهانا لمن تكلم به ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به وفلجا لمن حاج به، وعلما لمن وعاه ، وحديثا لمن روى، وحكما لمن ،قضى وحلما لمن جرّب، ولباسا لمن تدبر (2) ، وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن ،عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن صدق، وتؤدة لمن أصلح، وزلفى لم اقترب وثقة لمن توكل، ورجاء لمن فوض وسبقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن ،رشد وكهفا لمن آمن ، وأمنة لمن أسلم، ورجاء لمن صدق، وغنى لمن قنع. فذلك الحق سبيله الهدى، ومأثرته المجد، وصفته الحسنى، فهو أبلج المنهاج مشرق المنار، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع

ص: 55


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 166 ؛
2- في نسخة النهج : ( وليا لمن تدبر ) وهو الصحيح ، وبين النسخ كما سيأتي من المصنف اختلافات .

السبقة أليم النقمة كامل العدة كريم الفرسان فالايمان منهاجه والصالحات مناره والفقه ،مصابيحه والدنيا ،مضماره والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى ،عدته، والمحسنون ،فرسانه فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار والنار موعظة للمتقين، والتقوى سنخ الايمان(1)

وبالاسناد عن العلامة المجلسي في بحار الأنوار، عن الكافي، بالاسناد المتقدم (2) ، عن أبي جعفر علیه السلام، قال : سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن الايمان فقال : إن

الله عزوجل جعل الايمان على أربع دعائم على الصبر واليقين، والعدل والجهاد. فالصبر من ذلك على أربع شعب على الشوق، والاشفاق، والزهد، و الترقب ، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق عن النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات واليقين على أربع شعب تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، ومعرفة العبرة وسنة الأولين فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما كان مع الأولين واهندى إلى التي هي أقوم، ونظر إلى من نجا بما نجا، ومن هلك بما هلك ، وإنما أهلك الله من هلك هلك بمعصيته، وأنجا من أنجا بطاعته والعدل على أربع شعب غامض الفهم وغمر العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرط في أمره ، وعاش في الناس حميدا. والجهاد على أربع شعب على الأمر بالمعروف والنهي عن

ص: 56


1- الكافي 2 : 49 -50.
2- في المصدر : بالاسناد الأول، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام

المنكر، والصدق في المواطن وشنآن ،الفاسقين فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، وأمن كيده، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين غضب الله ، ومن غضب الله غضب الله له فذلك الايمان ودعائمه و شعبه (1)

وبالاسناد عن العلامة المجلسي في بحار الأنوار، عن أمالي المفيد باسناده عن المرزباني، عن أحمد بن سليمان الطوسي، عن الزبير بن بكار، عن عبد الله بن وهب، عن السدي، عن عبد خير، عن جابر الاسدي ، قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فسأله الايمان فقام علیه السلام خطيبا فقال: الحمد الله عن الذي شرع الاسلام ... وساق نحوه إلى قوله : غضب الله ، ومن غضب الله تعالى فهو مؤمن حقا، فهذه صفة الايمان ودعائمه، فقال له السائل : لقد هديت يا أمير المؤمنين وأرشدت ، فجزاك الله عن الدين خيراً».(2)

ص: 57


1- الكافي 2 : 50 و 50 .
2- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 69: 350 - 352 عن أمالي المفيد : 170 ، أمالي الطوسي 1 : 35 راجع : تحف العقول: 158

[الخطبة (32)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: «قوله علیه السلام: أيها الناس إنا قد أصبحنا ... الخ» نسبت الى معاوية وهي من كلامه علیه السلام كما نصّ على ذلك الشريف الرضي وعمرو بن بحر الجاحظ (1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : «وقد ذكرناها في بداية المقال عند ذكر مصادر الكتاب، ورواها الجاحظ في البيان والتبيين ج 1 ص 172] وابن قتيبة في عيون الأخبار [ج 2 ص 237] ، وابن عبد ربه في العقد الفريد [ج 2 ص 172] ، ورواها الباقلاني في إعجاز القرآن [ج 1 ص 197] عن شعيب بن صفوان، عن معاوية رضی الله عنه» . (انتهى)(2)

وقال حفظه الله في استناد نهج البلاغة : « والخطبة موجودة في البيان والتبيين

[ج ج 1 ص 172] مع نقد الجاحظ كما أشار إليه جامع نهج البلاغة(3) والجاحظ شخصية شهيرة في الأدب العربي، واسمه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

ص: 58


1- مدارك نهج البلاغة : 32 .
2- راجع استناد نهج البلاغة
3- راجع منتخبات البيان والتبيين ، للثعالبي : 110.

،المعتزلي، وتوفي في شهر محرم 255ه-(1) [868م ].(2)

قال الجلالي: تقدم البحث عن هذه الخطبة في المقدمة، ومن الغريب جداً عدّ الاستاذ العرشي حفظه الله هذا الكتاب من مصادر الرضي، مع انه ليس كذلك، بل هو من مراجع الرضي، والفرق : أن المصدر هو ما يعتمد عليه في الرواية، بينما المرجع هو ما يرجع إليه في الرأي، وكتاب التبيان والتبيين ليس من الأول بل من الثاني كما يظهر ذلك من المقارنة الاتيّ شرت اليها في فهرس التراث فليراجع .(3)

ص: 59


1- تاریخ بغداد 12 : 220 والكامل لابن الأثير :7 77 واليافعي 2: 162 ، وفي شذرات الذهب (121:2) انه توفي سنة 250ه-
2- راجع استناد نهج البلاغة : المقدمة .
3- راجع فهرس التراث 1: 75 .

[ الخطبة (33)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله رضی الله عنه: انّ الله بعث محمّداً ... الى آخره . روي هذه الخطبة الشيخ في الارشاد مع زيادة بيتين من الشعر في آخرها، وتوجد في النهج الذي عليه شرح ابن أبي الحديد زيادة [ والله ما تنقم

منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فادخلناهم في حيّزنا فكانوا كما قال الاول:

أدمت لعمري شريك المحض صابحاً*** وأكلك بالزبد المقشرة التمرا

ونحن وهبتاك العلا ولم تكن ***علياً وحطنا حولك الجرد والسمرا

ولا توجد هذه الزيادة في النهج الذي عليه شرح العلامة ابن ميثم ، ولا في الذي

عليه شرح الشيخ محمد عبده، ولا في نسخة رأيناها مطبوعة في ايران (1)وقال العرشي في التخريج مانصه : «الخطبة الثانية والثلاثون وهي التي أوردها الجامع في محل آخر برواية مختلفة ( الخطبة 100) : ثم قال : رواها الشيخ المفيد في الارشاد ( ص 144)) . (انتهى) (2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ المفيد

ص: 60


1- مدارك نهج البلاغة : 78 .
2- راجع استناد نهج البلاغة.

ت / 413 ه-) في الارشاد، قال: ولما توجّه أمير المؤمنين علیه السلام إلى البصرة، نزل الربذة فلقيه بها آخر ،الحاج، فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو في خبائه . قال ابن عباس رحمة الله عليه فأتيته فوجدته يخصف نعلا، فقلت له : نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصنع، فلم يكلمني حتى فرغ من نعله ثم ضمها إلى

صاحبتها ، ثم قال لي قومها، فقلت ليس لها قيمة قال : على ذاك قلت كسر

درهم، قال: والله لهما أحب إلي من أمركم هذا ، إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا، قلت: إن الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك، فتأذن لي أن أتكلم ، فإن كان حسنا كان منك ، وإن كان غير ذلك كان منّي ، قال : لا ، أنا أتكلم. ثم وضع يده في صدري - وكان ششن (1) الكف - فآلمني ، ثم قام ، فأخذت بثوبه فقلت: نشدتك الله والرحم قال لا تنشدني ، ثم خرج، فاجتمعوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله بعث محمّد صلی الله علیه و آله وسلم وليس فى العرب أحد يقرأ كتابا ولا يدعي

نبوة، فساق الناس إلى منجاتهم، أم والله ما زلت في ساقتها ما غيرت ولا خنت حتى تولت بحذافيرها . ما لي ولقريش أم والله لقد قاتلتهم كافرين ولا قاتلنهم مفتونين، وإن مسيري هذا عن عهد إلي فيه. أم والله لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته. ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا وأنشد:

ودمت لعمري شربك المحض خالصا ***وأكلك بالزبد المقشرة البجر (2)

وتحن وه-يناك العلاء ولم تكن*** عليّا وحطنا حولك الجرد والسمر (3)

ص: 61


1- ششن كفه : أي خشنت و غلظت الصحاح - ششن - 2142 : 5.
2- المقشرة الرطب المقشر ، والبحر : جمع بجراء، وهي المنتفخة البطن، يعني التمر الجيد الكبار . أنظر لسان العرب - بجر (4:40 )
3- الارشاد ؛ للشيخ المفيد 1: 247 . والجرد والسمر : يعني الخيل .

[ الخطبة ( 34)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: أف لكم، لقد سئمت عتابكم ... الخ. روى الطبري شيئاً منها ، وقال الشارح الفاضل: إن قوله : أنت فكن ذاك ، وردت الرواية بانه خاطب بذلك الاشعث بن قيس ؛ ثم قال: إن أمير المؤمنين علیه السلام خطب بهذه الخطبة بعد فراغه من أمر الخوارج»(1) قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الطبري في تاريخه [ج 6 ص 51]

باختلاف بسيط . (انتهى)(2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما رواه البلاذري (ت / 279ه-) في أنساب الأشراف، قال ما لفظه: «قالوا: وأمر علي علیه السلام الناس بالرحيل من لنهروان فقال لهم: إنّ الله قد أعزكم وأذهب ما كنتم تخافون عنكم فامضوا من وجهكم هذا إلى الشام .

فقال الاشعث بن قيس : يا أمير المؤمنين نفذت سهامنا وكلّت سيوفنا ونصلت

يا رماحنا، فلو أتينا مصرنا حتى نريح ونستعد ثم نسير إلى عدونا فركن الناس إلى

ص: 62


1- مدارك نهج البلاغة : 78 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة

ذلك، وكان الاشعث طنيناً(1) وسماه علي : عرف النار.

:قالوا وسار علي حتى أتى المدائن ثم مضى حتى نزل النخيلة، وجعل أصحابه يدخلون الكوفة حتى بقي في أقل من ثلاثماءة، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وقد

بطل عليه ما دبر من اتيان الشام قاصدا إليها من النهروان، فخطب الناس فقال :

أيّها الناس استعدّوا للمسير إلى عدوكم ففي جهاده القربة إلى الله ودرك الوسيلة عنده ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ (2) وتوكّلوا على الله

وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.

فلم يصنعوا شيئا، فتركهم أياما حتى إذا يئس منهم خطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلی الله علیه و آله وسلم ثم قال : يا عباد الله ما بالكم إذا أمرتكم أن تنفروا في سبيل الله انا قلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلا، وبالذل والهوان من العز والكرامة خلفا أكلّما دعوتكم إلى الجهاد دارت أعينكم في رؤوسكم كأنكم من الموت في سكرة، وكأن قلوبكم قاسية، فأنتم أسود الشرى عند الدعة، وحين تنادون للبأس ثعالب روّاغة، تنتقص أطرافكم فلا تتحاشون، ولا ينام عدوكم عنكم وأنتم غفلة ساهون. إن لكم عليَّ حقا، وإن لي عليكم حقا ، فأمّا حقكم فالنصيحة لكم ما نصحتم، وتوفير فيئكم عليكم، وأن أعلمكم كيلا تجهلوا، وأؤدّبكم كيما تعلموا وأما حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح في

المغيب والمشهد، والاجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين أمركم . (3)

وروى ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 284ه-) في «الغارات»، قال: حدثنا ،محمّد قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ابراهيم قال حدثنا ابراهيم بن عمرو بن

ص: 63


1- أي رفيع الصوت، فسمع الناس قوله هذا فركنوا إليه .
2- الأنفال : 60.
3- انساب الاشراف ؛ للبلاذري 2 : 379 - 380

المبارك البجلي ، قال : حدثني أبي، عن بكر بن عيسى ، قال : حدثني مالك بن ،أعين عن زيد بن وهب أن عليا قال للناس - وهو أول كلام له بعد النهروان وامور الخوارج التي كانت - فقال :

يا أيها الناس استعدوا إلى عدوٌّ في جهادهم القربة من الله وطلب الوسيلة إليه، حيارى عن الحق لا يبصرونه ، وموزعين بالكفر والجور لا يعدلون به جفاة عن الكتاب نكب عن الدين يعمهون فى الطغيان، ويتسكعون فى غمرة الضلال فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.

الدعة

قال: فلم ينفروا ولم ينتشروا ، فتركهم أياما حتى أيس من أن يفعلوا، فدعا رؤوسهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم وما الذي يثبطهم، فمهنم المعتل ومنهم المنكر ، وأقلهم النشيط ، فقام فيهم ثانية فقال : عباد الله، ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة ثوابا ؟ وبالذل والهوان من العز خلفا ؟! أو كلما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة يرتج عليكم فتبكمون، فكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون، وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون الله أنتم !؟ ما أنتم إلا اسود الشرى في وثعالب روّاغة حين تدعون ما أنتم بركن يصال به، ولا زوافر عزّ يعتصم إليها، لعمر الله لبنس حشاش نار الحرب أنتم ، انكم تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم ولا تتحاشون ، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، أن أخا الحرب اليقظان ، أودى من غفل، ويأتى الذل من وادع ، غلب المتخاذلون والمغلوب مقهور ومسلوب . أما بعد ، فان لي عليكم حقا ولكم علي حق، فأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصح لي في المشهد والمغيب ، والاجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم وان حقكم على : النصيحة لكم ما صحبتكم، والتوفير عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كى تعلموا فان يرد الله بكم خيرا

ص: 64

تنزّعوا عما أكره وترجعوا إلى ما أحب تنالوا ما تحبون وتدركوا ما تأملون (1)

و ما نقله ابن أبي الحديد ( ت / 656 ه-) في شرح نهج البلاغة» بقوله : وروى نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة، عن أبي وداك، قال: لما كره القوم المسير إلى الشام عقيب واقعة النهروان، أقبل بهم أمير المؤمنين فأنزلهم النخيلة، وأمر الناس أن يلزموا معسكرهم، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة النساء وأبنائهم وكان هو الرأي لو فعلوه، لكنهم لم يفعلوا، وأقبلوا يتسللون ويدخلون الكوفة، فتركوه وما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل، وبقي المعسكر خاليا، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، ولا من أقام معه صبر. فلما رأى ذلك دخل الكوفة. قال نصر بن مزاحم فخطب الناس بالكوفة وهي أول خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج، فقال: أيها الناس استعدوا لقتال عدو في جهادهم

القربة إلى الله عز وجل، ودرك الوسيلة عنده، قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه موزعين بالجور والظلم لا يعدلون به جفاة عن الكتاب نكب عن الدين يعمهون في الطغيان، ويتسكعون في غمرة الضلال فو تَأْعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِن

قوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ(2)، وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا.

قال: فلم ينفروا ولم ينشروا ، فتركهم أياما ، ثم خطبهم، فقال: أنّ لكم القد سئمت عتابكم ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا ؟ ... الفصل الذي شرحناه آنفا إلى آخره. وزاد فيه: «أنتم أسود الشرى في الدعة، وثعالب رواغة حين البأس، إن أخا الحرب اليقظان، ألا إن المغلوب مقهور ومسلوب».(3)

ص: 65


1- الغارات الابراهيم بن محمد الثقفي 1: 33 - 37 .
2- الأنفال : 60.
3- شرح نهج البلاغة ؛ لابن أبي الحديد 2: 193

[ الخطبة (35)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله : الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح ... الخ ) رواها الطبري في المجلد السادس، وفي هذه زيادة على ما رواه الطبري كما أن فيه زيادة لم تذكر هنا، وقال الشارح الفاضل : هذه الالفاظ من خطبه خطب بها بعد خديعة ابن العاص لأبي موسى وافتراقهما قبل وقعة النهروان؛ قال نصر : وكان علي لما خدع عمرو أبا موسى بالكوفة، وكان قد دخلها منتظراً ما يحكم به الحكمان ، فلما تم على أبي موسى ما تمّ من الحيلة غمّ ذلك علياً، وساءه ووجم له، فقال: «الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل ... » الخطبة التي ذكرها الرضي رحمه الله، وهي التي نحن في شرحها ، وزاد في آخرها بعد الاستشهاد ببيت دريد: «ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب ... الخ(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين ابن أبي الحديد ج 1 ص 110 ، كما رواها ابن قتيبة في الامامة والسياسة ( 135)، والطبري في تاريخه (ج 6 ص 43) ، وأبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ج 9

ص: 66


1- مدارك نهج البلاغة : 79 .

ص 5] ولو لم يروها الأخير بكلماته إلا أنه أشار إلى الشعر الأخير. (انتهى)(1) وبالاسناد عن سبط ابن الجوزي ( ت / 654 ه-) ، قال : قال الشعبي : ولما فصل الحكمان عن دومة الجندل عزم عليّ على قتالهم، فقام خطيبا وقال: أيها الناس، قد كنت أمرتكم بأمر في هذه الحكومة فخالفتموني وعصيتموني، ولعمري ان المعصية تورث الندم، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى*** فلم تستبينوا الرشد إلّا ضحى الغد

ألا ان هذين الحكمين قد نبذا كتاب الله وراء ظهورهما ، فاماتا ما أحيا القرآن وأحييا ما أمات واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله فحكما بغير بينة ولا سنة ماضية ، وكلاهما لم يرشدا، فبرثا من الله ورسوله وصالح المؤمنين، فاستعدوا للجهاد وتأهبوا للمسير واصبحوا في مواقفكم(2)

وفي رواية المسعودي ( ت 346 ه-) ما نصه : ولما بلغ علياً ما كان من أمر أبي موسى وعمرو، قال: إني كنت تقدمت إليكم في هذه الحكومة ونهيتكم عنها فأبيتم إلا عصياني، فكيف رأيتم عاقبة أمركم إذا أبيتم علي ؟. إني لأعرف من حملكم على خلافي والترك لأمري، ولو أشاء أخذه لفعلت، ولكن الله من ورائه، يريد بذلك الأشعث بن قيس، والله أعلم، وكنت فيما أمرت به كما قال أخو بني خثعم :

أمرتهم أمري بمنعطف اللوى*** فلم يستبينوا الرشد إلّا ضحى الغدِ

من دعا إلى هذه الحكومة فاقتلوه قتله الله ولو كان تحت عمامتي هذه، ألا إن هذين الرجلين الخاطئين اللذين اختر تموهما حكمين قد تركا حكم الله ، وحكما

ص: 67


1- راجع : استناد نهج البلاغة .
2- تذكرة الخواص : 99 ، ص / 1401ه-.

بهوی انفسهما بغير حجة ولا حق معروف، فأمانا ما أحيا القرآن، وأحييا ما أماته، واختلف في حكمهما كلامهما ، ولم يرشدهما الله ولم يوفقهما، فبرىء الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، فتأهبوا للجهاد واستعدوا للمسير، وأصبحوا في

عساكرهم إن شاء الله تعالى(1).

ص: 68


1- مروج الذهب 402:2 ، ط / دار الاندلس.

[ الخطبة (36)]

قال الهادي كاشف الغطاء( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله « فانا

نذيركم ... الخ ) روى بعض فقراتها الطبري في «ج 6» . (1)

قال العرشي في التخريج مانصّه : رواها ابن قتيبة في الامامة والسياسة ( 140) ،

والطبري في تاريخه [ج 6 ص 47] إلا مستهلها ، وقال ابن أبي الحديد [ج ص 114] وروی محمّد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة 245 ) 859م ) قال خطب عليّ الخوارج يوم النهر» . (انتهى)(2) قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما أرويه بالاسناد عن سبط ابن الجوزي (ت / 654 ه-) ، قال : وقال السدي: لما وقف علي علیه السلام عليهم مهما قال لهم : أيتها العصابة التي أخرجها المراء واللجاج عن الحق، وطمح بها الهوى الى الباطل ، اني نذير لكم ان تصبحوا تلعنكم الامة وأنتم صرعي باقناء هذا النهر ، بغير بينة من ربكم ولا برهان ألم أنهكم عن الحكومة واخبرتكم انها مكيدة من قوم لا دين لهم ومتى فارقتموني سعيتم الحزم، والآن فارجعوا ، فان حكم الحكمان

ص: 69


1- مدارك نهج البلاغة : 79 .
2- راجع استناد نهج البلاغة .

بكتاب الله وإلا فنحن على الرأي الأول، فقالوا تب من الكفر كما تبنا، فقال: ويحكم ابعد ايماني برسول الله وجهادي معه في سبيل الله وهجرتي اشهد على نفسي بالكفر ؟ لقد ضللت اذا وما انا من المهتدين (1).

وقال هشام بن محمّد : لما أراد على علیه السلام ان يبعث أبا موسى للحكومة أتاه من الخوارج زرعة بن برح الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا : لا حكم الا لله ، فقال حرقوص : تب من خطيئتك وارجع عن حكومتك، وقم بنا الى القوم نقاتلهم حتى نلقى ربنا ، فقال علي علیه السلام: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبين القوم شروطاً واعطيناهم عهوداً ، فقال حرقوص: ذلك ذنب وينبغي أن تتوب منه، فقال: ما هو ذنب، وانما هو عجز من الرأي، وأنتم سببه . فقال له زرعة بن برح: أما والله لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك ، اطلب بذلك وجه الله ورضوانه. فقال له علي علیه السلام: بؤساً لك، ما أشقاك ، كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح . فكان كما قال » (2). هذا وقد ورد بالاسناد عن الشيخ المفيد ( ت / 413 ه-) في الارشاد ، قال : ومن کلامه علیه السلام بعد كتب الصحيفة بالموادعة والتحكيم، وقد اختلف عليه أهل العراق في ذلك:

والله ، ما رضيت ولا أحببت أن ترضوا فإذ أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيت ، وإذا

رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا، ولا التبديل بعد الاقرار، إلا أن يعصى الله بنقض العهد، ويتعدى كتابه بحل العقد، فقاتلوا حينئذ من ترك أمر الله واما

. الذي ذكرتم عن الاشتر من تركه أمر بخط يده في الكتاب وخلافه ما أنا عليه،

ص: 70


1- اقتباس من قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَ كُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) (الأنعام: 56) .
2- تذكرة الخواص : 96 ، ط / 1401ه-.

فليس من أولئك ولا أخافه على ذلك، وليت فيكم مثله اثنين، بل ليت فيكم

، مثله واحدا يرى في عدوّكم ما يرى ، إذاً لخفت علي مؤونتكم، ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم ، وقد نهيتكم عما أتيتم فعصيتموني، فكنت - أنا وأنتم - كما قال أخو هوازن

وهل أنا إلا من غزية إن غوت*** غويت وإن ترشد غزية أرشد(1)

ص:71


1- الارشاد للشيخ المفيد 1: 270269 .

[ الخطبة ( 37) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: فقمت بالامر... الخ ذكر الشارح في الشرح أن هذا الكلام مركب من فصول أربعة لا يمتزج بعضها ببعض التقطه السيد الرضي من كلام لامير المؤمنين علیه السلام له قاله بعد وقعة النهروان وتبعه الشيخ محمّد عبده، وهو محتمل» .(1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : «الخطبة السادسة والثلاثون، وهى التي تبدأ بقوله علیه السلام: « فقمت بالأمر وتنتهي بقوله : فنظرت في أمري فاذا طاعتي قد سبقت بيعتي [ج 1 ص 85]. روى البيهقي هذه الجملة الأخيرة من الخطبة في كتاب المحاسن[ ج 1 ص 37]» . (انتهى) (2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ في ما رواه الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في «الأمالي»: حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله ب-ن جعفر الحميري قالا حدثنا أحمد

محمّد بن عیسی ، عن محمّد بن بن خالد البرقي، عن أحمد بن يزيد النيسابوري، قال: حدثني عمر بن إبراهيم الهاشمي

ص: 72


1- مدارك نهج البلاغة : 79 .
2- راجع استناد نهج البلاغة .

عن عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين ارتج الموضع بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض فيه النبي صلی الله علیه و آله وسلم. وجاء رجل باك وهو متسرع [مسترجع ] وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين علیه السلام، فقال : رحمك الله أبا الحسن، كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم الله عز وجل، وأعظمهم عناء، وأحوطهم على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب وأكرمهم سوابق وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له ، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه ، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا. قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا ولزمت منهاج رسوله إذ هم أصحابه ، كنت خليفته حقا ، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين، فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم ،فوتا ، وأقلهم كلاما وأصوبهم منطقا ، وأكثرهم رأيا ، وأشجعهم قلبا، وأشدّهم يقينا ، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالامور كنت- والله للدين يعسوبا، أوّلا حين تفرق الناس، وآخرا حين فشلوا، كنت

للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال، ما عنه ضعفوا وحفظت ما أضاعوا ووعيت ما أهملوا وشمّرت إذ اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا،

وصبرت إذ أسرعوا ، وأدركت ما عنه تخلّفوا ، ونالوا بك ما لم يحتسبوا. كنت للكافرين عذابا صبّاً، وللمؤمنين غيثا وخصبا فطرت - والله بنعمائها، وفزت

- بحبائها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها ، لم تفلل حجتك ، ولم يزغ قلبك ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، ولم تخن كنت كالجبل لا تحرّكه

ص: 73

العواصف، ولا تزيله القواصف وكنت - كما قال صلی الله علیه و آله وسلم: - ضعيفا في بدنك قويا في

أمر الله ، متواضعا في نفسك ، عظيما عند الله عز وجل، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لاحد فيك مطمع، ولا لاحد عندك هوادة. الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى ى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق ، وقولك حكم وحتم ، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم، فاقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، فاعتدل بك الدين ، وقوي بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الانام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون (1) رضينا عن الله قضاءه ، وسلمنا الله ،أمره ، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا . كنت للمؤمنين كهفا حصينا، وعلى الكافرين غلظة وغيظا فألحقك الله بنبيّه، ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك. وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكى وأبكى أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ثم طلبوه فلم يصادفوه (2)

ص: 74


1- اقتباس من قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالْعُمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة: 155 - 156).
2- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 314 312.

[ الخطبة (39)]

قال الهادى كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: (قوله علیه السلام: منيت بمن لا يطيع ... الى آخره، قال الشارح العلامة : يروي ان هذه الخطبة خطب بها في

غزوة النعمان بن بشير بعين التمر ، ثم ذكر السبب في ذلك ) . (1) قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الثقفي في كتاب الغارات ابن أبى

الحديد [ج 1 ص 118] » . (انتهى)(2).

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن ابراهيم بن محمّد الثقفي (ت / 283 ه-) في « الغارات»: قال : وحزن علي علیه السلام على محمّد بن أبي بكر حتى رئي ذلك فيه، وتبين في وجهه، وقام في الناس خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألّا وان مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم، الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا، ألا وان محمّد بن أبي بكر قد استشهد فعند الله نحتسبه، أما - والله لقد كان ما علمت لممّن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر ، ويحب هين المؤمن، وإني والله ما ألوم نفسي على تقصير ولا

ص: 75


1- مدارك نهج البلاغة : 79 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

عجز واني بمقاساة الحرب لجدّ بصير، وإني لأقدم على الأمر، وأعرف وجه الحزم ، وأقوم بالرأي المصيب، فأستصرخكم معلنا واناديكم نداء المستغيث معربا فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمراً ، تصيّرون الأمور إلى عواقب المساءة ، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثار ولا تنقض بكم الاوتار، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين يوما فجرجرتم علي جرجرة الجمل الاشدق وتثاقلتم إلى الارض تثاقل من ليس له نية في جهاد العدوّ، ولا رأي له في اكتساب الاجر، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) (1) ، فأفُّ لكم . ثم نزل فدخل رحله .(2)

ص: 76


1- الأنفال : 6.
2- الغارات ؛ لابراهيم بن محمد الثقفي 1: 295 - 298 .

[ الخطبة ( 40) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : الكلام التاسع والثلاثون، رداً على قول الخوارج لاحكم الا لله : كلمة حق يراد بها الباطل [ ج 1 ص 87] ، روى المبرّد

القول المذكور في الكامل [ ج 2 ص 131] باختلاف في اللفظ ) . ( انتهى)(1)قال الجلالي : وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد، عن نصر بن مزاحم المنقري (ت / 212 ه-) في وقعة صفين»، قال: وفي حديث عمر بن سعد قال: لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال علي علیه السلام: عباد الله، إنى أحق من أجاب إلى كتاب الله ، ولكن معاوية وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط وحبيب ابن مسلمة، وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي أعرف بهم منكم صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال

، وشرّ رجال. إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم والله ما رفعوها أنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة. أعيروني سواعدكم وجماجمكم

ساعة واحدة، فقد بلغ الحق مقطعه ، ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا. فجاءه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح، سيوفهم على

ص: 77


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

عواتقهم، وقد اسودت جباههم من السجود، يتقدمهم مسعر بن فدكي، وزيد بن حصين، وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من ،بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه، وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم . فقال لهم ويحكم، أنا أوّل من دعا إلى كتاب الله وأوّل من أجاب إليه، وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن؛ فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ، ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم ، وأنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون. قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتيك . وقد كان الأشتر صبيحة ليل الهرير قد أشرف

على عسكر معاوية ليدخله . (1)

ورواها الاسكافي ( ت / 220 ه-) مرسلاً في المعيار والموازنة»: 96،

ط 1402ه-

وبالاسناد الى المزّي ( ت / 742ه-) قال ما نصه : «حديث: أن الحرورية لما خرجت على علي بن أبي طالب، وهو معه، فقالوا : لا حكم إلا الله . قال علي: كلمة حق أُريد بها باطل ، إنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لنا ناسا، إنّي لأعرفُ صفتهم في

هؤلاء... الحديث بطوله. :م: في الزكاة 3 / 116 (1066) (157) عن أبي الطاهر بن السرح ويونس بن عبد الأعلى؛ كلاهما عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد ، عنه ، به (2) وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774 هقال : حدثني أبو الطاهر ويونس بن

ص: 78


1- وقعة صفين النصر بن مزاحم المنقري : 489 - 490 .
2- تحفة الاشراف :7: 102 ، ط / 1405ه-.

عبد الأعلى. قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب . أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد ، عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أن

؛ الحرورية لما خرجت ، وهو مع علي بن أبي طالب علیه السلام، قالوا: لا حكم إلا الله . قال علي كلمة حق أريد بها باطل إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وصف ناساً . إني لأعرف صفتهم

في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال : انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئاً. فقال: ارجعوا . فوالله ! ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثاً. ثم وجدوه في خربة. فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله وأنا حاضر ذلك من أمرهم. وقول علي فيهم. زاد

: يونس في روايته قال بكير: وحدثني ،رجل، عن ابن حنين أنه قال: رأيت ذلك الأسود .(1)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975ه-) : عن علي ، قال : إن معاوية سيظهر علیكم، قالوا: فلم نقاتل إذا ؟ قال : لابد للناس من أمير بر أو فاجر. (نعيم ش ) . (2) وعنه أيضاً عن قتادة ، قال : لما سمع على المحكّمة ، قال : من هؤلاء ؟ قيل له : القراء . قال : بل هم الخيالون العيابون . قال : إنهم يقولون: لاحكم إلا الله ، قال : كلمة حق عُنى بها باطل. فلما قتلهم قال رجل : الحمد لله الذي أبادهم وأراحنا منهم،

فقال: علي كلا، والذي نفسي بيده، أنّ منهم لمن في أصلاب الرجال لم تحمله النساء بعد ، وليكونن آخرهم لصاصا حرادين». (عب) (3)

ص: 79


1- جامع المسانيد 20 : 133 - 134 ، ط / 1415ه- .
2- كنز العمال 5 779 ح14366
3- كنز العمال 11 : 287 - 288 ، ح 31542.

[ الخطبة (42 ) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: أيها الناس إن اخوف ما اخافه عليكم.... الخ ) هذا الكلام من خطبة رواها الكليني في روضة الكافي؛ ومن جملة خطبة ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفين (ص4) طبع ايران وذكر في تذكرة السبط منه فقرات في ضمن خطبة قال: إنها تعرف بالبالغة) (1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : رواها ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين (ص 4) ، وأبو جعفر البرقى فى كتاب المحاسن ( الورق 81 ب) ، وابن قتيبة

في عيون الأخبار ج 2 ص 353] والكلينى في فروع الكافي ج 3 ص 29] والحراني في تحف العقول ( 35 47) ، والشيخ المفيد في الارشاد (138)، وأبو ، نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني المتوفى سنة 430 ( 1038م) في حلية الأولياء آج ج 1 ص 76] ، وشيخ الطائفة في الأمالي (73، 145) منسوبة إلى أمير المؤمنين . وعزاها أبو على اسماعيل بن القاسم القالي المتوفى 356ه- ( 967م) في أماليه ج 1 ص 18] إلى عتبة بن غزوان . ورواها الوزير أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز

ص: 80


1- مدارك نهج البلاغة : 80.

البكري المتوفى 487ه- ( 1094 م) في سمط اللآلي [ج 1 ص 77] عن عتبة بن 1094م) غزوان ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأوعزها إلى كتاب الحكم والأمثال لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى 482 (992 م ) » . ( انتهى ) (1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن نصر بن مزاحم المنقري ( ت / 212 ه-) في وقعة صفّين ونصه : أنبأنا نصر بن مزاحم التميمي، :قال عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره ، قالوا: لما قدم علي بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين، وقد أعزّ الله نصره وأظهره على عدوّه، ومعه أشراف الناس وأهل البصرة، استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم، فدعوا له بالبركة وقالوا: يا أمير المؤمنين علیه السلام، أين تنزل ؟ أتنزل القصر ؟ فقال : لا ، ولكني أنزل الرحبة فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال:

أما بعد يا أهل الكوفة فإن لكم فى الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيّروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم، وبدأتم بالمنكر فغيّرتم . ألّا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله في الأحكام والقسم. فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه . ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسى الآخرة. ألا إنّّ الدنيا قد ترحلت مديرة، والآخرة ترحّلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة. اليوم عمل ولا

حساب، وغدا حساب ولا عمل.

الحمد لله الذي نصر وليه ، وخذل عدوه، وأعز الصادق المحق، وأذلّ الناكث

ص: 81


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

المبطل. عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم ، الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا، يتفضلون بفضلنا، ويجاحدونا أمرنا، وينازعونا حقنا، ويدافعونا عنه. فقد ذاقوا وبال ما

اجترحوا فسوف يلقون غيا.

ألا إنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار. فاهجروهم

وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ، ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة. فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي - وكان صاحب شرطته - فقال : والله إني

لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلا والله لئن أمرتنا لنقتلنهم. فقال على سبحان الله يا ،مال جزت المدى، وعدوت ،الحد وأغرقت

في النزع ! فقال: يا أمير المؤمنين ، لبعض الغشم أبلغ في أمور تنوبك من مهادنة الأعادي. فقال علي : ليس هكذا قضى الله يا مال قتل النفس بالنفس فما بال الغشم. وقال: ﴿ وَمَن قُتِلَ مُظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً )(1) . والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهى الله عنه، وذلك هو الغشم(2)

وقال نصر أيضاً : « فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي - وكان ممن تخلف عنه - فقال : يا أمير المؤمنين، أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة ، بم قتلوا ؟ قال : قتلوا شيعتي وعمالي، وقتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا: لا ننكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم. فوثبوا عليهم فقتلوهم ، فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني أقتلهم بهم ، ثم كتاب الله حكم بيني

ص: 82


1- الاسراء : 33
2- وقعة صفين : النصر بن مزاحم المنقري : 43.

وبينهم، فأبوا علي، فقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي، ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي، فقتلتهم بهم، أفي شك أنت من ذلك؟. قال: قد كنت في شك، فأما الآن فقد عرفت، واستبان لي خطأ القوم، وأنك أنت المهدي المصيب. وكان أشياخ الحي يذكرون أنه كان عثمانيا، وقد شهد مع عليّ على ذلك صفّين، ولكنه كان يكاتب معاوية، فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة، وكان

بعد ما رجع عليه كريما .

ثم إن عليا تهيأ لينزل، وقام رجال ليتكلموا ، فلما رأوه نزل جلسوا وسكتوا (1) وبالاسناد عن البخاري ( ت / 256ه-) في صحيحه - باب في الأمل وطوله وقول الله تعالى : ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )(2). وقوله : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّمُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (3)، وقال على ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل بمزحزحه بمباعده(4) قال البلاذري ( ت / 279 ه-) في أنساب الأشراف»: حدثني علي بن إبراهيم ت الطالبي عن أشياخه ، قال : قال علي بن أبي طالب علیه السلام: إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان طول الامل واتباع الهوى، فإنّ طول الامل ينسي الآخرة، وإن اتباع الهوى يضل عن الحق . ألا وإن الدنيا قد ولّت مديرة، والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما

،بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، فإن اليوم عمل والآخرة حساب (5)

ص: 83


1- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 53 .
2- آل عمران : 185 .
3- الحجر : 3.
4- صحيح البخاري 7 :171 .
5- انساب الاشراف :114:2 ، ط / 1394ه-.

وروي عن موسى بن جعفر عن آبائه أن عليا قال : لا خير في الصمت عن

الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل (1)

قال : وكان يقول : الفرص تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير وكان علي

يقول : قيمة كل إنسان علمه(2)

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في« الكافي»، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان ، عن سليم بن قيس

الهلالي، قال: ، قال: خطب أمير المؤمنين فحمد الله وأثنى عليه ثم صلّى على

النبيصلی الله علیه و آله وسلم، ثم قال :

ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان اتباع الهوى وطول الامل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكلّ واحدة ،بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وإن غدا حساب ولا عمل وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله، يتولى فيها رجال رجالا ، ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف، ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى لكنه يؤخذ من لكنه يؤخذ من هذا ضعت ومن هذا ضغث (3) فيمزجان فيجللان(4)معا فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى، إني سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلميقول: كيف أنتم إذا لبستم فتنة يربو فيها الصغير (5) ويهرم فيها الكبير ، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة ، فإذا غير منها

ص: 84


1- انساب الاشراف :: 114 ، ط / 1394ه-.
2- انساب الاشراف :114:2 ، ط / 1394ه-.
3- الضغث - بالكسر : قبضة من حشيش مخالطة الرطب باليابس .
4- جللت الشئ : إذا غطيته . وفي بعض النسخ فيجتمعان ، وفي بعضها : فيجلبان.
5- اي يكبر وهو كناية عن امتدادها .

شي قيل: قد غيرت السنة وقد أتى الناس منكرا ، ثم تشتد البلية وتسبى الذرية وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحا بثفالها (1)، ويتفقهون لغير الله | ويتعلّمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة. ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده مغيّرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم التفرق عني جندي ، حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا ،فضلي، وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم (2) فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة ، ورددت صاع رسول صلى الله عليه وسلم كما

صلی الله علیه و آله وسلم كان (3)، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الاقوام لم تمض لهم ولم تنفذ (4)ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد(5)، ورددت قضايا من الجور

ص: 85


1- بالمثلثة والفاء في النهاية : في حديث علي : (وتدقهم الفتن دق الرحا بتفالها الثفال - بالكسر - جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويس- ، ويسمى الحجر الأسفل: ثقالا بها والمعنى أنها تدقهم دق الرحا للحب إذا كانت مثفلة ولا تثفل الا عند الطحن ).
2- اشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية ، رواه الخاصة والعامة ، راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة الجليل سماحة السيد شرف الدين العاملي.
3- الصاع في النهاية هو مكيال يسع اربعة امداد والمد عند الشافعي وفقهاء الحجاز رطل ثلث بالعراقي وعند أبو حنيفة المدرطلان و به اخذ فقهاء العراق فيكون الصاع خمسة ارطلان وثلثا أو ثمانية ارطال وعند الشيعة على ما في كتاب الخلاف في حديث زرارة ، عن أبي جعفر قال : كان رسول يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع سنة ارطال يعني رطل المدينة آمد . وهو تسعة بالعراقي.
4- القطيعة : قطعة من ارض الخراج ( اقطعها ) أي عينها وعزلها . (الوافي).
5- كأنهم غصبوها وادخلوها في المسجد. (الوافي).

قضي بها(1) ، ونزعت نساءاً تحت رجال بغير حق، فرددتهن إلى أزواجهن، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والارحام، وسبيت ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا، وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي بالسوية ولم اجعلها دولة بين الاغنياء، والقيت المساحة، وسويت بين المناكح، وانفذت خمس الرسول كما انزل الله وفرضه، ورددت مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له الى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الابواب وفتحت ما سدّ منه، وحرّمت المسح على الخفين، وحددت على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ممن كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أخرجه، وأدخلت من اخرج بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الامم إلى كتاب الله وسنة نبيه ؛ إذاً لتفرّقوا عنّي ، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنة عمر بنهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا. ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذه الامة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار.

ص: 86


1- ذلك كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الارث وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافا لما امر به النبي 9 و من ترك الكف والعقب ، وانفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة، ومنعه من بيع امهات الاولاد وان مات الولد ، وقال : هذا رأى رأيته فأمضاه على الناس .... إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الأخرى. (الوافي).

وأعطيت من ذلك سهم ذي القربي الذي قال الله عز وجل : ( إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ )(1) فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله الله فقال تعالى : ( فَلِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) فينا خاصة كي لا يَكُونَ دُولَةٌ بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ) فى ظلم آل محمّد ﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ

الْعِقَابِ )(2) لمن ظلمهم رحمة منه لنا، وغنى أغنانا الله به ووصی به نبیه صلی الله علیه و آله وسلم ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا ، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا، ومنعونا فرضا فرضه الله لنا ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد

نبينا صلی الله علیه و آله وسلم والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (3)وعن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في «الخصال » ، قال : حدثنا محمد بن أحمد الاسدي ، قال : حدثنا محمّد بن أبي عمران، قال: حدثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، قال: حدثنا علي بن أبي علي اللهبي، عن محمّد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الامل، أما الهوى فانه يصدّ عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، وهذه الدنيا قد ارتحلت مديرة، وهذه الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فان استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا، فانكم اليوم في دار عمل ولا حساب وأنتم غدا في دار حساب ولا عمل.

ص: 87


1- وتمام الآية : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (الأنفال : 41) .
2- الحشر : 7 .
3- الكافي ؛ للشيخ الكليني 8: 6058 .

وعنه رحمه الله قال : حدثنا أبي رضی الله عنه له قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن

محمد بن عيسى، عن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلی الله علیه و آله وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في كلام له :

العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ،ناج، ورجل عالم تارك لعلمه فهذا هالك. وإن أهل النار ليتأذون بريح العالم التارك لعلمه. وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله عز وجل فاستجاب له وقبل منه وأطاع الله عز وجل فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى ، ثم قال أمير المؤمنين : ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خصلتين اتباع الهوى وطول الامل

: أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وطول الامل ينسي الآخرة. وعنه ، قال : حدثنا أبو أحمد محمّد بن جعفر البندار الشافعي الفرغاني

بفرغانة، قال: حدثنا أبو العباس الحمادي ، قال : حدثنا أحمد بن محمّد الشافعي، :قال حدثنا عمي إبراهيم بن محمّد قال: حدثنا علي بن أبي علي اللهبي، ع-ن ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن أخوف ما

المنكدر أتخوف على امتي: الهوى وطول الأمل، أما الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الامل فينسي الآخرة، وهذه الدنيا مرتحلة ذاهبة وهذه الآخرة مرتحلة قادمة ولكل واحدة منهما بنون ، فإن استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا، فانكم اليوم في دار العمل ولا حساب، وأنتم غدا في دار الحساب ولا عمل . (1) وبالاسناد عن الشيخ المفيد ( ت /413 ه-) في الأمالي» بثلاثة أسانيد منها : عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن مهزیار عن

ص: 88


1- الخصال ؛ للشيخ الصدوق : 5251 .

عاصم، عن فضيل الرسان عن يحيى بن عقيل قال : قال علي علیه السلام: إنما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى وطول الامل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة(1) وبالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) بالاسناد عن الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمّد الطوسي ( ت / 515 - ح ) ، قال حدثنا الشيخ السعيد الوالد ت / 460 ه- ، قال : أخبرنا محمد بن محمد قال أخبرني أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، قال حدثنا محمّد بن الوليد قال حدثنا غندر بن

،محمد قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن جميل، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، قال : سمعت أمير المؤمنين يقول : إن أخوف ما أخاف عليكم طول الامل واتباع الهوى، فأما طول الامل فينسي الاخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد تولّت مديرة، والآخرة قد أقبلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا عمل(2)

وقال اخبرنا الشيخ الاجل المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن

علي الطوسي الله بمشهد مولانا اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه في جمادى الأولى سنة تسع وخمس مائة ، قال : حدثنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر محّمد بن الحسن بن علي الطوسي رضی الله عنه في صفر سنة ست وخمسين واربعماءة ، قال : أخبرنا الشيخ السعيد أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن رحمه الله ، قال : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمّد الصيرفي ، قال : حدثنا محمّد بن مخلد بن حفص، قال: حدثنا محمّد بن الوليد قال : حدثنا غندر بن محمّد قال :

ص: 89


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي 74: 423 ، عن الأمالي 55 و 121 و 203.
2- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي: 117.

حدثنا سعيد ، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل قال : قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السلام في خطبة له : إن أخوف ما أخاف عليكم طول الامل واتباع الهوى، فاما طول الامل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيضل عن الحق ، ألا وإن

الدنيا قد تولّت مديرة وان الآخرة قد أقبلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل (1)

وبالاسناد عن ابن عساكر ( ت / 571ه-) في تاريخ مدينة دمشق : أخبرنا أبو

ل القاسم بن السمرقندي، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن علي الزجاجي أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي حدثني أبو عبد

الله علي بن سليمان صاحب الحكيمي ، نا علي بن حرب. ح ، وأخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو عبد الله علي بن عبد الله العطار ببغداد نا علي بن حرب الموصلي سنة ست وستين ومائتين بالموصل.

ح، وأخبرنا أبو حفص عمر بن محمّد بن الحسن بن محمّد بن إبراهيم، أنا أبو بكر بن خلف، أنا الحاكم أبو عبد الله ، قال : سمعت أبا عبد الله علي بن عبد الله العطار صاحب الحكم ببغداد يقول : حدثنا علي بن حرب الموصلي، نا وكيع عن سفيان عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : خطب علي ابن أبي طالب على منبر الكوفة - وقال الشحامي بالكوفة - فحمد الله وأثنى

عليه وقال

أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم طول

لول الأمل واتباع الهوى، فأ

الأمل فينسي الاخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا إن الدنيا قد ولّت مديرة

ص: 90


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 231

والاخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من

ابناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. أخبرنا أبو غالب بن البنا أنا أبو محمد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيوية وأبو بكر محمّد بن إسماعيل بن العباس، قالا: نا يحيى بن محمد بن صاعد أنا الحسين بن الحسن بن حرب ، أنا عبد الله بن المبارك ، أنا إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي ، عن رجل من بني عامر قال: قال على بن أبي طالب : إنما أخشى عليكم اثنتين : طول الأمل واتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الاخرة وإن اتباع الهوى يصد عن الحق ، وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة والاخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا

حساب وغدا حساب ولا عمل. (1)

ص: 91


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 495 494 .

[ الكلام (43) ]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن نصر بن مزاحم المنقري ( ت / 212 ه-) في« وقعة صفّين»: وفي حديث صالح بن صدقة قال: أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس، وقال على وقت الرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا وأبطاً على علي حتى أيس منه .

وفي حديث محمّد وصالح بن صدقة، قالا : وكتب عليّ إلى جرير بعد ذلك : أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالأمر الجزم ، ثم خيره بين حرب مجلية، أو سلم محظية. فإن اختار الحرب فانبذ له ، وإن اختار

السلم فخذ بيعته .»(1)

ص: 92


1- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 55 .

[ الكلام (44) ]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما رواه البلاذري (ت / 279 ه-) في أنساب الأشراف»، قال مالفظه وكان مصقلة بن هبيرة الشيباني عاملا على أرد شيرخرة من فارس، فمرّ بهم عليه وهم خمسمأة إنسان فصاحوا إيه يا أبا الفضل يافكاك العناة، وحمّال الاثقال، وغياث المعصبين امنن علينا وافتدنا فأعتقنا وكانت كنية مصقلة أبو الفضيل ، ولكنهم كرهوا تصغيرها - فوجه مصقلة إلى معقل بن قيس من يسأل بيعهم منه ، فسامه معقل بهم ألف ألف درهم، فلم يزل يراوضه ويستنقصه حتى سلمهم إليه بخمسمأة ألف درهم، ويقال بأربعمأة ألف درهم ودفعهم إليه، فلما صاروا إلى مصقلة، قال له معقل : علي بالمال . فقال : أنا باعث

منه في وقتي هذا بصدر ثم متبعه صدرا حتى لا يبقى علي شي منه . وقدم معقل على عليّ فأخبره الخبر ، فصوّبه فيما صنع ، وامتنع مصقلة من البعثة بشئ من المال وكسره ، وخلّى سبيل الاسرى، فكتب عليّ في حمله وأنفذ الكتاب مع أبي حرة الحنفي وأمره بأخذه بحمل ذلك المال، فإن لم يفعل أشخصه إلى ابن عباس ليأخذه به لانه كان عامله على البصرة والاهواز وفارس والمتولّي لحمل ما في هذه النواحي من الاموال إليه، فلم يدفع إليه من المال شيئا، فأشخصه إلى البصرة،

ص: 93

فلما وردها قيل له : إنك لو حملت هذا الشي قومك لاحتملوه، فأبى أن يكلّفهم إياه، ودافع ابن عباس به، وقال: أما والله لو أني سألت ابن عفان أكثر منه لوهب لي، وقد كان أطعم الاشعث خراج آذربيجان.

ثم انه احتال حتى هرب فلحق بمعاوية ، فقال علي : ماله ؟ ترحه الله ، فعل فعل

السيد وفرّ فرار العبد. وقد يقال: إن أمر الخريت كان قبل شخوص ابن عباس إلى الشام في أمر

الحكومة ويقال أيضاً : انه كان بعد انصرافه من الحكومة .(1)

وروى ابراهيم بن محمد الثقفي ( ت 283 / ه-) في «الغارات» في خبر بني ناجية، قال: حدثني ابن أبي سيف، عن أبي الصلت عن ذهل بن الحارث قال: دعاني مصقلة إلى رحله، فقدّم عشاء فطعمنا منه ، ثم قال : والله إن أمير المؤمنين يسألني هذا المال ووالله لا أقدر عليه، فقلت له لو شئت لا يمضى عليك جمعة

: حتى تجمع هذا المال، فقال: والله ما كنت لاحملها قومي ولا أطلب فيها إلى أحد. ثم قال: أما والله لو أن ابن هند يطالبني بها ، أو ابن عفان لتركها لي، ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الاشعث بن قيس مائة ألف درهم من خراج آذربيجان في

كل سنة ؟

فقلت ان هذا لا

يرى ذلك

ذلك الرأي، وما هو بتارك لك شيئا، فسكت ساعة وسكت عنه ، فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، فبلغ ذلك عليا فقال ماله ؟! ترحه الله فعل فعل السيد، وفرّ فرار العبد، وخان خيانة الفاجر، أما أنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه ، فان وجدنا له شيئا أخذناه ، وان لم نقدر له على مال تركناه ، ثم سار إلى داره .فهدمها وكان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعيا ولعليّ مناصحا ، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى

ص: 94


1- انساب الاشراف ؛ للبلاذري : 417 416 .

من بني تغلب يقال له حلوان :

أما بعد فاني كلّمت معاوية فيك فوعدك الكرامة ومناك ،الامارة، فأقبل ساعة

تلقى رسولي ان شاء الله، والسلام.

فلما وصل الكوفة علم به علي فأخذ النصراني فقطع يده فمات. فكتب

نعيم إلى أخيه مصقلة جواب ،كتابه، شعراً :

لا تسرميني - هداك الله - معترضا ***بالظن متك فما بالي وحلوانا ؟

ذاك الحريص على ما نال من طمع*** وهو البعيد فلا يورثك أحزانا

ماذا أردت إلى إرساله سفها ***ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا

عرضته لعلي إنه أسد *** يمشى العرضنة من آساد خفانا

قد كنت في منظر عن ذا ومستمع ***تحمی العراق وتدعى خير شيبانا

حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه *** للراکبین له سراً وإعلانا

لو كنت أديت مال الله مصطبرا*** لحق أحييت أحيانا وموتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا*** فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا

فاليوم تقرع سن العجز من ندم ***ماذا تقول وقد كان الذي كانا

سبحت تبغضك الاحياء قاطية ***لم يرفع الله بالبغضاء انسانا

فلما وقع الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك، ولم يلبث التغلبيون إلّا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم، فأتوا مصقلة فقالوا: أنت أهلكت صاحبنا، فإما أن تحييه، وإما أن تديه فقال: أما أن احييه، فلا أستطيع ، وأما أن أديه، فنعم ، فوداه. وحدثني ابن أبي سيف، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه، قال: قيل لعلي علیه السلام حين هرب مصقلة : اردد الذين سبوا ولم تستوف أثمانهم في الرق، فقال: ليس ذلك في القضاء بحق، قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم وصار مالي دينا على الذي اشتراهم .(1)

ص: 95


1- الغارات؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 1 : 365 - 370

وفي خبر بني ناجية أيضا قال: .... صنفهم ثلاثة أصناف وقال: أما المسلمون فخذ منهم البيعة وخل سبيلهم، وأما النصارى فخذ منهم الجزية وخلّ سبيلهم وسبيل عيالاتهم، وأما المرتدون فأغربهم وبعيالاتهم وأموالهم ثم ادعهم إلى الاسلام ثلاث مرات، فان أجابوك والا فاقتل مقاتليهم واسب ذراريهم، فلم يجيبوه فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم ، فاشتراهم مصقلة بخمسمائة ألف وأعتقهم ولحق بمعاوية، فقال أصحابه : يا أمير المؤمنين علیه السلام فيننا ، قال : أنه قد صار على غريم من الغرماء فاطلبوه . قال : لما بايع أهل البصرة عليا علیه السلام ل بعد الهزيمة دخلوا في الطاعة غير بني ناجية فانهم عسكروا ، فبعث إليهم علي علیه السلام رجلا من أصحابه في خيل ليقاتلهم ، فأتاهم فقال : ما بالكم عسكرتم وقد دخل الناس في الطاعة غيركم؟ فافترقوا ثلاث فرق فرقة قالوا: كنا نصارى فأسلمنا ودخلنا فيما دخل فيه الناس من الفتنة ونحن نبايع كما بايع الناس، فأمرهم فاعتزلوا وفرقة قالوا: كنا نصاری ولم نسلم فخرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا، قهرونا فأخرجونا كرها فخرجنا معهم فهزموا فنحن ندخل فيما دخل فيه الناس ونعطيكم الجزية كما أعطيناهم، فقال لهم اعتزلوا، وفرقة قالوا انا كنا نصارى فأسلمنا فلم يعجبنا الاسلام فرجعنا إلى النصرانية فنحن نعطيكم الجزية كما أعطاكم النصارى ، فقال لهم توبوا وارجعوا إلى الاسلام فأبوا فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فقدم بهم علی علی علیه السلام

الى ان قال : « قال : وشهد الخريت بن راشد الناجي وأصحابه مع على صفين فجاء الخريت إلى على في ثلاثين راكبا من أصحابه يمشي بينهم حتى قام بين يدي علي علیه السلام فقال له : والله لا أطيع أمرك ولا اصلي خلفك ، واني غدا لمفارق لك قال : وذاك بعد وقعة صفّين وبعد تحكيم الحكمين، فقال له على علیه السلام : ثكلتك

« امك، إذا تنقض عهدك، وتعصي ربك، ولا تضر الا نفسك، أخبرني لم تفعل

ص: 96

ذلك ؟ قال : لانك حكمت في الكتاب وضعفت عن الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك راد وعليهم ناقم ، ولكم جميعا مباين. فقال له علي : ويحك هلم إلي ادارسك الكتاب واناظرك في السنن، وافاتحك امورا من الحق أنا أعلم بها منك ، فلعلك تعرف ما أنت له الآن منكر، وتستبصر ما أنت به الآن عنه عم وبه ،جاهل فقال الخريت فاني عائد عليك غداء فقال له علي علیه السلام: اغد ولا يستهوينك الشيطان ولا يتقحمن بك رأي السوء، ولا يستخفنك الجهلاء الذين لا يعلمون، فوالله لئن استر شدتني واستنصحتني وقبلت مني لا هدينك سبيل الرشاد فخرج الخريت من عنده منصرفا إلى أهله. قال عبد الله بن قعين : فعجلت في أثره مسرعا وكان لي من بني عمه صديق فأردت أن ألقى ابن عمه في ذلك فاعلمه بما كان من قوله لامير المؤمنين وما رد عليه، وآمر ابن عمه ذلك أن يشتد بلسانه عليه وأن يأمره بطاعة أمير المؤمنين علیه السلام ومناصحته ، ويخبره أن ذلك خير له في عاجل الدنيا وآجل الآخرة . قال : فخرجت حتى انتهيت إلى منزله وقد سبقني ، فقمت عند باب داره وفي داره رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخوله على عليّ علیه السلام، فوالله ما رجع ولا ندم على ما قال لامير المؤمنين وما رد عليه ، ثم قال لهم : يا هؤلاء إني قد رأيت أن افارق هذا الرجل وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ولا أراني الا مفارقه فقال أكثر أصحابه : لا تفعل حتى تأتيه، فان أتاك بأمر تعرفه قبلت منه ، وان كانت الاخرى

فما أقدرك على فراقه ، فقال لهم : نعم ما رأيتم . قال : ثم استأذنت عليهم فأذنوا لي فأقبلت على ابن عمه - وهو مدرك بن الريان الناجي وكان من كبراء العرب - فقلت له : ان لك على حقا لإخائك وودك ولحق المسلم على المسلم أن ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك فاخل به واردد عليه رأيه وعظم عليه ما أتى ، واعلم أنني خائف ان فارق أمير المؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته ، فقال : جزاك الله خيرا من أخ

ص: 97

فقد نصحت وأشفقت ان أراد صاحبي فراق أمير المؤمنين فارقته وخالفته وكنت أشد الناس عليه، وأنا بعد خال به ومشير عليه بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته

والاقامة معه وفي ذلك حظه ورشده، فقمت من عنده وأردت الرجوع إلى علي علیه السلام لا علمه الذي كان ثم اطمأننت إلى قول صاحبي فرجعت إلى منزلي فبت به ثم أصبحت فلما ارتفع النهار أتيت أمير المؤمنين فجلست عنده ساعة وأنا اريد أن احدثه بالذي كان من قوله لي على خلوة، فأطلت الجلوس فلم يزدد الناس الا كثرة، فدنوت منه فجلست وراءه فأصغى إلي برأسه فأخبرته بما سمعت من الخريت وما قلت لابن عمه وما ردّ عليّ ، فقال علیه السلام: دعه فان قبل الحق ورجع عرفنا ذلك له وقبلناه منه ، وان أبي طلبناه، فقلت: يا أمير المؤمنين فلم لا تأخذه الآن

فتستوثق منه ؟

فقال : إنا لو فعلنا هذا لكل من نتهمه من الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني

يسعني الوثوب على الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف . قال: فسكت عنه وتنحيت فجلست مع أصحابي ثم مكثت ما شاء الله معهم ثم

قال لي علي علیه السلام: ادن منّي فدنوت منه ، ثم قال لي مسرا : اذهب إلى منزل الرجل فأعلم لي ما فعل ؟ فانه قل يوم لم يكن يأتيني فيه الاقبل هذه الساعة، قال: فأتيت منزله فإذا ليس منزله منهم ديار فدرت على أبواب دور اخرى كان فيها طائفة اخرى من أصحابه فإذا ليس فيها داع ولا مجيب، فأقبلت إلى علي علیه السلام فقال لي حين رأني : أأمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا؟ - قلت : بل طعنوا ، قال : أبعدهم الله كما بعدت ثمود، أما والله لو قد أشرعت لهم الاسنة وصبت على هامهم السيوف لقد ندموا ان الشيطان قد استهواهم فأضلهم وهو غدا متبرقٌ منهم ومخل عنهم. فقام إليه زياد بن خصفة فقال: يا أمير المؤمنين انه لو لم يكن من مضرة هؤلاء الا فراقهم ايانا لم يعظم فقدهم علينا فنأسى عليهم، فانهم قلما يزيدون عددنا

ص: 98

لو أقاموا معنا ولقلما ينقصون من عددنا بخروجهم منا، ولكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك، فاذن لي في اتباعهم حتى أردهم عليك ان شاء الله . فقال له علي علیه السلام: اخرج في آثارهم راشدا، فلما ذهب ليخرج قال علیه السلام : وهل تدرى أين توجه القوم ؟ فقال : لا والله ولكني أخرج فأسأل وأتبع الاثر ، فقال له علي : اخرج - رحمك الله - حتى تنزل دي--ر أب-ي موسى ثم لا تبرحه حتى يأتيك أمرى فانهم ان كانوا قد خرجوا ظاهرين بارزين للناس في جماعة فإن عمالي ستكتب إليَّ بذلك ، وان كانوا متفرقين مستخفين فذلك أخفى لهم ، وسأكتب إلى من حولي من عمالي فيهم. فكتب نسخة واحدة وأخرجها إلى العمال:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من العمال أما بعد فان رجالا لنا عندهم بيعة خرجوا هرابا فنظنهم وجهوا نحو بلاد البصرة، فاسأل عنهم أهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك ثم اكتب إليّ بما ينتهى اليك عنهم والسلام فخرج زياد بن خصفة حتى أتى داره فجمع أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معشر بكر بن وائل، فان أمير المؤمنين ندبني لأمر من أموره مهم له، وأمرني بالانكماش فيه بالعشيرة حتى أتى امره وأنتم شيعته وأنصاره وأوثق حي من أحياء العرب في نفسه، فانتدبوا معي في هذه الساعة وعجلوا . قال : فوالله ما كان الا ساعة حتى اجتمع إليه منهم مائة رجل ونيف وعشرون أو ثلاثون، فقال: اكتفينا ، ولا نريد أكثر من هؤلاء . قال : فخرج زياد حتى قطع الجسر ثم أتى دير أبي موسى فنزله فأقام به بقية يومه ذلك ينتظر أمر أمير المؤمنين علیه السلام(1) وبالاسناد عن الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، عن حماد وصفوان عن

ص: 99


1- الغارات ؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي :2 289 - 338

معاوية بن عمار، عن ابيه عن ابي الطفيل: ان بني ناجية قوما كانوا يسكنون الاسياف، وكانوا قوما يدعون في قريش نسبا، وكانوا نصاری، فاسلمواثم رجعوا عن الاسلام، فبعث امير المؤمنين علیه السلام المعقل بن قيس التميمي، فخرجنا معه، فلما انتهينا الى القوم جعل بيننا وبينه ،امارة، فقال: إذا وضعت يدي على رأسي فضعوا فيهم السلاح، فأتاهم فقال : ما انتم عليه ؟ فخرجت طائفة فقالوا: نحن نصارى لا تعلم دينا خيرا من ديننا فنحن عليه ، قال : فعزلهم ، قال : ثم قالت طائفة منهم : نحن كنا نصارى فأسلمنا فنحن مسلمون لا نعلم دينا خيرا من ديننا فنحن عليه، وقالت طائفة نحن كنا نصارى ثم اسلمنا ثم عرفنا انه لا خير من الدين الذي كنا عليه فرجعنا إليه ، فدعاهم الى الاسلام ثلاث مرات ، فأبوا ، فوضع يده على رأسه، قال: فقتل مقاتليهم وسبی ذراريهم، قال: فأتى بهم عليا علیه السلام فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة الف درهم فأعتقهم، وحمل الى علي امير المؤمنين علیه السلام خمسين الفاً، فأبى ان يقبلها ، قال : فخرج بها فدفنها في داره ولحق بمعاوية لعنه الله، قال: فأخرب امير المؤمنين داره واجاز عتقهم » .(1)

وبالاسناد عن ابن عساكر ( ت / 571 ه-) في تاريخ مدينة دمشق»، قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو بكر أحمد بن علي الأصبهاني الحافظ، أنا أبو عمرو بن حمدان ، نا الحسن بن سفيان، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الملك بن سعيد بن حمان، عن عمار الدوسي ، حدثني أبو الطفيل ، قال : كنت في الجيش الذي بعثهم علي بن أبي

طالب إلى بني ناجية ، قال : فانتهينا إليهم فوجدناهم على ثلاث فرق قال : فقال أميرنا لفرقة منهم ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فثبتنا على إسلامنا ، قال : ثم قال الثانية : من أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فثبتنا على

ص: 100


1- تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي 139:10

نصرانيتنا ، قال :الثالثة: من أنتم ؟ قالوا نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فرجعنا فلم نر دينا أفضل من ديننا فتنصرنا ، فقال لهم : أسلموا ، فأبوا ، فقال لأصحابه : إذا مسحت رأسي ثلاث مرات فشدوا عليهم ففعلوا، فقتلوا المقاتلة وسبوا الذراري، فجئ بالذراري إلى عليّ وجاء مصقلة بن هبيرة فاشتراهم بمائتي ألف، فجاءه بمائة ألف إلى علي فأبى أن يقبل ، فانطلق مصقلة بدراهمهم وعمد مصقلة إليهم فأعتقهم، ولحق بمعاوية . فقيل لعلي : ألا تأخذ الذرية ؟ فقال : لا ، فلم يعرض لهم.

قرأت على أبي الفضل بن ناصر، عن جعفر بن يحيى، أنا أبو نصر الوائلي أنا الخصيب بن عبد الله ، أخبرني عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن ، أخبرني أبي، أنا أحمد بن ،سلیمان نا محمّد بن عبید نا العلاء بن راشد عن زيد بن عبيد أبي حاتم :قال مرّ بنا علي بن أبي طالب وهو يدعو الله على مصقلة بن هبيرة وقد هدم داره قرأت على أبى الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين، عن عبد العزيز بن أحمد، أنا عبد الوهاب الميداني، أنا أبو سليمان بن ،زبر، أنا عبد الله بن أحمد بن جعفر، نا أبو جعفر الطبري، قال: ذكر هشام بن محمّد، عن أبي مخنف الحارث بن كعب، عن عبد الله بن فقيم ، قال : ثم إنه - يعني معقل بن قيس - أقبل

حدثني

حدث

بهم - يعني نصارى بني ناجية - حتى مرّ بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل عليّ على أردشير خرة، وهم خمس مائة إنسان فبكى النساء والصبيان وصاح الرجال يا أبا الفضل يا حامى الرجال ومأوى المعصب وفكاك العناة ، أمنن علينا واشترنا فأعتقنا ، فقال مصقلة : أقسم بالله لأتصدقنّ عليكم إن الله يجزي

، المتصدقين . فبلغنا عنه علي فقال: والله لولا أني أعلمه قالها توجّعا لهم لضربت عنقه، ولو كان في ذلك تفاني تميم وبكر بن وائل. ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل بن قيس فقال له: بعني

ص: 101

بني ناجية، فقال نعم أبيعكهم بألف ألف، فأبى عليه، فلم يزل يراوضه حتى باعهم بخمس مائة ألف ودفعهم إليه، وقال له عجل بالمال إلى أمير المؤمنين، فقال له : أنا باعث الآن بصدر ثم أبعث لك بصدر آخر ، ثم كذلك حتى لا يبقى منه شي إن شاء الله . وأقبل معقل بن قيس إلى أمير المؤمنين فأخبره بما كان منه، فقال له : أحسنت وأصبت. وانتظر علي مصقلة أن يبعث إليه بالمال فأبطأ به وبلغ عليا أن مصقلة خلّى سبيل الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشئ فقال علي: ما أظن مصقلة إلا وقد يحمل حمالة لا أراكم إلا سترونه عن قريب منها ملبدا.

ثم إنه كتب إليه : أما بعد، فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم الغش على أهل المصر غش الإمام ، وعندك من حق المسلمين خمس مائة ألف فابعث بها إليَّ ساعة يأتيك رسولي وإلا فأقبل حين تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي إليك ألا يدعك تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال، والسلام عليك.

وكان الرسول إليه أبو جرّة الحنفي فقال له أبو جرة: إن بعثت بالمال الساعة وإلا فأشخص إلى أمير المؤمنين ، فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة فمكث بها أياما .

ثم إن ابن عباس سأله المال - وكان عمال البصرة يحملون من كور البصرة إلى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذي يبعث بها إلى علي - فقال له نعم، أنظرني أياما ، ثم أقبل حتى أتى عليا فأقره علي أياما ، ثم سأله المال فأدى إليه مائتي ألف.

ثم إنه عجز عنها ولم يقدر عليها.

قال أبو مخنف : وحدثني أبو الصلت الأعور ، عن ذهل بن الحارث قال : دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاؤه فطعمنا منه ثم قال : والله إن أمير المؤمنين ليسألني هذا المال وما أقدر عليه ، فقلت : والله لو شئت ما مضت عليك جمعة حتى تجمع

ص: 102

هذا المال، فقال لي: والله ما كنت لأحملها قومي ولا أطلب فيها إلى أحد ، ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركاها لي ، ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مائة ألف في كل سنة ؟ فقلت له : إن هذا لا يرى ذاك الرأي لا والله ما هو بتارك شيئا، فسكت ساعة وسكت عنه ، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، وبلغ ذلك عليا فقال : ما له ؟ يرحمه الله ، فعل فعل السيِّد وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر ، أما أنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه ؛ فإن وجدنا له شيئا أخذناه وإن لم نقدر على مال تركناه . ثم سار علي إلى داره فهدمها ، وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعيا ولعلي مناصحا ،

فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال له حلوان أما بعد فإني قد كلمت معاوية فيك فوعدك الإمارة ومنّاك الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي إن شاء الله ، والسلام عليك . فيأخذه مالك بن كعب الأر. فيسرحه إلى عليّ فأخذ كتابه فقرأه فقطع يده فمات، وكتب نعيم إلى مصقلة :

لا ترمين هداك الله معترضا ***بالظن منك فما بالي وحلوانا

ذاك الحريص على ما نال من طمع*** وهو البعيد فلا يحزنك إن خانا

ماذا أردت إلى إرساله سفها*** ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا

حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه*** للراكبين له سرا وإعلانا

عرضته لعلي إنه أسد*** يمشي العرضنة من آساد خفانا

قد كنت في منظر عن ذا ومستمع ***تحمي العراق وتدعى خير شيبانا

لو كنت أديت مال القوم مصطبرا ***للحق أحييت أحيانا وموتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا*** فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا

فاليوم تقرع سن العجز من ندم ***ماذا تقول وقد كان الذي كانا

أصبحت تسبغضك الأحياء قاطبة ***لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا

ص: 103

فلما وقع الكتاب إليه علم أنه قد هلك ولم يلبث التغلبيون إلا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم حلوان ، فأتوا مصقلة فقالوا : إنك بعثت صاحبنا فأهلكته فإما أن

تحيبه وإما تديه، قال: أما أن أحييه فلا أستطيع ، ولكن سأديه فوداه.

وبلغني أن مصقلة قال في ذلك :

لعمري لئن عاب أهل العراق ***عليّ انتعاشي بني ناجية

لأعظم من عتقهم رقهم*** وكفى بعتقهم عالية

وزايدت فيهم لإطلاقهم ***غاليت إن العلى عالية

ثم إن معاوية بعد ذلك ولّى مصقلة طبرستان وبعثه في جيش عظيم فأخذ العدو

عليه المضايق فهلك وجيشه، فقيل في المثل : حتى يرجع مصقلة مصقلة من طبرستان(1)

ص: 104


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر 58 : 273 207

[ الخطبة ( 45 ) ]

ليس لعرشي تخريج في هذا الموضع. قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق (ت / 381ه-) في من لا يحضره الفقيه، قال: وخطب أمير المؤمنين علیه السلام يوم الفطر فقال : (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) (1) ، لا نشرك بالله شيئا، ولا نتخذ من دونه وليا ، و الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ

( مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ )(2)، كذلك الله لا إله إلا هو إليه المصير، والحمد لله الذي يُمْسِكُ السَّماءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمُ (3)، اللهم ارحمنا برحتمك وأعممنا بمغفرتك، إنك أنت العلى الكبير ، والحمد لله الذي لا مقنوط من رحمته ولا مخلو من نعمته، ولا مؤيس من روحه ولا مستنكف عن عبادته الذي

ص: 105


1- الأنعام: 1 .
2- سبأ : 1- 2 .
3- الحج : 65 .

بكلمته قامت السماوات السبع واستقرت الارض المهاد ، وثبتت الجبال الرواسي، وجرت الرياح اللواقح وسار في جو السماء السحاب، وقامت على حدودها

البحار، وهو إله لها ،وقاهر يذل له المتعززون ، ويتضاءل له المتكبرون ويدين له

لا طوعا وكرها العالمون ، نحمده كما حمد نفسه وكما هو أهله، ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، يعلم ما تخفي النفوس، وما تجنّ البحار وما توارى منه ظلمة، ولا تغيب عنه غائبة، وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا(1) ، لا إله إلا هو، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ويعلم ما يعمل العاملون وأي مجرى يجرون، وإلى أي منقلب ينقلبون، ونستهدي الله بالهدى، ونشهد أن محمدا عبده ونبيه ورسوله إلى خلقه، وأمنيه على وحيه ، وأنه قد بلغ رسالات ربه، وجاهد في الله الحائدين عنه العادلين به، وعبد الله

حتى أتاه اليقين صلی الله علیه و آله وسلم.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة، ولا تنفد منه رحمة، ولا يستغني العباد عنه، ولا يجزي أنعمه الاعمال، الذي رغب في التقوى، وزهد في الدنيا، وحذر المعاصي، وتعزّز بالبقاء، وذلل خلقه بالموت والفناء ، والموت غاية المخلوقين، وسبيل العالمين، ومعقود بنواصي الباقين لا يعجزه إباق الهاربين وعند حلوله يأسر أهل الهوى يهدم كل لذة ويزيل كل نعمة، ويقطع كل بهجة والدنيا دار كتب الله لها الفناء، ولاهلها منها الجلاء ، فأكثرهم ينوي بقاءها ويعظم بناءها، وهي حلوة خضرة، وقد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر، ويضن ذو الثروة الضعيف، ويجتويها الخائف الوجل، فارتحلوا منها يرحمكم الله بأحسن ما بحضرتكم، ولا تطلبوا منها أكثر من القليل، ولا تسألوا منها فوق

ص: 106


1- وتمام الآية: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ (الأنعام: 59) .

الكفاف وارضوا منها باليسير ، ولا تمدن أعينكم منها إلى ما متّع المترفون به واستهينوا بها، ولا توطنوها، وأضروا بأنفسكم فيها، وإياكم والتنعم والتلهي والفاكهات ؛ فإن في ذلك غفلة واغترار، ألا إن الدنيا قد تنكرت وأدبرت واحلولت و آذنت بوداع، ألا وإن الآخرة قد رحلت أقبلت وأشرقت وانت باطلاع ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار، ألا فلا تائب من خطيئته قبل يوم منيته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه وفقره جعلنا الله وإياكم ممن يخافه ويرجو ثوابه.

ألا وإن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا، وجعلكم له أهلا، فاذكروا الله يذكركم، وادعوه يستجب لكم وأدوا فطرتكم، فإنها سنة نبيكم وفريضة واجبة من ربكم، فليؤدها كل امرئ منكم عنه وعن عياله كلهم ذكرهم وانثاهم صغيرهم وكبيرهم، وحرّهم ،ومملوكهم عن كل إنسان منهم صاعا من بر، أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير، وأطيعوا الله فيما فرض الله عليكم وأمركم به من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم شهر ،رمضان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحسان إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم، وأطيعوا الله فيما نهاكم عنه من قذف المحصنة، وإتيان الفاحشة، وشرب الخمر، وبخس المكيال، ونقص

،الميزان وشهادة الزور، والفرار من الزحف عصمنا الله وإياكم بالتقوى، وجعل الآخرة خيرا لنا ولكم من الاولى، إن أحسن الحديث وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله العزيز الحكيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدُ (1) (2)

وبالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في مصباح المتهجد روى

ص: 107


1- الإخلاص : 1-4 .
2- من لا يحضره الفقيه ؛ للشيخ الصدوق 514:1 - 517 ، الحديث 1482

أبو مخنف، عن جندب بن عبد الله الازدي عن أبيه ، أن عليا كان يخطب يوم الفطر ، فيقول : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )(1)، لا نشرك بالله شيئا ولا نتخذ من دونه وليا ، و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) (2) ، كذلك ربنا جل ثناؤه لا أمد ولا غاية ولا نهاية، ولا إله إلا هو وإليه المصير، والحمد لله الذي يُمْسِكُ السَّماءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمُ ) (3).

اللهم ارحمنا برحمتك، واعممنا بعافيتك، وامددنا بعصمتك، ولا تخلنا من

رحمتك إنك أنت الغفور الرحيم،

السماء والحمد لله لا مقنوطا من رحمته ولا مخلوا من نعمته ولا مؤيسا من روحه

ولا مستنكفا عن عبادته ، الذي بكلمته قامت السموات السبع وقرّت الارضون السبع، وثبتت الجبال الرواسي، وجرت الرياح اللواقح ، وسار في جو السحاب، وقامت على حدودها البحار ، فتبارك الله رب العالمين إله قاهر قادر ذلّ له المتعززون، وتضاءل له المتكبرون ودان طوعا وكرها له العالمون ، نحمده بما حمد نفسه وكما هو أهله ونستعينه ونستغفره ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما تخفي الصدور وما تجن البحار وما تواري الأسراب ( وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ )(4)، لا تواري منه ظلمات، ولا تغيب

ص: 108


1- الأنعام: 1.
2- سبأ : 1 - 2 .
3- الحج : 65 .
4- الرعد : 8

عنه غائبة ، ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين ) (1) ، ويعلم ما يعمل العاملون وإلى أي منقلب ينقلبون ونستهدي الله بالهدى ونعوذ به من الضلالة والردى ونشهد أن محمّدا عبده ونبيه ورسوله إلى الناس كافة وأمينه على وحيه، وأنه بلغ رسالة ربه وجاهد في الله المدبرين عنه ، وعبده حتى أتاه اليقين صلی الله علیه و آله وسلم

علي أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة، ولا تفقد له رحمة، ولا يستغني عنه العباد ولا تجزي أنعمه الأعمال الذي رغب في الآخرة وزهد في الدنيا، وحذر المعاصي، وتعزز بالبقاء، وتفرّد بالعز والبهاء، وجعل الموت غاية المخلوقين وسبيل الماضيين، فهو معقود بنواصي الخلق كلهم، حتم في رقابهم، يعجزه لحوق الهارب ولا يفوته ناء ولا ،آئب يهدم كل لذة، ويزيل كل بهجة

ويقشع كل نعمة .

لا عباد الله ! إن الدنيا دار رضي الله لاهلها الفناء، وقدّر عليهم بها الجلاء ، فكل ما فيها نافد وكل من يسلكها بائد، وهي مع ذلك حلوة خضرة رائقة نضرة قد زينت للطالب ولاطت بقلب الراغب، يطيبها الطامع ويجتوبها الوجل الخائف فارتحلوا رحمكم الله منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تطلبوا منها سوى البلغة، وكونوا فيها كسفر نزلوا منزلا فتمتعوا منه بأدنى ظل ثم ارتحلوا لشأنهم، ولا تمدوا أعينكم فيها إلى ما متع به المترفون وأضروا فيها بأنفسكم فإن ذلك أخف للحساب وأقرب من النجاة.

ألا إن الدنيا قد تنكرت وأدبرت وآذنت بوداع، ألا وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت ونادت باطلاع ألا وإن المضمار اليوم وغدا السباق، ألا وإن السبقة الجنة والغاية ، أفلا تائب من خطيئته قبل هجوم منيته، أو لا عامل لنفسه قبل يوم فقره

النار،

ص: 109


1- الأنعام: 59

وبؤسه جعلنا الله وإياكم ممن يخافه ويرجو ثوابه.

ألا وإن هذا اليوم يوم جعله الله عبدا وجعلكم له أهلا ، فاذكروا الله يذكركم وكبّروه وعظموه وسبحوه ومجدوه وادعوه يستجب لكم، واستغفروه يغفر لكم، وتضرعوا وابتهلوا وتوبوا وأنيبوا وأدوا فطرتكم فإنها سنة نبيكم وفريضة واجبة من ربكم، فليخرجها كل امرئ منكم عن نفسه وعن عياله كلهم ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم، حرهم ومملوكهم ، يخرج كل واحد منهم صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو نصف صاع من بر من طيب كسبه طيبة بذلك نفسه .

عباد الله وتعاونوا على البر والتقوى وتراحموا وتعاطفوا وأدوا فرائض الله عليكم فيما أمركم به من إقامة الصلوات المكتوبات وأداء الزكوات وصيام شهر رمضان وحج البيت والامر بالمعروف والتناهي عن المنكر والاحسان إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم ، واتقوا الله فيما نهاكم عنه، وأطيعوه في اجتناب قذف المحصنات وإتيان الفواحش وشرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان وشهادة الزور والفرار من الزحف ، عصمنا الله وإياكم بالتقوى وجعل الآخرة خيرا لنا ولكم من هذه الدنيا ، إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كلام الله تعالى، (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قل هو الله أحد ) إلى آخرها ، ثم جلس ،وقام ، فقال : الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا

شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ... وذكر باقي الخطبة الصغيرة في

الجمعة .(1)

يوم

ص: 110


1- مصباح المتهجد ؛ للشيخ الطور ؛ للشيخ الطوسي : 662 659

[ الكلام (46) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج: قوله : اللّهم إني أعوذ ... الى آخره . قيل : ذكر هذا نصر بن مزاحم في كتاب صفين وذكره غيره ايضاً

(1)

من رواة السير قال العرشي في التخريج مانصّه : ولا يخفى على أهل العلم أن كلمات الدعاء إلى قوله : «الأهل» مما نطق بها النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ورواها أبو عبيد في غريب الحديث( الورق 38 ب) في ضمن الأحاديث المرفوعة كما روى ابن مزاحم الكوفي في

كتاب الصفين [71 و 288] الكلام كله». (انتهى)(2)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه عن المنقري (ت / 212ه-) وجاء السند في اول الحديث بما لفظه: أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمّد بن

ص: 111


1- مدارك نهج البلاغة : 80.
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

جعفر، قال أبو الحسن محمّد بن ثابت بن عبد الله بن محمّد بن ثابت الصيرفي قال أبو الحسن علی بن محمّد بن محمّد بن عقبة، قال أبو محمّد سليمان بن

الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال أبو الفضل نصر بن مزاحم خروج علي علیه السلام من النخيلة ] عمرو بن شمر وعمر بن سعد، ومحمّد بن عبد الله ، قال عمر: حدثنى رجل من الأنصار، عن الحارث بن كعب الوالبي، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود، قال: لما أراد على الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء، فقال:

الحمد الله غير مفقود النعم ولا مكافاً الإفضال، وأشهد ألا إله إلا الله ونحن على ذلكم من الشاهدين، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم. أما بعد ذلكم ، فإني قد بعثت مقدماتي ، وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري، فقد أردت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة، فأنهضهم معكم إلى أعداء الله ، إن شاء الله ، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري، ولم آلكم ولا نفسي . فإياكم والتخلف والتربص ، فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي، وأمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله .

فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال : يا أمير المؤمنين، والله لا يتخلف عنك إلا ظنين، ولا يتربص بك إلا منافق . فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق

المتخلفين قال عليّ : قد أمرته بأمري، وليس مقصرا في أمري إن شاء الله .

. وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته، فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال : بِسْم الله . فلما جلس على ظهرها قال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) (1) . ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من وعناء السفر، وكآبة المنقلب، والحيرة بعد اليقين وسوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللهم أنت

ص: 112


1- الزخرف : 13

الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصحبا، والمستصحب لا يكون مستخلفا»(1)

وأيضاً في الصفحة 528 ما يلي نصر، عن عمر ، عن عبد الرحمن بن جندب

قال : لما أقبل على من صفين أقبلنا معه، فأخذ طريقا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه فقال علي علیه السلام: آئبون عائدون لربنا حامدون . اللّهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في المال والأهل». (2)، ومن الشواهد ما ورد بالاسناد عن الطبري ( ت / 310 ه-) في ذكر الأخبار الواردة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بما كان يقوله إذا أراد السفر بما نصه: «وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أشياء نذكر ما حضرنا من ذلك ذكره، فمن ذلك ما حدثنا هناد بن السري قال حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج في السفر ، قال : اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة فى الاهل، اللهم إني أعوذ بك من الضيعة في السفر، والكآبة في المنقلب، اللهم اقبض لنا الارض، وهوّن علينا السفر. فإذا أراد الرّجوع قال : آيبون تائبون لرّبنا حامدون . فإذا دخل بيته قال : توباً توباً لربّنا أوبا، لا يغادر

علينا حوبا .

وقال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال : حدثنا الوليد ابن أبي ثور، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر

: يقول : اللّهم إني أعوذ بك من الضيعة في السفر، والكآبة في المنقلب ، اللهم اقبض لنا الأرض وهون علينا السفر، اللهم أنت الصّاحب في السفر، والخليفة في الأهل. فإذا جاء مقبلاً قال: تائبون آیبون حامدون لربنا عابدون. فإذا كان يوم

ص: 113


1- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 131 - 133 .
2- وقعة صفين ؛ لنصر بن مزاحم المنقري : 528 .

يدخل المدينة :قال توباً إلى ربنا توباً، لايغادر عليه منا حوباً . :وقال وحدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس :قال كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعناء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون ، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال. حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا أبو معاوية قال، حدثنا عاصم ، عن عبدالله

قال : كان بن سرجس النبي صلی الله علیه و آله وسلم إذا أراد سفراً قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون، ودعوة المظلوم، والمنظر في الأهل والمال . وإذا رجع قال مثل ذلك ، إلا أنه يقول : وسوء المنظر من الأهل والمال. :وقال وحدثنا أبو كريب قال حدثنا المحاربي، عن عاصم الأحول عن عبدالله بن سرجس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الاهل والمال . وقال: حدثنا عمرو بن على الباهلي قال حدثنا ابن أبي عدي، قال حدثنا سعيد، عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذا أراد سفراً قال: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا بنصح، وأقلبنا ،بذمة، اللهم أزو لنا الأرض، وهوّن علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعناء السفر، وكآبة المنقلب .

و حدثنا سوار بن عبدالله العنبري ،قال حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ، قال، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الهلال إذا أراد السفر قال : اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال ، اللهم اطو لنا الأرض، وهون علينا السفر وقال: حدثنا ابن وكيع قال حدثنا جرير، عن فطر ، عن أبي اسحاق ، عن البراء

ص: 114

قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في سفر قال: اللهم بلاغا يبلغ خيراً، مغفرة منك ورضواناً ، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ، اللهم هون علينا السفر ، واطو لنا الأرض ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب». وقال: حدثنا سعيد بن يحيى الأموى قال، حدثني أبي قال حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير، عن علي الأزدي، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر ، كبر ثلاثاً ثم قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وإنا إلى ربنا لمنقلبون (1) اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى والعمل بما ترضى اللهم هون علينا السفر، واطو عنّا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اني أعوذ بك من وعناء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال واذا رجع قالها، وزاد فيها: آئبون تائبون لربنا حامدون. وقال: وحدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال : أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج، أن أبا الزبير أخبره أن علياً الأزدي أخبره، أن عبد الله ابن علمه : أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يقول : فذكر نحوه، إلا أنه قال: ومن العمل

عمر ماترضى».

وقال: وحدثني هلال بن العلاء الرّقي ،قال حدثنا سعيد بن عبد الملك الحرّاني، قال حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد، عن أبي الزبير، عن على بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوت به دابته كبر ثلاثاً ، ثم قال : ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) (2)، اللهم

ص: 115


1- الزخرف : 13 - 14 .
2- الزخرف : 13.

إنا نسألك البرّ والتقوى ، ومن العمل ما ترضى اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا ، واطو لنا عنا بعده ، اللهم أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال . وكان إذا دخلها قالها أيضاً ، ثم قال آئبون تائبون، لربّنا حامدون»(1)

ص: 116


1- تهذيب الآثار 4 : 93 - 97 ، الاحادیث 15 - 165 ، ط / سنة 1402ه-.

[ الكلام (47) ]

من التعقيبات : بالاسناد عن العلوي ( ت / 445ه-) في فضل الكوفة» ، قال : أنا محمّد بن العباس قال: نا احمد قال نا ،الحسین، قال: نا ابوبكر بن أبي شيبة، :قال نا ابن نمير عن سفيان عن عبدالله ، عن شريك ، قال : حدثني جندب، عن سلمان، قال: «الكوفة قبة الاسلام».

:وقال أنا محمّد قال: نا محمّد بن عبدالله الجعفي ، قال : نا ابو جعفر أحمد بن علي الخياط العابد ، قال : نا جعفر بن محمّد بن ملك الأهوازي ، قال : قدم سلمان الكوفة واشرف على اتيانها فقال : كوفان معدن العلم وجماجم العرب، وقبة الاسلام، البركة فيها على اثني عشر ميلاً منها فار التنور، وفيها سفينة نوح، وفيها شجرة يقطين، وعصا موسى، وفيها أربعة أنهار من الجنة نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، ونهر من ماء ليتطهر به المسلمون. سمعت حبيبي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: نجّى الله وليه هول الحشر [كذا ] من ظهر الكوفة سبعون الفاً، وجوههم كدارة القمر ليلة البدر، فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام: من هؤلاء يا

رسول الله ؟ قال هم والله شيعتك وانت امامهم. (1)

ص: 117


1- فضل الكوفة : 28 - 201 ، مكتبة الظاهرية - دمشق.

[ الخطبة ( 48 ) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت /1361) في التخريج: قوله علیه السلام: الحمد لله كلما وقب ليل وغسق ... الخ ، هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين علیه السلام وهو بالنخيلة، خارجا من الكوفة متوجهاً الى صفين لخمس بقين من شوال سنة 37 ، وذكرها جماعة من أصحاب السير وزادوا فيها »(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : «الخطبة السابعة والأربعون ، عند المسير إلى

: الشام: «الحمد لله كلما وقب ليل وغسق ، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق .... الى آخره . ج 1 ص 93] . رواها ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين [ 70 و 72] كما رواها كتاب السيرة الآخرين في كتبهم ابن أبي الحديد [ج 1 ص 159] (انتهى). (2) قال الجلالي : وردت مقاطع من النص فيما ارويه عن المنقري، وقد تقدمت في أول الحديث في الخطبة السابقة رقم (46) وحدّ الحديث تاريخ الخطبة بخمس مضين من شوال يوم الأربعاء سنة 37ه- فليراجع . هذا، وقد ذكر تفصيلها

. محمّد بن عبدالله الاسكافي ( ت / 220 ه-) مرسلاً في المعيار والموازنة تحت (ت

ص: 118


1- مدارك نهج البلاغة : 80.
2- راجع : استناد نهج البلاغة

عنوان [ قيام امير المؤمنين علیه السلام في الناس ومشاورته اياهم للمسير الى حرب معاوية ثم حثه إياهم على قتال أهل الشام لما وافاه أصحابه. ومن كتب إليه بالقدوم عليه من عماله ] قال الاسكافي: فلما توافى أصحابه قام في الناس

، يحرضهم على قتال أهل الشام، فقال:

أيها الناس سيروا إلى أعداء الاسلام سيروا إلى من حارب محمّدا قديما وجماع طغام، سيروا إلى المؤلفة قلوبهم كيما تكفوا عن المسلمين بأسهم ، فطال والله ما صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام ،عوجا وتحالفوا وتحاربوا على

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والمسلمين، وجعلوا لهم المراصد ، ووضعوا لهم المسالح ورموهم بالمناسر والكتائب، وصدوا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والمسلمين عن المسجد الحرام ، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس وجدوا في إطفاء نور الله حتى أظهره الله وهم له كارهون.

منهم وأيم الله ما زلنا لهم على الاسلام متهمين ولأحداثهم فيه خائفين، حتى نجمت

هذه الأمور الّتي ترون. فأشيروا علي، فإنكم ميامين الرأي راجحي العقل، مقاويل بالحق، مباركي

الفعل والأمر.

فقام إليه الاشتر فقال : إن جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك، وإذا شئت فسر بنا إلى عدوك، فوالله ما ينجو من الموت من خافه، ولا يعطى البقاء من أحبه ، ولا يعيش بالأمل إلا الاشقياء، وإنا لعلى يقين من ربنا أن نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها . بل كيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين علیه السلام والله ما ازدادوا للاسلام إلا غشا ولا لاهله إلا بعضا، ولقد وليت عصابة منهم على طوائف من المسلمين فأسخطوا الرب وأظلمت بأعمالهم ف

الأرض، وأماتوا السنة، وأحيوا البدعة، وباعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير

ص: 119

فعجّل النهوض بنا إليهم نحاكمهم إلى الله فيما اختلفنا فيه حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين . ثم قعد.

فقام عدي بن حاتم الطائي فقال : يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ، ولا دعوت إلا إلى الحق ، وما أمرت إلا برشد؛ فإن رأيت أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم حتى يقدم عليهم رسلك، ويقدم عليهم كتبك فعلت، فإن يقبلوا يصيبوا رشدهم، والعافية أوسع لنا ولهم، وإن يتمادوا في غيّهم، ولم ينزعوا عن شقاقهم القانا ذلك وقد تقدمنا إليهم بالعذر ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق . ولعمري لهم أهون علينا من قوم قاتلناهم أمس بناحية البصرة لما جهرت لهم الحق فتركوه ناجزناهم القتال حتى رأينا فيهم ما نحب، وبلغ الله فيهم رضاه.

فقام زيد بن حصين الطائي - وكان من أصحاب البرانس - فقال : لعمري لئن كنا في شك من قتال من خالفنا ولا تصلح لنا النية في قتالهم حتى نستأنيهم ونستديمهم أحدث،

ما الاعمال إلا في تباب ولا السعي إلا في ضلال ووالله - وبنعمة

ربي

وبيلائه الحسن الجميل أنبئ - ما ارنبت طرفة عين في غيّ من يبتغون دمه، فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم القليل في الاسلام حظهم أعداء الحق وأعوان الظلم

، ومشددي أساس العدوان ، ليسوا من المهاجرين ولا الانصار ولا التابعين بإحسان. فقام إليه رجل من طي فقال يا زيد أكلام سيدنا عدي تهجن ؟ فقال : إنكم

والله ما أنتم أعرف بحق عديّ منّي ، ولا أدع الحق وإن سخط الناس. فقال عدي : الطريق مشترك والناس في الحق سواء، ومن اجتهد رأيه

ونصيحته للعامة فقد قضى ما عليه وله .

:قالوا ثم قام عمار بن ياسر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن استطعت فلا تقم يوما واحدا ، أشخص بنا قبل استعار نار حرب الفجرة ، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة، فادعهم إلى حظهم ورشدهم، فإن قبلوا سعدوا، وإن

ص: 120

أبوا إلّا حربنا ناجزناهم ، فوالله إن سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة من الله وكرامة منه، ثم قعد.

فقام قيس بن سعد بن عبادة الانصاري فقال يا أمير المؤمنين انكمش إلى عدونا ولا تعرج، فوالله إن جهادهم أحب إلي من جهاد الترك والروم؛ لادهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وآله والتابعين بإحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو سيروه أو حرموه، وفيئنا لهم في أنفسهم حلال.

فقام يزيد بن قيس الارحبي فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس على جهاز وعدة، وأكثرهم أهل قوة، ومن ليس به ضعف وليست به علة فمر مناديك أن ينادي فليخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة، فإن أخا الحرب ليس بالسووم ولا النؤوم، ولا الذي إذا أمكنته الفرص أملى لها واستشار فيها ولا الذي يؤخر عمل الحرب في

اليوم إلى غد وبعد غد. فقال زياد بن النضر الحارثي : يا أمير المؤمنين لقد نصح لك يزيد بن قيس

وقال ما عرفناه فسر على بركة الله إلى عدوك راشدا معانا فإن يرد الله يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم والقدم في الاسلام والقرابة من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وإن لا ينيبوا ويقبلوا ويأبوا إلا حربنا يجدوا بهم علينا

، هوانا رجونا أن يصرعهم الله إلى مصارع إخوانهم بالامس.

يهم خير الام

فقال عبد الله بن بديل الخزاعي: إن القوم والله لو كانوا يريدون الله أو لله يعملون ما خالفونا، ولكن القوم إنما يقاتلونا فرارا من الاسوة وحبًا للأثرة، وضنا بسلطانهم ، وكراهية لفراق دنياهم التي في أيديهم، وغلّا ووحرا في صدورهم، وعداوة يجدونها في أنفسهم. وكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه وخاله وجده؟ والله ما أظن أن يفعل دون أن تقصد فيهم المران، وتقطع على هامهم

ص: 121

السيوف، وتنثني حواجبهم بعمد الحديد، فتكون أمور جمة بين الفريقين. فخرج علي علیه السلام فعسكر بالنخيلة، فلما توافي أصحابه بالنخيلة قام رجل يقال له جندب بن زهير الازدي والحارث الاعور الهمداني فقالا: قد آن للذين أخرجوا من ديارهم بغير حق أن يؤوبوا فيغيروا ، وللمظلومين والمحرومين أن ينتصروا ، وللمنكرين الجور بقلوبهم أن ينطقوا . ألا إن المؤمنين استذلوا فقهروا ، وقلّوا فستروا ، وأخرجوا من أموالهم وأخلوا عن أبنائهم ونسائهم، فصلحاء من عباد الله بالمشرق منفيون إلى المغرب، وصلحاء أسلافنا السابقين بالخيرات منفيون من حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار الوحش والسباع بمنزلة الغربة والوحدة والوحشة، فالحدود معطلة والولاة فجرة، ودين الله مفقود، وكتابه ممزق ، وعهده منبوذ ، فما تنتظرون - عباد الله - من

جهاد قوم لا يكفون عن الظلم، ولا يعطون حق الرب، ولا يحكمون بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون.

فقال الحارث بن عبيد الاعور في عراص كلام حدب كالمستجيب لقوله والمحرّض معه : وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا وأموالنا ، الذين يشربون الخمور ويلبسون الحرير، ويفترشون الديباج ويزعمون أن فيئنا لهم حلال.

ثم قام عمرو بن الحمق فقال : يا أمير المؤمنين والله ما بايعتك ولا أجبتك على عرض من الدنيا تؤتنيه ولا التماس سلطان ترفع ذكري به، ولكني أجبتك لخصال خمس: إنك ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وأولى الناس بالمؤمنين بالله، وزوج سيدة نساء الامة فاطمة بنت رسول الله علیه السلام، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأعظم رجل من المهاجرين والأنصار سهما في الاسلام، فوالله لو كلّفت نقل الجبال الرواسي ونزح البحار الطوامي أبدا حتى يأتي علي يومي في

ص: 122

شيء أوهن به عدوك وأقوي به وليك، ويعلي الله كعبك، ويفلج الله ع-ل-ي ب-ه حجتك، ما ظننت أني أديت كل الذي يحق عليّ من حقك. فقال علي: أللّهم نور قلبه باليقين واهده الصراط المستقيم، ليت في جندي

مائة مثلك.

ثم قام حجر بن عدي فقال يا أمير المؤمنين نحن أبناء الحرب وأهلها الذين

لم نزل نلقحها وننتجها ، وقد ضرستنا الحرب وضرسناها ومارسناها ، ولنا إخوان ذو صلاح وعشيرة ذات عدد ورأي مجرب، وبأس محمود والله علينا النعماء والطول، فأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة، فإن شرقت شرقنا، وإن غربت غربنا، وما هويت من أمر فعلنا.

فقال علي : أكل قومك على مثل رأيك ؟

فقال : ما يظهرون إلّا حسنا، وهذه يدي على قومي بحسن الطاعة والاجابة.

فدعا له أمير المؤمنين بخير. وذكروا أنه قدم عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى الانبار وأتبعه كتابا منه،

وهذا نصّه:

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن بديل : سلام عليك . أما بعد ، فإنه بدا لي المقام بشاطئ الفرات لحمام عبد الله، فليجئني عبد الله بن عباس بمن معه وحريث بن جابر، وانظر جندك فأقم بهم بالمكان الذي أنت به، وإياك ومواقعة أحد من خيل العدوّ حتى أتقدم عليك ، وأذكِ العيون نحوهم، وليكن مع عيونك من السلاح ما يباشرون به القتال، ولتكن عيونك الشجعان من جندك ، فإن الجبان لا يأتيك بصحة الامر. وانته إلى أمري ومن قبلك بإذن الله ، والسلام.

فلما أراد المسير قام في الناس فقال : الحمد الله غير مفقود بالنعم، ولا مكافاً بالافضال. وأشهد أن لا إله إلا الله ونحن على ذلك من الشاهدين، وأشهد أن محمّدا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. أما بعد ذلكم، فإني

ص: 123

قدمت مقدماتي وأمرتهم بلزوم هذا المكان حتى يأتيهم أمري، وقد أردت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة موطنين أكناف دجلة فأنهضهم معكم إلى عدوكم إن شاء الله . وقد أمرت على مصركم عقبة بن عمرو الانصاري، ولم آلكم ولا نفسي نصحا ، فإياكم والتخلّف والتربص فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته أن لا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله ، ثم دعا بدابته فجاء بها قنبر، فلما ركب أخذ مالك بعنانها فقال: يا أمير المؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الناس ؟ فقال : يا مالك إنهم لن يصيبوا من الاجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه، وأنت هاهنا أعظم غناء عنهم منك لو كنت معهم.

فقال مالك: فسمعا وطاعة يا أمير المؤمنين.

فسار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وسار أمامه الحر بن سهم بن طريف

التميمي، وهو يقول:

یا ناق سيري بي وأمي الشاما ***وقطعي الاحاد والأكاما

و تابذی من خالف الاماما*** إني لارجو إن لقيت العاما

جمع بنی أمية الطغاما ***أن يقتل العاصي والهماما

و أن تزيل من رجال هاما

فلما انتهى الحر إلى آثار الكسرى وقف ينظر إليها ويتمثّل بقول الأسود بن يعفر :

جرت الرياح على محل ديارهم وكأنما كانوا على ميعاد فقال له علي رضی الله عنه: فلولا قلت: كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(1) إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعم فسلبوها بالمعصية، فإياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم، ثم قال انزلوا بنا هذه الفجوة

ص: 124


1- الدخان : 25 - 26.

ثم أمر الحارث الاعور فنادى فى أهل المدائن أن وافوا أمير المؤمنين صلاة

العصر فوافوه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

هذه

أما بعد ، فإني قد عجبت لتخلّفكم عن إخوانكم وانقطاعكم عن مصركم في المساكن الظالم أهلها ، أكثر سكانها لا معروف يأمرون به ولا منكر ينهون عنه.

:فقالوا يا أمير المؤمنين كنا ننتظر أمرك .

فخرج ثم نزل الانبار، فاستقبله دهقان من رؤسائها يقود البراذين في جمع من الدهاقنة وقد اتخذوا له ولاصحابه طعاما ،وعلفا ، فلما استقبلوه ترجّلوا له واشتدوا بين يديه، فقال لهم : ما هذه الدواب الّتي معكم، وما أردتم بهذا الذي صنعتم ؟ فقالوا: أما ما صنعنا فإنه شي كنا نعظم به الامراء، وأما هذه البراذين فأهديناها لك، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما، وهيئنا لدوابكم علفا . فقال علي علیه السلام: أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظّمون به الامراء، فوالله ما ينفع ذلك الامراء، وإنكم لتشقون على أنفسكم وأبدانكم، فلا تعودوا له، وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أخذناها منكم وحسبناها لكم من خراجكم، وأما الذي

صنعتم من الطعام والعلف ، فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن . فقالوا: يا أمير المؤمنين إن لنا من العرب موالي ومعارف أفتمنعنا أن نهدي

لهم ؟ وتمنعهم أن يقبلوا هديتنا ؟

فقال : وكل العرب لكم موالي ومعارف ، ليس أحد من العرب بأحق منكم من أحد ولست أمنعكم أن تهدوا لمعرفة ولا لاحد من المسلمين أن يقبل هدية، وإن غصبكم أحد فأعلمونا

:فقالوا إنا نحب يا أمير المؤمنين أن تقبل كرامتنا، فقال: ويحكم نحن

أغنى منكم (1)

ص: 125


1- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي: 132 125

[ الكلام (49) ]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني ت / 328ه-) في «الكافي عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر وغيره، عمن ذكره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل

سماه ، عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الاعور قال : خطب أمير المؤمنين علیه السلام خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكره من تعظيم الله جل جلاله ، قال أبو إسحاق : فقلت للحارث أو ما حفظتها ؟ قال : قد كتبتها، فأملاها

علينا من كتابه

الحمد الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه ، لانه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن الذي لم يلد فيكون في العزّ مشاركا، ولم يولد فيكون موروثا هالكا ، ولم تقع عليه الاوهام فتقدره شبحا مائلا ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها حائلا، الذي ليست في أوليته نهاية ولا لآخريته حدّ ولا غاية الذي لم يسبقه وقت ولم يتقدمه زمان ولا يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولا يوصف بأين ؟ ولا بٍمَ؟ ولا مكان، الذي بطن من خفيات الأمور وظهر في العقول بما يرى في خلقه علامات التدبير ، الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا ببعض

من

ص: 126

بل وصفته بفعاله ودلّت عليه بآياته، لا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لان من كانت السماوات والارض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته ، الذي نأى من الخلق فلا شي كمثله ، الذي خلق خلقه لعبادته وأقدرهم

هلك،

على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بيّنة هلك من وبمنّه نجا من نجا ولله الفضل مبدءا ومعيدا، ثم إن الله وله الحمد - افتتح الحمد لنفسه وختم أمر الدنيا ومحل الآخرة بالحمد لنفسه ، فقال : ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )(1)ا(2)وأيضاً عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في « الكافي»: بالنص الاتي، قال: الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسيد والمرتدي بالجلال بلا تمثيل والمستوي على العرش بغير زوال، والمتعالى على الخلق بلا تباعد منهم ولا ملامسة منه لهم ، ليس له حد ينتهى إلى حده ولا له مثل فيعرف بمثله ذلّ من تجبر ،غيره وصغر من تكبر دونه وتواضعت الاشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه ،وعزته وكلّت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شي ولا قبل له والآخر بعد كل شي ولا بعد له الظاهر على كل شي بالقهر له، والمشاهد لجميع الاماكن بلا انتقال اليها لا تلمسه لامسة ولا تحسّه حاسة، الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم، أتقن ما أراد من خلقه من الاشباح كلها ، لا بمثال سبق إليه ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ابتدأ ما أراد ابتداءه، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراد من الثقلين الجن والانس، ليعرفوا بذلك ربوبيته وتمكن فيهم طاعته - نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها، ونستهديه لمراشد امورنا، ونعوذ به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب

ص: 127


1- الزمر : 75
2- الكافي للشيخ الكليني 1 : 141 .

الّتي سبقت منا، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدا عبده ورسوله ، بعثه بالحق نبياً دالا عليه وهادياً إليه ، فهدى به من الضلالة واستنقذنا به من الجهالة ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) (1) ونال ثوابا جزيلا ، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا، واستحق عذابا اليما، فأنجعوا بما يحق عليكم من السمع والطاعة، وإخلاص النصيحة ، وحسن المؤازرة، وأعينوا على أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة وهجر الامور المكروهة وتعاطوا الحق بينكم وتعاونوا به دوني، وخذوا على يد الظالم السفيه ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر

، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم، عصمنا الله وإياكم بالهدى، وثبتنا وإياكم على التقوى، وأستغفر الله لي ولكم».(2)

وبالاسناد عن القاضي النعمان بن محمد المغربي في شرح الأخبار عن جعفر بن سليمان، باسناده عن على أن قوما ذكروا التشبيه في مجلسه، فزجر القوم، ونهاهم عن الكلام في ذلك فأمسكوا. ثم قال: الحمد لله الذي بطن بخفيات الأمور ، ودلت عليه أعلام الظهور واستتر بلطفه عن عين البصيرة، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره، سبق في العلو فلا شي أعلا منه وقرب في الدنو فلا شي أقرب منه . فلا استعلاؤه باعده عن شئ من خلقه، ولا قربه ساواهم بالمكان به، لم تطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها السواتر عن يقين معرفته، فهو الذي تشهد له عين الوجود على إقرار قلب ذي الجحود تعالى عما يقول المشبّهون به الجاحدون له علوا كبيرا . (3)

ص: 128


1- الأحزاب: 71
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 1: 142 .
3- شرح الأخبار ، للقاضي النعمان المغربي 2 311 - 312

[ الكلام (50) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: انما بدو وقوع الفتن... الخ، هذا من خطبة مروية في روضة الكافي وهو مروي في أصول الكافي ايضاً » (1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها البرقي في كتاب المحاسن والأداب الورق) 79 ب و 84 ألف)، كما رواها الكلينى في أصول الكافي (13) وكتاب الروضة من فروع الكافي ج 3 آج ص 29] ، وعاصم بن حميد في كتابه [بحار الانوار ج 1 ص 159 و 166]» . (انتهى)(2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن الشيخ الكليني ( ت /

328ه-) بالاسناد المتقدم في الخطبة (42) ، فراجع. وبالاسناد عن الشيخ الكليني في الكافى ، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشاء، وعدة من أصحابنا، عن أحمد ابن ،محمّد عن ابن فضال جميعا، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن

ص: 129


1- مدارك نهج البلاغة : 81 11
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

أبي جعفر علیه السلام قال : خطب أمير المؤمنين علیه السلام الناس فقال : أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله يتولى فيها رجال رجالا، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص لم يكن

اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغت ومن هذا ضعت فيمرجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من

لهم من الله ال-

الله الحسنى . (1)

ورواه الاسكافي ( ت / 220 ه-) مرسلاً في «المعيار والموازنة ص 291

وبالاسناد الثالث عن الهاروني ( ت / 424 ه-) في ( تيسير المطالب قال: أخبرنا ابو عبدالله محمد بن زيد الحسني قال اخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه ، قال : حدثنا أخي الحسين بن علي ، عن محمّد بن الوليد، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن اسماعيل الجعفي، قال: قال لي ابو جعفر محمّد بن علي علیهما السلام : خطب أمير المؤمنين علي علیه السلام بعد ان استخلف بستة أيام فحمد الله واثنى عليه وافاض في الصلاة على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ثم قال : أيها الناس، إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ويتولى فيها رجال رجالاً ، فلو ان الحق خلص لم يكن اختلاف، ولو ان الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولكن يؤخذ من هذا ضعت ومن هذا ضغت فيمزجان وهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، دون الذين سبقت لهم من الله الحسنى، اليوم عمل ولا ثواب ولا عمل كأداء مفاتيح الهدى بنا نفى الله رب-ق الذل عن اعناقكم، وبنا يفتح ويختم، لا بكم. والله أيها الناس ، لقد أدركت أقواماً كانوا يبيتون سجداً الله وقياماً ، كأن صرير النار في آذانهم ، واذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة يوم الريح العاصف. أيها الناس ان الله حدّ حدوداً فلا تعتدوها وفرض فروضاً فلا تنقصوها وامسك عن أشياء - لم يمسك عليها نسياناً، بل

ص: 130


1- الكافي للشيخ الكليني 54:1

رحمة من الله لكم - فأقبلوها ولا تكلفوها، حلال بين وحرام بيّن وحرام بيّن و شبهات بين ذلك، فمن ترك ما اشتبه عليه فهو لما استبان له اترك والمعاصي حمى الله فمن رتع حولها يوشك أن يقع فيها » .(1)

وأيضاً بالاسناد عن الهاروني ( ت / 424ه-) في «تيسير المطالب»، قال: اخبرنا ابو عبدالله احمد بن محمد البغدادي، قال اخبرنا ابو القاسم عبد العزيز بن اسحاق، قال: حدثني احمد بن الحسين الحربي، قال: حدثنا محمد بن الأزهر الطائي الكوفي ، قال : حدثنا سلمة بن عامر ، عن أبي اسحاق السبيعي، عن الحرث، عن أمير المؤمنين علي علیه السلام: انه خطب فقال :

ألا، فان الحق لو اخلص لم يخف على ذي حجا، ألا وان الباطل لو اخلص لم يخف على ذي حجا، ولكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضعت فيمتزجان فحينئذ استولى الشيطان على حزبه ونجا حزب الله ( الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنا الْحُسْنَى (2)، ألا وان الباطل خيل شمس ركبها اهلها وأرسلوا أزمتها فسارت حتى

انتهت بهم نار وقودها الناس والحجارة، ألا وأن الحق مطايا ذلل ركبها أهلها واعطوا ازمتها فسارت بهم الهوينا حتى انت ظلاً ظليلاً، فعليكم بالحق فاسلكوا سبيله واعلموا به تكونوا من أهله، ألا وان من خاف حذر، ومن حذر جانب السيئات ، ألا وانه من جانب السيئات أدلج الى الخيرات في السراء، ومن أراد سفراً أعد له زاداً ، فأعدوا الزاد ليوم المعاد، واعملوا لجزاء باق ، فاني - والله لم ار كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها (3) ونقل العلامة المجلسي في البحار عن كتاب عاصم بن حميد، عن محمّد بن

ص: 131


1- تيسير المطالب : 191 ، ط / 1395 .
2- الأنبياء : 101 .
3- تيسير المطالب : 189 ، ط / 1395 .

،مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قوله: «انما بدء

وقوع الفتن ... إلى آخره .(1)

ى البرقي في المحاسن عن ابن فضال، عن عاصم بن حميد بنفس السند

والنص المتقدمان(2).

ص: 132


1- بحار الانوار :2 291
2- بحار الانوار 2 : 315

[ الخطبة (51)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج: قوله علیهما السلام: قد استطعموكم القتال ... في شرح الفاضل حدث عمرو بن شمر عن جابر، قال: خطب علي علیهما السلام يوم الماء فقال: «أما بعد فان القوم قد بدوكم بالظلم وفاتحوكم بالبغي واستقبلوكم بالعدوان وقد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء، فاقروا على مذلة وتأخير مهلة ... الفصل إلى آخره(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين

ابن أبي الحديد [ج 1 ص 180].(2)

قال الجلالي: لم أجدها في المطبوعة، وان المنقول عن نصر هو مجرد

الواقعة، لا الخطبة.

ص: 133


1- مدارك نهج البلاغة : 80.
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

[ الخطبة (52)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج : قوله علیه السلام: إن الدنيا قد تصرمت... الى آخره.». وقوله بعد ومن كمال الاضحية ... الخ؛ ملتقط من

خطبة طويلة خطبها يوم الاضحى ، وقد رواها الشيخ في المصباح، وهي بسندها

مذكورة فيه مع اختلاف في الالفاظ بين رواية السيد هنا وبين رواية الشيخ هناك(1)

قال الجلالي: وقد تقدم الاسناد الى المقاطع في الخطبة (45) ، فليراجع .

وبالاسناد عن الشيخ المفيد ( ت / 413 ه-) في الأمالي»: قال: أخبرني أبو

عبیدالله محمّد بن عمران المرزباني قال: أخبرنا أحمد بن محمّد المكي قال حدثنا أبو العيناء، عن محمّد بن الحكم عن لوط بن يحيى، عن الحارث بن كعب، عن مجاهد قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام: « ازهدوا في هذه الدنيا التي لم يتمتع بها أحد كان قبلكم، ولا تبقى لاحد من بعدكم سبيلكم فيها سبيل الماضين، قد تصرّمت وآذنت بانقضاء، وتنكّر معروفها ، فهي تخبر أهلها بالفناء، وسكانها بالموت . وقد أمر منها ما كان حلوا ، وكدر منها ما كان صفوا، فلم تبق منها إلا سملة كسملة الاداوة، أو جرعة كجرعة الاناء، لو تمزّزها العطشان

ص: 134


1- دارك نهج البلاغة : 80.

لم ينقع بها. فأزمعوا بالرحيل عن هذه الدار المقدور على أهلها الزوال الممنوع أهلها من الحياة، المذلّلة فيها أنفسهم بالموت، فلاحىّ يطمع في البقاء، ولا نفس إلا مذعنة بالمنون، ولا يعللكم الأمل، ولا يطول عليكم الأمد، ولا تغرّوا منها بالآمال ولو حنتم حنين الوله العجال، ودعوتم مثل حنين الحمام، وجارتم جار متبتل الرهبان، وخرجتم إلى الله تعالى من الاموال والأولاد التماس القربة إليه

في ارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة أحصتها كتبته، وحفظتها ملائكته ، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، وأتخوف عليكم من عقابه . جعلنا الله وإياكم من

التائبين العابدين(1)

ص: 135


1- الأمالي ؛ للشيخ المفيد : 161 159

[ الخطبة (53) ]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الصدوق( ت /381ه-) قال في من لا يحضره الفقيه وخطب أمير المؤمنين علیه السلام في عيد الاضحى فقال: «الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، والله الحمد الله أكبر على

ما هدانا وله الشكر فيما أولانا، والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام).

، وكان على علیه السلام يبدأ بالتكبير إذا صلى الظهر من يوم النحر، وكان يقطع التكبير آخر أيام التشريق عند الغداة ، وكان يكبر في دبر كل صلاة فيقول: «الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد فإذا انتهى إلى المصلى تقدم فصلّى بالناس بغير أذان ولا إقامة، فإذا فرغ من الصلاة صعد المنبر، ثم بدأ فقال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر زنة عرشه ورضى نفسه وعدد قطر سمائه وبحاره ، له الاسماء الحسنى، والحمد الله حتى يرضى، وهو العزيز الغفور، الله أكبر كبيرا متكبرا ، وإلها متعززا ، ورحيما متحننا يعفو بعد القدرة، ولا يقنط من رحمته إلا الضالون ، الله أكبر كبيرا ، ولا إله إلا الله كثيرا، وسبحان الله حنانا قديرا، والحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمدا عبده ورسوله ، من يطع الله ورسوله فقد اهتدى وفاز فوزا عظيما، ومن يعص

الله

ص: 136

ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا .

أوصيكم عباد الله بتقوى الله وكثرة ذكر الموت، والزهد في الدنيا التي لم يتمتع بها من كان فيها قبلكم ، ولن تبقى لأحد من بعدكم، وسبيلكم فيها سبيل الماضين، ألا ترون أنها قد تصرمت وأذنت بانقضاء، وتنكر معروفها، وأدبرت حذاء فهي تخبر بالفناء، وساكنها يحدى بالموت، فقد أمر منها ما كان حلوا، وكدر منها ما كان صفوا ، فلم يبق منها إلا سلمة كسلمة الاداوة، وجرعة كجرعة الاناء، ولو يتمززها الصديان لم تنفع غلته، فأزمعوا عباد الله بالرحيل من هذه الدار المقدور على أهلها الزوال، الممنوع أهلها من الحياة المذللة أنفسهم بالموت فلاحي يطمع في البقاء، ولا نفس إلا مذعنة بالمنون، فلا يغلبنكم الأمل ، ولا يطل عليكم الامد ، ولا تغتروا فيها بالآمال، وتعبدوا الله أيام الحياة، فوالله لو حنتم حنين الواله العجلان، ودعوتهم بمثل دعاء الانام ، وجارت-م ج-وار متبتل الرهبان وخرجتم إلى الله من الاموال والاولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة أحصتها كتبته وحفظتها رسله لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه وأتخوف عليكم من أليم عقابه ، وبالله لو انماثت قلوبكم انمياتا وسالت عيونكم من رغبة إليه ورهبة منه دما، ثم عمرتم في الدنيا ما كانت الدنيا باقية ما جزت أعمالكم ولو لم تبقوا شيئا من جهدكم لنعمه العظام عليكم وهداه إياكم إلى الايمان ما كنتم لتستحقوا أبد الدهر ما الدهر قائم بأعمالكم جنته ولا رحمته، ولكن برحمته ترحمون وبهداه تهتدون، وبهما إلى جنته تصيرون، جعلنا الله وإياكم من التائبين العابدين.

وإن هذا يوم حرمته عظيمة وبركته مأمولة والمغفرة فيه مرجوّة ، فأكثروا ذكر

الله تعالى واستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .

ومن ضحى منكم بجذع من المعز فإنه لا يجزي عنه، والجذع من الضأن

ص: 137

يجزي ومن تمام الاضحية استشراف عينها وأذنها وإذا سلمت العين والاذن تمت الاضحية، وإن انت عضباء القرن أو تجر برجليها إلى المنسك فلا تجزي. وإذا ضحيتم فكلوا وأطعموا واهدوا واحمدوا الله على ما رزقكم من بهيمة الأنعام وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأحسنوا العبادة، وأقيموا الشهادة وارغبوا فيما كتب عليكم

وفرض من الجهاد والحج والصيام، فإن ثواب ذلك عظيم لا ينفد ، وتركه وبال لا يبيد، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وأخيفوا الظالم، وانصروا المظلوم، وخذوا على يد المريب، وأحسنوا إلى النساء وما ملكت أيمانكم، واصدقوا الحديث، وأدوا الامانة ، وكونوا قوامين بالحق ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (1) ، إن أحسن الحديث ذكر الله، وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدُ )(2) ويقرأ ( قل يا أيها الكافرون ) ... إلى آخرها، أو ( أَلْهَاكُمُ التَكَاثُر ) .. إلى آخرها أو( والعصر ) ، وكان مما يدوم عليه ( قُلْ هُوَ اللهُ

أَحَدُ ) (3) ، فكان إذا قرأ إحدى هذه السور جلس جلسة كجلسة العجلان، ثم ينهض وهو لا كان أوّل من حفظ عليه الجلسة بين الخطبتين، ثم يخطب بالخطبة التي كتبناها بعد الجمعة (4)

وبالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ) عن أبي مخنف باسناده، وقد ذكره

في الفهرست بقوله: «لوط بن يحيى، يكنى أبا ،مخنف، من اصحاب امير المؤمنين علیه السلام، ومن اصحاب الحسن والحسين علیهما السلام على ما زعم الكشي، والصحيح

ص: 138


1- لقمان : 33 .
2- الإخلاص : 1-4
3- الإخلاص : 1.
4- من لا يحضره الفقيه ؛ للشيخ الصدوق 517:1 - 523 ، الحديثان 1483 و 1484 .

ان اباه كان من اصحاب علي علیه السلام، وهو لم يلقه . له كتب كثيرة في السير، منها: كتاب مقتل الحسين علیه السلام له ، وكتاب اخبار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكتاب مقتل محمّد بن أبي بكر ، وكتاب مقتل عثمان ، وكتاب الجمل، وكتاب صفين، وغير ذلك من الكتب، وهي كثيرة. اخبرنا بها أحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله جميعا، عن أبي بكر الدوري، عن القاضي أبي بكر احمد بن كامل، عن محمّد بن موسى بن حماد، عن ابن أبي السري محمّد ، قال اخبرنا هشام بن محمّد الكلبي، وله كتاب خطبة الزهراء علیها السلام، اخبرنا بها احمد بن محمّد بن موسى عن

ابن عقدة، عن يحيى بن زكريا بن شيبان عن نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف عن عبد الرحمان بن جندب، عن أبيه قال خطب امير المؤمنين علیه السلام وذكر الخطبة بطولها » .(1)

عنه.

وعن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في مصباح المتهجد في خطبة يوم الأضحى، قال روى أبو مخنف، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه: أن عليا خطب يوم الأضحى، فكبر، وقال: الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا وله الشكر على ما أبلانا، والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، الله أكبر زنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته وعدد قطر سماواته ، ونطف بحوره ، له الأسماء الحسني ، وله الحمد في الآخرة والأولى حتى يرضى وبعد الرضى، إنه هو العلي الكبير، الله أكبر كبيرا متكبرا، وإلها عزيزا متعززا ، ورحيما عطوفا متحننا، يقبل التوبة ويقيل العثرة، ويعفو بعد القدرة، ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون. الله أكبر كبيرا، ولا إله إلا الله مخلصاء وسبحان الله بكرة وأصيلا والحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، من يطع الله

ص: 139


1- الفهرست : 156 ، ط / النجف ، سنة 1381ه-.

ورسوله فقد اهتدى وفاز فوزا عظيما، ومن يعصهما فقد ضل ضلالا بعيدا. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وكثرة ذكر الموت، وأحذركم الدنيا الّتي لم يمتع بها أحد قبلكم ولا بقي لأحد بعدكم، فسبيل من فيها سبيل الماضين من أهلها ، ألا وإنها قد تصرمت واذنت بانقضاء وتنكر معروفها وأصبحت مديرة مولية فهي تهتف بالفناء وتصرخ بالموت ، قد أمر منها ما كان حلوا، وكدر منها ما كان صفوا، فلم يبق منها إلّا شفافة كشفافة الاناء، وجرعة كجرعة الادارة، لو تمززها الصديان لم تنقع غلته، فأزمعوا عباد الله على الرحيل عنها وأجمعوا متاركتها فما من حي يطمع في بقاء ولا نفس إلا وقد أذعنت للمنون ولا يغلبنكم الامل ولا يطل عليكم

الامد فتقسو قلوبكم ولا تغتروا بالمنى وخدع الشيطان وتسويقه، فإن الشيطان عدوّكم حريص على إهلاككم، تعبدوا الله عباد الله أيام الحياة، فو الله لو حننتم حنين الواله المعجال ، ودعوتم دعاء الحمام وجأرتم جؤار مبتلي الرهبان وخرجتم إلى الله عز وجل من الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة وغفران سيئة أحصتها كتبته وحفظتها رسله لكان قليلا فيما ترجون من ثوابه وتخشون من عقابه و تا الله لو انماثت قلوبكم انمياتا وسالت من رهبة الله عيونكم دما ثم عمرتم عمر الدنيا على أفضل اجتهاد وعمل، ما جزت أعمالكم حق نعمة الله عليكم ولا استحققتم الجنة بسوى رحمة الله ومنه عليكم ، جعلنا الله وإياكم من المقسطين التائبين الأوابين.

ألا وإن هذا اليوم يوم حرمته عظيمة وبركته مأمولة والمغفرة فيه مرجوة فأكثروا ذكر الله وتعرّضوا لثوابه بالتوبة والانابة والخضوع والتضرع، فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وهو الرحيم الودود، ومن ضحى منكم فليضح بجذع من الضأن، ولا يجزئ عنه جذع من المعز، ومن تمام الأضحية استشراف أذنيها وسلامة عينيها ، فإذا سلمت الاذن والعين سلمت الأضحية وتمت ، وإن كانت عضباء القرن، تجر رجليها إلى المنسك ، فإذا ضحيتم فكلوا منها وأطعموا

ص: 140

وادّخروا واحمدوا الله على ما رزقكم من بهيمة الأنعام، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأحسنوا العبادة، وأقيموا الشهادة بالقسط وارغبوا فيما كتب الله لكم وأدوا ما افترض عليكم من الحج والصيام والصلاة والزكاة ومعالم الايمان؛ فإن ثواب الله عظيم وخيره جسيم ، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، وأعينوا الضعيف، وانصروا المظلوم، وخذوا فوق يد الظالم أو المريب، وأحسنوا إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم، واصدقوا الحديث وأدوا الأمانة، وأوفوا بالعهد وكونوا قوامين بالقسط وأوفوا الكيل والميزان، وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده ( فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ) (1) ، إن أبلغ الموعظة وأحسن القصص كلام الله .

ثم تعوّذ وقرأ سورة الاخلاص ، وجلس كالرائد العجلان، ثم نهض، فقال: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ... وذكر باقي الخطبة القصيرة نحواً من خطبة الجمعة .(2)

ومن الشواهد : بالاسناد عن الدارقطني ( ت / 385ه- ) بالاسناد عن أبي حُجية بن عدي، عن علي في حديث أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن نستشرف العين والاذن

: صلى الله عليه وسلم

[الحديث ] . قال : تفرّد به یزید بن مروان، عن داود بن الزبرقان، عن محمّد بن

جحادة، عن سلمة بن كهيل عنه .

ورواه رقبة بن مصقلة، عن سلمة وتفرد به أبو حمزة الشكري ورواه محمّد

بن عبيد الله سلمة . (3) عن

وفي الهامش ما يلي: الحديث أخرجه عن علي أبو داود (3 -97) :كتاب

ص: 141


1- لقمان : 33 .
2- مصباح المتهجد ؛ للشيخ الطوسي : 662 - 665 .
3- أطراف الغرائب والأفراد 1 : 86، ط / 1419ه-.

الأضاحي باب ما يكره من الضحايا رقم ( 2804 ) ، والترمذي ( 4: 86 20 - كتاب الأضاحي 6 - باب ما يكره من الأضاحي رقم (1498) وقال حسن صحيح النسائي ( 7 ) (217) کتاب الضحايا ، باب الشرقاء وهي مشقوقة الأذن، ابن ماجة ( 1 : 95 ، 105 ، 125 ، 152) کتاب الأضاحي ، باب ما يكره أن يضحى به رقم (3143) ، أحمد بن حنبل في مسنده (1:152) ، البيهقي ( 9 275) كتاب الضحايا، باب ما ورد النهي عن التضحية به الحاكم في المستدرك ( 1: 468) ، كتاب المناسك وأيضاً في الأضاحي ( 4 224) وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ابن الجارود في المنتقى ( ص 303) رقم (906) باب ما ، جاء في الضحايا، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4 169) كتاب الصيد : والذبائح والأضاحي باب : العيوب التي لا تجوز.

وقال المزي (ت / 742ه-) : ( شريح بن النعمان الصائدي الكوفي ، عن علي. دت س ق حديث: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن... الحديث. د في الأضاحي ) (2804) عن النفيلي، عن زهير ، عن أبي إسحاق، عن شريح

النعمان ، وكان رجل صدق به.

ت فيه (1498) عن الحسن بن علي الحلواني، عن يزيد بن هارون عن شريك . ( 1498م) عن الحسن بن علي، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل؛ كلاهما عن أبي إسحاق نحوه، وقال: حسن صحيح. س فيه 7: 216 (4462) عن محمد بن آدم، عن عبد الرحيم بن سليمان، عن زكريا بن أبي زائدة و 7 216( 4463) عن أبي داود الحراني، عن الحسن بن . : محمّد بن أعين عن زهير؛ كلاهما عن أبي إسحاق، به وزاد وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء . و 7 : 217 ( 4464 ) عن أحمد ابن ناصح، عن أبي بكر بن عياش. و 7: 217 ( 4465) عن هارون بن عبدالله ، عن

ص: 142

شجاع بن الوليد، عن زياد بن خيثمة ؛ كلاهما عن أبي إسحاق بالزيادة دون

المزيد عليه . ق : فيه ( 3142) عن محمد بن الصباح، عن أبي بكر بن عياش نحوه. وفي الهامش ما يلي: « أخرجه أحمد 1: 80 و 108 و 128 و 149 ، والدارمي

(1958) . وانظر المسند الجامع :13 15 حدیث (10207) (1)

وقال : فائدة، قال الإمام الدارقطني في «العلل » 3 ( السؤال -380) : «لم يسمع هذا الحديث أبو إسحاق من شريح حدث به أبو كامل مظفر بن مدرك ، عن قيس ابن الربيع، قال: قلت لأبي إسحاق: سمعته من شريح؟ قال: حدثني ابن أشوع عنه ( أخرجه الحاكم 4 : 224) . ورواه الجراح بن الضحاك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أشوع، س- سمعه منه مرفوعا. ورواه الثوري ، عن ابن أشوع، عن شريح

عن علي موقوفاً . ويشبه أن يكون القول الثوري، والله أعلم.

وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774ه- ) قال : حدثنا وكيع، حدثنا سفيان ، عن سلمة، عن حجر ابن عدي الكندي ] عن علي بن أبي طالب ] قال: أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن نستشرف العين والأذن . (2)حدثنا وكيع حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل، عن حجية قال: سأل رجل علياً عن البقرة ؟ فقال : عن سبعة فقال مكسورة القرن؟ فقال: لا يضرك، قال: العرجاء؟ قال : إذا بلغت المنسك فاذبح أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن (3). حدثنا عفان حدثنا شعبة قال: سلمة بن كهيل أنبأتي، قال: سمعت حجية بن عدي، رجلاً من كندة ، قال : سمعت رجلاً سأل علياً قال : إني اشتريت هذه البقرة

ص: 143


1- تحفة الأشراف 7: 47 ، 0 / 1405ه-.
2- رواه الإمام أحمد في مسنده (1: 95) ، وطبعة شاكر رقم (732)، وإسناده صحيح.
3- رواه الإمام أحمد في المسند (1 : 95) ، وطبعة شاكر رقم (734) ، وإسناده صحيح .

للأضحى ؟ قال : عن سبعة ، قال : القرن ؟ قال : لا يضرك ، قال : العرج ؟ قال : إذا بلغت المنسك فانحر، ثم قال : أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن نستشرف العين والأذن (1)

حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان وشعبة وحماد بن سلمة، عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي: أن رجلاً سأل علياً عن البقرة ؟ فقال : عن سبعة ، قال : القرن ؟ قال: لا يضرك ، قال : فالعرجاء ؟ قال : إذا بلغت المنسك ، قل : وأمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن نستشرف العين والأذن (2)

حدثنا محمّد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجية

(3)

ابن عدي قال : سمعت علي بن أبي طالب وسأله رجل، فذكر الحديث ) حدثنا محمّد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت حجية ابن عدي، قال: سمعت علي بن أبي طالب وسأله رجل عن البقرة ؟ فقال : ع--ن سبعة ، وسأله عن الأعرج ؟ فقال : إذا بلغت المنسك ، وسئل عن القرن ؟ فقال:

حدثنا بهز بن

لا يضره، وقال علي : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن(3) بهز بن أسد، حدثنا حماد بن سلمة، أنا سلمة بن كهيل، عن حجبة بن عدي ان علياً سئل عن البقرة ؟ فقال: عن سبعة، وسئل عن العرج؟ فقال: إذا بلغت المنسك ثم قال: أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن نستشرف العينين والأذنين».(4) رواه الترمذي في الأضاحي، عن علي بن حجر عن شريك، عن سلمة بن

كهيل ، عنه به وقال: حسن صحيح ، وقد رواه الثوري ، عن سلمة بن كهيل.

(3) رواه الإمام أحمد في المسند في موضع الحديث السابق ، وطبعة شاكر رقم (1022) إسناده

صحيح ، وهو مكرر ما قبله

ص: 144


1- رواه الإمام أحمد في مسنده :(1 : 105) ، وطبعة شاكر رقم (826) ، وإسناده صحيح .
2- رواه الإمام أحمد في مسنده (1 : 125) ، وطبعة شاكر رقم (1021) ، وإسناده صحيح .
3- الحديث رواه الإمام أحمد في المسند (1 : 152) ، وطبعة شاكر (1308)، وإسناده صحيح
4- الحديث رواه الإمام أحمد في المسند (1 : 153) ، وطبعة شاكر (1311) ، وإسناده صحيح.

والنسائي في ( الضحايا ) عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد، عن شعبة، عن

سلمة به - مختصراً كما هاهنا .

وابن ماجة (الأضاحي ) عن عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع بن الجراح، عن

سفيان الثوري ، عن سلمة به .

حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن حجاج بن دينار عن الحكم ، عن حجية بن عدي، عن علي أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل ، فرخص له في ذلك.

أ رواه أبو داود في الزكاة عن سعيد بن منصور، عن إسماعيل بن زكريا، عن الحجاج بن دينار عن الحكم ، عن حجية به. وقال: رواه هشيم عن منصور بن زاذان، عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النبي ، وحديث هشيم أصح.

والترمذي فيه ( الزكاة ) عن عبد الله بن عبد الرحمن. وابن ماجة فيه ( = الزكاة ) عن محمّد بن يحيى، كلاهما عن سعيد بن

منصور به .(1)

حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو اسحاق ، عن شريح بن النعمان الهمداني عن علي بن أبي طالب قال : نهى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له أن يضحى بالمقابلة أو بمدابرة أو شرقاء أو خرقاء أو جدعاء.

حدثنا حسن بن موسى

حدثنا زهير حدثنا أبو اسحاق، عن شريح بن النعمان .

قال أبو اسحاق وكان رجل صدق، عن علي قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لانضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. قال زهير : قلت لأبي اسحاق أذكر عضباء؟ قال: لا، قلت: ما المقابلة ؟ قال : يقطع طرف الأذن، قلت: ما المدابرة ؟ قال : يقطع مؤخر الأذن، قلت ما

ص: 145


1- جامع المسانيد 19: 152 - 155، ط / 1415ه-.

الشرقاء؟ قال: تشق الأذن ، قلت : ما الخرقاء؟ قال : تخرق أذنها السمة . حدثنا وكيع عن إسرائيل وعلي بن صالح، عن أبي اسحاق، عن شريح بن النعمان عن علي قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، ولا نصحى بشرقاء ولا خرقاء ولا مقابلة ولا مدابرة.

حدثنا يحيى بن بكير حدثنا زهير أنبأنا أبو اسحاق، عن شريح بن شريح بن النعمان قال : وكان رجل ،صدق، عن علي قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدايرة ولا شرقاء ولا خرقاء، قال :زهير فقلت لأبي اسحاق : أذكر عضباء ؟ قال : لا ، قلت : ما المقابلة ؟ قال : هي التي يقطع طرف أذنها، قلت: فالمدابرة؟ قال: التي يقطع مؤخر الأذن، قلت: ما الشرقاء؟ قال : التي يشق أذنها . قلت : فما الخرقاء؟ قال : التي تخرق أذنها السمة . رواه أبو داود في الأضاحي عن النفيلي، عن زهير ، عن أبي إسحاق، عن شريح

النعمان - وكان رجل صدق - به . والترمذي فيه ( = الأضاحي ) عن الحسن بن علي الحلواني، عن يزيد بن هارون عن شريك . وعن الحسن بن علي، عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل، كلاهما عن أبي إسحاق نحوه، وقال: حسن صحيح.

والنسائي فيه ( الضحايا ) عن محمّد بن آدم، عن عبد الرحيم بن سليمان، عن زكريا بن أبي زائدة - وعن أبي داود الحراني ، عن الحسن بن محمّد بن أعين، عن زهير - كلاهما عن أبي إسحاق - به ، وزاد وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء.

وعن أحمد ابن ناصح، عن أبي بكر بن عياش - وعن هارون بن عبدالله، عن شجاع بن الوليد عن زياد بن خيثمة - كلاهما عن أبي إسحاق - بالزيادة دون

المزيد عليه .

ص: 146

وابن ماجة فيه ( = الأضاحي ) عن

عیاش نحوه (1)

محمد بن الصباح، عن أبي بكر بن

وبالاسناد الى ابن حجر العسقلاني (ت / 852ه-) في حديث : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

أن نستشرف العين والأذن ... الحديث مانصه: «مي في الأضاحي، وأبو الوليد .

ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل سمعت حجية بن عدي ، به .

:خز في الحج ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا خالد بن الحارث (ح) وثنا محمّد بن بشار، ثنا محمّد - يعني غندراً - قالا : ثنا شعبة (ح) وثنا أبو موسى ثنا عبد الرحمن، عن سفيان وشعبة، عن سلمة بن كهيل سمعت حجية، بهذا لفظة :

- محمد بن عبد الأعلى - وعن محمّد بن معمر عن وهب بن جرير، حدثني أبي،

عن ، أبي إسحاق، عن سلمة بن كهيل، نحوه. وفيه قصة . ليس في السماع . طح في الصيد والذبائح عن يونس، عن ابن وهب، أخبرني سفيان الثوري ، .به وعن فهد ، ثنا أبو نعيم، ثنا حسن بن صالح . وعن فهد، عن محمّد بن سعيد ، عن شريك، قالا عن سلمة بن كهيل ، به .

حب في السادس والثمانين من الأول : أنا الفضل بن الحباب، ثنا محمد بن

كثير، أنا الثوري به كم في أواخر الحج : ثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبيدالله بن المنادي ، ثنا وهب بن جرير، به وبه عن وهب بن جرير وأبي النضر، قالا ثنا شعبة به. وعن أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي ، ثنا

محمد بن جعفر غندر به .

وفي الأضاحي : أنا أبو بكر بن عتاب ، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا وهب بن جرير، .به وعن محمّد بن عبدالله الصفار، ثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين بن حفص،

ص: 147


1- جامع الاساتيد 19: 241 - 2043 ، ط / 1415ه-.

عن سفيان ، به .

وعن علي بن حمشاذ ، ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا أبو الوليد الطيالسي وأبو

عمر الحوضي، قالا: ثنا شعبة به.

وقال : هذه الأسانيد صحيحة، إلا أنهما لم يحتجا بحجية بن عدي وهو من كبار

أصحاب علي بن أبي طالب . انتهى .

رواه أحمد ثنا وكيع عن سفيان، عن سلمة به. وعن عفان ومحمد جعفر، كلاهما عن شعبة ، به . وعن عبد الرحمن، عن سفيان وشعبة وحماد سلمة. وعن

بهز ، عن حماد بن سلمة ، كلهم عن سلمة بن كهيل، به . (1)وعن ابن حجر أيضا ( ت / 852ه-) ايضاً في حديث: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن... الحديث مانصه: «مي في الاضاحي : أنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عنه، به .

طح : في الذبائح : عن محمّد بن بحر بن مطر ، عن شجاع بن الوليد عن زياد ابن خيثمة عن روح بن الفرج، عن عمرو بن خالد، عن زهير. وعن سليمان بن

شعيب، عن علي بن معبد، ثنا أبو بكر بن عياش ، ثلاثتهم عن أبي إسحاق، به كم فيه : أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا عبیدالله بن موسی به وفيه التفسير من قول أبي إسحاق . وقال : صحيح. وعن أحمد بن كامل القاضي، ثنا أبو إسحاق، به. قال قيس : فقلت لأبي إسحاق : أسمعته من شريح ؟ قال : حدثني ابن أشوع، عنه . قال الحاكم: أظن الشيخين، أعرضا عن هذا الحديث لهذه الزيادة ، إلا أنهما لم يحتجا بقيس بن الربيع، فكيف يعللان به الخبر الذي يرويه من هو أوثق منه ؟! انتهى.

رواه أحمد ثنا وكيع عن إسرائيل. وعن علي بن صالح، عن أبي إسحاق،

ص: 148


1- اتحاف المهرة :336:11 ، ط / 1417ه-.

عنه، به وفيه : ولا يضحى بشرقاء ولا خرقاء ولا مقابلة ولا مدابرة. وعن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق، نحوه ولم يذكر أوّله. وعن حسن بن موسى ويحيى بن أبي بكر، كلاهما عن زهير ثنا أبو إسحاق، عن شريح بن النعمان وكان رجل صدق - مثل حديث إسرائيل، وزاد قال زهير فقلت: لأبي إسحاق

أذكر عضباء ؟ قلت: ما المقابلة؟ فذكر الشرح (1)

ص: 149


1- اتحاف المهرة 11: 418 ، ط / 1417ه-.

[ الخطبة (54 ) ]

ليس للعرشي تخريج في هذا الموضع.

قال الجلالي: وقد تقدم الاسناد الى مقاطع منها في الخطبة رقم (26) عن

السيّد رضي الدين بن طاووس باسناده، فليراجع.

ص: 150

[ الخطبة ( 55)]

محمد بن الحسين

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن أبي الفرج

الاصفهاني ( ت / 356 ه-) في مقاتل الطالبيين، قال: حدثني الاشناني ، قال : حدثني إسماعيل بن موسى، قال: حدثني رجل، عن سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمّد قال : حدثتني إمرأة منا، قالت: رأيت الاشعث بن قيس دخل على عليه فأغلظ له علي علیه السلام، فعرض له الاشعث بأن يفتك به. فقال علي : ابا الموت تهددني ؟ فوالله ما أبالي وقعت على الموت، أو وقع

له الموت علي.

حدثني أبو عبيد محمّد بن احمد بن المؤمل الصيرفي بهذين الحديثين، عن

فضل المصري عن إسماعيل [ابن بنت السدي ] .(1) وبالاسناد عن العلامة المجلسي (ت / 1111 ه-) في بحار الأنوار، عن عيون الأخبار: المفسر باسناده إلى أبي محمّد العسكري، عن آبائه قال : قيل لامير المؤمنين علیه السلام: ما الاستعداد للموت ؟ قال أداء الفرائض، واجتناب المحارم

ص: 151


1- مقاتل الطالبيين ؛ لأبي الفرج الأصفهاني : 20 .

والاشتمال على المكارم ، ثم لا يبالي إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه، والله ما يبالي ابن أبي طالب إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه . (1)

ص: 152


1- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 7:41

[ الكلام (56) ]

قال الهادي كاشف الغطاء (ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: ولقد كنا( م 1361ه-) رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نقتل آباءنا ... الى آخره قيل ان هذا الكلام قاله امیرالمؤمنين في قصة ابن الحضرمي ، وقيل : انه صدر منه يوم صفين حين أقر بالصلح ، واوّله : ان هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيثوا الى حق ولا ليجيبوا الى كلمة سواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر ... الى اخر ما ذكر من كلامه المتصل بقوله : «ولقد كنا مع رسول الله (1)وقال العرشي في التخريج مانصه : رواها ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين

(283) والشيخ المفيد في الارشاد ( 155)(2) قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما أرويه عن نصر بن مزاحم المنقري في وقعة صفّين» بالاسناد، عن عمر بن سعد، عن إسحاق بن يزيد، عن الشعبي، أن عليا قال : يوم صفين حين أقر الناس بالصلح: إن هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيثوا إلى الحق ، ولا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها

ص: 153


1- مدارك نهج البلاغة : 81.
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

العساكر، وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب، وحتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس، وحتى يدعوا الخيل في نواحي أرضهم وبأحناء مساربهم ومسارحهم ، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج وحتى يلقاهم قوم صدق صبر ، لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله، وحرصا على لقاء الله . ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيّا على أمض الألم، وجدا على جهاد العدو، والاستقلال بمبارزة الأقران. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا . فلما رآنا الله صبرا صدقا أنزل الله بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر. ولعمري لو كنا نأتي مثل الذي أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام وايم الله لتحلينها ، دما ، فاحفظوا ما أقول لكم - (1) يعني الخوارج.

ص: 154


1- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 520 - 521 .

[ الكلام (57)]

قال العرشي في التخريج مانصّه : رواها الكليني في اصول الكافي (207) والثقفي في كتاب الغارات باختلاف ضئيل [ابن أبي الحديد[ ج 1 ص 203]

وشيخ الطائفة

الطائفة في الامالي ( 131) و (232) والامام ابو عبد الله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري المتوفى 405 ه- ( 1014 م ) في المستدرك ج 2 ص 358] والشيخ المفيد في الارشاد (184) (1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما رواه البلاذري (ت / 279ه-) في أنساب الأشراف، قال ما لفظه: حدثنا أبو قلابة الرقاشي، حدثنا أبو عاصم النبيل ، حدثنا هشام ابن حسان، عن محمّد بن سيرين عن مولى لعلي قال: قال علي علیه السلام: « يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط.

وحدثت عن يونس بن أرقم ، عن أبيه ، عن شهاب مولى علي علیه السلام بمثله، وزاد فيه: (وإنكم مستعرضون على سبي والبراءة منّي، أما السب فسبوني ولا تبرؤا منّي».(2)

ص: 155


1- راجع : استناد نهج البلاغة .
2- انساب الاشراف ؛ للبلاذري : 119 . هذا وقال الشيخ الانصارى في رسائل فقهية ص 100 ، في

(1)

ص: 156


1- أخبار التقية : ثم لا بأس بذكر بعض الاخبار الواردة مما اشتمل على بعض الفوائد ، منها : ما عن - : الاحتجاج بسنده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في بعض الرواية ، احتجاجه على بعض، وفيه : « وأمرك أن تستعمل التقية في دينك فإن الله عز وجل يقول : لا يَتَّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةٌ ) آل عمران : (28) ، وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا إن ألجاك الخوف إليه ، وفي إظهار البراءة منا إن حملك الوجل عليه، وفي ترك المكتوبات إن خشيت على حشاشتك الآفات والعاهات ، وتفضيلك أعداءنا عند خوفك، لا ينفعهم ولا يضرنا ، وان إظهار براءتك عند تقيتك لا يقدح فينا ، ولئن تبرأت منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك، لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها ، ومالها الذي به قيامها وجاهها الذي به تمكنها ، وتصون بذلك من عرف من أوليائنا وإخواننا ، فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك ، وتنقطع به عن عمل في الدين، وصلاح إخوانك المؤمنين ، وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها ، فإنك شاحط بدمك ودماء إخوانك ، معرض لنفسك ولنفسهم للزوال، مذل لهم في أيدي أعداء الدين وقد أمرك الله بإعزازهم ، فإنك إن خالفت وصيتى كان ضررك على إخوانك ونفسك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا » وفيها . دلالة على أرجحية اختيار البراءة على العمل، بل تأكد وجوبه . لكن في أخبار كثيرة خلاف ذلك ؛ للرواية عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال : ستعرضون من بعدي على سبي، فسبوني ، ومن عرض عليه البراءة فليمدد عنقه، فإن برى منّي فلا دنيا له ولا آخرة». وظاهرها حرمة التقية فيها كالدماء. ويمكن حملها على أن المراد الاستمالة والترغيب إلى الرجوع حقيقة عن التشيع إلى النصب. مضافا إلى أن المروي في بعض الروايات أن النهي من التبري مكذوب على أمير المؤمنين وأنه لم ينه عنه ، ففي موثقة مسعدة بن صدقة : قلت لابي عبد الله علیه السلام الناس يروون أن عليا قال على الله فسبوني ، ثم تدعون إلى البراءة منّي فلا تبروا الكوفة : « أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي منير مني ) . جواز البراءة الصورية من علي فقال : ( ما أكثر ما يكذب الناس على علي » ، ثم قال : .. إنما قال : ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة منّي ، وإني لعلى دين محمّد ، ولم يقل : لا تبرؤا مني . فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال : « والله ما ذاك عليه ولا له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالايمان ، فأنزل الله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنَّ بِالْإِيمَانِ ) (النحل : 106) . فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها : يا عمار إن

(1)

وبالاسناد عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 281 ه-) في ( الغارات » ، باسناده عن عبد الله بن الحارث بن سليمان، عن أبيه قال: قال علي علیه السلام : لا أرى هؤلاء القوم إلا ظاهرين عليكم بتفرقكم عن حقكم واجتماعهم على باطلهم، وأن الامام ليس يساق شعره، وأنه يخطئ ويصيب ، فإذا كان عليكم إمام يعدل في الرعية، ويقسم بالسوية، فاسمعواله وأطيعوا ، فان الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، فإن كان برا فللراعي والرعية، وإن كان فاجرا عبد المؤمن ربه فيها وعمل فيها الفاجر إلى أجله، وإنكم ستعرضون بعدي على سبي والبراءة منّي فمن سبني فهو في حل من سبي ، ولا تتبرأوا منّي ، فان ديني الاسلام»(2)

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة ، قال : قيل لابي عبد الله علیه السلام: إن الناس يروون أن عليا علیه السلام قال على منبر الكوفة : أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ، ثم تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرؤوا منّي، فقال: «ما أكثر ما يكذب الناس على علي ، ثم قال: إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي فسيوني ثم ستدعون إلى البراءة منّي وإني لعلى دين محمّد ، ولم يقل : لا تبرؤوا منّي .

ص: 157


1- عادوا فعد ». وفي رواية محمّد بن مروان : قال : لي أبو عبد الله علیه السلام: ما منع ميثم ؛ عن التقية ، فوالله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنُ بِالْإِيمَانِ .... الآية ) . وفي رواية عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر علیه السلام في رجلين من أهل الكوفة اخذا وامرا بالبراءة عن أمير المؤمنين علیه السلام فتبرأ واحد منهما وأبى الآخر ، فخلي سبيل الذي تبرأ وقتل الآخر - فقال علیه السلام: أما الذي برى فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يتبرأ ، فرجل تعجل إلى الجنة . وعن كتاب الكشي بسنده إلى يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثم الهرواني يقول : قال علي بن أبي طالب علیه السلام: « يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني أمية - عبيد الله بن زياد - إلى البراءة مني ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أنا والله لا أبرأ منك . قال : إذا والله يقتلك ويصلبك ! قال : قلت : أصبر ؛ فإن ذلك في الله قليل . قال علیه السلام: يا ميثم فإذن تكون معي في روضتي .
2- الغارات؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 2 : 636-637 .

فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال: «والله ما ذلك عليه وماله ، إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالايمان، فأنزل الله عز وجل فيه : إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنُّ بِالْإِيمَانِ ﴾ (1) فقال له- ( النبي عندها : يا عمار إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عز وجل عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا» .(2)

وبالاسناد الى الكشي ( ت / 328ه-) في ترجمة سفيان بن ليلى الهمداني قال مانصه : روى عن علي بن الحسين علیه السلام. الطويل عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ، قال : جاء رجل من أصحاب

الحسن يقال له: سفيان بن ليلى وهو على راحلة له، فدخل على الحسن وهو محتب في فناء ،داره ، قال : فقال له : السلام عليك يا مذل المؤمنين علیه السلام. فقال له الحسن علیه السلام: انزل ولا تعجل، فنزل فعقل راحلته في الدار ، وأقبل يمشي حتى انتهى إليه ، قال : فقال له الحسن علیه السلام: ما قلت ؟ قال : قلت : السلام عليك يا مذل المؤمنين، قال: وما علمك بذلك ؟ قال : عمدت إلى أمر الامة فخلعته من وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله . قال : فقال له الحسن علیه السلام: ما خبرك لم فعلت ذلك ؟ قال : سمعت أبي يقول : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له : لن تذهب الايام والليالي حتى يلي أمر هذه الامة رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولا يشبع وهو

معاوية، فلذلك فعلت(3)

عنقك

وبالاسناد عن الحاكم النيسابوري ( ت / 405 ه-) في المستدرك ، قال : حدثنا ابو أحمد بكر بن محمّد بن حمدان الصيرفي بمرو من كتابه ، ثنا محمّد بن عبيد بن

ص: 158


1- النحل : 106 .
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 2 : 219 219:2 .
3- رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال ؛ للشيخ الطوسي) :1 339 327

قنفذ البزار ، ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن طاووس، عن ابيه قال: كان حجر بن قيس المدري من المختصين بخدمة امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فقال له علي يوما يا حجر انك تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرأ منّي ، قال طاووس : فرأيت حجر المدري وقد اقامه أحمد ابن ابراهيم خليفة بني امية في الجامع ووكل به ليلعن عليا أو يقتل ، فقال :حجر أما ان الامير احمد بن ابراهيم امرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله . فقال طاووس فلقد اعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال (1) وبالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في «الأمالي»: أخبرنا محمد بن ،محمد قال : حدثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمّد ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان ، قال : حدثنا بكير بن سلم، قال: حدثني محمّد بن ميمون ، قال : حدثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده ، قال : قال امير المؤمنين علیه السلام: ستدعون إلى سبي فسبوني، وتدعون إلى البراءة منّي فمدّوا الرقاب، فإني على الفطرة. (2) وبالاسناد عن ابن عساكر ( ت / 571 ه-) في ( تاريخ مدينة دمشق : أخبرنا أبو سعد ابن البغدادي، نا أبو منصور بن شكرويه وأبو بكر السمسار، قالا: أنا إبراهيم ابن عبد الله نا الحسين بن إسماعيل، نا أحمد بن محمّد نا محمّد بن ،بحر نا الفضل نا كثير بن مارويدا ،قال: سمعت أبا عياض مولى عياض بن ربيعة الأسدي قال: أتيت علي بن أبي طالب وأنا مملوك ، فقلت : يا أمير المؤمنين أبسط يدك أبايعك ، فرفع رأسه إلي ، فقال : ما أنت ؟ قلت : مملوك ، قال : لا إذاً . قلت له : يا أمير المؤمنين إنما أقول: إني إذا شهدتك نصرتك وإن غبت نصحتك ، قال : نعم

ص: 159


1- المستدرك للحاكم النيسابوري 2 358
2- الأمالي للشيخ الطوسي : 210 .

إذاً ، قال : فبسط يده فبايعني ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنه سيأتيكم رجل يدعوكم إلى سبّي وإلى البراءة منّي ، فأما السب فإنه لكم نجاة ولي زكاة، وأما البراءة فلا تبرءوا مني فإني على الفطرة. (1) ونقل العلامة المجلسي ( ت / 1111 ه-) في بحار الأنوار، عن تفسير العياشي عن معمر بن يحيى بن سالم ، قال : قلت لأبي جعفر : إن أهل الكوفة يروون عن علي أنه قال : ستدعون إلى سبي والبراءة منّي ، فإن دعيتم إلى سبي فسبوني وإن دعيتم إلى البراءة مني فلا تتبرؤوا منّي ، فإني على دين محمّد صلی الله علیه و آله وسلم . فقال أبو جعفر ما أكثر ما يكذبون على على إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي والبراءة منّي فإن دعيتم إلى سبي فسبوني وإن دعيتم إلى البراءة منّي فإني على دين محمّد صلی الله علیه و آله وسلم، ولم يقل : فلا تتبرؤوا منّي . قال : قلت : جعلت فداك فإن أراد رجل يمضي على القتل ولا يتبرأ ؟ فقال : لا والله إلا على الذي مضى عليه عمار، إن الله يقول : ( إِلَّا مَنْ أكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنُّ بِالْإِيمَانِ )(2) (3) وروى العلامة المجلسي ( ت / 1111 ه-) في بحار الأنوار عن الشيخ المفي(د ت / 413 ه-) في «الأمالي ، عن المرزباني ، عن محمّد بن الحسين، عن هارون بن عبيد الله، عن عثمان بن سعيد ، عن أبي يحيى التميمي، عن كبير، عن أبي مريم الخولاني، عن مالك بن ضمرة قال: سمعت عليا أمير المؤمنين علیه السلام يقول : أما إنكم تعرضون على لعني ودعائي كذابا ، فمن لعنني كارها مكرها يعلم الله أنه كان مکرها وردت أنا وهو على محمّد صلی الله علیه و آله وسلم معا ، ومن أمسك لسانه فلم يلعني سبقني

معا،

كرمية سهم أو لمحة بالبصر، ومن لعنني منشرحا صدره بلعنتي فلا حجاب بينه

ص: 160


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 : 587 - 588 .
2- النحل : 106 .
3- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 39: 322 .

الله ولا حجة له عند محمّد صلى الله عليه وسلم ، ألا إن محمّدا أخذ بيدي يوما فقال: من بايع

وبين هؤلاء الخمس ثم مات وهو يحبك فقد قضى نحبه، ومن مات وهو يبغضك مات ميتة جاهلية يحاسب بما عمل في الاسلام(1)

وبالاسناد عن المتقي الهندي (ت / 975ه-) في كنز العمال: عن أبي صادق مولى عياض بن ربيعة الاسدي قال أتيت علي بن أبي طالب وأنا مملوك فقلت: يا أمير المؤمنين ابسط يدك أبايعك، فرفع رأسه إليَّ فقال: ما أنت ؟ فقلت: مملوك ، قال : لا إذن، قلت: يا أمير المؤمنين إنما أقول: إني [إن ] شهدتك

نصرتك وإذا غبت نصحتك ، قال : فنعم إذن، فبسط يده فبايعته، وسمعته يقول: إنه سيأتيكم رجل يدعوكم إلى سبّي وإلى البراءة مني، فأما السب فانه لكم نجاة ولي زكاة، وأما البراءة فلا تبرؤا منّي ؟ فاني على الفطرة. (المحاملي، كر، وروي الحاكم في الكنى آخره ) . (2)

وبالاسناد الى ابن حجر ( ت / 852 ه- ) في موضوع: حجر بن قيس المدري عن علي حديث كان حجر بن قيس من المختصين بخدمة علي، فقال له علي يوما : يا حجر إنك تقام بعدي، فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرأ منّي ...

كم في تفسير النحل : ثنا بكر بن محمّد الصيرفي ، ثنا عبيد بن قنفذ، ثنا يح-

يحيى

الحماني، ثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، به (3) وعنه في أبي صادق، عن علي في حديث قال علي: إنكم ستعرضون على سبي فتسبوني، فإن عرضت عليكم البراءة منّي فلا تتبرءوا مني فإني على

الإسلام ... الحديث.

ص: 161


1- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 39: 323 - 324 .
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 302:11 ، ح 31575 .
3- اتحاف المهرة :11: 333، ط / 141.7

كم في تفسير النحل : ثنا أبو بكر بن إسحاق، ثنا محمّد بن أحمد بن النضر، ثنا معاوية بن عمرو، ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل،

عنه، به (1)

ص: 162


1- اتحاف المهرة 11: 83 ، ط / 1417ه-.

[ الخطبة (58)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: أصابكم

حاصب ..... رويت فقرات منه في تاريخ الطبري(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : روى الطبري هذا الكلام في تاريخه [ ج 6

ص 48] .(2)

ص: 163


1- مدارك نهج البلاغة : 81
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

[ الخطبة (59)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخریج: قوله : مصارعهم دون النطفة ... الى آخره. قال الشارح الفاضل : هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره ؛ ونقل الناس كافة له وهو من معجزاته وأخباره المفصلة

عن الغيوب». (1)

قال الجلالي : قال ابراهيم الثقفي ( ت / 320 - ح ) في محاسن الصدق ما لفظه : ومنهم عليّ بن أبي طالب علیه السلام، قال يوم النهروان لأصحابه : شدّوا عليهم، فوالله لا يقتلون عشرة، ولا ينجو منهم عشرة . فشدّوا عليهم، فوالله ماقتل من أصحابه تمام عشرة ، ولانجا منهم تمام عشرة . ثم قال : اطلبوا ذا الثدية، فطلبوه ، فقالوا: لم نجده ، فقال : والله ما كذبت ،قط ولا كذبت والله لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقتل مع شرّ جيل، يقتلهم خير جيل . ثم دعا ببغلة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فركبها ، فسار حتى وقفت على قليب فيه ،قتلى فقال : اقلبوا القتلى واطلبوه بينهم ، فإذا هو سابع سبعة، فلما أخرجه قال: الله أكبر! لولا أن تنكلوا فتتركوا العمل لأخبرتكم بما

ص: 164


1- مدارك نهج البلاغة : 81

جعل الله جل وعزّ لمن قتلهم على لسان نبيّه صلی الله علیه و آله وسلم(1)

وقال أبو الحسن المسعودي ( ت / 346ه-) في مروج الذهب ما لفظه : « اجتماع الخوارج ومسير علي اليهم واجتمعت الخوارج في أربعة آلاف، فبايعوا عبد الله

: بن وهب الراسبي ، ولحقوا بالمدائن، وقتلوا عبد الله بن خباب عامل علي عليها، ذبحوه ذبحاً ، وبقروا بطن امرأته وكانت حاملا ، وقتلوا غيرها من النساء، وقد كان على انفصل عن الكوفة في خمسة وثلاثين ألفاً، وأتاه من البصرة، من قبل ابن عباس - وكان عامله عليها - وذلك في سنة ثمان وثلاثين فنزل علي الأنبار والتأمت اليه العساكر ، فخطب الناس ، وحرضهم على الجهاد، وقال: سيروا الى قتلة المهاجرين والأنصار قدماً ، فانهم طالما سعوا في اطفاء نور الله، وحرضوا

، على قتال رسول الله له ومن معه الا ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم امرني بقتال القاسطين وهم هؤلاء الذين سرنا اليهم ، والناكثين وهم هؤلاء الذين فرغنا منهم، والمارقين ولم تلقهم بعد فسيروا الى القاسطين ، فهم أهم علينا من الخوارج، سيروا الى قوم يقاتلونكم كما يكونوا جبارين يتخذهم الناس ارباباً ويتخذون عباد الله خولاً ومالهم دولاً ، فأبوا إلا ان يبدأوا بالخوارج، فسار على اليهم، حتى أتى النهروان فبعث اليهم بالحارث بن مرة العبدي رسولا يدعوهم الى الرجوع فقتلوه ، وبعثوا الى علي: إن تبت من حكومتك وشهدت على نفسك بالكفر بايعناك، وإن أبيت فاعتزلنا حتى نختار لأنفسنا إماماً ، فإنا منك براء، فبعث اليهم علي : أن ابعثوا الي بقتلة اخواني فأقتلهم ثم أتارككم الى أن أفرغ من قتال اهل المغرب، ولعل الله يقلب قلوبكم فبعثوا اليه كلنا قتلة اصحابك، كلنا مستحل لدمائهم، مشتركون في قتلهم، وأخبره الرسول - وكان من يهود السواد - ان القوم قد عبروا نهر طبرستان وهذا النهر عليه قنطرة، تعرف بقنطرة طبرستان، بين حلوان وبغداد من

ص: 165


1- المحاسن والمساوي 2: 99 ، ط / القاهرة ، سنة 1380 ه

بلاد خراسان فقال علي والله ما عبروه ولا يقطعونه، حتى نقتلهم بالرميلة دونه ثم تواترت عليه الأخبار بقطعهم لهذا النهر ، وعبورهم هذا الجسر، وهو يأبى ذلك، ويحلف انهم لم يعبروه، وأن مصارعهم دونه . ثم قال: سيروا الى القوم، فوالله لا يفلت منهم الا عشرة ، ولا يقتل منكم عشرة ، فسار علي، فأشرف عليهم وقد عسكروا بالموضع المعروف بالرميلة على حسب ما قال لأصحابه. فلما أشرف فتصاف القوم ، ووقف عليهم بنفسه، فدعاهم الى الرجوع والتوبة، فأبوا ورموا أصحابه، فقيل له : قد رمونا فقال: كفوا فكرروا القول عليه ثلاثاً، وهو

يأمرهم بالكف، حتى أتى برجل قتيل متشحط بدمه، فقال علي : الله اكبر ، الآن حل

قتالهم احملوا على القوم ... إلى آخر كلامه(1)

ص: 166


1- مروج الذهب 1 : 405 ، ط / داغر

[ الخطبة (60)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: [ الحمد لله

الذي لم يسبق له حال حالا ...] الى ان قال: [لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ] من قوله: [لم يخلق ما خلقه ... ] إلى آخر قوله : [لم يحلل ]، مذكور في خطبته الشهيرة المسماة بالغراء، ومن :قوله [لم يحلل ] الى قوله: [باين ] موجود في الخطبة المعروفة بالوسيلة، وعليه فهذه الخطبة ملتقطة من خطب متعددة، اختار منها السيد ما أثبته هنا والله العالم. واحتمال أنها رواية وقف عليها الشريف غير بعيد . (انتهى) (1) وقال ابن أبي الحديد ( ت / 656 ه-) : ( هذا الخبر من الاخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره ونقل الناس كافة له، وهو من معجزاته وأخباره المفصلة عن الغيوب» .(2)

قال: الجلالي: قال المسعودي ( ت / 346ه- ) ما لفظه ثم ركب ومر بهم وهم

صرعى فقال لقد صرعكم من غرّكم ، قيل : ومن غرّهم؟ قال: الشيطان وأنفس

ص: 167


1- مدارك نهج البلاغة : 81.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 5: 3، ط / 1379 ه-.

السوء ، فقال أصحابه : قد قطع الله دابرهم الى آخر الدهر ، فقال : كلا والذي نفسي بيده ، وإنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلا خرجت بعدها مثلها حتى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط ، يخرج اليه رجل منا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة الى يوم القيامة(1)

ص: 168


1- مروج الذهب 407:2 ، ط / داغر

[ الخطبة ( 61)]

من التعقيبات في المعنى ما أرويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق (ت / 381ه-) في علل الشرائع قال : حدثنا محمّد بن الحسن قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن ابراهيم بن هاشم عن ابن المغيرة عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه ، قال : ذكرت الحرورية عند علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: «ان خرجوا مع جماعة أو على امام عادل فقاتلوهم وان خرجوا على أمام جائر فلا تقاتلوهم فان لهم في ذلك مقالا(1)

وبالاسناد، عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في تهذيب الأحكام عن الصفار، عن إبراهيم بن هشام، عن النوفلي ، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه علیه السلام، عن آبائه قال : لما فرغ أمير المؤمنين علیه السلام من اهل النهروان قال: لا يقاتلهم بعدي إلا من هم أولى بالحق منه . (2)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975ه-) في كنز العمال: في مسند علي

عن عبد الله بن الحارث، عن رجل من بني نضر ابن معاوية، عن علي أنه سمع

ص: 169


1- علل الشرائع ؛ للشيخ الصدوق 603:2 .
2- تهذيب الأحكام ؛ للشيخ الطوسي 6: 144 .

رجلا يسب الخوارج فقال : لا تسبوا الخوارج إن كانوا خالفوا إماما عادلا أو جماعة فقاتلوهم ! فانكم تؤجرون في ذلك، وإن خالفوا إماما جائرا فلا تقاتلوهم ! فان لهم بذلك مقالا . خشيش في الاستقامة وابن جرير).

وباسناده عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بنى نضر بن معاوية قال ذكرت الخوارج فسبوهم فقال علي : أما إذا خرجوا على إمام هدى فسبوهم وأما

إذا خرجوا على إمام ضلالة فلا تسبوهم ! فان لهم بذلك مقالا. (ابن جرير ) (1)

ص: 170


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 320:11

[ الخطبة (62) ]

قال الجلالي: أروي بالمعنى بالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي حمزة، عن سعيد بن قيس الهمداني قال: نظرت يوما في الحرب إلى رجل عليه ثوبان، فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين علیه السلام، فقلت : يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال : نعم يا سعيد بن قيس، إنه ليس من عبد إلا وله من الله حافظ رواقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ .(1)

أحمد وأيضاً عن محمّد بن يحيى، عن بن محمّد، عن علي بن الحكم عن عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه ، عن أبي عبد الله قال: «كان قنبر غلام علي يحب عليا علیه السلام حبا شديدا، فإذا خرج علي صلوات الله عليه خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال : يا قنبر مالك ؟ فقال : جئت لامشي خلفك يا

، أمير المؤمنين علیه السلام، قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الارض ؟!

ص: 171


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 2 59 .

فقال : لا ، بل من أهل الارض ، فقال : إن أهل الارض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن

الله

من السماء ، فارجع . فرجع (1)

ص: 172


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 2 : 59

[ الخطبة (64) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : «الكلام الواحد والستون يشتمل على الجمل التالية: «فان الله سبحانه لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدى، ج 1 ص 106] رواها ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفّين (7) ضمن خطبة طويلة». (انتهى). (1)( قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن نصر بن مزاحم المنقري( ت / 212 ه-) في ( وقعة صفين» بما لفظه : قال أبو عبد الله، عن سليمان بن المغيرة، عن علي بن الحسين : خطبة علي بن أبي طالب في الجمعة بالكوفة والمدينة : إن الحمد لله ، أحمده وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من الضلالة من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله ، انتجبه لأمره ، واختصه بالنبوة، أكرم خلقه وأحبهم إليه ، فبلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وأدى الذي عليه. وأوصيكم بتقوى الله ، فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله وأقربه لرضوان الله ، وخيره في عواقب الأمور عند الله . وبتقوى الله أمرتم، وللإحسان والطاعة خلقتم . فاحذروا من الله ما حذّركم من نفسه، فإنه حذر بأسا شديدا. واخشوا الله خشية ليست

ص: 173


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا سمعة فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل له، ومن عمل الله مخلصا تولّى الله أجره. وأشفقوا من عذاب الله ، فإنه لم يخلقكم عبثا، ولم يترك شيئا من أمركم سدى قد سمّى آثاركم، وعلم أعمالكم وكتب .آجالكم فلا تغروا بالدنيا فإنها غزارة بأهلها ، مغرور من اغتر بها، وإلى فناء ما هي. وإن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون أسأل الله منازل الشهداء، ومرافقة الأنبياء ، ومعيشة السعداء ، فإنما نحن له وبه (1)

وقال الموفق الخوارزمي في «المناقب » : وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا، حدثنا الحسين بن عبد الرحمان، حدثنا عبيد الله بن محمّد التقى، عن شيخ من بني عدي قال : قال رجل لعلي بن أبي طالب علیه السلام: يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا، قال: وما أصف لك من دار من صح فيها أمن، ومن سلم فيها ندم ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها ،فتن في حلالها حساب وفي حرامها النار. (2)

ص: 174


1- وقعة صفّين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 10 .
2- المناقب ؛ للموفق الخوارزمي : 364 .

[ الخطبة (66)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله : معاشر المسلمين استشعروا الخشية ... الخ، رواه ابن قتيبة في كتاب عيون الاخبار عن ابن عباس بنحو أخصر مما هنا مع اختلاف في بعض الالفاظ والفقرات ، ورواه في الحدائق الوردية بالاسناد الى ابن عباس أيضاً، وقال الشارح الفاضل : إن هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين علیه السلام في اليوم الذي كانت عشيته ليلة الهرير في كثير من الروايات، وفي رواية نصر بن مزاحم انه خطب به في اول ايام اللقاء والحرب بصفين، وذلك في صفر من سنة 37 (1)

قال العرشي في التخريج مانصه: رواه ابن قتيبة في عيون الاخبار (ج 1 ص 110 ، 133] كما رواه البيهقي في كتاب المحاسن والمساوى[ ج 1 ص 32]. (انتهى )(2)

وبالاسناد عن ابن عساكر (ت / 571ه-) في تاريخ مدينة دمشق»: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل، نا أحمد بن الحسن بن خيرون، أنا أبو علي بن شاذان...

ص: 175


1- مدارك نهج البلاغة : 81
2- راجع استناد نهج البلاغة .

أبو جعفر أحمد بن يعقوب الأصبهاني نا محمّد بن علي بن دعبل بن علي الخزاعي ، عن .... ابن هشام الكلبي ، عن أبيه ، عن أبن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ما رأيت ولا سمعت رئيسا یوزن ،به لرأيته يوم صفّين وعلى رأسه عمامة قد أرخى طرفيها كأن عينيه سراجا ، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضّهم حتى انتهى إليَّ وأنا في كنف من

سليط،

الناس، فقال:

معاشر المسلمين استشعروا الخشية، وغضوا الأصوات وتجلببوا السكينة

واعملوا الأسنة، وأقلقوا السيوف قبل السلة، واطعنوا الرخر، ونافحوا بالظبا وصلوا السيوف بالخطا والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله ومع ابن علم نبيه صلی الله علیه و آله وسلم، عاودوا الكرّ، واستحيوا من الفر، فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفسا وامشوا إلى الموت أسححا ، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطيب فاضربوا ثبجه ، فإن الشيطان راكب صعبه ومفرش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا، فصمداً صمداً حتى

يتجلى لكم عمود الدين ( وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يترَكُمْ أَعْمَالَكُمْ(1).

أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمّد بن يوسف، أنا إبراهيم بن عمر. ح، وأخبرنا أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، أنا المبارك بن عبد الجبار ، أنا إبراهيم بن عمر البرمكي وعلي بن عمر بن الحسن قالا: أنا أبو عمر بن حيوية ، أنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، قال: قال أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في حديث علي أن ابن عباس قال: ما رأيت رئيسا محربا يزن به صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عينيه سراجا سليط، وهو

لرأيته

يوم ص

يحمّس أصحابه إلىّ أن انتهى إلي وأنا في كثف ، فقال : معشر المسلمين استشعروا

ص: 176


1- سورة محمّد : 35 .

الخشية، ورعموا الأصوات وتجليبوا السكينة وأكملوا اللؤم، وأخفوا الجنن وأقلقوا السيوف في الغمد قبل السلة، والحظوا الشزر، وأطعنوا الشرز، أو البتر واليسر - كلا قد سمعت - ونافحوا بالظباء، وصلوا السيوف بالخطا، والرماح

- بالنبل، وأمشوا إلى الموت مشية سححا أو سجحاء، وعليكم بالرواق المطنب فاضربوا ،ثبجه ، فإن الشيطان راكد في كسره، نافج حضنيه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يدا وأخّر للنكوص رجلا .(1)

ص: 177


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 461 459

[ الخطبة ( 67)]

قال العرشي في التخريج مانصه رواه ابو حيان علي بن محمّد بن العباس التوحيدي البغدادي، المتوفى 404 ه- تقريباً (1013م) في كتاب البصائر (59 ب)

والسيد المرتضى في الأمالي» [ ج 1 ص 198] بتغيير يسير . (انتهى) (1)

قال الجلالي: قال السيّد المرتضى ( ت / 436 ه-) في الأمالي : وروى أنه لما فرغ من دفن النبي سأل عن خبر السقيفة، فقيل له : إن الانصار قالت منا أمير ومنكم أمير ، فقال علیه السلام: فهلا ذكرت الأنصار قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم لا نقبل من محسنهم

ونتجاوز عن مسيئهم ، فكيف يكون الأمر فيهم والوصاة بهم ؟(2)

ص: 178


1- راجع : استناد نهج البلاغة .
2- الأمالي ؛ للسيّد المرتضى 1 : 198

[ الخطبة (68)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: وقد أردت تولية مصر... الى آخره. روي عن المدائني ان عليا علیه السلام قال : رحم الله محمّداً ، كان غلاماً حدثاً ، لقد كنت اردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصراً ، فانه - والله - لو وليها لما خلى لابن العاص واعوانه العرصة ولا قتل الا وسيفه في يده ، بلا ذم لمحمّد، فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه . والاعتماد على ما رواه السيّد . (انتهى) (1). قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 283 ه-) في الغارات » ، قال : وأخبرني ابن أبي سيف أن عبد الله بن عباس قدم على علي علیه السلام من البصرة فعزاه بمحّمد بن أبي بكر .

وعن مالك بن الجون الحضرمي أن عليا علیه السلام قال : رحم الله محمّدا ، كان غلاما حدثا، أما والله لقد كنت أردت أن اولي المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مصر، والله لو أنه وليها لما خلى لعمرو بن العاص وأعوانه العرصة، ولما قتل الا وسيفه في يده ، بلا ذم لمحمّد بن أبي بكر، فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه. قال: فقيل لعلي علیه السلام: لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر جزعا شديدا يا

ص: 179


1- مدارك نهج البلاغة : 81

أمير المؤمنين ...! قال: وما يمنعني؟ انه كان لي ربيبا وكان لبني أخا، وكنت له

والدا، أعده ولد»(1)

قال الجلالي: قال ابن أبي الحديد (ت / 656ه-) في شرح نهج البلاغة مانصّه : قال إبراهيم فحدثنا محمّد بن عبد الله، عن المدائني ، قال : كتب علي إلى

عبد الله بن عباس وهو على البصرة:

من عبد الله على أمير المؤمنين علیه السلام، إلى عبد الله بن عباس :

سلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد فإن مصر قد افتتحت، وقد استشهد

محمّد بن أبي بكر، فعند الله عزوجل نحتسبه. وقد كنت كتبت إلى الناس وتقدمت إليهم في بدء الأمر، وأمرتهم بإغاثته قبل الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها ومنهم المتعلل كاذبا ، ومنهم القاعد خاذلا. أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا ، وأن يريحني منهم عاجلا ، فو الله لولا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة وتوطيني نفسي عند ذلك لاحببت ألا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا. الله لنا ولك على تقواه وهداه إنه على كل شئ قدير. والسلام عليك

عزم ورحمة الله وبركاته .

:قال : فكتب إليه عبد الله بن عباس :

لعبد الله علي أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس . سلام على أمير المؤمنين

ورحمة الله وبركاته

أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر وهلاك محمّد بن أبي بكر، وأنك سألت الله ربك أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا ومخرجا، وأنا أسأل الله أن يعلي كلمتك ، وأن يغشيك بالملائكة عاجلا . واعلم أن الله صانع لك، ومعزّ دعوتك، وكابت عدوك. وأخبرك يا أمير المؤمنين علیه السلام أن الناس ربما

ص: 180


1- الغارات لابراهيم بن محمّد الثقفي .1 300-301

تباطئوا ثم نشطوا، فارفق بهم يا أمير المؤمنين ودارهم ومنهم واستعن بالله

عليهم . كفاك الله الهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

قال إبراهيم: وروى عن المدائني، أن عبد الله بن عباس قدم من البصرة على

عليّ فعزّاه عن محمّد بن أبي بكر.

وروى المدائني، أن عليا :قال رحم الله محمدا كان غلاما حدثا ، لقد كنت أردت أن أولي المرقال(1) هاشم بن عتبة مصر، فإنه والله لو وليها لما خلى لابن العاص وأعوانه العرصة، ولا قتل إلا وسيفه في يده، بلا ذمّ لمحمّد، فلقد أجهد

نفسه فقضى ما عليه.

قال المدائني : وقيل لعلي : لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر يا أمير المؤمنين . فقال : وما يمنعني! إنه كان لي ربيبا، وكان لبني أخا، وكنت له والداء أعده ولدا.

[خطبة على بعد مقتل محمّد بن أبي بكر ]

وروى إبراهيم ، عن رجاله، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه ، قال : خطب

علي علیه السلام بعد فتح مصر ، وقتل محمّد بن أبي بكر، فقال:

أما بعد فإن الله بعث محمّدا نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل، وشهيدا على هذه الامة وأنتم معاشر العرب يومئذ على شرّدين وفي شرّ دار منيخون على حجارة خشن وحيات صمّ، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث وتأكلون الطعام الخبيث، تسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم، وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل سيلكم خائفة، والاصنام فيكم منصوبة، ولا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فمنّ الله عز وجل عليكم بمحمّد

ص: 181


1- الارقال : ضرب من العدو ، يقال : أرقلت الناقة فهى مرقل ومرقال : ، قال : في اللسان :والمرقال : لقب هاشم بن عتبة الزهري ، لان عليا الله دفع إليه الراية يوم صفين ، فكان يرقل بها إرقالا

فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم، فعلّمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنن، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم ، وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد، ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها، وأن تعاطفوا

، وتباروا ، وتراحموا ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف وعن شرب الخمر وبخس المكيال، ونقص الميزان. وتقدم إليكم فيما يتلى عليكم ألا تزنوا ولا تربوا ، ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما، وأن تؤدوا الامانات إلى

أهلها ، ( وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )(1) ( وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(2) وكل خير يدني إلى الجنة، ويباعد عن النار أمركم به، وكل شر يدني إلى النار ويباعد عن الجنة نهاكم عنه، فلما استكمل مدته وفاه الله إليه سعيدا حميدا، فيالها مصيبة خصت الأقربين، وعمت المسلمين ما أصيبوا قبلها بمثلها، ولن يعاينوا بعدها أختها.

فلما مضى لسبيله صلی الله علیه و آله وسلم ، تنازع المسلمون الأمر بعده ، فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الامر بعد محمّد عن أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعده. فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر، وإجفالهم(3) إليه ليبايعوه فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمّد صلى الله عليه وسلم في الناس ممن تولّى الامر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين الله وملة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم، فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون المصاب بهما علىّ أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل، ثم يزول ما كان منها كما

ص: 182


1- البقرة : 60
2- البقرة : 190.
3- أجفل الناس والجفوا أي ذهبوا مسرعين

يزول السراب، وكما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الاحداث، حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا (1) ، ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور، فيسر وسدد وقارب واقتصد، وصحبته مناصحا، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا ، وما طمعت - أن لو حدث به حادث وأنا حي - أن يرد إلى الامر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه ، ولو لا خاصة ما كان بينه وبين عمر ، لظننت أنه لا

يدفعها عنّي ، فلما احتضر بعث إلى عمر ،فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا، وتولّى الأمر، فكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة، حتى إذا احتضر، فقلت في نفسي لن يعدلها عنّي، ليس يدافعها عني ، فجعلني سادس ستة ، فما كانوا لولاية أحد منهم أشد كراهة لولايتي عليهم ، كانوا يسمعون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاج أبي بكر، وأقول : يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن، ويعرف السنة، ويدين بدين الحق.

فخشى القوم إن أنا وليت عليهم ألا يكون لهم من الامر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية إلى عثمان، واخرجوني منها رجاء أن ينالوها، ويتداولوها؛ إذ يئسوا أن ينالوا بها من قبلي، ثم قالوا : هلم فبايع وإلا جاهدناك ، فبايعت ،مستكرها، وصبرت محتسبا فقال قائلهم يابن أبي طالب

، إنك على هذا الأمر لحريص، فقلت: أنتم أحرص منّي وأبعد أينا أحرص أنا الذي طلبت ميراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله أولى به، أم أنتم إذ تضربون

وجهي دونه، وتحولون بيني وبينه فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين. اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي، وأضاعوا إياي وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به منهم

ص: 183


1- التوبة : 40 .

فسلبونيه ، ثم قالوا ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تمنعه، فاصبر كمدا أو مت أسفا حنقا .

فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا ناصر ولا ساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية ، وأغضيت على القذى وتجرعت ريقي على الشجي، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار، حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ، ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم وأمسكت يدي فناز عتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها ومددتموها فقبضتها وازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضكم، أو أنكم قاتلي، فقلتم : بايعنا لا نجد غيرك، ولا نرضى إلا بك، بايعنا لانفترق ولا تختلف كلمتنا. فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طوعا قبلت ، ومن أبى لم أكرهه وتركته. فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما ، كما لم أكره غيرهما، فما لبثا إلا يسيرا حتى بلغني أنهما خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة، في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة، فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصري الذين كلهم على بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم ، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا

وطائفة صبرا(1). ومنهم طائفة غضبوا الله ولي فشهروا سيوفهم وضربوا ربوا بها لقوا الله عزوجل ،صادقين، فو الله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة الّتى دخلوا بها عليهم، وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين ثم إني نظرت في أمر أهل الشام ، فإذا أعراب أحزاب وأهل طمع جفاة طغاة، يجتمعون من كل أوب، من كان ينبغي أن يؤدّب وأن يولى عليه، ويؤخذ على

ص: 184


1- صبرا، أي حبسا .

يده ليسوا من الأنصار ولا المهاجرين ولا التابعين بإحسان.

فسرت إليهم ، فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة ، فأبوا إلا شقاقا وفراقا، ونهضوا

في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل ، ويشجرونهم بالرماح (1) ، فهناك نهدت(2)

إليهم بالمسلمين فقاتلتهم، فلما عضهم السلاح. ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين ،ولاقرآن وأنهم رفعوها مكيدة وخديعة ووهنا وضعفا، فامضوا على حقكم وقتالكم ، فأبيتم عليّ وقلتم : اقبل منهم ، فإن أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم . فقبلت منهم، وكففت عنهم، إذ ونيتم وأبيتم ، فكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين ، يحييان ما أحيا القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما، وتفرق حكمهما ، ونبذا ما في القرآن، وخالفا ما في الكتاب، فجنبهما الله السداد، ودلاهما في الضلالة، فانحرفت فرقة منا فتركناهم ما تركونا ، حتى إذا عثوا في الارض يقتلون ويفسدون، أتيناهم فقلنا: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ، ثم كتاب الله بيننا وبينكم. :قالوا كلنا ،قتلهم، وكلنا استحل دماءهم وشدّت علينا خيلهم ورجالهم

فصرعهم الله مصارع الظالمين.

فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم ، فقلتم : كلّت سيوفنا ونفدت نبالنا ونصلت أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا(3)، فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا، فإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا وفارقنا، فإن ذلك أقوى لنا على عدونا فأقبلت بكم ، حتى إذا أطللتم

ص: 185


1- بشجرونهم بالرمح يطعنونهم.
2- نهد للقتال : نهض .
3- القصد : جمعه قصدة، وهى القطعة المتكسرة .

على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة، وإن تلزموا معسكركم وأن تضموا قواصيكم، وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم ولا تكثروا زيارة أبنائكم ، ونسائكم ، فإن أهل الحرب المصابروها، وأهل التشمير فيها الذين لا ينقادون : من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم ولا خمص بطونهم، ولا نصب أبدانهم، فنزلت طائفة منكم معي

معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية ، فلا من بقي منكم صبر وثبت، ولا من دخل المصر عاد ،ورجع ، فنظرت إلى معسكري، وليس فيه خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فلم أقدر على أن تخرجوا معي إلى يومنا هذا ، فما تنتظرون أما ترون أطرافكم قد انتقصت، وإلى مصر قد فتحت ، وإلى شيعتي بها

قد قتلت وإلى مسالحكم تعرى وإلى بلادكم تغزى وأنتم ذوو عدد كثير

، ! وشوكة وبأس شديد فما بالكم ! الله أنتم من أين تؤتون وما لكم تؤفكون وأني تسحرون!

ولو أنكم عزمتم وأجمعتم لم تراموا ، إلا أن القوم تراجعوا وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم رتغاششتم وافترقتم، ما إن أنتم إن ألممتم عندي على هذا بسعداء، فانتهوا بأجمعكم وأجمعوا على حقكم، وتجردوا لحرب عدوكم، وقد أبدت الرغوة عن الصريح، وبين الصبح لذي عينين، إنما تقاتلون الطلقاء، وأبناء الطلقاء وأولي الجفاء، ومن أسلم كرها، وكان لرسول الله واله أنف(1) الاسلام كله حربا ، أعداء الله والسنة ،والقرآن وأهل البدع والاحداث ومن كان بواثقه تتقى، وكان عن الاسلام منحرفا، أكلة الرشا، وعبدة الدنيا ، لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه ، وشرط له أن يؤتيه ما هي أعظم مما في يده من سلطانه. ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا ، وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وإن فيهم من قد شرب فيكم الخمر وجلد الحد، يعرف بالفساد

ص: 186


1- أنف كل شئ : أوّله

في الدين والفعل السيئ، وإن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له رضيخة (1). فهؤلاء قادة القوم ، ومن تركت ذكر مساوئه من قادتهم مثل من ذكرت منهم ، بل هو شر، ويود هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر والفساد والفجور والتسلط بجبرية، واتبعوا الهوى وحكموا بغير الحق . ولانتم على ما كان

فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلا فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء، وحملة الكتاب والمتهجدون بالاسحار، وعمار المساجد بتلاوة القرآن أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم، والاشرار الاراذل منكما فاسمعوا قولي وأطيعوا أمري، فوالله لئن أطعتموني لا تغوون، وإن عصيتموني لا ترشدون ، خذوا للحرب أهبتها وأعدوا لها عدتها ، فقد شبت ،نارها وعلا سنانها وتجرد لكم فيها ،الفاسقون ، كي يعذبوا عباد الله، ويطفئوا نور الله . ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والمكر والجفاء بأولى في الجد في غيّهم وضلالتهم ، من أهل البر والزهادة والاخبات في حقهم وطاعة ربهم ، إني والله لو لقيتهم فردا وهم ملاء الارض ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبينة، ويقين وبصيرة وإني إلى لقاء ربي لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني، وحزنا يخامرني، أن يلي أمر هذه الامة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا، والفاسقين حزبا . وأيم الله لولا ذلك لما أكثرت تأنيبكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتى ألقاهم بنفسي ، متى حم لي لقاؤهم. فوالله إني لعلي الحق، وإني للشهادة لمحب ، ف(انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ في سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرُ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (2) ولا تثاقلوا إلى الارض فتقروا

ص: 187


1- الرضيحة : العطية القليلة .
2- التوبة : 41 .

بالخسف وتبوءوا بالذل، ويكن نصيبكم الخسران

إن أخا الحرب اليقظان، ومن ضعف أودى، ومن ترك الجهاد كان كالمغبون

المهين. اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى وزهدنا وإياهم في الدنيا، واجعل الاخرة خيرا لنا ولهم من الأولى.

[مقتل محمّد بن أبي حذيفة].

قال إبراهيم: وحدثني محمد بن عبد الله بن عثمان ، عن المدائني ، أن محمّد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أصيب لما فتح عمرو بن العاص ،مصر ، فبعث به إلى معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ بفلسطين، فحبسه معاوية في سجن له فمكث فيه غير كثير، ثم هرب - وكان ابن خال معاوية - فأرى معاوية الناس أنه كره انفلاته من السجن، وكان يحب أن ينجو فقال لاهل الشام من يطلبه ؟ فقال رجل من خثعم - يقال له عبيد الله بن عمرو بن ظلام، وكان شجاعا وكان عثمانيا : أنا أطلبه، فخرج في خيل فلحقه بحوارين(1)، وقد دخل بغار هناك ، فجاءت حمر فدخلته ، فلما رأت الرجل في الغار فزعت ونفرت، فقال حمارون كانوا قريبا من الغار إن لهذه الحمر لشأنا ما نفرها من هذا الغار إلا أمر ! فذهبوا ينظرون، فإذا هم به فخرجوا به فوافاهم عبد الله بن عمرو بن ظلام فسألهم ووصفه لهم فقالوا ها هو هذا ، فجاء حتى استخرجه ، وكره أن يصير به إلى معاوية فيخلي سبيله، فضرب عنقه (2).

ص: 188


1- حوارين من قرى حلب ، أو حصن بناحية حمص (مراصد الاطلاع).
2- شرح نهج البلاغة ؛ لابن أبي الحديد 6: 10292

[الخطبة (69)]

طاعته كان في ممن لقيه

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما رواه البلاذري (ت / 279 ه-) في

أنساب الأشراف ، ما لفظه : قالوا: وجّه معاوية الضحاك بن قيس الفهري ويكنى أبا أنيس، حين بلغه أن عليا يدعو الناس إلى الخروج إليه وأن أصحابه مختلفون عليه، في خيل كثيفة جريدة ، وأمره أن يمر بأسفل واقصة فيغير على الأعراب ممن كان على طاعة علي وعلى غيرهم ممن من كان مجتازا، وأن يصبح في بلد ويمسي في آخر ، ولا يقيم لخيل إن سرحت إليه، وإن عرضت له قاتلها ، وكانت تلك أول غارات معاوية. فأقبل الضحاك إلى القطقطانة فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف، وجعل يأخذ أموال الناس من الاعراب وغيرهم ويقتل من ظن أنه على طاعة علي أو كان يهوى هواه، حتى بلغ الثعلبية، وأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم، ثم صار إلى القطقطانة منصرفا، ولقيه بالقطقطانة على طريق الحاج عمرو بن عميس بن مسعود ، ابن أخي عبد الله بن مسعود فقتله - فلما ولاه معاوية الكوفة كان يقول : يا أهل الكوفة، أنا أبو أنيس قاتل ابن عميس يعلمهم بذلك أنه لا يهاب القتل وسفك الدماء - وأخذ طريق السماوة منصرفا، فلما بلغ عليا خبره قام في أهل

ص: 189

الكوفة خطيبا فدعاهم إلى الخروج لقتال عدوهم ومنع حريمهم ، فردوا عليه ردا ضعيفا ورأى منهم فشلا وعجزا، فقال: وددت والله أن لي بكل عشرة منكم رجلا من أهل الشام، وأني صرفتكم كما يصرف الذهب، ولوددت أني لقيتهم على بصيرتي فأراحني الله من مقاساتكم ومداراتكم كما يدارى البكار العمدة والثياب

المنهرمة كلما خيطت من جانب تهتكت من جانب.

ثم خرج يمشي إلى نحو الغربيّن، حتى لحقه عبد الله بن جعفر بدابة فركيها ولحقه الناس ،بعد فسرح لطلبه حجر بن عدي الكندي في أربعة آلاف أعطاهم خمسین در هما خمسين درهما فسار حجر حتى لحق الضحاك نحو تدمر فقاتله

درهما فأصاب من أصحابه تسعة عشر رجلا - ويقال : سبعة عشر رجلا - وقتل من أصحاب على رجلان يقال: إنهما عبد الله وعبد الرحمان ابنا حوزة - وهما من الازد - وحجز الليل بينهم فهرب الضحاك في الليل، وأقام حجر يوما أو يومين فلم يلق أحدا فانصرف .

قالوا: وبعث معاوية النعمان بن بشير الانصاري، وأبا هريرة الدوسي بعد أبي مسلم الخولاني إلى علي يدعوانه إلى أن يسلم لمعاوية قتلة عثمان بن عفان ليقتلوا به فيصلح أمر الناس ويكف الحرب ، وكان معاوية عالما بأن عليا لا يفعل ذلك، ولكنه أحب أن يشهد عليه عند أهل الشام بامتناعه من إسلام أولئك والتبري منهم، فيشرع له أن يقول : إنه قتله، فيزداد أهل الشام غيظا عليه وحنقا وبصيرة في محاربته وعداوته ، فلما صارا إليه فأبلغاه ما سأله معاوية امتنع من إجابتهما إلى شي مما قدما له فانصرف أبو هريرة إلى الشام فأمره معاوية بأن يعلم الناس ما كان بينه وبين علي، وأقام النعمان بعد أبي هريرة أشهرا وهو يظهر لعلي انه معه ، ثم خرج

فمرّ بعين التمر وعليها مالك بن كعب الهمداني فحبسه ليكتب إلى علي بخبره

فركب إليه قرظة بن كعب الانصاري - وكان على جباية الخراج بالنهرين والفلاليح

ص: 190

ونواحيها وما والا ذلك من الطساسيج - فكلّمه فيه فخلى سبيله فأتى معاوية،

فأخبره ومن قبله بمثل ما أخبرهم به أبو هريرة وهذا في أول الامر. :قالوا: ثم إن معاوية ندب أصحابه لغارة نحو العراق فانتدب لها النعمان بن بشير، فسرحه في ألفين وأمره بتجنّب المدن والجماعات، وأن لا يغير على

مسلحة وأن يكون إغارته على من بشاطئ الفرات ثم يعجل الرجعة. فسار النعمان حتى دنا من عين التمر، وبها مالك بن كعب في مأة وقد كان في أكثر منها إلا إنه أذن لاصحابه في الانصراف إلى الكوفة في حوائج لهم فانصرفوا فكتب مالك إلى قرظة يستنجده ، فقال قرظة : إنما أنا صاحب خراج وليس معي إلا من يقوم بأمري فقط . ووجّه إليه مخنف بن سليم الازدي عبد الرحمان بن مخنف في خمسين رجلا واليا على الحرب فيما يليه ،قرظة ، فقاتل مالك بن كعب النعمان حتى دفعه عن القرية، فظن أهل الشام حين رأوا عبد الرحمان بن مخنف بن سليم ومن معه أنه قد أتى مالكا مدد كثيف، فانهزموا حتى لحقوا بمعاوية، وقتل منهم ثلاثة نفر، ومن أصحاب علي رجل، وقال النعمان: سرت ليلة فضللت ، ثم إني

دفعت إلى ماء لبنى اليقين وإذا امرأة تطحن في خباء لها وهي تقول:

شربت على الجوزاء كأسا روية ***وأخرى على الشعراء إذا ما استقلت

مشعشعة كانت قريش نفافها ***فلما استحلت قتل عثمان حلّت

أتاه

قال النعمان: فعلمت أني في حد الشام، وأنه قد بلغت مأمني واهتديت. ويقال : إن هذه الغارة كانت قبل غارة سفيان بن عوف . وقد كان علي حين

خبر النعمان بالكوفة، خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : عجبا لكم يا أهل الكوفة، أكلما أطلت عليكم سرية وأتاكم منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل امرء منكم بابه قد انجحر في بيته انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها، الذليل والله من ،نصرتموه ومن رضي بكم رمى بأفوق

ص: 191

ناصل، فقبحا لكم وترحا، قد ناديتكم وناجيتكم، فلا أحرار عند النداء ولا إخوان عند النجاء، قد منيت منكم بصم لا يسمعون ، وبكم لا يعقلون، وكمه لا يبصرون. فيقال: إن عليا أتبع النعمان عدي بن حاتم الطائي فمضى حتى شارف قنسرين ثم انصرف . ويقال: إن عبد الرحمان بن حوزة الأزدي قتل مع مالك بن كعب يومئذ ، وإن أخاه عبد الله قتل حين لقي حجر بن عدي الضحاك بن قيس الفهري. ويقال : إن عبد الرحمان بن حوزة قاتل الحسين مع من قاتله والثبت ان الذي قاتل الحسين رجل من بني تميم يقال له : عبد الله بن حوزة، وهو غير هذا (1) وبالاسناد عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 283 ه-) في «الغارات أيضاً ، :قال حدثنا محمّد قال: حدثنا الحسن قال حدثنا ابراهيم قال: ومن حديث الكوفيين، عن نمير بن وعلة، عن أبي وداك الشاذي، قال: قدم زرارة بن قيس الشاذي فخبر عليا بالعدة التي خرج فيها بسر ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد أيها الناس فان أول فرقتكم وبدء نقصكم ذهاب اولى النهى وأهل الرأي منكم الذين كانوا يلقون فيصدقون، ويقولون فيعدلون، ويدعون فيجيبون، وأنا والله قد دعوتكم عودا وبدءا وسرا وجهارا وفي الليل والنهار والغدو والاصال فما يزيدكم دعائي إلا فرارا وادبارا ، أما تنفعكم العظة والدعاء إلى الهدى والحكمة واني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم، ولكني والله لا اصلحكم بافساد نفسي، ولكن أمهلوني قليلا فكأنكم والله بامرئ قد جاءكم يحرمكم ويعذبكم فيعذبه الله كما يعذبكم. إن من ذل المسلمين وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الاراذل والاشرار فيجاب، وأدعوكم وأنتم الافضلون الاخيار فتراوغون وتدافعون ، ماهذا بفعل

ص: 192


1- انساب الاشراف : للبلاذري : 445 - 447

المتقين ، ان بسر بن أبي أرطاة وجه إلى الحجاز، وما بسر ؟! لعنه الله ، لينتدب إليه

منكم عصابة حتى تردوه عن شئته ، فانما خرج في ست مائة أو يزيدون. قال: فسكت الناس مليا لا ينطقون ، فقال : مالكم أمخرسون أنتم لا تتكلمون ؟ فذكر عن الحارث بن حصيرة عن مسافر بن عفيف قال : قام أبو بردة بن عوف الازدي فقال: ان سرت يا أمير المؤمنين سرنا معك. فقال: اللهم مالكم ؟! لاسددتم لمقال الرشد ، أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج ؟! انما يخرج في مثل هذا رجل ممن ترضون من فرسانكم وشجعانكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الارض والقضاء بين المسلمين والنظر في حقوق الناس ثم أخرج في كتيبة أتبع اخري في الفلوات وشعف الجبال، هذا والله الرأي السوء، والله لولا رجائي عند لقائهم - لو قد حمّ لي لقاؤهم - لقربت ركابي ثم لشخصت عنكم ، فلا أطلبكم ما اختلف جنوب و شمال ، فوالله ان في فراقكم

لراحة للنفس والبدن. فقام إليه جارية بن قدامة السعدي فقال : يا أمير المؤمنين، لا أعدمنا الله نفسك ، ولا أرانا الله ،فراقك، أنا لهؤلاء القوم ، فسر حني إليهم ، قال : فتجهز فانك ما علمت ميمون النقيبة، وقام إليه وهب بن مسعود الخثعمي فقال : أنا أنتدب إليهم يا أمير المؤمنين ؟ قال : فانتدب بارك الله فيك ونزل.

فدعا جارية بن قدامة فأمره أن يسير إلى البصرة فخرج منها في ألفين وندب مع الخثعمي من الكوفة ألفين، فقال لهما : اخرجا في طلب بسر بن أبي أرطاة حتى تلحقاه فأينما لحقتماه فناجزاء ، فإذا التقيتما فجارية بن قدامة على الناس فخرجا في طلب بسر فخرج وهب بن مسعود من الكوفة ومضى جارية إلى البصرة فخرج من أرض البصرة فالتقيا بأرض الحجاز فذهبا في طلب بسر(1)

ص: 193


1- الغارات الابراهيم بن محمّد الثقفي 624:2- 627 .

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في الكافي مطلع خطبة لامير المؤمنين بالاسناد عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمّد بن علي جميعا، عن بن أحمد، محمّد بن إسماعيل بن مهران، و أحمد عن علي بن الحسن التيمي، وعلي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعا، عن إسماعيل بن مهران، عن المنذر بن جيفر، عن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن الاصبغ بن نباتة قال : أتى أمير المؤمنين عبد الله بن عمر وولد أبي بكر وسعد

بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل لهم، فصعد المنبر ومال الناس إليه ، فقال : الحمد لله ولي الحمد ومنتهى الكرم ، لا تدركه الصفات، ولا يحد باللغات، ولا يعرف بالغايات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله الله نبي الهدى وموضع التقوى ورسول الرب الأعلى، جاء بالحق من عند الحق لينذر بالقرآن المنير، والبرهان المستنير ، فصدع بالكتاب المبين ومضى على ما مضت عليه الرسل الأولون أما ،بعد ، أيها الناس فلا يقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا أفره الدواب ولبسوا ألين الثياب فصار ذلك عليهم عارا وشنارا ، إن لم يغفر لهم الغفار، إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون وصيرتهم إلى ما يستوجبون، فيفقدون ذلك فيسألون ويقولون : ظلمنا ابن أبي طالب وحرمنا ومنعنا حقوقنا، فالله عليهم المستعان من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وآمن بنبينا

وشهد شهادتنا ودخل في ديننا اجرينا عليه حكم القرآن وحدود الاسلام ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، ألا وإن للمتقين عند الله تعالى أفضل الثواب وأحسن الجزاء ،والمآب لم يجعل الله تبارك وتعالى الدنيا للمتقين ثواب-ا وم-ا عند الله خير للابرار، انظروا أهل دين الله فيما أصبتم في كتاب الله وتركتم عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له وجاهدتم به في ذات الله ، أبحسب أم ينسب ؟ أم بعمل أم بطاعة ؟

ص: 194

أم زهادة وفيما أصبحتم فيه راغبين ؟ فسارعوا إلى منازلكم - رحمكم الله - التي أمرتم بعمارتها العامرة التي لا تخرب الباقية التي لا تنفد ، التي دعاكم إليها وحضّكم عليها، ورغبكم فيها، وجعل الثواب عنده عنها، فاستتموا نعم الله عزّ ذكره بالتسليم لقضائه والشكر على نعمائه، فمن لم يرض بهذا فليس منا ولا إلينا ، وإن الحاكم يحكم بحكم الله ولا خشية عليه من ذلك ، اولئك هم المفلحون - وفي نسخة ولا وحشة واولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وقال : وقد عاتبتكم بدرّتي التي اعاتب بها أهلي فلم تبالوا، وضربتكم بسوطي

: الذي أقيم به حدود ربي فلم ترعووا ، أتريدون أن أضربكم بسيفي ؟ أما إني أعلم الذي تريدون ويقيم أودكم، ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي، بل يسلط الله عليكم قوما فينتقم لي منكم فلا دنيا استمتعتم بها ، ولا آخرة صرتم إليها، فبعدا وسحقا لاصحاب السعير(1)

ص: 195


1- الكافي للشيخ الكليني 8 360 - 362

[ الخطبة ( 70)]

قال العرشي في التخريج مانصه: رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد [ ج 2 ص 298] وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين (16) وأبو على القالى في كتاب ذيل الأمالي، والنوادر ( 190). (انتهى) (1).

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن أبي الفرج الأصفهاني (ت 3567ه-) في مقاتل الطالبيين قائلاً : حدثني أحمد بن محمّد بن ،دلان، وأحمد بن الجعد ومحمد بن جرير الطبري قالوا: حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني أبو جناب قال: حدثني أبو عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن الحسن بن علي، قال: خرجت أنا وأبي نصلي في هذا المسجد ، فقال لي: يا بني إنّي بت الليلة أوقظ أهلي لانها ليلة الجمعة صبيحة يوم بدر السبع عشرة ليلة خلت من شهر ،رمضان فملكتني عيناي فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يارسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟ فقال لي: ادع عليهم. فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر

لهم منّي.

ص: 196


1- راجع : استناد نهج البلاغة

وجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه، فاعتوره الرجلان ، فأما

أحدٌ فوقعت ضربته في الطاق، واما الآخر فأثبتها في رأسه.

قال أبو الفرج: الاود العوج، واللدد: الخصومات(1)

وقال السيد المرتضى ( ت / 436 ه-) في «الأمالي » مانصه: تأويل خبر : إن سأل سائل عن الخبر الذي يرويه شريك عن عمار الذهبي، عن أبي صالح الحنفي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم في المنام وأنا أشكو إليه ما لقيت من الأود واللدد.

الجواب يقال له : أما - الاود - فهو الميل، تقول العرب: لا قيمن ميلك وحنفك وأودك وذراك وضلعك وصعرك وصدغك وظلعك بالظاء وصعوك وصدعك، كل هذا المعنى واحد .. وقال ثعلب : الاود : إذا كان من الانسان في كلامه ورأيه فهو عوج، وإذا كان في الشئ المنتصب مثل عصا وما أشبهها فهو عوج، وهذا قول الناس كلهم إلّا أبا عمرو الشيباني ، فانه قال : العوج - بالكسر - الاسم ، والعوج - بالفتح - المصدر ، وقال ثعلب : كأنه مصدر عوج يعوج عوجا، ويقال: عصا معوجة وعود معوج وليس في كلامهم معوج . وأما اللدد، فقيل: هو الخصومات وقال ثعلب :يقال : رجل ألد وقوم لد: إذا

كانوا شديدي الخصومة ، ومنه قول الله تعالى : ( وَهُوَ الدُّ الْخِصَامِ ) (2) (3) وبالاسناد عن ابن عساكر (ت / 571ه-) في تاريخ مدينة دمشق : أخبرنا أبو بن طاوس أنا النقيب أبو الفوارس طراد بن محمد، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثني عبد الرحمن بن محمّد

ص: 197


1- مقاتل الطالبيين ؛ لأبي الفرج الأصفهاني : 25 .
2- البقرة : 204 .
3- الأمالي ؛ للسيّد المرتضى 77:4 .

صالح ، نا عمرو بن هاشم الجنبي، عن أبي جناب ، عن أبي عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال لي الحسن بن علي قال لي أبي علي: إن سول سول الله صلی الله علیه و آله وسلمسنح لي الليلة في منامي فقلت: يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود واللدد، قال: ادع عليهم ، قلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم وأبدلهم بي من هو شر منّي ، فخرج فضربه الرجل .

هذه مختصرة، وأخبرنا بالحكاية بتمامها أبو غالب بن البنا.

بي أخبرنا أبو غالب بن البنا أنا أبو الحسين بن الابنوسي، أنا أحمد بن عبد الرحمن بن جعفر بن خشنام، نا محمّد بن عبد الله بن غيلان، نا أبو هشام، نا أبو أسامة ، نا أبو جناب ، قال : وحدثني أبو عون الثقفي ، قال : كنت أقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وكان الحسن بن علي يقرأ عليه ، قال أبو عبد الرحمن : فاستعمل أمير المؤمنين علي رجلا من بني تميم يقال له: حبيب بن مرة على السواد وأمره أن يدخل الكوفة من بالسواد من المسلمين ، فقلت للحسن بن علي : إن لي ابن عم في السواد يحب أن يقوم مكانه، فقال لي : تغدو غدا على كتابك وقد ختم فغدوت من الغد فإذا الناس يقولون : قتل أمير المؤمنين، فقلت للغلام : أبعد إلى القصر، فدخلت القصر فإذا الحسن بن علي قاعد في مسجد في الحجرة وإذا صوائح ، فقال : ادن إليّ يا أبا عبد الرحمن، فجلست إلى جنبه فقال لي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بني إنّي بت الليل أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟ قال: والأود العوج واللدد الخصومات، فقال لي : ادع عليهم قال قلت أللهم أبدلني بهم من هو خير منهم وأبدلهم بي من هو شر منّي . فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتوره رجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في

الطاق وأما الآخر فأثبتها في رأسه.

ص: 198

قال أبو هشام قال لي أبو أسامة : إني أغار عليه كما يغار الرجل للمرأة

الحسناء، لا تحدثن به ما دمت حيا.

:قال ونا أبو هشام قال: سمعت أبا أسامة يقول في هذا الحديث: ثلاثة عشر حديثا، فيه : أن الحسن بن علي قرأ على أبي عبد الرحمن، وأن أبا عبد الرحمن سأل الحسن بن علي حاجة وهو يقرأ عليه، وأن عليا كره أن يدخل المسلمون السواد، وأن الحسن شفع في أن يترك رجل بالسواد من المسلمين، وأن علي بن أبي طالب علیه السلام كان إذا كتب ختم كتابه، وأنه أتخذ مسجدا في حجرته ، وأنه صيح عليه فلم ينكره الحسن، وأن عليا نام وهو جالس فلم يتوضأ، وأنه قال : الأود العوج واللدد الخصومات، وأنه كان له مؤذن يؤذنه بالصلاة ، وأنه كان لباب داره طاق

وأنه قتل فيه » . (1)

ص: 199


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 556:42-557 .

[الخطبة (72)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج: قوله علیه السلام: اللّهم داحي المدحوات... الى آخره . ذكر هذه كثير من الناس، وهي مذكورة في الصحيفة العلوية، وفي تذكرة ابن الجوزي وذكرها أبو علي القالي البغدادي في نوادر الامالي مع اختلاف في بعض الالفاظ وزيادة ونقصان ، وفي البحار : ان الحسن بن عرفة ذكرها عن سعيد بن عمر ... الى آخره (1). قال العرشي في التخريج مانصه : رواه أبو علي القالي في ذيل الامالي والنوادر

( 1750) » . (انتهى) (2) قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن ابراهيم الثقفي( ت / 282 ه-) عن أبي سلام الكندي ، قال : كان علي علیه السلام يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : يقول : قولوا اللهم داحي المدحوات، وبارئ المسموكات، وجابل القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحننك على محمد عبدك ورسولك ونبيك ، الخاتم لما سبق، والفاتح لما

ص: 200


1- مدارك نهج البلاغة : 81
2- راجع : استناد نهج البلاغة

انغلق، والمعلن الحق بالحق، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات

الأضاليل، ، كما حمل فاضطلع قائما بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك، غير نكل عن قدم ولا واه في عزم واعيا ،لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك ، حتى أورى قبس القابس، وأضاء الطريق للخابط، وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن والآثام، وأنار موضحات الاعلام ونيرات الاحكام، فهو أمينك المأمون وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك بالحق ورسولك إلى الخلق ، اللّهم فاجزه مضاعفات الخير من فضلك. اللّهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم مثواه لديك ومنزلته وأتمم له نوره ، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة مرضى المقالة ، ذا منطق عدل وحظ فصل وحجة وبرهان عظيم آمين رب العالمین (1). ورواه الاسكافي ( ت / 220 ه-) مرسلاً في المعيار والموازنة»: 272، ط /

1402ه-.

وبالاسناد عن العلامة المجلسي ( ت / 1111 ه-) في بحار الأنوار، عن مناقب ابن الجوزي ( ت / 597 ه-) مانصه : خطبة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكرها الحسن بن عرفة، عن سعيد بن عمير قال خطب أمير المؤمنين علیه السلام فقال :

الحمد لله داحي المدحوات ، وداعم المسموكات، وجابل القلوب ع-ل-ى فطرتها، شقيّها وسعيدها وغويّها ورشيدها اللهم واجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على سيدنا محمّد عبدك ورسولك وحبيبك الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق المعلن بالحق الناطق بالصدق، الدافع جيشات الاباطيل والدامغ جيشات الاضاليل، فاضطلع قائما بأمرك، مستوفزا في مرضاتك، غير ناكل عن قدم ولا واه في عزم ، مراعيا لعهدك، محافظا لودك، حتى أورى قبس

ص: 201


1- الغارات ؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 159:1 - 160 .

القابس وأضاء الطريق للخابط، وهدى به الناس بعد خوض الفتن والاثام والخبط في عشو الظلام، فأنارت نيرات الاحكام بارتفاع الاعلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون وشهيد يوم الدين، وحجتك على العالمين

، وبعيثك بالحق، ورسولك الصدق إلى الخلق . اللهم فافسح له مفسحا في ظلك . واجزه بمضاعفات الخير من فضلك ، اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة، ومنتهى الرغبة ، ومستقر اللذة، ومنتهى الطمأنينة، وأرجاء الدعة وأفناء الكرامة(1)

وبالاسناد عن سبط ابن الجوزي ( ت / 654 ه- ) قال اخبرنا عبدالله بن أبي : المجد الحربي، أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، انبأنا أبو الفتح ابن اسحاق، أنبأنا عبدالله بن سليمان بن الأشعث، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عباد بن الحبيب بن المهلب بن أبي صفرة، عن مجالد ، عن سعيد بن عمير، قال: خطب امیر المؤمنين يوماً فقال : الحمد لله داحي المدحوات ، وداعم المسموكات، وجابل القلوب على ،فطرتها شقيها وسعيدها وغويّها ورشيدها، اللهم واجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على سيّدنا محمّد عبدك ورسولك وحبيبك ، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق المعلن بالحق الناطق بالصدق، الدافع جيشات الاباطيل ، والدامغ جيشات الاضاليل، فاضطلع قائما بأمرك، مستوفرا في مرضاتك، غير ناكل عن قدم، ولا واه في عزم، مراعيا لعهدك، محافظا لودك، حتى أورى قبس القابس، وأضاء الطريق للخابط ، وهدى به الناس بعد خوض الفتن والاثام، والخبط في عشر الظلام، وأنارت نيرات الاحكام بارتفاع الاعلام

شو فهو أمينك المأمون، وخازن علمك ،المخزون، وشهيدك يوم الدين، وحجتك على العالمين، وبعيثك بالحق ورسولك الصدق إلى الخلق . اللّهم فافسح له

ص: 202


1- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 74: 297 - 278 .

مفسحا في ظلك ، واجزه بمضاعفات الخير من فضلك ، اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة ومنتهى الرغبة ، ومستقر اللذة، ومنتهى الطمأنينة وأرجاء الدعة، وأفناء الكرامة .(1)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال، عن سلامة الكندي قال: كان علي يعلّم الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم داحي المدحوات، وبارئ المسموكات، وجبار أهل القلوب على خطراتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك، ورأفة تحنتك على محمد عبدك ورسولك ، الخاتم لما سبق، والفاتح لما اغلق، والمعين على الحق بالحق والواضع والدامغ لجيشات الاباطيل ، كما حمّل فاضطلع بأمرك بطاعتك، مستوفزا في مرضاتك، غير نكل عن قدم ولا وهن في عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك ماضيا على نفاذ أمرك، حتى أورى قبسا لقابس به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والاثم بموضحات الاعلام ومسرات الاسلام ونائرات الاحكام فهو أمينك المأمون، وخازن علمك ،المخزون ، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمة ورسولك بالحق رحمة، اللهم افسح له مفسحا في عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنات له غير مكدّرات من فوز ثوابك المعلول وجزيل عطائك المخزون، اللهم اعل على بناء الناس بناءه، وأكرم مثواه لديك ونزله، وأتمم له نوره، وأجزه من ابتغائك له مقبول الشهادة ومرضي المقالة، ذا منطق ،عدل، وكلام فصل، وحجة وبرهان طس وأبو نعيم في عوالي سعيد ابن منصور (2)

ص: 203


1- تذكرة الخواص : 120 ، ط / بيروت سنة 1401ه-، القدم - بتسكين الدال : التقدم ، والجيشات من جاشت القدر تجيش : إذا غلت والهيشات الجماعات ، وهاشوا إذا تحركوا .
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 2: 270 ، ح 3989

[ الخطبة (73)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: أو لم يبا يعني قبل قتل عثمان ... الى آخره . روي هذا الخبر من طرق كثيرة، ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب نهج البلاغة ، وهى قوله في مروان: «يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه». (انتهى) (1)

قال الجلالي: روى محمّد بن سعد ( ت / 203ه-) في الطبقات الكبرى بقوله : أخبرني موسى بن إسماعيل، قال: حدثني جويرية بن أسماء، عن نافع، قال: ضرب مروان يوم الدار ضربة جدت أذنيه، فجاء رجل وهو يريد أن يجهز عليه قال : فقالت له :أمه: سبحان الله تمثل بجسد میت؟ فتركه ، قالوا : فلما قتل عثمان

وسار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان خرج ) مروان بن الحكم، فقاتل يومئذ أيضا قتالا ،شدیدا فلما رأى انكشاف الناس نظر إلى طلحة ابن عبيد الله واقفا فقال : والله إن دم عثمان إلا عند هذا هو كان أشد الناس عليه ، وما أطلب أثرا بعد عين ففوق له بسهم فرماه به فقتله، وقاتل مروان أيضا حتى ارتث فحمل إلى بيت امرأة من عنزة فداووه وقاموا عليه، فما زال آل مروان

ص: 204


1- مدارك نهج البلاغة : 82.

يشكرون ذلك لهم، وانهزم أصحاب الجمل، وتوارى مروان حتى أخذ له الامان من علي بن أبي طالب علیه السلام فآمنه فقال :مروان ما تقرني نفسي حتى آتيه فأبايعه

، فأتاه فبايعه، ثم انصرف مروان إلى المدينة - الى ان قال: وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر، وقد قال علي بن أبي طالب له يوما ونظر إليه : ليحملن راية ضلالة بعدما يشيب صدغاه وله إمرة كلحسة الكلب أنقه .(1)

قال البلاذري ( ت / 279 ه-) في أنساب الأشراف ما لفظه : حدثنا محمّد ابن سعد، حدثنا روح بن عبادة، قال: بلغني أن مروان صار يوم الجمل إلى قوم

من ربيعة .

وقال أبو مخنف في اسناده ارتت مروان يوم الجمل، فصار إلى قوم من عنزة وبعث إلى مالك بن مسمع يستجيره، فأشار عليه أخوه مقاتل أن يفعل، فأجاره وسأل عليا له الأمان فآمنه ، وعرض عليه أن يبايعه حين بايعه الناس بالبصرة، فأبى، وقال: ألم تؤمنّي ؟ قال : بلى . قال : فإني لا أبايعك حتى تكرهني . قال علي علیه السلام:

. فإني لا أكرهك، فوالله أن لو بايعتني بأستك لغدرت . ثم إنه مضى إلى معاوية. (2) قال ابن أبي الحديد ( ت / 656ه-) في شرح نهج البلاغة : قد روى هذا الخبر

من طرق كثيرة ، ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب نهج البلاغة، وهي قوله علیه السلام في مروان يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وإن له إمرة ... إلى آخر الكلام (3)وقوله : فاستشفع الحسن والحسين إلى أمير المؤمنين علیه السلام، هو الوجه، يقال : استشفعت فلانا إلى فلان، أي سألته أن يشفع لي إليه، وتشفعت إلى فلان

ص: 205


1- الطبقات الكبرى ؛ المحمد بن سعد 5: 38-43 .
2- انساب الاشراف 2 : 263
3- شرح نهج البلاغة ؛ لابن أبي الحديد 6: 146 .

في فلان فشفعني فيه تشفيعا . وقول الناس : استشفعت بفلان إلى فلان - بالباء - ليس بذلك الجيد. وقول أمير المؤمنين علیه السلام أو لم يبايعني بعد قتل عثمان ؟ أي وقد غدر، وهكذا لو بايعني الان . (1)

ص: 206


1- شرح نهج البلاغة ؛ لابن أبي الحديد 6: 146 .

[ الخطبة ( 75)]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال: عن علي قال : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين . (عد ، طس وعبد الغني وابن سعيد في ايضاح الاشكال والأصبهاني في الحجة وابن مندة في غرائب شعبة ، كر من طرق) (1)

وباسناده عن علي قال: أمرت بقتال ثلاثة القاسطين والناكثين، والمارقين

: فأما القاسطون فأهل الشام ، وأما الناكثون فذكرهم ، وأما المارقون فأهل النهروان - يعني الحرورية - (ك في الاربعين ، كر ) (2)وباسناده أيضا عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس مرجعه من العراق ليالي قتل علي ، فقالت له: يا عبد الله بن شداد! هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ تحدّثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ! قال: ومالي لا أصدقك ؟ قالت : فحدثني عن

قصتهم ! قال : فان عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف

سية

ص: 207


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 292
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 292

من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها: حروراء من جانب الكوفة، وإنهم عتبوا عليه فقالوا انسخلت من قميص البسكه الله سمّاك الله

واسم انطلقت

به ثم فحكمت في دين الله ؟ ولا حكم إلا الله ، فلما أن بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه عليه أمر مؤذنا فأذن لا يدخل على أمير المؤمنين علیه السلام إلا رجل قد حمل القرآن ! فلما

أن امتلات الدار من قراء الناس ، دعا بمصحف إمام عظیم فوضعه بين يديه فجعل يصكّه بيده ويقول : أيها المصحف حدّث الناس فناداه الناس، فقالوا: يا

أمير المؤمنين علیه السلام ما تسأل عنه، إنما هو

! مداد في ورق ونحن نتكلم بما روينا منه فماذا تريد ؟ قال : أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله ، يقول الله في كتابه في امرأة ورجل : ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَما مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَقِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ) (1) فأمة محمد أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل ؟ ونقموا عليّ أن كاتبت معاوية : كتب علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله الله بالحديبية حين صالح قومه قريشا فكتب

على الله

رسول الله صلى الله عليه وسلم : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فقال سهيل : لا تكتب: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ، فقال : فكيف نكتب ؟ فقال : اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاكتب محمد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ! فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك ! فكتب هذا ما صالح محمّد بن عبد الله قريشا والله تعالى يقول في كتابه : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةُ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله

كثيراً )(2) (حم والمدني ع كر )(3)

ص: 208


1- النساء : 35
2- الأحزاب : 21 .
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 292 ، ح 31554 .

[ الخطبة ( 76)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: رحم الله امرءاً سمع حكما فوعى في كنز الفوائد للشيخ الفقيه الثقة أبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي المتوفى سنة 449 انه جاء في الحديث عن الامام الصادق انه قال تكلم أمير المؤمنين علیه السلام بأربع وعشرين كلمة قيمة كل كلمة منها وزن السماوات والارض قال : رحم الله امرءاً استمع فوعي ودعى الى رشاد فدنی الى آخر ماهنا مع زيادة تبلغ بها اربعاً وعشرين كلمة أي فقرة، وذكرت هذه الكلمات عنه في كتاب زهر الآداب وثمر الالباب؛ لابي اسحاق القيرواني المالكي، وذكرها غيره». (انتهى) .(1)قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الكراجكي( ت / 449 ه-) في كنز الفوائد»، قال علیه السلام: وجاء في الحديث عن الامام الصادق انه قال: « تكلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه باريع وعشرين كلمة قيمة كل كلمة

منها وزن السموات والارض قال : رحم الله امرءا سمع فوعي ودعى الى رشاد فدنا واخذ بحجزه هاد فنجا، راقب ربه وخاف ذنبه ، قدّم خالصا وعمل صالحا ،

ص: 209


1- مدارك نهج البلاغة : 82

اكتسب مذخورا واجتنب محظورا رمى ،غرضا، واخذ عوضا كابر هواه وكذب مناه ، حذر ،أملاً، ورتب ،عملا، جعل الصبر رغبة حياته، والتقى عدة وفاته، يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم، لزم الطريقة الغراء والمحجة البيضاء اغتنم المهل، وبادر الاجل ، وتزود من العمل .(1)

ونقل العلامة المجلسي (ت / 1111 ه-) في بحار الأنوار، من كتاب عيون الحكم والمواعظ ؛ لعلي بن محمّد الواسطي استنسخناه من أصل قديم في المواعظ وذكر الموت، وهو خمسمائة وثمانية وثمانون حكمة . قوله علیه السلام: رحم الله

عبدا سمع حكما فوعى، ودعي إلى الرشاد فدنا، وأخذ بحجزة هاد فنجي وراغب ربه ، وخاف ذنبه ، قدم خالصا ، وعمل صالحا ، اكتسب مذخورا، واجتنب ،محذورا، رمى ،غرضا، وأحرز عوضا كابد ،هواه، وكذب مناه، جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدّة ،وفاته، ركب الطريقة الغراء، ولزم المحجة البيضاء، اغتنم

المهل، وبادر الأجل، وتزوّد من العمل» (2)

ص: 210


1- كنز الفوائد ؛ للكراحكي : 162 .
2- بحار الأنوار ؛ للعلّامة المجلسي 77: 423 .

[ الخطبة (77)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: « قوله علیه السلام: «إن بني أمية ليفوقونني تراث ... الخ » أصل هذا الخبر رواه أبو الفرج في كتاب الأغاني على

ما يقال . (1) قال العرشي في التخريج مانصه : رواه أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي في غريب الحديث (196) ب)، وأبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني [ج 11

ص 29] . (انتهى 9(2)

ص: 211


1- مدارك نهج البلاغة : 82.
2- راجع : استناد نهج البلاغة

[ الدعاء ( 78)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج: قوله علیه السلام: أللّهم اغفر لي ما أنت أعلم به منّي ... الخ، ذكر عبد الحميد في شرحه جملة من أدعية الصحيفة السجادية ، وقال : إنها من ادعية أمير المؤمنين علیه السلام، وإن الامام السجاد زين العابدين علیه السلام كان يدعو بها ، ولا نعلم مستنده في ذلك، ولعله وقف على ما يقضي بذلك، أو أنه عرف ذلك من جهة النفس والاسلوب والنظم والطريقة ولكن كلامه شبيه بكلام جده أمير المؤمنين علیه السلام في ذلك ، والله العالم .(1)

ص: 212


1- مدارك نهج البلاغة : 82.

[ الكلام (79)]

قال العرشي في التخريج مانصه : روى الشيخ الصدوق هذه المحادثة بتغيير

يسير في الأمالي (المجلس (64) . (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه عن الشيخ الصدوق (ت /

381ه-) في الأمالي ، قال ما لفظه : حدثنا محمّد بن علي ماجيلويه رضی الله عنه، قال حدثني عمّي محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي القرشي، عن نصر بن ،مزاحم، عن عمر بن سعد، عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن حمر ، قال : لما أراد أمير المؤمنين علیه السلام المسير إلى النهروان أتاه منجم، فقال له : يا أمير المؤمنين ، لا تسر في هذه الساعة ، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار. فقال له أمير المؤمنين علیه السلام: ولم ذاك؟ قال: لانك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت

وظهرت وأصبت كل ما طلبت. فقال له أمير المؤمنين علیه السلام تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى ؟ قال: إن

ص: 213


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

حسبت علمت قال له أمير المؤمنين علیه السلام من صدقك على هذا القول كذب بالقرآن إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا

تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسُ بِأَي أَرْضِ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ ) (1) ما كان محمّد صلی الله علیه و آله وسلم يدعي ما ادعيت أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، والساعة التي من سار فيها حاق به الضر ؟ من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله عز وجل في ذلك الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه ، وينبغي له أن يوليك الحمد دون ربه عزّ وجل، فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون الله ندا وضدا. ثم قال علیه السلام: اللّهم لا طير إلا طيرك، ولا ضير إلا

لها ضيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك. ثم التفت إلى المنجم ، فقال : بل نكذبك ونخالفك ، ونسير في الساعة التي نهيت عنها (2) ومن الموافقات ما أرويه بالاسناد عن سبط ابن الجوزي (ت / 654 ه- ) قال : روى عكرمة، عن ابن عباس والشعبي عن أبي أراكة قال : لما انصرف أمير المؤمنين علیه السلام من الأنبار أو من الكوفة لقتال الخوارج بالنهروان كان معه مسافر بن عوف بن الأحمر وكان ينظر في النجوم ، فقال له : يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة، وسر في ثلاث ساعات من النهار ، قال : ولم ؟ قال : لانك أن سرت الساعة اصابك ومن معك بلاء وشدة وان سرت في الساعة الثالثة ظفرت فقال الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون، قال الله تعالى لنبيه صلی الله علیه و آله وسلم: ﴿ قُل لا أَمْلِكُ

لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (3) وسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا من صدق منجما أو كاهناً فكأنما كذب

ص: 214


1- لقمان : 34
2- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 500 - 501 .
3- الأعراف: 188

بما أنزل على محمّد ». وفي رواية: «فقد كفر»، وسمعته يقول: «أنما أخاف على امتي اثنين: التصديق بالنجوم، والتكذيب بالقدر»، ثم قال : ما كان لمحمّد صلی الله علیه و آله وسلم منجم، ولا للخلفاء بعده، ثم قال له : هل تعلم ما في بطن فرسي هذه ؟ فقال : ان حسبت علمت فقال: من صدقك بهذا القول كذب بالقرآن قال الله تعالى: (إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ )(1)... الآية، وما كان محمّد صلی الله علیه و آله وسلم له يدعي ما ادعيت علمه، فمن صدقك في قولك كان كمن اتخذ من دون الله ،انداداً، اللّهم لا طائر إلا طائرك ولا خير إلا من عندك ، ولا إله غيرك ، ثم قال : يا بن الأحمر نكذبك ونخالفك ونسير في ظلمات البر والبحر، المنجم كافر والكافر في النار ؛ يا بن الأحمر والله لشن بلغني انك بعدها تنظر في النجوم وتعمل فيها لأجلدتك جلد المفتري ولأخلدنك في الحبس ما بقيت، ولأحر منك العطاء ما عشت وكان لي سلطان . ثم سار أمير المؤمنين في الساعة التي نهاه عن السير فيها فظفر بالخوارج وأبادهم، ثم

:قال فتحنا بلاد كسرى وقيصر وتبع وحمير وجميع البلدان بغير قول منجم.

: أيها الناس توكلوا على الله واتقوه واعتمدوا عليه، ألا تروا به لو سرنا في الساعة التي أشار اليها المنجم لقال الناس : انما ظفرنا بقول المنجم، فتقوا بالله واعلموا ان هذه النجوم مصابيح ، جعلت زينة ورجوماً للشياطين ، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر والمنجمون أضداد الرسل يكذبون بما جاؤا به من عند الله ، لا يرجعون الى قرآن ولا شرع انما يتسترون بالإسلام ظاهراً ويستهزئون بالنبيين

باطناً فهم الذين قال الله فيهم : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُشْرِكُونَ ) (2) . وفي رواية : ان ابن احمر قال له يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة ، قال :

ولم ؟ قال : لأن القمر في العقرب، فقال: قمرنا أو قمرهم؟».

ص: 215


1- لقمان: 34.
2- يوسف : 106 .

وهذا من احسن الأجوبة. (1)

ورواه السيد ابن طاووس الحسني ( ت / 664ه-) في كتاب النجوم، ثم قال في فرج المهموم : اني رأيت فيما وقفت عليه في كتاب عيون الجواهر ؛ تأليف أبي جعفر محمّد بن بابویه رضوان الله عليه حديث المنجم الذي عرض لمولانا علي صلوات الله عليه عند مسيره للنهروان ،مسندا، وفي رجال روايته من لا يليق في منزلته العمل به والالتفات إليه . فقال ما هذا لفظه : حدثني محمّد بن علي بن ما جيلويه رضی الله عنه قال: حدثني محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي القرشي، عن نصر بن مزاحم المنقري، عن عمر بن سعد، عن يوسف بن يزيد عن مينا عن وجز بن الاحمر قال : لما أراد أمير المؤمنين علیه السلام المسير الى النهروان اتاه منجم ... ثم

ذكر حديثه (2)

ص: 216


1- تذكرة الخواص : 145 ، ط / 1401ه-.
2- فرج المهموم ؛ للسيد ابن طاووس الحسني : 57 .

[ الخطبة (80)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: « قوله علیه السلام معاشر الناس

ان النساء نواقص الايمان ... الى آخره. رواه السبط في التذكرة ورواه غيره».

(انتهى) . (1)

قال العرشي : «الخطبة السابعة والسبعون : روى الشيخ الصدوق في «الأمالي »

( المجلس 50) والشيخ المفيد في كتاب الاختصاص [بحار الانوار[ ج 17

ص 25] منها : فاتقوا شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر [ج

ص 126] . (انتهى) (2)

قال الجلالي: روى الشيخ الكليني ( ت / 329ه-) في الكافي عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه، عمن ذكره، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام في كلام له : اتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر ، وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن كيلا

ص: 217


1- مدارك نهج البلاغة : 81
2- راجع : استناد نهج البلاغة

يطمعن منكم في المنكر (1)

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 329ه-) ، قال في الكافي»: وفي حديث

مالك بن أعين قال: حرّض أمير المؤمنين صلوات الله عليه الناس بصفين فقال : إن الله عز وجل دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم وتشفي بكم على الخير الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله، وجعل ثوابه مغفرة للذنب ومساكن طيبة في جنات عدن ، وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانُ مَرْصُوصُ ) (2) فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، فقدموا الدارع وأخروا الحاسر، وعضوا على النواجد فإنه أنبا للسيوف عن الهام والتووا على أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار، ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا مع شجعانكم ، فإن المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ، ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسبين أمراءكم وصلحاءكم؛ فإنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول، وقد كنا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة فيعيّر بها وعقبه من بعده، واعلموا أن أهل الحفاظ هم الذين يحقون براياتهم ويكتنفونها ويصيرون حفافيها وورائها وأمامها ولا يضيعونها، لا يتأخرون عنها فيسلموها ، ولا يتقدمون عليها فيفردوها، رحم الله امرءا واسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع قرنه وقرن أخيه، فيكتسب بذلك اللائمة، ويأتي بدناءة، وكيف لا يكون كذلك ؟ وهو يقاتل الاثنين، وهذا ممسك

ص: 218


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 517:5 .
2- الصف : 4 .

يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ينظر إليه، وهذا فمن يفعله يمقته الله فلا تعرضوا لمقت الله عز وجل، فإنما مفرّكم إلى الله ، وقد قال الله عز وجل ولن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً )(1) وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الآجلة فاستعينوا بالصبر والصدق، فانما ينزل النصر بعد الصبر ، فجاهدوا في الله حق جهاده ولا قوة

إلا بالله».

وقال علیه السلام حين مرّ براية لأهل الشام أصحابها لا يزولون عن مواضعهم فقال علیه السلام: إنهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم، وضرب يفلق الهام ويطيح العظام ويسقط منه المعاصم والأكف حتى تصدع جباههم بعمد الحديد، وتنثر حواجبهم على الصدور والأذقان ، أين أهل الصبر وطلاب الأجر ؟! فسارت إليه عصابة من المسلمين فعادت ميمنته إلى موقفها ومصافها وكشفت مَن بإزائها، فأقبل حتى انتهى إليهم ، وقال علیه السلام: إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم، تحوزكم الجفاة والطغاة وأعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم، وعمّار الليل بتلاوة القرآن ودعوة أهل الحق إذ ضل الخاطئون، فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكرّكم بعد انحيازكم لوجب عليكم ما يجب على المولي يوم الزحف دبره، وكنتم فيما أرى من الهالكين، ولقد هوّن على بعض وجدي وشفى بعض وحاوح صدري إذا رأيتكم حزتموهم كما حازوكم ، فأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم وأنتم تضربونهم بالسيوف حتى ركب أولهم أخرهم كالإبل المطرودة إليهم الآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة وثبتكم الله باليقين، وليعلم المنهزم بأنه مسخط ربه وموبق نفسه، إن في الفرار موجدة الله والذل اللازم والعار الباقي وفساد العيش عليه، وإن الفار لغير مزيد في عمره

ص: 219


1- الأحزاب : 16 .

ولا محجوز بينه وبين يومه ولا يرضى ربه، ولموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبيس بها والإقرار عليها .

وفي كلام له آخر وإذا لقيتم هؤلاء القوم غدا فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم ، فإذا بدؤوا بكم فانهدوا إليهم وعليكم السكينة والوقار وعضوا على الأضراس فإنه أنبا للسيوف عن الهام وغضوا الأبصار ومدّوا جباه الخيول ووجوه الرجال وأقلّوا

الكلام فإنه أطرد للفشل وأذهب بالوهن ووطنوا أنفسكم على المبارزة والمنازلة والمجادلة، واثبتوا واذكروا الله عز وجل كثيرا، فإن المانع للذمار عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحقون براياتهم ويضربون حافتيها وأمامها ، وإذا حملتم فافعلوا فعل رجل واحد، وعليكم بالتحامي فإن الحرب سجال ، لا يشدّون عليكم كرة بعد فرة ولا حملة بعد جولة، ومن ألقى إليكم السلام فاقبلوا منه واستعينوا بالصبر فإن بعد الصبر النصر من الله عزّ وجل ، إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِيَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1) (2)

وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في «الأمالي»: حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رضی الله عنه، قال : حدثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقر ، عن أبيه، عن جدّه علیهم السلام، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام: من وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة بيده وكل حديث جاوز اثنين فشاء وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا ، وعليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم، فإنهم عدة عند الرخاء وجنّة عند البلاء، وشاور في حديثك

ص: 220


1- الأعراف : 128
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 5: 4339

الذين يخافون الله ، وأحبب الاخوان على قدر التقوى واتقوا شرار النساء

وكونوا من خيارهنّ على حذر إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ، كيلا يطمعن

منكم في المنكر» (1)

ص: 221


1- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 380 .

[ الكلام ( 781)]

قال العرشي : رواه الشيخ الصدوق باختلاف ضئيل في معاني الاخبار. (انتهى). (1) قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني

( ت / 328ه-) في «الكافي»: بل الزهد في الدنيا ان لاتكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله عزوجل

وبالاسناد عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن سنان، عن مالك عطية، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل محمّد

قال: سمعت أمير المؤمنين علیه السلام يقول : الزهد في الدنيا قصر الأمل، وشكر كل نعمة، والورع عن كل ما حرم الله عز وجل(2)

وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381 ه-) في معاني الأخبار» حدثنا

محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضی الله عنه قال حدثنا محمّد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عن أبيه، عن محمّد بن سنان عن

مالك بن عطية الاحمسي ، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، قال: سمعت أمير المؤمنين

ص: 222


1- راجع : استناد نهج البلاغة
2- الكافي للشيخ الكليني 5: 71

صلوات الله عليه يقول : الزهد في الدنيا قصر الامل وشكر كل نعمة والورع عما

حرم الله عليك (1)

ص: 223


1- معاني الأخبار ؛ للشيخ الصدوق : 251

[ الكلام (82)]

قال العرشي في التخريج مانصه : روى الكلام كله المبرد في الكامل ج 1

88] ] وأبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري المتوفى 321

(933م) في كتاب المجتنى (13) والحراني في تحف العقول (47) وأبو علي القالي في كتاب «الأمالي » ( ج 2 ص 122) . (انتهى) . (1)(ج)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن ابن شعبة الحراني ( ت / 336ه-) في تحف العقول ، قال : وقال علیه السلام له في ذم الدنيا أولها عناء وآخرها فناء،

في حلالها حساب وفي حرامها عقاب من صح فيها أمن. ومن مرض فيها ندم. من استغنى فيها فتن. ومن افتقر فيها حزن. من ساعاها فاتته . ومن قعد عنها أتته . ومن نظر إليها أعمته . ومن نظر بها بصرته . (2) وقال أبو الفتح الكراجكي ( ت / 446 ه-) في كنز الفوائد ومن بديع كلام أمير المؤمنين علیه السلام الذي حفظ عنه : ان رجلا قطع عليه خطبته وقال له: صف لنا الدنيا ، فقال : اوّلها عناء وآخرها بلاء، حلالها حساب وحرامها عقاب من صح فيها أمن ،

ص: 224


1- راجع : استناد نهج البلاغة
2- تحف العقول ؛ لابن شعبة الحراني: 201.

ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن سعاها فاتته، ومن قعد عنها انته، ومن نظر إليها ألهته، ومن تهاون بها نصرته . ثم عاد الى مكانه من خطبته صلوات الله عليه . وهذه اعلى الرتب درجة في حضور الخاطب. (1)وبالاسناد عن الموفق الخوارزمي ( ت / 568ه-) في المناقب : وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا، حدثنا الحسين بن عبد الرحمان، حدثنا عبيد الله بن محمد التقي عن شيخ من بني عدي، قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب : يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا ، قال : وما أصف لك من دار من صح فيها أمن، ومن سلم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن، في حلالها حساب ، وفي حرامها النار (2) وبالاسناد الى المتقي الهندي ( ت / 975ه-) في كنز العمال: عن علي أنه

از سئل عن الدنيا ؟ فقال : أطيل أم أقصر ؟ فقيل : أقصر، فقال: حلالها حساب و حرامها عذاب، فدعوا الحلال لطول الحساب، ودعوا الحرام لطول العذاب.

ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والدينوري كر. وعن شيخ من بني عدي قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا، قال: وما أصف لك من دار من صح فيها أمن، ومن سقم فيها ندم ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها ،فتن حلالها حساب وحرامها النار .

ابن أبي الدنيا والدينوري . (3)

ص: 225


1- كنز الفوائد ؛ لأبي الفتح الكراجكي : 160
2- المناقب ؛ للموفق الخوارزمي : 364 .
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 719:3 ، ح 8566 و 8567

[ الخطبة ( 83)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: «الحمد لله الذي علا بحوله ودنى بطوله ... الى آخره.» هذه الخطبة الجليلة في البلاغة والفصاحة وحسن الانسجام والجمع للمحسنات البديعية لاتجارى ولا تبارى وفيها من اللطائف والدقائق ما عده الشارح الفاضل من معجزاته علیه السلام الّتي فات بها البلغاء وأخرس الفصحاء . وقال السيّد الشريف بعد انتهائها وفي الخبر انّه علیه السلام لما

خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب ومن

الناس من يسمي

هذه الخطبة : الغراء.

ونقل الشارح المذكور أن الشيخ أبا عثمان قال: حدثني تمامة قال: سمعت جعفر بن يحيى و كان من أبلغ الناس وأفصحهم يقول : الكتابة ضم الكلمة إلى أختها ، ألم تسمعوا قول شاعر لشاعر وقد تفاخر: أنا أشعر منك ؛ لاني أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمه . ثم قال وناهيك حسناً بقول علي بن أبي

- طالب علیه السلام: هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ .

قال أبو عثمان وكان جعفر يعجب بقول علي علیه السلام: أين من جد واجتهد وجمع واحتشد وبنى فشيّد ؛ وفرش ،فمهد قال: ألا ترى ان كل لفظة منها آخذة بعنق

ص: 226

قرينتها، جاذبة إياها إلى نفسها ؟ ثم ذكر الشارح فصاحته علیه السلام وأنه أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين والآخرين... إلى آخر ما كتبه في ص 99 من

المجلد الثاني. ويتجلى لك مما كتبناه هنا : أن هؤلاء الافاضل الاعلام يرون أن هذه الخطبة من

كلام مولانا أمير المؤمنين لا يخالجهم في ذلك شك، ولا يخامرهم فيها ريب وكفى بهؤلاء حججاً على صحة الاسناد، وأدلة على ثبوت الرواية على أن هذه الخطبة تشهد بنفسها لنفسها ، فان مفرداتها سهلة سلسة، لا وحشية ولا معقدة، وجملها حسنة المعاني، سريعة الوصول إلى الافهام، وقد اشتملت على أكثر المحسنات البديعية من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم ورد الكلام على صدره والترصيع والتسهيم والتوشيح والمماثلة والاستعارة والموازنة والتكافؤ والتسميط والمشاكلة، وغير ذلك.

قال الشارح الفاضل ولا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطب أمير

: المؤمنين علیه السلام وكتبه ، مبثوثة متفرقة في فرش كلامه علیه السلام، وليس يوجد هذان الامران [ ما يعتبر في مفردات الكلام وما يعتبر في مركباته ] في كلام أحد غيره ... الى اخره . وقد تلخص من ذلك أن من قرأ هذه الخطبة، وكان من أهل الذوق والتمييز والمعرفة بأساليب الكلام، وقد تذوق كلام أمير المؤمنين علیه السلام واستضاء بنوره وأستنشق أريج شذاه يكاد يجزم بأن هذا الثمر من ذلك الشجر، وهذه الغرفة من ذلك البحر ، فالمتن شاهد لايحتاج إلى تعديل ، وسند عال للاخبار المراسيل، وقد ختم الشارح الفاضل شرحه لهذه الخطبة بقوله : واعلم إن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب ، وصاحبه منسوب إلى السفه، وليس جاحد الأمور

المعلومة علماً ضرورياً بأشد سفهاً ممن رام الاستدلال بالادلة النظرية عليها. وقوله علیه السلام: ( عباد مخلوقون اقتداراً ... الخ ) رواه في تحف العقول للحسن بن

ص: 227

{

علي بن شعبة المتوفى سنة 332 ه مرسلا قال وقال علیه السلام: إنكم مخلوقون اقتداراً ومربوبون اقتساراً ثم ذكر بعده جملة من الفقرات المذكورة في هذه الخطبة. وكذلك القاضي القضاعي، فانه ذكر في الباب الثالث فيما روي عنه من المواعظ قوله : إنكم ،مخلوقون ، و أتبعه بجمل من هذه الخطبة ، ثم أدخل فيما رواه

جملا من خطب أخرى مذكورة في النهج وجعل الجميع كلاماً واحداً » . (1) قال العرشي في التخريج مانصه : روى أبو نعيم الأصفهاني أكثرها في الحلية ج 1 ص 78] ، كما روى علي بن محمّد الواسطي جزءا منها في عيون الحكم

والمواعظ [بحارج 17 ص 112]». (انتهى)(2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه عن العلامة المجلسي (ت/1111ه-) عن علي بن محمد الواسطي في كتابه عيون الحكم والمواعظ، عن نسخة عتيقة، قال المجلسي عنها : استنسخناه من أصل قديم في المواعظ (

اسناده

وذكر الموت»(3) وبالاسناد عن سبط ابن الجوزي ( ت / 654ه- ) قال : فصل ومن كلامه في

المواعظ والرقائق . قال أبو نعيم الأصبهاني في كتاب الحلية، وقد تقدم حدثنا عمر بن محمّد، حدثنا الحسين بن محمّد بن عفير ، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا خلف بن تميم، عن عمر بن الرحال عن العلاء بن المسيب، عن عبد خیر قال : قال لي علي : ليس الخير ان يكثر مالك وولدك، ولكن الخير ان يكثر علمك ويعظم حلمك، فلا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنوباً ، فهو يتدارك ذلك بتوبة، ورجل يسارع في الخيرات، ولا يقل عملا في

،تقوی، فكيف يقل ما يتقبل.

ص: 228


1- مدارك نهج البلاغة : 85.
2- راجع استناد
3- بحار الأنوار 423 77 .

وقال أبو نعيم : حدثنا أبي ابراهيم بن محمّد بن الحسن، قال: كتب الى احمد بن ابراهيم بن هشام الدمشقي، حدثنا ابن صفوان عن القاسم بن يزيد بن عوانة عن ابن حرب، عن ابن عجلان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، قال:

شيع أمير المؤمنين علیه السلام جنازة، فلما وضعت في لحدها عج أهلها وبكوا فقال: تبكون؟ أما والله لو عاينوا ما عاين لأذهلهم ذلك عن البكاء عليه، أما والله ان له اليهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقى منهم أحد. ثم قام فيهم فقال : أوصيكم بتقوى الله - عباد الله - الذي ضرب لكم الأمثال ووقت الاجال ، وجعل لكم اسماعا تعي ما عناها ، وأفئدة تفهم ما دهاها ، ان الله لم يخلقكم عبثاً، ولم يضرب عنكم الذكر صفحاً ، بل اكرمكم بالنعم السوابغ والآلاء السوائغ ، فاتقوا الله عباد الله وحتّوا في الطلب وبادروا بالعمل قبل الندم، قبل هادم اللذات ومفرّق الجماعات، فان الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا يؤمن فجائعها، غرور حائل، وسناد مائل، ونعيم زائل، وجيد عاطل ، فاتعظوا عباد الله بالعبر وازدجروا بالنذر ، فكأن قد علقتكم مخاليب المنية واحاطت بكم البلية، ودهمتكم مقطعات الأمور بنفخ الصور وبعثرة القبور، وسياق الحشر والموقف للحساب في النشور وبرز الخلائق للمبدئ المعيد، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ونوقش على القليل والكثير والفتيل والنقير، واشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب فارتجت لذلك اليوم البلاد، وخشع العباد ونادى المنادي من مكان قريب وحشرت الوحوش وزوجت النفوس، وبرزت الجحيم قد تأجج جحيمها وغلا حميمها، فاتقوا الله عباد الله تقية من وجل وحذر وابصر وازدجر فاحتث طلباً ونجا هرباً ، وقدم للمعاد، واستظهر من الزاد وكفى بالله منتقماً وبالكتاب خصيماً

وبالجنة ثواباً ونعيماً.

ص: 229

وفي رواية: وكفى بالجنة ثواباً وبالنار وبالا وعقاباً، واستغفر الله لي ولكم. قلت : وقعت الينا الفاظ من هذا الكتاب حذفنا اسنادها طلبا للاختصار الذي هو

فصل الخطاب(1)

ص: 230


1- تذكرة الخواص ؛ 124 ، ط بیروت.

[ الخطبة ( 84)]

قال الجلالي: قال البلاذري ( ت / 279ه-) في أنساب الأشراف ما لفظه : حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عمن حدثه، عن عيسى بن طلحة قال: قلت لابن عباس : أخبرني عن أبي بكر ؟ فقال : كان خيرا كله على حين كانت فيه وشك غضب [ظ ] قلت: فعمر ؟ قال : كان كأنه طائر حذر قد نصبت له أحبولة، فهو يعطي كل يوم بما فيه على عنف السياق . قلت: فعثمان ؟ قال : كان والله صواما قواما يخدعه نومه عن يقظته . قلت : فصاحبكم ؟ قال : كان مركوزا حلما وعلما ، وغره من أمره اثنتان سابقته وزالته كذا ] :قلت أكان محدودا ؟ قال : أنتم تقولون ذاك. :قالوا: وكان عمرو بن العاص يقول: إن في علي دعابة وهزّة فقال علي زعم إبن النابغة أني تلعابة تمزاحة، ذو دعابة، أعافس وأمارس هيهات يمنعني من ذاك خوف الموت وذكر البعث والحساب ومن كان ذا قلب ففي هذا له واعظ وزاجر ، أما وشرّ القول الكذب، وإنه ليحدث فيكذب، ويعد فيخلف، ويحلف فيحنث، فإذا كان يوم البأس فأيّ أمر وزاجر ما لم تأخذ السيوف مآخذها من هام الرجال، فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم أسته» (1)

ص: 231


1- انساب الاشراف ؛ للبلاذري : 150 - 151

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: عجبا لابن النابغة... إلى آخره . ذكر في كتاب عيون الاخبار لابن قتيبة مع اختلاف يسير

وزيادة في هذه الرواية على تلك . ورواه ابن قتيبة في عيون الأخبار [ج ص 164] والبيهقي في كتاب المحاسن المساوي[ ج 1 ص 39] وشيخ الطائفة في الامالي (82) .(1) قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في «الأمالي »: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو عبيدالله محمّد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني الحسن بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن سعید ، قال : حدثني الزبير بن بكار، قال حدثنا علي بن محمّد، قال: كان عمرو بن العاص يقول: إن في علي دعابة. فبلغ ذلك أمير المؤمنين علیه السلام فقال: زعم ابن النابغة أني تلعابة، مزّاحة، ذو دعابة ، أعافس وأمارس، هيهات يمنع من العفاس والمراس ذكر الموت وخوف البعث والحساب، ومن كان له قلب ، ففي هذا له واعظ وزاجر ، أما وشر القول الكذب، إنه ليحدث فيكذب ويعد فيخلف ، فإذا كان البأس فأي زاجر وآمر هوا ما لم تأخذ السيوف هام الرجال، فإذا كان ذلك

فاعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم استه (2)

ص: 232


1- مدارك نهج البلاغة : 87.
2- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 131

[ الخطبة (85)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج قوله علیه السلام: وأشهد أن

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... الخ ، قال عبد الحميد في شرحه ص 120 ج 2 بعد أن ذكر أن في هذا الفصل - على اختصاره - من مسائل التوحيد ثمانياً وعددها، واعلم أن التوحيد والعدل والمباحث الشريفة الالهية ما عرفت إلا من كلام هذا الرجل، وأن كلام غيره من أكابر الصحابة لم يتضمن شيئاً من ذلك أصلا ولا كانوا

يتصورونه ولو تصوروه لذكروه.

قال: وهذه الفضيلة عندي أعظم فضائله علیه السلام. وذكر مثل هذا الكلام في[ ص 228 ج 2 ]قلت: وهذا مما يؤيد صدور هذا الكلام منه ونسبته اليه دون غيره

ر 228ج من أهل عصره» . (1)

ص: 233


1- مدارك نهج البلاغة : 86.

[ الخطبة (87)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: «قوله علیه السلام حتى يظنّ الظان ان الدنيا ... الى آخره. قيل: ان هذه الخطبة طويلة، وان الرضي رحمه الله قد حذف منها كثيراً، ومن جملة ذلك اما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة... الى آخره .(1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما أرويه بالاسناد عن أحمد بن محمّد خالد البرقي ( ت / 274 - ح ) في المحاسن ، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عمن ذكره عن علي علیه السلام أنه كان يقول: إن أفضل ما يتوسل به المتوسلون الايمان بالله وبرسوله والجهاد في سبيل الله ، وكلمة الاخلاص فانها الفطرة، وتمام الصلاة فانها الملة وايتاء الزكاة فانها من فرائض ،الله، وصوم شهر رمضان فانها جنّة من عذابه، وحج البيت فانها منفاة للفقر ومدحضة للذنب، وصلة الرحم مثراة للمال ومنسأة في الأجل، وصدقة السر، فانها تطفئ الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنائع الخير والمعروف ، فانها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهول ألا فاصدقوا فان الله مع من صدق، وجانبوا

ص: 234


1- مدارك نهج البلاغة : 87.

الكذب فان الكذب مجانب للايمان، ألا إن الصادق على شفا منجاة وكرامة، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من اهله وأدوا الامانة إلى من ائتمنكم وصلوا الارحام من(1) قطعكم، وعودوا ، بالفضل عليهم . (2)

وتقدم مقاطع منها في الخطبة ( 64) من رواية المنقري، فليراجع.

ص: 235


1- كذا في المصدر ، ولعل الصحيح : ممن.
2- المحاسن ؛ لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي 1 : 289 .

[ الخطبة (88)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: أما بعد فان الله لم يقصم جباري دهر ... الخ، روى هذه الخطبة الشيخ الثقة الكليني في روضة الكافي، ورواها الشيخ المفيد في الارشاد، والروايات مختلفة في اللفظ والمقدار» (1) قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الكليني في كتاب الروضة من فروع

الكافي [ج 3 ص 31] ، والشيخ المفيد في الارشاد (168) . (انتهى)(2)، قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني في « الكافي» في عنوان ( خطبة لامير المؤمنين علیه السلام) بالاسناد عن أحمد بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن عبد الله المحمّدي، عن أبي روح فرج بن قرة، عن جعفر ، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: خطب أمير المؤمنين علیه السلام بالمدينة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ، ثم قال: أمّا بعد، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء

بن عبد الله .

ص: 236


1- مدارك نهج البلاغة : 87 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

ولم يجبر كسر عظم من الامم إلا بعد أزل وبلاء.

أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر، وماكل

ذي قلب ،بلبيب، ولا كل ذي سمع بسميع، ولا كل ذي ناظر عين ببصير. عباد الله ! أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه ، ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والأمر والنهي، ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان - والله - مخلدون، والله عاقبة الامور. فيا عجبا ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ، لا يقتصون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب المعروف فيهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا، وكل امرئ منهم إمام نفسه، أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات، فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ، لا ينالون تقربا ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عز وجل انس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض، كل ذلك وحشةً مما ورث النبي صلی الله علیه و آله وسلم الامامي الا الله ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والارض أهل حسرات، وكهوف ،شبهات وأهل عشوات وضلالة وريبة من وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله غير المتهم عند من لا يعرفه، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها ووا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها

اليوم كيف يستذل بعدي بعضها ؟ بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا ؟ المتشتة غدا عن الاصل النازلة بالفرع المؤملة الفتح من غير جهته ، كلّ حزب منهم أخذ منه ،بغصن أينما مال الغصن مال معه ، مع أن الله - وله الحمد - سيجمع هؤلاء لشر يوم

، لبني أمية، كما يجمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم ، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم؛

ص: 237

حيث بعث عليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ، ولم يرد سننه رض طود ، يذعذعهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الارض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم

، ويمكن بهم قوما في ديار قوم؛ تشريدا لبني امية، ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم، ويملأ منهم بطنان الزيتون. فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك، وكأني أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم، وأيم الله ليذوبنّ ما في أيديهم بعد العلوّ والتمكين في البلاد كما تذوب الآلية على النار من مات منهم مات ضالا، وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج، ويتوب الله عز وجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء، وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة، بل الله الخيرة

والأمر جميعا.

أيها الناس إن المنتحلين للامامة من غير أهلها كثير، ولو لم تتخاذلوا عن مرّ

، الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها ، لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى بن عمران علیه السلام، ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو اسرائيل، ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني امية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم ، وقطعتم الادنى من أهل بدر، ووصلتم الابعد من أبناء الحرب ع ل الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم او العمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدن-ا التمحيص للجزاء، وقرب الوعد وانقضت المدة، وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق، ولاح لكم القمر المنير، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة، واعلموا أنكم إن

اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، فتداويتم من العمى والصم

والبكم ، وكفيتم مؤونة الطلب والتعسّف ونبذتم الثقل الفادح عن الاعناق

ص: 238

ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )(1)(2)

ص: 239


1- الشعراء: 227
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 8: 63 - 66 .

[ الخطبة (89)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: «قوله علیه السلام: أرسله على حين فترة من الرسل ... الخ، روى الكليني رحمه الله في أصول الكافي شيئاً منها، وذكر الشارح الفاضل اختلاف الرواية فى بعض ألفاظها) (1)

قال العرشي في التخريج مانصه : ( رواها الكليني في أصول الكافي 15) ويلوح من أقوال ابن أبي الحديد في شرحه[ ج 1 ص 344] أن الخطبة رويت بروايات عديدة». (انتهى )(2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني( ت / 328ه-) في الكافي ، عن محّمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله علیه السلامقال: قال أمير المؤمنين علیه السلام: أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأنزل إليه

الكتاب بالحق وأنتم اميون عن الكتاب ومن أنزله ، وعن الرسول ومن أرسله

على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الامم، وانبساط من الجهل

ص: 240


1- مدارك نهج البلاغة : 87
2- راجع: استناد نهج البلاغة .

واعتراض من الفتنة وانتقاض من المبرم، وعمي عن الحق واعتساف من الجور، وامتحاق من الدين وتلظ من الحروب، على حين اصفرار من رياض جنات الدنيا، ويبس من أغصانها وانتشار من ورقها، ويأس من ثمرها واغورار من مائها، قد درست أعلام الهدى، فظهرت أعلام الردى، فالدنيا متهجمة، في وجوه أهلها مكفهرة ، مدبرة غير مقبلة، ثمرتها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف ودثارها السيف، مزّقتم كل ممزق وقد أعمت عيون أهلها، وأظلمت عليها أيامها قد قطعوا أرحامهم، وسفكوا دمائهم، ودفنوا في التراب الموؤدة بينهم من أولادهم، يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهية خفوض الدنيا ، لا يرجون الله ثوابا ولا يخافون - والله - منه عقابا حيهم أعمى نجس، وميتهم في النار

من

مبلس، فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأولى، وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال من ريب الحرام . ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم ، اخبركم عنه، إن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم .(1)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال: عن علي قال : إن الدنيا قد ارتحلت مديرة ، وإن الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما ،بنون فكونوا

من أبناء أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الارض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا، ألا من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ألا إن الله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلّدين، وأهل النار في النار ،معذبين شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما لعقبى رحلة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم

ص: 241


1- الكافي؛ للشيخ الكليني 1: 60 .

تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم ربّنا ربّنا يطلبون فكاك رقابهم، وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء، أنهم القداح ينظرون إليهم ناظر

:

فيقول : مرضى ؟ وما بالقوم من مرض ، وخولطوا، ولقد خالط القوم أمرا عظيم.

(الدينوري كر ) (1)

ص: 242


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 3: 719 ، ح 8566 .

[ الخطبة (91)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: الحمد الله ( الذي لا يفره المنع والجمود ... الخ ، هذه الخطبة الجليلة رواها في النهج الذي عليه شرح الفاضل ابن أبي الحديد، والذي عليه شرح العلامة بن ميثم عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق جعفر بن محمّد علیهما السلام أنه قال خطب أمير المؤمنين علیه السلام بهذه الخطبة على منبر الكوفة ... الخ .

وقد رواها الشيخ الصدوق في كتابه المعروف بتوحيد الصدوق، قال: حدثنا على بن محمّد بن عمران الدقاق، قال: حدثنا محمّد بن عبدالله الكوفي، قال: حدثنا محمّد بن اسماعيل البرمكي ، قال : حدثني علي بن العباس، قال: حدثني اسماعيل بن مهران الكوفي ، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فورة،

عن مسعدة بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام، يقول : بينا أمير المؤمنين علیه السلام يخطب على منبر الكوفة إذ قام اليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حباً وبه ،معرفة، فغضب أمير المؤمنين علیه السلام ونادى الصلاة

جامعة. فاجتمع الناس حتى غص المسجد باهله ثم قام متغير اللون فقال : الحمد لله الذي لا يفره المنع ولا يكديه الاعطاء... إلى آخر ما رواه الصدوق منها في

ص: 243

الكتاب المذكور؛ وما رواه السيد هنا أطول مما رواه الصدوق منها ، ومخالف له

بعض الألفاظ وبعض الفقرات .

قال الشارح الفاضل في شرح الفصل المتضمن لصفة الملائكة من هذه الخطبة : هذا موضع المثل إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، إذا جاء هذا الكلام الرباني واللفظ القدسي بطلت فصاحة العرب وكانت نسبة الفصيح من كلامها اليه نسبة التراب الى النظار الخالص، ولو فرضنا ان العرب تقدر على الالفاظ الفصيحة المناسبة أو المقاربة لهذه الالفاظ، من أين لهم المادة التي عبرت هذه الالفاظ عنها ؟ ومن اين تعرف الجاهلية بل الصحابة المعاصرون لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هذه المعانى الغامضة السمائية ليتهيأ لها التعبير عنها ، أما الجاهلية فانهم إنما كانت تظهر فصاحتهم في صفة أو فرس أو حمار وحش أو ثور فلاة أو صفة جبال أو

بعير فلوات ونحو ذلك ، وأما الصحابة فالمذكورن منهم بفصاحة إنما كان منتهى فصاحة أحدهم كلمات لا تتجاوز السطرين أو الثلاثة، إما في موعظة تتضمن ذكر الموت أو ذم الدنيا أو ما يتعلق بحرب وقتال من ترغيب أو ترهيب، فأما الكلام

الملائكة وصفاتها وصورها وعباداتها وتسبيحها ومعرفتها بخالقها وحبها له

وولهها اليه وما جرى مجرى ذلك مما تضمنه هذا الفصل على طوله ، فانه لم يكن معروفا عندهم على هذا التفصيل ، نعم ربما علموه جملة غير مقسمة هذا التقسيم ولا مرتبة هذا الترتيب بما سمعوه من ذكر الملائكة في القرآن العظيم، واما من عنده علم من هذه المادة، فلم تكن لهم هذه العبارة، ولا قدروا على هذه الفصاحة ، فثبت أن هذه الامور الدقيقة في مثل هذه العبارة الفصيحة لم تحصل إلا لعلي وحده» (1)

في قال العرشي في التخريج مانصه : الخطبة السابعة والثمانون، وتعرف بخطبة

ص: 244


1- مدارك نهج البلاغة : 88.

الأشباح، وهي من جلائل خطبه : الحمد لله الذي لا يفره المنع والجمود، ولا يكديه الاعطاء والجود... الى آخره [. ج 1 ص 159] . رواها ابن عبد ربه في العقد

الفريد [ ج 2 ص 200] ، والشيخ الصدوق في كتاب التوحيد (36) (انتهى ) (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد، عن محمّد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات: حدثنا الحسن بن علي بن النعمان وأحمد بن محمّد جميعا عن علي بن النعمان قال : حدثنى من دخل على أبي عبد الله علیه السلام، فقال

له قد سألت اهل بيتك فلم ار عندهم فيه شيئا قال وما هو ؟ يرون ان عليا

قال سلوني قبل ان تفقدوني فوالله لا تسألوني عن ارض مخصبة ولا ارض مجدبة ولافئة تضل مائة وتهدى مائة ، الا ان شئت انبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: فان هذا حق». وايضاً : حدثنا محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن المفضل، عن سلام قال: قلت لابي عبد الله : انا نروى احاديث لم نجد عند احد من اهل بيتك فيها شيئا ، فقال : ماهي ؟ قلت : يروون ان عليا كان يقول وهو يخطب الناس يا ايها الناس سلوني ، فانكم لن تسألوني عن شئ فيما بيني وبين الساعة، لا عن ارض مجدبة ولا عن أرض مخصبة ولا عن فرقة تضل مائة وتهدي مائة الا أن لو شئت أنبأكم بناعقها وقائدها وسائقها، قال: وانه حق.

وأيضاً : حدثنا ابراهيم بن هاشم عن جعفر بن محمّد، عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه قال : قال امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام: سلوني قبل ان تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تهدي مائة الا اخبرتكم

بسائقها وناعقها حتى يخرج الدجال . وقال أيضاً : حدثنا محمّد بن عيسى عن محمّد بن اسماعيل، عن منصور بن

ص: 245


1- راجع استناد نهج البلاغة .

يونس، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ارض مخصبة ولا ارض مجدبة ولافئة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنا

أعلمها ، وقد علّمتها اهل بيتي يعلم كبيرهم وصغيرهم إلى ان تقوم الساعة». ثقال حدثنا احمد بن محمّد، عن علي بن الحكم عن سلام القصير، قال:

قلت لأبي عبد الله : إنا نروى احاديث لم نجد عند اهل بيتك فيها شيئا، قال: وما هي ؟ قلت : يروون ان عليا علیه السلام قال : (سلوني - وهو يخطب - فانكم لا تسألون عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن أرض مخصبة ولا عن ارض مجدبة ولا فئة تضل مائة وتهدي مائة ، الا ان شئت انبأتكم بناعقها وسائقها وقائدها

فقال : أنه حق».

وقال حدثنا ابراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير، عن منصور، عن عمرو بن

شمر مثله .

وقال : حدثنا أبو الفضل العلوي، عن سعيد بن عيسى البصري، عن ابراهيم بن الحكم، عن أبيه ، عن شريك بن عبد الله عن عبد الله ، عن عبد الأعلى عن أبي وقاص، عن سلمان الفارسي رحمه الله عن أمير المؤمنين علیه السلام قال: قال: سلوني عمّا يكون إلى يوم القيامة، وعن كل فئة تضل مائة وتهدي مائة وعن سائقها

وناعقها وقائدها إلى يوم القيامة.

وقال حدثنا عبد الله بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة، عن سويد بن غفلة، قال: انا عند امير المؤمنين علیه السلام إذا اتاه رجل فقال : يا امير المؤمنين علیه السلام

جئتك من وادي القرى ، وقد مات خالد بن عرفة ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام: انه لم یمت فأعادها عليه فقال له علي : لم يمت والذي نفسي بيده لا يموت فأعادها عليه الثالثة ، فقال : سبحان الله ، اخبرك انه مات وتقول : لم يمت ، فقال له على علیه السلام لم يمت والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل

ص: 246

رايته حبيب بن جماز قال: فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المؤمنين علیه السلام، فقال: ناشدتك في وانا لك شيعة؟ ، وقد ذكرتني بأمر - لا والله - ما اعرفه من نفسي، فقال له علي علیه السلام: ان كنت حبيب بن جماز فتحملها، فولى حبيب بن جماز وقال: ان كنت حبيب بن جماز لتحملنها ، قال أبو حمزة فو الله ما مات حتى بعث عمر

بن سعد إلى الحسين علیه السلام بن علي علیه السلام وجعل ابن عرفطة على مقدمته وحبيب

صاحب رايته».

وقال: حدثنا محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن عنبسة بن العابد، عن مغيرة مولى عبد المؤمن الانصاري، عن سعد بن الأصبغ، قال: سمعت عليا علیه السلام يقول على هذا المنبر سلوني قبل ان تفقدوني، والله ما من ارض مخصبة ولا ،مجدبة، ولافئة تضل مائة وتهدي مائة إلا وقد عرفت قائدها وسائقها ، وقد اخبرت بهذا رجلا من اهل بيتي يخبرها كبيرهم لصغيرهم إلى ان تقوم الساعة . (1)

وبالاسناد عن العلامة المجلسي في بحار الأنوار الدقاق والقطان، والسناني جميعا، عن أحمد بن زكريا القطان، عن محمّد بن العباس، عن محمّد بن أبي السري، عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن سعد بن طريف الكناني، عن صبغ بن نباتة ، قال : لما جلس علي علیه السلام في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمّما بعمامة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، لابساً بردة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم منتعلا نعل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، متقلدا سيف رسول الله ، فصعد المنبر فجلس عليه متمكنا ، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثم قال: يا معاشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله له ، هذا ما زقّني رسول الله صلى الله عليه وسلم زقا زقا، سلوني، فإن عندي علم الاولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي وسادة فجلست

ص: 247


1- بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفار : 316 - 318

وهي القيامة، عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في ، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول : صدق على ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في . وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ؟ ولولا آية في كتاب الله عزّ وجل لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم هذه الآية: ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )(1) ثم قال : قال سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل انزلت أو في نهار انزلت مكيها ومدنيها، سفرتها وحضرتها(2) قال الجلالي وفي هذا الحديث أجوبة من الامام للسائلين، وهو يردد هذه الجملة : سلوني قبل ان تفقدوني» وقد روى الشيخ المفيد هذا الحديث في الاختصاص، عن علي بن محمّد الشعراني ، عن الحسن بن علي بن شعيب عن عيسى بن محمّد العلوي، عن محمّد بن العباس، كما ورواه الطبرسي في الاحتجاج مرسلاً . (3)

وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) قال: حدثنا علي بن أحمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي ، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني ، عن فرج بن فروة،

صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين علیه السلام عن مسعدة بن

ص: 248


1- الرعد : 39 .
2- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 117:10 - 118
3- بحار الانوار للعلامة المجلس 13:7

يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حبًا وبه معرفة .

فغضب أمير المؤمنين علیه السلام، ونادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله ، ثم قام متغيّر اللون، فقال: الحمد لله الذي لا يفره المنع ، ولا يكديه الاعطاء ؛ إذ كل معط منتقص سواه، الملئ بفوائد النعم وعوائد المزيد، وبجوده ضمن عيالة الخلق، فأنهج سبيل الطلب للراغبين إليه، فليس بما سئل أجود منه بما لم يسأل ، وما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولو وه ب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار من فلذ اللجين وسبائك العقيان ونضائد المرجان لبعض عبيده ، لما أثر ذلك في وجوده ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الافضال ما لا ينفذه مطالب السؤال ولا يخطر لكثرته على بال، لانه الجواد الذي لا تنقصه المواهب، ولا ينحله إلحاح الملحين ، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، الذي عجزت الملائكة - على قربهم من كرسي كرامته، وطول ولههم إليه وتعظيم جلال عزّه ، وقربهم من غيب ملكوته - أن يعلموا من أمره إلا ما أعلمهم، وهم من ملكوت القدس بحيث هم من معرفته على ما فطرهم عليه أن ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (1) . فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا، سبحانه وبحمده، لم يحدث فيمكن فيه التغيّر والانتقال، ولم يتصرف في ذاته بكرور الاحوال، ولم يختلف عليه حقب الليالي والايام الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ولا مقدار

احتذى عليه من معبود كان قبله ولم تحط به الصفات فيكون بادراكها إياه بالحدود متناهيا وما زال - ليس كمثله شي - عن صفة المخلوقين متعاليا، وانحسرت الابصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا ، وبالذات التي لا يعلمها

ص: 249


1- البقرة : 32 .

إلا هو عند خلقه معروفا ، وفات لعلوّه على أعلى الاشياء مواقع رجم المتوهمين وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها به ، وما زال عند أهل المعرفة به عن الاشباه والاضداد منزّها كذب العادلون بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم، وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزوه بتقدير منتج خواطرهم، وقدّروه على الخلق المختلفة القوى بقرائح عقولهم، وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الأوهام، وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس الاحلام ؛ لانه أجل من أن يحده ألباب البشر بالتفكير ، أو يحيط به الملائكة على قربهم من ملكوت عزته بتقدير ، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به ؛ لانه اللطيف الذي إذا أرادت الاوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه وحاولت الفكر المبرّأة من خطر الوسواس إدراك علم ذاته، وتولّهت القلوب إليه لتحوي منه مكيفا في صفاته، وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال على الهيته ، ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه رجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بحور الاعتساف كنه معرفته ، ولا يخطر ببال اولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين، لانه خلاف خلفه، فلا شبه له من المخلوقين وإنما يشبه الشئ ،بعديله، فأما مالا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله ، وهو البدي الذي لم يكن شي قبله، والآخر الذي ليس شي بعده، لا تناله الابصار من مجد جبروته إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته ، ولا تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته . الذي صدرت الأمور عن مشيته، وتصاغرت عزّة المتجبرين دون جلال عظمته، وخضعت له الرقاب ، وعنت الوجوه من مخافته، وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته وصار كل شئ خلق حجة له ومنتسبا إليه، فإن كان خلقا صامتها فحجته بالتدبير ناطقة فيه، فقدر ما خلق ، فأحكم تقديره، ووضع كل شي

ص: 250

بلطف تدبيره ،موضعه ووجّهه بجهة فلم يبلغ منه شي حدود منزلته، ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته ، ولم يستعصب إذ أمره بالمضي إلى إرادته ، بلا معاناة للغوب مسه، ولا مكائدة لمخالف له على أمره ، فتمّ خلقه، وأذعن لطاعته، ووافي الوقت الذي أخرجه إليه، إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ، ولا أناة المتلكئ، فأقام من الاشياء أودها، ونهى معالم حدودها، ولأم بقدرته بين متضادتها، ووصل أسباب قرائنها، وخالف بين ألوانها ، وفرّقها أجناسا مختلفات في الاقدار والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها ، انتظم علمه صنوف ذرؤها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها. أيها السائل، إعلم أن من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته ولم يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ند له ، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون: ( تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينِ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(1) فمن ساوى ربنا

بشئ فقد عدل به والعادل به کافر بما نزلت به محکمات آیاته ونطقت به شواهد حجج بيناته ، لانه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا المنشئ أصناف الاشياء بلا روية احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مر حوادث الدهور ، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الامور ، الذي لما شبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الاقطار والنواحي المختلفة في طبقاته، وكان عزوجل الموجود بنفسه لا بأداته انتفى أن يكون قدروه حق قدره، فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ

ص: 251


1- الشعراء: 97-98

مَطْوِيَّاتُ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (1) ما دلّك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته، وأتم به، واستضئ بنور هدايته، فإنها نعمة وحكمة اوتيتهما ، فخذ ما اوتيت وكن من الشاكرين ، وما ذلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك ،فرضه، ولا فى سنة الرسول وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله عزوجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.

واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فقالوا آمَنَّا بِهِ كُلُّ مِنْ عِندِ رَبَّنَا ) (2) فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمّى تركهم التعمّق في ما لم يكلفهم البحث عنه منهم ،رسوخا، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين(3)

وبالاسناد عن الشيخ المفيد ( ت / 413 ه-) في الاختصاص عن علي بن

محمّد الشعراني عن الحسن بن علي بن شعيب عن عيسى بن محمّد العلوي، عن محمّد بن العباس بن بسام عن محمّد بن أبي السري عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن يونس، عن سعد الكناني، عن الأصبغ بن نباتة قال لما جلس أمير المؤمنين في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ولابسا بردة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم منتعلا نعل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، متقلدا سيف رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فصعد المنبر فجلس عليه متكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثم قال يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سفط العلم هذا

رسول

ص: 252


1- الزمر : 67
2- آل عمران : 7 .
3- التوحيد ؛ للشيخ الصدوق : 49-56 .

لعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا ما زقني رسول الله ، فاسألوني، فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لى وسادة وجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي م-ا كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله فى ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون الكتاب ليلا ونهارا ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية في كتاب الله عزوجل ، لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي آية ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب ) (1).

النسمة وبرء ير

ثم قال علیه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة لو سألتموني عن أية آية في ليل انزلت أو في نهار انزلت مكيّها ومدنيها، سفريهاوحضريها ، ناسخها ومنسوخها ، محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها

الأخبرتكم به. فقام إليه رجل يقال له: ذعلب وكان ذرب اللسان بليغا في الخطب، شجاع القلب ، فقال : لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلته اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك ؟

فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره .

قال: فكيف رأيته ، صفه لنا .

قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ، ولا بالحركة، ولا بالسكون ، ولا بقيام - قيام انتصاب - ولا بجيئة ؟ ولا بذهاب، لطيف اللطافة، لا يوصف باللطف،

ص: 253


1- الرعد : 39 .

عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شي ولا يقال شي فوقه أمام كل شئ ولا يقال له أمام داخل في

الأشياء لاكشئ في شي داخل خارج منها لا كشئ من شي خارج. فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال بالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله

لا عدت إلى مثلها أبدا.

ثم قال علیه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني.

فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ من المجوس

الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ؟ قال : بلى يا أشعث قد أنزل الله تعالى عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا وكان لهم ملك سكر ذات ليلة ، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا أيها الملك دنّست علينا ديننا ،فأهلكته ، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد ، فقال لهم : اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أن الله عز وجل لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و امنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك قال : أو ليس قد زوج بنيه بناته وبناته من بنيه ؟ قالوا صدقت هذا هو الدين، فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بغير حساب والمنافقون أشد حالا فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.

منهم.

ثم قال علیه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني.

فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكنا على عكازه ، فلم يزل يتخطى الناس

ص: 254

حتى دنى منه فقال : يا أمير المؤمنين دلّني على عمل إن أنا عملته نجاني الله تعالى

من النار.

فقال له : اسمع يا هذا ثم افهم، ثم استيقن ؛ قامت الدنيا بثلاثة بعالم ناطق مستعمل لعلمه، ويغني لا يبخل بماله عن أهل دين الله ، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله ، أن الدار قد رجعت إلى بدئها - أي إلى الكفر بعد الإيمان أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى، إنما الناس ثلاثة : زاهد وراغب وصابر ، فأما الزاهد فلا يفرح بشي من الدنيا أتاه ، ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه فان أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه بما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أو من حرام.

قال: يا أمير المؤمنين وما علامات المؤمن في ذلك الزمان؟ :قال ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه ، وينظر إلى ما خالف فيتبرأ

منه وإن كان حبيبا قريبا.

قال: صدقت - والله يا أمير المؤمنين ، ثم غاب الرجل ولم نره، فطلبه الناس فلم

يجدوه فتبسم على المنبر ، ثم قال : مالكم ؟ هذا أخي الخضر . ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه

وصلی علی نبیه صلی الله علیه و آله وسلم (1)وبالاسناد الثالث عن الهاروني ( ت / 424 ه-) قال : أخبرنا أبي رحمه الله تعالى :قال اخبرنا محمّد بن عبد الله بن سلام :قال اخبرنا أبي، قال: حدثنا ابراهيم بن

سلیمان، قال حدثنا علي بن الخطاب الخثعمي، قال: حدثنا احمد بن محمّد

ص: 255


1- لاختصاص ؛ للشيخ المفيد : 235 - 236

الانصاري، عن بشير، عن زيد بن اسلم ان رجلاً سأل امير المؤمنين علیه السلام في مسجد الكوفة ، فقال له يا امير المؤمنين هل تصف لنا ربك فنزداد له حباً وبه معرفة ؟ فغضب علي علیه السلام ونادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله ، ثم صعد المنبر وهو مغضب متغير اللون، فحمد الله واثنى عليه وصلّى على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم قال : الحمد لله الذي لا يفره المنع ولا يكديه الاعطاء؛ إذ كل معط ينتقص ،سواه، هو المنان بفوائد النعم وعوائد المزيد والقسم، ضمن عيالة خلقه وانهج سبيل الطلب للراغبين اليه، وليس بما سئل بأجود منه فيما لم يسأل، وما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولو ذهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه اصداف البحار من فلز اللجين وسبايك العقيان ونشار الدرّ وحصايد المرجان لبعض عبيده لما اثر في جوده ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الافضال ما لم تنفده مطالب السؤال ولا تخطر لكثرته على بال لأنه الجواد الذي لا تنقصه المواهب ولا يبخله الحاح الملحين ، وانما أمره إذا اراد شيئاً

ان يقول له كن فيكون ، فما ظنكم بمن هو هكذا سبحانه وبحمده ؟ . ايها السائل اعقل عن ما سألتني عنه ولا تسألن احداً عنه بعدي ، فاني اكفيك مؤنة الطلب وشدة التعمق في المذهب، وكيف يوصف الذي سألتني عنه وهو الذي عجزت الملائكة - مع قربهم من كرسي كرامته وطول ولههم اليه وتعظيم جلال عزته وقربهم من غيب ملكوت قدرته - ان يعلموا من علمه إلا ما علمهم وهم من ملكوت القدس بحيث هم من معرفته على ما فطرهم عليه، فقالوا (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )(1)، فعليك ايها السائل بما دلك عليه القرآن من صفته، وتقدمك فيه الرسل بينك وبين معرفته فأتم به، واستظل بنور هدايته فإنما هي نعمة وحكمة اوتيتها، فخذ ما أوتيت وكن

ص: 256


1- البقرة : 32 .

من الشاكرين وما كلّفك الشيطان فكل علمه إلى الله سبحانه، فان ذلك منتهى

حق الله عليك .

اعلم أيها السائل ان الراسخين في العلم هم الذين اغناهم عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من تفسير الغيب المحجوب، فقالوا:( آمَنَّا بِهِ كُلُّ مِنْ عِندِ رَبَّنَا ) (1) فحمد الله سبحانه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً ، فأقتصر على ذلك، واعلم ان الله لم يحدث فيمكن فيه التغيّر والانتقال، ولم تتصرف في ذاته كرور الاحوال، ولم تخلف عليه عقب الايام والليالي، وهو الذي خلق الخلق على غير مثال امتثله ولا مقدار احتذى عليه من خالق كان قبله، بل أرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته واعتراف الحاجة من الخلق الى ان يقيمها بمساك قدرته ما دلّنا باضطرار قيام الحجة له علينا ،معرفة، ولا تحط به الصفات فيكون بادراكها اياه بالحدود متناهياً، وما زال هو الله الذي ليس كمثله شيء على صفة المخلوقين متعالياً عن الأشباه والانداد ، وجلّ وعلى أن تناله الابصار فيكون بالعيان موصوفاً ، وارتفع عن ان تحوي كنه عظمته فهالت روايات المتفكرين وليس له مثل فيكون بالخلق مشبهاً، وما زال عند اهل المعرفة عن الاشباه والانداد منزّهاً ، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بأصنامهم وحلوه بتحلية المخلوقين بأوهامهم، وكيف لما لا يقدر قدرة مقدر في روايات، الأوهام لأنه اجل من ان تحده ألباب البشر بتفكير، وهو أعلى ما يكون له كفو فيشبه بنظير ، فسبحانه وتعالى عن جهل المخلوقين، فسبحانه وتعالى عن افك الجاهلين، فأين يناه بأحدكم ؟ وأن يدرك ما لا يدرك؟

والله المستعان .

ص: 257


1- آل عمران : 57

وعلق على ذلك السيد الامام ابو طالب الحسني رضي الله تعالى عنه بقوله : ما

جميع صفات

تشتمل هذه الخطبة عليه من ذكر عجز المخلوقين عن المعرفة على الله تعالى المراد به العجز عن معرفة معلوماته ومقدوراته وعجائب صنعهوخلقه على التفصيل، ومقادير نعمه على خلقه، وما اختص به تعالى من علم الغيب الذي لم يطلع البشر عليه(1)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 985 ه-) في كنز العمال عن مسند (ت)

علي علیه السلام، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: شهدت علي بن أبي طالب يخطب فقال في خطبته سلوني، فوالله لا تسألوني عن شي يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية الا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل نزلت أم في جبل ، فقام اليه ابن الكواء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، (ما وَالذَّارِيَاتِ ذَرُواً ) (2) ؟ فقال له : ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا، ﴿ وَالدَّارِيَاتِ ذَرُواً ) (3)الرياح ، ( فَالْحامِلاتِ وقراً ) (4) السحاب،( فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً ) (5)السفن، ﴿ فَالْمُقَسَّماتِ أَمْراً)(6)الملائكة . فقال: فما السواد الذي في القمر ؟ فقال : أعمى يسأل عن عمياء، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةٌ ) (7)آية الليل السواد الذي في القمر ، قال : فما كان ذو القرنين أنبيا أم ملكا ؟ فقال : لم يكن

ص: 258


1- تيسير المطالب : 202 - 204 ، ط / 1395ه-.
2- الذاريات : 1 .
3- الذاريات : 1.
4- الذاريات : 2 .
5- الذاريات : 3.
6- الذاريات : 4 .
7- الاسراء : 12 .

وهي واحدا منهما ، كان عبد الله أحب الله فأحبه الله ، وناصح الله فنصحه الله ، بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الأيمن، ثم مكث ما شاء الله ، ثم بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى الهدى، فضربوه على قرنه الأيسر، ولم يكن له قرنان كقرني الثور :قال فما هذه القوس ؟ قال هي علامة كانت بين نوح وبين ربه،

أمان من الغرق قال فما البيت المعمور ؟ قال : البيت فوق سبع سماوات تحت العرش ، يقال له : الصراح، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ، قال : فمن ( الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ) (1)؟ قال: هم الافجران من قريش قد كفيتموهم يوم بدر ، قال : فمن ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (2)؟ قال : قد كان أهل حروراء منهم. (ابن الانباري في المصاحف وابن عبد البر في العلم ) )(3)

ص: 259


1- ابراهیم : 28 .
2- الكهف : 104 .
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 2: 565 .

[ الكلام (92)]

قال العرشي في التخريج مانصّه : رواها الطبري في تاريخه [ج 5 ص 156] كما رواها ابو علي احمد بن مسكويه المتوفى سنة 421 ه- ( 1030ه-) في تجارب الامم[ ج 1 ص 508] (انتهى) (1) قال الجلالي : تقدم قوله علیه السلام: فاني وزيرا لكم خير من أمير ، راجع الخطبة (16).

ص: 260


1- راجع : استناد نهج البلاغة

[ الخطبة ( 93)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج: « قوله علیه السلام: اما بعد ايها الناس فأنا فقأت ... إلى آخره. قال الشارح الفاضل في (ج 2 ص 178) هذه الخطبة ذكرها جماعة من اصحاب السير، وهي متداولة منقولة مستفيضة، خطب بها علي علیه السلام بعد القضاء امر النهروان وفيها الفاظ لم يوردها الرضي رضی الله عنه . الى آخره» (1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : قال ابن أبي الحديد في شرحه [ج 1 ص 316] وهذه الخطبة ذكرها جماعة من اصحاب السير وهي متداولة مستفيضة خطب بها على رضی الله عنه بعد انقضاء امر النهروان » . (انتهى) (2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما ارويه بالاسناد عن ابراهيم بن محمّد الثقفي في الغارات»: حدثنا أبو على الحسين بن ابراهيم بن عبد الله بن منصور، قال: حدثنا محمّد بن يوسف، قال: حدثنا الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، قال: قال ابراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي، قال: حدثنا

ص: 261


1- مدارك نهج اللاغة : 88
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

اسماعيل بن أبان قال: حدثنا عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن فهد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، قال : حدثنا المنصور بن عمرو عن زر بن حبيش قال سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضی الله عنه يخطب ....

قال ابراهيم وأخبرني أحمد بن عمران بن محمّد أبي ليلى الانصاري قال: حدثني أبي، قال: حدثني ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش :قال خطب على رضی الله عنه النهروان ثم اتفقا يزيد أحدهما حرفا وينقص حرفا والمعنى واحد ، قال : خطب فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس، أما بعد أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن أحد ليجترئ عليها غيري . وفي حديث ابن أبي ليلى لم يكن ليفقأها أحد غيري، ولو لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان وأيم الله لو لا أن تنكلوا وتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيكم صلی الله علیه و آله وسلملعل الله لمن قاتلهم مبصرا الضلالتهم عارفا للهدى الذي نحن عليه ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، إني ميت أو مقتول ، بل قتلا (1)، ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم، وضرب

بيده إلى لحيته، والذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تضل مائة أو تهدى مائة إلّا نبأتكم بناعقها وسائقها .

فقام إليه رجل فقال : حدثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء ، قال : إنكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل، وإذا سئل مسؤول فليثبت، ألا وإن من ورائكم أمورا أتتكم جللا مزوجا وبلاء مكلحا مبلحا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن لو فقدتموني و نزلت كرانة الامور وحقائق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين، وذلك إذا قلصت حربكم، وشمرت عن ساق، وكانت الدنيا بلاء عليكم وعلى أهل بيتي حتى يفتح الله لبقية الابرار ، فانصروا قوما كانوا أصحاب

ص: 262


1- في بعض النصوص المتقدمة : « فإني ميت عن قريب أو مقتول، بل قتلا » فراجع.

رايات يوم بدر ويوم حنين تنصروا وتؤجروا ، ولا تسبقوهم فتصر عكم البلية. فقام إليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن، قال: ان الفتن إذا أقبلت شبهت ، وإذا أدبرت نبهت يشبهن مقبلات ويعرفن مديرات، ان الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا ويخطئن اخرى ، ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني امية، انها فتنة عمياء مظلمة مطينة، عمّت فتنتها وخصت بليتها ، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها، يظهر أهل باطلها على أهل حقها، حتى يملأ الأرض عدوانا وظلما وبدعا، وان أوّل من يضع جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها الله رب العالمين، وأيم الله لتجدن بني أمية أرباب سوء لكم بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درّها لا يزالون بكم حتى لا يتركوا في مصركم إلا تابعا لهم أو غير ضار، ولا يزال بلاؤهم بكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم الا مثل انتصار العبد من ربه، إذا رآه أطاعه وإذا توارى عنه شتمه ، وأيم الله لو فرّقوكم تحت كل حجر لجمعكم الله لشر يوم لهم ، ألا ان من بعدي جماع شتى ألا ان قبلتكم واحدة، وجحكم واحد وعمرتكم ،واحدة والقلوب مختلفة، ثم أدخل أصابعه بعضها في بعض . فقام رجل فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا هكذا، يقتل هذا هذا ، ويقتل هذا هذا، قطعا جاهلية، ليس فيها هدى ولا علم ،يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة

ولسنا فيها بدعاة .

فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ما نصنع في ذلك الزمان؟ قال: انظروا

أهل بيت نبيكم، فان لبدوا فالبدوا، وأن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ولا تسبقوهم فتصر عكم البلية. فقام رجل آخر فقال : ثم ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: ثم ان الله تعالى يفرج الفتن برجل منا أهل البيت كتفريج الاديم، بأبي ابن خيرة الاماء،

ص: 263

يروني خسفا ويسقيهم بكأس مصبّرة ، فلا يعطيهم الا السيف هرجا هرجا

يسو مهم يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، ودت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها لو مقاما واحدا قدر حلب شاة أو جزر جزور لاقبل منهم بعض الذي يرد عليهم حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فيغريه الله ببني امية فيجعلهم ( مَّلْمُونِينَ أَيْنَما تُقِفُوا أَخِذُوا وَقُتُلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) (1).

حدثنا محمّد قال: حدثنا الحسن قال حدثنا إبراهيم قال أخبرني إبراهيم ابن المبارك البجلي وإبراهيم بن العباس البصري الازدي، أيهما حدثني بهذا الحديث عن ابن المبارك، قال حدثنا بكر بن عيسى، قال: حدثنا إسماعيل بن خالد البجلي ، عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش الاسدي أنه قال: سمعت عليا علیه السلام يقول: أنا فقأت الفتنة، ولو لا أنا ما قوتل

عين أهل النهروان ولا أصحاب الجمل، ولولا أني أخشى أن تنكلوا فتدعوا العمل لاخبرتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصرا بضلالهم عارفا للهدى الذي نحن عليه . (2)

وبالاسناد عن عن جعفر بن محمّد بن قولويه ( ت 367/ ه-) في كامل الزيارات قال : حدثني أبي رضی الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عبد الجبار، عن عبد الرحمان بن أبي نجران، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن عبد السمين يرفعه الى أمير المؤمنين علیه السلام، قال : كان امير المؤمنين علیه السلام يخطب الناس وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله ما تسألوني عن شئ مضى ولا شي يكون إلا نبأتكم به، قال: فقام إليه سعد بن أبي وقاص، وقال: يا امير المؤمنين، أخبرني

ص: 264


1- الأحزاب : 61 - 63 .
2- الغارات ؛ لابراهيم بن محمد الثقفي 1: 131

كم في رأسي ولحيتي من شعرة؟

فقال له : والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك ستسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وان في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني، وعمر يومئذ يدرج بين يدي ابيه (1). وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381 ه-) في التوحيد قال : قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادق علیه السلام يقول : قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر فسألوه عن مسائل فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه، الصمد خمسة أحرف : فالالف دليل على إنّيته ، وهو قوله عز وجل : ﴿ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إلهَ إِلَّا هُوَ ) (2)، وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله ، والالف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع، ويظهران في الكتابة دليلان على أن الهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف، ولا اذن سامع ... إلى أن قال علیه السلام: لو وجدت لعلمي الذي أتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين علیه السلام لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح منّي علما جما، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله ، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد ينسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. ثم قال الباقر علیه السلام: الحمد لله الذي منّ علينا ووفقنا لعبادته، الأحد ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ ) (3) الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له

ص: 265


1- كامل الزيارات : الجعفر بن محمّد بن قولويه : 155
2- آل عمران : 18
3- الإخلاص : 1.

كفوا أحد، وجنبنا عبادة الأوثان ، حمدا سرمدا وشكرا واصبا ، وقوله عز وجل : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ )(1) يقول : لم يلد عز و جل فيكون له ولد يرثه ( وَلَمْ يُولَدْ ) فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدُ ) (2) (فيعاونه في سلطانه )(3)﴿ وبالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في «الأمالي»: حدثنا محمد بن

القمي

محمد قال: حدثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابویه قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمّد بن يحيى العطار، قال حدثنا

أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن عن خلف بن حماد الازدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الاعمش، عن عباية بن ربعي، قال: كان علي أمير المؤمنين كثيرا ما يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة، ولا فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا وأنا أعلم قائدها وسائقها وناعقها إلى يوم القيامة (4)وبالاسناد عن ابن عساكر (ت / 571 ه-) في تاريخ مدينة دمشق»: أخبرنا أبو / المعالي عبد الله بن أحمد بن محمّد ، نا أبو بكر بن خلف ، أنا الحاكم الإمام أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت عبد الله بن الحسين بن الحسن الأشقر - ويقال له : ابن الطبال بالكوفة - يقول : سمعت محمّد بن فضيل يقول : سمعت ابن شبرمة يقول : ما كان أحد يقول على المنبر سلوني عمّا بين اللوحين، إلا علي بن أبي طالب.

أخبرنا أبو طالب بن أبي عقيل، أنا أبو الحسن الخلعي أنا أبو محمّد بن

ص: 266


1- الإخلاص : 3.
2- الإخلاص : 1-4 .
3- التوحيد ؛ للشيخ الصدوق : 92-93 .
4- ألأمالي ؛ للشيخ الطوسي

النحاس أنا أبو سعيد بن الأعرابي قال: سمعت عبد الله بن الحسين - يعني ابن الحسن بن الأشقر - يقول : سمعت محمّد بن فضيل يقول : سمعت ابن شبرمة يقول : ما كان أحد على المنبر يقول : سلوني عمّا بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو الحسن بن النقور، أنا عيسى بن علي نا عبد الله بن محمّد نا عثمان بن أبي شيبة، نا سفيان بن عيينة ، عن يحيى - بن سعيد قال: أراه عن سعيد بن المسيب - قال : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلميقول: سلوني إلا علي .

قال عبد الله بن محمد : ورواه غير عثمان عن سفيان، عن يحيى، عن سعيد

بغير شك.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن وأبو الفضل بن خيرون قالا: أنا عبد الملك بن ،محمّد أنا أبو على محمّد بن أحمد، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، نا الحسن بن علي، نا الهيثم بن الأشعث السلمي، نا أبو حنيفة اليمامي الأنصاري، عن عمير بن عبد الله قال : خطبنا علي على منبر الكوفة

خالد

فقال: أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فبين الجنبين منّي علم جم. قال : ونا محمّد بن عثمان ، نا عمي أبو بكر ، نا أبو الأحوص، عن سماك ، عن بن عرعرة قال: أتيت الرحبة فإذا أنا بنفر جلوس قريب من ثلاثين أو أربعين رجلا، فقعدت فيهم، فخرج علينا علي فما رأيته أنكر أحدا من القوم غيري فقال : ألا رجل يسألني فينتفع وينفع نفسه. وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه- ) في كنز العمال: عن علي قال: (ت ه-) (1)

ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، ألا إنها فتنة عمياء مظلمة.

ص: 267


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 339 400 .

( نعيم بن حماد في الفتن) (1)

وأيضاً بالمعنى عن علي قال: لا يزال بلاء بني أمية شديدا حتى يبعث الله العصب (2) مثل قزع الخريف، يأتون من كل وجه لا يستأمرون أميرا مأمورا ، فإذا كان ذلك أذهب الله نور ملك بني أمية (نعيم) (3)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه- ) في كنز العمال: عن علي خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال معاشر الناس ! سلوني

قبل أن تفقدوني، يقولها ثلاث مرات، فقام إليه صعصعة بن صوحان العبدي فقال : يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال ؟ فقال مه يا صعصعة ! علم الله كلامك، ما المسؤول بأعلم بذلك من السائل، ولكن لخروجه وسمع مقامك علامات وأسباب ،وهنات يتلو بعضهن بعضا حذو النعل في حول واحد ، ثم إن

شئت أنبأتك بعلامته !

فقال: عن ذلك سألتك يا أمير المؤمنين !

قال : فاعقد بيدك واحفظ ما أقول لك : إذا أمات الناس الصلوت، وأضاعوا ،الامانات، وكان الحكم ضعفا، والظلم ،فخرا، وأمراؤهم ،فجرة، ووزراؤهم خونة، وأعوانهم ظلمة ، وقراؤهم فسقة، وظهر الجور، وفشا الزنا، وظهر الربا، وقطعت ،الارحام، واتخذت القينات، وشربت الخمور، ونقضت العهود، وضيعت

العتمات، وتوانى الناس في صلاة الجماعات، وزخرفوا المساجد، وطولوا المنابر ، وحلّوا المصاحف، وأخذوا الرشا، وأكلوا الربا، واستعملوا السفاء،

ص: 268


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 365 ، ح 31759
2- وفي الحديث : يكون في آخر الزمان أمير العصب العصب : جمع عصبة كالعصابة ، ولا واحد لها من لفظها . النهاية في غريب الحديث (244:3 )
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 365 ، ح (365:11)

واستخفوا بالدماء، وباعوا الدين بالدنيا واتجرت المرأة مع زوجها حرصا على الدنيا، وركب النساء على المنابر ، وتشبهن بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء، وكان السلام بينهم على المعرفة ، وشهد شاهدهم من غير أن يستشهد، وحلف من قبل أن يستحلف ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وكانت قلوبهم أمر من الصبر، وألسنتهم أحلى من العسل، وسرائرهم أنتن من الجيف، والتمس التفقه لغير الدين، وأنكر المعروف وعرف المنكر، فالنجاء النجاء، والوحاء الوحاء ! نعم السكن حينئذ عبادان النائم فيها كالمجاهد في سبيل الله، وهي أول بقعة آمنت بعيسى عليه الصلاة والسلام، وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم: يا ليتني كنت تبنة في لبنة من بيت من بيوت عبادان!

فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين ! ومن الدجال ؟ قال: صافي بن صائد الشقي من صدقة ، والسعيد من كذبه، ألا ! إن الدجال يطعم الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الاسواق والله تعالى عن ذلك، ألا ! إن الدجال طوله أربعون ذراعا بالذراع الأول تحته حمار أقمر، طول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعا، ما بين حافر حماره إلى الحافر الآخر مسيرة يوم وليلة، تطوى له الأرض منهلا يتناول السحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغيبها، يخوض البحر إلى كعبيه، أمامه جبل دخان وخلفه جبل أخضر، ينادي بصوت له يسمع به ما بين الخافقين إليَّ أولياني إلى أوليائي! إلي أحبائي ! إلي أحبائي ! فأنا الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى وأنا ربكم الأعلى كذب عدو الله ! ليس ربكم كذلك، ألا ! إن الدجال أكثر أشياعه وأتباعه اليهود وأولاد الزنا، يقتله الله تعالى بالشام على عقبة يقال لها : عقبة أفيق ، لثلاث ساعات يمضين من النهار على يدي عيسى بن مريم، فعند ذلك خروج الدابة من الصفا، معها خاتم سليمان بن داود وعصا موسى بن عمران فتنكت بالخاتم جبهة كل

ص: 269

مؤمن هذا مؤمن حقا حقا ! ثم تنكت بالعصا جبهة كل كافر هذا كافر حقا حقا !

ألا ! إن المؤمن حينئذ يقول للكافر: ويلك يا كافر ! الحمد لله الذي لم يجعلني مثلك ، وحتى أن الكافر ليقول للمؤمن : طوبى لك يا مؤمن ! يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما، لا تسألوني عما بعد ذلك، فان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلمعهد إلي أن أكتمه . ابن المنادي، وفيه حماد بن عمرو متروك ، عن السري قال في الميزان: لا

يعرف، وقال الازدي: لا يحتج به . (1) وعن المتقي الهندي ( ت / 985 ه-) في كنز العمال»: أيضا - عن زر أنه سمع عليا يقول: أنا فقأت عين الفتنة ، لولا أنا ما قوتل أهل النهروان وأهل الجمل، ولو لا أني أخشى أن تنكروا العمل لانبأتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم صلی الله علیه و آله وسلم للمن قاتلهم مبصرا ضلالتهم عارفا بالهدى الذين نحن عليه ( ش ، حل والدورقي ) (2)

ومن الموافقات :

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة»: «وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير، وهي متداولة منقولة مستفيضة، خطب بها علي علیه السلام بعد انقضاء أمر النهروان، وفيها ألفاظ لم يوردها الرضى رحمه الله من ذلك قوله علیه السلام: ولم يكن ليجترئ عليها غيري ولو لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل والنهروان وأيم

، الله لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله عز وجل على لسان نبيكم صلی الله علیه و آله وسلم : لمن قاتلهم مبصرا الضلالتهم ، عارفا للهدى الذي نحن عليه سلوني قبل أن تفقدوني، فإني ميت عن قريب أو مقتول، بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن

يخضب هذه بدم وضرب بيده إلى لحيته .

ص: 270


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 612:14 - 614 ، ح 31565
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 298 ، ح 39709

ومنها في ذكر بني أمية : « يظهر أهل باطلها على أهل حقها ، حتى تملأ الأرض عدوانا وظلما وبدعا إلى أن يضع الله عز وجل جبروتها، ويكسر عمدها، وينزع أوتادها . ألا وإنكم مدركوها فانصروا قوما كانوا أصحاب رايات بدر وحنين، تؤجروا ، ولا تمالثوا عليهم عدوهم، فتصر عكم البلية، وتحل بكم النقمة». ومنها:

إلا مثل انتصار العبد من مولاه إذا رآه أطاعه، وإن توارى عنه شتمه. . . وأيم الله لو

فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم الله لشر يوم لهم .

ومنها: «فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصر وكم فانصروهم، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت بأبي ابن خيرة الإماء، لا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر، حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاما ورفاتا ، مُلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أَخِذُوا وَقُتُلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)(1) (2)

ص: 271


1- الأحزاب : 61-62.
2- لابن أ شرح نهج البلاغة ، لا بن أبي الحديد 7: 5857

[ الخطبة (94) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: فتبارك الذي لا يبلغه بعد الهم ... الى آخره . كثير من فقرات هذه الخطبة رواها الكليني في الكافي ، والشيخ الصدوق في كتاب التوحيد وابن عبد ربه في العقد الفريد في الخطبة التى سماها بالغراء (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني( ت / 328ه-) في «الكافي» في باب جوامع التوحيد ، عن محمد بن أبي عبد الله ومحمّد بن يحيى جميعا رفعاه إلى أبي عبد الله : أن أمير المؤمنين استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية، فلما حشد الناس قام خطيبا، فقال: الحمد الله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شي كان ولا من شي خلق ما كان قدرة بان بها من الاشياء وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تنال ولا حد تضرب له فيه الامثال ، كلَّ دون صفاته تحبير اللغات، وضلّ هناك تصاريف الصفات، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب، تاهت في

ص: 272


1- مدارك نهج البلاغة : 88

أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الامور.

فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود، سبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا غاية منتهى ولا آخر يفنى، سبحانه هو كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته ، وحدّ الاشياء كلها عند خلقه، إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها ، لم يحلل فيها فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال : هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له أين لكنه سبحانه أحاط بها علمه وأتقنها صنعة وأحصاها حفظه ، لم يعزب

: عنه خفيات غيوب الهواء ، ولا غوامض مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السماوات العلى إلى الارضين السفلى، لكل شئ منها حافظ ورقيب، وكل شئ منها بشي محيط، والمحيط بما أحاط منها . الواحد الأحد الصمد الذي لا يغيره صروف الازمان ولا يتكأده صنع شي كان إنما قال لما شاء كن، فكان ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ولا تعب ولا ،نصب، وكل صانع شئ فمن شي ،صنع، والله لا من شي صنع ما خلق ، وكل عالم فمن بعد جهل تعلم، والله لم يجهل ولم يتعلم، أحاط بالاشياء علما قبل كونها، فلم يزدد بكونها علما علمه بها قبل ان يكوّنها كعلمه بعد تكوينها ، لم يكوّنها لتشديد سلطان ولا خوف من زوال ولا نقصان ولا استعانة على ضد مناوء، ولاند مكاثر ، ولا شريك مكابر ، لكن خلائق مربوبون وعباد داخرون فسبحان الذي لا يؤوده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما برأ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى علم ما خلق وخلق ما علم لا بالتفكير في علم حادث أصاب ما خلق ، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق ، لكن قضاء مبرم وعلم محكم وأمر متقن، توحّد بالربوبية وخص نفسه بالوحدانية واستخص بالمجد والثناء، وتفرّد بالتوحيد والمجد والسناء وتوحد بالتحميد وتمجد بالتمجيد(1)

ص: 273


1- العبارة في طبعة 1386 من التوحيد هكذا : « واستخلص المجد والثناء ، فتمجد بالتمجيد تحمد بالتحميد ».

وعلا عن اتخاذ الابناء، وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء، وعز وجل عن مجاورة الشركاء، فليس له فيما خلق ضد ولا له فيما ملك ،ند ، ولم يشركه في ملكه ،أحد الواحد الاحد الصمد المبيد للابد والوارث للامد، الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا ، قبل بدء الدهور وبعد صروف الامور ، الذي لا يبيد ولا ينفد ، بذلك أصف ربي ، فلا إله إلا الله ، من عظيم ما أعظمه ؟! ومن جليل ما أجله ؟! و من عزيز ما أعزه ؟! وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا» (1)

وقال الشيخ الصدوق في التوحيد: حدثنا علي بن أحمد بن أحمد بن عمران الدقاق رضی الله عنه قال : حدثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، وأحمد بن يحيى بن زكريا القطان عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول، عن أبيه،

، عن أبي معاوية ، عن الحصين بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي عبد الله ، أبيه، عن جدّه علیهم السلام، أن أمير المؤمنين علیه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية ، فلما حشد الناس قام خطيبا فقال : الحمد لله الواحد الاحد الصمد المتفرد ، الذي لا من شيء كان ... فذكر مثله. وفي آخره ، قال : وحدثنا بهذه الخطبة أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ، قال: حدثنا محمّد بن العباس بن بسام قال: حدثني أبو زيد سعيد بن محمد البصري، قال : حدثتني عمرة بنت أوس قالت : حدثني جدي الحصين بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده ، أن أمير المؤمنين

خطب بهذه الخطبة لما استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية (2) وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال عن سليم بن

قيس العامري قال : سال ابن الكوا عليا عن السنة والبدعة، وعن الجماعة والفرقة

ص: 274


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 1: 135134
2- التوحيد ؛ للشيخ الصدوق : 44.41 .

فقال : يا ابن الكوا حفظت المسألة فافهم الجواب : السنة - والله - سنة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ، والبدعة ما فارقها والجماعة - والله - مجامعة اهل الحق وان قلوا، والفرقة مجامعة اهل الباطل وإن كثروا . (العسكري) . (1)

ص: 275


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 1 : 378، ح 1644 .

[ الخطبة (97)]

قال الجلالي: روى الاسكافي (ت / 220 ه-) مرسلاً مقاطع منها في المعيار ( والموازنة ) ص 240 ط / 1402ه-، وبالاسناد عن المتقي الهندي (ت / 975ه- ) في كنز العمال: عن مسند علي، عن عمر بن حسان البرجمي، عن خباب بن عبد الله : أن معاوية بعث خيلا فأغارت على هيت والانبار فاستنفر علي الناس فأبطأوا وتثاقلوا، فخطبهم فقال : أيها الناس المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم ! ما عزّت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب ، وفعلكم يطعم فيكم عدوّكم ، فإذا دعوتكم إلى المسير أبطأتم وتثاقلتم وقلتم كيت وكيت أعاليل بأضاليل، سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المُطول حيدي حياد ، لا يمنع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصدق، فأي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه ! ومن فاز بكم فاز بالسهم الاخيب، أصبحت والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم ! فرّق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو خير لي منكم، وأعقبكم مني من هو شرّ لكم منّي ! أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثا : ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وأثرة قبيحة يتخذها فيكم الظالمون سنة، فتبكي لذلك أعينكم ويدخل الفقر بيوتكم،

ص: 276

وستذكرون عند تلك المواطن، فتودّون أنكم رأيتموني وهرفتم دماءكم دوني فلا يبعد الله إلا من ظلم، والله ! لوددت لو أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم عشرة منكم برجل من أهل الشام فقام إليه رجل يا أمير المؤمنين أنا وإياك كما قال الأعشى :

عُلِقتها عرضا وعُلّقت رجلا ***غيري وعُلِّقَ أخرى غيرها الرجل

وأنت أيها الرجل علقنا بحبك وعلّقت أنت بأهل الشام، وعلق أهل الشام

بمعاوية (كر) (1)

وعن الليث بن سعد قال : بلغني أن عليا قال لاهل العراق: وددت أن أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام بصرف الدراهم عشرة بدينار فقيل له: نحن وأنت كما قال الأعشى : علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق أخرى غيرها الرجل وأنت أيها الرجل علقنا بحبك وعلقت بأهل الشام وعلق أهل الشام بمعاوية». (كر )(2)

ص: 277


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11: 355 ، ح 31726
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي :11: 355 - 356 ، ح 31727 11 355-356،

[ الخطبة (97)]

[المقطع (2) اهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ]

قال : « أَنْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ(1)، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ، فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ

مِنْ هُدَى، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدَّى، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا (2) ، وَإِنْ نَهَضُوا فانْهَضُوا ، وَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا ، وَلَا تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا».

قال الجلالي والغريب ان المحقق المحترم حفظه الله لم يعط عنوانا خاصاً لهذا المقطع الخاص بأهل البيت بل دمجه مع المقطع الثالث بعنوان: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

ومنها قوله في اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَما أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ(3)، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْتاً غُبْراً، وَقَدْ (4) بَاتُوا سُجَّداً وَقِيَاماً،

ص: 278


1- في ه-. ب : أي سمت آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم.
2- في ه-. ب : فإن البدوا ، أي وقفوا فقفوا، وإن قعدوا فاقعدوا ، لبد بالأرض: أي لصق به.
3- لم ترد منكم في أوب، وفي ط: فما أرى أحداً يشبههم منكم، وفي د: فما أرى أحداً منكم يشبههم .
4- في ب : غيراً قد باتوا وفي ه-. د غير أ قد باتواش

يُرَاوِحُونَ(1) بَيْنَ جِبَاهِهِمْ (2) وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ المَعْزى (3)مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ، إذا ذُكِرَ اللَّهُ هَمَلَتْ (4) أَعْيُتُهُمْ حَتَّى

تبل جُيُوبَهُمْ(5) ، وَمَادُوا(6)كَما يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ : خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ،

وَرَجَاءٌ لِلثّوَاب (7).

قال العرشي في التخريج ما نصّه: روى ابن قتيبة هذا الكلام في عيون الاخبار [ ج 2 ص 301 ]، والشيخ المفيد في الارشاد (138) والمجالس [بحارج

17 ص 420] ، كما رواه ابو نعيم في حلية الأولياء [ ج 1 ص 76] وشيخ الطائفة في الأمالي (62). (انتهى)(8)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني (ت / 328ه-) في «الكافي»، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن

خالد عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ أبي جعفر في ه ب سالت دموع عيونهم. قال صلى أمير المؤمنين في ه ب سالت دموع عيونهم. في ه ب سالت دموع عيونهم. بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف ،وعظهم، فبكى وأبكاهم من خوف الله ، ثم قال : أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله في ه ب سالت دموع عيونهم. وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المعزى ، يبيتون لربهم سجدا وقياما ، يراوحون بين أقدامهم

عن

ص: 279


1- ه ب المراوحة في العمل : ان يعمل هذا مرة وهذا مرة .
2- في ه. د وروي جيوبهم - ر .
3- في ه-. ب : ركب المعزى وثفتة البعير ، يضرب بهما المثل في الشدة ، والمعزي ملحق بالرباعي .
4- في ه ب سالت دموع عيونهم.
5- في ه-. د : جباههم - م .
6- في ه. ب: تحركوا واضطربوا .
7- في ه-. د : رجاء من الثواب ل.
8- راجع : استناد نهج البلاغة .

وجباهم، يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار ، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون.

وقال: وعنه عن السندي بن محمّد، عن محمّد بن الصلت ، عن أبي حمزة

، عن علي بن الحسين في ه ب سالت دموع عيونهم. له قال : صلى أمير المؤمنين في ه ب سالت دموع عيونهم. الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح ، وأقبل على الناس بوجهه، فقال: والله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما يخالفون بين جباههم وركبهم ، كأن زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر ، كأنما القوم باتوا غافلين .

قال : ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض صلوات الله عليه .(1) وقال العلامة المجلسی (ت / 1111 ه- ) ورواه الشيخ الطوسي في الامالى (1 / 100) عن ه-) المفيد، عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عسى عن ابن محبوب (2) بعنوان: أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومنها قوله في اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسناد عن أبي نعيم الاصفهاني ( ت / 430 ه-) في حلية الأولياء» قال: أفادني هذا الحديث الدارقطني عن شيخي، لم أكتبه إلا من هذا الوجه .

حدثنا محمّد بن جعفر وعلي بن احمد قالا: ثنا اسحاق ابن ابراهیم ثنا محمّد بن يزيد أبو هشام، ثنا المحاربي عن مالك بن مغول، عن رجل من جعفي عن السدي، عن أبي أراكة، قال: صلى علي الغداة ، ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح كأنّ عليه كآبة ، ثم قال لقد رأيت أثرا من أصحاب الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا الهلال فما أرى أحدا يشبههم والله إن كانوا ليصبحون شعثا غبراً صفراً، بين أعينهم مثل ركب المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم،

ص: 280


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 2 : 236 2
2- بحار الأنوار العلامه المجلسي 30369

والله لكأن القوم باتوا غافلين . (1)

وبالاسناد عن أبي نعيم الاصفهاني ( ت / 430 ه-) في حلية الأولياء قال: حدثنا محمّد بن احمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى، ثنا محمّد بن سعيد الأصبهاني ، ثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن محمّد بن كعب، قال: سمعت عليا يقول : لقد رأيتني أربط الحجر على بطني من شدة الجوع على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وإن صدقتي اليوم الأربعون ألف دينار.

رسول

وقال: حدثنا احمد بن علي بن محمّد المرهبي، ثنا سلمة بن ابراهيم ثنا

اسماعيل الحضرمي الكهيلي، ثنا أبي علي عن أبيه، عن جده، عن سلمة بن ، عن مجاهد، قال: شيعة علي الحلماء العلماء الذبل الشفاه الأخيار الذين

يعرفون بالرهبانية من أثر العبادة.

کھیل،

وقال : حدثنا محمّد بن عمرو بن سلم ، ثنا علي بن العباس البجلي ، ثنا بكار بن احمد، عن حسن بن الحسين، عن محمّد بن عيسى بن زيد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن الحسين ، قال : شيعتنا الذبل الشفاه والامام منا من دعا إلى طاعة الله . وقال: حدثنا فهد بن ابراهيم بن فهد ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا بشر بن مهران ، ثنا شريك عن الأعمش، عن زيد بن وهب عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ( من سرّه أن يحيى حياتي ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتولّ علي بن أبي طالب من بعدي ». رواه شريك أيضا عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم . ورواه السدي، عن زيد بن أرقم ، ورواه ابن عباس. وهو غريب .(2)

ص: 281


1- حلية الأولياء ؛ لأبي نعيم الأصفهاني 76:1 .
2- حلية الأولياء ؛ لابي نعيم الأصفهاني 86:1

وبالاسناد عن العلامة المجلسي ، عن مناقب ابن الجوزي (ت / 597 ه-) في ذكر الخطبة المنبرية مانصّه : روى مجاهد عن ابن عباس قال خطب أمير المؤمنين علیه السلام يوما على منبر الكوفة ، فقال : الحمد لله وأحمده وأؤمن به وأستعينه وأستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّدا عبده ورسوله

أرسله بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ (1) ، ثم قال أيتها النفوس المختلفة، والقلوب المتشتتة ، الشاهدة أبدانهم، الغائبة عقولهم، كم أدلكم على الحق وأنتم تنفرون نفور المعزى من وعوعة الاسد ؟ هيهات أن أطلع بكم ذروة العدل أو اقيم اعوجاج الحق. اللهم إنك تعلم أنه لم يكن منى منافسة في سلطان، ولا التماس فضول الحطام، ولكن لأرد المعالم من دينك، وأظهر الصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطلّة من حدودك. اللهم إنك تعلم أني أول من أناب وسمع فأجاب ، لم يسبقني إلا رسولك . اللهم لا ينبغي أن يكون الوالي على الدماء والفروج والمغانم والأحكام ومعالم الحلال والحرام وإمامة المسلمين وأمور المؤمنين البخيل ؛ لأن تهمته في جميع الاموال ، ولا الجاهل فيدلهم بجهله على الضلال ولا الجافي فينفرهم بجفائه ، ولا الخائف فيتخذ قوما دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ولا المعطل للسنن فيؤدي ذلك إلى الفجور، ولا الباغي فيدحض الحق ، ولا الفاسق

فيشين الشرع.

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات وترك امرأة

وابنتين وأبوين ؟

فقال : لكل واحد من الأبوين السدس وللابنتين الثلثان ؟

قال: فالمرأة؟

ص: 282


1- التوبة : 33 .

قال: صار ثمنها تسعا . وهذا من أبلغ الاجوبة (1)

وبالاسناد عن ابن عساكر ( ت / 571 ه-) في « تاريخ مدينة دمشق»، قال: أخبرنا

أبو القاسم أيضا ، أنا رشأ، أنا الحسن، أنا أحمد.

وأخبرنا أبو محمّد بن طاوس، أنا أبو الحسن علي بن ، أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد

الخطيب، أنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن يوم بن يوسف العلاف، أنا أبو علي بن

صفوان قالا : أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا علي بن الجعد ، أخبرني عمرو بن شمر حدثني أسماعيل السدي قال: سمعت أبا أراكة - وفي حديث أبي القاسم عن السدي ، عن أبي أراكة - قال : صليت مع علي بن أبي طالب صلاة الفجر فلما انفتل عن يمينه مكث - وفي حديث ابن طاوس فلما انفتل عن يمينه ثم مكث - كان عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح - قال وحائط المسجد، زاد ابن طاوس يومئذ، وقالا : أقصر مما هو الآن - ثم قلب يده ثم قال وقال ابن طاوس : فقال : والله لقد رأيت أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم ، لقد كانوا يصبحون ، زاد أبو القاسم صفّوا . وقالا : شعثا غبرا بين أعينهم أمثال - وقال أبو القاسم: كأمثال - ركب المعزى وقال أبو القاسم : ركب المعز - قد باتوا لله سجّدا وقياما يتلون كتاب الله ، يراوحون جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين.

ثم نهض، فما رئي بعد ذلك مفترا يضحك حتى ضربه - وقال ابن طاوس

حتى قتله - ابن ملجم عدوّ الله الفاسق(2)

وعن المتقي الهندي ( ت / 985 ه-) في كنز العمال عن أبي أراكة، قال:

ص: 283


1- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 77: 295 .
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 :491

صليت مع علي بن أبي طالب الفجر ، فلما انقلب عن يمينه مكث كأن عليه كآبة، ثم قلب يده وقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد الله فما أرى اليوم شيئا يشبههم ! لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا الله سجّدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، فإذا أصبحوا والله لكأن القوم باتوا غافلين. ثم نهض، فما رئي مفتراً ضاحكا حتى ضربه ابن ملجم الدينوري

والعسكري في المواعظ ،(كر ، حل)((1)

وعن يحيى بن عقيل، عن علي بن أبي طالب أنه قال لعمر : يا أمير المؤمنين ! إن سرك تلحق بصاحبيك فاقصر الامل وكل دون الشبع، واقصر الازار وارقع القميص، واخصف النعل ، تلحق بهما» . (هب)(2)

ص: 284


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 16 : 200 ، ، ح 44222 .
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 16: 200 ، ح 44223 .

[ الكلام (98)]

ليس للعرشي تخريج في هذا الموضع قال الجلالي: وردت مقاطع من النصّ فيما أرويه بالاسناد ، عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 283ه-) في «الغارات»: عن المسيب بن نجبة الفزاري أنه قال : سمعت عليا علیه السلام يقول : إني قد خشيت أن بدال هؤلاء القوم عليكم بطاعتهم إمامهم ومعصيتكم إمامكم، وبأدائهم الامانة وخيانتكم، وبصلاحهم في أرضهم وفسادكم في أرضكم وباجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقكم، حتى تطول دولتهم وحتى لا يدعوا الله محرما إلا استحلوه ، حتى لا يبقى بيت وبر ولابيت مدر إلا دخله جورهم وظلمهم حتى يقوم الباكيان باك يبكي لدينه وباك يبكي لدنياه، وحتى لا يكون منكم إلا نافعا

لهم أو غير ضار بهم ، وحتى يكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيّده ، إذا شهده أطاعه، وإذا غاب عنه سبّه ، فإن أتاكم الله بالعافية فاقبلوا، وإن ابتلاكم فاصبروا ، فإن العاقبة للمتقين.

وعن يحيى بن صالح ، عن أصحابه : أن عليا ندب الناس عند ما أغاروا على نواحي السواد فانتدب لذلك شرطة الخميس، فبعث إليهم قيس بن سعد بن

عبادة الانصاري، ثم وجههم فساروا حتى وردوا تخوم الشام.

ص: 285

وكتب علي إلى معاوية : انك زعمت أن الذي دعاك إلى ما فعلت الطلب بدم عثمان، فما أبعد قولك من فعلك ..! ويحك وما ذنب أهل الذمة في قتل ابن عفان ؟ وبأي شئ تستحل أخذ فين المسلمين ؟! فانزع ولا تفعل، واحذر عاقبة البغي والجور، وإنما مثلي ومثلك كما قال بلعاء لدريد بن الصمة (1)

مهلا دريد عن التسرع إنني ***ماضي الجنان يمن تسرع مولع

مهلا دريد عن السفاهة إنني*** ماض على رغم العداة سميدع

مهلا دريد لا تكن لاقيتني*** يوما دريد فكل هذا يصنع

وإذا أهانك معشر أكرمتهم*** فتكون حيث ترى الهوان وتسمع

فأجابه معاوية : أما بعد فإن الله أدخلني في أمر عزلك عنه نائيا عن الحق فنلت منه أفضل أملي فأنا الخليفة المجموع عليه، ولم تصب في مثلي ومثلك ، إنما مثلى ومثلك كما قال بلعاء حين صولح على دم أخيه ثم نكث فعنفه قومه فأنشأ يقول:

ألا آذنتنا من تدللها ملس ***وقالت أما بيني وبينك من بلس

وقالت ألا تسعى فتدرك ما مضى*** وما أهلك الحانون في القدح والضرس

أتأمرني سعد وليث وجندع ***ولست براض بالدنية والوكس(2)

ص: 286


1- دريد بن الصمة بن الحارث بن معاوية بن جداعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن فارس مشهور وشاعر مذکور .
2- الغارات؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 487:2 - 491 .

[ الخطبة ( 99 ) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخریج: قوله علیه السلام: نحمده على ما كان ونستعينه ... الى آخره. رواها في مستدرك الوسائل فى خطب يوم الجمعة عن زيد بن وهب .(1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في من لا يحضره الفقيه قال وخطب أمير المؤمنين علیه السلامفي الجمعة

: فقال : الحمد الله ، الولي الحميد الحكيم المجيد الفعال لما يريد، علام الغيوب وخالق الخلق، ومنزل القطر، ومدبّر أمر الدنيا والآخرة، ووارث السماوات والأرض، الذي عظم شأنه فلا شي مثله، تواضع كل شئ لعظمته، وذل كل شي لعزته واستسلم كل شي لقدرته، وقرّ كل شيء قراره لهيبته، وخضع كل شئ لملكته وربوبيته الذي يُمْسِكُ السَّماءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ (2)، وأن تقوم

الساعة إلا بأمره، وأن يحدث في السماوات والأرض شئ إلا بعلمه ، نحمده على ما كان، ونستعينه من أمرنا على ما يكون، ونستغفره ونستهديه ، ونشهد أن لا إله

ص: 287


1- مدارك نهج البلاغة : 89.
2- الحج : 65 .

إلا الله وحده لا شريك له ملك الملوك، وسيد السادات، وجبار الارض والسماوات القهار الكبير المتعال، ذو الجلال والاكرام ، دیان یوم الدین رب

آبائنا الأولين.

ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق داعيا إلى الحق ، وشاهدا على الخلق، فبلغ رسالات ربه كما أمره لا ،متعديا ولا مقصرا، وجاهد في الله أعداءه، لا وانيا ولا ناكلا ونصح له في عباده صابرا محتسبا فقبضه الله إليه وقد رضي عمله وتقبل سعيه وغفر ذنوبه صلی الله علیه و آله وسلم . أوصيكم عباد الله بتقوى الله، واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه الايام الخالية، وبالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تكونوا تحبّون تركها، والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا فكأن قد قطعوه، وأفضوا إلى علم فكأن قد بلغوه ، وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجرى إليها حتى يبلغها ، وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، وطالب حثيث في الدنيا يحدوه حتى يفارقها ، فلا تتنافسوا فى عز الدنيا وفخرها، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها ، فإن عزّ الدنيا وفخرها إلى انقطاع ، وإن زينتها ونعيمها إلى زوال، وإن ضرها وبؤسها إلى نفاد وكل مدة منها إلى منتهى

، وكل حي منها إلى فناء وبلاء، أو ليس لكم في آثار الاولين وفي آبائكم الماضين معتبر وتبصرة إن كنتم تعقلون، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقين منكم لا يقفون ، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (1)وقال : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (2)، أو

ص: 288


1- الأنبياء : 95 .
2- آل عمران: 185

لستم ترون إلى أهل الدنيا وهم يصبحون ويمسون على أحوال شتى، فميت يبكى، وآخر يعزّى، وصريع يتلوي، وعائد ومعود ، وآخر بنفسه يجود، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضين يمضي الباقين، والحمد لله رب العالمين رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم الذي يبقى ويفنى ما سواه، وإليه يؤول الخلق ويرجع الأمر. ألّا إنّ هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا وهو سيد أيامكم وأفضل أعيادكم، وقد أمركم الله في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره فلتعظم رغبتكم فيه، ولتخلص نيتكم فيه وأكثروا فيه التضرّع والدعاء ومسألة الرحمة والغفران، فإن الله عزوجل يستجيب لكل من دعاه، ويورد النار من عصاه وكل مستكبر عن عبادته، قال الله عزوجل : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ

﴿ دَاخِرِينَ ) (1) وفيه ساعة مباركة لا يسأل الله عبد مؤمن فيها شيئا إلا أعطاه ، والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والاعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك، ومن كان على رأس فرسخين، غفر الله لنا ولكم سالف ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا، وعصمنا واياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا، إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله عز وجل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو الفتاح العليم بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ثم يبدأ بعد الحمد ب﴿ قُل هُوَ الله أحد ) ، أو ب- (قُل يَا أَيُّهَا الكَافِرُون ) ، أو ب﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ

،، ب﴿ الأرضُ زِلْزَالَهَا ) ، أو ب- ( أَلَهَاكُمُ التكاثر ) أو ب- ( العصر ) ، وكان مما يدوم عليه

(قُل هو الله أحد ) .

هُوَ

ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم فيقول : الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّدا عبده

ص: 289


1- غافر: 60 .

ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وآله ومغفرته ورضوانه، اللّهم صل على محمّد عبدك ورسولك ونبيك صلاة نامية زاكية ترفع بها درجته ، وتبين بها فضله وصل على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدّون عن سبيلك، ويجحدون آياتك، ويكذبون رسلك، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم وانزل عليهم رجزك ونقمتك وبأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، اللهم انصر جيوش المسلمين وسراياهم ومرابطيهم في مشارق الأرض ومغاربها إنك على كل شي قدير اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، اللهم اجعل التقوى زادهم، والايمان والحكمة في قلوبهم، وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه ، إله الحق وخالق الخلق ، اللهم اغفر لمن توفي من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ولمن هو لاحق بهم من بعدهم منهم ، إنك أنت العزيز الحكيم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)اذكروا الله ﴾ يذكركم فإنه ذاكر لمن ذكره، واسألوا الله من رحمته وفضله فإنه لا يخيب عليه داع دعاه. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )(2) (3) وبالاسناد عن المتقي الهندي في كنز العمال: عن علي أنه خطب فحمد الله وأثنى عليه وذكر الموت فقال : عباد الله ! والله الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له ،أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، فالنجا النجا ! والوحا الوحا وراءكم طالب حثيث:

ص: 290


1- النحل : 90 .
2- البقرة : 201 .
3- من لا يحضره الفقيه ؛ للشيخ الصدوق 427:1 - 431 .

القبر ! فاحذروا ضغطته وظلمته ووحشته ، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة ، ألا وإنه يتكلّم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة، ألا وإن وراء ذلك ما هو أشد منه، نار

حرّها شديد وقعرها بعيد وحليها حديد، وخازنها مالك ، ليس الله فيه - وفي لفظ فيها - رحمة ، ألا ووراء ذلك جنّة عرضها كعرض السماء والارض أعدت

للمتقين، جعلنا الله وإياكم من المتقين وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم

(الصابوني في المائتين) (كر ) (1)

ص: 291


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 701:15، الحديث 42802 .

[الخطبة ( 102) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : « الكلام التاسع والتسعون: روى ابن قتيبة منه

في عيون الاخبار [ ج 2 ص 352] باختلاف يسير ، وذلك زمن لا ينجو فيه إلا كل

مؤمن[ ج 1 ص 198] . انتهى (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني

(ت / 328ه-) في «الكافي»، عن أحمد حمد بن محمّد بن أحمد الكوفي وهو

العاصمي ، عن عبد الواحد بن الصواف ، عن محمّد بن اسماعيل الهمداني، عن أبي الحسن موسى علیه السلام قال : كان أمير المؤمنين علیه السلام يوصي أصحابه ويقول: أوصيكم

بتقوى الله فإنها غبطة الطالب الراجي، وثقة الهارب اللاجي، واستشعروا التقوى شعارا ،باطنا، واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طريق

النجاة، انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها ؛ فإنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع المترف الآمن لا يرجى منها ما تولى فأدبر ، ولا يدرى ما هو آت منها

فينتظر ، وصل البلاء منها بالرخاء ، والبقاء منها إلى فناء، فسرورها مشوب بالحزن والبقاء فيها إلى الضعف والوهن، فهي كروضة اعتم مرعاها واعجبت من يراها

ص: 292


1- راجع : استناد نهج البلاغة ، الرقم (54 ) .

عذب شربها طيّب ،تربها ، تمج عروقها الثرى، وتنطف فروعها الندى، حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى بنانه ، هاجت ريح تحت الورق وتفرّق ما اتسق فأصبحت كما قال الله: ﴿ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) (1) ، انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم» (2)

وأيضاً عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في الكافي»، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الأصبهاني ، عن أبي عبد الله ، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام: طوبى لكل عبد نومة لا يؤبه له، يعرف الناس ولا يعرفه الناس يعرفه الله منه برضوان اولئك مصابيح الهدى، ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة، ويفتح لهم باب كل رحمة، ليسوا بالبذر المذاييع، ولا

الجفاة المرائين.

وقال : قولوا الخير تعرفوا به ، واعملوا الخير تكونوا من أهله ، ولا تكونوا عجلا ،مذاییع ، فإن خياركم الذين إذا نظر إليهم ذكر الله . وشراركم المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة ، المبتغون للبراء المعايب» .(3)

وبالاسناد عن محمّد بن ابراهيم النعماني (ت / 333 ه-) في كتاب الغيبة»، قال : أخبرنا محمّد بن همام ومحمّد بن الحسن بن محمّد بن جمهور جميعا، عن الحسن بن محمّد بن جمهور قال: حدثنا أبي، عن بعض رجاله عن المفضل بن قال : قال أبو عبد الله علیه السلام: خبر تدريه خير من عشر ترويه، إن لكل حق حقيقة، ولكل صواب نورا، ثم قال : إنّا والله لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف اللحن إن أمير المؤمنين علیه السلام قال على منبر الكوفة إن من ورائكم عمر

ص: 293


1- الكهف : 458 .
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 17:8
3- الكافي ؟ للشيخ الكليني 2 : 225 .

فتنا مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلا النومة قيل: يا أمير المؤمنين وما النومة ؟ قال الذي يعرف الناس ولا يعرفونه واعلموا أن الارض لا تخلو من حجة لله عز وجل ولكن الله سيعمى خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الارض ساعة واحدة من حجة الله لساخت بأهلها، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون

ثم تلا ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (1) وبالاسناد عن ابن عساكر (ت / 571ه-) في ( تاريخ مدينة دمشق»: أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنا، قالا: أنا أبو الحسين بن الابنوسي، أنا أبو الطيب عثمان ابن عمرو بن محمد بن المنتاب نا يحيى بن محمّد بن صاعد أنا الحسين بن الحسن بن حرب أنا إسماعيل بن إبراهيم، ناليث، عن الحسن قال : قال علي بن أبي طالب علیه السلام طوبى لكل عبد نؤمة، عرف الناس ولم يعرفه الناس، عرفه الله برضوان، أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم في رحمته، ليس أولئك بالمذابيع البذر ولا بالجفاة المرائين.

أخبرنا أبو القاسم العلوي، أنا رشأ المقرى، أنا أبو محمد المصري، أنا أبو بكر المالكي ، نا محمد بن عبد العزيز الدينوري، نا أبي، عن وكيع، عن عمرو بن منبه، عن أوفى بن دلهم عن علي بن أبي طالب أنه قال: تعلّموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره وانه لا ينجو منه إلا كل نومة منبت الداء (2)، أولئك أئمة الهدى ومصابيح

ص: 294


1- يس: 30
2- في بعض النصوص المتقدمة : ا... عبد نومة لا يؤبه له فراجع ، والنؤمة - بوزن الهمزة : الخامل - الذكر الذي لا يزبه له ، وقيل : الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر وأهله ، وقيل : النومة بالتحريك الكثير النوم وأما الخامل الذي لا يؤبه له فهو بالتسكين ومن الأول حديث ابن عباس أنه قال لعلي : ما النومة ؟ قال : الذي يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شي.

العلم، ليسوا بالعجل المذابيع البذر، ثم قال: إن الدنيا قد ارتحلت ،مدبرة، وإن الآخرة مقبلة، ولكل واحد منهما ،بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من ربهم

أبناء الدنيا . ألا وإن الزاهدين فى الدنيا اتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا، ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ألا إن الله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة ، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أيام العقبى لراحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم يجري دموعهم على خدودهم، على خدودهم ، يجأرون إلى : ربنا ربنا يطلبون فكاك رقابهم. وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح ، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضي وما بالقوم من مرض، وخولطوا ولقد

خالط القوم أمر عظيم»(1) وبالمعنى ما رواه النعماني ( ت / 333ه-) في كتاب الغيبة عن محمّد بن (ت همام ومحمّد بن الحسين بن جمهور جميعاً عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن ابيه قال : قال ابو عبدالله [ في ضمن الحديث مانصه : ] قال امير المؤمنين على منبر الكوفة وان من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها الا النؤمة، قيل:

: يا أمير المؤمنين وما النؤمة ؟ قال : الذي يعرف الناس ولا يعرفونه، واعلموا ان الارض لا تخلو من حجه الله، ولكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم واسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الارض ساعة واحدة من حجة الله لساخت بأهلها ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون ثم تلا ( يَا حَسْرَةٌ عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) (2)(3)

ص: 295


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 492 491:42 .
2- تس: 30
3- الغيبة ؛ للنعماني : 70 .

وبالاسناد عن أبي نعيم الاصفهاني ( ت / 430 ه-) في حلية الأولياء»، قال: حدثنا عبد الله بن محمّد ثنا ابو يحيى الرازي ، ثنا هناد ثنا ابن فضيل عن ليث عن الحسن ، عن علي ، قال : طوبى لكل عبد نؤمة، عرف الناس ولم يعرفه الناس. عرفه الله برضوان، أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم في رحمته ليس أولئك بالمذاييع البذر ولا بالجفاة المرائين»(1). وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال في مسند علي رضی الله عنه عن الحسن قال : قال علي طوبى لكل عبد ،نومة يعرف الناس ولا يعرّفه الله برضوانه (2)، أولئك مصابيح الهدى ليس بالمذاييع ولا بالبذر ولا بالجفاة المرائين، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة». (هناد حل هب كر ) . (3) ،وعنه عن على قال : إنها ستكون بعدي فتنة عمياء مظلمة منكسفة، لا ينجو منها إلا النومة، قيل: وما النومة ؟ قال : الذي لا يدري ما الناس فيه. (العسكري في المواعظ . (4)

ص: 296


1- حلية الأولياء 76:1-77
2- في بعض النصوص المتقدمة : طوبى لكل عبد نؤمة، عرف الناس ولم يعرفه الناس ، عرفه الله برضوان فراجع .
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 707:3 ، ح 8532 ،259:11
4- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11: 259 ، ح 31451

[ الخطبة ( 103)]

قال الجلالي: قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار» عن معاني الأخبار: عن ابن المتوكل عن الحميري، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله سنان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: طوبى لعبد نؤمة عرف الناس فصاحبهم يبدنه، ولم يصاحبهم في أعمالهم بقلبه ، فعرفوه في الظاهر، وعرفهم في الباطن (1)

وقال في البيان: قال في النهاية : في حديث علي علیه السلام أنه ذكر آخر الزمان والفتن ثم قال : خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نؤمة، النؤمة - بوزن الهمزة : الخامل الذكر الذي لا يؤبه له ، وقيل : الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر وأهله، وقيل:

النومة بالتحريك الكثير النوم وأما الخامل الذي لا يؤبه له فهو بالتسكين، ومن الأول حديث ابن عباس أنه قال لعلي: ما النومة ؟ قال : الذي يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شي ، انتهى . وفي نهج البلاغة: « وذلك زمان لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نؤمة، إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد ، أولئك مصابيح الهدى وأعلام السرى ليسوا

ص: 297


1- معاني الأخبار : 380 و 381

بالمسابيح ولا المذاييع البذر ، أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته ويكشف عنهم

ضراء نقمته».

وقال السيد رضي الله عنه قوله : كل مؤمن نؤمة فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر ، و المسابيح » جمع مسياح وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والتمائم ، و المذاييع جمع مذياع ، وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها

( ونوّه بها، والبذر جمع بذور، وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه . انتهى(1). ولم يذكر الجوهري النؤمة بالهمزة وقال : رجل نومة بالضم ساكنة الواو ، أي لا يؤبه له ورجل نومة بفتح الواو ، أي نؤوم وهو الكثير النوم، وفي القاموس : وهو نائم ونؤم ونؤمة كهمزة وصرد ثم قال : ونومة كهمزة وأمير مغفل أو خامل والأول بالهمزة والباقي بالواو و «افتقده أي طلبه عند غيبته، والجملتان كالتفسير للنومة على الظاهر ، فالمراد به الخامل (2)، و «السري» كالهدى السير عامة الليل، وأعلام السرى كل ما يهتدى به في ذلك السير، وفي النهاية : « ليسوا بالمسابيح البذر» أي الذين يسعون بالشر والنميمة، وقيل: هو من التسييح في الثوب، وهو أن يكون فيه خطوط مختلفة ، وقال : المذاييع جمع مذياع من أذاع الشي إذا أفشاه ، وقيل : أراد الذين يذيعون الفواحش، وهو بناء مبالغة، وقال: البذر جمع بذور يقال بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب، أي أفشيته وفرقته انتهى . « يفتح الله لهم أي ببركاتهم تنزل الخيرات وتندفع الشرور والآفات والضراء الحالة الّتي تضرّ، نقيض السراء » .(3)

ص: 298


1- نهج البلاغة ،1 : 213 ، تحت ، ح 101 من الخطب .
2- وروى الصدوق في معاني الأخبار ص خبار ص 166 باب معنى النومة عن أبي الطفيل أنه سمع أمير المؤمنين الله يقول : إن بعدى فتنا مظلمة عمياء مشككة لا يبقى فيها الا النومة ، قيل : وما النومة يا أمير المؤمنين ؟ قال : الذي لا يدرى الناس ما في نفسه
3- بحار الأنوار ، للعلامة المجلسي 66: 272 - 274 .

[ الخطبة ( 104)]

قال الجلالي: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة»: ثم عبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى ، فصارت مثلا أيضا، وهي قوله : «كفى بالمرء جهلا ألا يعرف قدره، ومن الكلام المروي عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام مرفوعا: «ما هلك امرؤ عرف قدره ، رواه أبو العباس المبرد عنه في الكامل . قال : ثم قال أبو عبد الله علیه السلام: وما أخال رجلا يرفع نفسه فوق قدرها إلا من خلل في عقله. وروى صاحب الكامل) أيضا عن أبي جعفر الباقر علیه السلام، قال : لما حضرت وفاة علي بن الحسين أبي ، ضمني إلى صدره، ثم قال : يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي يوم قتل، وبما ذكر لي أن أباه عليا علیه السلام أوصاه به : يا بني عليك ببذل نفسك، فإنه لا

أباك بذل نفسه حمر النعم . وكان يقال: من عرف قدره استراح» (1)

ص: 299


1- شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 7: 108 - 109

[ الخطبة ( 105)]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن علي بن ابراهيم القمي ( ت / 204ه-) في تفسيره: قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : خطب امير المؤمنين علیه السلام بعد ما بويع له بخمسة ایام خطبة فقال فيها : واعلموا ان لكل حق طالبا ، ولكل دم ثائرا ، والطالب بحقنا - ظ ] كقيام الثائر بدمائنا ، والحاكم في حق نفسه هو العادل الذي لا يحيف والحاكم الذي لا يجور وهو الله الواحد القهار، واعلموا ان على كل شارع بدعة وزره ووزر کل مقتد به من بعده من غير أن ينقص من اوزار العاملين شي ، وسينتقم الله من الظلمة مأكلاً بمأكل ومشربا بمشرب من لقم العلقم ومشارب الصبر الادهم، فيشربوا بالصب من الراح السم المذاق، وليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا، ولهم بكل ما اتوا وعملوا من افاويق الصبر الادهم فوق ما أتوا وعملوا ، اما انه لم يبق إلا الزمهرير من شتائهم، وما لهم من الصيف إلا رقدة ، ويحهم ما تزودوا وجمعوا على ظهورهم من الآثام فيا مطايا الخطايا [ وبارزه الزور ] وزاد الآثام مع الذين ظلموا اسمعوا واعقلوا وتوبوا وابكوا على انفسكم ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1)

ص: 300


1- الشعراء : 227 .

فاقسم ثم اقسم ليتحملنها بنو امية من بعدي وليعرفنها في دار غيرهم عما قليل، فلا يبعد الله إلا من ظلم، وعلى البادي [يعني الأول ] ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل اوزارهم واوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة (1)(2)

ص: 301


1- وتمام الآية: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ) مَا يَزِرُونَ) (النحل : 25) .
2- تفسير القمي ؛ لعلي بن ابراهيم القمي 1 : 384 .

[ الخطبة ( 106)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج : قوله علیه السلام: «الحمد لله الذي شرع الاسلام ... الخ بعض الفقرات من هذه الخطبة مروي في أصول الكافي في صفة الاسلام، ومن أول هذه الخطبة الى قوله علیه السلام: والجنة سبقته» مروي في أمالي الشيخ الطوسي مع اختلاف يسير ، والمروي فيها بعد هذا غير ما ذكره السيّد هنا بقوله : ومنها (1).

قال العرشي في التخريج مانصّه : رواها الكليني في أصول الكافي (167) ، وشيخ الطائفة في الأمالي (23)، والحراني في تحف العقول (38) ، وأبو علي

القالي في ذيل الأمالي والنوادر (173)، وأبو نعيم الاصفهاني في الحلية [ج 1

ص 121]

74] ، والقاضي محمّد بن سلامة القضاعي في دستور معالم الحكم [121].

( انتهى ) (2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 281 ه-) في «الغارات»، قال: حدثنا محمّد، قال حدثنا

ص: 302


1- مدارك نهج البلاغة : 89
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

الحسن قال حدثنا ابراهيم قال : وحدثنا أبو زكريا بهذا الكلام أكثر من هذا

ا ورواه عن أهل العلم من أصحابه قال : قال على علیه السلام: أما بعد فان الله شرع الاسلام فسهل شرائعه لمن ،ورده وأعز أركانه على من حاربه، فجعله عزّاً لمن تولاه وسلما لمن دخله، وهدى لمن انتم ،به وزينة لمن تحلّى به وعدلا لمن انتحله وعروة لمن اعتصم به ، وحبلا لمن استمسك به، وبرهانا لمن تكلّم به وشرفا

[لمن ،عرفه ، وحكمة لمن نطق به ] ونورا لمن استضاء به ، وشاهدا لمن خاصم به وفلجا لمن حاج به، وعلما لمن وعى وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى وحلما لمن حرب، ولبّاً لمن تدبّر، وفهما لمن تفطّن، ويقينا لمن علم وبصيرة لمن ،عزم وآية لمن توسّم وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن صدق، ومودّة من الله لمن صلح ، وزلفى لمن اقترب وثقة لمن توكل، وراحة لمن فوّض، وصبغة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر ، ولباساً لمن اتقى وطهرا لمن رشد وكهفا لمن آمن، وأمنة لمن أسلم، وروحا للصادقين. فذلك الحق سبيله الهدى، وصفته الحسنى، ومأثرته المجد، فهو أبلج

المنهاج، مشرق ، المنار، مضي المصابيح رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، متنافس السبقة، أليم النقمة، قديم العدة، كريم الفرسان، فالايمان منهاجه والصالحات مناره والعفة مصابيحه، والموت غايته والدنيا مضماره

والقيامة حلبته، والجنة سبقته ، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه فبالاسلام يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يره- الموت وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تحذر الآخرة، وبالقيامة تزلف الجنة والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين، والتقوى سنخ الايمان.

والايمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد. فالصبر على أربع شعب على الشوق والشفق والزهادة والترقب، فمن اشتاق

ص: 303

إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد

في الدنيا تهاون بالمصيبات ، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات. واليقين على أربع شعب على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة ، وسنة الأولين ؛ فمن تبصر في الفطنة تبيّن في الحكمة، ومن تبيّن في الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة عرف السنة ، ومن عرف السنة فكأنما كان

في الأولين.

والعدل على أربع شعب على غائص الفهم وغمرة العلم، وزهرة الحكم وروضة الحلم ؛ فمن فهم فسر جمل العلم، ومن علم عرف غرائب الحكم، ومن حلم لم يفرط في أمره ، وعاش به في الناس حميدا.

والجهاد على أربع شعب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين ؛ فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسقين ، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنا الفاسقين غضب الله ، ومن غضب الله غضب الله له . فذلك الايمان ودعائمه وشعبه ] . والكفر على أربع دعائم على الفسق، والغلو، والشك والشبهة والفسق على

ا أربع شعب على الجفاء، والعمى، والغفلة ، والعتو؛ فمن جفا حقر الحق ، ومقت الفقهاء، وأصر على الحنث، ومن عمي نسي الذكر واتبع الباطل وبارز ربِّه، وألح عليه الشيطان، ومن غفل جثا على ظهره، وحسب غيه رشدا، وغرته الأماني وأخذته الحسرة إذا انقضى الامر وانكشف عنه الغطاء وبدا له من الله ما لم يكن عنا عن أمر الله شك، ومن شك تعالى الله عليه ثم أذلّه بسلطانه

يحتسب، ومن وصغره بجلاله كما فرط في جنبه واغتر بربه الكريم.

والغلو على أربع على التعمق والتنازع والزيغ والشقاق، فمن تعمّق لم ينب

إلى الحق ، ولم يزدد الا غرقا في الغمرات، ولم تحسر عنه فتنة الا غشيته اخرى

ص: 304

وانخرق دينه فهو يهوي في أمر مريج. ومن نازع وخاصم قطع بينهم الفشل وبلى أثرهم من طول اللجاج، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة، وسكر سكر الضلال، ومن شاق وعرت عليه طرقه، وأعضل عليه أمره

وضاق ،مخرجه وحريّ أن ينزع عن رتبته بما لم يتبع سبيل المؤمنين.

والشك على أربع شعب على المرية والهول، والتردد والاستسلام، فبأي آلاء ربك يتمارى الممترون ؟ ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ومن تردد في الريب سبقه الاولون وأدركه الآخرون ووطئته سنابك الشياطين ، ومن استسلم لتهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما، ومن نجا من ذلك فيفضل اليقين. والشبهة على أربع شعب على اعجاب بالزينة، وتسويل النفس، وتأوّل العوج، ولبس الحق بالباطل، وذلك بأن الزينة تأفك عن البيئة، وأن تسويل النفس تقدّم إلى الشهوة وأن العوج يميل بصاحبه ميلا عظيما، وأن اللبس ظلمات

بعضها فوق بعض، وذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

والنفاق على أربع دعائم على الهوى والهوينا، والحفيظة، والطمع. فالهوى من ذلك على أربع شعب على البغي والعدوان، والشهوة، والطغيان، فمن بغى كثرت غوائله وتخلّي عنه ونصر عليه ومن اعتدى لم تؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه، ومن لم يعزف نفسه عن الشهوات خاض في الحسرات وسبح فيها ومن طغى ضل عمدا بلا عذر ولا حجة. والهوينا على أربع شعب على الهيبة والعزة والمماطلة والأمل، وذلك أن الهيبة ترد عن الحق والاغترار بالعاجل تفريط الأجل، وتفريط المماطلة مورط في العمى حتى يقدم الاجل ، ولولا الأمل علم الانسان حساب ما هو فيه ، ولو علم حساب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل.

والحفيظة على أربع شعب على الكبر والفخر والحمية والعصبية، فمن

ص: 305

استكبر أدبر، ومن فخر فجر، ومن حمى أصر ، ومن أخذته العصبية جار، فبئس

الامر أمر بين إدبار وفجور وإصرار وجور عن الصراط .

والطمع على أربع شعب على الفرح والمرح واللجاجة والكبر، فالفرح مكروه عند الله ، والمرح خيلاء ، واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الآثام، والكبر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير .

فذلك النفاق ودعائمه وشعبه . والله قاهر فوق ،عباده تعالى جده واستوت مرته، واشتدت قوته، واصطنعت نفسه، وصنع على عينه، وجلّ وجهه، وأحسن كل شئ خلقه، وانبسطت يداه ووسعت رحمته، وظهر أمره، وأشرق نوره

وفاضت بركته واستضاءت حكمته، وهيمن كتابه وفلجت حجته، وخلص

دينه وحقت كلمته، وسبقت حسناته ، وصفت نسبته ، وأقسطت موازينه، وبلغت

رسله، واحضرت حفظته.

ثم جعل السيئة ذنبا ، والذنب فتنة، والفتنة دنساء، وجعل الحسنى عتبي، والعتبى توبة، والتوبة طهورا، فمن تاب اهتدى، ومن افتتن غوى ما لم ينب إلى ويعترف بذنبه ويصدق بالحسنى، ولا يهلك على الله الا هالك [فالله الله ] ما أوسع ما لديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم..! وما أنكر ما عنده من الأنكال والجحيم والعزة والقدرة والبطش الشديد فمن ظفر بطاعته اجتلب كرامته ، ومن ذلّ في معصيته ذاق وبال نقمته هنالك عقبى الدار. لا يخشى أهلها

غيرها وهنالك خيبة ليس لأهلها اختيار

نسأل الله ذا السلطان العظيم والوجه الكريم الخير والخير عاقبة للمتقين

والخير مردّ يوم الدين (1)

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في « الكافي»: علي بن إبراهيم،

ص: 306


1- الغارات ؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 1: 138 - 145 .

عن أبيه ، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وعدة من أصحابنا،

عن أحمد بن

محمّد

بن خالد جميعا عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب

السراج، عن جابر، عن أبي جعفر وبأسانيد مختلفة، عن الاصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين علیه السلام في داره - أو قال في القصر - ونحن مجتمعون ، ثم أمر

صلوات الله عليه فكتب في كتاب وقرئ على الناس.

وروى غيره أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين علیه السلام عن صفة الاسلام والايمان والكفر والنفاق، فقال: أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى شرع الاسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه لمن حاربه ، وجعله عزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله

وهدى لمن أنتم به وزينة لمن تجلله ، وعذرا لمن انتحله ، وعروة لمن اعتصم به وحبلا لمن استمسك به، وبرهانا لمن تكلّم به ، ونورا لمن استضاء به، وعونا لمن

استغاث به، وشاهدا لمن خاصم ،به وفلجا لمن حاج به، وعلما لمن وعاه

وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى، وحلما لمن جرّب، ولباسا لمن تدبر، وفهما لمن تفطّن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، وتؤدة لمن أصلح ، وزلفى لمن اقترب ، وثقة لمن توكل، ورخاء لمن فوض، وسبقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنّة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن ،رشد وكهفا لمن آمن، وأمنة لمن أسلم ورجاء لمن صدق، وغنى لمن قنع ، فذلك الحق سبيله الهدى، ومأثرته المجد وصفته الحسنى، فهو أبلج المنهاج ، مشرق ، المنار، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع السبقة، أليم النقمة كامل العدة كريم الفرسان، فالايمان منهاجه ، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والدنيا مضماره والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته والمحسنون فرسانه فبالایمان یستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر

ص: 307

الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار والنار موعظة المتقين والتقوى سنخ الايمان (1)

وقال العلامة المجلسي في بحار الأنوار باسناده عن «الكافي» عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعا عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلاموبأسانيد مختلفة، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : خطبنا أمير المؤمنين علیه السلام في داره - أو قال في القصر - ونحن مجتمعون ، ثم أمر صلوات الله عليه فكتب في كتاب وقرئ على الناس؛ وروى غيره : أن ابن الكواسأل أمير المؤمنين علیه السلام عن صفة الاسلام والايمان والكفر والنفاق . فقال : أما بعد فان الله تبارك وتعالى شرع الاسلام وسهل شرايعه لمن ورده، وأعز أركانه لمن جار به، وجعله عزا لمن تولاه وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وزينة

لمن تجلله ، وعذرا لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به وحبلا لمن استمسك به وبرهانا لمن تكلم به، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به وفلجا لمن حاج ،به وعلما لمن ،وعاه وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى وحلما لمن جرب، ولباسا لمن تدبر وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن صدق، وتؤدة لمن أصلح ، وزلفي

، لمن اقترب ، وثقة لمن توكل، ورجاء لمن فوض، وسبقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن ،رشد وكهفا لمن آمن

، وأمنة لمن أسلم، ورجاء لمن صدق، وغنى لمن قنع . فذلك الحق سبيله الهدى، ومأثرته المجد ، وصفته الحسنى ، فهو أبلج المنهاج مشرق المنار، ذاكي المصباح

ص: 308


1- الكافي؛ للشيخ الكليني 49:2 -50.

رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع السبقة، أليم النقمة، كامل العدة، كريم الفرسان فالايمان منهاجه ، والصالحات مناره، والفقه ،مصابيحه، والدنيا مضماره والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته والتقوى ،عدته و المحسنون ،فرسانه فبالایمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات الفقه وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة،

وبالقيامة تزلف الجنة ، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة للمتقين عظة للمتقين والتقوى

سنخ الايمان» .(1)

وعن الكافي : بالاسناد المتقدم (2) عن أبي جعفر ، قال سئل أمير المؤمنين علیه السلام

عن الايمان، فقال: إن الله عز وجل جعل الايمان على أربع دعائم على الصبر ،واليقين والعدل والجهاد . فالصبر من ذلك على أربع شعب على الشوق والاشفاق، والزهد والترقب ، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق عن النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات.

واليقين على أربع شعب تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، ومعرفة العبرة وسنة الأولين، فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما كان السنة فكأنما كان مع الأولين واهتدى إلى التي هي أقوم، ونظر إلى من نجا بما نجا، ومن هلك بما هلك ، وإنما أهلك الله من هلك بمعصيته ، وأنجا من أنجا بطاعته. والعدل على أربع شعب غامض الفهم، وغمر العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرط في أمره، وعاش في الناس حميدا.

ص: 309


1- الكافي 5049:2
2- في المصدر : بالاسناد الأول ، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام.

والجهاد على أربع شعب على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، وأمن كيده، ومن صدق في المواطن قضى الذي شنأ الفاسقين غضب الله ومن غضب الله غضب الله له. فذلك الايمان

،عليه ومن

ودعائمه وشعبه (1)

وعن مجالس المفيد، وأمالي الطوسي عن المفيد عن المرزباني، عن أحمد :

بن سليمان الطوسي، عن الزبير بن بكار ، عن عبد الله بن وهب، عن السدي عن عبد خير، عن جابر الأسدي قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي فسأله عن الايمان فقام خطيبا فقال الحمد لله الذي شرع الاسلام وساق نحوه ... إلى قوله : غضب الله، ومن غضب الله تعالى فهو مؤمن حقا، فهذه صفة الايمان ودعائمه، فقال له السائل : لقد هديت يا أمير المؤمنين وأرشدت فجزاك الله عن الدين خيرا (2) .

وبالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في «الأمالي»: أخبرنا محمّد بن محمّد بن النعمان، قال أخبرنا أبو عبيد الله محمّد بن عمران المرزباني، قال: حدثني أحمد بن سليمان الطوسي، عن الزبير بن بكار، قال: حدثني عبد الله بن وهب، عن السدي، عن عبد خير عن قبيصة بن جابر الأسدي، قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فسأله عن الايمان، فقام علیه السلام خطيبا فقال : الحمد لله الذي شرع الاسلام فسهل شرائعه لمن ،ورده، وأعز أركانه على من حاربه، وجعله عزا لمن والاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن انتم ،به وزينة لمن

ص: 310


1- الكافي :2 50 و 51
2- بحار الأنوار ، للعلامة المجلسي 65 : 349 - 352 ، عن أمالي المفيد : 170، أمالي الطوسي 1: 35، و راجع تحف العقول ص 158

تحلى به، وعصمة لمن اعتصم به ، وحبلا لمن تمسك به، وبرهانا لمن تكلّم به، ونورا لمن استضاء به وشاهدا لمن خاصم به وفلجا لمن حاج به، وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن رواه، وحكما لمن قضى به، وحلما لمن جرب، ولباً لم-ن تدبّر، وفهما لمن فطن، ويقينا لمن ،عقل، وتبصرة لمن عزم، وآية لمن توسّم وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن صدق، ومودة من الله لمن أصلح، وزلفى لمن ارتقب وثقة لمن توكل، وراحة لمن فوّض، وجُنة لمن صبر . الحق سبيله، والهدى صفته ، والحسنى مأثرته، فهو أبلج المنهاج ، مشرق المنار، مضئ المصابيح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، متنافس السبقة كريم الفرسان التصديق منهاجه ، والصالحات مناره ، والفقه مصابيحه، والموت غايته

والدنيا ،مضماره والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه. فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين، وتبرز الجحيم للغاوين.

والايمان على أربع دعائم : الصبر واليقين والعدل، والجهاد. فالصبر على أربع شعب الشوق والشفق، والزهادة والترقب ألا من اشتاق إلى الجنة سلا عن

الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

واليقين على أربع شعب على تبصرة الفطنة، وتأوّل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة ،الاولين فمن تبصّر في الفطنة تبيّن الحكمة، ومن تبين الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة ، ومن عرف السنة فكأنما كان في الأولين. والعدل على أربع شعب على غامض الفهم، وعمارة العلم، وزهرة الحكم وروضة الحلم، فمن فهم نشر جميل العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم

ص: 311

ومن عرف شرائع الحكم لم يضل، ومن حلم لم يفرط في أمره، وعاش في

الناس حميدا.

والجهاد على أربع شعب على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق

في المواطن وشنآن ،الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى المنكر أرغم أنف الكافر، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنا

الفاسقين غضب الله ، ومن غضب الله تعالى فهو مؤمن حقا ، فهذه صفة الايمان ودعائمه. فقال له السائل : لقد هديت يا أمير المؤمنين وأرشدت، فجزاك الله عن

الدين خيرا(1).

ونقله الاسكافي ( ت 220 ه-) مرسلاً في المعيار والموازنة ص 203 ط /

1402ه-.

ص: 312


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 37 - 38.

[ الخطبة ( 107)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج: قوله علیه السلام: وقد رأيت جولتكم ... الى آخره. رواه الطبري بأبسط مما هنا، ولعل ما ذكره السيد هو مختاره منها ، أو أنها رواية اخرى من بعض المصادر التي لم يبق منها الا القليل » .(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين

[ 130] والطبري في التاريخ [ج 6 ص 14]. (انتهى) (2)قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاستاد عن نصر بن مزاحم

المنقري (ت / 212ه-) في وقعة صفين»، باسناده عن عمر ، عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب : أن عليا لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها ، وكشف من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم، أقبل حتى انتهى إليهم فقال : إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم الجفاة الطغام وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم، وعمار الليل بتلاوة

ص: 313


1- مدارك نهج البلاغة : 89.
2- راجع : استناد نهج البلاغة.

القرآن، وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره، وكنتم فيما أرى من الهالكين. ولقد هوّن علي بعض وجدي وشفى بعض أحاح نفسي أني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم ، تحوزونهم بالسيوف ليركب أولهم آخرهم ، كالإبل المطردة الهيم. فالآن فاصبروا

أنزلت عليكم السكينة ، وثبتكم الله باليقين. وليعلم المنهزم أنه مسخط لربه وموبق نفسه، وفي الفرار موجدة الله عليه والذل اللازم له، والعار الباقي واعتصار الفي من يده (1) ، وفساد العيش وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره ، ولا يرضى ربه فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها

والإقرار عليها (2)

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328 ه-) في الكافي» قال: وفي حديث مالك بن أعين قال : حرض أمير المؤمنين صلوات الله عليه الناس بصفين فقال : إن

أ عزّ وجل دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم وتشفي بكم على الخير ؛ الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله ، وجعل ثوابه مغفرة للذنب ومساكن طيبة في جنات عدن، وقال عز وجل: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانُ مَرْصُوصُ )(3) فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، فقدموا الدارع وأخّروا الحاسر ، وعضوا على التواجد فإنه أنبأ للسيوف على الهام والتووا على أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة، وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب

ص: 314


1- في بعض النصوص المتقدمة : ( إن في القرار موجدة الله والذل اللازم والعار الباقي وفساد العيش عليه ، وإن الفار لغير مزيد في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه ولا يرضى ربه .
2- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 256 .
3- الصف : 4.

وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار، ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا مع شجعانكم فإن المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ ، ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسبين أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول، وقد كنّا نؤمر بالكفّ عنهن وهنّ مشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالفهر] فيعبر بها وعقبه من بعده، واعلموا أن أهل الحفاظ هم

الذين يحفّون براياتهم ويكتنفونها ويصيرون حفافيها وورائها وأمامها ولا

يضيعونها ، الحديث (1)

ص: 315


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 5: 39

[ الخطبة ( 108)]

قال الجلالي نقل مقاطع منها أبو جعفر الإسكافي ( ت / 220ه-) في المعيار والموازنة بعنوان: خطبته علیه السلام في لوم أصحابه لما انهزموا في بعض أيام صفين في

بداية الأمر من عسكر معاوية ثم كروا عليهم فأزالوهم عن موقفهم وهزموهم مانصه: قالوا : لما اشتد البأس وعظم المصاب، وتضعضعت الاركان من الفريقين ورأى من أصحابه بعض الانحياز قام فيهم فقال : إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم، تحوزكم الجفاة الطغام وأعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الاعظم، وعمار الليل بتلاوة القرآن، وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون، فلولا إقباكم بعد إدباركم ، وكرّكم بعد انحيازكم لوجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف دبره وكنتم من الهالكين فلقد شفى بعض سقمي وأحاح نفسي إني رأيتكم أخيرا حزتموهم كما حازوكم ، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم ، تحوسونهم بالسيف تركب أولاهم أخراهم كالابل المطرودة الهيم فالآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة، وثبتكم الله باليقين، وليعلم الفار منكم أنه لا يزيد في عمره ولا يرضي ربه، وأن في الفرار سخطا عليه، والذل اللازم لاهله، والعار الباقي، وفساد العيش عليه، فيموت المرء محقا خير من الحياة

على الفرار بهذه الخصال.

ص: 316

ثم قال : والذي بعث محمّدا بالحق لقد قاتلت معاوية وأباه على تنزيل الكتاب أقاتله وأشياعه على تأويل الكتاب. وإن البصيرة في الأمرين جميعا

الواحدة ؛ بالعلم بما نحن عليه من الهدى والحمد الله . ثم حمل على أعداء الله فما انثنى حتى قتل خمسمائة رجل كلما قتل رجلا كبر تكبيرة حتى يسمعه عامة أهل عسكره ، وذكروا أن ذلك كان من أول الصبح إلى أن غاب الشفق، وما كانت صلاته يومئذ وأصحابه إلا التكبير لكل ركعة تكبيرة. وكان إذا قتل رجلا قال: اللهم إنه قاتل مع عدوك ليطفئ نورك جرأة عليك ، وتغيير الما جاء به نبيك، اللهم فأصل وجهه النار.

قالوا: ثم أقبل رجل من أهل الشام يقال له الزبرقان بن الحكم وكان سيّد أهل

الشام فطلب البراز، فخرج إليه الحسن بن علي بن أبي طالب، فقال له الزبرقان من أنت؟ قال: أنا الحسن بن علي فقال له انصرف يا بني فوالله لقد نظرت إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا من ناحية «قبا» يسير على ناقة له وإنك يومئذ لقدامه، فما كنت لألقى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له بدمك . فانصرف الزبرقان ، فلما بلغ ذلك عليا قال

رسول لاصحابه : أملكوا عني هذا الغلام - يعني ابنه الحسن - لا يهدني فقده، فأسرعت إليه خيل من أصحاب على فردوا الحسن وانصرف الزبرقان وهو يقول : إني أخاف الله في ابن فاطمة ، وإن ذا الكلاع حدثني أنه سمع جهماً يقول : سمعت

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له يقول : إن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة . (1)

ص: 317


1- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي : 151 149 .

الخطبة ( 110)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج : « قوله علیه السلام: إن أفضل ما

(ت توسل به المتوسلون ... الخ » هذه من خطبة طويلة، تعرف بالديباج، أولها : الحمد لله فاطر الخلق، وقد رواها الحسن بن علي بن شعبة المتوفى سنة 323 ، في كتابه الشهير، وهو كتاب تحف العقول » . (1) قال العرشي في التخريج مانصه : رواها البرقي في المحاسن الورق /119 ألف، والحراني في تحف العقول ،[34] ، والشيخ الصدوق في علل الشرائع [114]، والشيخ المفيد في الأمالي [بحار ج 17 ص 105] . ( انتهى ) (2)

[ 105] قال الجلالي : وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق ت / 381ه-) في علل الشرائع، حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا ابراهيم بن مهزيار، عن اخيه علي عن حماد بن عيسى ، عن ابراهيم بن عمر باسناده يرفعه إلى علي بن أبي طالب انه كان يقول : ان افضل ما توسل به المتوسلون الايمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الإخلاص فانها الفطرة، وتمام الصلاة

ص: 318


1- مدارك نهج البلاغة : 89 .
2- راجع استناد نهج البلاغة .

فانها الملة وايتاء الزكاة فأنها من فرائض الله ، وصوم رمضان فانه جنة من عذابه

وحج البيت فانه منفاة للفقر ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فانه مثراة للمال ومنسأة للاجل وصدقة السر فانها تطفئ الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنائع المعروف فانها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان ألا فتصدقوا فإن الله مع من

تصدّق، وجانبوا الكذب فان الكذب مجانب الايمان، ألا ان الصادق على شفا منجاة وكرامة ، ألا وان الكاذبين على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيرا تعرفوا به، واعلموا به تكونوا من أهله، وأدوا الامانة إلى من إنتمنكم عليها ، وصلوا أرحام من قطعكم، وعودوا بالفضل على من سألكم (1)

وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في من لا يحضره الفقيه»، قال: وكان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : إن أفضل ما يتوسل به المتوسلون الايمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله ، وكلمة الاخلاص فانها الفطرة، وإقام الصلاة فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله عز وجل، والصوم فإنه جنّة من عذابه، وحج البيت فإنه منفاة للفقر ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ومنسأة في الاجل، وصدقة السر فإنها تطفئ الخطيئة وتطفئ غضب الله عز وجل، وصنائع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان ألا فأصدقوا فإن مع الصادقين، وجانبوا الكذب فإنه يجانب الايمان، ألا إن الصادق على شفا منجاة وكرامة ، ألا إن الكاذب على شفا مخزاة ،وهلكة، ألا وقولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله وأدوا الامانة إلى من ائتمنكم وصلوا أرحام من قطعكم ، وعودوا بالفضل على من حرمكم (2) وبالاسناد عن الشيخ الطوسي (ت / 460 ه-) في الأمالي» قال: أخبرنا محمّد

ص: 319


1- علل الشرائع ؛ للشيخ الصدوق 247:1.
2- من لا يحضره الفقيه ؛ للشيخ الصدوق 305:1

ابن محمّد قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمّد الحسن ، عن بن ، عن أبيه ، عن

محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة البطائني، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد ابن علي بن الحسين علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام: أفضل ما توسل به المتوسلون الايمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله ، وكلمة الاخلاص فإنها

الفطرة، واقامة الصلاة فإنها الملة، وايتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصوم شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله ، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب وصلة الرحم فإنه مثراة للمال ومنسأة للاجل ، وصدقة السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنائع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الايمان، ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة ، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله وأدوا الامانة إلى من ائتمنكم، وصلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل عليهم.

وبالاسناد قال : أخبرنا محمّد بن محمّد قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمّد الكاتب ، قال : حدثنا الاجلح، عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: كتب امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن الله تعالى أنزل إلينا كتابه ولم يدعنا في شبهة، ولا عذر لمن ركب ذنبا بجهالة، والتوبة مبسوطة ، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (1)، وأنت ممن شرع

ص: 320


1- اقتباس من قوله تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبِّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الأنعام: 164) ، وقوله : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى تَبْعَثَ رَسُولاً ) (الاسراء : (15)، وقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ

(1)

الخلاف متماديا في غرة الامل مختلف السر والعلانية رغبة في العاجل وتكذيبا بعد بالاجل ، وكانك قد تذكرت ما مضى منك فلم تجد إلى الرجوع سبيلا» (2)وقال : وكتب مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن نَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (فاطر: (18) ، وقوله: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبَّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الزمر : 7)، وقوله: ﴿ أَلا تَزِرُ

وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى النجم : (38) . إلى عمرو بن العاص : من عبد الله أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص . أما بعد، فإن الذي أعجبك مما تلويت من الدنيا ووثقت به منها منقلب عنك، فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة، ولو اعتبرت بما مضى حذرت ما بقي وانتفعت منها بما وعظت به ولكنك تبعت هواك وآثرته، لولا ذلك لم تؤثر على ما دعوناك إليه غيره ؛ لأنا أعظم رجاء وأولى بالحجة، والسلام». (3) وقال وكتب إلى أمراء الاجناد: من عبد الله أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح . أما بعد فإن حقا على المولى ألا يغيره عن رعيته فضل ناله ولا مرتبة اختص بها، وأن يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده وعطفا عليهم، ألا وإن لكم عندي الا احتجين دونكم سرا إلا في حرب، ولا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم، ولا أؤخر لكم حقا عن محله ، وأن تكونوا في الحق عندي سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لي. عليكم البيعة ولزمتكم الطاعة، وألا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق ، فإن أنتم لم تسمعوا لي على ذلك لم يكن أحد أهون عليّ ممن خالفني فيه ، ثم أحل بكم فيه عقوبته، ولا تجدوا عندي فيها رخصة فخذوا هذا من أمرائكم، واعطوا من أنفسكم هذا يصلح أمركم ، والسلام». (4)

ص: 321


1- مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن نَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (فاطر: (18) ، وقوله: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبَّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الزمر : 7)، وقوله: ﴿ أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى النجم : (38) .
2- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 216 - 217 .
3- الأمالي للشيخ الطوسي : 217
4- الأمالي : للشيخ الطوسي : 218 .

[ الخطبة ( 111)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: «وقوله مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن نَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (فاطر: (18) ، وقوله: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبَّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الزمر : 7)، وقوله: ﴿ أَلا تَزِرُ

وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى النجم : (38) . : أما بعد فاني أحذركم الدنيا ... الخ أيضاً مروي في كتاب تحف العقول كما في النهج باختلاف يسير»(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الجاحظ بتمامها عن قطري بن الفجاءة في البيان والتبيين [ج 1 ص 196] ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ج 2

250]، وأبو الفرج القزويني الكاتب في قرب الاسناد [بحارج ،305] ، والحراني في تحف العقول [42] عن أمير المؤمنين مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن نَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (فاطر: (18) ، وقوله: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبَّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الزمر : 7)، وقوله: ﴿ أَلا تَزِرُ

وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى النجم : (38) . . وقال ابن أبي الحديد ج 1 ص 397] : ( إن هذه الخطبة ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين ورواها القطري بن الفجاءة والناس يرووها لأمير المؤمنين . وقد رأيتها في كتاب الموفق لأبي عبيد الله المرزباني [المعتزلي المتوفى 384ه- . 994 م مروية لأمير المؤمنين مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن نَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (فاطر: (18) ، وقوله: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبَّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الزمر : 7)، وقوله: ﴿ أَلا تَزِرُ

وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى النجم : (38) . . وهي بكلام أمير المؤمنين أشبه (2)

قال الجلالي ونقل أبو جعفر الإسكافي ( ت / 220 ه-) مقاطع منها في «المعيار

ص: 322


1- مدارك نهج البلاغة : 89
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

والموازنة بعنوان كلامه مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن نَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (فاطر: (18) ، وقوله: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبَّكُم مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الزمر : 7)، وقوله: ﴿ أَلا تَزِرُ

وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى النجم : (38) . في التحذير عن الدنيا وعدم الاغترار بإقبالها وعدم الاسف على إدبارها، فقال الاسكافي: ثم قال : أما بعد، فإني أحذّركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة حقت بالشهوات، وتحبّبت بالعاجلة، وعمرت بالآمال

وتزينت بالغرور، فلا تدوم حبرتها ولا تؤمن فجعتها، غرارة ضرارة زائلة نافذة نابذة أكالة غوالة، لا تعدو إذا هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها أن تكون كما قال الله: كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) (1)مع أن امرا لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق من سرّائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا، ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا وهتنت عليه مزنة بلاء، وحريّ إذا هي أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكرة، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر عليه منها جانب فأوبى وإن لبس امرؤ من غضارتها رغبا أرهقته من نوائبها تعبا، ولم يمس امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في أخوف مخوف . غرّارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها، لاخير في شي من زادها إلا التقوى من أقل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه . كم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وذي خدع قد خدعته، وذي أبهة فيها قد صيّرته حقيرا، وذي نخوة فيها قد ردّته جائعا فقيرا ، وذي تاج قد كبته لليدين وللفم. سلطانها ،دول، وعيشها رنق، وعذبها ،أجاج، وحلوها ،صبر وغذاؤها سمام، وأسبابها ،رمام وقطافها

سلع وحيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام وملكها مسلوب، وعزيزها ،مغلوب وآمنها منكوب، وجارها محروب. ثم من

، وراء ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الحكم

ص: 323


1- الكهف : 458 .

العدل ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (1) أولستم في مساكن من كان قبلكم ممن كان أطول منكم أعمارا، وأعز آثاراً، وأعدّ منكم عديدا ، وأكثف منكم جنوداً، وأشد منكم عنودا. تعبدوا للدنيا أي تعبد وآثروها أي إيثار ثم طعنوا عنها بالصغار. فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم به بخطب، بل أوهنتهم بالقوارع وضعضعتهم بالنوائب، وعفّرتهم للمناخر، وأعانت عليهم ريب المنون . فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وآثرها وأخلد إليها حتى ظعنوا عنها لفراق الابد وإلى آخر المسند، هل زودتهم إلا السغب أو أحلّتهم إلا الضنك، أو نوّرت لهم إلا الظلمة ، أو أعقبتهم إلا النار ؟! أفهذه تؤثرون ؟ أم على هذه تحرصون ؟ أم إليها تطمئنون ؟ قال الله : مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (2) فبئست الدار لمن لم يتهمها ولم يكن فيها على وجل منها واعلموا - وأنتم تعلمون - أنكم تاركوها لابد ، فإنما هي كما نعت الله : ( لَعِبُ وَلَهْوٌ وَزِينَةً وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرُ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ ) (3) فاتعظوا فيها باللذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، وبالذين قالوا من أشد منا قوة. واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم ولا يدعون ركبانا، وأنزلوا الاجداث ولا يدعون ضيفانا، وجعل لهم من الضريح أكنان ومن التراب أكفان ، ومن الرفات جيران فهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما، ولا يبالون مندبة، ولا يقترفون سينا ولا حسنا، لا يزورون ولا يزارون حلماء قد بادت أضغانهم جهلاء قد

ص: 324


1- النجم : 31 .
2- هود: 15-16
3- الحديد : 20 .

ذهبت أحقادهم لا يخشى فجعهم، ولا يرجى دفعهم ، وهم كمن لم يكن ، وكما قال الله : ( فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَليلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (1) استبدلوا بظهر الارض بطنا وبالسعة ضيقا وبالاهل غربة، وبالنور ظلمة، وجاؤوها كما

فارقوها حفاة عراة ، قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، وإلى خلود الابد، يقول الله : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) (2) (3)

وروى ابن شعبة الحراني ( ت / 336ه-) في تحف العقول في عنوان : ( ومن كلامه في الزهد وذم الدنيا وعاجلها مانصه إني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة، حقت بالشهوات، وتحببت بالعاجلة، وعمرت بالآمال، وتزينت بالغرور، لا تدوم حبرتها ، ولا تؤمن ،فجعتها، غرارة ضرارة، زائلة ، نافدة، أكالة ، غوّالة ، لا تعدو - إذا هي تناهت إلى امنية أهل الرغبة فيها والرضا بها - أن تكون كما قال الله سبحانه: ﴿كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) (4) . مع أن امرءا لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته عبرة، ولم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا، ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء . إذا هي أصبحت منتصرة أن تمسي له متنكرة. وإن جانب منها اعذوذب لامرى واحلولى، أمر عليه جانب منها فأوبى، وان لبس امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في أخوف ،خوف، غرارة، غرور ما فيها ، فانية فان من عليها . لا خير في شي من زادها إلا التقوى من أقل منها استكثر مما يؤمنه ، ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه . كم من واثق بها قد فجعته وذي طمأنينة إليها قد صرعته . وذي حذر قد خدعته. وكم ذي ابهة فيها قد صيّرته

ص: 325


1- القصص : 58 .
2- الأنبياء : 104 .
3- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي : 264 - 267 .
4- الكهف : 458 .

حقيرا. وذي نخوة قد ردّته جائعا فقيرا. وكم ذي تاج قد أكبته لليدين والفم. سلطانها ،ذل وعيشها رنق . وعذبها اجاج وحلوها صبر حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم . ومنيعها بعرض اهتضام وملكها ،مسلوب وعزيزها مغلوب، وأمنها منكوب، وجارها ،محروب من وراء ذلك سكرات الموت وزفراته وهول المطلّع ، والوقوف بين يدي الحاكم العدل ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءوا بِمَا

عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)(1) الستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا وأبين آثارا وأعد منكم عديدا وأكثف منكم جنودا وأشد منكم عنودا. تعبدوا للدنيا أي تعبّد، وآثروها أي إيثار ، ثم طعنوا عنها بالصغار. أفهذه تؤثرون ؟ أم على هذه تحرصون ؟ أم إليها تطمئنون ؟ يقول الله: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (2)فبئست الدار لمن لم يتهيبها ولم يكن فيها على وجل. واعلموا - وأنتم تعلمون - أنكم تاركوها لابد وإنما هي كما نعت الله : ( لَعِبُ وَلَهْوٌ وَزِينَهُ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرُ فِي الْأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ) (3)

فا تعظوا فيها بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون وبالذين قالوا: مَن أشَدُّ مِنَّا قُوَّة ) واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم ، ولا يدعون ركبانا وانزلوا ولا يدعون ضيفانا . وجعل لهم من الضريح أكنان، ومن التراب أكفان ، ومن الرفات جيران، فهم جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما لا يزورون ولا يزارون حلماء قد بارت أضغانهم جهلاء قد ذهبت أحقادهم. لا تخشى فجعتهم ولا يرجى دفعهم. وهم كمن

ص: 326


1- النجم: 31
2- هود: 15-16 .
3- الحديد : 20 .

لم يكن، وكما قال الله سبحانه: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) (1) . استبدلوا بظهر الأرض بطنا وبالسعة ضيقا، وبالاهل غربة وبالنور ظلمة جاؤوها كما فارقوها، حفاة عراة. قد طعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة وإلى خلود أبد ، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) (2) (3)

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة » : « واعلم أن هذه الخطبة ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين (4)، ورواها القطري بن الفجاءة، والناس يروونها لأمير المؤمنين علیه السلام، وقد رأيتها في كتاب «المونق» لأبي عبيد الله المرزباني مروية الأمير المؤمنين علیه السلام وهي بكلام أمير المؤمنين أشبه. وليس يبعد عندي أن يكون قطري قد خطب بها بعد أن أخذها عن بعض أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام، فإن الخوارج كانوا أصحابه وأنصاره، وقد لقي قطري أكثرهم ).(5)

ص: 327


1- القصص : 58 .
2- الأنبياء : 104 .
3- تحف العقول ؛ لابن شعبة الحراني : 180 - 183.
4- البيان والتبيين 2 : 126 - 129 ، وهي أيضا بنسبته إلى قطري في العقد 1: 141 ، وصبح الأعشى 1: 223 ، وعيون الأخبار :2 : 250 ، ونهاية الأرب 7: 250 .
5- شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 7: 236 - 237

[ الخطبة (114) ]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الطوسي( ت / 460 ه-) في (الأمالي عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي محمّد هارون بن

التلعكبري، قال: حدثنا أبو العباس بن : حدثنا أبو العباس بن عقدة، قال: حدثنا الحسن بن علي

موسى

بن إبراهيم العلوي، قال: حدثنا الحسين بن علي الخزاز، وهو ابن بنت إلياس قال: حدثنا ثعلبة بن ميمون ، عن أبي عبد الله علیه السلام: قال : كان أمير المؤمنين يقول :

إنما الدنيا فناء وعناء، وغير وعبر ، فمن فنائها أن الدهر موتر قوسه، مفوق نبله، يرمي الصحيح بالسقم والحي بالموت ، ومن عنائها أن المرء ما لا يأكل

ء يجمع ويبني ما لا يسكن ، ومن غيرها أنك ترى المغبوط مرحوما، والمرحوم مغبوطا، ليس منها إلا نعيم زائل، أو بؤس نازل، ومن عبرها أن المرء يشرف على أمله فيختطفه من دونه أجله (1) .

الشيخ الطوسي في الأمالي : قال : وقال علیه السلام: أربع للمرء لا عليه الايمان والشكر؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ )(2)

ص: 328


1- الأمالي للشيخ الطوسي
2- النساء : 147 .

والاستغفار، فإنه قال : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ

﴿ يَسْتَغْفِرُونَ ) (1) والدعاء، فانه قال : قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ ) (2)(3)

ص: 329


1- الأنفال : 33.
2- الفرقان : 77
3- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 494

[ الخطبة (115)]

قال الهادي الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج : ( قوله علیه السلام: اللهم قد انصاحت جبالنا ... الى آخره . رواها الشيخ في مصباح المتهجد مع اختلاف في المقدار وفي بعض الكلمات والفقرات وفي تقديم بعض وتأخير بعض ) (1)

قال الجلالي : وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق (ت / 381ه-) والطوسي ( ت / 460 ه-) المقطع الأخير من خطبة الاستسقاء، والشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه قال: وخطب أمير المؤمنين في

ا الاستسقاء فقال: «الحمد لله سابغ النعم ومفرج الهم، وبارئ النسم ، الذي جعل السماوات لكرسيه عمادا، والجبال للارض أوتادا، والارض للعباد مهادا وملائكته على أرجائها وحمله العرش على أمطائها، وأقام بعزته أركان العرش وأشرق بضوئه شعاع الشمس، وأجبا بشعاعه ظلمة الغطش، وفجر الارض عيونا والقمر نورا، والنجوم بهورا، ثم علا فتمكن وخلق فأتقن وأقام فتهيمن

فخضعت له نخوة المتكبر وطلبت إليه خلة المتمسكن.

اللهم فبدرجتك الرفيعة، ومحلّتك المنيعة، وفضلك السابغ ، وسبيلك الواسع،

ص: 330


1- مدارك نهج البلاغة : 89.

أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد كما دان لك، ودعا إلى عبادتك، ووفي بعهدك، وأنفذ أحكامك، واتبع أعلامك، عبدك ونبيك وأمينك على عهدك إلى عبادك، القائم بأحكامك، ومؤيد من أطاعك، وقاطع عذر . ، وقاطع عذر من عصاك، اللهم فاجعل محمداً أجزل من جعلت له نصيبا من رحمتك، وأنضر من أشرق وجهه بسجال عطيتك، وأقرب الانبياء زلفة يوم القيامة عندك، وأوفرهم حظا من رضوانك، وأكثرهم صفوف أمة في جنانك كما لم يسجد للاحجار ، ولم يعتكف للاشجار، ولم يستحل السباء، ولم يشرب الدماء. اللهم خرجنا إليك حين أجأتنا المضائق الوعرة، وألجاتنا المحابس العسرة، وعضّتنا الصعبة علائق الشين، وتأثلت علينا لواحق المين، واعتكرت علينا حدابير السنين، وأخلفتنا مخائل الجود واستظمأنا لصوارخ العود، فكنت رجاء المبتئس ، والثقة للملتمس ، ندعوك حين قنط الانام ، ومنع الغمام ، وهلك السوام يا حي يا قيوم عدد الشجر والنجوم ، والملائكة الصفوف، والعنان المكفوف، أن لا تردنا خائبين ، ولا تؤخذنا بأعمالنا، ولا تحاصنا بذنوبنا، وانشر علينا رحمتك بالسحاب المتثق ، والنبات المونق ، وامنن على عبادك بتنويع الثمرة، وأحي بلادك ببلوغ الزهرة ، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة، سقيا منك نافعة، دائمة غزرها واسعا درّها سحابا وابلا سريعا عاجلا تحیی به ما قد مات، وترد به ما قد فات و تخرج به ما هو آت ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ممرعا طبقا مجلجلاً، متتابعا خفوقه منبجسة ،بروقه، مرتجسة ،هموعه وسيبه ،مستدر وصوبه مستبطر، لا تجعل ظله علينا سموما، وبرده علينا حسوما وضوءه علينا ،رجوما، وماءه أجاجا، ونباته

رمادا رمددا.

اللهم إنا نعوذ بك من الشرك ،وهواديه والظلم ودواهيه والفقر ودواعيه يا معطي الخيرات من أماكنها ومرسل البركات من معادنها، منك الغيث المغيث،

ص: 331

وأنت الغياث المستغاث، ونحن الخاطئون وأهل الذنوب، وأنت المستغفر

الغفار، فنستغفرك للجمات (1)من ذنوبنا، ونتوب إليك من عوام خطايانا. اللهم فأرسل علينا ديمة (2)مدرارا ، واسقنا الغيث واكفا مغزارا (3) ، غيثا واسعا وبركة من الوابل نافعة(4) ، يدافع الودق بالودق ، ويتلو القطر منه القطر، غير خلب برقه (5) ، ولا مكذب رعده، ولا عاصفة جنائبه ، بل ريا يغص بالري ربابه (6)، وفاض فانصاع به سحابه وجری آثار هیدبه (7)حبابه، سقيا منك محيية مروية،

ص: 332


1- للجمات، أي الكثيرات أو جملتها ، ونسخة في جميع النسخ : « للجهالات من ذنوبها » و «من» للبيان فان كل ذنب تلزمه جهالة بعظمة الرب أو شدائد عقوبات الاخرة من عوام خطايانا ) أي جميعها أو الشاملة لجميع الخلق أو أكثرهم أو لجميع الجوارح .
2- الديمة - بالكسر - : المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق يدوم في سكون وفي القاموس : در السماء بالمطر ودرو را فهى مدرار ، ففى الاسناد هنا مجاز .
3- الواكف : المتقاطر . والغزار : الكثير .
4- وردت « نافعة» في بعض النسخ بالقاف ، أي ثابتة في الأرض ينتفع بها طول السنة والودق - بسكون الدال : المطر ومدافعة الودق هي أن تكثر المطر بحيث تتلاقى القطرات في الجو يدفع بعضها بعضا
5- الخلب - بضم الخاء المعجمة وفتح اللام المشددة : البرق الذى لا غيث م-ع-ه ك-انه خادع ، أو السحاب الذى لا مطر فيه .
6- الجنائب جمع الجنوب ، وهي ريح تخالف الشمال مهبوبة من مطلع السهيل إلى مطلع الثريا ، وهى مهلكة مفسدة والرى - بالكسر : الارتواء من الماء والغص بالغين المعجمة - الامتلاء ، والغصة: ما اعترض في الحلق والرباب - بالفتح : السحاب الابيض أو السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب قد يكون ابيض وقد يكون أسود والواحد ربابة . (الصحاح) وفي القاموس : انصاع : انقتل راجعا مسرعا . أي عينا يفيض ويجرى منه الماء كثيرا ثم يرجع سحابه مسرعا بالفيضان فالضمير في قوله : ( به ) راجع إلى الفيضان المفهوم من قوله : ( فاض ) وفي الوافي : ايضاع بالمعجمة قبل المهملة أي فانساق .
7- الهيدب : المتدلى ، أو ذيله، يعنى الذى يدنو من الارض وتراه كأنه خيوط عند انصباب المطر : والجناب : الفناء والناحية . وفى بعض النسخ : خبابة بالموحدتين كما في التهذيب ، وهو بالفتح معظم الماء.

محفلة (1) ، مفضلة (2)زاكيا نبتها ، ناميا ،زرعها ناضرا ،عودها، ممرعة ،آثارها جارية بالخير والخصب على أهلها ، تنعش بها الضعيف من عبادك (3) وتحيي بها الميت

من بلادك، وتنعم بها المبسوط من رزقك، وتخرج بها المخزون من رحمتك وتعم بها من نأى من خلقك ، حتى يخصب لإمراعها المجدبون، ويحيا ببركتها المستون وتترع بالقيعان غدرانها، وتورق ذرى الاكمام زهراتها، ويدهام بذری الآكام شجرها (4) وتستحق علينا بعد اليأس شكرا، منة من مننك مجللة(5)، ونعمة من نعمك مفضلة على بريتك المرملة، وبلادك المغربة، وبهائمك المعملة ووحشك المهملة(6)

ص: 333


1- محفلة ، أي مالئة للحياض، وحفل الوادي بالسيل : جاء بمل، جنبيه، وحفل السماء : اشند مطرها (القاموس
2- وردت (مفضلة) في بعض النسخ : « مخضلة ) أي مبلة، وأخضل الشي يله ونداء .
3- الخصب - بالكسر : كثرة العشب وبلد خصيب ومخصب و تنعش بها الضعيف أي تقيمه من صرعته وتنهضه من عثرته وتجبر فقره وضعفه
4- المجدبون : الذين أصابهم الجدب والمستون - بتقديم النون - : الذين أصابتهم شدة السنة . وتترع أي تملئ من قولهم : ترع الاناء - كعلم - يترع ترعا : امتلا . والقيعان : جمع القاع، وهي الأرض المطئنة السهلة والغدران -بالضم ثم السكون : جمع الغدير . وذرى الاكمام رؤوسها ، وهي جمع الكم - بالكسر - وهو وعاء الطلع وغطاء النور - بالفتح .. و « يدهام ) بتشديد الميم ، أي يسود ، ورضة مدهام أي شديدة الخضرة المتناهية فيها ، والاكام : الاجام ، ووردت في بعض النسخ : ( الاكمام ) .
5- مجللة - بكسر اللام - أي عامة ، وفي الصحاح : جلل الشئ تجليلا، أي عم والمجلل : أي السحاب الذى يجلل الارض بالمطر أي يعم متصلة .
6- مفضلة، اسم مفعول من الافضال، والمرملة : الذين أصابتهم الحاجة والمسكنة وهو على صيغة اسم الفاعل . والمغربة - بالغين المعجمة والراء المهملة - من الغروب، بمعنى البعد والغيبة . وفي بعض النسخ « المعرنة ) بالعين والراء المهملتين والنون، وبفتح الراء أو كسرها يعنى البعيدة ، وفي بعضها المعزبة ) - بالعين المهملة والزاي - والعازب الكلاء البعيد ، وفي القاموس : أعرب بعد ( وأبعد والمعملة ، اسم مفعول من الاعمال ؛ لان الناس يستعملونها في أعمالهم . والمهملة : الّتي لا راعى لها ولا صاحب ولا مشفق.

اللهم منك ارتجاؤنا، وإليك مآبنا ، فلا تحبسه عنا لتبطنك سرائرنا ، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك، وأنت الولي الحميد .

ثم بكى وقال سيدي ساخت جبالنا واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا، وقنط الناس منا أو من قنط منهم، وتاهت البهائم وتحيرت في مراتعها، وعجت عجيج الثكالى على أولادها، وملت الدوران في مراتعها، حين حبست عنها قطر السماء، فدق لذلك عظمها ، وذهب لحمها ، وذاب شحمها ، وانقطع درّها، اللهم ارحم

أنين الآنة، وحنين الحانة ارحم تحيّرها في مراتعها وأنينها في مرابضها ) .(1) وبالاسناد عن الشيخ الطوسي (ت / 460 ه-) في مصباح المتهجد قال: ويستحب أن يدعو بهذه الخطبة : روي أن أمير المؤمنين خطب بهذه الخطبة

في صلاة الاستسقاء فقال : الحمد لله سابغ النعم، ومفرّج الهم، وبارئ النسم الذي جعل السماوات المرساة عمادا، والجبال أوتادا، والأرض للعباد مهادا، وملائكته على أرجائها وحملة عرشه على أمطائها، وأقام بعزته أركان العرش وأشرق بضوئه شعاع الشمس، وأطفأ بشعاعه ظلمة الغطش، وفجر الأرض عيونا والقمر نوراً والنجوم بهورا، ثم تجلى فتمكن وخلق فأتقن وأقام فهيمن فخضعت له نخوة المستكبر وطلبت إليه خلة المتمسكن.

اللهم فبدرجتك الرفيعة ومحلتك المنيعة وفضلك البالغ وسبيلك الواسع أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد كما دان لك ودعا إلى عبادتك ووفي بعهودك، وأنفذ أحكامك واتبع أعلامك، عبدك ونبيك وأمينك على عهدك إلى عبادك ، القائم بأحكامك، ومريد من أطاعك ، وقاطع عذر من اللهم ! فاجعل محمدا أجزل من جعلت له نصيبا من رحمتك، وأنضر م-

ص: 334


1- من لا يحضره الفقيه ؛ للشيخ الصدوق 533 527:1

أشرق وجهه بسجال عطيتك، وأقرب الأنبياء زلفة يوم القيامة عندك ، وأوفرهم حظا من رضوانك، وأكثرهم صفوف أمة في جناتك، كما لم يسجد للاحجار،

ولم يعتكف للأشجار ، ولم يستحل السباء، ولم يشرب الدماء. اللهم ! خرجنا إليك حين فاجأتنا المضائق الوعرة، وألجأتنا المحابس العسرة، وعضًتنا علائق ،الشين وتأثلت علينا لواحق المين، واعتكرت علينا ح-داب-ي-ر السنين، وأخلفتنا مخائل الجود واستظمأنا لصواريخ العود، فكنت رجاء المستيئس والثقة للملتمس ، ندعوك حين قنط الأنام ومنع الغمام وهلك السوام يا حي يا قيوم عدد الشجر والنجوم والملائكة الصفوف والعنان المكفوف، وأن

! لا تردنا خائبين، ولا تؤاخذنا بأعمالنا، ولا تحاصنا بذنوبنا وانشر علينا رحمتك بالسحاب المنساق والنبات المونق، وامنن على عبادك بتنويع الثمرة، وأحيي بلادك ببلوغ الزهرة، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة، سقيا منك نافعة دائمة غزرها واسعا ،درها سحابا ، وابلا سريعا عاجلا تحيي به ما قد مات وترد به ما قد فات وتخرج به ما هو آت.

اللهم

اسقنا غيثا مغيثا ممرعا طبقا مجلجلا، متتابعا خفوقه منبجسة بروقه

مرتجسة ،هموعه وسیبه ،مستدر وصوبه مستبطر، لا تجعل ظله علينا سموما، و برده علينا حسوما، وضوءه علينا ،رجوما، وماءه أجاجا ، ونباته رمادا رمدادا. اللهم إنا نعوذ بك من الشرك ،وهواديه ، والظلم ودواهيه، والفقر ودواعيه، يا

معطى الخيرات من أماكنها ومرسل البركات من معادنها منك الغيث المغيث وأنت الغياث المستغاث ، ونحن الخاطئون من أهل الذنوب، وأنت المستغفر الغفار، نستغفرك للجهالات من ذنوبنا ونتوب إليك من عوام خطايانا. اللهم فأرسل علينا ديمة مدرارا واسقنا الغيث واكفا مغزارا غيثا واسعا، وبركة من الوابل نافعة يدافع الودق بالودق دفاعا، ويتلو القطر منه القطر، غير

ص: 335

خلب ،برقه، ولا مكذّب رعده، ولا عاصفة جنائبه ، بل ريًا يغض بالريّ ربابه وفاض فانصاع به سحابه وجری آثار هید به جنابه، سقيا منك محيية مروية محفلة متصلة زاكيا ،نبتها ناميا زرعها ناضرا ،عودها، ممرعة ،آثارها جارية بالخصب والخير على أهلها تنعش بها الضعيف من عبادك، وتحيي بها الميت من بلادك، وتنعم بها المبسوط من رزقك وتخرج بها المخزون من رحمتك، وتعم بها من ناء من خلقك ، حتى يخصب لامراعها المجدبون، ويحيى ببركتها المستون، وتترع بالقيعان غدرانها ، وتورق ذرى الاكام ،رجواتها، ويدهام بذری الاكام شجرها، وتستحق علينا بعد اليأس شكرا منّة من مننك مجللة ونعمة نعمك متصلة على بريتك المرملة، وبلادك المعزبة، وبهائمك المعملة،

من ووحشك المهملة.

اللهم ! منك ارتجاؤنا ، وإليك مآبنا، فلا تحبسه عنا لتبطنك سرائرنا ، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا، وتنشر رحمتك وأنت الولى الحميد . ثم بكي، فقال: سيدي ! صاحت جبالنا واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا، وقنط أناس منا أو من قنط منهم الناس، وتاهت البهائم وتحيرت في مراتعها وعجّت الثكلى على أولادها، وملت الدوران في مراتعها حين حبست عنها قطر

عجيج

السماء، فدق لذلك عظمها وذهب لحمها وذاب شحمها وانقطع درّها . اللهم ارحم أنين الآنة وحنين الحانة ارحم تحيرها في مراتعها وأنينها في

مرابضها ، يا كريم .(1)

ص: 336


1- مصباح المتهجد ؛ للشيخ الطوسي : 527 - 530 .

[ الخطبة ( 116)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: لو تعلمون ما اعلم مما طوي عنكم ... الى آخره. قيل : ان هذا الفصل من خطبة له بالكوفة يستنهض فيها أصحابه الى حرب الشام ، ويتبرم من تقاعدهم ، وقول السيد الوذحة،

الخنفساء، اي هي التي سماها به الحجاج تجوّزاً على سبيل الاستعارة».(1) قال العرشي في التخريج مانصّه : «الخطبة الثانية عشرة بعد المائة تنتهي بالكلمات التالية : اما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم ايه أبا وذحة ج 1 ص 229] رواها المسعودي

في مروج الذهب [ج 2 ص 112] باختلاف يسير» (انتهى )(2)

قال الجلالي : وقد تقدمت أطراف منها في الخطبة (99)، فراجع. وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975ه-) في كنز العمال في الحجاج بن

يوسف عن الحسن قال : قال علي لاهل الكوفة : اللهم كما انتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشّوني، فسلّط عليهم فتى ثقيف، الذيّال المّیال ! يأكل خضرتها

ص: 337


1- مدارك نهج البلاغة : 90 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

ويلبس ،فروتها، يحكم فيها بحكم الجاهلية.

قال الحسن : وما خلق الحجاج يومئذ . (ق) في الدلائل ، وقال : لا يقول على

ذلك إلا توقيفا).

وعن مالك بن أوس بن الحدثان عن علي قال الشاب الذيّال الميّال أمير

المصرين يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف خضرتها، يشتد منه

الفرق، ويكثر منه الارق، سلّطه الله على شيعته . ق فى الدلائل

وعن

بن أبي ثابت قال : قال علي لرجل : لا مُتَّ حتى تدرك فتى ثقيف !

قيل : يا أمير المؤمنين ما فتى ثقيف ؟ قال ليقالنّ له يوم القيامة : اكفنا زاوية من زوايا جهنم! رجل يملك عشرين أو بضعا وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى

يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه . (ق في الدلائل) . (1)

ص: 338


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 362:11 - 363 ، ح 31747 - 31749 .

[ الخطبة (117)]

قال الجلالي: نقل الاسكافي ( ت / 220 ه-) في المعيار والموازنة) مقاطع منها تحت عنوان كلامه علیه السلام في تأكد وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم جواز المداراة مع الفساق والمنافقين والطغاة، فقال: وقال في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء إلى محاربة أهل البغي أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحذّركم الدنيا وما فيها من الغضارة والبهاء والكرامة والبهجة التي ليست بخلف ممّا زيّن الله به العلماء وبما أعطوا من العقبى الدائمة والكرامة الباقية، ذلك بأن العاقبة للمتقين والحسرة والندامة والويل الطويل على الظالمين. فاعتبروا بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الاحبار إذ يقول : ( لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّيَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإثم (1)، وقال : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهُوْنَ عَن مُنكَرِ فَعَلُوهُ لَبِثْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (2) وإنما عاب الله ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم الأمر المنكر من الفساد في بلادهم فلا ينهون عن ذلك؛

ص: 339


1- المائدة : 63.
2- المائدة : 78 - 79 .

رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة مما كانوا يحذرون والله يقول: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدى وَنُورُ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (1) . وقال : . وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )(2) فبدأ الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ذلك بأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفئ والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها. ثم أنتم أيتها العصابة، عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وبالله في أنفس الناس لكم مهابة، يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف ويؤثركم من لا فضل لكم عليه، ولا يد لكم عنده تشفعون بالحوائج إذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الاكابر . أليس كل ذلك إنما نلتموه لما يرجى عندكم من قيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه مقصرين واستخففتم بحق الائمة ؟ فأما حق الله وحق الضعفاء فضيعتم، وأما حقكم - بزعمكم - فطلبتم ، فكنتم كحراس مدينة أسلموها وأهلها للعدو، وبمنزلة الاطباء الذين استوفوا ثمن الدواء وعطلوا المرضى، فلا مال بذلتموه للذي رزقه، ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها ، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله . ثم أنتم تمنون على الله جنته ومجاورة رسله، والبراءة والفرار من أعدائه، والاستئثار بالكرامة

الله عند ملاقاة الملائكة .

لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته لأنكم

ص: 340


1- المائدة : 44 .
2- التوبة : 71.

بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها، ومن يعرف بالله لا تكرمون وأنتم بالله في

عباده تكرمون

وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون وأنتم لنقض ذمم آبائكم تفزعون وذمة رسوله مخفرة والعمي والبكم والزمنى في المدائن مهملون لا ترحمون وأنتم لا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعينون، وبالادهان والمصانعة أراكم عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم

عنه غافلون

فأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون، وذلك بأن مجاري الامور والاحكام على أيدي العلماء بالله في كتابه يكون هم الأمناء على حلاله وحرامه ، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا بنفوركم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البيئة الواضحة. ولو صبرتم على الأذى، وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ولكنكم مكنتم الظلمة من أزمتكم وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات، سلّطهم على ذلك فراركم من الموت، وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد ومقهور، ومن بين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداء بالاشرار وجرأة على الجبار في كل بلد منهم على منبره خطيب مصقع والارض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، وأيدي القادة عنهم مكفوفة، وسيوفهم عليهم مسلطة، وسيوفكم عنهم مسنمة، والناس لهم خوّل، لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد. فيا عجبا ؟ ومالي لا أعجب ؟ والارض مشحونة من غاش غشوم، ومتصدق

ص: 341

ظلوم، وعامل على المؤمنين بهم غير ،رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا . والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا تنافسا في سلطان ولا التماس شي من فضول الحطام، ولكن لتُردّ المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك، ويأمن المظلوم من عبادك ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك. ألا إن لكل دم ثائرا يوما، وإن الثائر في دمائنا والحاكم في حق نفسه وحق ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الله الذي لا يعجزه ما طلب، ولا يفوته من هرب

وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(1)

فنضّر الله وجه عبد سمع حكما فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزة هاد فنجا. ألا إن أبصر الأبصار ما بعد في الخير مذهبه ، وأسمع الاسماع ما وعى التذكير وانتفع به، وأسلم القلوب ما ظهر من الشبهات. أيها الناس، استصبحوا من شعلة مصباح واعظ ناصح، وامتاحوا من مهيأ عين

قد روّقت من الكدر ، وامتاروا من طرف الياقوت الأحمر.

عباد الله ، لا تركنوا إلى جهالكم ولا تنقادوا لأهوائكم، والله الله أن تشكوا إلى من لا يبكي شجوكم ، ومن ينقض برأيه ما قد أبرم لكم، ويصدع بجهله ماشعب لكم، ويهدم بحمقه ما قد بني لكم.

اللهم

-هم فأيما عبد من عبيد في الدين والدنيا غير المفسدة، فأبى بعد سمعه لها إلا الابطاء عن نصرتك وترك الاعزاز لدينك، فإنا نشهدك عليه يا أكبر الشاهدين شهادة، فإنكم إن لا تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة علينا وعملوا في إطفاء نور الله بيننا، وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير. فتدبروا هذا الكلام في الامر بالمعروف والنهي عن

سمع مقالتنا هذه العادلة غير الجائرة، والمصلحة

ص: 342


1- الشُّعراء: 227

المنكر، وهذا البيان والتحريص والحجة البيئة لتعلموا أن كل من دعا إلى هذا السبيل ونحا هذا الطريق فبكلام أمير المؤمنين اهتدى وبسيرته اقتدى ومن عمله اقتبس، ومن معرفته أبصر، وبقوله أنطق بعد رأي يريد أن يلصق ما لا يلتصق ويقرب ما لا يتقارب. فالله الله أن تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم، ولا ينقض برأيه ما قد أبرم لكم. إنه ليس على الامام إلا ما حمل من أمر ربه . (1)

ص: 343


1- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي : 274 - 282 .

[ الخطبة( 119)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج مانصّه: قوله علیه السلام: ما (ت 1361ه-) بالكم لاسددتم لرشد ... الخ ، هذا كلام قاله امير المؤمنين علیه السلام في بعض غارات اهل .. اللي

الشام على اطراف اعماله بالعراق، بعد انقضاء امر صفّين والنهروان على ما قيل

وقال في الشرح قد ذكرنا سببه وواقعته فيما تقدم » . (1)قال الجلالي: وقد تقدمت اطراف منه في الكلام (69) بالاسناد عن الثقفي

(ت/ 281ه- ) ، فراجع

ص: 344


1- مدارك نهج البلاغة : 90 .

[ الكلام ( 120) ]

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما ارويه بالاسناد عن المتقي الهندي( ت / 975ه-) في كنز العمال: عن أبي البحتري ، قال : خطب علي فقال : ألا ! إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ، فقال رجل : وأنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : نحن أهل البيت لا يوازينا أحد . (حل)(1)

ص: 345


1- كنز العمال للمتقي الهندي 7:13 ، ح 36095 و 36096 .

[ الخطبة ( 121)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: هذا جزاء من ترك العقدة... الخ، روى هذا ابن عبد ربه في عقد الفريد بنحو آخر في فقرات

كثيرة من رواية السيّد هنا، وروى نحو ذلك كمال الدين بن طلحة في ضمن كلام طويل ورواية السيّد سيدة الروايات(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد [ ج 2 165] ، وروى شيخ الطائفة في الامالى [135] من قوله علیه السلام مره العيون من البكاء... غبرة الخاشعين». كما رواه ابن الشيخ في الامالى [18] ، والشيخ المفيد في الارشاد [139] والامالى بحار الانوار[ ج 17 ص 106]. (انتهى) (2) بالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في « الأمالي قال : أخبرنا محمّد بن

محمّد ، قال : أخبرني أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، عن أبي العباس

محمّد بن سعيد ، عن ، عن أحمد بن يحيى، عن أسيد بن زيد القرشي، عن محمّد بن ،مروان، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: صلاتكم علي إجابة

ص: 346


1- مدارك نهج البلاغة : 90 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

لدعائكم، وزكاة لاعمالكم.

وروي أن أمير المؤمنين علیه السلام خرج ذات ليلة من المسجد، وكانت ليلة قمراء

فأتى الجبانة، ولحقه جماعة يقفون أثره، فوقف عليهم ثم قال: من أنتم ؟ :قالوا شيعتك يا أمير المؤمنين فتفرّس في وجوههم ثم قال : فمالي لا أرى

عليكم سيماء الشيعة!

قالوا: وما سيماء الشيعة، يا أمير المؤمنين ؟

فقال صفر الوجوه من السهر عمش العيون من البكاء، حدب الظهور من القيام، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، عليهم غبرة الخاشعين . وقال علیه السلام: الموت طالب ومطلوب، لا يعجزه المقيم، ولا يفوته الهارب، فقدموا ولا تتكلموا ، فإنه ليس عن الموت محيص، إنكم إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من الموت على فراش. ومن كلامه علیه السلام: أيها الناس أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا ، وأموالكم نهب المصائب، وما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه ،غصص، وما شربتموه من شراب فلكم فيه شرق . وأشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى تكرهونها. أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء، ولكنكم من دار إلى دار تنقلون، فتزوّدوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه، والسلام » . (1)وبالاسناد عن ابن عساكر ( ت / 571ه-) في تاريخ مدينة دمشق» قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أنا رشأ بن نظيف، أنا الحسن بن إسماعيل أنا أحمد بن مروان، نا أحمد بن علي المقري ، نا محمّد بن الحارث قال: سمعت المدائني يقول : نظر عليّ بن أبي طالب إلى قوم ببابه فقال لقنبر : يا قنبر من هؤلاء؟

قال : هؤلاء شيعتك يا أمير المؤمنين.

ص: 347


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 215 - 216

قال: وما لي لا أرى فيهم سيماء الشيعة؟

قال : وما سيماء الشيعة ؟

قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظمأ عمش العيون من البكاء .(1)وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 985ه-) في كنز العمال: عن المدايني

(ت قال: نظر علي بن أبي طالب إلى قوم ببابه فقال لقنبر : يا قنبر! من هؤلاء ؟

قال هؤلاء شيعتك .

قال: ومالي لا أرى فيهم سيماء الشيعة؟

قال وما سيماء الشيعة ؟

قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظماء، عمش العيون من

البكاء». (الدينوري، كر ) (2)

ص: 348


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 491 ؛
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 325

[ الخطبة (123)]

قال العرشي في التخريج مانصه : الكلام التاسع عشر بعد المائة، وقال لاصحابه في ساعة الحرب: ان الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب[ ج 2 ص 3] رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد [ ج 2 ص 287] وشيخ الطائفة في الامالي [135 106] والشيخ المفيد في الارشاد [139 و 159] وكتاب الجمل ( 175 ) بتغيير في الالفاظ». (انتهى) (1) قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه مما تقدم من الخطبة (121)

رواية الطوسي (ت / 460 ه-) ، فراجع. وبالاسناد عن ابن عساكر ( ت / 571 ه-) في تاريخ مدينة دمشق»: كتب إلي

أبو بكر عبد الغفار بن محمد وحدثني أبو المحاسن الطنبسي عنه، ،، أنا أبو بكر

الحيري ح وأخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل، أنا أبو عثمان الصابوني ، أنا أبو محمّد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ قالا : نا أبو العباس محمّد بن يعقوب بن يوسف،

يعني بن المستورد - زاد المقرئ الأشجعي - وقال الكوفي

نا عبد الله بر الله بن أحمد

ص: 349


1- راجع استناد نهج البلاغة

نا أحمد بن صبيح

الأسدي حدثني حسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن

يوم ، فحمد الله

الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب قال: صعد علي ذات وأثنى عليه وذكر الموت فقال: عباد الله الموت ليس منه فوت إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، فالنجاء النجا والوحا الوحا وراءكم طالب حثيث : القبر، فاحذروا ضغطته وظلمته ووحشته ، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة ، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة، ألا وإن وراء ذلك يوم يشيب فيه الصغير ويسكر فيه الكبير ( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَاهُم بِسُكَارَى ) (1) وقال الشيروي: سكرى وما هم بسكرى ( وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدُ ) (2) ألا وان وراء ذلك ما هو أشد منه : نار حرّها شديد وقعرها بعيد، وحليها حديد

وخازنها ملك ليس الله فيه - وفي حديث الحيري فيها - رحمة .

:قال ثم بكى وبكى المسلمون حوله ثم قال : وإلى وراء ذلك جنة عرضها السموات والأرض - وفي حديث الحيري عرضها كعرض السماء والأرض - أعدت للمتقين جعلنا الله وإياكم من المتقين وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم. اخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع، أنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمّد وأبو الخير محمّد بن أحمد بن محمّد بن هارون وأبو الحسين سهل بن عبد الله بن على الغازي وأبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن محمّد الذكواني وأبو نصر أحمد بن عبد الله بن سمير ومحمّد بن علي بن بن سمير ومحمّد بن علي بن أحمد السكري وأخبرنا أبو

القاسم أسماعيل بن محمد بن الفضل، أنا أحمد بن عبد الرحمن.

(ح) وأخبرنا أبو محمّد بن طاوس المقرئ، نا سليمان بن إبراهيم .

ص: 350


1- الحج : 2
2- الحج : 2.

(ح) وأخبرنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد بن مهران ، أنا سهل بن عبد الله قالوا: نا محمّد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي إملاء، نا أبو علي الحسين بن علي الوراق، نا محمّد بن زكريا الغلابي ، نا العباس بن بكار نا عبد الله بن سليمان المزني، عن ليث بن سليم، عن مجاهد حدثني من سمع علي بن أبي طالب يخطب ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: عباد الله الموت ليس منه فوت ، إن أقمتم له أخذكم وإن فررتم منه أدرككم - وفي حديث إسماعيل : وإن فررتم أدرككم

الموت - معقود بنواصيكم ، فالنجا النجا والوحا الوحا وراءكم - وقال إسماعيل : فإن وراءكم - طالب حثيث القبر ، احذروا ضنكه وظلمته وضيقته، ألا إن القبر حفرة من حفر جهنم أو روضة من رياض الجنة، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الوحشة، أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود، ألا وإن وراء ذلك اليوم أشد من ذلك اليوم نار حرّها شديد وقعرها عميق وحليها حديد ليس الله

فيها رحمة.

فبكى المسلمون حوله بكاء شديدا فقال : وإن وراء - وقال : إسماعيل وإن من وراء - ذلك جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين أجارنا الله وإياكم من

العذاب الأليم (1)

ص: 351


1- تاريخ مدينة دمشق ؛ لابن عساكر 42 497 495

[ الكلام ( 124) ]

قال الهادى كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: فقدموا الدراع ... إلى آخره. هذا مروي في فروع الكافي في كتاب الجهاد وفي تاريخ أبي

جعفر الطبري [ج 6 ص 9]، وقوله : وانتم لهاميم العرب .... مروي فيه أيضاً ، وقوله علیه السلام: انهم لم يزولوا عن مواقفهم ... الى آخره . هذه الفقرة مروية في كتاب صفين لنصر بن مزاحم .(1)

وقال العرشي في التخريج ما نصّه: رواه ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين

(120) والطبري في تاريخه [ ج 6 ص 9] وابن مسكويه في تجارب الام [ج 583] وابو حيان التوحيدي في كتاب البصائر ( 185 / الف ) والشيخ للمفيد

في الارشاد ( 154)) . (انتهى) .(2)

ص

قال الجلالي: راجع المقطع الأول من رواية الكليني (ت / 328 ه- ) من

الخطبة ( 80 ) .

وبالاسناد عن نصر بن مزاحم المنقري ( ت / 212 ه-) في ( وقعة صفيّن ، قال :

ص: 352


1- مدارك نهج البلاغة : 90 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

قال عمر بن سعد، عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن، عن أبيه أن عليا أمير المؤمنين حرّض الناس، فقال: إن الله عز وجل قد دلّكم على تجارة تنجيكم من العذاب، وتشفي بكم على الخير إيمان بالله ورسوله ، وجهاد في سبيله، وجعل ثوابه مغفرة الذنوب، ومساكن طيبة في جنات عدن، ورضوان من الله أكبر، فأخبركم بالذي يحبّ ، فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفَا كَأَنَّهُم بُنْيَانُ مَرْصُوصُ (1). فسؤوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأربط الجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات، فإنه أطرد للفشل، وأولى بالوقار والتووا في أطراف الرماح، فإنه أمور للأسنة وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها، ولا تجعلوها إلا في أيدى شجعانكم المانعي الذمار، والصبر عند نزول الحقائق، أهل الحفاظ الذين يحفون براياتكم ويكتنفونها، يضربون خلفها وأمامها، ولا تضيّعوها . أجزأ كل امرئ منكم الله وقد قرنه ، وواسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه، فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، فيكتسب بذلك لائمة، ويأتي به دناءة وأنى هذا ، وكيف يكون هكذا ؟! هذا يقاتل اثنين، وهذا ممسك يده، قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ، وقائما ينظر إليه. من يفعل هذا يمقته الله فلا تعرضوا لمقت الله ، فإنما مردكم إلى الله . قال الله لقوم : ( قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِنَ الْمَوْتِ أو الْقَتْلِ وَإِذا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) (2). وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة . استعينوا بالصدق والصبر، فإنه بعد الصبر ينزل النصر . (3)

ص: 353


1- الصف : 4.
2- الأحزاب : 16 .
3- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 236 235

[ الخطبة ( 125) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه الطبري في تاريخه [ج 6 ص 37] ،

والشيخ المفيد في الارشاد ( 157) مختصرا . ( انتهى ) (1) .

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الهاروني

( ت / 424 ه-) في تيسير المطالب قال اخبرنا محمّد بن علي العبدلي، قال حدثنا محمّد بن يزداد، قال حدثني يعقوب بن اسحاق ومحمّد بن سهل، قال: حدثنا محمد بن عمرو قال اخبرنا ابو احمد الزبيري، عن عبد الجبار بن عياش

عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عدي ، قال : لما قفل علي أمير المؤمنين علیه السلام من صفين، وأكثر كثير من أصحابه والمحكمة القول في الحكمين أمر فنودي

بالصلاة جامعة ، ثم خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمّد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: اللهم هذا مقام من فلج فيه فكان أولى بالفلج يوم القيامة ( مَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً )(2) نشدتكم الله، أتعلمون أنهم حيث رفعوا

ص: 354


1- راجع استناد نهج البلاغة
2- الاسراء : 72 .

المصاحف فقلتم : نجيبهم الى كتاب الله ، قلت لكم انهم ليس بأهل دين ولا ،قرآن، ولقد صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً ، وهم شر أطفال ورجال امضوا

على صدقكم وحقكم ، فإنما نصبوا المصاحف خديعة ومكيدة.

فرددتم قولي وقلتم : لا ، بل تقبل منهم . فقلت لكم : اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي، وإذ أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين ان يحييا ما أحيى القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن؛ لأنهما ان حكما

بحكم القرآن لم يكن لنا خلاف على من حكم بما في القرآن، وان أبيا كنا من حكمها ،براء، وكنا على رأس أمرنا ؟

قالوا: فعدل نحكّم الرجال في الدماء؟ قال: انا لسنا الرجال حكمنا ، إنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط محفوظ مستور بين الدفتين وإنما ينطق

بحكمه الرجال.

:قالوا فخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم ؟ قال : ليعلم الجاهل ويثيب العالم، ولعل الله يصلح في هذه المدة أمر هذه الامة

ادخلوا مصركم .

فدخل أصحابه عن آخرهم (1)

وروى أبو جعفر الإسكافي ( ت / 220 ه-) في المعيار والموازنة» تحت عنوان: خطبة أمير المؤمنين علیه السلام في الاحتجاج على الخوارج بعد ما فارقوه فأرسل إليهم ابن عباس ثم لحقه ودخل معسكرهم، قال الاسكافي وذكروا أن علي بن أبي طالب علیه السلام خرج إلى الخوارج فأتى فسطاط يزيد بن قيس فدخله فتوضأ فيه وصلى ركعتين ، ثم خرج حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس، فقال علي لابن عباس: انته عن كلامهم، ألم أنهك رحمك الله ؟ ثم تكلم على فحمد الله

ص: 355


1- تيسير :المطالب : 198 ط / 1395ه-.

وأثنى عليه ثم قال: إن هذا مقام من فتح الله له فيه كان أولى بالفتح يوم القيامة ومن نطف فيه وأوعب ( فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (1)

ثم قال لهم: من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكواء. قال على فما أخرجكم من حكمنا ؟ قالوا حكومتكم يوم صفين. قال: نشدتكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم : نجيبهم إلى كتاب الله . قلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، فإني قد صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال امضوا على حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم لكم هذه المصاحف خديعة ووهنا ومكيدة فرددتم علي رأيي وقلتم : لا ، بل نقبل منهم. فقلت لكم: اذكروا قولي ومعصيتكم إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحياه القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في الكتاب ، وإن أبيا فنحن من حكمهما براء. فهل قام إليَّ منكم رجل فقال : يا علي إن هذا الأمر أمر الله فلا تعطه القوم ؟ قالوا : لا .

قالوا فأخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟

قال : إنا لسنا الرجال حكّمنا ، وإنما حكمنا القرآن وهو خط مسطور بين لوحين لا ينطق حتى يتكلم به الرجال، وأنتم حكمتم أبا موسى وجئتموني وأتيتموني به مبرنسا، وقلتم : لا نرضى إلا به، ومعاوية حكم عمروا. ثم قال: وأخبرني عنك يا ابن الكواء، متي سمّي أبو موسى حكما ؟ أحين

أرسل أم حين حكم ؟ قال : حين حكم.

قال : فقد سار وهو مسلم وأنت ترجو أن يحكم بما أنزل الله ؟ قال : نعم . قال :

فلا أرى الضلال في إرساله إذ كان عدلا .

ص: 356


1- الاسراء : 72 .

قالوا: فخبرنا عن الاجل لما جعلته بيننا وبينهم ؟

قال : ليتعلم الجاهل ويتثبت العالم ، ولعل الله أن يصلح في تلك المدة بين الامة. ثم قال علي: أرأيتم لو أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أرسل رجلا مؤمنا يدعو قوما مشركين

إلى كتاب الله فارتد على عقبه كافرا كان يضرّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم له شيئا ؟ قالوا : لا . قال: فما ذنبي إن ضلّ أبو موسى ولم أرض بحكومته إذ حكم، ولا بقوله

إذ قال؟

قالوا: أفرأيت كتابك باسمك واسم أبيك وتركك اسمك الذي سماك الله به

بإمرة المؤمنين.

قال علي : على يدي دار مثل هذا الحديث كتب النبي صلی الله علیه و آله وسلم: هذا كتاب من محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. وقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو: لا نقرّ ولا نعرف أنك رسول الله ، لقد ظلمناك إذا إن شهدنا أنك رسول الله ثم قاتلناك، ولكن اكتب باسمك واسم أبيك . فقال رسول الله : اكتب من محمّد بن عبد الله فإن ذلك لا يضر نبوّتي شيئا، فكتبها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، لآبائهم ، وكتبتها لأبنائهم . قالوا: صدقت. ولكن بقيت خصلة، أنا قد علمنا أنك لم ترض بحكمهم حتى شككت وكتبت في كتابك : إن جرّني كتاب الله إليك تبعتك ، وإن جرّك إليّ تبعتني. تعطي هذا القول وقد أخضنا خيلنا في دمائهم؟ وما فعلت هذا حتی شککت.

فقال علي: نبئني ، أنت ومن معك أولى بأن لا تشكوا في دينكم أم المهاجرون

والانصار؟ أم أنا أولى بالشك أم معاوية وأهل الشام ؟ قال ابن الكواء: النبي صلی الله علیه و آله وسلم أولى باليقين منك وأهل الشام خير من مشركي

قريش والمهاجرون والانصار خير منا. قال : أفرأيت الله حين يقول لرسوله : ( قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابِ مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى

ص: 357

مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )(1) أشك النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيما هو عليه حين يقول هذا؟ أم

أعطاهم إنصافا ؟

قال ابن الكواء: خصمتنا ورب الكعبة، وأنت أعلم منا بما صنعت .

فقال علي علیه السلام: ادخلوا مصركم رحمكم الله (2)

وروى ابن كثير ( ت / 774ه-) موقف الامام علي علیه السلام له في صفين، عن حبيب بن ثابت ، قال : أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي

بالنهروان فيما استجابوا له، وفيما فارقوه، وفيما استحل قتالهم .

قال: كنا بصفين فلما استحر القتل بأهل الشام اعتصموا بتل، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : أرسل إلى عليّ بمصحف، وادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك، فجاء به رجل فقال : بيننا وبينكم كتاب الله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقُ مِنْهُمْ وَهُم مُعْرِضُونَ ) (3) فقال علي : نعم، أنا أولى بذلك. بيننا وبينكم كتاب الله، قال: فجاءته الخوارج، ونحن ندعوهم يومئذ : القراء ، وسيوفهم على عواتقهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما ننتظر بهؤلاء القوم الذين على التل ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فتكلم سهل بن حنيف ، فقال : يا أيها الناس اتهموا أنفسكم، فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين - ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ألسنا على الحق وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب اني

ص: 358


1- القصص : 49 .
2- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي : 198 - 201 .
3- آل عمران: 23 .

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولن يضيعني ، أبداً ، قال : فرجع وهو متغيظ ! فلم يصبر حتى أنا أبا بكر ، فقال يا أبا بكر ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار ؟ قال بلى قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولما يحكم الله بيننا

وبينهم . فقال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم. :فقال يا ابن الخطاب إنه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ولن يضيعه أبداً . قال فنزلت سورة

الفتح

قال: فأرسلني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى عمر فأقرأها إياه، قال: يا رسول الله أفتح

هو ؟ قال : نعم (1) وروى تحت عنوان ( علي والخوارج عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري

قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها ،جلوس، مرجعه من العراق ليالي قتل علي فقالت له : يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه ؟ تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم على ؟ قال: ومالي لا أصدقك ! :قال فحدثني عن قصتهم، قال: فإن علياً لما كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، وانهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص البسكه الله تعالى، واسم سماك الله تعالى به، ثم انطلقت فحكمت في دين الله ، فلا حكم الا لله تعالى، فلما أن بلغ علياً ما عتبوا عليه وفارقوه عليه، فأمر مؤذناً فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن، فلما أن امتلأت الدار من قرّاء الناس دعا بمصحف امام عظيم، فوضعه بين يديه، فجعل يصكه بيده ويقول: أيها المصحف ! حدث الناس !

فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه ؟ إنما هو مداد في ورق!

ونحن نتكلم بما روينا منه ! فماذا تريد ؟

ص: 359


1- سند احمد :3 485

قال : أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَما مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )(1) ، فأمة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم أعظم دماً وحرمة من امرأة ورجل ونقموا عليّ أن كاتبت معاوية كتب علي بن أبي طالب ، وقد جاءنا سهيل بن عمرو، ونحن مع رسول الله له بالحديبية حين صالح قومه قريشاً، فكتب رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل : لا تكتب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فقال : كيف نكتب؟ فقال: اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاكتب محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال : لو أعلم أنك رسول الله في كتابه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةُ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (2) فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس، فخرجت معه، حتى إذا توسطنا عسكرهم ، قام ابن الكواء يخطب الناس ، فقال : يا حملة ،القرآن إن هذا عبد الله بن عباس ، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به هذا ممن نزل فيه وفى قومه

قَوْمُ خَصِمُونَ (3) فردّوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله .

فقام خطباؤهم فقالوا: والله لتواضعنه كتاب الله، فإن جاء بحق نعرفه لتتبعنه، وان جاء بباطل لنبكتنه بباطله فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم ثابت فيهم ابن الكواء ، حتى أدخلهم على علي الكوفة ، فبعث علي إلى بقيتهم فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث ششتم حتى تجتمع أمة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم، بيننا وبينكم ألا تسفكوا دماً حراماً أو تقطعوا سبيلاً ، أو تظلموا ذمّة، فانكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء،

ص: 360


1- النساء : 35
2- الأحزاب : 21 .
3- الزخرف : 58

إن الله هو لا يحب الخائنين.

قالت: له عائشة : يا ابن شداد، فقد قتلهم ، فقال والله ما بعث اليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة فقالت الله ؟ قال الله الذي لا إله إلا لقد كان ، قالت : فما شيء بلغني عن أهل الذمة يتحدثونه، يقولون: ذو الثدي وذو الثدي ؟ قال : قد رأيته وقمت مع علي عليه في القتلى، فدعا الناس فقال : أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي، ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك ، قالت : فما قول علي حين قام عليه - كما يزعم - أهل العراق ؟ قال : سمعته يقول : صدق الله

. ورسوله قالت هل سمعت منه أنه قال غير ذلك ؟ قال: اللهم لا قلت: أجل صدق الله ورسوله، يرحم الله علياً ، إنه كان من كلامه لا يعني شيئاً يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث».(1) وروى ابن كثير ( ت / 774 ه- ) عن أبي كثير مولى الانصار قال : كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب حيث قتل أهل النهروان فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم ، فقال :على يا أيها الناس، إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون فيه أبدأ حتى يرجع السهم على فوقه، وإن آية ذلك أن فيهم رجلاً أسود مخدج اليد ، إحدى يديه كثدي المرأة، لها حلمة كحلمة ثدي المرأة، حوله سبع هلبات، فالتمسوه، فإني أراه فيهم

ص: 361


1- جامع المسانيد والسنن 19 : 77 - 80، والحديث أخرجه الامام أحمد في مسنده 86:1 (ميمنية) ، ووقع برقم 656 (ط / شاكر) ، وأخرجه ابن كثير في تاريخه 7: 279 - 280 ، وقال : « تفرد به أحمد ، وإسناده صحيح ، واختاره الضياء .. يعني في المختارة ، وهو في مجمع الزوائد 6: 235 - 237 ، وقال « رواه أبو يعلى ورواته ثقات ، وعلق الشيخ شاكر على قول الهيثمي : أن في هذا خطأ، ولعل صحته ( رواه أحمد ) أو ( رواه أحمد وأبو يعلى .. وقوله : لا تواضعوه «كتاب الله». فكأتهم وضعوا كتاب الله حكماً بينهم ، والثبت الحجة والبيئة .

فالتمسوه فوجدوه إلى شفير النهر تحت القتلى فأخرجوه، فكبر على فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله، وانه لمتقلد قوساً له عربية ، فأخذها بيده فجعل يطعن بها في مخدجته ويقول صدق الله ورسوله وكبر الناس حين رأوه واستبشروا

: وذهب عنهم ما كانوا يجدون (1)) (2)

(2)

وروى ابن كثير ، عن زيد بن وهب قال: قدم على على قوم من أهل البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له : الجعد بن بعجة، فقال له: اتق الله يا علي فإنك ، ، فقال علي بل ،مقتول، ضربة على هذا تخضب هذه - يعني لحيته على رأسه

میت عهد معهود، وقضاء مقضي ، وقد خاب من افترى وعاتبه فى لباسه، فقال:

مالكم وللباس ؟ هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي (المسلم ) .

، وروى ابن كثير، عن طارق بن زياد قال: خرجنا مع علي إلى الخوارج فقتلهم ثم قال: انظروا، فإن نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : إنه سيخرج قوم يتكلمون بالحق لا يجوز حلقهم، يخرجون من الحق كما يخرج السهم من الرمية، سيماهم أن منهم رجلاً مخدج اليد في يده شعرات سود، إن كان هو فقد قتلتم شر الناس، وإن لم تكن فقد قتلتم خير الناس ، ثم قال : اطلبوا، فطلبنا ، فوجدنا المخدج، فخررنا سجوداً وخر علي معنا ساجداً (3)(3)

ص: 362


1- جامع المسانيد 19: 81، ط / 1411ه-.
2- جامع المسانيد 81:19 ، ط 1411ه-.
3- جامع المسانيد 81:19، ط / 1411ه-.

[ الخطبة ( 126)]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه شيخ الطائفة في الامالي (121) .

(انتهى) . (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما ارويه بالاسناد عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 381ه-) في «الغارات» ، قال : حدثنا محمّد قال حدثنا الحسن قال : حدثنا ابراهيم ، قال : حدثني محمّد بن عبد الله بن عثمان قال : حدثني علي بن أبي سيف، عن أبي حباب، عن ربيعة وعمارة. ان طائفة من أصحاب علي مشوا

ل إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الاموال، وفضّل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن تخاف خلافه من الناس وفراره قال وانما قالوا له ذلك ، للذي كان معاوية يصنع من أتاه فقال لهم عليّ علیه السلام: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟! والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم ، فكيف وانما هي أموالهم قال : ثم أزم طويلا ساكتا ثم قال: من كان له مال فاياه والفساد، فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف، وهو ذكر لصاحبه في الناس ويضعه عند الله ، ولم يضع رجل ماله في

ص: 363


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

غير حقه حقه وعند وعند غير أهله الا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودّهم، فان بقي معهم من يودهم ويظهر لهم الشكر فانما هو ملق وكذب، وإنما ينوي أن ينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلت بصاحبه النعل فاحتاج إلى معونته ومكافأته فشر خليل وألأم خدين، ومن صنع المعروف فيما آتاه الله فليصل به القرابة وليحسن فيه الضيافة، وليفك به العاني وليعن به الغارم وابن السبيل والفقراء والمهاجرين وليصبر نفسه على النوائب والخطوب، فان الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الاخرة» . (1)

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في الكافي عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن علي، عن أحمد بن عمرو بن

سليمان البجلي عن إسماعيل بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار عن إبراهيم بن إسحاق المدائني، عن رجل، عن أبي مخنف الازدي قال: أتى أمير المؤمنين علیه السلام رهط من الشيعة فقالوا يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الاموال ففرّقتها في هؤلاء الرؤساء والاشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الامور عدت إلى أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية ؟ فقال أمير المؤمنين : أتأمروني - ويحكم - أن أطلب النصر بالظلم والجور فيمن وليت عليه من أهل الاسلام ؟ لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجما والله لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم ، بينهم ، فكي- وإنما هي أموالهم ، قال : ثم أزم ساكتا طويلا ثم رفع رأسه فقال: من كان فيكم له

فكيف

مال فإياه والفساد، فانّ إعطاءه في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله . ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودّهم ، فإن بقي معه منهم بقية ممن يظهر الشكر له

ص: 364


1- الغارات ؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 1: 74-77 .

ويريه النصح فانما ذلك ملق منه وكذب فإن زلت بصاحبهم النعل ثم احتاج إلى معونتهم ومكأفاتهم فألام خليل وشرّ خدين، ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا لم يكن له من الحظ فيما اتى إلا محمدة اللثام وثناء الأشرار مادام عليه منعما مفضلا ومقالة الجاهل : ما أجوده ؟ وهو عند الله بخيل، فأيّ حطّ أبور وأخسر من هذا الحظ ؟ وأي فائدة معروف أقل من هذا المعروف؟ فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة، وليفك به العاني والاسير وابن السبيل ، فان الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا وشرف الآخرة».(1)وبالاسناد عن الشيخ المفيد ( ت / 413 ه-) في «الأمالي»: قال: حدثنا أبو

الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثنا

علي بن عبد الله بن أسد الاصفهاني،

قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثني محمّد بن عبد الله بن عثمان قال : حدثني علي بن سيف، عن أبي حباب، عن ربيعة وعمارة وغيرهما : أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين أعط هذه الاموال، وفضّل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، ومن تخاف خلافه عليك من الناس قراره إلى معاوية. فقال لهم أمير المؤمنين علیه السلام: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم . والله لو كانت أموالهم لي لواسيت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم ؟! قال: ثم أزم أمير المؤمنين علیه السلام طويلا ساكنا ، ثم قال: من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو وإن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا فهو يضيعه عند الله عز وجل، ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير أهله إلّا حرمه الله شكرهم وإن كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه من يودّه

ص: 365


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 4 31 - 32

ويظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب ، يريد التقرب به إليه لينال منه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت بصاحبه النعل واحتاج إلى معونته أو مكافأته فشرّ خليل وألام خدين ومن صنع المعروف فيما آتاه الله فليصل به القرابة، وليحسن فيه الضيافة، وليفك به العاني ، وليعن به الغارم وابن السبيل والفقراء والمجاهدين في سبيل الله، وليصبر نفسه على النوائب والخطوب، فإن الفوز بهذه الخصال أشرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الآخرة».(1)

وبالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في «الأمالي»: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبو عبيد الله محمّد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثني محمد بن أبي السري قال: حدثنا هشام، عن أبي مختف عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه ، قال : لما وقع الاتفاق على كتب القضية بين أمير المؤمنين علیه السلام وبين معاوية بن أبي سفيان، حضر عمرو بن العاص في رجال من أهل الشام ، وعبد الله بن عباس في رجال من أهل العراق، فقال أمير المؤمنين علیه السلام للكاتب : اكتب: هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ومعاوية بن أبي سفيان. فقال عمرو بن العاص : اكتب اسمه واسم أبيه ، ولا تسمه بإمرة المؤمنين، فإنما هو أمير هؤلاء وليس بأميرنا . فقال الاحنف بن قيس : لا تمح هذا الاسم، فإني أتخوف إن محوته لا يرجع إليك أبدا. فامتنع أمير المؤمنين من محوه، فتراجع الخطاب فيه مليا من النهار، فقال الاشعث بن قيس امح هذا الاسم ترحه الله . فقال أمير المؤمنين علیه السلام: الله أكبر سنة بسنة ، ومثل بمثل والله إني لكاتب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له الحديبية، وقد أُملي علي: هذا ما قاضى عليه محمّد

يوم

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم سهيل بن عمرو. فقال له سهيل امح رسول الله ، فإنا لا نقر لك بذلك، ولا نشهد لك به اكتب اسمك واسم أبيك، فامتنعت من محوه فقال النبي الله :

ص: 366


1- الأماني ؛ للشيخ المفيد : 175 - 177 .

امحه يا علي وستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض، فقال عمرو بن العاص : سبحان الله ! ومثل هذا يشبه بذلك، ونحن مؤمنون وأولئك كانوا كفارا! فقال أمير المؤمنين : يابن النابغة ، ومتى لم تكن للفاسقين وليا، وللمسلمين عدوّا، وهل تشبه إلا أمك التي دفعت بك ؟ فقال عمرو : لا جرم لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: والله إني لارجو أن يطهر الله مجلسي منك ومن أشباهك ، ثم كتب الكتاب وانصرف الناس (1).

وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 281 ه-) في عيون أخبار الرضا علیه السلام: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي الله قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أحمد بن علي الانصاري، عن الحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضا وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم فقال له يا بن فقال له يا بن رسول الله بأي شي تصح الامامة لمدعيها ؟ قال :

بالنص والدليل، قال له : فدلالة الامام فيما هي ؟ قال : في العلم واستجابة الدعوة :قال فما وجه أخباركم بما يكون ؟ قال : ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : فما وجه اخباركم بما في قلوب الناس ؟ قال علیه السلام له : أما بلغك قول الرسول صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ؟ قال بلى قال : وما من مؤمن إلا وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله الائمة ما فرقه في جميع المؤمنين، وقال عز وجل في محكم كتابه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (2)، فأول المتوسمين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم أمير المؤمنين علیه السلام لا من بعده ثم الحسن والحسين والائمة من ولد الحسين علیهم السلام إلى يوم القيامة، قال: فنظر إليه المأمون فقال له يا أبا الحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت ، فقال الرضا علیه السلام:

ص: 367


1- الأمالي ؛ للشيخ الطو 188 - 178 .
2- الحجر : 75 .

إن الله عز وجل ايدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له هو وهي مع الائمة منّا تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من

نور بيننا وبين الله عز وجل. قال له المأمون : يا أبا الحسن بلغني أن قوما يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد؟ فقال الرضاء أحد ممن : حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ترفعوني فوق حقي؛ فإن الله تبارك تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرِ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لي مِن دُونِ اللَّهِ وَلكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرُكُم أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُم مُسْلِمُونَ ) (1)قال علي : يهلك ﴾في اثنان ولا ذنب لي : محبّ مفرط ومبغض مفرط، وأنا ابرء إلى الله تبارك و تعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي الهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي

؟ نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (2)وقال عز وجل: لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ * وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرِّبُونَ ) (3)وقال عز وجل : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولُ قَدْ خَلَتْ

ص: 368


1- ل عمران : 79-80 .
2- المائدة : 115 - 117 .
3- النساء : 172 .

مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةُ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ) (1) ، ومعناه إنهما كانا يتغوّطان ، فمن ادعى للانبياء ربوبية أو ادّعى (2) للائمة ربوبيّة أو نبوّة أو لغير الائمة إمامة ، فنحن منه براء في الدنيا والآخرة. فقال المأمون: يا أبا الحسن، فما تقول في الرجعة ؟ فقال الرضا : إنها لحق

قد كانت في الامم السالفة ونطق به القرآن، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: يكون في هذه الامة كل ما كان في الامم السالفة حذو النعل بالنعل

والقذة بالقذة.

قال : إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه. وقال : إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول

الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يرجع الحق إلى أهله.

فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول في القائلين بالتناسخ ؟ فقال الرضا : من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذب بالجنة والنار. قال المأمون : ما تقول في المسوخ ؟

قال الرضا علیه السلام: اولئك قوم غضب الله عليهم فمسخهم فعاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتناسلوا، فما يوجد في الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك مما وقع عليهم اسم المسوخية فهو مثل ما لا يحل أكلها والانتفاع بها .

قال المأمون : لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، فو الله ما يوجد العلم الصحيح إلا عند أهل البيت وإليك انتهت علوم آبائك فجزاك الله عن الاسلام وأهله خيرا. قال الحسن بن جهم فلما قام الرضا علیه السلام تبعته فانصرف إلى منزله فدخلت عليه

وقلت له: يا بن رسول الله الحمد لله الذي وهب من جميل رأي أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 369


1- المائدة : 75
2- في الاصل وادعى .

ما حمّله ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك ، فقال علیه السلام: يا بن الجهم لا يغرنك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع مني، فانه سيقتلني بالسم وهو ظالم لي أعرف . ذلك بعهد معهود إلي من آبائي عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فاكتم هذا ما دمت حيا . قال الحسن بن الجهم : فما حدثت أحدا بهذا الحديث إلى أن مضى علیه السلام بطوس مقتولا بالسم، ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها قبر هارون الرشيد إلى جانبه (1)

وبالاسناد عن الطوسي ( ت / 460 ه-) في «الأمالي قال اخبرنا محمّد بن محمّد ، قال : حدثنا أبو الحسن علی بن بلال المهلبي ، قال : أخبرنا علي بن عبد الله

أسد بن الاصفهاني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي قال : حدثنا محمّد بن عبد الله بن عثمان قال حدثني علي بن أبي سيف عن علي بن حباب عن ربيعة، وعمارة، أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام مشوا

إليه عند تفرق الناس عنه ، وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا :فقالوا يا أمير المؤمنين اعط هذه الاموال، وفضّل هذه الاشراف من العرب

وقريش على الموالي والعجم، ومن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية. فقال لهم أمير المؤمنين علیه السلام: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ، لا والله لا أفعل

ما طلعت شمس، وما لاح في السماء نجم، والله لو كان مالي لواسيت بينهم وكيف وإنما هو أموالهم . قال : ثم أزم أمير المؤمنين علیه السلام طويلا ساكنا ثم قال: من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو وإن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا، فهو يضيعه عند الله عزّ وجل، ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم، وكان لغيره ودهم، فإن بقي معه من يوده ويظهر له

ص: 370


1- عيون أخبار الرضا الله للشيخ الصدوق 216:1 - 218 .

الشكر فإنما هو ملق وكذب يريد التقرب به إليه لينال منه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت بصاحبه النعل فاحتاج إلى معونته أو مكافاته فشر خليل وألام خدين . ومن صنع المعروف فيما آتاه الله فليصل به القرابة ، وليحسن فيه الضيافة وليفك به العاني، وليعن به الغارم وابن السبيل والفقراء والمجاهدين في سبيل الله، وليصبر نفسه على النوائب والحقوق فإن الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الآخرة .(1)

قال ابن كثير ( ت / 774ه-) في جامع المسانيد» عند ذكره مارواه عبد الله بن

شداد بن الهاد الليثي المدني، عن علي، قال حدثنا اسحاق بن عيسى الطباع حدثني يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبيد الله بن عياض بن عمر والقاري قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها ،جلوس، مرجعه من العراق ليالي قتل علي فقالت له : يا عبد الله الله بن شداد هل

أنت صادقي عما أسألك عنه ؟ تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ؟

قال: وما لي لا أصدقك !

قالت : فحدثني عن قصتهم.

قال : فإن علياً لما كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، وإنهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص البسكه الله تعالى واسم سماك الله تعالى به، ثم انطلقت فحكمت في دين الله ، فلا حكم إلا لله تعالى، فلما أن بلغ علياً ما عتبوا عليه وفارقوه عليه، فأمر مؤذناً فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن، فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس، دعا بمصحف إمام ،عظيم

فوضعه بين يديه، فجعل يصكه بيده ويقول : أيها المصحف ! حدث الناس

ص: 371


1- امالي الطو. : 198 ، ط 1384ه-.

فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه ؟ إنما هو مداد في ورق!

ونحن نتكلم بما روينا منه ! فماذا تريد ؟

قال أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله ، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل: ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَما مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )(1) فامة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل ونقموا علي أن كاتبت معاوية : كتب علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً، فكتب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . فقال سهيل: لا تكتب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ، فقال كيف نكتب ؟ فقال : اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فاكتب محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال : لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك ، :فكتب هذا ما صالح محمّد بن عبد الله قريشاً، يقول الله تعالى في كتابه: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (2)، فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس فخرجت معه ، حتى إذا توسطنا عسكرهم، قام ابن الكواء يخطب الناس، فقال: يا حملة القرآن إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به هذا ممن نزل فيه وفي قومه : ﴿ قَوْمُ خَصِمُونَ ) (3) فردوه إلى صاحبه ، ولا تواضعوه كتاب الله. فقام خطباؤهم فقالوا والله لنو اضعنه الى كتاب الله، فإن جاء بحق نعرفه

لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله .

فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب فيهم

ص: 372


1- النساء : 35 .
2- الأحزاب .21 .
3- الزخرف : 58 .

ابن الكواء، حتى أدخلهم على علي الكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دماً حراماً أو تقطعوا سبيلاً أو تظلموا ،ذمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبدنا إليكم الحرب على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين .

فقالت له :عائشة : يا ابن شداد فقد قتلهم فقال : والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم واستحلوا أهل الذمة . فقالت: آلله ؟

قال الله الذي لا إله إلا هو لقد كان.

قالت : فما شيء بلغني عن أهل الذمة يتحدثونه، يقولون : ذو الثدي وذو الثدي ؟ قال: قد رأيته وقمت مع علي عليه في القتلى، فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا ؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في

مسجد بني فلان يصلي، ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك .

قالت : فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق ؟

قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله

قالت :هل سمعت منه أنه قال غير ذلك ؟

قال : اللهم لا .

قالت : أجل ، صدق الله ورسوله ، يرحم الله علياً ، إنه كان من كلامه لا يرى شيئاً يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث . (1)

وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774ه- ) قال ابو علي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة،

حدثنا عبد الله بن نمیر حدثنا عبد العزيز بن سیاه، حدثنا حبيب بن أبي ثابت،

سيحسن الاسلنا علي البنا لباس

ص: 373


1- جامع المسانيد 154:20 - 57 ، ط / 1415ه-.

عن أبي وائل، قال: أتيته فسألته عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي قال: قلت: فيم فارقوه ؟ وفيم استحلوه ؟ وفيم دعاهم ؟ وفيم فارقوه ؟ وبم استحل دماءهم ؟ قال: إنه لما استحر القتل في أهل الشام بصفين اعتصم معاوية وأصحابه بحيل

فقال له عمرو بن العاص : أرسل إلى عليّ بالمصحف فلا والله لا يرده عليك . قال: فجاء رجل يحمله فنادى بيننا وبينكم كتاب الله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمْ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُم مُعْرِضُونَ ﴾ (1)، قال علي: نعم بيننا وبينكم كتاب الله ، إنا أولى به منكم، فجاءت الخوارج - وكنا نسميهم يومئذ : القراء - وجاؤوا بأسيافهم على عواتقهم وقالوا: يا أمير المؤمنين، ألا تمشي إلى هؤلاء القوم حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقام سهل بن حنيف، فقال أيها الناس إتهموا أنفسكم لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالاً قاتلنا، وذاك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين فجاء عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال بلى قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال بلى قال :

فعلام نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبداً. فانطلق عمر ولم يصبر ولم يصبر متغيظاً، حتى أتى أبا بكر فقال يا أبا بكر ألسنا على حق ، وهم على باطل ؟ قال : بلى. قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال بلى قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً، فنزل القرآن على محمّد بالفتح، فأرسل إلى عمر فأقرأه، :فقال: یا رسول الله أو فتح هو ؟ قال : نعم . قال : فطابت نفسه ورجع، ورجع الناس . ثم إنهم خرجوا بحروراء - أولئك العصابة من الخوارج بضعة عشر ألفاً -

ص: 374


1- آل عمران 23 .

فأرسل إليهم علي ينشدهم الله فأبوا عليه، فأتاهم صعصعة بن صوحان فأنشدهم :وقال علام تقاتلون خليفتكم؟ قالوا: مخافة الفتنة . قال : فلا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة عام قابل فرجعوا وقالوا: نسير على ما جئنا، فإن قبل علي القضية

قاتلنا على ما قاتلنا يوم صفّين، وإن نقضها قاتلنا معه . فساروا حتى بلغوا النهروان فافترقت منهم فرقة فجعلوا يهدون الناس ليلاً، قال أصحابهم ويلكم ما على هذا فارقنا علياً ، فبلغ علياً أمرهم ،فقام ، فخطب الناس، فقال: ما ترون ؟ أنسير إلى أهل الشام أم نرجع إلى هؤلاء الذين خلفوا إلى ذراريكم ؟ قالوا : بل نرجع إليهم، فذكر أمرهم فحدث عنهم بما قال فيهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن فرقة تخرج عند اختلاف من

( الناس يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق علامتهم رجل منهم يده كثدي المرأة فساروا حتى التقوا بالنهروان فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فجعلت خيل علي لا تقوم لهم . فقام علي فقال : يا أيها الناس إن كنتم إنما تقاتلون لي فوالله ما عندي ما أجزيكم وإن كنتم إنما تقاتلون الله ، فلا يكون هذا ،فعالكم ، فحمل الناس حملة واحدة فانجلت عنهم وهم مكبون على وجوههم، فقال علي : اطلبوا الرجل فيهم ، فطلب

الناس الرجل فلم يجدوه، حتى قال بعضهم : غرنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم. قال: فدمعت عين علي، فدعا بدابته فركبها فانطلق حتى أتى وهدة فيها قتلى، بعضهم على بعض، فجعل يجر بأرجلهم حتى وجد الرجل تحتهم، فأخبروه ، فقال علي الله أكبر . وفرح، وفرح الناس ورجعوا، وقال علي : لا أغزو العام. ورجع إلى الكوفة، وقتل رحمه الله، واستخلف حسن وسار سيرة أبيه ثم بعث بالبيعة إلى معاوية» . (1)

ص: 375


1- جامع المسانيد( 2 325 - 326) ، ط / 1415ه-. ورواه أبو يعلى في مسند بطوله (1: 364 - 367) ، - وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6 : 237 - 238) ، وقال : قلت : في الصحيح بعضه، ورجاله رجاله الصحيح. وأورده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (4504) ، ونسبة إلى إسحاق ، وأبي بكر ، وأبي يعلى ، وقال : هذا الإسناد صحيح

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975ه-) في كنز العمال: عن عبد الله بن الحسن قال : قال علي في الحكمين: احكمكما على ان تحكما بكتاب الله ،

وكتاب الله كله لى فان لم تحكما بكتاب الله فلا حكومة لكما » . (كر) (1) وعن عبد الله بن الحسن قال : قال علي للحكمين على أن تحكما بما في كتاب الله، وكتاب الله كله لي، فان لم تحكما بما في كتاب الله فلا حكومة لكما» . ( ش ) . (2)

وعن ابن عباس قال : لما حكم علي الحكمين قالت له :الخوارج حكمت ،رجلين قال: ما حكمت ،مخلوقا، إنما حكمت القرآن». ابن أبي حاتم في السنة ، ق في الاسماء والصفات والأصبهاني واللالكائي . (3)

ص: 376


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 1 : 379 ، ح 1648 :1
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 319، ح 31578
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 303:11، ح 31617 .

[ الخطبة ( 128)]

قال الهادى كاشف الغطاء ت / 1361 ه- في التخريج: قوله علیه السلام: يا احنف ... الى

آخره قال الشارح العلامة : هذا الفصل من خطبة له علیه السلام بالبصرة بعد وقعة الجمل ذكرنا منها فصولاً فيما سبق، والخطاب مع الاحنف بن قيس».(1)

قال الجلالي وردت مقاطع فيما ارويه بالاسناد عن السيد بن طاووس ( ت /

664 ه-) عن نعيم بن حماد المروزي في كتاب الفتن : حدثنا نعيم ثنا ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأعرج حدثه عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضی الله عنه عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : حتى تقاتلوا الترك، حمر الوجوه، صغار الأعين، فطس الأنف،

الساعة

لا تقوم

كأن وجوههم المجان المطرقة . (2)

صلى الله عليه وسلم

وقال : حدثنا نعيم ثنا ابن وهب عن ابن عياش عن عقبة الحضرمي، عن الفضل بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبي هريرة قال: «أول ما يزوى من أقطار

أرضها العرب لقوم حمر الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة.

قال ابن وهب وأخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي هريرة مثله.

ص: 377


1- مدارك نهج البلاغة : 90 .
2- كتاب الفتن ؛ لنعيم بن حماد المروزي : 415 وانظر الملاحم و الفتن : 70، ط 1392 ه-.

وكان عمر يقول للمسلمين تجدوا وجوههم كالدرق أعينهم كالودع فاتركوهم

ما تركوكم»(1)

وقال: حدثنا نعيم ثنا ابن وهب عن ابن عياش عن عقبة الحضرمي عن الفضل بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبي هريرة قال: «أول ما يزوى من أقطار أرضها العرب لقوم حمر الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة.

قال ابن وهب وأخبرني يونس، عن ابن شهاب عن أبي هريرة مثله. وكان عمر

يقول للمسلمين: تجدوا وجوههم كالدرق أعينهم كالودع فاتركوهم ما تركوكم ».(2)

ص: 378


1- كتاب الفتن ؛ النعيم بن حماد المروزي : 415 وانظر الملاحم والفتن : 70، ط 1392 ه-.
2- كتاب الفتن ؛ لنعيم بن حماد المروزي : 415 وانظر الملاحم والفتن : 70، ط 1392 ه-.

[ الخطبة ( 130 ) ]

قال كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج ما نصّه: قوله علیه السلام: يا ابا ..ر... الى آخره. رواه في روضة الكافي مع زيادة هنا واختلاف في المروي يسير، وقال الشارح الفاضل: روى هذا الكلام ابو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة ، عن عبد الرزاق، عن أبيه ، عن عكرمة عن ابن عباس الى آخر ما كتبه [ ج 2 ص 375].(1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : ( رواه ابوبكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة مفصلاً، ابن أبي الحديد[ ج 1 ص 456] والكليني

في الروضة من فروع الكافي ج 3 ص 98] مختصراً»، انتهى(2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني

(ت / 328ه-) في الكافي عن سهل ، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن

حفص التميمي قال: حدثني أبو جعفر الخثعمي ، قال : لما سیر عثمان أبا ذر إلى الربذة شيّعه أمير المؤمنين وعقيل والحسن والحسين علیهم السلام وعمّار بن ياسر رضی الله عنه فلما

ص: 379


1- مدارك نهج البلاغة : 90 .
2- راجع استناد نهج البلاغة.

كان عند الوداع قال أمير المؤمنين علیه السلام: يا أبا ذر إنك إنما غضبت الله عز وجل فارج من غضبت له إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فأرحلوك عن

الفناء وامتحنوك بالبلاء، والله لو كانت السماوات والارض على عبد رتقا ثم أتقى الله عز وجل جعل له منها مخرجا، فلا يؤنسك إلا الحق ولا يوحشك إلا الباطل. ثم تكلم عقيل :فقال : يا أبا ذر أنت تعلم أنا نحبك ونحن نعلم أنك تحبنا

وأنت قد حفظت فينا ما ضيّع الناس إلا القليل، فثوابك على الله عز وجل ولذلك أخرجك المخرجون وسيرّك المسيرون فثوابك على الله عز وجل فاتق الله واعلم أن استعفاءك البلاء من الجزع واستبطاءك العافية من اليأس، فدع اليأس والجزع وقل: حسبي الله ونعم الوكيل .

ثم تكلم الحسن علیه السلام فقال : يا عماه إن القوم قد أتوا إليك ما قد ترى ، وإن الله عز وجل بالمنظر الاعلى فدع عنك ذكر الدنيا بذكر فراقها وشدة ما يرد عليك الرخاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك صلی الله علیه و آله وسلم وهو عنك راض إن شاء الله . ثم تكلم الحسين فقال : يا عماه إن الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما ترى وهو كل يوم في شأن، إن القوم منعوك دنياهم ومنعتهم دينك، فما أغناك عما منعوك وما أحوجهم إلى ما منعتهم ، فعليك بالصبر فإن الخير في الصبر والصبر من الكرم ودع الجزع فإن الجزع لا يغنيك .

ثم تكلم عمار رضی الله عنه فقال : يا أبا ذر أو حش الله من أو حشك وأخاف من أخافك ، إنه والله ما منع الناس أن يقولوا الحق إلا الركون إلى الدنيا والحب لها ألا إنما الطاعة الجماعة والملك لمن غلب، وإن هؤلاء القوم دعوا الناس إلى دنياهم فأجابوهم

مع

إليها ووهبوا لهم دينهم فخسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. ثم تكلم أبو ذر رضی الله عنه فقال: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته بأبي وامي هذه الوجوه، فإني إذا رأيتكم ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بكم ومالي بالمدينة شجن ولاسكن غيركم ، وإنه ثقل على عثمان جواري بالمدينة كما ثقل على معاوية بالشام فالى أن

ص: 380

يسيّرني إلى بلدة ، فطلبت إليه أن يكون ذلك إلى الكوفة فزعم أنه يخاف أن أفسد على أخيه الناس بالكوفة، وآلى بالله ليسيرني إلى بلدة لا أرى فيها أنيسا ولا أسمع بها حسيسا، وإني والله ما أريد إلا الله عز وجل صاحبا وما لي مع الله وحشة

حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، وصلى الله على

سيدنا محمّد وآله الطيبين (1)

وبالاسناد عن سبط ابن الجوزي ( ت / 654ه- ) قال : روى الشعبي، عن أبي اراكة قال : لما نفي ابو ذر إلى الربذة كتب إليه على علیه السلام: «أما بعد، يا أبا ذر ، إنك

غضبت الله فارج من غضبت له. إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فاترك لهم ما خافوك عليه واهرب منهم بما خفتهم عليه . فما أحوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عما منعوك. وستعلم من الرابح غدا، فلو أن السماوات والارض كانتا على عبد رتقاثم اتقى الله لجعل له منهما مخرجا، ولا يؤانسنك إلا الحق ، ولا يوحشنك إلا الباطل. فلو قبلت دنياهم لا حبوك، ولو قرضت منها لآمنوك». (2)

ص: 381


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 206:8 - 208 .
2- تذكرة الخواص : 143 ، ط / 1401ه-.

[ّ الخطبة (131)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: أيها النفوس المختلفة والقلوب المتشتة ... الخ ، هذه الخطبة رواها ابن الجوزي في تذكرة

الخواص بسند ينتهي إلى عبد الله بن صالح المجلي ، قال : خطب أمير المؤمنين علیه السلام يوماً على منبر الكوفة .... وذكر فيها أنها تعرف بالخطبة المنبرية، وأن أولها: الحمد لله أحمده وأؤمن به وأستعين به وأستهديه وفي آخرها فقام اليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات وترك امرأة وابنتين وأبوين؟ فقال:

لكل واحد السدس وللابنتين الثلثان ، قال : فالمرأة؟ قال صار ثمنها تسعاً. وجاء فى طريق آخر انه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى واليه المئاب والرجعي فسئل عن هذه المسألة ، فقال :ارتجالا: صار ثمن المرأة تسعاً .

وليست هذه الزيادة فيما رواه السيد هنا، والباقى مما رواه السيد لا يختلف مع رواية التذكرة إلا يسيراً، هذا والمعروف من مذهب أهل البيت عدم القول بالعول في الفرائض ، وقد تأولوا هذه الزيادة على فرض صحتها، وقد تعرض السيد الشريف المرتضى في كتابه الانتصار» لذلك، وذكر أن ابن عباس ما تلقى

ص: 382

أبطال العول إلا عنه علیه السلام (1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن سبط ابن الجوزي (ت / 654ه- ) قال : وقد أخبرنا السيّد الشريف أبو الحسن علي بن محمّد

الحسيني باسناده الى الشريف المرتضى قال : وقع إليّ من خطب أمير المؤمنين علیه السلام

اربعماءة خطبة وكتابنا هذا يضيق عن حصرها، فنشرفه بما اتصل الينا اسناده من نظمها ونثرها، (خطبة تعرف بالمنبرية ) : قرأت على أبي حفص عمر بن معمر الدارقطني قال: أنبأنا احمد بن محمّد المذاري أنبأنا الحسن بن احمد البناء، أنبأنا علي بن محمّد بن بشران، أنبأنا الحسين بن صفوان، أنبأنا أبوبكر القرشي المعروف بابن أبي الدنيا، حدثنا علي بن الحسين عبد الله، حدثنا عبد الله بن

صالح العجلي ، قال : خطب أمير المؤمنين علیه السلام يوما على منبر الكوفة، فقال: الحمد لله الذي أحمده وأؤمن به وأستعينه وأستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله، أرسله بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ

* لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (2) ، ثم قال: أيتها النفوس المختلفة، والقلوب المتشتتة ، الشاهدة أبدانهم الغائبة عقولهم، كم أدلكم على الحق وأنتم تنفرون نفور المعزى من وعوعة الاسد هيهات أن أطلع بكم سرار العدل أو اقيم اعوجاج الحق . اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّي منافسة في سلطان ، ولا التماس فضول الحطام، ولكن لأردّ المعالم من دينك، وأظهر الصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك. اللهم إنك تعلم أني أول من أناب، وسمع فأجاب لم يسبقني إلا رسولك . اللهم لا ينبغي أن يكون [الوالي ](3)

ص: 383


1- مدارك نهج البلاغة : 90 .
2- التوبة : 33 .
3- الزيادة من المصادر الناقلة اهذا الحديث

على الدماء والفروج والمغانم والاحكام ومعالم الحلال والحرام، وإمامة المسلمين وامور المؤمنين البخيل لان نهمته في جمع الأموال ، ولا الجاهل فيدلهم بجهله على الضلال، ولا الجافي فينفرهم بجفائه، ولا الخائف فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشى فى الحكم فيذهب بالحقوق، ولا المعطل للسنن فيؤدي ذلك

إلى الفجور، ولا الباغي فيدحض الحق ، ولا الفاسق فيشين الشرع. فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات وترك امرأة وابنتين وأبوين ؟ فقال : لكل واحد من الأبوين السدس وللابنتين الثلثان، قال:

فالمرأة ؟ قال : صار ثمنها تسعا . وهذا من أبلغ الاجوبة (1)

ص: 384


1- تذكرة الخواص : 215 ، ط / 1401ه-.

[ الكلام ( 134 ) ]

قال الهادي كاشف الغطاء (ت/ 1361 ه-) : (قوله : وقد توكل الله لاهل هذا الدين ... الى آخره. ويروى : وقد تكفل. وهذه الغزاة هي غزاة فلسطين التي فتح فيها بيت المقدس على ما في الشرح ، وقال الشارح العلامة : ذلك حين خرج قيصر الروم في جماهير أهلها الى المسلمين وانزوى خالد بن الوليد فلازم بيته ، وصعب الامر على أبي عبيدة وشرحبيل وغيرهما من امراء السرايا المسلمين) (1)

ص: 385


1- مدارك نهج البلاغة : 93 .

[ الخطبة ( 135) ]

قال ابن أبي الحديد ( ت / 656 ه-) في شرح نهج البلاغة واعلم أن هذا الكلام لم يكن بحضرة عثمان ، ولكن عوانة روى عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الشعبي ، أن عثمان لما كثرت شكايته من علي علیه السلام، أقبل لا يدخل إليه من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أحد إلا شكى إليه عليا، فقال له زيد بن ثابت الأنصاري - وكان من شيعته وخاصته : أفلا أمشى إليه فأخبره بموجدتك فيما يأتي إليك ! قال: بلى، فأتاه زيد ومعه المغيرة بن الاخنس بن شريق الثقفي - وعداده في بني زهرة ، وأمه عمة عثمان بن عفان - في جماعة ، فدخلوا عليه ، فحمد زيد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن الله قدم لك سلفا صالحا في الاسلام، وجعلك من الرسول بالمكان الذى أنت به، فأنت للخير كل الخير أهل وأمير المؤمنين عثمان ابن

عمك، ووالى هذه الامة ، فله عليك حقان: حق الولاية وحق القرابة ، وقد شكا إلينا أن عليا علیه السلام يعرض لي، ويرد أمري علي ، وقد مشينا إليك نصيحة لك، وكراهية أن يقع بينك وبين ابن عمك أمر نكرهه لكما قال فحمد علىّ علیه السلام ، وأثنى عليه

وصلى على رسوله، ثم قال: أما بعد فوالله ما أحب الاعتراض، ولا الرد عليه، إلا أن يأبى حقا الله لا يسعني ان أقول فيه إلا بالحق ووالله لا كفن عنه ما وسعني

ص: 386

الكف . فقال المغيرة بن الاخنس ، وكان رجلا ،وقاحا، وكان من شيعة عثمان وخلصائه: إنك والله لتكَفَّنَّ عنه أو لتُكَفَّنَّ ، فانه أقدر عليك منك عليها وإنما أرسل هؤلاء القوم من المسلمين إعزازا لتكون له الحجة عندهم عليك . فقال له على علیه السلام:

له يا بن اللعين الابتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع أنت تكفنى! فو الله ما أعز الله امرأ أنت ،ناصره اخرج أبعد الله نواك ، ثم اجهد جهدك ، فلا أبقى الله عليك ولا على أصحابك إن أبقيتم .

فقال له :زيد إنا والله ما جئناك لنكون عليك شهودا، ولا ليكون ممشانا إليك حجة، ولكن مشينا فيما بينكما التماس الاجر أن يصلح الله ذات بينكما، ويجمع كلمتكما . ثم دعا له ولعثمان، وقام فقاموا معه . قال ابن أبي الحديد وهذا الخبر يدل على أن اللفظة «أنت تكفّني»، وليست كما ذكره الرضى أنت تكفيني، لكن الرضّي رضی الله عنه طبق هذه اللفظة على ما قبلها وهو قوله : « أنا أكفيكه ، ولا شبهة أنها رواية أخرى (1)

ص: 387


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8: 302 و 303 .

[ الخطبة ( 136)]

قال العرشي في التخريج مانصه : « وهذا الكلام جزء من الخطبة الّتي رواها

الشيخ المفيد في الارشاد ( 143) . (انتهى) (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد، عن الشيخ المفيد ت / 413 ه-) في الارشاد :قال: ما رواه الشعبي قال : لما اعتزل سعد ومن سميناه

أمير المؤمنين علیه السلام وتوقفوا عن بيعته، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار إلى الناس قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار لهم، وإن على الإمام الاستقامة، وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة، من رغب عنها رغب عن دين الإسلام واتبع غير سبيل أهله، ولم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري وأمركم واحدا، وإني أريدكم الله ، وأنتم تريدونني لأنفسكم، وأيم الله لأنصحن للخصم، ولأنصفن المظلوم. وقد بلغني عن سعد وابن مسلمة وأسامة وعبد الله وحسان بن ثابت امور كرهتها

والحق بيني وبينهم. (2)

ص: 388


1- راجع : استناد نهج البلاغة
2- الارشاد ؛ للشيخ المفيد 1: 243 .

[ الكلام (137)]

قال العرشي في التخريج مانصه : روى الشيخ المفيد هذه الخطبة في الارشاد (146) وكتاب الجمل (129) ، وقد مر منها جزء في رقمي 9 في رقمي 9 و 21 ، والجزء الثانى من هذا الكلام كما يتلو : «فأقبلتم إلي إقبال العوذ المطافيل على أولادها تقولون البيعة، البيعة قبضت يدى فبسطتموها ، ونازعتكم يدي فجذبتموها، ج 2 ص 28] . رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد ج 2 ص 164 و 277] ، والشيخ [

المفيد في الارشاد (142) وكتاب الجمل (128)، بتغيير الألفاظ » . (انتهى) (1)قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الطوسي ( ت / 460 ه-) في «الأمالي»: في مجلس يوم الجمعة ( الثالث من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وأربعمائة ) قال : أخبرنا ابن الصلت، عن أحمد بن محمّد بن

سعيد، قال: حدثنا الحسن بن صالح الهمداني أبو علي من كتابه في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وأحمد بن يحيى ، قالا : حدثنا محمّد بن عمرو قال: حدثنا عبد الكريم، قال: حدثنا القاسم بن أحمد ، قال : حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي . قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمّد، وحدثنا القاسم بن

ص: 389


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

الحسن العلوي الحسني ، قال : حدثنا أبو الصلت، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن النعجة ، قال : حدثنا أبو سهيل بن مالك ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : لما ولي علي بن أبي طالب علیه السلام أسرع الناس إلى بيعته المهاجرون والانصار وجماعة الناس، لم يتخلّف عنه أحد من أهل الفضل إلا نفر يسير خذلوا، وبايع الناس. وكان عثمان قد عوّد قريشا والصحابة كلهم ، وصبت عليهم الدنيا صبا، وآثر بعضهم على بعض، وخص أهل بيته من بني أمية، وجعل لهم ،البلاد وخولهم العباد فاظهروا في الأرض الفساد، وحمل أهل الجاهلية والمؤلفة قلوبهم على رقاب الناس حتى غلبوه على أمره فأنكر الناس ما رأوا من ذلك، فعاتبوه فلم يعتبهم، وراجعوه فلم يسمع منهم، وحملهم على رقاب الناس حتى انتهى إلى أن ضرب بعضا، ونفى بعضا، وحرم بعضا، فرأى أصحاب رسول الله أن يدفعوه بالبيعة، وما عقدوا له رقابهم، فقالوا : إنما بايعناه على كتاب الله وسنة نبيه والعمل بهما ، فحيث لم يفعل ذلك لم تكن له علينا طاعة. فافترق الناس في أمره على خاذل وقاتل ، فأما من قاتل فرأى أنه حيث خالف الكتاب والسنة، واستأثر بالفي واستعمل من لا يستأهل رأوا أن جهاده جهاد، وأما من خذله، فإنه رأى أنه

يستحق الخذلان، ولم يستوجب النصرة بترك أمر الله حتى قتل. واجتمعوا على علي بن أبي طالب فبايعوه، فقام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ثم قال: أما بعد فإني قد كنت كارها لهذه الولاية - يعلم الله في سماواته وفوق عرشه -

،على أمة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم حتى اجتمعتم على ذلك، فدخلت فيه، وذلك أني رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي، أقيم يوم القيامة على حد الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته ، فإن نجا فبعدله ، وإن جار انتفض به الصراط انتفاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة

سمعت

ص: 390

مائة عام، يخرق به الصراط، فأول ما يلقى به النار أنفه وحر وجهه ، ولكني لما اجتمعتم عليّ نظرت فلم يسعني ردكم حيث اجتمعتم، أقول ما سمعتم ، واستغفر الله لي ولكم.

فقام إليه الناس فبايعوه، فأول من قام فبايعه طلحة والزبير، ثم قام المهاجرون والانصار وسائر الناس حتى بايعه الناس ، وكان الذي يأخذ عليهم البيعة عمار بن ياسر وأبو الهيثم بن التيهان وهما يقولان نبايعكم على طاعة الله وسنة رسوله، وإن لم نف لكم فلا طاعة لنا عليكم، ولا بيعة في أعناقكم ، والقرآن إمامنا وإمامكم. ثم التفت علي علیه السلام عن يمينه وعن شماله، وهو على المنبر ، وهو يقول : ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا، فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة، فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إن لم يغفر لهم الغفار، إذا منعوا ما كانوا فيه، وصيروا إلى حقوقهم التي يعلمون يقولون : حرمنا ابن أبي طالب، وظلمنا ،حقوقنا، ونستعين بالله ونستغفره، وأما من كان له فضل وسابقة منكم ، فإنما أجره فيه على الله، فمن استجاب الله ولرسوله ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده. فأنتم أيها الناس عباد الله المسلمون، والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية، وليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى وللمتقين عند الله خير الجزاء وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاء، وما عند الله خير للابرار، إذا كان غدا فاغدوا، فإن عندنا مالا اجتمع ، فلا يتخلفنّ أحد كان في عطاء ، أو لم يكن إذا كان مسلما حرا أحضروا رحمكم الله . فاجتمعوا من الغد، ولم يتخلف عنه أحد ، فقسم بينهم ثلاثة دنانير لكل إنسان الشريف والوضيع والاحمر والاسود ، لم يفضل أحدا ، ولم يتخلف عنه أحد إلا هؤلاء الرهط : طلحة والزبير وعبد عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وناس معهم.

ص: 391

فسمع عبيد الله بن أبي رافع وهو كاتب علي بن أبي طالب علیه السلام عبد الله بن الزبير وهو يقول للزبير وطلحة وسعيد بن العاص : لقد التفت إلى زيد بن ثابت فقلت له : اياك أعني واسمعي يا جارة.

فقال له عبيد الله : يا سعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير، إن الله يقول في كتابه:

(وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَق كَارِهُونَ ) (1).

قال عبیدالله : فأخبرت عليا له فقال : لئن سلمت لاحملنهم على الطريق، قاتل الله ابن العاص، لقد علم في كلامي أني اريده وأصحابه بكلامي، والله المستعان . قال مالك بن أوس وكان علي بن أبي طالب علیه السلام أكثر ما يسكن القناة، فبينا نحن في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة ، فجلسا في ناحية عن علي ، ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير والمسور بن مخرمة فجلسوا وكان

علي الجعل عمار بن ياسر على الخيل، فقال لابي الهيثم بن التيهان ولخالد بن زيد أبي أيوب ولابي حية والرفاعة بن رافع في رجال من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: قوموا إلى هؤلاء القوم، فإنه بلغنا عنهم ما نكره من خلاف أمير المؤمنين إمامهم، والطعن عليه ، وقد دخل معهم قوم من أهل الجفاء والعداوة، وإنهم سيحملونهم على ما ليس من رأيهم.

قال :فقاموا، وقمنا معهم حتى جلسوا إليهم، فتكلم أبو الهيثم بن التيهان فقال : إن لكما لقدما في الاسلام وسابقة وقرابة من أمير المؤمنين بلغنا عنكما طعن وسخط لامير المؤمنين، فإن يكن أمر لكما خاصة فعاتبا ابن عمتكما ،وإمامكما ، وإن كان نصيحة للمسلمين فلا تؤخراه عنه، ونحن عون لكما فقد علمتما أن بني أمية لن تنصحكما أبدا وقد عرفتما - وقال أحمد : عرفتم - عداوتهم لكما، وقد شركتما في دم عثمان ،ومالأتما، فسكت الزبير وتكلم طلحة، فقال:

ص: 392


1- المؤمنون : 70.

افرغوا جميعا مما تقولون، فإني قد عرفت أن في كل واحد منكم خبطة. فتكلم عمار بن ياسر الله فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبى صلی الله علیه و آله وسلم وقال : أنتما صاحبا رسول الله ، وقد أعطيتما إمامكما الطاعة والمناصحة ، والعهد والميثاق على العمل بطاعة الله وطاعة رسوله ، وأن يجعل كتاب الله إمامنا - قال أحمد: وجعل كتاب الله إماما - وهو علي بن أبي طالب علیه السلام، طلق النفس عن الدنيا، وقدّم كتاب الله ، فقيم السخط والغضب على علي بن أبي طالب ! فغضب الرجال في الحق انصرا نصركما الله .

فتكلم عبد الله بن الزبير، فقال : لقد تهذرت يا أبا اليقظان. فقال له عمار : مالك تتعلق في مثل هذا يا أعبس، ثم أمر به فأخرج ، فقام الزبير فالتفت إلى عمار فقال: عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك رحمك الله . فقال عمار بن ياسر: يا أبا عبد الله، أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت، فإنكم معشر المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم.

فقال الزبير : معاذ الله أن نسمع منهم.

فقال عمار: والله يا أبا عبد الله ، لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب لما خالفته، ولا زالت يدي مع يده، وذلك لان عليا لم يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه صلی الله علیه و آله وسلم، فإني أشهد أنه لا ينبغي لاحد أن يفضل عليه أحدا. فاجتمع عمار بن ياسر وأبو الهيثم ورفاعة وابو أيوب وسهل بن حنيف، فتشاوروا أن يركبوا إلى علي بالقناة فيخبروه بخبر القوم ، فركبوا إليه فأخبروه باجتماع القوم وما هم فيه من إظهار الشكوى والتعظيم لقتل عثمان، وقال له أبو الهيثم : يا أمير المؤمنين انظر في هذا الامر ، فركب بغلة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له ودخل المدينة، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واجتمع أهل الخير والفضل من الصحابة والمهاجرين،

فقالوا لعلي : إنهم قد كرهوا الأسوة ، وطلبوا الاثرة، وسخطوا لذلك .

ص: 393

فقال على علیه السلام ليس لاحد فضل في هذا المال وهذا كتاب الله بيننا وبينكم ونبيكم محمد وسيرته ، ثم صاح بأعلى صوته يا معشر الانصار، أتمنّون عليّ با سلامكم - قال :أحمد على الله باسلامكم - بل الله ورسوله المن عليكم إن كنتم صادقين ، أنا أبو الحسن القرم.

ونزل عن المنبر وجلس ناحية المسجد، وبعث إلى طلحة والزبير فدعاهما ، ثم قال لهما : ألم تأتياني وتبايعاني طائعين غير مكرهين فما أنكرتم أجور في

حكم، أو استئثار في في ؟

قالا : لا .

قال علیه السلام: أو في أمر دعوتماني إليه من أمر المسلمين فقصرت عنه ؟

الليا

قالا : معاذ الله .

قال علیه السلام : فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي ؟

قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم، وانتقاصنا حقنا من الفي، جعلت حظنا في الاسلام كحظ غيرنا مما أفاء الله علينا بسيوفنا ممن هو لنا في فسويت

بيننا وبينهم.

فقال علي علیه السلام: الله أكبر، اللهم إني اشهدك وأشهد من حضر عليهما، أما ما ذكر تما من الاستشارة فوالله ما كانت لي الولاية رغبة، ولا لي فيها محبة، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها فكرهت خلافكم ، فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع وأمر فيه بالحكم وقسم وسن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فأمضيته ، ولم احتج فيه إلى رأيكما ودخولكما معى ولا غيركما ، ولم يقع أمر جهلته فأتقوى فيه برأيكما ومشورتكما، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ، ولا عن غيركما ، إذا لم يكن في كتاب الله ولا في سنة نبينا الله ، فأما ما كان فلا يحتاج فيه إلى أحد . وأما ما ذكرتما من أمر الاسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه، ووجدت أنا

ص: 394

وأنتما ما قد جاء به محمّد صلی الله علیه و آله وسلم له من كتاب الله ، فلم احتج فيه إليكما ، قد فرغ من قسمه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حکیم حمید.

وأما قولكما جعلتنا فيه كمن ضربناه بأسيافنا، وأفاء الله علينا، فقد سبق رجال

رجالا فلم يفضلهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ولم يستأثر عليهم من سبقهم، ولم يضرهم حين استجابوا لربهم ، والله مالكم ولا لغيركم إلا ذلك، ألهمنا الله وإياكم الصبر عليه.

فذهب عبد الله بن الزبير يتكلم فأمر به فوجئت عنقه وأخرج من المسجد

فخرج وهو يصيح ويقول : اردد إليه بيعته.

فقال علي علیه السلام: لست مخرجكما من أمر دخلتما فيه، ولا مدخلكما في أمر

خرجتما منه.

فقاما عنه فقالا: أما إنه ليس عندنا أمر إلا الوفاء.

الله عبدا رأى حقا فأعان عليه أو رأى جورا ،فرده

قال : فقال علي علیه السلام: رحم وكان عونا للحق على من خالفه (1)

وبالاسناد عن عز الدين، عن ابن الاثير محمد بن علي الجزري (ت / 630 ه- ) أسد الغابة : وقال على لما بلغه مسير طلحة والزبير وعائشة : منيت بأربعة : أدهى الناس وأسخاهم طلحة، وأشجع الناس الزبير، وأطوع الناس في الناس عائشة، وأكثر الناس غنى يعلى بن منبه . والله ما انكروا علي شيئا منكرا ولا استأثرت بمال ولا ملت ،بهوى، وانهم يطلبون حقا تركوه ودما سفكوه، ولقد ولوه دوني، وان كنت شريكهم في الانكار لما أنكروه، وما تبعة عثمان الا عندهم بايعوني ونكثوا بيعتي وما استبانوا في حتى يعرفوا جوري من عدلي واني لراض

بحجة الله عليهم وعلمه فيهم ، واني مع هذا لداعهيم ومعذر إليهم فان قبلوه فالتوبة

ص: 395


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي

مقبولة والحق أولى ما انصرف إليه، وان أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من باطل وناصرا.

وروي عن علي انه قال: اني لأرجو ان أكون أنا وطلحة وعثمان والزبير ممن

قال الله فيهم : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِنْ غِلْ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) (1). وكان سبب قتل طلحة ان مروان بن الحكم رماه بسهم في ركبته فجعلوا إذا أمسكوا فم الجرح انتفخت رجله وإذا تركوه جرى ، فقال : دعوه فانما هو سهم أرسله الله تعالى، فمات منه. وقال مروان: لا أطلب بثأري بعد اليوم، والتفت الى أبان بن عثمان فقال : قد كفيتك بعض قتلة أبيك (2)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال): عن عثمان مؤذن بني قصي :قال صحبت عليا سنة كلها، ما سمعت منه براءة ولا ،ولاية، الا اني سمعته يقول : من يعذرني من فلان وفلان ؟ فانهما بايعاني طائعين غير مكرهين ثم نكنا بيعتي من غير حدث أحدثته، ثم قال : والله ما قوتل أهل هذه الآية بعد:

وَإِن نَكَلُوا أَيْمَانَهُم مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ ) .. الآية (3) (أبو الحسن البكالي) (4)

ص: 396


1- الحجر : 47 .
2- أسد الغابة ؛ لابن الأثير 3: 60 - 61 .
3- وتمام الآية : ( وَإِن تَكنُوا أَيْمَانَهُم مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَيمةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ﴾ (التوبة : 12) .
4- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 2 : 317 ، ح 4390 .

[ الخطبة ( 139) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج: « قوله علیه السلام: لم يسرع أحد قبلي.. إلى آخره هذه جملة من كلام له علیه السلام قاله لاهل الشورى، على ما

ذكره الشارحان) (1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : رواه الطبري بتمامه في تاريخه

[ج 5 ص 39] (انتهى)(2)

ص: 397


1- مدارك نهج البلاغة : 93 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة

[ الكلام ( 141) ]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق( ت / 381ه-) في «الخصال »: حدثنا محمّد بن الحسن رضی الله عنه قال : حدثنا محمّد بن العطار ، عن محمّد بن أحمد، عن علي بن السندي، عن محمّد بن عمرو بن سعيد ، عن كرام عن ميسر ابن عبد العزيز قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام وهو يقول : سئل أمير المؤمنين علیه السلام: كم بين الحق والباطل ؟ فقال : أربع أصابع، ووضع أمير المؤمنين علیه السلاميده على اذنه وعينيه فقال : ما رأته عيناك فهو الحق وما سمعته اذناك

فأكثره باطل (1)

ص: 398


1- الخصال ؛ للشيخ الصدوق : 236

[ الكلام ( 142) ]

قال الجلالي: قد تقدم الاسناد والنص في آخر رواية كل من الكليني (ت / 328ه-) والمفيد (ت / 413 ه-) والطوسي ( ت / 460 ه-) في آخر الخطبة

(126)، فراجع

ص: 399

[ الخطبة ( 144) ]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن المتقي الهندي (ت / 975 ه-) في كنز العمال: عن علي قال: «الائمة من قريش خيارهم على خيارهم وشرارهم على ،شرارهم وليس بعد قريش إلا الجاهلية». نعيم بن حماد وابن السني في كتاب الاخوة ) (1)

وعن علي : أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الخطب الناس ذات يوم: « ألا ! إن الامراء من قريش

ما أقاموا بثلاث ما حكموا فعدلوا وما عاهدوا فوفوا، وما استرحموا فرحموا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . (ع) (2) وأيضا : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فقال: «يا أيها الناس! ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال : فاني كائن لكم على الحوض فرطا وسائلكم عن اثنتين: عن القرآن وعن عترتي ، لا تقدموا قريشا فتهلكوا ولا تخلفوا عنها فتضلوا، قوة الرجل من قريش قوة رجلين لا تفاقهوا قريشا فهي أفقه منكم لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله ، خيار قريش خيار الناس وشرار

ص: 400


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 14: 76 ، ح 37979 .
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 14: 76 ، ح 37980 .

قريش من الناس». (حل وفيه إبراهيم بن اليسع واه) (1)

ص: 401


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 14: 76 ، ح 37981 .

[ الخطبة ( 145)]

قال العرشي في التخريج مانصّه : « رواها أبو علي القالي في كتاب الأمالي [ج 2 ص 57] ، والشيخ المفيد في الارشاد (139) والامالى [بحار الانوار [ج 7 ص 106] ، وشيخ الطائفة في الأمالي ( 135) عن أمير المؤمنين علیه السلام، والحراني في تحف العقول (73) عن الامام محمّد الباقر رحمه الله باختلاف يسير ، والقالي في الأمالي

[ج 2 ص 102] عن عمر بن عبد العزيز الأموي». انتهى(1)

قال الجلالي : راجع ذيل الخطبة رقم 121 مما رواه الطوسي ( ت / 460 ه- ) . وبالاسناد عن الهاروني ( ت / 424 ه-) في تيسير المطالب » قال: أخبرنا أبي

رحمه الله تعالى :قال اخبرنا ابو جعفر محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد :قال اخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده ان علياً علیه السلام خطب فقال بعد حمد الله تعالى والثناء عليه : أيها الناس إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا ، وما لكم فيها نهب للحتف والمصائب، مع كل جرعة منها شرق، وفي كل أكلة منها غصص ، لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى، وما يعمر معمّر من عمره يوماً إلا

صدقة.

ص: 402


1- راجع استناد نهج البلاغة

بهدم آخر من أجله، و لا تتجدد له زيادة في اكله إلا بفناء ما قبله من رزقه ولا يحيى له اثر إلّا مات له أثر ، وقد مضت اصول نحن فروعها، فما بقي فرع إجتث أصله اني احذركم الدنيا فإنها غرارة لا تعدو إذا هي تناهت الى امنيتها ، قال الله عزّوجل : ( وَأَضْرِبْ لَهُم مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) (1) مع ان كل من نال منها خبرة اعقتبته عبرة، ولم يلق من سرائها بطناً إلا منحته من ضرائها ظهراً غرارة غرور ما فيها ، لاخير في شيء من زادها إلا التقوى من قلل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها لم تدم له ولم يدم لها، كم واثق بها ومطمئنّ اليها قد خدعته، وذي تاج منها قد اكبته لليدين وللفم، سلطانها ،دول، وصفوها كدر وحيها بعرض موت، وأمنها بعرض خوف، وملكها مسلوب، وجارها محروم، ومن وراء ذلك سكرة الموت وزفرته وهول المطلع، الوقوف بين يدي الحكم العدل، ف﴿ هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (2)، فيجزي ( الَّذِينَ أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (3)، ألستم ترون وتعلمون انكم في منازل من كان قبلكم كانوا أطول منكم اعماراً ، وأشهر منكم آثاراً، وأكثر منكم جنوداً، وأشد منكم عموداً ، تعبدوا للدنيا أي تعبد، ونزلوا بها أي نزول ، وآثروها أي ايثار، فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم ؟ بل اهلكتهم بالخطوب، ودهمتهم بالقوارع، وهل صحبتهم إلا بالتعسف ؟ وهل أعقبتهم إلا النار ؟

فلهذه تؤثرون ؟ او فيها ترغبون؟ والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ

ص: 403


1- الكهف : 458 .
2- یونس: 30 .
3- النجم : 31۔

الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1)بنست الدار لمن يفهمها ولم يكن فيها على وجل اعلموا وأنتم تعلمون انكم لابد تاركوها انها كما قال عزّ وجل : لعب ولهو اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبُ وَلَهْوٌ وَزِينَةً وَتَفَاخُرُ

* بيْنَكُمْ وَتَكَاثُرُ فِي الأمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَراً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابُ شَدِيدُ ) (2) فاعتبروا بمن قد رأيتم من اخوانكم صاروا في التراب رميماً لا يرجى نفعهم، ولا يخشى ضرهم، وهم كمن لم يكن وكما قال الله عز وجل : ( فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنُ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَليلاً ) (3) استبدلوا بظهر الارض بطناً، وبالانس غربة ، وبالاهل وحدة غير ان قد ضعنوا بأعمالهم الى الحياة الدائمة والشقوة اللازمة فيالها حسرة على كل ذي غفلة ان يكون عليه حجة ، او ان تؤديه أيامه الى شقوة . جعلنا الله واياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا يعظم به عن طاعة غاية ، ولا تحل به شقوة؛ فإنه لطيف لما يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على محمد وآله وعلى أنبيائه وعلى جميع أهل بيته الطاهرين الأخيار، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً

(4) (5)

ص: 404


1- هود: 15-16 .
2- الحديد : 20
3- القصص : 58
4- اقتباس من قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهيراً ) (الاحزاب : (33)
5- تيسير المطالب : 183 - 13 ، ط / 1395ه-.

[ الكلام ( 146) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361) في التخريج: قوله علیه السلام: إن هذا الأمر... الخ، قيل : إنه قاله في غزوة القادسية ، وقيل : في غزوة نهاوند، وقد روى هذا الكلام محمّد بن جرير الطبري .(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : روى الطبري من هذا الكلام ما يبتدىء من قوله: فانك إن شخصت ... الى آخره.[ ج 4 ص 238] ، كما رواه ابن مسكويه في تجارب الأمم ج 1 ص 419. وروى الشيخ المفيد الكلام كله في الارشاد

(121)، (انتهى )(2)

ص: 405


1- مدارك نهج البلاغة : 92
2- استناد نهج البلاغة .

[ الخطبة ( 147)]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الكليني في كتاب الروضة من فروع الكافي [ج 3 ص 179] . وأما الجزء الثانى من الخطبة نفسها أي : ( أيها الناس إنه من استنصح الله وفق... الى آخره... [ج 2 ص 42] ، فرواه الحراني في تحف [ج العقول 53] ضمن أقوال الامام الحسن بن على رضی الله عنه. ومما يذكر أن الخطبة 234 من نهج البلاغة مقتبسة من هذه الخطبة » ، انتهى . (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني

(ت / 328ه-) في الكافي عن أحمد بن محمّد عن سعد مد بن المنذر بن محمّد عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده عن أبيه قال: خطب أمير المؤمنين علیه السلام - ورواها غيره بغير هذا الاسناد ، وذكر أنه خطب بذي قار

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعث محمّد صلی الله علیه و آله وسلمبالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته، ومن عهود عباده إلى عهوده ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا عودا

ص: 406


1- استناد نهج البلاغة

وبدءا وعذرا ونذرا بحكم قد فضله، وتفصيل قد أحكمه، وفرقان قد فرّقه و قرآن قد بيّنه ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه وليقروا به إذ جحدوه، وليثبتوه بعد إذ أنكروه ، فتجلى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه، فأراهم حلمه كيف حلم، وأراهم عفوه كيف عفا وأراهم قدرته كيف قدر، وخوفهم من سطوته وكيف خلق ما خلق من الآيات، وكيف محق من محق من العصاة بالمثلات

واحتصد من احتصد بالنقمات، وكيف رزق وهدى وأعطا، وأراهم حكمه كيف

حكم وصبر حتى يسمع ما يسمع ويرى.

فبعث الله عز وجل محمّدا صلی الله علیه و آله وسلم بذلك ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شي أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه وليس في العباد ولا في البلاد شئ هو أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر، وليس فيها فاحشة أنكر ولا عقوبة أنكى من الهدى عند الضلال في ذلك الزمان ،

فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته حتى تمالت بهم الاهواء وتوارثوا ذلك من الآباء ، وعملوا بتحريف الكتاب كذبا وتكذيبا، فباعوه بالبخس وكانوا ف-ي-ه م-ن الزاهدين، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يأويهما مؤو، فحبذا ذانك الصاحبان، واهاً لهما ولما يعملان له، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم وليسوا معهم، وذلك لان الضلالة لا توافق الهدى وان اجتمعا وقد اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، قد ولّوا أمرهم وأمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر والمنكر والرشا والقتل، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، لم يبق عندهم من الحق إلا اسمه، ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره، يدخل الداخل

ومعهم و

ص: 407

يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين، ينتقل من ملك إلى دين ملك، ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى

دين طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون، وإن كيده متين بالأمل والرجاء، حتى توالدوا في المعصية ودانوا بالجور والكتاب لم يضرب عن شي منه ،صفحا، ضلالا تائهين، قد دانوا بغير دين الله عز وجل وأدانوا لغير الله .

مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة خربة من الهدى، قد بدل فيها من الهدى فقراؤها وعمارها أخائب خلق الله وخليقته من عندهم جرت الضلالة وإليهم تعود ، فحضور مساجدهم والمشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم ، فصارت مساجدهم - من فعالهم على ذلك النحو - خربة من الهدى عامرة من الضلالة قد بدلت سنة الله وتعديت حدوده، ولا يدعون إلى الهدى، ولا يقسمون الفي، ولا يوفون بذمة، يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا ، قد أتوا الله بالافتراء والجحود واستغنوا بالجهل عن العلم، ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة، وسموا صدقهم على الله فرية، وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة، وقد بعث الله عز وجل إليكم رسولا و مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُمْ حَرِيصُ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمُ ) (1) وأنزل عليه كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قرآنا عربيا غير ذي عوج، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، فلا يلهينكم الامل ، ولا يطولن عليكم الاجل ، فإنما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم وتغطية الآجال عنهم حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة، وترفع عنه ،التوبة، وتحل معه القارعة والنقمة، وقد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد ، وفصّل لكم القول، وعلّمكم السنة، وشرح

ص: 408


1- التوبة : 128 .

لكم المناهج ليزيح العلة وحثّ على الذكر، ودلّ على النجاة، وإنه من انتصح واتخذ قوله دليلا هداه للتي هي أقوم ووفقه للرشاد وسدده، ويسره للحسني، فإنّ جار الله آمن ،محفوظ وعدوّه خائف مغرور، فاحترسوا من الله عز وجل بكثرة الذكر واخشوا منه بالتقى وتقرّبوا إليه بالطاعة فإنه قريب مجيب، قال الله عز وجل : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبُ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (1)، فاستجيبوا لله وآمنوا به وعظموا الله الذي لا ينبغي ) لمن عرف عظمة الله أن يتعظم ، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا له وعز الذين يعلمون ما جلال الله أن يذلوا له وسلامة الذين يعلمون ما قدره الله أن يستسلموا له، فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة ولا يضلون بعد الهدى ، فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الاجرب ، والبارئ من ذي السقم. واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ولم تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، ولن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على الله وعلى رسوله والتحريف لكتابه، ورأيتم كيف هدى الله من هدى فلا يجهلنكم الذين لا يعلمون، إن علم القرآن

، ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه ، فعلم بالعلم جهله، وبصر به عماه وسمع به صممه، وأدرك به علم ما فات وحيي به بعد إذ مات، وأثبت عند الله عز ذك--ره الحسنات ومحى به السيئات، وأدرك به رضوانا من الله تبارك وتعالى، فاطلبوا عند أهله خاصة، فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم، وهم

من عيش العلم وموت الجهل هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم وصمتهم عن

ذلك

ص: 409


1- البقرة : 186 .

منطقهم وظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق، فهم من شأنهم شهداء بالحق ومخبر صادق لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، قد خلت لهم من الله السابقة ومضى فيهم من الله عزّ وجل حكم صادق وفي ذلك ذكرى للذاكرين، فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية ؛ فإن رواة الكتاب كثير ورعاته قليل والله المستعان(1)

ص: 410


1- الكافي؛ للشيخ الكليني 8 386 - 391

[ الخطبة ( 149)]

قال الهادى كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج: قوله علیه السلام: أيها الناس كل امرئ لاق ما يفرّ منه... الى آخره . رواه الشيخ الكليني في اصول الكافي ( ص (111) باسناده قال : لما ضرب امير المؤمنين علیه السلام حفّ به العوّاد وقيل :له يا : أمير المؤمنين أوص، فقال اثنوا لي وسادة ثم قال : الحمد لله حق قدره متبعين ،امره ، أحمده كما أحب، ولا اله الا الله الواحد الاحد كما انتسب ايها الناس كل امرئ ..الى آخره» (1).

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 329ه-) في الكافي عن الحسين بن الحسن الحسني رفعه ومحمّد بن

الحسن ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمري رفعه قال : لما ضرب أمير المؤمنين علیه السلام حفّ به العوّاد وقيل له : يا أمير المؤمنين أوص، فقال: اثنوا لي وسادة، ثم قال: الحمد الله حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد الاحد الصمد كما انتسب أيها الناس كل امرء لاق في فراره ما منه يفر، والاجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته ، كم اطردت الايام أبحثها عن مكنون هذا الأمر

ص: 411


1- مدارك نهج البلاغة : 92 .

فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون . أما وصيتي : فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه ،شيئا و محمّدا صلی الله علیه و آله وسلم فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم ما لم تشردوا ، حمّل كل امرئ مجهوده، وخفف عن الجهلة، رب رحيم، وإمام عليم، ودين قويم. أنا بالامس صاحبكم وأنا اليوم عبرة لكم، وغدا ،مفارقكم، إن تثبت الوطأة فى هذه المزلّة فذاك المراد، وان تدحض القدم، فإنا كنا في أفياء أغصان، وذرى رياح ، وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها ، وعفا في الأرض محطها ، وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون منى جنّة خلاء ساكنة بعد حركة ، وكاظمة بعد نطق ، ليعظكم هدوّي وخفوف إطراقي، وسكون أطرافي ، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ ودعتكم وداع مرصد للتلاقي، غدا ترون أيامي، ويكشف الله عز وجل عن سرائري وتعرفوني بعد خلوّ مكاني، وقيام غيري مقامي ، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي ،قربة، ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا ، أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ (1)؟ ، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، أو تؤديه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة ، أو تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه .

ثم أقبل على الحسن علیه السلام فقال : يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم

وعن محمّد بن يحيى، عن علي بن الحسن عن علي بن إبراهيم العقيلي يرفعه قال : قال : لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين قال الحسن : « يا بني إذا أنا

يا

مت فاقتل ابن ملجم واحفر له في الكناسة، ووصف العقيلي الموضع على باب طاق المحامل موضع الشواء والرؤاس ثم ارم به فيه ، فإنه وادٍ من أودية (جهنم)(2)

ص: 412


1- النُّور : 22 .
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 1: 299 - 300

وبالاسناد عن الهاروني ( ت / 424 ه-) في تيسير المطالب ، قال : أخبرنا أبي، قال اخبرنا ابو عبد الله محمّد بن احمد الصفواني ، قال : حدثنا اسحاق بن العباس بن محمّد بن موسی بن جعفر قال: حدثني جدي، عن ابيه موسى بن جعفر عن أبيه ، عن جدّه علیهم السلام، قال لما ضرب أمير المؤمنين علي علیه السلام الضربة التي توفي فيها استند الى اسطوانة المسجد والدماء تسيل على شيبته وضح الناس في المسجد كهيئة يوم قبض فيه النبي صلی الله علیه و آله وسلم فابتدأ خطيباً ، فقال بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه كل امرىء ملاق ما يفر منه ، والأجل تساق إليه النفس، والهرب منه موافاته، كم أطردت الأيام ابحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله الا ستره ، واخفى علماً مكنوناً، أما وصيتي بالله عزوجل، فلا تشركوا به شيئاً، ومحمّد صلى الله عليه وسلم فلا تضيعوا سنته، اقيموا هذين العمودين ، حمل كل امرىء منهم مجهودة، وخفف عن العجزة رب كريم رحيم ودين قويم، وإمام عليم كنتم في اعصار ودوي رياح تحت ظل غمامة اضمحل راكدها ليعظكم خفوتي وسكون اطرافي، انه لأوعظ لكم من نطق بليغ، ودعتكم وداع امر مرصد للتلاق، غداً ترون ايامي وتكشف لكم غرّ سرائري، فعليكم السلام الى يوم اللزام، كنت بالأمس صاحبكم ، وأنا اليوم عظة لكم، وغداً أفارقكم ، فان ابق فأنا ولى دمى، وان افن فالقيامة ميعادي عفا الله عني وعنكم » . (1) وبالاسناد عن الطبراني ( ت / 360 ه-) في المعجم الكبير قال: حدثنا القاسم بن عباد الخطابي البصري، ثنا سعيد بن صبيح، قال: قال هشام بن الكلبي عن عوانة بن الحكم قال : لما ضرب عبد الرحمن بن ملجم عليا علیه السلام وحمل إلى منزله أتاه العوّاد فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم قال : كل امرئ ملاق ما يفر منه في فراره، والاجل مساق النفس والهرب من آفاته كم أطردت

ص: 413


1- تيسير المطالب : 189 ، ط / 1395ه-.

سنته، الايام أبحثها عن مكنون هذا الامر وأبى الله عزوجل إلا إخفاءه، هيهات علم مخزون . أما وصيّتي إياكم فالله عز وجل لا تشركوا به شيئا ، ومحمّدا صلی الله علیه و آله وسلم لا تضيعوا ، أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم ما لم يشردوا واحمل كل امرئ مجهوده، وخفف عن الجهلة برب رحيم ودين قويم وإمام عليم، كنا في رياح وذرى أغصان، وتحت ظل غمامة اضمحل مركزها فيحطها عانٍ، جاوركم بدني أياما تباعا ثم هوى فستعقبون من بعده جثة خواء ساكنة بعد حركة ، كاظمة بعد نطوق، إنه أوعظ للمعتبرين من نطق البليغ، وداعيكم داعي مرصد للتلاق، غدا ترون أيامي ويكشف عن سرائري، لن يحابيني الله عز وجل إلا أن أتزلفه بتقوى فيغفر عن فرط موعود عليكم السلام إلى يوم اللزام، إن أبق فأنا ولى دمى، وإن أفن فالفناء ميعادي، العفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا عفا الله عنا وعنكم ( أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (1)، ثم قال :

عش ما بدا لك قصرك الموت*** لا مرحل عنه ولا فوت

بينا غنى بيت وبهجة*** زال الغنى وتقوّض البيت

یالیت شعري ما يراد بنا ***ولقلّ ما يجدي لنا ليت (2)

ومن الموافقات :

ما عن ابن عساكر (ت / 571ه-) في تاريخ مدينة دمشق»: أنبانا أبو علي

الحداد وجماعة قالوا: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا سليمان بن أحمد الطبراني،

القاسم بن عباد الخطابي البصري، نا سعيد بن صبيح ، قال : قال هشام بن الكلبي

عن عوانة بن الحكم ، قال : لما ضرب عبد الرحمن بن ملجم عليا وحمل إلى منزله

ص: 414


1- النُّور : 22
2- المعجم الكبير للطبراني 1 : 96 الحديث 167 . 96:1

أتاه العوّاد، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم قال : كل امرئ ملاق ما يفر منه في فراره، والأجل مساق النفس والهرب من آفاته كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه، هيهات علم مخزون ، أما وصيتي إياكم : فالله عز وجل لا تشركوا به شيئا ومحمّد اصلى الله عليه وسلم لا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ مجهوده، وخفف عن الجهلة برب رحيم ودين قويم وإمام عليم ، كنا في رياح وذرى أغصان وتحت ظل غمامة اضمحل مركزها فمحطها عاف جاوركم بدني أياما تباعا ثم هوى، فستعقبون من بعده جثة خواء ساكنة بعد حركة كاظمة بعد نطوق، إنه أوعظ للمعتبر من نطق البليغ وداعيكم داع مرصد للتلاق، غدا ترون أيامي ويكشف عن سرائري لن يحاشي الله إلا أن أنزلفه بتقوى فيغفر عن فرط موعود عليكم السلام إلى يوم اللزام، إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفن فالفناء ميعادي، العفو لي قربة ولكم حسنة فاعفوا عفا الله عنا وعنكم ( أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورُ رَحِيمٌ (1)، ثم قال:

عش ما بدا لك قصرك الموت*** لا مرحل عنه ولا فوت

بينا غنی بیت بهجته ***زال الغنى وتقوض البيت

یالیت شعري ما يراد بنا ***ولقل ما يجدي لنا ليت (2).

ص: 415


1- النُّور : 22 .
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 : 562-563 .

[ الخطبة (152)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ... الخ ، هذه الخطبة الجليلة رواها الشيخ الكليني في کتاب الاصول من الكافي في باب جوامع التوحيد، في ضمن خطب لمولانا أمير المؤمنين علیه السلام، ولعل ما رواه السيد هنا رواية أخرى عن غير أصول الكافي من المصادر التي اعتمد عليها في ذلك».

قوله علیه السلام: «قد طلع طالع ولمع لا مع ... الخ، قال في الشرح : هذه خطبة خطب

لام- بها بعد قتل عثمان حين أفضت الخلافة اليه (1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الكليني في أصول الكافي (33)

باختلاف بسيط » ، (انتهى )(2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص من قوله علیه السلام في المقطع الأول: «الخالق لا بمعنى حركة ونصب » ، ارويه بالاسناد عن الكليني ( ت / 328ه-) وتقدمت في

الخطبة ( 94 ) وكذلك الصدوق ( ت / 381ه-) ، فراجع .

ص: 416


1- مدارك نهج البلاغة : 92
2- راجع استناد نهج البلاغة

وبالاسناد عن الشيخ الكليني ( ت / 328ه-) في ( الكافي ) عن علي بن محمّد، عن سهل بن زياد عن شباب الصيرفي واسمه محمد بن الوليد، عن علي بن سيف بن عميرة، قال: حدثني إسماعيل بن قتيبة، قال: دخلت أنا وعيسى شلقان على أبي عبد الله فابتدأنا فقال : عجبا لأقوام يدّعون على أمير المؤمنين علیه السلام ما لم يتكلّم به قط، خطب أمير المؤمنين الناس بالكوفة فقال : الحمد لله الملهم عباده حمده ، وفاطره ، وفاطرهم على معرفة ربوبيته الدال على وجوده ،بخلقه، وبحدوث

خلقه على أزله، وباشتباههم على أن لا شبه له المستشهد بآياته على قدرته الممتنعة من الصفات ذاته، ومن الابصار رؤيته، ومن الأوهام الاحاطة به ، لا أمد

لكونه، ولا غاية لبقائه ، لا تشمله المشاعر ولا تحجبه الحجب، والحجاب بينه

خلقه خلقه إياهم، لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولا مكان مما يمتنع منه ولافتراق الصانع من المصنوع، والحادّ من المحدود، والرب من المربوب الواحد بلا تأويل عدد والخالق لا بمعنى حركة ، والبصير لا بأداة، والسميع لا بتفريق آلة والشاهد لا بمماسة، والباطن لا باجتنان، والظاهر البائن لا بتراخي مسافة، أزله نهية لمجاول الأفكار، ودوامه ردع لطامحات العقول، قد حسر كنهه نوافذ الابصار، وقمع وجوده جوائل الاوهام، فمن وصف الله فقد حدّه، ومن حده فقد عدّه ، ومن عده فقد أبطل أزله ، ومن قال : أين ؟ فقد غيّاه ، ومن قال على م؟ فقد أخلا منه ، ومن قال: في م ؟ فقد ضمّنه».

وبین

قال الكليني: ورواه محمّد بن الحسين، عن صالح بن حمزة، عن فتح بن عبد الله مولى بني هاشم قال : كتبت إلى أبي إبراهيم علیه السلام أسأله عن شي من التوحيد، فكتب إليَّ بخطه : الحمد لله الملهم عباده حمده - وذكر مثل ما رواه سهل بن زياد

إلى قوله وقمع وجوده جوائل الاوهام، ثم زاد فيه - أول الديانة به معرفته

وكمال معرفته ،توحيده وكمال توحيده نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها

ص: 417

غير الموصوف وشهادة الموصوف أنه غير الصفة، وشهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الازل ، فمن وصف الله فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عده فقد أبطل أزله ، ومن قال: كيف ؟ فقد استوصفه ، ومن قال فيم ؟ فقد ضمنه ، ومن قال : على م؟ فقد جهله ومن قال : أين ؟ فقد أخلا منه، ومن قال : ما هو ؟ فقد نعته

ومن قال الى م ؟ فقد غاياه عالم إذ لا معلوم وخالق إذ لا مخلوق، ورب إذ لا مربوب ، وكذلك يوصف ربنا وفوق ما يصفه الواصفون » .(1)

ص: 418


1- الكافي للشيخ الكليني 1 : 139 - 141 ، ط / 1381ه-.

[ الخطبة ( 153)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن ابن شعبة الحراني ( ت / 336 - ح ) في تحف العقول » ، قال : ومن حكمه صلوات الله عليه وترغيبه وترهيبه ووعظه : أما بعد فإن المكر والخديعة في النار، فكونوا من الله على وجل ومن صولته على حذر. إن الله لا يرضى لعباده بعد إعذاره وإنذاره استطرادا واستدراجا من حيث لا يعلمون ولهذا يضل سعي العبد حتى ينسى الوفاء بالعهد ويظن أنه قد أحسن صنعا ، ولا يزال كذلك في ظن ورجاء وغفلة عما جاءه من النبأ يعقد على نفسه العقد ويهلكها بكل جهد، وهو في مهلة من الله على عهد يهوي مع الغافلين ويغدو مع المذنبين، ويجادل في طاعة الله المؤمنين، ويستحسن تمويه المترفين، فهؤلاء قوم شرحت قلوبهم بالشبهة وتطاولوا على غيرهم بالفرية وحسبوا أنها الله قربة، وذلك لانهم عملوا بالهوى، وغيروا كلام الحكماء وحرفوه بجهل ،وعمى وطلبوا به السمعة والرياء، بلا سبل قاصدة، ولا أعلام جارية، ولا منار معلوم إلى أمدهم وإلى منهل هم واردوه حتى إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم واستخرجهم من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا واستدبروا ،مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من أمنيتهم ولا بما نالوا

ص: 419

من طلبتهم ولا ما قضوا من وطرهم، وصار ذلك عليهم وبالا فصاروا يهربون مما

كانوا يطلبون.

وإني احذركم هذه المزلة وآمركم بتقوى الله الذي لا ينفع غيره ، فلينتفع بنفسه إن كان صادقا على ما يجن ضميره ، فإنما البصير من سمع وتفكر ونظر وأبصر، وانتفع بالعبر وسلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة في المهوى ويتنكب طريق العمى، ولا يعين على فساد نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير في صدق ، ولا قوة إلا بالله .

قولوا ما قيل لكم، وسلموا لما روي لكم ولا تكلفوا ما لم تكلفوا ، فانما تبعته عليكم، فما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم، واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعملوا فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل، واستعملوا الخضوع واستشعروا الخوف والاستكانة الله واعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتباذل وكظم الغيط، فإنها وصية الله وإياكم والتحاسد والاحقاد فإنهما من فعل الجاهلية * وَلْتَنظُرُ نَفْسُ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (1). أيها الناس ، اعلموا علما يقينا أن الله لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته أكثر مما قدر له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين المرء على ضعفه وقلة حيلته وبين ماكتب له في الذكر الحكيم. أيها الناس إنه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه ولن ينتقص نقيرا بحمقه، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعة، والتارك له أكثر الناس شغلا في مضرة. ربِّ منعم عليه في نفسه مستدرج بالاحسان إليه . وربّ مبتلى عند الناس مصنوع له فأفق أيها المستمتع من سكرك وانتبه من غفلتك، وقصر من عجلتك وتفكر

ص: 420


1- الحشر : 18 .

فيما جاء عن الله تبارك وتعالى فيما لا خلف فيه ولا محيص عنه ولابد منه، ثم ضع فخرك ودع كبرك واحضر ذهنك واذكر قبرك ومنزلك، فإن عليه ممرك وإليه مصيرك. وكما تدين تدان. وكما تزرع تحصد . وكما تصنع يصنع بك. وما قدمت إليه تقدم عليه غدا لا محالة. فلينفعك النظر فيما وعظت به وع ما سمعت ووعدت، فقد اكتنفك بذلك خصلتان، ولابد أن تقوم بأحدهما : إما طاعة الله تقوم

لها بما سمعت ، وإما حجة الله تقوم لها بما علمت فالحذر الحذر والجد الجد فانه ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (1)إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي لها يرضى ولها يسخط ولها يثيب وعليها يعاقب أنه ليس بمؤمن - وإن حسن قوله وزين

وصفه وفضله غيره - إذا خرج من الدنيا فلقى الله بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها : الشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته، أو شفاء غيظ بهلاك نفسه، أو يقرّ بعمل فعمل بغيره، أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في دينه، أو سره أن يحمده الناس بما لم يفعل من خير ، أو مشى في الناس بوجهين ولسانين، والتجبر والابهة . واعلم واعقل ذلك فإنّ المثل دليل على شبهه . إن البهائم همها بطونها وإن السباع همّها التعدي ،والظلم وإن النساء همهن زينة الدنيا والفساد فيها، وإن

المؤمنين مشفقون مستكينون خائفون » .(2)

ص: 421


1- فاطر: 14 .
2- تحف العقول ؛ لابن شعبة الحراني : 156154 .

[ الخطبة (156)]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ( ت / 360ه-) في المعجم الكبير»، قال:

حدثنا محمّد بن علي بن عبد الله المروزي ، ثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن المنيب حدثني إسحاق بن عبد الله بن جلس، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس، قال: قال علي : يا رسول الله إنك قلت لي يوم أحد حين أخرجت عن الشهادة واستشهد من استشهد إن الشهادة من ورائك ؟ قال : كيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه - وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه - فقال علي : أما بينت ما بينت فليس ذلك

من مواطن الصبر، ولكن هو من مواطن البشرى والكرامة (1).

ص: 422


1- المعجم الكبير للطبراني :11 295 ط دار احياء التراث العربي .

[ الخطبة (157)]

قال العرشي في التخريج مانصه : الخطبة الثانية والخمسون بعد المائة : ورد

فيها : عباد الله الله الله في أعز الانفس عليكم ج 2 ص 67] رواه علي بن محمّد الواسطي في عيون الحكم والمواعظ [بحار الانوارج 17 ص 113]». (انتهى). (1)قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن أبي محمّد الحسن بن شعبة الحراني ( ت / 336 - ح) في تحف العقول مما رواه في خطبته المعروفة بالديباج ، ونصها : «الحمد لله فاطر الخلق وخالق الاصباح

: ومنشر الموتى وباعث من في القبور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمّدا عبده ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم. عباد الله ! إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره الايمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الاسلام، وكلمة ،الاخلاص، فإنها الفطرة، وإقامة الصلاة ، فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة، وصوم شهر رمضان فإنه جنة حصينة ، وحج البيت والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة، وصلة الرحم، فإنها ثروة في المال ومنسأة في الاجل وتكثير للعدد ، والصدقة في السر فإنها تكفر الخطأ وتطفئ

ص: 423


1- راجع استناد نهج البلاغة .

غضب الرب تبارك وتعالى ، والصدقة في العلانية، فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء، وأفيضوا في ذكر الله جل ذكره فإنه أحسن الذكر، وهو أمان من النفاق وبراءة من النار وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله جل وعز، وله دوي تحت العرش، وأرغبوا فيما وعد المتقون، فإن وعد الله أصدق الوعد وكل ما وعد فهو آت كما وعد فاقتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته، فإنها أشرف ،السنن، وتعلموا كتاب الله تبارك وتعالى، فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة، وتفقهوا فيه، فإنه القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته، فإنه أحسن القصص، ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (1)، وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لعلكم تفلحون، فاعلموا عباد الله ! أن العالم العامل بغیر علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ، بل الحجة عليه أعظم وهو عند الله ألوم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحيّر في جهله، وكلاهما حائر بائر مضل مفتون متبور ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون.

عباد الله ! لا ترتابوا فتشكوا ، ولا تشكوا فتكفروا ، ولا تكفروا فتندموا، ولا

ترخصوا لانفسكم فتدهنوا وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا ، ولا

تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا خسرانا مبينا .

عباد الله ! إن من الحزم أن تتقوا الله ، وإن من العصمة ألا تغتروا بالله عباد الله ! إن أنصح الناس لنفسه: أطوعهم لربه، وأغشهم لنفسه: أعصاهم له. عباد الله ! إنه من يطع الله يأمن ويستبشر ، ومن يعصه يخب ويندم ولا يسلم، عباد الله ! سلوا الله اليقين، فإن اليقين رأس الدين، وارغبوا إليه في العافية، فإن

ص: 424


1- الأعراف : 204.

أعظم النعمة العافية، فاغتنموها للدنيا والآخرة، وارغبوا إليه في التوفيق، فإنه أس وثيق، واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين، وأحسن اليقين التقى وأفضل امور

الحق ،عزائمها وشرّها ،محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وبالبدع هدم ،السنن المغبون من غبن دينه والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من انخدع لهواه . عباد الله اعلموا أن يسير الرياء شرك، وأن إخلاص العمل اليقين والهوى يقود إلى النار، ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ويحضر الشيطان، والنسيئ زيادة في الكفر، وأعمال العصاة تدعو إلى سخط الرحمن، وسخط الرحمن يدعو إلى النار، ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء وتزيغ القلوب، والرمق لهن يخطف نور

ابصار القلوب، ولمح العيون مصائد الشيطان، ومجالسة السلطان يهيج النيران. عباد الله اصدقوا ، فإن الله مع الصادقين، وجانبوا الكذب، فإنه مجانب للايمان، وإن الصادق على شرف منجاة وكرامة والكاذب على شفا مهواة وهلكة، وقولوا الحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله وأدوا الامانة إلى من ائتمنكم عليها ، وصلوا أرحام من قطعكم وعودوا بالفضل على من حرمكم ، وإذا عاقدتم فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا ، وإذا ظلمتم فاصبروا، وإذا أسيئ إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبّون أن يعفى عنكم ، ولا تفاخروا بالآباء ( وَلَا تَنَابَزُوا

و بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الْاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ ) (1) (ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا، ) وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أيُحِبُ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) (2) ولا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب ولا تباغضوا فإنها الحالقة وأفشوا السلام في العالم، وردّوا التحية على أهلها بأحسن منها، وارحموا الارملة

ص: 425


1- الحجرات : 11 .
2- الحُجرات : 12 .

واليتيم، وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب والمكاتب والمساكين، وانصروا المظلوم وأعطوا الفروض ، وجاهدوا أنفسكم في الله حق جهاده، فإنه شديد العقاب وجاهدوا في سبيل الله ، واقروا الضيف، وأحسنوا الوضوء وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها فإنها من الله جل وعز بمكان، ﴿ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرُ عَلِيمٌ (1) : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (2) ، و ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ

تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ ) (3).

واعلموا عباد الله ! أن الامل يذهب العقل ويكذب الوعد ويحث على الغفلة ويورث الحسرة ، فاكذبوا الأمل فإنه غرور وإن صاحبه مأزور ، فاعملوا في الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا واجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذن للمسلمين بالحسنى ولمن شكر بالزيادة، فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها ، ولا أكثر مكتسبا ممن كسبه ، اليوم تذخر فيه الذخائر وتبلى فيه السرائر، وإن من لا ينفعه الحق يضرّه الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى تضرّه الضلالة، ومن لا ينفعه اليقين يضرّه الشك، وإنكم قد امرتم بالظعن ودللتم على الزاد، ألا إن أخوف ما أتخوف عليكم إثنان طول الامل واتباع الهوى، ألا وإن الدنيا قد أدبرت وأذنت بانقلاع، ألا وإن الآخرة قد أقبلت وأذنت باطلاع ، ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار ، ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه العجل، فمن أخلص لله عمله في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله

ولم يضره أجله، ومن لم يعمل في أيام مهله ضره أجله ولم ينفعه عمله

ص: 426


1- البقرة : 158 .
2- المائدة : 2 .
3- آل عمران : 102 .

عباد الله ! افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة في حينها والتضرع والخشوع وصلة الرحم، وخوف المعاد، وإعطاء السائل، وإكرام

الضعيفة والضعيف، وتعلم القرآن والعمل به وصدق الحديث، والوفاء بالعهد وأداء الامانة إذا انتمنتم وارغبوا فى ثواب الله وارهبوا عذابه، وجاهدوا في سبيل

،م، الله بأموالكم وأنفسكم، وتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير ، أقول قولى واستغفر الله لي ولكم (1).

ص: 427


1- تحف العقول ؛ لا بن شعبة الحراني : 149-153.

[ الخطبة ( 158)]

قال الجلالي: تقدمت أطراف منها في الخطبة (89) برواية الكليني

(ت / 328ه-) ، فراجع .

ص: 428

[ الخطبة ( 160)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الطوسي (ت / 460 ه-) في «الأمالي»، قال: أخبرنا ابن مخلد، قال: أخبرنا الخلدي ، قال : حدثنا الحسن بن علي القطان ، قال : حدثنا عباد بن موسى الختلي ، قال : حدثنا أبو إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدب ، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على الارض، ويأكل على الارض ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير . (1)

ص: 429


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 393.

[ الكلام ( 162 ) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه الشيخ المفيد في الارشاد (170).

(انتهى) (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في علل الشرائع، قال: حدثنا أبو احمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن اسماعيل بن حكيم العسكري، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم العبشمي ، قال : حدثنا ثبيت بن محمّد، قال حدثني أبو الاحوص عمن

حدثه عن آبائه، عن أبي محمّد الحسن بن علي ، قال : بينما أمير المؤمنين

في أصعب موقف بصفين إذ أقبل عليه رجل من بني ،دودان فقال له: لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر وكنتم أفضل الناس علما بالكتاب والسنة

فقال :يا أخا

بني دودان ولك حق المسألة وذمام الصهر ، فإنك قلق الوضين

ترسل في غير سدد كانت إمرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين ولنعم الحكم الله، والزعيم محمّد صلی الله علیه و آله وسلم. ودع عنك نهبا صيح في حجراته، (2)

ص: 430


1- راجع : استناد نهج البلاغة
2- هذا ،صدر ،بیت وعجزه ، فان حديثا ما حديث الرواجل .

وهلم الخطب في ابن أبي سفيان، فقد أضحكني الدهر بعد ابكائه

:ولا غرو إلا جارتي وسؤالها*** ألا هل لنا أهل سألت كذلك

بئس القوم من خفضني، وحاولوا الادهان في دين الله، فإن ترفع عنا محن البلوى أحملهم من الحق على محضه وان تكن الأخرى فلا تأس على القوم

، الفاسقين(1) ، اليك عنّي يا أخا بني دودان (2)وبالاسناد عن الشيخ الصدوق أيضاً في الأمالي»: حدثنا الحسين بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن رعل العيشمي ، قال : حدثنا ثبيت بن محمّد ، قال : حدثنا أبو الاحوص المصري ، قال : حدثنا جماعة من أهل العلم ، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه صلی الله علیه و آله وسلم، قال : بينما أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أصعب موقف بصفين، إذ قام إليه رجل من بني دودان، فقال: ما بال قومكم دفعوكم عن هذا الامر ، وأنتم الاعلون نسبا، وأشد نوطا بالرسول، وفهما بالكتاب والسنة ؟

فقال : سألت - يا أخا بني دودان - ولك حق المسألة، وذمام الصهر، وإنك لقلق الوضين ترسل عن ذي مسد، إنها إمرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس ،آخرين ونعم الحكم الله . فدع عنك نهبا صيح في حجراته ، وهلم الخطب في ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه :

لا غرو إلا جارتي وسؤالها*** ألا هل لنا أهل سألت كذلك

بئس القوم من خفضني، وحاولوا الادهان في دين الله، فإن ترفع عنا محن

ص: 431


1- اقتباس من قوله تعالى : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَأَفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةٌ يُتيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ (المائدة: 25-26)
2- علل الشرائع ؛ للشيخ الصدوق 1 : 145

البلوى أحملهم من الحق على مخضه، وإن تكن الأخرى فلا تأس على القوم

الفاسقين (1)، إليك عني ، يا أخا بني دودان (2)

ص: 432


1- اقتباس من قوله تعالى : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَاخْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةٌ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) (المائدة :25-26)
2- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 716 .

[ الخطبة ( 163)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن أبي نعيم الاصفهاني ( ت 430 ه- ) ، قال : حدثنا احمد بن ابراهيم بن جعفر، ثنا محمّد بن يونس السامي ، ثنا ابو نعيم، ثنا حيان بن على، عن مجاهد، عن الشعبي، عن ابن عباس : أن عليّ بن أبي طالب أرسله إلى زيد بن صوحان ، فقال : يا أمير المؤمنين إني ما علمتك لبذات الله عليم ، وإن الله لفي صدرك عظيم . حدثنا أبو بكر احمد بن محمد بن الحارث ثنا الفضل بن الحباب الجمحي، ثنا مسدد ثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن اسحاق، عن النعمان بن سعد،

قال : كنت بالكوفة في دار الأمارة، دار علي بن أبي طالب، إذ دخل علينا ن--وف ابن عبد الله ، فقال : يا أمير المؤمنين بالباب أربعون رجلا من اليهود فقال علي:

علي بهم . فلما وقفوا بين يديه، قالوا له: يا علي صف لنا ربك هذا الذي في السماء كيف

هو ؟ وكيف كان ؟ ومتى كان ؟ وعلى أي شي هو ؟ فاستوى عليّ جالساً وقال معشر اليهود اسمعوا منّي ولا تبالوا أن لا تسألوا أحداً غيري، إن ربي عزوجل هو الأول لم يبد ممّا، ولا ممازج مع ما، ولا حال

ص: 433

وهما، ولا شبح يتقصى ، ولا محجوب فيحوى، ولا كان بعد أن لم يكن فيقال: حادث. بل جل أن يكيف المكيف للأشياء كيف كان بل لم يزل ولا يزول لاختلاف الأزمان ، ولا لتقلب شأن بعد شأن، وكيف يوصف بالأشباح، وكيف ينعت بالألسن الفصاح من لم يكن فى الأشياء ، فيقال: بائن، ولم يبن عنها فيقال: كائن، بل هو بلا كيفية وهو أقرب من حبل الوريد، وأبعد في الشبه من كل بعيد

لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة، ولا كرور ،لفظة، ولا از دلاف ،رقوة، ولا انبساط خطوة في غسق ليل داج ولا ادلاج لا ينغشي عليه القمر المنير، ولا انبساط الشمس ذات النور بضوئهما فى الكرور ، ولا اقبال ليل مقبل، ولا ادبار

نهار مدبر، إلا وهو محيط بما يريد من تكوينه فهو العالم بكل مكان وكل حين وأوان، وكل نهاية ومدة والأمد إلى الخلق مضروب ، والحد إلى غيره منسوب ، لم يخلق الأشياء من أصول أولية، ولا بأوائل كانت قبله بديّة، بل خلق ما خلق فأقام خلقه، وصوّر ما صوّر فأحسن صورته، توحد في علوه فليس لشئ منه امتناع ، ولا له بطاعة شي من خلقه انتفاع اجابته للداعين سريعة، والملائكة في السموات والأرضين له مطيعة، علمه بالأموات البائدين كعلمه بالأحياء المتقلبين، وعلمه بما في السموات العلى كعلمه بما في الأرض السفلى وعلمه بكل شئ. لا تحيره الأصوات، ولا تشغله اللغات، سميع للأصوات المختلفة، بلا جوارح له مؤتلفة ، مدير بصير، عالم بالأمور حي قيوم سبحانه كلم موسى تكليما بلا جوارح ولا أدوات ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن تكييف الصفات، من زعم أنّ إلهنا ،محدود، فقد جهل الخالق المعبود ، ومن ذكر أن الأماكن به تحيط لزمته الحيرة والتخليط ، بل هو المحيط بكل مكان فان كنت صادقا أيها المتكلف لوصف الرحمن، بخلاف التنزيل والبرهان فصف لي جبريل وميكائيل واسرافيل هيهات أتعجز عن صفة مخلوق مثلك، وتصف الخالق المعبود،

ص: 434

وأنت [لا] تدرك صفة رب الهيبة والأدوات ، فكيف من لم تأخذه سنة ولا نوم ؟ له

ما في الأرضين والسموات وما بينهما وهو رب العرش العظيم. قال أبو نعيم هذا حديث غريب من حديث النعمان [كذا] رواه ابن اسحاق

عنه مرسلا (1) .

وبالاسناد عن المتقي الهندي في كنز العمال: عن محمّد بن اسحاق النعمان

ف- بن سعد، أن أربعين من اليهود دخلوا على علي فقالوا له : صف لنا ربك هذا الذي في السماء ، كيف هو ؟ وكيف كان ؟ ومتى كان ؟ وعلى أي شي هو ؟ فقال علي : معشر اليهود اسمعوا مني ولا تبالوا ان لا تسألوا احدا غيري ان ربي

عز وجل هو الأول لم يبد من ما ولا ممازج مع ما لا حال وهما ، ولا شبح يتقصا ولا محجوب فيحوى، ولا كان بعد أن يكن فيقال: حادث، بل جل ان يكيّف يتكيف الاشياء كيف كان ، بل لم يزل ولا يزول لاختلاف الازمان ولا تقلب شان بعد شأن، وكيف يوصف بالاشباح، وكيف ينعت بالالسن الفصاح من لم يكن في الاشياء فقال : (2)كائن، ولم يبن منها فيقال بائن، بل هو بلا كيفية وهو اقرب من حبل الوريد وابعد في الشبه من كل بعيد ، لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة، ولا كرور لفظة، ولا از دلاف ربوة، ولا البساط خطوة في غسق ليل داج، ولا ادلاج ، ولا يتغشى عليه القمر المنير، ولا انبساط الشمس ذات النور بضوء هما في الكرور، ولا اقبال ليل ،مقبل، ولا ادبار نهار مدبر إلا وهو محيط بما يريد من تكوينه، فهو العالم بكل مكان وكل حين وأوان، وكل نهاية ومدة، والامد إلى الخلق مضروب ، والحد إلى غيره منصوب ، لم يخلق الاشياء من أصول أولية، ولا بأوائل كانت قبله بدية ، بل خلق ما خلق فاقام خلقه فصوّر فاحسن صورته، توحد

ص: 435


1- حلية الأولياء ؛ لأبي نعيم الاصفهانی: 1 : 72 - 73.
2- لعل الصحيح : فيقال .

موسی

علوّه فليس لشئ منه امتناع ولا له بطاعة شي من خلقه انتفاع اجابته للداعين سريعة، والملائكة في السموات والارضين له مطيعة، علمه بالاموات البائدين كعلمه بالاحياء المنقلبين وعلمه بما في السموات العلى كعلمه بما في الارضين السفلى، وعلمه بكل شئ لا تحيّره ،الاصوات ولا تشغله اللغات، سميع للأصوات المختلفة، فلا جوارح فيه مؤتلفة، مدبّر ،بصير، عالم بالامور، حي قيوم، سبحانه ، كلّم م تكليما بلا جوارح ولا ادوات ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن تكييف، من زعم أن الهنا محدود في الحلية ممدود. فقد جهل الخالق المعبود ، ومن ذكر أن الاماكن به تحيط لزمته الحيرة والتخليط ، بل هو المحيط بكل مكان، فان كنت صادقا أيها المتكلّف لوصف الرحمن بخلاف التنزيل فصف لنا جبرئيل وميكائيل واسرافيل هيهات، أتعجز عن صفة مخلوق مثلك وتصف الخالق المعبود ؟ وانما لا تدرك صفه رب الهيئة والادوات، فكيف من لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وهو رب العرش العظيم ؟ (حل ، وقال : من حديث[ النعمان كذا ] رواه ابن اسحاق مرسلا) (1)

ص: 436


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 1: 408 - 410 ، الحديث رقم 1737

[ الخطبة ( 164)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) :« قوله علیه السلام: ان الناس وراثي وقد استسفروني ... الى آخره، قال في الشرح : ذكر ابو جعفر محمّد بن جرير الطبري

في التاريخ الكبير هذا الكلام الى أن قال: وروى الكلام إلى آخره بالفاظه » . (1) قال العرشي في التخريج مانصه : رواه احمد بن يحيى البلاذري المتوفى 279 (892م ) في أنساب الأشراف ج 5 ص 60] والطبري في التاريخ [ج 5 ص 96] وابن عبد ربه في العقد الفريد [ ج 2 ص 273] وابن مسكويه في تجارب الامم

[ ج 1 ص 478] والشيخ المفيد في كتاب الجمل ( 84) . (انتهى) . (2) قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ المفيد( ت / 413 ه-) في الجمل، قال: وروى المدائني عن علي بن صالح، قال: ذكر ابن دأب ، قال : لما عاب الناس على عثمان ما عابوا كلّموا عليا فيه فدخل عليه وقال: ان الناس ورائي قد كلموني فيك، فوالله ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه انك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شي

ص: 437


1- مدارك نهج البلاغة : 93 .
2- راجع استناد نهج البلاغة .

فنخبرك عنه، ولا خلونا بشي فنبلغكه، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا و صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبنا ، وما ابن أبي قحافة ولا ابن أبي الخطاب بأولى بشئ من عمل الخير منك، وأنت أقرب إلى رسول الله وقد نلت من صهره ما لا ينالا ، ولا سبقاك إلى شي ، فالله في نفسك، فانك والله لا تبصر من عمي، ولا تعلم من جهل، وان الطريق الواضح بين، وان أعلام الدين لقائمة، تعلم يا عثمان ان أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة ،متروكة، فوالله ان كلا ،لبيّن، وان السنن لقائمة لها ،أعلام، وان البدع لظاهرة لها أعلام، وان شر الناس عند الله إمام جائر ضلّ وضلّ به، فأمات سنة معلومة وأحيى بدعة متروكة، وإني سمعت رسول الله يقول: يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم ، فيدور فيها كما تدور الرحى

ثم يرتطم في غمرة جهنم . وإني أحذرك الله واحذرك سطوته ونقماته، فان عذابه شديد أليم، واحذرك أن تكون إمام هذه الامة المقتول فانه كان يقال : يقتل في هذه الامة إمام فيفتح عليها

القتل والقتال إلى يوم القيامة ، وتلبس امورها عليها، وتنشب الفتن، فلا يبصرون الحق لعلوّ الباطل ، يموجون فيها موجا ويمرجون فيها مرجا. فقال: له عثمان كلّم الناس في أن يؤجّلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم،

فقال علیه السلام: ما كان في المدينة فلا أجل فيه وما غاب فأجله وصول امرك إليهم، عثمان : والله قد علمت ما تقول، أما والله لو كنت بمكاني ما أغضبتك ولا عتبت

عليك ولا جئت منكرا ولا عملت سوء إن وصلت رحماً أو سددت خلة» (1) وبالاسناد عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة»، قال: «وقد ذكرنا من الاحداث الّتي نقمت على عثمان فيما تقدم ما فيه كفاية، وقد ذكر أبو جعفر محمد

ص: 438


1- الجمل ؛ للشيخ المفيد : 100 - 101 .

ابن جرير الطبري رحمه الله في التاريخ الكبير ، هذا الكلام فقال ان نفرا من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم (تكاتبوا ، فكتب بعضهم إلى بعض : أن اقدموا ، فإن الجهاد بالمدينة لا بالروم، واستطال الناس على عثمان، ونالوا منه، وذلك في سنة أربع وثلاثين، ولم يكن أحد من الصحابة يذب عنه ولا ينهي ، إلا نفر، منهم زيد بن ،ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، فاجتمع الناس فكلّموا على بن أبى طالب علیه السلاموسألوه أن يكلم عثمان، فدخل عليه وقال له: إن الناس.... وروى الكلام إلى آخره بألفاظه ، فقال عثمان : وقد علمت أنك لتقولن ما قلت! أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ، ولا عتبت عليك، ولم آت منكرا، إنما وصلت ،رحما، وسددت خلة ، وآويت ضائعا وولیت شبيها بمن كان عمر يوليه

أنشدك الله يا علي ألا تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك ! قال: بلى، قال: أفلا تعلم أن عمر ولاه! قال : بلى، قال : فلم تلومني ان وليت اب-ن ع-ام-ر ف-ي رح-مه وقرابته ؟! فقال: على علیه السلام إنّ عمر كان يطأ على صماخ من يوليه، ثم يبلغ منه إن أنكر منه أمرا أقصى العقوبة، وأنت فلا تفعل ضعفت ورققت على أقربائك . قال عثمان : هم أقرباؤك أيضا، فقال علي : لعمري إن رحمهم منّي لقريبة ولكن الفضل في غيرهم. فقال عثمان : أفلا تعلم أن عمر ولى معاوية فقد وليته . قال علي أنشدك الله ألا تعلم أن معاوية كان أخوف لعمر من يرفاً غلامه له ؟ قال : بلى، قال: فان معاوية يقطع الأمور دونك ، ويقول للناس : هذا بأمر عثمان وأنت تعلم ذلك فلا تغير عليه ! ثم قام علي، فخرج عثمان على أثره ، فجلس على المنبر، فخطب الناس وقال : أما بعد فان لكل شئ آفة، ولكل أمر عاهة، وإن آفة هذه الامة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون، ويسرون عنكم ما تكرهون ، يقولون لكم وتقولون أمثال النعام يتبع أول ناعق ، أحب مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلا نغصا، ولا يردون إلا عكرا . أما والله لقد عبتم علي ما أقررتم

ص: 439

لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم ،برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم ، ولنت لكم، وأوطأتكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم ، فاجترأتم عليّ . أما والله لانا أقرب ناصراً وأعز نفراً وأكثر عدداً، وأخرى إن قلت هلم، أن يجاب صوتي. ولقد أعددت لكم أقراناً وكشرت لكم عن نابي، وأخرجتم منّي خلقا لم أكن أحسنه ، ومنطقاً لم أكن أنطق به. فكفوا عنى ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم، فما الذي تفقدون من حقكم والله ما قصرت عن بلوغ من كان قبلي يبلغ ، وما وجدتكم تختلفون عليه، فما بالكم !

فقام مروان بن الحكم فقال : وإن شئتم حكمنا بيننا وبينكم السيف. فقال عثمان اسکت لاسكت ادعني وأصحابي ، ما منطقك في هذا ؟! ألم أتقدم

إليك ألا تنطق ؟! فسكت مروان، ونزل عثمان (1)

ص: 440


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 :264

[ الخطبة ( 166)]

قال العرشي في التخريج مانصه : « رواها الكليني في كتاب الروضة من فروع

(الكافي)،[ ج 3 ص 31] مما يلوح أنها جزء من الخطبة 84» . (انتهى) .(1) قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الكليني

( ت / 328ه-) المتقدمة في الخطبة (88) ، فراجع المقطع الأخير منها . وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975ه-) في كنز العمال : عن علي قال : لا يزال بلاء بني أمية شديدا حتى يبعث الله العصب (2)مثل قزع الخريف، يأتون من كل وجه، لا يستأمرون أميرا مأمورا ، فإذا كان ذلك أذهب الله نور ملك بني

أمية». (نعيم ) .(3)

ص: 441


1- راجع : استناد نهج البلاغة .
2- قال ابن الأثير : وفيه : ثم يكون في آخر الزمان أمير العصب العصب جمع عصبة ، كالعصابة ، ولا واحد لها من لفظها. (النهاية) في غريب الحديث 244:3 .
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 356:11 ، ح 31760 .

[ الخطبة ( 167)]

قال الهادى كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: انّ الله انزل كتابا هادياً ... الى آخره . قيل : انها اول خطبة خطبها علیه السلام حين استخلف وقد رواها ابو جعفر محمّد بن جرير الطبري [ج 5 ص157](1)

قال :الجلالي ومن شواهد الأطراف ما ارويه بالاسناد عن البخاري ( ت /

259ه-) في صحيحه ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده قال حدثنا آدم بن أبي اياس ، قال : حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر واسماعيل عن الشعبي، عن عبد الله ابن عمرو، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم، قال : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من السانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه . قال أبو عبد الله علیه السلام: وقال أبو معاوية : حدثنا داود، عن عامر ، قال : سمعت عبد الله ابن عمرو ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وقال عبد الأعلى، عن داود، عن عامر، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي باب أي الاسلام أفضل قال : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي،

قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن

ص: 442


1- مدارك نهج البلاغة : 93 .

أبي موسى رضی الله عنه، قال : قالوا: يا رسول الله أي الاسلام أفضل ؟ قال: من سلم

المسلمون من لسانه ويده ویده» (1)

وبالاسناد عن مسلم النيسابوري (ت / 261ه-) في صحيحه، قال: وحدثنا أبو الطاهر احمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح المصري، اخبرنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير انه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: ان رجلا سأل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أي المسلمين خير ؟ ، قال :

من سلم المسلمون من لسانه ويده.

وعنه قال: حدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد جميعا عن أبي عاصم قال : عبد أنبأنا أبو عاصم، عن ابن جريج انه سمع أبا الزبير يقول: سمعت جابرا يقول

سمعت النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد الاموى، قال: حدثني أبي حدثنا أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قلت يارسول الله أي الاسلام ،افضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده وحدثنيه ابراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو اسامة، قال: حدثني بريد بن عبد (2) الله بهذا الاسناد قال سئل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أي المسلمين افضل ، فذكر مثله . أي

ص: 443


1- صحيح البخاري 1: 8.
2- صحیح مسلم 47:1 .

[ الخطبة (169)]

قال العرشي في التخريج مانصه: روى الطبري في تاريخه هذه الخطبة الى

قوله رضى الله عنه : حتى يأزر الامر الى غيركم [ج 5 ص 163]) . (انتهى) (1)

ص: 444


1- راجع استناد نهج البلاغة .

[ الخطبة ( 170)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد، عن الشيخ المفيد

(ت ت / 413 ه-) في الجمل ، قال : وروى الواقدي، عن شيبان بن عبد الرحمن عن عامر بن كليب عن أبيه قال : لما قتل عثمان ما لبثنا إلا قليلا حتى قدم طلحة

والزبير البصرة ، ثم ما لبثنا بعد ذلك إلا يسيرا حتى أقبل علي بن أبي طالب بذي ،قار، فقال شيخان من الحي اذهب بنا إلى هذا الرجل فلننظر ما يدعو إليه، فلما اتينا ذا قار قدمنا على أذكى العرب، فوالله لدخل على نسب قومي فجعلت اقول اعلم به منّي واطوع فيهم ، فقال : من سيّد بني راسب؟ فقلت : فلان ، قال : فمن سيد بني قدامة ؟ قلت فلان لرجل آخر فقال انت مبلغهما كتابين منّي ؟ قلت : نعم قال : أفلا تبايعاني ؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معي وتوقفت عن بيعته فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون: بايع بايع ، فقال علیه السلام: دعوا الرجل ، فقلت : انما بعثني قومي رائدا وسأنهي إليهم ما رأيت فان بايعوا بايعت وان اعتزلوا اعتزلت فقال لي: أرأيت لو ان قومك بعثوك رائدا فرأيت روضة وغديرا فقلت: يا قومي النجعة النجعة فأبوا ما كنت بمستنجع بنفسك ؟ فأخذت باصبع من أصابعه فقلت : أبايع على ان اطيعك ما أطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة

ص: 445

لك علينا. فقال: نعم، وطول صوته فضربت على يده، ثم التفت إلى محمد بن حاطب وكان من ناحية القوم فقال : إذا انطلقت إلى قومك فأبلغهم كتبي وقولي فتحول إليه محمد حتى جلس بين يديه فقال ان قومي إذا اتيتهم يقولون ما يقول صاحبك في عثمان؟ فسب عثمان الذين حوله، فرأيت عليا قد كره ذلك حتى رشح جبينه، وقال: ايها القوم كفوا ما إياكم يسأل ولا عنكم سائل ، قال : فلم ، أبرح عن العسكر حتى قدم على عليّ أهل الكوفة فجعلوا يقولون: نرى اخواننا من اهل البصرة يقاتلوننا، وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون : والله لو التقينا لتعاطينا الحق ، كأنهم يرون انهم لا يقتلون، وخرجت بكتاب علي فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه ودللت على الآخر وكان متواريا، فلو انهم قالوا له : کلیب ما اذن لي فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت هذا كتاب عليّ واخبرته الخبر، وقلت اني اخبرت عليا إنك سيد قومك، فأبى أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلى ما سأله وقال : لا حاجة لي اليوم في السؤدد ، فوالله اني لبالبصرة ما رجعت إلى علي حتى نزل العسكر ورأيت الغر الذين مع عليّ علیه السلام وطلع القوم .(1)

ص: 446


1- الجمل ؛ للشيخ المفيد : 157 156

[ الكلام ( 171)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: اللّهم رب السقف المرفوع .... ويروى : المحفوظ، رواه الطبري الى قوله واعصمنا من الفتنة، ورواه غيره . (1)

وقال العرشي في التخريج مانصه : رواها الطبري في تاريخه ج 6 ص 8

ورواها ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين (119)». (انتهى) . (2) قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد، عن نصر بن مزاحم المنقري في وقعة صفين» ، قال :نصر: فحدثني عمر بن سعد عن مالك بن ،أعين ، عن زيد بن وهب أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال: اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل والنهار، وجعلت فيه مجرى الشمس والقمر، ومنازل الكواكب والنجوم، وجعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة، ورب هذه الأرض الّتي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم، ورب الفلك التي تجري في

يحصى

ص: 447


1- مدارك نهج البلاغة : 93 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة

البحر بما ينفع الناس ، ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض، ورب البحر المسجور المحيط بالعالمين، ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا ، إن أظهرتنا على عدونا فجنّبنا البغي وسددنا للحق ، وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة، واعصم بقية أصحابي من الفتنة» (1)

وبالاسناد عن ابن طاووس ( ت / 664 ه-) في كتاب الدعاء والذكر تصنيف الحسين بن سعيد الاهوازي باسناده عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله ، قال : كان من دعاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم صفين: «اللهم

* رب هذا السقف المرفوع، المكفوف المحفوظ، الذي جعلته مغيض الليل والنهار، وجعلت فيها مجاري الشمس والقمر ومنازل الكواكب والنجوم وجعلت ساكنه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة، ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للناس والانعام والهوام، وما نعلم وما لا نعلم ، مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم ، ورب الجبال التي جعلتها للارض أوتادا ، وللخلق متاعا ، ورب البحر المسجور المحيط بالعالم، ورب السحاب المسخر بين السماء والارض ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس إن أظفرتنا على عدونا فجنبنا الكبر وسددنا للرشد ، وإن اظفرتهم علينا فارزقنا الشهادة، واعصم بقية أصحابي

من

الفتنة » .

وهذا آخر الدعاء، وكان فيه : « أظفرتنا » « أظفرتهم ولعلها: «أظهرتنا و أظهرتهم لأجل انه قال بعدهما: «علي» ، ولو كانت «اظفرتنا » كانت بعدها بأعدائنا»، وان كانت حروف الخفض يقوم بعضها مقام بعض(2)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 985ه-) في كنز العمال عن علي في

ص: 448


1- وقعة صفين النصر بن مزاحم المنقري : 232 .
2- مهج الدعوات : 102 ، ط / 1399 ه-، وعنه بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 91 :241 .

قوله تعالى: (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ) (1) قال: «السماء». (ابن راهويه وابن جرير ،

وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ك هب ) (2)

ص: 449


1- الطور : 5.
2- کنز العمال 513:20

[ الخطبة (172)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الثقفى في كتاب الغارات [ابن أبي الحديد ج1 ص 265] مفصلا ، وروى الشيخ المفيد منها الجزء الثالث في كتاب

الجمل ( 445 و 76) بألفاظ قريبة المعنى ممّا ورد في نهج البلاغة (انتهى) (1). قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما رويته بالاسناد عن الثقفي والسيد

ابن طاووس في الخطبة ،(26) فراجع.

ص: 450


1- راجع استناد نهج البلاغة .

[ الخطبة (173)]

قال العرشي في التخريج مانصه : الخطبة الثامنة والستون بعد المائة، وردت

( فيها الكلمات التالية: ألا وإن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها لیست بداركم... الى آخره.[ ج 2 ص 106]. روى الحراني هذه الكلمات إلى قوله: «لا تبقون عليها في تحف العقول (42)» . انتهى . (1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النصّ فيما أرويه بالاسناد عن ابن شعبة الحراني ( ت / 336 ح ) في تحف العقول: خطبته علیه السلام عندما انكر عليه ق-وم تسويته بين الناس في الفي ، قال علیه السلام: أما بعد ، أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا ظاهرة وباطنة بغير حول منا ولا قوة إلا امتنانا علينا وفضلا ليبلونا أنشكر أم نكفر، فمن شكر زاده ومن كفر عذبه .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أحدا صمدا. وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله، بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والانعام نعمة أنعم بها ومنا وفضلاء صلی الله علیه و آله وسلم.

فافضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم عند الله خطرا أطوعهم

لامر الله وأعملهم بطاعة الله وأتبعهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحياهم لكتاب الله ،

ص: 451


1- راجع استناد نهج البلاغة ، ح 1

فليس لاحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد نبي الله وسيرته فينا، لا يجهلها إلا جاهل مخالف معاند عن الله عز وجل، يقول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (1) ، فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب ، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله يقول الله في :كتابه إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورُ

﴿ رَحِيمُ ) (2) . وقال : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلُّوا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) (3). ثم صاح بأعلى صوته يا معاشر المهاجرين والانصار ويا معاشر المسلمين أتمنون على الله وعلى رسوله بإسلامكم؟ والله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين. ثم قال: ألا إنه من استقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن وأقسام الاسلام، ليس لأحد أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله وإياكم من المتقين وأوليائه

وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثم ق- . قال : ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها وأصبحت تعظکم و تر میکم لیست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دعيتم إليه . ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها ، فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم وجرّبتموها، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها. فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا، والباقية التي

على

لا تنفد رغبكم الله فيها ودعاكم إليها وجعل لكم الثواب فيها . فانظروا يا معاشر


1- الحُجرات : 13 .
2- آل عمران: 31
3- آل عمران : 33 ، وفي النسخ : «فإن تولّيتم ...

المهاجرين والانصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله ، وجاهدتم عليه، فيما فضلتم ،به بالحسب والنسب ؟ أم بعمل وطاعة ؟ فاستتموا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لانفسكم والمحافظة على من استحفظكم الله من كتابه ألا وإنه لا يضركم تواضع شي من دنياكم بعد حفظكم

ما وصية الله والتقوى. ولا ينفعكم شي حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع امرتم به من التقوى، فعليكم عباد الله بالتسليم لامره والرضا بقضائه والصبر على بلائه. فأما هذا الفي فليس لأحد فيه على أحد أثرة، قد فرغ الله عزوجل من قسمه فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا وعهد نبينا بين أظهرنا فسلموا - رحمكم الله - فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء. فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه ، اولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اولئك هم المفلحون، ونسأل الله

وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده .

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .(1)

ص: 453


1- تحف العقول ؛ لابن شعبة الحراني : 183 - 185 .

[ الكلام ( 174) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه شيخ الطائفة في الأمالى (106)

باختلاف يسير». انتهى . (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه عنه رضي الله عنه ، وقد تقدم نصّه في الخطبة (22) من قوله علیه السلام: والله ما صنع في أمر عثمان واحدة من

ثلاث»، فليراجع.

ص: 454


1- راجع استناد نهج البلاغة .

[ الخطبة ( 176)]

قال العرشي في التخريج مانصه : الخطبة الواحدة والسبعون بعد المائة ألا

وإن الظلم ثلاثة... إلى آخره . [ ج 2 ص 116]. وروى الشيخ الصدوق هذه العبارة الأمالي ( المجلس ،(44 كما رواها الحراني في تحف العقول (71) عن الامام محمّد الباقر رحمة الله عليه» (انتهى).(1) بالاسناد عن احمد بن حنبل في مسنده» ، وفيه : حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا زيد بن الحباب، قال: أخبرني علي بن مسعدة الباهلي ، قال : ثنا قتادة عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: « لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا

«لا

يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه» (2) . وبالاسناد عن احمد بن حنبل في مسنده» ، وفيه : حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يزيد بن هارون، انا عيينة، عن أبيه ، عن أبي برزة الاسلمي، قال: خرجت يوما أمشي ، فإذا بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم متوجها ، فظنتته يريد حاجة، فجعلت أخنس عنه وأعارضه، فرأني ، فاشار إليّ فاتيته فاخذ بيدي فانطلقنا نمشي جميعا، فإذا نحن برجل

ص: 455


1- راجع: استناد نهج البلاغة .
2- مسند احمد بن حنبل 3: 198

يصلي يكثر الركوع والسجود ، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أتراه مرائيا ؟ فقلت: الله ورسوله ،أعلم فارسل ،يدي، ثم طبق بين كفيه فجمعهما، وجعل يرفعها بحيال منكبيه ويضعهما، ويقول : عليكم هدياً قاصداً - ثلاث مرات ؛ فانه من يشادّ الدين يغلبه». وقال يزيد ببغداد: بريدة الاسلمي، وقد كان قال عن أبي برزة، ثم رجع إلى

بريدة. حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا وكيع ومحمد بن بكر ، قال بريدة الاسلمي»(1)

ومن الموافقات ما ارويه بالاسناد عن مسلم النيسابوري (ت / 260ه-) في

صحیحه ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعن- قعنب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وحميد عن انس بن مالك ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات » .(2)

ص: 456


1- مسند احمد بن حنبل 4 :422
2- صحیح مسلم 8: 142 .

[ الخطبة (177)]

من التعقيبات :ما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق (ت / 381ه-) في

«الأمالي»، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن هارون بن الجهم عن المفضل بن صالح، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر الباقر علیه السلام، قال : الظلم ثلاثة ؛ ظلم يغفره الله، وظلم لا يغفره الله ، وظلم لا يدعه الله، فأما الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل فالشرك بالله ، وأما الظلم الذي يغفره الله عز وجل فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين

عز وجل، وأما الظلم الّذي لا يدعه الله عز وجل فالمداينة بين العباد . (1) وأيضاً بالاسناد عن الشيخ الصدوق في الخصال » ، قال : حدثنا محمد بن علي ما جيلويه رضی الله عنه، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم عن المفضل بن صالح ، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر ، قال : الظلم ثلاثة : ظلم يغفره الله عز وجل، وظلم لا يغفره، وظلم لا يدعه، فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك بالله عزوجل ، وأما الظلم الذي

ص: 457


1- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 325.

يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عز وجل، وأما الظلم الّذي لا يدعه

فالمداينة بين العباد (1)

ص: 458


1- الخصال ؛ للشيخ الصدوق: 118

[ الخطبة ( 178) ]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النصّ فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الطوسي

(ت / 460 ه-) في «الأمالي»: أخبرنا أبو الحسن ، عن محمّد بن علي بن المفضل عن علي بن الحسن أبي الحسن النحوي الرازي ، قال : أخبرني الحسن بن علي الزفري قال: حدثني العباس بن بكار الضبي قال: حدثني أبو بكر الهذلي عن

عكرمة عن ابن عباس قال: خطب أمير المؤمنين علیه السلام فقال: الحمد لله الذي

لا يحويه مكان، ولا يحدّه ،زمان، علا ،بطوله ودنا بحوله، سابق كل غنيمة وفضل وكاشف كل عظيمة وأزل، أحمده على جود كرمه ، وسبوغ نعمه، واستعينه على بلوغ رضاه، والرضا بما قضاه، وأؤمن به إيمانا وأتوكل عليه إيقانا . وأشهد أن لا إله إلا الله، الذي رفع السماء ،فبناها، وسطح الارض فطحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها ، والجبال أرساها، لا يؤوده خلق، وهو العلي العظيم. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى المشهور، والكتاب المسطور، والدين المأثور

إبلاء لعذره، وإنهاء لامره، فبلغ الرسالة ، وهدى من الضلالة، وعبد ربه حتى فى أتاه

اليقين، وصلى الله عليه وآله وسلم كثيرا.

أوصيكم بتقوى الله، فإن التقوى أفضل كنز، وأحرز حرز، وأعزّ عز فيها نجاة

ص: 459

کل هارب، ودرك كل طالب، وظفر كل غالب، وأحتكم على طاعة الله ، فإنها كهف العابدين، وفوز الفائزين، وأمان المتقين واعلموا أيها الناس - أنكم سيارة ، قد حدا بكم الحادي وحدا لخراب الدنيا حادي وناداكم للموت منادي فَلاً تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ) (1). ألا وإن الدنيا دار غرارة خداعة، (11) تنكح في كل يوم بعلا، وتقتل في كل ليلة أهلا وتفرق في كل ساعة شملا، فكم من منافس فيها، وراكن إليها من الامم السالفة، قد قذفتهم في الهاوية، ودمرتهم تدميرا، وتبرتهم تتبيرا، وأصلتهم سعيرا . أين من جمع فأوعى وشد فأوكى ومنع فأكدى ؟ بلى أين من عسكر العساكر، ودسكر الدساكر، وركب المنابر ، أين من بنى الدور، وشرف القصور، وجمهر الالوف؟ قد تداولتهم أيامها ابتعلتهم أعوامها، فصاروا أمواتا، وفي القبور ،رفاتا، قد نسوا ما خلفوا ووقفوا على ما أسلفوا ، ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) (2). وكأنّي بها وقد أشرقت بطلائعها، وعسكرت بفظائعها ، فأصبح المرء بعد صحته مريضا، وبعد سلامته نقيضا يعالج كربا ، ويقاسي تعبا في حشرجة السباق، وتتابع الفواق وتردد الانين والذهول على البنات والبنين والمرء قد اشتمل عليه شغل شاغل، وهول هائل، قد اعتقل منه اللسان، وتردد منه البنان، فأصاب مكروها ، وفارق الدنيا مسلوبا ، لا يملكون له نفعا، ولا لما حل به دفعا يقول الله عزوجل في كتابه: ﴿ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾ (3). ثم من دون ذلك أهوال القيامة ، ويوم الحسرة والندامة، يوم تنصب الموازين، وتنشر الدواوين، بإحصاء كل صغيرة، وإعلان كل كبيرة ، يقول الله في كتابه: ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً

ص: 460


1- لقمان : 33.
2- الأنعام: 62 .
3- الواقعة : 86.

وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (1) .

ثم قال : أيها الناس الآن الآن من قبل الندم ، ومن قبل أن تَقُولَ نَفْسُ يَا حَسْرَتَي عَلَى مَا فَرّطتُ فِي جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (2)، فيرد الجليل جل ثناؤه : بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (3) ، فوالله ما سأل الرجوع إلا ليعمل صالحا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا. ثم قال : أيها الناس الآن الآن ما دام الوثاق مطلقا، والسراج منيرا ، وباب التوبة مفتوحا ومن قبل أن يجف القلم، وتطوى الصحيفة، فلا رزق ينزل، ولا عمل يصعد المضمار اليوم، والسباق غدا، فإنكم لا تدرون إلى جنة أو إلى نار واستغفر الله لي ولكم» (4)

(الكهف : 49 ) .

ص: 461


1- وتمام الآية : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )
2- الزمر : 56 - 58 .
3- الزمر: 59
4- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : للشيخ الطوسي : 684 - 686

[ الخطبة (179)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: لا تدركه العيون..الى آخره. في كتاب الاصول من «الكافي»، روى كلامه لذعلب، وفيه بعض الجمل المذكورة هنا » . (1)

قال العرشي في التخريج مانصّه : رواه الكليني في اصول الكافي» (32) والشيخ الصدوق في كتاب الأمالي ( المجلس 55) وكتاب التوحيد ( 320 و 324)

والشيخ المفيد في كتاب الارشاد (131) باختلاف في الالفاظ . (انتهى ). (2) قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني

( ت / 328ه-) في الكافي ، عن محمّد بن أبي عبد الله ، رفعه عن أبي عبد الله علیه السلام قال بينا أمير المؤمنين علیه السلام يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له : ذعلب، ذو لسان بليغ في الخطب شجاع القلب، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟

قال: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره.

ص: 462


1- مدارك نهج البلاغة : 92 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة

فقال :يا أمير المؤمنين كيف رأيته ؟

قال: ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب ! إن ربي لطيف اللطافة لا يوصف باللطف عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل كل شيء لا يقال : شي قبله ، وبعد كل شي ، لا يقال له بعد

شاء الاشياء لا بهمّة، درّاك لا بخديعة في الاشياء كلها، غير متمازج بها ولا بائن منها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية ناء لا بمسافة قريب لا

، بصير بمداناة، لطيف لا بتجسّم موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحركة مريد لا بهمامة، لا بآلة

سميع ، لا بأداة، لا تحويه الاماكن ولا تضمنه الأوقات، ولا تحده الصفات، ولا تأخذه السنات سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الاشياء عرف ان لا ضدّ له وبمقارنته بين الاشياء عرف ان لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، واليبس بالبلل والخشن باللين والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، ومفرّق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرّقها، وبتأليفها على مؤلفها وذلك قوله تعالى : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّمْ تَذَكَّرُونَ ) (1)، ففرق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد له، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة المغرزها مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه، كان ربا إذ لا مربوب، وإلها إذ لا مألوه، وعالما إذ لا معلوم، وسميعا إذ لا مسموع» . (2)

وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في «الأمالي»، قال: حدثنا الشيخ

ص: 463


1- الذاريات : 49
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 1: 139 138 .

الدقاق ومحمّد بن

الجليل أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضی الله عنه ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن موسى أحمد السناني رضى الله عنهم ، قالوا : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا محمّد بن العباس، قال: حدثني محمّد بن أبي السري قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سعد بن طريف الكناني، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما جلس علي علیه السلام في الخلافة وبايعه الناس، خرج إلى المسجد متعمّما بعمامة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له ، لابساً بردة رسول الله الله منتعلا نعل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، متقلدا سیف رسول الله صلى الله عليه وسلم ا فصعد المنبر ، فجلس عليه متمكنا ، ثم شبك بين أصابعه، فوضعها أسفل بطنه ، ثم قال: يا معشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وسلم قازقا سلوني ، فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي وسادة، فجلست عليها، لافتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدق على ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول : صدق على ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ؟ ولولا آية في كتاب الله عز وجل لأخبرتكم بما كان وبما يكون ، وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )(1). ثم قال علیه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل أنزلت، أو في نهار أنزلت ، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، إلا أخبرتكم.

ص: 464


1- الرعد : 39

فقام اليه رجل يقال له ذعلب، وكان ذرب اللسان بليغا في الخطب، شجاع القلب، فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لاخجلته اليوم لكم في

مسألتي إياه . فقال : يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربّك ؟

فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره.

قال : فكيف رأيته ؟ صفه لنا .

قال : ويلك ! لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ويلك يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بقيام - قيام انتصاب - ولا بجيئة ولا بذهاب لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ،

يوم عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الاشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شي ولا يقال : شي فوقه أمام كل شئ ولا يقال له: أمام ، داخل في

الاشياء لاكشي في شئ داخل وخارج منها لاكشي من شي خارج . فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال تا الله ما سمعت بمثل هذا الجواب والله

لا عدت إلى مثلها .

ثم قال علیه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه الاشعث بن قيس، فقال: يا

أمير المؤمنين، كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم

يبعث إليهم نبي ؟ فقال : بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا ، وبعث إليهم نبيا ، وكان لهم ملك

سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا أيها الملك دنست علينا ديننا فأهلكته ، فاخرج نطهرك

ص: 465

ونقم عليك الحد . فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم. فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أن الله عز وجل لم يخلق

، خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك. قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته وبناته من بنيه ؟ قالوا صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة ، يدخلون النار بلا حساب والمنافقون أشد حالا منهم. فقال الاشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا. ثم قال علیه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني .

فقام إليه رجل من أقصى المسجد، متوكنا على عكازة، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلّني على عمل إذا أنا عملته نجانى الله من النار.

فقال له : اسمع يا هذا، ثم افهم، ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغنيّ لا يبخل بماله على أهل دين الله عزوجل، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها أي إلى الكفر بعد الايمان. أيها السائل، فلا تغترن بكثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة

وقلوبهم شتى.

أيها الناس، إنما الناس ثلاثة زاهد وراغب وصابر ، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ، ولا يحزن على شي منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام .

قال: يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما

ص: 466

أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حبيبا قريبا. قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين ، ثم غاب الرجل فلم نره، وطلبه الناس فلم

يجدوه ، فتبسم علي علیه السلام المنبر ثم قال : ما لكم، هذا أخي الخضر علیه السلام.

ثم قال علیه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني .

فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيه ، ثم قال للحسن علیه السلام يا حسن، قم فاصعد المنبر ، فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسن لا يحسن شيئا.

قال الحسن : يا أبه، كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى ؟ قال : بأبي وأمي أواري نفسي عنك، وأسمع وأرى ولا تراني . فصعد الحسن المنبر ، فحمد الله بمحامد بليغة شريفة ، وصلى على النبي وآله صلاة موجزة ، ثم قال : أيها سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهل تدخل

الناس

المدينة إلا من بابها ، ثم نزل، فوثب إليه على علیه السلام فتحمله، وضمه إلى صدره. ثم قال : للحسين : يا بني، قم فاصعد فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك ، فصعد الحسين علیه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وآله صلاة موجزة، ثم قال : معاشر الناس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : إن عليا مدينة ،هدى فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك

فوتب علي علیه السلام فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال : معاشر الناس ، اشهدوا أنهما

فرخا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووديعته التي استودعنيها ، وأنا استودعكموها. معاشر الناس ورسول الله سائلكم عنهما » . (1)

ص: 467


1- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 422 - 425 . وراجع ما رواه السيد الاستاذ في التعقيبات للخطبة (91) بأسانيده المتعددة.

[ الخطبة ( 180)]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الثقفي في كتاب الغارات [ابن أبي

(انتهى)

الحديد[ ج 1 ص 294] . انتهى (1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن ابراهيم بن محمد الثقفي ( ت / (283) ه- ) في «الغارات » بعنوان «ورود قتل محمّد بن أبي بكر على عليّ علیه السلام ، عن جندب بن عبد الله ، قال : والله اني لعند علي جالس إذ جاءه عبد الله بن قعين جد كعب يستصرخ من قبل محمّد بن أبي بكر، وهو يومئذ أمير على مصر ، فقام علي فنادى في الناس : الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم قال: أما بعد، فهذا صريخ محمّد بن أبي بكر واخوانكم من أهل مصر، وقد سار إليهم ابن النابغة عدو الله وعدوكم، فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا على باطلهم وضلالتهم منكم على حقكم، فكأنكم بهم ، قد بدؤوكم واخوانكم بالغزو، فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر ، عباد الله ان مصر أعظم من الشام خيرا، وخير أهلا ، فلا تغلبوا على مصر ، فان بقاء مصر في أيديكم عزّلكم

ص: 468


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

وكبت لعدوكم ، اخرجوا إلى الجرعة - والجرعة بين الكوفة والحيرة - لنتوافي هناك

كلنا غدا ان شاء الله .

فلما كان الغد خرج يمشي فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار يومه ذلك فلم يوافه منهم مائة رجل . فرجع ، فلما كان العشي بعث إلى الاشراف، فجمعهم، فدخلوا عليه القصر وهو كئيب حزين فقال الحمد لله على ما قضى من أمر

وقدر من فعل، وابتلاني بكم أيتها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرت ولا تجيب إذا

دعوت، لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم ربكم والجهاد على حقكم ؟! الموت أو الذل لكم في هذه الدنيا في غير الحق، والله لئن جاءني الموت - وليأتيني - فليفرق بيني وبينكم واني لصحبتكم لقال، ألا دين يجمعكم ؟ ، ألا حمية تغضبكم، إذ أنتم سمعتم بعدوكم ينتقص بلادكم ويشن الغارة عليكم ؟ ، أو ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الظلمة الطغام فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة، فيجيبونه في السنة المرة والمرتين والثلاث إلى أي وجه شاء، ثم أني أدعوكم وأنتم الو النهى وبقية الناس على المعونة وطائفة منكم على العطاء فتختلفون

وتتفرقون عني وتعصونني وتخالفون علي ؟. فقام إليه مالك بن كعب الارحبي فقال : يا أمير المؤمنين اندب الناس معي، فانه لا عطر بعد عروس، لمثل هذا اليوم كنت أدخر نفسي، وان الاجر لا يأتي

إلا بالكره.

ثم التفت إلى الناس وقال : اتقوا الله وأجيبوا إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا

عدوكم، وأنا أسير إليهم يا أمير المؤمنين. قال : فأمر على مناديه سعدا مولاه فنادى ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر وكان وجها مكروها ، فلم يجتمعوا إليه شهرا ، فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر بظاهر الكوفة، ثم إنه خرج وخرج معه أمير المؤمنين

ص: 469

علي علیه السلام فنظروا فإذا جميع من خرج معه نحو من ألفي رجل ، فقال على علیه السلام سيروا على اسم الله ، فوالله ما أخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم.

قال :فخرج مالك بهم وسار بهم خمس ليال.

ثم إن الحجاج بن غزية الانصاري قدم على عليّ من مصر، وقدم عليه عبد الرحمن بن المسيب الفزاري من الشام فأما الفزاري فكان عينه الله بالشام، وأما الانصاري فكان مع محمد بن أبي بكر بمصر فحدثه الانصاري بما عاين وشهد بهلاك محمد ، وحدثه الفزاري أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص تترى يتبع بعضها على أثر بعض بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر وحتى أذن معاوية بقتله على المنبر فقال له يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا بمثل سرور رأيته بالشام حتى أتاهم هلاك ابن أبي بكر . فقال على: أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم ،به لابل يزيد أضعافا . قال : فسرح

علي علیه السلام عبد الرحمن بن شريح الشامي إلى مالك بن كعب فرده من الطريق. :قال وحزن علي علىّ علیه السلام محمّد بن أبي بكر حتى رئي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا وان مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام

عوجا، ألا وان محمّد بن أبى بكر قد استشهد له فعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان

ما علمت لممن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر ويحب هين المؤمن، وأني والله ما ألوم نفسي على تقصير ولا عجز، واني بمقاساة الحرب لجد بصير، واني لاقدم على الامر وأعرف وجه الحزم وأقوم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا وأناديكم نداء المستغيث معربا ، فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمراء تصيرون الأمور إلى عواقب المساءة فأنتم القوم لا يدرك بكم الثار، ولا تنقض بكم الاوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين

ص: 470

يوما فجرجرتم علي جرجرة الجمل الاشدق ، وتثاقلتم إلى الارض تثاقل من ليس له نية في جهاد العدو، ولا رأي له في اكتساب الاجر ، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف (وكَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) (1) ، فأُفٍ لكم.

ثم نزل فدخل رحله . وأيضاً : حدثنا علي بن محمد بن أبي سيف: أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس اصيب لما فتح عمرو بن العاص مصر فبعث به إلى معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ بفلسطين، فحبسه معاوية في سجن له فمكث فيه غير كثير ، ثم انه هرب وكان ابن خال ،معاوية ، فأرى معاوية الناس أنه كره انفلاته من السجن، فقال لاهل الشام من يطلبه ؟ وقد كان معاوية - فيما يرون - أن ينجو ، فقال رجل من خثعم يقال له: عبيد الله بن عمرو بن ظلام وكان شجاعا وكان عثمانيا : أنا أطلبه، فخرج في خيله فلحقه بحوارين وقد دخل في غار هناك فجاءت حمر تدخله وقد أصابها المطر، فلما رأت الرجل في الغار فزعت منه فنفرت ، فقال حمارون كانوا قريبا من الغار والله ان لنفر هذه الحمر من الغار لشأنا ما نفرها من هذا الغار الا أمر ، فذهبوا ينظرون، فإذا هم به فخرجوا

فوافاهم عبيد الله بن عمرو بن ظلام فسألهم عنه ووصفه لهم، فقالوا له : ها هو ذافي الغار، فجاء حتى استخرجه وكره أن يحمله إلى معاوية فيخلي سبيله، فضرب عنقه ((2).

يحب

ص: 471


1- الأنفال : 6
2- الغارات؛ لابراهيم بن محمد الثقفي 1 : 290 - 294 ، ط / 1395ه-.

[ الخطبة (182)]

قال الجلالي : قوله : «الذي لم يلد فيكون في العز مشاركاً تقدم الاسناد اليه عن

الكليني (ت / 328ه-) في الخطبة (49) ، فراجع.

ص: 472

[ الخطبة ( 185)]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق( ت / 381ه-) في التوحيد، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضی الله عنه، قال : حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، قال: حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي علیهم السلام، قال : خطب أمير المؤمنين في الناس في مسجد الكوفة ، فقال: الحمد لله الذي لا من شي كان ولا من شي كوّن ما قد كان مستشهد بحدوث الاشياء على أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية، ولا له شبه مثال فيوصف بكيفية ، ولم يغب عن علمه شي فيعلم بحيثية، مبائن لجميع ما أحدث في الصفات وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات، محرم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده وعلى عوامق ناقبات الفكر تكييفه، وعلى غوائص سابحات الفطر

تصويرة، لا تحويه الاماكن العظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه

ص: 473

المقائيس لكبريائه ، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعن الافهام أن تستغرقه، وعن الاذهان أن تمثله قد يئست من استنباط الاحاطة به طوامح العقول، ونضبت عن

الاشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم ، واحد لا من عدد ودائم لا بأمد وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الاجناس ، ولا بشبح فتضارعه الاشباح ، ولا كالاشياء فتقع عليه الصفات قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه، وتحيرت الاوهام عن إحاطة ذكر أزليته ، وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الاذهان في لجج أفلاك ملكوته ، مقتدر بالآلاء، وممتنع بالكبرياء، ومتملك على الاشياء، فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به، قد خضعت له ثوابت الصعاب في محل تخوم قرارها وأذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق أقطارها، مستشهد بكلية الاجناس على ربوبيته، وبعجزها على قدرته، وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه ، فلا لها سحيص عن إدراكه إياها، ولا خروج من إحاطته بها ، ولا احتجاب عن إحصائه لها ، ولا امتناع من قدرته عليها ، كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركب الطبع

عليها دلالة بحدوث الفطر عليها قدمة، وبإحكام الصنعة لها عبرة فلا إليه حد

منسوب ، ولا له مثل مضروب، ولا شئ عنه محجوب، تعالى عن ضرب الامثال

والصفات المخلوقة علوا كبيرا.

وأشهد أن لا إله إلا الله إيمانا بربوبيته ، وخلافا على من أنكره، وأشهد أن محمّد عبده ورسوله المقر في خير مستقر ، المتناسخ من أكارم الأصلاب ومطهرات الارحام، المخرج من أكرم المعادن محتدا ، وأفضل المنابت منبتا، من أمنع ذروة وأعزّ ارومة من الشجرة التي صاغ الله منها أنبياءه وانتجب منها امناءه الطيبة العود، المعتدلة العمود الباسقة الفروع الناضرة الغصون اليانعة الثمار الكريمة الحشا في كرم غرست وفي حرم انبتت، وفيه تشعبت، وأثمرت، وعزت،

ص: 474

وامتنعت فسمت به و شمخت حتى أكرمه الله عز وجل بالروح الامين والنور المبين والكتاب المستبين وسخر له البراق، وصافحته الملائكة، وأرعب به الاباليس، وهدم به الاصنام والآلهة المعبودة دونه، سنته الرشد، وسيرته العدل وحكمه ،الحق صدع بما أمره ربه ، وبلغ ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد دعوته، وأظهر في الخلق أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حتى خلصت له الوحدانية وصفت له الربوبية، وأظهر الله بالتوحيد حجته، وأعلى بالاسلام درجته واختار

الله عز وجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة صلی الله علیه و آله وسلم له عدد ما صلى على أنبيائه المرسلين وآله الطاهرين. (1) وبالاسناد عن الهاروني ( ت / 424 ه-) في تيسير المطالب، قال: حدثنا يعقوب بن أحمد، قال حدثنا محمّد بن حميد الرازي ، قال ابو زهير عبد الرحمن

بن مقرى الدوسي، قال: حدثنا عوانة بن الحكم ، قال : حدثنا من حضر خطبة علي علیه السلام الّتي تسمى الغراء، خطب بها في مسجد الكوفة ، فكان مما حفظ منها بعد

ان حمد الله واثنى عليه بما هو أهله وصلى على رسول الله محمّد صلى الله عليه وسلم ان قال: الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر ولا تحجبه، الذي علا السواتر بكل مكرمة، وبان بكل فضيلة، وجل عن شبه الخليقة، وتنزه عن الافعال القبيحة ، وصدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه ، واحسن إليهم في قسمه، ولا إله إلا هو الواحد القهار العزيز الجبار الذي لم يتناها في الأوهام بتحذير، ولم يتمثل في العقول بتصوير ، ولم تنله مقاييس المقدرين، ولا شرحته نتائج الأوهام ولا ادركته تصاريف الاعتبار فأوجدته سبحانه لا محدوداً ولا شخصاً مشهوداً، ولا وقتته الأوقات فيجري عليه الأزمنة والغايات ولم يسبقه حال فيجري عليه

ص: 475


1- التوحيد للشيخ الصدوق : 7069.

الزوال، فسبحانه من عظيم عظم امره ومن كبير كبر قدره، ليس بذي كبر امتدت

أمره، إليه النهايات فكبرته تجسيداً ، ولا بذي عظم ألحقت به الغايات فعظمته تجسيماً ، علا عن التجسيم والتجسيد والتصوير والتحديد علوّاً كبيراً، شواهده بذلك قائلة ، وأحكامه فيه فاصلة، قد جمعت العقول عليها بدلالتها فظهر لديها تبيان حكمتها

حتى جلت عن المرتابين البهم ، وكشفت عنهم الظلم » . (1)

ص: 476


1- تيسير المطالب : 192 ، ط / 1395ه-.

[ الخطبة ( 186)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: ما وحده من

كيفه ... الى أن قال: لا يشمل بحد ولا يحسب بعد ... الخ ، قال في الاحتجاج وقال علیه السلام في خطبة اخرى: «لا يشمل بحد ... الى آخره. قوله علیه السلام الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء ... الى آخره . قال السيّد رحمه الله : ومن الناس من يسمي هذه الخطبة بالقاصعة، ذكر الشراح وجوها في تسميتها بالقاصعة، وذكروا أن السبب فيها هو أن أهل الكوفة كانوا قد فسدوا في آخر خلافة امير المؤمنين علیه السلام، وكثرت الفتن وإثارة الشر بين قبائلها ، فخرج اليهم على ناقة، فخطبهم بهذه الخطبة . قوله علیه السلام في هذه الخطبة : ولو أراد الله بأنبيائه ... الى قوله ذللا لعفوه، رواه

الكليني في المجلد الأول من كتاب فروع الكافي ص 219 طبع ایران» (1) قال العرشي في التخريج ما نصه: روى الشيخ الصدوق بعضها في كتاب التوحيد (24) ، وشيخ الطائفة في الأمالي (14) ، عن الامام الرضا، كما روى الشيخ الصدوق بعضها الآخر في كتاب التوحيد ( 320 و 324) والشيخ المفيد في الارشاد (131) في كلام أمير المؤمنين علیه السلام مع ذعلب اليماني ، وروى السيد المرتضى

سمس

ص: 477


1- مدارك نهج البلاغة : 96 .

المؤمنين » . (انتهى). (1)

جملة منها في الأمالي[ ج 1 ص 103]، عن أمير المؤمنين علیه السلام» . [ آج قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975ه-) في كنز العمال: عن الاصبغ بن نباتة ، قال : كنا جلوسا عند على بن أبي طالب فأتاه يهودي فقال : يا امير المؤمنين متى كان الله ؟ فقمنا إليه فلهزناه حتى كدنا نأتي على نفسه، فقال علي خلوا عنه ، ثم قال : اسمع يا اخا اليهود ما اقول لك باذنك، واحفظه بقلبك ، فانما احدثك عن كتابك الذي جاء به موسى بن ،عمران ، فان كنت قد قرأت كتابك وحفظته فانك ستجده كما اقول انما يقال : متى كان ؟ لمن لم يكن ثم كان، فاما من يزل بلا كيف يكون كان بلا كينونة، كائن لم يزل قبل القبل ، وبعد البعد لا يزال بلا كيف ولا غاية ولا منتهى إليه، انقطعت

دونه الغايات، فهو غاية كل غاية .

فبكى اليهودي وقال : والله يا امير المؤمنين إنها لفي التوراة هكذا حرفا حرفا

وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدا عبده ورسوله». (الأصبهاني في الحجة) (2) وبالاسناد عن الشيخ الصدوق في «التوحيد»، قال: حدثنا علي بن أحمد مد بن

محمّد بن عمران الدقاق رضی الله عنه، قال : حدثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني الحسين بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن داهر قال: حدثني الحسين بن يحيى الكوفي ، قال : حدثني قثم بن قتادة، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال : بينا أمير المؤمنين علیه السلام يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له ذعلب ذرب اللسان بليغ في الخطاب، شجاع القلب ، فقال : يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك ؟

فقال : ويلك ياذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره.

ص: 478


1- راجع استناد نهج البلاغة .
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 407:11

قال :يا أمير المؤمنين كيف رأيته ؟

قال : ويلك ياذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب

بحقائق الايمان، ويلك ياذعلب إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف » . (1)وبالاسناد عن سبط ابن الجوزي ( ت / 654ه- ) ، قال : فصل ومن كلامه في التوحيد روى عطية العوفي، عن ابن عباس قال: سأل رجل امیرالمؤمنين فقال له: هل رأيت ربك؟ فقال: أنا أعبد من لا أرى ؟! وفي رواية: ما كنت لأعبد ربا لم أره .

فقال : وكيف رأيته أو كيف تراه ؟ فقال : لاتدركه العيون بمشاهدة العيان وانما

تدركه القلوب بحقائق الايمان قريب من الاشياء غير ملابس بعيد عنها غير

مباین متكلم بلا ،رؤية مريد لابهمة، صانع لابجارحة ، لطيف لا يوصف بالجفاء،

كبير لا ينعت بالجفاء، بصير لابحاسة، رحيم لا برأفة - أو برقة ، تعنو الوجوه

مخافته » . (2)لعظمته وتوجل القلوب من بن

ص: 479


1- التوحيد ؛ للشيخ الصدوق : 308 وروى معناه المجلسي في البحار 52:4 و 304 وعن المحاسن في 4: 53 وعن التوحيد والأمالي في 4: 27 .
2- تذركة الخواص : 144 ، ط / 1401ه-.

[ الخطبة (189)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن محمّد بن الحسن الصفار ( ت / 290ه-) في (بصائر الدرجات » ، قال : حدثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمّد بن سنان، عن عمار بن مروان ، عن المنخل عن جابر ، قال : قال أبو جعفر رضی الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان حديث آل محمّد صعب مستصعب، لا يؤمن به الا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل محمّد فلانت له قلوبكم وعرفتوه فاقبلوه ، وما اشمازت منه قلوبكم وانكرتموه فردوه إلى الله والى الرسول والى العالم من آل محمد، وانما الهالك ان يحدث احدكم بشي منه لا يحتمله فيقول: والله ما كان هذا ، ثلاثاً » . (1)

وقال حدثنا أبو جعفر عن علي بن الحكم عن ذريح المحاربي، عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين رضی الله عنه قال : سمعته يقول: ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا نبي مرسل أو ملك مقرّب ومن الملائكة غير مقرب. حدثنا أبو جعفر ، عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود، عن أبي جعفر علیه السلام.

ص: 480


1- بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار : 41 .

قال: سمعته يقول: «أن حديث آل محمّد صعب مستصعب ثقيل مقنع أجرد ذكوان ، لا يحتمله الّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان، أو مدينة حصينة ، فإذا قام قائمنا نطق وصدقه القرآن» . (1)

وقال: حدثنا محمّد بن الحسين عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام: « حديثنا صعب مستصعب لا يؤمن به الا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان، فما عرفت قلوبكم فخذوه وما انكرت فردّوه الينا» (2)

وقال : حدثنا ابراهيم بن اسحاق عن عبد الله حماد، عن صباح المزني عن الحارث بن حصير، عن الاصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علیه السلام، قال : سمعته يقول: «أن حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذا فمن عرف فزيدوه ومن انكر فامسكوا، لا يحتمله الا ثلاث: ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان « .(3)

وقال حدثنا عبد الله بن عامر عن البرقي، عن الحسين بن عثمان، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «ان حديثنا صعب مستصعب لا يؤمن به الا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه

للايمان، فما عرفت قلوبكم فخذوه وما انكرت قلوبكم فردوه الينا» (4) وقال: حدثنا سلمة بن الخطاب، عن محمّد بن المثنى، عن أبي عمران النهدي عن المفضل ، قال : سمعت ابا عبد الله علیه السلام يقول: « حديثنا صعب

ص: 481


1- بصائر الدرجات ؛ لمحمّد بن الحسن الصفار : 41 .
2- بصائر الدرجات ؛ لمحمّد بن الحسن الصفار : 41 .
3- بصائر الدرجات ؛ لمحمّد بن الحسن الصفار : 41.
4- بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفار : 42 .

مستصعب لا يحتمله الاملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان . حدثنا سلمة، عن محمّد بن المثنى عن ابراهيم بن هشام، عن اسماعيل بن عبد العزيز قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: حديثنا صعب مستصعب ، قال : :قلت فسّر لي جعلت فداك، قال: ذكوان ذكيّ ،ابدا ، قال : أجرد قال طري ابدا :قلت مقنع، قال مستور » (1) وقال : حدثنا عبد الله بن محمّد عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن عمرو بن شمر ، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «ان حديثنا صعب

مستصعب اجرد ذكوان وعر شريف كريم ، فإذا سمعتم منه شيئا ولانت له قلوبكم فاحتملوه واحمدوا الله عليه وان لم تحتملوه ولم تطيقوه فردوه إلى الامام العالم من آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم، فانما الشقى الهالك الذي يقول : والله ما كان هذا ثم قال : يا جابر

ان الانكار هو الكفر بالله العظيم(2)

وقال حدثنا احمد بن ابراهيم عن اسماعيل بن مهزیار عن عثمان بن جبلة

عن أبي الصامت ، قال أبو عبد الله علیه السلامّ: « ان حديثنا صعب مستصعب شريف كريم ذكوان ذكي وعر، لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن قلت ، : فمن يحتمله جعلت فداك ؟ قال : من شئنا يا ابا الصامت قال أبو الصامت فظننت ان لله عباداً هم افضل من هؤلاء الثلاثة ) .(3) وروى العلامة المجلسي ( ت / 1111 ه-) في بحار الأنوار بالاسناد عن الصدوق (ت / 381 ه-) في حديث الأربعمائة ، قال أمير المؤمنين علیه السلام خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم مما ينكرون، ولا تحمّلوهم على أنفسكم وعلينا إن

ص: 482


1- بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفار : 42 .
2- بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفار : 42 .
3- بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار : 42 .

أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان». (1)

وروى العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن الصدوق في معاني الأخبار»، عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس عن الحسين بن عبد الله ، عن اليقطيني ، عن بعض أهل المدائن ، قال : كتبت إلى أبي محمّد علیه السلام: روي لنا عن آبائكم علیهم السلام أن حديثكم صعب مستعصب لا يحتمله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، قال : فجاءه الجواب: إنما معناه : أن الملك لا يحتمله في جوفه حتى يخرجه إلى ملك مثله، ولا يحتمله نبي حتى يخرجه إلى نبي مثله، ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه إلى مؤمن مثله ، إنما معناه أن لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتى يخرجه إلى غيره (2)

وبالاسناد، عن سعد عن البرقي، عن أبيه، عن ابن سنان، عن إبراهيم بن

، أبي البلاد، عن سدير، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول أمير المؤمنين علیه السلام: إن أمرنا صعب مستصعب لا يقرّ به إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان فقال: إن من الملائكة مقربين وغير مقرّبين، ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين، ومن المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين، فعرض أمركم هذا على الملائكة فلم يقرّ به إلا المقربون، وعرض على الأنبياء فلم يقرّ به إلا المرسلون، وعرض على المؤمنين فلم يقربه إلا الممتحنون ، قال : ثم قال لي: مر في حديثك». (3)

وروى العلامة المجلسي (ت / 1111 ه-) في بحار الأنوار عن الطبري

ص: 483


1- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 2 : 183 .
2- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 2 : 184 .
3- بحار الأنوار ؛ للعلامة المجلسي 2 : 184 .

(ت / 553 ه-) في بشارة المصطفى، عن محمّد بن علي بن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده، عن أبي الحسين بن أبي الطيب عن أحمد بن القاسم الهاشمي، عن عيسى، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة عن صالح بن ميثم، عن أبيه قال بينما أنا في السوق إذ أتاني أصبغ بن نباتة فقال : ويحك يا ميثم لقد سمعت من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام حديثا صعبا شديدا، فأينا نكون كذلك ؟ قلت : وما هو ؟ قال: سمعته يقول : إن حديثنا أهل البيت صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فقمت من فورتي فأتيت عليا فقلت: يا أمير المؤمنين حديث أخبرني به الأصبغ عنك قد ضفت به ذرعا قال: وما هو ؟ فأخبرته . قال : فتبسم ، ثم قال اجلس يا ميثم أو كل علم يحتمله عالم ؟ إن الله تعالى قال لملائكته : ( إِنِّي جَاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ (1). فهل رأيت الملائكة احتملوا العلم ؟ قال : قلت: هذه والله أعظم من ذلك .

قال: والاخرى أن موسى علیه السلام أنزل الله عز وجل عليه التوراة فظن أن لا أحد أعلم منه فأخبره الله عز وجل أن في خلقي من هو أعلم منك، وذاك إذ خاف على نبيه العجب، قال: فدعا ربه أن يرشده إلى العالم، قال: فجمع ، قال: فجمع الله بينه وبين الخضر ، فخرق السفينة فلم يحتمل ذاك موسى، وقتل الغلام فلم يحتمله . وأقام الجدار فلم يحتمله . وأما المؤمنون ، فإن نبينا صلی الله علیه و آله وسلم الأخذ يوم غدير خم بيدي فقال: اللهم من كنت مولاه فإن عليا ،مولاه فهل رأيت احتملوا ذلك إلا من عصمه الله منهم ؟ فأبشروا ثم أبشروا، فإن الله تعالى قد خصكم بما لم يخص به الملائكة والنبيين

ص: 484


1- البقرة : 30

والمرسلين فيما احتملتم من أمر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و لعلمه .(1)

وعن

وروى أبو جعفر الإسكافي ( ت / 220 ه-) في المعيار والموازنة» مانصّه : أجوبة الامام أمير المؤمنين علیه السلام عن أسئلة ابن الكواء عن آيات من القرآن الكريم أجلّة أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم . وفي ذيل الكلام بيان منزلته عند رسول الله ، ثم قوله حول اختلاف الاحاديث المروية عن رسول الله، وأن المعتمد منها هو ما اقتبسه عنه صلی الله علیه و آله وسلم وأما غيره فلا بد من التثبت فيه ، ثم قال الاسكافي مانصه : وذكروا أن ابن الكواء لما سمع عليا يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإن

العلم يقبض قبضاً، سلوني فإن بين الجوانح منّي علما جما. فقام إليه ابن الكواء فقال : أنا أسألك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: سل تفقها ولا تسل ،تعنتا وسل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك. قال: يا أمير المؤمنين ما

(الدَّارِيَاتِ ذَرُواً ) (2) ؟

قال : تلك الرياح.

قال : فما (الحاملاتِ وِقْراً )(3)؟

قال: تلك السحاب.

قال: فما ( الْجَارِيَاتِ يُسْراً ) (4)؟

قال :تلك السفن.

قال : فما ( الْمُقَسَّماتِ أَمْراً ) (5)؟

قال: تلك الملائكة .

ص: 485


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي 2: 210 و 211
2- الذاريات : 1
3- الذاريات : 2
4- الذاريات : 3 .
5- الذاريات : 4 .

قال: فحدثني عن قول الله : ( وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ )(1)

قال: ذلك الضراح بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك .

قال: فحدثني عن ذي القرنين أنبي أم ملك ؟!

قال: ليس واحد منهما ولكن كان عبدا نصح الله فنصح الله له ، وأحب الله فأحبه . قال: فأخبرني فيمن نزلت هذه الآية : (ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً

وَأَحَلُوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) (2) . :قال هم الافجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله

دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.

قال : فحدثني عن قوله : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (3).

قال: هم أهل حروراء.

قال: يا أمير المؤمنين فحدثني عن هذه المجرة، ما هي ؟ :قال: هذه أسراج السماء ومنها هبط من السماء الماء المنهمر . :قال يا أمير المؤمنين فحدثني عن قوس قزح ؟

قال : لا تقل قوس قزح ، ولكنها قوس الله وأمان من الغرق. قال: فحدثني عن هذا المحق الّذي في القمر ما هو ؟

قال: قال الله: (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةٌ ) (4)كان ضوء القمر

مثل ضوء الشمس فمحاه الله .

قال: فحدثني عن أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 486


1- الطور : 4 - 5 .
2- ابراهیم : 28 .
3- الكهف : 103 - 104 .
4- الاسراء : 12 .

قال : سل عمن أحببت.

قال: عبد الله بن مسعود ؟

قال: قرأ القرآن وقام عنده

قال: فحدثني عن أبي ذر الغفاري

قال عالم شحيح على علمه.

قال فعن حذيفة بن اليمان حدثني ؟

قال: عرف المنافقين وسأل عن المعضلات، ولو سألتموه وجدتموه بها خبيرا.

قال: فحدثني عن سلمان الفارسي ؟

قال : علم علم الاول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزح ، ويحك ومن لك بلقمان

الحكيم وهو منا أهل البيت ؟

قال: فحدثني عن عمار بن ياسر ؟

قال: خالط الايمان شعره وبشره ولحمه ودمه وعصبه وعظامه وهو محرّم على

النار ، كيف زال الحق زال معه عمار.

قال: فحدثني عن نفسك.

قال : قال الله : ( فَلَا تُزَكُوا أَنفُسَكُمْ )(1)!

قال : وقد قال : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )(2).

قال : ويحك ! كنت أول داخل على النبي وآخر خارج من عنده وكنت إذا

سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت وكنت أدخل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة، وربما كان ذلك في بيتي يأتيني رسول الله عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك في منزلي، فإذا دخلت عليه في بعض منازله أخلابي وأقام

ص: 487


1- النّجم : 32 .
2- الضحى : 11

نساءه فلم يبق عنده غيري، وإذا أتاني لم يقم فاطمة ولا أحداً من ولدي، فإذا سألته أجابني، وإذا سكت عنه ونفدت مسائلي ابتدأني . فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها على وكتبتها بخطي، فدعا الله أن يفهمني ويعطيني، فما نزلت آية من كتاب الله إلا حفظتها وعلمني تأويلها وما تركت شيئا من حلال ولا حرام إلا وقد حفظته وعلمني تأويله، لم أنس منه حرفا واحدا منذ وضع

يده صلی الله علیه و آله وسلم على صدري فدعا الله أن يملأ قلبي فهما وعلما وحكما ونورا (1) . وقال الاسكافي ( ت / 220 ه-) في المعيار الموازنة - أيضاً -: وفي تحقيق ذلك : رت ما تأثرونه من روايتكم عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال لعلى : إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك ولا أجفوك، فحقيق علي أن أعلمك وحقيق عليك أن تعي. وذكروا أن سائلا سأله عن أحاديث البدع وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر فأقبل على السائل فقال له : قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس

حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما متشابها و حفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله له على عهده حتى قام خطيبا فقال : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس رجل منافق مظهر للايمان متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: هذا صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و ورآه وسمع منه . فيأخذون عنه، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به ، ثم بقوا بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الاعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله . فهذا أحد الأربعة.

ص: 488


1- المعيار والموازنة : 298 - 301 .

ورجل سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبا ، فهو في يديه يعمل به ويرويه ويقول: أنا سمعته من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو يعلم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه .

و آخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله ، ولم يهم بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه وحفظ الناسخ والمنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، وعرف الخاص من العام فوضع كل شي موضعه وعرف المتشابه بمحكمه ، وقد كان يكون من رسول الله الكلام له وجهان فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ولا ما عنى به رسوله فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله. وليس كل أصحاب رسول الله من كان يسأله علیه السلام ويستفهمه حتى أن كانوا ليحبّون أن الاعرابي أو الطارئ فيسأله حتى يسمعوا. وكان لا يمرّ بي من ذلك شئ إلا سألت عنه وحفظته. فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم . انتهى كلامه علیه السلام (1) وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975ه-) في كنز العمال: عن أبي المعتمر مسلم بن أوس وجارية بن قدامة السعدي، أنهما حضرا علي بن أبي طالب علیه السلام يخطب وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني ! فاني لا أسأل عن شي دون العرش

ص: 489


1- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي : 301-304

إلا أخبرت عنه. (ابن النجار) (1)

وعن المتقي الهندي في كنز العمال عن سعيد بن المسيب ، قال : ما كان احد

من الناس يقول : سلوني، غير علي بن أبي طالب (ابن عبد البر )(2)

ص: 490


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 13 165، ح 2. 395 .
2- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 13 : 131 ، ح 39503

[ الخطبة ( 192)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الطوسي( ت / 460 ه-) في «الأمالي»، وفيه : حدثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي قدس الله روحه، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن موسى بن الصلت قال حدثنا أحمد بن محمّد بن سعيد عن بن القاسم عن

المنبر أحمد

عباد ، عن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن شريك، عن أبيه ، قال : صعد علي علیه السلام جمعة ، فقال : أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها بعدي إلاكذاب، ما يوم زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين طلحة والزبير، والقاسطين معاوية وأهل الشام والمارقين وهم أهل النهروان ولو أمرني بقتال الرابعة لقاتلتهم» ((1)

وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774ه-) في جامع المسانيد والسنن»، قال: حدثنا

عباد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سعد ، حدثنا سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة،

عن علي قال: «عهد إليّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين . (2)

ص: 491


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 726 .
2- جامع المسانيد والسنن 20 : 210 ، الحديثان 704 و 705 .

وبالاسناد عن ابن كثير (ت / 774ه- ) في ( جامع المسانيد والسنن ، عن ابن

عباس ، قال : «اول من صلى مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم، بعد خديجة، عليّ. وقال مرة: أسلم». وعن زيد بن أرقم ، قال : أول من أسلم مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علي رضي الله

تعالى عنه » .

وعن عمرو بن ميمون ، قال : إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط

:فقالوا: يا أبا عباس ! إما أن تقوم معنا وإما أن يخلونا هؤلاء. قال : فقال ابن عباس : بل أقوم معكم . قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى.

:قال فابتدؤا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا . قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول أف وتف وقعوا في رجل له عشر . وقعوا في رجل قال له النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا بعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً، يحب الله ورسوله، قال: فاستشرف لها من استشرف . قال : ( أين علي ؟ قالوا : هو في الرحل يطحن . قال :

وما كان أحدكم ليطحن ؟» قال فجاء، وهو أرمد لا يكاد يبصر . قال فنفث في عينيه ، ثم هز الراية ثلاثاً .

فأعطاها إياه، فجاء بصفية بنت حيي . قال: ثم بعث فلاناً بسورة التوبة. فبعث علياً خلفه فأخذها منه، قال: «لا

يذهب بها إلا رجل منى وأنا منه».

:قال وقال لبني عمه: «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة»، قال: وعلي معه جالس فأبوا. فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة . قال : « أنت وليّي في الدنيا والآخرة قال فتركه ثم أقبل على رجل منهم فقال: «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة»؟ فأبوا. قال فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال: «أنت وليّي في الدنيا والآخرة».

قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة .

ص: 492

قال: وأخذ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم به فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين

فقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1). قال: وشرى علي نفسه . لبس ثوب النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم نام مكانه :قال وكان المشركون يرمون رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم . قال وأبوبكر يحسب أنه نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم قال فقال : يا نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم قال فقال له علي إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر

ميمون، فأدركه. قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار.

قال : وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم، وهو يتضور. قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه ، حتى أصبح . ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للثيم . كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر. وقد استنكرنا ذلك.

قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي : أخرج معك ؟ فقال له نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا» فبكى علي فقال له: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغى أن أذهب إلا وأنت خليفتي».

قال : وقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «أنت ولبي في كل مؤمن بعدي. وقال: «سدوا أبواب المسجد غير باب علي فقال : فيدخل المسجد جنباً،

وهو طريقه، ليس له طريق غيره.

قال :وقال: (من كنت مولاه، فإن مولاه علي

قال :وأخبرنا الله عز وجل فى القرآن أنه قد رضى عنهم ، عن أصحاب الشجرة،

فعلم ما قلوبهم .. هل حدثنا أنه سخط عليهم بعد ؟

قال: وقال نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم ، عمر ، حين قال له ائذن لي فلأضرب عنقه، يعني: حاطب أبي بلتعة، وكان أرسل إلى المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « أو كنت فاعلاً؟ وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر

ص: 493


1- الاحزاب : 33.

فقال: اعلموا ما شئتم (1)

وعن اسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي، عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرءاً ،تاجراً، فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لا بتاع منه بعض التجارة، وكان أمراً ،تاجراً ، فوالله إني لعنده بمنى ، إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى الشمس ، فلما رآها ،مالت قام يصلي . قال : ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه

تصلي ، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي . قال : فقلت للعباس: من هذا؟ يا عباس ! قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. قال: فقلت من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة ابنة

خويلد قال قلت فما هذا الذي يصنع ؟ قال : يصلي وهو يزعم أنه نبي، ولم

يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى. وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز

كسرى وقيصر».

قال :فكان عفيف، وهو ابن عم الأشعث بن قيس، يقول - وأسلم بعد ذلك، فحسن إسلامه : لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ، فأكون ثالثاً مع علي بن أبي طالب . (2) وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774ه-) في جامع المسانيد والسنن»، قال

ص: 494


1- رواه أحمد في مسنده [ص 330 ج 1](ميمنية) ، ووقع برقم 3062 (ط. الشيخ شاكر)، ورواه 3 الطبراني في الكبير الأوسط باختصار ورجال أحمد رجال الصحيح ، وروى الترمذي منه قطعتين من طريق آخر .
2- جامع المسانيد والسنن ج 20 ص 211 ، والحديث صحيح رواه البخاري في التاريخ الكبير عن ابن المديني ، وابن كثير في التاريخ والحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، وقال الذهبي : صحيح ، ورواه الطبري في التاريخ، وابن عبد البر في الاستيعاب ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 103:9 : « رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه، والطبراني بأسانيد ، ورجال أحمد ثقات.

تحت عنوان «مبايعته الرسول صلی الله علیه و آله وسلم: عن ربيعة بن ناجذ عن علي قال : جمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أو دعا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بني عبد المطلب، فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة، ويشرب الفرق ! قال : فصنع لهم مداً من طعام فأكلوا حتى شبعوا، قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر، فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يمس، أو لم يشرب فقال : يا بني عبد المطلب : إني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ؟ قال : فلم يقم إليه أحد، قال: فقمت إليه، وكنت أصغر القوم، قال: فقال : اجلس . قال : ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي : إجلس، حتى كان الثالثة ضرب بيده على يدي ) .(1)

وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774ه-) في «جامع المسانيد والسنن » ، قال تحت عنوان « علي أول رجل صلى مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : وعن ابن عباس قال: «أول من

صلى علي ». (2)

وعن حبة ،العرني، قال: سمعت علياً يقول: «أنا أول رجل صلّى مع

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(3)

وقال ابن إسحاق : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى معه

وصدق بما جاءه من الله تعالى: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم

ص: 495


1- رواه أحمد، ورجاله ثقات والفرق بفتح الحاء والراء مكيال يسع ستة عشر رطلا عند الحجاز : (النهاية) . والغمر : بضم الغين وفتح الميم : القدح الصغير.
2- جامع المسانيد والسنن ،9:19 ، وأخرجه الترمذي 5 : 642 في 50 - كتاب المناقب - 21 باب حدثنا سفيان بن وكيع ، وقال : هذا حديث غريب من هذا الوجه. وقد روى عن أبي رافع ، قال : صلى النبي يوم الاثنين وصلت خديجة يوم الاثنين من آخر النهار ، وصلى علي يوم الثلاثاء ؛ فمكث علي يصلي مستخفياً سبع سنين وأشهراً قبل أن يصلي أحد . رواه الطبراني.
3- أخرجه أحمد 1: 141 (ط / الميمنية) ، والحديث 1191 (ط / الشيخ شاكر)، وإسناده صحيح.

رضوان الله وسلام وسلامه عليه، وهو يومئذ ابن عشر سنين. وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب علیه السلام، أنه كان في حجر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلمقبل الإسلام . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد، عن جبر أبي الحجاج، قال: كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له ، وأراده به من الخير أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة. وكان أبو طالب ذا عيال كثير . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه ، وكان من أيسر بني هاشم : « يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة. فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله. آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً ، فنكفهما عنه فقال العباس : نعم . فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له : إنا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علياً فضمه إليه . وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه . فلم يزل علي مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلمله حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبياً. فاتبعه علي وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه .

وقال ابن إسحاق : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة، خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفياً من أبيه أبي أعمامه وسائر ،قومه، فيصليان الصلوات فيها . فإذا أمسيا رجعا .

طالب، ومن جميع

فمكثا كذلك ما شاء الله : يا بن أخي ! ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال : أي عم ! هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم - أو كما قال صلى الله عليه وسلم بعثني الله به رسولاً إلى العباد وأنت ، أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجانبي إليه وأعانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب أي ابن أخي ! إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه . ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت

ص: 496

وذكروا أنه قال لعلي أي بني! ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: يا أبت! آمنت بالله وبرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وصدقته بما جاء به، وصليت معه الله واتبعته، فزعموا أنه

قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير، فالزمه .(1)

ص: 497


1- جامع المسانيد والسنن : 19 : 9 - 11 ، ط / 1415ه-، وراجع: السيرة لابن هشام 1 262 - 364 . 9:19

[ الخطبة ( 193)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه- ) في التخريج : « قوله علیه السلام: أما بعد، فان الله سبحانه خلق الخلق ... الخ ، قال الشارح العلامة من هاهنا اختلفت نسخ النهج، فكثير منها تكون هذه الخطبة فيها أول الجلد الثاني منه، بعد الخطبة المسماة بالقاصعة، ويكون عقيب كلامه للبرج بن مسهر :قوله ومن خطبة له علیه السلام: الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ... الخ، وكثير من النسخ تكون هذه الخطبة فيها متصلة بكلامه للبرج - الى أن قال : وعليه [أي على كون خطبة همام له بعد كلامه للبرج ] جماعة من الشارحين ، كالامام قطب الدين أبي الحسن الكيدري والفاضل عبد الحميد، ووافقتهم في هذا الترتيب لغلبة الظن باعتمادهم على النسخ الصحيحة». انتهى . ونحن نوافقهم على هذا الترتيب أيضاً، وهذا الاختلاف غير قادح في الاعتماد على الكتاب والظاهر أنه وقع من بعض الناسخين في تقديم بعض اجزاء الكتاب على البعض الآخر. وهذه الخطبة رواها كثير من أهل العلم بروايات مختلفة فقد رواها في كتاب تحف العقول في «ص 37 »طبع ایران ولم يذكر قصة همام وذكرها الكراجكي في (ص-31) بأبسط مما ذكر هنا مع اختلاف في بعض الفقرات، وقد ذكرها ابن حجر في الصواعق بأخصر مما هنا، وذكر قصة

ص: 498

همام وانه ابن عباد بن خيثم ، وفي الشرح : انه شريح بن يزيد، وروى الكليني في أصول الكافي كلاماً لامير المؤمنين في صفة المؤمن، وقد طلب منه همام أن يصفه ،له، وهو غير ما روي هنا لانه في صفة المتقين. وتلك رواية أخرى في صفة المؤمن ».(1)

قال العرشي في التخريج مانصه : رواها الشيخ الصدوق في الامالى

(المجلس 84)(2)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني( ت / 328ه-) في« الكافي»، عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن داهر ، عن الحسن بن يحيى، عن قثم أبي قتادة الحراني ، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال : قام رجل يقال له : همام - وكان عابدا ناسكا ،

مجتهدا - إلى أمير المؤمنين علیه السلام وهو يخطب ، فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه ؟

فقال : يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه وحزنه في قلبه أوسع شئ صدرا، وأذل شئ نفسا زاجر عن كل فان حاض على كل حسن، لا حقود ولا حسود ولا ،وثاب ولاسباب ولا عياب ولا مغتاب يكره الرفعة ويشنأ ،السمعة طويل الغم، بعيد الهم كثير الصمت، وقور، ذكور، صبور، ،شکور، مغموم بفكره مسرور بفقره، سهل الخليقة لين العريكة، رصين الوفاء قليل الأذى، لا متأفك ولا متهتك . إن ضحك لم يخرق ، وإن غضب لم ينزق ضحكه تبسم، واستفهامه تعلّم، ومراجعته تفهم كثير علمه، عظيم حلمه، كثير الرحمة لا يبخل، ولا يعجل ، ولا يضجر، ولا يبطر ، ولا يحيف في حكمه،

ص: 499


1- مدراك نهج البلاغة : 94
2- راجع استناد نهج البلاغة

ولا يجور في علمه نفسه أصلب من الصلد ومكادحته أحلى من الشهد

، لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلّف ولا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة. عدل إن غضب رفيق إن طلب، لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر خالص الود، وثيق العهد، وفي العقد شفيق، وصول، حليم ،خمول قليل الفضول راض عن الله عز وجل مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه ولا يخوض فيما لا يعنيه ناصر ،للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه ، ولا ينكي الطمع قلبه، ولا يصرف اللعب حكمه، ولا يطلع الجاهل علمه ،قوال، عمّال ، عالم، حازم ، لا بفحاش ولا بطياش وصول في غير عنف، بذول في غير سرف، لا بختال ولا بغار، ولا يقتفي أثرا، ولا يحيف ،بشرا، رفيق بالخلق، ساع في الأرض، عون للضعيف ، غوث للملهوف، لا يهتك سترا ولا يكشف سرا ، كثير البلوى قليل الشكوى، إن رأى خيراً ذكره، وإن عاين ه، يستر العيب، ويحفظ الغيب، ويقيل العثرة ويغفر الزلّة، لا يطلع على

نصح فيذره، ولا يدع جنح حيف فيصلحه، أمين، رصين، تقيّ، نقي، زكي رضي، يقبل العذر، ويجمل الذكر، ويحسن بالناس الظن، ويتهم على الغيب نفسه، يحب في الله بفقه وعلم، ويقطع في الله بحزم وعزم ، لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح مذکر للعالم ، معلم للجاهل ، لا يتوقع له بائقة ، ولا يخاف له غائلة ، كل سعي أخلص أخلص عنده من سعيه، وكل نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه

، شاغل بغمه لا يثق بغير ربه غريب وحيد جريد حزين ، يحبّ في الله ، ويجاهد في الله ليتبع رضاه، ولا ينتقم لنفسه بنفسه، ولا يوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر، مصادق لاهل الصدق، مؤازر لاهل الحق عون للقريب أب لليتيم بعل للارملة، حفيّ بأهل المسكنة، مرجو لكل كريهة، مأمول لكل شدة هشاش بشاش، لا بعباس ولا بجساس ، صلیب ، كظام، بسام ، دقيق النظر ، عظيم الحذر، لا يجهل وإن جهل عليه يحلم لا يبخل وإن بخل عليه صبر، عقل فاستحيى

شراً ستره، ستره،

ص: 500

وقنع فاستغنى حياؤه يعلو ،شهوته، ووده يعلو ،حسده وعفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، ولا يلبس إلا الاقتصاد، مشيه التواضع، خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته، نيّته خالصة، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة، نظره عبرة، سكوته فكرة، وكلامه حكمة مناصحا متباذلا متواخيا ناصح في السر والعلانية، لا يهجر أخاه، ولا يغتابه، ولا يمكر به، ولا يأسف على ما فاته، ولا يحزن على ما أصابه، ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، ولا يفشل في الشدة، ولا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر، تراه بعيدا ،کسله دائما ،نشاطه قريبا ،مله قليلا ،زلله ، متوقعا لأجله خاشعا قلبه ، ذاكرا ربه، قانعة نفسه، منفيا جهله سهلا ،مره، حزينا لذنبه ، ميتة شهوته كظوما غيظه صافيا ،خلقه، آمنا

منه جاره ، ضعيفا كبره ، قانعا بالذي قدّر له، متينا صبره، محكما أمره ، كثيرا ذكره، يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم، لا ينصت للخبر ليفجر به، ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ، ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ، ولا دنّوه خديعة ولا خلابة ، بل يقتدي يمن كان قبله من أهل الخير ، فهو إمام لمن بعده من أهل البر. :قال فصاح همام صيحة ، ثم وقع مغشيا عليه، فقال أمير المؤمنين علیه السلام: أما والله

:لقد كنت أخافها عليه وقال : هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها .

فقال له قائل : فما بالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إن لكلّ أجلاً لا يعدوه، وسببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد؛ فإنما نفث على

لسانك شيطان» (1)

ص: 501


1- الكافي للشيخ الكليني 2: 226 - 231 .

وبالاسناد عن الشيخ الصدوق ( ت / 381ه-) في صفات الشيعة»، قال: حدثني محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضی الله عنه، قال : حدثني محمّد بن الحسن الصفار، قال حدثنا علي بن حسان الواسطي، عن عمه عبد الرحمان بن كثير الهاشمي، عن جعفر بن محمّد عن ابيه ، قال : قام من أصحاب أمير المؤمنين يقال له : همام - وكان عابدا - فقال له : يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني انظر إليهم.

فتثاقل امير المؤمنين علیه السلام في جوابه ثم قال علیه السلام: ويحك يا همام

اتق واحسن فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال :همام يا أمير المؤمنين أسألك بالذى اكرمك بما خصك به وحباك

وفضلك بما أتاك وأعطاك لما وصفتهم لي.

فقام أمير المؤمنين قائما على قدميه فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي وآله وسلم ثم قال اما بعد فان الله عز وجل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم ، آمنا من معصيتهم؛ لأنه لا تضره معصية من عصاه منهم ، ولا تنفعه طاعة من اطاعه منهم ، وقسم بينهم معايشهم، ووضعهم من الدنيا مواضعهم وانما اهبط الله آدم وحواء عليهما السلام من الجنة عقوبة لما صنعا حيث نهاهما فخالفاه وأمرهما ،فعصياه، فالمتقون فيها أهل الفضائل ، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، خضعوا لله بالطاعة فبهتوا غاضين ابصارهم عما حرم الله عليهم واقفين اسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت انفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت بهم في الرخاء؛ رضاً منهم عن الله بالقضاء، ولولا الآجال التي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا الى الثواب وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم، وصغر ما دونه في اعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون

ص: 502

قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة وانفسهم عفيفة، ومؤنتهم من الدنيا عظيمة صبروا أياما قليلة قصارا أعقبتهم راحة طويلة بتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم، ارادتهم الدنيا ولم يريدوها وطلبتهم فاعجزوها.

أما الليل، فصافون أقدامهم، تالين لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا، يحزنون به أنفسهم ويستبشرون به وتهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم، ووجع كلوم جوانحهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بمسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم، ووجلت منها قلوبهم، وظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في اصول ،آذانهم، وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، وتطلعت أنفسهم إليها شوقا فظنوا أنها نصب أعينهم ، جائين على أوساطهم يمجدون جبارا عظيما، مفترشين جباههم وأكفهم وأطراف أقدامهم وركبهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون الى الله في فكاك رقابهم. واما النهار، فحلماء علماء بررة أتقياء، قد براهم الخوف [بري القداح - خ ل] فهم أمثال القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وبالقوم من مرض ، أو يقول : قد خولطوا، فقد خالط القوم أمر عظيم، إذا فكروا في عظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة فزع ذلك قلوبهم، وجاشت حلومهم وذهلت قلوبهم عقولهم - خ ل] وإذا استفاقوا بادروا الى الله بالأعمال الزكية لا يرضون الله أعمالهم بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل، فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون ، ان زكي أحدهم خاف مما يقولون وقال: انا أعلم بنفسي من غيرى وربي أعلم بنفسي منّي ، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، فانك علام الغيوب، وستار العيوب.

ومن خل- علامة أحدهم: انك ترى له قوة في دين وحزما في لين وايمانا في

ص: 503

يقين وحرصا على العلم وكيسا في رفق وشفقة في نفقة، وقصدا في غناء خشوعا في عبادة، وتحمّلا في فاقة، وصبرا في شدة ، ورحمة للمجهود ، واعطاء في حق، ورفقا في كسب، وطلبا للحلال ونشاطا في الهدى، وتحرّجا عن الطمع، وبرّاً في استقامة، وإغماضا عند شهوة، لا يغره ثناء من جهله، ولا يدع احصاء ما قد عمله، مستنبطياً لنفسه في العمل، يعمل الأعمال الصالحة وهو على

وجل يمسي وهمّه الشكر، و يصبح وشغله الذكر، يبيت حذرا ويصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة وفرحا لما اصاب من الفضل والرحمة، ان استصعب

عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه مضرته ، ففرحه فيما يخلد ويطول، وقرة عينه فيما لا يزول ورغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى، يمزج الحلم بالعلم، ويمزج العلم بالعقل تراه بعيدا ،کسله دائما نشاطه قريبا ،أمله قليلا زلله ، متوقعا ،أجله، خاشعا قلبه، ذاكرا ،ربه، خائفا ذنبه، قانعة نفسه، متغيبا جهله، سهلا ،أمره حريزا دينه ميتة شهوتة كاظما غيظه ، صافيا ،خلقه، آمنا منه جاره

ضعيفا كبره ميتا ،ضره كثيرا ذكره، محكما أمره، يحدث بما يؤتمن عليه ،الاصدقاء، ولا يكتم شهادته للاعداء ، ولا يعمل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء، الخير منه مأمول، والشرّ منه مأمون ، ان كان في الغافلين كتب من الذاكرين ، وان كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين، يعفو عمن ظلمه، ويعطى من حرمه، ويصل من قطعه، لا يعزب حلمه، ولا يعجل فيما يريبه، ويصفح عما قد تبين له ، بعيداً [بعد - خ ل] جهله لينا ،قوله غائبا مكره منكره - خ ل]، قريبا معروفه ، صادقا ،قوله حسنا فعله مقبلا خيره، مدبرا ،شره، فهو في الهزاهز ،وقور وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور ، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم على من لا يحب، ولا يدعي ما ليس له، ولا يجحد حقا هو عليه، يعترف بالحق أن يشهد عليه، ولا يضيع ما استحفظ ، لا ينسى ما ذكره ، ولا ينابز بالألقاب، ولا يبغي على

ص: 504

أحد، ولايهم بالحسد، ولا يضر بالجار، ولا يشمت بالمصائب، سريع الى الصلوات، مؤدّ للأمانات بطي عن المنكرات، يأمر بالمعروف وينهى المنكر لا يدخل في الامور بجهل، ولا يخرج من الحق بعجز ، ان صمت لم يغمه صمته، وان نطق لم يقل خطأ، وأن ضحك لم يعد صوته سمعه ، قانعا بالذي قدر له، ولا يجمع به الغيظ ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح لا يطمع فيما ليس له يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم ، ينصت ليعجب به، ولا يتكلم ليفخر على من سواه ، ان بغي عليه صبر، حتى يكون الله هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء والناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من شره، بعد من تباعد عنه بغض ونزاهة ودنو من دنا منه لين ،ورحمة ، فليس تباعده بكبر ولا عظمة، ولا دنوّه بخديعة وخلابة ، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، وهو امام لمن خلفه من أهل البر.

قال : فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها، فقال امير المؤمنين رضی الله عنه: اما والله لقد كنت اخافها عليه، وأمر به فجهز وصلى عليه، وقال: هكذا تصنع المواعظ

البالغة باهلها .

فقال قائل : فما بالك انت يا أمير المؤمنين ؟ قال : ويلك ان لكل أجلا لن يعدوه وسببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فانما

نفث لسانك الشيطان . (1)

ومن الموافقات ما ارويه بالاسناد عن سبط ابن الجوزي (ت / 654 ه- ) قال : وفي رواية مجاهد عن ابن عباس قال: سمعت أمير المؤمنين رضی الله عنهيقول: «أما بعد ، فان الله خلق الخلائق حين خلقهم وهو غني عن طاعتهم، لا يتضرر بمعصيتهم ؛ لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه واتقاه. فالمتقون في هذه

ص: 505


1- صفات الشيعة ؛ للشيخ الصدوق : 18 - 25 .

الدار هم أهل الفضائل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد وعيشهم التواضع غضوا أبصارهم عن المحارم، ووقفوا اسماعهم على العلم النافع ، ولولا الرجاء لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين؛ شوقاً الى جزيل الثواب وخوفاً من وبيل العقاب، وعظم الخالق في أنفسهم فصغر مادونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها منعمون ؛ وفي النار كمن رأها معذبون، قلوبهم محزونة

وشرورهم مأمونة ، أجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة، صبروا أياماً قصيرة

فأعقبهم راحة طويلة.

اما الليل، فصافوا اقدامهم تالين أعز الكلام واحسن النظام، يحبّرونه تحبيراً ويرتلونه ترتيلا فاذا مروا بآية فيها ذكر تشويق ركنوا اليها طمعاً، وتطلعت نفوسهم شوقاً وهلعاً ، واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا اليها بمسامع قلوبهم ومثلوا زفير جهنم في آذانهم، فهم مفترشون جباهم وركبهم وأطراف أقدامهم يجأرون الى الله في فكاك رقابهم.

وأما النهار، فعلماء حلماء بررة أتقياء قد براهم الخوف بري القداح ، ينظر اليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، ويقول : قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون باعمالهم بالقليل ، ولا يستكثرون الكثير فهم لانفسهم يمهدون مهتمون - خ ل] ومن أعمالهم مشفقون ، اذا زكي أحدهم خاف أشد الخوف، يقول: أنا أعلم بنفسي من غيري اللهم فلا تواخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، ومن علامة أحدهم انك ترى له قوة في دين وورعاً في يقين، وحزماً في علم، وعزماً في حكم، وقصداً في غناء، وخشوعاً في عبادة، وتحملا في فاقة، وصبراً في شدة وطلباً للحلال وتحرجاً عن الطمع، يعمل الأعمال الصالحة على وجل ، ويجتهد في إصلاح ذات وهمته الشكر، ويصبح وشغله الفكر ، الخير منه مأمول، والشر منه

،البين، يمس-

ص: 506

مأمون، يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وفي الزلازل صبور ، وفي المكارم ،وقور، وفي الرضا شكور لا ينابز بالالقاب ولا يعرف ،العاب، ولا يؤذي الجار، ولا يكترث بالمصائب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحق، ان بغي عليه صبر ؛ ليكون الله سبحانه هو المنتقم له نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، ويزهد في الدنيا شوقاً إلى مولاه» (1) قال :علي بن محمّد الماوردي الشافعي ( ت / 450 ه-) في الباب الرابع عشر من (ت

كتابه «اعلام النبوّة»، تحت عنوان ( في ظهور معجزه صلی الله علیه و آله وسلم له من الشجر والجماد مانصّه : ( ولئن كانت المعارف من الجمادات أبعد والكلام منها أغرب، فليس بمستبعد ولا مستغرب أن يحدث الله تعالى فيها من الآيات الخارجة عن العادة ما يحج الله تعالى به من استبصر ويمد به من استنصر . فمن آيته صلی الله علیه و آله وسلم: ما حكاه أهل النقل عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه،

أنه خطب على الناس خطبته المعروفة بالقاصعة، فقال فيها:

الحمد لله الذي هو العالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب، أيها الناس اتقوا الله ولا تكونوا لنعمه عليكم أضداداً ، ولا لفضله عندكم حساداً ، ولا تطيعوا أساس الفسوق وأحلاس العقوق، فإن الله تعالى مختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم، ألا ترون أنه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأنواع الشدائد وتعبدهم بألوان المجاهد ليجعل ذلك أبواباً فتحاً إلى فضله، وأسباباً دللاً لعفوه، فاحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الافعال وذميم الأعمال، أن تكونوا أمثالهم ، فلقد كانوا على أحوال مضطربة، وأيد مختلفة، وجماعة متفرقة في بلاء أزل، واطباق جهل من بنات ،موؤدة وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة، فانظروا إلى مواقع

ص: 507


1- تذكرة الخواص : 131 ، ط / 1401ه-.

نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولاً كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسلت لهم جداول نعيمها، فهم حكام على العالمين، وملوك في أطراف الأرضين يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم، ويمضون الأحكام على من كان يمضيها فيهم، ولقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه الملأ من قريش فقالوا: يا محمّد! إنك قد ادعيت عظيماً لم يدعه أباؤك ولا أحد من أهل بيتك ونحن نسألك أمراً إن أجبتنا إليه وأريتناه علمنا أنك نبي ورسول وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب ، قال لهم: «وما تسألون » ؟ قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: ( إن الله على كل شيء قدير، فإن فعل الله ذلك لكم أتؤمنون وتشهدون بالحق ؟».

قالوا : نعم . قال: «فإني سأريكم ما تطلبون وإني لأعلم أنكم لا تفيؤون إلى خير وأن منكم

ما من يطرح في القليب ومن يحزب الأحزاب).

ثم قال: « أيَّتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين أني

رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله تعالى.

قال علي رضي الله تعالى عنه : فوالذي بعثه بالحق ، لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد وقصف كقصيف أجنحة الطير، حتى وقفت بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له لمرفرفة وألقت بعضها الأعلى عليه وببعض أغصانها على منكبي

وكنت عن يمينه

فلما نظر القوم إلى ذلك، قالوا علواً واستكباراً : فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها ، فأمرها بذلك فأقبل نصفها كأعجب إقبال وأشدّهِ دوياً، فكادت تلتف

برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

فقالوا كفراً وعتواً : فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان، فأمره فرجع

ص: 508

فقلت أنا : لا إله إلا الله، فأنا أول مؤمن بك يا رسول الله ، وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقاً لنبوتك وإجلالاً لكلمتك فقال: القوم كلهم بل ساحرّ كذّاب عجيب السحر خفيف فيه، وهل يصدقك

في أمرك هذا إلا مثل هذا ؟ - يعنونني .. وهذا حكاه خطيباً على الإشهاد وقل أن يخلو

جمع

مثله ممن يعرف حق

ذلك من باطله، فكانوا بالموافقة مجمعين على صحته، ولولاه لظهر الرد وإن ندر وهذا من أبلغ آية وأظهر إعجاز له (1)

وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774ه-) قال: حدیث: «كنت مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم، بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها ، فما استقبله جبل ولا شجر هو يقول : السلام عليك يا رسول الله .

رواه الترمذي في المناقب، عن عباد بن يعقوب الكوفي الوليد بن أبي ثور

عن السدي عنه به وقال غريب وقد رواه واحد عن الوليد، وقالوا عباد

ابن یزید . (2)

ص: 509


1- اعلام النبوة : 191 - 192، ط /1407.
2- جامع المسانيد والسنن :19 288 - 289 ، ط / 1415ه-.

[ الخطبة ( 197)]

قال العرشي في التخريج ما نصّه : « رواه الشيخ المفيد في الأمالي [بحار الانوار

ج 17 ص 105] باختلاف يسير» (انتهى) (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما ارويه بالاسناد عن المنقري (ت / 212 ه-) من قوله علیه السلام: أني لم أرد ... الى قوله علیه السلام: ( والملائكة أعواني ) ،

فراجع. وبالاسناد عن نصر بن مزاحم المنقري ( ت / 212 ه-) في وقعة صفين» مانصّه : عمر بن سعد عن أبي يحيى، عن محمّد بن طلحة، عن أبي سنان الأسلمى ، قال : لما أخبر على بخطبة معاوية وعمرو، وتحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا قال: وكأني أنظر إلى عليّ متوكنا على قوسه وقد جمع أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عنده ، فهم يلونه . وكأنه أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متوافرون عليه ، فحمد الله ، ثم قال : أيها الناس ، اسمعوا مقالتي، وعوا كلامي، فإن

وعواكلام

الخيلاء من التجبّر، وإن النخوة من التكبّر، وإن الشيطان عدوّ حاضر، يعدكم الباطل . ألا إن المسلم أخو المسلم، فلا تنابذوا ولا تخاذلوا، فإن شرائع الدين

ص: 510


1- راجع : استناد نهج البلاغة

واحدة، وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق، ومن تركها مرق، ومن فارقها محق. ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد، ولا بالكذاب إذا نطق. نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الصدق، ومن فعالنا القصد، ومنّا خاتم النبيين وفينا قادة الإسلام ومنا قرّاء الكتاب، ندعوكم إلى الله وإلى رسوله ، وإلى جهاد عدوّه، والشدة في أمره وابتغاء ،رضوانه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج

، البيت وصيام شهر رمضان، وتوفير الفئ لأهله ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص السهمي ، أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما . وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، ولم أعصه في أمر قط. أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال، وترعد فيها الفرائص ، نجدة أكرمني الله بها ، فله الحمد ، ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رأسه لفي حجري، ولقد وليت غسله بيدي وحدي، تقلبه الملائكة المقربون معي . وأيم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، إلا ما شاء الله » . (1)

ص: 511


1- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 223 - 224 .

[ الخطبة (198)]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن المتقي الهندي ت / 975 ه-) في كنز العمال: أيضا، عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب، قالوا : لا حكم إلا لله ، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لاعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه ، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي فلما قتلهم علي بن أبي طالب ، قال : انظروا! فنظروا فلم يجدوا شيئا، فقال: ارجعوا ! فو الله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه». (ابن وهب، وابن جرير وأبو عوانة ، حب وابن أبي عاصم ، ق .(1)

ص: 512


1- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 11 : 295 ، ح 31556

[ الكلام ( 199) ]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النصّ فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني

(ت / 328ه-) في «الكافي»، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعي أن أمير المؤمنين علیه السلام كان إذا حضر الحرب يوصي للمسلمين بكلمات فيقول:

تعاهدوا الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقربوا بها فإنها كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (1) وقد علم ذلك الكفار حين سئلوا ما سلككم في سقر ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (2). وقد عرف حقها من طرقها (3) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زين متاع ولا قرة عين من مال ولا ولد يقول الله عز وجل:

ص: 513


1- اقتباس من قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقَعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا أطْمَأْنَتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء : 103) .
2- اشارة إلى قول الله عز وجل في سورة المدثر الآيات 42 إلى 46: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَفَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ وَلَمْ نَك نَطْعِمُ المِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ
3- أي أتى بها ليلا من الطروق بمعنى الاتيان بالليل. أي واظب عليها في الليالي . وقيل : جعلها دأبه وصنعه مرآت العقول

رِجَالُ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةُ وَلَا بَيْعُ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ (1) وكان رسول الله منصبا لنفسه (2) بعد البشرى له بالجنة من ربه، فقال عز وجل: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ

F

وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) (3)... الآية، فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه. ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لأهل الإسلام على أهل الإسلام ومن لم يعطها طيب النفس بها يرجو بها من الثمن ما هو أفضل منها فإنه جاهل بالسنة، مغبون الأجر ضال العمر، طويل الندم بترك أمر الله عز وجل والرغبة عما عليه صالحوا عباد الله، يقول الله عز وجل : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى (4)من الأمانة فقد خسر من ليس من أهلها ) وصل عمله عرضت على السماوات المبنية والأرض المهاد والجبال المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم لو امتنعن من طول أو عرض أو عظم أو قوة أو عزة امتنعن ولكن أشفقن من العقوبة (5) . ثم إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين والأجر فيه

عظيم، مع العزة والمنعة وهو الكره فيه الحسنات والبشرى بالجنة بعد الشهادة وبالرزق غدا عند الرب والكرامة، يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا

﴿وَ

ص: 514


1- ) النُّور : 37 .
2- أي متبعا ، من النصب، وهو التعب
3- وتمام الآية : لا تسألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ( طه : 132).
4- النساء : 115 . ونوله ما تولى أي نقربه ما تولى من الضلال ونخلى بينه وبين ما اختاره وقوله : من الأمانة » هكذا في النسخ والصواب : « ثم الأمانة ، كما يظهر من النهج ، فأن فيه : « ثم أداء الامانة فقد خاب من ليس من أهلها أنها عرضت على السماوات المبنية والارضين المدحوة والجبال ذات الطول المنصوبة .. الخ . ولعل قوله : « من الامانة راجع إلى قوله : « والرغبة عما عليه صالحوا عباد الله ، فهو اصوب
5- في النهج : « ولا اعظم منها ولو امتنع شئ منها بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ، ولكن ...الخ . واشفقن من العقوبة، أي خفن ، والاشفاق الخوف .

في سَبِيلِ الله ) (1)... الآية .

ثم إن الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمتوازرين على الضلال ضلال في الدين وسلب للدنيا مع الذل والصغار، وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال، يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْقاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ) (2).

فحافظوا على أمر الله عز وجل في هذه المواطن التي الصبر عليها كرم وسعادة ونجاة في الدنيا والآخرة من فظيع الهول والمخافة، فإن الله عز وجل لا يعبؤ بما العباد مقترفون ليلهم ونهارهم لطف به علما وكل ذلك فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ ينسى (3) ، فاصبروا وصابروا واسألوا النصر ووطنوا أنفسكم على القتال واتقوا الله عز وجل، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون» (4)

وبالاسناد

عن احمد بن حنبل في مسنده» ، وفيه: حدثنا عبد الله حدثني أبي وأبو خيثمة قالا : ثنا يعقوب، قال: أبي في حديثه، قال: أخبرنا ابن أخي ابن شهاب وقال أبو خيثمة حدثني ، عن عمه، قال اخبرني صالح بن عبد الله بن أبي فروة: ان عامر بن سعد بن أبي وقاص اخبره انه سمع أبان بن عثمان يقول : قال عثمان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أرأيت لو كان بقناء أحدكم نهر يجري يغتسل منه كل يوم خمس مرات، ما كان يبقى من درنه؟ قالوا: لا شي ، قال : «ان الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن» . (5)

ص: 515


1- وتمام الآية: ﴿وَلَا تَحْسَيَنُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (آل عمران: 169 ).
2- الأنفال : 15 .
3- اقتباس من قوله تعالى : ( قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ) (طه: 52).
4- الكافي 5 : 35 - 38 .
5- مسند احمد بن حنبل 1: 71

وبالاسناد ، عن البخاري في صحيحه»، قال في باب الصلوات الخمس

كفارة: حدثنا ابراهيم بن حمزة قال حدثني ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن محمّد بن ابراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، انه سمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : «أرأيتم لو ان نهرا بباب احدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول ذلك يبقى من درنه، قالوا: لا يبقى من درنه شيئاً ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا » . (1)

بالاسناد عن مالك مالك في «الموطأ » ، وفيه : وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن عامر بن

سعد بن أبي وقاص، عن أبيه ، أنه قال : كان رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة . فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألم يكن الآخر مسلماً؟

قالوا :بلى يارسول الله، وكان لا بأس به.

فقال

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: « وما يدريكم ما بلغت به صلاته ؟ إنما مثل الصلاة كمثل

نهر غمر ،عذب بباب أحدكم. يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك

يبقى من درنه ؟ فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته».

وقال: ورد معنى الشطر الاخير عن أبي هريرة مرفوعا . أخرجه البخاري في کتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة. ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة . (2)

وبالاسناد عن الدارمي في سننه»، قال في باب في فضل الصلوات : اخبرنا يعلى بن عبيد ، ثنا الاعمش، عن أبي سفيان ، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الصلوات المكتوبات كمثل نهر جار عذب على باب احدكم يغتسل منه كل

يوم خمس مرات .

ص: 516


1- صحيح البخاري 134:1 .
2- كتاب الموطأ 1 :174 .

اخبرنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني يزيد بن عبد الله ، عن محمّد بن ،ابراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ارايتم لو ان نهر باب احدكم يغتسل كل يوم خمس مرات، ماذا تقولون ذلك مبقيا من درنه؟ قالوا: لا بقى من درنه قال : كذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو حو الله

بهن الخطايا.

قال عبد الله : حديث أبي .(1)

ريرة عندي !

وبالاسناد عن مسلم في صحيحه»، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث. ح، وقال قتيبة : حدثنا بكر يعني ابن مضر كلاهما ، عن ابن الهاد عن محمّد بن ،ابراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله ، قال :

وفي حديث بكر: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو ان نهرا بباب احدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شي ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شي ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا». وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الاعمش، أبي سفيان، عن جابر وهو ابن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب احدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات قال قال :الحسن وما يبقى ذلك من الدرن» . (2)

بالاسناد عن ابن ماجة ، محمّد بن يزيد القزويني في «السنن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثني ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، حدثني صالح بن عبد الله بن أبي فروة، أن عامر بن سعد أخبره، قال: سمعت أبان بن عثمان يقول : قال عثمان : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: «أرأيت

ص: 517


1- سنن الدارمي 1 :267 .
2- صحیح مسلم 2 : 131 .

لو كان بفناء أحدكم نهر يجري يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، ما كان يبقى من درنه ؟ قال : لا شي . قال : « فإن الصلاة تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن« . (1) وبالاسناد عن الترمذي في السنن»، قال في باب ما جاء مثل الصلوات الخمس حدثنا قتيبة ، أخبرنا الليث، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي

: سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتم لو أن نهرا

رسول بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه؟ قالوا: لا يبقى

من درنه شي ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا». وفى الباب، عن جابر . هذا حديث حسن صحيح. حدثنا قتيبة، أخبرنا بكر بن

مضر القرشي ، عن ابن الهاد نحوه» . (2)

وبالاسناد، عن النسائي في «السنن»، قال في فضل الصلوات الخمس أخبرنا قتيبة ، قال : حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شي ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شي؟ قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا . (3)

ص: 518


1- سنن ابن ماجة 1 447 .
2- سنن الترمذي 228:4 .
3- سنن النسائي 1: 230 .

[ الكلام ( 200)]

قال العرشي : ( رواه الكليني في اصول الكافي 232) . (انتهى) . (1) قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني( ت / 328ه-) في ( الكافي) ، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن على بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن أبي الحسن العبدي، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين علیه السلام له ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة ( يا أيها الناس لولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس، ألا إن لكل غدرة

فجرة ولكل فجرة كفرة، ألّا وإن الغدر والفجور والخيانة في النار ) (2) وبالاسناد عن ابراهيم بن محمّد الثقفي ( ت / 283 ه-) في «الغارات » : عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : سمعت عليا علیه السلام وهو يقول: ما لقي أحد من الناس ما لقيت، ثم بكى، قال: حدثنا فرات بن أحنف قال: إن عليا علیه السلام خطب الناس، فقال : يا معشر الناس أنا أنف الهدى وعيناه وأشار بيده إلى وجهه يا معشر

« الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإنّ النّاس اجتمعوا على مائدة

ص: 519


1- راجع : استناد نهج البلاغة .
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 2 : 338.

شبعها قصير وجوعها طويل والله المستعان يا معشر الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط ، ألا وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فأصابهم العذاب بنياتهم في عقرها، قال الله تعالى: ﴿ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ )(1). فقال لهم نبي الله عن قول الله: ﴿ نَاقَةَ اللهِ وَسُقيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا ) (2). يا معشر الناس، ألا فمن ساءَل عن قاتلي فزعم أنه مؤمن فقد قتلني، يا معشر الناس من سلك الطريق ورد الماء يا معشر الناس ألا أخبركم بحاجبي الضلالة ؟ تبدو مخازيها في آخر الزمان» (3)ونقل أبو جعفر الإسكافي ( ت / 220 ه-) تفصيلاً في «المعيار والموازنة خدعة عمرو بن العاص ومعاوية صبيحة ليلة الهرير برفع المصاحف على الرماح وصباح الشاميين بأمرهما في أهل العراق وقولهم لهم بيننا وبينكم كتاب الله وانخداع أهل العراق بهذا النداء، ثم خطبة أمير المؤمنين فيهم وتحذيره إياهم عن

الركون إلى هذا المكر ، ثم ما جرى بينه وبين النوكى من القراء وممن كان في قلبه مرض من قواد العراق، فقال مانصه : « ولما عضت الحرب القوم وقرب أصحاب علي من الفتح، قال عمرو بن العاص لمعاوية: ها هنا حيلة توجب الاختلاف بينهم والفرقة، وذاك أن عليا وأصحابه أصحاب ورع ودين ، فإذا أصبحنا رفعنا المصاحف وقلنا بيننا وبينكم كتاب الله . فلما أصبحوا رفعوا المصاحف وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله الله الله في البقية. واستقبلوا علي بن أبي طالب بالمصاحف.

فقال :علي والله ما الكتاب يريدون ، وإن هذا منهم لمكيدة، فاتقوا الله عباد الله

وامضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم ، فإن معاوية وعمرا وابن أبي معيط

ص: 520


1- القمر: 29 .
2- الشمس : 14 - 1
3- الغارات؛ لابراهيم بن محمّد الثقفي 3: 583 - 585 .

وابن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأنا أعرف بهم منكم قد صحبناهم أطفالا ورجالا ، فكانوا شر أطفال وشر رجال . إنهم والله ما رفعوها ليعملوا بها وما رفعوها إلا خديعة ووهنا ومكيدة لكم.

فتفرق عند ذلك أصحابه واختلف قولهم ، ورأى أكثرهم طلب الصلح والموادعة. فإن قال قائل: فقد نرى ما قلتم وما يؤثر عن علي بن أبي طالب يوجب عليه الخطأ وأنه معتمد لترك الصواب لانه أشار بقتال القوم عند رفع المصاحف وأخبر أنها منهم خديعة ثم رجع عن هذا من رأيه إلى محاكمتهم وموادعتهم وهذا نفس ما نقمته الخوارج وادعت خطأ علي فيه.

قلنا لهم : لسنا نبعد قلة معرفتكم بما ذكرناه وبعد وهمكم عنه إذ ذهبتم عما هو

: أوضح منه، إن علي بن أبي طالب إنما أشار على القوم بقتالهم وأن لا يكفوا من حربهم لان القوم الذين رفعوا المصاحف قد علم أنهم لم يرفعوها لشبهة دخلت عليهم وأن رفعها عند قرب الفتح والظفر بهم خديعة ، وعلم أن الذين رفعوها قد قامت عليهم الحجة وعرفوا حقه فتركوه بالمعاندة، ولو مضى أصحابه على بصيرتهم ويقينهم ولم تدخل عليهم الشبهة، ولم تختلف الكلمة لكان سيمضي على أمره في محاربتهم لأنه قد أعذر إليهم وأقام حجته عليهم، وكان رأيه صوابا في تحريك أصحابه في أن الذي كان منهم خديعة

محاربتهم ، وقد أعلمه ليمضوا على بصائرهم فلما دخلت أصحابه الشبهة، وجاء أمر احتاج إلى إزالته بحجة أمسك عن القوم حتى ينكشف لاهل الضعف خطاؤهم فيزول عنهم شكهم إذا أعلموا أن القوم لم يطلبوا الحق برفع المصاحف، فيرجع بعد إلى مناجزتهم وقتالهم.

فقالوا له : أرسل إلى الاشتر .فرده فأرسل إلى الاشتر أن أقبل إلي . فأرسل إليه الاشتر: ليس هذه ساعة ينبغي أن تزيلني فيها عن موضعي إني قد رجوت أن

ص: 521

يفتح الله عليّ فلا تعجلن. فارتفعت الريح، وعلت الأصوات من ناحية الاشتر فقال القوم : والله ما نراك إلا قد أمرته يقاتل !! فقال على علیه السلام: من أين ينبغى لكم أن تروا ذلك ؟ هل رأيتمونى ساررت الرسول ؟ ألم أكلمه على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون ؟! فجاء من أمرهم أمر عجيب وخرجوا عند الشك إلى تهمته والادعاء عليه فارسل علي إلى الاشتر: أن أقبل الساعة فقد وقعت الفتنة

فإن قال قائل: فهلا ترك الاشتر يمضي على بصيرته ؟

قلنا : لو فعل ذلك ازدادوا شكا وحيرة ولدعاهم ذلك إلى قتله وقد تهددوه بذلك. فرجع الاشتر عن ساحة القتال وخاطب رسول أمير المؤمنين فقال: الرفع هذه

المصاحف دعوتموني؟

قالوا: نعم .

قال: أما والله لقد ظننت إذ رفعت أنها ستلقي اختلافا وفرقة !! أما إنها من مشورة ابن النابغة ثم قال لرسول أمير المؤمنين ألا ترى الفتح، أما ترى ما يلقون ؟ أيسعني أن أنصرف عن هذا وأدعه، وقد صنع الله لنا ونصرنا . فقال له بعض القوم : أتحب أنك ظفرتها هنا وأمير المؤمنين بمكانه يتفرق عنه ويسلم إلى عدوه أو يقتل ؟ قال : سبحان الله لا والله. قال: فإنهم قد قالوا: لترسلن إلى الاشتر فليأتينك أو لنقتلك كما قتلنا ابن عفان!! فأقبل عليهم الاشتر فقال يا أهل العراق يا أهل الذل والوهن ، أحين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعوكم إلى ما فيها، وقد والله تركوا ما أمره الله به فيها، وتركوا سنة من أنزل عليه الكتاب، مهلالا تجيبوهم وأمهلوني، فإني قد أحسست بالفتح. فأبوا عليه قال : فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر .

فقالوا : إذا ندخل معك في خطيئتك .

ص: 522

قال : فحدثوني عنكم - وقد قتل أماثلكم وبقي اراذلكم - متى كنتم محقين ؟ أحين كنتم ،تقاتلون، وخياركم مقتولون؟ فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون ؟ أم أنتم الآن محقون وقتلاكم الذين كنتم لا تنكرون فضلهم، وكانوا خيرا منكم في النار.

فقالوا : دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله ، وندع قتالهم الله ، إنا لسنا نطيعك ولا

صاحبك ما حيينا.

قال : خدعتم والله فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم ، يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلاتكم هذه زهادة في الدنيا وشوقا إلى الله، فلا أرى فراركم من الموت إلا إلى الدنيا !!! ألا، فقبحا لكم يا أشباه النيب الجلالة، ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فضربوا وجه دابته

بسياطهم وضرب وجوه دوابهم بسوطه !! وصاح بهم علي أن كفوا فكفوا .

. وكان ما كان من علي في إجابة القوم لشك أصحابه واختلافهم، وما دخلهم من الجهل وحلول الشبهة، ليس من أجل أنه لم يكن في أمر معاوية وعمرو على بصيرة أو أنه ذهب عنه أن ذلك منهم مكيدة وخديعة . فلما رأى الشك قد وقع وجبت المناظرة، ولم يجد بدا من الموادعة، ولو لم يفعل ذلك لازداد في غيه الجاهل، وقويت دعوى المخالف، وكان في ذلك تهمة، وأنه فرار من حكم الله وليس أحد يدعي أن ما فعل القوم ذهب عنه وأن القوم استغفلوه بالمكيدة، ولقد قام رضی الله عنه له فقال : والله ما معاوية بأدهى منّي ولكنه يفجر ويغدر، ولو لا كراهة الغدر كنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة ،فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» . (1)

ص: 523


1- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي : 162 - 165 .

[ الكلام (201)]

قال محمّد بن إبراهيم النعماني (ت / 333 - ح ) فى كتاب الغيبة» ما نصّه: فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفي ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن عبد الله المحمّدي من كتابه في المحرم سنة ثمان وستين ومائتين، قال: حدثني يزيد بن إسحاق الأرحبي - ويعرف بشعر ، قال : حدثنا

مخول، عن فرات بن أحنف عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين علیه السلام على منبر الكوفة يقول : أيها الناس، أنا أنف الإيمان، أنا أنف الهدى وعيناه. أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة من يسلكه إن الناس اجتمعوا على مائدة قليل ،شبعها كثير ،جوعها والله المستعان، وإنما يجمع الناس الرضا والغضب. أيها الناس ، إنما عقر ناقة صالح واحد فأصابهم الله بعذابه بالرضا لفعله، وآية ذلك قوله عز وجل : ( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَمَّرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر)(1)، وقال: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ عُقبَاهَا ) (2)ألا

ومن سئل عن قاتلي فزعم أنه مؤمن فقد قتلني.

ص: 524


1- القمر : 29 - 30.
2- الشمس : 14 - 15 .

أيها الناس من سلك الطريق ورد الماء، ومن حاد عنه وقع في التيه ، ثم نزل . ورواه لنا محمّد بن همام ومحمّد بن الحسن بن محمّد بن جمهور، جميعا، عن الحسن بن محمد بن جمهور ، عن أحمد بن نوح ، عن ابن عليم، عن رجل، عن فرات ابن أحنف ، قال : أخبرني من سمع أمير المؤمنين علیه السلام، وذكر مثله، إلا أنه

قال: لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله» (1)

ص: 525


1- كتاب الغيبة ، لمحمّد بن إبراهيم النعماني : 34 - 35 .

[ الكلام (202)]

قال الهادى كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) في التخريج: قوله علیه السلام السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك ... الى آخره. روى هذا الكليني في اصول الكافي» (ص 185 ) ، قال العرشي في التخريج مانصّه : رواه الشيخ الطائفة في «

الامالي (67) . (انتهى) . (1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني في «الكافي»: أحمد بن مهران رفعه وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار الشيباني، قال: حدثني القاسم بن محمّد الرزاي، قال: حدثنا علي بن محمّد الهرمزاني ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي علیهما السلام ، قال : لما قبضت فاطمة دفنها أمير المؤمنين علیه السلام سرا وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله عنّي والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلِدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك وفرقتك موضع تعزّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك

ص: 526


1- راجع : استناد نهج البلاغة

وفاضت نفسك بين نحري وصدري ، بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنا الله

وإنا إليه راجعون (1) ، قد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة، واخلست الزهراء،

فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد

وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح، وهم

مهيج سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن اقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين واه واها والصبر أيمن وأجمل ، ولولاً غلبة المسئولين الجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرًا، وتهضم حقها، وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان» . (2)

وبالاسناد عن الشيخ الطوسي (ت / 460 ه-) في الأمالي»، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد قال أخبرني أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين علیه السلام قال حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمّد بن عبد الجبار عن القاسم بن محمّد الرازي، عن علي بن محمّد الهرمزداني، عن علي بن الحسين علیه السلام، عن أبيه الحسين علیه السلام ، قال : لما مرضت فاطمة بنت محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وصت إلى علي بن أبي طالب علیه السلام أن يكتم أمرها، ويخفى خبرها، ولا يؤذن أحدا بمرضها، ففعل

ص: 527


1- اقتباس من قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِس وَالْمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة : 155 - 156)
2- الكافي ؛ للشيخ الكليني 1 : 458 .

ذلك ، وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار بذلك ، كما وصت به فلما حضرتها الوفاة ورّت أمير المؤمنين أن يترك أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها ، فتولى ذلك أمير المؤمنين علیه السلام ودفنها وعفى موضع قبرها، فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن وأرسل دموعه على خديه، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، عني وعن ابنتك وحبيبتك ، وقرة عينك وزائرتك، والثابتة في الثرى ببقعتك ، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك لموضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري وغمضتك بيدي، وتولّيت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله نعم القبول، وإنا الله وإنا إليه راجعون(1) . قد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله ! أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك علي وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بله سبيلا، وستقول ويحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. سلام عليك يا رسول الله ، سلام مودع لا ستم ولا قال، فان أنصرف فلا عن

ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين الصبر ايمن وأجمل ولولا غلبة المسئولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما ، والتلبث عنده معكوفا ولا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن بنتك سرا، ويهتضم

ص: 528


1- اقتباس من قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالْمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة : 155-156).

حقها قهرا، ويمنع إرثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله

(1) الله وبركاته

یا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة

ص: 529


1- الأمالي ؛ للشيخ الطوسي : 109 - 110

[ الكلام ( 203) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: «قوله علیه السلام: أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز ... الخ، قال في الشرح : ذكر المبرد عن الاصمعي ، قال : خطبنا أعرابي في البادية فقال وذكر هذا إلى قوله : ولغيرها خلقكم؛ ثم قال: واكثر الناس على أن هذا الكلام لامير المؤمنين علیه السلام ويجوز أن يكون الاعرابي حفظه فاورده، ولا يخفى ما في السند والمسند اليه من الوهن والضعف .(1)

قال العرشي في التخريج ما نصه: رواه ابن قتيبة في عيون الأخبار[ ج 2 ص 253] والمبرد في الكامل ابن أبي الحديد[ ج 2 ص 2]، وابن عبد ربه في العقد

الفريد [ج 2 ص 200] ، وأبو علي القالى في الأمالى[ ج 1 ص 258] ، والبيهقي المحاسن والمساوئ ج 2 ص 31 والبكري في سمط اللاكي[ ج 1 ص 569] عن ، أعرابي ، ورواه ابن نباتة المصري المتوفى 768 ه- ( 1366م) في شرح العيون (الورق /43 ألف) عن سحبان بن زفر الوائلي المتوفى( 54 674م) ، والشيخ الصدوق في الأمالي ( المجلس 23 و 39) عن أمير المؤمنين علیه السلام ( انتهى )(2)

ص: 530


1- مدارك نهج البلاغة : 94 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

قال الجلالي وردت مقاطع من النصّ فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق( ت / 381ه-) في «الأمالي»، قال حدثنا محمّد بن أبي القاسم الاسترابادي ، قال : حدثنا احمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن محمد بن على، عن ابيه الرضا عن ابيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي ، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه، وإنما هو كفنه، ويبني بيتا ليسكنه ، وإنما هو موضع قبره.

وقيل لامير المؤمنين : ما الاستعداد للموت ؟ قال : أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم ، ثم لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت

عليه والله ما يبالي ابن أبي طالب ، أ وقع على الموت، أم وقع الموت عليه. وقال أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه : أيها الناس، إن الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففي الدنيا وللآخرة خلقتم ، إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه إن العبد إذا مات

حييتم ، قالت الملائكة ما قدم ؟ وقال الناس ما أخر ؟ فقدموا فضلا يكن لكم، ولا تؤخروا كلا يكن عليكم ، فإن المحروم من حرم خير ماله والمغبوط من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه، وأحسن في الجنة بها مهاده وطيب على الصراط

بها مسلكه(1).

ص: 531


1- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 172

[ الكلام ( 204)]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق( ت / 381 ه-) في «الأمالي » ، قال : حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، :قال حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر علیه السلام، قال : كان علي علیه السلام كل بكرة يطوف

د في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على عاتقه، وكان لها طرفان، وكانت تسمى السبيبة، فيقف على سوق سوق فينادي يا معشر التجار، قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين وتزيّنوا بالحلم، وتناهوا عن الكذب واليمين، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلمومين ، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الارض مفسدين يطوف في جميع أسواق الكوفة، فيقول هذا، ثم يقول:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ***من الحرام ويبقى الاثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها ***لا خير في لذة من بعدها النار (1)

ص: 532


1- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 587 - 588

قال : وبهذا الاسناد ، قال أبو جعفر : كان أمير المؤمنين علیه السلام بالكوفة إذا صلى

العشاء الآخرة ينادي الناس ثلاث مرات حتى يُسمع أهل المسجد : أيها الناس تجهزوا رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرحيل، فما التعرج على الدنيا بعد نداء فيها بالرحيل ؟! تجهزوا رحمكم الله وانتقلوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد، وهو التقوى، واعلموا أن طريقكم إلى المعاد، وممركم على الصراط، والهول الاعظم أمامكم، وعلى طريقكم عقبة كؤود ومنازل مهولة مخوفة، لابد لكم من الممر عليها والوقوف بها، فإما برحمة من الله فنجاة من هولها، وعظم خطرها، وفظاعة ،منظرها، وشدة ،مختبرها وإما بهلكة ليس بعدها انجبار » .(1)

ونقل أبو جعفر الإسكافي ( ت / 220 ه-) في المعيار والموازنة» بعنوان: كلامه علیه السلام في شوق أولي الالباب إلى الله تعالى وتحضيضهم على اغتنام الفرصة من الايام، وإكثارهم من صالحات الاعمال والادخار من متاع دار الفناء ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون قال مانصه : وكان ينادي في كل ليلة بصوت رفيع له تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما يحضركم من الزاد ؛ فإن أمامكم عقبة كؤودا، ومنازل مخوفة مهولة لابد من الممرّ عليها والوقوف عندها، فإما برحمة من الله نجوتم من فظاعتها وشدة

مخبرها وكراهة ،منظرها وإما بهلكة ليس بعدها انجبار. فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه

إلى شقوة.

فاتركوا هذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تكونوا تحبون تركها والمبلية لكم وإن

كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه وأموا علما فكأنهم قد بلغوه.

ص: 533


1- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق : 587 - 588 .

جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمة ولا تقصر به عن طاعة ربه رغبة، ولا تحل

به بعد الموت شقوة ولا حسرة فإنما نحن له وبه (1)

ص: 534


1- المعيار والموازنة ؛ لأبي جعفر الإسكافي: 70

[ الكلام ( 206) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين [بحار الانوار ج 8 ص 475] . (1) قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن نصر بن مزاحم المنقري في وقعة صفين»، عن عمر بن

سعد، عن عبد الرحمن، عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الله بن شريك ، قال : خرج حجر بن عدي، وعمرو بن الحمق يظهران البراءة واللعن من أهل الشام فأرسل إليهما علي : أن كفا عما يبلغني عنكما، فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ، ألسنا محقين ؟ قال: بلى. قالا : أو ليسوا مبطلين ؟ قال : بلى، قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين، تشتمون وتتبرءون . ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم : من سيرتهم كذا وكذا ، ومن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر. ولو قلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم : اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوى عن الغي والعدوان من لهج به ، كان هذا

أحب إلى وخيرا لكم.

ص: 535


1- وراجع: استناد نهج البلاغة

فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك، ونتأدب بأدبك .

وقال عمرو بن الحمق : إني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك ولا بايعتك على

قرابة بيني وبينك ولا إرادة مال تؤتينيه، ولا التماس سلطان يرفع ذكري به ولكن أجبتك الخصال خمس : أنك ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأول من آمن به وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وسلم ، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد. فلو أني كلّفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي حتى يأتي علي يومي في أمر أقوي به وليك وأوهن به عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق على من حقك . فقال أمير المؤمنين عليّ : اللهم نور قلبه بالتقى، واهده إلى صراط مستقيم، ليت أن في جندي مائة مثلك ، فقال :حجر: إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك، وقل فيهم من يغشك. ثم قام حجر فقال يا أمير المؤمنين، نحن بنو الحرب وأهلها الذين تلقحها وننتجها ، قد ضارستنا وضارسناها ، ولنا أعوان ذو وصلاح، وعشيرة ذات عدد، ورأي مجرب وبأس محمود وأزمتنا منفادة لك بالسمع والطاعة، فإن شرقت شرّقنا، وإن غربت غربنا، وما أمرتنا به من أمر فعلناه . فقال علي : أكل قومك يرى مثل رأيك ؟ قال : ما رأيت منهم إلا حسناً، وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة، وبحسن

الإجابة. فقال له على علیه السلام خيرا» (1)

قال الاسكافي ( ت / 220 ه-) : وكان من مبالغته في الدعاء وحسن سيرته الكف- عن الأذى ودعائه بالتي هي أحسن - اقتداء بأدب الله وطلبا لما هو

انه لما بلغه عن اصحابه انهم يكثرون شتم مخالفيهم باللعن والسب

ارسل اليهم ان كفوا ... فذكر مثله » .(2)

ص: 536


1- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 102 - 104 .
2- المعيار والموازنة : 137 ط / 1402ه-.

[ الكلام ( 208) ]

قال العرشي في التخريج مانصه : رواه ابن مزاحم الكوفي في كتاب الصفين( 261)(1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النصّ فيما ارويه بالاسناد عن نصر بن مزاحم المنقري (ت / 212 ه-) في وقعة صفّين»، باسناده عن عمرو بن شمر عن جابر، عن الشعبي، عن صعصعة قال: قام الأشعث بن قيس الكندي ليلة الهرير في أصحابه من كندة فقال: الحمد لله ، أحمده ،وأستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه، واستنصره ،وأستغفره، وأستخيره، وأستهديه، وأستشيره، وأستشهد به فإنه من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم

ثم قال : قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فنى فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط. ألا فليبلغ الشاهد الغائب، أنا إن نحن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات. أما والله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحتف ، ولكني رجل

ص: 537


1- راجع استناد نهج البلاغة

مسنّ أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا .

اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آل وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب والرأي يخطئ ويصيب ، وإذا قضى الله أمرا أمضاه على ما

أحب العباد أو كرهوا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. قال صعصعة : فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث، فقال: أصاب ورب الكعبة، لثن نحن التقينا غدا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلن أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم. وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى. اربطوا المصاحف على أطراف القنا.

قال صعصعة فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتمونا ومن لذراريكم إن قتلناكم ؟ الله الله في البقية. فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها الخيل والناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه، ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رؤوس الرماح ونادوا يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض وقد وضع المصحف على رأسه ينادي يا أهل العراق ، كتاب الله بيننا وبينكم. وأقبل عدي بن حاتم فقال: يا أمير المؤمنين ، إن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم، وكل مقروح، ولكنا

أمثل بقية منهم . وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم. فقام الأشتر النخعي فقال يا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله ولك بحمد الله الخلف، ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك فاقرع الحديد بالحديد، واستعن بالله الحميد . ثم قام عمرو بن الحمق فقال : يا أمير المؤمنين، إنا والله ما أجبناك ولا نصرناك

ص: 538

عصبية على الباطل ولا أجبنا إلا الله عز وجل، ولا طلبنا إلا الحق، ولو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لا ستشرى فيه اللجاج وطالت فيه النجوى، وقد بلغ الحق مقطعه، وليس لنا معك رأي.

فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال : يا أمير المؤمنين، إنا لك اليوم على ما كنا عليه ، أمس، وليس آخر أمرنا كأوله، وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام منّي ، فأجب القوم إلى كتاب الله فإنك أحق به منهم. وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال. فقال على علیه السلام:إن هذا أمر ينظر فيه .

وذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا: يا معاوية، ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه ، فأعدها جذعة، فإنك قد غمرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك. فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص، وأمره أن يكلم أهل العراق فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى يا أهل العراق أنا عبد الله بن عمرو بن العاص، إنها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا، فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم، وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم. وقد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم، فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله . فاغتنموا هذه الفرجة لعله أن يعيش فيها المحترف وينسى فيها القتيل.

فإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل . فخرج سعيد بن قيس فقال : يا أهل الشام إنه قد كان بيننا وبينكم أمور حامينا فيها على الدين والدنيا، سميتموها عذراً وسرفا، وقد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه بالأمس ، ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم، ولا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم بما أنزل الله . فالأمر في أيدينا ،دونكم، وإلا فنحن نحن وأنتم أنتم. وقام الناس إلى علي فقالوا : أجب القوم إلى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا. ونادى

إنسان من أهل الشام في سواد الليل بشعر سمعه الناس، وهو:

ص: 539

رؤوس العراق أجيبوا الدعاء*** فقد بلغت غاية الشدة

وقد أودت الحرب بالعالمين*** وأهل الحفائظ والنجدة

فلسنا ولستم من المشركين*** ولا المجمعين على الردة

ولكن أناس لقوا مثلهم*** لنا عدة ولهم عدّة

فقاتل كل على وجهه ***قدمه الجد والحدة

فإن تقبلوها ففيها البقاء*** وأمن الفريقين والبلدة

وإن تدفعوها ففيها الفناء ***وكل بلاء إلى مدة

وحتى متى مخض هذا السقاء*** ولا بد أن يخرج الزبدة

ثلاثة رهط هم أهلها ***وإن يسكتوا تخمد الواقدة

سعيد بن قيس وكبش العراق*** وذاك المسوّد من كندة

قال نصر : هؤلاء النفر المسمون في الصلح . قال : فأما المسوّد من كندة وهو الأشعث، فإنه لم يرض بالسكوت ، بل كان من أعظم الناس قولا في إطفاء الحرب والركون إلى الموادعة. وأما كبش العراق، وهو الأشتر ، فلم يكن يرى إلا الحرب، ولكنه سكت على مضض. وأما سعيد بن قيس، فتارة هكذا وتارة هكذا قال ذكروا أن الناس ماجوا وقالوا : أكلتنا الحرب وقتلت الرجال، وقال قوم: نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس. ولم يقل هذا إلا قليل من الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة . فقام على أمير المؤمنين فقال : إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب، وقد والله أخذت منكم ،وتركت وأخذت من عدوكم فلم تترك، وإنها فيهم أنكى وأنهك ألا إني

كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا . وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون (1)

ص: 540


1- وقعة صفين ؛ النصر بن مزاحم المنقري : 480 - 484 .

[ الكلام ( 209) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: ما « كنت تصنع بسعة هذه الدار...» رواه في أصول الكافي، وفي عقد الفريد لابن عبدربه . (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الكليني( ت / 327ه-) في (الكافي) ، عن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وغيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء، وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين علیه السلام أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام: علي بعاصم بن زیاد فجیی به فلما رآه عبس في وجهه ، فقال له : أما استحييت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها، أنت أهون على الله من ذلك، أو ليس الله يقول: ﴿ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةً وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ ) (2) أو ليس الله يقول: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ)

ص: 541


1- مدارك نهج البلاغة : 95 .
2- الرحمان : 10 - 11 .

بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (1) إلى قوله : ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ) (2) فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال ، وقد قال الله عز وجل : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (3).

فقال :عاصم يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة

وفى ملبسك على الخشونة ؟

فقال : ويحك إن الله عز وجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفهسم بضعفة

الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره. فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء . (4)

ص: 542


1- الرّحمان : 19 - 20
2- الرحمان: 22 .
3- الصّحى : 11 .
4- الكافي ؛ للشيخ الكليني 1: 410.

[ الكلام ( 210)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: إن في أيدي الناس حقاً وباطلا ... الخ، رواه الكليني في أصول الكافي (ص 23) وفي تذكرة إبن الجوزي أنه علیه السلام سئل عن اختلاف الناس في الحديث فقال .... وذكر ما رواه السيد هنا مع اختلاف يسير وتقديم وتأخير، وروي فيها بعض هذا الكلام عن الشعبي عمن سمع عليا علیه السلام، وبعضاً منه عن كميل بن زياد عن علي علیه السلام(1)قال العرشي في التخريج ما نصه: ( رواه أبو صادق سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي صاحب أمير المؤمنين وحسن وحسين وزين العابدين رضي الله نهم في كتابه على ما ذكره محمد بن على الاسترابادي ، المتوفى 1028

المقال 1ج 1 الف ، ص 162]، ورواه أيضاً الحراني في

( 1619م) ، في منهج تحف العقول (45) والكليني في أصول الكافي (15) . انتهى .(2)

قال الجلالي : وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني ت (328 ه- ) في ( الكافي)، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد

ص: 543


1- مدارك نهج البلاغة : 95 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

ابن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين علیه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم المتعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم ؟

قال: فأقبل علي فقال : قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا

وباطلا، وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا، وعاما ،وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس رجل منافق يظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ورآه وسمع منه ، منه ، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزوجل : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ )(1)ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمّد

ص: 544


1- المنافقون: 4.

كذبا فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله الله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه. ورجل ثالث سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه. وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ ؛ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فإن أمر النبي المثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله الله الله الكلام له وجهان كلام عام وكلام خاص، مثل القرآن، وقال الله عز وجل في كتابه: ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1)فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنّى الله به ورسوله ، وليس كل أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يسأله عن الشئ فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حتى يسمعوا. وقد كنت أدخل على رسول الله له كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه. فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بني، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي

ص: 545


1- الحشر : 7.

فكتبتها بخطي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها، وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علّمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفا واحدا، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملا قلبي علما وفهما وحكما ونورا فقلت يا

نبي صلی الله علیه و آله وسلم بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شئ لم أكتبه ، أفتتخوّف علي النسيان فيما بعد ؟

فقال : لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل . (1)

رات وبالاسناد محمّد بن ابراهيم النعماني ( ت / 333 ه-) في كتاب الغيبة بالاسناد عن عبد الرزاق، عن معمر ، عن أبان عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لعلي : إني سمعت من سلمان ومن المقداد من أبي ذر أشياء من تفسير القرآن ومن الرواية عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديقا لما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الاحاديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يخالفونهم فيها ، ويزعمون أن ذلك كان كله باطلا،

أفترى أنهم يكذبون على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال : فأقبل عليَّ وقال : قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا

وباطلا، وصدقا ،وكذبا وناسخا ،ومنسوخا وخاصا وعاما ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت على الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده ، وإنما أتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق

ص: 546


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 1 : 62-64 .

مظهر للايمان، متصنع للاسلام باللسان لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كاذب ما قبلوا منه، ولم يصدقوه ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه وسمع منه وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم، فقال عزوجل : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) (1) ثم بقوا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب

والبهتان حتى ولوهم الاعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا

وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله عز وجل، فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا له له شيئا ولم يحفظه على وجهه فأوهم فيه ولم يتعمده كذبا ، فهو في يديه ويقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسول الله الله ، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوا منه، ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شيئا أمر به، ثم نهى عنه، وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شي ، ثم أمر به، وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ولو علم انه منسوخ لرفضه ، ولو علم الناس إذا سمعوا منه أنه منسوخ لرفضوه. ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضا للكذب وخوفا من الله عز وجل، وتعظيما الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولم يسه ، بل حفظ الحديث على وجهه، فجاء

ولم به كما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وحفظ الناسخ والمنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، وإن أمر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ونهيه مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، وعام

وخاص ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام له وجهان

كلام عام وكلام خاص مثل القرآن قال الله عز وجل في كتابه : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ

ص: 547


1- المنافقون : 4.

فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1) يسمعه من لا يعرف ولم يدر ما عنى الله عز وجل، ولا ما عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأله عن

يجي

الشئ فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتى أنهم كانوا ليحبون أن الاعرابي أو الطارئ فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسمعوا، وقد كنت أنا أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها خلوة أدور معه حيث دار وقد علم أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان ذلك في بيتي، يأتيني رسول الله له أكثر من ذلك في بيتي وكنت إذا

دخلت عليه بعض منازله أخلاني، وأقام عني نساءه، فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عنى فاطمة ولا أحد من ابنئ وكنت إذا ابتدأت أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ودعا الله أن يحفظني ويفهمني، فما نسيت شيئا قط من دعا لي، وإني قلت الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: يا نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم إنك منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس مما علمتني شيئا وما تمليه علي، فلم تأمرني بكتبه ؟ أنتخوف على النسيان ؟ فقال : يا أخي لست اتخوف عليك النسيان ولا الجهل ، وقد أخبرني الله عز وجل: أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك ، وإنما تكتبه لهم.

قلت یا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومن شركائي ؟

قال : الذين قرنهم الله بنفسه ،وبي ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا

﴿ الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) (2) فإن خفتم تنازعا في شي فارجعوه إلى الله وإلى

الرسول وإلى اولى الأمر منكم.

فقلت يا نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم و من هم؟

ص: 548


1- الحشر : 7 .
2- النساء : 59 .

قال : الاوصياء إلى أن يردوا على حوضي كلهم هاد مهتد لا يضرهم خذلان

من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم بهم تنصر

امتي ويمطرون، ويدفع عنهم بعظائم دعواتهم.

قلت: يا رسول الله سمّهم لي .

فقال : ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له على اسمك يا علي ثم ابن له محمّد بن علي، ثم أقبل على الحسين وقال: سيولد محمّد بن علي في حياتك فأقرئه مني السلام، ثم تكمله اثني عشر إماما . :قلت يا نبي الله سمّهم لي، فسماهم رجلا رجلا منهم والله يا أخا بني هلال هذه الامة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» (1)وبالاسناد عن الشيخ الصدوق (ت / 381 ه-) في «الخصال » : حدثنا أبى مهدي

قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم

بن عمر اليماني، وعمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لامير المؤمنين علیه السلام: يا أمير المؤمنين أني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الاحاديث عن نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم و أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم ؟ قال: فأقبل عليَّ فقال : قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا وعاما ،وخاصا ومحكما ومتشابها

ص: 549


1- كتاب الغيبة ؛ لمحمد بن ابراهيم النعماني : 36 - 38 ، ط / تبریز ، 1383 .

وحفظا ووهما . وقد كذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت على الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده، إنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس رجل منافق يظهر الايمان متصنّع بالاسلام لا يتألم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ولكنهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه وسمع منه فأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ )(1) ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الاربعة .

ورجل سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شيئا لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد

كذبا فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه ويقول: أنا سمعته من رسول الله الله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه . ورجل ثالث سمع من رسول الله له شيئا أمر به ثم نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شي ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون أنه منسوخ لرفضوه.

و آخر رابع لم يكذب على رسول الله المبغض للكذب خوفا من ا الله عز وجل وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم

لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فان أمر النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم مثل القرآن ناسخ و منسوخ، وخاص وعام ومحكم

ص: 550


1- المنافقون: 4.

ومتشابه، وقد كان يكون من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الكلام له وجهان، وكلام عام ، وكلام خاص مثل القرآن، وقد قال الله عزوجل في كتابه: ﴿ مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنّى الله به ورسوله ، وليس كل أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يسأله عن الشي فيفهم، كان منهم من يسأله ولا يستفهم حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الاعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسمعوا، وكنت أدخل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لهلهلهله كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيثما دار، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان ذلك في بيتي يأتيني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نساءه، فلا يبقى عنده أحد غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في بيتي لم تقم عنه فاطمة ولا أحد من بني، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله الله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها ودعا الله لي أن يؤتيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علما أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله في أمر بطاعة أو نهي عن معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا ، ثم وضع بده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا، فقلت: يا نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم بأبي أنت وأمي إني منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شي لم أكتبه ، أفتتخوف على النسيان فيما بعد ؟

ص: 551


1- الحشر : 7.

فقال : لا لست أخاف عليك النسيان ولا الجهل . (1)

وبالاسناد عن أبي الفتح الكراجكي في الاستنصار ومن ذلك ما اخبرني به ابو

أحمد بن عبد الله

المرجا محمّد بن عبد الله بن أبي طالب البلدي، قال: اخبرني أبو عبد الله محمّد ابن ابراهيم بن جعفر النعماني قال: حدثني

لو بن جعفر بن المعلى الهمداني ، قال : حدثني أبو الحسن عمر بن جامع بن حرب الكندي قال : حدثني عبد الله بن المبارك، عن عبد الرزاق، عن معمر ، عن أبان عن سليم بن قيس، قال: قلت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام اني سمعت من سلمان المقداد ومن أبي ذر اشياء من تفسير القرآن والرواية عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم سمعت منك تصديقا لما سمعت منهم ورايت في ايدي الناس اشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الاحاديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يخالفونهم فيها ويزعمون أن ذلك

ومن

،باطل أفترى انهم يكذبون متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم ؟

قال: فاقبل علي بن أبي طالب وقال: سألت فافهم الجواب، ان في ايدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وخاصاً وعاما ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال : ايها الناس قد كثرت الكذابة عليّ فمن كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من .النار. ثم كذب عليه من بعده وانما اتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس رجل منافق مظهر للايمان متصنع بالاسلام باللسان لا يتأثم ولا يتحرّج ان يكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدا فلو علم المسلمون انه منافق لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا هذا قد كان صحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وقد راه وسمع منه ، وقد خبّرك عن المنافقين بما خبّرك وقد وصفهم ، ثم بقوا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وتقربوا الى ائمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والكذب والبهتان فولوّهم الأعمال وحملوهم

ص: 552


1- الخصال ؛ للشيخ الصدوق : 255 - 257 .

على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وانما الناس مع الملوك والدنيا الامن عصم

الله، فهذا احد الاربعة.

ورجل سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شيئا لم يحفظه على وجه ، فوهم فيه ولم يتعمد كذبا فهو فى يديه يعمل فيه ويرويه ويقول : انا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو علم المسلمون انه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو انه وهم لرفضه. ورجل ثالث سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم

فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو يعلم أنه منسوخ لرفضه ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضأ للكذب وخوفا من الله عز

وجل وتعظيما لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لو لم يوهم ، بل حفظ الحديث على وجهه وان امر رسول الله ونهيه مثل القرآن ناسخ و منسوخ وعام و خاص ومحكم ومتشابه، فكان يكون من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الكلام له وجهان عام وكلام خاص، مثل ان يسمعه من لا يعرف ما عنى الله عز وجل به وما عنى رسول الله، وكان يسأله ويستفهمه حتى انهم كانوا يحبّون ان يجي الاعرابي والطاري فيسأل رسول الله كل يوم دخله حتى يسمعوا ، وكنت انا ادخل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كل يوم دخله وكل ليله يخليني فيها، وقد علم اصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم انه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري وكنت اذا سألت اجابني وإذا سكت ،ابتدئني ، ودعا الله ان يحفظني ويفهمني، فما نسيت شيئا قط مذ دعالي فاني قلت لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: لم انس شيئا مما تعلمني ، فلم تمله علي ؟ ولم تأمرني بكتبه ، اتخاف على النسيان ؟

فقال : يا اخي لست اتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد اخبرني الله عزّ وجل انه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون بعدك، وانما

تكتب لهم.

قلت: یا رسول الله ومن شركائي ؟

ص: 553

قال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا

الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ (1)

فقلت: يا نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ومن هم؟

فقال: الاوصياء الى ان يردوا علي الحوض ، كلهم هادي مهدي لا يضرهم خذلان من خذلهم هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم بهم

تنصر امتي ويمطرون ويقبل منهم مستجاب دعواتهم .

قلت :يا رسول الله سمّهم لي. قال النبي : هذا ، ووضع يده على رأس الحسين - فقال: سيولد محمّد بن

عليّ في حياتك فاقرأه منّي السلام ، ثم تكملة اثنى عشر اماما .

قلت يا نبي الله صلی الله علیه و آله وسلم سمهم لي. فسماهم رجلا ،رجلا، منهم والله يا اخا بني هلال

مهدي امة محمّد الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جوارا وظلما . وما رواه محمّد بن سعيد عن القاسم بن محمّد بن عبيد عن ابن كلوب قال: حدثنا حسين بن زيد بن علي عن جعفر بن محمّد، عن آبائه ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : ابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا - ثلاث مرات - انما مثل امتي كمثل غيث لا يدرى أوّله خير أم آخره، انما مثل امتي كمثل حديقة اطعم منها فوجا ما، لعل آخرها فوجا يكون أعرضها بحرا واعمقها طولا واطولها فرعا واحسنها جناً، وكيف تهلك امة انا فيها أوّلها واثنا عشر من ولدي من السعداء أولي الألباب والمسيح بن مريم ،آخرها، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج ليس منّي ولست منه .(2)

وبالاسناد عن ابن كثير ( ت / 774 ه-) في جامع المسانيد في كيفية تلقي

ص: 554


1- النساء : 59 .
2- الاستنصار ؛ لأبي الفتح الكراجكي : 10 - 15 .

أمير المؤمنين علیه السلام علمه بالحديث ، قال : عن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه ، انه قيل لعلي : مالك اكثر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ؟ قال :

( اني كنت إذا اسألته انبأني واذا سكت ابتدأني) . (1)

ص: 555


1- جامع المسانيد 17:19 ، ط / 1415ه-.

[ الخطبة ( 216)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج ما نصه: قوله علیه السلام: اما بعد، فقد جعل الله لي عليكم حقاً ... إلى آخره. رواها الكليني في روضة الكافي ( ص 259) بسند ينتهي الى جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام... الى قوله : فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، والاختلاف بين الروايتين يسير (1) قال العرشي في التخريج ، ما نصّه: رواها الكليني في كتاب الروضة من فروع

الكافي [ج 3 ص 163 ](2)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه بالاسناد عن الشيخ الكليني (ت / 329ه-) في «الكافي»: علي بن الحسن المؤدب ، عن أحمد بن محمّد بن خالد وأحمد بن محمّد عن علي بن الحسن التيمي جميعا، عن إسماعيل بن ،مهران قال حدثني عبد الله بن الحارث، عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام، قال : خطب أمير المؤمنين علیه السلام الناس بصفين، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمّد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم قال : أما بعد ، فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم ومنزلتي

ص: 556


1- مدارك نهج البلاغة : 95
2- راجع استناد نهج البلاغة .

التي أنزلني الله عزّ ذكره بها منكم ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم والحق أجمل الاشياء في التواصف وأوسعها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا جرى له ، ولو كان لاحد أن يجري ذلك له ولا يجري عليه لكان ذلك الله عز وجل خالصا دون خلقه ؛ لقدرته على عباده ولعدله كل ما جرت عليه ضروب قضائه ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل كفارتهم عليه بحسن الثواب تفضّلا منه وتطوّلا بكرمه وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها إلا ببعض ، فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق: حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله عز وجل لكل على كل فجعلها نظام الفتهم وعزّاً لدينهم وقواما لسنن الحق فيهم ، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم فقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على إذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطاب به العيش وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء.

وإذا غلبت الرعية واليهم وعلا الوالي الرعية، اختلفت هنالك الكلمة وظهرت مطامع الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت معالم السنن، فعمل بالهوى وعطلت الآثار وكثرت علل النفوس، ولا يستوحش الجسيم حد عطل، ولا لعظيم باطل اثل، فهنالك تذل الابرار وتعز الاشرار وتخرب البلاد، وتعظم تبعات الله عز وجل عند العباد فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل والقيام بعدله والوفاء بعهده والانصاف له في جميع حقه، فإنه ليس العباد إلى شئ أحوج منهم إلى التناصح في ذلك وحسن التعاون عليه، وليس أحد - وإن اشتد على

ص: 557

رضى الله حرصه وطال في العمل اجتهاده - ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله ولكن من واجب حقوق الله عز وجل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق فيهم، ثم ليس امرء وإن عظمت في الحق منزلته وجسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عز وجل من حقه، ولا لامرئ مع ذلك خسئت به الامور واقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه وأهل الفضيلة في الحال، وأهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة، وكل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع سواء.

فأجابه رجل من عسكره ، لا يدرى من هو ؟ ويقال : إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده، فقام وأحسن الثناء على الله عز وجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه عليهم والاقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم ثم قال: أنت أميرنا ونحن رعيتك بك أخرجنا الله عز وجل من الذل، وباعزازك أطلق عباده من الغل، فاختر علينا وامض اختيارك، وانتمر فأمض التمارك، فإنك القائل المصدق والحاكم الموفق والملك المخول لا نستحل في شي معصيتك، ولا نقيس علما بعلمك ، يعظم عندنا في ذلك خطرك ، ويجل عنه في أنفسنا فضلك . فأجابه أمير المؤمنين علیه السلام فقال : إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قبله أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن

، بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر ، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الاطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا الله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة

والكبرياء، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجميل ثناء

ص: 558

لاخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لا بد من إمضائها ، فلا تكلموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفظوا منّي بما يتحفظ به عند أهل البادرة ، ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي ؛ فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عنى مقالة بحق أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ ولا أمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.

فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، فقال: أنت أهل ما قلت والله ، والله فوق ما ،قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا وولاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به وإمامنا الذي نقتدي به وأمرك كله رشد وقولك كله أدب، قد قرت بك في الحياة أعيننا وامتلأت من سرور بك قلوبنا وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، ولسنا نقول لك : أيها الامام الصالح ؛ تزكية لك ولا نجاوز القصد الثناء عليك ولم يكن في أنفسنا طعن على يقينك أو غش في دينك فتتخوف أن تكون أحدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا أو دخلك كبر، ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عز وجل بتوقيرك وتوسعا بتفضيلك وشكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك ولنا وآثر أمر الله على نفسك

،وعلينا، فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الامور مع ذلك فيما ينفعنا. فأجابه أمير المؤمنين علیه السلام فقال : وأنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من اموركم وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه والسؤال عما كنا فيه ، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم

ص: 559

شاهدون غدا ، فإن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.

فأجابه الرجل ، ويقال : لم ير الرجل بعد كلامه هذا الامير المؤمنين علیه السلام، فأجابه ، وقد عال الذي في صدره فقال : والبكاء يقطع منطقه وغصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته ووحشة من كون فجيعته . فحمد الله وأثنى عليه ، ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم والذل الطويل في فساد زمانه وانقلاب حده وانقطاع ما كان من ،دولته، ثم نصب المسألة إلى الله عز وجل بالامتنان عليه والمدافعة عنه بالتفجيع وحسن الثناء ، فقال : يا رباني العباد ويا سكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك وأين يبلغ وصفنا من فعلك ، وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك ، أو نحصي جميل بلائك، فكيف ؟ وبك جرت نعم الله علينا على يدك اتصلت أسباب الخير إلينا ، ألم تكن لذل الذليل ملاذا وللعصاة الكفار إخوانا ؟ فيمن إلا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله عز وجل من فظاعة تلك الخطرات ؟ أو بمن فرج عنا غمرات الكربات؟ ويمن ؟ إلا بكم أظهر الله معالم ديننا، واستصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الجور ذكرنا، وقرت من رخاء العيش أعيننا لما وليتنا بالاحسان جهدك ، ووفيت لنا بجميع وعدك وقمت لنا على جميع عهدك ، فكنت شاهد من غاب منا وخلف أهل البيت لنا، وكنت عن ضعفائنا وثمال فقرائنا وعماد عظمائنا، يجمعنا في الامور عدلك ويتسع لنا في الحق ،تأنيك، فكنت لنا انسا إذا رأيناك ، وسكنا إذا ذكرناك، فأي الخيرات لم تفعل ؟ وأي الصالحات لم تعمل ؟ ولو لا أن الامر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا وتقوي لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا ، لقدمنا أنفسنا وأبناءنا قبلك ولا خطرناها وقل خطرها دونك، ولقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك وفي من ناواك، ولكنه سلطان لا يحاول وعز لا يزاول وربّ لا يغالب، فإن مدافعة

ص: 560

يمنن علينا بعافيتك ويترحّم علينا ببقائك ويتحنّن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا، وبقاء منك بين أظهرنا، نحدث الله عز وجل بذلك شكرا نعظمه وذكرا نديمه، ونقسم أنصاف أموالنا صدقات وأنصاف رقيقنا عتقاء ونحدث له

أنفسنا ، تواضعا في ، ون ونخشع في جميع أمورنا وإن يمض بك إلى الجنان ويجري عليك حتم سبيله، فغير متهم فيك قضاؤه ولا مدفوع عنك بلاؤه، ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه ، ولكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا، وللدين والدنيا أكيلا ، فلا نرى لك خلفا تشكوا إليه ولا نظيرا نأمله ولا نقيمه (1)

وبالاسناد عن الموفق الخوارزمي (ت / 568ه-) في المناقب، قال: وبهذا أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد

الاسناد

أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمّد بن أبي الدنيا، حدثنى علي بن الحسين بن عبد الله، عن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي أخبرنا رجل من بني شيبان ان علي بن أبي طالب علیه السلام خطب فقال: الحمد الله أحمده واستعينه وأومن به واتوكّل عليه، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمّدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليزيح به علتكم ويوقظ به غفلتكم، واعلموا انكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت، وموقوفون على اعمالكم ومجزيون ( فَلاَ تَغُرُنُكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم باللهِ الْغَرُورُ )(2) ، فانها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم احوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور، احوال مختلفة وتارات متصرفة

ص: 561


1- الكافي ؛ للشيخ الكليني 80 352 - 361
2- لقمان : 33.

العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها اغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها وتقصمهم بحمامها، وكل حتفه فيها مقدور وحظّه فيها موفور واعلموا عباد الله انكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى، ممن كانوا أطول منكم اعمارا وأشد منكم بطشا واعمر ديارا وابعد آثارا فاصبحت اصواتهم خامدة من بعد طول تعليها واجسادهم بالية، وديارهم خالية وآثارهم عافية، واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر المنضدة والنمارق الممهدة الصخور والاحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة، التي قد بني للخراب فناؤها، وشيد بالتراب بناؤها ، فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة وموحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران والاخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى ، واكلتهم الجنادل والثرى، فاصبحوا بعد الحياة امواتاً، وبعد غضارة العيش رفاتاً، فجع بهم الاحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم أياب، هيهات هيهات كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةُ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )(1)فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمّكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو قد تناهت الامور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ) ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك (2) الجليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب، وهتكت عنكم الحجب والاستار، وظهرت منكم العيوب والاسرار، هنالك تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )(3)

ص: 562


1- المؤمنون : 100 .
2- اقتباس من قوله تعالى : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ) (العاديات : 9 - 11).
3- غافر : 17 .

ان الله عزوجل يقول :( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ) (1) وقال: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً يَاؤ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )(2) جعلنا الله واياكم عاملين بكتابه، متبعين لاوليائه حتى يحلّنا واياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد .(3)

ص: 563


1- النجم: 31.
2- الكهف 49 .
3- المناقب ؛ للموفق الخوارزمي : 370.

[ الكلام (217)]

قال العرشي في التخريج ما نصهّ: رواه الثقفي في كتاب الغارات ضمن خطبة

طويلة [ابن أبي الحديد ج 1 ص 295] ، ويقرب من هذا الكلام ما رواه الشيخ المفيد في كتاب الجمل (45 و 76) .( انتهى)(1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما تقدم في الخطبة (26) فراجع. ،

ص: 564


1- راجع استناد نهج البلاغة

[ الكلام (218)]

ورد هذا المقطع من النص في الخطبة (26) ، فان هذا من جملة تلك الخطبة،

ص: 565

[ الكلام (219) ]

قال العرشي في التخريج ما نصّه: رواه المبرد في الكامل[ج 1 ص

136 ]

و ابن عبد ربه في العقد الفريد( ج 2 ص 279)، والبيهقي في المحاسن والمساوي

[ج 2 ص 53] باختلاف الألفاظ » . (انتهى)(1)

ص: 566


1- راجع : استناد نهج البلاغة

[ الكلام ( 220) ]

قال العرشي في التخريج ما نصّه: رواه علي بن محمّد الواسطي في

الحكم والمواعظ (بحار الانوارج 17 ص 13)». انتهى . (1)

الله الجامعة

قا، ولم أظلم ا

ص: 567


1- راجع : استناد نهج البلاغة

[ الكلام ( 224 ) ]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361 ه-) في التخريج: قوله علیه السلام: والله لئن أبيت على حسك السعدان ... الى آخره . رواها الشيخ المجلسي في كتاب الاربعين 116» ، قال : الحديث الخامس والعشرون ما رويته باسانيدي المتقدمة

الى الشيخ الصدوق رئيس المحدثين محمّد بن بابويه القمي، مما أورده في أماليه ثم أورد السند إلى المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام عن آبائه، قال: قال أمير المؤمنين علیه السلام: والله ما دنياكم عندي ... الى أن يقول: والله لئن أبيت على حسك السعدان مرقداً ... الخ، وأكثر الفقرات المروية هنا فيها، ولعل مارواه السيّد رواية أخرى أو مختاره منها قوله علیه السلام: الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ... الخ ذكرها الطبرسي في الاحتجاج » . (1)

قال العرشي في التخريج ما نصّه : رواه الشيخ الصدوق في أماليه

المجلس (90). (انتهى) (2)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الصدوق

ص: 568


1- مدارك نهج البلاغة : 95 .
2- راجع : استناد نهج البلاغة

(ت / 381 ه-) في (الأمالي»، قال: حدثنا علي أحمد بن موسى الدقاق رضی الله عنه قال: حدثنا محمّد بن الحسن الطائي، قال: حدثنا محمّد بن الحسين الخشاب :قال حدثنا محمّد بن محسن عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن ،محمّد عن أبيه علیهم السلام، عن ، عن جده عن أبيه ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام: والله ما دنياكم عندي إلا كسفر على منهل حلوا، إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا، ولا لذاذتها في عيني إلا كحميم أشربه غساقا، وعلقم أتجرعه زعاقا، أفعى أسقاه دهاقا، وقلادة من نار أوهقها خناقا، ولقد رقع مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، وقال لي : اقذف بها قذف الاتن، لا يرتضيها ليرقعها .

فقلت له: أغرب عني ، فعند الصباح يحمد ، فعند الصباح يحمد القوم السرى، وتنجلي عنا علالات الكرى ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم، ولأكلت لباب هذا البر بصدور دجاجكم، ولشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم، ولكني أصدق الله جلت عظمته حيث يقول ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ)(1)، فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لاحرقت نبتها ، ولو اعتصمت نفس بقلة لانضجها وهج النار في قلتها؟ وأيما خير لعلي أن يكون عند ذي العرش مقربا ، أو يكون في لظى خسيئا مبعدا ، مسخوطا عليه بجرمه مكذبا. والله لان أبيت على حسك السعدان مرقدا ، وتحتي أطمار على سفاها ممددا ، أو أجر في أغلالي مصفدا، أحب إلي من أن ألقى في القيامة محمدا خائنا في ذي يتمة أظلمه بفلسة متعمدا ، ولم أظلم اليتيم وغير اليتيم ؟! لنفس تسرع إلى البلاء قفولها، ويمتد في أطباق الثرى حلولها ، وإن عاشت رويدا فبذي العرش نزولها.

معاشر شيعتي، احذروا فقد عظتكم الدنيا بأنيابها، تختطف منكم نفسا بعد

ص: 569


1- هود 15-16

نفس كذئابها ، وهذه مطايا الرحيل قد أنيخت لركابها . ألا إن الحديث ذو شجون فلا يقولن قائلكم : إن كلام علي متناقض لان الكلام عارض. ولقد بلغني أن

قطان المدائن تبع بعد الحنيفية علوجه ، ولبس من نالة دهقانه منسوجه

رجلا من و تضمخ بمسك هذه النوافج صباحه، وتبخّر بعود الهند ،رواحه، وحوله ريحان حديقة يشم ،نفاحه، وقد مدّ له مفروشات الروم على سرره، تعسا له بعد ما ناهز السبعين من عمره، وحوله شيخ يدب على أرضه من هرمه، وذو يتمة تضوّر من ضره ومن قرمه فما واساهم بفاضلات من علقمه لئن أمكنني الله منه لاخضمنه خضم البر، ولاقيمن عليه حد المرتد ، ولاضربنه الثمانين بعد حد، ولاسدنّ من جهله كل مسد تعساً له، أفلا ،شعر ، أفلا صوف، أفلا وبر ، أفلا رغيف قفار الليل إفطار مقدم، أفلا عبرة على خد في ظلمة ليال تنحدر ؟ ولو كان مؤمنا لا تسقت له الحجة إذا ضيع ما لا يملك . والله لقد رأيت عقيلا أخي وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعة، وعاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه، ويكاد يلوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه، ورأيت أطفاله شعث الألوان من ضرّهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرّهم، فلما عاودني في قوله وكرره، أصغيت إليه سمعي فغرّه، وظنني أونغ ديني فأتبع ما سره، أحميت له حديدة لينزجر ، إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصبر، ثم أدنيتها من جسمه، فضح من ألمه، ضجيج ذي دنف يئن سقمه، وكاد يسبني سفها من كظمه ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه،

من

فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل أتنن من حديدة أحماها إنسانها لمدعيه وتجرّني إلى نار سجرها جبارها من غضبه ؟! أتئن من الأذى، ولا أنن من لظى ؟! والله لو سقطت المكافاة عن الامم، وتركت في مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الاوزار تنسخ فصبرا على دنيا تمرّ بلأوائها ، كليلة بأحلامها تنسلخ ، كم بين نفس في خيامها ناعمة ، وبين أثيم في

ص: 570

جحيم يصطرخ ؟ ولا تعجب من هذا.

واعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها، ومعجونة

بسطها في إنائها ، فقلت له : أصدقة أم نذر أم زكاة ؟ وكل ، ذلك علينا أهل

يحرم بيت النبوة، ومعوضين منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة فقال لي : لا ذاك ولا ذاك، ولكنه هدية. فقلت له : ثكلتك الثواكل، أفعن دين الله تخدعني بمعجونة غرقتموها بقندكم، وخبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم ؟ أمختبط، أم ذو جنة، أم تهجر ؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة ؟ فماذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة ؟ والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، واسترق لي ،قطانها، مذعنة بأملاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها، ما قبلت ولا أردت، ولدنياكم أهون عندي من ورقة في جرادة تقضمها وأقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها، وأمر على فؤادي من يلوكها ذو سقم فيبشمها ، فكيف أقبل ملفوفات عكمتها في طيها، ومعجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيها؟ اللهم إني نفرت عنها نفار المهرة من راكبها أريه السها ويريني القمر. أمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة ، وابتلع إبلا في مبركها رابطة ؟ أ دبيب العقارب من وكرها ألتقط أم قواتل الرقش في مبيتي ارتبط ؟ فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي وأقراصي ، فبتقوى الله أرجو خلاصي ، ما لعلي ونعيم يفنى ولذة تنتجها المعاصي ؟ سألقى وشيعتي ربنا بعيون مره ، وبطون خماص وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَسْحَقَ الْكَافِرِينَ ) (1)، ونعوذ بالله من سيئات الاعمال.

وصلى الله على محمّد وآله وسلم كثيرا » . (2)

حنظلة

وبالاسناد عن الشيخ الطوسي (ت 460 ه-) في الأمالي، قال: أخبرنا أحمد

ص: 571


1- آل عمران: 141 .
2- الأمالي ؛ للشيخ الصدوق: 718 - 722

ابن محمّد بن الصلت قال : أخبرنا أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أحمد بن القاسم أبو جعفر الأكفاني من أصل كتابه، قال حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا أبو معاذ زياد بن رستم بياع الادم، عن عبد الصمد، عن جعفر ابن محمّد علیهما السلام، قال : قلت يا أبا عبد الله، حدثنا حديث عقيل . قال: نعم، جاء عقيل إليكم بالكوفة ، وكان علي جالسا في صحن المسجد، وعليه قميص سنبلاني (1)قال : فسأله فقال : اكتب لك إلى ينبع . قال : ليس غير هذا؟ قال: لا. فبينما هو كذلك إذ أقبل الحسين علیه السلام فقال : اشتر لعمك ثوبين، فاشترى له قال يا ابن أخي ما هذا؟ قال: هذه كسوة أمير المؤمنين علیه السلام، ثم أقبل حتى انتهى إلى عليه فجلس ، فجعل يضرب يده على الثوبين وجعل يقول : ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد قال يا حسن، أخد (2)عمك . قال والله ما أملك صفراء ولا بيضاء. قال: فمر له ببعض ثيابك . قال : فكساه بعض ثيابه . قال : ثم قال : يا محمد ، أخد عمك . قال : والله لا أملك درهما ولا دينارا. قال: فاكسه بعض ثيابك . قال عقيل : يا أمير

المؤمنين، إنذن لي إلى معاوية . قال : في حل محلل ، فانطلق نحوه، وبلغ ذلك معاوية ، فقال : اركبوا أفره دوابكم والبسوا من أحسن ثيابكم، فإن عقيلا قد أقبل نحوكم، وأبرز معاوية سريره، فلما انتهى إليه عقيل، قال معاوية : مرحبا بك يا أبا يزيد ، ما نزع بك ؟ قال : طلب الدنيا من مظانها . قال : وفقت وأصبت ، قد أمرنا لك بمائة ألف، فأعطاه المائة ألف. ثم قال: أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما ، عسكري وعسكر علي . قال : في الجماعة أخبرك، أو في الوحدة؟ قال : لا بل في الجماعة . قال : مررت على عسكر عليّ ، فإذا ليل كليل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ونهار كنهار النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، إلا أن رسول الله ليس فيهم، ومررت على عسكرك فإذا أول من

ص: 572


1- القميص السنبلاني : السابع الطول ، وقيل : المنسوب إلى بلد بالروم.
2- يقال : أخديته ، أي أعطيته

استقبلني أبو الأعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن أبا سفيان ليس فيهم. فكف عنه حتى إذا ذهب الناس ، قال له: يا أبا يزيد، أيش صنعت بي ؟ قال : ألم أقل لك: في الجماعة أو في الوحدة فأبيت علي ؟ قال: أما الآن فاشفني من عدوي . قال : ذلك عند الرحيل . فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله وأقبل نحو معاوية، وقد جمع معاوية حوله، فلما انتهى إليه قال يا معاوية من ذا عن يمينك ؟ قال : عمرو بن العاص ، فتضاحك ، ثم قال: لقد علمت قريش أنه لم يكن أحصى لتيوسها من أبيه ، ثم قال : من هذا؟ قال : هذا أبو موسى، فتضاحك ، ثم قال : لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب(1) أمه . قال: أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد قال : تعرف حمامة ، ثم سار فألقي في خلد معاوية، قال: أم من أمهاتي لست أعرفها ! فدعا بنسابين من أهل الشام، فقال: أخبراني عن أم من أمهاتي يقال لها حمامة ، لست أعرفها. فقالا: نسألك بالله لا تسألنا عنها اليوم . قال : أخبراني أو لأضر بن أعناقكما لكما الأمان. قالا : فإن حمامة جدة أبي سفيان السابعة، وكانت بغياً، وكان لها بيت توفى فيه.

قال جعفر بن محمّد علیهما السلام: وكان عقيل من أنسب الناس».(2)

ص: 573


1- القب: ما بين الأليتين أو الوركين .
2- الأمالي ، للشيخ الطوسي

[ الدعاء ( 225) ]

من التعقيبات : اروي فقرات من هذه الخطبة عن الامام زين العابدين علي بن الحسين علیهما السلام بن علي في المقطع (26) من دعاء مكارم الاخلاق في الصحيفة السجادية » - الرواية المشهورة - على اختلاف في الالفاظ، وقد شرحت اسنادها

في «الدراسة المنيفة»، فليراجع ، وموارد الاختلاف ستة مواضع هي :

في النهج في الصحيفة

1-تبتذل تبذل

2-استعطف استعطى

3- فأبتلي بحمد فأبتلي بحمد

4۔ وافتتن بدم وابتلي بذم

5-وانت من وراء ذلك وانت من دون ذلك

6-انك على كل شيء قدير لا يوجد

وقد روي في الصحيفة السجادية برقم (20) والظاهر انه من رواية الأبناء عن الآباء، رواه عليّ بن الحسين السجاد عن ابيه، عن جده علي بن أبي طالب لا يوجد ، والسند الى سيد الساجدين، جاء في مقدمة الصحيفة بروايتين هما رواية

ص: 574

ابن الأعلم ورواية ابن المطهري، ونصهما

حدثنا السيد الأجل نجم الدين بهاء الشرف أبو الحسن محمّد بن الحسن بن أحمد بن عليّ بن محمّد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني ، قال: أخبرنا

الشيخ السعيد أبو عبدالله محمد بن أحمد بن شهريار الخازن لخزانة مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام في شهر ربيع الأوّل من سنة ست عشرة وخمسماءة قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : سمعتها على الشيخ الصدوق أبي منصور محمّد بن محمّد بن أحمد بن عبدالعزيز العكبري المعدل ، عن أبي المفضّل محمّد بن عبدالله بن المطلب الشيباني ، قال : حدثنا الشريف أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن خطاب الزيات سنة خمس وستين ومائتين ، قال : حدثني خالي علي بن النعمان الأعلم، قال: حدثني عمير بن متوكل الثقفي البلخي، عن أبيه متوكل بن هارون عن أبي عبدالله الصادق وزيد الشهيد

عن أبيهما .

الرواية الثانية : نصّها : وحدثنا أبو المفضل ، قال : وحدثني محمّد بن الحسن بن نزيل الرحبة في داره، قال حدثني محمّد بن

ص: 575

[ الخطبة ( 226)]

قال العرشي في التخريج ما نصه: «الخطبة الحادية والعشرون بعد المائتين: واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم ( ج 2 ص 246 ) . رواها على بن محمّد الواسطي في عيون الحكم (بحار الأنوار ج 17 ص 114) . (انتهى) . (1)

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما ارويه من الموافقات بالاسناد عن سبط ابن الجوزي ( ت / 654 ه-) ، قال : خطبة أخرى وتعرف بالبالغة، وبه قال العرشي : حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي ، قال : أخبرني رجل من بني شيبان، قال: شهدت عليا وقد خطب خطبة بليغة، حمد الله فيها ثم صلى على رسوله محمّد صلی الله علیه و آله وسلم، ثم قال: أيها الناس ان الله أرسل اليكم رسولا ليزيح به علتكم ويوقظ به غفلتكم ، واني أخوف ما أخاف عليكم : اتباع الهوى وطول الأمل، فاما اتباع الهوى فيضلكم عن الحق ، وأما طول الأمل فينسيكم الآخرة، ألا وان الدنيا قد ترحّلت مديرة، وان الآخرة قد اقبلت مقبلة، ولكل واحدة منهما ،بنون فكونوا من ابناء الآخرة ولا

ص: 576


1- راجع استناد نهج البلاغة ، الرقم 100 .

تكونوا من أبناء الدنيا، فان اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل واعلموا انكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت، ومحاسبون على اعمالكم ومجزون بها فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرُنُكُم بِاللهِ الْغَرُورُ(1) ، فانها دار بالبلاء ،محفوفة، وبالعناء والغدر موصوفة، وكل ما فيها الى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال ، لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء

ا وسرور اذا هم في بلاء وغرور، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، ، أهلها فيها أهداف - أو أغراض - مستهدفة، وأسبابها مختلفة، وكل فيها حتفه مقدور وحظه من نوائبها موفور، واعلموا عباد الله انكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعماراً واشد بطشاً واعمر دياراً وأبعد آثاراً ، فاصبحت اجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الموسدة الصخور والاحجار في القبور التي خرب فناؤها وتهدم بناؤها ، فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين قوم مستوحشين متجاورين غير متزاورين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنتهم البلى ، واظلتهم الجنادل والثرى، فاصبحوا بعد الحياة أمواتاً وبعد غضارة العيش رفاتاً قد فجع بهم الأحباب واسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم أياب وتمنوا الرجوع، فحيل بينهم وبين ما يشتهون (2)كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةً هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (3) وكأن قد صرتم الى ما صاروا اليه ، وقدمتم على ما قدموا عليه،

ص: 577


1- لقمان : 33.
2- اقتباس من قوله تعالى: (وَجِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فَعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) (سبأ : 54) .
3- المؤمنون : 100 .

فكيف بكم اذا تناهت الأمور ، و بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرُ (1) وكأني والله بكم وقد وقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل، فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب، وهبطت عنكم الحجب والأستار وظهرت العيوب والاسرار وزال الشك والارتياب، هنالك تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (2) جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لسنة رسوله حتى يحلنا دار المقامة من فضله انه حميد مجيد برحمته وكرمه . ثم قال : وقد أخرج أبو نعيم في كتاب ( الحلية ) طرفاً من أول هذه الخطبة .(3) وبالاسناد عن ابن عساكر (ت / 571ه-) في « تاريخ مدينة دمشق»: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أنا رشاً بن ،نظيف نا الحسن بن إسماعيل، نا أحمد بن ،مروان، نا أبو قبيصة، نا سعيد الجرمي، عن عبد الله بن صالح العجلي، عن أبيه، قال خطب علي بن أبي طالب يوما فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثم :قال عباد الله لا تغرنّكم الحياة الدنيا فإنها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال ، لن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها في رجاء وسرور إذ هم منها في بلاء وغرور، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتقضمهم بحمامها . عباد الله إنكم وما أنتم من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا وأشدّ منكم بطشا وأعمر ديارا وأبعد اثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية، واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة، التي قد بني على الخراب فناؤها

ص: 578


1- العاديات : 9 - 11 .
2- غافر : 17 .
3- تذكرة الخواص : 116 - 117 ، ط / 1401ه-.

وشيد بالتراب بناؤها، فمحلّها ،مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين، وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار ودنّو الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا ، وبعد غضارة العيش ،رفاتا، فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم ایاب هيهات هيهات كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1)وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من الوحدة والبلاء في دار الموتى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت (2)

القبور وحصل ما في الصدور (3)وضمكم وأوقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب، وهتكت عنكم الحجب والأستار، وظهرت منكم العيوب والأسرار، هنالك تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بما كَسَبَتْ ) ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (4)

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (5) جعلنا الله واياكم عاملين بكتابه ، متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من

فضله ، إنه حميد مجيد» (6)

ص: 579


1- المؤمنون : 100.
2- اقتباس من قوله تعالى: (أَفَلَا يَعْلَمَ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ (11 يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (العاديات : 9 - 11)
3- غافر : 17.
4- النجم : 31.
5- الكهف : 49 .
6- تاريخ مدينة دمشق ؛ لابن عساكر 42 500 - 501 ، والاكتفاء : 481 - 484 ، ط /1422ه-.

[من الدعاء ( 227 ) ]

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما ارويه بالاسناد عن الشيخ الطوسي( ت / 460 ه- ) ، قال في مصباح المتهجد في اعمال يوم الجمعة مانصه : ( ثم) تصلي نوافل يوم الجمعة، على ما وردت به الرواية عن الرضا علیه السلام أنه قال : تصلي

ست ركعات بكرة، وست ركعات بعدها إثنا عشرة وست ركعات بعد ذلك، ثمان عشرة، وركعتين عند الزوال، وينبغي أن يدعو بين كل ركعتين بالدعاء المروي عن علي بن الحسين فإنه كان يدعو به بين الركعات. الدعاء بين الركعتين الأوليين : اللهم إني أسألك بحرمة من عاذ بك ولجأ إلى

! عزك واعتصم بحبلك ولم يثق إلا بك يا واهب العطايا، يا من سمّى نفسه من جوده الوهاب صل على محمّد وآل محمّد المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته . اللهم صل على محمّد وال محمّد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني حلالا طيبا مما شئت وأنى شئت وكيف شئت فإنه لا يكون إلا ما شئت حيث شئت كما شئت

زيادة في الدعاء من رواية أخرى: اللهم ! إن قلبي يرجوك لسعة رحمتك ،

ص: 580

ونفسي تخافك لشدة عقابك، فأسألك أن تصلي على محمد وآله وأن تؤمنني مكرك، وتعافيني من سخطك، وتجعلني من أولياء طاعتك، وتفضل على برحمتك ومغفرتك، وتشرفني بسعة فضلك عن التذلل لعبادك، وترحمني من خيبة الرد وسفع نار الحرمان.

ثم تقوم فتصلي ركعتين، وتقول: اللهم كما عصيتك واجترأت عليك، فإني أستغفرك لما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك لما وأيت لك به على نفسي ولم أف به، وأستغفرك للمعاصي التي قويت عليها بنعمتك وأستغفرك لكل ما خالطني من كل خير أردت به وجهك فإنك أنت أنت وأنا وأنا.

زيادة: اللهم صل على محمد وآله وعظم النور في قلبي وصغر الدنيا في عيني واحبس لساني بذكرك عن النطق بما لا يرضيك واحرس نفسي من الشهوات، واكفني طلب ما قدرت لي عندك حتى أستغني به عما في أيدي عبادك ثم تقوم فتصلي ركعتين الثالثة، وتقول: اللهم إني أدعوك وأسألك بما دعاك به ذو النون (إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إلهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (1) ، فإنه دعاك وهو عبدك وأنا أدعوك وأنا عبدك، وسألك وأنا أسألك، ففرج عني كما فرجت عنه وأدعوك اللهم بما دعاك به أيوب إذ مسه الضر فنادى ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (2)، ففرجت عنه فإنه دعاك وهو عبدك وأنا أدعوك وأنا عبدك، وسألك وأنا أسألك، ففرج عني كما فرجت عنه، وأدعوك بما دعاك به يوسف إذ فرقت بينه وبين أهله إذ هو في السجن ففرجت عنه فإنه دعاك وهو عبدك وأنا أدعوك وأنا عبدك، وسألك وأنا أسألك فاستجب لي كما استجبت له،

ص: 581


1- الأنبياء : 87.
2- الأنبياء : 83.

وفرج عني كما فرجت عنه .

وأدعوك اللهم ! وأسألك بما دعاك به النبيون فاستجبت لهم، فإنهم دعوك وهم عبيدك ، وسألوك وأنا أسألك أن تصلي على محمد وال محمد بأفضل صلواتك، وأن تبارك عليهم بأفضل بركاتك، وأن تفرج عني كما فرجت عن أنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين».

ثمّ قال: زيادة: اللّهم صل على محمّد وال محمّد، وأغنني باليقين، وأعني

بالتوكل واكفني روعات القنوط ، وافسح لي في انتظار جميل الصنع، وافتح لي باب الرحمة إليك والخشية منك والوجل من الذنوب، وحبب إلي الدعاء وصله منك بالاجابة.

ثم تخر ساجدا، وتقول في سجودك : سجد وجهي البالي الفاني لوجهك الدائم الباقي، سجد وجهي متعفرا في التراب لخالقه وحق له أن يسجد سجد

لمن خلقه و وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ، سجد الذليل الحقير لوجهك العزيز الكريم سجد وجهي اللثيم الذليل لوجهك وجهي وجهي الكريم الجليل.

ثم ترفع رأسك وتدعو بهذا الدعاء : اللهم صل على محمّد وآله واجعل النور في بصري، واليقين في قلبي والنصيحة في صدري، وذكرك بالليل والنهار على لساني، ومن طيب رزقك يا رب غير ممنون ولا محظور فارزقني، ومن ثياب الجنة فاكسني، ومن حوض محمّد صلی الله علیه و آله وسلم فاسقني، ومن مضلات الفتن فأجرني، ولك يا رب في نفسي فذللني، وفي أعين الناس فعظمني، وإليك يا رب فحببني وبذنوبي فلا تفضحني وبسريرتي فلا تخزني وبعملي فلا تبسلني، وغضبك فلا تنزل بي أشكو إليك غربتي وبعد داري وطول أملي واقتراب أجلي وقلة معرفتي، فنعم المشتكى إليه أنت يا رب! ومن شر الجن والانس فسلمني ، إلى من

ص: 582

تكلني يا رب المستضعفين إلى عدو ملكته أمري، أو إلى بعيد فيتجهمني . اللهم! إني أسألك خير المعيشة معيشة أقوى بها على جميع حاجاتي، وأتوسل بها إليك في حياة الدنيا وفي آخرتي من غير أن تترفني فيها فأطغى أو تقترها عليَّ فأشقى وأوسع عليّ من حلال رزقك ، وأفض عليّ من حيث شئت من فضلك وانشر علي من رحمتك، وأنزل علي من بركاتك، نعمة منك سابغة وعطاء غير ممنون ، ولا تشغلني عن شكر نعمتك علي بإكثار منها تلهيني عجائب بهجته وتفتنني زهرات نضرته ولا بإقلال عليّ منها فيقصر بعملي كده ويملأ صدري ،همه أعطني من ذلك يا إلهي ! غني عن شرار خلقك وبلاغاً أنال به رضوانك وأعوذ بك يا إلهي ! من شرّ الدنيا وشر أهلها وشر ما فيها، ولا تجعل الدنيا لي سجنا، ولا فراقها علي حزنا أجرني من فتنتها مرضيا عنّي ، مقبولا فيها عملي إلى دار الحيوان ومساكن الأبرار الأخيار، وأبدلني بالدنيا الفانية نعيم الدار الباقية. اللّهم! إني أعوذ بك من أزلها وزلزالها وسطوات سلطانها ومن شر شياطينها، وبغي من بغي علي فيها ، اللّهم من كادني فصل على محمّد وآله وكده، ومن أرادني فصّلّ على محمّد وآله وأرده ، وفلّ عنّي حدّ من نصب لي حدّه، وأطفئ عني نار من شب لي وقوده واكفني هم من أدخل علي ،همه وادفع عنّي شر الحسدة، واعصمني من ذلك بالسكينة، وألبسني درعك الحصينة، وأحيني في سترك الواقي ، وأصلح لي حالي للم عيالي، وصدق مقالي بفعالي، وبارك لي في أهلي ومالي . اللهم صل على محمّد وأهل بيته المرضيين بأفضل صلواتك، وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة وبركاته ، اللهم صل على محمّد وآله واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني حلالا طيبا واسعا مما شئت وأني شئت، وكيف شئت، فإنه لا يكون إلا ما

الله شئت حيث شئت كما شئت

ص: 583

فإذا أراد أن يصلى الست الركعات الثانية، فليصل ركعتين، ويقول بعدهما أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، وأشهد أن الدين كما شرع والاسلام كما وصف والقول كما حدث ذكر الله محمّدا وال محمّد بخير وحياهم بالسلام، اللّهم صل على محمّد وآل محمّد بأفضل صلواتك، اللهم اردد على جميع خلقك مظالمهم التي قبلي صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية، وما لم تبلغه قوتي ولم تسعه ذات يدي ولم يقو عليه بدني فأده عني من جزيل ما عندك من فضلك، حتى لا تخلف علي شيئا منه تنقصه من حسناتي يا أرحم الراحمين وصل على محمّد وال محمّد المرضيين بأفضل صلواتك، وبارك عليهم بأفضل بركاتك، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته ، اللهم صل على محمّد وال محمّد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني حلالا طيبا واسعا مما شئت وأنى شئت وكيف شئت فإنه لا يكون إلا ما شئت حيث شئت كما شئت.

طاعتك

ثمّ قال: « زيادة: اللهم صل على محمد وآله واستعملني بطاعتك، وقنعني بما رزقتني، وبارك لي فيما أعطيتني وأسبغ نعمتك علي وهب لي شكرا ترضى به عني وحمدا على ما ألهمتني وأقبل بقلبي إلى ما يقربني إليك، واشغلني عما يباعدني عنك، وألهمني خوف عقابك، وازجرني عن المنى لمنازل المتقين بما يسخطك من العمل، وهب لي الجد في ثم تقوم، فتصلي الركعتين الخامسة، وتقول بعدهما يا من أرجوه لكل خير ويا من امن عقوبته عند كل عثرة ويا من يعطي الكثير بالقليل ويا من أعطي الكثير بالقليل ويا من أعطي من سأله تحننا منه ورحمة ويا من أعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه ومن لم يؤمن به تفضلا منه وكرما، صل على محمّد وال محمّد وأعطني بمسألتي إياك من جميع خير الدنيا والآخرة فإنه غير منقوص

ص: 584

ما أعطيت، وزدني من فضلك إني إليك راغب، وصل على محمّد وأهل بيته الاوصياء المرضيين بأفضل صلواتك، وبارك عليهم بأفضل بركاتك، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمّد وال محمّد ، واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، وارزقني حلالا طيبا واسعا مما شئت وأنى شئت وكيف شئت فإنه لا يكون إلا ما شئت حيث شئت كما شئت. ثمّ قال : « زيادة: اللهم صل على محمد وآله واجعل لي قلبا طاهرا ولسانا صادقا ونفسا سامية إلى نعيم الجنة واجعلني بالتوكل عليك عزيزا وبما أتوقعه منك غنيا وبما رزقتني قانعا راضيا وعلى رجائك معتمدا وإليك في حوائجي قاصدا حتى لا أعتمد إلا عليك ولا أثق إلا بك».

ثم تقوم، فتصلي الركعتين السادسة، وتقول بعدهما: اللهم إنك تعلم

! سريرتي، فصل على محمّد وال محمّد واقبل سيدي ومولاي معذرتي وتعلم حاجتي فصل على محمد وآله وأعطني مسألتي، وتعلم ما في نفسي فصل على محمّد وآله واغفر لي ذنوبي، اللهم من أرادني بسوء فصل على محمّد وآله واصرفه عني واكفني كيد عدوي فإن عدوي عدو آل محمّد و عدو آل محمّد عدو

، محمّد، وعدو محمّد عدوك ، فأعطني سؤلي يا مولاي في عدوي عاجلا غير آجل ، يا معطي الرغايب ! صل على محمد وال محمد وأعطني رغبتي فيما سألتك في عدوك يا ذا الجلال والاكرام يا إلهى ! إلها واحدا لا إله إلا أنت، صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين، وأرني الرخاء والسرور عاجلا غير آجل، وصل على محمّد وأهل بيته المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته. اللّهم صل على محمّد وال محمّد واجعل لي من لدنك فرجا ومخرجا وارزقني حلالا طيبا واسعا مما شئت وأنى شئت وكيف شئت فإنه لا يكون إلا ما شئت

حيث شئت كما شئت.

ص: 585

ثمّ قال : زيادة: اللهم صل على محمد وال محمد ، إلهي ! ظلمت نفسي وعظم عليها إسرافي وطال في معاصيك انهماكي وتكاثفت ذنوبي وتظاهرت عيوبي وطال بك اغتراري ودام للشهوات اتباعي، فأنا الخائب إن لم ترحمني وأنا الهالك إن لم تعف عني ، فصل على محمد وال محمد واغفر لي وتجاوز عن سيئاتي وأعطني سؤلي واكفني ما أهمني ولا تكلني إلى نفسي فتعجز عني

وأنقذني برحمتك من خطاياي، وأسعدني بسعة رحمتك سيدي. فإذا أراد أن يصلي الست الركعات الباقية، فليقم وليصل ركعتين، فإذا سلم بعدهما، قال: اللهم أنت أنس الأنسين لأودائك وأحضرهم لكفاية المتوكلين عليك تشاهدهم في ضمائرهم وتطلع على سرائرهم، وتحيط بمبالغ بصائرهم وسرى اللهم مكشوف وأنا إليك ملهوف إذا أو حشتني الغربة أنسني ذكرك، وإذا كثرت علي الهموم لجأت إلى الاستجارة بك؛ علما بأن أزمة الأمور بيدك ومصدرها عن قضائك خاضعا لحكمك ، اللهم إن عميت عن مسألتك أو فههت

عنها فدلني على مصالحي وخذ بقلبي إلى مراشدي، فلست ببدع من ولايتك ولا بوتر من أناتك ، اللهم إنك أمرت بدعائك وضمنت الاجابة لعبادك ، ولن يخيب من فزع إليك برغبة وقصد إليك بحاجة ، ولم ترجع يد طالبة صفرا من عطائك ولا خالية من نحل هباتك، وأي راحل أمك فلم يجدك أو أي وافد وفد إليك فاقتطعته عوائق الرد دونك ؟ بل أي مستجير بفضلك لم ينل من فيض جودك وأي مستنبط المزيدك أكدي دون استماحة عطيتك ؟ اللهم ! وقد قصدت إليك بحاجتي وقرعت باب فضلك يد مسألتي، وناجاك بخشوع الاستكانة قلبي، وعلمت ما يحدث من طلبتي قبل أن يخطر ببالي أو يقع في صدري ، فصل على محمد وآله وصل اللهم دعائي بإجابتك، واشفع مسألتي إياك بنجح حوائجي يا أرحم الراحمين ! وآله الله

على محمّد وآله .

ص: 586

ثم تصلي ركعتين، وتقول بعدهما يا من أرجوه لكل خير وآمن سخطه عند كل عثرة، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من أعطى من سأله تحننا منه ورحمة يا من أعطي من لم يسأله ولم يعرفه صل على محمد وال محمّد وأعطني بمسألتي إياك جميع سؤلي من جميع خير الدنيا والآخرة فإنه غير منقوص ما أعطيت، واصرف عني شر الدنيا والآخرة ، يا ذا المن ولا يمن عليه يا ذا الجود والمن والطول والنعم صل على محمد وآل محمد وأعطني سؤلي واكفني جميع المهم من أمر الدنيا والآخرة.

ثم تصلي ركعتين، وتقول بعدهما يا ذا المن لا من عليك يا ذا الطول ! لا إله إلا أنت يا أمان الخائفين وظهر اللاجئين وجار المستجيرين ! إن كان في أم الكتاب عندك أني شقي محروم أو مقتر عليّ في رزقي، فامح من أم الكتاب شقائي و حرماني وإفتار ،رزقي، واكتبني عندك سعيدا موفقا للخير موسعا في رزقي إنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ(1)، وقلت رحمتي وسعت كل شئ وأنا شي فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآله ومن علي بالتوكل عليك والتسليم لامرك والرضا بقدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت يا رب العالمين ) . (2)

وبالاسناد عن المتقي الهندي ( ت / 975 ه-) في كنز العمال: عن عبد الله بن ( صالح العجلي ، عن أبيه ، قال : خطب علي بن أبي طالب يوما فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله علیه و آله وسلمثم قال : يا عباد الله لا تغرنكم الحياة الدنيا فانها دار بالبلاء

الّا

محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال وهي ما بين

ص: 587


1- الرعد : 39.
2- مصباح المتهجد ؛ للشيخ الطوسي : 347 - 357

أهلها دول وسجال ، لن يسلم من شرها نزلها ، بينا أهلها في رخاء وسرور ، إذا هم منها في بلاء وغرور العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها ، عبد الله ! إنكم وما أنتم هذه الدنيا عن سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا ، وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا ، وأبعد آثارا ، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقليها، وأجسادهم بالية وديارهم خالية ، وآثارهم عافية، واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة الصخور، والاحجار المسندة في القبور الملاطئة الملحدة التى قد بين الخراب ،فناؤها، وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين ، وأهل محلة متشاغلين ، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكلة البلى وأكلتهم الجنادل والثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتا ، وبعد غضارة العيش ،رفاتا، فجع بهم الاحباب، وسكنوا التراب، فطعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةُ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ (1)فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه ) من الوحدة والبلى في دار الموتى، وارتهنتم في ذلك المضجع ، وضمكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور، وبعثرت القبور، وحصل ما في الصدور (2) ، وأوقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل، فطارت القلوب لاشفاقها سالف الذنوب، وهتكت عنكم الحجب والاستار، فظهرت منكم العيوب والاسرار، هنالك تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ(3) (و لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا

من

ص: 588


1- المؤمنون : 100
2- اقتباس من قوله تعالى: (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرُ مَا فِي الْقُبُورٍ وَحُصَلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (العاديات : 9 - 11).
3- غافر : 17 .

وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (1) ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (2) جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لاوليائه، حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد». (الدينوري، كر ) (3)

ص: 589


1- النجم : 31.
2- الكهف : 49 .
3- كنز العمال ؛ للمتقي الهندي 16: 200 ، ح 44224 .

[ الكلام (228)]

قال الهادي كاشف الغطاء ( ت / 1361ه-) : ( نقل عن شاذ لا يعرف الى انه دخيل في النهج، وآخر الى انه من النهج واستصلاح العمريين، وأوله ثالث بما لا ينافي ما في الخطبة. ونقول على فرض المعارضة بين الكلامين وان أحدهما ساقط عن الاعتبار في البين : ان الترجيح لكلام الخطبة، لانه مروي بأكثر من طريق، وهو مشهور معروف معتضد بما في النهج وغيره مما روي عن أمير

المؤمنين من تظلمه من قريش ومن اعتدائها عليه وغصبها حقه، ولعل اشتمال الخطبة على ذلك مما يؤيد صدورها عن الامام في نظر ،بعضهم، وأما الكلام فهو خبر مرسل لاشهرة يؤيده ، ولا حديث يعضده هذا ما ذكروه ،هنا والله تعالى اعلم بحقائق الاحوال ونوايا الرجال ) . (1)

قال العرشي في التخريج ما نصّه : ( الكلام الثالث والعشرون بعد المائتين في مدح عمر رضی الله عنه بلاد فلان، فقد قوم الأود ، وداوى العمد ج 1 ص 249]. وروى الطبري ج) 28] باسناده عن المغيرة بن شعبة رضی الله عنه، قال : لما مات ،عمر بكته ابنة أبي حثمة فقالت : وا عمراه أقام الأود، وأبرأ العمد، أمات الفتن

ص: 590


1- مدارك نهج البلاغة

وأحيا ،السنن، خرج نقي الثوب ، بريئا من العيب»، قال المغيرة بن شعبة: لما دفن ،عمر أتيت عليا رضی الله عنه، وأنا أحب أن أسمع منه في عمر رضی الله عنه لك شيئا، فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل، وهو ملتحف بثوب، لا يشك أن الأمر يصير إليه، فقال: يرحم الله ابن الخطاب ا لقد صدقت ابنة أبي حثمة ، لقد ذهب بخيرها، ونجا من

شرها أم ،والله ما قالت ولكن قولت». (انتهى) (1)

ص: 591


1- راجع استناد نهج البلاغة الرقم 101 .

ص: 592

[ الكلام ( 229) ]

قال العرشي: رواه الشيخ المفيد في الارشاد (142) وكتاب الجمل (128) وروى ابن عبد ربه في العقد الفريد (ج 2 ص (165) كتاباً له علیه السلام فيه ما يشبه هذا

الكلام». (انتهى)(1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص في الخطبة (25)، فراجع.

ص: 593


1- راجع : استناد نهج البلاغة .

[ الخطبة (231)]

قال العرشي رواها الشيخ المفيد في الارشاد ( 142) وكتاب الجمل (128) .

انتهى واشار الى ذلك في المقدمة ص .15 (انتهى)(1).

ص: 594


1- استناد نهج البلاغة .

[ الكلام ( 232 ) ]

قال الجلالي وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن القاضي النعمان المغربي (ت / 360 ه-) في دعائم الاسلام ، قال : وعن علي علیه السلام : أنه جلس يقسم مالا بین المسلمين فوقف به شیخ ،كبير ، فقال : يا أمير المؤمنين، إني شيخ كبير كما ترى، وأنا مكاتب فأعني من هذا المال. فقال: والله ما هو بكد يدي ، ولا تراثي من الوالد، ولكنها أمانة أرعيتها، فأنا أؤديها إلى أهلها. ولكن اجلس فجلس والناس حول أمير المؤمنين، فنظر إليهم، فقال: رحم الله من أعان شيخا كبيرا

،مثقلا فجعل الناس يعطونه)(1)

ص: 595


1- دعائم الاسلام ؛ للقاضي النعمان المغربي 1 : 310

[من الكلام ( 235)]

قال الجلالي : وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن الشيخ المفيد ( ت / 413 ه-) في «الأمالي»، قال: أخبرني أبو نصر محمّد بن الحسين المقري البصير ، قال : حدثنا عبد الله بن يحيى القطان ، قال : حدثنا أحمد بن الحسين بن سعيد القرشي :قال حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسين بن مخارق عن عبد الصمد بن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس رضی الله عنه، قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى غسله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، والعباس معه والفضل بن العباس، فلما فرغ علي من غسله كشف الازار عن وجهه ثم قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا ، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والإنباء،

خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لانفدنا عليك ماء الشؤون، ولكن ما لا يرفع كمد وغصص مخالفان ، وهما داء الاجل وقلاً لك بأبي أنت وأمي ، اذكرنا عند ربك ، واجعلنا من همك». ثم أكب عليه فقبل وجهه ومد الازار عليه (1)

ص: 596


1- الأمالي للشيخ المفيد : 102 - 104 .

[ الكلام ( 238) ]

قال العرشي: « رواها ابراهيم الثقفي في كتاب الغارات [ابن أبي الحديد ج 1

ص 296] بتفاصيلها » . (1)

قال: الجلالي وردت مقاطع من النصّ في الخطبة (26)، وراجع ايضاً قوله علیه السلام:

جفاة طغام» فى النص ( 281) في كتاب الغارات ::1 : 1312). (انتهى). (2)

ص: 597


1- راجع استناد نهج البلاغة .
2- راجع : استناد نهج البلاغة .

الخطبة ( 239)]

قال العرشي: رواها الحراني في تحف العقول (53) والكليني في كتاب

(53)

الروضة من فروع «الكافي ج 3 ص 180]. (انتهى) .(1)

قال الجلالي: وردت مقاطع من النص فيما أرويه عن الكليني (ت / 328ه-)

في اخر الخطية (147) ، فراجع.

تم المجلد الثاني

ويليه المجلّد الثالث، وأوّله :

باب الكتب والرسائل

ص: 598


1- راجع استناد نهج البلاغة

فهرس المحتوى

[الخطبة (26)] ... 5

[ الخطبة (27)] ... 27

[ الخطبة (28)] ... 34

[ الخطبة ( 29)] ... 43

[الخطبة (30)] ... 49

[ الخطبة (31)] ... 54

[الخطبة (32)] ... 58

[ الخطبة (33)] ... 60

[ الخطبة (34)] ... 62

[ الخطبة (35] ... 66

[الخطبة .(36)] ... 69

[الخطبة ( 37)] ... 72

[ الخطبة (39)] ... 75

[ الخطبة ( 40)] ...77

[الخطبة (42)] ... 80

ص: 599

[ الكلام (43) ] ... 92

[ الكلام (44)] ... 93

[ الخطبة (45)] ... 105

[ الكلام (46)] ... 111

[ الكلام (47)] ... 117

[ الخطبة (48) ] ... 118

[ الكلام (49) ] ... 126

[ الكلام (50)] ... 129

[ الخطبة (51)] ... 133

[ الخطبة (52)] ... 134

[ الخطبة (53)] ... 136

[ الخطبة ( 54)] ... 150

[الخطبة (55)] ... 151

[ الكلام (56)] ... 153

الكلام (57)] ... 155

الخطبة (58)] ... 163

الخطبة ( 59)] ... 164

[الخطبة (60)] ... 167

[الخطبة (61)] ... 169

[الخطبة (62)] ... 171

[ الخطبة (64)] ... 173

[ الخطبة (66)] ... 175

[ الخطبة (67)] ... 178

[ الخطبة (68)] ... 179

[الخطبة (69)] ... 189

ص: 600

[الخطبة (70)] ... 196

[ الخطبة (72)] ... 200

[ الخطية (73)] ... 204

[الخطية ( 75] ... 207

[الخطية (76)] ... 209

[ الخطبة (77)] ... 211

[الدعاء ( 78)] ... 212

[ الكلام (79)] ... 213

[ الخطبة ( 80)] ... 217

[ الكلام (781)] ... 222

[ الكلام (82)] ... 224

[ الخطبة ( 83)] ... 226

الخطية (84)] ... 231

[الخطبة ( 85)] ... 233

[ الخطبة (87)] ... 234

[الخطبة (88)] ... 236

[ الخطبة (89)] ... 240

[ الخطبة (91)] ... 243

[ الكلام (92)] ... 260

[ الخطبة (93)] ... 261

[الخطبة (94)] ... 272

[ الخطبة (97)] ... 276

[ الخطبة (97)] ... 278

[المقطع (2) اهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم] ... 278

[الكلام (98)] ... 285

ص: 601

[ الخطبة (99)] ... 287

[الخطبة (102)] ... 292

[الخطبة (103)] ... 297

[الخطبة (104)] ... 299

[الخطبة (105)] ... 300

[الخطبة (106)] ... 302

[ الخطبة (107)] ... 313

[الخطبة (108)] ... 316

[الخطبة ( 110)] ... 318

[الخطبة (111)] ... 322

الخطية (114)] ... 328

[ الخطية ( 115)] ... 330

[ الخطبة (116)] ... 337

[ الخطبة (117) ] ... 339

[ الخطبة (119)] ... 344

[ الكلام ( 120) ] ... 345

[ الخطبة ( 121)] ... 346

[الخطبة (123)] ... 349

[ الكلام (124)] ... 352

[ الخطبة (125) ] ... 354

[الخطبة (126)] ... 363

[ الخطية (128)] ... 377

[ الخطبة ( 130) ] ... 379

[الخطبة (131)] ... 382

[ الكلام (134) ] ... 385

ص: 602

[الخطبة ( 135) ] ... 386

[ الخطبة (136)] ... 388

[الكلام (137)] ... 389

[الخطبة ( 139) ] ... 397

[ الكلام ( 141)] ... 398

[ الكلام ( 142) ] ... 399

[الخطبة ( 144)] ... 400

[الخطبة ( 145) ] ... 402

[الكلام (146)] ... 405

[ الخطبة (147)] ... 406

[الخطبة ( 149] ... 411

[الخطبة (152)] ... 416

[ الخطبة (153)] ... 419

[الخطبة (156)] ... 422

[الخطبة (157)] ... 423

[ الخطبة (158)] ... 428

[الخطبة [160)] ... 429

[ الكلام (162)] ... 430

[ الخطية (163) ] ... 433

[الخطبة ( 164)] ... 437

[الخطبة (166)] ... 441

[ الخطبة ( 167) ] ... 442

[ الخطبة ( 169)] ... 444

[الخطبة (170)] ... 445

[الخطبة (171)] ... 447

ص: 603

[الخطبة ( 172)] ... 450

[الخطبة (173)] ... 451

[الكلام (174) ] ... 454

[ الخطبة (176)] ... 455

[ الخطبة (177)] ... 457

الخطبة (178)] ... 459

[ الخطبة (179)] ... 462

[الخطبة ( 180) ] ... 468

[ الخطبة ( 182 ) ] ... 472

[الخطبة ( 185)] ... 473

[ الخطبة (186) ] ... 477

[الخطبة (189)] ... 480

[الخطبة (192] ... 491

[ الخطبة (193)] ... 498

[الخطبة (197)] ... 510

[الخطبة (198)] ... 512

[الكلام (199)] ... 513

[الكلام (200)] ... 519

[ الكلام (201)] ... 524

[ الكلام (202)] ... 526

[ الكلام (203)] ... 530

[ الكلام ( 204)] ... 532

[الكلام (206)] ... 535

[ الكلام (208)] ... 537

الكلام ( 209)] ... 541

ص: 604

[الكلام (210) ] ... 543

[الخطبة (216)] ... 556

[الكلام (217)] ... 564

[الكلام (218)] ... 565

[الكلام (219)] ... 566

[الكلام (220) ] ... 567

[الكلام (224)] ... 568

[ الدعاء ( 225)] ... 574

[ الخطبة (226)] ... 576

[من الدعاء (227)] ... 580

[ الكلام ( 228)] ... 590

[الكلام ( 229)] ... 592

[الخطبة ( 231)] ... 593

[الكلام (232))] ... 594

[ الكلام ( 235)] ... 595

[الکلام) (238)] ... 596

الخطبة ( 239)] ... 597

ص: 605

مکتبة الروضة الحيدرية

الرقم 108388

التاریخ: 2011/9/27

ص: 606

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.