تَحریرُ مَبَاني الأَحکام المجلد 3

هویة الکتاب

تَحریرُ مَبَاني الأَحکام

تقریر لابحاث آیه الله العظمی المرجع الدینی الشیخ شمس الدین الواعظی (دام ظله)

القصاص

مؤلف: السید عبدالستار کامل موسوي

المجلدات: 4

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتاب القصاص

اشارة

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

كتاب القصاص

وفيه فصول:

الفصل الأول في قصاص النفس(1).

_______________________________________________________________

(1) قالوا في القصاص: قصّ يقصّ الشعر، ونحوه أي قطعه، وقص يقص قصصاً عليه الخبر حدّثه به، وقصّ يقصّ قصاً وقصصاً أثره تتبعه وقاصّه قصصاً ومقاصة بما كان قبله، أو وقع به القصاص وجازاه وفعل به فعله، وفي المجمع: القصاص بالكسر اسم للاستيفاء والمجازاة قبل الجناية مَنْ قتل، أو قطع، أو ضرب، أو جرح، وأصله اقتفاء الأثر، فكأنّ المقتصّ يتبع أثر الجاني، فيفعل مثل ما فعله، فيجرح مثل جرحه، ويقتل مثل قتله ونحو ذلك(1).

وكيفما كان فقد وقع البحث في الفقه عنه بالمعنى المعروف في اللغة والعرف، لكونه موضوعاً للأحكام الشرعية والتكليفية والوضعية، فعلى هذاعقدت له أبحاثاً لبيان الأسباب الموجبة له، وكذا شروطه وما يثبت به وكيفية استيفائه النفس، وأخرى في ما دون النفس من الطرف .

ص: 5


1- مجمع البحرين / مادة قصص .

المسألة 1: يثبت القصاص بقتل النفس المحترمة المكافئة عمداً و عدواناً، ويتحقق العمد بقصد البالغ العاقل القتل، ولو بما لا يكون قاتلاً غالباً، فيما إذا ترتب القتل عليه، بل الأظهر تحقق العمد بقصد ما يكون قاتلاً عادة، وإن لم يكن قاصداً القتل ابتداءً(1).

_______________________________________________________________

وأمّا القصاص للنفس فقد ذكرت له أسبابه الموجبة إزهاق النفس المحترمة عمداً وبشرائطه المقررة التي سوف نأتي على بيانها مفصلاً .

(1) القصاص تارة يكون في النفس، وأخرى ما دون ذلك، والمراد من القصاص هو الانتقام من الجاني مثل ما جنى، فيفعل مثل فعله .

وموجب القصاص هو إزهاق النفس المكافئة على نحو العمد، ويتحقق العمد بأن يكون قاصداً للقتل بما يقتل ولو نادراً، ويدل عليه الكتاب كقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ»(1).

ويؤيد ذلك الإجماع والسنة ووردت فيها روايات كثيرة بحيث وصلت حدّ الاستفاضة، وقد ادعي التواتر.

منها: صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنه «قال: إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد، قال: سألته عن الخطاء الذي فيه الدية والكفارة أهو أن يعتمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله ؟ فقال: نعم، قلت:رمى شاة فأصاب إنساناً، قال: ذاك الخطأ الذي لا شك فيه، عليه الدية والكفارة»(2)، هذا كما ذكره السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)كما في السند المذكور لأنّ هذا العمل عادة يترتب عليه القتل _ أي الضرب بالحديدة _ فيعد من القتل العمدي ولو لم يقصد القتل، أمّا إذا قصد

ص: 6


1- سورة البقرة الآية / 179 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح9.

وأمّا إذا لم يكن قاصداً القتل ولم يكن الفعل قاتلاً عادة، كما إذا ضربه بعود خفيف أو رماه بحصاة فاتفق موته، لم يتحقق به موجب القصاص(1).

_______________________________________________________________

ذلك فبأي شيء ضربه فيصدق عليه القتل العمدي، ولا خصوصية للحديث .

ومنها: صحيحة أبي العباس وزرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن العمد أن يتعمد فيقتله بما يقتل مثله، و الخطاء أن يتعمده ولا يريد قتله بقتله بما لا يقتل مثله، والخطاء الذي لاشك فيه أن يتعمد شيئاً آخر فيصيبه»(1) ويظهر من الرواية حيث قيده «بما لا يقتله» يصدق عليه العمد وإن لم يكن قصده القتل بعد إن كانت الآلة قتالة .

(1) بما أنّه لا يتحقق العمد منه في القتل فلا يصدق عليه قاتلاً، كما مرّت الرواية، وتدل عليه أيضاً صحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت له أرمي الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله، قال: هذا خطاء ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشاة فأصيب رجلاً، قال: هذاالخطاء الذي لاشك فيه، والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله»(2).

خلاصة الكلام أن العمد هو أن يرمى الشخص متعمداً بشيء يقتل غالباً ولو لم يقصد القتل، وكذا يصدق القتل بشيء يقتل به نادراً إذا كان من قصده القتل وقتل، أمّا إذا رمى بشيء لا يقتل مثله إلا نادراً ولم يكن من قصده القتل أو رمى أشياء آخر فأصاب الإنسان فمات فهو يعد خطاء .

ص: 7


1- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح11 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح7.

المسألة 2: كما يتحقق القتل العمدي فيما إذا كان فعل المكلف علة تامة للقتل أو جزءً أخيراً للعلة بحيث لا ينفك الموت عن فعل الفاعل زماناً، كذلك يتحقق فيما إذا ترتب القتل عليه من دون أن يتوسطه فعل اختياري من شخص آخر، كما إذا رمى سهماً نحو من أراد قتله فأصابه، فمات بذلك بعد مدة من الزمن، ومن هذا القبيل ما إذا خنقه بحبل ولم يرخه عنه حتى مات، أو حبسه في مكان ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات، أو نحو ذلك، فهذه الموارد وأشباهها داخلة في القتل العمدي(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه يصدق عليه عرفاً قتل العمد، لإنّ الملاك في القتل العمدي هو أن يصدر منه العمل بقصد الموت ولو لم يقصد ذلك، ولكن بما أنّه يترتب عليه الموت غالباً فيصدق عليه العمد أيضاً .

وبعبارة أخرى فالقتل العمدي هو أن يتحقق بما يقصد به البالغ العاقلبفعله للقتل وإن كان فعله بما لا يكون قاتلاً غالباً إذا ترتب القتل عليه، كما إذا قصد قتل إنسان بشيء يكون صالحاً للقتل نادراً كما في الجواهر: بل لم أجد فيه خلافاً وإن أرسل، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر(1)، لإنّ موضوع القصاص هو قتل العمد، وهو يتحقق بما ذكرنا .

وبعبارة أدق قد يكون حصول القتل المباشرة، وقد يكون بالتسبيب لحصول تحقق القتل العمدي في كليهما، لإن ملاك العمد هو ايجاد عمل يكون نتيجته الموت غالباً وهو متحقق في كلا الموردين، وفي المورد نوع من التسبيب، فهو من مصاديق القتل العمدي لأنّه قصد إلى الفعل الذي يترتب عليه الموت غالباً .

ص: 8


1- الجواهر/42/13.

المسألة 3: لو القى شخصاً في النار أو البحر متعمداً فمات، فإن كان متمكناً من الخروج ولم يخرج باختياره فلا قود ولادية(1)، وإن لم يكن متمكناً من الخروج وإنجاء نفسه من الهلاك فعلى الملقي القصاص(2).

المسألة 4: لو أحرقه بالنار قاصداً به قتله أو جرحه كذلك فمات فعليه القصاص، وإن كان متمكناً من إنجاء نفسه بالمداواة وتركها باختياره(3).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الموت عرفاً مستند إلى نفسه لا إلى الملقى، فلا يتحقق حينئذٍ موجب القصاص، وهل يجب على الملقي الدية، هناك قولان في المسألة .الأول: يجب لأنّه هو الجاني بألقائه في النار، وعدم الخروج عمداً لا يسقط الضمان .

الثاني: أنّه لا يجب أيضاً ولا دية على الملقي، لأنّه بتمكنه من الخروج وبقائه في النار هو الذي أهلك نفسه وأتلفها، وهذا هو الأقوى، نعم الدية على ما أحرقته النار منه إلى أول أزمنة إمكان خروجه على الملقي، وبعبارة أخرى الموت مستند إلى نفسه لا إلى الملقي، فلا يتحقق موجب القصاص .

(2) وذلك لتحقق موضوع القصاص وهو القتل العمدي .

(3) قد يقال إن المقتضي لإحراقه وازهاق روحه هو النار وفعل القاتل هو من قبيل إيجاد ما هو الشرط، فكما في صورة عدم الخروج إبقاء للشرط كذلك المقام، ولذا عبر الشهيد الثاني في مسالكه: هناك مسائل متشابهة الأطراف أحدها إذا طرحه في النار، فإنّ لم يمكنه الخروج منها بأن كان في حفيرة لا يقدر على الخروج منها على ذلك الوجه، أو ضعيف الحركة فقهرته النار، أو مكتوفاً ونحو ذلك، فلا إشكال في القود، لأنّ النار على هذا الوجه مما يقتل، وإن أمكنه الخروج، وذلك قد يعلم من قبله بأن يقول، إنّي قادر على الخروج ولست بخارج، أو بالقرائن المفيدة للعلم، بأن كان وقوعه نفسه فلا قود، لأنّه أعان على نفسه، وهل تثبت الدية؟ فيه قولان:

ص: 9

................................

أحدهما: الثبوت لأنّه هو الجاني بألقائه في النار وترك التخلص مع القدرة لا يسقط الضمان عن الجاني، كما لو جرحه فترك المجروح مداواة نفسه حتى مات، فإنّه ضامن .

والثاني: أنّه لا دية عليه أيضاً، وهو الذي اختاره المصنف وقبله الشيخفي المبسوط، لأنّه لما قدر على الخلاص فلم يفعل كان هو الذي أهلك نفسه وأتلفها، فهو كما لو خرج منها ثم عاد إليها، ويفارق المجروح إذا لم يداوِ نفسه بأنّ السراية عنه حصلت ولم يزد ذلك بترك التداوي، السراية، وليس كذلك للملقى في النار عنه بإحتراق متجدد، لأنّ المداواة هو إيجاد للمانع ولا فرق في استناد الموت إلى شخص بين كونه موجوداً أو مبقياً للشرط وكونه غير موجود للمانع و غير رافع له .

وبعبارة أخرى في استناد القتل إلى الشخص يكفي كونه الجزء الأخير للعلة التامة مستنداً إليه، ولا يعتبر كونه أزيد، فاستناد القتل في الصورتين يكون إلى نفس المقتول لتركه للخروج وعدم المداواة لنفسه .

والحق هو الأول فما ذكره صاحب المسالك من قوله: لأنّها استأنفت أطرافاً غير الأول فمحل تأمل، بل هو دخيل في تحقق الموت، ولكن الموت لم يستند إلى ترك المداواة، فإن الموت من آثار المقتضي، والمداواة دخيلة في المانع فإذا لم يوجد الأول باختياره، فلا أثر مستند إلى المقتضي، يقول الاستاذ الأعظم (قدس سرُّه): فإنّ الموجود إنما ينشأ من الموجود ويترتب عليه ولا يستند إلى أمر عدمي فالقتل عند عدم المداواة يستند إلى المحرق أو الجارح دون المقتول، وذلك نظير من قتل شخصاً وكان المقتول متمكناً من الدفاع عن نفسه ولم يدفع حتى قتل فإنّه لا يُشكّ في استناد القتل إلى القاتل دون المقتول، نعم لا شك في أن المقتول في كلتا الصورتين قد أرتكب محرماً، لأنّه لم يحفظ نفسه مع تمكنه وهذا لا ينافي استناد القتل إلى غيره(1)،

ص: 10


1- المباني / 2 / 6.

المسألة 5: إذا جنى عمداً ولم تكن الجناية ممّا تقتل غالباً ولم يكن الجاني قد قصد بها القتل، ولكن اتفق موت المجني عليهبالسراية فالمشهور بين الأصحاب ثبوت القود، ولكنه لا يخلو من إشكال(1)، بل لا يبعد عدمه فيجري عليه حكم القتل الشبيه بالعمد .

المسألة 6: لو ألقى نفسه من شاهق على إنسان عمداً قاصداً به قتله أو كان مما يترتب عليه القتل عادة فقتله، فعليه القود(2).

_______________________________________________________________

والمسألة اتفاقية بأنّ على القاتل القصاص .

(1) لأنّ المشهور ذهب إلى أن السراية في الجناية العمدية مضمونة وإن لم تكن مقصودة فيثبت القصاص إذا سرت، ولكن عدم القصاص لأنّه لم يكن من قصده القتل ولا كون الفعل مما يترتب عليه القتل، إذاً لا يصدق عليه قتل العمد فلا قصاص، لأنّه بحكم شبه العمد(1)، كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)لأنّه لا يكون قاصداً للقتل ولم يكن الفعل قاتلاً، عادة كما إذا ضربه بعود خفيف أو رماه بحصاة صغيرة فاتفق موته، وسيأتي شرح شبيه العمد .

(2) قد عرفت ذلك لأنّ قصده القتل وفعل عامداً فعليه القود، وحينئذٍ إذا لم يكن من قصده القتل ولم يكن مما يقتل، فلا يصدق عليه القتل العمد فلا قود، وفي المسالك: هذا جارٍ على قاعدة العمد السابقة، فإنّ الوقوع من فعله، فإن كان مما يقتل غالباً فهو متعمد للقتل، وإن لم يقتل غالباً فهو قتل مقصود له، فكان شبيه عمد، وهذا إذا لم يقصد به لقتله وإلا كان عمداً(2) وقال في التحرير: لو ألقى نفسه من شاهق على إنسانٍ وكان الوقوع مما يقتل غالباً أو نادراً مع تصدر الملقي نفسه إلى إتلاف الأسفل فهلك الأسفل وجب على الملقي نفسه، وإن لم يقتل غالباً

ص: 11


1- المباني / 2 / 7.
2- المسالك / 15 / 75 .

وأمّا إذا لم يقصد به القتل ولم يكن مما يقتل عادة، فلا قود عليه وأمّا إذا مات الملقي فدمه هدر(1) على كلا التقديرين .

المسألة 7: ليس للسحر حقيقة موضوعية(2)، بل هو إراءة غير الواقع بصورة الواقع، ولكنه مع ذلك لو سحر شخصاً بما يترتب عليه الموت غالباً أو كان بقصد القتل، كما لو سحره فتراءى له أن الأسد يحمل عليه فمات خوفاً، كان على الساحر القصاص .

_______________________________________________________________

أو لم يقصد الإتلاف فهو شبيه عمد ودم الملقي نفسه هدر(1).

(1) لأنّه هو الذي أصبح سبباً في قتل نفسه، وفعل محرماً فدمه يكون هدراً.

(2) الكلام يقع في معنى السحر، قيل هو كلام أو رقية يؤثر في بدن الإنسان أو قلبه أو عقله، وهل له حقيقة أو لا ؟ قيل إنّه ليس للسحر واقع بل مجرد تخييل، ورد في الحديث: حل ولا تربط، فهذا دليل على واقعيته .

والحق أن السحر على أقسام، قسم منه لا واقع له كما في قوله تعالى: «أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ»(2) باحتيالهم في تحريك الحبال جعلوا فيها من الزئبق الذي يتمدد بحرارة الشمس فيحركها، وهذا صار سبباً لإرهاب الناس حينما اروهم أشياء عجيبة، ومنه ما له حقيقة كقوله تعالى: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ»(3)، قال الشهيد في الدروس: تحرمالكهانة والسحر بالكلام، والكتابة، والرقية، والدخنة بعقاقير الكواكب، وتصفية النفس والتصوير، والعقد والنفث، وبالأقسام، والعزائم بما لا يفهم معناه ويضر بالغير فعله، ومن

ص: 12


1- التحرير / 5 / 434 .
2- سورة الاعراف الآية 116.
3- سورة البقرة الآية 102.

................................

السحر الاستخدام للملائكة والجن واستنزال الشياطين في كشف الغائب، وعلاج المصاب، ومنه الاستحضار بتلبس الروح ببدن ممن فعل كالصبي والمرأة، وكشف الغائب عن لسانه، ومنه النيرنجيات وهي اظهار غرائب خواص الامتزاجات واسرار النيرين، ويلحق به الطلسمات وهي امتزاج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب، فعمل هذا كله والتكسب به حرام(1)،

وقال الشهيد الثاني: يحرم السحر من كلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله، ومنه عقد الرجل عن حليلته والقاء البغضاء بينهما، ومنه استخدام الملائكة والجن واستنزال الشياطين في كشف المغيابات وعلاج المصاب وتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة في كشف أمر على لسانه(2)، فقسم من السحر لا واقع له وقسم آخر له واقع، خلافاً لما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): بأنّه ليس للسحر حقيقة موضوعية، بل هو إرادة غير الواقع بصورة الواقع(3)، لاواقع له، ويؤيد ذلك أيضاً ما ذكره في الجواهر لشرحه قول المحقق، بقوله: بما دل من الأخبار على أن له حقيقة وأن منه ما هو من المطبب تأثيراً وعلاجاً(4).فعلى أيّ حال لو قلنا له واقعية أو لا ؟ فلو سحر شخصاً بالتصرف في عالم الخيال أو سحره بحيث يتراءى أن أسداً يحمل عليه فمات، كان على الساحر القود، لأنّه تعمد إلى فعل يكون قاتلاً غالباً، وهذا الفعل العمدي يكون مستنداً إليه، ولو فرض أنّه ليس للسحر واقع، لأنّ واقعية السحر وعدمه اجنبية عن التأثير، وعلى فرض أنّه لا واقعية للسحر إنما يكون بالنسبة إلى نفسه وما في الخارج، وأما

ص: 13


1- الدروس /3 /192.
2- اللمعة الدمشقية /3 /215.
3- المباني / 2 / 8 .
4- الجواهر / 42 / 32 .

المسألة 8: لو أطعمه عمداً طعاماً مسموماً يقتل عادة، فإن علم الآكل بالحال وكان مميزاً، ومع ذلك أقدم على أكله فمات، فهو المعين على نفسه، فلا قود ولا دية على المطعم(1)، وإن لم يعلم الإكل به(2)، أو كان غير مميز فأكل فمات فعلى المطعم القصاص، بلا فرق بين قصده القتل به وعدمه، بل الأظهر أن الأمر كذلك فيما لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل وكان السمّ مما يقتل عادة، فأكل صاحب المنزل جاهلاً بالحال فمات(3).

_______________________________________________________________

بحسب آثاره فيمكن التأثير في القتل كما يمكن التأثير في التفرقة بين المرء وزوجه، خلافاً لما ذكره في التحرير بقوله: فعلى ما ورد في الأخبار لو سحره فمات بسحره ففي القود إشكال والأقرب الدية لعدم اليقين بذلك، ولو أقرّ أنّه قتله بسحره عملاً بإقراره وقال الشيخ في الخلاف: يحمل ذلك على قتله حداً(1).(1) وذلك لأنّه لم يستند القتل إلى المطعم، بل استند إلى نفس الآكل

فلا قود ولا دية هنا .

(2) في صورة عدم علمه أو لم يكن مميزاً، فأكل ومات عليه القود لاستناد القتل إلى المطعم، وهكذا لو قال كذباً إن فيه سماً غير قاتل، بل يفيد العلاج فأكله فمات فعليه القود، وأمّا إذا قال بأن فيه سمّاً وأطلق فلا قود ولا دية إذا أكله، لأنّه لم يكن استناد القتل إليه محرزاً مع أنّه أعلمه بأن فيه السم.

(3) لأنّه صدق عليه العمد وأمّا لو جعله بقصد قتل الكلب فأكله صاحب المنزل فلا قود لأنّه لا يصدق عليه العمد كما في صحيحة الحلبي، قال «قال أبو عبد الله: العمد كل ما أعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا

ص: 14


1- التحرير / 5 / 425 .

المسألة 9: لو حفر بئراً عميقة في معرض مرور الناس متعمداً وكان الموت يترتب على السقوط فيها غالباً، فسقط فيها المار ومات فعلى الحافر القود، بلا فرق بين قصده القتل وعدمه، نعم لو لم يترتب الموت على السقوط فيها عادة وسقط فيها أحد المارة فمات اتفاقاً فعندئذٍ إن كان الحافر قاصد القتل فعليه القود وإلا فلا، وكذلك يثبت القصاص لو حفرها في طريق ليس في معرض المرور، ولكنه دعا غيره الجاهل بالحال لسلوكه قاصداً به القتل، أو كان السقوط فيها مما يقتل عادة، فسلكه المدعو وسقط فيها فمات(1).

_______________________________________________________________

كله عمد، والخطأ من أعتمد شيئاً فأصاب غيره»(1) هذا في صورة عدم علمه بأن صاحب المنزل يأكل منه، أمّا لو علم بذلك فالظاهر عليه القود، لأنّه مع علمه بذلك يصدق عليه التعمد، كما ورد في صحيحة ابن أبي العباس «إن العمد أن يتعمده فيقتله بما قتل مثله، والخطأ أن يتعمده ولا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله، والخطأ الذي لا شك فيه أن يتعمد شيئاً آخر فيصيبه»(2) كما أنّه لو كان في بيته طعام مسموم، فدخل عليه شخص فأكله بلا إذنه ومات فلا قود ولا دية، حتى لو دعاه إلى داره لا للإطعام ولكن دخل بيته وأكل بلا إذنه فمات ففي كلتا الحالتين لم يكن القتل مستنداً إلى صاحب الدار فلا قود ولا دية .

(1) لأنّه يستند إليه القتل عرفاً وهو في عمله هذا يُعدّ قاتلاً عمداً .

وكذلك لو حفرها في غير طريق المرور، قال في المسالك: ولو كان الوقوع لا يقتل غالباً وقصد القتل فكذلك، وإلا فهو شبيه عمد(3)، وتفهم المسألة من المسائل المتقدمة.

ص: 15


1- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح3.
2- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح13.
3- المسالك / 15 / 78 .

المسألة 10: إذا جرح شخصاً قاصداً به قتله فداوى المجروح(1) نفسه بدواء مسموم أو أقدم على عملية ولم تنجح فمات، فإن كان الموت مستنداً إلى فعل نفسه فلا قود ولا دية على الجارح، نعم لولي الميت القصاص من الجاني بنسبة الجرح أو أخذ الدية منه كذلك، وإنكان مستنداً إلى الجرح فعليه القود، وإن كان مستنداً إليهما معاً كان لولي المقتول القود بعد ردّ نصف الدية إليه، وله العفو وأخذ نصف الدية منه.

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى تارة يستند القتل إلى فعل المقتول لأنّه بواسطة تسممه مات، فهنا لا قود ولا دية على الجارح، ولكن للولي القصاص في الجرح وتارة يكون القتل مستنداً إليهما ولكن بما أن الاقتصاص لم يكن تاماً فلولي المقتول الأخذ بالدية كما في الآية الشريفة: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»(1)، وله القصاص ولكن بعد إعطاء نصف الدية لأنّ القتل منسوب إليهما، كما إذا قتل شخصان واحداً واراد ولي المقتول الاقتصاص منهما فلابد أن يدفع لأولياء كل واحد منهما نصف الدية ثم يقتلهما، كما لو قتل الرجل امرأة فلابد من إعطاء نصف الدية ثم يقتل الرجل القاتل .

ص: 16


1- سورة الأسراء الآية 33 .

المسألة 11: لو ألقاه من شاهق قاصداً به القتل أو كان مما يترتب عليه القتل عادة، فمات الملقى في الطريق خوفاً قبل سقوطه إلى الأرض كان عليه القود، ومثله ما لو ألقاه في بحر قاصداً به قتله أو كان مما يترتب عليه الموت غالباً فالتقمه الحوت قبل وصوله إلى البحر(1).

المسألة 12: لو أغرى به كلباً عقوراً قاصداً به قتله أو كان مما يترتب عليه القتل غالباً فقتله فعليه القود(2).

وكذا الحال لو ألقاه إلى أسد كذلك، وكان مما لا يمكنه الاعتصام منه بفرار أو نحوه، وإلا فهو المعين على نفسه فلا قود عليه ولا دية ومثله ما لو أنهش حية قاتلة أو ألقاها عليه فنهشته فعليه القود، بلا فرق بين قصده القتل به وعدمه(3).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ في كلتا الصورتين يتحقق ملاك العمد، فيجب القود ونسب إلى الشيخ والفاضلين: إنّ نفس الألقاء في البحر عادة يكون سبباً للإتلاف وإن لم يبتلعه الحوت، وهكذا الألقاء من شاهق ولو لم يمت خوفاً، وإنما يقتل به عادة، فمع التوجه إلى ذلك يُعد قاصداً للقتل عادة، فلابد من القود في الصورتين .

(2) لأنّ القتل مستندٌ إليه وهو الأصح، ولأنّ المباشر هنا كالآلة، فلا ينسب إليه القتل، وقيل أن الفعل منسوبٌ إلى الكلب ولم يكن المغري قاتلاً وإن كان سبباً فيضمن الدية حينئذٍ، هذا إذا لم يمكنه الفرار، وإلا فهو المعينعلى نفسه فلا قود ولا دية .

(3) لأنّ عمله هذا مما يصدق عليه العمد وينتسب إليه القتل لا إلى المقتول.

ص: 17

المسألة 13: لو جرحه بقصد القتل ثم عضّه الأسد مثلاً وسرتا فمات بالسراية، كان لولي المقتول قتل الجارح(1) بعد ردّ نصف الدية إليه كما أن له العفو عن القصاص ومطالبته بنصف الدية .

المسألة 14: لو كتّفه ثم ألقاه في أرض مسبعة مظنّة للافتراس عادة(2)، أو كان قاصداً به قتله فافترسه السباع، فعليه القود(3)، أو كان قاصداً به قتله فافترسه السباع، فعليه القود(4)، نعم لو ألقاه في أرض لم تكن مظنة للافتراس عادة ولم يقصد به قتله، فافترسه السباع اتفاقاً فالظاهر أنّه لا قود، وعليه الدية فقط .

_______________________________________________________________

(1) فهو أي الولي بالاختيار بين القصاص والدية، لأنّ القتل العمدي إمّا أنّ يأخذ نصف الدية لكون قتله منسوباً إلى القاتل والأسد، أو يقتله ويدفع نصف الدية حينئذٍ، وحال هذا حال ما إذا قتل رجلان رجلاً واحداً فإذا أراد ولي المقتول قتلهما فلابد من أن يرد إلى ولي كل منهما نصف الدية لأنّ القتل منسوب للشخصين، والمسألة واضحة لا تحتاج إلى مؤنة زائدة للبيان .

(2) بل ولو كان مع احتماله بتردد السباع لصدق العمد عادة، لأنّه حصل منه فعل يوجب قتله فيصح استناد القتل العمدي إليه .

(3) وقصد القتل يكون مصداقاً آخر من القتل الموجب للاقتصاص .

(4) أي كان عالماً أو مطمئناً بأنّه لا يتردد السباع عادة مع أنّه غير قاصد لقتله أيضاً فأفترسه السباع اتفاقاً، فالظاهر أنّه لا قود عليه، وتجب عليه الدية لأنّه كشبه العمد، لأن القتل لا يكون مستنداً إليه .

ص: 18

المسألة 15: لو حفر بئراً فسقط فيها أخر بدفع ثالث، فالقاتل هو الدافع دون الحافر(1).

المسألة 16: لو امسكه وقتله آخر، قتل القاتل، وحبس الممسك مؤبداً حتى يموت بعد ضرب جنبيه، ويجلد كل سنة خمسين جلدة(2)ولو اجتمعت جماعة على قتل شخص فامسكه أحدهم وقتله آخر ونظر إليه ثالث، فعلى القاتل القود، وعلى الممسك الحبس مؤبداً حتى الموت وعلى الناظر أن تفقأ عيناه .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الدافع هو المباشر للقتل دون الحافر، فاستناد القتل يكون إليه عرفاً، وهكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه الآخر وقدّه نصفين، فالقتل منسوب إلى الضارب وغيرها من الأمثلة، فمن استند القتل إليه يقتص منه.

قال في المسالك ونعم ما قال: إذا اجتمع السبب والمباشر فقد تغلب المباشرة عن السبب وهو الأكثر، وقد ينعكس، وقد يستويان وما ذكره هنا حكم الأول، فإذا حفر واحد بئراً فدفع آخر فيه ثالثاً فالقاتل هو الدافع، لأنّه المباشر للقتل بما يقتل هو لالقاءه لأنّه السبب البعيد(1).

(2) القاتل في الحقيقة هو الذي يستحق القتل دون الماسك، والماسكيحبس حتى يموت في الحبس، وإذا كان هناك ناظر تفقأ عيناه، وذلك للروايات الواردة .

منها: معتبرة عمرو بن أبي المقدام «إن رجلاً قال لأبي جعفر المنصور _ وهو يطوف _: يا أمير المؤمنين إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلاً، فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليّ ووالله ما أدري ما صنعا به ؟ فقال لهما: ما صنعتما به ؟ فقالا: يا أمير المؤمنين

ص: 19


1- المسالك / 15 / 83 .

................................

كلمناه ثم رجع إلى منزله إلى أن قال، فقال: لأبي عبد الله جعفر بن محمد (علیهما السلام) اقض بينهم إلى أن قال، فقال: يا غلام أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم): كل من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن إلا أن يقيم عليه البينة أنّه قد ردّه إلى منزله، يا غلام نح هذا فاضرب عنقه، فقال: يابن رسول الله، والله ما أنا قتلته ولكني امسكته، ثم جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) يا غلام نح هذا فاضرب عنقه للآخر، فقال: يابن رسول الله، ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة، فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه بحبس عمره، ويضرب كل سنة خمسين جلدة»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «قضى علي (علیه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر، قال: يقتل القاتلويحبس الآخر حتى يموت غمّاً كماً حبسه حتى مات غمّاً»(2).

ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) واحد منهم أمسك رجلاً، وأقبل الآخر فقتله، والآخر يراهم، فقضى في صاحب الرؤية أن تسمل عيناه، وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، وقضى في الذي قتل أن يقتل»(3).

ص: 20


1- الوسائل باب 18 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- الوسائل باب 17 من أبواب القصاص في النفس ح1.
3- الوسائل باب 17 من أبواب القصاص في النفس ح3.

المسألة 17: لو أمر غيره بقتل أحد، فقتله، فعلى القاتل القود وعلى الآمر الحبس مؤبداً إلى أن يموت ولو أكره على القتل(1).

فإن كان ما توعد به دون القتل فلا ريب في عدم جواز القتل، ولو قتله، والحال هذه كان عليه القود وعلى المكره الحبس المؤبد، وإن كان ما توعد به هو القتل، فالمشهور أنّ حكمه حكم الصورة الأولى، ولكنه مشكل، ولا يبعد جواز القتل عندئذٍ، وعلى ذلك فلا قود، ولكن عليه الدية وحكم المكرِه _ بالكسر _ في هذه الصورة حكمه في الصورة الأولى، هذا إذا كان المكرَه _ بالفتح _ بالغاً عاقلاً، وأمّا إذا كان مجنوناً أو صبياً غير مميز، فلا قود لا على المكرهِ، ولاعلى الصبي، نعم على عاقلة الصبي الدية وعلى المكره الحبس مؤبداً(2).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّه تارة يكون مجرد أمر ولا إكراه هنا، والإكراه تارة يكون ما دون القتل من الجرح وغيره، وأخرى يكون هو القتل والمكره تارة يكون بالغاً عاقلاً وأخرى صبياً أو مجنوناً، أمّا في الصورة الأولى ما إذا أمر غيره بقتل أحد فقتله فيقتص من القاتل ويحبس الآمر مؤبداً، وتدل على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل أمر رجلاً بقتل رجل، فقال: يقتل به الذي قتله، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت»(1).

(2) وذلك لإطلاق صحيحة زرارة المتقدمة، أمّا إذا كان ما توعد به هو القتل، فالمشهور هو صدور القتل من المباشر، وذلك لعدم الإكراه على القتل، لأن حديث الإكراه وارد مورد الامتنان، ولا امتنان على الأمة في جواز قتلهم، وقال في

ص: 21


1- الوسائل باب 13 من أبواب القصاص في النفس ح1.

................................

الجواهر: فالحكم عندنا نصاً وفتوى، بل الإجماع بقسميه عليه أن القصاص على المباشر دون الآمر المكره، بل ولا دية ولا كفارة، بل ولا يمنع من الميراث، وإن استشكل عليه فيه القواعد لأن الإكراه وإن ولد في المكره داعية القتل التي سببها من المكره، والأصل في القصاص كونه على المباشر الذي هو المكره، لأنه هو القاتل لغة وعرفاً، بل لا يتحقق الإكراه شرعاً عندنا في القتل، ولكنيتحقق فيما عداه من قطع اليد والجرح ونحوها فإنه يتحقق إذا جاز دفع الخوف بفعل المكره عليه، ثم يقول في الجواهر لا يجوز هنا دفع الخوف على النفس بذلك، بل في الصحيح وإنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء فإذا بلغ الدماء فلا تقية(1)، وموثق أبي حمزة قال أبو عبد الله (علیه السلام) «لم تبق الأرض إلا وفيها منا عالم، يعرف الحق من الباطل، قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي، ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وامهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حدّ الله»(2)، إذاً المباشر هو القاتل لأنّه قتل شخصاً آخر ظلماً لحفظ نفسه، ويمكن أن يقال حكمه حكم من قتل شخصاً آخر في المخمصة ليأكله ليحفظ نفسه، يقول استاذنا (قدس سرُّه): وفيه إنما ذكره وإن كان صحيحاً حيث أن حديث الإكراه الوارد مورد الامتنان لا يشمل المقام وأمثاله، إلا أنّه مع ذلك لا يكون القتل محرماً، فإنّ ذلك داخل في باب التزاحم إذ الأمر يدور بين ارتكاب محرم وهو قتل النفس المحترمة، وبين واجب وهو حفظ النفس وعدم تعريضها للهلاك، وحيث لا ترجيح في البين فلا مناص من الالتزام بالتخيير،

ص: 22


1- الجواهر /42 / 47 _ 48.
2- الوسائل باب 31 من أبواب الامر والنهي ح2.

المسألة 18: المشهور جريان الحكم المذكور فيما لو أمر السيد عبده بقتل شخص فقتله، ولكنه مشكل، بل لا يبعد أن يقتل السيد الآمر ويحبس العبد(1).

_______________________________________________________________

وعليه فالقتل يكون سائغاً وغير صادر عن ظلم وعدوان، فلا يترتب عليه القصاص، ولكن تثبت الدية، لأن دم المرء المسلم لا يذهب هدراً(1)، وما ذكره الاستاد الاعظم (قدس سرُّه) يأتي في المخمصة مع أنّه لم يقل به أحد، مضافاً إلى ما ورد في الصحيحة والموثقة على الخلاف الذي مرّ .

وأمّا إذا كان مجنوناً أو صبياً غير مميز، فالقتل يكون على المكره لأنّهما بمنزلة آلة، وأمّا إذا كان مميزاً فلا قود على المكره، لأنّه لم يكن هو المباشر ولا على الصبي لأنّه لا قود على الطفل، بل يكون على البالغ العاقل .

وأمّا حبس المكره مؤبداً فتدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة ولو ورد فيها لفظ رجل لكن لا خصوصية لهذا اللفظ، بل المراد البالغ العاقل رجلاً كان أو امرأة .

(1) الأقوال في المسألة مختلفة، قال البعض إنّه يقتل العبد، وقال المحقق ويستوي في ذلك الحر والعبد(2)، وعن الخلاف اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر غلامه بقتل غيره فقتله على من يجب القود ؟ فروي في بعضها أنّ على السيد القود وروي في بعضها أن على العبد القود، ولم يفصلوا إلى أن قال: والوجه في ذلك أنّه إن كان العبد مميزاً عاقلاً يعلم أن ما أمره بهم معصية، فإن القود على العبد، وإن كان صغيراً أو كبيراً لا يميز ويعتقد أن جميع ما أمره سيده به واجب عليه فعله، كان القود على السيد والأقوى في نفسي أن نقول إن كان العبد عالماً بأنّه

ص: 23


1- المباني /2 / 14.
2- الشرائع /4 /199.

................................

لا يستحق القتل أو يتمكن من العلم به فعليه القود، وإن كان صغيراً أو كبيراً لا يميز واعتقد أن جميع ما أمر سيده به واجب عليه فعله كان القود على السيد(1)، وقال في الجواهر: وجعلهما في التهذيب أنّه مخالفين للقرآن حيث نطق: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(2)، ثم أولهما بمن كانت عادته أن يأمر عبد بقتل الناس ويغريهم بذلك ويلجئهم، فإنّه يجوز للإمام أن يقتل من هذا حاله، لأنّه مفسد في الأرض(3).

والحق لو قلنا بأنّ العبد لابد أن يقتل، فقتل المولى بإفساده لا ينافي قتل العبد بعد مباشرته بذلك، ففي معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً فقتله قال، فقال: يقتل السيد به»(4) ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً فقتله، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) وهل عبد الرجل إلا كسوطه أو كسيفه، يقتل السيد ويستودع العبد السجن»(5) فترى أنّهما تامتان سنداً ودلالة، وفي الحديثين لا يمكن أن يكافئه ما دل على قتل العبد كما ورد في الآية أيضاً: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ولذا جعل الشيخ الروايتين مخالفتين للكتاب والسنة، وقال: ينبغي أن يلغى أمرهما ويكون العمل بما سواهما .وفيه أنك قد عرفت أنّه لا مخالفة بين المطلق والمقيد كما اشار إليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: وليت شعري كيف تكون الروايتان مخالفتين للكتاب مع أن

ص: 24


1- الخلاف /5/ 168 _ 169.
2- سورة المائدة الآية / 45 .
3- الجواهر /42 / 48 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب القصاص في النفس ح1.
5- الوسائل باب 14 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 19: لو قال أقتلني فقتله، فلا ريب في أنّه قد ارتكب محرماً وهل يثبت القصاص عندئذٍ أم لا ؟ وجهان، الأظهر ثبوته، هذا إذا كان القاتل مختاراً أو متوعداً بما دون القتل، وأمّا إذا كان متوعداً بالقتل فالحكم فيه كما تقدم(1).

_______________________________________________________________

تقييد إطلاقات الكتاب والسنة بالروايات المعتبرة غير عزيز، أضف إلى ذلك أن معتبرة السكوني تدل على أن القاتل في مفروض الكلام هو السيد، فإن العبد بمنزلة سوطه وسيفه، وعليه فلا تقييد لإطلاقات الكتاب حيث أن الإمام (علیه السلام) في مقام بيان أن القاتل هو السيد فالقود عليه وحينئذٍ كيف يمكن أن يقال أن الروايتين مخالفتان للقرآن والأخبار .

وقد نوقش بهاتين الروايتين كما في الرياض من أن ما دل على قتل السيد قاصر سنداً، واجاب عنه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله إن الروايتين موثقتان مع أن الثانية على طريق الصدوق صحيحة فكيف يصح دعوى القصور في السند(1).

(1) لا يخفى أنّه قد يكون قوله اقتلني مع التوعد، وأخرى بدون التوعد ففي الأولى قد يكون بالقتل، وقد يكون ما دون القتل، أمّا أصل الحرمة فمما لاإشكال فيه، قال المحقق: لو قال اقتلني أو لأقتلنك لم يسغ القتل، لأن الإذن لا يرفع الحرمة ولو باشر لم يجب القصاص، لأنّه كان مميزاً سقط حقه بالإذن فلا يتسلط الوارث(2)، يقول في الجواهر: عند الشيخ في محكي المبسوط والفاضل في التلخيص والإرشاد في المسالك أنّه الأشهر(3)ويقول المحقق: لأنّه اسقط حقه بالإذن فلا

ص: 25


1- المباني /2 / 16.
2- الشرائع / 4 / 200 .
3- الجواهر / 42 / 53 .

المسألة 20: لو أمر شخص غيره بأنّ يقتل نفسه، فقتل نفسه(1) فإن كان المأمور صبياً غير مميز فعلى الآمر القود، وإن كان مميزاً أو كبيراً بالغاً، فقد أثم فلا قود على الآمر، هذا إذا كان القاتل مختاراً أو مكرهاً متوعداً بما دون القتل أو بالقتل، وأمّا إذا كان متوعداً بما يزيد على القتل من خصوصياته كما إذا قال اقتل نفسك وإلا لقطعتك إرباً إرباً فالظاهر جواز قتل نفسه عندئذٍ، وهل يثبت القود على المكره وجهان الأقرب عدمه.

_______________________________________________________________

يتسلط الوارث(1)، الذي هو فرع على المقتول وبعد ما ذكرنا بأن الإنسان غير مسلط على اتلاف نفسه ويكون إذنه كلا إذن، فلا يكون هذا الإذن مسقطاً للضمان، وهكذا لو كان متوعداً بما دون القتل فيجب القصاص للعمومات، نعم لو كان متوعداً بالقتل فهل يجوز أو لا ؟ فقد مر فيه الكلام بأنّه هل يجوز قتل الغير دفاعاً عن نفسه أو لا ؟ فراجع .(1) هنا المأمور تارة يكون صبياً غير مميز وأخرى مميزاً، ففي الصورة الثانية تارة يكون مختاراً، وأخرى يكون مكرهاً، وإكراهه تارة يكون بما دون القتل، وأخرى يكون بالقتل، وإكراهه بالقتل، تارة يكون فيه زيادة على القتل بأن يكون متوعداً بالخصوصيات وأخرى لا .

وأمّا في الصورة الأولى فلا إشكال من الاقتصاص من الآمر، لأن القاتل كالآلة فالآمر هو القاتل في الحقيقة عرفاً، وفي صورة ما إذا كان مميزاً فلا يقاد من الآمر بعد إن فرض عدم استناد القتل إلى الآمر، وكذلك لو أكرهه على ما دون القتل فإنّه لو قتل نفسه فعل محرماً ولا قصاص على الآمر حتى لو أكرهه على القتل أيضاً لا يجوز قتل نفسه ولو فعل يكون دمه هدراً.

ص: 26


1- الشرائع / 4 / 200 .

المسألة 21: لو أكره شخصاً على قطع يد ثالث معيناً كان أو غير معين وهدده بالقتل إن لم يفعل، جاز له قطع يده، وهل يثبت القصاص على المكره، أو أن القصاص يسقط وتثبت الدية على المباشر ؟ وجهان الظاهر هو الثاني(1).

_______________________________________________________________

وأمّا إذا كان في الإكراه زيادة على القتل كالتمثيل فيجوز حينئذٍ قتل نفسه لشمول أدلة الاكراه لمثل ذلك فلا يكون قتله هذا لنفسه محرماً ولا تشمله أدلة حرمة قتل النفس المحترمة، وأما القود من الآمر فلا، لعدم استناده القتل إليه، إن قلت بأنّه يقتل لأن السبب أقوى من المباشر، اجاب عن هذا الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بأنّه لا دليل على ذلك، فإن العبرة في القصاص إنما هي باستناد القتل عرفاً، وقد عرفت أنّه غير مستند إلى المكرهِ بالكسر، ومن هنا لم يلتزم الأصحاب بذلك فيما لو اكره على قتل غيره حيث إنّهم هناك التزموا بأنالقاتل هو المكره بالفتح دون المكره بالكسر(1) وبعبارة أخرى قلنا القود مختص بمن نسب القتل إليه .

(1) أمّا أصل قطع يد الغير فهو محرم، ولكن بما أنّه هنا تأتي مسألة الأهم والمهم فيجوز له قطع يد غيره، وهل القود يكون عليه أو على الآمر ؟ الحق أنّه لا قود عليهما، أمّا بالنسبة للآمر فلأنه غير مباشر، وأمّا بالنسبة إلى الفاعل فلأنه لم يقطع يد غيره ظلماً وعدواناً وكان عمله على نحو الإكراه وأمّا ثبوت الدية فلكي لا تذهب يد مسلم هدراً، وبما أنّه هو المباشر فالدية عليه أي المكرهَ بالفتح .

ص: 27


1- المباني /2 / 20.

المسألة 22: لو أكرهه على صعود جبل أو شجرة أو نزول بئر فزلّت قدمه وسقط فمات، فإن لم يكن الغالب في ذلك السقوط المهلك ولا هو قصد به القتل فلا قود عليه ولا دية، وإلا ففيه الوجهان والأقرب أنّه لا شيء عليه، وكذلك الحال فيما إذا أكره على شرب سم فشرب فمات(1).

المسألة 23: إذا شهدت بينة بما يوجب القتل كما إذا شهدت بارتداد شخص أو بأنّه قاتل لنفس محترمة أو نحو ذلك أو شهد أربعة بما يوجب الرجم كالزنا(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ القتل غير مستند إلى الآمر بعدما لم يكن هذا الصعود مما تزل القدم به غالباً ولا كان من قصد الآمر القتل ولا السقوط غالباً كان مما يقتل به، إذاً لا قود عليه ولا دية، وأمّا إذا أمره بالصعود وصعد مكرهاً فإنّه لو علم بأنّه يقع فحكمه حكم من قتل نفسه بلا فرق بين من توعد بما دون القتل أو القتل على المشهور، وأمّا إذا كان جاهلاً بإنّه سوف يقع فحكمه حكم من قدم إليه الطعام المسموم وهو جاهل به فيقتص من الآمر وأمّا إذا كان عالماً، فلا قود على الآمر ولو أكره وكان متوعداً، لأنّه هو الذي قتل نفسه، ففي هذه الحالة أيضاً استناد القتل إلى الآمر مشكل .

(2) لا يخفى أنّ الشهود تارة يدعون بأنّه شبه عليهم، وأخرى يدعون بأنّهم شهدوا زوراً، ففي الصورة الأولى عليهم الدية، وفي الصورة الثانية عليهم القود، والمسألة غير خلافية وعليه عدة روايات .

منها: معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «فيرجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت يده، ثم رجع أحدهما، فقال: شبه علينا غرما دية اليد من أموالهما خاصة، وقال: في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم، ثم رجع واحد منهم، قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبه عليّ، وإذا

ص: 28

ثم بعد إجراء الحد ثبت أنّهم شهدوا زوراً، كان القود على الشهود ولا ضمان على الحاكم الآمر، ولا حدّ على المباشر للقتل أو الرجم(1)، نعم لو علم مباشر القتل بأنّ الشهادة شهادة زور كان عليه القود دون الشهود.

_______________________________________________________________

رجع اثنان وقالا: شبه علينا غرما نصف الدية، وإن رجعوا كلهم وقالوا: شبّه علينا غرموا الدية، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعاً»(1).

ومنها: معتبرة مسمع بن كردين عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم، ثم رجع أحدهم، فقال: شككت في شهادتي قال: عليه الدية، قال قلت: فإنّه قال: شهدت عليه متعمداً، قال: يقتل»(2).

ومنها: صحيحة إبراهيم بن نعيم الأزدي قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن أربعة شهود على رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته قال: فقال يقتل الرابع ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية»(3)، وهذهالرواية مطلقة تقيد بتلك وتحمل على صورة العمد .

(1) قد يقال بأنّ القتل يستند إلى الآمر والمباشر والشهود لأنّهم شركاء في القتل، أمّا على الآمر فلأنه هو السبب بحكمه في وقوع القتل عدواناً كما أنّه لو كان هو المباشر في القصاص، لا ينبغي الإشكال في ثبوت القصاص عليه، وقد يقال على المباشر لمقتضى القاعدة، بل الحق على الشهود حسب الدليل، وما ذكروه اجتهاد مقابل النص، نعم في صورة أن المباشر يعلم بأن الشهادة تكون زوراً، فهنا يقتص من المباشر .

ص: 29


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2.
2- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح3.
3- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح2.

المسألة 24: لو جنى على شخص فجعله في حكم المذبوح ولم تبق له حياة مستقرة بمعنى أنّه لم يبق له إدراك ولا شعور ولا نطق ولا حركة اختيارية ثم ذبحه آخر، كان القود على الأول وعليه دية ذبح الميت(1).

وأمّا لو كانت حياته مستقرة، كان القاتل هو الثاني وعليه القود والأول جارح سواء أكانت جنايته مما يفضي إلى الموت كشق البطن أو نحوه أم لا، كقطع أنملة أو ما شاكلها(2).

المسألة 25: إذا قطع يد شخص وقطع آخر رجله قاصداً كل منهما قتله فاندملت أحدهما دون الأخرى ثم مات بالسراية، فمن لم يندمل جرحه هو القاتل وعليه القود(3)، ومن أندمل جرحه فعليه القصاص في الطرف أو الدية مع التراضي(4).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية لأنّه حينئذٍ في هذه الحالة يكون بحكم الميتفالقاتل هو الأول لا الثاني، نعم على الثاني دفع الدية أي دية قطع رأس الميت بعدما فرضنا أنّه بمنزلة الميت فتأمل .

(2) لأنّه هو القاتل فعليه القود، نعم يصدق على الأول الجارح بلا فرق بين أن يكون الجرح يقتل مثله أو لا يقتل مثله، بعد إن نسب القتل إلى الثاني، واختلاف أثر الجرح لا يصدق بأن الأول هو القاتل، ولو فرض أن الجرح مما يقتل غالباً، لأنّه مادام لم يؤثر الجرح أثره يصدق عليه الحي، فهو قتل بسبب ثانٍ فيكون القود على الثاني .

(3) ذكرنا بأن القتل مستند إليه عرفاً فيكون عليه القود .

(4) أي له القصاص أو الدية إذا رضى به الولي، وعن المحقق في الشرائع: فمن اندمل جرحه فهو جارح والآخر قاتل يقتل بعد ردّه دية الجرح المندمل(1).

ص: 30


1- الشرائع /4 /201.

وقيل يرد الدية المأخوذة إلى اولياء القاتل، ولكنه لا يخلو من اشكال بل لا يبعد عدمه(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الفرض نقص المقتول الذي أُخذ واستحق عوض العضو البائن الذي لم يبرء جرحه قصاصاً أو دية فيرد عليه حينئذ نصف الدية، و الحق هو عدم الرد لأولياء القاتل لعدم الدليل، نعم هناك وردت رواية استدلوا بها وهي عن سورة بن كليب عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول اقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن ارادأولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يده وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيء، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة»(1) .

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكنها ضعيفة بسورة بن كليب، فإنه لم يثبت توثيقه ولا مدحه، فلا يمكن الاعتماد عليها(2)، ولكن ذكر صاحب التنقيح أنّه حسن، وقيل بأن سورة امامي حسن ولكن هذا مجرد احتمال وهو لا يكفي في الوثاقة(3).

ص: 31


1- الوسائل باب 50 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- المباني /2 / 23 .
3- تنقيح المقال .

المسألة 26: لو جرح اثنان شخصاً جرحين بقصد القتل فمات المجروح بالسراية، فادعى أحدهما اندمال جرحه وصدّقه الولي(1) نفذ إقراره على نفسه ولم ينفذ على الآخر وعليه فيكون الولي مدعياً استناد القتل إلى جرحه، وهو منكر له، فعلى الولي الإثبات .

المسألة

27: إذا قطع اثنان يد شخص، ولكن أحدهما قطع من

الكوع والآخر من الذراع فمات بالسراية، فإن استند الموت إلى كلتا الجنايتين معاً كان كلاهما قاتلاً، وإن استند إلى قاطع الذراع، فالقاتل هو الثاني، والأول جارح نظير ما إذا قطع أحد يد شخص وقتله الآخر فالأول جارح والثاني قاتل(2).

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: لو جرحه اثنان كل واحد جرحاً فمات فادعى أحدهما اندمال جرحه وصدقه الولي لم ينفذ تصديقه على الآخر، لأنّه قد يحاول أخذ دية الجرح من الجارح والدية من الآخر، فهو متهم في تصديقه ولأنّ المنكر مدعي للأصل فيكون القول قوله مع يمينه(1)، بل ينفذ على نفسه لأن إقرار العقلاء حجة على أنفسهم، فليس للولي الاقتصاص منه، وأمّا بالنسبة إلى الآخر فلا يثبت لأنّ إثبات القتل بالنسبة إلى الآخر يحتاج إلى دليل، فإن أمكن من إثبات القتل مستنداً إلى الجرح الثاني فله القود ولا يرجع له نصف الدية لأنّ القتل مستند إليه بتمامه، وإذا لم يتمكن وأنكر الآخر فعليه الحلف، وإن أدّعى عدم علمه بذلك، والولي ادعى علمه بالاندمال فعليه اليمين على عدم علمه بالاندمال، فلا يمكن الاقتصاص منه،بل يأخذ منه نصف الدية كما يأخذ من الأول أرش الجناية .

(2) لا يخفى بأن القود يكون على من انتسب إليه القتل، ففي صورة استناد القتل إلى كليهما يكونان قاتلين فيقتص منهما بعد ردّ نصف الدية إلى كل واحد،

ص: 32


1- الشرائع /4 /201 .

المسألة 28: لو كان الجارح والقاتل واحداً فهل تدخل دية الطرف في دية النفس أم لا ؟ وجهان، والصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان القتل والجرح بضربة واحدة، وأمّا إذا كان بضربتين فعلى الأول تدخل دية الطرف في دية النفس فيما تثبت فيه الدية أصالة، وعلى الثاني فالمشهور _ المدعى عليه الإجماع _ هو التداخل أيضاً والاكتفاء بدية واحدة وهي دية النفس، ولكنه لا يخلو من إشكال والأقرب عدم التداخل، وأمّا القصاص فإن كان الجرح أو القتل بجناية واحدة، كما إذا ضربه ضربة واحدة فقطعت يده فمات فلا ريب في دخول قصاص الطرف في قصاص النفس، ولا يقتص منه بغير القتل، كما أنّه لاريب في عدم التداخل إذا كان الجرح والقتل بضربتين متفرقتين زماناً، كما لو قطع يده ولم يمت به ثم قتله(1).

_______________________________________________________________

أمّا إذا استند إلى الثاني وهو القاطع إلى الذراع، فيكون الأول جارحاً فيؤخذ منه دية الجرح والثاني قاتلاً فيقتص منه، وتقدم حكم الموت بالسراية .

(1) وقد ادعوا عدم الخلاف والإجماع واستدلوا أيضاً بصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاًبعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له، فإنه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين السنة أُقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله أُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قلت: فما ترى عليه في الشجة شيئاً ؟ قال: لا لأنّه إنما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت

ص: 33

وأمّا إذا كانت الضربتان متواليتان زماناً، كما إذا ضربه ضربة فقطعت يده مثلاً وضربه ضربة ثانية، فقتلته، فهل يحكم بالتداخل ؟ فيه إشكال وخلاف، والأقرب عدم التداخل(1).

_______________________________________________________________

الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه، فأن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه، قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات»(1) .

ولا يخفى أن الرواية ولو وردت في دخول دية الطرف في دية النفس ولكن مقتضى عموم التعليل وهو قوله «ألزمته أغلظ الجنايتين دخول دية الطرف في دية النفس» أيضاً في مفروض الكلام .

(1) أمّا إذا كان بضربتين، خصوصاً مع الفصل الطويل بينهما، فإنالمشهور بل المجمع عليه كما عليه المحقق بقوله: ولو كان الجاني واحداً دخلت دية الطرف في دية النفس اجماعاً منا إلى أن قال، والأقرب ما تضمنته النهاية ثبوت القصاص بالجناية الأولى، ولا كذلك لو كانت الضربة واحدة(2) وصاحب الجواهر ادعي الإجماع بقسميه إلى أن يقول وبالأصل وهو عدم التداخل إذا كان بضربتين، ولكن ثبوت الإجماع أول الكلام، مضافاً إلى ذلك فإن التداخل خلاف الأصل، وأن الإجماع منقول وهو ليس بحجة والمسألة غير خلافية، وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أحدهما (علیهما السلام) «في رجل فقأ عيني رجل وقطع أذنيه ثم قتله،

ص: 34


1- الوسائل باب 7 من أبواب ديات المنافع ح1 .
2- الشرائع /4 201 .

................................

فقال: إن كان فرق ذلك اقتص منه ثم يقتل وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم يقتص منه»(1) وصحيحة حفص بن البختري، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات، فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربه اقتص منه ثم قتل، وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه»(2) مضافاً إلى أن القتل لا ينفك عن الجرح فلو قلنا بعدم التداخل فلابد أن نقول به مطلقاً مع أنّه لم يقل به أحد .

فقد يفرق بين الضربتين المتواليتين أو متفرقتين، فيقال في الأول فيدخل قصاصها في قصاص النفس دون الثاني .وأمّا عدم التداخل فللأصل ولكن يظهر من صحيحة أبي عبيدة الحذاء التداخل بقوله (علیه السلام) «ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلا أن يكون فيهما الموت بواحدة، فتطرح الاخرى فيقاد به ضاربه» ولكن مقتضى صحيحتي محمد بن قيس عدم التداخل فيقع التعارض بينهما ويكون الأظهر عدم التداخل، وذلك لأنّ عدم التداخل موافق للكتاب، ويمكن أن يقال بأنّه لا تعارض بين صحيحتي محمد بن قيس وصحيحة الحذاء، لأن الاولتين تحملان على التفريق بين الضربتين والثانية تحمل على التوالي .

ص: 35


1- الوسائل باب 51 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 51 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 29: إذا قتل رجلان رجلاً _ مثلاً _ جاز لأولياء المقتول قتلهما، بعد إن يردوا إلى أولياء كل منهما نصف الدية(1)، كما أنّ لهم أن يقتلوا أحدهما، ولكن على الآخر أن يؤدي نصف الدية إلى أهل المقتص منه، وإن قتل ثلاثة واحداً كان كل واحد منهم شريكاً في قتله بمقدار الثلث، وعليه فإن قتل ولي المقتول واحداً من هؤلاء الثلاثة وجب على كل واحد من الآخرين أن يرد ثلث الدية إلى أولياء المقتص منه، وإن قتل اثنين منهم وجب على الثالث أن يرد ثلث الدية إلى أولياء المقتص منهما، ويجب على ولي المقتول المقتص أن يرد إليهم تمام الدية ليصل إلى أولياء كل واحد من المقتولين ثلثا الدية قبل الاقتصاص وإن أراد قتل جميعهم، فله ذلك بعد إن يردّ إلى أولياء كل أولياء واحد منهم ثلثي الدية .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه تارة يقتل رجلان رجلاً واحداً، وأخرى ثلاثة يقتلون رجلاً واحداً، فتارة يقتل ولي المقتول بعضهم وأخرى كليهما أو كل الثلاثة .

أمّا في الصورة الأولى وهو ما إذا قتل رجلان رجلاً واحداً، فتارة يقتل واحد منهما فيدفع الثاني نصف الدية إلى ولي المقتول، وأخرى يقتلهما ويرد إلى كل واحد منهما نصف ديته ويقتلهما، ويدل على ذلك روايات .

منها: صحيحة دواد بن سرحان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً، قال: إن شاء أولياء المقتول أن يؤدوا دية ويقتلوهما جميعاًقتلوهما»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في عشرة اشتركوا في قتل رجل، قال: يخيّر أهل المقتول، فأيهم شاؤوا قتلوا ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة

ص: 36


1- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح1.

................................

اعشار الدية»(1)، وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً، قال: إن اراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما وتكون الدية بين أولياء المقتولين، وإن ارادوا قتل أحدهما قتلوه وأدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول، وإن لم يؤد دية أحدهما ولم يقتل أحدهما قَبلَ الدية صاحبه من كليهما وإن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما»(2).

ومنها: معتبرة الفضيل بن يسار قال: «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) عشرة قتلوا رجلاً، قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً وغرموا تسع ديات وإن شاؤا تخيروا رجلاً، فقتلوه وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عشر الدية كل رجل منهم، قال: ثم الوالي بعد يلي ادبهم وحبسهم»(3).

وفي مقابل هذه الروايات رواية قاسم بن عروة عن أبي العباس وغيره عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد حكم الوالي إن يقتل أيّهم شاؤوا وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن الله عزوجل يقول: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً»(4)، وإذا قتل ثلاثة واحداً خيّر الولي أي الثلاثة شاء أن يقتل ويضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول»(5).

والرواية ضعيفة من جهة السند أولاً فإن قاسم بن عروة لم يوثق، ثم أنها

ص: 37


1- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح3.
2- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح4.
3- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح6.
4- سورة الاسراء آية 33.
5- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح7، 8 .

المسألة 30: تتحقق الشركة في القتل بفعل شخصين معاً وإن كانت جناية أحدهما أكثر من جناية الآخر، فلو ضرب أحدهما ضربة والآخر ضربتين أو أكثر فمات المضروب واستند موته إلى فعل كليهما كانا متساويين في القتل، وعليه فلولي المقتول أن يقتل أحدهما قصاصاً كما أن له أن يقتل كليهما معاً على التفصيل المتقدم(1).

_______________________________________________________________

موافقه للعامة كما ورد عن بعضهم ليس للولي أكثر من قتل واحد منهم ويأخذ ديته من الآخرين ولا يقتل الجميع، فتحمل على التقية أو تحمل على أنّه لا يجوز له قتل الجميع من دون ردّ الدية كما ورد عن البعض الآخر من العامة من استحقاق الولي دم كل واحد منهم مجاناً من غير ردّ، فلا تعارض لهذه مع تلك الصحاح .

(1) بأن يكون فعل كل واحد سبباً للقتل بانفراده كما إذا أخذاه جميعاً وألقوه في النار، أو في البحر، أو من شاهق، أو كل واحد جرحه بجراحةوتكون كل واحدة قاتله لو انفردت، وهكذا تصدق الشراكة بالسراية من عمل الجميع، فلو اجتمع عليه عدة فجرحه كل واحد ولو لم يكن فعل كل واحد على الانفراد سبباً للقتل وسرت الجراحات جميعاً فمات، فعليهم القود كما ذكرنا أي بعد ردّ الدية،

ولكن الحق لا يعتبر التساوي بل لو كان جناية أحدهما أكثر كما لو ضربه أحدهما ضربة والآخر ضربتين والثالث أكثر فمات بعد إن استند قتله إلى فعل كليهما فيكون القصاص على الجميع والدية عليهم بالسوية وذلك لإطلاق الروايات، مع أن فرض التساوي غالباً بين الجنايتين نادر فلا يمكن حمل الروايات عليهما حتى أنّه لا يجب في صدق الشركة التساوي في فعل الجناية وجنسها فلو جرحه أحدهما في الجائفة والآخر في الموضحة، أو جرحه أحدهما وضرب الآخر وكان الموت بسراية، فعلهما يقتص منهما والدية عليهما بعد إن أصبح الموت بسراية فعلهما .

ص: 38

المسألة 31: لو اشترك إنسان مع حيوان _ بلا إغراء _ في قتل مسلم فلولي المقتول أن يقتل القاتل بعد أن يرد إلى وليه نصف الدية وله أن يطالبه بنصف الدية(1).

المسألة 32: إذا اشترك الأب مع أجنبي في قتل ابنه جاز لولي المقتول أن يقتل الأجنبي(2)، وأمّا الأب فلا يقتل، بل عليه نصف الدية يعطيه لولي المقتص منه في فرض القصاص، ولولي المقتول مع عدم الاقتصاص، وكذلك إذا اشترك مسلم وذميّ في قتل ذميّ .

_______________________________________________________________

(1) تارة أنّ الحيوان يشترك في القتل بإغرائه، فيجب على المغري اعطاء تمام الدية، وتارة أخرى لم يكن بإغراء منه وكان له صاحب، والحيوان صائل وقصر في حفظه عمداً، فعليه نصف الدية وعلى صاحبه النصف الآخر، وأمّا إذا لم يكن شيء من ذلك فللولي قتل القاتل بعد أن يرد إلى وليه نصف الدية، أو له أخذ نصف الدية من القاتل وترك قتله، أمّا أنّه يجوز قتله لأنّه شريك في القتل، ولذلك يجب عليه ردّ نصف الدية إلى أولياء القاتل .

(2) أمّا جواز قتل الأجنبي فلأنّه هو القاتل، وبما أنّه لم يستقل بالقتل فيدفع لوليه نصف الدية، وأمّا بالنسبة إلى الأب فلا يقتل ولا يقتص منه لأجل ولده كما ورد في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وقضي أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع وغيره ويكون له الدية والإيقاد»(1) وكذا عن حماد بن عمرو عن الصادق (علیه السلام) «في وصية النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) لعلي (علیه السلام)

ص: 39


1- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح10 .

................................

قال: يا علي لا يقتل والد بولده»(1) وهي مؤيدة لما نحن فيه، ولكن بما أنّه اشترك في القتل فعليه نصف الدية وهذا يدفع لولي المقتص منه في فرض القصاص،ولولي المقتول في فرض عدم القصاص، ونصفه الآخر لابد أن يدفعه الأجنبي، هذا إذا اشترك الأب مع البالغ في قتل الابن، كما يدل على ذلك معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا بلغ الغلام خمسة اشبار اقتص عنه، وإذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضي بالدية»(2).

أمّا لو اشترك مع الصبي فلا قود على الأب لأنّه لا يقاد في قتله للأبن ولا الصبي، لأنّه مرفوع عنه القلم، بل يدفع نصف الدية الأب ونصف الآخر أولياء الصبي، وكذا لو اشترك المسلم والذمي في قتل الذمي فعلى المسلم نصف الدية لأنّ المسلم لا يقتص منه بقتله للكافر ولو كان ذمياً فيتعين عليه نصف الدية يعطيها لأولياء المقتول في فرض عدم الاقتصاص من المسلم .

ص: 40


1- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح11 .
2- الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 33: يقتص من الجماعة المشتركين في جناية الأطراف حسب ما عرفت في قصاص النفس(1)، وتتحقق الشركة في الجناية على الأطراف بفعل شخصين أو أشخاص معاً على نحو تستند الجناية إلى فعل الجميع، كما لو وضع جماعة سكّيناً على يد شخص وضغطوا عليها حتى قطعت يده(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية بل كما ذكره الاستاذ (قدس سرُّه) بقوله: وذلك للأولوية القطعية حيث إن القصاص من الجماعة المشتركين في جناية النفس ثابت بالنصوص المتقدمة، فإذا ثبت ذلك في النفس ثبت في الأطراف بطريق أولى(1)، كما ورد به النصوص، فإذا فرض ثبوته في النفس ثبت في الأطراف بطريق، ولصحيحة أبي مريم الانصاري عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحب أن يقطعهما أدى إليهما دية يد، قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت ربع الدية»(2).

(2) فإنّ القطع حينئذٍ مستند إلى الجميع بنحو الاشتراك، ولو فرض ضغط أحدهم أقلّ والأخر اكثر .

ص: 41


1- المباني /2/ 33.
2- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص الطرف ح1.

وأمّا إذا وضع أحد سكّينا فوق يده وآخر تحته وضغط كل واحد منهما على سكّينة حتى التقيا، فذهب جماعة إلى أنّه ليس من الاشتراك في الجناية، بل على كل منهما القصاص في جنايته، ولكنه مشكل جداً ولا يبعد تحقق الاشتراك بذلك، للصدق العرفي(1).

_______________________________________________________________

(1) وهكذا لو وضع أحد سكيناً فوق يده والآخر تحتها حتى قطعت اليد فيصدق عليه الاشتراك عرفاً، قال في الجواهر: وكذا تتحقق الشركة لو قطع أحدهم بعض اليد من غير ابانة والثاني في موضع آخر كذلك والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى سقطت اليد نحو تحققها في النفس إذا جرحوه جراحات فسرت الجميع كما صرح به الفاضل في القواعد(1)، حيث قال: أو وضع أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها واعتمدا حتى التقت الآلتان فلا قصاص على كل واحد منهم في اليد، بل في قدر جنايته، لأنّ كل واحد منهم قد انفرد بجناية عن صاحبه، أمّا لو أخذ الثلاثة آلة واحدة واعتمدوا عليها حتى قطعوا اليد تحققت الشركة، وكذا لو قطع أحدهم بعض اليد والثاني في موضع آخر والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى سقطت اليد(2).

فما ذكره بعض المحققين المعاصرين بقوله: كان من جهة عدم استبعاد الصدق العرفي في امثال هذه الموارد، وهذا ناشئ عن التسامح العرفي ومقتضى الدقة عدم الشركة وعدم استناد قطع اليد إلى المجموع في هذا الفرض، بل استناد كل جزء إلى واحد مستقلاً .وفيه: إنّ العرف هو المتبع ولو قلنا بالدقة في صورة ما إذا وضع جماعة سكيناً

ص: 42


1- الجواهر / 42 / 71 .
2- القواعد / 3 / 595 .

المسألة 34: لو اشتركت امرأتان في قتل رجل كان لولي المقتول قتلهما معاً بلا رد(1)، ولو كنّ أكثر كان له قتل جميعهن، فإن شاء قتلهن أدى فاضل ديتهن إليهن ثم قتلهن جميعاً، وأمّا إذا قتل بعضهن، كما إذا قتل اثنين منهن مثلاً وجب على الثالثة ردّ ثلث دية الرجل إلى أولياء المقتص منهما(2).

_______________________________________________________________

وضغطوا وقطعت اليد فلابد أن نقول بأنّه حسب الدقة كل شخص قطع جزءً مع أنّه يصدق عليهم جميعاً قطع اليد لاشتراكهم في ذلك .

(1) وذلك لأنّ دية امرأتين تعادل دية رجل واحد، والمسألة غير خلافية وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً، قال: تقتلان به ما يختلف في هذا أحد»(1) وفي سند الرواية محمد بن عبد الله الظاهر هو ابن هلال بقرينتين الأولى روايته عن العلاء، والثانية رواية محمد بن الحسين عنه .

(2) وذلك لما ورد في صحيحة داود بن سرحان المتقدمة إن شاء أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كاملة أو يقتلوهما، وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً قال: أن اراد أولياء المقتولقتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما»(2)، ولو أن المورد الرجل في هذه الروايات وغيرها ولكن نحن نعلم أنّه لا خصوصية للرجل عرفاً، فالرواية تعم المرأة والرجل، نعم ذكرنا أنّه لا يجوز قتل الجميع إلا بعد ردّ الدية إذا كن أكثر من امرأة، وقتل بعضهن كاثنين مثلاً ردّ ثلث دية الرجل كما في المتن .

ص: 43


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح15.
2- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح4.

المسألة 35: إذا اشترك رجل وامرأة في قتل رجل جاز لولي المقتول قتلهما معاً، بعد أن يرد نصف الدية إلى أولياء الرجل دون أولياء المرأة كما أن له قتل المرأة ومطالبة الرجل بنصف الدية، وأمّا إذا قتل الرجل وجب على المرأة ردّ نصف الدية إلى أولياء المقتص(1).

_______________________________________________________________

(1) حال الجميع معلوم هنا والمسألة متفق عليها، بعد إن كانت دية المرأة نصف الدية للرجل وقتلهما أولياء المقتول، لابد أن يرد على أولياء الرجل نصف الدية، ولا ردّ على أولياء المرأة بعد إن كانت ديتها نصف دية الرجل، فالرد مختص بالرجل .

وما نسب إلى المفيد في المقنعة إذا اجتمع رجل وامرأة على قتل رجل حر عمداً كان لأولياء الحر قتلهما جميعاً ويؤدون إلى ورثتهما خمسة آلاف درهماً يقتسمونها على ثلاثة أسهم لورثة الرجل الثلثان ولورثة المرأة الثلث وهذا ليس بتام.

وقال في الرياض: وفاقاً للنهاية والقاضي والحلي وعامة المتأخرينوعزاه شيخنا في المسالك إلى الأكثر وفي الروضة إلى المشهور استناداً إلى أنّهما نفسان جنتا على نفس واحدة فكان على كل واحد نصف الدية، ومع قتلهما فالفاضل للرجل خاصة لأنّ القدر المستوفى منه أكثر قيمة من جنايته بقدر ضعفه والمستوفى من المرأة بقدر جنايتها فلا شيء عليها(1).

وأما وجه عدم تمامية قول المفيد، كما في الرياض ووجهه غير واضح عدى ما يتخيل له من أن جناية الرجل ضعف جناية المرأة لأنّ الجاني نفس ونصف نفس جنت على نفس فتكون الجناية بينهما أثلاثاً بحسب ذلك(2).

ص: 44


1- الرياض /16/ 201.
2- نفس المصدر .

المسألة 36: كل موضع وجب فيه الرد على الولي عند إرادته القصاص _ على اختلاف موارده _ لزم فيه تقديم الرد على استيفاء الحق كالقتل ونحوه، فإذا كان القاتل اثنين واراد ولي المقتول قتلهما معاً وجب عليه أولاً ردّ نصف الدية إلى كل منهما، ثم استيفاء الحق منهما(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّ ظاهر الروايات هو وجوب التقديم كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله قال (علیه السلام) «في الرجل يقتل المرأة متعمداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك لهم إذا ادوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، وإن قتلت المرأة الرجل، قتلت به ليس لهم إلا نفسها»(1) .وظاهر التقديم أنّه قيد وعلق جواز القتل على أداء نصف الدية أولاً خارجاً وإذا لم يؤدوا فليس لهم الحق في قتله .وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما»(2) .

إذاً علق في الرواية جواز القتل على أداء الدية أولاً خارجاً، فبناءً على هذا يمكن لأولياء القاتل المنع من القصاص إلا بعد أخذ الدية، ثم إنّه قال (قدس سرُّه) في كل موضع وجب فيه الرد على الولي عند إرادته القصاص على اختلاف الموارد، لأنّه ورد في النصوص لفظ الرجل، ولكن لا خصوصية فيه ولذا لا فرق بين أن يكون القاتل رجلاً أو امرأة .

ص: 45


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح3.
2- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح4.

المسألة 37: لو قتل رجلان رجلاً وكان القتل من أحدهما خطأ ومن الآخر عمداً، جاز لأولياء المقتول قتل القاتل عمداً بعد ردهم نصف ديته إلى وليه ومطالبة عاقلة القاتل خطأ نصف الدية، كما لهم العفو عن قصاص القاتل وأخذ الدية منه بقدر نصيبه، وكذا الحال فيما إذا اشترك صبي مع رجل في قتل رجل عمداً(1).

المسألة 38: لو اشترك حر وعبد في قتل حر عمداً كان لولي المقتول قتلهما معاً بعد ردّ نصف الدية إلى أولياء الحر، وأمّا العبد فيقوّم فإن كانت قيمته تساوي نصف دية الحر أو كانت أقلّ منه فلاشيء على الولي، وإن كانت أكثر منه فعليه أن يرد الزائد إلى مولاه، ولا فرق في ذلك بين كون الزائد بمقدار نصف دية الحر أو أقلّ، نعم إذا كان أكثر منه، كما لو كانت قيمة العبد أكثر من تمام الدية لم يجب عليه ردّ الزائد على النصف، بل يقتصر على ردّ النصف(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا جواز قتل العامد لفرض اشتراكه في القتل فيجوز قتله، ولكن بعد ردّ نصف الدية، وله أخذ نصف الدية من الآخر لأنّ قتله كان خطأ وتستوفى الدية من العاقلة، وهكذا بالنسبة إلى اشتراك رجل مع الصبي فهنا لا يقتل الصبي لرفع القلم عنه وعلى العاقلة نصف الدية .

(2) إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمداً فعلى كل واحد منهما نصف دية الحر، فإن أراد المدعي قتلهما فلابد إن يدفع إلى أولياء الحر نصف الدية، وأمّا العبد فتقدير جنايته معتبرة بقيمته ما لم يزد على دية الحر، فإن

كانت قيمته بقدر نصف دية الحر وقتله الولي، فليس عليه شيء، وإن نقصه قيمته عن نصف الدية فلا شيء على المولى، لأنّه ليس هو القاتل ولا معنى أن يترتب على القاتل أكثر من

ص: 46

المسألة 39: إذا اشترك عبد وامرأة في قتل حر، كان لولي المقتول قتلهما معاً بدون أن يجب عليه ردّ شيء بالنسبة إلى المرأة، وأمّا بالنسبة إلى العبد فقد مرّ التفصيل فيه(1).

_______________________________________________________________

نفسه، وإن زادت قيمته على نصف الدية ردّ المقتول عن مولى العبد الزائد لماورد في صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية العبد قيمته، فإن كان نفيساً فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم ولا يجاوز به دية الحر»(1).

(1) وذلك لأنّ دية المرأة هي نصف دية الرجل، ولم يكن هناك فاضل حتى يرد على أوليائها، أمّا بالنسبة إلى العبد فقد مرّ تفصيله بعد إن كان له الخيار بذلك، وأمّا استرقاقه فتارة يكون قيمته مساوٍ لنصف دية المقتول، أو الأقل فلا ردّ على ولي العبد، أمّا لو كان أكثر ردّ الزائد لمولاه مالم يتجاوز دية الحر فيرد إليها، لصحيحة ضريس الكناسي قال «سألت: أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ، فقال: إن خطاء المرأة والعبد مثل العمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما، فإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردوا على سيد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم، وإن احبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا إلا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده، وإن كانت قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد»(2).

ص: 47


1- الوسائل باب 6 من أبواب دية النفس ح2.
2- الوسائل باب 34 من أبواب القصاص في النفس ح2 .

وإذا لم يقتل العبد كان له استرقاقه، فعندئذٍ إن كانت قيمته أكثر من نصف دية المقتول ردّ الزائد على مولاه وإلا فلا(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّ الرواية تتضمن أمرين:

الأول: بأن خطأ المرأة والعبد بمنزلة العمد .

الثاني: أن لولي المقتول استرقاق العبد، وغير خفي بأن الرواية إذا كان لها جمل متعددة، فكل جملة تكون بمنزلة رواية، فإن كانت أحدى الجملتين فنحن لا نقول به وهو خطأ المرأة والعبد عمد، فلا تضر الجملة الثانية ليست بصحية وهي جواز استرقاق العبد من جانب الولي المقتول .

ص: 48

شروط القصاص

وهي خمسة:

الأول: التساوي في الحرية والعبودية .

المسألة 40: إذا قتل الحرُّ الحرَّ عمداً قُتل به، وكذا إذا قتل الحرّة ولكن بعد ردّ نصف الدية إلى أولياء المقتص منه(1).

_______________________________________________________________

(1) أي لا يجوز قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر، أمّا قتلهما بالعكس فجائز، والنفس بالنفس، وأمّا إذا قتل الرجل المرأة فلأوليائها قتل الرجل ولكن بعد ردّ نصف الدية، وادعى عدم الخلاف بل الإجماع بقسميه، ولكن العمدة الروايات الواردة .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الرجل يقتل المرأة متعمداً فاراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك لهم إذا أدوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، وإن قتلت المرأة الرجل، قتلت به ليس لهم إلا نفسها»(1).ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: في رجل قتل أمرأته متعمداً، قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدوا إلى أهله

ص: 49


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح3.

................................

نصف الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم وقال: في امرأة قتلت زوجها متعمدة، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه»(1).

ومنها: صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة، فإن أرادوا القود أدوا فضل دية الرجل على دية المرأة واقادوه بها، وإن لم يفعلوا قبلوا الدية، دية المرأة كاملة، ودية المرأة نصف دية الرجل»(2)ولا تعارض هذه الروايات رواية السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) قتل رجلاً بامرأة قتلها عمداً، وقتل امرأة قتلت رجلا عمداً»(3). والرواية ضعيفة من جهة السند وهي مطلقة ويقيد إطلاقها بتلك الروايات الصحاح كما قال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإنّها مضافاً إلى ضعف سندها لا تنافي لزوم الدية في قتل الرجل بالمرأة فيقيد إطلاقها بذلك بمقتضى الصحاح المتقدمة»(4).وأمّا ما ورد في معتبرة إسحاق بن عمار، عن جعفر (علیه السلام) «إن رجلاً قتل امرأة فلم يجعل علي (علیه السلام) بينهما قصاصاً وألزمهالدية»(5)، فيحمل على عدم جعل القصاص مجرداً من ردّ نصف الدية بقرينة الروايات المتقدمة إن أمكن ذلك، وإلا ردّ علمها إلى أهله(6).

ص: 50


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح2.
3- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح14 .
4- المباني /2 /40 .
5- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح16، (6) المباني /2 /40 .

المسألة 41: إذا قتلت الحرةُّ الحرةَّ قتلت بها، وإذا قتلت الحر فكذلك، وليس لولي المقتول مطالبة وليها بنصف الدية(1).

_______________________________________________________________

(1) المسألة محل اتفاق وعليه عدة من الروايات .

منها: صحيحة الحلبي المتقدمة لقوله في آخر الصحيحة «وإن قتلت المرأة الرجل قتلت به وليس لهم إلا نفسها» .

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أيضاً وفيها «في امرأة قتلت زوجها متعمدة، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه» ولا تعارضها صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: في امرأة قتلت رجلاً، قال: تقتل ويؤدي وليها بقية المال»(1) .

أولاً: أنّها مخالفة للكتاب لقوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(2).

وثانياً: هي شاذة وتلك الروايات مشهورة بين الأصحاب، وما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولاسيما أنّها مخالفة للكتاب المجيد: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» فتطرح لا محالة، على أنّها قاصرة دلالة، فإن المذكور فيها أن الولييؤدي بقية المال، وليست ظاهرة في تأدية نصف الدية فلا مناص عندئذٍ من ردّ علمها إلى أهله(3) فتأمل .

ص: 51


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح17.
2- سورة المائدة الآية 45 .
3- المباني /2 / 40 .

المسألة 42: إذا قتل الحرُّ الحرَّ أو الحرة خطأً محضاً أو شبيه عمد فلا قصاص(1)، نعم تثبت الدية وهي على الأول تحمل على عاقلة القاتل وعلى الثاني في ماله على تفصيل يأتي في باب الديات، إن شاء الله تعالى.

المسألة 43: إذا قتل الحر أو الحرة العبد(2)، عمداً فلا قصاص وعلى القاتل قيمة المقتول يوم قتله لمولاه إذا لم تتجاوز دية الحر، وإلا فلا يغرم الزائد .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ القصاص إنما يكون في القتل العمدي فقط، وأمّا في قتل الخطأ فلابد أن يعطى الدية، وكيفية اعطاء الدية في القتل الخطأ على العاقلة وشبيه العمد على نفسه يأتي مفصلاً .

(2) لا يقتل والمسألة غير خلافية، وقال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده بل الإجماع عليه بقسميه(1)، وتدل عليه الآية الشريفة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى»(2) أي لابد من التساوي عند القصاص، خلافاً لما عليه في الجاهلية، حيث كانوا يقتصون للأنثى برجل، ويقتصون من الحر للعبد، ولا يخفى بأن الروايات تعضد مفهوم الوصف في الآية، منها صحيحة ابن بصير عن أحدهما (علیهما السلام): «قال قلت له قول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَعَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى »قال: فقال لا يقتل الحر بعبد، ولكن يضرب ضرباً شديداً ويغرم ثمنه دية العبد»(3)، ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لا يقتل الحر

ص: 52


1- الجواهر /42 /91 .
2- سورة البقرة الآية / 178 .
3- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح1.

................................

بالعبد، وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضرباً شديداً»(1)، نعم ورد في معتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) «أنه قتل حراً بعبد»(2)،

قتله عمداً، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإنّها قضية في واقعة ومن المحتمل أنّ الحر كان معتاداً على قتل العبيد(3).

قيل والقائل الشيخ في كتابي الأخبار وابنا حمزة وزهرة وسلار وأبو صلاح على ما حكي أن الحر إن اعتاد قتل العبيد له أو الغيره قتل حسماً للجرأة وللفساد(4)، وقال في المسالك: وهذا الحكم متفق عليه عندنا مع عدم الاعتياد لقتلهم ومعه قيل: يقتل سواء كان عبده أم لا(5)،

وكذا ورد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (علیه السلام) «قال: ليس بين الرجال والنساء قصاص إلا في النفس، وليس بين الاحرار والمماليك قصاص إلا في النفس، وليس بين الصبيان قصاص في شيء إلا في النفس»(6)، وهذه الرواية لا يمكن أن يعمل بها لأن جملها مخالفة لما هو المتفق عندهم، ومخالفة للكتاب، والسنة،والقصاص ثابت بين الرجال والنساء في غير النفس أيضاً، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): فإن القصاص ثابت بين الرجال والنساء في غير النفس أيضاً غاية الأمر أنّه لابد من ردّ فاضل الدية فيما إذا جاوز الثلث إذا كان المقتص هي المرأة كما هو الحال في النفس، وأمّا الجملة الثانية فهي أيضاً كذلك حيث أنّه لا يقتل الحر بالعبد بنفس الآية الكريمة والروايات المتظافرة على ذلك

ص: 53


1- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح9.
3- المباني /2 /43 .
4- الجواهر /42 / 42 .
5- المسالك /15/ 113 .
6- الوسائل باب 22 من أبواب قصاص الطرف ح2 .

وإذا قتل الأمة فكذلك وعلى القاتل قيمتها إذا لم تتجاوز دية الحرة ولو كان العبد أو الأمة ذميّاً غرم قيمة المقتول إذا لم تتجاوز دية الذمي أو الذمية(1)، ولا فرق فيما ذكرناه بين كون العبد أو الأمة قنّاً أو مدبراً وكذلك إذا قتل الحر أو الحرة مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً، ولم يؤد من مال الكتابة شيء(2).

_______________________________________________________________

فلا مناص حينئذٍ من طرح الرواية، وأما ما ذكره في صدر رواية زيد من أنّه ليس بين الاحرار والمماليك قصاص إلا في النفس فهو مخالف للكتاب والسنة وهكذا .

أمّا ما ورد من أنّه ليس بين الصبيان قصاص إلا في النفس فهو كذلك أيضاً، إذاً لابد من دفع الدية للعبد وتكون ديته يوم قتله لأنّه هو يوم اشتغال ذمته .

(1) والمسألة غير خلافية، ويغرم إذا قتل عبد غيره قيمته، بشرط أن لا يتجاوز بها دية الحر، ولا بقيمة المملوكة دية الحرة، وقد وردت صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأُدب قيل:فإن كان قيمته عشرين الف درهم ؟ قال: لا يجاوز بقيمة عبد دية الحر»(1)

وصحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية العبد قيمته، فإن كان نفيساً فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم، ولا يجاوز دية الحر»(2)، قلنا بالنسبة إلى المملوكة أيضاً كذلك، لأنّ الروايات ولو كان موردها هو قتل الحر للعبد، ولكن تشمل الحرة للملوكة أيضاً بعد إن كانت المسألة غير خلافية، إذاً ما عن المالك بأنّه من دفع القيمة مهما بلغ فغير تام .

(2) لم يرد هناك دليل على ذلك إلا الإجماع وادعوا عدم الخلاف في ذلك ولم يرد فيه نص .

ص: 54


1- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح4 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب القصاص في النفس ح2.

ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى ومثل ذلك القتل الخطائي غاية الأمر أن الدية تحمل على عاقلة القاتل الحر إذا كان خطأ محضاً(1) وإلا ففي مال القاتل نفسه على تفصيل يأتي(2).

المسألة 44: إذا اختلف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم القتل فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم تكن للمولى بينة(3).

_______________________________________________________________

(1) لأنه يُعدّ قناً فيشمله الإطلاق .

(2) أنّه لابد من دفع الدية لا القصاص، فإن القصاص يكون في قتل العمد، والفرق بين الصورتين أن في الفعل الخطأ دفع الدية على العاقلة وفي غيره تكون من ماله , ويأتي تفصيله .

(3) للأصل، أي أصل عدم الزيادة مما يقوله إلا إذا كان هناك بينةفيكون القول قول مولى العبد، وإلا حُلّف الجاني، وإذا لم يحلف ردّ اليمين على مولى العبد فيحلف، فإن حلف يعطى له بمقدار ما حلف بشرط أن لا يتجاوز عن قيمة الحر، ويؤيد ذلك حسنة أبي الورد قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل عبداً خطأً، قال: عليه قيمته ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت: ومن يقوّمه وهو ميت ؟ قال: إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتل كذا وكذا أخذ بها قاتله، وإن لم يكن شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه»(1).

ص: 55


1- الوسائل باب 7 من أبواب ديات النفس ح1.

المسألة 45: لو قتل المولى عبده متعمداً، فإن كان غير معروف بالقتل ضرب مائة ضربة شديدة وحبس وأخذت منه قيمته يتصدق بها أو تدفع إلى بيت مال المسلمين، وإن كان متعوداً على القتل قتل به(1).

_______________________________________________________________

(1) أنّه لا يقتل المولى بالعبد، وأمّا ضربه شديداً لما ورد في صحيحة يونس عنهم (علیهم السلام) «قال: سئل عن رجل قتل مملوكه، قال: إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضرباً شديداً، وأخذ منه قيمة العبد ويدفع إلى بيت مال المسلمين»(1)، وقيل في السند ضعف بإسماعيل بن مرّار، ويقول في التنقيح محل وثوق، والاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)في معجم الرجال من أنّه ثقة على الأظهر(2).

وأمّا ما ذكره الشهيد من أنّها مرسلة مقطوعة فلم يظهر لنا وجهه، فإن يونس وإن لم يرو عن غير الكاظم والرضا (علیهما السلام) بلا واسطة إلا أنّه يصح له أن ينسب ما سمعه منهما، أو من أحدهما، إلى الائمة (علیهم السلام) فالرواية في نظر الاستاذ (قدس سرُّه) صحيحة لا مرسلة .

وأمّا معتبرة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات فضربه مائة نكالاً وحبسه سنة وأغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه»(3)،

وقد وردت الرواية عن الصدوق عن السكوني بالدية، وأحذف السكوني «لفظ سنة» والجمع بينالروايتين هو التخيير بين التصدق بالدية واعطاءها إلى بيت المال، ولو كان الخبر مشتملاً على الحبس ولم يقل به أحد، فلا يضرّ كما مرّ سابقاً .

وأمّا إذا كان متعوداً على القتل فيقتل به كما في ذيل صحيحة يونس بقوله

ص: 56


1- الوسائل باب 38 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- المباني /2 / 47 .
3- الوسائل باب 37 من أبواب القصاص في النفس ح5 .

ولا فرق في ذلك بين العبد والأمة، كما أنّه لا فرق بين القن والمدبّر والمكاتب سواء أكان مشروطاً أم مطلقاً لم يؤد من مال كتابته شيئاً(1).

المسألة 46: إذا قتل الحر أو الحرّة متعمداً مكاتباً أدى من مال مكاتبته شيئاً لم يقتل به(2)، ولكن عليه دية الحر بمقدار ما تحرر منه ودية العبد بمقدار ما بقي كما هو الحال في القتل الخطأ، ولا فرق في ذلك بين كون المكاتب عبداً أو أمة(3).

_______________________________________________________________

«وإن كان متعوداً للقتل قتل به» ويؤيده رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (علیه السلام) « في رجل قتل مملوكه أو مملوكته، قال: إن كان المملوك له أدب وحبس إلا أن يكون معروفاً بقتل المماليك، فيقتل به»(1) والرواية ضعيفة لأن فيها عدّة مجاهيل ولذا تكون مؤيدة .

(1) وقد مرّ الكلام فيها .

(2) لما ذكرنا بان الحر لا يُقتل بالعبد واما المكاتب وإن تحرر منه مقدرفهو يُعدّ عبداً لأن الحر لا يقتل إلا بالحر التام .

(3) لأنّه بعد عدم جواز قتله بالعبد فعليه الدية، ولكن بما أن مقداراً منه تحرر فلا يمكن أن يتصور بأن الدية قيمته فلابد أن يقسط بمقدار ما تحرر منه، فعليه دية الحر، وبمقدار ما بقي على الرقيّة تكون الدية قيمته، وقد استدل استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بروايتين صحيحتين:

الأولى: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في مكاتب

ص: 57


1- الوسائل باب 38 من أبواب القصاص في النفس ح1، ونقل صاحب الوسائل عن الفتح الجرماني وهو خطأ .

................................

قتل رجلاً خطأً، قال: عليه دية بقدر ما أعتق وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك الحديث»(1)،

قد يقال بأن الرواية تكون ضعيفة لأنّ في سندها إسماعيل بن مرار كما عن مجمع البرهان بقوله: والثاني للجهل بحال إسماعيل ابن مرار واشتراك يونس، والظاهر أنه بن عبدالرحمن(2)بل

يكون الرجل ثقة كما عليه الاستاذ الأعظم (قدس سرُّه) بقوله: ولا يضر في صحتها أن يكون في سندها إسماعيل بن مرار فأنّه ثقة على الأظهر(3)،

وصاحب التنقيح(4)، يقول: إلا أن المجموع من حيث المجموع يورث الوثوق بالرجل .

الثانية: وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتب قتل، قال: يحسب ما أعتق منه فيؤدي دية الحر وما رقّ منه فدية العبد»(5).لا يخفى أن الروايتين كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) موردهما وإن كان فرض المكاتب قاتلاً ولكن في تقسيط دية المقتول عليه فيؤدي دية الحر بمقدار ما تحرر، ودية العبد بمقدار ما رقّ دلالة على أن ديته إذا كان مقتولاً أيضاً كذلك، نظراً إلى أن ذلك من خصوصية الحر والمملوك، فلا أثر لكونه قاتلاً أو مقتولاً من هذه الناحية(6).

ص: 58


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح1.
2- مجمع الفائدة والبرهان /14 / 42 _ 44 .
3- مباني تكملة المنهاج /2 / 49 .
4- تنقيح المقال /1 /145 .
5- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح2 .
6- الوسائل باب 10 من أبواب القصاص في النفس ح3، الاستبصار ج4 _ 277/ 1049 .

كما لا فرق بين كونه قد أدى نصف مال كتابته أو أقلّ من ذلك(1)، وكذا الحال فيما لو قتل المولى كاتبته عمداً(2).

_______________________________________________________________

(1) بعد أن فرض بأنّ الأحكام تكون لكافة المماليك، فلا فرق بين كونه مملوكاً أو مملوكة .

(2) لا يخفى أن المكاتب لو لم يؤدِّ جميع ديته وهو رق وليس بمنزلة الحر فما نسب إلى الشيخ في الاستبصار بأنّه إن كان أدى نصف ديته فهو بمنزلة الحر وتمسك برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیهما السلام) «قال: سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو كسر سنه ما عليه ؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته فديته دية حر إلى أن يقول، قال: إذا أدى نصف مكاتبته تفقأ عين الحر أو ديته إن كان خطأ، هو بمنزلة الحر، وإن لم يكن أدى النصف قُوّم فأدى بقدر ما أُعتق منه»(1)،

وقد جعلها مقيدة لإطلاق صحيحة محمد بن قيس فحملها على صورة ما أعتق منه ما دون النصف، وأمّا إذا كانالنصف فديته دية الحر، ولكن رواية علي بن جعفر ضعيفة سنداً بمحمد بن أحمد العلوي وقد عرفت مما بينا حال هذه الفقرة .

ص: 59


1- الوسائل باب 10 نت أبواب ديات النفس ح3 .

المسألة 47: لو قتل العبد حراً عمداً قتل به ولا يضمن مولاه جنايته(1)، نعم لولي المقتول الخيار بين قتل العبد و استرقاقه(2)، وليس لمولاه فكّه(3).

إلا إذا رضي الولي به ولا فرق فيما ذكرناه بين كون القاتل أو المقتول ذكراً أو أنثى(1)، كما أنّه لا فرق بين كون القاتل قنّا أو مدبّراً وكذلك أم الولد .

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ المسألة غير خلافية ولا دليل على ضمان جنايته من قبل المولى، وتدل على ذلك صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتب قتل إلى أن قال العبد لا يغرم أهله وراء نفسه أشياء»(1)، وراوية ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل العبد الحر فدفع إلى أولياء الحر فلا شيء على مواليه»(2)، والرواية تكون مؤيدة لأن طريق الشيخ إلى ابن مسكان ضعيف .

(2) والمسألة غير خلافية وقد قال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه وهو الحجة بعد استفاضة النصوص المعتبرة فيه، ففي صحيحة زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) «في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه»(3).

(3) مع كراهية مولى المقتول كما عرفت من صحيحة زرارة بأن الاختياربيد ولي المقتول، نعم يجوز مع رضاه للمولى فكه .

ص: 60


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح2.
2- الوسائل باب 41 من أبواب القصاص في النفس ح6.
3- الوسائل باب 41 من أبواب القصاص في النفس ح1.

المسألة 48: إذا قتل المملوك أو المملوكة مولاه عمداً، جاز لولي المولى قتله، كما يجوز له العفو عنه، ولا فرق في ذلك بين القنّ والمدبّر والمكاتب بأقسامه(2).

المسألة 49: لو قتل المكاتب حراً متعمداً قتل به مطلقاً(3) سواء أكان مشروطاً أم مطلقاً، أدى من مال الكتابة شيئاً أم لم يؤد، نعم لو أدى المطلق منه شيئاً لم يكن لولي المقتول استرقاقه تماماً، وله استرقاقه بمقدار ما بقي من عبوديته(4).

وليس له مطالبته بالدية بمقدار ما تحرر منه إلا مع التراضي(5).

_______________________________________________________________

(1) لإطلاق الروايات ولا نرى الخصوصية للذكورة أو الأنوثة، بل المراد به المملوك، بل الأحكام جاءت للمماليك مقابل الأحرار .

(2) أيضاً لإطلاق الدليل .

(3) والمسألة غير خلافية، ويدل عليه الكتاب، والسنة، بأن العبد يقتل بالحر مطلقاً قناً كان أو مدبراً مشروطاً أو مطلقاً أدى من مال الكتابة شيئاً أو لم يؤدِّ .

(4) لأنّ بالمقدار الذي أدى يصبح حراً والحر لا يملك، نعم له استرقاق ما تبقى، أو بيعه .

(5) لأنه أولاً وبالذات عليه القصاص، وثانياً وبالعرض تلزمه الدية ولابد أن تكون مع التواطيء، نعم ورد في صحيحة أبي ولاد «قال: سألت أبا عبد الله عن مكاتب جنى على رجل حر جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرممن جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، وإن عجز عن حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه، قلت: فإن الجناية لعبد، قال على مثل ذلك يدفع إلى ولي العبد

ص: 61

المسألة 50: لو قتل العبد أو الأمة الحر خطأ، تخير المولى بين فك رقبته بإعطاء دية المقتول أو بالصلح عليها، وبين دفع القاتل إلى(1) ولي المقتول ليسترقه وليس له الزام المولى بشيء من الأمرين، ولا فرق في ذلك بين القنّ والمدبرّ والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤدِّ من مال الكتابة شيئاً، وأُم الولد .

_______________________________________________________________

الذي جرحه المكاتب»(1) وبما أن المسألة محل اتفاق بأن الأصل هو القصاص والدية لابد أن تكون مع التراضي، إذاً لابد أن تحمل الرواية على صورة التراضي .

(1) لا يخفى بعد أن لا يكون المولى ملزماً بدفع شيء من دية العبد والقتل ولو كان خطأ، وهو يستوجب إعطاء الدية ولكن يكون برقبتهما لا برقبة المولى، فهو بالخيار بين أن يفك رقبة العبد القاتل أو يدفعه إلى ولي المقتول ليسترقه، نعم له أن يفك رقبة العبد باختياره، وقد دلت على ذلك صحيحة محمد بن حمران، عن أبي عبد الله (علیهما السلام) «في مدبر قتل رجلاً خطأ قال: إن شاء مولاه أن يؤدي إليهم الدية، وإلا دفعه إليهم يخدمهم، فإذا ماتمولاه _ يعني الذي اعتقه _ رجع حراً»(2)،

وصحيحة جميل أيضاً، قال: «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) مدبر قتل رجلاً خطأً، من يضمن عنه ؟ قال: يصالح عنه مولاه، فإن أبى، دُفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبّره، ثم يرجع حراً لا سبيل عليه»(3) .

وبعبارة أخرى في قتل الخطأ لابد من الدية ودية العبد أو الأمة تكون عليهما لا على الغير كالمولى، فالمولى غير ملزم بدفعها لأنّه لا يلزمه شيء وتدل على

ص: 62


1- الوسائل باب 10 من ابواب ديات النفس ح5.
2- الوسائل باب 9 من أبواب ديات النفس ح3.
3- الوسائل باب 9 من أبواب ديات النفس ح1.

................................

ذلك الصحيحتان اللتان مرتا، فلو لم يدفع موالي القاتل الدية باختياره فلولي المقتول أن يسترقه ولو فرض أن قيمته نقصت من الدية فلا شيء على المولى، نعم لو زادت فعلى ولي المقتول دفع الزيادة إلى مولى القاتل وتدل على ذلك صحيحة أبي بصير، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن مدبر قتل رجلاً عمداً، فقال: يقتل به، قال، قلت: فإن قتله خطأ، قال، فقال: يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم رقاً، إن شاؤوا باعوا وإن شاؤوا استرقوا وليس لهم أن يقتلوه، ثم قال: يا أبا محمد ان المدبر مملوك»(1)،

وصحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن مكاتب قتل رجلاً خطأ قال، فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا باعوا»(2)،

وهذاالعمل يكون طبقاً للقاعدة، وما في رواية محمد بن مسلم «إن شاؤوا قتلوا» فغير تام لأن القتل كان خطأ،

وقد ذكر صاحب الوسائل بقوله: يتعين حمل الخطأ هنا على ما يقابل الصواب لا على ما يقابل العمد للحكم بالقصاص فيه، فيراد به القتل بغير الحق أنتهى كلامه، لو أريد به الخطأ مقابل العمد فهو مقطوع البطلان لما ذكرنا .

ص: 63


1- الوسائل باب 42 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- الوسائل باب 46 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 51: لو قتل المكاتب الذي تحرر مقدار منه الحر أو العبد خطأ فعليه الدية بمقدار ما تحرر، والباقي على مولاه فهو بالخيار بين ردّ الباقي إلى أولياء المقتول، وبين دفع المكاتب إليهم، وإذا عجز المكاتب عن أداء ما عليه كان ذلك على إمام المسلمين(1).

_______________________________________________________________

(1) وأمّا على الإمام بقدر ما فيه من الحرية إن لم يكن العاقلة، ولكن هذا في صورة ما إذا عجز، وأمّا في صورة التمكن فلابد أن يسعى هو كما ورد في الروايات كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في مكاتب قتل رجلاً خطأ، قال: عليه من ديته بقدر ما أعتق وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك، فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له إنما ذلك على إمام المسلمين»(1)،

وصحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن مكاتب قتل رجلاً خطأ، قال، فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إلى أن قال وإن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه، وكان قد أدى من مكاتبته شيئاً، فإن علياً (علیه السلام) كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من مكاتبته فإن على الإمام أن يؤدي إلى أولياء المقتول من الدية بقدر ما أعتق من المكاتب ولا يبطل دم أمرئ مسلم»(2)،

ولكن الرواية مطلقة وتقيد بصحيحة عبد الله بن سنان فيما إذا لم يكن مال وكان عاجزاً عن الكسب .

ص: 64


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح1.
2- الوسائل باب 46 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 52: لو قتل العبد عبداً متعمداً قتل به بلا فرق بين كون القاتل والمقتول قنّين او مدبّرين أو كون احدهما قنّا والاخر مدبّراً(1) وكذلك الحكم لو قتل العبد امة ولا رد لفاضل ديته إلى مولاه .

المسألة 53: لو قتل العبد مكاتباً عمداً، فإن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ من مال الكتابة شيئاً فحكمه حكم قتل القنّ(2)، وإن كان مطلقاً تحرر بعضه، فلكل من مولى المقتول وورثته حق القتل .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد دل عليها الكتاب والسنة، وهكذا لو قتل العبد عبداً أو أمة بين أن يكونا قنيّن أو مدبرين أو أحدهما قناً والآخر مدبّراً وإن أراد أولياء المقتول الدية فتكون برقبة العبد القاتل، فلو قتلوه فلا ردّ لفاضل ديته من أولياء المقتول على مولاه وذلك لعدم الدليل، نعم ورد في قتل رجل الحر امرأة حرة فإن على أولياء المرأة إذا أرادوا قتل الرجل ردّ نصف الدية أولاً إلى أولياء الرجل .

(2) لما ورد في الصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة من أنّه «إن كان مولاه اشترط عليه، فإن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك»(1)، فإنّه يقاص للعبد منه، وأمّا إذا أدى من مال الكتابة شيئاً تحرر منه بحسابه ولا يقتل بالعبد .

ص: 65


1- الوسائل باب 46 من أبواب القصاص في النفس ح2.

فإن قتلاه معاً فهو، وإن قتله أحدهما دون الآخر سقط حقه بسقوط موضوعه، وهل لولي المقتول استرقاق القاتل بمقدار حرية المقتول ؟ نعم له ذلك(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ المقتول بما أنّ بعضه حر فلأولياء الحر وورثته حق القصاص وهكذا لمولاه لأنّه أي القاتل قاتل للحر والعبد، وحيث أنّه قتل العبد فلوليه القصاص، وكذا إن قتل الحر فلأوليائه القصاص، أمّا لو تقدم أحدهم لقتله وقتله فلم يبق موضوع للأخر .

وهل لولي المقتول استرقاق القاتل بمقدار حرية المقتول ؟ الظاهر ليس لولي المقتول استرقاقه تماماً بعد إن أصبح مقدار منه حراً، بل يمكن استرقاق ذلك المقدار الذي بقي من عبوديته، بعد إن قلنا جناية العبد تكون في رقبته ولا تكون في رقبة المولى ولا يُغَرِم أهله أي المقتول وراء نفسه شيء .

وتدل عليه صحيحة ابن محبوب عن أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مكاتب جنى على رجل حرٍّ جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، وإن عجز من حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه قلت: فإن الجناية لعبد قال: على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكاتب، ولا تقاص بين المكاتب وبين العبد إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئاً، فإن لم يكن أدى من مكاتبته شيئاً فإنّه يقاص للعبد منه أو يغرم المولى كلما جنى المكاتب، لأنّه عبده ما لم يؤدِّ من مكاتبته شيئاً، وقال: وولد المكاتبة كأمه إن رقت رق، وإنأعتقت أعتق»(1).

ص: 66


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح5 .

المسألة 54: لو قتلت الأمة أمة قتلت بها بلا فرق بين اقسامها وكذا لو قتلت عبداً(1).

المسألة 55: لو قتل المكاتب عبداً عمداً فإن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤد من مال الكتابة شيئاً، فحكمه حكم القنّ(2) وإن أدى(3) منه شيئاً لم يقتل به ولكن تتعلق الجناية برقبته بقدر ما بقي من الرقيّة .

_______________________________________________________________

(1) للآية الشريفة النفس بالنفس بلا فرق بين أن تكونا قنيّن أو مدبرتين أو أحدهما قناً والأخرى مدبرة، أو مكاتبتين مشروطتين أو مطلقتين بشرط عدم أدائها من مال الكتابة شيئاً، وهكذا لو قتلت عبداً، والمسألة اتفاقية والأدلة الدالة تكون مطلقة .

(2) أي يقتل به .

(3) فبما إن مقداراً منه حر فلا يقتل به، ولصحيحة أبي ولاد، قال: «سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن مكاتب جنى على رجل حر جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، وإن عجز عن حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه، قلت: فإن الجناية للعبد، قال: على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكاتب ولا تقاص بين المكاتب وبين العبد إذا كان الكاتب قد أدى من مكاتبته شيئاً»(1).

ص: 67


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح5 .

ويسعى في نصيب حريته إذا لم يكن عنده مال، وإلا فيؤدي من ماله(1)، فإن عجز كانت الدية على مولى المكاتب، وأمّا ما تعلق برقبته فلمولى المقتول استرقاقه بمقدار رقيّته ليستوفي حقه، ولا يكون مولى القاتل ملزماً بدفعه الدية إلى مولى المقتول(2)، ولا فرق في ذلك بين كون القاتل أو المقتول ذكراً أو أنثى، كما أنّه لا فرق بين كون المقتول قناً أو مدبّراً(3).

_______________________________________________________________

(1) لما مرّ أنّ دية جناية العبد مطلقاً تكون برقبته من أي نوع كان ولا يلزم المولى بشيء .

(2) لصحيحة أبي ولاد بقوله «إن عجز عن حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه» إذاً يدفع لمولى المقتول كي يستوفي حقه ويسترق بمقدار ما بقي منه من الرقية، هذا إذا كان قيمته مساوية لقيمة العبد المقتول، أمّا لو كان ما بقي من قيمته أكثر لزم على مولى المقتول ردّ الزائد، وذكرنا بأنّ مولى المكاتب غير ملزم لصحيحة أبي ولاد المتقدمة ويدفع إلى مولى العبد الذي قتله المكاتب، وهذا دال على أنّ جنايته تكون برقبته .

(3) لإطلاق الأدلة الشاملة لمطلق المماليك .

ص: 68

المسألة 56: لو قتل المكاتب الذي تحرر مقداراً منه مكاتباً مثله عمداً فإن تحرر من المقتول بقدر ما تحرر من القاتل أو أكثر(1) قتل به وإلا فالمشهور أنّه لا يقتل، ولكنه لا يخلو من إشكال، والأقرب أنّه يقتل.

_______________________________________________________________

(1) لصدق النفس بالنفس والمسألة غير خلافية وأمّا إذا كان أقلّ _ أي قيمة المقتول _ من قيمة القاتل، فلا قصاص يقول المحقق: وإن قتل مملوكاً فلا قود(1)،

ويقول في الجواهر(2): لعدم التساوي ولما في صحيحة أبي ولاد ومفهوم قوله تعالى: «وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): وفي كلا الدليلين ما لا يخفى، أمّا الأول فلأنّه لم يدل الدليل على اعتبار التساوي حتى في هذا المقدار فإن الثابت بالدليل هو أن الحر والمكاتب الذي تحرر منه شيء لا يقتلان بالعبد، وعليه فلا مقيد لإطلاق الآية الكريمة: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وأمّا الثاني فلأنّه لا ينفي القتل في المقام ليكون مقيداً لإطلاق الآية فإنّ المستفاد من قوله تعالى: «وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» أي غير العبد لا يقتل بالعبد ولا دلالة فيه بوجه على أن من تحرر بعضه لا يقتل بمن تحرر بعضه أيضاً إذا كان تحرر القاتل أكثر، فالنتيجة أنّه لا دليل على ما هو المشهور، وعليه فالأقرب أنّه يقتل بمقتضى إطلاق الآية الكريمة(3) .

ص: 69


1- الشرائع /4 /206 .
2- الجواهر / 42 / 111، (3) المباني /2 / 63 _ 64 .

المسألة 57: إذا قتل عبدٌ عبداً خطأً، كان مولى القاتل بالخيار بين فكه بأداء دية المقتول، وبين دفعه إلى مولى المقتول يسترقه ويستوفي حقه من قيمته(1)، فإن تساوت القيمتان فهو، وإن زادت قيمة القاتل على قيمة المقتول ردّ الزائد إلى مولى القاتل(2)، وإن نقصت عنها فليس له أن يرجع إلى مولى القاتل ويطالبه بالنقص(3)، ولا فرق في ذلك بين كون القاتل ذكراً أو أنثى، كما أنّه لا فرق في ذلك بين كونه قنّاً أو مدبّراً أو مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِ من مال الكتابة شيئاً(4)، وأمّا لو قتل مكاتباً تحرر مقدار منه فقد ظهر حكمه مما تقدم(5).

_______________________________________________________________

(1) بعد إن مرّ بأن جنايته تكون برقبته وليس للمولى دخل في ذلك وقلنا المولى بالخيار بين دفع قيمة العبد ونفسه كما ذكرنا .

(2) قد مرّ أن المسألة غير خلافية .

(3) لما ذكر من أن المولى غير ملزم بشيء وجناية العبد تكون برقبته إذا دفع نفس العبد القاتل ولو كان قيمته أقلّ من قيمة العبد المقتول، وقد مرت الروايات التي دلت على هذا الموضوع .

(4) وذلك لأنّ هذه الأحكام تشمل مطلق المماليك، ولا خصوصية لصنف دون صنف أو الذكورة والأنوثة .

(5) ذكرنا بأنّ للمولى المكاتب القاتل أن يدفع نصيب ما تحرر منه إلى ورثته ونصيب عبوديته إلى مولى المقتول، كما أن له أن يدفعه إلى مولىالمقتول وإلى ورثته.

ص: 70

المسألة 58: لو كان للحر عبدان قتل أحدهما الآخر، خيّر المولى بين قتل القاتل والعفو عنه(1).

المسألة 59: لو قتل حرُّ حريّن فصاعداً فليس لأوليائهما إلا قتله(2) وليس لهم مطالبته بالدية إلا إذا رضي القاتل بذلك، نعم لو قتله ولي أحد المقتولين فالظاهر جواز أخذ الآخر(3) الدية من ماله .

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: يقتل العبد بالعبد(1) وفي الجواهر: كتاباً وسنة وإجماعاً في الجملة والأمة بالأمة وبالعبد إذا كانا لمالك واحد إلى أن يقول وكذا لو كان لمالكين وتساويا بالقيمة أو تفاوتا(2)،

لما ورد من الإطلاق في الآيتين قوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ »وقوله «وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ »فلمولاهما قتل المقتول أو العفو عنه ويدل عليه أيضاً معتبرة إسحاق بن عمار، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه أله أن يقيده به دون سلطان إن أحب ذلك ؟ قال: هو ماله يفعل به ما شاء إن شاء قتل وإن شاء عفا»(3).

(2) والمسألة غير خلافية .

(3) أي ليس لهما إلا القتل لا مطالبته بالدية لعدم الدليل، ولهما أن يقتلاه معاً أو يبدر أحدهما فلم يبق موضوع للآخر، أمّا جواز أخذ الدية فلأنّه لا يذهب دم المسلم هدراً، وفي الرواية لا يبطل دم أمرئ مسلم والمسألةإجماعية، وقد دلت عليه معتبرة أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن

ص: 71


1- الشرائع /4 / 205 .
2- الجواهر /42 / 90 .
3- الوسائل باب 44 من أبواب القصاص في النفس ح1.

المسألة 60: لو قتل عبد حرين معاً ثبت لأولياء كل منهما حق الاقتصاص مستقلاً فلا يتوقف على أذن الاخر(1)، نعم لو بادر أحدهما واسترقه جاز للآخر أيضاً ذلك، ولكنهما يصبحان شركيين فيه، وإذا قتل أحدهما واسترقه أولياؤه ثم قتل الثاني اختص العبد بأولياء الثاني بمعنى أنّ لهم استرقاقه وأخذه من أولياء الأول أو قتله(2).

_______________________________________________________________

الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة ادّاه الإمام، فإنّه لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1).

لا يخفى بأن مورد الرواية ولو كان هارباً، ولكن لا نرى أي خصوصية لهذا القيد، بل كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فأن مورد هذه الرواية وإن كان هو هروب القاتل وعدم التمكن منه إلا أن العبرة إنما هي بعموم التعليل، فأن مقتضاه أن دم المسلم لا يذهب هدراً، فإذا لم يمكن القصاص انتقل الأمر إلى الدية في ماله، ولا فرق بين كون عدم القدرة من جهة الهرب أو من جهة أخرى(2).

(1) بعدما دلت الآية «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ »والروايات بأن لكل واحد حقالاقتصاص، ويكون هذا القتل ثابتاً على نحو الاستقلال، لا يتوقف على إذن الآخر، ولو تقدم أحدهم وقتله سقط حق الآخر لعدم بقاء الموضوع، كما أنّه لو استرقه أحدهما وللآخر أيضاً حق استرقاقه بعد إن كان الموضوع باقياً إذاً هما شريكان في استرقاقه، فإن لهما معاً قتله، كما أن لهما استرقاقه .

(2) لأنّه حينما قتل الحرّ الأول أصبح عبداً لهم مطلقاً باسترقاقهم له ثم إذا قتل حراً ثانياً فإنّ لأوليائهم استراقاقه، كما أن لهم قتله، فالعبد يصبح مملوكاً لأولياء الثاني، ويدل على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في عبد جرح

ص: 72


1- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1.
2- مباني تكملة المنهاج /2 / 66 .

المسألة

61: لو قتل عبد عبدين عمداً جاز لمولى كل منهما الاقتصاص منه(1)، وأمّا استرقاقه فيتوقف على رضى مولى القاتل، فلو سبق أحدهما بالاقتصاص سقط حق الآخر بسقوط موضوعه، ولو رضي المولى باسترقاقه فعندئذٍ إن اختار أحدهما استرقاقه واقتص الآخر سقط حق الأول، وإن اختار الآخر الاسترقاق أيضاً اشترك معه، ولا فرق في ذلك بين كون استرقاقه في زمان استرقاق الأول أو بعده، كما لا فرق في ذلك بين قتله العبدين دفعة واحدة أو على نحو التعاقب، نعم إذا استرقه مولى الأول وبعد ذلك قتل الثاني، كان مولى الثاني بالخيار بين قتله واسترقاقه مع رضا مولاه(2).

_______________________________________________________________

رجلين، قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته، قيل له فإنّ جرح رجلاً في أول النهار وجرح آخر في آخر النهار، قال: هو بينهما ما لم يحكم الواليفي المجروح الأول، قال: فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير»(1).

(1) أمّا جواز اقتصاص كل منهما فمعلوم، والمسألة غير خلافية .

(2) لأن لكليهما حق الاسترقاق ولو فرض أنّ استرقاق الثاني بعد استرقاق الأول لأن هناك عبداً واحداً يشترك فيه موليان على حدّ سواء فتقدم الأول بالاسترقاق لا ينافي تأخر الثاني، ويكون العبد القاتل مشتركاً بينهما بلا فرق بين قتل العبدين على التعاقب أو دفعة واحدة، خلافاً لما نسب إلى الشيخ بتقدم حق الأول لأنّه أسبق، وكلامه لا دليل عليه بعد تعلق حقين برقبته، وليس هناك دليل في استيفاء حق الثاني على أن يكون مشروطاً بعدم استيفاء الآخر، نعم في صورة ما إذا قتل العبد أحد العبدين واسترقه مولاه ثم قتل عبداً آخر فينتزعه مولى المقتول الثاني من مولى المقتول الأول، وهذا واضح، وقد ذكر صاحب المسالك: إذا

ص: 73


1- الوسائل باب 45 من أبواب القصاص في النفس ح1.

المسألة 62: لو قتل عبدُ عبداً لشخصين عمداً اشتركا في القود والاسترقاق(1)، فكما أنّ لهما قتله فكذلك لهما استرقاقه بالتراضي مع مولى القاتل، ولو طلب أحدهما من المولى ما يستحقه من القيمة فدفعه إليه سقط حقه عن رقبته(2)، ولم يسقط حق الآخر فله قتله بعد ردّ نصف قيمته إلى مولاه .

_______________________________________________________________

قتل العبد عبدين وكانت قيمة كل واحد تستوعب قيمته، فإن كان القتل دفعة فلا إشكال في اشتراك الموليين في الحق، قصاصاً واسترقاقاً، وإن كان على التعاقب فقد تقدم أن التخيير في القتل والاسترقاق لمولى المجني عليه، فإن كان مولى الأول قد اختار الاسترقاق قبل الجناية الثانية صار ملكاً له، فإذا جنى بعد ذلك كانت واقعة في ملك مولى الأول، فيكون الحق منحصراً في مولى الثاني، وإن لم يكن قد سبق اختياره الاسترقاق، ففي اشتراكهما أو تقدم الأول قولان، أصحهما الأول لتعلق الجنايتين برقبته، فلا وجه للترجيح، وإن كان أحد السببين اسبق، لأنّ مجرد الجناية لم يوجب انتقاله إلى ملك المجني عليه، بل يتوقف على اختياره ولم يحصل، والثاني للشيخ في المبسوط نظراً إلى سبق الاستحقاق، وقد ظهر كونه غير كافٍ في التقدم بمجرده(1).

(1) ولكن إن قتله أحدهما لم يبق موضوع للثاني، وأمّا القول بالتراضي وتوقفه على ذلك فقد مرّ .

(2) لأنّ له الحق أيضاً، إذاً هو بالخيار بين قتله بعد أن يعطي نصفقيمته إلى مولاه، وسقوط حق الثاني يحتاج إلى دليل، أمّا اعطاء نصف القيمة فلأنّه مشترك .

ص: 74


1- المسالك /15 / 132.

المسألة 63: لو قتل عبدان أو أكثر عبداً عمداً فلمولى المقتول قتل الجميع(1).

كما أنّ له قتل البعض ولكن إذا قتل الجميع فعليه أن يرد ما فضل عن جناية كل واحد منهم إلى مولاه وله ترك قتلهم ومطالبة الدية من مواليهم، وهم مخيرون بين فك رقاب عبيدهم بدفع قيمة العبد المقتول وبين تسليم القتلة إلى مولى المقتول ليستوفي حقه منهم، ولو كان باسترقاقهم لكن يجب عليه ردّ الزائد على مقدار جنايتهم على مواليهم(2).

_______________________________________________________________

(1) المسألة واضحة، وإن ورد الدليل في الحر فيجري في العبد أيضاً لعدم الخصوصية للمورد، يقول المحقق: لو قتل عشرة أعبد عبداً فعلى كل واحد عشر قيمته، فإنّ قتل مولاه العشرة، أدى إلى مولى كل واحد ما فضل عن جنايته، ولو لم تزد قيمة كل واحد عن جنايته، فلا ردّ وإن طلب الدية فمولى كل واحد بالخيار، بين فكه بأرش جنايته، وبين تسليمه ليسترق إن استوعب جنايته قيمته، وإلا كان لمولى المقتول من كل واحد بقدر أرش جنايته، أو يرد على مولاه ما فضل عن حقه ويكون له، ولو قتل المولى بعضاً جاز، ويرد كل واحد عشر الجناية، فإن لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل، أتم مولى المقتول مايعوز، أو يقتصر على قتل من ينهض الرد بقيمته(1).

(2) قد مرّ شرح ذلك .

ص: 75


1- الشرائع / 4 / 209 .

المسألة 64: لو قتل العبد حراً عمداً، ثم أعتقه مولاه، فهل يصح العتق ؟ فيه قولان والأظهر الصحة(1).

_______________________________________________________________

(1) قيل أنّه لا يصح، قال المحقق: ولو قيل لا يصح لأنّه لا يبطل حق المولى من الاسترقاق كان حسناً، وكذا البحث في بيعه وهبته(1)،

ونسب إلى النافع كما في الرياض قوله: والأشبه أنّه لا ينعتق، لأن للولي التمييز في الاسترقاق عند الماتن هنا، وفي الشرائع وشيخنا في شرحه وفخر الدين والفاضل المقداد في الشرع لأن للولي التخيير في الاقتصاص والاسترقاق بالنص والوفاق، وهو ينافي صحة العتق، لعدم إمكان أحد فردي متعلق الخيار معه، وقال في الجواهر: وهو الحجة للقائل بعدما عرفت من اقتضاء العتق بطلان الحق المتعلق بعينه، وهو الاسترقاق الذي هو لازم جنايته وبطلان اللازم يقتضي بطلان المزوم(2).

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأن حق الاسترقاق إذا نفي يرفع هذا المحذور أي إن اقتص منه أو قتل بطل حقه، ولكن هذا الجواب في غير محله لأن العتق من شرطه التنجز ولا يمكن فيه التعليق، بل بعد إن أعتق أصبح حراً فلا معنى لرجوعه إلى الاسترقاق خصوصاً مع ترجيح أدلة الحرية والأصل اللزوم، والحق الصحة للإطلاقات خلافاً لجمع من المحققين .

وأمّا ما ذكره المحقق وغيره بأنّه متعلق لحق الغير من الاسترقاق أي مانع نفوذ العتق، فيقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): وادعي أنّ العبد في مفروضالمسألة بما أنّه متعلق لحق الغير _ وهو الاسترقاق _ فإنّه مانع عن نفوذه، مدفوعة بأنّه ليس من حق المانع عن ذلك كحق الرهانة أو نحوه، بل هو حكم شرعي فحسب وهو لا يقتضي بقاء موضوعه وهو العبد، فما دام موضوعه محققاً فهو باقٍ والا فلا، وعليه

ص: 76


1- الشرائع / 4 / 209 .
2- الجواهر /42 /136.

وأمّا بيعه أو هبته فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في صحته(1)، وإن قيل بالبطلان فيه أيضاً .

المسألة 65: لو قتل العبد حراً خطأً، ثم أعتقه مولاه صح(2) وألزم مولاه بالدية .

_______________________________________________________________

فلا مانع من نفوذ العتق وصحته وهو رافع لموضوعه فيرتفع بارتفاعه، وذكر قدس سره عدة موارد فراجع(1).

(1) أمّا بالنسبة إلى بيعه وهبته، فقد ذكره المحقق بقوله: وكذا البحث في بيعه وهبته(2)، ونسب الجواهر إلى القواعد بقوله: لو باعه أو وهبه وقف على اجازة الولي، وفي شرحها للأصبهاني لتعلق حقه بالرقبة فلا ينتقل إلى الغير بدون إذنه ولا يكفي علم المشتري والمتهب بالحال كما لا يكفي في الرهن(3)، ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وذلك لشمول إطلاقات أدلة نفوذهما لمثل المقام قطعاً ولا تنافي بين صحة البيع ونحوه والاسترقاق، لفرض إمكانه بعد البيع والهبة أيضاً نظراً إلى أن الموضوع باقٍ ومعه لا مانعمن صحتهما نعم إذا كان المشتري جاهلاً بالحال ثبت له الخيار(4).

(2) بعدما مرّ بأنّ المولى ليس مجبراً وهو بالخيار بين دفع الديه أو دفع نفس العبد إلى ولي المقتول، وتؤيد ما ذكرنا رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في عبد قتل حراً خطأً فلما قتله أعتقه مولاه، قال:

ص: 77


1- مباني تكملة المنهاج /2 /71 .
2- الشرائع /4 /209 .
3- الجواهر /42 /138 .
4- مباني تكملة المنهاج /2 /72 .

الشرط الثاني: التساوي في الدين، فلا يقتل المسلم بقتله كافراً ذمياً كان أو مستأمناً أو حربياً، كان قتله سائغاً أم لم يكن(1) .

_______________________________________________________________

فأجاز عتقه وضمنه الدية»(1) وعمرو بن شمر إن كان يزيد بن عبد الله الجحفي الكوفي فهو ضعيف والظاهر أنّه هو، وإن كان غيره فهو مهمل، مضافاً إلى أن الرواية مرسلة إلا أنّها تكون مؤيدة لما ذكرنا .

(1) لا يخفى بأن المسلم لا يُقْتَل بكافرٍ إلا في صورة الاعتياد ولا يفرق بين أن يكون ذمياً أو مستأمناً أو حربياً والمسألة غير خلافية، وأدعى في الجواهر الإجماع بقسميه(2)

فتأمل، ولكن العمدة الروايات .

منها: معتبرة إسماعيل بن الفضل قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة ؟ فقال: لا إلا أن يكون معوّداً لقتلهم فيقتل وهو صاغر»(3).

ومنها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: لايقاد مسلم بذمي في القتل، ولا في الجراحات ولكن يؤخذ من المسلم جناية للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم»(4)، وقوله تعالى: «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(5).

ص: 78


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات النفس ح1.
2- الجواهر /42 /150 .
3- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح6 .
4- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح5 .
5- سورة النساء الآية / 141 .

نعم إذا لم يكن القتل سائغاً عزره الحاكم حسبما يراه من المصلحة(1)، وفي قتل الذمي من النصارى واليهود والمجوس يغرم الدية كما سيأتي، هذا مع عدم الاعتياد(2)، وأمّا لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة جاز لولي الذمي المقتول قتله بعد ردّ فاضل ديته(3) .

_______________________________________________________________

(1) بأن لا يكون كافراً حربياً ويعزر حيث ارتكب ما كان ممنوعاً شرعاً وفعل محرم وحيث لم يحدد تعزيره فيكون حسب نظر الحاكم الشرعي فهو يحدد حسب ما يراه من المصلحة .

(2) والمسألة اتفاقية وأدعى الجواهر عدم الخلاف ولما ورد من الروايات كصحيح محمد بن قيس(1).

(3) كما هو المشهور وادعوا عليه الإجماع ويدل على ذلك روايات صحاح كصحيحة إسماعيل بن فضل، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى من قتلهم شيء، إذا غشوا المسلمين واظهروا العداوة لهم ؟ قال: لا إلا أن يكون متعوداً لقتلهم قال: وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم ؟ قال: لا إلا أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم، فيقتل وهو صاغر»(2)

وصحيحته الأخرى، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة ؟ قال: لا إلا أن يكون معوداً لقتلهم فيقتل وهو صاغر»(3)

ورواية ثالثة أيضاً عن إسماعيل بنفضل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت له: رجل قتل رجلاً من أهل الذمة، قال: لا يقتل به إلا أن يكون متعوداً

ص: 79


1- قد مر الحديث .
2- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
3- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح6 .

................................

للقتل»(1)،

وغيرها من الروايات .

أمّا رد فاضل الدية فقد ادعوا عليه الإجماع وعرفت حال هذه الإجماعات مراراً، فالعمدة الروايات .

منها: صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل المسلم يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً فأرادوا أن يقيدوا ردوا فضل دية المسلم وأقادوه»(2).

ومنها: معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قتل رجلاً من أهل الذمة، فقال: هذا حديث شديد لا يحتمله الناس ولكن يعطى الذمي دية المسلم، ثم يقتل به المسلم»(3).

ومنها: صحيحة أبي بصير، قال «سألته عن ذمي قطع يد مسلم ؟ قال: تقطع يده إن شاء أولياؤه ويأخذون فضل ما بين الديتين، وإن قطع المسلم يد المعاهد خير أولياء المعاهد، فأن شاؤوا أخذوا دية يده وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم وادّوا إليه فضل بما بين الديتين، وإذا قتله المسلم صنع كذلك»(4).

ص: 80


1- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح7 .
2- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
3- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح3 .
4- الوسائل باب 22 من أبواب قصاص الاطراف ح1 .

المسألة 66: يقتل الذمي بالذمي وبالذمية، بعد ردّ فاضل ديته إلى أوليائه(1)، وتقتل الذمية بالذمية وبالذمي ولو قتل الذمي غيره من الكفار المحقوني الدم قتل به(2).

المسألة 67: لو قتل الذمي مسلماً عمداً، دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا عفو عنه، وإن شاؤوا استرقوه، وإن كان معه مال دفع إلى أوليائه هو وماله(3).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية ولو فرض اختلاف ملتهما لعموم قوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وأنّهم ملّة واحدة ولا فرق بين الذكر والأنثى، ولما ورد في معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان يقول: يقتص اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمداً»(1) وأمّا رد فاضل الدية إلى الأولياء فذلك للإطلاقات .

(2) فلو قتل الذمي الحربي لا يقتل الذمي لعدم حقن دم الحربي كما نقله صاحب الجواهر عن كشف اللثام لقوله: لا يقتل الذمي والمستأمن بالحربي(2)،

نعم الحربي يقتل بالذمي .

(3) يقول المحقق: ولو قتل الذمي مسلماً عمداً دفع هو وماله إلى أولياء المقتول وهم مخيرون بين قتله أو استرقاقه(3)، وقد ادعى الاستاذ الاعظم (قدسسرُّه) عدم الخلاف(4)، وادعى البعض الإجماع والعمدة الروايات، ومنها وهي صحيح ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) «في نصراني قتل مسلماً فلما أخذ اسلم، قال: اقتله به،

ص: 81


1- الوسائل باب 48 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الجواهر /42 / 156 .
3- شرائع الإسلام / 4 / 211 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 77 .

ولو أسلم الذمي قبل الاسترقاق، كانوا بالخيار بين قتله والعفو عنه وقبول الدية إذا رضي بها(1).

المسألة 68: لو قتل الكافر كافراً ثم أسلم، لم يقتل به(2)، نعم تجب عليه الدية إن كان المقتول ذا دية .

المسألة 69: لو قتل ولد الحلال ولد الزنا قتل به(3).

_______________________________________________________________

قيل وإن لم يسلم، قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استرقوا، قيل وإن كان معه مال، قال: دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله»(1)، ويؤيد ذلك بقية الروايات .

(1) وليس لهم أي أولياء المقتول حق الاسترقاق لعدم بقاء الموضوع لأن موضوع استرقاق الكافر الذمي فبإسلامه ينتفي الموضوع، إذاً يكون ولي المقتول مخيراً بين قتله، والعفو عنه وأخذ الدية .

(2) أمّا عدم قتله فلعدم المساواة بعد إسلامه، ولأن حكمه كان كحكم من كان مسلماً حال قتله ويؤيده قوله (صلی الله علیه و آله وسلّم) «لا يقتل مؤمن بكافر»(2)،

وأمّا وجوب الدية فلأنّ المسلم إذا قتل الذمي لابد من دفعديته دون الحربي ولأن المقتول ذو دية.

(3) للآية الشريفة: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ولإطلاق الروايات بناءً على القول بإسلامه كما هو الحق، نعم بناءً على قول من يقول بكفره فلا يقتل لعدم التساوي، قال المحقق: ويقتل ولد الرشيدة بولد الزانية لتساويهما في الإسلام(3)،

ص: 82


1- الوسائل باب 49 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- المحلى / 10 / 355 .
3- شرائع الاسلام / 4 / 212 .

المسألة 70: الضابط في ثبوت القصاص وعدمه إنما هو حال المجني عليه حال الجناية، إلا ما ثبت خلافه، فلو جنى مسلم على ذمي قاصداً قتله، أو كانت الجناية قاتلة عادة، ثم أسلم فمات، فلا قصاص(1) وكذلك الحال فيما لو جنى على عبد كذلك، ثم أعتق فمات نعم تثبت عليه في الصورتين دية النفس كاملة .

_______________________________________________________________

ويقول في الجواهر: وعندنا نعم(1)، وقال في المسالك: ولد الرشيدة بفتح الراء وكسرها خلاف ولد الزانية بهما والمراد بكونه يقتل به بعد بلوغه وإظهاره الإسلام كما يرشد إليه التعليل بناءً على الأصح من الحكم بإسلامه كذلك، ومن قال أنّه لا يحكم بإسلامه، قال لا يقتل به ولد الرشيدة ولو قتله قبل البلوغ لم يقتل به مطلقاً لانتفاء الحكم بإسلامه ولو بالتبعية للمسلم لانتفائه عمّن تولد منه(2).

(1) لأنّه لم يقتل مسلماً ولم يكن المساوات بينهما حين القتل وما وردمن الروايات بأنّه يقتل المسلم بالمسلم أنّها ظاهرة في أن العبرة بالإسلام إنما هي حال وقوع الجناية لا حال القصاص، فلا يجوز القصاص حينئذٍ، وكذا الحال فيها إذا قتل العبد فلا قصاص أيضاً، لأنّه لم يقتل حراً حين الجناية وبعبارة أخرى كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه لم يكن قاصداً قتل المسلم(3)،

فيجب عليه دفع الدية في الصورتين .

ص: 83


1- الجواهر /42 / 159 .
2- المسالك /15 / 146.
3- مباني تكملة المنهاج /2 /66.

المسألة 71: لو جنى الصبي بقتل أو بغيره، ثم بلغ لم يقتص منه(1) وإنما تثبت الدية على عاقلته .

_______________________________________________________________

(1) لرفع القلم عنه وأن عمده يحسب خطأ لعدم التكليف لما ورد في الروايات الصحيحة والمعتبرة، منها معتبرة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: عمد الصبي وخطاه واحد»(1)،

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبيه «إن علياً(علیه السلام) كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة»(2)، وفي التحرير: عمده وخطاءه واحد تؤخذ الدية فيهما من عاقلته سواء قتل صبياً أو بالغاً رشيداً(3)،

وكذا في المسالك بأن الرواية الواردة بالاقتصاص عن الصبي إذا بلغ عشراً لم تقف عليها بخصوصها، ولكن الشيخ لما روى عن أبي بصير عن الباقر (علیه السلام) «أنّه سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً فقال: إن خطأ المرأة والغلام عمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما»(4)، حمل هذه الرواية على بلوغ الغلام عشرة سنين أو خمسة أشبار نعم روى الحسن بن راشد عن العسكري (علیه السلام) «قال إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله وقد جلب عليه الفرائض والحدود»(5).

وأمّا الرواية الدالة على أن البالغ خمسة أشبار يقام عليه الحد فرواها السكوني عن أبي عبدالله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام)سئل عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل، فقال إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية»(6)، ثم قال إن هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة

ص: 84


1- الوسائل باب11 من أبواب العاقلة ح2.
2- الوسائل باب 11من أبواب العاقلة ح3.
3- التحرير /5 / 463 .
4- الوسائل باب 34 من أبواب القصاص ح3.
5- الوسائل باب 15 من ابواب احكام الوقوف والصدقات ح4.
6- الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 72: لو رمى سهماً وقصد به ذمياً أو كافراً حربياً أو مرتداً، فأصابه بعدما أسلم، فلا قود، نعم عليه الدية(1)، وأمّا لو جرح حربياً أو مرتداً فأسلم المجني عليه، وسرت الجناية فمات، فهل عليه الدية أم لا ؟ وجهان الظاهر هو الأول(2).

المسألة 73: لو رمى عبداً بسهم، فأعتق ثم أصابه السهم فمات فلا قود ولكن عليه الدية(3).

المسألة 74: إذا قطع يد مسلم قاصداً به قتله، ثم ارتد المجني عليه فمات، فلا قود في النفس ولا دية(4).

_______________________________________________________________

مخالفه للأصول الممهدة، بل لما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ فلا يلتفت إليها(1).

(1) لأن الاعتبار إنما هو بحال الرمي، وفي تلك الحالة كان قصده الذمي أو الحربي أو المرتد، فلا قصاص عليه، ولكن بما أن قتل المسلم مستند إليه فلابد من اعطاء الدية، ولما ورد من قوله (علیه السلام) «ولا يذهب دم امرئ مسلم هدراً» كما تقدم ذلك، أمّا ما قيل من عدم وجوب الدية ففيه ضعف .(2) لأنّه على أي حال قتل المسلم مستند إليه في نظر العرف وحينما مات كان مسلماً، فلابد من إعطاء الدية لكي لا يصبح دمه هدراً .

(3) أمّا عدم القود فلأنّه لم يكن قاصداً قتل الحر، وأمّا وجوب الدية لأنّ قتل الحر استند إليه وإذا صدق عليه قتل الحر فلابد من إعطاء الدية .

(4) لأنّه بعد إن ارتد فلا قصاص ودمه هدر والمسلم لا يقتل بالكافر ولا دية عليه بل لا تقطع يده لعدم التكافؤ والتكافؤ في الإسلام ليس بحاصل كي يصدق قتل المسلم عمداً ولأنّ موضوع الحكم هو قتل المسلم عمداً .

ص: 85


1- المسالك /15 / 163 .

وهل لولي المقتول الاقتصاص من الجاني بقطع يده أم لا ؟ وجهان ولا يبعد عدم القصاص(1)، ولو ارتد ثم تاب ثم مات، فالظاهر ثبوت القصاص(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّه إذا لم يجز الاقتصاص في حال الحياة لأنّه ليس بمسلم فكيف الحق للاقتصاص يثبت بعد موته .

(2) يقول المحقق: ففي القصاص تردد أشبهه ثبوت القصاص(1)، وفاقاً لما نسبه في الجواهر وفاقاً للفاضل وغيره وإلى المحكي عن أبي علي والشيخ في الخلاف(2)بقوله للشافعي قولان أحدهما مثل ما قلنا، والثاني لا قود عليه دليلنا قوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و«الْحُرُّ بِالْحُرِّ» و«َالأنْثَى بِالأنْثَى» ولم يفصل، قال في الجواهر: والفرض أنّه مسلم حالته فلا يسقط الضمان بالارتداد المتخلل بين الابتداء والاستقرار بعد تحقق عنوان القصاص(3)

فالتساوي فيالقصاص موجود، ولو فرض أنّه ارتد عن الفطرة كما يقوله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أنّه مسلم حال الموت وإن كان ارتداده عن فطرة فضلاً عن غيره لما ذكرنا من أن عدم قبول توبته إنما هو بالنسبة إلى الأحكام الخاصة الثابتة له لا بالنسبة إلى إسلامه واقعاً فهو مسلم حقيقة وتترتب عليه احكام الاسلام(4)

فالقصاص ثابت خلافاً لما نسب إلى المبسوط بقوله: فأما إن قطع يد مرتد ثم أسلم ثم مات أو يد حربي ثم أسلم ثم مات، فكان القطع حال كفره والسراية حال إسلامه فلا قود(5).

ص: 86


1- شرائع الاسلام /4 /213.
2- الخلاف / 5 / 164 .
3- الجواهر / 42 / 162 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 68 .
5- المبسوط /5 /29 .

المسألة 75: لو قتل المرتد ذمياً، فهل يقتل المرتد أم لا ؟ وجهان الأظهر أنّه يقتل به، ولو عاد إلى الإسلام لم يقتل حتى وإن كان فطرياً(1).

المسألة 76: لو جنى مسلم على ذميّ قاصداً قتله، أو كانت الجناية قاتلة عادة، ثم ارتد الجاني وسرت الجناية فمات المجني عليه(2) قيل لا قود عليه، لعدم التساوي حال الجناية، والأظهر ثبوت القود .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّ المرتد تارة يتوب ويرجع إلى الإسلام وأخرى لا، أمّا في الصورة الثانية، فإنّه يقتل لإطلاق الآية: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» للتساوي في الكفر، والإطلاق شامل له، إذاً الخارج هو عنوان المسلم فبما أنّ المرتد ليسبمسلم فهو داخل تحت إطلاق الكفر، ويقتل بالكافر ذمياً كان أو غيره، وبما أن المرتد القاتل ليس بمسلم كما هو المفروض، فلا يترتب عليه حكم الإسلام فيشمله إطلاق الآية فمقتضاه أنّه يقتل سواء كان ارتداده عن فطرة أو ملة، وأمّا إذا تاب المرتد ولو كان فطرياً بعد ما مرّ بأنّه مسلم حقيقة ولو لم تقبل توبته إلا في بعض الأحيان، ولم ترفع عنه الأحكام الخاصة التي تثبت عليه بارتداده، ومنها القتل ولكن لا يقاد لعموم «لا يقاد مسلم بكافر» فلا يقتل وإن تكافئا حال الجناية .

(2) قيل لا قصاص وادعى البعض عدم الخلاف لعدم التساوي حال الجناية فلا يصدق أنّه كافر قصد قتل كافر، فلو قتل المسلم ذمياً ثم ارتد فإنّه لا يقتل به، ولكن كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: لإطلاق أدلة القصاص لقوله تعالى: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ولا دليل على تقييده بغير المفروض في الكلام، ولا فرق في ذلك بين كون ارتداده عن فطرة أو ملة(1).

ولكن الحق عدم القصاص لأن العبرة حال الجناية وفي هذه الحالة كان

ص: 87


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 82 .

المسألة 77: لو قتل ذميّ مرتداً قتل به(1)، وأمّا لو قتله مسلم فلا قود عليه لعدم الكفاءة في الدين(2)، وأمّا الدية ففي ثبوتهما قولان الأظهر عدم ثبوتها في قتل المسلم غير الذميّ من أقسام الكفار(3).

المسألة 78: إذا كان على مسلم قصاص، فقتله غير الولي بدون إذنه، ثبت عليه القود(4).

_______________________________________________________________

مسلماً، لا حال الاستيفاء .

(1) والمسألة غير خلافية ويقول المحقق لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي(1)،

فيشمله قوله تعال: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وليس هناك دليل على التقييد وأنّه ليس مباح الدم بالنسبة إلى كل أحد، وهذا لا يفرق بين المرتد الملّي والفطري .

(2) لعدم التكافؤ، لأنّ المرتد بحكم الكافر .

(3) لأنّه كافر، ولا دليل على وجوب الدية على الكافر مطلقاً، فقط خرج الذميّ فإنّه لابد من الدية .

(4) لأنّه بالنسبة إلى غير الولي يكون محقون الدم، وهذا القتل منه يكون ظلماً فتشمله الآية: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» فلولي المقتول حق القصاص ويقول في المسالك: من ثبت عليه القصاص معصوم الدم بالنسبة إلى غير ولي القصاص وحق قتله خاص بوليه(2).

ص: 88


1- شرائع الإسلام / 4 / 213 .
2- المسالك /15 / 155 .

المسألة 79: لو وجب قتل شخص بزنا أو لواط أو نحو ذلك غير سب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقتله غير الإمام (علیه السلام) قيل أنّه لا قود ولا دية عليه ولكن الأظهر ثبوت القود أو الدية مع التراضي(1).

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: ولو وجب قتله بزنا أو بلواط فقتله غير الإمام (علیه السلام) لم يكن عليه قود ولا دية لأن علياً (علیه السلام) قال: «لرجل قتل رجلاً وأدعى أنّه وجده مع امرأته، عليك القود إلا أن يأتي ببينة»(1).

ولعل نظره إلى رواية سعيد بن مسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري أن ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امراته فقتله، فاسال لي علياً (علیه السلام) عن هذا، قال: أبو موسى فلقيت علياً (علیه السلام) فسألته إلى أن قال «فقال: أنا أبو الحسن أن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد، وإلا دفع برمته»(2) ولكن الرواية ضعيفة من جهة السند والدلالة لاختصاصها بالزوج .

والحق ثبوت القود والدية مع التراضي للإطلاقات والعمومات، وعن العلامة في القواعد لا يقول بوجوب القتل بقوله: لو وجب على أنّه زانٍ أو لائط قتل لم يجب على قاتله دية، ولا قود لما روي «إن علياً (علیه السلام) قال لرجل قتل رجلاً وأدعى أنّه وجده على امرأته، عليك القود إلا أن تأتي بالبينة وهذا حكم ينسحب على كل قريب للرجل أو ولد أو مملوك، وهل ينسحبعلى الاجانب ؟ إشكال(3)

أي أن التعدي إلى الأقارب مفروغ عنه، والإشكال في غير محله، إذاً القود ثابت والدية مع التراضي .

ص: 89


1- شرائع الاسلام / 4 / 213 .
2- الوسائل باب 69 من أبواب القصاص في النفس ح2.
3- القواعد / 3 / 606 .

المسألة 80: لا فرق في المسلم المجني عليه بين الأقارب والاجانب(1) ولا بين الوضيع والشريف، وهل يقتل البالغ بقتل الصبي ؟ قيل نعم(2) وهو المشهور، وفيه إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

(1) وذلك لشمول إطلاق قوله تعالى: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»ومضافاً إلى ما ورد في صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) خطب الناس في مسجد الخيف، فقال: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها إلى أن قال المسلون أخوة تتكافأ دمائهم ويسعى بذمتهم أدناهم»(1).

(2) وفاقاً للمشهور وعن المسالك بقوله: القول بقتل البالغ بالصبي مذهب أكثر الأصحاب، بل هو المذهب، فعموم الأدلة المتناولة له(2)،

وعن السرائر بقوله: ومن قتل صبياً متعمداً، والصبي غير بالغ قتل به ووجب عليه القود على الأظهر من أقوال أصحابنا ولقوله تعالى :«أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وليس هذا كمنْ قتل مجنوناً عمداً، لأنّ الإجماع منعقد أنّه لا قود على قاتل المجنون، وليس معنا إجماع منعقد على أنّه ليس على قاتل الصبي غير البالغ قود، وأيضاً القياس عندنا باطل(3).

مضافاً إلى أنّه مخالف لخصوص مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كل من قتل بشيء صغيراً أو كبيراً بعدأن يتعمد فعليه القود»(4)

مع الانجبار بعمل الأصحاب فتأمل .

ويؤيده ما قال في كشف اللثام: من أنّه لم نظفر له بمستند والحمل على

ص: 90


1- الوسائل باب 31 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- المسالك / 15 / 164 .
3- السرائر / 3 / 394 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب القصاص في النفس ح4 .

................................

المجنون قياس، والرواية وإن كانت مرسلة ولكن الدلالة تامة، نعم رواه الصدوق بسند صحيح، ولكن دلالته غير تامة أي «كل من قتل بشيء صغيراً أو كبيراً» فصغيراً يكون صفة للشيء .

وقد استدل الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) على عدم القود بصحيحة أبي بصير _ بعني المرادي _ قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود ولا دية، ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين، قال: وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها ورثة المجنون، ويستغفر الله ويتوب»(1).

قد يقال بأن الرواية وردت في المجنون فلا يمكن التعدي إلى الصغير ولكن يمكن استفادة الكبرى الكلية منها فتشمل الصغير أيضاً حيث إنّه لا يقاد من الصغير، وقالوا الرواية اعرض عنها المشهور .

قلنا لا يضر اعراض المشهور، والعجب مما ذكره الاستاذ الاعظم (علیه السلام) بقوله: إن تم إجماع مع أن الإجماع ليس بحجة عنده .

ص: 91


1- الوسائل باب 28 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أباً للمقتول، فإنّه لا يقتل بقتل أبنه(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، كما ادعي الإجماع منا ومن أكثر العامة وفي المسالك بقوله: لا قصاص على الوالد بقتل الولد ذكراً كان أو أنثى إجماعاً منّا ومن أكثر العامة لقوله (صلی الله علیه و آله وسلّم): «لا يقاد الوالد بالولد»(1)

وقول الصادق (علیه السلام) «لا يقتل الأب بأبنه إذا قتله، ويقتل الابن بأبيه إذا قتل أباه»(2)،

ولأن الوالد سبب وجود الولد، فلا يحسن أن يصير الولد سبباً معدماً له، ولا يليق ذلك بحرمة الأبوة والرعاية، حرمة لم يحد لقذفه(3)،

وأدعى في الجواهر الإجماع بقسميه(4)، ولكن العمدة الروايات .

منها: صحيحة حمران عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «لا يقاد والد بولده»(5) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن الرجل يقتل أبنه أيقتل به قال: لا»(6).

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) «إن علياً كان يقول: لا يقتل والد بولده إذا قتله»(7).

ومنها: صحيحة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وقضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطعوغيره ويكون له الدية، ولا يقاد»(8).

ص: 92


1- مسند أحمد / 1/ 22 .
2- الوسائل باب 32 قصاص النفس ح6 .
3- المسالك / 15 / 156 .
4- الجواهر /42 / 169 .
5- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
6- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
7- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح8 .
8- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح10 .

وعليه الدية ويعزر(1)، وهل يشمل الحكم أب الأب أم لا وجهان لا يبعد الشمول(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا وجوب الدية فللعموم، ولم يدل دليل على سقوطه من الأب فتشمله الإطلاقات، مضافاً إلى أن دم المسلم لا يذهب هدراً، ويعطي الدية إلى غيره من الوارثة، لأنّ القتل مانع من موانع الارث .

وأمّا التعزير فيكون حسبما يراه الحاكم، ولما ورد في كتاب الحدود من ثبوت التعزير لكل معصية كبيرة، وأمّا ما ورد من خبر جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) «في الرجل يقتل أبنه أو عبده، قال (علیه السلام): لا يقتل به، ولكن يضرب ضرباً شديداً، أو ينفى عن مسقط رأسه»(1)،

والرواية بما أنّها ضعيفة من جهة سندها تكفي للتأييد، ويقول في الجواهر بما يراه الحاكم(2)، العمدة أن الرواية ضعيفة، فلا يجب النفي لعدم الدليل.

(2) المشهور عدم قتله وادعى البعض الإجماع، نعم عن المحقق التردد كما في النافع وبعض الناس لكنه في غير محله(3)

لأن إطلاق صحيحة حمران بقوله «ولا يقاد والد بولده» وصحيحة ظريف «وقضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده» التي مرّ ذكرها تفصيلاً، يقتضي شمول الوالد لأب الأب عرفاً وعن المسالك من أنّه: ويحتمل اختصاص الحكم بالأب لأنّه المتيقن في مخالفةعموم الآية لأن الجد ليس أباً حقيقة كما تقدم نظائره، والحق أنّ الموضوعات بيد العرف، والعرف يطلق عليه الأب، لا بل أن القرآن الكريم نص على ذلك في سورة البقرة: Pوَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا

ص: 93


1- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح9 .
2- الجواهر /42 / 170 .
3- الجواهر /42 / 170 .

المسألة 81: لو قتل شخصاً، وادعى أنّه ابنه، لم تسمع دعواه ما لم تثبت بينة أو نحوها(1)، فيجوز لولي المقتول الاقتصاص منه، وكذلك لو ادعاه اثنان، وقتله أحدهما أو كلاهما(2)، مع عدم العلم بصدق أحدهما وأمّا إذا علم بصدق أحدهما أو ثبت ذلك بدليل تعبدي، ولم يمكن تعيينه فلا يبعد الرجوع فيه إلى القرعة .

_______________________________________________________________

نَعْبُدُ إِلَهَكَ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ O(1)، فالأب يشمل أب الأب كما أن لفظ الابن يشمل ابن الأبن حتى أن الأب ولو كان كافراً ولم يكن كفؤاً أيضاً لا يقتل بالولد المسلم للإطلاق، ولو لم يكونا متكافئين في الإسلام .

(1) إلا في صورة ما أن يسمع دعواه، بأن كان مشهوراً بين الناس أنّه ولده وولد على فراشه مع وجود بقية الشرائط، أو كان تحت يده وقلنا بأنّه ذو اليد، فإنّه لا إشكال في عدم جواز قتله، أو يثبت بالبينة وإلا يجوز للولي قتله، فإنه يمكن اثبات موضوع جواز القتل بالأصل، أي الموضوع وهو ثبوتالقصاص، فأنّ أحد أجزاء الموضوع ثبت بالأصل وهو عدم الأبوة والثاني بالوجدان وهو القتل بناءً على جريان استصحاب العدم الأزلي فتأمل.

(2) فإنّه يقتل القاتل كان أحدهما أو كلاهما لعدم ثبوت الأبوة بينهما أمّا مع العلم بصدق أحدهما المعين وهو القاتل، فلا يقتل به ويقتل الثاني لو كان قاتلين .

وأمّا لو علم بصدق أحدهما غير المعين أو ثبت بدليل تعبدي ولم يمكن تعينه، يقول الماتن: لا يبعد ثبوته بالقرعة، ولعل عدم جواز قتله فيما ادعيّاه ولو

ص: 94


1- البقرة الآية / 132 _ 133 .

................................

قتلاه كلاهما فالمشهور عدم جواز قتلهما، لإنّ الاحتمال قائم في كل منهما وهو يكون سبباً للدرء ومانعاً من التهمة في الدم، وأمّا من قال بالقرعة فلما ورد من الروايات، مضافاً إلى إطلاقات باب القرعة فإنّه يستفاد في باب القضاء بأن كل دعوى بين المتخاصمين إذا لم يثبت بإحدى الطرق الشرعية فلابد من القرعة، ومن جملة الموارد محل البحث وهو الدعوى في بنوة شخص، وقد وردت روايات في هذا .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا وقع الحر والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد وادعوا الولد أُقرع بينهم، وكان الولد للذي يقرع»(1).

ومنها: صحيحة عاصم عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (علیه السلام) «بعث رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) علياً (علیه السلام) إلى اليمن،فقال له حين قدم حدثني بأعجب ما ورد عليك، فقال: يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية، فوطأها جميعهم في طهر واحد، فولدت غلاماً فاحتجوا فيه كلهم يدعيه، فأسهمت بينهم، فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم): ليس من قوم تنازعوا، ثم فوضوا امرهم إلى الله، إلا خرج سهم المحق»(2).

ص: 95


1- الوسائل باب 13 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب كيفية الحكم ح5 .

المسألة 82: لو قتل الرجل زوجته، وكان له ولد منها فهل يثبت حق القصاص لولدها ؟ المشهور عدم الثبوت، وهو الصحيح(1) كما لو قذف الزوج زوجته الميتة ولا وارث له إلا ولدها منه .

_______________________________________________________________

(1) هناك قولان في المسألة القول الأول هو الجواز، وذلك بأنّ الدليل الدال على أنّ الوالد لا يقتل بولده لا يشمل المورد، لأنّ الظاهر عدم قتله فمقتضى العمومات هو الجواز، وقيل بعدم الجواز، والقائل به الشيخ بقوله رجل له زوجة وله منها ولد فقتل هذا الرجل زوجته لم يرثها، ورثها ولده ولم يرث القصاص من أبيه لأنّه لو قتله أبوه لم يملك القصاص عليه(1)

والفاضل وكما عليه المشهور، وفي المسالك بقوله: كما لا يثبت القود للولد على والدهبالأصالة وكذا التبعية والارث على المشهور، قطع بذلك الشيخ في المبسوط والعلامة في كتبه لعموم الأدلة وصلاحية العلة المقتضية بذلك(2)،

وذكر ذلك صاحب القواعد بقوله: ولو قتل زوجته والولد هو الوارث أو قتل زوجة الابن ولا وارث سواه فلا قصاص(3).

ولكن الحق هو عدم الجواز لأنّ النص الذي دل على أن الوالد لا يقتل بولده وإن لم يشمل المقام ولكن يكفي عموم التعليل في ذيل صحيحة محمد ابن مسلم الوارد في قذف الوالد ولده عن الإمام الباقر (علیه السلام) «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: لو قتله ما قُتل به، وإن قذفه لم يجلد له إلى أن قال وإن كان قال لأبنه يابن الزانية وأمه ميتة ولم يكن لها مَنْ يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه، فإنّه لا يقام عليه الحد، لأن حق الحد صار لولده منها، فإن كان لها ولد من

ص: 96


1- المبسوط / 5 / 12 .
2- المسالك / 15 / 159 .
3- القواعد /3 / 608 .

المسألة 83: لو قتل أحد الأخوين أباهما والآخر أمهما، فلكل واحد منهما على الآخر القود، فإن بدر أحدهما فاقتص(1)، كان لوارث الآخر الاقتصاص منه(2).

_______________________________________________________________

غيره فهو وليها يجلد له»(1)،

ويظهر من هذا الحديث بعموم العلة التي تشمل المقام وأنّه لا قود عليه خلافاً للمحقق بقوله: ولو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص لولدها منه، قيل لا، لأنّه لا يملك أن يقتص من والده ولو قيل يملكهنا أمكن اقتصار المنع على مورد النص(2)، هذا إذا كان الولد منه، أمّا إذا كان من غيره فعليه القصاص .

(1) الكلام بعد أن يكون لكل واحد منهما حق الاقتصاص من الآخر بعد إن ارتكب كل واحد القتل العمدي، يجوز لكل واحد مبادرة في الاقتصاص ولا يحتاج إلى القرعة عند التشاح، نعم لو فرض أن حكم الاقتصاص متوقف على حكم الحاكم فلابد من الرجوع إلى القرعة حتى لو فرض أحدهما أقدم جناية، فلا دليل على جواز مبادرته .

(2) لأنّ كل الحقوق المثبتة تنتقل إلى ورثته، وهذا حق من الحقوق إذاً الورثة يقومون مقام مورثهم في مقام استيفاء الحق .

ص: 97


1- الوسائل باب 14من أبواب حد القذف ح1 .
2- الشرائع /4 / 214 / 215 .

الشرط الرابع: أن يكون القاتل عاقلاً بالغاً، فلو كان مجنوناً لم يقتل(1) من دون فرق في ذلك بين كون المقتول عاقلاً أو مجنوناً، نعم تحمل على عاقلته الدية، وكذلك الصبي لا يقتل بقتل غيره صبياً كان أو بالغاً وعلى عاقلته الدية، والعبرة في عدم ثبوت القود بالجنون حال القتل.

_______________________________________________________________

(1) بلا فرق بين أن يكون مطبقاً أو أدوراياً إذا قتل حال جنونه والمسألة غير خلافية، وادعى في الجواهر الإجماع بقسميه(1)، وهكذا فالمقتول عاقلاً أو مجنوناً مطبقاً أو أدوارياً للإطلاقات والدية تكون على عاقلته، لأنّ عمده خطأ وهكذا بالنسبة إلى الصبي لا يقتل بقتل غيره صبياً كان أو بالغاً والدية تكون على عاقلته، والعمدة الروايات .

منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمداً»(2)وصحيحته الأخرى عمد الصبي وخطأه واحد(3)،

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبيه عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة»(4).

ومنها: معتبرة إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) يسأله عن رجلمجنون قتل رجلاً عمداً فجعل الدية على قومه وجعل خطأه وعمده سواء»(5)،

وبإزاء هذه الروايات هناك روايات أخرى مختلفة في تحديد عمر الصبي القاتل بالنسبة إلى البلوغ ولذا نقل أنه استدل

ص: 98


1- الجواهر /42 /177 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح2 .
4- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح3 .
5- الوسائل باب 11من أبواب حد العاقلة ح5 .

................................

الشيخ في المبسوط والاستبصار والنهاية برواية العشر سنين وفي المسالك والجواهر: إنا لم نظفر بها مسندة كما اعترف به غير واحد من الاساطين، ولكن في رواية مقطوعة ومرسلة في الكتب إذا بلغ الصبي عشر سنين(1)

وبما أنّها مرسلة لا تصلح للمعاقبة، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولعل الشيخ قد استند في ذلك إلى صحيحة أبي أيوب الخزاز «قال: سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام ؟ قال: إذا بلغ عشر سنين، قلت: ويجوز أمره ؟ قال، فقال: إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته»(2).

ولكن الرواية لا يمكن العمل بها لأنّها نقلت عن غير المعصوم فقوله ليست بحجة تكون مبنية على قياس فاسد وباطل، ونسب إلى الشيخ في الاستبصار بأن الصبي إذا بلغ خمسة اشبار اقتص منه .

واستدل على ذلك بمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه فقال أمير المؤمنين (علیه السلام)إذا بلغ الغلام خمسة اشبار اقتص منه، وإذا لم يكن يبلغ خمسة اشبار قضي بالدية»(3).

ولا يخفى أن هذه الرواية لابد من طرحها ورد علمها إلى أهله، لأن ما ذكر فيه من القاعدة غير تام، ولو فرض أن صبيين متساويين في السن إذا بلغ طول أحدهما خمسة اشبار فقتلا نفساً متعمدين فكيف يقتص منه دون الآخر وهذا مقطوع البطلان، وأنه ورد في صحيحة سليمان بن حفص المروزي عن الرجل

ص: 99


1- الجواهر /42 / 180 .
2- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح3 .
3- الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس ح1.

فلو قتل وهو عاقل ثم جنّ لم يسقط عنه القود(1).

_______________________________________________________________

«قال: إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود، وإذا تمّ للجارية تسع سنين فكذلك»(1)، وهذه لم تعارض تلك الصحاح، مع أنّه في كثير من الموارد والمناسبات في أبواب الفقه أن البلوغ في الغلام خمسة عشر سنة فلابد من طرحها .

(1) ولو قتل وهو عاقل ثم جن فيقتل لأطلاق الروايات، والرواية الدالة على عدم قتل المجنون إنما هي إذا قتل وهو مجنون فلا تشمل المورد وهكذا أدلة رفع القلم، وتؤيد ذلك رواية بريد بن معاوية العجلي «قال: سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً عمداً، فلم يقم عليه الحد ولم تصح الشهادة عليه حتى خولط وذهب عقله، ثم إن قوماً آخرين شهدوا عليه بعدما خولط أنّه قتله، فقال: إن شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس بهعلة من فساد عقل قتل به، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل، وإن لم يكن له مال اعطي الدية من بيت المال، ولا يبطل دم أمرئ مسلم»(2)

والرواية ضعيفة بخضر الصيرفي وهو مجهول .

ص: 100


1- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح13 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 84: لو اختلف الولي والجاني في البلوغ وعدمه حال الجناية، فادعى الولي أنّ الجناية كانت حال البلوغ، وأنكره الجاني كان القول قول الجاني مع يمينه، وعلى الولي الإثبات، وكذلك الحال فيما إذا كان مجنوناً ثم أفاق فادعى الولي أنّ الجناية كانت حال الإفاقة وادعى الجاني أنّها كانت حال الجنون، فالقول قول الجاني مع يمينه(1)، نعم لو لم يكن الجاني مسبوقاً بالجنون فادعى أنّه كان مجنوناً حال الجناية فعليه الإثبات، وإلا فالقول قول الولي مع يمينه .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية حسب ما ادعى البعض ولاستصحاب صغره وأنّه منكر فاليمين عليه ولمدعي القصاص الإتيان بالبينة، وإذا لم يكن عنده بينة فيقدم قول الجاني لأنّ البينة على المدعي واليمين على من أنكر، هذا إذا كان المدعى عليه حال الدعوى بالغاً، وإلا فلا موجب للحلف، ولكن مع إقراره تثبت الدية في ماله، وهكذا لو كان مجنوناً ثم أفاق وادعى بأنّه وقع القتل حال الجنون، وذلك لأنّ الأصل هو بقاء جنونه والولي مدعٍ وهو منكر فعليه الحلف، ولكن قد يختلف فيصبح الولي منكراً والجاني مدعياً، هو ما إذا لم يكن مسبوقاً بالجنون وادعى أنّه وقع القتل حال الجنون فلابد من الإتيان بالبينة وإلا فالقول قول الولي مع يمينه ولاستصحاب عدم تحقق الجنون في زمان تحقق الجناية فعلى الجاني الإتيان بالبينة للإثبات والولي منكر فيحلف .

ص: 101

المسألة 85: لو قتل العاقل مجنوناً لم يقتل به(1) نعم عليه الدية إن كان القتل عمدياً أو شبيه عمد .

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية حتى لو كان الجنون أدوارياً، وقد نسب هذا إلى الغنية وغيرها بقوله: ومنها أن يكون القاتل بالغاً كمال العقل، فإنّ حكم العمد ممن ليست هذه حاله، حكم الخطأ بدليل إجماع الطائفة ويحتج على المخالف بما رواه من قوله (علیه السلام) «رفع القلم عنه ثلاث» ومنها أن لا يكون المقتول مجنوناً بلا خلاف بين أصحابنا(1)، وكذا نسب إلى كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب، وعن كشف الرموز أدعاء الإجماع لأطلاق الدليل الذي لا يفرق بين القسمين من الجنون حتى ولو كان قتله عن عمد، وتدل على ذلك صحيحة أبي بصير المرادي قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلا مجنوناً، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شيء عليه من قود ولا دية ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين، قال: وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، ويستغفر الله ويتوب إليه»(2).

ص: 102


1- الغنية / 1 / 403 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 86: لو أراد المجنون عاقلاً فقتله دفاعاً عن نفسه أو عمّا يتعلق به، فالمشهور أنّ دمه هدر(1)، فلا قود ولا دية عليه .

وقيل إنّ ديته على بيت مال المسلمين، وهو الصحيح(2).

_______________________________________________________________

(1) أي فلا قصاص عليه ولا غيره كما عليه المحقق بقوله: ولو قصد العاقل دفعه كان هدراً، وفي رواية في بيت المال(1)،

يقول في الجواهر: لا قصاص ولا دية على القاتل ولا على عاقلته، بل ولا غيرهم وكما عن النهاية والمهذب والسرائر وكشف الرموز والتنقيح والمقتصر وروض الجنان ومجمع البرهان وغيرها(2).

وأمّا قول الرياض: لا دية على العاقل ولا عاقلته اتفاقاً ظاهر فتوى ونصاً خاصاً وهو الصحيح المتقدم، وعاماً وهو كثير وشطر منه، قد تقدم في كتاب الحدود في اواخر الفصل السادس في حد المحارب(3)

وعن غاية المرام أنّه المشهور، والحق ديته على بيت مال المسلمين كما عليه الاستاذ(4)

الاعظم (قدس سرُّه) لصحيحة أبي بصير بقوله: «إن كان المجنون أراد فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء من قود ولا من دية ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين»(5)

لأن دم المسلم لا يذهب هدراً كما مرّ .

(2) وتؤيد ذلك رواية أبي الورد قال: «قلت لأبي عبد الله أو لأبي جعفر (علیهما السلام) اصلحك الله، رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنونضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله، فقال: أرى أن لا يقتل به ولا يغرم ديته، وتكون ديته على الإمام، ولا يبطل دمه»(6)

والرواية تكون قابلة للتأييد وإن

ص: 103


1- الشرائع / 4 / 216 .
2- الجواهر / 42 / 185 .
3- الرياض / 16 / 257 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 96 .
5- قد مرت .
6- الوسائل باب 28من أبواب القصاص في النفس ح2 .

المسألة 87: لو كان القاتل سكراناً، فهل عليه القود أم لا ؟ قولان نسب إلى المشهور الأول(1)، وذهب جماعة إلى الثاني، ولكن لا يبعد أن يقال أنّ من شرب المسكر إن كان يعلم أن ذلك مما يؤدي إلى القتل نوعاً وكان شربه في معرض ذلك فعليه القود، وإن لم يكن كذلك، بل كان القتل اتفاقياً، فلا قود عليه بل عليه الدية .

_______________________________________________________________

كانت ضعيفة من جهة السند وكانت تامة من جهة الدلالة .

(1) قال المحقق: وفي ثبوت القود على السكران تردد والثبوت أشبه لأنّه كالصاحي في تعلق الأحكام(1)،

يقول في الجواهر: وفاقاً للأكثر(2)، كما في المسالك: منشأ التردد أن الشارع لم يعذر السكران مطلقاً، بل نزله منزلة الصاحي فيقتص منه وهو اختيار الأكثر، ومن أن القصد شرط في العمد وهو منتفٍ في حقه وتنزيله منزلة الصاحي مطلقاً ممنوع ولعل هذا الأظهر(3)

وما عن الجواهر بقوله: بل قد يظهر في غاية المراد نسبته إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه، بل في الايضاح دعواه صريحاً عليه ناسباً له مع ذلك إلىالنص، ذكر ذلك في مسألة شارب المرقد والمبنج(4)،

ولعل المراد من النص هو معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فسجنهم فمات منهم رجلان وبقي رجلان، فقال أهل المقتولين يا أمير المؤمنين اقدهما بصاحبينا فقال للقوم ما ترون ؟ قالوا: نرى أن تقيدهما، فقال علي (علیه السلام) للقوم، فلعل دينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا:

ص: 104


1- الشرائع / 4 / 216 .
2- الجواهر / 42 / 186 .
3- المسالك / 15 / 165 _ 166 .
4- الجواهر / 42 / 186 .

................................

لا ندري فقال علي (علیه السلام): بل اجعل دية المقتولين على قبائل الاربعة وآخذ دية جراحة الباقيين من دية المقتولين»(1).

ولا يخفى بأنه يظهر من ظاهر الرواية مسلّمية القود لو فرض العلم بأن الباقيين قتلاهما، قد يقال كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من الفرق بين ما إذا علم السكران قبل سكره أنّ شربه المسكر يوقعه في معرض القتل وأنّه يؤدي إليه نوعاً، فهو بشربه قاصداً للقتل فيكون القتل المترتب على السكر قتلاً عمدياً، وأمّا إذا لم يكن كذلك وكان القتل اتفاقياً لم يجرِ عليه أحكام القتل العمدي، وإنما يترتب عليه الدية(2)، كما يدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في أربعة شربوا مسكراً، فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان وجرح اثنان فأمر المجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة وقضى بدية المقتولين علىالمجروحين، وأمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية، فإن مات المجروحان، فليس على أحد من أولياء المقتولين شيء»(3)، فحمل تلك الرواية على ما إذا قصد القتل من البداية، أو إذا لم يكن من قصدهما ذلك .

ص: 105


1- الوسائل باب1 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 97 .
3- الوسائل باب1 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 88: إذا كان القاتل أعمى، فهل عليه القود أم لا ؟ قولان نسب إلى أكثر المتأخرين الأول(1)، ولكن الأظهر عدمه نعم تثبت الدية على عاقلته وإن لم تكن له عاقلة فالدية في ماله، وإلا فعلى الإمام .

_______________________________________________________________

(1) المشهور بين المتأخرين أن الأعمى كالمبصر في وجوب القصاص عليه إذا صدر منه عن عمد، ونسب إلى غاية المراد وروض الجنان، وقال الماتن وجملة من متأخري المتأخرين، وفي الجواهر: وعن أبي علي والشيخ والصهرشتي والطبرسي وابني البراج وحمزة، بل والصدوق في ظاهره العمل بها، بل في غاية المراد هذا القول مشهور بين الأصحاب، وبه هذا الأثر فجاز مخالفة الأصل، وعن ثاني الشهيدين في روض الجنان موافقته على ذلك(1) أقول لو كنا نحن والقاعدة لابد من القول بوجوب القصاص.

ولكن هناك رواية صحيحة وهي عن محمد الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله، قال: فقال أبو عبد الله (علیه السلام) هذان متعديان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى، والاعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقله لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين، ويرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه»(2)،ومعتبرة أبي عبيدة، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن أعمى فقأ عين صحيح، فقال: إن عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام ولا يبطل حق أمرئ مسلم»(3)، واستشكل

ص: 106


1- الجواهر / 42 / 189 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب العاقلة ح1 .
3- الوسائل باب 35 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

................................

الشهيد الثاني في المسالك بقوله: وهاتان الروايتان مشتركتان في الدلالة على أن عمد الأعمى خطأ وفي ضعف السند، ومختلفتان في الحكم، ومخالفتان للأصول لاشتمال الأولى على كون الدية تجب ابتداء على العاقلة، ومع عدمها تجب على الجاني، وهذا مخالف لحكم الخطأ وفي الثانية مع جعله الجناية كالخطأ أوجب الدية على الجاني، ومع عدم ماله على الإمام، ولم يوجبها على العاقلة وظاهر اختلاف الحكمين ومخالفتهما لحكم الخطأ(1).

فإن ظاهر خبر الحلبي أن في السند محمد بن عبد الله بن هلال وهو لم يوثق أي لا توثيق ولا مدح فيه ولكن غفل بأن ما رواها في الفقيه بأن سند الصدوق إلى العلاء صحيح في المشيخة ورواية أبي عبيدة فلا موجب لتضعيفها غير أن في سندها عمار الساباطي وهو موثق، ولو فرض أنّه فطحياً فالخبر معتبر .

وأمّا من جهة الدلالة فهي تامة لو قلنا بأن الأعمى جنايته خطأ بالرفع وإن كان بالنصب فهو غير صريح في المطلوب لأن معناه أن جنايته خطأ على العاقلة كالمبصر، ولكن لا يمكن حمله على ذلك لأنّه ورد فيها هذان متعديان جميعاً، وهذا لا يجتمع مع قتل الخطأ .وهكذا ما ورد قتله حين قتله وهو أعمى، اذاً الذكر بالنصب لعله خطأ من الناقل أو من التصحيف، فالرواية من جهة الدلالة أيضاً غير تامة .

وأمّا المعتبرة بقوله (علیه السلام) «الدية من ماله» تحمل على أنّه إذا لم يكن له عاقلة بقرينة ما جاء في صحيحة الحلبي بقوله (علیه السلام) «فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى من ماله» .

ص: 107


1- المسالك / 15 / 167 _ 168 .

الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم، فلا قود في القتل السائغ شرعاً(1)، كقتل ساب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) وقتل المرتد الفطري ولو بعد توبته، والمحارب والمهاجم القاصد للنفس أو العرض أو المال، وكذا من يقتل بقصاص أو حد وغير ذلك والضابط في جميع ذلك هو كون القتل سائغاً للقاتل .

_______________________________________________________________

(1) إذا كان بالنسبة إلى القاتل كالقصاص أو بالنسبة إلى عموم الناس كسب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) والأئمة الأطهار (علیهم السلام) وكذا قتل المحارب، والمهاجم بالنسبة إلى من هُجم عليه، بلا فرق بين أن يكون هجومه للنفس، أو العرض، أو المال فإنّ دمه تارة يكون هدراً بالنسبة إلى جميع الناس، وتارة يكون هدراً بالنسبة إلى شخص فيجوز له قتله، ولا قصاص، ولا دية عليه .

أمّا بالنسبة إلى الآخر فلا يجوز قتله، وقد أدعى عليه الإجماع كما في الغنية والسرائر حسبما نقله الرياض بقوله: ولو قَتل من وجب عليه القصاص غير الولي، قُتل به، لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره، والأصل في هذا الشرط بعد الإجماع الظاهر المصرح في كثير من العبائر كالغنية والسرائر الاعتبار ،والمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر(1)،

ففي الصحيح عن الكناني وغيره عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: «سألته عن رجل قتلهالقصاص، له دية ؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتص من أحد وقال: من قتله الحد فلا دية له»(2)، مضافاً إلى ما ورد من النصوص .

منها: حسنة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أنّه سئل عمّن شتم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقال (علیه السلام): يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام»(3)

وهناك روايات

ص: 108


1- الرياض / 16 / 263 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
3- الوسائل باب 7 من أبواب المرتد ح1 .

................................

أخرى وردت في مَنْ قتله الحد والقصاص .

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: أيّما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له»(1).

ومنها: صحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عمّن أُقيم عليه الحد، أيقاد منه أو تؤدي ديته ؟ قال: لا، إلا أن يزاد على القود»(2) فإنّها مطلقة تشمل إذا أقيم عليه الحد من جهة الارتداد أو الزنا أو اللواط أو قتل النفس المحترمة .

ومنها: ما ورد عن المحارب والمهاجم الدال على أنّ دمه هدر فلا قصاص ولا دية، وفيها روايات كثيرة منها ما عن منصور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «اللص محارب لله ولرسوله فاقتلوه، فما دخل عليك فعليّ»(3)وغيرها

من الروايات .

ص: 109


1- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح9 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح7 .
3- الوسائل باب 7 من أبواب حد المحارب ح1.

المسألة 89: المشهور على أنّ من رأى زوجته يزني بها رجل وهي مطاوعة، جاز له قتلهما(1) وهو لا يخلو عن إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: إذا وجد مع زوجته رجلاً يزني فله قتلهما ولا إثم عليه وفي الظاهر عليه القود، إلا أن يأتي على دعواه ببينة أو يصدقه الولي(1)،

هذا إذا كانت الزوجة طاوعته، ولا يفرق في جواز القتل كما ذكره بعض العلماء بوجوب الرجم أو الجلد فيما إذا كان الزاني غير محصن والزوجان كانا حرين أو عبدين أو أحدهما الحر والثاني عبداً دخل بها الزوج أم لا بلا فرق بين أن تكون الزوجية على نحو الدوام أو الانقطاع .

فالمشهور بين الأصحاب بل لم يظهر الخلاف في البين أنّه لا قود عليه هذا إذا كان هناك بينة، وأما إذا لم يكن هناك بينة فلا إشكال في ثبوت القود واستدلوا على جواز القتل وأنّه لا قود عليه بناءً على وجود البينة بعدة روايات .

منها: رواية سعيد بن المسيب على رواية الشيخ ورواية يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الاشعري أن ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امرأته فقتله، فاسال لي علياً عن هذا فقال أبو موسى: «فلقيت علياً (علیه السلام) فسألته إلى أن قال فقال: أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلا دفع برمته»(2).

ومنها: خبر الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (علیه السلام) «فيرجل دخل دار آخر للتلصص، أو الفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به أم لا ؟ فقال: اعلم أن من دخل دار غيره فقد اهدر دمه ولا يجب عليه شيء»(3).

ص: 110


1- شرائع الاسلام / 4 /158 .
2- الوسائل باب 69 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب القصاص في النفس ح2 .

................................

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: إيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقؤوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم، وقال: من اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له»(1).

وقد ناقش الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) مجموع هذه الروايات من جهة السند والدلالة بقوله: أمّا الرواية الأولى فإنّها وإن كانت تامة دلالة، إلا أنّها ضعيفة سنداً من عدة جهات، فإن في سندها الحصين بن عمرو، وهو مجهول وكذا يحيى بن سعيد، على أن طبقة أحمد بن النضر متأخرة عن الحصين بن عمرو فلا يمكن روايته عنه، فالرواية مرسلة من هذه الجهة فلا يمكن الاعتماد عليها .

وأمّا الرواية الثانية فلأنّها ضعيفة سنداً ودلالة، أمّا سنداً فلأن في سندها عدة مجاهيل، وأمّا دلالة فلأن موردها دخول دار أحد للفجور والتلصص، فيجوز قتله للدفاع، ومن هنا قلنا أنّه لا يختص بالزنا فلو دخل دار غيره لتقبيل زوجته _ مثلاً _ جاز قتله أيضاً، كما أنّه لا يختص بالزوج فلو دخل دار غيره للفجور بأبنته أو أخته، أو لتقبيلهما جاز له قتله كما تقدم ذلك مفصلاً، وهذا بخلاف مورد كلامنا فإنّه فيما إذا لم ينطبق عليه عنوان الدفاع، فإذاً لا يقاس ما نحن فيه بالموارد المتقدمة، فالرواية أجنبية عن محل الكلام، وبذلك يظهر الجواب من الرواية الثالثة، فإنّها وإن كانت تامة سنداً إلا أنّها أجنبية عمّا نحنفيه، فإنّها وردت في مقام الدفاع عن العرض وقد تقدم أنّه لا شبهة في جواز القتل لأجله(2).

ولكن الحق أنّ هذه الرواية الأخيرة لها دلالة بالاولوية إذا أراد شخص تقبيل زوجته فيجوز قتله فكيف إذا راه يفعل بزوجته فكيف لا يجوز، ثم أنّ المسألة محل اتفاق .

ص: 111


1- الوسائل باب 25 من أبواب القصاص في النفس ح7 .
2- المباني / 2 / 103 .

................................

وأمّا استدلاله (قدس سرُّه) بصحيحة داود بن فرقد «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إن أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قالوا لسعد بن عبادة ارأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به ؟ قال: كنت اضربه بالسيف، قال فخرج رسول الله (علیه السلام) فقال: ما ذا يا سعد ؟ فقال لسعد: قالوا لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به، فقلت اضربه بالسيف، فقال: يا سعد فكيف بالأربعة شهود ؟ فقال: يا رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بعد رأى عيني وعلم الله أن قد فعل قال: أي والله بعدما رأى عينك وعلم الله أنّه قد فعل، إن الله قد جعل لكل شيء حداً وجعل لمن تعدى ذلك الحد حداً»(1)

قال الاستاذ (قدس سرُّه) أنّها ظاهرة في عدم جواز قتله(2).

ولكن الظاهر من الرواية المراد من الحد هو الإثبات والبينة ليست لها موضوعية، بل طريق إلى الواقع وفي الواقع الزنا وقع كما قال في الجواهر ويمكن أن يكون بياناً للحكم في الظاهر وإن لم يكن عليه إثم فيما بينه وبينالله(3).

إذاً فيجوز له قتله ولا قصاص ولا دية ولا إثم عليه، ومع ذلك يكفينا اتفاق الكل في ذلك، والاحتياط في محله وهو دفع الدية خصوصاً لو كان الحاكم عالماً بذلك .

ص: 112


1- الوسائل باب 2 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 104 .
3- الجواهر / 41 / 369 .

الفصل الثاني: في دعوى القتل وما يثبت به

المسألة 90: يشترط في المدعي العقل، والبلوغ، وقيل يعتبر فيه الرشد أيضاً، والأظهر عدم اعتباره(1)، ويشترط في المدعى عليه إمكان صدور القتل منه، فلو ادعاه على غائب لا يمكن صدور القتل منه عادة لم تقبل، وكذا لو ادعاه على جماعة يتعذر اجتماعهم على قتل واحد عادة كأهل البلد مثلاً(2).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه كما ورد في محله من كتاب القضاء أنّه رفع القلم عن الصبي والمجنون والمكره وهل يشترط فيه الرشد أو لا ؟ الظاهر لا، وتفصيل المسألة قد مرّ.

(2) لأنّ ذلك يكشف عن كذبه، ويشترط في قبول قول المدعي احتمال الصدق .

ص: 113

المسألة 91: لو ادعى على شخص أنّه قتل أباه مثلاً مع جماعة لا يعرفهم(1) سمعت دعواه، فإذا ثبت شرعاً، كان لولي المقتول قتل المدعى عليه ولأولياء الجاني بعد القود الرجوع إلى الباقين بما يخصهم من الدية فإن لم يعلموا عددهم رجعوا إلى المعلومين منهم، وعليهم أن يؤدوا ما يخصهم من الدية .

_______________________________________________________________

(1) فله قتل الجميع كما أنّه له قتل الواحد إذا كان هو القاتل، وهذا لا يفرق بين أن يعرف المشتركين في القتل بأجمعهم، أو عرف بعضهم، أو عرف واحداً منهم، فإن قتل الواحد منهم فيرجع أولياء المقتول إلى أولياء الباقين إن كانوا يعرفون بأجمعهم .

وأمّا إذا لم يعرف الجميع فيرجعوا إلى أولياء ما يعرفونه لكي يدفعوا بمقدار حصصهم، وأمّا ما قيل بأنّه إذا لم يعرف الولي المقتول الكل فلا يكون له حق القود من الكل، لأنّه متوقف على إمكان ردّ ما فضل من ديته من جنايته، وهذا متوقف على معرفة عدد الشركاء وهي منتفية هنا، قد ذكر الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: ولكنه مندفع بأن مقتضى الروايات الواردة في موضوع الاشتراك في القتل إن لولي المقتول اختيار ذلك وأنّه غير مقيد بإمكان رد أولياء الباقي ما يخصهم من الدية إلى أولياء الجاني المقتول فأنّه وظيفتهم، ولا صلة لهذا الحكم بولي المقتول وعلى ذلك ففي فرض عدم معرفتهم بعدد الشركاء يرجع إلى الصلح أو يقتصر على أخذ الدية على المقدار المتيقن .

ص: 114

المسألة 92: لو ادعى القتل ولم يبين أنّه كان عمداً أو خطأ، فهذا يتصور على وجهين :

الأول: أن يكون عدم بيانه لمانع خارجي لا لجهله بخصوصياته فحينئذٍ يستفصل القاضي منه(1).

الثاني: أن يكون عدم بيانه لجهله بالحال وأنّه لا يدري أنّ القتل الواقع عمداً أو خطأ وهذا أيضاً يتصور على وجهين فإنّه تارة يدعي أنّ القاتل كان قاصداً لذات الفعل الذي لا يترتب عليه القتل عادة ولكنه لا يدري أنّه كان قاصداً للقتل أيضاً أم لا ؟ فهذا يدخل تحت دعوى القتل الشبيه بالعمد(2)وأخرى لا يدعي أنّه كان قاصداً لذات الفعل أيضاً لاحتمال أنّه كان قاصداً أمراً آخر، ولكنه أصاب المقتول اتفاقاً .

_______________________________________________________________

(1) أمّا القتل العمدي فهو أن يكون قاصداً للقتل ويقع منه مباشرة كالذبح، والخنق، والضرب بالسيف، أو السكين، أو بأي آلة يقتل به غالباً، أو الجرح الذي يؤدي إلى الموت مما يصدر بفعله المباشر، وقد يكون بالتسبيب وذلك لأنّ العبرة في صدق العمد هو تحقق القتل منه بأي طريقة كانت، أو بأي آلة كانت سبباً للقتل، وكان من قصده القتل وهذا يصدق على وقوعه منه مباشرة أو بالتسبيب .

(2) وذلك لأنّ الأصل عدم العمد فبمقتضى هذا الأصل وقوع الفعل منه وبضم الأصل إلى الوجدان يثبت أن القتل شبيه بالعمد .

ص: 115

فعندئذٍ يدخل في دعوى القتل الخطائي المحض(1) وعلى كلا الفرضين تثبت الدية إن ثبت ما يدعيه، ولكنها في الفرض الأول على القاتل نفسه، وفي الفرض الثاني تحمل على عاقلته .

المسألة 93: لو أدعى على شخص أنّه القاتل منفرداً، ثم ادعى على آخر أنّه القاتل كذلك، أو أنّه كان شريكاً مع غيره فيه(2)، لم تسمع الدعوى الثانية(3)، بل لا يبعد سقوط الدعوى الأولى أيضاً.

_______________________________________________________________

(1) والقتل الخطائي هو أنّ لا يقصده اصلاً، ولكن قصد شيئاً آخر فأصاب المقتول على نحو الصدفة وهذا خطأ محض، إذاً في القسم الأول يقاد منه دون القسمين الآخرين، والفرق بين الآخرين، بأن الأول الدية على القاتل وفي الثاني على العاقلة .

(2) بعد اعترافه بأن القاتل هو الأول فقط وأنكر بأن يكون الثاني قاتلاً لا على نحو الانفراد، ولا الاشتراك وإقرار العقلاء واعترافهم على انفسهم حجة، فلا تثبت الدعوى على الثاني .

(3) لأنه حينما ادعى ثانياً فادعائه هذا موجب لكذب ادعاء الأول إذاً كلا الدعويين يكونان باطلين، وقال في المسالك: وعن شروط دعوى القتل سلامتها عما يكذبها ويناقضها فلو ادعى على شخص أنّه منفرد بالقتل ثم ادعى على آخر أنّه شريك فيه أو منفرد به لم تسمع الدعوى الثانية لأنّ الأولى تكذبها ثم لا يمكن من العود إلى الأولى أيضاً إذا لم يكن قد أقسم عليها وامضىالحكم بها كانت الثانية تكذبها(1).

ص: 116


1- المسالك /15 / 172 .

المسألة 94: لو ادعى القتل العمدي على أحد وفسّره بالخطأ، فإنّ احتمل في حقه عدم معرفته بمفهوم العمد والخطأ سمعت دعواه(1) وإلا سقطت الدعوى من أصلها، وكذلك الحال فيما لو ادعى القتل الخطائي وفسره بالعمد(2).

_______________________________________________________________

(1) دعواه الثانية لم تكذب بالدعوى الأولى، أمّا الدعوى الثانية تكون مسموعة .

(2) لأنّه بالدعوة الثانية كذب نفسه وتكون دعوى الأولى أيضاً باطلة فتسقط الدعويان فلا يثبت في حق المدعى عليه لا القصاص ولا الدية، قال في المسالك: هذه المسألة كالمتفرعة على السابقة من حيث إنّ كل قاصد من العمد والخطأ يخالف الآخر، وإنما فصلها عنها وحكم بالقبول، لأنّ كل واحد منهما قد يخفى مفهومه على كثير من الناس، فقد يظن ما ليس بعمد عمداً فتبين بتفسيره أنّه يخطئ في اعتقاده وبالعكس وأيضاً، فقد يكذب في الوصف ويصدق في الأصل فلا يرد أصل الدعوى ويعتمد على تفصيله ويمضي حكمه، ويحتمل عدم القبول، لأنّ في دعوى العمدية اعترافاً ببراءة العاقلة، فلا يتمكن من مطالبتهم، ولأن في دعوى العمدية اعترافاً بأنّه ليس بمخطئ بالعكس فلا يقبل الرجوع عنه، وكذا القول فيما لو ادعى الخطأ المحض ثم فسره بشبه العمد(1).

ص: 117


1- المسالك / 15 / 174 .

المسألة 95: يثبت القتل بأمور: الأول الإقرار وتكفي فيه مرة واحدة(1).

_______________________________________________________________

(1) وقد ادعي عدم الخلاف، وهل لابد من التعدد أو يكفي مرة واحدة ونسب إلى الأشهر، بل عامة المتأخرين كما في الرياض: على الأظهر الأشهر بل عليه عامة من تأخر لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وهو متحقق بالمرة حيث لا دليل على اعتبار التعدد(1)، أنه تكفي المرة خلافاً للشيخ في النهاية(2)، وابن ادريس(3)، والقاضي في المهذب(4)،

والطبرسي(5)،

ويحيى بن سعيد(6)،

وجماعة بأنّه لابد من مرتين ولكن يكفي في ذلك أولاً إطلاق أدلة الإقرار بكفاية المرة، مضافاً إلى صحيحة فضيل «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حراً كان أو عبداً أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه إلى أن قال فقال له بعض أصحابنا يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرة واحدة على نفسه أقيم عليه الحد الذي أقر به عنده إلى أن قال وإذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطلبوا بدم صاحبهم»(7)

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي إلى أن قال حتى أتاهم رجل فأقرّ عند الوالي أنّهقتل صاحبهم عمداً وأن هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود بريء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به

ص: 118


1- الرياض /16 / 264 .
2- النهاية / 772 .
3- السرائر / 3 / 341 .
4- المهذب / 2 / 502 .
5- غاية المراد / 4 / 408 .
6- الجامع / 265 .
7- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .

................................

وخذوني بدمه ؟ قال، فقال أبو جعفر (علیه السلام) إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه، فليقتلوه ولا سبيل لهم على الآخر»(1).

ويؤيد ذلك بمرفوعة علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال أُتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وجد في خربة وبيده سكين ملطخ بالدم، وإذا برجل مذبوح يتشحط في دمه، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) ما تقول ؟ قال: انا قتلته، قال، اذهبوا به فأقيدوه به»(2).

وأمّا ما قيل بأنّه يعتبر الإقرار مرتين فليس لهم دليل وقياس المورد على الزنا باطل وإلا لابد من الإقرار أربع مرات، وهكذا القول بأن القتل ليس أقلّ من السرقة وأنّه احتياط للدماء، وقال صاحب الرياض: ومنه يظهر جواب آخر عن الأول وهو وجود الفارق لكون متعلق الإقرار هنا حقاً آدمياً فيكفي فيه المرة كسائر الحقوق الادمية، ولا كذلك السرقة فإنّها من الحقوق الالهية المبنية على التخفيف والمسامحة(3).

وفيه بعد وجود الدليل لا يمكن الأخذ بهذه الأمور، مضافاً كما قلنا بأنّه لو تم لابد من اعتبار أربع مرات لإنّه ليس القتل أدون من الزنا، وما ورد عن البعض من أن الاحتياط يعارض هنا بمثله في جانب المقتول لعموم لا يبطل دم أمرئ مسلم، فنقول يمكن الجمع برفع القود ووجوب الدية .

ص: 119


1- الوسائل باب 5 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
3- الرياض / 16 / 265 .

ويعتبر في المقر: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار والحرية على تفصيل(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّهما من الشروط العامة، ويشملهما حديث الرفع، فلا عبرة بإقرار المجنون حال جنونه، ولا بإقرار الصبي ولو كان مراهقاً، ولا بإقرار المكره لما قلنا لحديث رفع القلم، ويؤيد ذلك خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال: من أقرّ عند تجريد، او حبس، او تخويف، أو تهديد فلا حد عليه»(1)، وهكذا بالنسبة إلى القصد ولا يعتبر إقرار السكران والغافل والنائم والهازل، لأنّ إقرارهم لم يكن عن قصد، فلا يكون حجة عند العقلاء والأدلة اللفظية منصرفة عن هذه الأمور، فإذا أقرّ بالقتل العمدي ثبت القود، وإذا أقرّ بالقتل الخطائي ثبتت الدية في ماله لا على العاقلة .

أمّا إقرار العبد فإنّ لم صدّقه المولى إذا كان الإقرار عن قتل فلا يقبل بعد إن كان ملكاً للمولى وإقراره يكون سبباً لإضرار الغير، وأمّا إذا صدّقه المولى فيقبل إقراره، لأنّ الحق لا يعدوهما، وليس هناك خلاف بين الأصحاب وإنما لم يقبل من جهة حق المولى وقد انتفى، فإن لم يصدقه المولى فلا يقبل إقراره، والمسألة كما ذكرنا غير خلافية وادعى الكثير الإجماع عليها هذا بالنسبة إلى المولى .

وأمّا بالنسبة إلى العبد فإن كان بالمال فيقبل فعليه اداؤه بعد العتق وهكذا بالنسبة إلى الجناية فتارة تكون عمدية وأخرى غير عمدية، ففي الأولى يقتص منه بعد العتق، وفي الثانية يؤخذ منه الدية كذلك، ويؤيد عدم نفوذإقراره بالنسبة إلى المولى صحيحة الفضيل بن يسار «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع، وإن شهد عليه شاهدان قطع»(2).

ص: 120


1- جامع أحاديث الشيعة / 24 باب من أبواب الإقرار ح1 .
2- الوسائل باب 35 من أبواب حد السرقة ح1 .

وأمّا المحجور عليه لفلس أو سفه فيقبل إقراره بالقتل عمداً فيثبت عليه القود(1)، وإذا أقرّ المفلس بالقتل الخطائي، ثبتت الدية في ذمته ولكن ولي المقتول لا يشارك الغرماء إذا لم يصدقوا المقر(2).

_______________________________________________________________

ويؤيد ذلك أيضاً رواية أبي محمد الوابشي «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته، فأقرّ العبد بها، قال: لا يجوز إقرار العبد على سيده، فإن اقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ بها العبد، أو يفتديه مولاه»(1)،

والرواية وإن كانت ضعيفة بمحمد الوابشي ولكن تكفي أن تكون مؤيدة .

أمّا أن الدية في مال العبد فذلك لصحيحة زيد بن علي عن ابائه (علیهم السلام) «قال: لا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة، قال: واتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصة، ولم يجعل على العاقلة شيئاً»(2).

(1) وذلك لأنّ الحجر كان بالنسبة إلى أمواله ومنعه من التصرف فيها أمّا بالنسبة إلى إقراره فلا يكون محجوراً فيه، فحينئذٍ يشمله إطلاق أدلة نفوذ الإقرار.(2) أمّا ثبوته ونفوذه بالنسبة إلى نفسه فلعدم الدليل على المنع فتثبت عليه الدية في الذمة، أمّا إقراره بالنسبة إلى الغير فغير نافذ لعدم الدليل ومقتضاه أن الدية تثبت في ذمته دون أن يشارك الغرماء، نعم في صورة تصديقهم له يشاركهم في إثبات الغرماء ديناً آخر في ذمة المحجور فهو يشاركهم .

ص: 121


1- الوسائل باب 13 من أبواب دعوى القتل ما يثبت به ح1 .
2- الوسائل باب 9من أبواب العاقلة ح1 .

المسألة 96: لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً وأقرّ آخر بقتله خطأ تخير ولي المقتول في تصديق إيّهما شاء، فإذا صدّق واحداً منهما فليس له على الآخر سبيل(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة شبه اتفاقية وعن الانتصار: ومما انفردت به الإمامية القول بأنّ من وجد مقتولاً فجاء رجلان فقال أحدهما أنا قتلته عمداً وقال الآخر أنا قتلته خطأً أن أولياء المقتول مخيرون بين الأخذ للمقر بالعمد وبين الأخذ للمقر بالخطأ وليس لهم أن يقتلوهما جميعاً ولا أن يلزموهما جميعاً الدية(1)،

والعمدة بعد إن كان إقراره سبباً في إثبات مقتضاه في المقر به، إذاً كلا الإقرارين قابل للتصديق، ولكنه لا يمكنه تصديق كليهما للعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع فالنتيجة هو مخير بين الأخذ بأحد الإقرارين كما هو مقتضى أدلة نفوذ الإقرار، وأمّا إذا أخذ بأحد الإقرارين وصدقه فلا سبيل له على الآخر، ويؤيده الرواية الواردة عن الحسن بن صالح «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وجد مقتولاً فجاء رجلان إلى وليه، فقال أحدهما: أنا قتلته عمداً وقال الآخر أنا قتلته خطأ، فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل»(2)،

فالرواية وإن كانت ضعيفة بحسن بن صالح ولم يوثق وما ذكروا بأن الرواية صحيحة فغير تام، وما ادعي من الإجماع فقد عرفت بأن الإجماع المنقول ليس بحجة، ولكن الرواية كافية للتأييد، وقد ذكر الاردبيلي: لعل دليل تخيّر ولي الدم في تصديق من أقرّ أنّه قتل مورثه خطأ، ومَنْ أقرّ أنّه قتله عمداًإن كل واحد مقرّ فيؤاخذ به، ولا يمكن أخذ الجميع للتنافي بين الإقرارين، وإذا صدق أحدهما لا سبيل له على الآخر، ولا سبيل للمأخوذ أيضاً على غيره(3).

ص: 122


1- الانتصار / 543 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
3- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 162 .

المسألة 97: لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً، وأقرّ الآخر أنّه هو الذي قتله ورجع الأول عن إقراره، فالمشهور أنّه يدرأ عنهما القصاص والدية، وتؤخذ الدية من بيت مال المسلمين(1)وفيه إشكال بل منع فالظاهر أنّ حكمهما حكم المسألة السابقة، وأمّا إذا لم يرجع الأول عن إقراره، تخير الولي في تصديق إيّهما شاء، بلا خلاف ظاهر .

_______________________________________________________________

(1) أمّا قول المشهور فهو استدلالهم بمرفوعة علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا، ورفعه إلى أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: أُتى أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وجد في خربه وبيده سكين ملطخ بالدم، وإذا رجل مذبوح يتشحط بدمه، فقال له أمير المؤمنين ما تقول ؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبو به فاقيدوه به، فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرع إلى أن قال، فقال: أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين للأول ما حملك على إقرارك على نفسك ؟ فقال: وما كنت استطيع أن أقول، وقد شهد على امثال هؤلاء الرجال وأخذوني، وبيدي سكين ملطخ بالدم، والرجل يتشحط في دمه وأنا قائم عليه، خفت الضرب فأقررت وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة وأخذني البول فدخلت الخربةفرأيت الرجل متشحطاً في دمه، فقمت متعجباً، فدخل علي هؤلاء فأخذوني، فقال: أمير المؤمنين (علیه السلام) خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن، وقولوا له: ما الحكم فيهما، قال: فذهبوا إلى الحسن وقصوا عليه قصتهما، فقال الحسن (علیه السلام) فقولوا لأمير المؤمنين (علیه السلام) إن كان هذا ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال الله عز وجل: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(1)، يخلى عنهما وتخرج دية المذبوح من بيت المال»(2)ولكن

الرواية ضعيفة والانجبار بعمل الأصحاب

ص: 123


1- سورة المائدة الآية / 32 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .

الثاني: البينة وهي أن يشهد رجلان بالغان عاقلان عدلان بالقتل(1).

_______________________________________________________________

لا دليل عليه فيكون حكمه حكم المسألة السابقة، لأنّ رجوعه بعد الإقرار لا يفيد فللمولى قتل إيّهما أراد، فإذا لم يقر فبطريق أولى له التخيير . (1) والمسألة غير خلافية وذلك لعموم أدلة حجية البينة مضافاً إلى ما ورد من روايات خاصة كصحيح يزيد بن معاوية عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة، فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، إلا في الدم خاصة، فإنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجده قتيلاً، فقالت الأنصار: إن فلاناً اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) للطالبين اقيموا رجلين عدلين من غيركم اقيده برمته فإن لم تجدوا شاهدين، فاقيمواقسامة خمسين رجلاً أقيد برمته»(1) وصحيح مسعدة بن زياد عن جعفر (علیه السلام) «قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدعون البينة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتهمين قتلوه حلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حي واحد»(2)،

وصحيح زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «فبمن يشهد عليه الشهود بالقتل فأقرّ آخر أنّه قتل صاحبهم وأنّه أرادوا أن يقتلوا الذي شهدوا عليه فليقتلوه»(3)وصحيح أحمد محمد بن أبي نصر عن إسماعيل بن أبي حنيفة «قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان، والزنا لا يجوز فيه إلا أربعة شهود والقتل أشد من الزنا ؟ فقال: لأن القتل فعل واحد والزنا فعلان، فمن ثم لا يجوز إلا أربعة شهود على

ص: 124


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .

المسألة 98: لا يثبت القتل بشاهد وامرأتين ولا بشهادة النساء منفردات ولا بشاهد ويمين، نعم يثبت ربع الدية بشهادة امرأة واحدة ونصفها بشهادة امرأتين، وثلاثة ارباعها بشهادة ثلاث نسوة، وتمامها بشهادة أربع نسوة(1).

_______________________________________________________________

الرجل شاهدان وعلى المرأة شاهدان»(1)، وفي حديث ابن شبرمة عن جعفر بن محمد (علیه السلام) معاتباً أباً حنيفة في القياس

«ويحك إيّهما أعظم قتل النفس أو الزنا، قال: قتل النفس، قال: فإن الله عز وجل قد قبل في قتل النفسشاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة»(2).

(1) وذلك بمقتضى عدة روايات تدل على عدم قبول شهادة النساء مطلقاً .

منها: معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق، ولا نكاح، ولا في حدود، إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(3).

ومنها: صحيحة ربعي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لا تجوز شهادة النساء في القتل»(4) يقول في المسالك: بعدم الثبوت ما يجب به القصاص بشاهد وامرأتين، للشيخ في الخلاف وابن ادريس عملاً بالقاعدة المشهورة من أن قبول شهادة المذكورين مشروطة بكون متعلقه المال، ورواية محمد بن فضيل عن الرضا (علیه السلام) «قال: لا تجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم وغيرها»(5)،

وذهب جماعة منهم

ص: 125


1- الوسائل باب 49 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب صفات القاضي ح25 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ما تجوز شهادة النساء فيه وما لا تجوز ح42 .
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ما تجوز شهادة النساء فيه وما لا تجوز ح27 .
5- الوسائل باب 2 من أبواب دعوى القتل ح3 .

المسألة 99: يعتبر في الشهادة على القتل أن تكون عن حس أو ما يقرب منه، وإلا فلا تقبل(1).

المسألة 100: لو شهد شاهدان بما يكون سبباً للموت عادة، وادعى الجاني أنّ موته لم يكن مستنداً إلى جنايته، قبل قوله مع يمينه(2).

_______________________________________________________________

الشيخ في المبسوط، والمصنف في كتاب الشهادات إلى ثبوته بذلك ويترتب عليه موجبه من القود، وآخرون منهم الشيخ في النهاية، وابن الجنيد وأبو الصلاح والقاضي إلى ثبوته بذلك لكن تجب الدية لا القود وهو القول الذي نسبه المصنف هنا إلى الشذوذ مع ذهاب أكثر الأصحاب إليه ومنهم العلامة في المختلف، ومستنده الجمع بين الاخبار التي دل بعضها على عدم ثبوته كما اشرنا إليه، وبعضها على ثبوته مطلقاً كصحيحة جميل بن دراج عن الصادق (علیه السلام) «وقد سأله عن شهادة النساء في الحدود، قال: في القتل وحده إن علياً (علیه السلام) كان يقول لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1) بحمل ما دل على الثبوت على الدية، وعلى عدمه على القود(2)

وتفصيل المسألة قد مرّ في محله .

(1) قد مرّ تفصيله في باب الشهادات .

(2) أمّا قبول قوله فلأنّه مطابق للأصل، إذاً من يدعي أن الموت يكون بسبب الجناية فلابد من الإثبات بالبينة ولا ينافي قوله مع شهادة الشهود لأن البينة قامت على أصل الجناية لا على الاستناد، وحيث لم يكن إثبات الموت بسببه فيقبل قول الجاني مع يمينه كما عليه القاعدة، فلابد من دفع الدية إذا كانت الجناية مقدرة، وإلا فلابد من المصالحة .

ص: 126


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح1 .
2- المسالك /15 / 177 _ 179 .

المسألة 101: يعتبر في قبول شهادة الشاهدين توارد شهادتهما على أمر واحد، فلو اختلفا في ذلك لم تقبل(1)، كما إذا شهد أحدهما أنّه قتل في الليل، وشهد الآخر أنّه قتل في النهار أو شهد أحدهما أنّهقتله في مكان، والآخر شهد بأنّه قتله في مكان آخر وهكذا(2).

المسألة 102: لو شهد أحدهما بالقتل، وشهد الآخر بإقراره به، لم يثبت القتل(3).

_______________________________________________________________

(1) بعدما ورد بأنّه يثبت المورد الواحد بشهادتهما، فهنا لم تتحقق شهادة البينة على شيء واحد بعد أن قال كل واحد غير ما قاله الآخر بل لازم قول كل نفي ما يقوله الآخر، فمع الاختلاف لا اعتبار بهذه الشهادة .

(2) لتحقق التكاذب فلا يؤخذ بالبينة .

(3) لا يخفى بأنّ القتل يثبت إمّا بالبينة أو بالإقرار، وهنا لم تقم البينة على القتل ولا بوجود إقرار على ذلك، قال المحقق الاردبيلي: لو شهد أحد العدلين بأنّه أقرّ الجاني، بأنه قتل فلاناً والآخر شهد بأنّه رآه قتله لم يثبت القتل هنا لعدم توارد الشاهدين على أمر واحد، نعم لا يحصل بهما لعدم التعارض والتكاذب لاحتمال صحتهما وعدم المنافات بينهما فللمدعي القسامة(1).

ص: 127


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 168 _ 169.

المسألة 103: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل من دون تعيين العمد والخطأ وشهد الآخر بالإقرار به عمداً ثبت إقراره وكلف بالبيان فإن أنكر العمد في القتل فالقول قوله وتثبت الدية في ماله، فإن ادعى الولي أن القتل كان عن عمد فعليه الإثبات، ومثل ذلك ما لو شهد أحدهما بالقتل متعمداً وشهد الآخر بمطلق القتل وأنكر القاتل العمد فإنّه لا يثبت القتل العمدي وعلى الولي إثباته بالقسامة على تفصيل يأتي إن شاء الله(1).

_______________________________________________________________

(1) فلا يقبل منه إنكار أصل القتل بعد إن ثبت على نحو الإجمال بالشهادة، أمّا إنكاره للقتل العمدي فيقبل لأنّ الأصل عدم وقوعه عن عمدٍ ولو ادعى الولي القتل عمداً فلابد من إثباته لأنّ قوله يكون مخالفاً للأصل وبعد إن ثبت القتل منه في الجملة يجب عليه دفع الدية من ماله لا على العاقلة، لأنّها إنما تتحمل الدية فيما إذا ثبت القتل بالبينة لا بالإقرار .

ص: 128

المسألة 104: لو ادعى شخص القتل على شخصين، وأقام على ذلك بينة، ثم شهد المشهود عليهما بأن الشاهدين هما القاتلان له فإنّ لم يصدّقهما الولي فلا أثر لشهادتهما(1)، وللولي الاقتصاص منهما أو من أحدهما على تفصيل قد تقدم، وإن صدّقهما سقطت الدعوى رأساً(2).

_______________________________________________________________

(1) لأنّهما يدفعان التهمة والحد عن نفسهما، وقد مرّ عدم قبول الشهادة فيما إذا دفع الغرم والضرر عن نفسه، هذا مع عدم تصديقهما الولي فبعد إن شهد الشهود فللولي أن يقود من أحدهما أو كليهما .

(2) وأمّا مع تصديق الولي فيشمل المورد عموم حجية الشهادة، ولكن بعد إن قبل الولي شهادة المشهود عليهما فيستلزم تكذيب شهادتهما وحينما يدّعي القتل على المشهود عليهما يستلزم نفي القتل على الشاهدين فالنتيجة سقوط المدعى على نحو الكلية كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وذلك لأنّ تصديق الولي شهادة المشهود عليهما على الشاهدين بطبيعة الحال يستلزم تكذيب شهادتهما ودعواه القتل على المشهود عليهما أولاً تستلزم نفي القتل عن الشاهدين، فالنتيجة سقوط الدعوى بالكلية(1).

ص: 129


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 118 .

المسألة 105: لو شهد شخصان لمن يرثانه بأنّ زيداً جرحه وكانت الشهادة بعد الاندمال قبلت، وأمّا إذا كانت قبله، فقيل لا تقبل ولكن الأظهر القبول(1).

المسألة 106: لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل فإنّ كان المشهود به القتل عمداً أو شبه عمد قبلت وطرحت شهادة الشاهدين(2). وإن كان المشهود به القتل خطأ لم تقبل شهادتهما(3).

_______________________________________________________________

(1) قبلت مطلقاً لعموم حجية الشهادة والمورد يكون من صغرياتها ولا فرق بين أن يكون قبل الاندمال أو بعده، ودعوى أنّه لا تقبل قبل الاندمال للتهمة المانعة من قبول الشهادة أي أن شهادتهما كانت لأجل السراية وأخذ الدية، ولكن الحق أنّه بعدما كانا عادلين فتقبل شهادتهما على الإطلاق نعم ورد الدليل في عدم القبول في موارد خاصة وليس هذا منها .

(2) لأنّه ليس مكاناً للتهمة ولا تقبل شهادة الشاهدين للجرح .

(3) وأمّا عدم قبول شهادة الشاهدين من العاقلة بفسق شاهدي القتل وذلك للتهمة من جهة دفع الغرم عن أنفسهم، وهذا مختص بمن تشمله الدية من العاقلة، وإلا فتقبل شهادتهما فتأمل .

ص: 130

المسألة 107: لو قامت بينة على أنّ زيداً قتل شخصاً منفرداً، وقامت بينة أخرى على أن القاتل غيره سقط القصاص عنهما جزماً وكذا الدية(1)وقيل وجبت الدية عليهما نصفين، وفيه إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

(1) هناك أقوال في المسألة :

الأول: سقوط القصاص والدية .

الثاني: سقوط القصاص ووجوب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبه العمد، وعلى عاقلتهما إن كان خطأ، وهذا القول منسوب إلى الشيخين، والقاضي، والصهرشتى، وأبي منصور والطبرسي والفاضل في بعض كتبه وولده وأبي العباس في محكي الجواهر في بعض كتبه وولده(1).

الثالث: أن الولي مخير في تصديق إيّهما يشاء، والحق هو القول الأول لسقوط البينة بالتعارض فلا قصاص ولا دية، فلا دليل على شيء منهما بعد أن سقطت البينة بالتعارض، وأمّا ما ذكر من القول الثاني من ثبوت الدية فلعدم بطلان دم المسلم وهما متساويان بعد قيام البينة على كل منهما ويتساويان في دفع الدية، فلكل واحد منهما يكون النصف وإن لم نقل بذلك يلزم أمور ثلاثة: ذهاب دم المسلم هدراً إن لم نقل بوجوب الدية عليهما وإن وجوبهما علىغيرهما يكون بلا سبب، والوجوب على أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح، والوجوب على أحدهما لا بعينه محال، فلا يبقى إلا الوجوب عليهما بنحو التنصيف، ولكن الحق بعد إن لم تثبت البينة قتلهما فلا قصاص ولا دية .

ص: 131


1- الشيخ المفيد في المقنعة / 736، الشيخ الطوسي في النهاية / 742، القاضي في المهذب / 2 / 502 الفاضل في القواعد / 3 / 615، ابن الفاضل في الايضاح / 4 / 608 ، ابو العباس في المهذب البارع / 5 / 202 _ 204، وحكاه الصهرشتي وابو منصور الطبري في الجواهر / 42 / 219 .

................................

وعدم بطلان دم المسلم وهدره غير مربوط بمقامنا، وهذا لا يستوجب الدية عليهما بعد إن لم يظهر بأنّهما قتلاه أو أحدهما، نعم لو كان هناك علم إجمالي بقتل أحدهما له فلابد من الدية لعدم امكان القود فكما قلنا وجوب الدية عليهما مما لا دليل عليه، وبعد إن لم يمكن اثبات القتل تكون الدية من بيت المال .

وهكذا بالنسبة إلى القول الثالث أيضاً باطل بعد إن لم يثبت القتل بالنسبة إلى كل منهما لا بالعلم ولا بالبينة وبالإقرار بعد سقوط بالبينة بالتعارض والآية لا تشمل البينتين المتعارضتين ولا يمكن قياس المقام بقيام البينة والإقرار ولا يعارض الإقرار البينة، نعم يجوز العمل بمقتضى عموم الإقرار وهذا لا يستوجب سقوط البينة، بل تبقى الحجة على حالها وفي مورد البحث البينة ساقطة فلا معنى لتخيير الولي .

ص: 132

المسألة 108: لو قامت بينة على أنّ شخصاً قتل زيداً عمداً وأقرّ آخر أنّه هو الذي قتله دون المشهود عليه وأنّه بريء واحتمل اشتراكهما في القتل كان للولي قتل المشهود عليه(1)وعلى المقرّ ردّ نصف الدية إلى ولي المشهود عليه وله قتل المقر، ولكن عندئذٍ لا يرد المشهود عليه إلى ورثة المقر شيئاً وله قتلهما بعد أن يرد إلى ولي المشهود عليه نصف ديته ولو عفا عنهما ورضى بالدية كانت عليهما نصفين، وأمّا إذا علم أن القاتل واحد فالظاهر جواز قتل المقر أو أخذ الدية منه بالتراضي .

_______________________________________________________________

(1) ويدل عليه صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي وجاءه قوم فشهد عليه الشهود إنّه قتل عمداً فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يريموا (يبرحوا) حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي إنّه قتل صاحبهم عمداً، وأنّ هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود بريء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به وخذوني بدمه، قال: فقال أبو جعفر (علیه السلام) إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه ولا سبيل لهم على الآخر، ثم لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليهم فليقتلوه ولا سبيل لهم على الذي أقرّ، ثم ليؤدِّ الدية الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية قلت: ارأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً قال: ذاك لهم، وعليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه خاصة دون صاحبه ثم يقتلونهما،قلت: إن أرادوا أن يأخذوا الدية، قال: فقال الدية بينهما نصفان لأنّ أحدهما أقرّ والآخر شهد عليه، قلت: كيف جعلت لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حيث قتل، ولم تجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شهد عليه ولم يقر، قال: فقال لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقرّ، الذي شهد

ص: 133

................................

عليه ولم يقر ولم يبرئ صاحبه والآخر أقرّ صاحبه، فلزم الذي أقرّ وبرأ برّاء صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر ولم يبرئ صاحبه»(1)، ولكن العمل بالرواية وإن فرض أن سندها صحيح فمشكل وإن عمل بها الكبار من العلماء كالشيخين وأبو علي والحلبي والقاضي ويحيى بن سعيد وابنا حمزة وزهرة(2)،

ومال إليهما الشهيدان، بل في الرياض وبشهرتها صرح الفاضل في كتبه المتقدمة وغيره من الجماعة مشعرين ببلوغها درجة الإجماع ولعله كذلك فقد افتى به الشيخ واتباعه والاسكافي والحلبي وغيرهم بل لم نر له مخالفاً عدا من مر(3)

قد صرحوا بشهرة الرواية مشعرين ببلوغها درجة الإجماع كما نسب إليهم لأنّها مخالفة للقواعد .

وإليك توضيح هذه المخالفة من أن جواز قتلهما معاً مختص بصورة الاشتراك في القتل ولذا يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وهو الحق الصحيح من أنّه لا مجال لما ذهب إليه المشهور، ولا للقول بالتخيير .أمّا الأول، فلأن الصحيحة إن دلت على ذلك فإنما تكون دلالتها بالإطلاق، وكيف يمكن الأخذ به ورفع اليد عما دل على عدم جواز قتل المؤمن بغير حق من الآيات والروايات، فالمتعين هو رفع اليد عن إطلاق الصحيحة وحملها على صورة احتمال الاشتراك، وأمّا الثاني، فلأن القول بالتخيير يحتاج إلى دليل والأصل عند تعارض الحجتين وعدم إمكان العمل بهما هو التساقط دون التخيير على ما حققناه في محله، على أنّ المقام ليس من موارد التعارض، فإنّ الظاهر من بناء

ص: 134


1- الوسائل باب 5 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
2- المفيد في المقنعة / 736، الطوسي في النهاية / 742، القاضي في المهذب / 2 / 502، يحيى بن سعيد في الجامع / 578، ابن زهرة في الغنية الجوامع الفقهية / 619، ابن حمزة في الوسيلة / 461 .
3- الرياض / 16 / 271.

................................

العقلاء في أمثال المقام هو الأخذ بالإقرار وعدم ترتيب الأثر على البينة وعليه فالمتعين هو الأخذ بالإقرار والاقتصاص من المقر أو أخذ الدية منه بالتراضي(1)،

ثم إن الوارد في الرواية إشكال آخر وهو الزام المقر برد نصف الدية مع أنّه إذا كان هو القاتل لابد من دفع تمام الدية وإلا فلا شيء عليه، نعم في صورة الاشتراك وأراد الولي قتل المشهود عليه فعلى المقر نصف الدية وأيضاً لا معنى لإلزام المقر برد نصف الدية، لأنّه إذا كان المقر قد اعترف ببراءة المقتول أي المشهود عليه فلابد أن يدفع تمام الدية، ولا وجه ولا معنى لرد نصف الدية، وهكذا يأتي إشكال آخر وهو لا معنى للقول بالزام أولياء المقتول بدفع نصف الدية إلى أولياء الذي شهدت عليه البينة خاصة دون ورثة الذي أقر، فكل هذه الأمور مخالفة للقاعدة، وما يظهر من الرواية لا يمكن الأخذ بها والإقدام على قتل المؤمن بلا حق، كما هو ظاهر الآيات والروايات فلابد من أخذ تمام الدية من المقر فقط أو قتله، مضافاً إلى ذلك أنّ الروايةضعيفة .

ص: 135


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 123 .

المسألة 109: لو ادعى الولي أن القتل الواقع في الخارج عمدي وأقام على ذلك شاهداً وامرأتين، ثم عفا عن حق الاقتصاص(1) قيل بعدم صحة العفو، حيث إنّ حقه لم يثبت فيكون العفو عفواً عمّا لم يثبت، ولكن الظاهر هو الصحة .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّ صحة العفو غير متوقفة على إمكان ثبوت حقه في الخارج، بل ثبوت الحق ولو في الواقع ولم يمكنه ثبوته عند الحاكم، ولذا له العفو، فإنّ كان في الواقع له حق وأسقطه وبعد ذلك ثبت عند الحاكم بأنّ له الحق فلا يترتب لهذا الثبوت أثر بعد اسقاط حقه، قال في المسالك: قد عرفت الخلاف في ثبوت موجب القصاص بالشاهد والمرأتين وعدمه، فإن قلنا به وعفا من أقام البينة كذلك عن حقه فلا إشكال في صحة العفو لثبوت حقه وقبوله للعفو، وإن لم نقل بثبوته بذلك فهل يصح عفوه ؟ نفاه في المبسوط محتجاً بأنّه عفا عمّا لم يثبت فوقع العفو لغواً، ولا يخفى ضعفه، لأنّ العفو عن الحق يوجب سقوطه فيما بينه وبين الله تعالى وإن لم يثبت الحق عند الحاكم، كما لو عفا مدعي القتل عمداً من غير أن يقيم البينة، وتظهر الفائدة في عدم سماع دعواه بعد ذلك ممن علم منه العفو لوجود المقتضي لصحته وهو الصيغة الدالة عليه وانتفاء المانع إذ ليس إلا عدم ثبوته عند الحاكم وهو غير صالح للمانعية لأنّ فائدة العفو إسقاط الحق بحيث تبقى ذمة المعفو عنه خالية عن الحق ولا مدخل للحاكم في ذلك(1).

ص: 136


1- المسالك / 15 / 195 .

الفصل الثالث: في القسامة

المسألة 110: لو ادعى الولي القتل على واحد أو جماعة، فإن اقام البينة على مدعاه فهو، وإلا فإن لم يكن هنا لوث طولب(1)المدعى عليه بالحلف، فإن حلف سقطت الدعوى وإن لم يحلف كان له رد الحلف إلى المدعي، وإن كان لوث طولب المدعى عليه بالبينة، فإن أقامها على عدم القتل فهو وإلا فعلى المدعي الإتيان بقسامة خمسين رجلاً لإثبات مدعاه وإلا فعلى المدعى عليه القسامة كذلك، فإن أتى بها سقطت الدعوى وإلا الزم الدعوى .

_______________________________________________________________

(1) وفي التحرير: إنما تثبت القسامة في القتل أو الجرح مع اللوث، فلا قسامة في المال، ولا مع انتفاء اللوث، والمراد به قرينه حال تدل على صدق المدعي ظناً لا قطعاً، كقتيل في محلة بينهم عداوة، أو قتيل دخل داراً ضيفاً وتفرق عنه جماعة محصورون، أو قتيل في صف الخصم المقابل، أو قتيل في الصحراء وعلى رأسه رجل معه سكين، أو قتيل في قرية مطروقة، أو خلة من خلال العرب، أو محلة منفردة مطروقة بشرط العداوة في ذلك كله، فإن انتفتفلا لوث(1).

ص: 137


1- تحرير الاحكام / 5 / 475 .

................................

المراد من اللوث هي أمارة يظن بها صدق المدعى فيما ادعاه من القتل كوجود ذي سلاح ملطخ بالدم عند قتيل في دار .

ونسب إلى النهاية اللوث وهو أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلاناً قتلني أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما، أو تهديد منه له .

والمراد من القسامة هي خمسون يميناً بالله تعالى في العمد إجماعاً على الأشهر، وقيل خمس وعشرون فإنّ كان للمدعي قوم حلف كل واحد منهم يميناً إن كانوا خمسين، ولو زادوا عنها اقتصر على حلف الخمسين والمدعي من جملتهم، ولو نقصوا عن الخمسين كررت عليهم، أو على بعضهم حسبما يقتضيه العدد، فإن أقام المدعي البينة على مدعاه فهو، فإنّ لم يكن هناك لوث يطلب من المدعي عليه بالحلف، فإنّ حلف سقطت الدعوى وإن امتنع ردّ الحلف على المدعي، وإن كان لوث طولب المدعى عليه بالبينة فإنّ أقامها على عدم القتل فهو وإلا فعلى المدعي الإتيان بالقسامة، فإن لم يكن له قسامة أي قوم يقسمون أو أمتنع المدعي عن اليمين له ردت الدعوى على المدعى عليه ولابد له من القسامة وهي خمسون لإثبات براءته وإن أنكر سقطت الدعوى، وقد وردت روايات في القسامة .

منها: صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة، فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعىعليه، إلا في الدم خاصة، فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجده قتيلاً، فقالت الأنصار: أن فلاناً اليهودي قتل صاحبنا فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) للطالبين أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيده برمته فإن لم تجدوا شاهدين فاقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيد برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن

ص: 138

................................

يقتل به فكف عن قتله، وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً، وإلا أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين اظهرهم إذا لم يقسم المدعون»(1).

ومنها: معتبرة زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إنما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشر المتهم فإن شهدوا عليه جازت شهادتهم»(2).

ومنها: صحيحته الأخرى لزرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إنما جعلت القسامة احتياطاً للناس لكيما إذا أرارد الفاسق أن يقتل رجلاً، أو يغتال رجلاً حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل»(3).ومنها: صحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر (علیه السلام) «قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدعون البينة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتهمين قتلوه، حلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حي واحد، فإما إذا قتل في عسكر، أو سوق مدينة، فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال»(4).

لا يخفى أن اللوث يكون ثابتاً حتى يجري عليه القسامة، أمّا مع عدمه أو أنّه مشكوك فتدخل المسألة في قاعدة حكم المدعي والمنكر، فإذا كان هناك بينة فيعمل بها، ومع عدمها لابد أن يحلف المنكر حلفاً واحداً، كما هو في جميع موارد الحقوق .

ص: 139


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح7 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

................................

أمّا أصل المسألة ففي ادعاء المدعي، فالمسألة معلومة أنّه لابد من إقامة البينة لشمولها عموم أدلة حجية البينة .

وأمّا ما ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلى أن قال لئلا يبطل دم أمرئ مسلم»(1)

فتحمل على موارد اللوث .

وأمّا في غيرها فنعمل بالعموم وهو البينة على المدعي إذا دعي الولي القتل شخصاً أو جماعة، فإن أقام بينة فيحكم له، وإلا إذا لم يكن هناك لوث فيطلب من المدعى عليه الحلف، فإن حلف سقطت الدعوى والمسألة غيرخلافية، وتكون طبقاً للقاعدة في كلتا الحالتين أي صورة إتيان المدعي للبينة والمنكر الحلف، وإن لم يحلف كان له أن يرد الحلف على المدعي فإن حلف ثبتت الدعوى، هذا إذا لم يكن هناك لوث، وأمّا إذا كان هناك لوث طولب المدعى عليه بالبينة، وتدل عليه صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة، فقال الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه إلا في الدم خاصة، فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بينما هو بخيبر وقد مرّ الحديث»(2)

وهكذا صحيحة مسعدة بن زياد(3)وغيرها، فإذا أتى بالقسامة سقطت الدعوى وإلا لزم الدعوى القتل عمداً أو خطأ .

ص: 140


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح4 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

المسألة 111: إذا كان المدعي أو المدعى عليه امرأة، فهل تُثبت القسامة ؟ فيه وجهان الأظهر هو الثبوت(1).

كمية القسامة

المسألة 112: في القتل العمدي خمسون يميناً(2).

_______________________________________________________________

(1) للإطلاقات والمسألة غير خلافية كما دلت عليها صحيحة زرارة التي مرت، وكذا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة كيف كانت ؟ فقال: هي حق وهي مكتوبة عندنا، ولولا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً، ثم لم يكن شيء إنما القسامة نجاة للناس»(1)،

ولو أن ظاهر بعض الروايات يكون ثبوت القسامة للرجل كصحيحة بريد بن معاوية وابي بصير ولكن يظهر من عموم التعليل أن المورد غير مخصص .

(2) وقد ادعى البعض عدم الخلاف وادعي الإجماع وقد عرفت كراراً عدم اعتبار هذه الإجماعات، والمشهور يكون على ذلك والعمدة الروايات .

منها: صحيحة عبد الله بن سنان قال: «قال أبو عبد الله (علیه السلام) في القسامة خمسون رجلاً في العمد، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلاً، وعليهم أن يحلفوا بالله»(2).

ومنها: صحيحة يونس وابن فضال عن محمد بن عيسى عن يونس جميعاً عن الرضا (علیه السلام) «والقسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلاً وجعل في النفس على الخطاء خمسة وعشرين رجلاً»(3).وأمّا ما ذكره ابن حمزة وإن كان معه شاهد واحد كان القسامة خمس وعشرين يميناً رجلاً(4) .... الخ الحديث فكلامه مخالف لصحيحتين وهو مبني على أن

ص: 141


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
4- الوسيلة / 460 .

وفي الخطأ المحض والشبيه بالعمد خمس وعشرون يميناً، وعليه فإن أقام المدعي خمسين رجلاً يقسمون فهو، وإلا فالمشهور تكرير الأيمان عليهم حتى يتم عدد القسامة وهو غير بعيد(1).

_______________________________________________________________

الخمسين بمنزلة شاهدين عدلين وهو كلام ضعيف .

(1) وقيل خمس وعشرون في الخطأ المحض وشبه العمد، وأمّا الخمسون فالمسألة غير خلافية، ولو أنّه لم يرد هناك دليل، ولكن مقتضى صحيحتي بريد بن معاوية، وزرارة، وهو حلف خمسين، وادعى البعض الإجماع، نعم ورد في صحيحة يونس عن الرضا (علیه السلام) «في ما أفتى به أمير المؤمنين (علیه السلام) في الديات فمما أفتى به في الجسد وجعله ست فرائض: النفس، والبصر والسمع، والكلام، ونقص الصوت من الغنن، والبحح، والشلل من اليدين والرجلين، ثم جعل مع كل شيء من هذه قسامة على نحو ما بلغت الدية إلى أن قال والقسامة في النفس، والسمع، والبصر، والعقل والصوت من الغنن، والبحح، ونقص اليدين والرجلين فهو ستة اجزاء الرجل تفسير ذلك: إذا أصيب الرجل من هذه الأجزاء الستة، وقيس ذلك فإن كان سدس بصره أو سمعه أو كلامه أو غير ذلك حلف هو وحده، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد، وإن كان نصف بصره حلف هووحلف معه رجلان، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف معه أربعة، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر، وكذلك القسامة في الجروح كلها، فإن لم يكن للمصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان، إلى أن قال وإن كان كله حلف ست مرات ثم يعطي»(1)، ومورد الرواية القسامة في الأجزاء والتعدي إلى القسامة في النفس

ص: 142


1- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .

المسألة 113: إذا كان المدعون جماعة أقلّ من عدد القسامة، قسمت عليهم الأيمان بالسوية على الأظهر(1).

_______________________________________________________________

يحتاج إلى دليل، ثم أن القسامة الثابت منها هي الدية فإثبات القود بتكرار الأيمان يحتاج إلى دليل، ولو فرض هناك إجماع وبما أنّه غير حجة فلا يمكن الإثبات به .

ثم قد يقال إنما جعلت القسامة احتياطاً للناس لئلا يغتال الفاسق رجلاً فيقتله حيث لا يراه أحد، فإذا كانت علة جعل القسامة ذلك فكيف يمكن تعليق القود على حلف خمسين رجلاً، فإنّه أمر لا يتحقق إلا نادراً، فكيف يمكن أن يكون ذلك موجباً لخوف الناس بالاغتيال .

(1) أمّا بالنسبة إلى التكرار فقلنا لا دليل عليه، نعم قد دعوا الإجماع فإذا قلنا به هل لابد بالسوية ؟ نسب ذلك إلى المحقق في الشرائع بقوله: وهي في العمد خمسون يميناً فإنّ كان له قوم حلف كل واحد يميناً إن كانوا عددالقسامة، وإن نقصوا عنه كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا القسامة وفي الخطأ المحض والشبيه بالعمد خمس وعشرون يميناً، ومن الأصحاب من سوى بينهما وهو أوثق في الحكم والتفصيل أظهر(1).

والفاضل في القواعد: لو كانوا أقلّ من خمسين كررت عليهم الأيمان حتى يستوفي الخمسون(2)،

والإرشاد: ولو كان للمدعي قوم حلف كل واحد يميناً إن كانوا خمسين وإلا كررت عليهم(3)،

والاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان(4)، بل في شرح القواعد للأصبهاني: ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين وارثين بالسوية، أم لا لأنّهم

ص: 143


1- الشرائع / 4 / 224 .
2- القواعد / 3 / 618 .
3- ارشاد الاذهان / 2 / 219 .
4- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 196 .

المسألة 114: المشهور أنّ المدعى عليه إذا كان واحد(1) حلف هو واحضر من قومه ما يكمل عدد القسامة، فإنّ لم يكن كررت عليهم الأيمان حتى يكمل عددها، وفيه إشكال .

_______________________________________________________________

مشتركون في الدعوى، وخلافاً لما في الجواهر حيث أنه قال: يقسم عليهم بالسوية وحسب حصصهم(1).

حيث لم يكن هناك دليل ونصوص الباب خالية عن ذلك وليس هنا حكم في التفاضل لأنّ التفاضل يكون في الإرث ولا ربط في محل الكلام ولكن بما أن المسألة اتفاقية وأنّه القدر المتيقن نقول بالتساوي، وكذا لا دليلعلى الاختلاف كما عليه الشيخ في المبسوط: ومن قال تغلظ قال إن كان المدعى عليه واحد حلف خمسين يميناً، وإن كانوا جماعة فعلى قولين أحدهما يحلف كل واحد منهم خمسون يميناً، والثاني يحلفون خمسين يميناً على عدد الرؤوس(2).

(1) لا يخفى أنّه تارة يكون المدعي واحداً وأخرى أكثر، وتارة أخرى يكون المدعى عليه واحداً وأخرى أكثر، أمّا إذا كان المدعي أكثر فيكفي خمسين قسامة كما عليه الروايات والفتوى، وأمّا إذا كان المدعي عليه واحداً فيكفي خمسين قسامة، وأمّا إذا كان أكثر فلا تكفي قسامة واحدة، وقلنا إذا لم يكن قومه بمقدار خمسين فتكرار القسم يحتاج إلى دليل .

وأمّا رواية أبي بصير «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن القسامة اين كان بدوها ؟ فقال: كان من قبل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) إلى أن قال فعلى المدعي أن يجيء بخمسين يحلفون أن فلاناً قتل فلاناً، فيدفع إليهم الذي حلف عليه، فإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا قبلوا الدية وإن لم يقسموا، فإن على الذين ادعي عليهم أن

ص: 144


1- الجواهر / 42 / 244 .
2- المبسوط / 5 / 251 _ 253 .

................................

يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً فإن فعلوا أدى أهل القرية الذي وجد فيهم»(1)،

وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فهي مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً بعلي بن أبي حمزة، لا تدل على أن المدعى عليه يُحضر من قومه من يحلف معه لأكمال العدد الذي هو محل الكلام، بل المفروض فيها طلبالحلف من المدعى عليهم(2)،

بل مقتضى صحيحة مسعدة بن زياد المتقدمة عن جعفر (علیه السلام) إلى أن «قال: المتهمين بالقتل خمسين يميناًً بالله ما قتلناه»(3).

قد يقال بأنّه يستفاد من صحيحة بريد التي تدل على أن القسامة أي خمسين رجلاً من الخارج غير حلف المدعي، وادعى الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: وأمّا صحيحة بريد بن معاوية المتقدمة من قوله (علیه السلام) «وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا وما علمنا قاتلاً» فلا دلالة فيه على لزوم حلف غير المدعى عليه، بل تدل على أن المدعى عليه لابد وأن يكون هو الحالف ولكن لا يكتفي بحلفه مرة واحدة، بل لابد أن يكون حلفه قسامة خمسين رجلاً بمعنى أنّه يلزم عليه حلف خمسين مرة وعلى الجملة فإن تم إجماع على اعتبار حلف خمسين رجلاً بالإضافة إلى المدعى عليه فهو وإلا فالظاهر كفاية خمسين يميناً من المدعى عليه بلا حاجة إلى ضم حلف شخص آخر إليه(4).

والحق لابد من ضم خمسين يميناً من الآخرين مضافاً إلى الاتفاق الذي تدل عليه ذيل صحيحة بريد «خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً» .

ص: 145


1- الوسائل باب 10 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح5 .
2- المباني / 2 / 135 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 135 .

وأمّا إذا كان أكثر من واحد(1)، بمعنى أن الدعوى كانت متوجهة إلى كل واحد منهم، فعلى كل واحد منهم قسامة خمسين رجلاً .

المسألة 115: إذا لم تكن بينة للمدعي ولا للمدعى عليه ولم يحلف المدعي، وحلف المدعى عليه، سقطت الدعوى(2)ولا شيء على المدعى عليه، ويعطى الدية لورثة المقتول من بيت المال .

_______________________________________________________________

(1) فلا يكفي قسامة واحدة، بل الأوجه تعدد القسامة حسب تعدد المدعى عليه، ويدل عليه صحيحة بريد «حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً» أي من يصدق عليه مدعى عليه لابد أن يأتي بالقسامة، ولو كان المدعي عليه أكثر فلابد من التعدد وفي صحيحة مسعدة بن زياد عن الباقر (علیه السلام) «كان يحلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً»،

وأمّا ما قيل بكفاية الخمسين بدون تعدد القسامة لأنّه يصدق المدعى عليه على مجموع المتهمين، فغير تام بعدما ورد في الصحيحتين التعدد فما نسب إلى الشيخ في محكي الخلاف غير مقبول بكفاية قسامة واحدة .

(2) فإذا حلف حكم ببراءته على المشهور شهرة عظيمة، وكما ظهر من صحيحة بريد بأن الدية علقت على عدم الحلف، وأمّا صحيحة مسعدة بقوله «يؤدي الدية» فلا تدل على أن الدية على المدعى عليه، بل تدفع الدية من بيت المال لئلا يذهب دم مسلم هدراً .

ص: 146

المسألة 116: القسامة كما تثبت بها الدعوى في قتل(1) النفس

كذلك تثبت بها في الجروح بالإضافة إلى الدية، وفي عددها في الجروح خلاف، قيل خمسون يميناً إن بلغت الجناية فيها الدية كاملة، وإلا فبحسابها، وقيل ستة أيمان فيما بلغت ديته دية النفس، وما كان دون ذلك فبحسابه هذا وهو القول الصحيح(2).

_______________________________________________________________

(1) وادعوا على ذلك الشهرة العظيمة، بل ادعوا الإجماع في كلمات الأصحاب كما في المبسوط بقوله: فأمّا إن كانت الدعوى دون النفس فعندنا فيه قسامة وعندهم لا قسامة فيها(1)، والأصل في ذلك صحيح يونس عن الرضا وفيها قوله (علیه السلام) «وكذلك القسامة في الجروح كلها فإن لم يكن المصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان» وقد مرّت الرواية .

ولا يخفى بأن القاعدة الأولية هي البينة على المدعي واليمين على من أنكر، فهنا بمقتضى الصحيحة نعمل على خلاف القاعدة، ولكن القدر المتيقن اعتبار اللوث في القسامة ومع أنّه هو المتسالم عليه هنا بينهم، فما نسب إلى المبسوط من عدم اعتبار ذلك فلا دليل عليه .

(2) كما نسب إلى المفيد بقوله: والقسامة خمسون رجلاً على ما قدمناه في النفس وفيما دونها بحساب(2)،

وسلار(3)،

وابن إدريس بقوله: والقسامة فيها واجبة مثلها في النفس وكل شيء من أعضاء الإنسان يجب فيه الدية كاملةمثل الأنف والذكر والسمع والشم واليدين والعينين وغير ذلك كان فيه القسامة مثل ما في

ص: 147


1- المبسوط / 5 / 253 .
2- المقنعة / 728 .
3- المراسم / 232 .

المسألة 117: إذا كان القتيل كافراً، فادعى وليه القتل على المسلم ولم تكن له بينة، فهل تثبت القسامة حينئذٍ وجهان(1) قيل تقبل وهو لا يخلو من إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

النفس سواء وفيما نقص من الأعضاء القسامة فيها على قدر ذلك(1)،

وفي المسالك: فذهب الأكثر إلى أنّها كالنفس فيما فيه الدية كاللسان والانف واليدين، وبنسبتها من الخمسين فيما ديته دون ذلك(2)

وعن السرائر الإجماع عليه(3).

وهذا القول لا دليل عليه سوى القول بأن القسامة مخالفة للأصل والقاعدة في باب الدعاوي والمنازعات فيقتصر على المتيقن الذي هو الخمسون .

ولكن يرد عليه إذا لم يكن هناك دليل معتبر على الخلاف فالاعتماد على الأصل، والمتيقن إنما هو فيما إذا لم يكن هناك دليل وهنا الدليل موجود وهو صحيحة يونس عن الرضا (علیه السلام) إلى أن «قال: والقسامة جعلت في النفس على العمد خمسين رجلاً، وجعلت في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلاً، وعلى ما بلغت من الجروح الف دينار ستة نفر وما كان دونذلك فحسابه من ستة نفر»(4).

(1) هناك قولان في المسألة :

الأول: أنّه تقبل قسامة الكافر على المسلم ونسب هذا القول إلى جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط فإن كانت بالضد وكان المقتول مشركاً والمدعى عليه القتل مسلماً، قال قوم مثل ذلك، يقسم وليه ويثبت القتل على المسلم، وقال قوم لا قسامة للمشرك على مسلم، والأول أقوى عندنا لعموم الأخبار غير أنّه

ص: 148


1- السرائر / 3 / 363 .
2- المسالك / 15 / 208 .
3- السرائر / 3 / 364 .
4- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .

................................

لا يثبت له القود وإنما يثبت به المال(1)،

والعلامة في التحرير: الرابع للمسلم القسامة على الكافر إجماعاً وهل تثبت للكافر على المسلم القسامة، قال الشيخ الأقوى ذلك لعموم الأخبار غير أنّه لا يثبت بذلك قصاص بل الدية(2).

والوجه ما قاله في الضد أنّ أصالة البراءة يعمل بها ما لم يظهر الضد وقد ظهر، لأن ثبوت الدية اللوث ينفي ظن استصحاب أصالة البراءة ودليل إثبات القتل في القسامة ينفي القود ويثبت المال، وكما لا يجوز تخصيص عموم قوله (علیه السلام) «اليمين على من أنكر» بالمسلم في المال، كذلك هنا ترجيحاً إلى أن قسامة الكافر تقبل على المسلم ولكن لا يثبت بها القود وإنما تثبت بها الدية حفاظاً للناس، وذلك لإطلاق الروايات لصحيحة زرارةعن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: إنما جعلت القسامة احتياطاً للناس لكي ما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلاً»(3)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة كيف كانت، فقال: هي حق وهي مكتوبة عندنا، ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً ثم لم يكن شيء، وإنما القسامة نجاة الناس»(4)،

وقريب منه صحيحة عبد الله بن سنان «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إنما وضعت القسامة لعلة الحوط يحتاط على الناس لكي إذا رأى الفاجر عدوه فرَّ منه مخافة القصاص»(5).

الثاني: تدل عليه معتبرة أبي بصير فإنّها تدل بالصراحة وبوضوح على «أنّ

ص: 149


1- المبسوط / 5 / 245 _ 246 .
2- التحرير / 5 / 485 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
5- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح9 .

................................

جعل اليمين على المدعي إنما هو لعدم بطلان دم امريء مسلم»(1)

وفي صحيح بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) « قال: سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلى أن قال إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل فكف عن قتله»(2)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وبهذه الروايات يقيد اطلاق الروايات المتقدمة(3).

ولكن القسامة تثبت على الإطلاق لأنّ مخالفتها للأصل لا يضر مع وجودالدليل والروايات الواردة في حقن دم المسلم لا تعارض الروايات الثابت إطلاقها لأنّ المورد لا يخصص ولو فرض أن القود لا يكون موجوداً بالنسبة إلى المسلم للكافر ولكن بهذا تثبت الدية، نعم يمكن أن تقيد الإطلاقات بما ورد في معتبرة أبي بصير فإنّها دلت على الاختصاص كما ورد فيها على أن جعل اليمين على المدعي إنما هو لعدم بطلان دم المسلم وصحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلى أن قال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل فكف عن قتله»(4)، ولا يمكن التعدي من المسلم إلى غيره .

ص: 150


1- قد مر الحديث .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 141 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .

المسألة 118: إذا قٌتل رجل في قرية أو في قريب منها أغرم أهل تلك القرية الدية إذا لم توجد بينة على أهل تلك القرية أنّهم ما قتلوه وإذا وجد بين قريتين ضمنت الأقرب منهما(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة ليست خلافية وما عن الغنية الإجماع عليه وبقوله: إذا وجد القتيل في قرية ولم يعرف من قتله فديته على أهلها، فإن وجد بين القريتين فالدية على أهل الأقرب إليه منهما، فإن كان وسطاً فالدية نصفان وحكم القبيلة والمحلة والدرب والدار حكم القرية(1)، ولصحيحة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: سألته عن الرجل يوجد قتيلاً في القرية أو بين قريتين، قال: يقاس ما بينهما فإيهما كانت أقرب ضمنت»(2)،

ورواية محمد بن قيس «قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل قتل في قرية، أو قريباً من قرية أن يغرم أهل تلك القرية أن توجد بينة على أهل تلك القرية أنّهم ما قتلوه»(3)،

والرواية مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها، فلا تعارض تلك المعتبرات والصحاح، نعم هناك رواية أخرى لمحمد بن قيس «قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: لو أن رجلاً قتل في قرية، أو قريباً من قرية ولم توجد بينة على أن أهل تلك القرية أنّه قتل عندهم، فليس عليهم شيء»(4).

وقال في الرياض: أو وجد بين قريتين وهو إلى أحداهما أقرب فهو لوث لأقربهما كما في الصحيحة والموثق عن الرجل يوجد قتيلاً في القرية أوبين قريتين «يقاس بينهما فإيهما كانت اقرب ضمنت»(5)،

ولو تساوى مسافتهما كانتا سواء في

ص: 151


1- الغنية / 1 / 414 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح4 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح5 .
4- الوسائل باب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
5- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

المسألة 119: إذا وجد قتيل في زحام الناس، أو على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع أو في شارع عام أو جامع أو فلاة أو ما شاكل ذلك(1) والضابط أن لا يكون مما يستند القتل فيه إلى شخص خاص أو جماعة معينة، أو قرية معلومة فديته من بيت مال المسلمين .

_______________________________________________________________

اللوث وإن ثبت العداوة لاحداهما دون الأخرى فاللوث لها وإن كانت ابعد(1).

(1) قد ذكر الماتن من المصاديق المصنع، وهذا في غير محله لأنّ المصنع يشتغل فيه جماعة معينون فتأمل، وفي هذه الموارد بما أن الضابط أنّه لا يظن أن القتل من شخص أو جماعة معينة أو قرية معلومة، والمسألة غير خلافية ونسب إلى الغنية الإجماع بقوله: ودية كل قتيل لا يعرف قاتله ولا يمكن اضافته الى أحد على بيت المال كقتيل الزحام والموجود بالأرض التي لا مالك لها كالبراري والجبال كل ذلك بطريقة إجماع الطائفة(2)،

مضافاً إلى الروايات المستفيضة .

منها: صحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر (علیه السلام) «قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدعون البينة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنالمتهمين قتلوه، حلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حي واحد، فأما إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال»(3).

ص: 152


1- الرياض / 16 / 281 _ 282 .
2- الغنية / 2 / 414 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

المسألة 120: يعتبر في اليمين أن تكون مطابقة للدعوى، فلو ادعى القتل العمدي وحلف على القتل الخطائي فلا أثر له(1).

_______________________________________________________________

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان وعبد الله بن بكير جميعاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدري من قتله، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم أمرئ مسلم لأنّ ميراثه للإمام، فكذلك تكون ديته على الإمام ويصلون عليه، ويدفنونه، قال: وقضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات، أن ديته من بيت مال المسلمين»(1).

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة علي (علیه السلام) بالكوفة فقتلوا رجلاً، فودى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين»(2)،

ومعتبرة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت مال المسلمين»(3).

(1) وهذا ظاهر، لأنّه ما حلف عليه لم يدّعه وما ادعى عليه لم يحلف عليه، فما ذكره الاستاذ واضح .

ص: 153


1- الوسائل باب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح5 .

المسألة 121: لو ادعى إن احد هذين الشخصين قاتل ولكنه لا يعلم به تفصيلاً، فله أن يطالب كلاً منهما(1) بالبينة على عدم كونه قاتلاً فإن أقام كل منهما البينة على ذلك فهو، وإن لم تكن لهما بينة فعلى المدعي القسامة، وإن لم يأتِ بها فعليهما القسامة وإن نكلا ثبتت الدية دون القود .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن الدعوى وإن كانت متوجهة إلى واحد منهما غير المعين فلا يمكن القصاص من أحدهما المعين أو كليهما، فلابد للمدعى عليه رفع التهمة عن نفسه، وهذا لا يمكن إلا بإتيان بالبينة على عدم قتله، فتارة يأتي كلٌ منهما بالبينة على عدم القتل فتسقط حينئذٍ الدعوى، وتارة أخرى لا يأتيان ونكلا فلابد للمدعي القسامة، وثالثة إذا نكل المدعي فلابد لكل منهما القسامة فإن نكلا ثبتت الدية لأنّه لا يمكن قتل أحد منهما ولا قتلهما بعدما لم يكن تعيين القاتل، إذاً لابد من الدية حتى لا يهدر دم أمرئ مسلم .

ص: 154

المسألة 122: لو ادعى القتل على اثنين بنحو الاشتراك ولم تكن له بينة، فله أن يطالبهما بالبينة، فإن أقاما البينة على عدم صدور القتل منهما فهو(1)، وإلا فعلى المدعي الإتيان بالقسامة، فإن أتى بها على أحدهما دون الآخر فله قتله(2)، بعد ردّ نصف الدية إلى أوليائه، كما أنّ له العفو وأخذ نصف الدية منه، وإن أتى بها على كليهما فله قتلهما بعد إن يرد إلى أولياء كل منهما نصف الدية، كما أن له مطالبة الدية منهما، وإن نكل فالقسامة عليهما، فإن أتيا بها سقط عنهما القصاص والدية، وإن أتى بها أحدهما سقط عنه ذلك وللولي أن يقتل الأخر بعد ردّ نصف ديته إلى أوليائه، وله أن يعفو عنه ويأخذ نصف الدية(3).

_______________________________________________________________

(1) أي سقط عنهما القتل والدية .

(2) لأنّه بالقسامة ثبت القتل في حق من حلف عليه كما وردت في الروايات المتقدمة، ولكن بما أنّ ادعائه وقوع القتل من كليهما فيجوز له قتل من أتى بالقسامة عليه، بعد ردّ نصف الدية إلى أوليائه لأنّه باعترافه ليس هو القاتل فقط بل كان مشتركاً في القتل، وله أن يعفو عنه ويأخذ نصف الدية من أوليائه .

(3) حيث أن المقتول واحد والقاتل اثنان، فإن قتلهما فله أن يدفع الدية إلى كل من أولياء القاتلين نصف الدية، وله أيضاً العفو عن قتلهما ويأخذ من كل منهما نصف الدية، قلنا يجوز له قتلهما أو قتل واحد مع القسامة فإن نكلتالقسامة ترد إليهما القسامة، فإن أتيا بها سقط عنهما القصاص والدية، وأمّا إن أتى بها واحد سقط عنه كذلك .

ص: 155

وإن نكلا معاً كان للولي قتلهما معاً بعد ردّ نصف دية كل منهما إلى أوليائه، أو مطالبته الدية منهما(1).

المسألة 123: لو ادعى القتل على أثنين، وكان في أحدهما لوث فعلى المدعي إقامة البينة بالإضافة إلى من ليس فيه لوث، وإن لم يقم فعلى المنكر اليمين، وأمّا بالإضافة إلى من فيه لوث فالحكم فيه كما سبق(2).

_______________________________________________________________

(1) المسألة واضحة .

(2) لأنّه يكون طبقاً للقاعدة وهي البينة على المدعي واليمين على من أنكر كما هو حكم بقية الدعاوي، والمسألة غير خلافية، وفي الجواهر: بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق الأدلة(1)

ولا يكون على المنكر إلا يميناً واحداً فاليمين المتكرر يحتاج إلى دليل، وأمّا بالنسبة إلى من فيه اللوث فقد مرّ حكمه .

ص: 156


1- الجواهر / 42 _ 266 .

المسألة 124: لو كان للمقتول وليان وكان أحدهما غائباً فادعى الحاضر على شخص أنّه القاتل ولم تكن له بينة، فإن حلف خمسين يميناً في دعوى العمد، وخمساً وعشرين في دعوى الخطأ ثبت حقه ولو حضر الغائب، فإن لم يدّعِ شيئاً انحصر الحق بالحاضر، وإن ادعى كان عليه الحلف بمقدار حصته فيما كانت الدعوى القتل عمداً أو خطأ، وكذا الحال إذا كان أحد الوليين صغيراً وادعى الكبير على شخص أنّه القاتل(1).

_______________________________________________________________

(1) لأن الحق يثبت بالقسامة، ونسب ذلك إلى الخلاف بقوله: وأيضاً فبثبوت اللوث ثبت حق للوليين، فإذا كذب أحدهما لم يسقط حق الآخر(1) وقال في المبسوط: إذا ثبت أن له أن يحلف فلا يثبت له حق بأقل من خمسين يميناً، لأنّ القسامة لا يفتتح بأقل من خمسين يميناً، وكان الخمسون في القسامة كاليمين الواحدة في الأموال ثم ثبت له لو ادعى مالاً حلف يميناً واحدة فوجب أن يقسم هاهنا خمسين يميناً، فإذا حلف هذا خمسين يميناً وأخذ نصيبه من الدية ثم كبر الصغير وقدم الغائب وأراد أن يطالب بحقه حلف واستحق(2)، وأمّا ما قاله في القواعد بقوله: ولو كان أحد الوارثين غائباً وحصل لوث، وحلف الحاضر خمسين يميناً وثبت حقه من غير ارتقاب، فإن حضر الغائب حلف خمساً وعشرين، وكذا لو كان أحدهما صغيراً أو مجنوناً(3)، وأمّاما ذكره في المسالك بقوله: فإذا كان الولي اثنين وأحدهما غائب تخّير الحاضر بين أن يصبر إلى أن يحضر الغائب فيحلف كل

ص: 157


1- الخلاف / 5 / 315 .
2- المبسوط / 5 / 264 _ 265 .
3- قواعد الأحكام / 3 / 620 .

المسألة 125: إذا كان للقتيل وليان، وادعى أحدهما القتل على شخص وكذبه الآخر بأن ادعى أنّ القاتل غيره، أو أنّه اقتصر على نفي القتل عنه لم يقدح هذا في دعوى الأول، ويمكنه إثبات حقه بالقسامة(1) إذا لم تكن للمدعى عليه بينة على عدم كونه قاتلاً(2).

المسألة 126: إذا مات الولي قام وارثه مقامه(3)، ولو مات أثناء الأيمان كان على الوارث خمسون يميناً مستأنفة(4)، فلا اعتداد بالأيمان الماضية .

_______________________________________________________________

واحد بقدر حصته، وبين أن يحلف في الحال خمسين يميناً ويأخذ قدر حقه(1)،

وغيرها من الأقوال، ولأنه لا يشترط في صحة القسامة عدم التكذيب حتى لو كان الولي الثاني غائباً، نعم في صورة وجود البينة لا تصل النوبة إلى القسامة .

(1) لأنّ أدلة القسامة مطلقة تشمل التكذيب وعدمه .

(2) لتقدم البينة على القسامة، لأنّ من شروط حجية القسامة عدم وجود البينة على الخلاف، فإذا كان للمدعى عليه بينة على عدم القتل فلا تأثير للقسامة .

(3) فإن تحقق الموت قبل إقامة الدعوى والحلف كان لوارثه إقامة الدعوى، لأنّه حق من الحقوق التي ينتقل إلى الورثة لما دل من أنّ ما تركهالميت من حق أو مال ينتقل إلى الورثة .

(4) لأنّه حينما حلف المورث لم يكن للوارث حق وكان أجنبياً وبعد موت المورث فله الحق، فلابد له من الأيمان الكاملة وهي خمسون يميناً، لأنّ ما حلف المورث فيكون حلفه أجنبياً فلو قلنا بكفاية الاتمام لابد أن نقول بكفايته وإثباته بيمين الأجنبي، إذاً لا أثر لما حلف المورث حال حياته إذا لم يكملها .

ص: 158


1- مسالك الافهام / 15 / 216 .

المسألة 127: لو حلف المدعي على أنّ القاتل زيد، ثم اعترف آخر بأنّه القاتل منفرداً، قال الشيخ في الخلاف إنّه مخير بين البقاء على مقتضى القسامة وبين العمل على مقتضى الإقرار ولو كان الإقرار بعد استيفاء الحق من المدعى عليه ولكنه لا وجه له(1)وإذا صدّق المدعي المقر سقطت دعواه الأولى أيضاً(2).

المسألة 128: إذا حلف المدعي واستوفى حقه من الدية ثم قامت البينة على أن المدعى عليه كان غائباً حين القتل، أو كان مريضاً، أو نحو ذلك مما لا يتمكن معه من القتل بطلت القسامة وردت الدية وكذلك الحال فيما إذا اقتص منه(3).

_______________________________________________________________

(1) وذلك بأنّ القسامة تكون سبباً لإقرار صاحبه بأن القاتل من حلف عليه، وأمّا المقر فلا يكون قاتلاً، فلا معنى للتخيير .

(2) لأنّ إقامة القسامة تكون موجبة لبطلان الإقرار وعدم الأثر له وتصديقه للمقر يستوجب تكذيب القسامة، فلا قود ولا دية هناك له .

(3) هناك وجهان في المسألة، الأول صحة القسامة، لأنّ فصل الخصومة يحصل باليمين لما ورد عن أبي الحسن (علیه السلام) «ذهبت اليمين بما فيها»(1)،

والثاني هو البطلان كما ذهب إليه المحقق في الشرائع: لو حلف مع اللوث واستوفى الدية ثم شهد اثنان أنّه كان غائباً في حال القتل غيبة لا يقدرمعها القتل، بطلت القسامة واستعيدت الدية(2)،

وذلك تقديماً للبينة على اللوث الذي هو أمر ظني، بل وهكذا كما نسب في كشف اللثام والبينة تكشف عن كذب القسامة، وأنّها مخالفة

ص: 159


1- الوسائل باب10 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
2- شرائع الإسلام / 4 / 227 .

المسألة 129: لو أتهم رجل بالقتل حبس ستة أيام، فإن جاء أولياء المقتول بما يثبت به القتل فهو، وإلا خلى سبيله(1).

_______________________________________________________________

للواقع فلا أثر للقسامة معها ولا يثبت بأنّه هو القاتل، إذاً لو قتله أخذت الدية منه حتى لا يذهب دم مسلم هدراً، لأنّه لم يكن قتل عمد، هذا إذا لم يعترف بتعمد الكذب وإلا لابد من الاقتصاص منه لأنّه قتله عمداً .

(1) يحبس إذا التمس الولي من الحاكم حبسه، وقد نسب ذلك إلى الشيخ وأتباعه كما عن المسالك بقوله: القول بحبس المتهم بالدم ستة أيام للشيخ(1) وأتباعه(2) استناداً إلى الرواية المذكورة، وإطلاق الدم يشمل الجرح والقتل(3)،

قال الاردبيلي: مقدار الحبس ستة أيام فإن جاء المدعي ببينة أو أقسم وإلا خلي سبيله، وقال الشيخ والقاضي والصهرشتي(4)

والطبرسي ستة أيام(5)،

وابن حمزة(6)،

ثلاثة أيام، وقال ابن الجنيد: إن أدعى الولي البينة حبس إلى ستة أيام ومأخذ الحكمين رواية السكوني، ومدة حبسه وهي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) كان يحبس فيتهمة الدم ستة أيام، فإن جاء أولياء المقتول، يثبت وإلا خلى سبيله»(7)،

وعن ابن إدريس منع عن الحبس وزعم الرواية مخالفة للأدلة من تعجيل العقوبة قبل ثبوت الموجب، وقال المصنف في المختلف: إن حصلت التهمة في نظر الحاكم الزمه الحبس، عملاً بالرواية وحفظاً للنفوس عن الإتلاف، وإن حصلت لغيره فلا، عملاً بالأصل(8).

ص: 160


1- النهاية / 744 .
2- المهذب / 2 / 503 .
3- المسالك / 15 / 223 .
4- غاية المراد / 4 / 439 .
5- الوسيلة / 461 .
6- مجمع الفوائد / 14 / 214 .
7- الوسائل باب12من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
8- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 214.

الفصل الرابع: في أحكام القصاص

المسألة 130: الثابت في القتل العمدي القود دون الدية(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، وقد قال صاحب المختلف: المشهور عند علمائنا أنّ الواجب بالأصالة في قتل العمد القود، والدية إنما تثبت صلحاً فإنّ اختار ولي المقتول القود كان له ذلك، وإن أختار الدية لم يكن له ذلك إلا برضى القاتل فإن دفع نفسه للقود لم يكن للولي غيره اختاره الشيخان(1) وأبو الصلاح(2)،

وسلار(3)،

وهو قول الأكثر(4)،

وفي الخلاف: القتل العمد يوجب القود فقط، فإنّ اختار الولي القصاص فعل، وإن اختار العفو فعل وسقط حقه من القصاص، ولا يثبت له الدية على القاتل إلا برضاه، وإنما يثبت المال على القاتل إذا اصطلحوا على مال قليلاً كان أو كثيراً، فأمّا ثبوت الدية عليه بغير رضاه فلا دية، قاله أبو حنيفة، ومالك، وللشافعي قولان(5).

ص: 161


1- المقنعة / 735، والنهاية ونكتها / 3 / 360 .
2- الكافي في الفقه / 391 _ 392 .
3- المراسم / 236 .
4- المختلف / 9 / 274 .
5- الخلاف / 5 / 176 _177.

................................

ويدل على وجوب القصاص:

أولاً: قوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى»(1).

ثانياً: الروايات: منها صحيحة عبد الله بن سنان، وابن بكير جميعاً عن ابن محبوب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمداً، إلى أن قال، فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول، فاقرّ عندهم بقتل صاحبه، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه اعطاهم الدية، واعتق نسمة وصام شهرين متتابعين، واطعم ستين مسكيناً توبة إلى الله عز وجل»(2) وصحيحة عبد الله بن سنان الثانية، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه سئل عن رجل قتل مؤمناً، وهو يعلم أنّه مؤمن، غير أنّه حمله الغضب على أنّه قتله هل له من توبة إن أراد ذلك، أو لا توبة له ؟ قال: توبته إن لم يعلم انطلق إلى أوليائه، فاعلمهم أنّه قتله، فإن عفى عنه أعطاهم الدية، وأعتق رقبة وصام شهرين متتابعين، وتصدق على ستين مسكيناً»(3).

يؤيد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي، «قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل قتل رجلاً متعمداً، قال: جزاؤه جهنم، قال قلت له: هل له من توبة ؟ قال: نعم يصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستين مسكيناً، ويعتق رقبة ويؤدي ديته، قال: قلت لا يقبلون منه الدية، قال يتزوج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها قال قلت: لا يقبلون، منه ولا يزوجونه، قال: يصره صرراً يرمي بهافي دارهم»(4)،

وقد ورد نبويان

ص: 162


1- سورة البقرة الآية / 178 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب الكفارات ح1 .
3- الوسائل باب 28 من أبواب الكفارات ح3 .
4- الوسائل باب 28 من أبواب الكفارات ح4 .

فليس لولي المقتول مطالبة القاتل بها، إلا إذا رضي بذلك وعندئذ يسقط عنه القود وتثبت الدية ويجوز لهما التراضي على أقل من الدية أو على أكثر منها(1)، نعم إذا كان الاقتصاص يستدعي الرد من الولي، كما إذا قتل رجل امرأة، كان ولي المقتول مخيراً بين القتل ومطالبة الدية(2).

_______________________________________________________________

في أحدهما «من قتل له قتيلاً فهو مخير بين نظرين، إمّا يفدي أو يقتل» وفي الثانية «من أصيب بدم أو جرح، فهو بالخيار بين أحدى ثلاث، أمّا أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو» ولكن رواية الحضرمي والنبويين ضعيفان من جهة السند .

وأمّا الصحيحتان الأوليتان فهما وإن دلتا على القول بالتخيير، لأنّه إذا وجب على القاتل إعطاء الدية عند عفو الولي ترك القصاص ومطالبته بالدية لا محالة، وهو معنى التخيير، ولكن يتعارضان بصحيحة عبد الله بن سنان «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: من قتل مؤمناً متعمداً قيد منه إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية»(1)،

فتكون هذه الصحيحة مقدمة على تينك الصحيحتين لموافقتها للكتاب فإنّ ظاهرها أن للولي ثبوت الولاية في القصاص فقط وليس له المطالبة بالدية، إذاً لا تثبت الدية إلا برضا الجاني وليس هنا اختيار للولي بين القصاص ومطالبة الدية .(1) إن قلنا بجواز الدية إنما يكون بالتراضي بين الطرفين، فتكون العبرة برضاهما معاً، وإن وقعت المراضاة وكانت أكثر من الدية أو أقل فعلى أي مقدار تراضيا ثبت، والمسألة غير خلافية .

(2) قد مرّ شرح المسألة .

ص: 163


1- الوسائل باب 19 من أبواب القصاص في النفس ح3 .

المسألة 131: لو تعذر القصاص لهرب القاتل أو موته أو كان ممن لا يمكن الاقتصاص منه لمانع خارجي، انتقل الأمر إلى الدية، فإن كان للقاتل مال، فالدية في ماله، وإلا أخذت من الأقرب فالأقرب إليه وإن لم يكن أدى الإمام الدية من بيت المال(1).

_______________________________________________________________

(1) للأدلة الدالة على عدم جواز ضياع دم المسلم، وهذا غير مختص بالهارب أو الموت، بل يشمل كل مكان لا يمكن من القصاص ولو لمانع خارجي، كما ورد في معتبرة أبي بصير «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) في رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة أداه الإمام، فإنه لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1)،

وصحيحة أبي نصر عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل قتل رجل عمداً، ثم فرّ فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب»(2) .

فيستفاد من معتبرة أبي بصير قاعدة كلية، وهي عدم القدرة، وهذا يشملولو كان لمانع خارجي فمن لا يتمكن من الاقتصاص منه يحال أمره إلى الدية لئلا يبطل دم أمرئ مسلم .

ص: 164


1- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح3 .

المسألة 132: لو أراد أولياء المقتول القصاص من القاتل فخلصه قوم من أيديهم، حبس المخلص حتى يتمكن من القاتل، فإن مات القاتل أو لم يقدر عليه، فالدية على المخلص(1).

المسألة 133: يتولى القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج(2).

_______________________________________________________________

(1) كلا الحكمين بالحبس والدية عليه في صورة موت القاتل أو عدم القدرة عليه يظهر من صحيحة حريز عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل قتل رجلاً عمداً فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فوثب عليه قوم فخلصوا القاتل من أيدي الأولياء، قال: أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قيل فإن مات القاتل وهم في السجن، قال: إن مات فعليهم الدية يؤدونها جميعاً إلى أولياء المقتول»(1).

(2) وأمّا ما قاله في المبسوط بقوله: وأمّا الكلام في القصاص وهو إذا قتل عمداً محضاً فإنّه كالدية في الميراث يرثه من يرثها، فالدية يرثها من يرث المال، والقود يرثه من يرث الدية والمال معاً، هذا مذهب الأكثر(2)، وقال قوم يرثه العصبات من الرجال دون النساء، وفيه خلاف والأقوى عندي الأول وإن كان الثاني قد ذهب إليه جماعة من أصحابنا وذكرناه نحن في النهاية(3)ومختصر الفرائض(4)،

والسرائر بقوله: أمّا الزوج والزوجة فلا خلاف بين أصحابنا أنّه لاحظ لهما في القصاص،

ص: 165


1- الوسائل باب 16 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- المبسوط / 5 / 62 .
3- النهاية / 3 / 252 .
4- مختصر الفرائض الرسائل العشر / 277 .

................................

ولهما نصيبهما من الميراث من الدية(1)،

في موضع منها التحرير بقوله: يختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال بخلاف العقل فإنّه يختص الذكور من العصبة دون من يتقرب بالأم ودون الزوج والزوجة(2)،

والمختلف بقوله: الدية يرثها الأولاد ذكوراً كانوا أو اناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا الوالدان، ولا يرث الأخوة والأخوات من قبل الأم منها شيئاً، ولا الأخوة والأخوات من قبل الأب وإنما يرثها من بعد الوالدين والأولاد الأخوة من قبل الأب والأم أو العمومة(3)

والزوج والزوجة يرثان من الدية وكل من يرث الدية يرث القصاص إلا الزوج والزوجة فإنه ليس لهما من القصاص شيء على حال والإرشاد بقوله: ويرث القصاص والدية وارث المال عدا الزوج والزوجة في القصاص ويرثان من الدية إن رضي الأولياء بها(4).

وهكذا في البقية كما حكاه الجواهر عنهم والإيضاح واللمعة والمسالك بقوله: هذا موضع وفاق وعلل بأن القصاص يثبت للولي للتشفي والأنسب في الزوجية من حيث هي زوجية يوجبه(5)،

والروض والروضة وعن المبسوطنسبته إلى الأكثر، بل يظهر من ابن فضال الإجماع عليه(6)،

ويمكن أن يستدل بعموم الآية: «وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» (7)وقوله تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»(8).

ص: 166


1- السرائر / 3 / 350 .
2- التحرير / 5 / 638 .
3- المختلف / 9 / 284 .
4- الارشاد / 2 / 198 .
5- المسالك / 13 / 45 .
6- الجواهر / 42 / 283 .
7- سورة الانفال الآية / 75 .
8- سورة الاسراء الآية / 33 .

ومن يتقرب بالأم(1)، وأمّا النساء فليس لهن العفو ولا قود(2).

_______________________________________________________________

وأمّا الزوج ولو يرث الدية والمال ولكن مع ذلك فإنّه لا يرث القصاص وقد ادعى في الجواهر الإجماع بقسميه(1)، ولم أجد مخالفاً من العامة إلا عن ابن أبي ليلى، بناءً منه على زوال الزوجية بالوفاة، ولاريب في فساده(2).

(1) وحكاه الجواهر عن الشيخ في النهاية وكذا عن الاستبصار ومختصر الفرائض في شرح قول المحقق: لا يرث القصاص إلا العصبة دون الأخوة والأخوات من الأم ومن يقترب بها، وهو الأظهر كما عن الشهيد في الحواشي، بل عن الحلي في موضع من السرائر أن كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا القود بلا خلاف(3).

وتدل عليه معتبرة أبي العباس فضل البقباق عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت هل للنساء قود أو عفو ؟ قال: لا وذلك للعصبة»(4)، وحيث أن ما ورد من الروايات في كلالة الأم أنّها لا ترث الدية فإنّها تدل بالأولوية على عدم استحقاقهم القصاص .(2) كما عليه المحقق بقوله ليس للنساء عفو ولا قود(5)

وغيره كالشيخ في المبسوط، وقد دلت على ذلك معتبرة أبي العباس المتقدمة .

ص: 167


1- الجواهر / 24 / 283 .
2- الجواهر / 42 / 283 .
3- الجواهر / 42 / 284 .
4- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الارث ح6 .
5- الشرائع / 4 / 228 .

المسألة 134: إذا كان ولي المقتول واحداً، جازت له المبادرة إلى القصاص والأولى الاستئذان من الإمام ولاسيما في قصاص الأطراف(1).

_______________________________________________________________

(1) هناك قولان في المسألة :

الأول: جواز المبادرة من دون الاستئذان من الحاكم الشرعي .

والثاني: وجوب الاستئذان، فلا يجوز له المبادرة بدون الرجوع إلى الحاكم الشرعي .

أمّا القول الأول فهو مقتضى إطلاقات أدلة القصاص في القرآن والسنة وعدم تقييدها بالإجازة من الإمام (علیه السلام)، وقد يستدل على الثاني:

أولاً: بأن معرفة القصاص وإثباته يحتاج إلى النظر والاجتهاد مع أنّ هناك اختلافاً في شرائط الوجوب وكيفية الاستيفاء .

ولكن يرد عليه بأن هذا يرجع إلى عدم العلم بثبوت القصاص، وهو خارج عن محل البحث .

ثانياً: إن أمر الدماء خطير ولذا أهتم الشارع اهتماماً بالغاً بالنسبة إلى الدماء والفروج .

وهذا أيضاً غير تام، لإن اهتمامه لا ينافي أخذ من له الحق حقه، كما في الآية الشريفة: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(1).

ثالثاً: أنّه عقوبة تتعلق ببدن الادمي فلابد من مراجعة الحاكم .وهذا أيضاً يحتاج إلى دليل، فالأقوى هو الجواز والأحوط الاستئذان لما ادعى البعض الإجماع عليه، وهكذا بالنسبة إلى الأطراف فإنه يجوز المبادرة والمسألة غير خلافية، فالأولى أن لا يبادر إلا بعد الإذن من الإمام (علیه السلام) .

ص: 168


1- سورة البقرة الآية / 179 .

المسألة 135: إذا كان للمقتول أولياء متعددون فهل يجوز لكل واحد منهم الاقتصاص من القاتل مستقلاً وبدون إذن الباقين أو لا ؟ فيه وجهان الأظهر هو الأول(1).

_______________________________________________________________

(1) كما ذكر ذلك الشيخ في المبسوط والخلاف بقوله: لو بادر أحدهم بالاستيفاء جاز له ذلك وضمن الدية عن حصص الباقين، وهو خيرة السيدين مدعيين عليه الإجماع كالشيخ في الكتابين، وهو الحجة لا ما يقابل لهم أو قالوا من قوله تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» وقد نسب إلى الفاضلين والمحقق والشهيدين(1)،

قال المحقق في الشرائع: وإن كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع، أمّا بالوكالة أو بالإذن لواحد(2)، مع الإذن من الإمام (علیه السلام) ربما استدل عليه بأن حق الاقتصاص لا يخلو من أن يكون قائماً بالمجموع كحق الخيار، أو بالجامع على نحو صرف الوجود، أو لطبيعي الولي على نحو الانحلال، فعلى الأول وقف على الاجتماع، وعلى الثاني يجوز لكل منهم الاقتصاص، ولكن الحق هو الأخير، لأن الأول .

أولاً: لا دليل عليه بل هو خلاف ظاهر الآية كما يأتي، فيمكن للجاني أنيتوسل إلى أحد الأولياء كي يعفو عنه مجاناً، أو بالدية، فإذا فعل الولي وقبل بذلك فلابد أن نقول بسقوط حق الباقين كما لو قتل أحد الأولياء كان قتله وقع على نحو الظلم، فلابد أن يقتص منه وهو لم يقل به أحد ولا يمكن الالتزام به، وكذا بالنسبة إلى الثاني لأنّ لازمه سقوط القصاص بإسقاط واحد منهم، والحق هو الثالث: كما يظهر من الآية الشريفة: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» فإن الظاهر من الآية أنّ الحق جعل لطبيعي الولي فإذا كان كذلك

ص: 169


1- الرياض / 16 / 302 .
2- الشرائع / 4 / 228 .

................................

فبطبيعة الحال ينحل بانحلاله كما هو كذلك في القضايا الحقيقية، وتدل على ذلك صحيحة أبي ولاد الحناط «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل وله أم وأب وابن، فقال الابن أنا أريد أقتل قاتل أبي، وقال الأب أنا أريد أن أعفو، وقالت الأم أنا أريد أن آخذ الدية، قال، فقال: فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا، وليقتله»(1).

وهناك رواية أخرى مؤيدة وهي خبر جميل بن دراج عن بعض أصحابه رفعه إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) «في رجل قتل وله وليان فعفا أحدهما وأبى الاخر أن يعفو، قال: إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل ورد نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه»(2)، وهي تصلح للتأييد لأنّها ضعيفة بعلي بن حديد، وفي مقابل هذه هناك روايات صحاح ومعتبرة تدل على سقوط القصاص إن عفى واحد لابد للآخر من أخذ الدية كصحيح عبد الرحمن _ فيحديث _ «قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجلان قتلا رجلاً عمداً وله وليان فعفا أحد الوليين، قال، فقال: إذا عفا بعض الأولياء درئ عنهما القتل وطرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا، واديا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا»(3)، ومعتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) فيمن عفا من ذي سهم، فإن عفوه جائز، وقضي في أربعة أخوة عفا أحدهم، قال (علیه السلام) يعطي بقيتهم الدية ويرفع بحصته الذي عفا»(4)

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يقول: من عفى عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز، وسقط الدم وتصير دية ويرفع عنه حصة الذي عفا»(5).

ص: 170


1- الوسائل باب 52 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 52 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
3- الوسائل باب 54 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
4- الوسائل باب 54 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
5- الوسائل باب 54 من أبواب القصاص في النفس ح4 .

المسألة 136: إذا اقتص بعض الأولياء فإن رضي الباقون بالقصاص فهو، وإلا ضمن المقتص حصتهم، فإن طالبوه بها فعليه دفعها إليهم وإن عفوا فعليه دفعها إلى ورثة الجاني(1).

_______________________________________________________________

والحق هو الأول بعد التعارض والترجيح والشهرة ومخالفة العامة يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إن هذه الروايات موافقة للمشهور بين العامة منهم أبو حنيفة وأبو ثور وظاهر مذهب الشافعي فتحمل على التقية(1)، فيظهر أن أي واحد من الأولياء يجوّز للآخر القصاص لأن الحق ثابت لكل واحد من الأولياء المبادرة من القصاص بلا توقف على إذنْ الآخرين .

(1) والمسألة غير خلافية، قال في الجواهر: بل الإجماعات المزبورة كلها عليه(2)، وتدل عليه صحيحة أبي ولاد متقدمة الذكر، إذاً بما أن الباقين إذا طلبوا الدية فلابد من المقتص دفعها إليهم، وإن عفوا فالحق أصبح لورثة الجاني فلابد أن يدفع إليهم، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)أن ضمان حصة الأم _ مع أن حق الاقتصاص غير ثابت لها _ يدل بالأولوية القطعية على ضمان حصة من له حق الاقتصاص، فلابد من اعطائه له إذا طالب به .

بقي هنا شيء وهو أنّه لا يمكن التعدي عن مورد الصحيحة وهو الأم إلى غيرها من النساء من الموارد لابد من الاقتصار على موردها، فلو كان للمقتول أخ وأخت فليس للأخت مطالبة الدية إذا أقتص الأخ من القاتل لما ثبت من أنّه ليس للنساء حق في القصاص ولا العفو ولهم الحق من الدية فيفرض عدم الاقتصاص والتراضي بها(3)، نعم في صورة التراضي يجوز لبقية الأقارب كالأخت أخذ الدية .

ص: 171


1- المباني / 2 / 160 .
2- الجواهر / 42 / 291 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 160 .

المسألة 137: إذا كان المقتول مسلماً ولم يكن له أولياء من المسلمين وكان له أولياء من الذميين، عرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن اسلم فهو وليه ويدفع القاتل إليه فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاءعفا(1)، وإن لم يسلم منهم أحد فأمره إلى الإمام (علیه السلام) فإن شاء قتله وإن شاء أخذ الدية منه .

_______________________________________________________________

(1) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بلا خلاف بين الأصحاب ظاهراً(1)

وذلك لأن الكافر لا يرث المؤمن ولا يمكن أن يكون ولياً له، لأن الإسلام قطع الصلة والقرابة بين المسلم والكافر للآية، والعمدة في المسألة كونها غير خلافية صحيحة أبي ولاد الحناط «قال: سألت أبا عبد الله (قدس سرُّه) عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً عمداً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته (دينه) الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، إلى أن قال لأن جناية المقتول كانت لإمام المسلمين، قلت فإن عفا عنه الإمام، قال، فقال: وإنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو»(2).

ص: 172


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 162 .
2- الوسائل باب 60 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 138: لا تجوز مثلة القاتل عند الاقتصاص، والمشهور بين الأصحاب أنّه لا يقتص إلا بالسيف، وهو الصحيح(1).

_______________________________________________________________

(1) هناك قولان في المسألة:

الأول: وهو المشهور وهو القتل بالسيف حتى ولو كانت الجناية بالتحريق للمجني عليه أو التغريق، أو الرمي بالحجارة ونحوها، ولا يجوز الاقتصاص بمثل قتله، وقال في المسالك: يتعين الاستيفاء بضرب العنق بالسيف سواء كانت جنايته به أم بغيره من التغريق والتحريق والضرب المجرد وغيرها عند أكثر الأصحاب، لأن المقصود القود بازهاق الروح، وهو متحقق بذلك والزيادة عليه مثلة منهي عنه، وقال ابن الجنيد: يجوز قتله بمثله القتلة التي قتل بها لقوله تعالى: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(1)

وما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) «أنّه قال: من حرّق حرّقناه ومن غرق غرقناه»(2)

وروي «إن يهودياً رضخ رأس جارية بالحجارة فامر (صلی الله علیه و آله وسلّم) فرضخ رأسه بالحجارة» لأن المقصود من القصاص التشفي وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به(3)

وقد ردّ عليه صاحب المسالك بقوله: هذا القول لا بأس به وإن كان الأشهر خلافه(4)،

وفي الغنية الإجماع عليه وعن التنقيح: لولا انعقاد الإجماع على خلافه(5)،

وقال في الروضة: وهو متجه _ أيقول ابن الجنيد _ لولا الاتفاق على خلافه(6).

الثاني: جواز قتله بمثل القتلة التي قتل بها، والحق هو الأول مضافاً إلى ما

ص: 173


1- سورة البقرة الآية / 194 .
2- سنن البيهقي / 8 / 43 .
3- مسند احمد / 3 / 173 .
4- مسالك الأفهام / 15 / 236 .
5- التنقيح / 4 / 446 .
6- الروضة / 10 / 92 .

................................

عليه المشهور ولصحيحة الحلبي ورواية أبي الصباح الكناني جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قالا: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصاً فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أيدفع إلى ولي المقتول فيقتله ؟ قال: نعم ولكن لا يترك إن يعبث به، ولكن يجهز عليه بالسيف»(1) فلا تجوز المثلة كما هو في الراوية وإطلاقات أدلة تحريم المثلة ولأنّه إسراف، قال تعالى: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»(2).

والقول الثاني منسوب إلى الاسكافي في جواز قتله بمثل القتلة التي قتل بها، أمّا مطلقاً كما يحكى عنه كثير أو مشروط بما إذا وثق بأنّه لا يعتدي واستدل له بالآية: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(3) وفيه أنّها أولاً تدل بالإطلاق فتقيد بالصحيحة، وثانياً على فرض التنزل إنما يتم لو كان المراد من المماثلة بالاعتداء لا المعتدى به وهو ممنوع لأنّ حمله على ذلك يستلزم كون الباء زائدة وكون (المثل) صفة لمفعول مطلق محذوف وهو الاعتداء، وهذا خلاف الظاهر، اللهم إلا أن يقال أنّه من جهة ما ورد في رجل قتل رجلاً في الحرم الدال على أنّه يقتل في الحرم مستدلاً بالآيةالكريمة فعلى أي حال يكفينا الصحيحة .

وأمّا ما ورد من النبوي «من حرّق حرّقناه ومن غرق غرقناه» ونحوه من نبوي آخر بإنّهما ضعيفان .

وأمّا ما قيل بأن المقصود من القصاص التشفي وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به فهذا أمر اعتباري لا يصلح أن يكون مدركاً للحكم .

ص: 174


1- الوسائل باب 62 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- سورة الأسراء الآية / 33 .
3- سورة البقرة الآية / 194 .

المسألة 139: الاقتصاص حق ثابت للولي، وله أن يتولاه مباشرة أو بتسبيب غيره مجاناً أو بأجرة(1).

_______________________________________________________________

(1) أي أنّه يوكل غيره في استيفاء القصاص لأنّ الوكالة جائزة في كل شيء لإطلاق أدلتها إلا ما خرج بالدليل، ولم يدل دليل على الخلاف كالواجبات العينية، ولذا بالنسبة إلى الإجارة في الصلاة لابد أن الأجير يجعل نفسه بمنزلة مؤجر وإلا لا تصح الإجارة، لأن الخطاب متوجه إلى الميت، ولأن له السلطنة في اجراء القصاص مباشرة أو تسبياً .

وقال في المسالك: سواء كانت حدود الادميين كحدّ السرقة والقذف أم حدود الله تعالى كحدّ الزنا، والمراد استيفاءها بعد ثبوتها عند الحاكم بمعنى مباشرتها أو تحصيلها ولا فرق في ذلك بين حضور المستحق وغيبته ونبه بقوله مطلقاً على خلاف بعض العامة المانع من التوكيل في استيفاء حدود الآدميين في غيبة المستحق، لأنّه لا يتيقن بقاء الاستحقاق لجواز العفو، ولأنّه ربما رقّ قلبه بحضوره فيعفو، ويضعف باب الأصل البقاء والاحتمال لا أثر له معحضوره ولا ينهض مانعاً لأنّ الفرض استحقاقه الآن ومطالبته به نيابة(1).

ص: 175


1- المسالك / 5 / 257 .

المسألة 140: لو كان بعض أولياء المقتول حاضراً دون بعض، جاز الاقتصاص مع ضمان حصة الباقي من الدية، وكذلك الحال إذا كان بعضهم صغيراً(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه بعدما ثبت أنّه يجوز لكل واحد من الأولياء المبادرة إلى القصاص ويجوز الاستبداد لأن لكل واحد حق مستقل، فلو بادر بالاقتصاص لابد أن يضمن حصة الباقين من الدية، وهكذا لو كان بعضهم صغيراً، قال في المسالك: أمّا مع تعدده، فهل يتوقف على اجتماع الأولياء في الاستيفاء أو يجوز لكل واحد منهم المبادرة إليه، فيه قولان:

أحدهما _ وهو الذي ذهب إليه الشيخ _ الجواز مع ضمان حصص الباقيين لتحقق الولاية لكل واحد بانفراده فيتناوله العموم، ولبناء القصاص على التغليب، ومن ثَمّ لا يسقط بعفو البعض عندنا على مال أو مطلقاً، بل للباقيين الاقتصاص، مع أن القاتل قد احرز بعض نفسه فهنا أولى .

الثاني _ هو الذي اختاره المصنف رحمه الله _ المنع كما لا ينفرد باستيفاء تمام الدية لأنّه حق مشترك فيتوقف تحصيله على اجتماعهم كغيره من الحقوق التي لا يمكن فصل حق بعض المستحقين عن بعض(1).

ص: 176


1- المسالك / 15 / 230 .

المسألة 141: إذا كان ولي الميت صغيراً أو مجنوناً، وكان للولي ولي كالأب أو الجد أو الحاكم الشرعي، فهل لوليه الاقتصاص من القاتل أم لا ؟ قولان: لا يبعد العدم، نعم إذا اقتضت المصلحة أخذ الدية من القاتل أو المصالحة معه في أخذ شيء، جاز لوليه ذلك(1).

_______________________________________________________________

(1) ونسب إلى الشيخ لو كان الولي صغيراً أو مجنوناً وله أب أو جد لم يكن لأحد أن يستوفي القصاص حتى يبلغ الصبي، سواء كان في الطرف أو النفس، ونسب الإجماع عليه إلى المبسوط، وذلك لعدم ثبوت الولاية على مثل ذلك للولي، كما أنّه ليس له العفو، وعمومية الولاية تحتاج إلى دليل، ولا إطلاق ولا عموم يدلان على ثبوت مطلق الولاية، نعم بالنسبة إلى أخذ الدية أو المصالحة فيمكن هذا إذا كان هناك مصلحة لورثة المقتول بعد إن ثبت في محله بأن الولي دائماً يراعي مصلحة الطفل أو المجنون .

ويؤيد ما ذكرنا من عدم جواز الاستيفاء قول المسالك: أمّا الإشكال على تقدير كون الولي مولاً عليه في تأخير الاستيفاء إلى أن يبلغ فمنشؤه من أن الحق له، وهو قاصر عن أهليه الاستيفاء فيتعين تأخيره إلى أن يكمل، ومن أن الولي مسلّط على استيفاء حقوقه مع المصلحة وهذا منها، وهو أقوى(1).

ص: 177


1- المسالك / 15 / 239 .

المسألة 142: إذا كان للميت وليان، فادعى أحدهما أنّ شريكه عفا عن القصاص على مال أو مجاناً، لم تقبل دعواه على الشريك وإذا اقتص المدعي وجب عليه ردّ نصيب شريكه(1)، فإن صدّقه الشريك بالعفو مجاناً أو بعوض وجب عليه ردّه إلى ورثة المقتول قصاصاً(2).

المسألة 143: إذا كان ولي المقتول محجوراً عليه لفلس أو لسفه جاز له الاقتصاص من القاتل كما جاز له العفو عنه، ويجوز له أخذ الدية بالتراضي(3).

_______________________________________________________________

(1) قال المحقق: إذا أقرّ أحد الوليين بأنّ شريكه عفا عن القصاص على مال، لم يقبل إقراره على الشريك(1)،

لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وأمّا الإقرار بالنسبة إلى الغير فحجيته تحتاج إلى دليل، فحق الشريك باقٍ فليس له الاختصاص، لأنّ القود لا يسقط في حقه، فله القتل ولكن بعد ردّه على شريكه نصيبه من الدية .

(2) لأنّه بعد العفو إمّا مجاناً أو بعوض، فنصيب الولي يكون لورثة المقتص منه، إذاً يجب على من يقتص ردّ الدية إليهم .

(3) لا يخفى إن المحجور بقسميه يمنع من التصرف بالمال، وهذا ليس من موارد الحجر، واستيفاء القصاص ليس بتصرف مالي حتى يمنع، وحاله حال غيره في القود، بل يجوز له العفو مجاناً أو مع مطالبته الدية، أمّا جواز العفو مجاناً أو عدم القصاص، قيل لا يجوز بل لابد من اختيار الدية أمّا هذا فلا دليلعليه، يقول في الجواهر: هو تكسب لا يجب عليه(2)، نعم في صورة ما إذا عفى وأخذ الدية ورضي القاتل فتقسم على الغرماء كغيره من الأموال التي يكتسبها .

ص: 178


1- شرائع الإسلام / 4 / 230 .
2- الجواهر / 42 / 312 .

المسألة 144: لو قتل شخص وعليه دين وليس له مال، فإن أخذ أولياؤه الدية من القاتل وجب صرفها في ديون المقتول وإخراج وصاياه منها(1)، وهل لهم الاقتصاص من دون ضمان ما عليه من الديون ؟ فيه قولان، الأظهر هو الأول(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وادعى في الجواهر: الإجماع بقسميه(1)،

لأنّ الدية تكون بحكم تركة الميت، ويدل عليه معتبرة إسحاق بن عمار، عن أبي جعفر (علیه السلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً، فهي ميراث كسائر الاموال»(2).

(2) هناك قولان في المسألة وهما الجواز وعدمه، فنسب إلى الشيخ والحلي والقاضي الأول، وادعى عن ابن إدريس الإجماع، وفي المسالك: إذا قتل الشخص عمداً وعليه دين فإن أخذ الورثة الدية صرفت في دين المقتول ووصاياه كما تقدم غير مرة من أن الدية بحكم مال الميت سواء وجبت أصالة أو صلحاً، وهل للورثة استيفاء القصاص مع بذل الجاني الدية من دون ضمان ما عليه من الديون أو ضمان مقدار الدية منها ؟ فيه قولان أحدهما هو مختار المصنف رحمه الله، وقبله ابن إدريس وبعده العلامة في أكثر كتبه نعم لأنّ موجب العمد القصاص وأخذ الدية اكتساب وهو غير واجب على الوارث في دين مورثة ولعموم قوله تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» و «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»، والثاني: أن لا يجوز لهم القصاص إلا بعد ضمان الدين أو الدية إنكانت أقل منه، وقيل ليس لهم العفو أيضاً بدونه(3).

ص: 179


1- نفس المصدر .
2- الوسائل باب 14 من أبواب موانع الارث ح1 .
3- المسالك / 15 / 246 .

................................

واختار الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) القول الأول وذلك لإطلاق الكتاب والسنة ومقتضاه ثبوت حق القصاص لولي المقتول من دون ضمان، وليس هنا ما يدل على الضمان إلا ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفار عن محمد بن الحسين(1)،

والتي سيأتي ذكرها، وهو الصحيح للعمومات والإطلاقات، ففي الآية الشريفة: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» وهكذا إطلاق الروايات، وهناك خبران عن ابي بصير .

الأول: ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفار عن محمد بن الحسين بن ابي حطاب عن محمد بن أسلم الجبلي عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان عن أبي بصير، «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقتل وعليه دين وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين ؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهبوا أولياؤه دية القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا»(2).

والثاني ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير بطريقين الأول عن محمد ابن أسلم الجبلي عن يونس بن عبد الرحمن عن بن مسكان عن أبي بصير وسند الثاني عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير «قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجل يقتل وعليه دين وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوادمه لقاتله وعليه دين قال، فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل فإن وهب أولياؤه دية القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا»(3)،

ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن الجبلي مثله، فمن قال بالضمان استند إلى الأول

ص: 180


1- المباني / 2 / 160 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الدين ح2 .
3- الوسائل باب 59 من ابواب القصاص في النفس ح1 .

................................

لأنّه ورد فيها «وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمن الدين للغرماء وإلا فلا» ومن قال بعدم الضمان استدل بالثاني لأنّه حصر الضمان في صورة إن يهب الأولياء فقط بقوله (علیه السلام) «وإلا فلا» .

ولكن على الظاهر أنّهما خبر واحد فباليقين الأول مضطرب المتن كما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ومن المطمئن به وقوع الغلط في النسخة أو الأشتباه في النقل فإنّ هذه الرواية رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم الجبلي عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان عن أبي بصير، ورواها أيضاً بإسناده عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير «قال: سألت أبا عبد الله عن رجل يقتل وعليه دين وليس له مال فهل لأوليائه أن يهب دينه لقاتله وعليه دين، فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإنّ وهب أوليائه دمه للقاتل ضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا» وعلى ذلك لم تثبت الرواية الأولى ولو صحت كانت معارضة بما رواه الشيخ والصدوق، فإنّها تدل على عدم الضمان مع الاقتصاص وانحصار الضمان بفرض هبة الدم للقاتل بمقتضى قوله (علیه السلام) في آخرها «وإلا فلا»فإنّه يدل على عدم الضمان في فرض الاقتصاص(1)،

إذاً لا يمكن الاعتماد عليها ثم على فرض أنّهما روايتان فالأولى معارضة بالثانية فلا يمكن القول بما في الصحيحة الأولى بعد أن بُيّن الثاني بأن الضمان منحصر بالهبة وقوله (علیه السلام) «وإلا فلا» أي في فرض الاقتصاص لا ضمان هناك، فالحق هو الأول أي عدم الضمان .

ص: 181


1- مباني تكملة المنهاج / 2/ 165 _ 166 .

المسألة 145: إذا قتل شخص وعليه دين وليس له مال، فإن كان قتله خطأ أو شبه عمد، فليس لأولياء المقتول عفو القاتل أو عاقلته عن الدية، إلا مع أداء الدين أو ضمانه، وإن كان القتل عمداً فلأوليائه العفو عن القصاص والرضا بالدية، وليس لهم العفو عن القصاص بلا دية، فإن فعلوا ذلك ضمنوا الدية للغرماء(1).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ الدية ملك للميت ويكون بحكم بقية أمواله فلابد أن يصرف في وصياه أو ديونه، فإذا زاد يرثها الوارث وليس للأولياء العفو عن الدية، والورثة لا يمكنهم العفو لعدم كون المال كله لهم، نعم لو فرغت ذمة الميت من الدين فلهم العفو عن البقية إن زادت .

وتدل على ما ذكرناه معتبرة إسحاق بن عمار المتقدمة، وأيضاً بما أن المال ليس للأولياء فوجب عليهم أخذ الدية من القاتل وليس لهم العفو بلادية، بل تؤخذ الدية ويقضي ديونه ووصاياه، ولو فرض القتل عمداً، وقد دلت على ذلك صحيحة أبي بصير المتقدمة، وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) «قال: قلت له جعلت فداك، رجل قتل رجلاً متعمداً أو خطأً وعليه دين وليس له مال، واراد اولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل قال: إن وهبوا دمه ضمنوا ديته»(1)،

وهناك روايات في الوصايا كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أوصى لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصي فودي فقضى في وصيته أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى»(2)، وتؤيده خبر السكوني عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال «قال:

ص: 182


1- الوسائل باب 59 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- الوسائل باب 14 من أبواب الوصايا ح3 .

................................

أمير المؤمنين (علیه السلام) من أوصى بثلثه ثم قتل خطأً فإنّ ثلث ديته داخل في وصيته»(1).فما

ذكر بأنّ الوصية لا يشمل الدية وأنّها لا تدخل في الدين لأنّ الدين كان متعلقاً بالمديون في حال حياته وبماله بعدها، والميت لا يملك بعد وفاته، فإنّه اجتهاد في قبال النص وهكذا ما قيل بأن الواجب في العمد القصاص الذي هو حق الوارث فالدية المأخوذة هي عوض عن حقه لا مدخلية للميت فيها، فهو أيضاً اجتهاد قبال النص، فليس للأولياء العفو بدون أخذ الدية فإن فعلوا ذلك ضمنوا الدية للغرماء، بل يمكن أن يقال ليس لهم حق الاقتصاص، لأن في الروايتين ورد هكذا «بأن الغرماء هم الخصماء» فتأمل،ويتمكن كل واحد من الأولياء الاقتصاص، والمسألة غير خلافية .وأما جواز قيام كل واحد لاستحقاقه فله أن يقوم بأخذ حقه ويقتص وسيتوفى الجميع مباشرة أو تسبيباً إن رضى أولياء بعض المقتولين بالدية وقبل القاتل أو عفوا عن الدية لم يسقط حق الآخر وله الاقتصاص لإطلاق الأدلة كتاباً وسنة، فالإطلاق يثبت حق كل من أولياء المقتولين على نحو الاستقلال وعدم الموجب لسقوطها عن الآخرين بعفو البعض .

ص: 183


1- الوسائل باب 14 من أبواب الوصايا ح2 .

المسألة 146: إذا قتل واحد اثنين على التعاقب أو دفعة واحدة ثبت لأولياء كل منهما القود(1)، فإن استوفى الجميع مباشرة أو تسبيباً فهو، وإن رضي أولياء أحد المقتولين بالدية وقبل القاتل أو عفوا عن القصاص مجاناً، لم يسقط حق أولياء الآخر .

_______________________________________________________________

(1) كما قلنا إن استوفى الجمع مباشرة أو تسبيباً فلا كلام، وليس لهم إلا نفسه والجاني لا يجنى عليه أكثر من ذلك .

وأمّا إذا قام أولياء أحد المقتولين وبادر فلا إساءة لهم ولا يحتاج إلى القرعة، وسواء وقع قتل أحدهما أولاً أم لم يقع، وأمّا إذا عفى عنه قسم من الأولياء .

ولا يخفى بأنّه تارة يقع القتل من الجاني دفعة واحدة كما لو هدم عليهم بناءً لم يكن أحد الوليين أولى بالقود من الآخر ويقع القتل من الجاني على التعاقب، فإنّ اتفقا على قتله وقتلوه فقد استوفوا حقوقهم، وإن قتله واحد بالقرعة أو مطلقاً أستوفى حقه .

وأمّا الاستحقاق الثاني الدية ففيه قولان، الأول أن الواجب في العمد القصاص وقد فات محله، والثاني من استلزامه ان يبطل دم أمرئ مسلماً فينتقل إلى البدل وهو الدية، ولكن الثاني هو الأجود .

وأمّا في حال قتلهما على التعاقب فهل يقدم السابق في الاستيفاء أم يستويان؟ وجهان الأول السابق بما أنّه استحق القصاص منفرداً لو لم يكن هناك معارض قبل تعلق حق الباقين، فالاقتصاص مختص به ومن أن السبب الموجب الاستحقاق القصاص، هو قتل النفس المكافئة عمداً ظلماً، فهومساوي لتحقق حق الجميع، وأخذوا الدية فلا يسقط حق الباقين فيجوز للآخرين كما ذكرنا القصاص .

ص: 184

المسألة 147: لو وكل ولي المقتول من يستوفي القصاص(1)، ثم عزله قبل الاستيفاء، فإن كان الوكيل قد علم بانعزاله ومع ذلك أقدم على قتله فعليه القود(2)، وإن لم يكن يعلم به فلا قصاص ولا دية(3) وأمّا لو عفا الموكل القاتل ولم يعلم به الوكيل حتى استوفى فعليه الدية(4)، ولكن يرجع بها إلى الموكل(5)، وكذلك الحال فيما إذا مات الموكل بعد التوكيل وقبل الاستيفاء(6).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن أصل الوكالة يكون جائزاً لعموم أدلتها وأنّه يجوز في كل شيء إلا ما خرج بالدليل ولم يكن هنا دليل على عدم الجواز، إذاً يشمل المورد إطلاقات الأدلة .

(2) لأنّه صدر منه قتل عمدي بعد عدم كونه مرخصاً في ذلك والمسألة غير خلافية، وقد ادعي عليه الإجماع .

(3) لعدم تحقق موجب القصاص والدية وتصرفاته كلها ماضية ما لم يعلم بالانعزال، ووكالته باقية .

(4) وذلك لأنّه باشر بالقتل وبما أن دم الإنسان محترم ولم يكن هذا يُعدّ من قتل العمد فيدخل في شبيه العمد وبما أنّه هو المباشر لابد أن يدفع الدية.

(5) لأنّه مغرور حيث استوفى بأمره الذي هو موجب للضمان فالموكليكون ضامناً .

(6) أي استوفى الوكيل القصاص بعد موت الموكل ولم يكن يعلم بموته فلا قصاص عليه وعليه الدية، لأنّه كما مرّ يدخل في شبيه العمد، أمّا إذا كان عالماً مع ذلك استوفاه فعليه القصاص لأنّه لم يجز له الاستيفاء بعد العلم وسقوط وكالته، فعمله يكون من القتل العمدي فيجب عليه القصاص .

ص: 185

المسألة 148: لا يقتص من المرأة الحامل حتى تضع(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وادعى في كشف اللثام الاتفاق عليه لكونه إسرافاً في القتل المنهي عنه، ولما جاء في الآية المباركة: «فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ»(1)، فالقاتل هي المرأة فما ذنب الحمل بعد إن كانت النفس محترمة ومحقونة الدم، ولما ورد في رواية الحمل، كما في رواية صالح بن ميثم عن أبيه التي مرّ ذكرها(2) .

ولا يخفى بأنّه لا يجوز القصاص سواء كان في إقامته من هلاك الجنين أو الخوف عليه، والجنين بريء فلا يهلك بجريمة غيره، ولا فرق بين أن يكون الحمل من الحلال أو الحرام، وهل تقبل دعواها على الإطلاق أي قبل إقامة الشهود من القوابل ؟ الظاهر لا لأنّها تدفع بذلك السلطان بالقتل، وبعد أن أهتم الشارع في الدماء فالأحوط العمل بقولها، فلابد من الصبر بالاستيفاء، فإن ظهر كذبها يقتص منها وإلا صبر حتى تضع، وهل يصبر عليها بعد الوضع أيضاً لسلامة الولد بالرضاع، الأقوى ذلك، إلا إذا يعيش الولد من غير لبن الأم، وإلايقام عليها الحد كما في الرواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «فقال: لها انطلقي وضعي ما في بطنك»(3)،

وصحيحة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: أتت امرأة أمير المؤمنين (علیه السلام) فقالت: قد فجرت فاعرض بوجهه عنها فتحولت حتى استقبلت وجهه، فقالت: إنيّ قد فجرت فاعرض عنها، ثم استقبلته فقالت إنيّ قد فجرت، فأمر بها فحبست وكانت حاملاً فتربص بها حتى وضعت»(4)، وغيرها من الروايات .

ص: 186


1- سورة الاسراء الآية / 33 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح1 .
3- الوسائل باب 16 من ابواب حد الزناح1 .
4- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزناح5 .

ولو كان حملها حادثا بعد الجناية(1)، أو كان الحمل عن زنا(2)، ولو توقفت حياة الطفل على إرضاعها إيّاه مدة لزم تأخير القصاص إلى تلك المدة(3)، ولو أدعت الحمل قبل قولها على المشهور، إلا إذا كانت أمارة على كذبها وفيه إشكال، بل منع(4).

_______________________________________________________________

(1) لإطلاق الأدلة .

(2) لأنّه محترم وقلنا لإطلاق الأدلة فهو لم يرث ولكن لا يجوز قتله .

(3) وذلك لأنّه نفس محترمة يجب حفظها، فلا يمكن إجراء الحدود إلا بعد إكمال الرضاع، نعم لو وجد ما يرضع به الولد جاز القصاص لوجود المقتضى .

(4) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإن كان في المسألة إجماع فهو، وبما أنّه لا إجماع فيها كما عرفت فلا دليل على قبول قولها، وأمّا الآية المباركة:«وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ»(1) فهي واردة في خصوص المطلقة فلا إطلاق لها، وأمّا رواية الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق (علیه السلام) في قوله تعالى: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ» قال: قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض، والطهر، والحمل، فهي ضعيفة سنداً فلا يمكن الاعتماد عليها(2).

والحق بما أنّه قد أهتم الشارع المقدس بأمور منها الدماء، فالأحوط عدم قيام الحد لانكشاف حالها، كما عليه المحقق وصاحب الجواهر، ولو قيل يؤخذ بقولها فيؤخر حتى يعلم حالها _ كان أحوط _ احتياطاً يلزم مراعاته كما عن الفاضل في الإرشاد وولده والشهيدين والاردبيلي على ما حكي عن بعضهم لأن للحمل إمارات تظهر وإمارات تخفي، وهي عوارض تجدها الحامل في نفسها وتختص

ص: 187


1- سورة البقرة الآية / 228 .
2- المباني / 2 / 168 _ 169 .

المسألة 149: لو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً، فلا شيء على المقتص(1)، نعم إن أوجب ذلك تلف الحمل ففيه الدية، وهي تحمل على العاقلة، وإن لم تلجه الروح على المشهور، ولكن الأظهر أن الدية على المتلف نفسه قبل ولوج الروح في الحمل .

_______________________________________________________________

بمراعتها على وجه يتعذر إقامة البينة عليها فيقبل قولها فيه كالحيض، وقال صاحب الجواهر: بل لم نجد مخالفاً صريحاً فإن المصنف والفاضل في القواعد والشيخ في محكي المبسوط وإن ذكر وإن الأولى الاحتياط وقلت يمكن إرادتهم الاحتياطاللازم(1) .

فالمسألة مظنة للإجماع مضافاً إلى قبول قولهن في نظائره كما مرّ في الآية المباركة، أمّا ما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بما أنّه لا إجماع فيها كما عرفت فلا دليل على قبوله(2)،

وفيه أنّه (قدس سرُّه) لم يقل بحجية الإجماع، فوجود الإجماع وعدمه سواء في نظره ونظرنا فهو ليس بحجة .

(1) وذلك لأنّ القاتل قصاصه لم يكن عن باطل فما دام لم يعلم بالحمل فلا حرمة، ولكن بما أنّه قتل نفساً فلابد من دفع الدية حتى لا يهدر دم مسلم، وهل الدية تكون على العاقلة مطلقاً ولو قبل ولوج الروح ؟ المشهور كذلك، ولكن بعد الولوج بما أنّه قتل نفسه خطأ تكون الدية على العاقلة وإنما قبل ولوج الروح لا يصدق القتل أصلاً، فلا معنى للقول بأنّ الدية تكون على العاقلة، فلابد من الرجوع لإطلاقات إسقاط الجنين فإنّها واردة بأنّ الدية على نفس المقتص لأنّه مسبب للإسقاط، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإن تم إجماع فهو وإلا فلا، فالأظهر الدية على المقتص نفسه(3)، ولعل مراده من الإجماع الاتفاق وإلا الإجماع

ص: 188


1- الجواهر / 42 / 322 _ 323 .
2- المباني / 2 / 168 .
3- المباني / 2 / 170 .

المسألة 150: لو قطع يد شخص، ثم قتل شخصاً آخر، فالمشهور بين الأصحاب أن تقطع يده أولاً، ثم يقتل(1)، وفيه إشكال بل منع وإذا قتله أولياء المقتول قبل قطع يده، فهل تثبت الدية في ماله أم لا ؟ وجهان ولا يبعد ثبوتها(2)، كما مرّ في قتل شخص أثنين .

_______________________________________________________________

في نظره ونظرنا ليس بحجة، ورد الإجماع أم لا فإن الدية تكون على المقتص.

(1) فالمشهور كذلك للجمع بين الحقين، وقد ادعي الإجماع، فلو قتله ولي المقتول فقد أثم ولابد من تعزيره لمخالفته للحكم وهو الصبر حتى يقطع يده .

والحق أن هذا الكلام غير تام بعد أن كان للولي السلطنة في عدم إبقاء حقه ولا دليل على تقييد ذلك، ولا يجب عليه التحفظ على حق من قطعت يده، غاية الأمر أنّه لا يجوز له المنع إذا أراد استيفاء حقه وهو قطع اليد فلا مانع من الاقتصاص .

قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ويؤيد ما ذكرناه أنّه لو كان من قطعت يده غائباً لم يجب على ولي المقتول تأخير القصاص إلى أن يحضر(1)

وإلا لو كان الحق كما يقولون الواجب عليه الصبر حتى يحضر ويقطع يد الجاني ثم يقتله وهذا قد يستوجب تضييع حقه .

(2) أمّا ثبوت الدية في ماله فلئلا يذهب دم المسلم هدراً، لأنّه قتل ولم يبق له موضوع في استيفاء حقه، فما ذكره صاحب العروة ولا ضمان .

نعم لا ضمان على الولي المقتص لأنّه مستحق للكل، أمّا عدم الضمان مطلقاً فغير صحيح لأنّه يذهب كما ذكرنا دم المسلم هدراً، وقد مرّ في مسألة ما إذا قتل شخصين واقتص منه أحد الاولياء، فالدية تكون على الآخر على تفصيل ذكرناه .

ص: 189


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 170 .

المسألة 151: إذا قطع يد رجل ثم قتل شخصاً آخر فاقتص منه بقطع يده وبقتله، ثم سرت الجناية في المجني عليه فمات(1)وجبت الدية في مال الجاني .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّ السراية قد تكون قبل القود فهما سواء في القود وحكم المسألة حكم ما إذا قتل شخصين، لأنّ سبب الاستحقاق تارة يكون بواسطة حق المباشر وأخرى بواسطة سراية الجناية، وفي هذه الصورة قال في الجواهر: قيل من أنّه لا يجب له في تركه الجاني شيء لأنّ الدية لا تثبت في العمد إلا صلاحاً والفرض عدمه، والقصاص قد فات محله(1)،

وقد ادعي الأصل، والأصل يمكن الرجوع إليه إذا لم يكن هناك دليل، والدليل أن دم المسلم لا يذهب هدراً .

وأمّا الجواب عن الجواهر فإنما يتم لو كانت _ كما هو المعروف _ السراية في الجناية العمدية في حكم القتل العمدي، إذاً لابد من القصاص دون الدية، والدية تكون بالتراضي وقد فات محله، أمّا إذا قلنا كما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بأن السراية إلى النفس في الجناية العمدية ليست في حكم العمد، بل هي حكم القاتل الشبيه بالعمد والثابت فيه الدية في مال الجاني وهنا تكون الدية ثابته، مضافاً إلى ما ذكر عدم جواز هدر دم المسلم .

ص: 190


1- الجواهر / 42 / 326 .

المسألة 152: إذا قطع يد شخص ثم اقتص المجني عليه من الجاني فسرت الجنايتان، فقد تكون السراية في طرف المجني عليه أولاً ثم في الجاني، وأخرى تكون بالعكس، أمّا على الأول فالمشهور أن موت الجاني يقع قصاصاً، وعلى الثاني يكون هدراً(1)، وفيه إشكال والأظهر التفصيل بين ما إذا كان كل من الجاني والمجني عليه قاصداً للقتل أو كان الجرح مما يقتل عادة، وبين ما إذا لم يكن كذلك، فعلى الثاني تثبت الدية في مال الجاني دون الأول(2).

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: لو اقتص من قاطع اليد ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني وقع القصاص بالسراية موقعة(1)،

ويقول صاحب الجواهر: ضرورة كونه حينئذٍ كمن باشر قتله بعد موت المجني عليه(2).

وأمّا لو سرى القطع إلى الجاني أولاً، ثم سرى قطع المجني عليه لم تقع سراية الجاني قصاصاً، لأنّها حاصلة قبل سراية المجني عليه، فتكون هدراً كما ذكره المحقق، وفي الجواهر لا قصاصاً لكونها غير مضمونة بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الشيخ مع الفاضلين والشهيدين إذ لا يكون القصاص سلفاً .

(2) التفصيل هو أولى كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه في صورة ما إذا قصد القتل أو الجرح الذي مما يقتل به عادة، فبعد السرايةللمجني عليه فإنّه لا يطلب إلا نفسه فلا معنى للدية، لأنّ موته بمنزلة القصاص، ولكن في صورة ما إذا لم يقصد القتل، والقتل وقع بالسراية بدون قصد الجاني ذلك، فلا يقع موت الجاني هدراً فلابد من الضمان من الجاني .

ص: 191


1- شرائع الإسلام / 4 / 232 .
2- الجواهر / 42 / 333 .

المسألة 153: حق القصاص من الجاني إنما يثبت للولي بعد موت المجني عليه، فلو قتله قبل موته كان قتله ظلماً وعدواناً، فيجوز لولي الجاني المقتول الاقتصاص منه، كما أن له العفو والرضا بالدية، وأمّا دية المجني عليه بعد موته فهي من مال الجاني(1).

المسألة 154: لو قتل شخصاً مقطوع اليد، قيل إن كانت يده قطعت في جناية جناها، أو أنّه أخذ ديتها من قاطعها، فعلى المقتول إن أراد الاقتصاص أن يرد دية يده إليه، وإلا فله قتله من غير ردّ، ولكن الأظهر عدم الرد مطلقاً(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك معلوم لعدم ثبوت الموضوع، فإن القصاص قبل الموت من الولي يكون ظلماً، قال تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» فإذا بادر وقتل الجاني فيجوز لولي الجاني الاقتصاص منه كما أن له الرضا بالدية أو العفو لما ورد من الروايات بأن لولي المقتول القصاص، أو الرضا بالدية، أو العفو أمّا دية المجني عليه حيث أنّه لم يبق هناك موضوع للقصاص يكون من مال الجاني وإلا يذهب دمه هدراً .

(2) قال المحقق في الشرائع: لو قطع يد إنسان فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس بعد رد دية اليد، ويعلل هذا في الجواهربقوله: لأنّه لا يقتل الكامل كمثل هذا بالناقص إلا بعد ذلك لما تسمعه من خبر سورة وغيره لا للقياس على المرأة الذي هو باطل عندنا، كما لا يؤخذ منه إلا دية لناقص، والفرض أن المقطوع بعد عفوه صار كذلك(1)،

والرواية عن سورة بن كليب، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول أقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها عن نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده

ص: 192


1- الجواهر / 42 / 335، وشرائع الإسلام / 4 / 232 .

المسألة 155: لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصاً، وظن أنّه قتله فتركه وبه رمق، ثم برئ، قيل ليس للولي قتله حتى يقتص هو من الولي بمثل ما فعله(1)ولكن الأظهر إن ما فعله الولي إن كان سائغاً كما إذا ضربه بالسيف في عنقه فظن أنّه قتله فتركه، ولكنه لم يتحقق به القصاص، جاز له ضربه ثانياً قصاصاً، وإن كان ما فعله غير سائغ جاز للمضروب الاقتصاص منه بمثل ما فعله .

_______________________________________________________________

من الذي قطعها، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤا اطرحوا عنه دية يده وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت من غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي»(1)

والرواية ضعيفة من جهة السند لأنّه في الطريق سورة بن كليب النهدي وهو إمامي مجهول، نعم لو كان إمامياً معلوماًولو لم يوثق فتدخل في الحسنة كما روايات أبي إبراهيم .

(1) هذا على إطلاقه غير تام، بل كما قال المحقق: لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصاً وتركه ضناً إنّه قتله وكان به رمق فعالج نفسه وبريء لم يكن للولي القصاص في النفس حتى يقتص منه بالجراحة أولاً(2)،

والمستند هو رواية أبان بن عثمان وضعف على إرساله السند، والأقرب أن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به اقتص منه، وإلا كان له قتله ثانياً كما ظن أنّه أبان عنقه ثم تبين خلاف ظنه بعد اصلاحه، فهذا له قتله ولا يقتص من الولي لأنّه فعل سائغ، كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فعل الولي إن لم يكن سائغاً فهو ظالم في فعله وللجاني الاقتصاص

ص: 193


1- الوسائل باب 50 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- شرائع الإسلام / 4 / 233 .

................................

منه، وأمّا إذا كان سائغاً فقد وقع في محله، ولكن حيث لم يترتب عليه الموت جاز له الضرب ثانياً، نعم كان الضرب الأول لم ينطبق على عنوان القصاص ووقع جنباً عنه خارجاً فلا يذهب هدراً، ويثبت على الولي الدية له بذلك، وأمّا مستند القول المزبور هو رواية عثمان(1)،

والرواية هكذا محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أحدهما (علیهما السلام) «قال: أُتي عمر بن الخطاب برجل قد قتل أخا رجل فدفعه إليه وأمره بقتله، فضربه الرجل حتى رأى أنّه قد قتله، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه فبرأ، فلما خرج أخذه أخو المقتول الأول، فقال: أنت قاتل أخي ولي إن أقتلك، فقال: قد قتلني مرة فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله، فخرج وهو يقول: والله قتلني مرة، فمروا على أمير المؤمنين (علیه السلام)فاخبروه خبره، فقال: لا تعجل عليه حتى أخرج إليك، فدخل على عمر، فقال: ليس الحكم فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن ؟ فقال: يقتص هذا من أخ المقتول الأول ما صنع به ثم يقتله بأخيه، فنظر الرجل أنّه إن أقتص منه أتى على نفسه فعفا عنه وتتاركا»(2)، وفي المسالك: وهذه الرواية ضعيفة بالرجال والإرسال وإن كان قد عمل بمضمونها الشيخ في النهاية وأتباعه، ولذا اختار المصنف رحمه الله التفصيل، بأنّه إن كان ضربه بما ليس له الاقتصاص به كالعصا لم يكن له القصاص حتى يقتص منه الجاني أو الدية، وإن كان قد ضربه بما له ضربه به كالسيف كان له قتله من غير قصاص عليه في الجرح، لأنّه استحق عليه إزهاق نفسه وما فعله من الجرح مباح له، لأنّ جرحه بما له فعله والمباح لا يستعقب الضمان كما لو ضرب عنقه فظن أنه مات(3).

ص: 194


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 175 _ 176 .
2- الوسائل باب 61 من ابواب القصاص في النفس ح1 .
3- المسالك / 15 / 268 .

................................

أمّا من جهة الرجال ففي السند أبان وهو من الناووسية، وفيه أولاً لا يضر ذلك إذا كان ثقة، وثانياً نقل عن الاردبيلي أنّه من القادسية، ثم أن الشيخ والنجاشي شهدا بأن أبان روي عن أبي الحسن (علیه السلام) ومعه كيف يمكن أن يكون من الناووسية وهم وقفوا على الإمام الصادق (علیه السلام) وقالوا أنّه حي لم يمت وهو المهدي الموعود، ولكن يكفي الارسال، ويمكن أن يقال قضية في واقعة على فرض صحة السند .

ص: 195

الفصل الخامس: في قصاص الأطراف

المسألة 156: يثبت القصاص في الأطراف بالجناية عليها عمداً(1) وهي تتحقق بالعمد إلى فعل ما يتلف به العضو عادة، أو بما يقصد به الإتلاف، وإن لم يكن مما يتحقق به الإتلاف عادة .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى المراد من الطرف اليد والإذن والأنف وغيرهما مما هو دون النفس، وإن لم يتلف بتلك الأطراف كما في الجرح في البطن والظهر وغيرهما، وثبوت القصاص في هذه الموارد قد ادعي الإجماع عليها، بل الضرورة، ويدل عليه الكتاب والسنة .

أمّا الكتاب فقوله تعالى: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ»(1).

وأمّا الروايات فمنها: معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين فيما كان من جراحات الجسد أن فيها القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(2)،

ومعتبرته الأخرى عن أبيعبدالله (علیه السلام) «قال: قضى

ص: 196


1- سورة المائدة الآية / 45 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح3.

المسألة 157: يشترط في جواز القصاص فيها البلوغ والعقل(1) وإن لا يكون الجاني والد المجني عليه(2).

_______________________________________________________________

أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللطمة إلى أن قال، وأمّا ما كان من جراحات في الجسد فإن فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(1)،

وغيرها من الروايات .

وأمّا معنى العمد فهو عرفي فلا يحتاج إلى الدليل، وقد ذكر صاحب التحرير بقوله: يجب القصاص في الطرف مع إتلافه عمداً دون الخطأ المحض وشبيه العمد، ويتحقق العمد فيه بما يتحقق في النفس من الجناية عليه بما يتلف به غالباً أو القصد إلى إتلافه بما يتلف به نادراً(2).

(1) والمسألة اتفاقية ولأنّها من الشروط العامة .

(2) قال في التحرير: ويشترط فيه التساوي في الإسلام والحرية وكون المقتص منه أخفض وانتفاء الأبوة فلا يقتص من الأب وإن علا للأبن(3)وقد دلت على ذلك عدة نصوص كصحيحة حمران عن أحدهما (علیه السلام) «قال: لا يقاد والد بولده، ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً»(4)، وصحيحة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: قضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع وغيره ويكون له الدية ولا يقاد»(5)،مضافاً إلى ما ورد من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمداً»(6)

وصحيحته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: عمد الصبي

ص: 197


1- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح5 .
2- التحرير / 5 / 505 .
3- التحرير / 5/ 505 .
4- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح1.
5- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح3 .
6- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح1.

ويعتبر فيه أيضاً أمران: الأول التساوي في الحرية والرقية، فلا يقتص من الحر بالعبد(1).

_______________________________________________________________

وخطاه واحد»(1)

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة».

(1) يشترط التساوي في ذلك من الإسلام والحرية، فلا المسلم بالكفار يقتص منه، ولا يقتص من الحر إذا قتل عبداً، ولا العكس من قصاص العبد بالحر، بل يقتص من الحر بالحر والحرة بالحرة، ولا فرق بين عدم القصاص من الحر بالعبد ذكراً كان أو أنثى، والمسألة غير خلافية وفي الجواهر الإجماع بقسميه(2)، وصحيحة الحلي عن الصادق (علیه السلام) التي مرّ ذكرها وصحيحة أبي ولاد الحناط «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر إلى أن قال ولا تقاص بين المكاتب وبين العبد إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئاً»(3)فهي دالة على أن المكاتب الذي تحرر جزئياً منه لا يقتص بالعبد فضلاً عن الحر، ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «قال: ليس بين العبد والحر قصاص فيما دون النفس وليس بين اليهودي والنصراني والمجوسي قصاص فيما دون النفس»(4)،

وقال في التحرير: يشترط في قصاص الطرف أمور ثلاثة التساوي في المحل والصفات، والعدد، فتقطع اليمنى بمثلها، لا باليسرى ولا بالعكس، ولا السبابة بالوسطى، ولا الزائدة بالأصلية، ولا بالعكس،

ص: 198


1- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح3 .
2- الجواهر / 42 / 91.
3- الوسائل باب 46 من ابواب القصاص في النفس ح1.
4- الوسائل باب 22 من ابواب قصاص الطرف ح3 .

................................

ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحل وإن تساويا في الحكومة .

وأمّا الصفات فلا تقطع الصحيحة بالشلاء وإن رضي الجاني، فلا تقطع الشلاء بمثلها، وبالصحيحة إلا أن يحكم أهل المعرفة بعدم الحسم فتثبت الدية حذراً من السراية، ولا يضم إلى الشلاء أرش الأمثل، وكذا ذكر الأشل وهو الذي لا يتقلص في برد ولا يسترسل في حر، ولا يقطع الصحيح بذَكَر العنيّن، ويقطع ذكَر الصحيح البالغ بذكر الصبي والخصي، وذكر الشاب بالشيخ والأغلف والمجنون سواء، ويقطع العنين بذكر الصحيح، ويقطع أذن الأصم بأذن السميع وبالعكس، والأنف الشام بفاقده وبالعكس وأنف المجذوم بالصحيح إذا لم يسقط منه شيئاً والأذن الصحيحة بالأذن المثقوبة إذا لم يكن شيّناً، ولا تؤخذ الصحيحة بالمخرومة إلا أن يرد دية الخرم وإلا اقتص إلى حد الخرم، ويأخذ دية الباقي .

أمّا العدد، فلا يقطع الكف الكامل بالناقص بأصبع، ولو قطع يداً كاملةويده ناقصة اصبعاً فللمجني عليه قطع الناقصة، وتردد الشيخ في أخذ دية الأصبع فأوجبه في الخلاف ومنع منه في المبسوط إلا أن يكون قد أخذ ديتها فله المطالبة حينئذٍ، والأقرب عندي ما ذكره(1).

ص: 199


1- التحرير / 5 / 505 _ 506 .

المسألة 158: لو جرح العبد حراً كان للمجروح الاقتصاص منه(1) كما أن له استرقاقه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، وإلا فليس له استرقاقه إذا لم يرض مولاه، ولكن عندئذٍ إن افتداه مولاه وأدى دية الجرح فهو، وإلا كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جرحه، والباقي لمولاه، فيباع العبد ويأخذ المجروح حقه، ويرد الباقي على المولى .

_______________________________________________________________

(1) وذلك للقاعدة والمسألة غير خلافية، يقتص للحر من العبد والخيار يكون بيد الحر لا المولى، كما يظهر في صحيح زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته»(1) وصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه «قال: في عبد جرح حراً، فقال: إن شاء الحر اقتص منه، وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحه، والباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على المولى»(2).

ص: 200


1- الوسائل باب 45 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

المسألة 159: إذا جنى حر على مملوك فلا قصاص، وعليه قيمة الجناية، فإن كانت الجناية قطع يده _ مثلاً _ وجب عليه نصف قيمته وإن سرت فمات المملوك فعليه تمام القيمة(1)، ولو تحرر فسرت الجناية إلى نفسه فمات بعد تحرره فعلى الجاني دية الحر(2).

_______________________________________________________________

(1) سواء كان في الطرف أو النفس وذلك لعدم التساوي المعتبر في القصاص، لأن التساوي معتبر في الحرية، والرقية، في القصاص والمسألة غير خلافية كما ادعي في الجواهر: بل الاجماع بقسميه(1)،

والعمدة الروايات ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لا يقتل الحر بالعبد، وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضرباً شديداً»(2)وغيرها

من الروايات، لأنّه كلما كان للإنسان شيئان كاليدين قيمته تامة فإن اليد الواحدة تعادل النصف وإن جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن، فالقيمة في المملوك بمنزلة دية الحر، وكما تقسم الدية على اعضاء الحر فكذلك تنقسم القيمة على أعضاء العبد .

(2) لأن الموت مستند إلى جنايته إذاً لابد من إعطاء تمام القيمة، ولا معنى لدفع دية الطرف أيضاً، بل تدخل في دية النفس .

ص: 201


1- الجواهر / 42 / 345 .
2- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح2 .

ولمولاه قيمة الجناية من الدية والباقي لورثته(1)، وإن كانت القيمة أكثر من دية ذلك العضو فليس للمولى إلا مقدار الدية دون قيمة الجناية(2)، وإن كانت أقلّ فللمولى قيمة الجناية، هذا إذا لم تنقص قيمة الجناية بالسراية، وأمّا إذا نقصت بها، كما لو قطع يد مملوك، وقطع آخر يده الآخرى، وقطع ثالث رجله، ثم سرى الجميع فمات، سقطت دية الأطراف ودخلت في دية النفس(3)، ففي هذه الصورة تنقص قيمة الجناية بالسراية من النصف إلى الثلث، فليس للمولى إلا ذلك الناقص وهو ثلث الدية(4)، ولا يلزم الجاني بتلك النقيصة .

_______________________________________________________________

(1) أيضاً لاستناد موته إليه، فيجب عليه دفع دية الحر وقسم من هذه الدية وهو أن قيمة الجناية لمولاه والباقي للورثة، لأنّه مال للميت وينتقل إليهم كسائر أمواله .

(2) بعد أن أصبحت الزيادة ناشئة من جهة الحرية والمولى فقط يستحق دية الجناية .

(3) لما ذكرنا لا معنى لوجوب ديتين على الجاني .

(4) يجب على الجاني دفع تمام الدية فقط لو كان القاطع شخصاً واحداً ولكن فبما أن القاطع يكون متعدد وهم ثلاثة فينقص استحقاق المولى من النصف إلى الثلث فينقص قيمة جناية كل من النصف إلى الثلث وليس للجاني إعطاء النقيصة، لأنّ عليه دية واحدة .

ص: 202

المسألة 160: لو قطع حر يد عبد قاصداً قتله فأعتق، ثم جنى آخر عليه كذلك فسرت الجنايتان فمات، فللمولى على الجاني الأول نصف قيمة العبد على أن لا تتجاوز نصف دية الحر(1)، وعلى الجاني الثاني القود(2)، فإن اقتص منه، فعلى المقتص أن يرد إلى ولي المقتص منه نصف دية الحر .

المسألة 161: لو قطع حر يد عبد ثم قطع رجله بعد عتقه، كان عليه أن يرد قيمة الجناية الأولى إلى مولاه(3)، وأمّا بالإضافة إلى الجناية الثانية فكان للعبد المعتق الاقتصاص من الجاني بقطع رجله، وإن عفا ورضى بالدية كانت له(4)ولا صلة للمولى بها أصلا(5).

_______________________________________________________________

(1) أمّا نصف دية العبد فلأنّه قطع منه يداً واحدة، أمّا بشرط عدم التجاوز لأنّه لو تجاوز قيمته قيمة الحر يرجع إلى قيمة الحر .

(2) لأنّه قتل حراً، ولكن بما أنّه ناقص فلابد أن يدفع إليه قيمة النقص وهي النصف .

(3) أي قيمة يد العبد إلى مولاه .

(4) التساوي في الدين .

(5) لأنّه قطع رجل حر فعليه أن يقتص منه كما أن له أن يأخذ نصف دية الحر بعد مراضاتهما وبعد إن اعتق فلا صلة للمولى بالدية اصلاً .

ص: 203

المسألة 162: إذا جنت المرأة على الرجل، اقتص الرجل من المرأة من دون اخذ شيء منها(1)، وإن جنى الرجل على المرأة اقتصت المرأة منه بعد رد التفاوت إليه إذا بلغت دية الجناية الثلث، وإلا فلا، فلو قطع الرجل اصبع امرأة جاز لها قطع اصبعه بدون رد شيء إليه، ولو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد رد نصف دية يده إليه(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا أصل جواز الاقتصاص فمما لا خلاف فيه، ويدل عليه الكتاب والسنة، وفي الرياض: لا يشترط التساوي في الذكورة والأنوثة بل يقتص للرجل من المرأة ولا رد، وللمرأة من الرجل مع الرد فيما زاد عن الثلث أو بلغه على الخلاف المتقدم، وهو مع نقل الإجماع والنصوص المستفيضة على ثبوت أصل التقاص بينهما في بحث الشرط الأول من شرائط القصاص الخمسة(1).

(2) أي لا يؤخذ ما فضل من دية الحر من المرأة أو من الولي، والمسألة غير خلافية، مضافًا إلى ما ورد من الروايات .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: جراحات الرجال والنساء سواء، سن المرأة بسن الرجل، وموضحة المرأة بموضحة الرجل، وأصبع المرأة بأصبع الرجل حتى تبلغ الجراحة ثلث الدية فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة»(2).ومنها: معتبرة ابن أبي يعفور «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قطع أصبع امرأة، قال: تقطع أصبعه حتى ينتهي إلى ثلث المرأة، فإذا جاز الثلث أضعف الرجل»(3).

ص: 204


1- الرياض / 16 / 320 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح4.

................................

ومنها: صحيحة الحلبي «قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص سواء، فقال: الرجال والنساء في القصاص السن بالسن، والشجة بالشجة، والأصبع بالأصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث صيّرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية، ودية النساء ثلث الدية»(1).

ويقتص للمرأة من الرجل ولكن بعد ردّ التفاوت في النفس والطرف متفق عليه، والرد إنما هو فيما إذا بلغ الثلث وأما قبل ذلك فلا ردّ وتتساوى ديتها، وتدل على وجوب الرد صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل فقأ عين امرأة، فقال: إن شاؤوا أن يفقؤوا عينه ويؤدوا إليه ربع الدية وإن شاءت أن تأخذ ربع الدية، وقال: في امرأة فقأت عين رجل أنّه إن شاء فقأ عينها، وإلا أخذ دية عينه»(2).

وأمّا ما ورد في موثقة زيد بأنّه الاقتصاص إلا في النفس بقوله عن زيد ابن علي عن آبائه (علیهم السلام) «قال: ليس بين الرجال والنساء قصاص إلا في النفس»(3)وأنّها

شاذة لم يعمل بها أحد، ومع ذلك معارضة للروايات ولظاهرالكتاب: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ»(4)، إذاً لابد من طرح الرواية .

ص: 205


1- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح6.
2- الوسائل باب 2 من أبواب قصاص الطرف ح1.
3- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح7 .
4- سورة المائدة الآية / 45 .

المسألة 163: المشهور اعتبار التساوي في السلامة من الشلل في الاقتصاص(1).

_______________________________________________________________

(1) يقول في الجواهر: وبالجملة كل ما عرفته من شرائط القصاص في النفس معتبر في القصاص في الطرف _ التساوي في السلامة _ فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء، والمسألة غير خلافية كما ادعى الجواهر(1)واستدل برواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قطع يد رجل شلاء، قال: عليه ثلث الدية»(2)،

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) الرواية ضعيفة من جهة السند والدلالة، أمّا سنداً فلأن سندها بحماد بن زياد وهو مجهول ورواية الحسن بن محبوب عنه لا تدل على توثيقه على ما فصلناه في محله، أمّا من جهة الدلالة فلأنّها في مقام بيان مقدار الدية، ولم تتفرق للقصاص لا نفياً ولا إثباتاً(3) وهكذا رواية عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه عبد الرحمن عن جعفر عن أبيه (علیهم السلام) «أنّه جعل في السن السوداء ثلث ديتها وفي يد الشلاء ثلث ديتها، وفي العين القائمة إذا طمست ثلث ديتها، وفي شحمة الأذن ثلث ديتها، وفي الرجل العرجاء ثلث ديتها، وفي خشاش الأنف في كل واحد ثلث الدية»(4) والرواية مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً بيوسف بن حارث، ودلالة لأنّها في بيان مقدار الدية ولا تكون ناظرة إلى القصاص وهكذا رواية الحسن بن صالح فإنّها ضعيفة سنداً، فإن حسن بنصالح لم يذكر بتوثيق ولا مدح على أنّها لا إطلاق لها من هذه الجهة، فإن الظاهر أنّها في مقام بيان مقدار الدية فحسب، وهكذا بقية الروايات أما غير تامة سنداً .

ص: 206


1- الجواهر / 42 / 348 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .
3- المباني / 2 / 186 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الاعضاء ح13 .

فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء وأن بذل الجاني يده للقصاص وهو لا يخلو من إشكال بل لا يبعد عدمه، وأمّا اليد الشلاء فتقطع باليد الصحيحة بلا إشكال(1)، إلا أن يحكم أهل الخبرة أنّها لا تنحسم فعندئذٍ لا يجوز قطعها وتؤخذ الدية(2).

_______________________________________________________________

وأمّا غير تامة دلالة كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يكسر ظهره، قال: فيه الدية كاملة، وفي العين الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وفي الأذنين الدية، في أحدهما نصف الدية، وفي الذَكَر إذا قطعت الحشفة وما فوق الدية وفي الأنف إذا قطع المارن الدية، وفي الشفتين الدية»(1) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فالنتيجة أنّه لا دليل على اعتبار التساوي في السلامة ماعدا دعوى الإجماع إن تم فهو وإلا فلا يبعد عدم اعتباره لإطلاق الآية الكريمة: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» والعجب أنّه لا يكون الإجماع حجة عنده فكيف يقول (إن تم فهو) ولكن مع ذلك نقول بعدم القطع للاتفاق .

(1) لعموم الأدلة ولا دليل على التقييد، ويقول في الجواهر: بل لا يضم إليها أرش للأصل وغيره بعد تساويهما في الجرم ونحوه وإنما الاختلاف فيالصفة التي لا تقابل بالمال كالرجولة والأنوثة والحرية والعبودية والإسلام والكفر فإنّه إذا قتل الناقص منهم بالكامل لم يجبر بدفع أرش خصوصاً بعد قولهم (علیهم السلام) «إن الجاني لا يجني أكثر من نفسه»(2).

(2) لأنّه يجب تحفظ نفسه فلو قطع يده فيستوجب موته فلا يجوز، وأمّا الدية لئلا يذهب دم المسلم هدراً .

ص: 207


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الاعضاء ح4 .
2- الجواهر / 42 / 349 .

المسألة 164: لو قطع يمين رجل قطعت يمينه إن كانت له يمين وإلا قطعت يساره على إشكال وإن كان لا يبعد جوازه(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه لابد أن يقطع اليمين باليمين واليسار باليسار، وقد ذكر صاحب التحرير: لو قطع يمين غيره ولا يمين له قطعه يسراه، ولو لم يكن له يسار، قطعت رجله عملاً بالرواية(1)،

والمسألة غير خلافية هذا إذا كان له يمين، وأمّا مع عدم وجوده فيقول المحقق: تقطع اليمين باليمين فإن لم يكن له يمين قطعت لها يساره(2)

ويدل عليه صحيحة محمد بن قيس «قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) عن أعور فقأ عين صحيح، فقال: تفقأ عينه، قال قلت: يبقى أعمى ؟ قال (علیه السلام) الحق أعماه»(3)،

وبإطلاقها تدل على القصاص فيما إذا كانت عين الأعور الصحيحة غير المماثلة للعين المفقوة من جهة الطرف، بل يمكن أن يقال بأنّ الظاهر من السؤال والجواب أن توقف السائل لم يكن من ناحية عدم المماثلة بل من جهة بقائه أعمى، وهذا أقوى شاهد على أنّ صدق المماثلة مفروغ عنها في حالة وجودها .

ص: 208


1- الوسائل باب 12 من أبواب قصاص الطرف ح3، وانظر تحرير الاحكام / 5 / 507 .
2- الشرائع / 2 / 234 .
3- الوسائل باب 15 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

وإن لم تكن له يسار فالمشهور أنّه تقطع رجله إن كانت، وفيه إشكال والأقرب الرجوع فيه إلى الدية(1).

_______________________________________________________________

(1) والحكم يكون هو المشهور عندهم وادعوا الإجماع، ويؤيد ذلك خبر حبيب السجستاني «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، قال، فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولاً وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه اخيراً، لأنّه إنما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول، قال، قلت: إن علياً (علیه السلام) إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، فقال: إنما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد، (يدان) والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد، فقلت له أو ما توجب عليه الدية وتترك رجله ؟ فقال: إنما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان، فثم تجب عليه الدية لأنّه ليس له جارحة يقاص منها»(1)،

والرواية صحيحة سنداً إلى حبيب المذكور، أمّا هو فلا، يقول في المسالك: بأنّه نص على توثيق حبيب، وقال حينئذٍ فإطلاق جماعة من الأصحاب صحة الرواية مدخول أمر ومحمول على الصحة كما تقدم في نظائره، وهذا هو السر في نسبة المصنف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح له، ولكن عمل بمضمونها الشيخ والأكثر وردها ابن إدريس في السرائر وحكم بالدية بعد قطع اليد لمن بقي وهو الأقوى، لأنّ قطع الرجل باليد على خلاف الأصل، فلابد له من دليل صالح وهو منفي وفي قوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِوَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» ما يدل على اعتبار المماثلة والرجل ليس مماثلة لليد(2)،

ولذا نسب إلى المحقق الصحة استناداً إلى الرواية، والحق إن الرواية

ص: 209


1- الوسائل باب 12 من أبواب قصاص الطرف ح2 .
2- مسالك الافهام / 15 / 272 .

المسألة 165: لو قطع أيدي جماعة على التعاقب كان حكمه في الاقتصاص وأخذ الدية حكم من قتل جماعة على التعاقب على تفصيل تقدم في قصاص النفس(1).

المسألة 166: لو قطع اثنان يد واحد جاز له الاقتصاص منهما بعد ردّ دية يد واحدة إليهما، وإذا اقتص من أحدهما ردّ للآخر نصف دية اليد إلى المقتص منه، كما أن له مطالبة الدية منهما من الأول(2).

_______________________________________________________________

ضعيفة سنداً، والإجماع والشهرة لا دليل على حجيتها، فلابد من الرجوع إلى الدية وعدم جواز القطع .

(1) أي قطع يمنى للأول واليسرى للثاني ورجليه للثالث والرابع والدية لما بعد الرابع إن قلنا بالمشهور، وإلا لما بعد الثاني لابد من إعطاء الدية .

(2) والحكم هنا حكم من اشترك اثنان في قتل واحد حيث ذكرنا أنّه يجوز قتلهما معاً بعد ردّ الدية الواحدة إلى أولياء من قتلهما وله قتل أحدهما ويدفع الثاني نصف ديته إلى المقتص منه وله مطالبة الدية منهما من الأول ويدل على ذلك صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل قال (علیه السلام) إن أحب أنيقطعهما أدى إليهما دية يد، قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية»(1).

ص: 210


1- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

المسألة 167: يثبت القصاص في الشجاج الشجة بالشجة(1) ويعتبر في التساوي طولاً وعرضاً(2).

_______________________________________________________________

(1) كل جرح في الرأس أو الوجه يسمى شجاجاً، وفي البدن يسمى جرحاً، والشجاج ثمان يأتي تفصيلها . ولا يخفى بأنّه لا خلاف عندهم في ثبوت القصاص في الشجة، والشجة تكون بالشجة، ويدل على ذلك الآية الشريفة: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» وجملة من الروايات منها معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) فيما كان من جراحات الجسد أن فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(1)

ومعتبرته الأخرى عنه (علیه السلام) «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللطمة إلى أن قال: وأمّا ما كان من جراحات في الجسد فإن فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(2)، ويؤيد ذلك أيضاً خبر الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر (علیه السلام) «ليس الخطأ مثل العمد، العمد فيه القتل، والجراحات فيها القصاص والخطأ في القتل والجراحات فيها الديات»(3).

(2) طولاً أو عرضاً والمسألة اتفاقية كما يظهر من كلام صاحب الرياض أي الجرح والشق اتفاقاً على الظاهر المصرح به في بعض الروايات قيل لإشعار لفظ القصاص به وللاعتبار، فلا يقابل ضيقة بواسعة ولا يقنع بضيقه عنواسعة، بل يستوفي بقدر الشجة(4)،

في البعدين .

ص: 211


1- الوسائل باب 13 من أبواب القصاص ح3 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب القصاص ح5 .
3- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
4- الرياض / 16 / 323 .

وأمّا العمق فالعبرة فيه بحصول الاسم(1).

المسألة 168: يثبت القصاص في الجروح فيما إذا كان مضبوطاً بأن كان القصاص بمقدار الجرح وأمّا إذا كان غير مضبوط وموجباً لتعريض النفس على الهلاك أو زيادة في الجرح أو تلف العضو كالجائفة والمأمومة والهاشمة والمنقلة ونحو ذلك لم يجز(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا العمق فلا يعتبر فيه التساوي نزولاً وعمقاً، بل يعتبر فيه الاسم المخصوص الذي جعلت الجناية به كالموضحة والباضعة، ويدل عليه الإجماع المعبر في كلام جماعة، كما في الرياض: بإجمعاعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر(1)،

وذلك لندرة التساوي بالنسبة إلى حصول العمق خصوصاً مع اختلاف الرؤوس بالنسبة إلى السمن والهزل وغلظ الجلد ودقته إذاً تكون العبرة بصدق الاسم حتى لو كان العمق نصف الانملة، جاز في القصاص من الزيادة عليه ما لم ينته إلى مقدار يختلف فيه الاسم .

(2) أي لا تعريف فيه بالنفس أو الطرف كالباضعة والسمعاق والموضحة أي بأن يكون الجرح مضبوطاً وكان القصاص بمقدار الجرح ولا يوجب في القصاص تعريض النفس إلى الهلاك أو إتلاف عضو آخر للسراية بل ولو فرض أن فيه تعريضاً، فلا يجوز إذا كان زيادة في الجرح، إذاً فلا قصاص فيما فيه التعريض، كالمأمومة، والجائفة، وقد ادعى الإجماع عليه مضافاً إلى ما وردفي الآية الشريفة: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(2) ففي مثل هذه الأمور لا يجوز فيها القصاص إلا الحكومة، وتدل على ذلك جملة من الأخبار منها كمقطوع أبان

ص: 212


1- الرياض / 16 / 323 .
2- سورة البقرة الآية / 194 .

وينتقل الأمر فيها إلى الدية الثابتة بأصل الشرع أو بالحكومة(1).

_______________________________________________________________

«الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلا الحكومة»(1)،

ومقطوعة أبي حمزة(2)، وفي الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلا الحكومة ... الخ الحديث، ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر (علیه السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان يقول: ليس في عظم قصاص»(3).

وأمّا صحيح أبي بصير عن الإمام الصادق (علیه السلام) «عن السن والذراع يكسران عمداً أولهما أرش أو قود ؟ فقال (علیه السلام) قود»(4).

فحمله الشيخ على ما إذا كان المكسور شيء لا يرجى إصلاحه، ولكن الحق أنّه يرد علمها إليهم (علیهم السلام) .

(1) أمّا وجوب الدية فلأجل أن لا يذهب دم المسلم هدراً، فإذا لم يمكن القصاص لابد من إعطاء الدية .

ص: 213


1- الوسائل باب 16 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب قصاص الطرف ح2 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
4- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح4 .

المسألة 169: يجوز الاقتصاص قبل الاندمال وإن احتمل عدمه(1).

_______________________________________________________________

(1) وهناك قول من الشيخ في المبسوط: إذا قطع يد رجل كان للمجنى عليه أن يقتص من الجاني في الحال والدم جارٍ، لكن يستحب له أن يصبر لينظر ما يكون فيها من اندمال أو سراية، وفيه خلاف ويقتضي مذهبنا التوافق لأنّه إن سرى إلى نفس دخل قصاص الطرف في النفس عندنا على ما بيناه بينا(1) وفي الخلاف الجواز بقوله: إذا قطع يد رجل كان للمجني عليه أن يقتص من الجاني في الحال والدم جارٍ ولكن يستحب له أن يصبر لينظر ما يكون منها من اندمال أو سراية وبه قال الشافعي(2)،

ولكن المشهور على جواز ذلك لإطلاق الآية الشريفة: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» وقوله جل وعلا: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» وقوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ»(3)، وأمّا الاحتمال فيرفع بالأصل، وأمّا ما ورد من معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر (علیه السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان يقول: لا يقضى في شيء من الجراحات حتى تبرأ»(4)،

والرواية وإن كانت صحيحة السند ولكن مخدوشة من جهة الدلالة لاختصاص أنّها بما إذا للبرء أثر للقضاء أو يحتمل ذلك كما إذا كانت الآلة قتّاله وقصد القتل ولكنه لم يقتل، فلا تشمل مورد السراية إذا لم يكن القتل مقصوداً، أو لم يكن الجرحمما يكون قاتلاً عادة فيكون القصاص في هذه الموارد غير ثابتاً، وأمّا إذا كان بعمله قاصداً القتل أو كان الجرح مما يقتل عادة ففي مثل ذلك يثبت القصاص .

ص: 214


1- المبسوط / 5 /93 .
2- الخلاف / 5 / 196 .
3- سورة النحل الآية / 126 .
4- الوسائل باب 42 من أبواب موجبات الضمان ح2 .

وعلى هذا فلو اقتص من الجاني ثم سرت الجناية فمات المجني عليه، كان لوليه أخذ الدية من الجاني فيما إذا لم يكن القتل مقصوداً ولم تكن الجناية مما يقتل غالباً، وإلا كان له قتل الجاني أو أخذ الدية منه، فإن قتله كان عليه دية جرحه(1).

المسألة 170: كيفية القصاص في الجروح هي أن يحفظ الجاني(2) من الاضطراب حال الاستيفاء، ثم يقاس محل الشجة بمقياس ويعلم طرفاه(3) في موضع الاقتصاص من الجاني، ثم يشرع في الاقتصاص من إحدى العلامتين إلى العلامة الأخرى .

المسألة 171: يجب تأخير القصاص في الأطراف عن شدة البرد أو الحر إذا كان في معرض السراية، وإلا جاز(4).

_______________________________________________________________

(1) لدخول قصاص الطرف في القصاص، فيجب ردّ دية الجرح .

(2) أي يربط محل القصاص، كالرجل أو اليد على شيء بحيث لا يضطرب حال الاستيفاء .

(3) بخيط أو آلة قياس ويعلم طرفاه في موضع الاقتصاص من الجاني ثم يشق من الجانب المعلم إلى الآخر .(4) إذا علم بأن شدة البرد أو الحر تؤثران في سراية الجرح ويؤديان إلى هلاك المقتص منه، فلابد من التأخير حفظاً على النفس، وفي حال عدم ذلك جاز .

ص: 215

المسألة 172: المشهور اعتبار كون آلة القصاص من الحديد، ودليله غير ظاهر، فالظاهر عدم الاعتبار(1).

المسألة 173: إذا كانت مساحة الجراحة في عضو المجني عليه تستوعب(2) عضو الجاني وتزيد عليه لصغره، لم يجز له أن يقتص من عضوه الآخر عوضاً عن الزائد، بل يجب عليه الاقتصاص على ما يتحمل ذلك العضو، ويرجع في الزائد إلى الدية بالنسبة، وكذا الحال إذا كان عضو المجني عليه صغيراً واستوعبته الجناية ولم تستوعب عضو الجاني، فيقتصر في الاقتصاص على مقدار مساحة الجناية .

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: ولا يقتص إلا بالحديدة، وكذا المحقق الاردبيلي بقوله لعل وجهه الإجماع ولا فرق في ذلك بين وقوع أصل الجناية بالحديد أو بغيره(1)،

ويؤيد الجواهر المحقق بقوله: حادة غير مسمومة ولا كالة مناسبة لاقتصاص مثله كالسكين ونحوها(2)،

لا بالسيف والكال ونحوهما، ولم يرد إجماع في كلامهم، نعم ورد في الحديث النبوي لا قصاص بغير حديد والرواية عنه (صلی الله علیه و آله وسلّم) غير ثابتة فلابد من الرجوع إلى الإطلاقات .

(2) وذلك لكبر رأسه كأن كان رأس الجاني شبراً والمجنى عليه شبرين وبعد ما قلنا بأن القصاص في الجروح يكون بالتساوي طولاً وعرضاً ولا يقاسبقصاص الأطراف، فلو كانت الجناية شبراً فيقتص منه بذلك المقدار أمّا إذا كانت شبرين فيقتص منه شبراً وبالنسبة إلى الشبر الآخر فلا يجوز التعدي منه إلى عضو آخر كالاقتصاص بذلك المقدار من الرقبة، أو الوجه مثلاً لأنّه لابد من المماثلة في

ص: 216


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14/133 .
2- الجواهر / 42 / 361 .

المسألة 174: لو قطع عضواً من شخص كالأذن فاقتص المجني عليه من الجاني، ثم الصق المجني عليه عضوه المقطوع بمحله، فالتحم وبريء جاز للجاني إزالته وكذلك الحال في العكس(1).

_______________________________________________________________

العضو والتجاوز من عضو إلى آخر يُعد اعتداءً وتجاوزاً فيرجع في الزائد إلى الدية بالنسبة إلى المساحة، لأنّ حق أمر مسلم لابد أن لا يذهب هدراً .

وأمّا الدية فأن كانت ثابتة في أصل الشريعة فهي، وإلا تثبت بالحكومة وأمّا إذا كان رأس الجاني أكبر ويكون بمقدار شبرين ورأس المجنى عليه شبراً فلا يستوعب رأس الجاني، بل لابد من الاقتصاص بمقدار شبر قال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تقدم اعتبار التساوي في المساحة في قصاص الجروح وأنّه لا يقاس ذلك بقصاص الأطراف فإن المقابلة في تلك الموارد بين طبيعي العين والعين والأنف والأنف وغيرهما، ولا نظر فيها للصغر والكبر أصلاً هذا بخلاف الجروح فإن المقابلة فيها بين الجرح ومماثلة، فلا محالة تعتبر فيه المساحة، ولكن ذلك لا يقتضي التعدي من عضو إلى آخر ففي مفروض المسألة تتعين الدية بالإضافة إلى الزائد(1).

(1) لا يخفى بأنّه لو التحمت قبل القصاص قالوا لا يسقط القصاصولكن سيأتي الكلام فيه، إنما الكلام لو التحمت أذن المجني عليه فللجاني قطعه، أمّا لو قطع من الجاني أذنه والتصقت بعد ذلك فاللمجني عليه قطعه ثانية أيضاً، وذلك لمعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) «إن رجلاً قطع من بعض أذن رجل شيئاً، فرفع ذلك إلى علي (علیه السلام) فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على أذنه بدمه فالتحمت وبرئت، فعاد الآخر إلى علي (علیه السلام) فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت، وقال (علیه السلام): إنما يكون القصاص من أجل الشين»(2)،

ص: 217


1- المباني / 2 / 196 _ 197.
2- الوسائل باب 23 من ابواب قصاص الطرف ح1.

المسألة 175: لو قطعت أُذن شخص مثلاً ثم الصقها المجني عليه قبل الاقتصاص من الجاني والتحمت، فهل يسقط به حق الاقتصاص ؟ المشهور عدم السقوط، ولكن الأظهر هو السقوط وانتقال الأمر إلى الدية(1).

_______________________________________________________________

فتكون الرواية واضحة بأنّه لكل من الجاني والمجني عليه حق لإزالته من جهة العله «إنما يكون القصاص من أجل الشين» وأمّا ما ذكر بأنّه يأمر الحاكم بالإبانة لعدم جواز حمل الميتة والنجس وفيه أنّه لا يصدق الميتة عليها بعد الالتئام ووجود آثار الحياة، بل يجوز الصلاة معها بعد إن أصبح عضواً من بدنه فلو أبانه شخص آخر فعليه القصاص بمقتضى عموم أدلة القصاص وإطلاقها .

(1) والمشهور على أخذ الاقتصاص للإطلاقات ولكن الحق أخذ الدية ولئلا يذهب دم المسلم هدراً، وأمّا عدم جواز القصاص وسقوطه لأجل التعليل من الرواية وهو تحقق الشين وارتفع، فلا مقتضى للقصاص والتعليل يفيدالإطلاق، وأمّا ما ذكره المشهور لأجل الشين كما ورد في الرواية، فإذا التحم فلم يبق شين، فلا دليل على القصاص، وما ذكره المشهور هو التمسك بإطلاق الأدلة، والالتصاق لا يكون مانعاً عن القصاص ولكن هذا الإطلاق مقيد بدليل الرواية المعللة بالشين، فظهر مما ذكرنا وكما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لا يجب القصاص، بل عليه دفع الدية حتى لا يذهب حق المسلم هدراً .

ص: 218

المسألة 176: لو قلع رجل أعور عين رجل صحيح، قلعت عينه(1).

المسألة 177: لو قلع صحيح العينين العين الصحيحة من رجل أعور خلقة أو بآفة كان المجني عليه بالخيار بين قلع إحدى عيني الصحيح وأخذ نصف الدية منه، وبين العفو وأخذ تمام الدية(2).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى كما مرّ أنّه يقتص منه وإن عمى، فالحق أعماه كما في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة قال (علیه السلام): «الحق أعماه» ويؤيد ذلك أيضاً مرسلة ابان عن ابي عبد الله (علیه السلام) «سألت عن اعور فقأ عين صحيح متعمداً قال: تفقأ عينه، قلت فيكون اعمى، قال الحق اعماه» وقد مرّ الحديث ولا فرق بين عورة خلقة أو بآفة من الله تعالى أو بجناية أو بقصاص .

(2) قال صاحب كشف اللثام: لو قلعها ذو عينين اقتص له بعين واحدة، لا بكليهما وإن كانت واحدة الأعور بمنزلة الثنتين، وفي الرد لنفس دية النفس على المجنى عليه إن كان العور خلقة أو بآفة قولان، فالرد خيرة النهاية والمبسوط والجامع، ونفى عنه البأس في المختلف لخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أعور اصيبت عينه الصحيحين ففقئت إن تفقأ أحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن عين صاحبه»(1) وخبر عبد الله بن الحكم عن الصادق (علیه السلام) نحواً من ذلك وفي آخره لأنّ له دية كاملة «وقدأخذ نصفها بالقصاص»(2)

ولأن دية عين الأعور خلقة دية النفس، فلا يؤخذ عوضاً عما قيمته النصف إلا بعد ردّ التفاوت، والعدم خيرة المقنعة والسرائر والشرائع والتحرير للأصل وعموم: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» وقال أبو علي بثالث هو التخيير بين قلع عين الجاني ورد خمسمائة دينار عليه، وقلع إحداهما أخذ

ص: 219


1- الوسائل باب 27 من أبواب ديات الاعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 27 من أبواب ديات اعضاء ح4 .

وأمّا لو كان أعور بجناية جانٍ، لم يكن للمجني عليه إلا قلع إحدى عيني الصحيح(1).

_______________________________________________________________

خمسمائة وهو غريب فأن العينين أمّا إن تساويا عينه فلا ردّ وإلا فلا قلع(1).

هناك قولان في المسألة، القول الأول عدم ردّ نصف الدية، ويكفي قلع العين وهو المنسوب إلى المفيد والحلي والفاضل في التحرير، وذلك للأصل ولإطلاق قوله تعالى: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» .

والثاني منسوب إلى النهاية والوسيلة والجامع والإيضاح وغاية المراد والمقتصر وظاهر المقنع والطبرسي والصهرشتي، وقد دل على القول الثاني صحيحة محمد بن قيس، قال «قال أبو جعفر (علیه السلام) في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ففقئت، إن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية وإن شاء أخذ دية كاملة، ويعفو عن عين صاحبه»(2).

(1) المسألة غير خلافية ونسب إلى الخلاف والغنية الإجماع عليه وهكذا ديات كشف اللثام أنّه اتفاقي فلابد من حمل الصحيحة إلى الأعورالطبيعي وأمّا في غيره لابد من الرجوع إلى الآية: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» نعم قد ورد في رواية عبد الله بن حكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور، فقال: (علیه السلام) الدية كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه ويأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل، لأن له كاملة وقد أخذ نصفها بالقصاص»(3)،

والرواية من جهة السند تكون ضعيفة غير قابلة للاعتماد، فلابد من قلع إحدى عيني الصحيح .

ص: 220


1- كشف اللثام / 11 / 208.
2- الوسائل باب 17 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب ديات الاعضاء ح4 .

المسألة 178: لو أذهب ضوء عين آخر دون الحدقة، كان للمجني عليه الاقتصاص بمثل ذلك(1)، إن أمكن وإلا انتقل الأمر إلى الدية(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة محل اتفاق وبلا خلاف وتدل عليه الآية الشريفة: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ».

(2) وذلك لئلا يذهب دم أمرئ مسلم هدراً في صورة عدم إمكان القصاص، وأيضاً ينتقل إلى الدية لو فرض أنّه يسري إلى عضو آخر، أو في النفس، وهل ذهاب الضوء يكون بطريق خاص كما يظهر من الشيخ في الخلاف بقوله: العبارة الصحيحة في الخلاف هكذا وأمّا إذا ذهب ضوؤها فله أن يفعل به مثل ما فعل به، فإن أذهب وإلا، فإن أمكن إذهاب الضوء بدواء استعمل، فإن لم يمكن قرب إليها حديدة محمية حتى تذهب بضوئه، فإن لم يذهب وخيف أن تذهب الحدقة، ترك وأُخذت الدية دية العين لئلا يأخذ أكثر من حقه، دلينا إجماع الفرقة وأخبارهم(1)، وفي الروضة(2)

القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور، ولكن عن المحقق نسب هذا القول إلى القيل بقوله: ويثبت القصاص في العين ولو كان الجاني أعور خلقة، فإن عمي فأن الحق أعماه، أمّا لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين، اقتص له بعين واحدة إن شاء، وهل له مع ذلك نصف الدية ؟ قيل لا، لقوله تعالى: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» وقيل نعم، تمسكاً بالأحاديث والأول أولى(3)

وهكذا الشهيد في الروضة كما مرّ .وهذا مشعر بالضعف، ومن قال بهذا الوجه استدل بخبر رفاعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن عثمان (عمر) أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه فانزل

ص: 221


1- الخلاف / 5 / 175 .
2- اللمعة الدمشقية / 10 / 82 .
3- شرائع الإسلام / 2 / 236 .

المسألة 179: يثبت القصاص في الحاجبين واللحية وشعر الرأس وما شاكل ذلك(1).

_______________________________________________________________

الماء فيها وهي قائمة ليس يبصر بها شيئاً، فقال له أعطيك الدية، فأبى، قال: فأرسل بهما إلى علي (علیه السلام) وقال: أحكم بين هذين فأعطاه الدية فأبى، قال: فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه ديتين، قال، فقال: ليس أريد إلا القصاص، قال: فدعا علي بمرآةٍ فحماها، ثم دعا بكرسف فبله، ثم جعله على أشفار عينيه وعلى حواليها، ثم استقبل بعينه عين الشمس، قال: وجاء بالمرآة، فقال: انظر

فنظر فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة وذهب البصر»(1).

ولكن هذه الطريقة يمكن أن تكون قضية في واقعه فلا تدل على تعينه بهذا الطريق، بل هو أحد الطرق، فإذاً يمكن إطلاق أدلة القصاص هو القائم مضافاً إلى أنّها ضعيفة من جهة السند، فذهاب الضوء يمكن بأي طريق كان .

(1) لعموم الأدلة وإطلاقها كما في الآية: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» ولكن هذا إنما يتم فيما لا يستوجب فساد المحل، فلو استلزم تغييراً في عضو آخر أو في النفس أو بزيادة لم يجز القصاص، وأمّا رواية سلمة بن تمام «قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعرهفاختصموا في ذلك إلى علي (علیه السلام) فأجله سنة، فجاء فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية»(2)، فهي وإن كانت دالة بأنّه بمجرد ذهاب الشعر لا يترتب عليه أثر ولذلك أجل الإمام القضاء إلى سنة، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إلا أنّها نقلت بطريقين أحدها بطريق أشير فيه عدة مجاهيل، والآخر بطريق الصدوق وهي مرسلة، فإنّه رواها عن محمد بن الحسين

ص: 222


1- الوسائل باب 11 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
2- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح3 .

................................

بن أبي الخطاب عن سلمة بن تمام ولا يمكن رواية محمد بن الحسين عن سلمة بلا واسطة، فإن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب من أصحاب الصادق (علیه السلام) وسلمة من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) على أنّه لا توثيق لسلمة بن تمام، فالرواية ضعيفة جداً فلا يمكن الاعتماد عليها(1)،

فلا يمكن الاستدلال بها .

وأمّا رواية علي بن خالد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قلت: الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حاراً فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت، فقال: عليه الدية كاملة»(2)،

وفيه ذكر الدية لأنّه في مورده لا يمكن القصاص، أو كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ويمكن حملها بمناسبة المورد على صورة الشبهة بالعمد التي فيها الدية ابتداء(3).

وأمّا رواية مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللحية إذا حلقت فلم تنبت دية كاملة، فإذا نبتتفثلث الدية»(4)

وغيرها من الروايات فإنّها كلها في بيان مقدار الدية ولا ربط لها بالقصاص .

ص: 223


1- المباني / 2 / 202 .
2- الوسائل باب 37 من ابواب ديات الاعضاء ح2 .
3- المباني / 2 / 203 .
4- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

المسألة 180: يثبت القصاص في قطع الذًكَر(1)، ولا فرق فيه بين ذكر الشاب، والشيخ، والأغلف، والمختون، وغير ذلك، والمشهور أنّه لا فرق بين الصغير والكبير، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية كما في الجواهر بقوله: بلا خلاف بل في كشف اللثام ومحكي التحرير الإجماع عليه(1)، وقد نسب عدم الخلاف إلى غيرنا أيضاً، كما في الخلاف إلا من مالك بقوله: إذا قطع الخصيتين ثم قطع الذكر كان في الخصيتين الدية وفي الذكر الحكومة(2).

ويدل على ذلك إطلاق الآية: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» وقوله تعالى: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ».

(2) والمسألة غير خلافية بين المسلمين (إلا من مالك) كما ورد في صحيحة أبي بصير المتقدمة «لا قود لمن لا يقاد منه» فإنّها وإن دلت على عدم القصاص للصبي، ولكن بما أن المسألة متفق عليها لا يمكن العمل بالصحيحة .

ص: 224


1- الجواهر / 42 / 375 .
2- الخلاف / 5 / 259 _ 260 .

المسألة 181: ذهب جماعة إلى أنّه لا يقاد الصحيح بذكر العنين وهو لا يخلو من إشكال بل الظاهر ثبوت القصاص وعدم الفرق بين الصحيح والمعيب(1).

المسألة 182: يثبت القصاص في الخصيتين(2)وكذا في إحدهما فإن قطعت اليمنى اقتص من اليمنى وإن قطعت اليسرى فمن اليسرى(3).

_______________________________________________________________

(1) وقد ادعيّ عدم الخلاف، ولكن يمكن أن نقول بالقصاص لإطلاق الأدلة ولكن قد الحقه البعض في عدم الجواز باليد الشلاء حيث لا يقطع ولا يقتص من الصحيحة لو قطعت الشلاء، ولكن فيه أولاً قياس ونحن لا نقول به وليس من مذهبنا ذلك، وثانياً قد عرفت بأنّه تقطع الصحيحة بالشلاء ولما ثبت من أن في قطع ذكر العنين ثلث الدية، ولكن الحق أنّه لا مانع من تساويهما في القصاص وعدم تساويهما في الصحة، فالتساوي لابد أن يكون من جهة العضو كاليد باليد لا من جهة الصحة وعدمها .

(2) والمسألة غير خلافية كما ادعى البعض لإطلاق الأدلة وعدم وجود أي مقيد، فإن قطعت اليمنى لابد من قطع اليمنى وإن قطعت اليسرى لابد من قطع اليسرى حتى يتحقق المماثلة، ولكن هذا إنما يصح القطع إذا لم يستوجب من الجاني التغرير وذهاب المنفعة وإلا لابد من أخذ الدية، نعم في صورة ذهاب المنفعة من المجني عليه يجوز القصاص من الجاني وهكذا قطع الحشفة بالحشفة .(3) نعم وذلك لوضوحه من اشتراط المماثلة .

ص: 225

المسألة 183: يثبت القصاص في قطع الشفرين، فإن قطعت امرأة الشفرين من امرأة أُخرى فلها الاقتصاص منها بالمثل(1)، وكذلك الحال إذا قطعت أحداهما(2)، وأمّا إذا قطعهما الرجل فلا قصاص، وتجب عليه ديتهما كما أنّها لو قطعت ذكر الرجل فلا قصاص وعليها(3)الدية نعم لو قطع الرجل فرج امرأته وامتنع عن الدية وطالبت المرأة قطع ذكره قطع(4).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه تارة تقطع المرأة شفرة مرأة أخرى، وأخرى يقطع الرجل شفرتي المرأة وثالثة تقطع المرأة ذكر الرجل، أمّا في الصورة الأولى يقطع لوجود المماثلة، والمسألة غير خلافية، مضافاً إلى إطلاق الأدلة كقوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ» .

(2) يقطع أحدى الشفرتين من الجاني لوجود المماثلة .

(3) أمّا في الصورة الثالثة فلا قصاص لعدم إمكانه، بل عليه في الصورة الثانية وعليهما في الصورة الثالثة الدية لإطلاق أدلة الدية وخرج منه فيما إذا دل الدليل على القصاص، ويبقى الباقي تحت العموم .

(4) وهذا المورد مستثنى بالدليل، والدليل هو معتبرة عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن في كتاب علي (علیه السلام) لو أن رجلاً قطع فرج امرأته لإغرمته لها ديتها، وإن لم يؤد إليها الدية قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك»(1)، وعن المحقق أنّها متروكة(2)،

وفي المسالك بقوله:كذلك أيضاً(3)، أي في الطريق جهالة، وفي الحكم أنّها مخالفة للأصول الدالة على اعتبار المماثلة يبن الاعضاء وهي

ص: 226


1- الوسائل باب 9 من أبواب قصاص الطرف ح2 .
2- الشرائع الإسلام / 2 / 236 .
3- المسالك / 15 / 283 .

................................

مفقودة، ولذا قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكن لابد من الاقتصار على موردها الخاص ولا يمكن التعدي عنه إلى غيره(1).

وأمّا من جهة السند فهي تامة والطريق إليهم كلهم ثقات، وأمّا قول المحقق بأنّها متروكة، ففيه إن كان هذا بمعنى الإعراض وعلى فرض الثبوت لا يسقطها عن الحجية، وحسنة علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل قطع فرج امرأته، قال: اغرمه لها نصف الدية»(2)

والمراد من نصف الدية أي دية الرجل وهي تمام دية المرأة .

ولكن هناك رواية أُخرى وهي الرواية التي تقدمت وهي من الدليل المستثنى والعبارة مضطربة جداً نقلت في الجواهر قال: قال الصادق في خبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (علیه السلام) إن لم يؤد ديتها قطعت لها فرجه، «قال: وجدنا في كتاب علي (علیه السلام) لو أن رجلاً قطع فرج امرأته لاغرمته لها نصف الدية، فإن لم يؤد لها ديتها قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك»(3)

«وفي رجل قطع فرج امرأته قال: اغرمه نصف ديتها» وهي محمولة على قطع أحدى الشفرتين، ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ما ذكره منالرواية لا وجود له(4).

والحق أن الرواية موجودة في كتاب الوسائل كما ذكرناه في الهامش وقد ذكرنا نص الرواية، وموجود فيها نصف ديتها لا دية الرجل كما قال الاستاذ وقال أيضاً: وهو محمول على قطع أحدهما، والصحيح نصف ديته أي الرجل لا المرأة .

ص: 227


1- المباني / 2 / 205 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب قصاص الطرف2 .
4- المباني / 2 / 206 .

المسألة 184: لا يعتبر التساوي بين العضو المقطوع وعضو الجاني فيقطع العضو الصحيح بالمجذوم، وإن سقط منه شيء وتناثر لحمه والأنف الشام بالعادم، والأذن الصحيحة بالصماء، والكبيرة بالصغيرة والصحيحة بالمثقوبة أو المخرومة وما شاكل ذلك(1).

المسألة 185: لو قطع بعض الأنف نسب المقطوع إلى أصله ويؤخذ من الجاني بحسابه، فإن كان المقطوع نصف الأنف، قطع من الجاني نصف أنفه(2)، وإن كان أقلّ أو أكثر فكذلك بالنسبة .

_______________________________________________________________

(1) قد يقال بعدم جواز ذلك لعدم المساواة والمماثلة بينهما، ولكن الحق المماثلة موجودة وإطلاق الأدلة يشمل المورد، قال في التحرير: يثبت القصاص في الأنف إجماعا ويستوي الكبير مع الصغير والأقنى مع الأفطس والأشم مع فاقده، لأن ذلك لعلة في الدماغ والأنف صحيح وإن كان بأنفه جذام أخذ به الأنف الصحيح ما لم يسقط منه شيء، لأن ذلك مرض ولو سقط منه شيء لم يقتص من الصحيح إلا أن يكون من أحد جانبيه فيؤخذ منالصحيح مثل ما بقي منه(1)،

ولا يشترط المماثلة والمساواة في الخصوصية وقد مرّ البحث في يد الشلاء .

(2) لا يخفى أنّه تارة يكون أنف الجاني والمجني عليه متساويين، وتارة يكون أنف الجاني أكبر، واُخرى بالعكس، ومجمع ذلك إذا قطع نصفه يقطع نصفه أيضاً، أو ثلثه، أو ربعه كذلك، لأن العمدة المماثلة بين عضوي الجاني والمجني عليه، إذاً إذا قطع نصف أنف المجني عليه ولو كان أنف أصغر ففيه قطع نصف أنف الجاني وكان أنفه أكبر، ولا عبرة بالصغر والكبر كما إذا كان الكبير الجاني والصغير المجني عليه وقطع نصف أصبع المجني عليه فله قطع نصف أصبع الجاني .

ص: 228


1- تحرير الاحكام / 5 / 514 .

المسألة 186: يثبت القصاص في السن، فلو قلع سن شخص فله قلع سنه(1)، ولو عادت اتفاقاً كما كانت فهل يكون له القصاص، أو الدية ؟ فيه وجهان، الأقرب فيه القصاص(2).

المسألة 187: لا قصاص في سن الصبي الذي لم يثغر إذا عادت(3) وفيها الدية .

_______________________________________________________________

(1) كتاباً لقوله تعالى: «السِّنَّ بِالسِّنِّ» وسنةً، وإجماعاً، وقد ادعى الجواهر الإجماع بقسميه(1).

(2) وأمّا إذا عادت فهل هناك قصاص أو لا ؟ المشهور عدم القصاص ولكن في الجواهر بقوله: بلا خلاف محقق أجده فيه وللأصل بعد قول المحققوإن عادت كما كانت فلا قصاص ولا دية، ولعل نظر المشهور هو معتبرة إسحاق التي تقدمت إنما يكون القصاص لأجل الشين، ولكن الحق أن العود لا يوجب السقوط، لأنّه هبة جديدة إذا تم إجماع تعبدي، وإلا لابد من القصاص لإطلاق الآية: «السِّنَّ بِالسِّنِّ» .

(3) لأنّها فضلة فيكون القصاص منصرفاً عنها، وادعى في الجواهر عدم الخلاف بقوله: بلا خلاف أجده فيه أيضاً بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه(2)،

فإذا عادت فلا قصاص، فلا يشمل المراد إطلاق الأدلة، وقد استدلوا بمرسلة جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (علیهما السلام) أنّه «قال: في سن الصبي يضر بها الرجل فتسقط ثم تثبت، قال: ليس عليه قصاص وعليه الأرش»(3) .

ص: 229


1- الجواهر / 42/ 386 .
2- الجواهر / 42 / 389 .
3- الوسائل باب 33 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

وإن لم تعد أصلاً ففيها القصاص على المشهور(1)، وفيه إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

قد يقال بأنّه لا يضر إرساله بعد كون المرسل من أصحاب الإجماع وفيه أنّه ليس بدليل على حجية القول كما ذكر في محله، وقد دلت عليه معتبرة إسحاق إنما يكون القصاص لأجل الشين(1).

(1) وإن لم تعد وحصل اليأس، قيل بأنّه يقتص، وادعى في الجواهر بقوله: عند المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافاً محققاً وإن حكي عن المسالك قوله بالعدم، لأنّ سن الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة بعد أخرى(2).

وأمّا ما قاله صاحب المسالك: أمّا سن الصبي فينتظر بها سنة، فإن عادة ففيها الحكومة وإلا كان فيها القصاص(3)،

ولإطلاق الآية: «السِّنَّ بِالسِّنِّ» .

قد يقال بأنّه لا يقتص لأن سن الصبي فضله وتكون نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة أخرى الأصل .

والجواب إن الأصلية والزائدة إنما تعرف بالسقوط وعدم السقوط، فإذا نبتت تعرف بأنها كانت زائدة، وإلا فهي أصلية، ولكن الحق عدم القصاص مطلقاً لصحيحة أبي بصير «لا قود لمن لا يقاد منه»(4).

ص: 230


1- قد مر الحديث .
2- الجواهر / 42 / 390 .
3- المسالك / 15 / 287 .
4- قد مر الحديث .

المسألة 188: لو اقتص المجني عليه من الجاني وقلع سنّه ثم عادت فليس له قلعها(1).

المسألة 189: المشهور اشتراط التساوي في المحل والموضع في قصاص الأسنان، ولكنه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد عدمه(2).

_______________________________________________________________

(1) أي لو عادت السن من الجاني بعد قلعها من قبل المجني عليه فليس للمجني عليه قلعها، لأن المجني عليه قد استوفى حقه من القصاص وهذه لا ربط لها بالمقلوعة، وإنما هي هبة جديدة من الله تعالى، ولو فرض أن سن المجني عليه لم يرد بعد سنة، فقد يقال بعدم جواز القصاص كما في صحيحة أبي بصير «لا قود لمن لا يقاد منه» فلابد من إعطاء الدية إلا إذا أورد هنا الاتفاق .

(2) ما يستفاد من الأدلة هو اعتبار المماثلة بين المقتص والمقتص منه إذا قلع الضرسين فلابد من أن يقلع منه ضرسين، أمّا لو كان أحدهما عالياً والآخر سافلاً كالمماثلة في المحل فلا دليل عليه، بل يجوز قلع الضرس الأسفل بدل الأعلى، قال في التحرير: ولو عادت بعد اليأس من عودها والحكم من أهل الخبرة أنّها لا تعود .

احتمل أن يقال: هذه العائدة هبة من الله تعالى مجددة فحينئذٍ إن كان المجني عليه قد اقتص وأخذ الدية استوفى حقه، وإلا كان له القصاص أو الدية.

ويحتمل أن يقال: أن هذه العائدة هي الأولى، فإن كان المجني عليه أخذالدية استعيدت منه الدية لا الأرش، وإن كان قد اقتصّ، أخذ منه الدية لا الأرش أيضاً، لأنا علمنا أنّه أخذ مالاً يستحق، ولا يقتصّ منه لعدم القصد إلى العدوان، وإن لم يكن اقتصّ ولا أخذ الدية يثبت له الأرش، وقيل لا أرش له وليس بمعتمد(1).

ص: 231


1- تحرير الاحكام / 5 / 515 _ 516.

المسألة 190: لا تقلع السن الأصلية بالزائدة، نعم لا يبعد جواز قلع الزائدة بالزائدة حتى مع تغاير المحلين، وكذلك الحال في الأصابع الأصلية والزائدة(1).

المسألة 191: كل عضو يقتص منه مع وجوده تؤخذ الدية بدله مع فقده، فإذا قطع من له أصبع واحدة أصبعين من شخص، قطعت الأصبع الواحدة قصاصاً عن أحدهما وأخذت دية الأخرى(2)، وكذلك الحال فيما إذا قلع عين شخص من لا عين له .

_______________________________________________________________

(1) وذلك لعدم المماثلة بينهما، بل تكون المماثلة بين الأصليين، أو بين غيرهما كما في الزائدين ولا يقلع الأصيل بالزائد، بل لابد فيه الدية وكذلك الحال بالنسبة إلى الأصابع، فعلى أي الاتحاد في المحل لا دليل عليه، بل لابد من المماثلة بقلع الأصلي بالأصلي والزائد بالزائد .

أمّا قلع الاصلي بالزائد فلا، خلافاً لما ذكره صاحب التحرير بقوله: ولا تؤخذ سن بضرسين ولا بالعكس ولا ثنية علياً بسافل، ولا ثنية بضاحك لعدمالتساوي في المحل(1)،

لما ذكرنا من أنّه لا يشترط التساوي في المحل بخلاف المماثلة .

(2) وكذا لو قطع يد رجل وأصبع آخر فإنّه بالنسبة إلى الأولى موضوع القصاص موجود فيه فأصبح مستحقاً للقصاص ولابد أن يعطى للثاني الدية لأنّه لم يبق موضوع مع عدمه، فينتقل الأمر إلى الدية لئلا يهدر دم المسلم وإطلاق أدلة الدية، وكذا قول التحرير: لو قطع ذو اليد الناقصة أصبع يداً كاملة فللمجني عليه قطع الناقص وأخذ دية الأصبع الناقصة(2)،

وهكذا بالنسبة إلى العين يأتي نفس الحكم .

ص: 232


1- تحرير الأحكام / 5 / 516 .
2- تحرير الاحكام / 5 / 518 .

المسألة 192: ذهب جماعة إلى أنّه لو قطع كفاً تامة من ليس له أصابع أصلاً، أو ليس له بعضها قطعت كفه وأخذت منه دية الناقص وفيه إشكال(1)، والأقرب عدم جواز أخذ الدية، وأمّا إذا كان الناقص عضو المجني عليه، كما إذا قطعت يده الناقصة أصبعاً واحدة أو أكثر فهل له قطع يد الجاني الكاملة أم لا ؟ فيه أقوال، الظاهر أن له القطع من دون وجوب ردّ شيء عليه .

_______________________________________________________________

(1) وللمسألة صور:

الأولى: ما إذا قطع من كان يده ناقصة بأصبع أو أزيد يداً كاملة فللمجني عليه القصاص .الثانية: تكون عكس ما تقدم أي لو قطع الصحيحة بالناقصة .

أمّا في الصورة الأولى هل للمجني عليه بعد قطع يد الجاني دية ما نقص من الجاني أم لا ؟ قيل لا، على قول بعض المتأخرين خصوصاً على ما قاله استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: والحكم المذكور وإن أدعى الشيخ في الخلاف الإجماع، معلّلاً بأنه أقرب إلى المثل بعد تعذر الصورة، إلا أنه لا دليل عليه، فأن الإجماع لم يتم، ولا يوجد دليل آخر، هذا وعن الشيخ في المبسوط التفصيل بين ما إذا أخذ القاطع دية أصابعه أو استحقها، وما إذا كانت اصابعه مفقودة خلقة أو بآفة فعلى الأول كان للمجني عليه أخذ دية الأصابع منه، وعلى الثاني لم يستحق شيئاً(1).

وأمّا إذا كانت أصابعه مفقودة خلقة أو بآفة، فعلى الأولى كان للمجني عليه أخذ دية الأصابع، وعلى الثاني لم يستحق شيئاً وهو المنسوب إلى ابن براج والقاضي .

ص: 233


1- المباني / 2/ 213 .

................................

واستدلوا على ذلك برواية سورة بن كليب فإنّه مردد بين الاسدي الواقع في اسانيد تفسير علي بن إبراهيم، الذي روى عن أبي جعفر (علیه السلام) وبين النهدي الذي لم يثبت توثيقه، والرواية هي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول أقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن أراد اولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله ديةيده الذي قيد منها إن كان اخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية، قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً، وإن شاؤوا أخذو منه دية كاملة، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي (علیه السلام)»(1)،

واستدلالهم بالرواية غير تام، سنداً ودلالة .

ص: 234


1- الوسائل باب 50 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 193: المشهور أنّه لو قطع أصبع شخص، وسرت الجناية إلى كفه اتفاقاً، ثبت القصاص في الكف، وفيه إشكال والأظهر عدم ثبوته وإنما له قطع أصبع الجاني وأخذ دية الكف منه(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه هل للسراية حكم على الإطلاق أم لا ؟ نسب إلى أبي حنيفة أنّه لا حكم للسراية على الإطلاق، والحق أن يقال بأن السراية إذا كانت عمدية أو كان القطع مما يسري عليه غالباً فتكون السراية مستندة إليه عمداً فهو موجب للقصاص، وأمّا إذا لم يكن عمدياً ولا مما يوجب السراية غالباً فلا يكون موضوعاً للقصاص، وقال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لتحقيق موضوع القصاص حينئذٍ، وعليه فبطبيعة الحال يثبت حق القصاص للمجني عليه وبما أن الجناية واحدة، فهو مخير بين القصاص والدية مع التراضي وليس له التبعيض بالاقتصاص من الأصابع ومطالبة اليد إلى المكلف(1)، والجناية على الأصبع لم تكن مما يوجب السراية عمداً، فلا دليل على قول المشهور، والتفصيل هو الصحيح .

وأمّا الصورة الثالثة إذا كان عضو المجني عليه ناقصاً، فهل له القصاص أم لا؟ والمشهور هو الأول، ونسب إلى الغنية الإجماع عليه، واستدلوا برواية الحسن بن العباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) «قال، قال أبو جعفر الأول (علیه السلام) لعبد الله بن عباس: يا ابن عباس أنشدك اللههل في حكم الله اختلاف ؟ قال، فقال: لا، قال: فما تقول في رجل قطع رجل أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهب وأتى رجل آخر فاطار كف يده فأتى به إليك وأنت قاض، كيف أنت صانع ؟ قال: أقول لهذا القاطع أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع صالحه على ما شئت وابعث إليهما ذوي عدل، فقال له: قد جاء الاختلاف في حكم الله ونقضت القول الأول،

ص: 235


1- المباني / 2 / 217 .

وأمّا إذا تعمّد السراية أو كانت الجناية مما تسري عادة، فليس له القصاص في الأصبع وأخذ دية الكف، بل هو بالخيار بين القصاص في تمام الكف وبين العفو وأخذ الدية مع التراضي(1).

_______________________________________________________________

أبى الله أن يحدث في خلقه شيئاً من الحدود وليس تفسيره في الأرض، أقطع يد قاطع الكف أصلاً ثم أعطه دية الأصابع، هذا حكم الله»(1)،

والرواية ضعيفة من جهة السند بحسن بن الحريش، بل الرواية مقطوعة البطلان فإن كان المراد من ابن العباس المعروف، فإنّه لم يدرك زمن أبي جعفر (علیه السلام) وإن كان غيره فهو مجهول .

أمّا رواية سورة بن كليب فإنّها مضافاً إلى ضعفها من جهة السند فقد وردت في جناية النفس دون الطرف، فلا يمكن قياس المقام بموردها والإجماع مخدوش صغروياً وكبروياً، فلابد حينئذٍ من التمسك بإطلاقات الأدلة من باب القصاص ولا دليل على ردّ شيء، وهناك قول آخر منسوب إلى ابن إدريس وهو عدم القصاص لفقد المماثلة فينتقل الأمر إلى الدية لعدم ذهابحق المسلم هدراً وقول ثالث وهو المنسوب إلى الفاضل في القواعد والشهيد الثاني في المسالك ومحكي التحرير من أنّه لا تقطع يد الجاني، بل تقطع الأصابع منها بمقدار أصابع المجني عليه فحسب وتؤخذ منه دية الكف حكومة والأول هو الأصح كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) .

(1) بعدما قلنا إنّه ليس الرد هناك، فهو مخير بين القصاص أو أخذ الدية .

ص: 236


1- الوسائل باب 10 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

المسألة 194: لو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ولو قطع معها بعض الذراع، فالمشهور أنّه يقتص من الكوع ويأخذ الدية من الزائد حكومة(1)، ولكن لا وجه له، بل الظاهر هو القصاص من بعض الذراع إن أمكن، وإلا فالمرجع هو الدية .

_______________________________________________________________

(1) أمّا ثبوت القصاص من الكوع لو لم يقطع زائد عنه فمحل اتفاق ويدل عليه عموم الأدلة، وأمّا لو قطع من الكوع ومقدار الزائد، فالمشهور ادعى القطع من الكوع والدية من الزائد على نحو الحكومة، وقد ادعى عدم الخلاف فيه، وهناك أقوال بأنّه يقطع من المرفق بعد ردّ فاضل الدية، ولكن الحق أنّه إن أمكن القصاص فهو، وإلا فلابد من إعطاء الدية بعد إن أصبحت الجناية واحدة، فأمّا أن يقتص منه إن أمكن .

وأمّا مع عدم التمكن فلا معنى للقول بالقصاص من الكوع والذي هو مخالف للجناية وأخذ الدية من الزائد، بل ينتقل الأمر إلى الدية، ولكن بما أن المسألة اتفاقية فالصحيح هو القصاص وأخذ الدية لئلا يذهب حق المسلم هدراً، قال في المسالك: إن القطع في الأولى لم يقع على مفصل ينضبط معه القصاص فيستوفى من المفصل وتأخذ حكومة الزائد، بخلاف الثانية فإن القطع من المرفق مضبوط يمكن المماثلة فيه فلا يقتص على استيفاء بعض المقطوع وأخذ دية الباقي لأن الواجب بالعمد القصاص ولا ينتقل إلى الدية إلا مع الاتفاق أو العجز عن استيفاء الحق وكلاهما منتف(1).

ص: 237


1- مسالك الافهام / 15 / 294 .

كما أنّه لو قطع يده من المرفق اقتص منها وليس له الاقتصاص من الكوع وأخذ الأرش في الزائد وكذا الحال إذا قطعت من فوق المرفق(1).

المسألة 195: لو كانت للقاطع أصبع زائدة وللمقطوع كذلك ثبت القصاص(2)، بل لا يبعد ذلك فيما إذا كانت الزائدة في الجاني فقط(3)، وأمّا إذا كانت في المجني عليه فقط، فالمشهور أن له الاقتصاص وأخذ دية الزائد هي ثلث دية الأصلية وفيه إشكال، والأقرب عدمه .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أن المراد بالحكومة أن يفرض الحر مملوكاً فيقوم صحيحاً مره وغير صحيح أُخرى فيؤخذ ما به التفاوت بينهما إذا كانت الجناية توجب التفاوت، وأمّا إذا لم توجبه فالأمر بيد الحاكم فله أن يأخذ من الجاني ما يرى فيه المصلحة.

(2) أنّه يشترط في القصاص التساوي وهو حاصل هنا والمسألة غير خلافية، إلا باستثناء ما ذكره صاحب التحرير بقوله: وكذا لا تقطع الزائدة بالزائدة إلا مع تساوي المحليين(1).

(3) أمّا إذا كانت زائدة، فتارة تكون خارجة عن الكف وأخرى تكون في ضمن الأصابع، ففي الصورة الأولى تقطع الكف ويبقى الأصبع الزائد وأمّا إذا كان الأصبع الزائد في ضمن بقية الأصابع، فهنا هل يقطع الكف والأصبع ؟الظاهر هو ذلك، وهل لابد أن يدفع دية الأصبع الزائد إلى الجاني قبل القطع كما عليه المشهور، لأنّ القصاص في الكف والزائد تعزير وهو غير جائز، ولكن الحق أن للمجني عليه قطع الكف كما قطع كفه لأنّه حقه تعلق بالكف فله قطعه، فلا حكم للزائد ولو فرض أنّه لا حق له في قطع الزائدة فيتحول الأمر إلى الدية دون

ص: 238


1- تحرير الاحكام / 5 / 520 .

................................

قطع الأصابع وأخذ دية الكف حكومة لعدم الدليل، لأنّ الجناية تكون واحدة، فإن أمكن القصاص فيقتص منه وإلا أنتقل إلى الدية، وأمّا لو كانت الأصبع الزائدة للمجني عليه فالمشهور أنّه يقطع يد الجاني ويأخذ دية الزائد وادعى الإجماع عليه، وذلك لأنّ العضو الزائد لم يتعلق به القصاص، فلا مجوز لقطعه فإذا قطع الكف لابد من أخذ الدية لئلا يقع دم المسلم هدراً، ولكن الحق أنّه ليس هناك الرد للمجني عليه بل يقطع بدون أي دية للإطلاقات، فإنّ الجناية واحدة وحكمها القصاص فإن أمكن ذلك وإلا لابد من دفع الدية ولذا نسب إلى المحقق الاردبليي بأنّه قال: لو كانت الأصبع الزائدة للمجني عليه خاصة داخلة في المقطوع مثل أن قطع من الكوع وهي تحته اقتص له من الكوع وأخذ أرش الأصبع الزائد أيضاً ليحصل العرض ولا يلزم الهدر(1)،

ويحتمل إسقاطها، لأنّها لحمة زائدة لا عوض لها كالسمن في يد المجني عليه دون الجاني أو بالعكس .

ص: 239


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 120 .

المسألة 196: لو قطع يمين شخص، فبذل الجاني شماله فقطعها المجني عليه جاهلاً بالحال، فالظاهر عدم سقوط القصاص عنه، فللمجني عليه أن يقطع يده اليمنى(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه تارة يعلم الجاني بأنّ هذه اليسرى ولا تجزي عن اليمين وتارة يكون جاهلاً، وأُخرى أن المجني عليه تارة يعلم أنّها الشمال وأخرى لا يعلم، أمّا في الصورة الثانية من الأولى، أي في صورة ما إذا كان جاهلاً بالحال فالظاهر عدم سقوط القصاص، وللمجني عليه القصاص بقطع يده اليمنى خلافاً لما نقل عن الشيخ في المبسوط والناقل التحرير بقوله: لو قال المقتص للجاني أخرج يمينك لأقطعها، فأخرج يساره فقطعها من غير علم، قال في المبسوط: يقتضي المذهب سقوط القود، فيه نظر لأنّ الواجب قطع اليمين فيكون القصاص في اليمنى باقياً بعد الاندمال، توقياً من السراية بتوارد القطعين(1)،

ولكن هو بقاء القود والقصاص لأنّ المتعين قطع اليمين باليمين لحصول المثلية فلا تجزي اليسرى مع وجود اليمنى .

ص: 240


1- تحرير الاحكام / 5 / 522.

نعم إذا كان القطع معرضاً للسراية مع وجود الجرح في اليسرى لم يجز حتى يندمل الجرح فيها(1)، ثم إنّ الجاني إذا كان قد تعمد ذلك وكان يعلم أن قطع اليسرى لا يجزي عن قطع اليمنى، فلا دية له، وإلا فله الدية، وإذا كان المجني عليه عالماً بالحال ومع ذلك قطعها، فالظاهر أن عليه القود مطلقاً(2).

المسألة 197: لو قطع يد رجل فمات وادعى الولي الموت بالسراية وانكره الجاني، فالقول قول الجاني(3).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ القطع والقصاص إذا استوجب الهلاك لم يجز .

(2) أمّا إذا كان الجاني عالماً بالحال بأنّ اليسرى لا تجزي عن اليمين فهو مغرور، فهنا لو كان المجني عليه جاهلاً بالحال فالمجني عليه يكون مغروراً، فلا ضمان عليه، وأمّا مع علمه بأنّها اليسرى فلابد من القصاص منه لأنّه جناية عمدية أي في صورة جهل الجاني وعلمه، أمّا في الصورة الأولى فالأمر واضح وأمّا في الصورة الثانية أيضاً كذلك، لأنّه ولو قدم اليسرى ولكن هو عالم بأنّه لا يكفي اليسار فلا يجوز قطعها ففي القطع العمدي العدواني لابد إن يقتص منه .

(3) وذلك لأنّ إثبات الموت بالسراية بعد إن كان أمراً حادثاً يحتاج إلى دليل، فإن أمكن المدعي إثباته شرعاً فهو، وإلا فالقول قول المنكر، وقال المحقق: أمّا لو قطع يده فمات وادعى الجاني الاندمال، وادعى الوليّ السراية فالقول قول الجاني، إن مضت مدة يمكن الاندمال، ولو اختلفا، فالقول قولالولي، وفيه تردد(1)،

وفي القواعد إذا قطع يدي رجل ورجليه خطأً ورأينا المجني عليه ميتاً، فأدعى الجاني موته من السراية وادعى الولي الاندمال، والموت بغيرها، فإن لم يحتمل الاندمال

ص: 241


1- شرائع الإسلام / 2 / 231 .

ومثله ما اذا قدّ الملفوف في الكساء نصفين فادعى الوليّ أنّه كان حيّاً وادّعى الجاني أنّه كان ميتّاً مع احتمال صدقه عادةً(1).

_______________________________________________________________

لقصر الزمان صدق الجاني، وفي احلافه إشكال، وإن أمكن قدم قول الولي مع اليمين، فإن اختلفا في المدة قدم قول الجاني مع اليمين(1)، يقول في المسالك: إذا قطع يديه ورجليه فمات واختلف الجاني والولي، فقال الجاني مات بالسراية فعليّ دية واحدة، لدخول دية الطرف في دية النفس، والحال أن القطع خطأً شبيه العمد ليكون النزاع بينهما في محله، وقال الولي بل مات بعد الاندمال فعليك ديتان، فإن لم يكن الاندمال في مثل تلك المدة عادة لقصر الزمان كيوم ويومين، فالقول قول الجاني لتطابق الأصل والظاهر على صدقه(2).

(1) لا يخفى أنّ الادعائين متساويان أي ادعاء الولي أنّه كان حياً وادعاء الجاني أنّه كان ميتاً ولا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر واستصحاب جناية المجني عليه إلى زمان القدّ لا يثبت أنّه قده حياً إلا بالأصل المثبت وهو غير حجة، فلابد من الرجوع إلى أصل آخر وهو عدم الضمان، يقول في المسالك: لو قدّ ملفوفاً في ثوب بنصفين، وقال أنّه كان ميتاً وادعى الولي أنّه كان حياً، فمن المصدّق منها باليمين ؟ فيه وجهان، أظهرهما وهو الذي اختاره المصنفتقديم قول الجاني، لأنّ الأصل براءة ذمته من القصاص والثاني تقديم قول الولي، لأن الأصل استمرار الحياة، ولأنّه كان مضموناً والأصل استمرار تلك الحالة، فأشبه ما إذا قتل مَنْ عَهِده مسلماً وادعى ردّته(3)، وقد ذكر قول آخر وصفه بالضعف فراجع .

ص: 242


1- القواعد / 3 / 302 _ 303 .
2- مسالك الافهام / 15 / 302 _ 303 .
3- مسالك الافهام / 15/ 305 _ 306 .

المسألة 198: لو قطع أصبع شخص من يده اليمنى مثلاً، ثم قطع تمام اليد اليمنى من شخص آخر، ثبت القصاص عليه لكل منهما(1)، فإن اقتص الثاني الزم الأول بدية الأصبع(2)، وإن اقتص الأول منه بقطع أصبعه قطع الثاني يده، وليس له أن يرجع إليه بدية الأصبع كما تقدم(3).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لعموم الأدلة بالنسبة إلى كل منهما ولكل من المجني عليهما حق الاقتصاص .

(2) وذلك لعدم بقاء الاقتصاص بالنسبة إلى الأصبع لعدم بقاء الموضوع .

(3) أمّا إذا اقتص أولاً المجني عليه أصبعه فإن قطع ذلك الثاني تمام الكف فهل له أخذ الدية لأنّه قطع اليد الناقصة بيد كاملة، أمّا مطلقاً أو مع كون الأصبع أصبحت مقطوعة باستحقاق، والظاهر لا يرفع إليه دية الأصبع لأنّه يشترط المماثلة بالنسبة إلى نفس العضو اليمنى باليمنى لا الكيفية كما مرّ .

ص: 243

المسألة 199: إذا قطع أصبع رجل عمداً، فعفا المجني عليه قبل الاندمال أو بعده سقط القصاص ولا دية أيضاً(1)، ولو قطع أصبعه خطأً أو شبيهاً بالعمد فعفا المجني عليه عن الدية سقطت(2)، ولو عفا عن الجناية(3)، ثم سرت إلى الكف سقط القصاص في الأصبع، وأمّا في الكف، فإن كانت السراية مقصودة للجاني، أو كانت تلك الجناية مما تؤدي إلى السراية غالباً وإن لم تكن مقصودة، ثبت القصاص في اليد وأمّا إذا كانت غير مقصودة، وكانت السراية اتفاقية ثبتت الدية دون القصاص، وكذلك الحال إذا سرت في النفس .

_______________________________________________________________

(1) أمّا القصاص فيسقط بالعفو، والمسألة غير خلافية بعد إن وقع العفو عنه من أهله في محله، وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، ونسب إلى المسالك الاتفاق(1)،

وعن الخلاف إجماع الفرقة، وأيضاً فإنّه حق له ويجوز له إسقاطه كالقصاص فيها(2)،

أمّا سقوط الدية فإنّها لا تثبت إلا صلحاً والمفروض عدمها، ولأنّه إسقاط حق ثابت بعد الإبراء والعفو .

(2) لأنّه حق للمجني عليه في ذمة الجاني فسيقط بالعفو .

(3) أمّا سقوطه عن الأصبع فإنما هو لأجل العفو، وأمّا بالنسبة إلى الكف إذا كانت الجناية مما تؤدي إلى السراية غالباً ولو لم تكن مقصودة، أو كانت السراية مقصودة، فإنّه يدخل في الجناية العمدية، فحينئذٍ القصاص ثابت والمجني عليه يسقط حقه، أمّا إذا كانت غير مقصودة وكانت السراية اتفاقيةفتثبت الدية دون القصاص، أمّا عدم القصاص فلأنّه لم يقع منه القتل عمداً، وأمّا وجوب الدية لئلا

ص: 244


1- المسالك / 15 / 308.
2- الخلاف / 5 / 207 .

المسألة 200: لو عفا المجني عليه عن قصاص النفس لم يسقط(1) وكذا لو اسقط دية النفس لم تسقط .

_______________________________________________________________

يقع دم المسلم هدراً، وكذلك بالنسبة إلى النفس فيثبت القصاص للولي إذا كانت الجناية يؤدي إلى السراية غالباً أو كانت مقصودة للجاني، والمسألة غير خلافية وادعى في الخلاف الإجماع كما مرّ ذكره .

(1) يقول المحقق: أمّا القصاص في النفس أو الدية ففيه تردد، لأنّه البراء مما لم يجب(1)،

قال البعض كالشيخ في الخلاف: فإذا فعل ذلك ثم سرى إلى النفس كان عفوه ماضياً من الثلث لأنّه بمنزلة الوصية(2)، وكذا مال إليه الشهيدان كما ينسب إليهما في بعض كتبهما، والمقدس الاردبيلي في مجمع البرهان: هذا إن اقتصر على قوله عفوت عن الجناية أو عن موجبه، لو أضاف إليه سرايتها ، قال الشيخ صح العفو وصار بمنزلة الوصية بالعفو عن قصاص نفسه وديته فهو تصرف في مرض تعقبه الموت، وإنما يعتبر من الثلث(3)،

وحكم هذا حكم الإبراء قبلها شرعاً للطبيب والبيطار، والحق هو عدم السقوط بعد أن كان حق القصاص حقاً للولي دون المجني عليه، إذاً إسقاطه يكون إسقاطاً عن حق الغير، وهكذا لا أثر لإسقاط لما لا يجب، ولا أثر له في ثبوتالإبراء للطبيب على القول به لا يقتضي الثبوت هنا لأنّه القياس .

ص: 245


1- شرائع الإسلام / 2 / 241 .
2- الخلاف / 5 / 208 .
3- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 143 .

المسألة 201: إذا اقتص من الجاني فسرت الجناية اتفاقاً وبغير قصد إلى عضو آخر منه أو إلى نفسه، فلا ضمان ولا دية(1).

المسألة 202: لا يقتص من الجاني عمداً إذا التجأ إلى حرم الله تعالى(2).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية وذلك للروايات الكثيرة، منها حسنة إلى الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: أيما رجل قتله الحد والقصاص فلا دية له»(1)وصحيحة(2)

محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة»(3)، وغيرهما من الروايات .

(2) وهو المشهور بين الأصحاب وعليه الإجماع في كلمات البعض وقد دلت عليه الآية المباركة: «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»(4)وأمّا الروايات منها صحيحة معاوية بن عمار «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً في الحل ثم دخل الحرم، فقال: لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤذي، حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق، قال: يقام عليه الحد في الحرم صاغراً لأنّه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عز وجل «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» فقال: هذا هو الحرام، وقال: لا عدوان إلا على الظالمين»(5)، وصحيحةحفص بن البختري «قال: سالت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل الذي يجني الجناية في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم أيقام

ص: 246


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 143 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح9 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح8 .
4- سورة آل عمران الآية / 97 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح1 .

................................

عليه الحد ؟ قال: لا ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، وإذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد في الحرم، لأنه لم ير للحرم حرمة»(1)

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال سألته عن قول الله عز وجل «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً» قال: إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فرّ إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم، فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ فإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنّه لم ير للحرم حرمه».

ص: 247


1- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح2 .

ولكن يضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقتص منه(1) ولو جنى في الحرم جناية اقتص منه(2)، فيه ولا يلحق به حرم النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) أو مشاهد الأئمة (علیهم السلام)(3).

_______________________________________________________________

(1) أي يترك إطعامه واسقائه والإيواء والتكلم والمجالسة حتى يخرج فيقتص منه كما دلت عليه صحيحة حفص .

(2) والمسألة غير خلافية وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار .

(3) فهل يلحق حرم النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) والأئمة (علیهم السلام) قد يقال بألحاقها كما قال في المقنعة: ومن جنى ما يستحق عليه عقاباً فلجأ إلى مشهد من مشاهد أئمة الهدى من آل محمد (علیهم السلام) صنع به كما يصنع بمن يلجأ إلى الحرم مستعصماً من إقامة الحدود عليه، فإن كانت الجناية منه في المشهد أقيم عليه حد الله عز وجل فيه لأنّه هتك حرمته ولم يعرف حقها(1)،

وقال في الرياض: ومقتضاها اختصاص الحكم الأول بالحرم لاختصاص مخصصها به فيشكل الحاق مشاهد الأئمة Dوإن حكي عن الشيخين والقاضي ومال إليه في السرائر وكذا التنقيح وهو قريب، أمّا أولاً فلما ورد منهم أن بيوتنا مساجد، وأمّا ثانياً: فلما تواتر من رفع العذاب الآخروي عمّن يدفن بها فالعذاب الدنيوي أولى وأمّا ثالثاً فلأن ذلك مناسبلوجوب تعظيمها واستحباب المجاورة بها والقصد إليها ولا ريب أن ما قالوه أحوط وإن كان في تعينه بهذه الوجوه الثلاثة نظر(2)

وكان دليلهم في الحلف بالمشاهد المشرفة بذلك لزيادة شرفها على الحرم ومن حديث كربلاء والكعبة لكربلاء بانت علو المرتبة، وورد في الأخبار الكثيرة أن الله تعالى أتخذه حرماً آمنا _ أي كربلاء _ وأن لموضع قبر

ص: 248


1- المقنعة / 744 .
2- الرياض / 16/ 341 .

................................

الحسين (علیه السلام) حرمة معلومة من عرفها واستجار بها أجر، وأنّها أعظم حرمه من الحرم، ومن جميع بقاع الأرض، ويظهر من هذه الروايات أن التعرض لمن استجار بها نوع استخفاف وإهانة .

والحق بعد عدم جواز تأخير الحد وعدم وجود دليل خاص بالحرم كما قال الأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إن الأمر وإن كان كذلك إلا أن ذلك لا يوجب ثبوت احكام الحرم للمشاهد المشرفة، لوضوح أن ثبوت الحكم تابع للدليل وبما أن الدليل خاص بالحرم فلا يمكن إثباته للمشاهد المشرفة، فإنّه بلا دليل والمفروض أنا لا نعلم أن ملاك ثبوت حرمة الحرم فحسب(1).

ص: 249


1- المباني / 2 / 225 _ 226 .

ص: 250

المحتويات

كتاب القصاص

الفصل الأول في قصاص النفس ..... 5

ما يثبت به القصاص ......... 6

ما يتحقق به القتل العمدي ...... 8

لو القى شخصاً في النار أو البحر متعمداً فمات ....... 9

لو أحرق شخصاً بالنار قاصداً به قتله أو جرحه فمات ...... 9

هل يثبت القصاص لو سرت الجناية العمدية وترتب عليها الموت ...... 11

حكم ما لو القى نفسه من شاهق على إنسان فقتله ......... 11

لو سحر شخصاً بما يترتب عليه الموت ..... 12

حكم ما لو اطعمه طعاماً مسموماً ...... 14

لو حفر بئراً عميقة في معرض مرور الناس متعمداً ......... 15

لو جرح شخصاً قاصداً قتله فداوى المجروح نفسه بدواء مسموم ....... 16

ص: 251

لو ألقاه من شاهق قاصداً قتله فمات الملقى في الطريق ......... 17

لو أغرى به كلباً عقوراً أو ألقاه إلى أسد أو نحوه فمات ........ 17

جواز القصاص من القاتل عمداً وإن لم يكن مستقلاً في القتل ........ 18

لو كتفه ثم ألقاه في أرض مسبعة فافترسته السباع ......... 18

لو حفر بئراً فسقط فيها آخر بدفع ثالث ..... 19

لو أمسك شخصاً وقتله آخر ونظر إليه ثالث ........ 19

حكم ما لو أمر غيره بقتل أحد أو أكرهه على القتل فقتله ....... 21

عدم الفرق بين ما إذا كان المأمور عبداً للآمر وعدمه ........ 23

لو قال شخص لشخص آخر أقتلني فقتله ....... 25

حكم ما لو أمر شخص غيره بقتل نفسه فقتل نفسه ........ 26

لو اكره شخصاً على قطع يد ثالث وهدده بالقتل إن لم يفعل ..... 27

لو اكرهه على صعود جبل أو نزول بئر فزلت قدمه ........ 28

لو شهدت بينة بما يوجب القتل كارتداد أو قتل نفس محترمة ......... 28

لو جنى على شخص فجعله في حكم المذبوح ثم ذبحه آخر ......... 30

إذا قطع يد شخص وقطع آخر رجله قاصداً كل منها قتله ....... 30

لو جرح اثنان شخصاً جرحين بقصد القتل فمات بالسراية ...... 32

هل تدخل دية الطرف في دية النفس أو لا؟ ......... 33

حكم ما لو قتل رجلان أو ثلاثة رجلاً ....... 36

كيفية تحقق الشركة في القتل ..... 38

ص: 252

لو اشترك إنسان وحيوان في القتل مسلم ........ 39

لو اشترك الأب مع أجنبي في قتل ابنه ...... 39

كيفية تحقق الشركة في الجناية على الأطراف ...... 41

لو اشتركت امرأتان أو أكثر في قتل رجل ....... 43

لو اشترك رجل وامرأة في قتل رجل ........ 44

لزوم تقدم الرد على استيفاء الحق في كل موضع وجب فيه الرد ...... 45

لو كان القاتل رجلين أحدهما خاطئ والآخر عامد ........ 46

حكم اشتراك الحر والعبد في قتل حر عمداً ........ 46

لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر ......... 47

شروط القصاص ..... 49

الأول : التساوي في الحرية والعبودية ........ 49

لو قتلت الحرة الحرة قتلت بها ......... 51

حكم قتل الحر أو الحرة خطأً أو شبه عمد ...... 52

عدم القصاص في قتل الحر أو الحرة العبد عمداً ..... 52

اختلاف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم القتل ...... 55

لو قتل المولى عبده متعمداً ..... 56

حكم قتل الحر أو الحرة مكاتباً أدى من مال مكاتبته شيئاً ....... 57

لو قتل العبد حراً عمداً ...... 60

ص: 253

لو قتل المملوك أو المملوكة مولاه عمداً ....... 61

لو قتل المكاتب حراً متعمداً ......... 61

حكم قتل العبد أو الأمة الحر خطأ ......... 62

لو قتل المكاتب الحر أو العبد خطأ ..... 64

لو قتل العبد عبداً متعمداً ........ 65

لو قتل العبد مكاتباً عبداً ......... 65

لو قتلت الأمة أمة أو عبداً ....... 67

لو قتل المكاتب عبداً عمداً ..... 67

لو قتل المكاتب مكاتباً مثله عمداً ..... 69

لو قتل العبد عبداً خطأ ...... 70

لو كان للحر عبدان قتل أحدهما الآخر ...... 71

لو قتل الحر حرين فصاعداً ..... 71

حكم قتل العبد حرين معاً ....... 72

لو قتل عبد عبدين عمداً ......... 73

لو قتل عبد عبداً لشخصين عمداً ...... 74

لو قتل عبدان أو أكثر عبداً عمداً ...... 75

هل يصح عتق العبد بعد قتله الحر عمداً وكذا بيعه وهبته ....... 76

لو قتل العبد حراً خطأ ثم اعتقه مولاه ....... 77

الشرط الثاني : التساوي في الدين ......... 78

ص: 254

هل يقتص اليهودي والنصراني والمجيوسي بعضهم من بعض ..... 79

لو قتل الذمي مسلماً عمداً ....... 81

لو قتل الكافر كافراً عمداً ثم اسلم ......... 82

لو قتل ولد الحلال ولد الزنا ......... 82

الضابط في ثبوت القصاص وعدمه ...... 83

لو جنى الصبي بقتل أو بغيره ثم بلغ ......... 84

لو رمى سهما وقصد به غير مسلم فأصاب به بعدما اسلم ....... 85

لو رمى عبداً بسهم فأصابه بعدما اعتق فمات ....... 85

لو قطع يد مسلم قاصداً به قتله ثم ارتد المجني عليه فمات ...... 85

هل يقتل المرتد بقتله ذمياً أو لا ....... 87

لو جنى مسلم على ذمي ثم ارتد الجاني وسرت الجناية ......... 87

لو قتل ذمي مرتداً ........ 88

لو كان على مسلم قصاص فقتله غير الولي بدون إذنه ...... 88

لو وجب قتل شخص بزنا أو لواط أو غيره من دون سب النبي ........ 89

عدم الفرق في المجني عليه المسلم بين الأقارب والأجانب ...... 90

الشرط الثالث : أن لا يكون القاتل أبا للمقتول ...... 92

لو قتل شخصاً أدعى أنه أبنه ......... 94

لو قتل الرجل زوجته وكان له ولد منها ..... 96

لو قتل أحد الأخوين أباهما والآخر أمهما ....... 97

ص: 255

الشرط الرابع : أن كون القاتل عاقلاً بالغاً ........ 98

لو اختلف الولي والجاني في البلوغ وعدمه حال الجناية ........ 101

لو قتل العاقل مجنوناً ......... 102

لو أراد المجنون عاقلاً فقتله العاقل دفاعاً عن نفسه أو ما يتعلق به........ 103

هل على القاتل السكران قود أو لا ......... 104

لو كان القاتل اعمى فهل عليه القود أم لا ....... 106

الشرط الخامس : أن يكون المقتول محقون الدم ...... 108

لو رأى زوجته يزني بها رجل وهي مطاوعة ......... 110

الفصل الثاني ....... 113

في دعوى القتل وما يثبت به وشرط العقل والبلوغ في المدعيّ ........ 113

لو أدعى شخص أنه قتل أباه مع جماعة لا يعرفهم ........ 114

لو أدعى القتل ولم يبين أنه كان عمداً أو خطأ ........ 115

لو أدعى على شخص أنه القاتل منفرداً ثم أدعى على آخر ........ 116

لو أدعى القتل العمدي على أحد وفسره بالخطأ ....... 117

يثبت القتل بأمور الأول : الإقرار وما يعتبر في المقرّ ...... 118

يعتبر في المقر البلوغ وكمال العقل والاختيار والحرية ...... 120

هل يقبل اقرار المحجور والمفلس ......... 121

لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً وأقرّ آخر بقتله خطأ ....... 122

ص: 256

لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً وأقرّ آخر أنه هو الذي قتله ...... 123

الثاني البينة ......... 124

عدم ثبوت القتل بشاهد وامرأتين ولا بشهادة النساء ....... 125

اعتبار الحس أو ما يقرب منه في الشهادة على القتل ...... 126

لو شهد شاهدان بما يكون سبباً للموت ..... 126

اعتبار توارد شهادة الشاهدين على أمر واحد ........ 127

لو شهد أحدهما بالقتل وشهد الآخر بالإقرار ........ 127

لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل دون تعين العمد والخطأ ........ 128

لو أدعى القتل على شخصين وأقام البينة ........ 129

لو شهد شخصان لم يرثانه بأن زيداً جرحه ..... 130

لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل ....... 130

لو قامت البينة على أن زيداً قتل شخصاً منفرداً ........ 131

لو قامت البينة على أن شخصاً قتل زيداً عمداً ...... 133

لو أدعى الولي أن القتل الواقع عمدي وأقام على ذلك شاهداً ......... 136

الفصل الثالث ......... 137

في القسامة ......... 137

حكم ما لو أدعى الولي القتل على واحد أو جماعة ....... 137

هل تثبت القسامة في القتل لو كان المدعي أو المدعى عليه مرأة ........ 141

كمية القسامة في القتل العمدي وغيره ....... 141

ص: 257

لو كان المدعون جماعة أقلّ من عدد القسامة ...... 143

لو كان المدعى عليه واحد أو أكثر ...... 144

لو لم تكن بينة للمدعي ولا للمدعى عليه ...... 146

هل تثبت القسامة في الجروح بالإضافة إلى الدية ......... 147

هل تثبت القسامة على المسلم لو كان القتيل كافراً ........ 148

لو قُتل رجل في قرية أو قريب منها أو بين قريتين ........ 151

لو وجد قتيل في مكان لا يستند إلى شخص أو جماعة معينة ..... 152

اعتبار مطابقة اليمين للدعوى ...... 153

لو أدعى أن أحد هذين الشخصين قاتل...... 154

لو أدعى القتل على اثنين بنحو الاشتراك ولم تكن له بينة ...... 155

لو أدعى القتل على اثنين وكان في أحدهما لوث ......... 156

حكم ما لو كان للمقتول وليان أحدهما غائب ....... 157

لو كان للقتيل وليان وأدعى أحدهما القتل على شخص ..... 158

لو مات الولي هل يقوم الوارث مقامه ........ 158

لو حلف المدعى أنه القاتل زيد ثم اعترف آخر بأنه القاتل ...... 159

لو حلف المدعي واستوفى حقه من الدية ....... 159

لو أتهم رجل بالقتل ..... 160

ص: 258

الفصل الرابع ....... 161

في أحكام القصاص ..... 161

ثبوت القود دون الدية في القتل العمدي ........ 161

حكم ما لو تعذر القصاص من القاتل ........ 164

لو أراد أولياء المقتول القصاص من القاتل فخلصه قوم ..... 165

يتولى القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج ..... 165

هل يجوز لولي المقتول المبادرة إلى القصاص لو انفرد ......... 168

هل يجوز لكل واحد أولياء المقتول لو تعددوا الاقتصاص....... 169

حكم ما لو اقتص بعض الأولياء من الجاني ......... 171

لو كان المقتول مسلماً ولم يكن له أولياء من المسلمين ......... 172

تحرم المثلة بالقاتل عند القصاص ......... 173

للولي حق الاقتصاص مباشرة أو بتسبيب غيره ...... 175

لو كان أولياء المقتول حاضراً دون بعض ........ 176

لو كان ولي المقتول صغيراً أو مجنوناً ....... 177

لو كان للميت وليان فأدعى أحدهما أن شريكه عفا ....... 178

هل يجوز لولي المقتول المحجور عليه لفلس أو سفه الاقتصاص ...... 178

لو قُتل شخص وعليه دين وليس له مال ......... 182

لو قتل أحد اثنين على التعاقب أو دفعة واحدة ........ 184

لو وكل ولي المقتول من يستوفي القصاص ......... 185

ص: 259

عدم الاقتصاص من المرأة الحامل حتى تضع ....... 186

لو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً ......... 188

حكم ما لو قطع يد شخص ثم قتل شخصاً آخر ....... 189

لو قطع يد رجل ثم قتل شخصاً آخر فاقتص منه بقطع يده ........ 190

حكم ما لو قطع يد شخص ثم اقتص المجني عليه من الجاني ........ 191

ثبوت حق القصاص للولي بعد موت المجني عليه ........ 192

لو قتل شخص مقطوع اليد ...... 192

لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصاً فظن موته فتركه وبه رمق ......... 193

الفصل الخامس ...... 196

في قصاص الأطراف ......... 196

ثبوت القصاص في الأطراف بالجناية عليها عمداً ......... 196

شروط جواز القصاص في الأطراف وما يعتبر فيه ..... 197

حكم ما لو جرح العبد حراً ..... 200

حكم ما لو جنى حر على مملوك ......... 201

لو قطع حر يد عبد قاصداً قتله فأعتق ثم جنى عليه ...... 203

لو قطع حر يد عبد ثم قطع رجله بعد عتقه ..... 203

حكم ما لو جنت المرأة على الرجل وبالعكس ...... 204

هل يعتبر التساوي في السلامة من الشلل في الاقتصاص ......... 206

لو قطع يمين رجل ...... 208

ص: 260

لو قطع ايدي جماعة على التعاقب ..... 210

لو قطع اثنان يد واحد ....... 210

ثبوت القصاص في الشجاج واعتبار المماثلة فيه ..... 211

ثبوت القصاص في الجروح المضبوطة وفي غيرها عدمه ....... 212

جواز القصاص قبل الاندمال وإن احتمل عدمه ........ 214

كيفية القصاص في الجروح هل يجب تأخير القصاص ..... 215

يجب تأخير القصاص إذا كان في معرض السراية ......... 215

اعتبار كون آلة القصاص من الحديد ......... 216

لو كانت مساحة الجراحة في العضو المجني عليه ......... 216

لو قطع عضو من شخص فاقتص منه ثم اعاد المجني عليه ........ 217

لو قطعت أذن شخص ثم الصقها المجني عليه قبل الاقتصاص ........ 218

لو قلع رجل اعور عين رجل صحيح ........ 219

لو قلع صحيح العينين العين الصحيحة من رجل اعور ...... 219

إذا أذهب ضوء عين آخر دون الحدقة ....... 221

ثبوت القصاص في الحاجبين واللحية وشعر الرأس ...... 222

ثبوت القصاص في قطع الذكر ........ 224

هل يقاد الصحيح ذكر العنين ...... 225

ثبوت القصاص في الخصيتين وكذا في إحداهما ..... 225

ثبوت القصاص على المرأة في قطع شفري أخرى ........ 226

ص: 261

عدم اعتبار التساوي بين العضو المقطوع وعضو الجاني ......... 228

لو قطع بعض الأنف ......... 228

ثبوت القصاص في السن ........ 229

حكم سن الصبي الذي لم يثغر ........ 229

لو اقتص المجني عليه من الجاني وقلع سنه ثم عادة ........ 231

هل يشترط التساوي في المحل والموضع في قصاص الأسنان ......... 231

عدم قلع السن الأصلية بالزائدة ........ 232

اقتصاص كل عضو منه مع وجوده أخذ الدية بدله مع فقده ....... 232

لو قطع كفاً تامة من ليس له اصابع أصلاً أو ليس له بعضها ....... 233

حكم ما لو قطع اصبع شخص وسرت الجناية إلى كفه اتفاقاً ..... 235

حكم قطع اليد ومعها بعض الذراع ...... 237

لو كانت للقاطع اصبع زائدة وللمقطوع كذلك ........ 238

لو قطع يمين شخص فبذل الجاني شماله فقطعت ......... 240

لو قطع يد رجل فمات وأدعى الولي الموت بالسراية ....... 241

لو قطع أصبع رجل عمداً فعفا المجني عليه ......... 244

لو عفا المجني عليه عن قصاص النفس ......... 245

لو اقتص من الجاني اتفاقاً وبغير قصد إلى عضو آخر ....... 246

هل يلحق حرم النبي ومشاهد الأئمة بحرم الله تعالى ...... 246

المحتويات..... 251

ص: 262

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.