تَحریرُ مَبَاني الأَحکام المجلد 2

هویة الکتاب

تَحریرُ مَبَاني الأَحکام

تقریر لابحاث آیه الله العظمی المرجع الدینی الشیخ شمس الدین الواعظی (دام ظله)

الحدود والتعزيرات

مؤلف: السید عبدالستار کامل موسوي

المجلدات: 4

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتاب الحدود والتعزيرات

اشارة

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

كتاب الحدود

الحدود وأسبابها

وهي ستة عشر

الأول : الزنا ، ويتحقق ذلك بإيلاج الإنسان حشفة ذكره في فرج امرأة محرمة عليه أصالة من غير عقدٍ ولا ملك ولا شبهة(1) .

______________________________________________

(1) يقول المحقق : فهو إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة ، ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة ، قبلاً أو دبراً(1).

وهذا التحريم يكون بالأصالة ، لا من جهة الحيض أو الاعتكاف ، أو النذر كما لا يستوجب الحدَّ إذا كان المولج خنثى ، لعدم العلم بكون ذكره ذكر الذكر ، بل يمكن أنْ يكون لحماً زائداً ، وهكذا لو أخل رجل في فرج الخنثى لأنّه لا يعلم بأنّه فرج امرأة ، ولذا قال في الرياض : أمّا الزنا الموجب للحد فهو إيلاج الإنسان وادخاله فرجه أو ذكره الأصلي في فرج امرأة محرمةعليه أصالة من غير عقد نكاح ولا متعة بينهما ولا ملك من الفاعل القابل ولا شبهة دارئة ، وضابطها ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده وبه صرح في الغنية بقوله : متى ثبت الجماع

ص: 5


1- شرائع الإسلام /4/ 149 .

................................

في الفرج على عاقلين مختارين من غير عقدٍ ولا شبهة عقد ولا ملك يمين ولا شبهة ملك يمين ثبوتاً شرعياً فهما زانيان يجب عليهما الحدّ بلا خلاف(1)، ولعله المفهوم منه عرفاً ولغة(2)، وعلى أيِّ حال التحريمُ ثابتُ بالإجماع ، والعقل ، والكتاب والسنة ، أمّا الأولان فمعلومان .

وأمّا الكتاب فقد ورد التحريم في موارد قال تعالى : «وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً» (3)، وقوله تعالى : «وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً»(4)، وقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(5)، وأمّا وجوب الحد فتدل عليه الآية الشريفة : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(6).

ص: 6


1- الغنية 1 / 421 .
2- رياض المسائل / 15 / 434 .
3- سورة الإسراء الآية / 32 .
4- سورة الفرقان الآية / 68.
5- سورة الممتحنة الآية / 12.
6- سورة النور الآية / 2 .

ولا فرق في ذلك بين القبل والدبر(1).

______________________________________________

(1) على المشهور وكما ورد في صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها ، هل عليها عدة منه ؟ فقال (علیه السلام) : إنما العدة من الماء ، قيل له : فإنْ كان واقعها في الفرج ولم ينزل ؟ فقال (علیه السلام) : إذا ادخله وجب الغسل والمهر والعدة»(1).

ومعنى الفرج في اللغة : هو العورة من الإنسان قُبله ودبره(2)، كما قال الله تعالى : «وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ»(3)وأيضاً كما عن حسنة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر»(4).

والولوج لغة : هو الدخول ، وهو مطلق يصدق على القُبل والدبر .

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل والمرأة ، متى يجب عليهما الغسل قال : إذا ادخله وجب الغسل والمهر والرجم»(5)وكما في غيرها من الروايات .

ص: 7


1- الوسائل باب 54 من أبواب المهور /1 .
2- مجمع البحرين باب فَرَجَ .
3- سورة النور الآية / 30 .
4- الوسائل باب 54 من أبواب المهور /5.
5- الوسائل باب 54من أبواب المهور / 9 .

فلو عقد على امرأةٍ محرّمة __ كالأم والأخت وزوجة الولد و زوجة الأب ونحوها جاهلاً بالموضوع أو بالحكم ، فوطأها سقط عنه الحدّ وكذلك في كلِّ موضع كان الوطء شبهة ، كمن وجد على فراشه امرأة فاعتقد أنّها زوجته ووطأها .

وإن كانت الشبهة من أحد الطرفين دون الطرف الآخر سقط الحد عن المشتبه خاصة دون غيره ، فلو تشبهت امرأة لرجل بزوجته فوطأها فعليها الحدّ دونه(1) .

______________________________________________

(1) وضابط الشبهة كما عن الرياض : هو ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده وبه صرح في الغنية(1)، وفي المسالك : ضابط الشبهة المسقطة للحد توهم الفاعل أو المفعول أنّ ذلك الفعل سائغ له لعموم درء الحدود بالشبهات(2)، قال رسول الله k : «أدرؤا الحدود بالشبهات ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حدّ»(3)، وفي الجواهر : قد تقدم في كتاب النكاح تحقيق وطء الشبهة الذي عن كثير تعريفه : بأنّه الوطء الذي ليس بمستحق مع ظن الاستحقاق وتفصيل الكلام وبيان الفارق في التعاريف يكون راجعاً إلى كتاب النكاح(4)، إذاً فلا حدّ بالنسبة إلى وطء الشبهة بل هو ملحق بالنكاح الصحيح ، لأنّه لا يصدق عليه الزنا والفجور ، ومع ذلك تدلُّ عليه عدة من الروايات .منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لو أنّ رجلاً دخل في

ص: 8


1- الرياض /15 / 434 ، الغنية / 1/ 421 .
2- المسالك / 14 / 329.
3- الوسائل باب 24من أبواب مقدمات الحدود الباب / 24 ح4 .
4- الجواهر / 41 / 262 .

................................

الإسلام وأقرَّ به ، ثمّ شرب الخمر وزنى وأكل الربا ، ولم يتبيّن له شيء من الحلال والحرام ، لم اُقم عليه الحد إذا كان جاهلاً ، إلا أنْ تقوم عليه البينة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا ، وإذا جهل ذلك اعلمته واخبرته ، فإن ركبه بعد ذلك جلدته وأقمت عليه الحد»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجلُّ دعوناه إلى جملة الإسلام فأقر به ، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام ، أُقيم عليه الحد إذا جهله ؟ قال : لا إلا أن تقوم عليه بينة أنّه قد كان أقرّ بتحريمها»(2)، وهكذا في رواية الحذاء وغيرها من الروايات بلا فرق بين أن تكون الشبهة موضوعية أو حكمية والجاهل بالحكم قاصراً كان أو مقصراً .

وما استدل بالإجماع بأن الجاهل المقصر غير القاصر بل يكون في حكم العالم .

وفيه أن الإجماع لا يشمل المورد ، لأنّه دليل لبّي والقدر المتيقن غير هذا المورد مضافاً إلى أن إطلاق الأدلة ، كصحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : في حديث «أن رجلاً اعجمياً دخل المسجد يلبّي وعليه قميصه فقال لأبي عبد الله (علیه السلام) : إنيّ كنت رجلاً اعمل بيدي واجتمعت لي نفقةفجئت أن احج لم اسأل أحداً عن شيء ، وافتوني هؤلاء أن اشق قميصي وانزعه من قبل رجلي ، وإنّ حجي فاسد ، وإن عليّ بُدنة ، فقال (علیه السلام) له : متى لبست قميصك أبَعْدَ ما لبيّت أم قبل ؟ إلى أن قال : أيّ رجل ركب امراً بجهالة فلا شيء عليه»(3)، فإنّها مطلقة تشمل أي نوع من الجهل الموضوعي والحكمي ، قاصراً كان المكلف أو مقصراً وسيأتي الشرح في المسألة الآتية.

ص: 9


1- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود / 1.
2- الوسائل باب 14من أبواب مقدمات الحدود / 2.
3- الوسائل باب 45 من أبواب تروك الاحرام / 3.

المسألة 134 : المراد بالشبهة الموجبة لسقوط الحد هو الجهل عن قصور أو تقصير في المقدمات مع اعتقاد الحلية حال الوطء(1)، وأمّا من كان جاهلاً بالحكم عن تقصير وملتفتاً إلى جهله حال العمل حكم عليه بالزنا وثبوت الحد .

______________________________________________

(1) أمّا ثبوت الحد لتحقق الزنا بالنسبة إليها فيكون الوطء بالإضافة إلى المرأة زنا ، وأمّا عدم الحد بالنسبة للرجل المتوهم زوجته لتحقق الشبهة للأصل وعدم تحقق موضوع الزنا .

وأمّا في صورة الجهل عن قصور أو تقصير إذا كان عالماً بالحلية فقد مرّ أنّه يسقط عنه الحد لإطلاق الأدلة ، أمّا إذا كانت الجهالة غير مغتفرة فإنّها تكون موجبة للحد لحسنة يزيد الكناسي قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها فقال : إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم إلى أن قال : قلت أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة ؟ قال ، فقال : ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت ، ولقد كنَّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك ، قلت فإنْ كانت تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي ؟ فقال (علیه السلام) إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة ، فتسأل حتى تعلم»(1).

فإن قلت : أنّه مع عدم احراز الحرمة الواقعية نشك في صدق الزنا ومعه يكون شكاً في ثبوت الحد .قلت بأن معنى الزنى الوطء غير المستحق شرعاً ، وهو صادق على غير المستحق ظاهراً ، وبما أنّه يجوز الوطء في الزوجة وفي غير الزوجة يصدق الزنا وبما أنّه لا يعلم أنّها ليست بزوجة يصدق الزنا ، ولكن الدليل المثبت لعدم الجواز هو

ص: 10


1- الوسائل باب 27 من أبواب حد الزنا / 3.

المسألة 135 : يشترط في ثبوت الحد أمور :

الأول : البلوغ فلا حد على الصبي(1) .

الثاني : الاختيار فلا حد على المكره ونحوه(2) .

______________________________________________

الخبر والاستصحاب فهما يثبتان أنّها ليست بزوجة ، إذاً الأظهر ثبوت الحد في كل وطء محرم بالأصالة بظاهر الشرع .

(1) وقد أدّعى عليه الإجماع بقسميه ، بل الضرورة الفقهية ، ولرفع القلم(1)، ولا فرق بين الصغير والصغيرة ، وقد دلت على ذلك نصوص خاصة أيضاً منها صحيحة يزيد الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها الُيتم ، وزُوِّجت وأُقيمت عليها الحدود التامة لها وعليها ، قال : قلت : الغلام إذا زوجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال : أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنه، ولا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم»(2).

(2) أمّا المكره فيسقط الحد عنه بعد أن اشترط في ثبوت الحد الاختيارويدل على ذلك حديث الرفع بفقرة «رفع ما استكره عليه» كما مرّ في محله بأن المراد رفع جميع آثاره ، ومن جملة تلك الآثار الحد ووردت روايات خاصة .

منها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إن علياً (علیه السلام) أتي بامرأة مع رجل فجر بها . فقالت : استكرهني واللهِ يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحد...»(3)الحديث .

ص: 11


1- الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح11 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب مقدمات الحدود /1.
3- الوسائل باب 18من أبواب حد الزنا / 1.

................................

ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : قال : «أمير المؤمنين في امرأة أقرّت على نفسها أنّه استكرهها رجل على نفسها ، قال : هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها ، فليس عليها جلد ولا نفي ولا رجم»(1)ونحو ذلك كما في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) في امرأة مجنونة زنت فحبلت قال : «مثل السائبة لا تملك أمرها وليس عليها رجم ولا جلد ولا نفي»(2).

وهل يصدق الإكراه بالنسبة إلى الرجل أم لا ؟ قد يقال في تحقق الكراهة في جانب الرجل فيه تردد ، ونسب إلى الغنية الجزم بعدمه(3)، لأن الإكراه يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوى ، لأنّها متوقفة على الميل النفساني ، وذلك لإنصراف النفس عن الفعل الذي يصدق عليه الإكراه وفي محكي الكشف أنّه علّله بعدم الانتشار إلا من الشهوة المنافية للخوف ولكن الحق بعد أن فَسّر الإكراه بحمل الغير على ما يكرهه ، فهذا يصدق مع الميل النفساني ولو فرض أن النفس لا تميل إلى العمل ولكن المانع من هذا العمل ، لأن في الزنا الضرر الآخروي والنهي الشرعي فلو أنّه لو ترك الزنا احتمل أنّه يترتب على تركه الضرر فيجوز له العمل ويصدق عليه الإكراه ولو بنفسه يكون غير مائل مع أنّه يمكن أدخال الحشفة ولو لم ينتشر .

ص: 12


1- الوسائل باب 18 من أبواب حد الزنا / 4 .
2- الوسائل باب 18من أبواب حد الزنا / 3 .
3- الغنية / / 424 .

الثالث : العقل ، فلا حد على المجنون(1) .

______________________________________________

(1) ولا حدّ على المجنون ولا المجنونة ونسب إلى المبسوط بل بالغنية والسرائر دعوى الإجماع ، أمّا المجنونة فالمسألة بالنسبة إليها اتفاقية وإنّ التكاليف مشروطة بالعقل ، وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أحدهما (علیهما السلام) : «في امرأة مجنونة زنت ، قال : أنّها لا تملك أمرها ليس عليها شيء»(1).

وأمّا المجنون ، فقد ورد في صحيح حماد بن عيسى ، عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیهما السلام) عن علي (علیه السلام) قال : «لا حدّ على مجنون حتى يفيق ، ولا على صبي حتى يدرك ، ولا على نائم حتى يستيقظ»(2).

وصحيح فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول : «لا حدّ لمن لا حد عليه ، يعني لو أن مجنوناً قذف رجلاً لم أر عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال : يا زانٍ ، لم يكن عليه حد»(3)، وقد دلَ على ذلك حديث رفع القلم ونفس الحديث ولكن بطريق آخر كما في معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) نفس الحديث السابق(4).

إذاً ما ورد عن الشيخين والصدوق والقاضي وابن سعيد(5)، إن وطأ المجنون عاقلة مثلاً وجب عليه الحد لخبر أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «إذا زنا المجنون أو المعتوه جلد الحد ، وإن كان محصناًرجم ، قلت : ما الفرق بين المجنون والمجنونة ، والمعتوه والمعتوهة ؟ فقال : المرأة إنما تؤتى

والرجل يأتي ، وإنما يزني إذا عقل كيف ، يأتي اللذة ، وأن المرأة إنما تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما

ص: 13


1- الوسائل باب 21من أبواب حد الزنا ح 1.
2- الوسائل باب 8 من أبواب مقدمات الحدود ح 1 .
3- الوسائل باب 19من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
4- الوسائل باب 19من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
5- انظر المباني /1/ 208 ، المقنعة / 786 ، المقنع / 436 .

المسألة 136 : إذا أدعت المرأة الإكراه على الزنا قبلت(1) .

المسألة 137 : يثبت الزنا بالإقرار وبالبينة(2)ويعتبر في المقرّ العقل والاختيار ، والحرية ، فلو أقرّ عبد به فإن صدّقه المولى ثبُت بإقراره ، وإلا لم يثبت .

______________________________________________

يفعل بها»(1)، وفيه إن الخبر ضعيف، أولاً من جهة السند بعمرو بن عثمان، وثانياً على فرض عدم ضعفه لا يمكن أن تعارض ما تقدم، فلابد من طرحها أو تحمل على ما إذا كان له عقل في ساعته كما تشير الرواية إلى ذلك أي يكون الجنون أدواريا .

(1) وقد أدّعى عليه الإجماع، ولأجل ما ورد من أن الحدود تدرء بالشبهات ولِمَا ورد في صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إنّ علياً (علیه السلام) أُتى بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت : استكرهني والله يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد»(2)وغيرها من الروايات .

(2) من الرجل والمرأة فإن أقرّا معاً ثبت عليهما الحد، فلو أقرّ أحدهما ثبت عليه خاصة، والمسألة متفق عليها، مضافاً إلى ورود الروايات الدالة علىذلك .

منها : حسنة صالح بن ميثم عن أبيه، قال : أتت امرأة مجحُّ(3)أمير المؤمنين (علیه السلام) فقالت : يا أمير المؤمنين إنيّ زنيت فطهرني طهرك الله، فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع، فقال لها : مما أطهرك ؟ فقالت : إنيّ زنيت، فقال لها: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت، أم غير ذلك ؟ قالت : بل ذات بعل، فقال لها: أفحاضر كان بعلك إذ فعلت ما فعلت، أم غائباً كان عنك؟ قالت : بل حاضراً،

ص: 14


1- الوسائل باب 21من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 18من أبواب حد الزنا ح1.
3- أي الحامل المقرب التي دنت ولادتها .

................................

فقال لها : انطلقي فضعي ما في بطنك، ثم ائتني اطهرك، فلما ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه، قال: اللهم إنّها شهادة، فلم تلبث أن اتته، فقالت: قد وضعت فطهرني، قال : فتجاهل عليها، فقال : اطهرك يا امة الله مماذا، قالت: إنيّ زنيت فطهرني، قال : وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت نعم، قال: فكان زوجك حاضراً أم غائباً، قالت : بل حاضراً، قال : فانطلقي فارضعيه حولين كاملين كما أمرك الله، قال : فانصرفت المرأة، فلما صارت منه حيث لا تسمع كلامه، قال : اللهم إنّهما شهاداتان .

قال : فلما مضى الحولان، أتت المرأة، فقالت قد ارضعته حولين فطهرني يا أمير المؤمنين، قال : فتجاهل عليها، قال : اطهرك مماذا ؟ فقالت : إنيّ زنيت فطهرني، فقال : لها وذات بعلٍ أنت إذ فعلت ما فعلت ؟ فقالت : نعم، قال : وبعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت ؟ فقالت : بل حاضراً .

قال : فانطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردى منسطح، ولا يتهور في بئر.

قال : فانصرفت وهي تبكي، فلما ولّت فصارت حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم هذه ثلاثة شهادات .

قال : فاستقبلها عمرو بن حريث فقال لها : ما يبكيك يا أمة الله ؟ وقد رأيتك تختلفين إلى علي تسألينه أن يطهرك .

قالت : إنيّ أتيت إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فسألته أن يطهرني فقال : اكفلي ولدك حتى يعقل ويشرب ولا يتردى من سطح، ولا يتهور في بئر وقد خفت أن يأتي عليّ الموت ولم يطهرني .

فقال لها عمرو بن حريث : ارجعي إليه فأنا اكفله، فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين (علیه السلام) بقول عمرو بن حريث، فقال لها أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو متجاهل

ص: 15

نعم، لو انعتق العبد واعاد إقراره كان إقراره حجة عليه، ويثبت به الزنا و تترتب عليه أحكامه(1) .

______________________________________________

عليها، ولمَ يكفل عمرو ولدك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين إنيّ زنيت فطهرني، فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت : نعم، قال : أفغائباً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت بل حاضراً، قال فرفع رأسه إلى السماء، فقال : اللهم إنّه قد ثبت عليها أربع شهادات إلى أن قال فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرُّمّان يفقأ في وجهه، فلما رأى ذلك عمرو قال : يا أمير المؤمنين، إنيّ إنما أردت أن اكفله إذ ظننت أنك تحب ذلك، فإما إذ كرهته فإنيّ لست افعل، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) : أبَعدَ أربع شهادات باللهِ لتكفلنه وأنتصاغر» ... الحديث وذكر أنّه رجمها(1)وغيرها من الروايات ويثبت بالبينة على ما يأتي .

(1) ويشترط في المقرّ أمور :

الأول : البلوغ فلا يثبت بإقرار الصبي وأن كان مراهقاً كسائر اقراراته.

الثاني : كمال العقل، فلا عبرة بإقرار المجنون إذا كان في حال الجنون .

الثالث : الاختيار، فلا يلتفت إلى إقرار المكره عليه كما مرّ، وقيل إنّه يرفع عنه بحديث الرفع وبفقرة الإكراه، والروايات الخاصة، إذاً الفعل المكره بما أنّه كالعدم فلا يؤخذ فاعله عليه، ولا يقام عليه الحد .

الرابع : الحرية، وقد ادّعي عليها الإجماع، لأن العبد بما أنّه ملك للمولى فإقراره يكون سبباً للنفوذ في حق الغير، أي لا يكون إقرار على نفسه بل هو إقرار على الغير وهو حق المولى، وقد دلت عليه صحيحة فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع، وإن شهد عليه

ص: 16


1- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح1.

................................

شاهدان قطع»(1).

وأمّا ما قيل بأنّه لا مانع من أخذ العبد بإقراره ولكن يتبع به بعد العتق، ففيه :

أولاً : إن الرواية مطلقة وأنّها تشمل حتى هذه الصورة .

ثانياً : قال استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : ولكنه يندفع بأن وجوبالجلد أو الرجم إن ثبت فلا يتأخر عن الإقرار، وإن لم يثبت عند الإقرار فلا دليل على ثبوته بعد العتق، إلا أن يقر به ثانياً، فلا يقاس الإقرار بالزنا، أو السرقة على الإقرار بإتلاف المال _ مثلاً _ فإنّه يثبت به الضمان من حين الإقرار ويكلف بتفريغ الذمة بعد العتق(2).

نعم يثبت بتصديق المولى لأنّه بمنزلة إقرار المولى على نفسه بعد أن كان العبد ملكاً له، إذاً المقتضى لإجراء الحد موجود والمانع مفقود .

أمّا ما ورد في صحيحة ضريس(3)والفضيل(4)بجواز إقامة الحد بالنسبة إلى العبد فمحمول على التقية، لأنّه بعد العتق يصبح حراً وإقراره على نفسه يكون نافذاً وتشمله إطلاقات وعمومات الإقرار لثبوت الزنا .

ص: 17


1- الوسائل باب 35من أبواب حد السرقة ح1.
2- المباني /1 / 210.
3- الوسائل باب 35من أبواب حد السرقة ح2.
4- الوسائل باب 33من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 138 : لا يثبت حدّ الزنا إلا بالإقرار أربع مرات، فلو أقرّ به كذلك اجري عليه الحدّ، وإلا فلا(1) .

______________________________________________

(1) يقول المحقق : وتكرار الإقرار أربعاً في أربعة مجالس(1)، وقال صاحب الجواهر : بلا خلاف معتداً به أجده في الأول عندنا، نعم عن أكثر العامة الإكتفاء بالمرة، ونسب إلى ظاهر ابن أبي عقيل منا ولا ريب في ضعفه(2)وتدل عليه حسنة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرتين، ولا يرجم الزاني حتى يقر بالزنا أربع مرات»(3)، وما ورد من معتبرة الأصبغ بن نباتة(4)، وحسنة أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) قال : «اتّاه رجل بالكوفة فقال : يا أمير المؤمنين، إنيّ زنيت فطهرني، قال : ممن أنت ؟ قال من مزينة، قال : أتقرا من القران شيئاً ؟ قال : بلى، قال : فاقرأ فقرأ فأجاد، فقال : أبك جِنّة ؟ قال : لا، قال : فأذهب عني حتى نسأل عنك، فذهب الرجل ثم رجع إليه بعد فقال : يا أمير المؤمنين إنيّ زنيت فطهرني قال : ألك زوجة ؟ قال: بلى، قال : فمقيمة معك في البلد ؟ قال : نعم، فأمره أمير المؤمنين (علیه السلام) فذهب وقال : حتى نسأل عنك، فبعث إلى قومه فسأل عن خبره، فقالوا : يا أمير المؤمنين صحيح العقل، فرجع إليه الثالثة، فقال مثل مقالته، فقال : أذهب حتىنسأل عنك، فرجع إليه الرابعة فلما أقرّ، قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لقنبر : احتفظ به» (5)الخ الحديث .

ص: 18


1- شرائع الإسلام / 4 / 152.
2- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام /41 /280.
3- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح3
4- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح1 .
5- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح2.

................................

أمّا أن الزنا لا يثبت إلا بأربع لأنّه بمنزلة الشهادة، إذ لو أقرّ بما دون الأربع لا يقام عليه الحد كما هو كذلك في الشهادة .

وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في رجل قال لأمراته: يا زاينة أنا زنيت بك، قال (علیه السلام) : «عليه حد واحد لقذفه إياها وأمّا قوله : أنا زنيت بك، فلا حد فيه، إلا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام»(1), وهي بإطلاقها تشمل الحد مطلقاً رجماً كان أو جلداً .

أمّا صحيحة الفضيل، قال : سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول : «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة، حراً كان أو عبداً، أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان إلا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء»(2)... الحديث، قال في الجواهر : إلا أنّه مع موافقته للعامة واشتماله على عدم الفرق بين الحر والعبد، وعلى الفرق بين المحصن وغيره الذي لم يحك عن الخصم القول به، بل ظاهر المحكي عنه خلافه قاصر عن معارضة غيره من وجوه فوجب طرحه أو حمله على غير الزنا من الحدود أو غير ذلك(3)، ولكن ماذكره بحمل غير الزنا غير تام، فلابد من طرحها لعدم إمكان معارضتها للصحاح أو حملها على التقية .

ثم إنّه يأتي الكلام بأنّ الإقرار أربعاً هل لابد أن يكون في أربعة مجالس متعددة أو يكفي ولو كان في مجلس واحد، كما نسب إلى الخلاف بقوله : إلا بإقرار أربع مرات في أربعة مجالس(4)والمبسوط بقوله : لا يثبت حدّ الزنا إلا بالإقرار أربع

ص: 19


1- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات حد القذف ح1.
2- الوسائل باب 32 من أبواب الحدود ح1.
3- الجواهر / 41 / 282.
4- الخلاف / 5/ 377 .

المسألة 139 : لو أقرّ شخص، بما يوجب رجمه، ثمّ جحد، سقط عنه الرجم دون الحد، ولو أقر بما يوجب الحد غير الرجم ثم أنكر لم يسقط(1).

______________________________________________

مرات من الزاني في أربعة مجالس متفرقة، وبه قال جماعة .

وقال قوم يثبت بإقراره دفعة واحدة كسائر الإقرارات، واعتبر قوم أربع مرات سواء كان في مجلس واحد أو في مجالس متفرقة(1)، قال في الجواهر : بل منع وفاقاً لإطلاق الأكثر، وصريح غير واحد ممن تأخر، بل في الرياض(2)نسبته إلى كافة المتأخرين ومنه يعلم وهن الإجماع المزبور(3).

(1) وقد أُدعي عليه الإجماع، قال المحقق : لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم(4)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده كما عن الفخرالاعتراف به، بل يمكن تحصيل الإجماع(5)، وقال المحقق : أيضاً بالنسبة لغير الرجم، ولو أقرّ بحد غير الرجم لم يسقط بالإنكار(6)وقد أدعى عليه الإجماع ولكن العمدة الروايات بالنسبة إلى كلا القولين .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) : في رجل أقرّ على نفسه بحد، ثم جحد بعد، فقال : «إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق، ثم جحد قطعت يده، وإنْ رغم أنفه وإن أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة، قلت : فإن أقرّ على نفسه بحد يجب فيه الرجم، أكنت راجمه ؟ فقال : لا ولكن

ص: 20


1- المبسوط / 5/ 337 .
2- الرياض / 15 / 453 .
3- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام / 41 _ 383.
4- شرائع الاسلام / 4 / 152.
5- الجواهر / 41 / 291.
6- شرائع الإسلام / 4 / 152.

المسألة 140: لو أقرّ بما يوجب الحدّ من رجم أو جلد كان للإمام (علیه السلام) العفو وعدم إقامة الحد عليه، وقيَّدهُ المشهور بما إذا تاب المقرّ ودليله غير ظاهر(1) .

______________________________________________

كنت ضاربه الحد»(1).

ومنها : صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أقرّ الرجل على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد، قلت : أرأيت أن أقرّ على نفسه بحد يبلغ فيه الرجم أكنت ترجمه ؟ قال : لا ولكن كنت ضاربه»(2).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «من أقرّعلى نفسه بحد اقمته عليه إلا الرجم، فإنّه إذا أقرّ على نفسه، ثم جحد لم يرجم»(3)، ويؤيده رواية الكناني(4)، ومرسل جميل(5)، فيظهر من هذه الروايات إنّ الرجم يسقط، أمّا الحد فلا يسقط .

(1) بلا خلاف أجده في الأول، بل في محكي السرائر(6)، الإجماع عليه بل لعله كذلك في الثاني أيضاً وإن خالف هو فيه للأصل الذي يدفعه أولوية غير الرجم منه بذلك، كذا ذكره صاحب الجواهر(7)، كما في معتبرة طلحة بن زيد عن

ص: 21


1- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح1.
2- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح2.
3- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح3.
4- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح1. الرواية في ذيل الحديث
5- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح4.
6- السرائر /3 / 476 .
7- الجواهر / 41 / 293.

................................

جعفر (علیه السلام) قال : حدثني بعض أهلي أن شاباً أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقر عنده بالسرقة، قال : فقال له علي (علیه السلام) : «أني أراك شاباً لا بأس بهبتك فهل تقرأ شيئاً من القران ؟ قال : نعم سورة البقرة، فقال : قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال : وإنما منعه أن يقطعه لأنّه لم يقم عليه بينة»(1), وتؤيده رواية البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين (علیهما السلام) قال : «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرّ بالسرقة، فقال له : أتقرأ شيئاً من القران ؟ قال : نعم، سورة البقرة، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة قال : فقال الاشعث : أتعطل حداً من حدود الله ؟ فقال : وما يدريك ماهذا ؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع»(2)، وصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام، فأمّا ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام»(3).

ولكن لابد من رفع اليد عن إطلاق هذه الصحيحة بالروايات التي دلت على التفصيل بين ثبوته بالبينة أنّه لا يعفى، وبالإقرار فيعفى وغيرها من الروايات .

وأمّا ما ورد من التقييد بالتوبة في العفو فلم يرد عليه دليل إلا ادعاء الإجماع فإن تم فهو، وإلا لم يدل عليه دليل من الرواية الصحيحة فتأمل .

ص: 22


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح5.
2- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 141 : إذا حملت المرأة وليس لها بعل لم تُحَدّ، لاحتمال أن يكون الحمل بسبب أخر دون الوطء، أو بالوطء شبهة أو اكراهاً أو نحو ذلك، نعم إذا أقرت بالزنا أربع مرات حدت كما مر(1) .

المسألة 142 : لا يثبت الزنا بشهادة رجلين عادلين، بل لابد من شهادة أربعة رجال عدول، أو ثلاثة وامرأتين، أو رجلين وأربع نساء إلا أنّه لا يثبت الرجم بالأخيرة، ولا يثبت بغير ذلك من شهادة النساء منفردات، أو شهادة رجل وست نساء، أو شهادة واحد ويمين(2) .

______________________________________________

(1) بعد أن عرفت بأن الحد إنما يجري بعد ثبوت الزنا سواء كان بالبينة أو بالإقرار، يقول المحقق : لو حملت ولا بعل لم تحد إلا أن تقر بالزنا أربعاً(1)وفي الجواهر : أو تقوم عليها البينة لاحتمال الاشتباه أو الإكراه وغيرهما خلافاً لمالك وضعفه واضح بل ليس علينا سؤالها للأصل، بل الأصول، فما عن ظاهر المبسوط من لزومه لا وجه له(2)أي يكون الحمل بسبب آخر غير الزنا، كما إذا جرفت إلى نفسها مني الآخر وهو قد يتفق في الحمام أو غيره .

(2) والمسألة غير خلافية، وقد مر ذلك مفصلاً في كتاب الشهادات.

ص: 23


1- شرائع الإسلام / 4 / 152.
2- الجواهر/ 41 / 295.

المسألة 143 : يعتبر في قبول الشهادة على الزنا أن تكون الشهادة شهادة حس ومشاهدة، ولو شهدوا بغير المشاهدة والمعاينة لم يحد المشهود عليه وحد الشهود(1).

______________________________________________

(1) لابد من المشاهدة بالولوج في الفرج كالميل في المكحلة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة كما قال المحقق ولابد في شهادتهم من ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة(1)، ويقول في الجواهر : بلا خلاف معتد به أجده فيه بينهم(2)، وقال صاحب المسالك : لما كان الزنا قد يطلق على ما دون الجماع فيقال زنت العين وزنت الأذن وزنى الفرج، والجماع يطلق على غير الوطء لغة، وكان الأمر في الحدود _ سيّما الرجم _ مبنياً على الاحتياط التام ويدرأ بالشبهة، فلابد في قبول الشهادة به من التصريح بالمشاهدة لوقوع الفعل على وجه لا ريبة فيه، بأن يشهدوا بمعاينة الإيلاج(3).

ونسب إلى الشيخ في محكي النهاية، فالبينة بالزنا أن يشهد أربعة نفر عدول على رجل بأنه وطأ امرأة وليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد وشاهدوه وطأها في الفرج، فإذا شهدوا كذلك قبلت شهادتهم وحكم عليه بالزنا(4)، وقد دل عليه روايات .

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «حد الرجمأن يشهد أربعة أنّهم راوه يدخل ويخرج»(5).

ص: 24


1- شرائع الإسلام / 4 / 152.
2- الجواهر / 41 / 298.
3- المسالك / 14 / 352.
4- النهاية / 3/ 282 .
5- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح1.

................................

ومنها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج»(1).

ومنها : صحيحته الأخرى عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يجلد رجل ولا امرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهود على الإيلاج والإخراج»(2).

ثم أن الحكم ثابت مع العلم ولا يكفي الظن، وهل تعتبر الرؤية في أربعة شهود على الإيلاج والإخراج أم يكفي العلم وعدم كفاية الظن ؟ ففي الرياض : ولأن الشهادة إنما تسمع بما عُويّن أو سمع، ولا معنى للزنا حقيقة إلا ذلك فلا تسمع الشهادة به إلا إذا عوين كذلك(3).

وأستدل على ذلك، بمعتبرة أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «لا يرجم رجل ولا المرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهود على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة»(4)وصحيحة حريز عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «القاذف يجلد ثمانين جلدة إلى أن قال ولا تقبلشهادتهم حتى يقول أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة»(5).

ولكن الحق كفاية العلم بل هو المعتبر في باب الشهادة فالرؤية الواردة في الرواية إنما هي لأجل طريقيتها إلى العلم وثبوت المشهود به الذي يكون في المبصرات لا لخصوصية فيها، إذاً يكفي العلم الحاصل من طريق آخر .

ص: 25


1- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح11.
3- الرياض / 15 / 465 .
4- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح4.
5- الوسائل باب 2من أبواب حد القذف ح 5 .

................................

وبعبارة أخرى فالخبرين لابد أن لا يكونا على اعتبار شيء زائد على العلم، يقول استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) والظاهر أنّ ما ذكروه أمر لا يتحقق في الخارج إلا في فرض نادر ولازم ذلك سد باب الشهادة في الزنا نوعاً مع أن كثيراً ما تحققت الشهادة على الزنا في زمان رسول الله k و بعده ورتب على الشهادة أثرها من رجم أو جلد، فالجماع كغيره من الأفعال التي يمكن الشهادة عليها من جهة رؤية مقدماتها الملازمة لها خارجاً المحققة لصدق الرؤية و الحس بالإضافة إلى المشهود به عرفاً .

وأمّا معتبرة أبي بصير فلا دلالة فيها على اعتبار الرؤية في الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة، و إنما المعتبر فيها الشهادة على ذلك، وقد عرفت أن الشهادة تتحقق برؤية الأفعال الملازمة له خارجاً فيشهد الرائي على الإدخال كالميل في المكحلة .

وأمّا صحيحة حَرِيز فلابد من حملها على رؤية المقدمات الملازمة له خارجا الموجبة لصدقها بالإضافة إلى الجماع عرفاً هذا تمام كلامه(1).ولو فرضنا بأنهما صريحتان بالرؤية، فالمتعين تخصيصهما بموردهما و هو الرجم، أمّا بالنسبة إلى الجلد فلا، بل نقول أن العلم بما أنّه يحصل من خلال الرؤية التي تحصل برؤية الافعال الملازمة له خارجاً فيمكنه أن يشهد على الإدخال كالميل في المكحلة حينئذٍ .

ص: 26


1- المباني / 1 / 219 .

ويعتبر أن تكون الشهادة شهادة بفعل واحد زمانا ومكانا، فلو اختلفوا في الزمان أو المكان لم يثبت الزنا وحد الشهود(1).

وأمّا لو كان اختلافهم غير موجب لتعدد الفعل واختلافه، كما إذا شهد بعضهم على أن المرأة المعُيّنة المزني بها من بني تميم _ مثلاً _ وشهد البعض الآخر على أنّها من بني أسد _ مثلاً _ أو نحو ذلك من الاختلاف في الخصوصيات، لم يضر بثبوت الزنا بلا إشكال(2).

وأمّا إذا كان اختلافهم في خصوصية الزنا، كما لو شهد بعضهم على أن الزاني قد أكره المرأة على الزنا، وشهد الآخر على عدم الإكراه وأن المرأة طاوعته ففي ثبوت الزنا بالإضافة إلى الزاني عندئذ إشكال(3) ولا يبعد التفصيل بين ما إذا كان الشاهد على المطاوعة شاهداً على زناها، وأمّا إذا لم يكن، فعلى الأول لا يثبت الزنا بشهادته ويثبت على الثاني .

______________________________________________

(1) وذلك بعدما لم تثبت شروط الشهادة بالحس واليقين، فإن شهادتهم مستوجبة للقذف، فيحد الشاهد بعد ذلك حد القذف .

(2) كأن شهد بعضهم في الوقوع بالزنا في ركن خاص من البيت والباقون في الركن الآخر، أو بعضهم في بيت خاص والآخرون في غيره، أو شهد بعضهم بوقوع العمل في يوم السبت والآخرون في يوم الأحد فبما أنّه لميثبت الزنا بشهادتهم فلم يحد المشهود عليه وحد الشهود للقذف .

(3) لعدم ما يوجب ضرراً بالنسبة إلى ثبوت الزنا بعد أن كانت المرأة المزني بها مُعيّنة، ولكن الحق كما عليه استاذنا الاعظم(1)، بإن الإشكال في غير محله،

ص: 27


1- المباني / 1/ 220 .

المسألة 144 : إذا شهد أربعة رجال على امرأة بكر بالزنا قُبَلا وأنكرت المرأة وأدعت أنّها بكر، فشهدت أربع نسوة بأنّها بكر، سقط عنها الحد(1) .

______________________________________________

لأنّه بعد أن يكون الزنى فعل واحد فلا يفرق كون المرأة مكرهة أو مطاوعة وفي كلا الأمرين لا أثر له بالإضافة إلى تحقق الزنا من الزاني قد يقال بأنّه قسماً من الشهود الذين ادعوا المطاوعة فشهادتهم للزنا تكون موجبة للقذف لها فيكونوا قاذفين لها فيصبحوا فُساقاً لا تقبل شهادتهم .

وفيه ان هناك فرق بين قولهم وشهادتهم بالزنا والجماع، فإن في الصورة الأولى لا تقبل شهادتهم لأنّهم اصبحوا فساقاً بقذف المرأة، أمّا ما لو شهدوا بالجماع فتقبل شهادتهم .

(1) أمّا سقوط الحد فللإجماع، كما في الجواهر : بلا خلاف أجده(1)والإجماع المذكور غير مقبول، لأنّه منقول ومدركي، حتى وإن كان محتمل المدركية، فهو ليس بحجة، وكذا إطلاقات بعض الروايات مما استفيد منهاالدالة على قبول شهادة النساء في العذرة، ويدل عليه صحيحة زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) : «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا، فقالت: أنا بكر فنظر إليها النساء فوجدنها بكراً، فقال: تقبل شهادة النساء»(2).

ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) بامرأة بكر زعموا أنّها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن : هي عذراء فقال : ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله، وكان يجيز شهادة النساء في مثل هذا»(3)وغيرها من الروايات.

ص: 28


1- الجواهر /41 /362.
2- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح44.
3- الوسائل باب24 من أبواب الشهادات ح13.

................................

وهل يحد الشهود ؟ هناك قولان : قال المحقق : وهل يحد الشهود للفرية وهو مختار المحقق(1)، وهو المحكي عن جماعة كما قال في النهاية(2)، وقال في المبسوط : لا حد لاحتمال الشبهة في المشاهدة والأول اشبه(3)، وقال في المسالك : إذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا فشهد أربع نسوة على أنّها عذراء، فإن لم يعين شهود الزنا محله فلا منافاة، لإمكان كونه دبراً إنْ لم نوجب التفصيل فيثبت الزنا، ولا يقدح فيه البكارة، وأولى بالحكم إذا صرحوا بكونه دبراً .

ويحتمل مع الإطلاق سقوط الحد عنها، لقيام الشبهة الدارئة للحدّ حيث يحتمل كون المشهود به قبلاً، وإن صرحوا بكون الزنا قبلاً، فهذا موضعالخلاف، فقيل: لا حدّ على المشهود عليه، ولا على الشهود، ذهب إلى ذلك الشيخ في المبسوط(4)، وابن إدريس(5)، والعلامة(6)، وجماعة(7)لتعارض البينتين، فلا يكون تصديق النساء أولى من تصديق الرجال وذلك شبهة دارئة للحد(8)، إذاً الحق عدم ثبوت الحد تأييداً للمسالك حيث لم يكن هنالك فرية والحد بواسطة القذف إنما هو إذا لم يكون الشهود أربعة .

ص: 29


1- شرائع الإسلام / 4 / 152 .
2- النهاية / 3 / 282 / 283 .
3- المبسوط / 5/ 343 .
4- المبسوط / 5/ 343 .
5- السرائر / 3 / 429 __ 430 .
6- مختلف الشيعة .
7- منهم ابي حمزة في الوسيلة ، وابي سعيد الحلي في الجامع للشرائع ، وفخر المحققين في ايضاح الفوائد / 4/ 489 .
8- المسالك / 14 / 391.

المسألة 145 : إذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا وكان أحدهم زوجها، فالأكثر على أنّه يثبت الزنا وتُحَدّ المرأة، ولكن الأظهر أنّه لا يثبت(1).

______________________________________________

وأمّا إذا كانوا أربعة وهم عدول فلا قذف مع ما مرّ بأن لا تكون المشاهدة شرطاً في ثبوت الجماع، فلعل الخطأ في العلم والسقوط من جهة ذلك، أو من جهة التعارض، ويؤكد ما ذكرنا سكوت الإمام (علیه السلام) في هذه الروايات عن ذلك، وهكذا يسقط الحد عن الزاني بعد إن لم يثبت أصل الزنا وللشبهة .

(1) هناك ثلاثة أقوال في المسألة :

الأول : أنّه يثبت الزنا وتحد المرأة .

الثاني : عدم الثبوت، ويحد الشهود، وتلاعن زوجها .الثالث : قول بالتفصيل بين سبق الزوج بالقذف فيعتبر في الثبوت أربعة غير الزوج، وبين عدمه فيثبت، ولو كان أحد الشهود الزوج .

أمّا القول الأول : هو المنسوب إلى الأكثر كما في المسالك(1)، وقد عرفت فيما سلف أن شهادة الزوج لزوجته وعليها مقبولة، ومقتضى ذلك أنّه لو شهد عليها أربعة بالزنا أحدهم الزوج قبل وثبت عليها الحد، لوجود المقتضى له وانتفاء المانع، ويؤيده رواية إبراهيم بن نعيم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ؟ قال تجوز شهادتهم»(2).

وذكر في الجواهر تجوز شهادتهم مؤيدة بعدم الفرق بين الزوج وغيره في قبول شهادته للمرأة وعليها، بل لعل الزوج أولى بالقبول لهتك عرضه فيندرج فيما دل

ص: 30


1- المسالك / 14 / 394.
2- الوسائل باب 12من أبواب اللعان ح1.

................................

على ثبوت الزنا بشهادة الأربعة، لقوله تعالى: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَ أَنْفُسُهُمْ»(1)مشعرٌ بأنّه نفسه شاهد أيضاً لو حصل معه تمام العدد وصدق الشهداء أي الثلاثة على أن المقام من الحب التي لا يدعي فيها خاص كما حرر في محله بغير ذلك، وقوله تعالى: «وَاللاَتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ»(2)الشامل للزوج وغيره(3).أمّا القول الثاني وهو عدم الثبوت قال المحقق : والأحرى يحد الشهود الثلاثة ويلاعن الزوج(4).

وأمّا الثالث : وهو المنسوب إلى السرائر، فإن شهد الزوج ابتداءً من غير أن يتقدم منه القذف لها مع الثلاثة المذكورة قبلت شهادتهم ووجب على المرأة الحد، فإن كان قد رمى الزوج المرأة بالزنى أولاً ثم شهد مع الثلاثة المذكورة عليها به فلا تقبل شهادته لأنّه يدفع بها ضررا(5).

وما في الوسيلة فإن كان زوجها أحد شهود البينة ولم يقذفها جاز وإن قذفها لم يجز، والزم الحد الثلاثة واسقط الحد عن الزوج باللعان إن شاء(6).

وما في الجامع بقوله : والزوج أحد الأربعة، فإن لم يعدل أو سبق بالقذف لاعن وحدوا(7)، بأنّه لو سبق الزوج بالقذف فلابد إنْ يأتِ بأربعة غير الزوج

ص: 31


1- سورة النور الآية / 6 .
2- سورة النساء الآية / 15.
3- الجواهر/34 /81 .
4- الجواهر / 34 / 81 .
5- السرائر /3 / 460.
6- الوسيلة /410.
7- الجامع للشرائع/ 548.

................................

وعدم سبق الزوج فيكفي الثبوت ولو كان أحد الشهود الأربعة هو الزوج .

والحق هو القول الثاني فإن إطلاق الآية المباركة دلت على أن الزوج إذا رمى زوجته لابد بأن يأتي بأربعة شهداء وإلا فلابد من الملاعنة، وصحيح إبراهيم بن نعيم عن أبي سيار مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في أربعة شهدوا على امرأة بفجور، أحدهم زوجها، قال : يجلدون الثلاثة، ويلاعنها زوجها،ويفرق بينهما، ولا تحل له ابداً»(1).

ويؤيد ذلك أيضاً رواية زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) : «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا، أحدهم زوجها، قال : يلاعن الزوج ويجلد الآخرون»(2)يقول في الجواهر مؤيداً بظاهر قوله تعالى : «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَ أَنْفُسُهُمْ» بناءً على رجوع الضمير فيها إلى القاذفين ومنهم الزوج فإنّه لا يقال جاء الإنسان بنفسه(3).

وما استدلوا به على الثبوت، فبرواية إبراهيم فهو غير تام لأن رواية إبراهيم ضعيفة بعباد بن كثير لأنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح، بل هو امامي مجهول، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فلا تصلح لمعارضة صحيحة مسمع المؤيدة بإطلاق الآية الكريمة(4).

ولا يخفى بأنّه لو قذف الزوج الزوجة اولاً فلابد في الثبوت من الإتيان بأربعة شهداء، ومحل البحث فيما إذا لم يقذف وشهد الشهود الأربعة وكان أحدهم الزوج من دون سبق قذف منه .

ص: 32


1- الوسائل باب 12من أبواب اللعان ح3.
2- الوسائل باب 12من أبواب اللعان ح2.
3- الجواهر / 43 / 81 __ 82 .
4- المباني / 1 / 223.

المسألة 146 : لا فرق في قبول شهادة أربعة رجال بالزنا بين أن تكون الشهادة على واحد أو أكثر(1).

المسألة 147 : يجب التعجيل في إقامة الحدود بعد أداء الشهادة(2)

ولا يجوز تأجيلها .

______________________________________________

(1) فلو شهدوا أي الأربعة على أن فلاناً وفلانة زنيا، أو جماعة زنوا قُبل منهم وذلك لإطلاق الأدلة، ويؤيده رواية عبد الله بن جذاعة قال: «سألته عن أربعة نفر شهدوا على رجلين وامرأتين بالزنا قال، يرجمون»(1)وهي ضعيفة وتكفي للتأييد .

(2) والمسألة متفق عليها ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك وتدل عليه معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) : «في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال علي (علیه السلام) اين الرابع ؟ قالوا الآن يجيء، فقال (علیه السلام) حدوهم فليس في الحدود نظر ساعة»(2)ويؤيده ما روي عن محمد بن علي ابن الحسين بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) قال : «إذا كان في الحد لعل أو عسى فالحد معطل»(3).

ص: 33


1- الوسائل باب 12 من أبواب حد الزنا ح7.
2- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح8.
3- الوسائل باب 25من أبواب مقدمات الحدود ح2.

كما لا يجوز التسريح بكفالة(1)، أو العفو بشفاعة(2).

______________________________________________

(1) وأيضاً المسألة متفق عليها وقد دلت معتبرة السكوني على ذلك عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : قال رسول الله k «لا كفالة في حد»(1).

(2) وأمّا الشفاعة فهي متفق عليها أيضاً، وتدل عدة روايات .

منها : حسنة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «كان لام سلمة زوج النبي k أَمْة فسرقت من قوم، فأتى بها النبي k فكلمته أم سلمة فيها فقال النبي k يا أم سلمة هذا حد من حدود الله لا يضيّع، فقطعها رسول الله k»(2).

ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام): «لا يشفعن أحد في حد إذا بلغ الإمام، فإنّه لا يملكه، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، واشفع عند الإمام في غير الحد مع الرجوع من المشفوع له، ولا يشفع في حق أمرئ مسلم لا غيره إلا بإذنه»(3)أي أنّه اشفع في ما له العفو كما يثبت موجب الحد بالإقرار، و لا تشفع في ما لا يملك الإمام العفو .

ص: 34


1- الوسائل باب 21من أبواب مقدمات الحدود ح1.
2- الوسائل باب 20 من أبواب مقدمات الحدود ح1.
3- الوسائل باب 20من أبواب مقدمات الحدود ح4.

المسألة 148 : لو تاب المشهود عليه قبل قيام البيّنة، فالمشهور سقوط الحدّ عنه، ودليله غير ظاهر، وأمّا بعد قيامها فلا يسقط(1).

______________________________________________

(1) فقد أُدعيّ الخلاف في الأول، ونسب إلى المشهور ذلك، وقد نسب إلى كشف اللثام مما يظهر من عبارته، وإن تاب قبل قيامها سقط اتفاقاً كما هو الظاهر(1)، وقول أحدهما (علیهما السلام) في مرسلة جميل بن دراج، عن أحدهما (علیهما السلام) في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى، فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح «فقال (علیه السلام): إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد»(2).

ولكن الرواية مرسلة ولا يمكن الأخذ بها، وأمّا إذا تاب بعد قيامها قال المحقق : فلو تاب بعد قيامها لم يسقط حداً كان أو رجماً(3)، ويقول في الجواهر : عند المشهور للأصل(4)، وليس هناك دليل على أنّ الحدّ يسقط بالتوبة، مضافاً إلى ما ورد من صحيحة حسين بن خالد قال : «قلت لأبي الحسن (علیه السلام) اخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة، هل يرد حتى يقام عليه الحد ؟ فقال : يرد، ولا يرد، فقلت كيف ذلك ؟ إلى أن قال.... وإن كان إنما قامت عليه البينة وهو يجحد، ثم هرب رُدّ وهو صاغر، حتى يقامعليه الحد»(5).

ويؤيّده مرسلة أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب ؟ قال : لا، ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم

ص: 35


1- كشف اللثام / 10/ 435 .
2- الوسائل باب 16من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- شرائع الإسلام كتاب حد الزنا .
4- الجواهر /41/ 308 .
5- الوسائل باب 15 من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 149 : لو شهد ثلاثة رجال بالزنا أو ما دونهم حُدّوا حد القذف، ولا ينتظر لإتمام البينة، وهي شهادة الأربعة(1).

______________________________________________

يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة رد حتى يصيبه أَلَمَ العذاب»(1)أي أنّه إذا تاب بينه وبين الله فلا شيء عليه، أمّا إذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، ومضافاً إلى الروايات الدالة من الرد إلى الحفيرة لو قامت البينة ولم يرد إذا ثبت بالإقرار، وهكذا الروايات الواردة في الفرق بين الإقرار والبينة .

(1) وذلك لعدم ثبوت الزنا، وعلى الشهود حدّ القذف حتى ولو انظم إليهم النساء، لعدم الدليل بشهادتهن انفردنّ أو انضمّمن، بل دلت الاخبار على عدم قبول شهادتهن في الحدود كما في حسنة محمد بن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : قلنا : «أتجوز شهادة النساء في الحدود ؟ فقال : في القتل وحده، إنّ علياً (علیه السلام) كان يقول : لا يبطل دم أمرئ مسلم»(2).

وصحيحة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي(علیه السلام) «قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القوْد»(3)، وغيرها من الروايات .

ص: 36


1- الوسائل باب 15 من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح1.
3- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح29.

المسألة 150 : لا فرق في الأحكام المتقدمة بين كون الزاني مسلماً أو كافراً، وكذا لا فرق بين كون المزنيّ بها مسلمة أو كافرة، وأمّا إذا زنى كافرٌ بكافرة، أو لاط بمثله، فالإمام مخيّر بين اقامة الحد عليه، وبين دفعه إلى اهل ملته ليقيموا عليه الحد حدّ الزاني(1) .

______________________________________________

(1) أمّا إذا كان الزاني مسلماً وإن كانت الزانية كافرة أو الزاني كافر والمزني بها مسلمة، فلابد من إقامة الحد للعمومات والإطلاقات الشاملة في المقام، أما إذا زنى كافر بكافرة أو لاط بمثله فللإمام (علیه السلام) الخيار بين إقامة الحد على الزاني حسب المصلحة، أو يدفعهم إلى أهل ملتهم لإقامة الحد عليهم وذلك لقوله تعالى : «فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ»(1)وقوله تعالى «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ»(2).

ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه D أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي (علیه السلام) في رجل زنى بالمرأة اليهودية أو النصرانية فكتب (علیه السلام) إليه : «إن كان محصناً فارجمه، وإن كان بكراً فاجلده مائة جلدة وأما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها وليقضوا فيها ما احبوا»(3).وصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الانجيل يتحاكمون إليه، كان ذلك إليه، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء تركهم»(4)،

ص: 37


1- سورة المائدة الآية / 42.
2- سورة المائدة الآية / 48.
3- الوسائل باب 8 من أبواب الزنا ج5.
4- الوسائل باب 27 من كيفية الحكم ج1.

المسألة 151 : من زنى بذات محرم له _ كالأم والبنت والأخت وما شاكل ذلك _ يقتل بالضرب بالسيف في رقبته(1).

______________________________________________

وصحيحة أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دية اليهود والنصارى والمجوس، قال : هم سواء ثمانمائة درهم، قلت إن أخذوا في بلاد المسلمين وهم يعملون الفاحشة أيقام عليهم الحد ؟ قال نعم يحكم فيهم بأحكام المسلمين»(1).

والجمع بين هذه الروايات هو التخيير بين الحكم و بين إقامة الحد أو الدفع إلى أهل ملتهم، إنْ قلت إنّ ذلك موجب لتعطيل الحدود ؟ قلنا أنه اجتهاد مقابل النص.

(1) قال في الجواهر : بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به غير واحد بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منها مستفيض كالنصوص الدالة على ذلك في الجملة(2)، كما في حسنة أبي أيوب قال : «سمعت ابن بكير بن اعين يروي عن أحدهما (علیهما السلام) قال : من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت، منه ما أخذت، وإن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيفأخذت منها ما أخذت، قيل له فمَنْ يضربهما وليس لهما خصم ؟ قال : ذلك إلى الإمام إذا رفعا إليه»(3)، وصحيحة جميل بن دراج قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) اين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف، أين هذه الضربة ؟ قال : تضرب عنقه أو قال تضرب رقبته»(4)، وهذه الرواية تكون مفسرة للرواية الأولى، بأن المراد من الضرب هو القتل، وكذا ما ذكر في رواية سليمان بن هلال عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل يفعل بالرجل، قال، فقال إن كان دون الثقب فالجلد وإن كان ثقب أقيّم قائماً، ثم ضرب بالسيف ضربة أخذ

ص: 38


1- الوسائل باب 13 من أبواب ديات النفس ح8.
2- الجواهر / 14 /309.
3- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح1.
4- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح3.

................................

السيف منه ما أخذ : فقلت له هو القتل، قال : هو ذاك»(1)، فإنّها تكون مؤيدة.

وأمّا رواية محمد بن عبد الله بن مهران، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل وقع على اخته، قال : يضرب ضربة بالسيف قلت : فإنه يخلص قال : يحبس أبداً حتى يموت»(2)، وعن عامر بن السمط عن علي بن الحسين (علیه السلام) في الرجل يقع على أخته، قال : «يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت، فإن عاش خُلّد في السجن حتى يموت»(3).

ولكن الروايتين ضعيفتان من جهة السند، والإرسال في الأولى، وأنمحمد بن مهران غالٍ كذاب، وعامر بن السمط لم يوثق، وما ذكر عن صاحب الجواهر بقوله : نعم في الرياض ظاهر أكثر النصوص المزبورة الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً، أو في الرقبة، وهي لا تستلزم القتل كما في صريح بعضها المشتمل(4)، على التخليد في الحبس مع فرض عدم إتيانها عليه .

قلت : قد يقال مع أنّه كما اعترف به شيء لم يذكره أحد ممن تقدم أو تأخر، بل عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب السيف وغيره وبالضربة الواحدة وغيرها، وقد سمعت معاقد الإجماعات المحكية، وفي النبوي المنجبر بما عرفت «من وقع على ذات محرم فاقتلوه»(5)وقد سمعت أيضاً في مرسل جميل الذي رواه في الفقيه أن المنساق من قوله (علیه السلام) في خبر جميل السابق يضرب عنقه القتل، بل لعله

ص: 39


1- الوسائل باب 1من أبواب حد اللواط ح2، الوسائل باب1 من ابواب نكاح البهائم ح7.
2- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح4.
3- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح10.
4- الرياض / 15 / 475 .
5- سنن البيهقي /8 /237.

ولا يجب جلده قبل قتله(1).

______________________________________________

المراد أيضاً من الضربة في الحسن الأول ولو بقرينة ما تعرفه من النص والفتوى على القتل في الزنا بغير ذات المحرم مع الاكراه، وإن ورد في بعض نصوصها الضربة أيضاً بالسيف فليس حينئذٍ إلا ما صرح به في ما سمعت من التخليد في السجن مع فرض الخلاص ولا ريب في قصوره عن معارضة ما عرفت من الوجوه، بل هو شاذ بالنسبة إلى ذلك(1).

(1) فهل يجب الجلد قبل قتله إذا اتى بما يوجب الجلد ؟ قد يقالبوجوب الجلد كما إذا كان شخصاً محصناً الذي يجمع فيه بين الجلد والرجم وذكر صاحب السرائر بقوله : فأمّا من يجب عليه القتل على كل حال سواء أكان محصناً أم غير محصناً، حراً كان أم عبداً، مسلماً كان أم كافراً، شيخاً كان أم شاباً، فهو كل من وطئ ذات محرم له، أُماً أو بنتاً أو أُختاً أو بنتهما أو بنت أخيه، أو عمته أو خالته، فإنه يجب عليه القتل على كل حال بعد جلده حد الزاني، لأنّه لا دليل على سقوطه عنه، لقوله تعالى: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(2)ولا منافاة بين جلده وبين قتله بعد الجلد وليس إطلاق قول أصحابنا «ويجب عليه القتل على كل حال» دليلاً على رفع حد الزنا عنه(3)، وهو مقتضى الجمع بين الأدلة، ونسب إلى المشهور على أن الزاني يجلد .

وأمّا ما دل على القتل يؤيده خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني، إلا أنّه أعظم ذنبا»(4)، فإذا كان الزاني يجلد وقلنا

ص: 40


1- الجواهر /41 /311.
2- سورة النور الآية / 2.
3- السرائر /3 _ 368.
4- الوسائل باب 19من ابواب حد الزنا ح8 .

................................

أن في المقام لابد أن يقتل فقط، فلابد أن يكون حد الزاني بالرجم أعظم، إذاً أولاً لابد من الجلد قضاءً للتسوية مع الزاني، ثم القتل لأنّه لو قلنا بدون الجلد فلا تساوي بينهما مع أن الزنا بالمحارم يكون أشد ولكن الحق أن خبر أبي بصير ضعيفٌ .

وما دل على القتل إنما هو يكون في بيان تمام ما يجب عليه، ولعلالمراد بأنّه أعظم أي حرمته وعقابه، إذ لا دليل على وجوب الجلد، وهكذا الرجم لأجل أن الزنا بذات محرم رواياته مطلقة، بل عامة تشمل المورد الذي يثبت به الرجم للزاني، فإذا كان بالمحصن فلا يجب الرجم بل يكفي القتل بالسيف لعدم الدليل، وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : وأمّا الرجم والجلد في غيره فهما وإن ثبتا بالإطلاقات إلا أن نسبتهما إلى ما دل على وجوب القتل بالسيف في الزنا بذات محرم نسبة العام إلى الخاص، فإن نسبته إلى كل مما دل على وجوب الرجم في غير المحصن ووجوب الرجم في المحصن وإن كانت نسبة العموم من وجه إلى أنّه لابد في تقديم هذه الروايات لأنّها ناظرة إلى إثبات خصوصية الزنا بذات محرم، فيرفع اليد عن إطلاق ما دل على ثبوت الجلد أو الرجم(1).

وبعبارة أخرى إن الاخبار الدالة على الزاني بالمحرم بعمومها وإطلاقها تكون حاكمة وشارحة لأدلة مطلق الزنا، إذ أن الزاني بالمحرم لا يجب عليه الجلد.

ص: 41


1- المباني /1 / 231 .

ولا فرق في ذلك بين المحصن وغيره(1).

______________________________________________

(1) لإطلاقات الادلة، يقول المحقق ولا يعتبر في هذه المواضع الاحصان بل يقتل على كل حال شيخاً كان أو شاباً ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر(1)، وقال في الجواهر بلا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد، بل للإجماع بقسميه عليه(2)، ولكن هناك معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا زنى الرجل بذات محرم حُدّ، حَدّ الزاني، إلا أنّه اعظم ذنباً»(3)، أي كما يثبت للزاني في غير المحرم الجلد والرجم كذلك الزاني بذات المحرم ويظهر منها عدم خصوصية الزاني بذات المحرم، بل فقط الفرق في زيادة الأثم وعدمه فهي وإن كانت معارضة بما ورد في الرواية بأنّه يقتل بالسيف ولكن لا يمكن الأخذ بالمعتبرة لأنّها شاذة، و حملها الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)على التقية .

وأما رواية القتل فهي مشهورة فلا يمكن تركها، فالفرق بين الزنا بذات محرم وغيره موجود .

ص: 42


1- الشرائع / 4 / 154.
2- الجواهر / 41 / 309 .
3- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح8 .

والحر والعبد والمسلم والكافر والشيخ والشاب(1)، كما لا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة إذا تابعته(2).

______________________________________________

(1) للإطلاق وعموم الدليل .

(2) وهل الحكم يشمل المحرم بالرضاع وبالمصاهرة أيضاً، قد يقال بذلك كما عن المبسوط بقوله : إذا إبتاع رجل ذات محرم له، كالأخت والخالة والعمة من نسب أو رضاع أو لأم والبنت من الرضاع، فإنّه يحرم عليه وطؤها(1)، وفي الخلاف كرر نفس الحكم ولكن ذكر : مع العلم بالتحريم كان عليه الحد، وقال الشافعي في الأخت والعمة والخالة والأم من النسب والرضاع فيه قولان أحدهما عليه الحد، والثاني لا حد عليه وبه قال أبو حنيفة(2)، وفي الجامع بقوله : وكذلك من زنى بذات محرم كالأم والبنت والأخت، نسباً ورضاعاً، أو عقد عليها ووطئها وهو يعرفها قتل(3)، وفي التبصرة يقتل الزاني بأمه أو بأحد المحرمات نسباً أو رضاعاً أو بامرأة الأب .

ولعل قولهم كان لأجل ما ورد من الروايات بذات محرم ولذا أُلحق الموردين الرضاع وامرأة الأب(4).

والحق أن المنساق من المحرم إلى الذهن كما هو الوارد في النصوص أي تكون محرمة بقول مطلق في نفسها إلا إذا حصل بسبب كالمصاهرة أو الرضاع وما شابه ذلك، قال في المسالك : المتبادر من ذات المحرم النسبية،ويمكن شمولها للسببية وقد تقدم أن المحرم من يحرم نكاحه مؤبداً بنسب أو رضاعة

ص: 43


1- المبسوط /5 / 342.
2- الخلاف /5/ 375 .
3- الجامع للشرائع/ 549.
4- التبصرة / 109 .

والأظهر عموم الحكم للمحرم بالرضاع أو بالمصاهرة(1) نعم يستثنى من المحرم بالمصاهرة زوجة الأب، فإنّ من زنى بها يرجم وإن كان غير محصن(2).

______________________________________________

أو مصاهرة(1)، وهكذا ورد عن غيره، أمّا زوجة الأب فقد دل النص عليه أنّه يرجم كما عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر، عن أبيه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «أنّه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير محصن»(2)، فعمل به الأصحاب، فإذا كان عملهم منجبر لضعف الرواية فيكون حجة وإلا مشكل وقد عبر عنها الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بالمعتبرة .

(1) وذلك لإطلاق الأدلة، وقد يقال بأنّه ينصرف إلى من هو محرم بالسبب، وقد نسب ذلك إلى الكثير من الفقهاء إلا أنّه لا دليل على هذا الانصراف بل هو انصراف بدوي لأن المراد بالمحرم من حرم نكاحها، وهو مطلق يشمل المحرم بالنسب والرضاع على حد سواء، بل والمصاهرة أيضاً ولكن إن تم الإجماع وقلنا بحجيته، فنقول بالاختصاص ولا نعمل بالإطلاق وعموم الحكم .

(2) الدليل الدال على استثناء زوجة الأب من عموم المحرم بالمصاهرة فالزاني بها يرجم ما ورد في معتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيهعن أمير المؤمنين D«أنّه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير محصن»(3).

ص: 44


1- المسالك /14 / 361.
2- الوسائل باب 19من أبواب حد الزاني ح9.
3- الوسائل باب 19 من أبواب حد الزنا ح9 .

المسألة 152 : إذا زنى الذمي بمسلمة قتل(1) .

______________________________________________

(1) بلا فرق بين أن تكون مطاوعة له أو مكرهة، وبلا فرق أيضاً بين أن يكون على شرائط الذمة أم لا، لإطلاق صحيحة حنان بن سدير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن يهودي فجر بمسلمة، قال : يقتل»(1)، بل حتى وإن كان كافراً على الإطلاق، كما في التبصرة : أو بالمسلمة إذا كان ذمياً أو بمن اكرهها عليه محصناً كان أو غير محصن، عبداً أو حراً مسلماً كان، أو كافراً(2)وقد أدعي على ذلك عدم الخلاف بالنسبة إلى مطلق الكافر، وصرحوا بالأولوية لأن الكفر ملة واحدة، وهل يقتل حتى بعد إسلامه أو لا ؟ لا يخفى أن إسلامه قد يكون بعد ثبوت الحكم عند الحاكم أو قبله .

أمّا في الصورة الأولى فيقتل للاتفاق ولإطلاق الصحيحة ولخبر جعفر بن رزق الله قال قُدّمَ إلى المتوكل نصرانيٌ فجر بامرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحد فاسلم، فقال يحيى بن أكثم قد هَدَم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم يفعل به كذا وكذا، فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (علیه السلام) وسُئل عن ذلك، فلما قُدّم الكتاب كتب أبو الحسن (علیه السلام) : يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا : يا أمير المؤمنين سَله عن هذا فإنّه شيء لم ينطق به كتاب، ولم تجيء به السنة فكتب : إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا لم تجيء به سنة ولم ينطق به كتاب، فبين لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت ؟فكتب (علیه السلام) : Pفَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي

ص: 45


1- الوسائل / باب 36من أبواب حد الزنا ح1.
2- التبصرة / 109.

................................

عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَO(1)، قال فأمر به المتوكل فضرب حتى مات(2)وبعد هذا الاتفاق لا يمكن التمسك بحديث الجب، بل يكون الدليل مخصص له .

وأمّا إذا كانت التوبة قبل ثبوت الحكم عليه فيمكن إن يقال بسقوط الحد لحديث الجب، وعليه جماعة ورواية جعفر أن عدم السقوط كان لعدم فائدة التوبة بعد رؤية البأس والحكم بالقتل، ولكن الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) قال : أقول مقتضى إطلاق الصحيحة عدم السقوط وإن زنا اليهودي بالمسلمة موجب للقتل وإن اسلم بعد ذلك، وأمّا رواية جعفر بن رزق الله فليس فيها دلالة على السقوط إذا كان إسلامه قبل الحكم عليه، وإنما هو مجرد اشعار فلا حجية فيه على أن الرواية ضعيفة سنداً، فان جعفر بن رزق الله لم تثبت وثاقته ولم يرد فيه مدح .

وأمّا حديث الجب فهو لم يثبت من طرقنا فلا يمكن الاستدلال به، وإنما الثابت سقوطه بالإسلام هو ما دلت عليه الرواية المعتبرة أو ما قامت عليه السيرة القطعية، ومن المعلوم أن محل الكلام ليس كذلك بل المشهور بين الفقهاء عدم السقوط على ما هو مقتضى اطلاق كلماتهم(3)ولكن الروايةمشهورة بين العامة والخاصة ولذا يحصل للإنسان الاطمئنان بصدورها .

وأمّا من جهة الدلالة يقول الاستاذ المحقق (قدس سرُّه) فما هو الظاهر المتفاهم العرفي من هذه الجملة هو أن ما صدر عن الكافر في حال كفره من قول أو فعل، بل ما كان له من اعتقاد يترتب على ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ضرر أو عقوبة عليه بحيث يكون ذلك الضرر من آثار ما ذكر في الإسلام لا في حال الكفر، فالإسلام يقطع بقاء ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ويجعله كالعدم وبلا

ص: 46


1- سورة غافر الآية / 84 __ 85 .
2- الوسائل باب 36من أبواب حد الزنا ح2.
3- المباني / 1 / 235 .

المسألة 153 : إذا أكره شخص امرأة على الزنا فزنى بها قتل، من دون فرق في ذلك بين المحصن و غيره(1) .

______________________________________________

أثر إلى أن يقول وحاصل الكلام أن الأفعال أو الأقوال التي تصدر من الكافر في حال كفره إن كانت تترتب على ذلك الفعل أو القول الصادر عنه حال كفره أثراً في الإسلام يكون ضرراً عليه بمعنى أن ذلك الفعل أو ذلك القول لو كان يصدر عنه في حال الإسلام لكان يعاقب كما أنّه لو زنا وشرب الخمر أو قتل مسلماً، وكذا في غير ما ذكر من الأفعال المحرمة شرعاً التي على من يرتكبها عقاب من تعزير أو حد أو قصاص أو دية، فالإسلام يقطع ما قبله ويجعله كالعدم بمعنى رفع آثاره(1).

اذاً حينما أسلم وتاب قبل أن يصل إلى الحاكم حتى يكون إسلامه عن خوف الحد فإنّه لا حد عليه والإسلام يجب ما قبله، ولأن الحديث يكون من باب الامتنان لكي يرغب إلى الإسلام فمقتضى الحديث عدم إقامة الحد .(1) وقد ادعوا عليه الإجماع، ولكن العمدة في ذلك الروايات، منها صحيحة بريد العجلي قال : «سُئل أبو جعفر (علیه السلام) عن رجل اغتصب امرأة فرجها ؟ قال : يقتل محصناً كان أو غير محصن»(2)، وصحيحة زرارة عن احدهما (علیهما السلام) : «في رجل غصب امرأة نفسها قال : يقتل»(3).

نعم هناك روايتان ربما يتوهم منهما الخلاف كرواية زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل غصب امرأة فرجها، قال يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت»(4)ويمكن دفع هذا التوهم بأمرين :

ص: 47


1- القواعد الفقهية / 1 / 49 _ 50.
2- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح4.
4- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح3.

المسألة 154 : الزاني إذا كان شيخاً وكان محصناً يجلد ثم يرجم وكذلك الشيخة، إذا كانت محصنة، وأمّا إذا لم يكونا محصنين ففيه الجلد فحسب(1).

______________________________________________

الأول : الرواية ضعيفة من جهة السند، فان في سندها علي بن حديد وهو ضعيف .

الثاني : حملها على أن المراد منها القتل كما تقدم نظير ذلك في روايات الزنا بذات المحرم .

وأمّا معتبرة أبي بصير الآتية فهي غير قابلة لمعارضة الروايات المتقدمة فلا مناص من طرحها، مضافاً إلى أنّها غير ظاهرة في تحقق الزنا(1)، ومعتبرةأبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش»(2).

يقول صاحب الجواهر : إني لم أجد عاملاً بهما فوجب طرحهما في مقابل ما عرفت أو حملهما على مالا ينافي ذلك(3).

(1) يقول في التبصرة : فإن كان محصناً وهو الذي له فرج مملوك بالعقد الدائم، أو الملك يغدو إليه ويروح، ويكون عاقلاً، جُلد مائة جلدة ثم يرجم إن زنى ببالغة عاقلة، وإن كان زنى بصغيرة أو مجنونة جلد خاصة، وكذا المرأة المحصنة ترجم بعد الحد، واحصانها كإحصان الرجل(4).

ص: 48


1- المباني / 1/ 236 .
2- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح6.
3- الجواهر /41 / 316.
4- التبصرة / 109.

................................

إذاً بالنسبة إلى المحصن أو المحصنة إذا وقع منهما الزنى أي زنى ببالغة عاقلة أو زنت ببالغ عاقل ثبت عليها الرجم، والمسألة غير خلافية وأدّعي الإجماع عليها، وقد عرفت حال هذه الإجماعات، فالعمدة هي الروايات والتي منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «في الشيخ والشيخة جلد مائة، والرجم، والبكر والبكرة جلد مائة، ونفي سنة»(1).

فإنّها وإن لم تشر إلى التقييد بالإحصان وهي مطلقة من هذه الجهة ولكن يمكن تقييدها بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة،وقضى للمحصن الرجم، وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة، ونفي سنة في غير مصرهما، وهما اللذان قد أُملكا ولم يدخل بها»(2)نعم هناك صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «الرجم في القران قول الله عز وجل : «إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة»(3)وصحيحة سليمان بن خالد، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في القرآن رجم ؟ قال نعم، قلت، كيف ؟ قال، الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنّهما قضيا الشهوة(4)، فإنّهما وإن دلتا بأن الشيخ والشيخة يرجمان ولو لم يكونا محصنين لأنّه جعل علة وجوب الرجم قضيان الشهوة، لكن لابد من الحمل على التقية، ولا يمكن العمل بهما لأنّه لا قائل بهما بعدما فرض بأن الرجم يكون مختصاً بالمحصن، إذاً يكون حكمهما هو الجلد إذا لم يكونا محصنين .

ص: 49


1- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح9.
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح2.
3- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح4.
4- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح18.

وإذا كان الزاني شاباً أو شابة فإنه يرجم إذا كان محصناً(1) .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد أدّعى عليه الإجماع ولصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال : «الرجم حد الله الأكبر، والجلد حد الله الأصغر فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد»(1)، وكذا في موثقة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «الحر والحرة إذا زنيا جلد كل واحدمنهما مائة جلدة، فأما المحصن والمحصنة فعليهما بالرجم»(2)، فالرجم يكون مُسَلمّاً في المحصن من غير الشيخ والشيخة إنما الكلام بإنه هل يجلدان أولاً ثم يرجمان أو لا ؟

فالمسألة خلافية وفيها أقوال :

القول الأول : الاقتصار على القتل فقط، وهذا مذهب المحقق في الشرائع قال : فيجب على من زنى بذات محرم كالأم والبنت وشبههما والذمي إذا زنى بمسلمة وكذا من زنى بامرأة مكرهاً لها، ولا يعتبر في هذه المواضع الإحصان بل يقتل على كل حال شيخاً كان أو شاباً ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر(3).

القول الثاني : التفصيل إن كان محصناً جلد، ثم رجم وإن لم يكن محصناً جلد ثم قتل، وهو ما ذهب إليه ابن إدريس في السرائر قال : إذا ملك رجل ذات محرم من نسب أو رضاع فوطئها مع العلم بتحريم الوطء عليه لزمه القتل على كل حال عندنا بعد حد الزنا، وقال بعض أصحابنا عليه القتل واطلق الكلام ولم يذكر الحد ولا دليل على سقوطه لقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ» وهذا زانٍ بغير خلاف(4).

ص: 50


1- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح3.
3- الشرائع / 4 / 154.
4- سورة النور الآية / 2 ، السرائر /3/ 464 .

................................

القول الثالث : التفصيل بخلاف القول الثاني الجلد والقتل في المحصن وغير المحصن وهذا رأي الشهيدين(1)، ويجمع للزاني في هذه الصور«زنىالرجل بذات محرم وزنى الذمي بالمرأة المسلمة، وزنى الرجل بالمرأة مكرهاً لها» بين الجلد ثم القتل على الأقوى جمعاً بين الأدلة .

القول الرابع : التردد .

ومصدر الخلاف اختلاف الروايات، أمّا روايات الجلد فقد مضت وروايات الرجم كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في المحصن والمحصنة جلد مائة، ثم الرجم(2)، وصحيح الفضيل، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : من أقرَّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حراً كان أو عبداً، أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه إلى أن قال إلا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة، ثم يرجمه»(3)، وخبري زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «المحصن يرجم، والذي قد املك ولم يدخل بها فجلد مائة ونفي سنة»(4)وخبره الآخر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال «الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة، ولا ينفى، والذي قد املك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى»(5). والحق أنه يجب الرجم فيهما دون الجلد لما قلنا بأن المسألة غير خلافية ولما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من الجمع بقوله : أقول الصحيح أنّه لا جلد وإنما يجب الرجم

ص: 51


1- المسالك / 14 / 361 ، غاية المراد معه حاشية الارشاد / 4/ 197 .
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح8 .
3- الوسائل باب 32من أبواب مقدمات الحدود ح1.
4- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح6.
5- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح7.

و يجلد إذا لم يكن محصناً(1).

______________________________________________

فقط، فأن ما ورد من الروايات في الجمع بين الجلد والرجم مطلق ولم يذكر في شيء منها الشاب والشابة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في المحصن والمحصنة جلد مائة، ثم يرجم»(1)ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في المحصن والمحصنة جلد مائة ثم الرجم»(2). وعليه فلابد من رفع اليد عن اطلاقهما بصحيحة عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «الرجم حد الله الأكبر والجلد حد الله الأصغر، فإذا زنا الرجل المحصن رجم ولم يجلد»(3)، وهذه الصحيحة لابد من تقييدها بغير الشيخ والشيخة لما مرّ من الجمع بين الجلد والرجم فيهما فتحمل هذه الصحيحة على الشاب والشابة فتكون اخص من الصحيحتين المتقدمين فتحمل الصحيحتان على الشيخ والشيخة(4).

(1) لدلالة الآية الشريفة : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(5)، والمسألة غير خلافية والآية، وإن كانت مطلقة ولكن تقيد بغير المحصن، ولصحيحة صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله (علیه السلام) إلى أن يقول «ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة»(6)، وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة، ولا ينفى والذي قد أُملك ولم يدخل بها يجلد مائة، وينفى»(7)وغيرها من الروايات .

ص: 52


1- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح8.
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح14.
3- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح1.
4- المباني / 1 / 239240.
5- سورة النور الآية / 2 ، السرائر /3/ 464 .
6- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح12.
7- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح7.

المسألة 155 : هل يختصّ الحكم فيما ثبت فيه الرجم بما إذا كانت المزني بها عاقلة بالغة، فلو زنى البالغ المحصن بصبية أو مجنونة فلا رجم؟ فيه خلاف ذهب جماعة إلى الاختصاص منهم المحقق في الشرائع ولكنّ الظاهر عموم الحكم(1).

______________________________________________

(1) يقول المحقق : لو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو المجنونة فعليه الجلد لا الرجم(1)، يقول صاحب الجواهر : عند الشيخ في المحكي عن نهايته(2)ويحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه(3)، بل في الروضة(4)، دعوى الشهرة على عدم الرجم في الثاني، وإن كنا لم نتحققها للأصل ونقص حرمتهما بالنسبة إلى الكاملة، ولذا لا يحد قاذفهما، ولنقص اللذة في الصغيرة وفحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبي كما تسمع(5)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وذلك للإطلاقات الدالة على ثبوت الرجم مع الإحصان وعدم وجود ما يصلح للتقييد إلا ما قيل من نقص حرمة المجنونة والصبية بالإضافة إلى العاقلة البالغة ومن نقص اللذة في الزنى بالصغيرة ومن قياس ذلك بها إذا زنت البالغة العاقلة بالصبي .

ولكن من الظاهر أن شيئاً من ذلك غير قابل لأن ترفع به اليد عن إطلاقات الادلة(6)، ويدل عليه موثق ابن بكير خصوصاً بالنسبة إلى من زنىبغير البالغ عن أبي مريم قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ

ص: 53


1- شرائع الإسلام /4 باب الرجم .
2- النهاية / 289 .
3- الجامع للشرائع / 552 .
4- الروضة الفقهية / 9/ 254 .
5- الجواهر / 41/ 320.
6- المباني /1 / 241 __ 320.

المسألة 156 :إذا زنت المرأة المحصنة وكان الزاني بها بالغاً رجمت(1) وأمّا إذا كان الزاني صبياً غير بالغ فلا ترجم وعليها الحد كاملاً ويجلد الغلام دون الحد(2) .

المسألة 157 : قد عرفت أن الزاني إذا لم يكن محصناً يضرب مائة جلدة ولكن مع ذلك يجب جز شعر رأسه أو حلقه، ويغرب عن بلده سنة كاملة(3) .

______________________________________________

الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة، أي شيء يصنع بهما ؟ قال : «يضرب الغلام دون الحد، ويقام على المرأة الحد قلت : جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها ؟ قال : تضرب الجارية دون الحد ويقام على الرجل الحد»(1).

(1) كما مرّت الاشارة إليها .

(2) وأمّا إذا كان الزاني صبيٌ غير بالغ فهل ترجم لأنّها محصنة أو لا ؟ الظاهر العدم، يقول في الجواهر : لا يخلو من قوة وفاقاً لجماعة لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة قال يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحد كاملاً قيل فان كانت محصنة ؟ قال لا ترجم لأن الذي نكحها ليس بمدرك ولو كان مدركاًرجمت»(2)اذاً لو كان الزاني صبياً فلا ترجم وإن كانت محصنة .

(3) يقول المحقق : أمّا الجلد والتغريب فيجبان على الذكر الحر غير المحصن ويجلد مائة ويجز رأسه، ويغرب عن مصره عاماً، مملكاً كان أو غير مملك(3)،

ص: 54


1- الوسائل باب 9 من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 9 من أبواب حد الزنا ح2 ، وانظر الجواهر /41 / 321.
3- الشرائع / 4 / 155 .

................................

وهنا قولان :

الأول : أن الحكم مطلق كما يقول المحقق(1)، ونسبه صاحب الجواهر إلى العماني والإسكافي والحلبي وصريح المحكي عن المبسوط والخلاف والسرائر وغيرهم(2).

الثاني : أنّه يخص التغريب بمن أُملك ولم يدخل وهو ظاهر الصدوق والمفيد وسلار وابن حمزة والتحرير الفاضل وغيرهم(3). وأمّا جز الشعر فقد دل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه ؟ قال : (علیه السلام) يجلد الحد، ويحلق رأسه، ويفرق بينه وبين أهله، وينفى سنة»(4).

وصحيحة حنان قال : «سأل رجل أبا عبد الله (علیه السلام) وأنا اسمع عن البكر يفجر وقد تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله ؟ فقال : يضرب مائة،ويجز شعره وينفى من المصر حولا، ويفرق بينه وبين أهله»(5).

والظاهر أن المراد من الجز هو الحلق وظهور الحلق هو حلق تمام الرأس إذاً لا يفيد الجز من غير الرأس ولا جز مقدار كجز الناصية فقط، كما نسب إلى المقنعة والمراسم والوسيلة، وكذا لا يجوز حلق اللحية والحاجب لعدم الدليل بل للأصل وظهور الاتفاق .

ص: 55


1- نفس المصدر .
2- الجواهر /41/ 323 .
3- نفس المصدر .
4- الوسائل باب 7من أبواب حد الزنا ح8 .
5- الوسائل باب 7من أبواب حد الزنا ح7.

وهل يختص هذا الحكم وهو جز شعر الرأس أو الحلق أو التغريب بمن أملك ولم يدخل بها أو يعمه وغيره ؟ فيه قولان، الأظهر هو الاختصاص، وأمّا المرأة فلا جز عليها بلا إشكال، وأمّا التغريب ففي ثبوته إشكال، والأقرب الثبوت(1) .

______________________________________________

(1) أمّا وجوب التغريب فلصحيحة حنان وكذا صحيحة علي بن جعفر(1)، وقد عرفت بأن التغريب مختص فيهما بما إذا أملك ولم يدخل بها إذاً الحكم بالإطلاق سواء أملك أو لا، يحتاج إلى دليل بل ورد الدليل على العدم وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة ولا ينفى والذي قد أُملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى»(2)وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «... فيالبكر والبكرة إذا زنيا جلدا مائة ونفياً سنة في غير مصرهما وهما اللذان قد املكا ولم يدخل بهما»(3)يقول العلامة : ولا جز على المرأة ولا تغريب، بل تجلد مائة لا غير والمملوك لا جز عليه ولا تغريب أيضاً، بل يجلد خمسين(4).

أقول : أمّا عدم الجز لعدم الدليل، بل الدليل ورد في الرجل الحر وأمّا التغريب فقد استدلوا على عدم الوجوب :

ص: 56


1- قد مر تخريجهما .
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح7.
3- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح2.
4- التحرير / 5 / 318.

................................

أولاً : بالشهرة العظيمة(1)وحكى الإجماع عليه(2).

وثانياً : ما ورد في كلماتهم بأن المرأة عورة ولابد من حفظها، والنفي يكون سبباً لعدم صيانتها لأنّه لا يؤمن عليها(3).

ولكن الحق هو الثبوت للروايات التي تقدم ذكرها ومنها صحيحة محمد بن قيس، وصحيحة الحلبي المتقدمة .

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وتدل على ذلك أيضاً الروايات المتقدمة الواردة في نفي الرجم والتغريب عن المرأة المجنونة والمستكرهة معللة بأنّها لا تملك أمرها، فإنّها تدل بوضوح على أنّها لو كانت مالكة لأمرها لكان عليها الرجم والنفي، وعلى هذا فإن كان الإجماع موجود في المقام فهو ولكنه لا إجماع، وعليه فلا موجب لرفع اليد عما دلت عليه الروايات الصحيحة(4).

وهذا مدفوع ولذلك :

أولاً : الإجماع ليس بحجة .

وثانياً : لو فرض وجود الإجماع فلا يعارض الأدلة الصحيحة، إذاً لابد من النفي كما قال (قدس سرُّه) في المتن الأقرب الثبوت .

ص: 57


1- المسالك / 14 / 396 .
2- الخلاف / 5/ 368 / المبسوط / 8/ 2 .
3- الرياض / 15 / 488 ، المسالك / 14 / 370 .
4- المباني / 1 / 245.

المسألة 158 : يعتبر في إحصان الرجل أمران(1) .

الأول : الحرية، فلا رجم على العبد(2) .

______________________________________________

(1) ثبوت الإحصان يتم بأمور : وهي كونه بالغاً عاقلاً وله فرج مملوك يغدوا عليه ويروح، ويكون متمكناً من الوطء متى أراد بلا خلاف، ولابد أن تكون الزوجة دائمة فلا يكفي وجود المتعة، أمّا الدوام فلأجل أن المسألة اتفاقية، ولموثقة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن الرجل إذا زنى وعنده السرية والأمة يطؤها تحصنه الأمة تكون عنده، فقال : إنما ذلك لأن عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها فقال : لا يُصَدّق، قلت : فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه ؟ فقال : لا إنما هو على الشيء الدائم عنده»(1)، ويؤيده رواية هشام بن حفص البختري عمن ذكره، عن أبي عبد الله (علیه السلام) : في الرجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟ قال : «لا إنما ذاك على الشيء الدائم عنده»(2).

(2) أمّا اشتراط الحرية فقد وقع الاتفاق عليه، يقول المحقق : المملوك يجلد خمسين، محصناً كان أو غير محصن، ذكراً كان أو أنثى(3)، وصريح عبارة صاحب الجواهر : شيخاً كان أو شاباً بكراً أو غير بكر، بلا خلاف أجده فيه بل الظاهر الإجماع عليه(4)، والعمدة في ذلك الروايات، كصحيحة أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «في العبد يتزوج الحرة ثم يعتقفيصيب فاحشة قال، فقال : لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعدما يعتق...»(5).

ص: 58


1- الوسائل باب 2من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 2من أبواب حد الزنا ح3.
3- الشرائع /4 / 155 .
4- الجواهر/41/ 329 .
5- الوسائل باب 7من أبواب حد الزنا ح5.

الثاني : أن تكون له زوجة دائمة قد دخل بها أو امة كذلك وهو متمكن من وطئها متى شاء وأراد(1).

______________________________________________

ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة، وإن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانياً، ولا يرجم ولا ينفى»(1).

وكذا يصدق الإحصان إذا كانت تحته مملوكة لمعتبرة إسحاق بن عمار _ آنفه الذكر _ قال «سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن الرجل إذا زنى وعنده السرية والأمة يطؤها تحصنه الأمة تكون عنده، فقال : إنما ذلك لأن عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها، فقال : لا يُصَدّق، قلت : فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه ؟ فقال : لا إنما هو على الشيء الدائم عنده» ولا يخفى أن صدر الرواية يشمل المتعة بقوله «لان عنده، ما يغنيه عن الزنا» ولكن الذيل صريح بأنه على الدائم ولكن المسألة كما ذكرنا اتفاقية .

وصحيحة عمرو بن يزيد الصريحة بعدم رجم صاحب المتعة وهي عن عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث قال : «لا يرجم الغائب عن اهله، ولا المملّك الذي لم يبن بأهله، ولا صاحب المتعة»(2).(1) وقد دلت عليه صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة، وصحيحة علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) قال : «سألته عن الحر تحته المملوكة، هل عليه الرجم إذا زنى، قال نعم»(3)، وغيرها من الروايات .

وبعد ما ذكرنا من أن الإحصان لا يثبت إلا مع توفر الشرائط وهي: كونه

ص: 59


1- الوسائل باب 31من أبواب حد الزنا ح5.
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح3.
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح11.

فلو كانت زوجته غائبة عنه بحيث لا يتمكن من الاستمتاع بها(1) أو كان محبوساً فلا يتمكن من الخروج إليها لم يترتب حكم الإحصان(2).

______________________________________________

عاقلاً، وبالغاً، وله فرج مملوك بالعقد الدائم متمكناً من الوطء متى أراد بلا خلاف، فلو كانت زوجته غائبة عنه أو هو غائب عنها فلا يتمكن من الاستمتاع، وهكذا لو كان محبوساً ولا يتمكن من الخروج إليها، فلا يترتب عليهما حكم الإحصان، وقد دل على هذا الحكم روايات كثيرة .

منها : عن إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : قلت : ما المحصن رحمك الله ؟ قال «من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن»(1).

ومنها : صحيحة حريز قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المحصن قال فقال : «الذي يزني وعنده ما يغنيه»(2).(1) للروايات منها صحيحة محمد بن مسلم، قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم، إلا أن يكون الرجل مع المرأة، والمرأة مع الرجل»(3).

(2) أمّا عدم الرجم بالنسبة إلى المحبوس فقد وردت به روايات.

منها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة إن يُدرء عنه الرجم ويضرب حد الزاني، قال، وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة حرة في بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزنى في السجن قال : عليه الحد ويدرأ عنه الرجم»(4).

ص: 60


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح. 1.
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح1.
4- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح2.

المسألة 159 : يعتبر في إحصان المرأة، الحرية، وأن يكون لها زوج دائم قد دخل بها، فلو زنت والحال هذه وكان الزاني بالغاً رجمت(3).

______________________________________________

ومنها : صحيحة عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملك الذي لم يَبْنِ بأهله ولا صاحب المتعة»(1).

(3) يشترط في رجم المرأة أمور :

الأول : الحرية فلا يجري الحد على المملوكة .

الثاني : أن تكون معقودة بالعقد الدائم ولو كانت متعة فلا يجري كذلك.

الثالث : أن تكون بالغة، فلو كانت صبية غير بالغة فلا يجري عليها الحد، فإحصان المرأة كإحصان الرجل من جهة الشروط، وقد أدّعى البعض الإجماع عليه(2)، والعمدة الروايات .

أمّا بالنسبة إلى شرط الحرية في جريان الحد فلصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتبة زنت إلى أن قال وأبَى أن يرجمها، وأن ينفيها قبل أن يبين عتقها»(3)، وتؤيد ذلك رواية بريد العجلي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الأمة تزني قال : «تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج»(4).

وأمّا شرط وجود الرجل كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم، إلا أن يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل»(5)، وصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال :

ص: 61


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح3.
2- التنقيح الرائع / 4/ 330 ، المهذب البارع / 5/ 16 ، التحرير / 2/ 220 .
3- الوسائل باب 33 من أبواب حد الزنا ح3.
4- الوسائل باب 31 من أبواب حد الزنا ح2.
5- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح1.

................................

سألته عن امرأة تزوجت رجلاً ولها زوج ؟ قال : فقال «إن كان زوجها الأول مقيماً معها في المصر التي هي فيه تصل إليه ويصل إليها، فأنّ عليها ما على الزاني المحصن الرجم، وإن كان زوجها الأول غائباً عنها أو كان مقيماً معها فيالمصر لا يصل إليها ولا تصل إليه، فأنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة»(1).

أمّا إذا كان محبوساً ولم يتمكن من الخروج أيضاً فلا يصدق عليه الإحصان كما مرّ ذكره، وذلك لأن المدار هو التمكن، فمَنْ لم يتمكن فهو غير محصن ولا خصوصية للسفر والغياب، كما ورد في صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: قلت له ... ما المحصن رحمك الله قال : «من كان له فرج يغدوا ويروح فهو محصن»(2)وعلى هذا موضوع السفر أو الحبس وغيرهما الذي يكون مانعاً حقيقياً عن الاستمتاع سواء أكان سفره بحد المسافة أم لا فهو غير محصن، وكل من كان بعكس ذلك أي أنّه متمكن من الاستمتاع مسافراً كان أو غير مسافرٍ فهو محصن، نعم في صحيحة عمر بن يزيد، قال قلت : لأبي عبد الله (علیه السلام) اخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة وهو غائب عنها ؟ قال: «لا يرجم الغائب عن أهله إلى أن قال : ففي أي حد سفره لا يكون محصناً ؟ قال : إذا قصر وأفطر فليس بمحصن»(3)ولكن بعد ما ذكرنا من أن العمدة في صدق الإحصان إنما هو التمكن من الاستمتاع وليس للسفر أي دخل، فلابد من طرح هذه الرواية بعد أن كانت مخالفة لتلك الروايات الصحيحة وللاتفاق .

ص: 62


1- الوسائل باب 27 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل أبواب حد الزنا باب 2 ح1 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 160 : المطلقة رجعية زوجة مادامت في العدة، فلو زنت والحال هذه عالمة بالحكم والموضوع رجمت وكذلك زوجها، ولا رجم إذا كان الطلاق بائناً، أو كانت العدة عدة وفاة(1).

______________________________________________

(1) لأنّها زوجة كما ورد في صريح الروايات بأن المطلقة الرجعية زوجة إذاً، يرد عليها حكم الرجم لكن يشترط أن تكون عالمة بالحال من التحريم في العدة، فلو أدّعت الجهل بالحكم أو الموضوع قبل منها لأنّه شبهة والحدود تدرء بالشبهات، وكذا بالنسبة إلى الزوج، فلو علم أحدهما وجهل الآخر يرجم العالم دون الجاهل، مضافاً إلى إطلاق الروايات كما في صحيحة يزيد الكناسي قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها فقال : «إن كانت تزوجت في عدة الطلاق لزوجها عليها الرجعة فأنّ عليها الرجم وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة فأنّ عليها حد الزاني غير المحصن، وإن كانت تزوجت في عدة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة اشهر والعشرة إيام فلا رجم عليها، وعليها ضرب مائة جلدة»(1).

وأمّا ما ورد في موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (علیه السلام) عن رجل كانت له امرأة فطلقها أو ماتت، فزنى قال : «عليه الرجم، وعن امرأة كان لها زوج فطلقها أو مات ثم زنت عليها الرجم ؟ قال : نعم»(2)، فتحمل على الطلاق الرجعي، وكذا رواية علي بن جعفر عن أخيه (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل طلق أو بانت امرأته ثم زنى، ما عليه ؟ قال : الرجم» وروايتهالأخرى قال : «سألته عن امرأة طُلّقت فزنت بعد ما طلقت هل عليها الرجم ؟ قال : نعم»(3)، مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً ومخالفة لما اتفق عليه من عدم الرجم في البائن .

ص: 63


1- الوسائل باب 27من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل باب 27 من أبواب حد الزنا ح8.
3- الوسائل باب 6 من أبواب حد الزنا ح1، 2 .

المسألة 161 : لو طلق شخص زوجته خلعاً، فرجعت الزوجة بالبذل ورجع الزوج بها، ثم زنى قبل ان يطأ زوجته، لم يرجم وكذلك زوجته وكذا المملوك لو اعتق والمكاتب لو تحرر، فلو زنيا قبل أن يطأ زوجتيهما لم يرجما(1).

المسألة 162 : إذا زنى المملوك جلد خمسين جلدة، سواء أكان محصناً أم غير محصن، شاباً أو شيخاً، وكذلك الحال في المملوكة(2).

______________________________________________

(1) أمّا المخالع فلو رجع الزوج لم يرجم حتى يطأها لأنّها بحكم الزوجة الجديدة ويعتبر الوطء في صدق الإحصان، وهكذا بالنسبة إلى الزوجة، فإنّها لا ترجم قبل الوطء بها لأن الرجوع في حكم الزوج الجديد وهكذا بالنسبة إلى المملوك لأنّه يشترط الحرية، كما مرّ في إحصانه، فلو أعتق، أو تحرر المكاتب أيضاً لا يرجمان إذا زنيا قبل أن يطاءا زوجيهما .

(2) والمسألة اتفاقية لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال سألته عن الحر تحصنه المملوكة؟ قال: «لا تحصن الحر المملوكةولا يحصن المملوك الحرة»(1).

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث، قيل له: فان زنى وهو مكاتب ولم يؤد شيئاً من مكاتبته ؟ قال : «هو حق الله يطرح عنه من الحد خمسين جلدة ويضرب خمسين»(2).

ومنها: رواية حسن بن السرى عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا زنى العبد والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم، وإنما عليهما الضرب خمسين، نصف الحد»(3).

ص: 64


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 31 من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 31 من أبواب حد الزنا ح3.

ولا تغريب عليهما ولا جز(1)، نعم المكاتب إذا تحرر منه شيء جلد بقدر ما أعتق ويقدّر ما بقي، فلو أعتق نصفه جلد خمساً وسبعين جلدة وإن أعتق ثلاثة أرباعه جلد سبعاً وثمانين جلدة ونصف جلدة ولو أعتق ربعه جلد اثنتين وستين جلدة ونصف جلدة، وكذلك الحال في المكاتبة إذا تحرر منها شيء(2) .

______________________________________________

ففي هذه الرواية وقع في سندها حسن بن السري العبدي الانباري أو الكاتب لم يوثق، وهو مشترك وقيل هو متحد، بينه وبين حسن بن السرى الكاتب، كذلك في وثاقته محل كلام، ولذا قال الماماقاني : على الأظهر ولم يعلم بأن حسن بن السرى أيُّ منهما الانباري أو الكاتب، فلابد من إثبات أنهما واحد، وهو صريح مع اتحاده مع سابقه لجمعه بين اللقبين والاتحاد اسماً واباً وروايةعنهما وهو ابن محبوب، والاتحاد صريح الخلاصة ورجال ابن داود ثم إثبات وثاقة الكاتب محل تأمل(1).

(1) أمّا التغريب فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتبة زنت قال: ينظر ما أدّت من مكاتبتها فيكون فيها حد الحرة، وما لم تقضِ فيكون فيه حد الأمة»(2)، وأمّا بالنسبة إلى الأمة يكفي الاتفاق، مضافاً إلى أن نفيها يكون ضرراً على المولى .

(2) إذا أدّى المكاتب مما كاتب عليه قبال حريته تحرر منه بمقداره مثلاً فلو اعتق ثلاثة أرباعه جلد سبعة وثمانين جلدة ونصف كما في صحيحة محمد ابن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتبة زنت، قال ينظر ما أدّت من مكاتبتها فيكون فيها حد الحرة، وما لم تقض فيكون فيه حد الأمة،

ص: 65


1- تنقيح المقال الطبعة القديمة /1/ 281 _ 282 .
2- الوسائل باب 33 من أبواب حد الزنا ح3.

المسألة 163 : لا تُجلّد المستحاضة ما لم ينقطع عنها الدم، فإذا انقطع جلدت(1).

المسألة 164 : لا يجلد المريض الذي يخاف عليه الموت حتى يبرأ(2).

______________________________________________

وقال في مكاتبة زنت وقد أعتق منها ثلاثة أرباع وبقي الربع جلدت ثلاثة أرباعالحد حساب الحرة على مائة فذلك خمس وسبعون جلدة وربعها حساب خمسين من الأمة اثنا عشر سوطاً ونصف وذلك سبعة وثمانون جلدة ونصف، وأبى أن يرجمها وأن ينفيها قبل أن يبين عتقها»(1).

(1) المسألة ليست خلافية، وتدل عليها معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها»(2)وموثقة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أُتيّ أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل أصاب حداً وبه قروح، فقال أمير المؤمنين، أقروه حتى تبرأ، لا تنكؤها عليه فتقتلوه»(3)، وعن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) أن أمير المؤمنين (علیه السلام) أُتي برجل أصاب حداً وبه قروح ومرض واشباه ذلك، فقال : أمير المؤمنين أخروه حتى تبرأ، لا تنكأ قروحه عليه فيموت، ولكن إذا برأ حددناه»(4)، ولكن في طريق الرواية محمد بن حسن بن شمون وهو ضعيف .

(2) قد أدّعي الإجماع هنا، ولكن قد عرفت حال هذه الاجماعات، والعمدة معتبرة السكوني إلى أن قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : «أقروه حتى يبرأ لا تنكؤ عليه

ص: 66


1- الوسائل باب 33 من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح4.
4- الوسائل باب 13من أبواب مقدمات الحدود ح6.

ومع اليأس من البرء يضرب بالضغث المشتمل على العدد مرة واحدة(1)، ولا يعتبر وصول كل شمراخ إلى جسده(2).

______________________________________________

فتقتلوه»(1)، وهذا التأخير إنما هو في ما إذا خيف عليه الموت كما في الرواية، فلو لم يخف عليه فلا يجوز التأخير .

(1) وهناك روايات أخرى دلت على أن المريض يضرب بالضغث المشتمل على العدد، كمعتبرة سماعة عن أبي عبد الله عن ابائه D عن النبي k : «انه أُتى برجل كبير البطن قد أصاب محرماً، فدعا رسول الله بعرجون فيه مائة شمراخ، فضربه مرة واحدة، فكان الحد»(2)وصحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أُتى رسول الله k برجل دميم قصير قد سقى بطنه، وقد درت عروق بطنه، قد فجر بالمرأة، فقالت المرأة، ما علمت به إلا وقد دخل عليَّ، فقال له رسول الله k أزنيت ؟ فقال له : نعم _ ولم يكن احصن _ فصعد رسول الله بصره و خفضه، ثم دعا بعذقٍ فقدّه مائة، ثم ضربه بشماريخه»(3). إذا كان ذلك في نظر الحاكم، وقد حمله الأصحاب لما فيه مصلحة للضرب، ولكن يمكن أن نحمله على ما إذا كان ميؤوساً من البرء لصحيحة أبي العباس .

(2) لتعذر وصول الجميع للقاعدة وللإطلاق لا يخفى إنما يتأخر بالنسبة إلى الجلد فإنّهما أي المستحاضة والمريض يرجمان لإطلاق الأدلة ولأجل ما ورد من عدم جواز تعطيل الحدود(4)وتأخيرها وأنّه ليس في النظر ساعة .

ص: 67


1- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح4.
2- الوسائل باب 13من أبواب مقدمات الحدود ح7.
3- الوسائل باب 13من أبواب مقدمات الحدود ح5.
4- الوسائل أبواب مقدمات الحدود الباب 1ح6 .

المسألة 165 : لو زنى شخص مراراً وثبت ذلك بالإقرار أوالبينة حُدّ حَداً واحداً(1).

______________________________________________

(1) وذلك للإطلاق سواء كان ذلك بامرأة واحدة أو نساء متعددات حد حداً واحداً، هذا إذا لم يكن التكرار بعد قيام الحد وإلا يحد مرة ثانية، كما عليه العلامة في التبصرة، قال : فإن زنى بعد الحد ثانية تكرر الحد وإن لم يحد كفى حداً واحداً، فأن زنى ثالثة بعد الحدين قتل وقيل في الرابعة(1)وقد ادعوا عليه الشهرة وبلوغ الإجماع .

ولا يخفى أنا تارة نقول بأن تعدد الاسباب لا يكون سبباً لتعدد المسببات فهذا واضح، فلا يتعدد الحد سواء كان بامرأة واحدة أو نساء متعددات .

وأمّا لو قلنا تتعدد المسببات بتعدد الاسباب، فلابد من تعدد الحد إذا تكرر بامرأة فضلاً عن النساء المتعددات .

ولكن الحق عدم التعدد، لأن الحكم كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إنما يثبت على الزاني أو الزانية ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين وحدة الزنا وتكرره(2).

ولكن هناك رواية واحدة تدل على التفصيل بين أن يكون المزنى بها واحدة فلا تكرار أو أكثر فيكرر الحد وهي رواية أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مراراً كثيرة قال، فقال (علیه السلام) : «إن زنى بامرأة واحدة كذا وكذا مرة فإنما عليه حد واحد، وإن هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد في ساعة واحدة، فإنّ عليه فيكل امرأة فجر بها حداً»(3)إلا أن الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني .

ص: 68


1- التبصرة / 109.
2- المباني /1/ 258 .
3- الوسائل باب 23من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 166 : لو أقيم الحدّ على الزاني ثلاث مرات قتل في الرابعة، إنْ كان حراً(1).

______________________________________________

(1) الكلام يقع في قتله بعد الثالثة، كما عند الصدوقين والحلي فيما حكي عنهم لصحيح يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أقيّم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(1).

وقيل، والقائل المشهور يقتل في الرابعة، بل عن الانتصار والغُنية الإجماع عليه هنا(2)، كما هو عليه المشهور، والاختلاف إنما هو لأجل اختلاف الروايات .

دليل الأول هو معتبرة أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا ويقتل في الرابعة»(3)، ويؤيد ذلك خبر محمد بن سنان عن الرضا (علیه السلام) فيما كتب إليه : «إن علة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني والزانية لاستخفافهما وقلة مبالاتهما بالضرب»(4).

والدليل الثاني صحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام)قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أُقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(5).

ولكن هذه الصحيحة مطلقة فتقيد بصحيحة أبي بصير وتكون النتيجة هو القتل في الرابعة، مضافاً إلى ما ورد من الشارع على وجوب التحفظ في الدماء .

ص: 69


1- الوسائل باب 20 من أبواب حد الزنى ح3.
2- الجواهر /41 / 331 ، الانتصار / 256 ، الغنية / 1/ 421 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح2.
4- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
5- الوسائل باب 5من أبواب مقدمات الحدود ح1.

ويقتل في الثامنة بعد إقامة الحد عليه سبعاً إن كان مملوكا(1).

______________________________________________

(1) وأمّا المملوك فلو كنا نحن والقاعدة فمهما حصل منه الزنا بعد إقامة الحدّ فلابد أن لا يقتل، ولكن بعد ما جاء الدليل بجواز القتل، فهنا لابد أن نرفع اليد عن القاعدة، وقد ورد في الرواية الصحيحة يقتل في الثامنة بعد إقامة الحد عليه سبعاً وهناك قول بالقتل في التاسعة .

أمّا الأول فعليه المشهور(1)، وتدل عليه صحيحة جميل عن بريد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا زنا العبد جلد خمسين، فأن عاد ضرب خمسين، فأن عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرات، فان زنى ثماني مرات قتل وأدى الإمام (علیه السلام) قيمته إلى مواليه من بيت المال»(2).

ولكن نُسب إلى النهاية والقاضي والجامع والمختلف(3)، أنّه يقتل في التاسعة، ودليلهم رواية بريد العجلي عن عبيد بن زرارة .... قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) أمة زنت ؟ قال : تجلد خمسين جلدة، قلت : فإنّها عادت ؟ قال تجلد خمسين قلت، فيجب عليها الرجم في شيء من الحالات ؟ قال : إذا زنت ثماني مرات يجب عليها الرجم قلت كيف صار في ثماني مرات ؟ فقال : لأن الحر إذا زنى أربع مرات وأقيّم عليه الحد قتل، فإذا زنت الأمة ثماني مرات رجمت في التاسعة، قلت : وما العلة في ذلك ؟ قال : لأنّ الله عز وجل رحمها أن يجمع عليها ربق الرّق وحد الحر، قال، ثم قال، وعلى إمامالمسلمين ان يدفع ثمنه إلى مواليه من سهم الرقاب»(4).

لا يخفى لو كانت هذه الرواية صحيحة لكنا نأخذ بها ونترك الأولى ولكن

ص: 70


1- المقنعة / 779 ، الانتصار / 256 / السرائر / 4 / 442 .
2- الوسائل باب 32من أبواب حد الزنا ح2.
3- النهاية / 695 ، المهذب / 2/ 520 ، الجامع للشرائع / 551 .
4- الوسائل باب 32 من أبواب حد الزنا ح1.

وأدى الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال(1).

المسألة 167 : إذا كانت المزني بها حاملاً، فان كانت محصنة تربص بها حتى تضع حملها، وترضعه مدة اللباء، ثم ترجم(2) .

______________________________________________

لا يمكننا ذلك لضعف سندها بأصبغ بن الأصبغ، ومحمد بن سليمان وهناك عدة من الروايات كلها مجملة أو مهملة إلا رواية النوفلي فهي حسنة فالرواية الأولى تكون صحيحة .

(1) وبما أنّه ملك للغير ويتضرر الغير فلابد أن يدفع قيمته إلى مالكه والدافع يكون هو الإمام (علیه السلام) .

(2) الكلام في هذه المسألة يقع في أمور :

الأول : هل التربص مطلق بالنسبة إلى الرجم والجلد، أو مختص بالرجم ؟ ثم أنّه هل التأخير شرط إلى اتمام الوضع والرضاع أو مدة اللباء .

أمّا بالنسبة إلى الرجم، يقول المحقق : لا يقام الحد على الحامل حتى تضع وتخرج من نفاسها وترضع الولد إن لم يتفق له مرضع، ولو وجد له كافل جاز إقامة الحد(1)، واستدل بموثقة عمار الساباطي، قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن محصنة زنت وهي حبلى قال (علیه السلام) : «تقر حتى تضع مافي بطنها وترضع ولدها ثم ترجم»(2)، وعن محمد بن محمد المفيد في الإرشاد عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قال : لعمر وقد أُتى بحامل قد زنت فأمر برجمها، فقال له علي (علیه السلام) : «هب لك سبيل عليها، أي سبيل لك على ما في بطنها والله يقول : «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(3)فقال عمر

ص: 71


1- الشرائع /4 / 156.
2- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح4.
3- سورة فاطر الآية / 18.

................................

لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن، ثم قال فما اصنع بها يا أبا الحسن ؟ قال (علیه السلام) احتط عليها حتى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فاقم الحدّ عليها»(1).

وهل التربص إلى بعد ما شرب اللباء أو اتمام الرضاع ؟ الظاهر هو الثاني كما في معتبرة عمار الساباطي الآنفة الذكر .

وأمّا ما استدل به الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بإرضاع مدة اللباء(2)، بصحيحة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «أتت امرأة أمير المؤمنين (علیه السلام) فقالت : قد فجرت، فأعرض بوجهه عنها، فتحولت حتى استقبلت وجهه، فقالت : إني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته، فقالت، إني قد فجرت، فأعرض عنها، ثم استقبلته، فقالت : إني فجرت فأمر بها فحبست وكانت حاملاً فتربص بها حتى وضعت، ثم أمر بها بعد ذلك، فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوباً جديداً، وادخلها الحفيرة إلى الحقووموضع الثديين واغلق باب الرحبة ورماها بحجر»(3).

وفيه أن هذه الرواية لم يرد فيها الرضاع مطلقاً، فيمكن حملها على الرضاع بقرينة الرواية الأولى لا شرب اللباء، ولذا قال العلامة : لا يقام الحد على الحامل حتى تضع ويستغني الولد(4)، كما في الرواية التي مرت .

ص: 72


1- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح7.
2- المباني /1 / 261 .
3- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح5.
4- التبصرة / 110.

وإن كانت غير محصنة حدت، إلا إذا خيف على ولدها(1).

المسألة 168 : إذا وجب الحد على شخص ثم جن لم يسقط عنه بل يقام عليه الحد حال جنونه(2).

______________________________________________

(1) وأمّا بالنسبة إلى الجلد فيقام إلا أن يضر بالولد، ما ذكره في المسالك : ولا فرق في المنع من إقامة الحد على الحامل بين أن يكون جلداً أو رجماً مراعاة لحق الولد فإنّه لا سبيل عليه(1)، وكذا قال في التحرير : الحامل لا يقام عليها الحد _ سواء كان جلداً أو رجماً _ حتى تضع وترضع الولد إن لم تحصل له مرضع، سواء كان الحمل من زنا أو غيره، ولو لم يظهر الحمل ولم تدعه يؤخر، بل تحد في الحال، ولا اعتبار بإمكان الحمل من الزنا، نعم لو أدعت الحمل قَبَل قولها(2)، فظهر مما ذكرنا بأن التربص يكون بالنسبة إلى الرجم أو الجلد إذا ضر بالولد لا مطلقاً، والظاهر الرجم يكون بعد الارضاع لا بعد الوضع وشرب اللباء كما عليه المشهور وهو المطابق للاحتياط .

(2) يقول العلامة : لو زنى العاقل ثم جن، لم يسقط الحد، بل يستوفى منه وإن كان مجنوناً، جلداً كان أو رجما(3)، لإطلاق الأدلة، والمسألة اتفاقية ولصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل وجب عليه الحد فلم يضرب حتى خولط، فقال : إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقل أقيّم عليه الحد كائناً ما كان»(4).ولا فرق بين أن يكون الحد رجماً أو جلداً، وفاقاً لما عليه المحقق بقوله :

ص: 73


1- المسالك /14 / 376.
2- التحرير/5 / 323.
3- التحرير /5 / 323.
4- الوسائل باب 9من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 169 : لا تجوز إقامة الحد على أحد في أرض العدو إذا خيف أن تأخذه الحمية ويلحق بالعدو(1) .

______________________________________________

ولا يسقط الحد باعتراض الجنون ولا الارتداد(1)، وخلافاً لما عليه في المسالك بقوله : ولا فرق في الحد هنا بين القتل وغيره وإن اجتمع على المرتد للقتل سببان، ثم إن كان قتلاً لم ينتظر بالمجنون الإفاقة، وأن كان جلداً ففي انتظار افاقته إن كان له حالة افاقة وجهان، من أنّه أقوى في الردع، ومن إطلاق الأمر بإقامته عليه في صحيحة أبي عبيدة عن الباقر (علیه السلام) «في رجل وجب عليه حد فلم يضرب حتى خولط، فقال : إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقلٍ، أقيّم عليه الحد كائناً ما كان» وهذا أجود(2).

وكذا نسب إلى بعض السقوط بالنسبة إلى المطبق، وإلى الآخر السقوط إذا لم يحس بالألم(3)، وهذه الأمور هي اجتهاد في مقابل النص مضافاً إلى الاتفاق كما ذكرنا .

(1) لمعتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : قال « أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يقام على أحد حد بأرض العدو»(4)، ومعتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي Dأنّه قال : «لا أقيم على رجل حداًبأرض العدو حتى يخرج منها مخافة أن تحمله الحمية فيلحق بالعدو»(5)، ومثله موثقة إسحاق ابن عمار، وهذه وإن كانت مطلقة لكن تقيد بالأولى، والنتيجة أنّه إذا خيف أخذ الحمية واللحاق بالعدو لا يجرى الحد .

ص: 74


1- الشرائع /4 /156.
2- المسالك / 14/ 380 ، وانظر التهذيب /10/19 ح58 .
3- كشف اللثام /2/ 405 ، الرياض / 15 / 501 .
4- الوسائل باب 10من أبواب مقدمات الحدود ح1.
5- الوسائل باب 10من أبواب مقدمات الحدود ح2.

المسألة 170 : إذا جنى شخص في غير الحرم ثم لجأ إليه لم يجز أن يقام عليه الحد، ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع حتى يخرج ويقام عليه الحد، وأمّا إذا جنى في الحرم أقيم عليه الحد فيه(1).

المسألة 171: لو اجتمعت على رجل حدود بُدئ بالحد الذي لا يفوت معه الآخر، كما لو اجتمع عليه الحد والرجم بدئ بالحد أولاً ثم الرجم(2).

______________________________________________

(1) المسألة اتفاقية مضافاً إلى الآية الشريفة : «مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»(1)وتدل عليه أيضاً صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الرجل يجني في غير الحرم، ثم يلجأ إلى الحرم، قال : «لا تقام عليه الحد، ولا يطعم ولا يسقى، ولا يكلم، ولا يبايع، فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، وإن جنى في الحرم جناية أقيّم عليه الحد في الحرم، فإنّه لم ير للحرم حرمة»(2).

(2) هكذا لو اجتمع عليه حد القطع والرجم بدئ بالقطع أولاً، لأنّه لوبدئ بالرجم قبل الحد يفوت محل الحد، والمسألة اتفاقية، ولما ورد من الروايات، قال العلامة الثالثة : لو اجتمع الجلد والرجم بدأ بالجلد(3)ولصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «أيمّا رجل اجتمعت فيه حدود فيها القتل، يبدأ بالحدود التي هي دون القتل، ثم يقتل بعد ذلك»(4)وعن عبد الله بن سنان وابن بكير جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل قال : «يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ويقتل بعدُ»(5)وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الرجل

ص: 75


1- سورة آل عمران الآية / 97 .
2- الوسائل باب 34من أبواب مقدمات الحدود ح1.
3- التبصرة/ 110.
4- الوسائل باب 15من أبواب مقدمات الحدود ح1.
5- الوسائل باب 15من أبواب مقدمات الحدود ح6.

................................

يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل، فقال : «كان علي (علیه السلام) يقيم عليه الحد، ثم يقتله ولا تخالف علياً»(1)، وغيرها من الروايات، وهل يتوقع برءُ جلده، قيل والقائل الشيخان وابنا زهرة وحمزة والبراج وسعيد(2)، نعم على ما حكي تأكيداً في الزجر .

وقيل كما عن ابن إدريس : لا يجب وإنما هو مستحب(3)، وعن جماعة من المتأخرين ومتأخريهم الميل إليه لأن القصد الاتلاف(4)، فلا فائدة في الانتظار، مع ما ورد أنّه لا نظرة في الحد ولو ساعة(5)، ومنه يتجه عدم القولبالجواز كما عن مجمع الفائدة البرهان(6)، بل قد يشعر به عبارة الإرشاد(7)كما اعترف به هو أيضاً، وعن أبي علي أنه يجلد قبل الرجم بيوم لما روي من أن أمير المؤمنين (علیه السلام) جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة(8)، ولكن الرواية ضعيفة وأنّها قضية في واقعة، والحق عدم جواز التأخير لما دل عن عدم الجواز ولو ساعة وما ذكروه لا دليل عليه، وعن حسن بن كثير عن أبيه قال : خرج أمير المؤمنين (علیه السلام) بسراقة الهمدانية، فكاد الناس يقتل بعضهم بعضاً من الزحام، فلما رأى ذلك امر بردها حتى إذا خفت الزحمة اخرجت واغلق الباب فرموها حتى ماتت(9).

ص: 76


1- الوسائل باب 15من أبواب مقدمات الحدود ح4.
2- المقنعة / 775 ، النهاية / 699 ، الغنية / 1/ 424 ، الوسيلة / 413 ، المهذب /2/ 527 .
3- السرائر / 3/ 438 .
4- مفاتيح الشرائع / 2/ 80 .
5- الوسائل / أبواب مقدمات الحدود باب 25ح1 .
6- مجمع البرهان والفائدة .
7- غاية المراد في شرح نكت الارشاد / 4/ 198 .
8- الرواية عامية في سنن الدار قطني / 3/ 122 _ 123 ، المستدرك على الصحيحين / 4/ 364 .
9- الوسائل باب 14من أبواب حد الزنا ح5.

المسألة 172: يدفن الرجل عند رجمه إلى حقويه، وتدفن المرأة إلى موضع الثديين(1)، والمشهور على أنّه إذا ثبت الزنا بالإقرار بدأ الإمام بالرجم ثم الناس بأحجارٍ صغار، ولو ثبت بالبينة وجب الإبتداء على الشهود وهو لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد وجوب بدأ الإمام بالرجم مطلقا(2).

______________________________________________

(1) الحقو هو معقد الازار أما أصل وجوب الدفن فللإجماع والنصوص المعتبرة، أمّا وجوب الدفن بالنسبة إلى الرجل إلى حقويه فتدل عليه روايات منها معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلىحقويه»(1)، وصحيحة أبي مريم المتقدمة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «أتت امرأة أمير المؤمنين، فقالت أني فجرت إلى أن قال ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوباً جديداً وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين و اغلق باب الرحبة و رماها بحجر»(2)، والمرأة تدفن إلى صدرها على المشهور(3), وهو المراد من الوسط بقرينة صحيحة أبي مريم .

(2) وهل يكفي ربطها بشجرة أو لابد من الحفيرة، الظاهر ذلك إذ لعل للحفيرة خصوصية وموضوعية خاصة .

وهل في الحالتين _ أي في صورة الإقرار أو البينة _ لابد من البدء بالإمام، أو هناك تفصيل بين الإقرار فيبدأ به الإمام، وبين الثبوت بالشهود فيبدأ به ؟

يقول العلامة: الزنى إن ثبت بالشهود كان أول من رجمه الشهود وجوباً ثم يرجمه الإمام ثم يرجم الناس وإن ثبت بالإقرار بدأ الإمام بالرجم ثم يرجم الحاضرون(4).

ص: 77


1- الوسائل باب 14من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل أبواب حد الزنا الباب 16ح5 .
3- المقنعة /780 ، الجامع للشرائع / 551 ، غاية المراد /4/ 200 ، المسالك / 14/ 383 ، الرياض /15 / 505 .
4- التحرير /5 / 320.

................................

وما فعله علي (علیه السلام) في رجم سراقة الهمدانية(1)، الثابت زناها بالإقرار والتي مرّ ذكرها، وخبر صفوان عمن رواه عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أقرّ الزاني المحصن كان أول من يرجمه الإمام، ثم الناس،فإذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة، ثم الإمام، ثم الناس»(2).

فالأولى ضعيفة بابن كثير لأنّه امامي مجهول، والثانية بقوله (عمن رواه) وهو مجهول فالروايتان ضعيفتان، والانجبار بعمل المشهور، أولاً : أنّه غير ثابت، وثانياً : لا دليل على حجيّته، فلابد من التمسك بإطلاق معتبرة أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها ويرمي الإمام ثم يرمي الناس بعد بأحجار صغار»(3)، ومعتبرة أو حسنة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «تدفن المرأة إلى وسطها، ثم يرمي الإمام، ويرمي الناس بأحجار صغار، ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلى حقويه»(4)، فبإطلاق الروايتين نقول بعدم التفصيل بل في كلتا الحالتين يبدأ الإمام أولاً .

وأمّا ما أورده الحسين بن خالد في قضية ماعز بن مالك من أن رسول الله k أمر الناس بالرجم من دون حضوره k أو أمير المؤمنين (علیه السلام) لم يكن حاضراً كما في مفروض الرواية(5)، فهي أما قضية في واقعة أو أن النبي k كان معذوراً من الحضور، لا يبعد وجوب بدء الإمام بالرجم مطلقاً .

ص: 78


1- الوسائل / أبواب حد الزنا الباب 14ح5 ، والباب 16ح5 .
2- الوسائل باب 14 أبواب حد الزنا ح2.
3- الوسائل باب 14من أبواب حد الزنا ح3.
4- الوسائل باب 14من أبواب مقدمات الحدود ح1.
5- الوسائل أبواب حد الزنا الباب 15ح1 .

المسألة 173 : لو هرب المرجوم أو المرجومة من الحفيرة، فإن ثبت زناه بالإقرار لم يُرد إن أصابه شيء من الحجارة، وإن كان قبل الإصابة أو ثبت زناه بالبينة رُدّ، وأمّا الجلد فلا يسقط بالفرار مطلقاً(1).

______________________________________________

(1) يقول العلامة : العاشر لو فر الرجل أو المرأة من الحفيرة، فإن ثبت الزنا بالبينة أُعيّد، وإن ثبت بالإقرار قولان الأول، لا يعاد مطلقاً وهو اختيار المفيد(1)، الثاني، أنّه لا يعاد إن أصابه شيء من الحجارة، وإن لم يصيبه الحجر أُعيد، اختاره الشيخ(2)، ولو فر من يجب عليه الجلد أُعيد مطلقاً(3).

وأمّا عدم الرد بالنسبة إلى من ثبت عليه الزنا بالإقرار فهو المنسوب إلى الأصحاب، ولكن عن النهاية والوسيلة لم يرد إذا أصابه شيء من الحجارة وقد استدلوا برواية حسين بن خالد عن أبي الحسن (علیه السلام) قال : «قلت لأبي الحسن اخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد ؟ فقال : يرد ولا يرد فقلت : كيف ذلك ؟ فقال : إن كان هو المقرّ على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شيء من الحجارة لم يرد، وإن كان إنما قامت عليه البينة وهو يجحد ثم هرب رُدّ وهو صاغر حتى يقام عليه الحد» وذلك أن ماعز بن مالك أقرّ عند رسول الله k بالزنا فأمر به أن يرجم فهرب من الحفرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه(4)، وقد عبر عن هذه الرواية استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بالصحيحة ولكنه اشكل بقوله : وقد يقال بأن الحسين بن خالد الوارد في سند الرواية مشترك بين الصيرفي وبين الحسين بن خالد الخفاف، والأول لم

ص: 79


1- المقنعة / 775 .
2- النهاية / 700 .
3- التحرير 590 / 319.
4- الوسائل باب 15من الزنا ح1.

................................

تثبت وثاقته فلا تكون الرواية حجة(1)، ولكنا ذكرنا في محله أن الحسين بن خالد المشهور والذي كثرت الرواية عنه هو الحسين بن خالد الخفاف، وحينئذٍ تكون الرواية صحيحة(2).

والحق أن الكثرة لا تكون دلالة على أن الرواية صحيحة، وأمّا صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب ؟ قال : (علیه السلام) لا ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة رُدّ حتى يصيبه الَمُ العذاب»(3).

وأمّا مرسل الصدوق «محمد بن علي بن الحسين، قال : سئل الصادق (علیه السلام) عن المرجوم يفر ؟ قال : إن كان أقر على نفسه فلا يرد، وأن كان شهد عليه الشهود يرد»(4)، فإنها وإن كانت مطلقة ولكنها أولاً مرسلة، وثانياً تقيد بخبر أبي بصير .

وأمّا إذا قامت البينة فإنّه يرد لعدم الخلاف والاتفاق في المسألة، ويؤيد ذلك خبر حسين بن خالد «...وإن كان مما قامت عليه البينة وهو يجحد وهرب رد»(5)، وأمّا ما ورد من الإطلاق كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يرد، وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة رد»(6)فتقيد بما ورد بالصحيحة المتقدمة بأنّه إذا ثبت بالبينة يرد علىالإطلاق .

ص: 80


1- معجم رجال الحديث ترجمة الحسين بن خالد .
2- المباني /1 / 268.
3- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح3.
4- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح4.
5- الوسائل باب 15 من أبواب حد الزنا ح1.
6- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح5.

المسألة 174 : ينبغي اعلام الناس لحضور إقامة الحد، بل الظاهر وجوب حضور طائفة لإقامته، والمراد بالطائفة الواحد وما زاد(1).

______________________________________________

(1) لمِا روي عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) قال : «أتاه رجل بالكوفة، فقال، يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، وذكر أنّه أقر أربع مرات إلى أن قال، ثم نادى في الناس : يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحد»(1).

وعن أبي بصير عن عمران بن ميثم، أو صالح بن ميثم، عن أبيه إن امرأة أقرت عند أمير المؤمنين بالزنا أربع مرات، فأمر قنبراً فنادى بالناس فاجتمعوا «وقام أمير المؤمنين (علیه السلام) فحمد الله واثنى عليه، ثم قال : أيها الناس إنَّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى الظهر ليقيم عليها الحد إن شاء الله»(2)الحديث.

وهذه الرواية رواها الشيخ الصدوق بسنده الصحيح رواها أيضاً محمد ابن يعقوب بسند صحيح عن خلف بن حماد كما رواها الشيخ بذلك السند عن خالد بن حماد القلانسي الكوفي يقول صاحب تنقيح المقال : عنونه ابن داود وعدّه من أصحاب الصادق والكاظم، ونسب إلى النجاشي أنّه مولى ثقة فالظاهر اشتباه قلمه الشريف في ذلك فإنّه ليس لخالد بن حماد ذكر في كلامالنجاشي ولا في كتب الرجال وإنما فيها خالد بن مادّ القلانسي الآتي إن شاء الله تعالى فاشتبه عليه مادّ بحماد(3)، وقد أدعي عليه الإجماع ولكن العمدة في ذلك هي الروايات، والظاهر هو وجوب الحضور ولو شخص واحد كما نسب هذا إلى ابن عباس بأن الطائفة من الواحد فما فوقه، وفي الغريين الطائفة منهم الجماعة ويجوز ان يقال للواحد

ص: 81


1- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح5.
2- الوسائل باب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح1.
3- تنقيح المقال أبواب الخاء /388.

المسألة 175 : هل يجوز تصدي الرجم لمن كان عليه حد من حدود الله أم لا؟ وجهان، المشهور هو الأول على الكراهة، ولكن الأقرب هو الثاني(1).

______________________________________________

الطائفة(1)، أمّا وجوب الحضور كما هو ظاهر الآية : «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2)وتدل على أن الطائفة هي الواحد فما زاد معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في قول الله عز وجل : «وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ» قال : في اقامة الحدود، وفي قوله تعالى : «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» قال : الطائفة واحد(3).

(1) في هذه المسألة عدة أمور :

الأول : هل يجوز لمن عليه حد أن يتصدى للرجم أو لا ؟ أو يجوز مع الكراهة ؟ وهل هناك فرق بين ثبوت الحد بالإقرار أو البينة ؟ قال المحقق :وقيل لا يرجمه مَنْ لله قبله حد وهو على الكراهية(4)،

ونسب إلى المسالك حمله على الكراهة، لقصوره سنداً عن افادة التحريم، مضافاً إلى أصالة الاباحة(5).

وأدّعى في الرياض : ولا يحرم كما هو ظاهر الاكثر، بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري(6)، ونقل عن السرائر : وروي أنّه لا يرجمه إلا من ليس لله سبحانه في جنبه حد، وهذا غير متعذر لأنّه يتوب بينه وبين الله ثم يرميه(7)، وفي الجواهر : ويسقط الحد خاصة بالتوبة قبل ثبوته كغيره من الحدود بلا خلاف

ص: 82


1- مجمع البحرين مادة طوف .
2- سورة النور الآية / 2 .
3- الوسائل باب 11من أبواب حد الزنا ح5 .
4- الشرائع /4 / 157.
5- المسالك /14 / 389.
6- الرياض /15 / 520.
7- السرائر /3 / 486.

................................

أجده فيه، بل الإجماع بقسميه(1).

ويقول الاستاذ الأعظم (قدس سرُّه) فيما يخص القول الثاني لعدة(2)،

روايات .

منها : ما عن ابن أبي عمير عمن رواه عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور، فقال أمير المؤمنين لأصحابه اغدوا غداً عليّ متلثمين، فقال لهم مَنْ فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف قال : فانصرف بعضهم وبقي بعضهم، فرجمه مَنْ بقي منهم»(3).ومنها : عن أحمد بن محمد بن خالد _ رفعه _ إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) قال «اتاه رجل بالكوفة إلى أن قال : معاشر المسلمين إن هذه حقوق الله فمَنْ كان لله في عنقه حق فلينصرف، ولا يقيم حدود الله مَنْ في عنقه حد فانصرف الناس وبقي هو والحسن والحسين»(4).

وقريب منهما معتبرة الأصبغ بن نباتة إلى أن قال «نشدت الله رجلاً منكم يحضر غداً لما تلثم بعمامته حتى لا يعرف بعضكم بعضا، واتوني بغلس حتى لا يبصر بعضكم بعضا إلى أن قال نشدت الله رجلاً منكم لله عليه مثل هذا الحق أن يأخذ لله به، فأنّه لا يأخذ لله بحق من يطلبه الله بمثله»(5).

ولكن الروايتين الاخيرتين لا تدلان على المطلب، فأنّه يمكنه أن يتوب ولم يبق عليه الحد، أمّا الرواية الأولى فهي تامة من جهة الدلالة والسند إلا أن الاتفاق قام على عدم الحرمة فيحمل على الكراهة، والاتفاق يستوجب ذلك حيث أن المبنى

ص: 83


1- الجواهر /41 / 539.
2- المباني /1 / 270.
3- الوسائل باب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح2.
4- الوسائل باب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
5- الوسائل باب 31 من أواب مقدمات الحدود ح4.

المسألة 176 : لو وجد الزاني عارياً جلد عارياً، وإن وجد كاسياً قيل يجرد فيجلد، وفيه إشكال(1)، والأظهر جواز جلده كاسيا(2).

______________________________________________

هو حصول الاطمئنان .

والظاهر عدم الفرق في الحرمة أو الكراهة بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البينة و ما نسب إلى الصيميري من اختصاصه بالأولى قائلاً أنّه محل خلافوأنه إذا قامت البينة فالواجب البدء بالشهود والنهي إنما ورد على صورة الإقرار ولولا الاتفاق لقلنا هو الصحيح، لأن النهي ورد في صورة الإقرار .

(1) علة الاختلاف هو اختلاف الروايات، فعن العلامة في القواعد : ثم أن الحد إن كان جلداً ضرب مجرداً وقيل على حالة الزنا قائماً أشد الضرب(1)

وعلى ما نسب إلى صاحب غاية المرام لمعتبرة إسحاق بن عمار قال سألت أبا ابراهيم (علیه السلام) عن الزاني كيف يجلد ؟ قال : «أشد الجلد، قلت : فمِنْ فوق ثيابه، قال : بل تخلع ثيابه»(2)

وفي معتبرته الأخرى «يجرد»(3).

(2) عن جماعة أخرى كصاحب الغنية بقوله : يقام الحد على الرجل على الهيئة التي رؤي زانياً عليها من عري أو لباس(4)، والمدرك معتبرة طلحة ابن زيد عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) قال : «لا يجرد في حد ولا يشبح _ يعني يمدد _ قال ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها أن وجد عرياناً ضرب عرياناً وإن وجد وعليه ثياباً ضرب وعليه ثيابه»(5).

ص: 84


1- القواعد /3 / 530.
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح2.
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح3.
4- الغنية /1 / 425.
5- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح7.

وأمّا المرأة الزانية فتجلد وهي كاسية(1)، والرجل يجلد قائماً والمرأة قاعدة، ويتقى الوجه والمذاكير(2).

______________________________________________

وهاتان الروايتان متعارضتان فعن البعض إن الرواية الأولى تحمل على ما لو كان حين الزنا مجرداً ولكن الحق عدم إمكان الحمل لأن الرواية الأولى ظاهرها وجوب التجرد والثانية ظاهرها حرمة التجرد .إذاً إمّا نقول بتقدم خبر طلحة، لأن له مرجح وهو فتوى الأكثر، أو نقول كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بما أن معتبرة طلحة بن زيد معارضة بمعتبرتي إسحاق بن عمار نظراً إلى أنّها ظاهرة في حرمة التجريد وهما ظاهرتان في وجوبه فيتساقطان، فالمرجع هو إطلاقات أدلة الجلد من الكتاب والسنة، ومقتضاها جواز الجلد كاسياً، ويمكن أن يقال بأن معتبرة إسحاق بن عمار مطلقة من ناحية أنّه كان في حال وجدانه عارياً وأكتسى بعد ذلك، أو أنّه كان كاسياً حال وجدانه وعليه فيقيد إطلاقها بمعتبرة طلحة بن زيد فالنتيجة هي اختصاص وجوب الخلع بما إذا كان في حال وجدانه عارياً، وأمّا إذا كان كاسياً حين وجدانه ضرب وعليه ثيابه(1).

(1) لأنّها عورة فلا تهتك وقد أدّعي الاتفاق، ولما وردت في بعض الروايات في امرأة أقرت عند الوصي (علیه السلام) بالفجور إلى أن قال فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوباً جديداً وأدخلها الحفيرة إلى الحقو بموضع الثديين(2).

(2) وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «يضرب الرجل الحد قائماً والمرأة قاعدة، ويضرب على كل عضو ويترك الرأس والمذاكير»(3).

فأمّا ما نسب إلى صاحب المقنع : أنّها كالرجل في جلدها عريانة إن وجدت

ص: 85


1- مباني التكملة /272.
2- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح5.
3- الوسائل باب 11من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 177: يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود علىالأظهر(1).

______________________________________________

كذلك(1)، ومستند هذا القول هو الروايات التي تقدمت ولكن كلها للرجل وارادة الجنس بحيث يشمل الزانية يحتاج إلى قرينة وقاعدة الاشتراك لا تجري مع احتمال الخصوصية للرجل مضافاً إلى ما ورد من الاتفاق والروايات التي ذكرناها والتي صرحت بأنها عورة .

(1) المشهور عندهم الجواز عدا ابن إدريس والمقصود في إقامة الأحكام المتعبد بها وصحة التنفيذ يفتقر إلى معرفة من يصح حكمه ويمضي تنفيذه فإذا ثبت ذلك فتنفيذ الأحكام الشرعية، والحكم بمقتضى التعبد فيها من فروض الأئمة D المختصة بهم دون من عداهم ممن لم يؤهلوا لذلك فإن تعذر تنفيذها بهم D والمأمول لها لأحد الاسباب لم يجز لغير شيعتهم المنصوبين لذلك من قبلهم D تولي ذلك ولا التحاكم إليه، ولا التوصل بحكمه إلى الحق ولا تقليد الحكم مع الاختيار ولا لمن يتكامل له شروط النائب عن الإمام في الحكم من شيعته وهي العلم بالحق في الحكم المردود إليه(2)،

وابن زهرة، وهكذا نسب التوقف إلى العلامة بقوله : لابد أن يكون مكلفاً مؤمناً عالماً طاهر المولد ضابطاً ولا يكفيه فتوى العلماء، ولابد من أذن الإمام(3)،

ولكن الحق هو الأول لعدة من الروايات .

منها : ما عن إسحاق بن يعقوب قال : «سألت محمد بن عثمان العمري ... إلى أن قال فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه : أمّا ماسألت عنه أرشدك الله وثبتك إلى أن قال وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى

ص: 86


1- المقنع / 428 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح1.
3- التبصرة / 105.

................................

رواة حديثنا فإنذهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله»(1).

ولا يخفى أنه ليس المراد من رواة الأحاديث هم رواة الالفاظ بدون تفهم وتفقه لما افادته الرواية، نظير ضبط المسجلات وبدون تفهم بل مجرد الحفظ، والإمام (علیه السلام) محال أن يُرجعَ إليهم بل مراده الفقهاء المستنبطون للأحكام ومستندهم الروايات الواردة عنهم صلوات الله عليهم أي لم يأخذوا من الاقيسة والاستحسانات الظنية كما يفعله غيرهم .

والمراد من الحوادث هي مطلق الأمور التي لابد من الرجوع إليها وليس المراد بها اختصاصها بما اشتبه حكمه ولا بالمنازعات كما عن الشيخ الانصاري لقوله: ثم إن الظاهر من الروايات المتقدمة نفوذ حكم الفقيه في جميع خصوصيات الأحكام الشرعية وفي موضوعاتها الخاصة بالنسبة إلى ترتب الأحكام عليها، لأن المتبادر عرفاً من لفظ الحاكم هو المتسلط على الإطلاق فهو نظير قول السلطان لأهل بلدة جعلت فلاناً حاكماً عليكم حيث يفهم منه تسلطه على الرعية في جميع ماله دخل في أوامر السلطات جزئياً أو كلياً(2)، بل في أخذ الروايات والفتاوى وفصل الخصومات ورفع المنازعات وتنفيذ الأحكام الشرعية واجرائها واعمال الولاية .

وقد دلت عليه رواية حفص بن غياث قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) من يقيم الحدود السلطان أو القاضي ؟ فقال : «إقامة الحدود إلى منإليه الحكم»(3)،

والحكم في عصر الغيبة منحصر في الفقهاء، ويؤيد ذلك ما ورد بأن العلماء حكام على الناس أي جعل منصب الحكومة في عصر الغيبة لهم وهم المعنيون بحكم الشرع كما فهمت من بقية الروايات وبعد ما عرفت أن احكام الله وبالأخص الحد

ص: 87


1- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح9.
2- كتاب القضاء للشيخ الانصاري _ 48.
3- الوسائل باب 28من أبواب إقامة الحدود ح1.

................................

لا يجوز تعطيله، ولم يرد في الآيات والروايات ما يدل بأن اجراء الحدود مختص بعصر الحضور ويكون من مختصات الإمام كقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(1)وقوله تعالى «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»(2)، نعم هناك روايات ضعاف دلت على أنّه مختص بالإمام .

وأمّا غير الفقيه فليس له حق في اجراء الحد لعدم الدليل، مضافاً إلى ما ورد في الصحيح عن داود بن فرقد، قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «أن أصحاب رسول الله k قالوا لسعد بن عبادة أرأيت لو وجدت على بطن امراتك رجلاً ما كنت صانعاً به ؟ فقال : كنت اضربه بالسيف، قال فخرج رسول الله k فقال : ماذا يا سعد ؟ فقال سعد : قالوا لو وجدت على بطن امراتك رجلاً ما كنت صانعاً به، فقلت : اضربه بالسيف، فقال : يا سعد فكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال : يا رسول الله ابعد رأي عيني وعلم الله أن قد فعل ؟ فقال : أي والله بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل، إن الله قد جعل لكل شيء حدا وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا»(3)،

إذاً إقامة الحد في عصر الغيبةمنحصر بالفقهاء لأنّه هو المتيقن ولا دليل على جواز غيرهم مضافاً إلى ذلك لو قام به كل أحد يوجب اختلال النظام، وقد قال استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) ونعم ما قال : ويدل على ما ذكرناه أمران :

الأول : إن إقامة الحدود إنما شرعت، للمصلحة العامة، ودفعاً للفساد وانتشار الفجور والطغيان بين الناس وهذا ينافي اختصاصه بزمان دون زمان وليس لحضور الإمام (علیه السلام) دخل في ذلك قطعاً، فالحكمة المقتضية لتشريع الحدود تقضي بإقامتها في زمان الغيبة كما تقضى بها في زمان الحضور .

ص: 88


1- سورة النور الآية / 2.
2- سورة المائدة الآية 38.
3- الوسائل باب 2 من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 178 : على الحاكم أن يقيم الحدود بعلمه في حقوق الله كحد الزنا وشرب الخمر والسرقة ونحوها، وأمّا في حقوق الناس فتتوقف إقامتها على مطالبة من له الحق حداً كان أو تعزيراً(1) .

______________________________________________

الثاني : أن أدلة الحدود كتاباً وسنة مطلقة وغير مقيدة بزمان دون زمان كقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(1)إذاً الفقيه لابد له من إقامة الحد إذا كان مبسوط اليد .

(1) في المسألة أقوال :

القول الأول : الجواز مطلقاً كما عن المسالك : وأصح الأقوال جواز قضاء الحاكم مطلقاً بعلمه مطلقاً، لأن العلم أقوى من الشاهدين اللذين لا يفيد قولهما عند الحاكم إلا مجرد الظن إن كان، فيكون القضاء به ثابتاً بطريقأولى(2)،

وأدعي عليه الإجماع ونسب هذا القول إلى المرتضى وابي الصلاح والشيخ في الخلاف وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس ويحيى بن سعيد الحلي والعلامة الحلي وولده والشهيد الأول والثاني والعلامة السيوري(3).

القول الثاني : وعن ابن الجنيد العدم مطلقاً(4).

القول الثالث : بالتفصيل وهو لصاحب الرياض قال : وجوب إقامة الحاكم حدود الله سبحانه بعد ثبوتها عنده بمجرده، دون حدود الناس التوقف إقامته لها بعده على مطالبتهم إيّاها ولا خلاف فيها ظاهراً ولا إشكال أيضاً(5).

ص: 89


1- مباني التكملة /1 / 273.
2- المسالك /13 / 384 .
3- الانتصار / 236 ، الخلاف / 6/ 242 ، المهذب / 2/ 586 ، الغنية / 2/ 437 ، السرائر/ 2/ 179 وغيرها .
4- نقله عنه السيد المرتضى في الانتصار / 237 .
5- الرياض /15 / 225 _ 526 .

................................

أمّا ما ذكره ابن الجنيد :

أولاً : مخالف للإجماع بل محل اتفاق بأن الحاكم يحكم بعلمه .

وثانياً : قال في الانتصار : وإنما عول ابن الجنيد فيها على ضرب من الرأي والاجتهاد وخطأه ظاهر(1)، ويمكن الاستدلال على أن الحاكم يجوز له أن يحكم بعلمه .

أولاً : لرواية «رجل قضى بالحق وهو يعلم» .

ثانياً : كما في بعض الموارد لو لم يحكم بعلمه فهذا يستوجب فسقه فلو علم الحاكم أن فلاناً طلق زوجته وأدّعى الزوج بقاء الزوجية، فإن القول قولالزوج مع يمينه ومع عدم البينة من الطرف المقابل، مع أنّه لو حكم على طبق اليمين وابقى الزوجية يصبح فاسقاً، وإن لم يحكم لزم الايقاف(2)، وقد تقدمت المسألة .

أمّا بالنسبة إلى حقوق الناس فهل يتمكن أن يحكم بعلمه ؟ الظاهر أن الحكم متوقف على مطالبة من له الحق حداً كان أو تعزيراً .

قد يقال بأن للحاكم أن يعمل بعلمه مطلقاً في حقوق الله وحقوق الناس لأنّ المعلوم من القاضي هو إقامة الحق والقسط والعدل الواقعي، فلو حكم بخلافه كان جائراً في الحكم ولو توقف عن الحكم كان ظالماً في حكومته لأنّه حبس الحقوق كما هو المنقول عن المبسوط : وعندنا أن الحاكم إذا كان مأموناً قضى بعلمه وإن لم يكن كذلك لم يحكم به(3).

ص: 90


1- الانتصار/ 488 .
2- الخلاف / 6/ 244 .
3- المبسوط /5 / 475 .

................................

نعم ورد في بعض الروايات أنّه ليس له أن يقضي بعلمه لمكان التهمة ولكن العمدة في التفصيل وورود الروايات .

منها : صحيحة الفضيل قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «مَنْ أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرةً واحدة حراً كان أو عبداً أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه _ إلى أن قال إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق الله، وإذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حده، فهذا من حقوق الله، وإذا أقرّ على نفسه بالزنا وهو غير محصنفهذا من حقوق الله، قال وأمّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحده حتى يحضر صاحب الفرية أو وليه، وإذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول، فيطالبوا بدم صاحبهم»(1).

ومنها : صحيحته الثانية عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال : «مَنْ أقرّ على نفسه عند الإمام بحق أحد من حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقرّ به عنده حتى يحضر صاحب حق الحد أو وليه ويطلبه بحقه»(2).

ص: 91


1- الوسائل باب 32من أبواب مقدمات الحدود ح1.
2- الوسائل باب 32من أبواب مقدمات الحدود ح2.

المسألة 179 : لا فرق فيما ذكرناه من الأحكام المترتبة على الزنا بين الحي والميت، فلو زنى بامرأة ميتة، فإن كان محصناً رجم، وإن كان غير محصن جلد(1).

______________________________________________

(1) بمقتضى القاعدة لا يمكن القول بإقامة الحدود على من فعل بالميتة لأنّها إذا ماتت لا يصدق عليها إنسان بل هي شبه خشبة، ولكن بما أن المسألة اتفاقية في أجراء الحد، يقول : ووطء الميتة من بنات آدم كوطئ الحية في تعلق الاثم والحد، أو رجماً أو قتلاً(1)ويعضد

ذلك صاحب الجواهر بقوله : بلا خلاف أجده بل يمكن تحصيل الإجماع فضلاً عن محكيه في بعض العبارات(2)،

وهناك روايات تدل على أن حكم الميت كحكم الحي .

منها : عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر (علیه السلام) في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها قال : «إن حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب، ويقام عليه الحد في الزنا، إن احصن رجم وإن لم يكن أُحصن جلد مائة»(3).

ومنها : رواية إبراهيم بن هاشم قال «لما مات الرضا (علیه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (علیه السلام) وقد حضر خلق من الشيعة إلى أن قال، فقال : أبو جعفر (علیه السلام) سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ؟ فقال أبي يقطع يمينه للنبش، ويضرب حد الزنا فإن حرمة الميتةكحرمة الحيه...»(4).

ص: 92


1- شرائع الإسلام /4 /188.
2- الجواهر /41 / 644.
3- الوسائل باب 2 من أبواب نكاح البهائم ووطء الاموات ح6.
4- الوسائل باب 19 من أبواب حدّ الرقة ح6 .

الثاني : اللواط

المسألة 180 : المراد باللواط وطء الذكران ويثبت بشهادة أربعة(1) رجال وبالإقرار أربع مرات، ولا يثبت بأقل من ذلك، ويعتبر في المقرّ العقل والاختيار، والحرية، فلو اقرّ المجنون أو المكره أو العبد لم يثبت الحدّ.

______________________________________________

(1) وهو بمعنى وطء دبر الرجل أي وطء الذكران بعضهم لبعض وحرمته من الضروريات كتاباً وسنة، وقد دلت عليه من الكتاب الكريم الآية الشريفة : «وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ»(1)، أي تفعلون العمل الشنيع القبيح، وهو إتيان الرجال أدبارهم وهي فعلة قبيحة ما سبقكم بها من أحد وتأتون الرجال في أدبارهم وتتركون إتيان النساء اللائي خلقن مباحات لهذه الغاية، وقوله تعالى : «أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ»(2).

وأمّا السنة فمنها : صحيح مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من أصحابه إذ أتاه رجل، فقال يا أمير المؤمنين إنيّ قد أوقبت على غلام فطهرني، فقال له يا هذاامض إلى منزلك لعل مراراً هاج بك، فلما كان من غد عاد إليه فقال له يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني، فقال له أذهب إلى منزلك لعل مراراً هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرته الأولى، فلما كان في الرابعة، فقال له يا هذا إن رسول الله k حكم في مثلك بثلاثة أحكام فأختر أيّهن شئت، قال وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت أو اهداب من الجبل مشدود اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار، قال

ص: 93


1- سورة الأعراف آية / 80 _ 81 .
2- سورة الشعراء آية / 165 _ 166.

المسألة 181 : يقتل اللائط المحصن ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد و المسلم والكافر(1)، وهل يقتل غير المحصن ؟ المشهور أنّه يقتل وفيه إشكال والأظهر عدم القتل ولكنه يجلد، كما أنّه يقتل الملوط مطلقاً على ما سيأتي، نعم لا قتل على المجنون ولا على الصبي .

______________________________________________

يا أمير المؤمنين أيّهن أشد عليّ ؟ قال الإحراق بالنار...»(1).

وأمّا ثبوته فعن العلامة يثبت بالإقرار أربع مرات من البالغ العاقل الحر المختار وبشهادة أربع رجال بالمعاينة، ولو أقرّ دون الأربع عزروا ولو شهدوا دونها حدوا للفرية(2)،

وبالإقرار به أربعاً كما ورد في الصحيح بأنّه لا يثبت اللواط بأقل من أربعة اقرارات، وصحيحة مالك بن عطية المتقدمة .

(1) أمّا المحصن من الحر، أو العبد، أو المسلم، أو الكافر، وجوب قتلهم وذلك لإطلاق الأدلة فإنه لم يقيد بالمسلم أو الحر، إذاً كلهم يقتلون .أمّا إذا لم يكن محصناً فهل يقتل أم لا ؟ يقول المحقق : ويستوي في ذلك الحر والعبد والمسلم والكافر و المحصن وغيره(3)،

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده(4)، وفي المسالك : العبد هنا كالحر بالإجماع(5)، وأمّا غير المحصن لو كنا نحن وإطلاق الأدلة لكنا نحكم بأنّه يقتل .

وذكر الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وجه لا الإشكال هو أن الاصحاب قد اتفقوا ظاهراً على عدم الفرق بين المحصن وغيره في ذلك عدا ما نسبه صاحب الرياض

ص: 94


1- الوسائل باب 5من أبواب حد اللواط ح1.
2- إرشاد الاذهان /2 /175.
3- شرائع الإسلام /4 /159 .
4- الجواهر /41 /383 .
5- المسالك/14 /402 .

................................

إلى بعض متأخري المتأخرين(1)،

بل أدّعى عليه الإجماع في كلمات غير واحد، فإن تم الإجماع فهو وإلا فللمناقشة في ذلك مجال أوسع(2)

وقد عرفت حال هذه الإجماعات، إذاً العمدة في ذلك الروايات .

أمّا الأولى : هي ما دلت على قتله مطلقاً محصناً كان أم لا كصحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من أصحابه إذ أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين انيّ أوقبت على غلام فطهرني إلى أن يقول قال رسول الله k حكم في مثلك بثلاثة احكام فاختر ايّهن شئت قال وما هن يا أمير المؤمنين قال ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت أو اهداب من جبل مشدود اليدين والرجلينأو إحراق بالنار...»(3).

وهل يقتل غير المحصن ؟ فيه إشكال والأظهر عدم القتل كما يقتل الملوط مطلقاً على ما سيأتي، نعم لا قتل على المجنون و لا على الصبي .

والثانية : ما دلت على أن اللائط المحصن يقتل وغير المحصن يجلد كما في معتبرة حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : رجل أتى رجلاً ؟ قال : «عليه إن كان محصناً القتل، وإن لم يكن محصناً فعليه الجلد، قال : قلت: فما على المؤتى به ؟ قال : عليه القتل على كل حال محصناً أو غير محصن(4).

والثالثة : ما دلت على أن المحصن يرجم وغير المحصن يجلد، منها معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول في

ص: 95


1- رياض المسالك /16 /10 .
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 280 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد اللواط ح1 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح4 .

................................

اللوطي إن كان محصناً رجم، وإن لم يكن محصناً جلد الحد(1)

ومعتبرة يزيد بن عبد الملك، قال : سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول : «أن الرجم على الناكح والمنكوح ذكراً كان أو انثى إذا كانا محصنين، وهو على الذكر إذا كان منكوحاً احصن أو لم يحصن(2)، ورواية ابن أبي عمير عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الذي يوقب أن عليه الرجم إنْ كان محصناً وعليه الجلد إن لم يكن محصناً(3).فعلى أيّ حالٍ جمع الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من : أن مقتضى الجمع بين هذه الطوائف هو تقييد الطائفة الأولى بالطائفة الثانية، فالمحصن يحكم عليه بالقتل وغير المحصن يحكم عليه بالجلد .

وأمّا ما دل على وجوب رجم المحصن فمقتضى إطلاقه وجوب الرجم تعيناً، كما أن مقتضى صحيحة مالك بن عطية هو تعيّن القتل بأحد الأمور المذكورات فيها فترفع اليد عن إطلاق كل منهما بنص الأخرى، فتكون النتيجة هي التخيير .

ثم قال فإن تم الإجماع فهو وإلا فاللازم هو التفصيل بين المحصن وغيره(4)

وهذا الكلام منه عجيب لأنّه لا يرى للإجماع حجية، ولعل مراده الاتفاق ثم نقول ويؤيد رواية التفصيل ما ورد بأنّهما زانيان، فالزاني إذا كان محصناً يرجم وإما إذا لم يكن محصناً فلا .

ولذا إذا كان اللائط غير المحصن عبداً فبما أن حكم اللائط حكم الزاني جلد خمسين جلدة، ففي صحيحة سليمان خالد، عن ابي عبد الله (علیه السلام) _ في حديث _ قال: «قيل له فإن زنى وهو مكاتب ولم يؤدِ شيئاً من مكاتبته ؟ قال : هو حق الله

ص: 96


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح8 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح8 .
4- المباني /1/ 282.

................................

يطرح عنه من الحد خمسين جلدة ويضرب خمسين»(1)، وصحيحته الثانية عن ابي عبد الله (علیه السلام) في عبد بين رجلين اعتق احدهما نصيبه، ثم أن العبد اتى حداً من حدود الله، قال : «إن كان العبد حيث اعتق نصفه قُوّم ليُغرم الذي اعتقه نصف قيمته، فنصفه حر يضرب نصف الحر ويضرب نصف حدالعبد، وإن لم يكن قوّم فهو عبد يضرب حد العبد(2)، وأما ما جاء في الرواية من أن العبد اتى حداً من حدود الله تشمل اللواط، فهي واضحة الدلالة .

أما قتل الملوط على الاطلاق فسيأتي، وأما عدم قتل المجنون والصبي فعن المحقق ولو لاط مجنون بعاقل حد العاقل، بلا خلاف ولا اشكال كما في الجواهر، وفي ثبوته على المجنون، قولان أشبههما السقوط(3)،

وفي الجواهر اشهرهما عملاً، بل عن الغنية الاجماع عليه(4)، خلافاً للمحكي عن الشيخين واتباعهما(5)، استناداً إلى وجوبه عليه مع الزنا، والاصل عندنا ممنوع كما عرفت سابقاً(6)، ولكن الحق عدم قيام الحد عليه لرفع القلم، وكذا بالنسبة إلى الصبي، وأما البالغ الموطوء يقتل لإطلاق الادلة .

ص: 97


1- الوسائل باب 31 من ابواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 33 من ابواب حد الزنا ح6 .
3- شرائع الاسلام /4 /159 .
4- الغنية / 2/ 440 .
5- يعني المفيد والطوسي فالنظر المقنعة / 786 ، والنهاية / 705 ، الوسيلة / 413 ، المهذب / 2/ 531 .
6- الجواهر /41 /379 .

المسألة 182: إذا لاط البالغ العاقل بالمجنون حُدّ اللائط دون الملوط(1).

المسألة 183: إذا لاط الرجل بصبي حُدّ الرجل وأدب الصبي، وكذا العكس(2).

______________________________________________

(1) قال المحقق : لو لاط مجنون بعاقل حد العاقل وفي ثبوته على المجنون قولان اشبههما السقوط(1)، وذلك لرفع القلم بالنسبة إلى المجنون واطئاً كان أو موطوءً واما بالنسبة إلى العاقل بما أنّه بالغ وعاقل فتشمله إطلاقات الأدلة الدالة على وجوب الحد واطئاً أو موطوءاً .

(2) أمّا لو ليطَ بالصبي فالصبي لا يحد لرفع القلم عنه، يقول المحقق ولو لاط البالغ بالصبي موقباً قتل البالغ، وأدب الصبي(2).

وفي الجواهر : بما يراه الحاكم مع الشعور به(3)،

وقد دلت على ذلك صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «سمعته يقول : إن في كتاب علي (علیه السلام) إذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين، ضرب الرجل وأدب الغلام، وإن كان ثقب وكان محصناً رجم(4).

ويؤيد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وامرأته قد لاط زوجها بأبنها من غيره وثقبه وشهد عليه الشهود بذلك فأمر به أمير المؤمنين (علیه السلام) فضرب بالسيف حتى قتل وضرب الغلام دون الحد، وقال أمّا لو كنت مدركاًلقتلتك لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك»(5).

ص: 98


1- شرائع الإسلام /4 /159 .
2- شرائع الإسلام /4 /159 .
3- الجواهر /41 /378 .
4- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح7 .
5- الوسائل أبواب حدّ اللواط الباب 2ح1 .

المسألة 184 : إذا لاط بعبده حُدّا، ولو أدعى العبد الإكراه سقط الحد عنه إذا احتمل صدقه(1)، وكذا الحال في دعوى الإكراه من غير العبد .

______________________________________________

(1) أمّا حدهما معاً لإطلاقات الأدلة الشاملة للمولى والعبد، وأمّا درء الحد بواسطة الإكراه لأنه محتمل الصدق، والحدود تدرء بالشبهات، يقول في الجواهر : لقيام القرينة فيه المقتضية للشبهة فيه دونه(1)،

بل في الرياض : لقيام القرينة على ذلك ولأنّه شبهة محتملة فيدرء بها الحد ومنه يظهره انسحاب الحكم في ما لو أدعى الإكراه من غير مولاه مع إمكانه(2).

ولذا قال الماتن «إذا احتمل صدقه» كما إذا كان المفعول به ضعيفاً والفاعل قوياً بحيث لا يمكنه الدفاع عن نفسه، أمّا لو كان بالعكس فلا يقبل منه، وهذا الحكم يجري بالنسبة لكل مكره ولو لم يكن عبداً أو احتمل صدقه ويرفع الحد عنه لقاعدة رفع الحد عن المكره، إذاً يحدان مع عدم الإكراه .

ص: 99


1- الجواهر /41 /179.
2- الرياض /16 / 7 _ 8 .

المسألة 185 : إذا لاط ذمي بمسلم، فإن كان مع الإيقاب قتل(1)وإن كان بدونه فالمشهور أنّه يقتل أيضاً، وهو غير بعيد(2).

______________________________________________

(1) إن كان الفاعل ذمياً فالمفعول تارة يكون مسلماً وأخرى يكون ذمياً أو كافراً، أمّا إذا كان الفاعل ذمياً والمفعول مسلماً فلا إشكال في وجوب قتله مع الإيقاب، بلا فرق بين أن يكون محصناً أو غير محصن كما مرّ في باب الزنا بناءً على أن اللواط زنا أو بحكمه، بل هو أشد، ففي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي»(1).

وأمّا إذا لم يوقب يقول المحقق : ولو لاط الذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب(2)،

وكذا العلامة بقوله : ولو لاط ذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب ولو لاط بمثله تخير الحاكم في إقامة الحد عليه بمقتضى شرعنا(3).

(2) يقول في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه لهتك حرمة الإسلام فهو أشد من الزنا بالمسلمة، كما إن الحربي أشد من الذمي(4)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه يعتبر في الذمي أن لا يرتكب ما ينافي حرمة الإسلام فإذا ارتكبه خرج عن الذمة فيقتل(5).

وأمّا إذا لاط بذمي آخر أو بغير ذمي من الكفار فالحكم كما تقدم في باب الزنا(1).

ص: 100


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح2.
2- شرائع الإسلام /4 /160.
3- القواعد /3 /536 .
4- الجواهر/41 /379 .
5- مباني المنهاج /1 /234 .

المسألة 186 : إذا تاب اللائط قبل قيام البينة فالمشهور أنّه يسقط عنه الحد(2)، ولو تاب بعده لم يسقط بلا إشكال ولو أقرّ به ولم تكن بيّنة كان الإمام مخيراً بين العفو والاستيفاء .

______________________________________________

(1) أمّا إذا لاط الذمي بمثله أو بكافر آخر، يقول المحقق : ولو لاط بمثله كان الإمام مخيراً بين إقامة الحد عليه وبين دفعه إلى أهله ليقيموا عليه الحد(1)

وهذا معلوم لعدم ورود أي نص على ذلك كما قال في الجواهر : على نحو ما سمعته في الزنا إذ لا نص هنا بالخصوص عليه(2).

(2) وذلك للاتفاق قد مرت المسألة في باب الزنا أو الحكم واحد، ففي صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من أصحابه، إذ أتاه رجل، فقال : يا أمير المؤمنين إنيّ أوقبت على غلام فطهرني إلى أن قال فقال اللهم إنيّ قد أتيت من الذنب ما قد علمته إلى أن قال ثم قام وهو باك حتى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين وهو يرى النار قد تتأجج حوله، قال فبكى أمير المؤمنين (علیه السلام) وبكى أصحابه جميعاً، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) قم يا هذا فقد ابكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض فإن الله قد تاب عليك، فقم ولا تعاودن شيئاً مما فعلت»(3)، ويؤيد ما ورد عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) : «قال لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام،فأمّا ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام»(4).

ص: 101


1- الجواهر /41 /379 .
2- الجواهر /41 /379 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد اللواط ح1.
4- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 187 : إذا لاط بميت كان حكمه حكم من لاط بحي(1) .

______________________________________________

فالرواية ضعيفة فأن ضريساً امامي مجهول والراوي عنه مجهول أيضاً وما عن عبد الله البرقي عن بعض أصحابنا عن الصادقين (علیهما السلام) قال : «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقر بالسرقة، فقال له اتقرأ شيئاً من القرآن ؟ قال نعم سورة البقرة، قال قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الاشعث اتعطل حدّاً من حدود الله ؟ فقال وما يدريك ما هذا ؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع»(1).

والرواية ضعيفة أولاً، وثانياً يمكن أن يكون له أن يعفو عن القطع في السرقة .

(1) تارة نتكلم حسب القاعدة وأخرى حسب الأدلة .

أمّا بحسب القاعدة فقد قلنا بأن الشخص إذا مات فحكمه حكم الخشب إذا ادخل فيه فليس هناك حد .

وأمّا من حيث الأدلة فإن على الفاعل التعزير، وما ورد في الروايات حرمة الميت كحرمة الحي يدل على الحكم التكليفي لا الوضعي، ولذا فيبعض المقامات حيث ورد عليه حكم من قبل الشارع إنما كان بالدليل، نعم ما ورد عن إطلاق بعض الأدلة من لاط بغلام وغيره نفهم بأنّه حكم الميت كحكم الحي فتأمل، إذاً فالعمدة أن المسألة محل اتفاق .

ص: 102


1- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح3.

كيفية قتل اللائط

المسألة 188 : يتخير الإمام في قتل اللائط المحصن وكذلك غير المحصن إن قلنا بوجوب قتله بين أن يضربه بالسيف وإذا ضربه بالسيف لزم احراقه بعده بالنار على الأظهر(1) أو يحرقه بالنار، أو يدحرج به مشدود اليدين والرجلين من جبل ونحوه، وإذا كان اللائط محصناً فللإمام أن يرجمه، وأمّا الملوط فالأمام مخير بين رجمه والأحكام الثلاثة المذكورة، ولا فرق بين كونه محصناً أو غير محصن .

______________________________________________

(1) أمّا احراقه بعد الضرب بالسيف لصحيحة عبد الرحمن العرزمي قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «وجد رجل مع رجل في امارة عمر فهرب أحدهما وأخذ الآخر فجيء به إلى عمر، فقال للناس ما ترون في هذا ؟ فقال هذا اصنع كذا وقال هذا اصنع كذا، قال فما تقول : يا أبا الحسن ؟ قال : اضرب عنقه، فضرب عنقه، قال : ثم أراد أن يحمله، فقال : مه أنّه قد بقي من حدوده بشيء، قال أي شيء بقي ؟ قال : ادع بحطب، فدعا عمر بحطب فأمر به أمير المؤمنين (علیه السلام) فاحرق به»(1)،

وكما عليه المشهور للردع ويستفاد من قوله (علیه السلام) : «فلو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجماللوطي»(2).

وظاهر صحيحة العزرمي هو الوجوب لولا وجود الإجماع على الخلاف وأمّا التخيير بين الأربعة فهو الجمع بين النصوص الصحيحة التي مرّ ذكرها.

ص: 103


1- الوسائل باب 3من أبواب حد اللواط ح4.
2- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح2.

................................

أمّا الملوط فهو التخيير أيضاً وهو مقتضى الجمع بين النصوص .

منها : صحيحة بريد بن عبد الملك المتقدمة .

ومنها: ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال، قال: «أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا كان الرجل كلامه كلام النساء ومشيته مشية النساء، ويمكّن من نفسه ينكح كما تنكح المرأة، فارجموه ولا تستحيوه»(1)وفي اللغة يسمى بالمخنث وهو من يوطء في دبره .

والثانية: ما دلت على أن حكمه القتل، كصحيحة حماد بن عثمان المتقدمة.

والثالثة : ما دلت على أن حكمه الاحراق بالنار كرواية عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كتب خالد إلى أبي بكر : سلام عليك أمّا بعد فاني أُتيت برجل قامت عليه البينة أنّه يؤتى في دبره كما تؤتى المرأة فاستشار فيه أبو بكر، فقالوا اقتلوه، فاستشار فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) فقال احرقه بالنار»(2).

وفي الطريق جعفر بن محمد وهو مجهول يقول الاستاذ الاعظم (قدسسرُّه)وإن لم يوثق في كتب الرجال إلا أنّه موجود في اسناد كامل الزيارات فالرواية صحيحة(3)،

وقد عرفت حال هذا الكتاب وحال الرجال الموجودين فيه ويكفينا الاتفاق، ثم أنّه مقتضى الجمع هو التخيير بعد رفع اليد عن ظهور التعيين فيها إلى التخيير وإن ثبتت هذه الأمور في اللائط ففي الملوط تكون بطريق أولى، إذاً لو فرض أن الإمام (علیه السلام) بعدما كان متخيراً بين الثلاثة ضربه بالسيف أو احراقه بالنار أو رميه من الجبل كما في صحيحة العرزمي فإن إطلاقها يشمل اللائط والملوط .

ص: 104


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح5.
2- الوسائل باب 3من أبواب حد اللواط ح9.
3- مباني تكملة المنهاج /1 /287.

الثالث: التفخيذ

المسألة 189 : حد التفخيذ إذا لم يكن إيقاب مائة جلدة(1) .

______________________________________________

(1) كما عن الحسن، والمفيد، والسيد، وسلار، والحلبي، وابني زهرة وابن إدريس، بل في المسالك هو المشهور وعليه سائر المتأخرين هذا ما ذكره صاحب الجواهر(1).

وفي الانتصار ودليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد(2)،

وفي الغنية بقوله : بدليل إجماع الطائفة(3)، ونسب إلى جماعة أنّه يرجم إن كان محصناً ويجلد إن كان غير محصن(4)فالصحيح هو المشهور وتدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال سمعته يقول : «إن فيكتاب علي (علیه السلام) إذا أُخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين، ضرب الرجل وأدب الغلام، وإن كان ثقب وكان محصناً رجم»(5).

ولكن إنما تدل هذه الصحيحة على الجلد إذا حملنا الضرب على الحد الشرعي كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإن الظاهر من ضرب الرجل في هذه الصحيحة هو الحد الشرعي في مقابل الرجم بقرينة التفصيل بينهما وبقرينة التعبير بالتأديب بالنسبة إلى الغلام(6)، وبقرينة ما إذا ثقب الرجل إذاً دون الثقب هو الجلد .

ويؤيد ذلك مرفوعة ابن يحيى الواسطي قال : «سألته عن رجلين يتفاخذان ؟ قال : حدهما حد الزاني، فإن أدعم أحدهما على صاحبه، ضرب الداعم ضربة

ص: 105


1- الجواهر /41 /382 .
2- الانتصار / 511 .
3- الغنية /1 /425 _ 426 .
4- منهم الشيخ في النهاية / 704 ، وتبعه ابن البراج في المهذب / 2/ 530 ، وابن حمزة في الوسيلة / 413 .
5- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح7 .
6- المباني/1 / 289.

ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر والمحصن وغيره والفاعل والمفعول، والمشهور أنّه لا فرق بين الحر والعبد، ولكنّ الظاهر هو الفرق(1)، وإن حد العبد نصف حد الحر .

______________________________________________

بالسيف أخذت منه ما أخذت وتركت ما تركت يريد بها مقتله والداعم عليه يحرق بالنار»(1)، ورواية سليمان بن هلال قال : «سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) فقال : جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال : ذوا محرم ؟ فقال لا إلى أن قال، إن كان دون الثقب فالحد، وإن هوثقب أُقيم قائماً ثم ضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه مأخذه»(2).

(1) ويؤيد ذلك الإجماع وأمّا ما نسب إلى الشيخ من الرجم والقتل مطلقاً وإن لم يكن محصناً، لعل مدركهم صحيحة الحسين بن سعيد، قال : «قرأت بخط رجل اعرفه إلى أبي الحسن (علیه السلام) وقرأت جواب أبي الحسن بخطه هل على رجل لعب بغلام بين فخذيه حد إلى أن قال : وكتب أيضاً هذا الرجل ولم ارَ الجواب ما حد رجلين نكح أحدهما الآخر طوعاً بين فخذيه وما توبته، فكتب القتل»(3)، فلا يمكن الاستدلال بها مع جهل الرجل الكاتب وأن حسين بن سعيد مجهول، مضافاً إلى اعراض الأصحاب عن الرواية ولعل مدرك الشيخ كان الرواية الواردة وهي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) اللواط ما دون الدبر، والدبر هو الكفر»(4)، ورواية حذيفة بن منصور قال سالت أبا عبد الله (علیه السلام) عن اللواط «فقال ما بين الفخذين، وسألته عن الذي يوقب، قال : ذاك الكفر بما

ص: 106


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح6.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح21.
3- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح5.
4- الوسائل باب 20 من أبواب نكاح المحرم ح2.

المسألة 190: لو تكرر التفخيذ ونحوه وحُدَّ مرتين قتل في الثالثة(1).

______________________________________________

أنزل الله على نبيه»(1)،

فالروايتان ناظرتان إلى الحكم التكليفي أي عقابه كذلك وإلا فهو ليس بمرتد لكي يجب قتله .وأمّا عدم الفرق بين المسلم والكافر والمحصن وعدم المحصن للإطلاق ولكن الحق هناك فرق بين الحر والعبد، فإن العبد يجلد نصف ما على الحر كما إذا كان المفعول مسلماً والفاعل كافراً يقتل الكافر وكذلك الذمي كما مرّ .

(1) والمسألة محل كلام، فهل يقتل في الثالثة أو الرابعة ؟ فالمشهور أنّه يقتل في الرابعة كما في حكم الزنى، وقد مرّ بأن حد اللائط هو حد الزنا وأن اللواط يصدق عليه الزنا .

وما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) الصحيح هو أن يقتل في الثالثة واستدل بصحيح يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أُقيّم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(2)فيخصص ما ورد من عموم الصحيحة بالقتل بالثالثة بما ورد في الصحيحة التي تقول يقتل في الرابعة وهو مطابق للاحتياط أيضاً.

ولا يخفى بأن التكرار بالنسبة إلى ثلاثة أو أربعة إنما هو في ما إذا وقع الحد بين كل مرة وأخرى وإلا فلا يقتل لما ورد في الروايات إذا أقيم عليهم الحد .

ص: 107


1- الوسائل 20 من أبواب النكاح المحرم ح3.
2- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح1، المباني /1 _ 291.

المسألة 191 : إذا وجد رجلان تحت لحاف واحد مجردين من دون أن يكون بينهما حاجز، فالمشهور بين المتأخرين أنّهما يعزران من ثلاثين سوطاً إلى تسعة وتسعين سوطاً(1)، والأظهر أن يجلد كل واحد منهما تسعة وتسعين سوطاً، وكذلك الحال في امرأتين وجدتا مجردتين تحت لحاف واحد أو رجل وامرأه .

______________________________________________

(1) يقول العلامة : و يعزر الاجنبيان المجتمعان في أزار واحد مجردين من ثلاثين إلى تسعة وتسعين(1)، ويقول الماتن : يجلد كل واحد منهما تسع و تسعين سوطاً، واستدل المشهور بروايتي سليمان بن هلال، وابن سنان .

أمّا الأولى: عن سليمان بن هلال، قال: «سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) فقال جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد فقال (علیه السلام) ذوا محرم ؟ فقال : لا، فقال : من ضرورة ؟ قال : لا، قال (علیه السلام) : يضربان ثلاثين سوطاً»(2).

وأمّا الثانية : خبر ابن سنان _ يعني عبد الله _ عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين يوجدان في لحاف واحد، قال : يجلدان غير سوط واحد»(3)

أي تسعة وتسعين، والروايتان ضعيفتان، قالوا بأن ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب ولذا الجمع بينهما يقتضي البناء من الثلاثين إلى المائة إلا سوطاً واحداً، ولكن قد عرفت في أن عمل الأصحاب لا يفيد الانجبار، وقد عرفت بأن رواية سليمان ابن هلال ضعيفة لأن سليمان بن هلال الجبان الكوفيامامي مجهول .

ولكن هناك روايات بعضها تدل على الحد وهو مائة جلدة وبعضها على أقل من الحد بسوط، أمّا الروايات التي دلت على ضرب الحد .

ص: 108


1- التبصرة / 110.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح21.
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح18.

................................

منها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال : «كان علي (علیه السلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مائة جلدة كل واحد منهما وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مائة جلدة»(1).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد والمرأتان تجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحد»(2).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) إلى أن يقول : «كان علي (علیه السلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد»(3).

ومنها : صحيحة عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول حد الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يوجدان في لحاف واحد، والمرأتان توجدان في لحاف واحد»(4)،

ومقابل هذه الروايات ما يدل بأن الجلد يكون أقلّ من مائة .منها : صحيحة معاوية بن عمار، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) المرأتان تنامان في ثوب واحد، فقال : تضربان، فقلت : حدا ؟ قال : (علیه السلام) لا قلت : الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال : يضربان، قال : قلت الحد ؟ قال : لا»(5)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : وهذه الرواية صحيحة على الأظهر فإن طرق الشيخ إلى يونس بن عبد الرحمن وإن كان أكثرها ضعيفة إلا أن طريقاً واحداً منها صحيح، وإن كان فيه

ص: 109


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح15.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح2 .
4- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح23.
5- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح16.

................................

ابن أبي جيد فإنه ثقة على الأظهر، لأنّه من مشايخ النجاشي(1).

ولكن ما ذكره بأن طرق الشيخ إلى يونس وإن كان أكثرها ضعيفة إلا أن طريقاً واحداً منها صحيح، من اين نعلم أن ذلك الطريق هو الصحيح ومجرد كونه شيخ النجاشي لا يفيد في الوثاقة، إلا على ما ذكره صاحب تهذيب المقال في وثاقة مشايخ النجاشي، يظهر عن عدة من أصحابنا وثاقة مشايخ النجاشي وبه قد صرح غير واحد من اعاظم المتأخرين وقد اعتمدوا على رواية جماعة ممن لم يصرح بتوثيقه من مشايخه بدعوى أن المستفاد من بعض كلماته أنّه لا يروي إلا عن الثقات، ثم يقول في ترجمة أحمد بن محمد ابن عبيد الله بن الحسن بن عياش الجوهري قال : كان سمع الحديث وأكثر واضطرب في آخر عمره إلى أن قال رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ووالدي وسمعت منه اشياء كثيرة ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أروِ عنه شيئاً وتجنبته(2).

ومنها : صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجلينيوجدان في لحاف واحد، قال : يجلدان غير سوط واحد»(3)، وأمّا ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من صحيحة ابن عثمان وحريز فخارجتان عن المسألة، لأنّهما وردتا في ما إذا وجد المرأة والرجل تحت لحاف واحد وكلامنا في ما إذا وجد الرجلان تحت لحاف واحد فجمع الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)بين الطائفتين بالتخيير أو الحمل على التقية وهو أولى لصريح رواية معاوية قال : بأنّه لا يضربان الحد، ولصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال : «كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) فدخل عليه عباد البصري ومعه أُناس من أصحابه، فقال له : حدثني عن الرجلين إذا أُخذا في لحاف واحد فقال له: كان

ص: 110


1- المباني /1/ 293 .
2- تهذيب المقال في تنقيح كتب الرجال /1 /71.
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح18.

الرابع : تزويج ذمية على مسلمة بغير إذنها

المسألة 192 : من تزوج ذمية على مسلمة فجامعها عالماً بالتحريم قبل اجازة المرأة المسلمة كان عليه ثمن حد الزاني(1)وإن لم ترض المرأة بذلك فرق بينهما، وإمّا إذا تزوج أمة على حرة مسلمة فجامعها عالماً بالتحريم قبل اجازتها فقال جماعة عليه ثمن حد الزاني أيضاً، وهو لا يخلو من إشكال، بل منع، والأظهر ثبوت تمام الحد .

______________________________________________

علي (علیه السلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد، فقال له عباد : إنك قلت لي : غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث حتى اعاد ذلك مراراًفقال غير سوط»(1)

فإصرار الإمام على الحد التام واخباره خبر مائة إلا واحد، دليل أن هناك مع عبّاد من لابد أن يتقى منه، إذاً هذا دليل على أن الروايات الواردة بالحد الكامل تحمل على التقية ولابد أن يجلد مائة إلا سوطاً .

(1) لا يخفى بأن الذمية يحرم الزواج بها من الرجل المسلم وهو متزوج بالمسلمة، بل لابد له من أخذ الإجازة من المسلمة ولذا مع عدم رضاها يفرق بينهما، وقد وردت بذلك صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل تزوج ذمية على مسلمة قال يفرق بينهما ويضرب ثمن حد الزاني اثنا عشر سوطاً ونصفاً، وإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما، قلت كيف يضرب النصف ؟ قال يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به»(2)وغيرها كرواية منصور بن حازم(3)،

ولو لم يذكر في الحديث الجماع ولكن المسألة اتفاقية .

ص: 111


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب7 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح4.
3- الوسائل باب7 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوها ح4 ، ذيل الحديث .

................................

وأمّا عدم جواز زواج الأمة على الحرة المسلمة أيضاً مما لا خلاف فيه بل لابد من إجازتها .

وقد يقال حكم المتزوج أمة حكم من تزوج ذمية على المسلمة فإنه يحد ثمن حد الزاني، ولكن لم يدل دليل على هذا القول إلا رواية ضعيفة هي رواية حذيفة بن منصور، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها، قال (علیه السلام) يفرق بينهما، قلت عليهأدب قال : نعم اثنا عشر سوطاً ونصف ثمن حد الزاني، وهو صاغر»(1).

والانجبار بعمل الأصحاب في صحة الرواية لا يفيد، فقد وقع في طريقها إبراهيم بن اسحاق الأمري النهاوندي، وأحمد بن هوذة، أمّا الأول يقول صاحب تنقيح المقال : ضعفه مثل الشيخ والنجاشي والعلامة رحمهم الله فلا نتيجة لأمثال ذلك غاية ما هناك دعوى كون الرجل مشتبه الحال لا كونه غير مُوثَقاً به، اللهم إلا أن يستفاد من روايته لأخبار المتعة ونفى أبي ذر كونه من الشيعة ويستفاد مدحه مما ذكره الوحيد فتكون الرواية من الحسان(2).

أقول : لعل تضعيف من ضعفه لأجل نقله الروايات التي كانت في نظرهم ضعيفة وفيها غلو .

وأمّا أحمد بن هوذة هو أحمد بن نصر بن سعيد كما في تنقيح المقال وهو أحمد بن النصر النصير (النصر) بن سعيد الكوفي المعروف بابن أبي هراسة يلقب أبوه هوذة مجهول(3)، إذاً فالرواية ضعيفة .

ص: 112


1- الوسائل باب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح2.
2- تنقيح المقال النسخة الحجرية ج1 ص13.
3- تنقيح المقال النسخة الحجرية / 1/ 99 .

الخامس : تقبيل المحرم غلاماً بشهوة

المسألة 193 : مَنْ قَبّلَ غلاماً بشهوة(1) فإن كان محرماً ضرب مائة سوط، وإلا عزره الحاكم دون الحد حسبما يراه من المصلحة .

______________________________________________

(1) الكلام يقع في هذه المسألة تارة من جهة الحكم التكليفي، وأخرى من جهة الحكم الوضعي .أمّا في الأول فقد ورد عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قبل غلاماً من شهوة الجمه الله يوم القيامة بلجام من نار»(1).

وأمّا بالنسبة إلى الثاني فقد أدعيّ عليه الإجماع، وقد عرفت حال هذه الإجماعات صغرى وكبرى، فهل يعزر مطلقاً ؟ أو هناك فرق بين المحرم وغير المحرم وبين الحج في المحرم والعمرة وغيرها ؟ قال صاحب الجامع للشرائع : ويعزر مَنْ قبّل غلاماً غير محرم له فإنْ قبله في حال الاحرام غلظت عقوبته وروي أنه يضرب مائة سوط(2)،

كما في رواية عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) محرم قبّل غلاماً بشهوة، قال : يضرب مائة سوط»(3).

وأيضاً ما قاله ابن إدريس في السرائر : من قبّل غلاماً ليس بمحرم له على جهة الالتذاذ والشهوة وميل النفس وجب عليه التعزير، فإن فعل ذلك وهو محرم بحج أو عمرة غلظ عليه تأديبه كي ينزجر عن مثله في مستقبل الاحوال، فإن كان التقبيل للغلام أو الرجل على غير ذلك الوجه إمّا لأمر ديني أو صداقة دنيوية ومودة اصلاحية وعادة عرفية، فلا حرج في ذلك ولا أثم فإنّه قد روي استحباب تقبيل القادم من مكة بغير خلاف، وإنما يحرم من ذلك ما يقصد به الريبة والشهوة

ص: 113


1- الوسائل باب 21 من أبواب النكاح المحرم ح1 .
2- الجامع للشرائع / 555 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد اللواط ح1 .

السادس : السحق

المسألة 194 : حد السحق إذا كانت غير محصنة مائة جلدةويستوي في ذلك المسلمة والكافرة، وكذلك الأمة والحرة على المشهور، وفيه إشكال بل منع(1).

______________________________________________

والفسوق، وهذا شيء راجع إلى النيات والعقائد، فقد قال (علیه السلام) «الاعمال بالنيات، إنما لكل امرء ما نوى»(1)

وفي الفاظ الاخبار عن الأئمة الأطهار (علیهم السلام) تقييد التحريم من ذلك في ما يكون بشهوة أورَد ذلك ابن بابويه في رسالته وقيده في كلامه(2).

ولكن رواية إسحاق بن عمار مطلقة، فإما أن يعلم الشهود أنّه قبله بشهوة، أو اعترف الرجل، وأمّا بدون ذلك فمشكل، ولذا قيده الماتن أنّه إذا قبله بشهوة، وأمّا الفرق بين المحارم وغيرهم كما قال به البعض فلم يدل عليه دليل .

(1) السحق بمعناه اللغوي : هو دلك المرأة فرجها بفرج امرأة غيرها كما في المجمع(3)وهو من المعاصي الكبيرة وأدعيّ عليه الإجماع، وتحدّ المساحقة على المشهور مائة جلدة، والمسألة غير خلافية وقد دلت عليه عدة روايات .

منها: صحيحة محمد بن أبي حمزة، وهشام بن حفص كلهم عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق فقال : «حدها حد الزاني، فقالت المرأة : ما ذكر الله ذلك في القران، فقال : بلى قالت واين هن ؟ قال : هن أصحاب الراس»(4)،

وفي تفسير علي بن إبراهيم أصحابالراس هن اللواتي باللواتي وهن الراسيات(5).

ص: 114


1- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات العبادات ح7.
2- السرائر /3 /461.
3- مجمع البحرين باب سحق .
4- الوسائل باب 1 من أبواب حد السحق ح1 .
5- نقلا عن مجمع البحرين مادة ر س س.

................................

ومنها : وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «السحّاقة تجلد»(1)،

وهي وإن كانت من جهة كيفية الحد وكميتها مطلقة فتقيّد بالروايات الواردة في الزاني بالحد مائة .

يقول العلامة : يجب به جلد مائة على البالغة العاقلة حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة محصنة أو غير محصنة فاعلة أو مفعولة، وقيل إن كانت محصنة رجمت فاعلة و مفعولة(2)، وقد أدّعى البعض عدم الخلاف، وقال الماتن فيه إشكال لإطلاق الروايات، ويؤيد ذلك المرسلة الواردة عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «السحق في النساء كاللواط في الرجال»(3)، ولكن فيه جلد مائة لأنّه ليس فيه ايلاج، وهذه مرسلة وغير قابلة للاستدلال بها .

وأمّا الإطلاق فيقيّد بما ورد في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث قال : «قيل له : فإنْ زنى وهو مكاتب ولم يؤد شيئاً من مكتابته ؟ قال : هو حق لله يطرح عنه من الحد خمسين جلدة ويضرب خمسين»(4)،

ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن المحبوب عن حماد بن زياد .

وقد يقال بأنّها مختصة بالزاني، ولكن يفهم من عموم العلة «بأن حدّ الله» في غير الحر النصف .إذاً هما متقدمتان على الإطلاقات كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله فهما بهذا اللسان تتقدمان على الإطلاقات في مورد الاجتماع والمعارضة(5).

ص: 115


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد السحق ح2
2- القواعد /3 / 37.
3- مستدرك الوسائل / 18 أبواب حد السحق الباب 1ح4 .
4- الوسائل باب 1 3 من أبواب حد الزنا ح1 .
5- المباني /1 /301.

وقال جماعة: إن الحكم في المحصنة أيضاً كذلك، ولكنه ضعيف بل الظاهر أن المحصنة ترجم(1).

______________________________________________

(1) هل حكم المحصنة وغير المحصنة سواء في الحد أو أن المحصنة ترجم هو محل خلاف، فالمشهور بين الأصحاب كما في الرياض : بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلا في جلد المحصنة مائة(1)،

وأمّا في المسالك فيقول : والحكم بالجلد على المساحقة في الجملة لا إشكال فيه وإنما يتم المطلوب مع عمومه(2)، ونسب إلى الانتصار قوله : دليلنا ما تقدم إجماع الطائفة فلا خلاف بينهم في ذلك أيضاً، فلا خلاف في أن هذا الفعل فاحش قوي الخطر يجري مجرى اللواط(3)، وعن الشيخ في النهاية قوله: إذا ساحقت امرأةٌ امرأةً أخرى وقامت عليهما البينة بذلك كان على كل واحدة منهما الحد مائة جلدة إن لم تكونا محصنتين، فإن كانتا محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم، وقد ذكر المفيد تجلدان مائة جلدة محصنتين كانتا أو غير محصنتين(4)وبه قال المرتضى وأبو الصلاح وسلار قال : ترجم(5)، ومال إليه في المسالك وقواه في الرياض بحسب النصوص، ولكن لم يفت به لمخالفة الجماعة، فالعمدة في ذلك هو اختلاف الروايات أمّا ما يدل على الرجم روايات عدة .منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : « سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله (علیهما السلام) يقولان: بينما الحسن بن علي (علیه السلام) في مجلس أمير المؤمنين (علیه السلام) إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين، قال : وما حاجتكم ؟ قالوا : أردنا أن نسأله عن مسألة، قال : وما هي تخبرونا بها ؟ قالوا : امرأة جامعها زوجها، فلما قام عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فوقعت النطفة فيها فحملت، فما

ص: 116


1- الرياض / 16 / 19.
2- المسالك / 14 / 414.
3- الانتصار 513 .
4- المقنعة / 787 __ 788 .
5- النهاية ونكتها /3 / 309 ، وانظر الكافي في الفقه / 409 ، المراسيم العلوية / 255 .

المسألة 195 : لو تكررت المساحقة، فإن اُقيّم الحد عليها بعد كل مساحقة قتلت في الثالثة، وأمّا إذا لم يقم عليها الحد لم تقتل(1).

______________________________________________

تقول في هذا ؟ فقال الحسن : معضلة وأبو الحسن لها، وأقول فإن أصبت فمن الله ومن أمير المؤمنين، وإن اخطأت فمن نفسي، فأرجوا أن لا اخطأ إن شاء الله، يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة، لأن الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويرد الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد الجارية الحد، قال : فانصرف القوم من عند الحسن (علیه السلام) فلقوا أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال : ما قلتم لأبي محمد ؟ وما قال لكم ؟ فاخبروه، فقال : لو أنني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر مما قال ابني»(1)، قيل هو مخالف للأصل والشهرة والاحتياط في الدماء ولكن إذا ورد دليل فهو اجتهاد في مقابل النص والشهرة غير جابره ولا كاسرة .

ومنها : معتبرة المعلى بن خنيس قال : «سألت ابا عبد الله (علیه السلام)عن الرجل وطئ امراته فنقلت ماءه إلى جارية بكر فحبلت ؟ فقال : الولد للرجل وعلى المرأة الرجم، وعلى الجارية الحد»(2) وغيرها من الروايات .

(1) المشهور أنّها تقتل في الرابعة، والحق أنّها تقتل في الثالثة لما ورد في صحيحة صفوان عن يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(2)،

نعم وردت صحيحة أخرى عن أبي بصير، قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) الزاني إذا زنى يجلد ثلاثاً ويقتل في الرابعة _ يعني جلد ثلاث مرات»(3)،

ولكن هذه مختصة بالزاني .

ص: 117


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السحق ح1 . (2) الوسائل باب 3 من أبواب حد السحق ح4.
2- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .

المسألة 196 : إذا تابت المساحقة قبل قيام البينة، فالمشهور سقوط الحد عنها ودليله غير ظاهر ولا أثر لتوبتها بعد قيام البينة بلا إشكال(1).

المسألة 197 : لو جامع الرجل زوجته فقامت الزوجة فوقعت على جارية بكر فساحقتها فالقت النطفة فيها فحملت، فعلى المرأة مهر الجارية البكر، ثم ترجم المرأة، وأمّا الجارية فتنظر حتى تضع ما في بطنها ويرد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد، وما نُسب إلى بعض المتأخرين من أنكار كون المهر على المرأة، بدعوى أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة، لا وجه له(2) .

السابع : القيادةوهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، وبين الرجال والرجال للواط وبين النساء والنساء للسحق(3) .

______________________________________________

(1) ووجه ذلك قد بيناه في باب الزنا .

(2) قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تقدم أن الصحيحة نص في خلاف ذلك وما نسب إلى البعض فهو، اجتهاد في مقابل النص فلا يمكن المساعدة عليه بوجه(1)،

مضافاً إلى أنّه لا يصدق عليه الزنا لا لغة ولا عرفاً .

(3) وهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، وبين الرجال والرجال للواط، وقد زاد على ذلك صاحب الغنية بين النساء والنساء للسحق، ومن جمع بين رجل و امرأة، او غلام، او بين امرأتين للفجور(2).

ص: 118


1- المباني /1/ 303 .
2- الغنية /2/ 427 .

المسألة 198 : تثبت القيادة بشهادة رجلين عادلين ولا تثبت بشهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة النساء منفردات(1)، وهل تثبت بالإقرار مرة واحدة ؟ المشهور عدم ثبوتها بذلك، بل لابد من الإقرار مرتين، ولكن لا يبعد ثبوتها بالإقرار مرة واحدة .

______________________________________________

(1) المسألة غير خلافية، كما ادّعى عليه صاحب الجواهر بقوله : بلا خلاف ولا إشكال(1)،

ونسب إلى المراسم قوله : كل ما يثبته شاهدان عادلانمن الحدود فالإقرار فيه مرتان(2).

ولكن الحق أنّه يثبت بالإقرار مرة واحدة ولا دليل على ما ذكره المشهور من اعتبار الإقرار مرتين، كما أن ما أدّعاه في المراسم لا دليل عليه، وهكذا ما ورد في اعتبار الأربعة في ما تثبته شهادة الأربع لعدم الدليل بل هو قياس كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله ودعوى أن اعتبار الإقرار فيه مرتين لفحوى اعتبار الأربع في ما تثبته شهادة الأربع واضحة الفساد، فإنّها قياس محض لا نقول به(3)،

إذاً إثباته يكون بالمرة للعمومات .

أمّا ما يخص بيانه في الحكم التكليفي ثم الوضعي، فنقول :

أولاً : الحكم التكليفي : لا إشكال في أنّ القيادة من المعاصي الكبيرة فعن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) : «من قاد بين امرأة ورجل حراماً حرم الله عليه الجنة ومأواه جهنم وساءت مصيراً، ولم يزل في سخط الله حتى يموت»(4)،

وأمّا أنّها من الكبائر فمحل اتفاق، وادّعى البعض عدم الخلاف .

ص: 119


1- الجواهر /41 /400 .
2- المراسم / 259 .
3- مباني تكملة المنهاج /1 /304 .
4- الوسائل باب 27 من أبواب النكاح المحرم ح2 .

المسألة 199 : إذا كان القواد رجلاً فالمشهور أنّه يضرب ثلاثة ارباع حد الزاني، بل في كلام بعض عدم الخلاف فيه بل الإجماع عليه(1) وقال جماعة : أنّه مع ذلك ينفى من مصره إلى غيره من الامصار، وهو ضعيف وقيل يحلق رأسه ويشهر، بل نسب ذلك إلى المشهورولكن لا مستند له وأمّا إذا كان القواد امرأة فالمشهور أنّها تجلد، بل أدعيّ على ذلك عدم الخلاف لكنه لا يخلو من إشكال، وليس عليها نفي ولا شهرة ولا حلق.

______________________________________________

ثانياً : الحكم الوضعي قد مر بيانه في أول المسألة .

وأمّا كمية الحد فهي خمس وسبعون جلدة أي ثلاثة ارباع الحد بلا خلاف، بل عليه الإجماع كما في الانتصار والغنية والمسالك(1).

(1) الكلام يقع في هذه المسألة في أمور :

الأول : في بيان حد القواد فالمشهور ثلاثة أرباع الحد خمس وسبعون جلدة وقد أدعيّ عليه الإجماع، ويقول صاحب المسالك : اتفق الجميع على أن حد القيادة مطلقاً خمس وسبعون جلدة(2).

الثاني : واختلفوا في ثبوت شيء آخر معها فأثبت الشيخ في النهاية بقوله : يجلد ويحلق رأسه ويشهر في البلد ثم ينفى عن البلد الذي فعل فيه إلى غيره من الامصار(3)، وتبعه ابن البراج وابن إدريس(4)، وقال المفيد : يجلد في المرة الأولى

ص: 120


1- الانتصار / 254 ، الغنية / 427 ، المسالك / 14 / 422 .
2- المسالك /14 /422 ، الكافي في الفقه / 410 ، المراسيم / 259 .
3- النهاية / 710 .
4- المهذب / 2/ 534 ، السرائر / 3/ 471 .

................................

ويحلق رأسه ويشهر، فإن عاد ثانية جلد ونفي(1)، وتبعه أبو الصلاح وسلار(2)،

وقال صاحب الرياض : بلا خلاف أجده(3)، بل عليه الإجماع في الانتصار(4)والغنية(5)،

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده(6).

واستدلوا بالخبر الوارد عن عبد الله بن سنان، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) اخبرني عن القواد ما حدّه ؟ قال : لا حد على القواد، أليس إنما يعطى الأجر على أن يقود ؟ قلت : جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر والانثى حراماً، قال : ذاك المؤلف بين الذكر والانثى حراماً، فقلت : هو ذاك، قال : يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطاً، وينفي من المصر الذي هو فيه»(7).

ولا يخفى أنّه ورد في الطريق محمد بن سليمان وهو اسم عدة من الرواة الاسدي، فهو غير ثقة امامي مجهول، سليمان الأصفهاني ثقة، محمد بن سليمان البصري الديلمي ضعيف أو مجهول، محمد بن سليمان بن جلاب امامي مجهول، محمد بن سليمان بن جهم بن بكر بن اعين ثقة، وغيرهم فبعضهم ثقة وبعضهم لا، إذاً لا يمكن القول بأنه ثقة .

الثالث : كون المسألة اتفاقية، فيمكن أن يقال بأنّه يحد ثلاثة أرباع ويمكن أن يقال النفي إلى غير مصره لإطلاق الرواية .

ص: 121


1- المقنعة / 791 .
2- المسالك /14 /422 .
3- الرياض /16 /28 .
4- الانتصار/254 .
5- الغنية (الجوامع الفقهية)/ 622 .
6- الجواهر /41 /400 .
7- الوسائل باب 5 من أبواب حد السحق ح1

الثامن: القذف

وهو الرمي بالزنا أو اللواط، مثل أن يقول لغيره: زنيّت أو أنت زانٍ، أو ليط بك، أو أنت منكوح في دبرك، أو أنت لائط، أو ما يؤدي هذا المعنى(1).

______________________________________________

وفي الرواية ورد الجمع بين الرجل والمرأة، أمّا الجمع بين الرجلين يكون حكمه حكم الرجل والمرأة فيكون ثبوته بالأجماع أو الاولوية، والنفي في كل مرة لإطلاق الرواية .

أمّا الحلق والتشهير فلا دليل عليه بالنسبة إلى المرأة لأن الخبر مختص بالرجل ويظهر من إطلاق الرواية عدم الفرق بين أن يكون القواد حراً أو عبداً أو مسلماً أو كافرا .

(1) وهو عند أهل اللغة الرمي من بعيد للحجارة، وذكر صاحب مجمع البحرين: والقذف الرمي يقال قذفت الحجارة قذفاً من باب ضرب رميت بها، وقذف المحصنة رماها بالفاحشة(1).

وشرعاً : قيل رمي المسلم الحر الكامل المستتر بالزنا أو اللواط، كأن يقول يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية، أو قال لمن اعترف ببنوته لست بولدي أو لغيره لست لأبيك، فهنا يقع الكلام في هذه المسألة في الحكم الوضعي وأخرى في التكليفي .

أمّا الثاني : لا يخفى بأنّه من الكبائر وهو أحد الموبقات السبع، وهن كما عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال : «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل : وما هن ؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وأكلالربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات»(2).

ص: 122


1- مجمع البحرين / مادة قَذَفَ .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح34 .

المسألة 200 : لا يقام حد القذف إلا بمطالبة المقذوف ذلك(1).

المسألة 201 : يعتبر في القاذف البلوغ والعقل، فلو قذف الصبي أو المجنون لم يحد(2) .

______________________________________________

وتدل عليه الآيات، منها قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»(1)، وقوله جل شانه : «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2).

وقد ورد عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال : «ومن رمى محصناً أو محصنة احبط الله عمله، وجلده يوم القيامة سبعون الف ملك من بين يديه ومن خلفه، ثم يؤمر به إلى النار»(3).

(1) بعد إن قلنا بأنّه يُعدّ من حقوق الناس، فهو متوقف على مطالبة من له الحق وتدل عليه موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قال لرجل يا ابن الفاعلة _ يعني الزنا _ فقال: إن كانت أمه حيّة شاهدة ثم جاءت تطلب حقها ضرب ثمانين جلدة، وإن كانت غائبة انتظر بها حتى تقدم ثم تطلب حقها، وإن كانت قد ماتت ولم يعلم منها إلا خير ضرب المفتري عليها الحد ثمانين جلدة»(4).(2) لحديث الرفع فلو قذف الصبي أو المجنون لم يحدا، إلا إذا كان المجنون ادوارياً، وقذف في حال عقله فإنه يحد، ولو كان مجنوناً بعد القذف وذلك لصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) في رجل وجب عليه الحد فلم يضرب حتى خولط، فقال : «إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقل، أُقيّم

ص: 123


1- سورة النور الآية / 19 .
2- سورة النور الآية / 23 .
3- الوسائل باب1من أبواب حد القذف ح6 .
4- الوسائل باب 6 من أبواب حد القذف ح1 .

ولا فرق في القاذف بين الحر والعبد , ولا بين المسلم والكافر(1) .

______________________________________________

عليه الحد كائناً ما كان»(1).

ويدل على عدم وجوب الحد على المجنون صحيحة فضيل بن يسار قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا حد لمن لا حد عليه، يعني لو أن مجنوناً قذف رجلاً لم ارَ عليه شيئاً، ولو قذفه رجل فقال : يا زانٍ لم يكن عليه حد»(2),

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لا حد لمن لا حد عليه»(3).

وهكذا بالنسبة إلى قذف الصبي لصحيحة أبي مريم الانصاري قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد ؟ قال (علیه السلام) : لا وذلك لو أن رجلاً قذف الغلام لم يجلد»(4).

ولكن قاسم بن سليمان الذي ورد في سند الرواية توقف في وثاقتهصاحب التنقيح ووثقه الاستاذ الاعظم(5).

(1) لما عليه المشهور ولإطلاق الآية : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء»(6)، ولما ورد من الروايات الصحيحة .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين، وقال : هذا حق من حقوق الناس»(7).

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه سئل عن

ص: 124


1- الوسائل باب 9 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
2- الوسائل باب 19 من أبواب مقدمات الحد ح1 .
3- الكافي /7 / 253 ح1 باب لا حد لمن لا حد عليه .
4- الوسائل باب 5 من أبواب الحد القذف ح1 .
5- المباني / 1/ 308 .
6- سورة النور الآية / 4 .
7- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح4.

................................

المكاتب افترى على رجل مسلم ؟ قال : «يضرب حد الحر ثمانين، إن كان أدى من مكاتبته شيئاً أو لم يؤد»(1).

ومنها : ومعتبرة أبي بكر الحضرمي، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مملوك قذف حراً ؟ قال : يجلد ثمانين، هذا من حقوق الناس»(2)، وغيرها من الروايات المعتبرة .

ولكن مقابل هذه الروايات رواية وردت عن القاسم بن سليمان، قال: «سألت أبا عبد الله عن العبد افترى على الحر كم يجلد ؟ قال : أربعين، قال إذا أتى بفاحشة فعليه نصف العذاب»(3).

وكما ذكر الاستاذ(4)

الاعظم (قدس سرُّه) لإطلاق الأدلة ولخصوص معتبرةبكير عن أحدهما (علیها السلام) أنّه قال : «من افترى على مسلم ضرب ثمانين يهودياً أو نصرانياً أو عبداً»(5).

ولكن هذه الرواية سندها ضعيف فأن صاحب التنقيح توقف في قاسم بن سليمان، ولو عبر الأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) عن الرواية بالمعتبرة، هذا أولاً .

وثانياً : تلك الروايات مقدمة على هذه الرواية على فرض صحة هذه الرواية لأنّها مشهورة بينهم وموافقة للآية : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ» وقد أدّعى الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بأنّها مخالفة للعامة(6)،

نعم وردت هناك روايتان تدلان على خلاف تلك الروايات كصحيحة حريز عن محمد عن أبي جعفر «في العبد يفترى

ص: 125


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح9.
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح10.
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح15.
4- المباني / 1 / 309 .
5- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح13 .
6- انظر المباني .

المسألة 202 : يعتبر في المقذوف البلوغ والعقل والحرية، والإسلام والإحصان(1)، فلو لم يكن المقذوف واجداً لهذه الأوصاف لم يثبت الحد بقذفه نعم يثبت التعزير حسبما يراه الحاكم من المصلحة على ما سيأتي في باب التعزير .

______________________________________________

على الحر، قال يجلد حداً إلا سوطاً أو سوطين»(1)فإنّها شاذة لم يفتِ بمضمونها أحد، وكذا معتبرة سماعة قال : «سألته عن المملوك يفترى على الحر قال : عليه خمسون جلده»(2), وهما مخالفتان لإطلاق الآية .(1) والمراد من الإحصان هنا هو العفة وعدم التظاهر بالمنكرات كاللواط أو الزنا، واعتبار هذه الأمور مورد اتفاق، وقد أدعيّ عليه الإجماع بقسميه، ولحديث الرفع ولصحيحة فضيل بن يسار، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا حد لمن لا حد عليه، يعني: لو أن مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً، ولو قذفه رجل فقال: يا زانٍ، لم يكن عليه حد»(3).

وأمّا بالنسبة إلى شرط البلوغ فلصحيحة أبي مريم الأنصاري قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد ؟ قال : لا وذلك لو أن رجلاً قذف الغلام لم يجلد»(4).

وهكذا لا يجلد ولو كان المقذوف صبية لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام): «في الرجل يقذف الصبية يجلد ؟ قال : (علیه السلام) لا حتى تبلغ»(5)

وأيضاً صحيحة عاصم

ص: 126


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح19 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح20 .
3- الوسائل باب 19 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
4- الوسائل باب 5 من أبواب حد القذف ح1 .
5- الوسائل باب 5 من أبواب حد القذف ح4 .

فلو قذف الأب أبنه لم يحد , وكذلك لو قذف أم أبنه الميتة، نعم لو كان لها ابن من غيره ثبت له الحد، وكذا الحال إذا كان لها قرابة(1) .

______________________________________________

بن حميد قال : «سألت ابا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة ؟ قال : لا يجلد إلا أن تكون قد ادركت أو قاربت»(1).

أمّا العقل فهو شرط اساسي في التكليف، وأمّا اعتبار الحرية فلصحيحةأبي بصير، عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال : «من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام»(2)،

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الحر يفترى على المملوك، قال : يسئل ؟ فأن كان أمه حره جلد الجلد»(3).

والمراد من الفرية القذف، ففي مجمع البحرين : الفرية أيضاً القذف وحد الفرية يكون بثلاثة وجوه، رمي الرجل الرجل بالزنا، وإذا قال إنّ أمهُ زانية، وإذا أدعى لغير أبيه(4)،

لحرمته أي : المقذوف واذيته .

(1) وذلك لصحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قذف أبنه بالزنا قال : لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم يجلد له , قلت : فإن قذف أبوه أمه ؟ إن قال : قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا لم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه، وفرق بينهما ولم تحل له أبداً، قال وإن كان قال لابنه وأمّه حية يا ابن الزانية، ولم ينتف من ولدها جلد الحد لها ولم يفرق بينهما قال : وإن كان قال لأبنه يا ابن الزانية، وأمّه ميتة ولم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه فإنه لا يقام عليه الحد لأن حق الحد قد صار لولده منها، فإن كان لها ولد من غيره فهو وليها

ص: 127


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد القذف ح3 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح12 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح11 .
4- مجمع البحرين مادة ف ر ي .

المسألة 203 : لو قذف رجل جماعة بلفظ واحد فإن اتوا به مجتمعين ضرب حداً واحداً(1)، وإن اتوا به متفرقين ضرب لكلٍّ منهم حداً، ولو قذفهم متفرقين حُدّ لكل منهم حدا .

______________________________________________

يجلد له، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان لها قرابة يقومون بأخذ الحد جلد لهم»(1),

كما في ذيل الصحيحة .

(1) لا يخفى بأنّه إذا قذف جماعة واحد تلو الآخر، فلكل واحد منهم حد سواء، إن جاؤوا يطلبون الحد مجتمعين أو متفرقين، والمسألة غير خلافية نعم نسب إلى الاسكافي(2)، بأنّه اعتبر في تعدد الحد إذا جاؤا متفرقين، وإلا يحد حداً واحداً، أمّا تعدد الحد لأن الأصل عدم التداخل في المسببات ويتعدد المسبب بتعدد السبب، وذلك لصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل افترى على قوم جماعة، قال : إن اتوا به مجتمعين ضرب حداً واحداً وإن اتوا به متفرقين ضرب لكل منهم حداً»(3),

وصحيحة محمد بن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل افترى على قوم جماعة قال : فقال : إن اتوا به مجتمعين ضرب حداً واحداً وإن اتوا به متفرقين ضرب لكل رجل حداً»(4).

ولكن في الطريق محمد بن حمران وهو مشترك بين الثقة وغيره، فإنّه يطلق على ثلاثة محمد بن حمران بن اعين مولى بني شيبان فأنّه يُعدّ من الحسان، ومحمد بن حمران مولى بني فهد إمامي مجهول، ومحمد بن حمران النهدي فهو ثقة، فحسب القاعدة لا يمكن القول بصحة الرواية بعد إن كان الراوي _ محمد بن حمران _

ص: 128


1- الوسائل باب 14 من أبواب حد القذف ح1.
2- رأي الاسكافي في مختلف الشيعة / 781 ، الطبعة القديمة .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح1
4- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح3 .

المسالة 204 : إذا عفا المقذوف حد القذف عن القاذففليس له المطالبة به بعد ذلك(1).

______________________________________________

مردداً بين الموثق وغير الموثق وذكر الأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وما يتوهم من اشتراك محمد بن حمران بين الثقة وغيره يندفع بما ذكرنا في معجم رجال الحديث من أن الوارد في الروايات هو النهدي الثقة(1)،

فإذا كان كذلك فالرواية صحيحة .

إذاً هناك فرق بين ما إذا اتوا جميعاً أو متفرقين، فما ورد من معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل افترى على نفر جميعاً فجلده حداً واحداً»(2)، فيحتمل إطلاقها على ما إذا اتوا به جميعاً .

وأمّا رواية بريد عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في الرجل يقذف القوم جميعاً بكلمة واحدة، قال له : إذ لم يسمهم فإنما عليه حداً واحداً، وإنْ سمى فعليه لكل رجل حد»(3)،

ولعل إذا سمى يكون في حكم المتفرق، ولكن الرواية ضعيفة من جهة السند فلا يمكن الاعتماد عليها، فأن أبا الحسن الشامي لم يوثق، إذاً لو قال زيد زانٍ وعمرو وبكر، فإنّه يصدق عليه أنّه قذف قوماً بكلمة واحدة، ففي هذه الصورة لم يتعدد الحد أيضاً .

(1) لو عفى هل يسقط الحد أم لا ؟ الظاهر أنّه يسقط وأدعيّ عدم الخلاف بعد أن فرض كون الحد من حقوق الآدميين، فيكون قابلاً للسقوط لمعتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عنالرجل يفترى على الرجل فيعفو عنه، ثم يريد أن يجلده بعد العفو ؟ قال (علیه السلام) : ليس له أن يجلده بعد العفو»(4)،

ص: 129


1- المباني /1 / 313.
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح4 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح5.
4- الوسائل باب 21 من أبواب حد القذف ح1.

المسألة 205 : إذا مات المقذوف قبل أن يطالب بحقه أو يعفو فلأوليائه من اقاربه المطالبة به، كما أن لهم العفو، فإن تعدد الولي كما إذا مات عن ولدين أو أخوين فعفا أحدهما كان للآخر المطالبة بالحق ولا يسقط بعفو الأول(1).

______________________________________________

ومعتبرته الثانية : قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقذف الرجل بالزنى، فيعفو عنه ويجعله من ذلك في حل ثم أنّه بعد ذلك يبدو له في أن يقدمه حتى يجلده فقال : ليس له حد بعد العفو»(1).

(1) لا يخفى أنّه تارة يستوفى الحد للمقذوف وأخرى لا، ففي الصورة الثانية للورثة المطالبة بالحق وكذا إذا لم يعفِ عنه المقذوف وقد أدعيّ عدم الخلاف ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة(2)،

وإن كان قد قال لأبنه يا بن الزانية وأمّه ميتة إلى أن يقول : فإن كان لها ولد من غيره فهو وليّه يجلد له، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان له قرابة يقومون بأخذ الحدّ ويجلد لهم ومعتبرة عمار الساباطي(3).

ويدل عليه أيضاً صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «لا يعفى في الحدود التي لله دون الإمام، فأمّا ما كان من حقوقالناس في حد فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام»(4).

نعم وردت رواية في خصوص المملوكة التي فرقت بين رفع الحد وأنه يرفع إذا كان قبل المرافعة فهي أولاً : وردت في خصوص الجارية ولا يمكن أن يستفاد منها قاعدة كلية، ثم تبين أنّه لا يمكن الاستدلال بها لضعفها وهي رواية حمزة بن

ص: 130


1- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح3.
2- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح4.
3- الرسائل باب 22 من أبواب القذف ح2 .
4- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح1.

المسألة 206: إذا قذف أحد ابن شخص أو ابنته، فقال له: ابنك زانٍ، أو ابنتك زانية، فالحدّ حق لهما، وليس لأبيهما حق المطالبة به أو العفو(1).

______________________________________________

حمران(1)فهي ضعيفة سنداً، فأن حمزة بن حمران لم تثبت وثاقته ولم يمدح، وعليه فلا يمكن الاعتماد عليها، هذا ما قاله الاستاذ الاعظم(2).

وما عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول : أن الحد لا يورث كما تورث الدية والمال، ولكن من قام به من الورثة فهو وليه ومن تركه فلم يطالبه فلا حق له، وذلك مثل رجل قذف وللمقذوف أخوان فإن عفى عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقه لأنّها امهما جميعاً والعفو إليهما جميعاً»(3).

وأمّا ما ورد من معتبرة السكوني «أن الحدّ لا يورث» فيحمل على أنّه لا يورث كما يورث المال، لأنّه لا يورث مطلقاً، فمجرد الولاية لا يسقط جميعهولا بعضه بعفو بعض الورثة إنما يسقط بعفو الجميع لأنّه حق آدمي فيقبل العفو كغيره من الحقوق، وكما هو واضح من معتبرة عمار الساباطي وصحيحة محمد بن مسلم .

(1) خلافاً لما عليه الشيخ في النهاية أن للأب العفو والاستيفاء(4)

واحتج له في المختلف بأن العار لاحق به، فله المطالبة بالحد والعفو(5)،

وقال في المسالك : أن قوله ابنك كذا ونحوه قذف للمنسوب إليه لا للمواجه، لأنّه لم ينسب إليه فعلاً قبيحاً ولازم ذلك أن حق المطالبة والعفو فيه للمقذوف لا للمواجه(6)

وفيه نظر

ص: 131


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح3.
2- مباني تكملة المنهاج / 315.
3- الوسائل باب 22 من أبواب حد القذف ح2.
4- النهاية /724 .
5- المختلف .
6- المسالك /14/ 446.

المسألة 207: إذا تكرر الحدّ بتكرار القذف قتل القاذف في الثالثة(1).

المسألة 208: إذا تكرر القذف من شخص واحد لواحد قبل أن يقام عليه الحد، حدّ حداً واحداً(2).

______________________________________________

_ أي قول النهاية _ لمنع الكبرى فالأولى التفصيل كما اختاره ابن إدريس، والعلامة وهو ثبوت المطالبة مع الصغر لا غيره، وقد قال الشيخ في الرابعة وهل للأب العفو، فاطلق الشيخ في النهاية، وقال صاحب التنقيح : وليس بشيء لأن الحد للمقذوف فليس لغيره اسقاطه كغير الحد من الحقوق بل المطالبة والعفو إلى المستحق(1)،

لكن كل من توجه إليه الخطاب له حق المطالبة والأبأجنبي .

(1) هل يقتل في الثالثة أو في الرابعة ؟ قيل في الرابعة وهو الأحوط وبالأولوية، لأن الزنا إذا كرر يقتل في الرابعة، ففي القذف يكون بطريق أولى، ولكن وردت رواية صحيحة يونس المتقدمة بأن أصحاب الكبائر إن أقيّم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة .

(2) يتعدد القذف بتعدد الحد، ولكن لا على الإطلاق وذلك لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في الرجل يقذف الرجل فيجلد فيعود عليه بالقذف، فقال : إن قال أن الذي قلت لك حق لم يجلد، وإن قذفه بالزنا بعد ما جلد فعليه الحد، وإن قذفه قبل ما يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلا حد واحد»(2).

ص: 132


1- التنقيح /4 / 362 _ 263.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد القذف ح1.

المسألة 209 : لا يسقط الحدّ عن القاذف إلا بالبينة المصدقة وبتصديق من يستحق عليه الحدّ(1) أو بالعفو .

نعم، لو قذف الزوج زوجته سقط حق القذف باللعان أيضاً على ما تقدم(2) .

المسألة 210 : لو شهد أربعة بالزنا ثم رجع أحدهم حُدّ الراجع ولا فرق في ذلك بين كونه قبل حكم الحاكم وبعده(3).

______________________________________________

(1) لعموم حجية البينة بعد إن أقرّ من له الحد وصدقه لم يبق موضوع الافتراء بعد إن كان اقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وإمّا بالنسبة إلى العفو فقد وردت في ذلك معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل يفترى على الرجل فيعفو عنه، ثم يريد أن يجلده بعد العفو ؟ قال : (علیه السلام) ليس له أن يجلد بعد العفو»(1).

ومعتبرة سماعة الأخرى قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقذف الرجل بالزنى فيعفو عنه ويجعله من ذلك في حل، ثم أنّه بعد ذلك يبدو له في أن يقدمه حتى يجلده فقال : ليس له حد بعد العفو»(2).

(2) لصحيحة محمد بن مسلم ... «قلت : فإن قذف أبوه أمّه قال : إن قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا ولم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه، وفرق بينهما، ولم تحل له أبداً»(3).

(3) لا يخفى أنّه تارة يكون قبل حكم الحاكم وأخرى بعده، أمّا إذا كان بعد الحكم فإنّه لا إشكال في حد الراجع، والمسألة غير خلافية، وهكذا إذا كان قبل الحكم لقذفه بالزنا .

ص: 133


1- الوسائل باب 21 من أبواب حد القذف ح1 .
2- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح3 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب حد القذف ح1 .

المسألة 211 : حدّ القذف ثمانون جلدة، ولا فرق في ذلك بين الحر و العبد والذكر والأنثى(1)، ويضرب بثياب بدنه، ولا يجرد، ويقتصر فيه على الضرب المتوسط(2).

______________________________________________

أمّا البقية فلا شيء عليهم بعد أن تم الشهود وشهدوا والرجوع كان بعداتمام الشهادة .

وهكذا لو شهدوا وظهر فسق أحدهم من الأول أيضاً لا يحد الباقين ولا يمكن القياس بما إذا جاء الشهود الثلاثة وأُخر الرابع فإنه يحُدّ الثلاث .

(1) قد أدعوا الإجماع عليه، والمسألة اتفاقية ويدل عليه إطلاق الكتاب قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً»(1)، وإطلاق الروايات كما في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «القاذف يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبداً إلا بعد التوبة أو يكذب نفسه»(2)، ومعتبرة أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «في امرأة قذفت رجلاً، قال : تجلد ثمانين جلدة»(3).

(2) أي فوق الثياب والضرب المتوسط، ويفهم من معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (علیه السلام) قال : «المفترى يضرب بين الضربين، بضرب جسده كله فوق ثيابه»(4).

ص: 134


1- سورة النور الآية / 4 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد القذف ح5 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد القذف ح1.
4- الوسائل باب 15 من أبواب حد القذف ح3.

المسألة 212: يثبت القذف بشهادة عدلين(1) وأمّا ثبوته بالإقرار فقد اعتبر جماعة كونه مرتين، ولكن الأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة.

______________________________________________

(1) أمّا ثبوته بشاهدين عادلين لإطلاق الدليل أو عمومه، وأمّا ثبوتهبالإقرار لأنّه أمر عقلائي ولم يردع عنه الشارع، بل امضاه في كثير من الموارد أمّا كون الإقرار فلابد أن يكون مرتين لما ورد من الروايات أن كل إقرار بمنزلة الشهادة، وقد أدعيّ عدم الخلاف .

ويقول الماتن الأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة، ففي الجواهر قال : كما صرح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافاً، وإن لم نظفر بنص خاص فيه وعموم إقرار العقلاء يقتضي الاجتزاء به مرة(1)، ولعله ما قيل من التكرار مرتين لما عرفت من الاتفاق على كفاية المرة عليه ظاهر بناء الحدود على التخفيف والأصل عدم ثبوته إلا بالمتيقن الذي هو نحو الإقرار مرتين المنزل بمنزلة الشهادة في نفسه كذلك فيكون كالشاهدين .

ولكن قد ورد في باب القيادة بأن الإقرار الواحد كافٍ ولا دليل على ما ذهب إليه من الإقرار مرتين، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات أو مجتمعات لعدم الدليل لما ورد من عدم تأثير شهادة النساء في حد من الحدود .

ص: 135


1- الجواهر /41 /430 .

المسألة 213: لو تقاذف شخصان درئ عنهما الحد، ولكنهما يعزران(1).

______________________________________________

(1) لو كنا نحن والقاعدة لحكمنا بحد كل واحد منهما، ولكن جاء الدليل على خلاف القاعدة، وهو سقوط الحد وثبوت التعزير، وأدّعى صاحب الجواهر بقوله : بلا الخلاف(1)،

لصحيح ابن سنان(2).

وأدّعى البعض الإجماع، والعمدة في هذا هو الصحيحتان الأولى عن ابن سنان، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين افترى كل واحد منهما على صاحبه ؟ فقال : يدرأ عنهما الحد ويعزران»(3).

وصحيحة أبي ولاد الحناط، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : اُتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه، قال : فدرأ عنهما الحد وعزرهما»(4)

.

ص: 136


1- الجواهر /41 /431 .
2- الوسائل باب 18 من أبواب حد القذف ح1 .
3- الوسائل باب 18 من أبواب حد القذف ح1 .
4- الوسائل باب 18 من أبواب حد القذف ح1 .

التاسع : سب النبي(صلی الله علیه و آله وسلّم)

المسألة 214 : يجب قتل من سب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) على سامعه، ما لم يخف الضرر على نفسه أو عرضه أو ماله الخطير، ونحو ذلك(1)ويلحق به سب الأئمة (علیهم السلام) وسب فاطمة الزهراء (علیها السلام)(2).

______________________________________________

(1) أمّا قتل الساب للنبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) وكذا أحد الأئمة (علیهم السلام)، يقول العلامة ويحل دمه لكل سامع(1)،

والمسألة غير خلافية وأدّعى في الجواهر : بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه(2)،

وتدل عليه صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «أنّه سئل عمّن شتم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقال : يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام»(3)،

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إن رجلاً من هذيل كان يسب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) إلى أن قال : فقلت لأبي جعفر : أرأيت لو إن رجلاً الآن سب النبي أيقتل ؟ قال : إن لم تخف على نفسك فاقتله»(4).

(2) لإطلاق أدلة دفع الضرر والمسألة غير خلافية، ولصحيحة هذيل المتقدمة بقوله «إن لم تخف على نفسك فاقتله».

أمّا الأئمة والزهراء فلأنّهم (علیهم السلام) نفس النبي (صلی الله علیه و آله) أيضاً،والمسألة غير خلافية وأدّعي عليها الإجماع بقسميه، ووردت بذلك عدة روايات .

منها : صحيحة هشام بن سالم قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما تقول في رجل سبابة لعلي (علیه السلام) ؟ قال : فقال لي حلال الدم، والله لو لا أن تعم بريئاً ... قال قلت : لأي شيء يعم به بريئاً ؟ قال : يُقتل مؤمن بكافر»(5).

ص: 137


1- المختصر النافع .
2- الجواهر / 41 / 432 .
3- الوسائل باب 7 من أبواب حد المرتد ح1 .
4- الوسائل باب25 من أبواب حد القذف ح3 .
5- الوسائل باب 27 من أبواب حد القذف ح1 .

................................

ومنها : صحيحة داود بن فرقد، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما تقول في قتل الناصب ؟ فقال : حلال الدم، ولكن أتقي عليك، فإن قدرت إن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل»(1).

ويؤيد ذلك رواية علي بن حديد قال : «سمعت من سأل أبا الحسن الأول (علیه السلام) فقال : إني سمعت محمد بن بشير يقول : إنّك لست موسى بن جعفر الذي أنت إمامنا وحجتنا فيما بيننا وبين الله، قال : فقال : لعنه الله _ ثلاثاً _ أذاقه الله حر الحديد، قتله الله اخبث ما يكون من قتلة، فقلت له : إذا سمعت ذلك منه أو ليس حلال لي دمه ؟ مباح كما أبيح دم السباب لرسول (علیه السلام) والإمام ؟ قال : نعم، حلّ والله، حلّ والله دمه، وأباحه لك ولمن سمع ذلك منه»(2).

وامّا الزهراء (علیها السلام) فلا يحتاج التمسك بطهارتها إلى رواية، كما عن صاحب الروضة بقوله : ويمكن اختصاص الحكم بها للإجماع علىطهارتها بآية التطهير(3)،

وهل يلحق باقي الأنبياء (علیهم السلام) في الحكم ؟ يقول في المسالك : وفي الحاق باقي الأنبياء بذلك قوة لأن من كمالهم وتعظيمهم عُلم من دين الإسلام ضرورة فسبهم ارتداد ظاهر(4)،

ولكن في صدق الارتداد في جميع الموارد إشكال، ثم إن المرتد لا يجوز قتله مطلقاً، ولكن لولا دعوى الاتفاق ففي الإلحاق إشكال والتمسك بالنبوي على ما في صحيفة الرضا (علیه السلام) عن ابائه (علیهم السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) «قال : مَنْ سب نبياً قتل، ومَنْ سب صاحب نبي جلد»(5)والرواية ضعيفة، والانجبار بالفتوى لا يفيد .

ص: 138


1- الوسائل باب 27 من أبواب حد القذف ح5 .
2- الوسائل باب 27 من أبواب حد القذف ح6.
3- الروضة /9 /194 .
4- المسالك /14 / 453 .
5- الوسائل باب 25 من أبواب حد القذف ح4 .

ولا يحتاج جواز قتله إلى الأذن من الحاكم الشرعي(1).

العاشر : دعوى النبوة

المسألة 215 : من ادّعى النبوة وجب قتله مع التمكن والأمن من الضرر من دون حاجة إلى الإذن من الحاكم الشرعي (2).

______________________________________________

(1) الرواية ضعيفة بابن حديد فتكون مؤيدة، وأمّا عدم احتياجه إلى إذن الإمام أو نائبه فلظهور الإطلاق، وأدّعي الاتفاق عليه، ولما ورد من قوله (علیه السلام) «يقتله الأدنى إلى الأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام» .

(2) إذا لم يكن هناك خوف على العرض والنفس والمال الخطير والمسألة غير خلافية، ويدل عليه معتبرة أبن أبي يعفور قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) أن بزيعاً يزعم أنه نبيّ، فقال : إن سمعته يقول ذلكفأقتله»(1)ومعتبرة أبي بصير يحيى بن أبي القاسم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال في حديث قال النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) : أيّها الناس أنّه لا نبيّ بعدي، ولا سنة بعد سنتي، فمن أدّعى ذلك فدعواه وبدعته في النار فاقتلوه، ومن تبعه فإنّه في النار»(2).

وأمّا عدم الاحتياج إلى الإذن فللإطلاقات، وأمّا وجوب القتل فهل يدخل في صغريات الردة ؟ قال الشهيد الثاني في المسالك : أمّا وجوب قتل مدّعي النبوة فللعلم بانتفاء دعواه من دين الإسلام ضرورة فيكون ذلك ارتداداً من المسلم وخروجاً من الملل التي يقرّ عليها أهلها من الكفار فيقتل لذلك(3)ونحوه في الروضة، بقوله : لثبوت ختمه للأنبياء من الدين ضرورة فيكون دعواها كفراً(4)،

وقال الاردبيلي :

ص: 139


1- القواعد /3 /548 .
2- الوسائل باب 7 من أبواب حد المرتد ح2 .
3- المسالك /14 / 453 .
4- الروضة البهية في شرح اللمعة /9 / 195.

الحادي عشر : السحر

المسألة 216 : ساحر المسلمين يقتل(1) .

______________________________________________

دليل وجوب قتل مدّعي النبوة أنّه يدّعي حقيقة، ما علم بطلانه من الدين ضرورة فيرتد فيقتله، ثم قال : وهكذا وجوب قتل الشاك في نبوة النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) إذا كان مسلماً ظاهراً، فإنّه ارتداد واضح من المسلم فيجب قتله(1).

(1) لا يخفى بأنّ عمل السحر من المعاصي الكبيرة، يقول العلامة : مَنْعمل السحر يقتل إن كان مسلماً، ويعزر إن كان كافراً(2)، وقال في الخلاف : مَنْ استحل عمل السحر فهو كافر ووجب قتله بلا خلاف(3)،

وفي الرياض : بلا خلاف فتوى ونصاً(4)، والمسألة غير خلافية كما في الجواهر : بلا خلاف أجده(5)،

ففي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) : ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفّار لا يقتل، فقيل : يا رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) ولمَ لا يقتل ساحر الكفار ؟ قال : لأن الكفر اعظم من السحر ولأن السحر والشرك مقرونان» (6)، ومعتبرة زيد بن علي (علیه السلام) عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) «قال : سئل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) عن الساحر، فقال : إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حل دمه»(7).

ص: 140


1- مجمع الفائدة والبرهان /13 /194.
2- شرائع الإسلام /4/ المسألة الثالثة من عمل السحر .
3- الخلاف /5 / 329 .
4- الرياض /16 / 58 _ 59 .
5- الجواهر /41/ 442 .
6- الوسائل باب 1 من أبواب بقية الحدود ح1 .
7- الوسائل باب 2 من أبواب بقية الحدود ح1 .

وساحر الكفّار لا يقتل(1)، ومن تعلم شيئاً من السحر كان أخر عهده بربه، وحدّه القتل إلا أن يتوب(2).

الثاني عشر : شرب المسكر

المسألة 217: من شرب المسكر والفقاع عالماً بالتحريم مع الاختيار والبلوغ والعقل حدّ، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير، كما لا فرق في ذلك بين أنواع المسكرات مما اتخذ من التمروالزبيب أو نحو ذلك(3).

______________________________________________

(1) وذلك لعدم الخلاف وبعد أن عرفت أنّه من المعاصي الكبيرة وعمل الساحر الكافر يخل بالنظام، فعلى الحاكم أن يعزره حسب المصلحة ولا يخفى بأنّ التعلم والعمل إذا كانا لأجل إبطال السحر فليس بحرام .

(2) لما في معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) : «إن علياً (علیه السلام) كان يقول من تعلم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربه وحَدّهُ القتل إلا أن يتوب»(1)، إذاً الرواية مطلقة كما مرّ ذكرها في جواز العمل والتعلم لغرض ابطال السحر .

(3) وهو على ما قال صاحب الرياض : ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السرّ المكتوم، وعلى آخر ما يغير العقل ويحصل معه سرور وقوة النفس في غالب المتناولين، وأمّا ما يغير العقل لا غير، فهو المرقد إن حصل معه تغيّب الحواس الخمس، وإلا فهو المفسد للعقل كما في البنج والشوكران(2).

والكلام يقع في هذه المسألة في أمور :

الأول : في الحكم التكليفي .

الثاني : في الحكم الوضعي .

ص: 141


1- الوسائل باب 3 من أبواب بقية الحدود ح2.
2- الرياض / 16 / 64 .

................................

أمّا الأمر الأول فلا يخفى بأنّه من الكبائر، وأمّا الثاني فإن متناول المسكريحدّ، ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع، بل هو من ضروريات الدين، والحد أيضاً من تناول المسكر أو الفقاع ولو لم يكن مسكراً، وقد ادعوا عليه الإجماع بقسميه، لأن الحرمة تدور مدار الاسم، وتدل عليه روايات كثيرة .

منها : صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كل ما يجب في الخمر من الحد»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيغ عن أبي الحسن (علیه السلام) «قال : سألته عن الفقّاع فقال : هو الخمر، وفيه حد شارب الخمر»(2).

ومنها : معتبرة ابن فضال، قال : «كتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام) اسأله عن الفقّاع، فقال : هو الخمر وفيه حد شارب الخمر»(3).

الثالث : أن يكون عالماً، فالجاهل مرفوع عنه الحكم بلا فرق بين أن يكون جهله بالحكم والموضوع، لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لو أن رجلاً دخل في الإسلام واقرّ به ثم شرب الخمر وزنى واكل الربا، ولم يتبين من الحلال والحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلاً»(4).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجلاً دعوناه إلى جملة الإسلام فاقرّ به، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، أقيّم عليه الحد إذا جهله ؟ قال : لا إلا أن تقوم عليه بينة أنّه قد كان اقرّ بتحريمها»(5).

ص: 142


1- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب حد المسكر ح2 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب الاشربة المحرمة ح1 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .

................................

وصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال : «قال أبو جعفر (علیه السلام) : لووجدت رجلاً كان من العجم أقرّ بجملة الإسلام لم يأته شيء من التفسير، زنى، أو سرق، أو شرب خمراً، لم أقم عليه الحد إذا جهله إلا أن تقوم عليه بينة أنّه قد أقرّ بذلك وعرفه»(1)،

وغيرها من الروايات .

الرابع: الاختيار فلو أُكره عليه لم يحد، والمسألة غير خلافية، وكذا بالنسبة إلى البلوغ والعقل، لأنّهما من الأمور والشرائط العامة بالنسبة إلى كل تكليف حداً كان أو غيره، ومع ذلك قد وردت نصوص كثيرة في الأبواب المختلفة .

الخامس: يجب الحد على من شرب مسكراً من أي شيء حصل _ لا شرب الخمر لأنّه مسكر _ لأن الحكم يدور مدار العلّة سواء كان متخذاً من العنب أو التمر ويسمى بالخمر أو يسمى بالنبيذ أو الزبيب ويسمى بالنقيع أو العسل وهو النبع والفقّاع المتخذ من الشعير، وغيرها لصدق المسكر على كل هذه الاصناف للإطلاقات .

وصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر الحد»(2).

السادس: أن شرب المسكر مطلقاً ولو قطرة منه موجب للحدّ والمسألة غير خلافية، ويدل عليه إطلاق الروايات، منها ما مر في الخامس «كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد»(3).

وصحيحة عبد الله بن سنان، قال : أبو عبد الله (علیه السلام) : «الحد في الخمر أن يشرب منها قليلاً أو كثيراً»(4).

ص: 143


1- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .
2- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1 .
3- نفس المصدر السابق .
4- الوسائل باب 4 من أبواب حد المسكر ح3 .

المسألة 218 : لا فرق في ثبوت الحد بين شرب الخمر وإدخاله في الجوف، وإن لم يصدق عليه عنوان الشرب كالاصطباغ(1) .

______________________________________________

(1) لا يخفى إنّ في هذه المسألة ليس المراد هو الشرب ما يفهمه العرف بل الموضوع هنا هو الشرب أو الإدخال في جوف الإنسان وإن كان ليس بعنوان الشرب، والإدخال على فرض حرمته، هل لابد أن يكون في الحلق أو تثبت الحرمة ولو لم يكن من الحلق ؟ قد يقال أنّه لو جعله ممزوجاً بالأغذية الظاهر الصدق للتسالم لأنّه قد تناول المسكر، ولو لم يصدق عليه الشرب وفي المسالك : يخرج من ذلك استعماله بالاحتقان والسعوط حيث لا يدخل الحلق لأنّه لا يُعد تناولاً، ولا يحدّ به وإن حرم مع احتمال حدّه على تقدير افساده الصوم(1)،

ولكن ما ذكره في القواعد: لو تسعط به حُدّ ولو احتقن به لم يحد لأنّه ليس بشرب ولأنّه لم يصل إلى جوفه فأشبه ما لو داوى جرحه(2)،

وعلله بعضهم بأنّه يصل إلى باطنه، ولكن الحق في الصدق هو أدخاله في الجوف وإن لم يصدق عليه الشرب، وقد ذكر صاحب التحرير : يجب الحد بتناول المسكر والفقاع من العالم بالتحريم المختار في التناول العالم بالمسكر البالغ الرشيد سواء تناول بشرب أو اصطباغ أو مزجه بالغذاء والدواء كيف كان والمراد بالمسكر هنا ما من شأنه من يسكر سواء اسكر أو لا لقلته فإن القطرة يجب بتناولها الحد كما يجب بتناول الكثير(2).

ص: 144


1- المسالك /14 / 458 .
2- القواعد /3 /553 ، (2) التحرير / 5 / 343 .

وأمّا عموم الحكم لغير ذلك كما إذا مزجه بمائع آخر واستهلك فيه وشربه فهو المعروف بل المتسالم عليه بين الأصحاب، إلا أنّه لا يخلو عن إشكال وإن كان شربه حراماً(1) .

المسألة 219 : لا يلحق العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه بالمسكر في ايجابه الحد وإن كان شربه حراماً بلا إشكال(2).

______________________________________________

(1) لا يخفى لو وقع مقدار قليل من الخمر كالقطرة أو قطرتين في الماء الكثير، فإذا لم يكن كراً فلا إشكال في تنجيسه، وهل إذا شرب هذا الماء حدّ الظاهر لا، ولا إشكال في حرمة شربه، ولكن لا يحد لأنّه لا يصدق عليه شرب الخمر بعد استهلاكه، والذي يستوجب الحد هو شرب المسكر ولو قليلاً .

(2) قد يقال بأن العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثلثاه يحرم شربه ويجب الحد لأنّه بمنزلة الخمر إذا تحقق الإسكار منه، وفي صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد»(1)

ولكن استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) ذكر خلافاً للمشهور حيث الحقوه بالخمر في ايجابه احكامه من الحرمة والنجاسة والحد، ولكن نبيّن عن قريب أنّه لا يستفاد من الروايات إلا ثبوت التحريم له فحسب ولا ملازمة بين ثبوت التحريم والحد كما عرفت(2)،

إذاً حرمة شربه محل اتفاق وإنما الكلام يأتي من جهة الحد قال (قدس سرُّه) من دون خلاف بين الأصحاب وتدل عليه عدة روايات(3)، منها صحيحة معاوية بن عمار، قال :«سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث، وانا اعرف أنه يشربه على النصف، افأ شربه

ص: 145


1- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 /329 .
3- المباني /1 / 329 .

................................

بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال : لا تشربه»(1).

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) كذا في ما عندنا من نسخة التهذيب وهذه الرواية هي مستند القول في النجاسة وثبوت الحد بشرب العصير، ولكنا قد ذكرنا في كتاب الطهارة أنّه لا يستفاد من الرواية إلا تنزيل العصير منزلة الخمر في عدم جواز شربه لا في مطلق احكامه وإلا لقال خمر، فلا تشربه والفرق بين العبارتين ظاهر إلى أن يقول أن صاحب الوسائل قد روى هذه الرواية عن الشيخ أيضاً خالية عن ذكر كلمة الخمر فيظهر أن هذه الكلمة لم تكن موجودة في جميع نسخ التهذيب وإنما هي موجودة في بعضها، فلا يمكن الاستدلال بها لا على نجاسة العصير ولا على ثبوت الحد في شربه(2).

ولكن الحق يكفينا صحيحة الكناني في ثبوت النجاسة والحد فإنّه إذا فرض أن العصير العنبي يوجب الإسكار فهو نجس ويوجب الحدّ .

ص: 146


1- الوسائل باب 7 من أبواب الاشربة المحرمة ح4 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 /329 _ 330 .

المسألة 220 : يثبت شرب المسكر بشهادة عدلين وبالإقرار مرّة واحدة نعم، لا يثبت بشهادة النساء لا منظمات و لا منفردات(1).

______________________________________________

(1) وذلك مقتضى عموم حجية البينة في جميع الموضوعات، ولا دليل على حجية قول النساء منظمات أو منفردات في حد من الحدود، وهل يكفي الإقرار مرة واحدة أو لابد من الإقرار مرتين ؟ أما بالنسبة إلى كفاية الإقرار مرّة فلا اشكال فيه ولا خلاف، وإنما الاشكال في الإقرار مرتين، وقد ذكر صاحب المسالك قول الشرائع أنّه : يثبت بشهادة عدلين مسلمين، ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ولا منضمات، وبالإقرار دفعتين، ولا تكفي المرة(1)

لأنّه ورد في بعض النصوص أن كل إقرار بمنزلة شهادة واحدة، وقد نسب إلى المراسم أنّه يعتبر الإقرار مرتين في كل مورد يثبت فيه الحد بشهادة عدلين ولذا ذهب المشهور من أنّه لابد من الثبوت بالإقرار مرتين ولا يكفي مرة واحدة .

قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) خلافاً للمشهور حيث اعتبروه مرتين، ولكن قد تقدم أنّه لا دليل عليه، فالصحيح هو كفاية الإقرار مرة واحدة، لإطلاق دليلها(2)،

وقد عرفت من النصوص عدم كفاية المرة، والمسألة غير خلافية عندهم ولو أن مقتضى عموم القاعدة يفيد كفاية الإقرار مرة واحدة .

ص: 147


1- المسالك /14 / 462 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 /272 .

الحد وكيفيته

وهو ثمانون جلدة ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة والحر والعبد والمسلم والكافر (1) .

______________________________________________

(1) المسألة متفق عليها ولاستفاضة الروايات ولما دلّت بعضها بالإطلاق، ومضافاً إلى ذلك صرحت طائفة أخرى كمعتبرة أبي بصير عن أحدهما (علیهما السلام) قال : «كان علي (علیه السلام) يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين، الحر والعبد، واليهودي والنصراني، قلت وما شأن اليهودي والنصراني ؟ قال : ليس لهما أن يظهروا شربه، ويكون ذلك في بيوتهم»(1).

ومنها : المعتبرة الثانية لأبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «قال كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ ثمانين»(2).

ومنها : صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال : حد اليهودي والنصراني والمملوك في الخمروالفرية سواء»(3).

وأمّا ما دل على أن المملوك يحد نصف الحر رواية أبي علاء عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كان أبي يقول : حد المملوك نصف حد الحر»(4)ومعتبرة حماد بن عثمان

ص: 148


1- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح2 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح5 .
4- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح9 .

................................

«قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) التعزير كم هو ؟ قال : دون الحد، قلت دون ثمانين، قال : لا، ولكن دون الأربعين، فإنّها حد المملوك قال : قلت : كم ذاك ؟ قال : قال علي (علیه السلام) : على قدر ما يرى الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه»(1)، وأمّا ما ورد من صحيحة أبي بكر الحضرمي، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن عبد مملوك قذف حراً، قال : يجلد ثمانين هذا من حقوق المسلمين فأمّا ما كان من حقوق الله، فإنّه يضرب نصف الحد، قلت : الذي من حقوق الله ما هو ؟ قال : إذا زنى أو شرب الخمر، فهذا من الحقوق الذي يضرب نصف الحد»(2). ولا يخفى أن هذه الرواية لا تعارض تلك الروايات كما اشار إليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وأمّا ما ذكره الشهيد الثاني في المسالك من تقديم رواية أبي بكر الحضرمي على الروايات المتقدمة بعد المناقشة في سند كلتا الطائفتين، قال : لأن رواية أبي بكر الحضرمي أوضح طريقاً ومشتملة على القليل دون تلك الطائفة(3)

فلا يمكن المساعدة عليه إذ لم يظهر لنا وجه كون رواية أبي بكرالحضرمي أوضح طريقاً والقليل لا يكون مرجحاً، ولا سيّما إذا كانت الرواية غير نقية السند على ما زعمه (قدس سرُّه)(5) .

ص: 149


1- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح6 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب حد الزنا ح7 .
3- المسالك / 14 / 465 ، (5) المباني / 1/ 332 .

المسألة 221 : يضرب الرجل الشارب للمسكر من خمر أو غيرها مجرداً من الثياب بين الكتفين، وأمّا المرأة فتجلد من فوق ثيابها(1).

المسألة 222 : إذا شرب الخمر مرتين وحُدّ بعد كل منها قتل في الثالثة وكذلك الحال في شرب بقية المسكرات(2) .

______________________________________________

(1) لصحيحة أبي بصير في حديث قال : «سألته عن السكران والزاني ؟ قال: يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين»(1).

وأمّا المرأة فيكون جلدها من فوق الثياب لعدم الدليل، قال المحقق يضرب الشارب عرياناً على ظهره وكتفيه(2)، وما قيل من أنّه لا يجرد عن ثيابه لأن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد، فضعيف للصحيحة الواردة الآمرة بالتجريد، وأمّا المرأة فهل تجرد عن ثيابها أو لا ؟ فالمشهور هو الثاني لأنّها عورة وتهتك بإبداء جسدها، ولكن الظاهر عدم الدليل كما عليه الماتن .

(2) لابد في هذه المسألة من بيان أمور .

الأول : لا يخفى إن قلنا يقتل في الثالثة أو الرابعة على اختلاف بينهم فهو فيما إذا حُدّ بعد كل شرب، وأمّا إذا لم يحد وشرب مرات عديدة ولم يقم عليه حد، يُعد مرة واحدة، والمسألة غير خلافية، لأن الروايات الصحيحة الواردة في القتل في الثالثة أو الرابعة كلها تشير إلى أنه فيما إذا حد بعد كلشرب .

الثاني : فهل يقتل في الرابعة، أو الثالثة ؟ المشهور أنّه يقتل في الثالثة وأدّعى في الغنية : أنّه يقتل المعتاد لشرب المسكر في الثالثة، وقد حد فيما قبلها بدليل الإجماع المشار إليه(3)، وتدل عليه صحيحة يونس عن بن الحسن الماضي (علیه السلام) قال:

ص: 150


1- الوسائل باب 8 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- شرائع الاسلام /4 /170 .
3- الغنية /1 / 429 .

................................

«أصحاب الكبائر كلها إذا أُقيم عليهم الحدود مرتين قتلوا في الثالثة»(1)،

وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاقتلوه»(2)،

وصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه»(3).

وفي الخلاف من شرب الخمر وجب عليه الحد إذا كان مكلفاً بلا خلاف فإن تكرر ذلك منه وكثر قبل أن يقام عليه الحد أقيم عليه حدّ واحد بلا خلاف، فإن شرب فحد ثم شرب فحد ثم شرب فحد ثم شرب رابعاً قتل عندنا(4)، ومحكي المبسوط والمقنعة أنه يقتل في الرابعة، وفي الفقيه ارسله رواية وقد استدل في الخلاف بالنبوي من شرب الخمر فاجلدوه ثم أن شرب فاجلدوه ثم أن شرب فاجلدوه ثم أن شرب فاقتلوه(5).والحق الرواية مرسلة وغير قابلة للحجية فضلاً عن معارضتها لتلك الصحاح، إذاً يقتل في الثالثة ولاهتمام الشارع في الدماء والفروج يقتل في الرابعة .

الثالث : أن حكم بقية المسكرات حكم شرب الخمر لصحيحة يونس المتقدمة وصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر منه الحد»(6)،

وتؤيد ذلك مرسلة سليمان بن خالد قال : «كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجلد في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في

ص: 151


1- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح2 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح3 .
4- الخلاف /5 /473 .
5- الوسائل باب 7 من أبواب حد المرتد ح1 .
6- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1.

المسألة 223 : لو شهد رجل واحد على شرب الخمر وشهد آخر بقيّئها لزم الحد(1) .

______________________________________________

الخمر ويقتل في الثالثة كما يقتل صاحب الخمر»(1)ورواية أبي الصباح الكناني الأخرى قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) كان النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) إذا أٌتي بشارب الخمر ضربه، فإن أُتي به ثانية ضربه، فإن أُتي به ثالثة ضرب عنقه، قلت النبيذ، قال : إذا أخذ شاربه قد انتشى ضرب ثمانين، قلت : أرأيت أن اخذته ثانية، قال : اضربه، قلت : فأن أخذته ثالثة ؟ قال : يقتل كما يقتل شارب الخمر»(2).

(1) وعن السرائر : فإن شهد أحد الشاهدين بالشرب وشهد الآخر بالقيء قبلت شهادتهما ووجب بها الحد على ما رواه أصحابنا واجمعوا عليهوكذلك إن شهدا جميعاً بأنّه قاء خمراً، اللهم إلا أن يدعى من قائها أنّه شربها مكرهاً عليها غير مختار لذلك، فيدرأ الحد عنه لمكان الشبهة(3)،

يقول في التنقيح : وهذا الحكم مما اتفق عليه الأصحاب، وقال الشهيد لم نقف فيه على مخالف وهو معلوم من قول علي (علیه السلام) في حق الوليد لما شهد عليه واحد بشربها وآخر بقيئها، فقال علي (علیه السلام) ما قاءها إلا وقد شربها(4)،

لأن ذلك شهادة بشربه فيحد المشهود عليه بشهادتهما فيثبت، وتؤيد ذلك رواية الحسين بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه (علیهما السلام) قال : «أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر، فشهد عليه رجلان إلى أن قال وشهد أحدهما أنّه رآه يشرب، وشهد الآخر أنّه رآه يقئ الخمر، فأرسل عمر إلى ناس من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فيهم أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال لأمير المؤمنين (علیه السلام)

ص: 152


1- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح13
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح11.
3- السرائر / 3 / 510 .
4- التنقيح / 4/ 370 ، (3) الوسائل باب 14 من أبواب حد المسكر ح1 .

نعم إذا احتمل في حقه الاكراه أو الاشتباه لم يثبت الحد(1)وكذلك الحال اذا شهد كلاهما بالقيء(2).

______________________________________________

ما تقول يا أبا الحسن ؟ فأنك الذي قال له رسول الله (علیه السلام) أنت اعلم هذه الأمة واقضاها بالحق، فإن هذين قد اختلفا في شهادتهما، قال : ما اختلفا في شهادتهما وما قاءها حتى شربها»(3).

(1) لما ورد من الروايات الكثيرة من أن الحدود تدرأ بالشبهات .

(2) وهل إذا شهد كلاهما بالقيء يثبت الشرب أو لا ؟ قال المحقق معتوضيح من صاحب الجواهر : ومن هنا يتجه أن يلزم على ذلك وجوب الحد لو شهدا معاً بقيئها نظراً إلى التعليل المروي كما عن الشيخ التصريح به بل عن بعض دعوى الشهرة عليه، ولكن فيه تردد كما عن جماعة منهم الفاضل وابن طاووس لاحتمال الاكراه، ولو على بعد فيدرأ الحد للشبهة، وفيه أنّه لعل هذا الاحتمال يندفع بأنّه لو كان الإكراه واقعاً لدفع به عن نفسه مع أنّه على خلاف الأصل والظاهر(1)، إذاً الحق هو الثبوت للنص ولأن التقيؤّ بمنزلة الشرب، بل ما قيء إلا أنّه شرب ولكن الاحتياط في محله .

ص: 153


1- الجواهر /41 / 463 .

المسألة 224 : من شرب الخمر مستحلاً، فإن احتمل في حقه الاشتباه كما إذا كان جديد العهد بالإسلام أو كان بلده بعيداً عن بلاد المسلمين لم يقتل(1)وإن لم يحتمل في حقه ذلك ارتدّ، وتجري عليه أحكام المرتد من القتل ونحوه، وقيل يستتاب أولاً، فإن تاب أقيم عليه حد شرب الخمر، وإلا قتل وفيه منع، وكذلك الحال في شرب سائر المسكرات .

______________________________________________

(1) لا يخفى تارة يكون الكلام في استحلال الخمر وأخرى بالنسبة إلى سائر المسكرات، أمّا من شرب الخمر مستحلاً فيقتل كما عن المحقق : وأمّا سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها، ويقام الحد مع شربها مستحلا ومحرّماً(1)،

يقول في الجواهر : الرافع لضرورتها وكذا الكلام في الفقاع خلافاً للحلبي فكفر مستحله وأوجب قتله، وهو واضح الضعف بعد أن لم تكن حرمته ضرورية، فهو حينئذٍ كغيره من المسكر غير الخمر(2)، وقال المحقق : تفصيل الكلام أمّا مع احتمال الاشتباه لعدم صدق الارتداد في هذه الحالة، وتدل على ذلك معتبرة أبي بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر، فرفع إلى أبي بكر، فقال له : أشربت خمراً ؟ قال : نعم قال : ولمَ ؟ وهي محرمة، قال : فقال له الرجل : إني أسلمت وحسن إسلامي، منزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلون ولو علمت أنّها حرام اجتنبتها، فالتفت أبو بكر إلى عمر، فقال : ماتقول في أمر هذا الرجل ؟ فقال عمر معضلة وليس لها إلا أبو الحسن إلى أن قال فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) : ابعثوا معه من يدور به على مجالس

ص: 154


1- الشرائع /4 /170.
2- الجواهر /41 /466 .

................................

المهاجرين والانصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك به فلم يشهد عليه احد بأنّه قرأ عليه أية التحريم، فخلى عنه، فقال له : إن شربت بعدها اقمنا عليك الحد»(1)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لو أن رجلاً دخل في الإسلام وأقرّ به، ثم شرب الخمر وزنى واكل الربا، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلاً، أن تقوم البينة أنه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا وإذا جهل ذلك اعلمته واخبرته فإن ركبه بعد ذلك جلدته واقمت عليه الحد»(2)

وصحيحة محمد بن مسلم «قال : قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجلاً دعوناه إلى جملة الإسلام فأقرّ به، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، أقيم عليه الحد إذا جهله ؟ قال : لا، إلا أن تقوم عليه البينة أنه قد كان اقرّ بتحرمها»(3)،

وصحيحة أبي عبيدة الحذاء، «قال : أبو جعفر (علیه السلام) لو وجدت رجلاً كان من العجم اقرّ بجملة الإسلام لم يأته شيء من التفسير وزنى، أو سرق، أو شرب خمراً، لم أُقم عليه الحد إذا جهله، إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد اقرّ بذلك وعرفه»(4)،

وغيرها من الروايات .

أمّا إذا لم يحتمل في حقه الاشتباه وشرب الخمر مستحلاً، فهناك قولانقال في الرياض : القائل الحلي والتقي كما حكي أن حكمه حكم المرتد، لا يستتاب إذا ولد على الفطرة بل يقتل من غير استتابة وهو قوي متين وعليه عامة المتأخرين لإنكاره ما علم تحريمه ضرورة من الدين، ومعه لا شبهة إلا إذا ادعاها وامكنت في حقه، لقرب عهده بالإسلام ونحوه، فيدفع عنه الشبهة ولا يقتل بلا شبهة كما

ص: 155


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح3.

................................

هو الحال في انكار سائر الضروريات(1)، وفي المقنعة : ومن شرب الخمر ممن هو على ظاهر الملة مستحلاً لشربها خرج عن ملة الإسلام وحل دمه بذلك إلا أن يتوب قبل قيام الحد عليه ويراجع الإيمان(2)،

وقال في النهاية : ومن شرب الخمر مستحلاً لها حل دمه ووجب على الإمام أن يستتيبه فإن تاب قام عليه الحد للشرب إن كان شربه، وإن لم يتب قتله(3)،

وذكر في الجامع : من استحل شرب الخمر وكان مسلماً فقد ارتد وحل دمه إن لم يتب(4)،

وقال المحقق : وقيل يكون حكمه حكم المرتد وهو قوي(5)،

وعلى ما حكي عنه بل عن المتأخرين كما في المسالك : والأصح ما اختاره المصنف رحمه الله والمتأخرون، ومنهم ابن إدريس من كونه مرتداً(6)،

وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إذ لم يثبت ما يكون مخصصاً لما دل على أن المرتد الفطري لاتقبل منه التوبة(7)، ويقول في الجواهر تبعاً للمحقق : وهو قوي لكونه من الضروري الذي حكمه ذلك واحتمال عروض الشبهة له فاستحله والحدود تدرأ بالشبهات جارٍ في غيره من الضروري المتفق على تحقق الكفر بإنكاره نصاً وفتوى، نعم لو امكنت الشبهة في حقه لقرب عهده بالإسلام أو بُعد بلاده عن بلاد الإسلام جرى عليه حكم غيره من الضروري(8).

ص: 156


1- الرياض / 16 / 77 .
2- المقنعة / 799 .
3- النهاية /3 / 316 _ 317 .
4- الجامع / 558.
5- الشرائع /4 / 170.
6- المسالك /14 /468 / 469 .
7- مباني تكملة المنهاج /1 /336 .
8- مباني تكملة المنهاج /1 /336 .

................................

فإذا كان المرتد فطرياً واستحل حرمة ضرورية من ضروريات الدين مع العلم بها كحلية شرب الخمر التي هي تكذيباً للرسول (صلی الله علیه و آله) وإنكار الرسالة فهو موجب لارتداده ولذا يقتل، وهل تقبل منه التوبة أم لا ؟ قال الماتن يقتل ولا تقبل منه التوبة، والعلة في ذلك لما قالوه في محله بأن المرتد الفطري يقتل ولا تقبل منه التوبة، ولابد أن يكون هناك دليل مخصص، نعم ورد رواية مرسلة عن الشيخ المفيد في الارشاد قال : روت العامة والخاصة أن قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يحدّه، فقال : لا يجب عليَّ الحد أن الله يقول : «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(1)فدرأ عنه عمر الحد، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (علیه السلام) فمشى إلى عمر، فقال : ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله، أن الذين امنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراماً فأراد قدامة فاستتبه مما قال، فإن تاب فاقم عليه الحد، وإن لم يتب فاقتله فقد خرجعن الملة، فاستيقظ عمر لذلك وعرف قدامة الخبر، فأظهر التوبة والاقلاع فدرأ عنه القتل ولم يدر كيف يحده، فقال لعلي اشر علي (علیه السلام) فقال حده ثمانين جلدة(2)، ولكن هي مرسلة ولا يمكن الأخذ بها .

وأمّا صحيحة عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) الحد في الخمر أن يشرب منها قليلاً أو كثيراً، ثم قال : اتي عمر بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر وقامت عليه البينة، فسأل علياً (علیه السلام) فأمره أن يجلده ثمانين فقال قدامة : يا أمير المؤمنين ليس علي حد، أنا من أهل هذه الآية : Pلَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا

ص: 157


1- سورة المائدة الآية / 93 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد المسكر ح1 .

المسألة 225 : إذا تاب شارب الخمر قبل قيام البينة فالمشهور سقوط الحد عنه، ولكنه مشكل والأظهر عدم السقوط، وإن تاب بعد قيامها لم يسقط بلا إشكال ولا خلاف(1).

______________________________________________

وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَO فقال علي (علیه السلام) لست من أهلها أن طعام أهلها لهم حلال ليس يأكلون ولا يشربون إلا ما احل الله لهم ثم قال (علیه السلام) أن الشارب إذا شرب لم يدر ما يأكل ولا ما يشرب فاجلدوه ثمانين جلدة(1).

فهذه من جهة السند تامة، وأمّا من جهة الدلالة فإنها تدل على أنّه احتمل بأن الشرب حلال له لأنّه من الذين امنوا فحصل له شبهة ولم يقل أنهحلال بل قال ليس علي الحد، ولذا لم يرد فيها الاستتابة، إذاً لا تكون الرواية دالة على الاستتابة ولا على التخصيص لأدلة قتل المرتد .

(1) أمّا سقوط الحد فقد أدّعي عدم الخلاف عليه، كما عن الرياض بقوله : بلا خلاف في الظاهر مصرح به في جملة من العبائر(2).

أقول مراده من العبائر أي ما ذكره الفقهاء كما في المسالك : التوبة قبل ثبوت العقوبة عند الحاكم مسقطة للحد مطلقاً(3)، وما عن المقدس الاردبيلي بقوله : الظاهر لا خلاف في سقوط الحد بل التعزير أيضاً بالتوبة قبل ثبوته عند الحاكم المستوفي فلا يترتب على إقراره أو البينة بعدها اثر(4)

والسرائر أو تاب مما يوجب التأديب قبل قيام البينة عليه سقط عنه الحد(5).

ص: 158


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد المسكر ح5.
2- الرياض /16 /80 .
3- المسالك /14 /470 .
4- مجمع الفائدة /13 /204 .
5- السرائر /3 /512 .

المسألة 226 : إن أقرّ شارب الخمر بذلك ولم تكن بينة، فالإمام مخير بين العفو عنه وإقامة الحد عليه(1).

______________________________________________

وأمّا بعد قيام البينة فلا يسقط الحد يدل عليه المرسلة عن جميل بن دراج عن رجل عن أحدهما (علیهما السلام) «في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح، فقال (علیه السلام) إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد»(1).

ولكن الرواية مرسلة ولا يمكن الاعتماد عليها، إذاً حسب القاعدة لابد من اجراء الحد لإطلاق الروايات، نعم لو علم أن هناك اتفاقاً يمكن القولبالسقوط، كما قال في الرياض مصرح به في جملة من العبائر وهو الحجة فيه، مضافاً إلى جميع ما مر في الزنى من الأدلة(2)، ومضافاً إلى حديث رفع القلم عنه من غير معارض فيه، وهو إن دل على نفي التعزير أيضاً إلا أنه لا خلاف فيه .

ويمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس من باب التكليف، بل وجوب التأديب على الحاكم لاشتماله على المصلحة ورفع المفسدة، كما في كل تعزير، ولكن حكي عن الشيخ في النهاية والقاضي والمصنف في المختلف أنه يعفى عنه أولاً فإن عاد قطعت انامله وإن عاد قطع كما تقطع الرجل .

(1) أي يرفع الحد والإمام مخير بين العفو والاستيفاء، لأن التوبة بعد الإقرار تكون مسقطة لتحتم أقوى العقوبتين وهي الرجم ورفع الاضعف وهو الجلد يكون بطريق أولى، وقال صاحب الجواهر بعد ذكره لقول المحقق : كان الإمام مخيراً بين العفو والاستيفاء لتخيره في حد الزنى واللواط الذي هو اعظم كما عرفت فهنا أولى، ومنهم من منع التخيير وحتم الاستيفاء هنا كأبن ادريس بل حكاه في المسالك عن

ص: 159


1- الوسائل باب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .
2- الرياض /16 / 80 .

الثالث عشر : السرقة

يعتبر في السارق أمور :

الأول : البلوغ، فلو سرق الصبي لا يحد، بل يعفى في المرة الأولى بل الثانية أيضاً، ويعزر في الثالثة، أو تقطع انامله، أو يقطع من لحم أطراف أصابعه، أو تحك حتى تدمى، إن كان له سبع سنين، فإن عاد قطع من المفصل الثاني، فإن عاد مرة خامسة قطعت أصابعه، إنكان له تسع سنين، ولا فرق في ذلك بين علم الصبي أو جهله بالعقوبة(1) .

______________________________________________

المبسوط والخلاف وهو الأظهر، بناء على أنّه لا خيار هناك إلا في الرجم(1).

وذكر المسالك القول الثاني : هو عدم التخيير للإمام بل يتحتم الحد لثبوته بالإقرار فيستصحب ولأن التوبة موضع التهمة وهذا أقوى إلى أن يقول والحق الرجوع في الحكم إلى الأصل وهو إثبات الحد إلى أن يثبت دليل صالح للإسقاط أو لم يحصل(2).

(1) أمّا عدم القطع لحديث رفع القلم(3)، بأنّه يدل على سقوط الحد عن الطفل غير البالغ قال في الرياض : بلا خلاف في الثاني بل أدّعي الوفاق على عدم حدّه، وهو الحجة فيه، مضافاً إلى حديث رفع القلم عنه من غير معارض فيه، هو وإن دل على نفي التعزير أيضاً إلا أنّه لا خلاف فيه ويمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس من باب التكليف بل وجوب التأديب على الحاكم لاشتماله على المصلحة ودفع المفسدة كما في كل تعزير(4)،

ولذا قال في الروضة : لا يعد في تعيين الشارع

ص: 160


1- الجواهر /41 _ 468 _ 469.
2- المسالك /14 _ 471.
3- الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح11 .
4- الرياض /16 / 83 _ 84 .

................................

نوعاً خاصاً من التأديب لكونه لطفاً وإن شارك خطاب التكليف في بعض افراده(1).وقد ادعوا الاتفاق، نعم يؤدب بما يراه الحاكم الشرعي حتى لو تكررت سرقته، ونسب إلى يحيى بن سعيد من العمل بما في ذلك إذا سرق الصبي عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع اطراف الأصابع فإن عاد قطع اسفل من ذلك(2)، وعن النهاية كما نقله صاحب الرياض : يعفى عن الطفل أولاً فإن عاد أدب، فإن عاد حكت انامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت انامله، وإن عاد قطع كما يقطع البالغ(3)

وهذان الدليلان جاريان في عدم حد الصبي وتعزيره، كما أطلقه المصنف وعامة المتأخرين، وفاقاً للمفيد والحلي كما حكي(4)، والعمدة الروايات :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الصبي يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرة ومرتين ويعزر في الثالثة، فإن عاد قطعت اطراف أصابعه، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(5).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : سألته عن الصبي يسرق ؟ فقال : إذا سرق مرة وهو صغير عفي عنه، فإن عاد عفي عنه فإن عاد قطع بنانه، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(6).

ومنها : معتبرة إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن (علیه السلام) «قال : قلت الصبي يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرتين، فإن عاد الثالثة قطعت انامله، فإن عاد قطع المفصل

ص: 161


1- الروضة البهية / 9 / 222 _ 223 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الرياض /16 / 84 .
4- حكاه عنهما في التنقيح / 4 / 373 ، والمقنعة 803 ، والسرائر / 3 / 485 .
5- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح1 .
6- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح4 .

الثاني، فإن عاد قطع المفصل الثالث وتركت راحته وابهامه»(1).

ومنها : عن الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا سرق الصبي عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع اطراف الأصابع، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(2)،

وهذه الرواية مطلقة، أنّه لو عاد في المرة الأولى يقطع وتلك مقيدة فتقيد هذه بالعود على المرة الثالثة، وهكذا بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الصبي يسرق، قال : «يعفى عنه مرة، فان عاد قطعت انامله أو حكت حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(3)،

فإن هذه الصحيحة لابد أن تحمل كسابقتها على العود في المرة الرابعة، لصراحة تلك الصحاح بالعفو أو التعزير في الثالثة وقطع اسفل من ذلك في الخامسة .

وخلاصة الكلام بعد الجمع بين الروايات، فالطفل إذا سرق مرة أو مرتين يعفى ويعزر في الثالثة، وفي الرابعة يحك اطراف انامله أو تقطع انامله وفي الخامسة أنّه تقطع كما يقطع الرجل، أما قيد القطع بالسبع أو التسع من العمر، فقد ورد ذلك كما في صحيحة محمد بن مسلم، قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الصبي يسرق ؟ فقال : إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه فإن عاد بعد سبع سنين قطعت بنانه أو حكت حتى تدمى فإن عاد قطع منه اسفل من بنانه، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطع يده ولا يضيع حد من حدود الله عز وجل»(4).والعمدة إطلاقات الروايات التي مضت، نعم ورد في رواية محمد بن خالد بن عبد الله القسري، قال : كنت على المدينة فأُتيت بغلام قد سرق : «فسألت أبا عبد

ص: 162


1- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح15 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح7 .
4- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح12 .

الثاني : العقل، فلو سرق المجنون لم تقطع يداه(1) .

______________________________________________

الله (علیه السلام) عنه فقال : سله حيث سرق هل كان يعلم أن عليه في السرقة عقوبة ؟ فإن قال : نعم، قيل له أي شيء تلك العقوبة ؟ فإن لم يعلم أن عليه في السرقة قطعاً، فخل عنه، فأخذت الغلام وسألته، فقلت له أكنت تعلم أن في السرقة عقوبة؟ قال : نعم، قلت : أي شيء هو ؟ قال : أُضرب، فخليت عنه»(1)فهي وإن فرقت بين علم الصبي وجهله بالعقوبة بأنه مع علمه بقطعه دون جهله، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها .

(1) المجنون تارة يكون مطبقاً وأخرى يكون أدوارياً، فإذا كان الجنون مطبقاً أو ادوارياً وفي حال جنونه سرق لا تقطع يده، وأمّا لو سرق وهو عاقل وفي حال افاقته قطع، ولا يمنعه اعتراض الجنون ولو تكررت منه السرقة خلافاً للصبي، حيث قيل فيه مع التكرار بالقطع في الجملة، إن قلت : رفع القلم يشمل كليهما، قلنا في الصبي ورد نص، قال في المسالك : وفي التحرير نسب تأديبه إلى القيل ولعله لعدم تمييزه الموجب لارتداعه بالتأديب عن المعاود، ولكن هذا يختلف باختلاف أحوال المجانين، فان منهم من يردعه التأديب وهم الأكثر ومنهم من لا يشعر بذلك والجنون فنون واناطة التأديب برأي الحاكميحصل المطلوب(2)،

بل يؤدب إن نفعه التأديب وذلك لعدم الخلاف في المسألة وأدعيّ عليه الإجماع لرفع القلم عنه .

ص: 163


1- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح11 .
2- المسالك /14/ 480 .

الثالث : ارتفاع الشبهة، فلو توهم أن المال الفلاني ملكه فأخذه ثم بآن أنّه غير مالك له لم يحد(1) .

الرابع : أن لا يكون المال مشتركاً بينه وبين غيره، فلو سرق من المال المشترك بقدر حصته أو أقلّ لم تقطع يده، ولكنه يعزر، نعم لو سرق أكثر من مقدار حصته وكان الزائد بقدر ربع دينار من الذهب قطعت يده، وفي حكم السرقة من المال المشترك السرقة من المغنم أو من بيت مال المسلمين(2) .

______________________________________________

(1) قد يقال لأن الحدود تدرأ بالشبهات، ويمكن أن يقال بعدم صدق السرقة، لأن السرقة تحتاج في ثبوتها القصد، فلو لم يكن قاصداً لأخذ مال الغير فلا يصدق عليه السرقة، إذاً لا نحتاج إلى الدليل في رفع الحد، لأنّه كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) هذا الشرط ليس شرطاً خارجياً حتى يحتاج في إثباته إلى دليل، بل هو مقوم لمفهوم السرقة، فلا تصدق بدون قصدها(1).

(2) لا يخفى أنّه لو قلنا يعتبر في ارتفاع الشبهة بالنسبة إلى الحد سواءكان حكماً أو موضوعاً، ولذا لو أخذ الشريك مال شريكه بظن الجواز لا يقطع ولو كان بدون إذنه من جهة الشبهة، بل من جهة عدم صدق السرقة كما مرّ، ولو أخذ ما زاد عن حصته، نعم لو أخذ بقصد السرقة أزيد من نصيبه وكان الزائد بقدر النصاب يقطع، ويدل عليه روايات بعضها مطلقة وبعضها مقيدة بعد حمل المطلق على المقيد .

منها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) إن علياً (علیه السلام) قال : «في

ص: 164


1- المباني /1 / 344.

................................

رجل أخذ بيضة من المقسم فقالوا : قد سرق اقطعه، فقال أني لا اقطع احداً له فيما أخذ شرك»(1).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت : رجل سرق من المغنم _ أيش الذي يجب عليه ؟ يقطع _ قال : ينظر كم نصيبه فإن كان الذي أخذ أقلّ من نصيبه عزر ودفع إليه تمام ماله، وإن كان أخذ مثل الذي له فلا شيء عليه، وإن أخذ فضلاً بقدر ثمن مجن _ وهو ربع دينار _ قطع»(2).

أمّا صحيحة صالح عن يزيد بن عبد الملك عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام)، وعن المفضل بن صالح عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليهإنما أخذ حقه، فإذا كان من إمام عادل عليه القتل»(3).

فالرواية الأولى مطلقة تحمل على ما إذا أخذ بعنوان الجواز، أو كان أقلّ أو مساوياً لنصيبه، والثالثة فإنّها لا يمكن العمل بها، لأن عدم جواز قتل السارق محل اتفاق بين المسلمين .

ص: 165


1- الوسائل باب 24 من أبواب حد السرقة ح1 وفي بعض النسخ بدل المقسم المغنم .
2- الوسائل باب 24 من أبواب حد السرقة ح4 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب حد السرقة ح5 .

الخامس: أن يكون المال في مكان محرز ولم يكن مأذوناً في دخوله ففي مثل ذلك لو سرق المال من ذلك المكان وهتك الحرز قطع(1) .

______________________________________________

(1) كما عليه المشهور، فإنّ المعتبر عندهم مثل هتك الحرز في القطع بقفل، أو غلق، أو دفن، قال في الغنية : إن الحرز في المكان هو الذي لا يجوز لغير مالكه أو مالك التصرف فيه دخوله إلا بأذن(1)،

أمّا لو لم يكن المال محرزاً لم يقطع، وقد ادعوا عدم الخلاف، بل ادعي إجماع الطائفة، ونسب إلى الرياض بقوله : إجماعاً منا فتوى ونصاً إلا نادراً(2)أيضاً، وهكذا أدّعى في الجواهر الإجماع بقسميه(3)، والعمدة الروايات، منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) كل مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه _ يعني : الحمامات والخانات والارحية»(4)وكذا معتبرته الثانية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أيضاً «لا يقطع إلا من نقب بيتاً أو كسر قفلاً»(5)إذاً لو سرق من غير حرز لم يقطع .

ص: 166


1- الغنية /2 / 430 .
2- الرياض /16 / 103 .
3- الجواهر / 41 / 499 .
4- الوسائل باب 18 من أبواب حد السرقة ح2 .
5- الوسائل باب 18 من أبواب حد السرقة ح3 .

وأمّا لو سرقه من مكان غير محرز أو مأذون في دخوله أو كان المال تحت يده لم يقطع، ومن هذا القبيل المستأمن إذا خان وسرق الأمانة وكذلك الزوج إذا سرق من مال زوجته وبالعكس(1) فيما لم يكن المال محرزاً، ومثله السرقة من منزل الأب ومنزل الأخ والأخت ونحو ذلك مما يجوز الدخول فيه، ومن هذا القبيل أيضاً السرقة من المجامع العامة كالخانات والحمامات والارحية والمساجد وما شاكل ذلك، ولا قطع في الطرّار والمختلس(2) .

______________________________________________

(1) لأنّه في الكل لا يصدق عليه هتك الحرز، والمسألة غير خلافية وقد وردت في ذلك صحيحة أبي بصير «قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع بعض ؟ فقال : هذا خائن لا يقطع، ولكن يتبع بسرقته وخيانته، قيل له : فإن سرق من أبيه، فقال : لا يقطع لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه فهذا خائن، وكذا إن أخذ من منزل أخيه أو أخته، إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول»(1).

(2) لعدم صدق الحرز مضافاً إلى ما ورد من الروايات، منها معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : ليس على الذي يستلب قطع وليس على الذي يطرُّ الدراهم من ثوب الرجل قطع»(2)ومعتبرة السكوني، عن أبي عبد الله «قال : أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) بطرار قدطرَّ دراهم من كُم رجل، قال : إن كان طرَّ من قميصه الأعلى لم اقطعه وإن كان قد طرَّ من قميصه السافل قطعته»(3)،

ص: 167


1- الوسائل باب 18 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب حد السرقة ح1 .
3- الوسائل باب 13 من أبواب حد السرقة ح2 .

المسألة 227: من سرق طعاماً في عام المجاعة لم يقطع(1) .

______________________________________________

لأنّه بمنزلة الحرز كما يظهر من الرواية ولذا يحمل قطع الطرار على ما ورد في صحيحة منصور بن حازم «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول يقطع النباش والطرَّار ولا يقطع المختلس»(1).

(1) لا يخفى إنما لا يقطع إذا كان مأكولاً، أمّا لو سرق مالاً لشراء المأكول ولو كان في سنة المجاعة يقطع وذلك للإطلاقات، التي خرج منها المأكول في سنة المجاعة، كما أنّه ضامن كما ورد في باب الغصب، وأمّا عدم القطع لمن يسرق طعاماً مضافاً إلى دعوى الاتفاق، وقد ورد به روايات منها معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال : لا يقطع السارق في عام سنة يعنى : عام مجاعة»(2)،

ومعتبرته الأخرى عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیه السلام) «قال : لا يقطع السارق في عام سنة مجدية، يعني، في المأكول دون غيره»(3).

قد يقال بأن المنسبق إلى الذهن هو الأعم من المأكول وإنما ذكره من باب أنّه أحد اسباب الاضطرار، ولكن ذكر صاحب الخلاف : أنّه روى أصحابناأن السارق إذا سرق عام المجاعة لا قطع عليه ولم يفصّلوا(4)،

وفي المبسوط : إن سرق في عام مجاعة وقحط، فإنّ كان الطعام موجوداً والقوت مقدور عليه، لكن بالأثمان الغالية فعليه القطع، وأن كان متعذراً لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه(5)،

ص: 168


1- الوسائل باب 13 من أبواب حد السرقة ح3 .
2- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح4 .
4- الخلاف /5 /432 .
5- المبسوط /5 /371 .

المسألة 228 : لا يعتبر في المحرز أن يكون ملكاً لصاحب المال، فلو استعار بيتاً أو استأجره فنقبه المعير أو المؤجر فسرق مالاً للمستعير أو المستأجر قطع(1).

______________________________________________

وروي عن علي (علیه السلام) قال : «لا قطع في أيام المجاعة»(1)،

وروي أيضاً «لا قطع في سنة المحلّ»(2)وأيضاً في حديث أخر «لا يقطع في عام سنة _ يعني عام مجاعة _ »(3)،

ونسب إلى الشافعي أيضاً قوله : إن كان الطعام موجوداً مقدوراً عليه، ولكن بالثمن الغالي فعليه القطع، وإن كان القوت متعذراً لا يقدر عليه فسرق سارق طعاماً فلا قطع عليه(4)،

وفي الجواهر قال : وعلى كل حال فلا ريب في اقتضاء إطلاق النص والفتوى الأعم من ذلك(5)،

ولكن الحق أنّه تحمل الرواية المطلقة على المقيدة كما قال في المسالك : حملوا ما اطلق في الروايتين السابقتين من المسروق على المقيد في هذه وهوالمأكول(6)، وفي الرياض : وإطلاقهما وإن شمل سرقة المأكول وغيره إلا أنّه مقيد بالأول بالاتفاق(7)،

ولو شككنا في ذلك نرجع إلى الإطلاقات كما أنّه لو لم يكن مضطراً، فيقطع لمناسبة الحكم والموضوع.

(1) وذلك للإطلاقات التي لا خلاف ولا إشكال فيها بين الأصحاب .

ص: 169


1- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح3.
2- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح1.
3- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح2 .
4- الخلاف /5 /432 .
5- الجواهر /41 /58 .
6- المسالك /14 /500 .
7- الرياض /16 /111 .

المسألة 229 : إذا سرق باب الحرز أو شيئاً من ابنيته المثبتة فيه قطع(1)، وأمّا إذا كان باب الدار مفتوحاً ونام صاحبها ودخل سارق وسرق المال فهل يقطع ؟ فيه إشكال وخلاف، والظاهر هو القطع(2).

المسألة 230 : إذا سرق الأجير من مال المستأجر، فإن كان المال في حرزه قطع، وإلا لم يقطع، ويلحق به الضيف، فلا قطع في سرقته من غير حرز(3) .

______________________________________________

(1) قد يقال بعدم القطع الذي نسب إلى بعض لأنّه ما سرق وإنما هدم الحائط، أقول أن الحرز عرفاً هو المكان المعد لحفظ الأشياء الثمينة، فلا قطع في نفس ما يحرز به، نعم لو كان هو أيضاً في حرز بسبب شيء آخر كالباب الداخل فهو يُعدّ من الحرز، وإن فرض أنّه وسيلة لحرز شيء آخر، وهكذا ما على الجدار الداخلي، إذاً لو كسر الباب ودخل وأخذ شيئاً من الباب الداخل أو الجدار قطع، فما ذكره الاستاذ(1)

الاعظم (قدس سرُّه)غير تام لأن مجرد إثباته بالعمارة لا يُعد حرزاً بعد ما كان مكشوفاً .

(2) لأنّه يصدق عليه السرقة من الحرز، ومع الشك فالمرجع هو الإطلاق .

(3) العمدة في القطع هو صدق الحرز كما في المسالك بقوله : هذا يتضمن شرطين، أحدهما كون المال محرزاً فلا قطع في سرقة ما ليس بمحرز لما روي أن النبي (صلی الله علیه و آله) «قال : لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل، فإذاآواها المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن»(2)،

الثاني : أن يكون الآخذ هو مهتك الحرز أما بالنقب أو فتح الباب أو كسر القفل ونحو ذلك(3)،

وفي الرياض قال : إجماعاً منا،

ص: 170


1- مباني تكملة المنهاج /1 /349 .
2- مستدرك الحاكم /4 / 381 .
3- المسالك /14 / 484 .

................................

فتوى ونصاً إلا نادراً(1)،

ومال إليه في التحرير إذ قال ولو لم يكن المال محرزاً لم يجب القطع والحرز لم ينص الشارع على تعينه وإنما ردهم فيه الى العرف، فكل ما عُدّ في العرف حرزاً فهو حرز كالمحرز بقفل أو غلق أو دفن(2)، وقال في التنقيح : وروى سليمان عن الصادق (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل استأجر اجيراً فسرق من بيته هل تقطع يده فقال : هذا مؤتمن وليس بسارق هذا خائن» .

ومثله رواية سماعة قال : «سألته عن رجل استأجر اجيراً فأخذ الأجير متاعه فسرقه ؟ فقال : هو مؤتمن ثم قال الأجير والضيف أمناء ليس يقع عليهم حد السرقة»(3)،

وعمل على ذلك الصدوق في المقنع(4)، والشيخ في النهاية(5)،

وهذه الروايات ليست مشهورة بل الروايات الشهيرة أن كلّ من أحرز من دونه مال فسرقه فإنّه يقطع، فلذلك قال المصنف على الأشهر، هو مذهب ابن إدريس والعلامة وعليه الفتوى، مع أن الروايات بعدم القطع تحمل على عدم الاحراز ولفظها يدل على ذلك(6)،

وفي المختلف : قال الشيخ في النهايةوالأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن عليه قطع وكذلك الضيف إذا سرق من مال مضيفه لا يجب عليه قطع، وقال ابن الجنيد وسرقة الأجير والضيف والزوج فيما اؤتمنوا عليه خيانة لا قطع عليهم فيه، وإن سرقوا مما لم يأتمنوا عليه قطعوا(7)،

وقد ذكرت أقوال كثيرة فراجع .

ص: 171


1- الرياض /16 /103 .
2- التحرير / 5 /352 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب حد السرقة ح3 .
4- المقنع / 151 .
5- النهاية / 151 .
6- التنقيح /4 / 375 .
7- المختلف /9 /205 .

المسألة 231 : إذا كان المال في محرز، فهتكه أحد الشخصين، وأخذ ثانيهما المال المحرز، فلا قطع عليهما(1).

______________________________________________

ولذا يشترط أن يكون المسروق في حرز مضافاً إلى عموم الروايات الدالة على أن شرط القطع هو وجود المال في الحرز كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه «قال : في رجل استأجر اجيراً واقعده على متاعه فسرقه قال له : هو مؤتمن»(1)،

وصحيحة سليمان بن خالد، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يستأجر اجيراً فيسرق من بيته، هل تقطع يده ؟ فقال : هو مؤتمن ليس بسارق، هذا خائن»(2)،

وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : الضيف إذا سرق لم يقطع، وإذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف»(3)، للإطلاق وعدم الدليل على عدم القطع .

(1) تارة يهتك أحدهما ويسرق الآخر فلا قطع لأحدهما، أمّا الأول فلأنّه ليس بسارق، وأما الثاني، لأنّه لم يأخذ المال المحرز، وأمّا لو هتك كلاهماوأخذ المال أحدهما، فيقطع الآخذ لاجتماع الشرائط بالنسبة إليه دون الآخر، لعدم تحقق السرقة منه، فالقطع بالنسبة إليه يكون لوجود الموضوع، وهكذا لو انفرد أحدهما في الهتك واشتركا في السرقة قطع الهآتك السارق لأنّه سرق من المال المحرز.

ص: 172


1- الوسائل باب 14 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب حد السرقة ح3 .
3- الوسائل باب 17 من أبواب حد السرقة ح1 .

المسألة 232: لا فرق في ثبوت الحد على السارق المخرج للمتاع من حرز بين أن يكون مستقلاً أو مشاركاً لغيره، فلو اخرج شخصان متاعاً واحداً ثبت الحد عليهما جميعاً، ولا فرق في ذلك أيضاً بين أن يكون الاخراج بالمباشرة وإن يكون بالتسبيب فيما إذا استند الاخراج إليه(1).

السادس : أن لا يكون السارق والداً لصاحب المتاع، فلو سرق المتاع من ولده لم تقطع يده، وأمّا لو سرق ولد من والده مع وجود سائر الشرائط قطعت يده، وكذلك الحال في بقية الأقارب(2).

______________________________________________

(1) لأنّه لو اشتركا أيضاً يثبت الموضوع بالنسبة إليهما معاً، فيترتب حكم القطع عليهما، إذا سرقا دفعة وكان المجموع حد النصاب، وأمّا إذا سرق الأول بانفراده أقلّ من النصاب، ثم الثاني أيضاً كذلك فلا يقطعان والسبب في وذلك هو عدم تمامية النصاب الموجب للقطع لكل واحد منهما نعم لو اخرجا نصاباً بالاشتراك أو بالانفراد فلكل منهما القطع .

(2) المسألة غير خلافية وأدّعى عليها الإجماع، وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قذف أبنه بالزنا، قال لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم يجلد له»(1)،

أي حيث يستفاد منه عموم الحكم للسرقة من ذلك، وفي المسالك بقوله : لعموم آية السرقة وغيرهامن الأدلة متناول السرقة الأقارب والأجانب، لكن خرج من ذلك سرقة الأب وإن علا من الولد بالإجماع فيبقى الباقي على العموم(2)، وقد عرفت في محله أن الإجماع ليس بحجة، وكذا ما

ص: 173


1- الوسائل باب 14 من أبواب حد القذف ح1 .
2- المسالك / 14 / 487 .

السابع : أن يأخذ المال سراً، فلو هتك الحرز قهراً وعلناً وأخذ المال لم يقطع(1) .

______________________________________________

ذكره صاحب التنقيح في شرح عبارة المختصر : وإلا يكون والد من ولده أمّا في الأب فالإجماع عليه، وهل الأم كذلك ؟ قال التقي نعم واستحسنه العلامة في المختلف لاشتراكهما في وجوب التعظيم(1)وما قيل من أن الإجماع يخصص عموم الكتاب والسنة، ففيه أن الإجماع ليس بحجة في حد نفسه، وكذا وما ورد في النبوي «إنك ومالك لأبيك»(2)

لعدم حجية السند .

(1) لعدم صدق السرقة، فإن صدقها إنما يكون إذا كان سراً، نعم يصدق عليه الغاصب، وأدّعى البعض الإجماع، مضافاً إلى عدة روايات .

منها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل اختلس ثوباً من السوق، فقالوا : قد سرق هذا الرجل فقال : أنا لا اقطع في الدغارة المعلنة ولكن اقطع منيأخذ ثم يخفي»(3).

ومنها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال : ليس على الطرَّار، والمختلس قطع لأنّها دغارة معلنة، ولكن يقطع من يأخذ ويخفي»(4).

ص: 174


1- التنقيح / 4 / 372 .
2- الوسائل باب 78 من أبواب ما يكتب به ح2.
3- الوسائل باب 12 من أبواب حد السرقة ح2 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب حد السرقة ح7 .

الثامن : أن يكون المال ملك غيره، وأمّا لوكان متعلقاً لحق غيره ولكن كان المال ملك نفسه كما في الرهن، أو كانت منفعته ملكاً لغيره كما في الإجارة، لم يقطع(1).

التاسع : أن لا يكون السارق عبداً لأنسان، فلو سرق عبده من ماله لم يقطع(2).

وكذلك الحال في عبد الغنيمة اذا سرق منها(3).

______________________________________________

(1) وذلك لظهور أدلة السرقة إذا كانت من مال الغير ولا يصدق إذا كان ملكه، وأن تعلق به حق الغير وذلك للروايات كما في صحيحة محمد ابن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في كم يقطع السارق ؟ قال : في ربع دينار إلى أن قال : كل من سرق من مسلم شيئاً قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، وهو عند الله سارق، ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، ولو قطعت أيدي السراق في أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين»(1).

(2) أمّا عدم القطع في عبده، لأنّه ملكه وكما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تدل على ذلك مضافاً إلى أن قطع يده زيادة ضرر على المولى عدة روايات (3)، منها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في عبد سرق واختان من مال مولاه، قال : ليس عليه قطع»(2)،

وغيرها من الروايات .(3) لأنّه يكون سبباً لزيادة الضرر، وقد دلت على ذلك عدة روايات .

منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) عبدي إذا سرقني لم اقطعه، وعبدي إذا سرق غيري قطعته وعبد الامارة إذا سرق

ص: 175


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح1 ، (3) مباني تكملة المنهاج / 1/ 353 .

المسألة 233 : لا قطع في الطير(1) وحجارة الرخام واشباه ذلك على الأظهر .

______________________________________________

لم اقطعه لأنّه فيء»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجلين سرقا من مال الله أحدهما عبد مال الله والآخر من عرض الناس، فقال : أمّا هذا فمن مال الله ليس عليه شيء، مال الله أكل بعضه بعضاً، وأمّا الآخر فقدّمه وقطع يده، ثم أمر أن يطعم اللحم والسمن حتى برئت يده»(2)،

وصحيحته الثانية عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا أخذ رقيق الإمام لم يقطع، وإذا سرق واحد من رقيقي من مال الامارة قطعت يده»(3).

(1) لا يخفى أن حسب القاعدة يقطع لهذه الأمور التي ذكرها الماتن مع تمامية الشروط، إلا إذا دل دليل خاص .

أمّا بالنسبة إلى الطير فقد دل الدليل على عدم جواز القطع كما في معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن علياً (علیهالسلام) أُتى بالكوفة برجل سرق حماماً فلم يقطعه، قال : ولا اقطع في الطير»(4)ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله قال : «قال : أمير المؤمنين لا قطع في ريش _ يعني الطير كله»(5).

أمّا في الرخام هل يقطع أو لا ؟ الظاهر لا، لعدم صدق الحرز والعمدة الروايات، منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا قطع على من سرق الحجارة _ يعني : الرخام» واشباه ذلك .

ص: 176


1- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح2 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح4 .
3- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح5 .
4- الوسائل باب23 من أبواب حد السرقة ح1 .
5- الوسائل باب 22 من أبواب حد السرقة ح2 .

مقدار المسروق

المشهور بين الأصحاب أنّه يعتبر في القطع أن تكون قيمة المسروق ربع دينار، والدينار عبارة عن ثماني عشرة حمصة من الذهب المسكوك وقيل يقطع في خمس دينار، وهو الأظهر(1).

______________________________________________

(1) الأقوال في المسألة كثيرة .

الأول : هو المشهور بين الأصحاب بأنّ نصاب القطع ربع دينار .

والثاني : خمس دينار .

والثالث : دينار .والرابع : ثلث دينار .

والمشهور هو الأول، وقد أدعيّ عليه الإجماع، كما نسب إلى الخلاف أن النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعداً(1)،

والغنية : أنّه يكون مقدار المسروق ربع دينار فصاعداً(2)،

والسرائر : القدر الذي يقطع به السارق عندنا ربع دينار، أو ما قيمته ربع دينار من أي جنس كان، وجملته متى ما سرق ما قيمته ربع دينار، فعليه القطع سواء سرق ما هو محرز بنفسه كالثياب والأثمان والحبوب اليابسة ونحوها أو غير محرز بنفسه(3)وقد

عرفت حال هذه الإجماعات والعمدة الروايات .

ص: 177


1- الخلاف /5 /411 .
2- الغنية / 2 / 430 .
3- السرائر /3 /518.

................................

منها : صحيحة محمد بن مسلم، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في كم يقطع السارق ؟ قال : في ربع دينار، قال : قلت له : في درهمين قال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ، قال : قلت له أرأيت من سرق أقلّ من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق، وهل هو عند الله سارق ؟ فقال : كل من سرق من مسلم شيئاً حواه واحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، وهو عند الله سارق، ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، ولو قطعت أيدي السارق فيما أقلّ هو من ربع الدينار لألفيت عامة الناس مقطعين»(1).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا تقطع يد السارق إلا في شيء تبلغ قيمته مجناً، وهو ربع دينار»(2).

ومنها : معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال :قطع أمير المؤمنين (علیه السلام) في بيضة، قلت : وما بيضة ؟ قال : بيضة قيمتها ربع دينار قلت هو ادنى حد السارق ؟ فسكت»(3).

ومقتضى هذه الروايات أنّها لم تفرق بين أن يكون المسروق ربع دينار أو ما قيمته كذلك، وهناك روايات تدل على أن حدّ النصاب خمس الدينار وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : فالنتيجة أنّ القول باعتبار الخمس هو الأظهر(4)،

كما في المتن ويدل عليه الروايات .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : أدنى ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار»(5).

ص: 178


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح4 .
4- المباني /1 / 359.
5- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح3 .

................................

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : يقطع السارق في كل شيء بلغ قيمته خُمس دينار إن سرق من سوق، أو زرع أو ضرع أو غير ذلك»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم الثانية «قال : أبو جعفر (علیه السلام) أدنى ما تقطع فيه يد السارق خُمس دينار، والخمس آخر الحدّ الذي لا يكون القطع في دونه، ويقطع فيه، وما فوقه»(2).

ومنها : معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان، قال : يقطع به»(3)، ولا يخفى أن المراد من الدرهمين هو ما يساوي خمس دينار .ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) «قال سألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق ؟ فقال : قال أمير المؤمنين (علیه السلام) بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة»(4).

قد يقال إن المشهور قد اعرض عن تلك الطائفة فلا يمكن الاعتماد عليها، مضافاً إلى أن الرواية الأخيرة دلت على التخيير، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) والمشهور هو اعتبار الربع ونسب إلى الصدوق اعتبار الخمس، وقد حمل الشيخ رحمه الله الروايات الدالة على اعتبار الخمس على التقية ولا نعرف لهذا الحمل وجهاً، فإنّه لم ينقل من العامة قول باعتبار الخمس، إذ المعروف بينهم كما مرّ هو اعتبار الربع، وقد ذكروا أن قول النبي (علیهم السلام) : «لا تقطع إلا في ربع دينار»(5)،

متفق

ص: 179


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح12 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح13 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح14 .
4- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح22 .
5- مسند أحمد /6/ 104ح 1040، صحيح مسلم /3/ 32 ح 1312 ، سنن ابن ماجه /2/ 862 ح2585 .

المسألة 234: من نبش قبراً وسرق الكفن قطع، هذا إذا بلغت قيمة الكفن نصاباً(1).

______________________________________________

عليه، وقد نسب هذا القول إلى المشاهير منهم، فحينئذٍ كان حمل ما دل عليه اعتبار ربع دينار على التقية هو الأقرب، ومع الاغماض عن ذلك فالروايات متعارضة والترجيح مع روايات الخمس لموافقتها لظاهر الكتاب وموافقة الكتاب أول مرجح في مقام التعارض .

وبيان ذلك : أن مقتضى إطلاق الآية المباركة وجوب القطع في السرقةمطلقاً، قليلاً كان المسروق أم كثيراً، ولكنّا علمنا من الخارج أنّه لا قطع في أقلّ من خمس فترفع اليد عن إطلاق الآية بهذا المقدار، أمّا التخصيص الزائد فلم يثبت لمعارضة ما دل على ذلك بالروايات الدالة على اعتبار الخمس، فتطرح من ناحية مخالفتها لظاهر الكتاب فالنتيجة : أن القول باعتبار الخمس هو الأظهر(1).

وفيه أن كلتا الطائفتين متعارضتان لظاهر القول وإطلاق الآية، فالقول باعتبار الربع هو المقدّم لحصول الاطمئنان بعد عمل الفقهاء به إلا الشاذ لذا حمل الشيخ قول الصدوق على التقية بعد أن حصل له الاطمئنان من عمل الفقهاء، إذاً الأظهر اعتبار الربع لا الخمس، وأمّا بقية الأقوال فمطروحة لأنّها خلاف المقطوع به .

(1) لإطلاق الآية والروايات، بل أدعيّ عليه الإجماع بلا فرق بين أن يكون الكفن واجباً أو بعض اجزائه مندوباً، وقد عرفت حال هذه الإجماعات وهنا لابد لنا أن نبين بعض الأمور :

الأول: هل يقطع مطلقاً لكون القبر حرزاً، ولا يعتبر في الكفن بلوغ النصاب كما سيأتي من أن حدّ النباش حدّ السارق للروايات، وهو أعم من أن يكون بمقدار

ص: 180


1- مباني تكملة المنهاج /1 /358 _ 359 .

................................

النصاب وعدمه، وعليه جملة من العلماء كالشيخ(1)والقاضي(2)وابن

إدريس(3).الثاني : اشتراط قيمته النصاب، وحكمه حكم مطلق السراق، كما عليه المحقق في الشرائع وسلار(4)،

والمفيد(5)،

وأبو صلاح وغيرهم .

الثالث : يشترط بلوغ النصاب في المرة الأولى خاصة، وأمّا في الثانية فلا، لاعتياده ويطلق عليه المفسد فيقطع لإفساده، وهو المنسوب إلى ابن إدريس(6).

الرابع : أن يقطع مع اخراج الكفن مطلقاً، أو اعتياده النبش ولو لم يأخذ الكفن وهو للشيخ في الاستبصار(7)،

جامعاً بين الأخبار .

الخامس : عدم قطعه مطلقاً لا مع النبش مراراً، أمّا الأول فلا، لأن القبر ليس حرزاً من حيث أنه قبر، وأمّا الثاني فلإفساده، وهو قول الصدوق والعمدة الروايات .

منها : معتبرة إسحاق بن عمار «إن علياً (علیه السلام) قطع نباش القبر، فقيل له : اتقطع في الموتى ؟ فقال : إنا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»(8).

ومنها : صحيحة حفص بن البختري قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: حد النباش حد السارق»(9).

ص: 181


1- النهاية / 722 .
2- المهذب /2 /542 .
3- السرائر /3 / 514 _ 515 .
4- المراسم / 258 .
5- المقنعة / 804 .
6- السرائر / 3 / 514 .
7- الاستبصار / 4 / 247.
8- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح12 .
9- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح1 .

................................

ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : النباش إذا كان معروفاً بذلك قطع»(1).ومنها : رواية علي بن سعيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته عن رجل أُخذ وهو ينبش ؟ قال : لا أرى عليه قطعاً إلا أن يؤخذ وقد نبش مراراً فأقطعه»(2)، وروايته الثانية قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن النباش ؟ قال إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر»(3).

ولكن هاتين الروايتين ضعيفتان، فإن علي بن سعيد مجهول ولم يرد فيه توثيق ولا محمدة .

وأمّا رواية الفضيل وإن كانت صحيحة من جهة السند ولكن من جهة الدلالة غير تامة، لأنّها تدل على لزوم التكرار للعمل، بل تدل على المعروفية في العمل، مع أنّه قد يكون العمل متكرراً وغير معروف وقد يكون الفاعل معروفاً ولكنه لم يتكرر منه العمل مراراً، مضافاً إلى أنّهما غير معمول بهما، فحكمه حكم السرقة من الحي ولا دليل على اشتراط الزائد من السرقة في الاحياء بعد إطلاق موثقة عمار، إذاً ما دلّ من الروايات على عدم القطع كصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن الطرّار والنباش والمختلس، قال : لا يقطع»(4)، فيحمل ذلك على التقية لأن أبا حنيفة والثوري كما نسب إليهما ذهبا إلى عدم القطع .

ص: 182


1- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح15 .
2- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح11 .
3- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح13 .
4- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح14 .

وقيل : يشترط ذلك في المرّة الأولى دون الثانية والثالثة، وقيل : لا يشترط مطلقاً، ووجههما غير ظاهر(1) .

______________________________________________

(1) أمّا الاعتبار في الأولى دون الثانية، والثالثة فقول ابن إدريس، كمامرّ لقولهم (علیهم السلام) «يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الاحياء» وفي حديث آخر قال (علیه السلام) : «إنّا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»(1).

وقيل لا يشترط مطلقاً كما مرّ ذكره عن جمهرة من الفقهاء في السرائر(2)

فكلا القولين ليسا بصحيحين لإطلاق الآية والروايات، ولما ورد في رواية إسحاق بن عمار من التساوي بين السرقة من الحي أو الميت، فإذا فرض أن القطع في الحي يكون مشروطاً ببلوغ النصاب، كان كذلك بالنسبة إلى القطع من الميت في كل مرة .

ص: 183


1- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح48 .
2- السرائر / 3 / 514 _ 515 .

ما يثبت به حد السرقة

المسألة 235 : لا يثبت حدّ السرقة إلا بشهادة رجلين عدلين(1)، و لا يثبت بشهادة رجل وامرأتين ولا بشهادة النساء منفردات(2) .

______________________________________________

(1) أمّا شهادة العدلين فذلك لعموم حجية البينة، مضافاً إلى ما ورد في خصوص الروايات في باب السرقة، مثل ما عن أبي جعفر (علیه السلام) في صحيح محمد بن قيس قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق، فقطع يده»(1)وصحيح

الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال : «سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجل نقب بيتاً فأُخذ قبل أن يصل إلى شيء، قال يعاقب ... يدرأ عنه القطع إلا أن تقوم عليه بينة، فإن قامت البينة عليه قطع»(2).

(2) وذلك لعدم الدليل وانحصار الإثبات في القطع للروايات الواردة في البينة، لا منفردات ولا منظمات كما ورد في باب الشهادات من عدم قبول شهادتهن في حقوق الله، ولعدم الدليل على اعتبار شهادتهن إلا في المال .

ص: 184


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح1 .

المسألة 236: المعروف بين الأصحاب أنّه يعتبر في ثبوت حد السرقة الإقرار مرتين، وهو لا يخلو من نظر، فالأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة(1) .

______________________________________________

(1) هل القطع يكون بالإقرار مرة واحدة، أو مرتين، أو ثلاث مرات ؟ المشهور هو القطع مرتين، ونسب إلى كشف اللثام المصرح به في بعض العبائر(1)،

بل فيه عن الخلاف والتصريح بالإجماع وهو الحجة(2)،

نعم بالنسبة إلى المال فيضمن لأنّه يكفي فيه الإقرار مرة واحدة كما هو الموجود في كتاب الإقرار .

أمّا الاحتياج في القطع كما ورد في خبر الأصبغ بالإقرار ثلاث مرات فلا، لأنّه لم يقل به أحد، والرواية الواردة ضعيفة من جهة السند، وهي وردت في كتاب التحصين للسيد رضي الدين بن طاووس رحمه الله عن كتاب نور الهدى للحسن بن طاهر عن الأصبغ بن نباته : «أنّه أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) جماعة بعبدٍ أسود، وثق كتافاً، فقالوا جئناك بسارق، فقال (علیه السلام) يا أسود أنت سارق ؟ قال : نعم يا مولاي، ثم قال له ثانية يا أسود أنت سارق أنت سارق ؟ فقال نعم يا مولاي، قال (علیه السلام) إذا قلتها ثالثة قطعت يمينك، يا أسود أنت سارق ؟ قال نعم فقطع يمينه» .

فإنها أولاً: الرواية غير موجودة إلا في كشف اللثام وقد نسبها إلى كتاب البحار.وثانياً : أنّها وردت في العبد واقراره ليس بحجة، مضافاً إلى أنّه لم يعمل بها أحداً، وهناك طائفتان من الروايات قسم منها دالة على أنّ القطع يثبت بمرتين، والقسم الآخر يثبت بمرة، وذهب المشهور إلى الطائفة الأولى، وقد أدّعى البعض منهم الإجماع، وقد وردت بذلك عدة روايات .

ص: 185


1- كشف اللثام /10 /616 ، ونقله عن البحار / 40 / 281 ح44 .
2- الخلاف /5 /443 .

................................

منها : مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (علیهما السلام) في حديث «قال : لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة، ولم يقطع إذا لم يكن شهود»(1)،

ولكنها ضعيفة من جهة السند بالإرسال .

ومنها : صحيحة ابان بن عثمان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه قال : كنت عند عيسى بن موسى، فأتي بسارق وعنده رجل من آل عمر، فاقبل يسألني فقلت : ما تقول في السارق إذا أقرّ على نفسه أنه سرق ؟ قال : يقطع، فقلت فما تقول في الزنا إذا أقرّ على نفسه أربع مرات ؟ قال : نرجمه، قلت : ما يمنعكم من السارق إذا أقرّ على نفسه مرتين أن تقطعوه ويكون بمزلة الزاني»(2)، فإنّها تدل على أن الإقرار مرتين شرط في القطع، فإنّه بمنزلة الزاني أي يحتاج إلى التعدد في الإقرار، وبعد أن ثبت في باب الشهادة بأن كل إقرار يكون بمنزلة الشهادة، وأنّه لا يثبت الحدّ إلا بإقرار مرتين، نعم يثبت الضمان .

وأمّا رواية جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا يقطع السارقحتى يقرّ بالسرقة مرتين، ولا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرات»(3)،

فإنّها ضعيفة أيضاً لأن في السند علي بن سندي، ولكن يقول المامقاني : أنّه في أعلى الحسن أي أنه ثقة، وقد ضعفه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فعلى أي حال يكفي صحيحة ابان نعم ورد كفاية المرة في صحيحة فضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إن أقرّ الرجل الحر على نفسه مرة واحدة عند الإمام قطع»(4)،

وتكون هذه معارضة لصحيحة ابان، وقد حمل

ص: 186


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح1
2- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقةح4
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقةح6
4- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقةح3.

وأمّا الغرم فلا إشكال في ثبوته بالإقرار مرّة واحدة(1).

المسألة 237 : إذا أخرج المال من حرز شخص وادعى أنّ صاحبه أعطاه إيّاه سقط عنه الحدّ(2)، إلا إذا أقام صاحب المال البينة على أنّه سرقه فعندئذٍ يقطع .

______________________________________________

البعض هذه على أنّه يقطع بالمرة إذا كان الإقرار عند الإمام (علیه السلام) وأمّا عند غيره لابد من الإقرار مرتين .

ولكن هذا الجمع لم يعمل به أحد، بعد التعارض بين الصحيحتين يكون الترجيح لصحيحة ابان، لأنّها مسندة بعمل المشهور، مضافاً إلى ادعاء الإجماع عليه وأنّه لا عامل برواية فضيل .

(1) لكفاية المرة الواحدة في الأموال مما لا شك ولا إشكال، بل ولا خلاف لما ورد من إطلاق الثبوت بالإقرار ولم يدل دليل على التقييد .

(2) لاحتمال صدقه بكونه غير سارق، فيدرأ الحدّ بالشبهة، والقطعيحصل مع العلم بالسرقة مضافاً إلى صحيحة الحلبي، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) في رجل ثقب بيتاً فأُخذ قبل أن يصل إلى الشيء ؟ قال : يعاقب إلى أن قال : وسألته عن رجل أخذوه وقد حمل كارة من ثياب، وقال : صاحب البيت أعطانيها ؟ قال : يدرأ عنه القطع إلا أن تقوم عليه بينة، فإن قامت البينة عليه قطع»(1).

ص: 187


1- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح1 .

المسألة 238 : يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل، فلا اعتبار بإقرار الصبي و المجنون، والحرية(1)، فلو أقرّ العبد بالسرقة لم يقطع، وإن شهد عليه شاهدان قطع(2).

______________________________________________

(1) بعد أن كان من الشروط العامة وهي ثابتة بالنسبة إلى التكاليف وبالاتفاق وأدعيّ الإجماع بل المسألة محل اتفاق .

(2) لأنّه لا اعتبار بإقرار الصبي والمجنون عند العقلاء وإقرارهما خارج عن قاعدة نفوذ إقرار العقلاء .

وأمّا العبد إذا أقرّ بالسرقة فلا يقطع أيضاً، لأنّه إقرار في حق الغير مضافاً إلى ما ورد من صحيحة الفضيل، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع وإن شهد عليه شاهدان قطع»(1)وهذه معارضة برواية أخرى لفضيل أيضاً «مَنْ أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حراً كان أو عبداً، أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه الذي أقرّ به على نفسه كائناً ما كان إلا الزاني المحصن»(2)

وكذا صحيحة ابن رئاب عن ضريس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : العبد إذا أقرّ على نفسه مرة أنّه قد سرق قطعه، والأمة إذا أقرّت على نفسها بالسرقة قطعها»(3)،

فتحملان على التقية لأنّها كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكن بما أن هاتين الصحيحتين موافقتان لأكثر العامة على ما في المغني فتحملان على التقية، فالمرجح هو العمل على طبق الصحيحة السابقة، وعلىتقدير الاغماض عن ذلك فالطائفتان تسقطان من جهة المعارضة فلا دليل على القطع، لأن عموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم لا يشمل المقام نظراً إلى أن إقرار

ص: 188


1- الوسائل باب 35 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح2 .

نعم، يثبت بإقراره الغرم(1) .

حدّ القطع

المسألة 239 : تقطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى وتترك له الراحة والإبهام(2) .

______________________________________________

العبد إقرار في حق الغير وهو المولى(1)

ولعموم حجية أدلة البينة الشاملة للمورد .

(1) لعموم نفوذ الإقرار، ولكن بما أنّه لا يملك شيئاً فهو ضامن لعموم أدلة الضمان فيتبع به بعد العتق .

(2) والمسألة غير خلافية فيها وما بعدها، بالنسبة إلى أصل القطع، أمّا الخصوصيات فسيأتي، وتدل على ذلك .

منها : معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (علیه السلام) «قال : تقطع يد السارق ويترك إبهامه وصدر راحته، وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها»(2).

ومنها : معتبرة عبد الله بن هلال عن أبيه عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له : اخبرني عن السارق إلى أن قال إن القطع ليس من حيث رأيتيقطع، إنما يقطع الرجل من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلي ويعبد الله، قلت له : من أين تقطع اليد ؟ قال : تقطع الأربع أصابع ويترك الابهام ويعتمد عليها في الصلاة، ويغسل بها وجهه للصلاة»(3)،

وتؤيد ذلك رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : القطع من وسط الكف فلا يقطع الابهام، وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع»(4)

ورواية عبد الحميد عن عامة أصحابه يرفعه إلى أمير

ص: 189


1- مباني تكملة المنهاج /2 /366 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح4 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح8 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح2 .

................................

المؤمنين (علیه السلام) «إنّه كان إذا قطع ترك الابهام والراحة»(1)،

فالرواية مرفوعة وضعيفة، ولكنها تكفي للتأييد .

ومنها : رواية معاوية بن عمار قال «قال : أبو عبد الله (علیه السلام) يقطع من السارق أربع أصابع ويترك الابهام، وتقطع الرجل من المفصل ويترك العقب يطأ عليه»(2).

وأمّا ما ورد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له من أين يجب القطع ؟ فبسط اصابعه وقال : من هنا يعني : مفصل الكف»(3)

فإنّها خلاف الاتفاق ومحمولة على التقية لموافقتها للعامة .

وأمّا قطع يده اليمنى لما ورد من صحيحة بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق، قال : تقطعيده اليمنى على كل حال»(4)، وصحيح زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «أن الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو صحيحة، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فإن عاد خلد في السجن واجري عليه من بيت المال وكُفّ عن الناس»(5)، وغيرها من الروايات .

ص: 190


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح6 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ج7 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح1 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح1 .
5- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح4 .

ولو سرق ثانية قطعت رجله اليسرى وترك له العقب(1).

______________________________________________

(1) أمّا قطع الرجل وترك العقب فبلا خلاف، وادعي عليه الاجماع وتدل عليه معتبرة سماعة قال : «قال : إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن فإن سرق في السجن قتل»(1)، وقد رواه العياشي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) وغيرها من الروايات كمعتبرة إسحاق بن عمار وعبد الله بن هلال الماضيتين، واستدل بصحيحة القاسم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل سرق ؟ فقال : سمعت أبي يقول : أتي علي (علیه السلام) في زمانه برجل قد سرق فقطع يده، ثم أتي به ثانية فقطع رجله من خلاف، ثم أتي به ثالثة خلّده في السجن وانفق عليه من بيت مال المسلمين، وقال : هكذا صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) لا اخالفه»(2)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) _ في حديث السرقة _ قال : «تقطع اليد والرجل ثم لا يقطع بعد، ولكن إن عاد حبس وانفق عليه من بيت مال المسلمين»(3)،

ومعتبرة سماعة قال : «سألته عن السارق وقد قطعت يده ؟ فقال : تقطع رجله بعد يده، فإن عاد حبس في السجن وانفق عليه من بيت مال المسلمين»(4)،

وغيرها من الروايات ويصرف له من بيت المال ولو كان غنياً لإطلاق الروايات، وما يقال بأنّه لاوجه في صرف ما في بيت المال مع غناه مع أنّه معد لمصالح المسلمين فهو اجتهاد في مقابل النص .

ص: 191


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح4 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح3 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح7.
4- الوسائل باب 5 من ابواب حد السرقة ح12 .

وإن سرق ثالثة حبس دائماً وانفق عليه من بيت المال(1)، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر والذكر والانثى والحر والعبد(2).

المسألة 240 : لو تكررت السرقة ولم يظفر به، ثم ظفر به، فعليه حدّ واحد(3)وهو قطع اليد اليمنى فقط .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، وتدل عليه معتبرة سماعة بن مهران قال «قال : إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع في السجن، فإن سرق في السجن قتل»(1).

(2) وذلك لإطلاق الروايات .

(3) والمسألة غير خلافية بين العامة والخاصة، يقول العلامة : ولو تكررت السرقة ولم يظفر به حدّ حداً واحداً(2)،

وقد ذكرنا أنّه حسب القاعدة لابد من التكرار للقطع، خصوصاً مع اختلاف المسروق منه، وذلك لأن الأصل عدم تداخل المسببات وهو قطع اليد اليمنى فقط .

وأمّا لو أخذ وشهدت البينة بالسرقة الأولى ثم أمسك لتقطع يده فقامت البينة بالسرقة الثانية قطعت رجله اليسرى أيضاً، وتدل على ذلك صحيحة بكير بن أعين عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى فلم يقدر عليه، وسرق مرة أخرى فأخذ فجاءت البينة فاشهدوا عليه بالسرقة الأولى والسرقة الأخيرة، فقال : تقطع يده بالسرقة الأولى، ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة، فقيل له وكيف ذاك ؟ قال لأن الشهود شهدواعليه جميعاً في مقام واحد بالسرقة الأولى والأخيرة، قبل أن يقطع بالسرقة الأولى ولو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم امسكوا به حتى يقطع، ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت

ص: 192


1- الوسائل باب 5 من ابواب حد السرقة ح4.
2- القواعد /3 /566 .

وأمّا لو أخذ وشهدت البينة بالسرقة الأولى ثم أمسك لتقطع يده فقامت البينة على السرقة الثانية قطعت رجله اليسرى أيضاً(1).

المسألة 241 : تقطع اليد اليمنى في السرقة ولا تقطع اليسرى وإن كانت اليمنى شلاء أو كانت اليسرى فقط شلاء أو كانتا شلاءين(2).

______________________________________________

رجله اليسرى»(1).

(1) لعدم الخلاف لمطابقة المسألة للقاعدة .

(2) ولا خلاف في هذه المسألة وبلا فرق أن تكون اليمنى شلاء أو اليسرى أو كانتا شلاءين، وقد أدّعيّ الإجماع عن بعض، ويشهد بذلك صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، قال : تقطع يده اليمنى على كل حال»(2)

وصحيحته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) في نفس المضمون وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) : «إن الأشلّ إن سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو صحيحة، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فإن عاد خلد فيالسجن وأُجري عليه من بيت المال وكف عن الناس»(3).

ونسب إلى الإسكافي عدم القطع فيما إذا كانت اليد اليسرى شلاء(4)

واستدل على ذلك بمرسلة المفضل بن صالح عن بعض أصحابه، قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه ولا رجله وإن كان أشل، ثم قطع يد رجل قصَّ منه، يعني لا يقطع في السرقة ولكن يقطع في القصاص»(5)،

ص: 193


1- الوسائل باب 9 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب حد السرقة ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد السرقة ح4 .
4- المختلف /9/ 230 _ 238 .
5- الوسائل باب 11 من أبواب حد السرقة ح2 .

المسألة 242 : المشهور بين الأصحاب أنّه تقطع يمينه وإن لم تكن له يسار، ولكنه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد عدم جواز قطع اليمين حينئذٍ(1) .

______________________________________________

والرواية ضعيفة بالإرسال، مضافاً إلى ضعف المفضل بنفسه ولا يعتمد على روايته، وقد ضعفه جمع فلا يمكن الأخذ بها .

وأمّا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن السارق يسرق فتقطع يده، ثم ... سرق فتقطع رجله، ثم يسرق، هل عليه قطع ؟ فقال : في كتاب علي (علیه السلام) أن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) مضى قبل أن يقطع أكثر من يدٍ ورجلٍ، وكان علي (علیه السلام) يقول : إني لأستحي من ربي أن لا أدع له يداً يستنجي بها، أو رجلاً يمشي عليها»(1)، فمن هذه يمكن استفادة عموم العلة منها، ولكن بما أن هناكروايات خاصة فلا يمكن أن تعارض هذه تلك وأمّا لو كانتا كلتاهما شلاءين أيضاً فيقطع، لعموم قوله في صحيحة عبد الله ابن سنان تقطع يده اليمنى على كل حال أي سواء كانت اليمنى شلاء أو اليسرى أو كلاهما .

(1) والمسألة غير خلافية إلا ما نسب إلى أبي علي، وقال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وجه المشهور في المسألة هو الإطلاقات المؤيدة بصحيحة ابن سنان(2)، المتقدمة الدالة على القطع فيما إذا كانت اليد اليسرى شلاء، ولكنه لا يصح ذلك لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن السارق يسرق فتقطع يده، ثم يسرق فتقطع رجله، ثم يسرق، هل عليه قطع ؟ فقال : في كتاب علي (علیه السلام) إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) مضى قبل أن يقطع أكثر من يدٍ ورجلٍ، وكان علي (علیه السلام) يقول: إني

ص: 194


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح9 .
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 371 .

المسألة 243 : لو كانت للسارق يمين حين السرقة فذهبت قبل اجراء الحد عليه لم تقطع يساره ولا رجله(1).

المسألة 244 : لو سرق من لا يمين له سقط عنه القطع ولا ينتقل إلى اليسرى ولا إلى الرجل اليسرى ولا إلى الحبس(2).

______________________________________________

لأستحي من ربي أن لا ادع له يداً يستنجي بها، أو رجلاً يمشي عليها»(1).

قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وهذه الصحيحة واضحة الدلالة على أن في حق الله لا يترك الرجل بغير يد، بل لابد أن تترك له يد واحدة يستنجي بهاكما لابد أن تترك له رجل واحدة يمشي عليها فإذا لم تكن له اليد اليسرى لم تقطع اليمنى وإنما خرجنا عن ذلك في اليد الشلاء بدليلٍ(2).

وفيه مضافاً إلى ما تقدم من أن الرواية في الشلاء أن الشلل بمنزلة العدم وهو لا يتمكن من الاستنجاء مع ذلك أمر الإمام (علیه السلام) بالقطع، إذاً في جواز القطع مع الشلل إنما هو لأجل الدليل، ولكن قد عرفت إن قلنا بالاتفاق لا مجرد الشهرة، فتقطع للاتفاق لأنه دليل خامس ومقدم على الصحيحة .

(1) والمسألة غير خلافية، ثم إن الحق تعليق الحكم باليمنى، ولكنه ذهب بذهابها، وانتقال الحد منها إلى غيرها يحتاج إلى دليل، ثم أنه ورد في الصحيحة أنه لابد أن يبقى له يد يتمكن من الاستنجاء بها فلو قطعت شماله فلا يتمكن من الاستنجاء، إذاً لو لم تكن له يد يمنى فلا يجوز قطع اليسرى .

(2) خلافاً لما ذكره الشيخ في النهاية حسب ما نسبه إليه صاحب الجواهر والمحكي عن الوسيلة، والكامل قطعت الأخرى أي يساره، من أنّه لو سرق وقد كان لا يمين له لخلقة، أو لقصاص، أو غيرهما مما هو غير القطع لسرقة قطعت الأخرى،

ص: 195


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح9 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 / 372 .

................................

ثم قال أيضاً أي يساره لعموم الآية في الأيدي المقتصر في تقييدهما باليمنى في حال وجوده كاختصاص قطع الرجل اليسرى في السرقة الثانية(1)، وقال في المسالك : لو سرق ولا يمين، الأصل في قطع السارق أن تقطع يده اليمنى في السرقة الأولى، ثم رجله اليسرى في الثانية ثم يخلد الحبس في الثالثة، ولم يرد قطع غير ذلك فلذلك وقع الإشكال في هذه المواضع فمنها ما إذا لم يكن لهيمين حال السرقة الأولى، قال الشيخ في النهاية(2)يقطع

يساره لعموم «فاقطعوا ايديهما» الصادق باليسار، غايته تقديم اليمين عليها بالسنة، فإذا لم توجد قطعت اليسار، لوجوب امتثال ما دلت عليه الآية بحسب الإمكان، ومنها : لو سرق ولا يد له ولا رجل، أمّا مطلقاً أو المنفي اليد اليمنى أو الرجل اليسرى اللتين هما محلّ القطع شرعاً قال الشيخ : حبس كما يحبس في المرة الثالثة بعد قطع يده ورجله، لأن هذا بمعناه، وقال في المبسوط ينتقل إلى رجله اليسرى لأنّها محل القطع حداً للسرقة في الجملة بل بعد قطع اليمين وقد حصل(3)،

والمصنف (رحمه الله) استشكل في القولين معاً لأنه خروج عن موضع الإذن الشرعي في القطع(4).

ولكن ما ذكروه من الأقوال كلها اجتهادات، أمّا بالنسبة إلى الحبس فلا معنى له، لأنّه لا يمكن التعدي من قطع اليد إلى الحبس، وكذا بالنسبة إلى الرجل، لأن الآية أيضاً لا تشمله، والحكم هو قطع اليد، فالتعدي إلى الرجل لا معنى له، وأمّا عدم الانتقال إلى اليد اليسرى فلأن السرقة أول مرة مختصة بقطع اليد اليمنى، وإذا قطعت انتفى الموضوع .

ص: 196


1- الجواهر /41 / 538.
2- النهاية / 717 .
3- المبسوط / 8 / 39 .
4- المسالك /14 / 523.

وكذا لو سرق فقطعت يده اليمنى ثم سرق ثانياً ولم تكن له رجل يسرى فإنّه يسقط عنه القطع ولا تقطع يده اليسرى ولا رجله اليمنى و لا ينتقل إلى الحبس كما أن مثل هذا الرجل لو سرق ثالثة لم يحبس(1).

المسألة 245 : يسقط الحدّ بالتوبة قبل ثبوته، ولا أثر لها بعدثبوته بالبينة(2) .

______________________________________________

إن قلت بإطلاق الآية التي تقيد باليمنى مع وجودها فقطع اليد اليمنى مختص بحال وجودها .

قلنا : لا يمكن قطع اليسرى كما ورد في الصحيحة المتقدمة وهي : أن الرجل لا يمكن أن يترك بدون يد، وأن اليد اليسرى لابد من ابقائها للاستنجاء، وما ذكرنا من الحكم الذي هو سقوط الحكم مع عدم الموضوع وهو يد اليمنى أنه لا فرق بين فقدها خلقة أو لعارض من مرض أو قصاص.

(1) لعدم الدليل، وكذلك رجله اليمنى وهكذا لا ينتقل إلى الحبس لأن السارق لو سرق أول مرّة كان حكمه القطع، وكذا في الثانية والتعدي إلى الحبس يحتاج إلى دليل، ولأن حكم الحبس في الثالثة إنما هو فيما إذا جرى عليه الحكم مرتين، نعم لابد من تأديبه فيعزر حسب ما يراه الحاكم الشرعي وكذا في الرابعة لا يحبس .

(2) أمّا إذا كانت توبته قبل قيام البينة، أو الإقرار فلا إشكال ولا خلاف في عدم القطع، وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى الله وردَّ سرقته على صاحبها فلا قطع عليه»(1).

ص: 197


1- الوسائل باب 31 من أبواب حد السرقة ح1.

وأمّا إذا ثبت بالإقرار ففي سقوطه بها إشكال وخلاف، والأظهر عدم السقوط(1) .

______________________________________________

وأمّا إذا كانت التوبة بعد الثبوت فلا أثر للتوبة ولما ورد من الروايات في باب حدّ الزنى وغيره من الحدود، وأمّا ما قيل بأن إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان تشمل ما إذا جاء السارق وهو تائب حتى بعد قيام البينة ولكن تكون هذه معارضة بما جاء من الروايات التي دلت على أنّه إذا تاب بعد قيام البينة قطع، فيتعارضان ويتساقطان، والمرجع هو إطلاق الآية والروايات .

(1) أمّا التوبة بعد الإقرار فلا دليل على سقوطه، ولكن يتخير الإمام حينئذٍ بين العفو والقطع، وذلك لما ادعي عليه الإجماع، كما عن الخلاف والنهاية، والعمدة الروايات، منها : معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر (علیه السلام) «قال : حدثني بعض أهلي أن شاباً أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرّ عنده بالسرقة قال : فقال له علي (علیه السلام) : إني اراك شاباً لا بأس بهبتك، فهل تقرا شيئاً من القرآن ؟ قال : نعم سورة البقرة، فقال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال إنما منعه أن يقطعه لأنه لم يقم عليه بينة»(1).

ويؤيد ذلك مرسلة أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه عن الصادقين (علیهما السلام) «قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرَّ بالسرقة، فقال : أتقرأ شيئاً من القرآن ؟ قال : نعم سورة البقرة، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الاشعث : أتعطل حدّاً من حدود الله ؟ قال : وما يدريك ما هذا ؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرَّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع»(2).

ص: 198


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح5 .
2- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح3.

المسألة 246 : لو قطع الحدّاد يد السارق مع علمه بأنّهايساره فعليه القصاص(1)، ولا يسقط القطع عن السارق على المشهور، ولكن فيه إشكال، بل منع فالأظهر عدم القطع، وأمّا لو اعتقد بأنّها يمينه فقطعها فعليه الدية(2)ويسقط به القطع عن السارق .

المسألة 247 : إذا قطعت يد السارق ينبغي معالجتها والقيام بشؤونه حتى تبرأ(3) .

______________________________________________

(1) المسألة غير خلافية، وذلك لإطلاق أدلة القصاص، وقد أدّعى البعض عدم الخلاف وإطلاق الأدلة، ولكن الحق عدم القطع لما ذكرنا بأنّه لا يترك بغير يد، وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أُمر به أن تقطع يمينه، فقدمت شماله فقطعوها وحسبوها يمينه، وقالوا : إنما قطعنا شماله، أتقطع يمينه؟ قال: فقال: لا، لا تقطع يمينه قد قطعت شماله»(1)،

إذاً ما نسب إلى الشيخ في المبسوط والفاضل في محكي التحرير من عدم سقوط الحد عن السارق، لا يتم بعدما ذكرنا من الأدلة .

(2) لأنّه شبه العمد، ومقتضاه هو دفع الدية .

(3) وذلك لأنّ المراد هو القطع لا موت الرجل، لأنّه لو لم يحبس ويعالج قد يستوجب موته، وللروايات الواردة، كصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجلين قد سرقا من مال الله والآخر من عرض الناس إلى أن قال وأمّا الآخرفقدَّمه وقطع يده، ثم أمر أن يطعم اللحم والسمن حتى برئت يده»(2)،

ورواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال :

ص: 199


1- الوسائل باب 6 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح4 . (2) الوسائل باب 30 من أبواب حد السرقة ح3 .

المسألة 248 : إذا مات السارق بقطع يده فلا ضمان على أحد(1).

______________________________________________

أُتى أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوم سرّاق قد قامت عليهم البينة واقرُّوا، قال : فقطع أيديهم ثم قال: يا قنبر ضمهم إليك فداو كلومهم وأحسن القيام عليهم، فإذا برؤا فأعلمني، فلما برئوا اتاه، فقال : يا أمير المؤمنين القوم الذين اقمت عليهم الحدود قد برئت جراحاتهم، فقال : اذهب فاكس كل رجل منهم ثوبين وآتني بهم، قال : فكساهم ثوبين ثوبين وأتى بهم في أحسن هيئة متردين مشتملين، كأنهم قوم محرمون، فمثلوا بين يديه قياماً، فأقبل على الأرض ينكتها بأصبعه مليّا، ثم رفع رأسه إليهم، فقال : اكشفوا أيديكم ثم قال : ارفعوا رؤوسكم إلى السماء فقولوا : اللهم إن علياً قطعنا ففعلوا فقال : اللهم على كتابك وسنة نبيك، ثم قال لهم : يا هؤلاء إن تبتم سلمتم أيديكم، وإن لم تتوبوا أُلحقتم بها، ثم قال : يا قنبر خل سبيلهم واعط كل واحد منهم ما يكفيه إلى بلده»(2).

(1) لا يقع الضمان على الحاكم ولا على المباشر بعد إذن الحاكم الشرعي، والمسألة غير خلافية، وتدل عليه عدة روايات .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إيّما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له»(1)،

فلا تعارضها رواية الحسن بن صالحالثوري عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول : مَنْ ضربناه حداً من حدود الله فمات، فلا دية له علينا، ومَن ضربناه حداً من حدود الناس فمات، فإن ديته علينا»(2).

ومنها : مرسلة الصدوق عن صالح الثوري عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إن أمير المؤمنين (علیه السلام) أمر قنبراً أن يضرب رجلاً حداً، فغلط قنبر فزاده ثلاثة اسواط، فأقاده علي (علیه السلام) من قنبر بثلاثة اسواط»(3)،

وغيرها من الروايات لأن هاتين

ص: 200


1- الوسائل باب 24 من أبواب قصاص النفس ح9 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب قصاص النفس ح3 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .

المسألة 249 : يجب على السارق ردّ العين المسروقة إلى مالكها(1) وإن تعيبت ونقصت قيمتها فعليه أرش النقصان، ولو مات صاحبها وجب دفعها إلى ورثته، وإن تلفت العين ضمن مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت قيمية(2).

______________________________________________

الروايتين فيهما ضعف من جهة السند، ولذا فهما غير قابلتين للاستدلال حتى يمكن القول بالتعارض .

(1) يستعاد المال من السارق بلا فرق بين قطع يد السارق وعدمه ولكن يرد مع بقائه، ومع عدم بقائه يعطي مثله أو قيمته، وأدّعي عليه الاتفاق وقد وردت عليه النصوص الكثيرة .

منها : صحيحة سليمان بن خالد قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام)إذا سرق السارق قطعت يده وغرم ما أخذ»(1)

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال : السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى الله ورد سرقته على صاحبها فلا قطع عليه»(2).

(2) لأنّه غصب فلابد من ردّ ما أخذه إلى مالكه، وإن مات فلابد أن يعطيه إلى الورثة، وهكذا بالنسبة إلى العيب أو النقص، فيجب عليه الأرش لأنّه لابد أن يوصل المال سالماً إلى أهله، وهكذا بالنسبة إلى ما بعد تلفه في ضمان المثل إن كان مثلياً وقيمته إن كان قيمياً .

ص: 201


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد السرقة ح1.
2- الوسائل باب 31 من أبواب حد السرقة ح1.

المسألة 250 : إذا سرق اثنان مالاً لم يبلغ نصيب كل منهما نصاباً فلا قطع(1).

______________________________________________

(1) فهل لو سرق اثنان مالاً يكفي بأن المجموع يكون نصاباً، أو لابد من كون حصة كل منهما نصاباً ؟ الظاهر هو الثاني وفاقاً للمسالك بقوله : ووجه ثبوت القطع على كل منهما مع اجتماعهما على اخراجه صدق اخراجهما للنصاب الذي هو شرط قطع المخرج وهو مستند إليهما فترك قطعهما يستلزم سقوط الحد مع وجود شرطه، وقطع أحدهما دون الآخر فترجيح من غير مرجح، فلم يبق إلا قطعهما، وإلى هذا ذهب الشيخ(1)، في أحد قوليه والمفيد(2)، والمرتضى(3)،

واتباع الشيخ(4)،

وذهب الشيخ في المبسوط(5)، والخلاف(6)،

وابن الجنيد وابن إدريس(7)، والعلامة في المختلف((8)إلى أنّه لا قطع لأحدهما للأصل، ولأنّه موجب القطع، وهو إخراج النصاب ولم يحصل من كل منهما، ولا يصح استناد المعلول الشخصي إلى علل متعددة، والبعض الصادر عن كل منهما ليس موجب للقطع، وهذا هو الأقوى(9).

وأمّا في صورة ما إذا كان بسبب كل واحد منهما نصاب فيقطع، فلأن المقتضي موجود فتشملهما الإطلاقات .

ص: 202


1- النهاية / 717 .
2- المقنعة / 804 .
3- الانتصار / 264 .
4- المهذب /2 /540 ، الوسيلة / 419 ، الغنية / 433 ، مصباح الشيعة /524 .
5- المبسوط / 8 /28 .
6- الخلاف /5 /420 .
7- السرائر / 3 / 492 .
8- (8) المختلف /9 /215
9- المسالك /14 /528.

المسألة 251 : إذا عفا المسروق منه عن السارق قبل رفع أمره إلى الإمام سقط عنه الحد، وأمّا إذا عفا بعد رفع أمره إلى الإمام لم يسقط عنه الحد(1).

______________________________________________

(1) أمّا في الصورة الأولى فلأنّه مقتضى كونه حقاً للمسروق منه، بل لو كنّا نحن والقاعدة لقلنا بالنسبة إلى الصورة الثانية أيضاً، والعمدة في التفصيل بين الصورتين هي الروايات .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه ؟ فقال : إن صفوان بن أمية كان مضطجعاً في المسجد الحرام، فوضع رداءه وخرج يهرق الماء إلى أن قال، فقال الرجل : تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله ؟ قال : نعم، قال : فأنا أهبه له، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فهلا كان هذا قبل أن ترفعه اليّ قلت : فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه ؟ قال : نعم قال : وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام ؟ فقال : حسن»(1).

ومنها : معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له : أنا أهبه له لم يدعه إلى الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذلك قول الله عز وجل : «وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِِ»(2)، فإذا انتهى الحد إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه»(3).

ص: 203


1- الوسائل باب 17 من أبواب مقدمات الحكم ح2.
2- سورة التوبة الآية / 112 .
3- الوسائل باب 17 من أبواب مقدمات الحكم ح3.

المسألة 252 : إذا ثبتت السرقة بإقرار أو بينة بناءً على قبول البينة الحسبية كما قويناه سابقاً، فهل للإمام أن يقيم الحدّ عليه من دون مطالبة المسروق منه(1) ؟ فيه خلاف، والأظهر جواز إقامة الحدّ عليه .

______________________________________________

(1) هذا لو كنا نحن والقاعدة لكنا نقول بالقطع، ذلك لإطلاق الآية والروايات، وليس هناك دليل على تقييد ذلك الإطلاق بمطالبته للمسروق والثابت بالإقرار يقيد الإطلاقات .

والمشهور على خلاف ذلك واستدلوا بصحيحة الحسين بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنّه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه قلت : وكيف ذلك ؟ قال : لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام اقامته وإذا كان للناس فهو للناس»(1)،

بل يمكن أنّ نقول بما أن الحق له فله أن يعفو عن السارق كما مرّ في صحيحة الحلبي، إذاً لابد أن يكون القيام بإذنه .

وأمّا ما استدل به الاستاذ(2)الاعظم (قدس سرُّه) بصحيحة الفضيل قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق منحدود الله مرة واحدة إلى أن قال، فقال له بعض أصحابنا، يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرة واحدة على نفسه أقيم عليها الحد فيها ؟ فقال : إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق الله»(3).

ص: 204


1- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 380 .
3- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .

المسألة 253 : لو ملك السارق العين المسروقة، فإن كان ذلك قبل رفع امره إلى الإمام سقط عنه الحد، وإن كان بعده لم يسقط(1).

______________________________________________

ولكن قد استشكل على هذا الحديث بأنّه :

أولاً : ورد في كفاية الإقرار مرة، مع أنّه لابد من الإقرار مرتين كما ذكرنا .

وثانياً : أن الحق لابد من القطع للسارق، ولابد من دليل على التقييد بمطالبة المسروق منه ويكفي أن يكون الدليل نفس رواية الحسين، وعلى فرض التعارض فالترجيح لتلك الصحاح الواردة بعدم القطع بعد أن عمل المشهور بها وهو موجب للاطمئنان، نعم يمكن أن يقال بأن قطع الإمام من باب الولاية له أمّا الحاكم الشرعي فلا .

(1) لما دلت عليه معتبرة سماعة المتقدمة، بأنّ عدم القطع إنما هو فيما إذا وهبه قبل أن يرفع إلى الإمام، ففي الرياض : ولو وهبه المالك العين بعد السرقة، أو عفا عن القطع قبل المرافعة سقط القطع وإن كان لو رافعه لم يسقط عنه الحد مطلقاً، ولو عفا عنه أو وهبه لقول النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم)المروي في الصحيح والحسن وغيرهما لصفوان بن أمية حين سرق رداؤه فقبض السارق وقدمه إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) ثم وهبه إلا كان ذلك قبل أن ينتهي به الي، وللموثق «مَنْ أخذ سارقاً فعفا عنه فذاك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه فإن قال الذي سرق منه أنا أهب له، لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذاك قول الله عز وجل : «وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ» فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه»(1)

وقد ذكر روايات أخرى، ومع ذلك فالمسألة اتفاقية .

ص: 205


1- الرياض /16 / 147 _ 148.

المسألة 254 : لو أخرج المال من حرز شخص ثم ردّه إلى حرزه فإن كان الرد إليه رداً إلى صاحبه عرفاً سقط عنه الضمان(1)وفي سقوط الحد خلاف، والأظهر عدم السقوط .

المسألة 255 : إذا هتك الحرز جماعة وأخرج المال منه واحد منهم فالقطع عليه خاصة(2).

______________________________________________

(1) لأنّ الضمان يسقط برد المال إلى صاحبه، قال في الجواهر : ولكن فيه تردد كما في القواعد من حيث إن القطع موقوف عن المرافعة، فإذا دفعه إلى محل حرزه فكأنّه دفعه إلى صاحبه فلم تبق له مطالبة يستحق بها القطع(1).

أقول : وإن لم يعد ذلك رداً إلى صاحبه فإن سرقه أخر فهو ضامن ومجرد إرجاعه إلى الحرز لا يكفي في سقوط الضمان، بل الأظهر سقوط الحدّخصوصاً فيما إذا كان رده كاشفاً عن توبته، هذا بعد أن بيّنا بأنّ القطع لابد أن يكون بمطالبة المسروق منه، نعم لو قلنا بأن للإمام (علیه السلام) القطع بدون مطالبة المسروق منه وهو سارق قدر النصاب فسقوط الحد يحتاج إلى دليل فلا يسقط بمجرد الرد .

(2) لأنّه هو المخرج والهاتك، فشرائط القطع موجودة بالنسبة إليه دون من معه من الجماعة، فما نسب إلى أبي حنيفة من توزيع السرقة عليهم فإن أصاب كل منهم قدر النصاب قطعهم واضح الفساد(2).

وبعبارة أخرى إنّ على المخرج الهاتك القطع منحصر به لانفراده بالموجب، وهو إخراج المال من الحرز بعد هتكه، وهكذا في هذه الصورة لأن السارق يكون هو بحسب الموازين الشرعية، فالمقرّب لا يصدق عليه السارق بل يكون حاله حال من رفع المال من موضع إلى موضع آخر، خلافاً لما نسب إلى أبي حنيفة من عدم

ص: 206


1- الجواهر / 41 / 553 .
2- الجواهر / 41 / 555.

وكذلك الحال لو قرّبه أحدهم إلى النقب وأخرج المال منه آخر فالقطع على المخرج خاصة، وكذا لو دخل أحدهم النقب ووضع المال في وسطه وأخرجه الآخر منه، فالقطع عليه دون الداخل(1) .

______________________________________________

القطع على أحدهما لعدم صدق الإخراج من الحرز على كل منه .

(1) فالأقوال في المسألة هي على ما يلي :

الأول : نسب إلى العلامة في القواعد بقوله : ولو هتك الحرز جماعةفأخرج المال أحدهم اختص بالحد ولو قربه أحدهم، فأخرجه آخر فالقطع على المخرج ولو وضعه الداخل في وسط النقب وأخرجه الخارج، قيل لا قطع على أحدهما، لأن كلاً منهما لم يخرجه عن كمال الحرز(1)، وعن كشف اللثام(2)

القطع عليهما .

الثاني : وجوب القطع على الداخل كما في التحرير : ولو اشتركا في النقب ودخل أحدهما فاخرج المتاع وحده، أو أخذه وناوله للآخر خارجاً عن الحرز، أو رمى به إلى خارج الحرز فأخذ الاخر فالقطع على الداخل وحده(3).

الثالث: وجوب القطع على المخرج أخيراً وهو مختار الحلي بقوله : وكذا لو نقبا نقباً وقرّبه أحدهما من النقب وأدخل الخارج يده فأخرجه فالقطع على المخرج(4).

الرابع : عن المبسوط إذا نقبا معاً ودخل أحدهما فوضع السرقة في بعض النقب فأخذها الخارج، قال قوم لا قطع على واحد منهما، وقال آخرون عليهما القطع، لأنّهما اشتركا في النقب والإخراج معاً فكانا كالواحد المنفرد بذلك بدليل أنهما لو نقبا معاً ودخلا فأخرجا معاً كان عليهما الحد كالواحد، ولأنا لو قلنا

ص: 207


1- القواعد / 3 / 559 .
2- كشف اللثام /10 / 612.
3- التحرير / 5 / 374.
4- التحرير / 5 / 374.

المسألة 256 : لو أخرج المال من الحرز بقدر النصاب مراراً متعددة فعندئذ إن عُدّ الجميع عرفاً سرقة واحدة قطع، وإلا فلا(1) .

______________________________________________

لا قطع كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة، لأنّه لا يشاء شيئاً إلا شارك غيره فسرقا هكذا فلا قطع، والأول أصح لأنّ كل واحد منهما لم يخرجه من كمال الحرز، فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب واجتاز مجتاز فأخذه من النقب، فإنّه لا قطع على كل واحد منهما(1)،

وتبعه القاضي على ما نقله صاحب المسالك بقوله : انتفاؤه عنهما، لأنّ كل واحد منهما لم يخرجه عن كمال الحرز، فإنّ الأول أخرجه إلى نصفه مثلاً، والثاني أكمل إخراجه، فهو كما لو وضعه الأول في ذلك الموضع فأخذه غيره من لم يشارك في النقب(2).

فالحق أنّ القطع يكون على المخرج لأنّه هو الذي أخرجه من الحرز ويصدق عليه السارق .

(1) قال في المسالك : اختلف الفقهاء في اشتراط اتحاد إخراج النصاب وعدمه، فذهب أبو الصلاح إلى اشتراطه مطلقاً، لأنّه لما هتك الحرز وأخرج دون النصاب لم يجب عليه القطع، لفقد الشرط، فلمّا عاد ثانياً لم يخرج من حرز، فلا قطع وإن بلغ الثاني نصاباً فضلاً عن كونه مكملاً له، وذهب القاضي إلى عدم اشتراط الاتحاد مطلقاً، ورجحه المصنف رحمه الله لصدق إخراج النصاب، وأصالة عدم اشتراط الاتحاد مطلقاً، فيتناوله عموم الأدلة الدالة على قطع سارق النصاب الشامل بإطلاقه للأمرين، وتردد الشيخ في القولين وكذلك ابن إدريس لذلك، واختلف كلام العلامة، ففي القواعد فرق بين قصر زمان العود وعدمه فجعل الأول بمنزلة المتحد دون الثاني، وفي المختلف فصّل بأمر آخر، فحكم بالقطع مع

ص: 208


1- المبسوط / 5 /363 .
2- المسالك /14 / 533 .

المسألة 257 : إذا نقب فأخذ من المال بقدر النصاب، ثمأحدث فيه حدثاً تنقص به قيمته عن حدّ النصاب، وذلك كأن يخرق الثوب أو يذبح الشاة ثم يخرجه، فالظاهر أنّه لا قطع(1) .

______________________________________________

التعدد إن لم يشتهر بين الناس هتك الحرز وعدمه وإن علم هتكه، لخروجه عن كونه حرزاً، وقواه ولده الفخر رحمه الله(1).

والمعتبر في القطع هو أن يكون المسروق بقدر النصاب في سرقة واحدة أمّا لو بلغ ضم سرقة إلى سرقة أخرى فهو غير مكمل للنصاب، فلو كان هناك شيء واحد ذا أجزاء بحيث لا يمكن إخراجه دفعة واحدة فهذا يخرجه جزءً تلو جزء، بحيث لا يقع فصلاً طويلاً يخرجه عن اسم الدفعة في نظر العرف فيقطع .

أمّا لو أخرج اجزاءً منه صباحاً وجزءً آخر مساءً، فبعد ذلك اصبح المجموع بمقدار النصاب فلا يقطع، كما لا يصدق عليه سرقة واحدة إذا سرق نصف النصاب من حرز والآخر من حرز آخر لاحتمال تعدد السرقة فتأمل .

(1) لا يخفى بأنّه من شروط القطع هو إخراج المال من الحرز بمقدار النصاب، فلو دخل الحرز وأخذ بمقدار النصاب ولكن قبل أن يخرج نقص النصاب لم يقطع لعدم حصول الشرط الثاني وهو إخراج النصاب، وعدم تحقق ما يوجب القطع كما ورد في معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في السارق إذا أُخذ وقد أُخذ المتاع وهو في البيت لم يخرج بعد، قال : ليس عليه القطع حتى يخرج به من الدار(2)،وهكذا رواية إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه : «إن علياً (علیه السلام) كان يقول : لا قطع على السارق حتى يخرج بالسرقة

ص: 209


1- المسالك / 14 / 535 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح2 .

وأمّا إذا أخرج المال من الحرز وكان بقدر النصاب ثم نقصت قيمته السوقية بفعله أو بفعل غيره فلا إشكال في القطع(1).

المسألة 258 : إذا ابتلع السارق داخل الحرز ما هو بقدر النصاب فإنّ استهلكه الابتلاع كالطعام فلا قطع(2).

______________________________________________

من البيت، ويكون فيها ما يجب فيه القطع»(1)،

وهكذا أبضاً في رواية طلحة بن زيد(2)، وكما عليه المشهور لما ذكرنا من أن المعتبر في القطع أن يكون المسروق ربع دينار حين إخراجه، فإنّه قبل الإخراج وإن كان بمقدار النصاب ولكن لا تصدق عليه السرقة إلا بعد الإخراج وإن كان بمقدار النصاب، ولكن بما أن قيمته حينئذٍ أقلّ من الربع فلا قطع .

(1) وأمّا إذا كان قيمته بعد الإخراج بمقدار النصاب وهو المعتبر في القطع وتشمله الإطلاقات فيقطع فلا أثر بعد ذلك إذا نقصت قيمته، بلا فرق بين أن يكون النقص حصل بفعله أو بفعل غيره .

(2) لأنّه لم يصدق عليه الإخراج من الحرز بمقدار النصاب بعد أن يستهلك كالطعام، وكذا إذا لم يستهلك، ولكن تعذر إخراجه أيضاً لا يقطع لأنّه يكون بمنزلة التالف، إذ لم يخرج شيء يكون بمقدار النصاب .

ص: 210


1- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح3 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح4 .

وإن لم يستهلكه كاللؤلؤ ونحوه فإن كان إخراجه متعذراً فهو كالتالف فلا قطع أيضاً، ولكنه يضمن المثل إن كان مثلياً، والقيمة إن كان قيمياً(1)، وفي مثل ذلك لو خرج المال اتفاقاً بعد خروج السارق من الحرز وجب عليه رد نفس العين ولا قطع أيضاً، نعم، لو رد إلى مالكه مثله أو قيمته ثم اتفق خروجه، فالظاهر عدم وجوب ردّه عليه، وأمّا لو ابتلع ما يكون بقدر النصاب في الحرز ثم خرج منه(2)، ولكن كان إخراجه من بطنه غير متعذر عادة وكان قصد إخراجه من الحرز بهذه الطريقة قطع، ولو كان قصده من ذلك إتلافه ضمن ولا قطع عليه .

______________________________________________

(1) فهو يكون ضامناً على كل حال حيث أتلف مال الغير مثلياً أو قيمياً، وأمّا إذا أخرج السارق بعد ابتلاعه المال في الحرز أيضاً فلا يقطع ولكن لو أخرج المال اتفاقاً بعد خروجه من الحرز فلابد من ردّ نفس المال ولكن لو ردّ السارق المثل أو القيمة ثم خرج من بطنه اتفاقاً، فلا يجب عليه ردّ العين لعدم امكان الجمع بين البدل والمبدل، فإذا دفع المثل أو القيمة تصبح العين ملكاً للسارق بعدما دفع إلى المسروق منه البدل، قد يقال بأن خروج المال اتفاقاً يكون كاشفاً عن عدم صدق التلف من أول الأمر ؟ فهذا غير تام بعد أن يرى العرف بأن المال أصبح بمنزلة التالف .

(2) لأنّه لم يكن من قصده السرقة بل كان إتلافاً وتشمله قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن، ولا قطع عليه لأنّه لا يصدق عليه هتك الحرزوإخراج المال الذي هو بمقدار النصاب، وحكمه حكم من أدخل المال في جيبه وأخرجه، فإنّه لا يقطع وكان بمنزلة التالف ولا يصدق عليه إخراج المال من الحرز بمقدار النصاب .

ص: 211

الرابع عشر: بيع الحرّ

المسألة 259 : من باع إنساناً حراً، صغيراً كان أو كبيراً ذكراً كان أو انثى قطعت يده(1).

______________________________________________

(1) لا يخفى أنّه حسب القاعدة لابد أن لا يقطع، لأنّ الحر ليس بمال فهو في هذا الفرض لم يسرق مالاً، ولذا قال المحقق : من سرق صغيراً، فإن كان مملوكاً قطع ولو كان حراً فباعه لم يقطع حداً، وقيل يقطع دفعاً لفساده(1)وقال في الرياض : لو كان المسروق حراً فباعه السارق قطع وفاقا للنهاية(2)

وجماعة(3)،

بل ادعى في التنقيح عليه الشهرة(4)، والنصوص به مستفيضة(5)والعمدة الروايات كمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) أُتي برجل قد باع حراً، فقطع يده»(6)،

وتؤيدها رواية سفيان أو سنان الثوري كما في التهذيب، وفي الوسائل قال : «سألت جعفر بن محمد (علیهما السلام) عن رجل سرق حرة فباعها، قال، فقال فيها أربعة حدود : أمّا أولها فسارق تقطع يده، والثانية إن كان وطأها جلد الحدّ، وعلىالذي اشترى إن كان وطأها وقد علم إن كان محصناً رجم، وإن كان غير محصن جلد الحدّ وإن كان لم يعلم فلا شيء عليه، وعليها هي إن كان استكرهها فلا شيء عليها وإن كانت اطاعته جلدت الحدّ»(7)، ومنها : عن عبد الله بن طلحة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يبيع الرجل وهما حران، يبيع هذا هذا وهذا

ص: 212


1- شرائع الإسلام /4 / 175.
2- النهاية / 722 .
3- المختلف / 9 / 237 ، المسالك / 14 / 501 .
4- الرياض / 16 / 112 _ 113.
5- التنقيح الرائع / 4 / 380 .
6- الوسائل باب 20 من أبواب حد السرقة ح2 .
7- الوسائل باب 20 من أبواب حد السرقة ح1

الخامس عشر : المحاربة

المسألة 260 : من شهر السلاح لإخافة الناس نفي من البلد، ومن شهر فعقر اقتص منه، ثم نفي من البلد، ومن شهر وأخذ المال قطعت يده ورجله، ومن شهر وأخذ المال وضرب وعقر ولم يقتل فأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان على الإمام أن يقتله، ومن حارب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام إن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه، وإن عفا عنه أولياء المقتول كان على الإمام أن يقتله، وليس لأولياء المقتول أن يأخذوا الدية منه فيتركوه(1) .

______________________________________________

هذا ويفران من بلد إلى بلد فيبيعان انفسهما ويفران بأموال الناس، قال : تقطع أيديهما، لأنهما سارقا أنفسهما وأموال الناس»(1).(1) أي كل من جرد السلاح كالسيف وغيره للإخافة، بلا فرق بين أن يكون في بر، أو بحرٍ، في مصر أو غيره، ليلاً، أو نهاراً كما عليه المحقق(2)وفي

المسالك : يشترط في المحارب تجريد السلاح والمراد به هنا ما يشمل المحدد حتى العصى والحجارة، وإن كان إطلاقه على ذلك لا يخلو من تجوز وقصد اخافة الناس، فلو اتفق خوفهم منه من غير أن يقصده فليس بمحارب، ولا فرق بين الواحد والمتعدد، ولا بين أن يحصل معه خوف الناس أو أخذ ما لهم وعدمه، بل متى خرج بقصد ذلك فهو محارب، وكذا لا فرق بين البر والبحر(3)، وما عن الرياض بقوله :

ص: 213


1- الوسائل باب 20 من أبواب حد السرقة ح3 .
2- شرائع الإسلام /4/ الباب المحارب في حد المحارب .
3- المسالك / 15 / 5.

................................

وهو كل مجرِّد سلاحاً كالسيف أو غيره كالحجر ونحوه في بر أو بحرٍ، مصر أو غيره، ليلاً، أو نهاراً لإخافة السابلة والمترددين من المسلمين مطلقاً، وإن لم يكن المحارب من أهلها أي أهل الإخافة بأن كان ضعيفاً عنها، ولا من أهل الفتنة ولا ذكراً على الأشبه الاقوى، وعليه عامة متأخري أصحابنا، وفي كنز العرفان نسبته إلى الفقهاء مشعراً بدعوى الإجماع عليه لعموم الآية : «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)وشموله للإناث وإن كان فيه نوع غموض، بناءً على أنالضمير للذكور ودخول الاناث فيهم مجاز، إلا أن العموم لمن جاء من قبل النصوص(2)، ولكن الحق أنّ عموم الآية الشريفة هو كافٍ لشمول الانثى، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه ونفي من تلك البلد، ومن شهر السلاح في مصر من الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل فهو محارب فجزاؤه جزاء المحارب، وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، قال : وإن ضرب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه إلى أن قال، وقال، فقال أبو عبيدة، أرأيت إن اراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه، الهم ذلك ؟ قال : لا، عليه القتل»(3)، وعن علي بن حسان عن أبي جعفر (علیه السلام)

ص: 214


1- سورة المائدة الآية / 33 _ 34 .
2- الرياض /16 /149 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب حد المحارب ح1 .

المسألة 261 : لا فرق في المال الذي يأخذه المحارب بين بلوغه حدّ النصاب وعدمه(1) .

______________________________________________

«قال : من حارب الله وأخذ المال وقتل كان عليه أن يقتل أو يصلب، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان عليه أن يقتل ولا يصلب ومن حارب وأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن تقطع يده ورجله من خلاف ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن ينفى، ثم استثنى عز وجل : «إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» يعني : يتوبواقبل أن يأخذهم الإمام»(1)،

وبلا فرق بين الذكر والانثى وقد ادعى بعض الإجماع، والعمدة عموم الآية المباركة.

(1) ولا يعتبر في قطع المحارب أن يصدق عليه السارق فضلاً عن اعتبار النصاب، أو من الحرز لإطلاق الأدلة ولم يكن هناك دليل يدل على الاشتراط خلافاً للشيخ في الخلاف بقوله : قد قلنا أن المحارب إذا أخذ المال قطع ولا يجب قطعه حتى يأخذ نصاباً يجب فيه القطع للسرقة، وللشافعي فيه قولان أحدهما مثل ما قلناه وعليه عامة أصحابه، وقال بعضهم يقطع في قليل المال وكثيره وهو قوي أيضاً، لأنّ الأخبار وردت أنّه إذا أخذ المال وجب قطعه ولم يقيّدوا، فوجب حملها على عمومها، ودليلنا أنّ ما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع به، وما قالوه ليس عليه دليل وأيضاً قوله (علیه السلام) «القطع في ربع دينار»(2).

ص: 215


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المحارب ح11 .
2- الخلاف / 5 / 464 .

المسألة 262 : لو قتل المحارب أحداً طلباً للمال فلولي المقتول أن يقتله قصاصاً إذا كان المقتول كفواً، وإن عفا الولي عنه قتله الإمام حداً وإن لم يكن كفواً فلا قصاص عليه، ولكنه يقتل حداً(1) .

المسالة 263 : يجوز للولي أخذ الدية بدلاً عن القصاص الذي هو حقه، ولا يجوز له ذلك بدلاً عن قتله حدّاً(2) .

______________________________________________

(1) لا يخفى أنّ حدّ المحارب غير مختص بأن يقتل شخصاً أم لا، ولا بين أن يرفع ولي الدم أمره إلى الحاكم أم لا ؟ وذلك لإطلاق أدلة المحارب، لأنّ المحارب عنوان مستقل وهو بنفسه يوجب الحدّ كبقية العناوين، فإذا قتل اشخاصاً فيتعدد عليه الحكم بتعدد الأسباب، نعم لو رفع الولي أمره إلى الحاكم الشرعي يقتل قصاصاً بشرط أن يكون المقتول كفواً كما يأتي من أنّه يعتبر في القصاص أن يكون المقتول كفواً للقاتل وإلا فلا يقتص منه، ولكن لو عفى عنه يكون أمره إلى الحاكم، وكذا لو جرح ولم يقتل فللولي القصاص ولو اقتص فللحاكم الاختيار بين الأمور المتقدمة لإطلاق أدلة حد المحارب بل الأصل هو تعدد المسبب عند تعدد الاسباب .

(2) أي دية القصاص لأنّه له الحق بين أن يقتص أو يأخذ الدية، نعم ورد في صحيحة محمد بن مسلم إلى أن يقول فقال أبو عبيدة : «أن أراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه، ألهم ذلك ؟ قال (علیه السلام) لا عليه القتل»(1)،

ولكن أخذه للدية إنما هو فيما إذا أراد أولياء المقتول القصاصوتركه على حاله بدون قتله لا لأجل أنه يصدق عليه المحارب، أي عدم قتله من هذه الجهة .

ص: 216


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المحارب ح1 .

المسألة 264 : لو جرح المحارب أحداً، سواء أكان جرحه طلباً للمال أم كان لغيره، اقتص الولي منه ونفي من البلد، وإن عفا الولي عن القصاص فعلى الإمام أن ينفيه منه(1).

المسألة 265 : إذا تاب المحارب قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ولا يسقط عنه ما يتعلق به من الحقوق كالقصاص والمال، ولو تاب بعد الظفر به لم يسقط عنه الحد(2).

______________________________________________

(1) لما ذكرنا من أنّ تعدد الأسباب يستوجب تعدد المسببات، والأصل عدم التداخل فللولي الاقتصاص لأجل الجرح، ولابد من نفيه من البلد لأنّه لم يقتل، وهكذا لو عفى الولي فالنفي ثابت، لأنّ سقوط القصاص بالعفو لا يقتضي سقوط النفي الذي هو حدّ المحارب، لما ذكرنا من تعدد المسبب بعد العفو، فعلى الإمام أن ينفيه من البلد .

(2) لقوله تعالى : «إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ»(1)، أي قبل أن يأخذهم الإمام (علیه السلام) كما في الحديث(2)،

عن علي بن حسان عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: من حارب الله وأخذ المال وقتل، كان عليه أن يُقتل أو يصلب ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان عليه أن يُقتل ولا يصلب، ومن حارب وأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن تقطع يده ورجله من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن ينفى، ثم استثنى عزوجل: «إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ».

ولكن يختص السقوط بالحد دون حقوق الناس لاختصاص الآية بالحد ولا نظر للتوبة في حق الناس المتوقف سقوطه على اسقاط المستحق، إذاً حقوق الناس

ص: 217


1- سورة المائدة الآية / 34 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح1 .

كما لا يسقط غيره من الحقوق(1) .

المسألة 266 : لا يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم بعد ذلك ينزل ويصلى عليه ويدفن(2) .

______________________________________________

كالقتل والجرح والمال باقية، أمّا لو تاب بعد الظفر عليه فلا يسقط لعدم الدليل وقد أدّعي الإجماع عليه أيضاً .

(1) بعد أن قلنا بأنّها مختصة بسقوط الحدّ فقط .

(2) وعن المسالك : ظاهر الأصحاب أن النهي عن تركه أزيد من ثلاثة أيام على وجه التحريم، ومقتضاه كون الثلاثة من يوم صلبه لا من موته، والمعتبر من الأيام النهار دون الليل نعم تدخل الليلتان المتوسطتان تبعاً إلى أن يقول ولا فرق في ذلك بين الأيام الطويلة والقصيرة ولا الحارة ولا الباردة، وإن حصل به في الثلاثة مثلة عملاً بالعموم، وقد قيل إن الصلب سمي صلباً لسيلان صليب المصلوب وهو الودك حتى اعتبره، وبعض العامة لذلك(1).

والحق أنّه إذا علم بحصول المثلة في الثلاثة لابد أن ينزل قبلها لأنّ المثلة لا تجوز مطلقاً، وما دل على بقائه ثلاثة أيام روايات، منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «إن أمير المؤمنين (علیه السلام)صلب رجلاً بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله في اليوم الرابع فصلى عليه ودفنه»(2)،

ومعتبرته الاخرى : «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال : لا تدعو المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل فيدفن»(3)ومرسلة الصدوق قال، قال الصادق (علیه السلام) : «المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام ويغسّل ويدفن، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام»(4).

ص: 218


1- المسالك / 15 / 16 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح1.
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح2.
4- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح3.

المسألة 267 : ينفى المحارب من مصر إلى مصر ومن بلد إلى بلد إلى آخر ولا يسمح له بالاستقرار على وجه الأرض، ولا أمان له ولا يبايع ولا يؤوى ولا يطعم ولا يتصدق عليه حتى يموت(1) .

______________________________________________

(1) أي يكتب إلى كل بلد ياؤي إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته ومشاورته إلى أن يتوب، وهو المشهور بين الأصحاب وأدّعى البعض الإجماع عليه، والعمدة الروايات كمعتبرة عبيد الله المدائني عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) _ في حديث المحارب _ قال : «قلت كيف ينفى وما حد نفيه ؟ قال : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنّه منفي، فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه، فيفعل ذلك به سنة، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة، قلت : فإن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها ؟ قال : إن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتلأهلها»(1)

وفي صحيحة العياشي عن زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) في قول الله عز وجل : «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» قال : لا يبايع ولا يؤتى بطعام ولا يتصدق عليه»(2)ونحوهما رواية زرارة وإسحاق المدائني عن أبي الحسن (علیه السلام) : «إلا أنّه قال : فقال له الرجل فإن أتى أرض الشرك فدخلها ؟ قال : يضرب عنقه إن أراد الدخول في أرض الشرك»(3)،

وأمّا استمرار الحكم إلى أن يموت فيفهم من إطلاق الروايات.

ص: 219


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد المحارب ح2 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد المحارب ح8 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد المحارب ح3 .

السادس عشر: الارتداد

المرتد عبارة عمن خرج عن دين الإسلام، وهو قسمان فطري وملي، الاول : المرتد الفطري، وهو الذي ولد على الإسلام من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم، ويجب قتله، وتبين منه زوجته وتعتد عدة الوفاة، وتقسّم أمواله حال ردّته بين ورثته(1) .

______________________________________________

(1) الردة هي من أفحش أنواع الكفر واغلضها حكماً، كما دل عليه كتاباً وسنة، والكلام يقع في هذه المسألة بأمور، الأول ما يحصل به الارتدادالثاني ما في حكمه إن حصل، الثالث في أقسام المرتد، وهي على قسمين :

الأول : فطري وهو ما كان متولداً من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلم.

الثاني : وهو الملي سيأتي بيانه مفصلاً .

ويثبت الارتداد أمّا بالبينة، أو بالإقرار على نفسه بخروجه عن الإسلام أو ببعض أنواع الكفر، بل بكل فعل دال صريحاً على الاستهزاء بالدين والاستهانة به ورفع اليد عنه، كإلقاء المصحف في القاذورات وتمزيقه واستهدافه ووطئه، وتلويث الكعبة، أو أحد الأضرحة المقدسة بالقاذورات أو السجود للصنم، وعبادة الشمس ونحوها وإن لم يقل بربوبية ما يعبد من دون الله تعالى، ويدل على ذلك الإجماع، وقد عرفت حال هذه الإجماعات والمسألة غير خلافية والعمدة فيها الروايات .

منها : معتبرة عمار الساباطي قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمداً (صلی الله علیه و آله) نبوته وكذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(1).

ص: 220


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح3.

الثاني : المرتّد الملّي وهو من اسلم عن كفر ثم ارتد ورجع إليه وهذا يستتاب، فإن تاب خلال ثلاثة إيام فهو، وإلا قتل في اليوم الرابع(1)، ولا تزول عنه املاكه(2)، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته وتعتد عدة المطلقة إذا كانت مدخولاً بها(3).

______________________________________________

ومنها : صحيحة الحسين بن سعيد، قال : «قرات بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (علیه السلام) رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب ؟ فكتب (علیه السلام) يقتل»(1).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (علیه السلام) قال : «سألته عن مسلم تنصر، قال يقتل ولا يستتاب، قلت النصراني أسلم ثم ارتد، قال : يستتاب فإن رجع، وإلا قتل»(2)،

فهذه الصحيحة بإطلاقها تشمل ما إذا كان متولداً من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلم .

(1) أمّا عدم قتله واستتابته، فتدل عليه رواية علي بن جعفر المتقدمة وأمّا تحديده بالثلاثة أيام فلما جاء في معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) : «المرتد عن الإسلام تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل في اليوم الرابع، إذا كان صحيح العقل»(3).

(2) لأنّ الزوال مختص بالفطري، ولا دليل عليه بالنسبة إلى الملي .

(3) كما في معتبرة السكوني التي مرّ ذكرها، وتدل عليه معتبرة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (علیه السلام) « إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثاً، وتعتد منه كما تعتد المطلقة، فإن رجع إلى الإسلام

ص: 221


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح5 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد المرتد ح5 وقد رواه الصدوق بهذا الاسناد .

المسألة 268 : يشترط في تحقُّق الارتداد : البلوغ، وكمال العقل والاختيار، فلو نطق الصبي بما يوجب الكفر لم يحكم بارتدادهوكفره وكذا المجنون والمكره(1)، ولو أدعى الإكراه على الارتداد، فإن قامت قرينة على ذلك فهو وإلا فلا أثر لها(2) .

______________________________________________

وتاب قبل أن تتزوج، فهو خاطب ولا عدة عليها منه له وإنما عليها العدة لغيره»(1).

(1) والمسألة اتفاقية لحديث رفع القلم، بأن الصبي لا يحد ولكن يؤدب وكذا المجنون إن أثّر فيه التأديب خلافاً للمحكي عن خلاف الشيخ(2)فاعتبر إسلام المراهق وارتداده والحكم بقتله إن لم يتب للخبر «إن الصبي إذا بلغ عشر سنين اقيمت عليه الحدود التامة واقتص منه وتنفذ وصيته وعتقه»(3)ولكن شذوذه وعدم صراحته ومعارضته بما هو أقوى منه من وجوه يمنع من العمل به(4).

(2) قيل قُبل منه ذلك لدرأ الحدود بالشبهات، وقيل حتى ولو قامت البينة على ارتداده لأنّها تثبت الظاهر وهو يخبر عن الواقع، وقد استشكل استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بأن الرواية مرسلة(5)،

وأمّا ما ذكر بأن الرواية ذكرت في غير واحد من كتب الحديث ومدلوله مفتى به عند الفقهاء، ولكن ذلك كله لا يدفع إشكال السند ولا يكون هذا جابراً للخبر .

والحق كما ذكرنا تحقق التسالم بين الفقهاء فلا إشكال ولا خلاف بعدم الأخذ بالشبهة كما في غيره من الحدود، وهو قوله (صلی الله علیه و آلهوسلّم) : «ادرأوا الحدود بالشبهات» .

ص: 222


1- الوسائل باب 6 من أبواب موانع الارث ح5 .
2- الخلاف / 3/ 591 .
3- من لا يحضره الفقيه / 4/ 145 ، التهذيب / 9/ 181 .
4- الجواهر / 41 / 609 .
5- المباني /1 / 397 .

المسألة 269 : لو قتل المرتد الملّي أو مات كانت تركته لورثته المسلمين، وإن لم يكن له وارث مسلم، فالمشهور أنّ ارثه للإمام (علیه السلام) وهو لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد أن يكون كالكافر الأصلي فيرثه الكافر(1).

______________________________________________

وقال (قدس سرُّه) : فإنا قد ذكرنا أن المراد بالشبهة إن كانت هي الشبهة الواقعية فهي متحققة في أكثر موارد ثبوت الحد، وإن كان المراد بها الشبهة واقعاً وظاهراً فهي غير متحققة في المقام لتحقق ما يوجب الارتداد وجداناً والمانع هو الاكراه مدفوع بالأصل(1)، ولكن الحق القاعدة ثابتة عندهم كما ذكرنا فلا تصل النوبة إلى الأصل .

(1) ذكر صاحب التحرير : إن المرتد عن غير فطرة إذا قتل أو مات كانت تركته لورثته المسلمين، فإن لم يكن له وارث مسلم فهو للإمام

وأولاده الاصاغر بحكم المسلمين، فإن بلغوا مسلمين فلا بحث، وإن اختاروا الكفر استتيبوا، فإن تابوا وإلا قتلوا، سواء ولدهم قبل الإسلام أو بعده وأمّا لو ولدهم حال ارتداده، فإن كانت الأم مسلمة كانوا بحكمها، كما قلنا في الأب، وإن كانت مرتدة أو كافرة والحمل بعد ارتدادهما، فالأولاد بحكمهما(2)، وفي الجواهر : أمّا لو كان الميت مرتداً عن ملة أو فطرة ورثه الإمام (علیه السلام) مع عدم الوارث المسلم، أو مّا في حكمه كولده المنعقدة نطفته حال إسلامأبويه أو أحدهما فإنه كالمسلم، بلا خلاف أجده في الفطري، بل الإجماع بقسميه عليه، وعلى المشهور بين الأصحاب في الملي شهرة عظيمة كادت تكون اجماعاً، بل هي كذلك لتحرّمه بالإسلام، ولذا لا يجوز

ص: 223


1- مباني تكملة المنهاج /1 / 397 .
2- التحرير / 5 / 390 _ 391 .

................................

استرقاقه ولا يصح نكاحه لكافرة ولا مسلمة(1).

ولكن الحق إذا لم يكن له وارث مسلم، فيرثه ولده الكافر لصحيحة إبراهيم بن عبد الحميد، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) نصراني اسلم، ثم رجع إلى النصرانية ، ثم مات، قال : ميراثه لولده النصارى، ومسلم تنّصر ثم مات ؟ قال : ميراثه لولده المسلمين»(2).

وتحمل هذه على أن ميراثه لولده النصارى إذا لم يكن له وارث مسلم وتدل معتبرة ابان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل يموت مرتداً عن الإسلام وله أولاد، فقال : ماله لولده المسلمين»(3).

فهذه الرواية مقيدة للرواية الأولى إذا لم يكن للنصراني المرتد ولد مسلم ورثه ولده الكافر، أمّا مع وجود الورثة المسلمين فلا يرثه ولده الكافر والمسألة اتفاقيه.

ص: 224


1- الجواهر / 39/ 17 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب موانع الارث ح1 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب موانع الارث ح6 .

المسألة 270 : إذا كان للمرتد ولد صغير فهو محكوم بالإسلام ويرثه ولا يتبعه في الكفر، نعم إذا بلغ فاظهر الكفر حكم بكفره(1)، ولو ولد للمرتد ولد بعد ردته، كان الولد محكوماً بالإسلام أيضاً إذا كان انعقاد نطفته حال إسلام أحد أبويه فإنه يكفي في ترتب احكام الإسلام انعقاد نطفته حال كون أحد أبويه مسلماً وإن ارتد بعد ذلك(2).

المسألة 271 : إذا ارتدت المرأة ولو عن فطرة لم تقتل(3) .

______________________________________________

(1) لا يخفى أن الولد الذي ارتد أبوه، فهو إن كان حال انعقاد نطفته والده مسلماً فهو تابع لأبيه في الإسلام لا في الارتداد، والمسألة متفق عليها وذلك لاستصحاب حالته السابقة التي لا دليل على تغير هذه الحالة بارتداد الأب، ولذا لو كان أحد أبويه مسلماً، وانعقدت نطفة الطفل بإسلام أحد أبويه حكم بإسلامه، فلو ماتت الأم وهي مرتدة وكانت حامل به تدفن في مقابر المسلمين، نعم الطفل لو ولد وبلغ استتيب لأنه بحكم المرتد عن ملة فإن تاب وإلا قتل .

لأن الإسلام يكون حال انعقاد نطفته وهو مسلم وكان ارتداد الأب بعد اسلام الطفل، واستصحاب بقاء اسلامه جارٍ، إذاً لا يضر ارتداد أبيه .

(3) وقد ادعي عليه الإجماع، وفي الجواهر : بقسميه(1)، وفي الشرائع ولا تقتل المرأة بالردة، بل تحبس دائماً، وإن كانت مولودة على الفطرة وتضربأوقات الصلوات(2)، وتدل على ذلك صحيحة حماد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في المرتدة عن الإسلام قال (علیه السلام) : «لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب، وتضرب على الصلوات»(3).

ص: 225


1- الجواهر / 41 / 611 .
2- شرائع الاسلام / 4 / 183 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد المرتد ح1 .

وتبين من زوجها(1)، وتعتد عدة الطلاق(2)، وتستتاب فإن تابت فهو وإلا حبست دائماً وضربت في أوقات الصلاة، واستخدمت خدمة شديدة، ومنعت الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها، والبست خشن الثياب(3) .

______________________________________________

ومنها : معتبرة عباد بن صهيب عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والمرأة تستتاب، فإن تابت وإلا حبست في السجن، وأُضرّ بها»(1).

ومنها : صحيحة ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) : «في المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والمرأة إذا ارتدت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت وإلا خلدت في السجن وضيّق عليها في حبسها»(2).

(1) أمّا بينونيتها من زوجها لأنّه لا يجوز نكاح الكافرة ابتداء و استدامة واستثنى منه نكاح الكتابية بالمتعة وعلى اختلاف في الدوام قال تعالى : «وَلاَتُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ»(3)أي لا يجوز نكاح الكافرة إلا ما استثني .

(2) أمّا العدة للطلاق وذلك لأنّه إذا دخل بها تجب العدة فحينئذ يكون الفسخ والبينونة بعد انقضاء العدة والمنصرف منها عدة الطلاق إلا إذا كان هناك دليل خاص دل على أن العدة تكون عدة الوفاة كما مر في مسألة ارتداد الزوج إذا كان عن فطرة، ولعله لأجل عدم قبول توبته فهو يكون بحكم الميت.

(2) كل ذلك للروايات التي مرت .

ص: 226


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد المرتد ح4 .
2- الوسائل باب 4 أبواب حد المرتد ح6 .
3- سورة الممتحنة الآية / 10 .

المسألة 272 : إذا تكرر الارتداد في الملي أو في المرأة قيل، يقتل في الرابعة(1)، وقيل يقتل في الثالثة وكلاهما لا يخلو من إشكال بل الأظهر عدم القتل .

______________________________________________

(1) لقول الشيخ في الخلاف : المرتد الذي يستتاب إذا رجع إلى الإسلام ثم كفر ثم رجع، ثم كفر قتل في الرابعة ولا يستتاب إلى أن يقول ودليلنا إجماع الفرقة على أن كل مرتكب لكبيرة فإذا فعل به ما يستحقه قتل في الرابعة وذلك على عمومه(1)،

فنقول :

أولاً : على فرض ثبوته ليس بحجة .

ثانياً : مضافاً إلى ثبوت عدمه لأنّه نسب إليه بأنه قال : وروى أصحابنا بأنّه يقتل في الثالثة، أيضاً لما مر من الرواية «بأن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة» فالرواية وإن كانت صحيحة، ولكن لا تشمل المقام فإنّها خاصة بما إذا أقيم الحد على الجاني مرتين، وهو غير متحقق في المقام، نعم روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن جميل بن دراج وغيره عن أحدهما (علیهما السلام) : «في رجل رجع عن الإسلام، فقال : يستتاب فإن تاب وإلا قتل، قيل لجميل : فما تقول إن تاب ورجع عن الإسلام ؟ قال : يستتاب، قيل فما تقول إن تاب ثم رجع ؟ قال لم اسمع في هذا شيئاً ولكنه عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل بعد ذلك، قال : روى أصحابنا أن الزاني يقتل في المرة الثالثة»(2)، ورواهالشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، إلا أن هذه الرواية أولاً : ضعيفة بعلي بن حديد، وثانياً : من جهة الدلالة غير تامة، لأن المذكور فيها فتوى جميل .

ص: 227


1- الخلاف / 5 / 504 .
2- الكافي / 7 باب حد المرتد ح5 ، الوسائل باب 3 من أبواب حد المرتد ح3.

المسألة 273 : غير الكتابي إذا أظهر الشهادتين حكم بإسلامه، ولا يفتش عن باطنه، بل الحكم كذلك حتى مع قيام القرينة على أن اسلامه إنما هو للخوف من القتل، وأمّا الكتابي فقال جماعة بعدم الحكم بإسلامه في هذا الفرض وهو لا يخلو من إشكال، بل الأظهر هو الحكم بإسلامه(1) .

______________________________________________

أمّا رواية جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) هل تقدم على رواية الشيخ قال : أُتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل من ثعلبة، قد تنصر بعد اسلامه فشهدوا عليه، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) ما يقول هؤلاء الشهود ؟ فقال : صدقوا وأنا ارجع إلى الإسلام

فقال، أما إنك لو كذبت الشهود لضربت عنقك، وقد قبلت منك فلا تعد وإنك إن رجعت لم أقبل منك رجوعاً بعده»(1).

وفيها :

أولاً : في متنها موجود اشياء لم يقل به أحد وذلك ما قال به جميل، وقد ذكرنا في محله من البحوث الاصولية أن الرواية إذا كان فيها جمل متعددة فهي بمنزلة الروايات المتعددة، إذاً لا يضر بطلان جملة في صحة الرواية، وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أيضا .وثانياً : ضعفها بمحمد بن سالم فهو مشترك بين الثقة وغيره وعمرو بن شمر وهو ضعيف .

(1) وذلك لكفاية القول باللسان وقد أدعي على ذلك السيرة القطعية وقد كانت جارية في زمن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) بأنّه كل من يتشهد الشهادتين كان يقبل منه وإن كان منافقاً ولا يحتاج إلى التفتيش لأنّه يحتمل أن يكون الإسلام هو الإقرار باللسان ولو لم يعلم بأنّه قصد إلى مدلوله، بل كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من البعيد جداً

ص: 228


1- التهذيب / 10 / 137 _ 138 ، باب في حد المرتد والمرتدة .

................................

لو لم يكن مستحيلاً عادة حصول اليقين القلبي للكفرة بمجرد مشاهدتهم غلبة الإسلام وتقدمه .

ومن هذا القبيل اسلام المرتد الملي فإنّه يستتاب ثلاثة أيام، فان لم يتب قتل فإن اسلامه حينئذٍ يكون في الغالب خوفاً من القتل، وكذلك المرأة المرتدة ولو عن فطرة فإنها تحبس وتضرب أوقات الصلاة ويضيق عليها في الطعام والشراب حتى تتوب أو تسلم(1).

فإن توبتها غالباً تكون عن اكراه والخوف من الضرب، وقلنا بأن الإسلام هو إظهار الشهادتين وبه تحقن الدماء وتجري عليه قاعدة المواريث ويجوز له التزويج من مسلمة وقد وردت في ذلك رواية معتبرة كما عن سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) اخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان ؟ فقال : إن الإيمان يشارك الإسلام، والإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت : فصفها لي فقال : الإسلام شهادة أن لا اله إلا الله والتصديق برسول الله (صلیالله علیه و آله وسلّم) به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث»(2).

ص: 229


1- مباني تكملة المنهاج / 1 / 403 .
2- الكافي /2 باب الايمان يشارك الاسلام ح1 .

المسألة 274: إذا صلى المرتد أو الكافر الأصلي في دار الحرب أو دار الإسلام، فإن قامت قرينة على أنّها من جهة التزامه بالإسلام حكم به، وإلا فلا(1) .

______________________________________________

(1) يقول المحقق : إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده، سواء فعل ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام(1)،

وفي الجواهر : إذا لم يسمع منه الشهادتان أو كان كفره بغير انكارهما(2)

وعن صاحب المسالك : إنما لم تكن الصلاة اسلاماً لإمكان فعلها تقية أو اراءة وهذا يتم مع عدم سماع لفظ الشهادتين، أو مع كون الارتداد بإنكار غير الصلاة من فروض الإسلام، أمّا مع سماع لفظهما وكون المطلوب من اسلامه ذلك، فالمشهور أن الأمر فيه كذلك لأن الصلاة لم توضع دليلاً على الإسلام ولا توبة للمرتد، وإنما وضعت الشهادتان دلالة عليه مستقلتين لا جزء من غيرهما وفيه نظر(3).

قد يقال: بأن الصلاة حيث أنّها تشتمل على الشهادتين فالآتي بالصلاة يكون مظهر لهما .

قلنا : إن الشهادتين إنما تكفيان إذا قصدتا لفظهما كما في الصلاة وإن كان قصدهما ضمنياً والمعتبر في إثبات الإسلام هو قصد معناهما، إذاً الاتيان بالصلاة لا يكون كاشفاً عن الإسلام وبمجرد كونهما جزء من الصلاة لا يكشفان عن الإسلام، إلا إذا قامت قرينة كاشفة عن التزامه بالإسلام فيها وإلا فلا، نعم يكفي إذا قصد معناهما، ولكن لا يمكن الاطلاع على ذلك إذاً بمجردالاتيان بالصلاة لا يكشف عن اسلامه .

ص: 230


1- شرائع السلام /4 / 185 .
2- الجواهر / 41 /624 .
3- المسالك /15 /32 .

المسألة 275 : لو جنّ المرتد الملي وبعد ردته وقبل توبته لم يقتل وإن جنّ بعد امتناعه عن التوبة قتل(1) .

المسألة 276 : لا يجوز تزويج المرتد بالمسلمة، وقيل بعدم جواز تزويجه من الكافرة أيضاً، وفيه إشكال بل الأظهر جوازه، ولاسيما في الكتابية، ولاسيما في المتعة(2) .

______________________________________________

(1) لأن قتله متوقف على امتناعه من التوبة وامتناع المجنون لا حكم عليه، نعم لو امتنع من التوبة وجن فيقتل لأنّه حصل شرط قتله وهو الامتناع من التوبة، وعروض الجنون بعده لا يكون سبباً لسقوط القتل عنه لعدم الدليل على سقوطه ولإطلاق الأدلة كما أن المرتد الفطري يقتل إذا طرأ عليه الجنون أيضاً وذلك لعدم سقوط قتله بالتوبة .

(2) قال المحقق : إذا تزوج المرتد لم يصح سواء تزوج بمسلمة أو كافرة لتحرمه بالإسلام المانع من التمسك بعقد الكافرة واتصافه بالكفر المانع من نكاح المسلمة(1)وفي الدروس : ولا يصح تزويج المرتد والمرتدة على الاطلاق لأنه دون المسلمة وفوق الكافرة، ولأنه لا يقر على دينه والمرتدة فوقه لأنها لا تقتل(2).

قال في الجواهر : لكنه لا يتم في الكتابية بناء على جواز تزويج المسلم بها مطلقاً أو متعة، ضرورة أن الإسلام لا يمنع من التمسك بعقدها على هذاالوجه فأولى أن لا يمتنع ما دونه(3).

إذاً التزويج من غير المسلم يكون بطريق أولى جائز، وأمّا تزويجه من غير الكافرة فقد ادعي الإجماع عليه، وفيه لم يثبت إجماع تعبدي، ففي الكافرة جائز من

ص: 231


1- شرائع الإسلام /4 /185 .
2- الدروس / 2 / 69 .
3- الجواهر / 41 / 629 .

المسألة 277 : لا ولاية للأب أو الجد المرتد على بنته المسلمة لانقطاع ولايتهما بالارتداد(1) .

المسألة 278 : يتحقق رجوع المرتد عن ارتداده باعترافه بالشهادتين إذا كان ارتداده بإنكار التوحيد أو النبوة الخاصة، وأمّا إذا كان ارتداده بإنكار عموم نبوة نبينا محمد (صلی الله علیه و آله وسلّم) لجميع البشر فلابد في توبته من رجوعه عما جحد وأنكر(2) .

______________________________________________

جهة عدم الدليل، ولكن يمكن أن يقال بأنه مادام متصفاً بالإسلام ولو ادون فجواز تزويجه مشكل .

(1) بل لو زوج بنته المسلمة فتزويجها باطل وأدّعي عدم الخلاف وللأصل ولأنّه لم تثبت ولايته والتسلط عليها قال تعالى : «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»(1)، فلها أن تتزوج بدون اذنهما وتسقط شرطية اذنهما .

وقال في المسالك : أمّا انتفاء ولايته على أبنته فلأنّه محجور عليه في نفسه فلا يكون ولياً لغيره ولأنّه بكفره لا يصلح ولياً على المسلم، ولا سبيل لهعليها وهو منفي بالآية الشريفة(2).

(2) لا يخفى أنّه يثبت الارتداد أمّا بشهادة عدلين، أو بالإقرار، وأمّا إثبات رجوعه أيضاً لابد من إثباته بهما لما عرفت أن اظهار الشهادتين يكفي في الحكم بالإسلام سواء كان كافراً اصليا واظهر الشهادتين أو مرتداً، نعم لو كان ارتداده بانكار غير الشهادتين وجحوده لغيرهما فلابد من رجوعه وتوبته عما جحد وأنكر بعد أن رجع انكاره لتكذيب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) .

ص: 232


1- سورة النساء الآية 141 .
2- المسالك / 15 / 35 _ 36.

المسألة 279 : إذا قتل المرتد عن فطرة أو ملة مسلماً عمداً جاز لولي المقتول قتله فوراً، وبذلك يسقط قتله من جهة ارتداده بسقوط موضوعه نعم لو عفا الولي أو صالحه على مال قتل من ناحية ارتداده(1).

المسألة 280 : إذا قتل أحد المرتد عن ملة بعد توبته، فإن كان معتقداً بقاءه على الارتداد لم يثبت القصاص(2)ولكن تثبت الدية .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، وأيضاً لتقديم حق الناس على حق الله، أمّا سقوط قتله بالردة لأنّه لم يبق موضوع، نعم لو عفى الولي أو صالحه على مال فيقتل بالردة لبقاء الموضوع .

(2) خلافاً لما حكي عن الشيخ في التحرير حيث قال : لو تاب المرتد فقتله من يعتقد بقاءه على الردة، قال الشيخ يثبت القود لوجود المقتضي وهوقتل المسلم ظلماً، وفيه اشكال من حيث عدم القصد إلى قتل المسلم(1)

وكذا قال في الخلاف : إذا ارتد الرجل ثم رأهُ آخر من المسلمين مخلّىً فقتله معتقداً أنّه على الردة فبآن أنّه كان رجع إلى الإسلام، فإن علمه راجعاً إلى الإسلام كان عليه القود بلا خلاف، وإن لم يعلم رجوعه كان عليه أيضاً القود(2).

وقال في القواعد : ولو تاب فقتله من يعتقد بقاءه على الردة، قيل يقتل لتحقق قتل المسلم ظلماً، ويحتمل عدمه لعدم القصد إلى قتل المسلم(3).

ونسب إلى ابن شهر آشوب في محكي متشابه القرآن، أمّا سبب جواز قتل من قتله لأنه قتل مسلماً ظلماً ولا يصدق عليه المرتد بعد توبته فهو مسلم حقيقة

ص: 233


1- التحرير / 5 / 393 .
2- الخلاف / 5 / 503 .
3- القواعد / 3 / 575.

المسألة 281 : إذا تاب المرتد عن فطرة لم تقبل توبته بالنسبة إلى الأحكام اللازمة عليه من وجوب قتله وانتقال أمواله إلى ورثته وبينونة زوجته منه، وأمّا بالإضافة إلى غير تلك الأحكام فالأظهر قبول توبته فتجري عليه أحكام المسلم، فيجوز له أن يتزوج من زوجته السابقة أو امرأة مسلمة أخرى وغير ذلك من الأحكام(1) .

______________________________________________

فتشمله عموم الآية : «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1)، ولكن القصاص من القاتل في ما إذا كان متعمداً لقتل مسلم وهو موضوع وجوب القصاص قال تعالى : «وَمَنْيَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»(2).

وأمّا ثبوت الدية لكي لا يذهب دم المسلم هدراً، وأمّا إذا قتله وهو عالم بتوبته فيقتص منه لأنّه قتل مسلماً .

(1) لا يخفى بأن ما ورد من عموم قبول التوبة تشمل جميع احكام المرتد بالنسبة إلى عدم جواز قتله وابقاء ماله وعدم بينونة زوجته وعدم انتقال ماله إلى الورثة، وهكذا يجوز له أن يتزوج زوجته السابقة أو امرأة مسلمة أخرى لأنّها أي التوبة اصبحت سبباً لرجوع اسلامه، وإذا اظهر الشهادتين يحكم بإسلامه وأنّه مكلف بالفروع، ولو قلنا بعدم قبول توبته لامتنع تكليفه بها، لأنّه غير قادر على الاتيان بها بعد عدم قبول توبته مع أنّه مسلم وهو مكلف بالإتيان بالأعمال كافة .

نعم في موارد خاصة جاء الدليل من وجوب قتله إذا كان فطرياً وانتقال أمواله إلى ورثته وبينونة زوجته فقد خرج عن هذا العموم كما في موثقة عمار

ص: 234


1- سورة المائدة الآية / 45 .
2- سورة النساء الآية / 93 .

الساباطي قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمداً (صلی الله علیه و آله وسلّم) نبوته وكذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(1)، وصحيحة محمد ابن مسلم، قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن المرتد فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما أُنزل على محمد (صلی الله علیه و آله وسلّم) بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجبقتله وبانت منه امرأته، ويقسم ما ترك على ولده»(2)، وهذه وإن كانت مطلقة ولكن ببركة موثقة عمار تحمل على المرتد الفطري .

ص: 235


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح3 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح2 .

ص: 236

كتاب التعزيرات

ص: 237

ص: 238

كتاب التعزيرات

المسألة 282 : من فعل محرماً أو ترك واجباً إلهياً عالماً عامداً عزّرهُ الحاكم حسب ما يراه من المصلحة(1) .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ونعم ما قال : وتدل على ذلك عدة أمور :

الأول : فعل أمير المؤمنين (علیه السلام) ذلك في موارد مختلفة كما يظهر في عدة روايات في أبواب متفرقة، وهذا يدل بوضوح على مشروعية ذلك .

الثاني : إن الإسلام قد اهتم بحفظ النظام المادي والمعنوي واجراء الأحكام على مجاريها، ومن الطبيعي أن هذا يقتضي التعزير من قبل الحاكم لكل من خالف النظام(1).

الثالث : النصوص الخاصة الواردة في موارد مخصوصة الدالة على أنللحاكم التعزير و التأديب حتى في الصبي والمملوك .

الرابع : ما ورد في عدة روايات من أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء حداً، منها : معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «قال إن لكل شيء حداً ومن تعدى

ص: 239


1- مباني تكملة المنهاج /1 /339 .

................................

ذلك الحد كان له حداً»(1).

وأمّا أنّه يكون حسب نظر الحاكم ولما يراه من المصلحة، فهذا أيضاً متفق عليه، كما ورد في صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له كم التعزير ؟ فقال : دون الحد، قال : قلت دون الثمانين، قال : لا ولكن دون اربعين فإنه حد المملوك، قلت وكم ذاك، قال : على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه»(2).

وأمّا مقداره فعن جماعة منهم المحقق في الشرائع : أنّه لا يبلغ حد الحر في الحر وحد العبد في العبد(3)ونسبه

المجلسي في مرآة العقول إلى الأصحاب(4)وهكذا تحديد معتبرة إسحاق بن عمار، قال : «سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن التعزير كم هو، قال : بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين»(5)،

في غير محله، بل لابد من حملها إذا رأى الإمام ذلك لأجل ضعف بدن الرجل أو لأجل توبته بذلك ورجوعه عن المنكر .

ص: 240


1- الوسائل باب 3 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب بقية الحدود ح3 .
3- الشرائع / 4 / 172 .
4- مرآة العقول / 23 / 374 .
5- الوسائل باب 10 من أبواب بقية الحدودح1 .

ويثبت موجب التعزير بشهادة شاهدين وبالإقرار(1) .

______________________________________________

(1) وأمّا بالنسبة إلى شهادة شاهدين، فإن المسألة غير خلافية ولعموم ما دل على حجيتها وإطلاقها كصحيحة فضل بن شاذان عن الرضا (علیه السلام) «وجعل بعد التكبير الشهادتان، لأن أول الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة، وإن طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، ولأن أصل الإيمان إنما هو الشاهدتان، فجعل الشهادتين كما جعل في سائر الحقوق شاهدان»(1)،

وغيرها من الروايات .

وأمّا الإقرار فلعموم ما دل على أن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز(2)

وهل يكفي الإقرار لمرة أو لابد من المرتين، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : وأمّا ثبوته بالإقرار فلعموم دليله وعدم موجب للتقييد، نعم قيل كما عن الحلي وغيره أنه لا يثبت إلا بالإقرار مرتين(3)، لأنّه يعتبر شهادة عدلين، إذاً كل إقرار يكون بمنزلة شهادة واحدة فغير تام، وفي المسالك ذكر قول المحقق ثم بعد ذلك قال : كلما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه يثبت بشاهدين أو الإقرار مرتين على قول(4)، ثم قال رحمه الله أمّا ثبوته بشاهدين فلا إشكال فيه لأنّ ذلك حق ليس بمال فلا يثبت بدونهما، ولا زنا فلا يتوقف على الزائد فيدخل في عموم ما دل على اعتبار الشاهدين، وأمّا توقفه على الإقرار مرتين فهو المشهور(5)، لأنّه كما ورد في محله أن كل إقرار بمنزلة الشهادة .

ص: 241


1- الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة ح14 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب كتاب الاقرار ح2 .
3- مباني تكملة المنهاج / 1 / 409 .
4- شرائع الإسلام / 4 / 167 .
5- المسالك / 14 / 456 .

المسألة 283 : إذا أقرّ بالزنا أو اللواط دون الأربع لم يحد ولكنه يعزر(1) .

المسألة 284 : من اقتض بكراً غير الزوجة والمملوكة بأصبع أو نحوها عزر على المشهور، وفيه إشكال، والأقرب يحد ثمانين جلدة(2) .

______________________________________________

(1) لا يخفى بأن اللواط أو الزنا لا يثبتان إلا بالإقرار لأربع، فأقل من ذلك لا يكفي في إثباتهما، أمّا لزوم التعزير يكون اجراؤه من قبل الحاكم لردع اشاعة الفحشاء ولكشف ما ستره الله تعالى، والإقرار نافذ في حق المقر في ثبوت الجلد أو الحد المشروط بأربع مرات لا ينافي لزوم التعزير وبعد أن كان الإسلام دين النظام والقانون وجاء لإسعاد البشرية والمنع عما يرتكب من الأمور التي تكون سبباً للانحطاط الخلقي فلابد من وضع الحدود .

(2) في المسألة أمور :

الأول : أن المقتض رجلاً كان أو امرأة لإطلاق الأدلة .

الثاني : أن المراد من البكر الحرة لا المملوكة كما هو المنساق .

الثالث : ورود في بعض الروايات لفظ الحد، ولكن يكون المراد به التعزير لا الحد التام .

الرابع : مقدار الحد، فما عن الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إن تم إجماع على ذلك فهو، ولكنه غير تام، فإذاً لا موجب لرفع اليد عن ظهور صحيحة ثمانينفي تعيين ذلك(1).

أقول : بما أن الإجماع ليس حجة عنده سواء تم الإجماع أم لم يتم، فلابد من الرجوع إلى الصحيحة الدالة على الثمانين تبعاً للمفيد بقوله : من افتض جارية بأصبعه ضرب من ثلاثين سوطاً إلى ثمانين عقوبة على ما جناه والزم صداق المرأة

ص: 242


1- مباني تكملة المنهاج / 1 / 411 .

................................

لذهابه بعذرتها(1)،

والديلمي(2)،

وقال في الجواهر : يحكى عن المفيد والديلمي أنّها أكثره، قالا فيجلد حينئذٍ من ثلاثين إليها، وعن الشيخ من ثلاثين إلى سبعة وتسعين، وعن ابن إدريس إلى تسعة وتسعين تنزيلاً على قضية المصلحة أو لا تقدير فيه قلة ولا كثرة فيفوض إلى رأي الحاكم(3).

فعلى أي حال قد وردت هناك صحيحتان الأولى عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في امرأة افتضت جارية بيدها قال، قال : عليها مهرها، وتجلد ثمانين»(4)،

وصحيحته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في امرأة افتضت جارية بيدها، قال : عليها المهر وتضرب الحد»(5)، أي التعزير لأنّه حد أيضاً وتحمل هذه على الأولى، إذاً يكون التعزير ثمانين، كما مرّ ذكر رأي الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) في هذه المسألة، ولعل مراده من الإجماع الاتفاق ولكن المشهور يكون على تفويض رأي الحاكم، كما عن الأكثر، وقال في الجواهر : ولعله الأقوى لإطلاق ما دل على ذلك فيه، ولامعارض له إلا خبر الثمانين الظاهر في تعينها، ولا قائل به اصلاً، فيطرح أو يكون المراد بيان أحد أفراده(6).

وأمّا بالنسبة إلى رأي الحاكم فالمسألة غير خلافية، وأمّا بالنسبة إلى الثمانين لم يقل به أحد، فقول المشهور هو الأقوى، هذا إذا كان المقتض غير الزوج، أمّا لو كان هو فقد فعل حراماً خصوصاً إذا أصبح سبباً لإيذائها وليس عليه شيء .

ص: 243


1- المقنعة / 785 .
2- المراسم / 255 .
3- الجواهر / 41 / 371 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب حد الزنا ح4 .
5- الوسائل باب 39 من ابواب حد الزنا ح1.
6- الجواهر / 41 / 371 .

المسألة 285: لابأس بضرب الصبي تأديباً خمسة أو ستة مع رفق(1).

______________________________________________

(1) لا يخفى بأنّ أصل التأديب جائز، بل في بعض الموارد لازم، ولكن الكلام في مقدار الضرب، والروايات مختلفة في ذلك، ثم إن المؤدب تارة يكون الولي وأخرى غيره وثالثة المعلم .

وأمّا بالنسبة إلى الولي فقد ورد في ذلك معتبرة حماد بن عثمان قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في أدب الصبي والمملوك، قال خمسة أو ستة وارفق»(1)،

ومعتبرة إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم، قال : وكم تضربه ؟ قلت ربما ضربته مائة فقال مائة مائة ؟ فأعاد ذلك مرتين، ثم قال : حدّ الزنا اتّق الله، فقلت : جعلت فداك، كم ينبغي لي أن اضربه ؟ فقال : واحداً فقلت : والله لو علم أني لا اضربه إلا واحداً ما ترك لي شيئاً إلا أفسده، قال : فاثنين، فقلت هذا هو هلاكي، قال : فلم أزل أُماكسه حتى بلغ خمسة، ثم غضب، فقال يا إسحاق إنكنت تدري حدّ ما أجرم، فاقم الحدّ فيه، ولا تعدّ حدودَ الله»(2).

وأمّا بالنسبة إلى غير الولي قد ورد في ذلك معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) أدب اليتيم بما تؤدب منه ولدك، واضربه مما تضرب منه ولدك»(3).

وأمّا في المعلم، فلا يجوز الضرب أكثر من ثلاثة لمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) القى صبيان الكتاب الواحهم بين يديه ليُخيّر بينهم، فقال : أمّا أنّها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم ابلغوا معلّمكم إن ضَرَبكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أُقتصّ منه»(4).

ص: 244


1- الوسائل باب 8 من أبواب بقية الحدود ح1.
2- الوسائل باب 30 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .
3- الوسائل باب 85 من أبواب احكام الاولاد ح1 .
4- الوسائل باب 8 من أبواب بقية الحدود ح2 .

كما لابأس بضرب المملوك تأديباً إلى عشرة(1) .

______________________________________________

(1) لا إشكال في عدم تأديب المملوك في أكثر من عشرة لصحيحة حريز بن عبد الله عن أبي الله (علیه السلام) قال : «لا بأس إن يؤدب المحرم عبده ما بينه وبين عشرة اسواط»(1)،

فهذه وإن وردت في المحرم ولكن في غيره يكون بطريق أولى، والجمع بينها وبين رواية حماد بن عثمان قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في أدب الصبي والمملوك، فقال : خمسة أو ستة، وأرفق»(2)، وهكذا رواية زرارة بن أعين المروي في المحاسن قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما ترى في ضرب المملوك، قال : ما أتى فيه على يديهفلا شيء عليه، وأمّا ما عصاك فيه فلا بأس، قلت : كم اضربه ؟ قال : ثلاثة، أو اربعة أو خمسة»(3).

ويفهم من الروايات أن له الضرب إلى العشرة أو أنّه مخير بين العشرة أي من واحد إلى العشرة، ويكره أن يزداد في تأديب الصبي على عشرة اسواط وكذا المملوك .

قال في الجواهر: وإن لم أجد له شاهداً، بل ولا موافقاً، وقيل والقائل الشيخ في النهاية إن ضرب عبده في غير حدٍ حداً لزمه اعتقاه، ولكن هو على الاستحباب(4).

ولصحيح أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : من ضرب مملوكاً حداً من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه، لم يكن الكفارة إلا عتقه»(5)،

ولكن ما استدل به ليس بصحيح وذلك :

أولاً : من جهة الدلالة فهي غير تامة، لأنّها لم تدل على الضرب فوق الحد .

ثانياً : لابد من طرحها لعدم العمل بها .

ص: 245


1- الوسائل باب 9 من أبواب تروك الاحرام ح1 .
2- الوسائل باب 95 من أبواب بقية الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب بقية الحدود ح3 .
4- الجواهر / 41 / 446 .
5- الوسائل باب 27 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .

المسألة 286 : من باع الخمر عالماً بحرمته غير مستحلٍّ عُزّر، وإن استحله حكم بارتداده، وإن لم يكن عالماً بحرمته فلا شيء عليه، ولكن يبين له حرمته ليمتنع بعد ذلك وكذلك من استحل اشياء من المحرمات المعلوم حرمتها في الشريعة الإسلامية، كالميتة والدم ولحم الخنزير والربا ولو ارتكب اشياء منها غير مستحلٍّ عُزّر(1) .المسألة 287 : لو نبش قبراً ولم يسرق الكفن عزر(2).

______________________________________________

(1) وذلك للردع عن المنكر وهذا يأتي بالنسبة إلى غير مستحل المحرمات، وأمّا إذا كان مستحلاً للمحرمات التي اجمع المسلمون على تحريمها فإنه إذا كان انكاره واستحلاله سبباً لتكذيب أو إنكار صاحب الشريعة فإنّه مرتد، فإن كان عن فطرة يقتل، ويستتاب إن كان عن ملة ولكن قال المحقق بنحو الإطلاق : من باع الخمر مستحلاً يستتاب فإن تاب وإلا قتل(1)، وهو الحق لأن المستحل مطلقاً لا يقتل إلا بعد الإستتاب .

(2) أمّا الحد يكون على السرقة وهذا لم يسرق كما ورد في مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في النباش إذا أُخذ أول مرة عزر، فإن عاد قطع»(2)، وصحيحة علي بن سعيد قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) : عن النباش ؟ قال : إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر»(3).

وقال ابن سعيد الحلي : ومن نبش قبراً ولم يسلب لم يقطع(4)،

وقال العلامة في القواعد : ولو نبش ولم يأخذ عزر، فإن تكرر وفات السلطان كان له قتله

ص: 246


1- شرائع الإسلام / 4 في مسألة بائع الخمر .
2- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح16.
3- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح13.
4- الجامع للشرائع / 562 _ 563 .

المسألة 288 : لو سرق ولا يمين له أو سرق ثانياً وليس له رجل يسرى سقط عنه الحد وعزره الإمام حسب ما يراه منالمصلحة(1).

المسألة 289 : قد تقدم اختصاص قطع اليد بمن سرق من حرز(2) وأمّا المستلب الذي يأخذ المال جهراً أو المختلس الذي يأخذ المال خفية ومع الاغفال والمحتال الذي يأخذ المال بالتزوير والرسائل الكاذبة فليس عليهم حد وإنما يعزرون .

______________________________________________

للردع(1)، ولما ذكر بأن الإسلام دين السلام والنظام وهذا سبب للأخلال بالنظام كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه فعل معصية كبيرة فيثبت بها التعزير(2)، ولكنه غير تام لأن بعض المعاصي الكبيرة لا يجب فيها التعزير إلا إذا استوجب الاخلال .

(1) قد مرّت هذه المسألة مفصلاً، ولأنّه لم يبق موضوع يكون قابلاً للقطع، وأمّا التعزير لأجل عدم الاخلال بالنظام لا للمعصية الكبيرة، لأن بعض المعاصي _ كالكذب _ لا تعزير لمرتكبه، نعم في بعض المعاصي الكبيرة الحد وبعضها فيها التعزير، كما ورد الدليل حسب ما يراه الحاكم، كما مرّ إذا لم يكن التعزير محدداً من قبل الشارع .

(2) قد تقدّم شرح هذه المسألة مفصلاً، وأمّا من سرق لا من الحرز أو يأخذ المال جهراً أو المختلس الذي يأخذ المال خفية ومع الاغفال والمحتال وهو صاحب التزوير والرسائل الكاذبة فليس عليهم الحد، وإنما يعزرون لأجل اخلالهم بالنظام، ويكون ذلك حسب نظر الحاكم، ووردت به رواية كما فيموثقة سماعة قال «قال : من سرق خلسة خلسها لم يقطع ولكن يضرب ضرباً شديداً»(3).

ص: 247


1- القواعد / 3 / 563 .
2- المباني /1 / 314 .
3- الوسائل باب 12 من أبواب حد السرقة ح5.

المسألة 290 : من وطىء بهيمةً مأكولة اللحم أو غيرها فلا حدّ عليه ولكن يعزره(1)، الحاكم حسبما يراه من المصلحة، ويُنفى من بلاده إلى غيرها، وأمّا حكم البهيمة نفسها وحكم ضمان الواطئ فقد تقدما في المسألة التاسعة من باب الاطعمة والاشربة .

______________________________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمور :

الأول : في ثبوت التعزير، لا شك ولا شبهة إن المسألة غير خلافية وقد ادعوا الإجماع، ولكن هذا الإجماع في ذاته كما مرّ ليس بحجة، لأنّه مقطوع المدركية، وإن العمدة الروايات وهي المدرك :

منها: معتبرة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) : «أنه سئل عن راكب البهيمة، فقال : لا رجم عليه ولا حدّ ولكن يعاقب عقوبة موجعة»(1).

ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل يقع على بهيمة، فقال : ليس عليه حدّ ولكن يضرب تعزيراً»(2).

ومنها : حسنة سدير عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في رجل يأتيالبهيمة قال : يجلد دون الحدّ ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها»(3).

ومنها : موثق سماعة «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يأتي البهيمة إلى أن قال : أن يجلد حداً غير الحدّ»(4).

الثاني : وهناك عدة روايات، منها ما دلت على أنه يقتل، ومنها : على أنه حدّهُ حد الزاني .

ص: 248


1- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح11 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح5 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح4 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح2 .

................................

الثالث : ما دلت على أنه ربع حدّ الزاني .

أمّا ما يدل على أنه يقتل كصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل أتى بهيمة ؟ قال يقتل»(1)،

وخبر سليمان بن هلال، قال : «سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يأتي البهيمة، فقال : يقام قائماً ثم يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ، قال : فقلت : هو القتل، قال : هو ذاك»(2)،

والحق كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : مضافاً إلى أنّها لا عامل بها من الأصحاب معارضة بما يأتي(3).

وأمّا ما دل بأن حدّه حد الزاني كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل أتى بهيمة فأولج، قال : عليه الحد»(4)، ورواية أبي فروة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الذي يأتي بالفاحشة والذي يأتي البهيمة حدّه حد الزاني»(5)، وهذه الروايات أيضاً لم يعمل بها أحد ومع ذلكفهي معارضة بما يأتي من الروايات، مضافاً إلى أن صحيحة أبي بصير لم تدل على المطلب وغير صريحة في حدّ الزنى، والثانية ضعيفة من جهة السند، وأمّا الروايات التي دلت على أنه ربع حدّ الزاني، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) وعن حسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام)، وعن صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم موسى (علیه السلام) : «في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعاً إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت فإذا ماتت احرقت بالنار، ولم ينتفع بها، وضرب هو خمسة وعشرين سوطاً ربع حد الزاني»(6)،

ص: 249


1- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح7 .
3- المباني / 1 / 415 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح8 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح9 .
6- الوسائل باب 1 من ابواب نكاح البهائم ح1.

................................

وعليها تحمل معتبرة سماعة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يأتي بهيمة شاة، أو ناقة، أو بقرة، قال، فقال : عليه أن يجلد حداً غير الحد، ثم ينفى من بلاده إلى غيرها»(1)، ومعتبرة سدير عن أبي جعفر (علیه السلام) : «عن الرجل يأتي البهيمة، قال (علیه السلام) يجلد دون الحد»(2)وأمّا

ما ورد من الروايات بأنّه يقتل لا عامل بها، فتحمل على من يستحل ذلك أو تكرر منه العمل، وأمّا ما ورد بأنه حُدّ حدّ الزاني، فعن الشيخ حمل على ما لو عاد بعد التعزير، أو ما تحقق الإيلاج، ونصوص التعزير على الإتيان دون الإيلاج، ولكن هو جمع تبرعي، فالعمدة أنّه لم يعمل أحد بها، وأمّا ما دلت على ربع الحدّ فهي :

أولاً : معارضة بروايات التعزير وبقية الروايات .ثانياً : إن روايات التعزير تقدم ما يسندها من عمل المشهور بها، وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : لموافقتها لما دل على ثبوت التعزير على ارتكاب كل معصية كبيرة(3)،

وقد ذكرنا بأنّه ليس في كل معصية كبيرة حداً، إذاً الحق هو تعزيره بما يراه الحاكم حسب المصلحة، وأمّا نفيه من البلاد لما ورد في معتبرة سماعة قال : «سألت أبا عبد الله عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة، قال، فقال : عليه أن يجلد حداً غير الحد ثم ينفى من بلاده إلى غيرها»(4).

وأمّا البهيمة الموطوءة تارة تكون مأكولة اللحم كالشاة والبقر ونحوهما قال في الجواهر _ بعد أن ذكر قول المصنف _ : وأمّا التحريم فيتناول لحمها والبانها

ص: 250


1- الوسائل باب 1 من ابواب نكاح البهائم ح2 .
2- الوسائل باب 1 من ابواب نكاح البهائم ح4 .
3- المباني / 1 / 417 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح2.

المسألة 291 : من بال أو تغوط في الكعبة متعمداً أخرج منها ومن الحرم، وضربت عنقه(1)، ومن بال أو تغوط في المسجد الحرام متعمداً ضرب ضرباً شديداً .

______________________________________________

ونسلها تبعاً لتحريمها(1)، قال الباقر والصادق (علیهما السلام) في اخبار عبد الله ابن سنان والحسين بن خالد وإسحاق بن عمار، ذبحت واحرقت بالنار ولم ينتفع بها، وقال سدير عن أبي جعفر «في الرجل يأتي البهيمة يجلد دون الحد، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه»(2)،

هذا إذا كانت مشخصةومعلومة ولو وقع بين قطيع من الغنم واشتبه بها قسم القطيع نصفين ثم يقرع ثم قسم الخارج بالقرعة إلى أن يصل إلى واحده فيعمل بها ما يعمل بالمعلومة من الذبح والحرق، وأمّا إذا كانت غير مأكولة أي كان المقصود منها الظهر كالبغل والحمار نفيت من البلد وبيعت في غيره ويغرم قيمتها لصاحبها إن عرف المالك وإذا لم يعرفه تصدق بثمنها.

(1) أمّا التبول والتغوط تارة يكون في المسجد الحرام وأخرى في الكعبة ويكون متعمداً فيهما، وأخرى بدون تعمد أفلت منه بوله أو غائطه .

أمّا إذا كان متعمداً في مسجد الحرام، فلا يقتل بل يضرب ضرباً شديداً، وأمّا إذا كان في الكعبة فيخرج منها لئلا لا تهتك ويضرب عنقه كما ورد في الحديث، وما ذكر مطلقاً يحمل على المقيد .

وأمّا إذا صدر بدون تعمد فلا يقتل إذا كان في الكعبة فضلاً عن المسجد الحرام، وهو ما ورد في صحيحة أبي الصباح الكناني قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام)

ص: 251


1- الجواهر / 41 / 637 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح4، وانظر الجواهر /41/ 639 .

................................

أيّما هما افضل الإيمان أو الإسلام ؟ إلى أن قال، فقال : الإيمان قلت : فأوجدني ذلك، قال : ما تقول في من أحدث في المسجد الحرام متعمداً ؟ قال : قلت يضرب ضرباً شديداً، قال : اصبت فما تقول في من أحدث في الكعبة متعمداً، قلت : يقتل، قال : اصبت ألا ترى أن الكعبة أفضل من المسجد الحديث»(1)، وصحيحة عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث الإسلام والايمان قال : «وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة،وأحدث في الكعبة حدثاً، فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار»(2)،

وكذا معتبرة سماعة قال : «سألته وذكر حديثاً يقول فيه لو أن رجلاً دخل الكعبة فبال فيها معانداً أخرج من الكعبة ومن الحرم، وضربت عنقه»(3).

لا يخفى أن المراد من المعاند أي المتعمد في قبال من أفلت منه بوله بغير اختيار كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تمسكاً بالحديث «قال : لو أن رجلاً دخل الكعبة، فافلت منه بوله خرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم، فغسل ثوبه وتطهر ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة الحديث»(4).

ص: 252


1- الوسائل باب 6 من أبواب بقية الحدود ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب بقية الحدود ح3 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب بقية الحدود ح4 .
4- الوسائل باب 46 من أبواب مقدمات الطواف ح2 .

المسألة 292 : من استمنى بيده أو بغيرها عزّرهُ الحاكم حسبما يراه(1)، من المصلحة .

______________________________________________

(1) أمّا أصل الحرمة فالمسألة اتفاقية بينهم جميعاً، وكذا بالنسبة إلى التعزير، وذكر صاحب الجواهر : أنّه من المعاصي الكبيرة(1)،

ويكون بنظر الحاكم، وقد قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه من الكبائر(2)،

ويشهد لهما الآية «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»(3)، وهذا الفعل يكون مما وراء ذلك فهو عاد كما في رواية محمد بن عيسى عن أبيه قال : «سئل الصادق (علیه السلام) عن الخضخضة ؟ فقال : أثم عظيم قد نهى الله عنه في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت بما يفعله ما أكلت معه، فقال : السائل فبين لي يأبن رسول الله من كتاب الله فيه، فقال : قول الله «فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ» وهو ما رواه ذلك، فقال «الرجل أيما أكبر الزنا أو هي ؟ فقال (علیه السلام) : هو ذنب عظيم»(4)

.

وفي اللغة : خضخض الماء حركه فتحرك، وعند الفقهاء الاستمناء باليد فكل ما يصدر من الإنسان بإراقة مائه من غير الطرق الشرعية التي حددها له الشارع فهو من مصاديق الآية «فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ» .

وأمّا الروايات كموثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل ينكح بهيمة أو يدلك، فقال : كل ما أنزل به الرجل ماءه من هذاوشبهه فهو زنا»(5)أي حكمه حكم الزانى وغيرها من الروايات، وأمّا ثبوت هذا العمل يكون بالبينة،

ص: 253


1- الجواهر / 41 / 647 .
2- المباني / 1 / 419 .
3- سورة المؤمنون الآية / 5 _ 6 .
4- الوسائل باب 3 من أبواب نكاح البهائم ح4.
5- الوسائل باب 26 من أبواب النكاح المحرم بالبهيمة وإن كانت ملك الفاعل ح1.

المسألة 293 : مَنْ شهد شهادة زور جلده الإمام(1)، حسبما يراه

ويطاف به وليعرفه الناس، ولا تقبل شهادته إلا إذا تاب وكذب نفسه على رؤوس الاشهاد .

______________________________________________

أو الإقرار لعموم حجية البينة والإقرار .

(1) يقول في الجواهر : وعلم الحاكم بذلك ولو بالخبر المفيد له لا بالبينة لأنّه تعارض، ولا بالإقرار لأنّه رجوع إلى نقض الحكم لتبين اختلال ميزان الحكم(1)، فإذا كانت الدعوى مالية استعيد، أمّا إن تعذر لابد من غرامة الشهود، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في : «شاهد الزور ما توبته، قال : يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا و أخر معه»(2)،

فلا إشكال حينئذٍ في ذلك .

وأمّا أنّه يعزره لأن عمله كان خلافاً للنظام، وأنّه من المعاصي الكبيرة مضافاً إلى ما ورد من معتبرة سماعة «قال : إن شهود زور يجلدون جلداً ليس له وقت، فذلك إلى الإمام، ويطاف بهم حتى يعرفهم الناس، وتلا قوله تعالى : «وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا»(3)، قلت: بم تعرف توبتهم ؟ قال : يكذب نفسه على رؤوس الأشهاد حيث يضرب ويستغفر ربه عزّ وجلّ، فإذا فعل ذلك فثمَّ ظهرت توبته»(4)،

ومعتبرته الثانية قال «قال : شهود الزور يجلدون حداً، ليس له وقت، وذلك إلى الإمام ويطاف بهم حتى يعرفوا ولا يعودوا، قال، قلت له : فإن تابوا واصلحوا تقبل شهادتهم بعد ؟ قال : إذا تابوا تاب الله

ص: 254


1- الجواهر / 41 / 230 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح1.
3- سورة النور الآية / 4 .
4- الوسائل باب 15 من أبواب بقية الحدود ح2 .

المسألة 294 : إذا دخل رجل تحت فراش امرأة اجنبية عزر(1).

______________________________________________

عليهم، وقبلت شهادتهم بعد»(1)،

وغيرها من الروايات(2).

(1) أمّا أصل التعزير فلأنّه معصية كبيرة أو اختلال النظام، وعلى هذا فللمسألة فروع ثلاثة :

الأولى : اجتماع رجلين تحت ازار واحد .

الثانية : اجتماع امرأتين تحت ازار واحد .

الثالثة : اجتماع رجل وامرأة تحت ازار واحد .

وقد اختلفت آراؤهم في تحديد حدّ التعزير وذلك من خلال اختلاف الروايات .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال : حدّ الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد، والمرأتان تجلدان إذا اخذتا في لحاف واحد الحد»(3).ومنها : حسنة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : كان علي (علیه السلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مائة جلدة، كل واحد منهما، وكذا المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مائة جلدة»(4).

ومنها : رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل والمرأة يوجدان في اللحاف، قال : يجلدان مائة مائة غير سوط»(5)،

وعن عبد الرحمن الحذاء، قال : «سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول : إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة

ص: 255


1- الوسائل باب 15 من أبواب الشهادات ح1 .
2- رواية عبد الله بن سنان، الوسائل باب 15 من أبواب الشهادات ح2 .
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح1.
4- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح15.
5- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح3.

المسألة 295 : من أراد الزنا بامرأة جاز لها قتله دفاعاً عن نفسها ودمه هدر(1) .

______________________________________________

جلدة»(1)،

وعن الجواهر نقلاً عن المحقق : يعزران من ثلاثين إلى تسعة وتسعين سوطاً وكما عن الشيخ(2)وابن إدريس(3)وأكثر المتأخرين(4)لخبر سليمان بن هلال إلى أن يقال ثلاثين سوطاً(5)،

وقد ذكرت الروايات المرأتان ومقدار حد تعزيرهما مائة، والأقوى كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : تسعة وتسعين سوطاً(6).وأمّا اجتماع المرأة والرجل فقد ورد مائة إلا سوط واحداً .

(1) لا يخفى بأن الدفاع عن النفس واجب، وإذا قتلت تُعد شهيدة إذاً لو قتلته دفاعاً عن نفسها ليس عليها شيء، ويصبح دمه هدر، والمسألة غير خلافية، وقد دلت على ذلك الروايات، منها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : في رجل أراد امرأة على نفسها حراماً فرمته بحجر فأصابت منه مقتلاً، قال : ليس عليها شيء فيما بينها وبين الله عز وجل، وإن قدمت إلى إمام عادل اهدر دمه»(7).

ص: 256


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح5.
2- النهاية / 705 .
3- السرائر / 3 / 460 .
4- إرشاد الاذهان / 2/ 175، التنقيح الرائع / 4/ 352 .
5- الجواهر / 41 / 384 .
6- المباني / ح1/ 152 .
7- الوسائل باب 23 من أبواب قصاص النفس ح1.

المسألة 296 : إذا دخل اللص دار شخص بالقهر والغلبة جاز لصاحب الدار محاربته، فلو توقف دفعه عن نفسه أو أهله أو ماله(1) على قتله جاز له قتله وكان دمه ضائعاً .

______________________________________________

(1) لا يخفى إن الدفاع عن النفس والمال والحريم واجب بمقدار الاستطاعة وهو واجب عيني، وإذا لم يقدر فيجب على من أطلع عليه من باب الكفاية، وقال صاحب المسالك : لا إشكال في أصل الجواز مع القدرة وعدم لحوق الضرر إلى أن يقول وإنما جعله كالشهيد ولم يجعله شهيداً مطلقاً لأنّ احكام الشهيد من ترك غسله وتكفينه لا يلحق إلا من قتل في جهاد بين يدي إمام عادل كما سبق في محله، وأما من قتل دون ماله ونحوه فهو كالشهيد في الثواب لا في باقي الأحكام، وقد روي عن الصادق (علیه السلام) : «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال من قتل دون عقال فهو شهيد»(1)والمراد به ذلك جمعاً بين الاخبار(2).

ويدل عليه ما عن السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) عونك الضعيف من أفضل الصدقة»(3)،

وعنه أيضاً «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»(4).

ص: 257


1- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح5.
2- المسالك /15 / 51 .
3- الوسائل باب 59 من أبواب جهاد العدو ح2.
4- الوسائل باب 59 من أبواب جهاد العدو ح1 .

ولا ضمان على الدافع(1)، ويجوز الكف عنه في مقابل ماله وتركه قتله، هذا فيما إذا أحرز ذلك، وأمّا إذا لم يحرز وأحتمل أن قصد الداخل ليس هو التعدي لم يجز له الابتداء بضربه أو قتله، نعم له منعه عن دخول داره(2) .

______________________________________________

(1) إذا لم يندفع إلا بذلك بلا فرق بين الجرح والقتل، لمعتبرة وهب عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) أنه «قال : إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فابدره بالضربة إن استطعت، فإن اللص محارب لله ولرسوله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فما تبعك منه من شيء فهو علي»(1)،

ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) : «إن الله ليمقت العبد يُدخل عليه في بيته فلا يقاتل ولا يحارب»(2)وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا دخل عليك اللص المحارب فأقتله فما أصابك فدمه في عنقي»(3).

(2) لقاعدة تقدم الاهم، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون ماله فهو شهيد، وقال : لو كنت أنا لتركت المال ولم أقاتل»(4)، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقاتل دون ماله، فقال : قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون مالهفهو بمنزلة الشهيد، فقلت : أيقاتل أفضل أو لا يقاتل ؟ فقال إن لم يقاتل فلا بأس، أمّا أنا فلو كنت لم أقاتل وتركته»(5).

ص: 258


1- الوسائل باب 5 من أبواب الدفاع ح1 .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح2.
3- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح7 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب الدفاع ح1.
5- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح10 .

المسألة 297 : لو ضرب اللص فعطل لم يجز له الضرب مرة ثانية ولو ضربه مرة ثانية فهي مضمونة(1).

المسألة 298 : من أعتدى على زوجة رجل أو مملوكته أو غلامه أو نحو ذلك من أرحامه وأراد مجامعتها أو ما دون الجماع فله دفعه(2)، وإن توقف دفعه على قتله جاز له قتله ودمه هدر .

______________________________________________

(1) لا إشكال في أن الضرب إنما كان جائزاً لأجل الدفع، بعد إن ضربه وأصبح معطلاً بحيث يؤمن من ضرره، فلا يجوز ضربه ثانية، فلو فعل ذلك عُدّ تعدياً منه فهو ضامن، وهكذا إذا أدبر لأنّه لا معنى للدفع مع الادبار، فإذا تعدى عليه وضربه فهو ضامن، وأمّا لو أقبل فضربه دفاعاً عن نفسه فجُرح فلا ضمان عليه، حتى لو سرى ومات، وكان الدفع متوقف على الجرح، نعم لو ولى بعد ذلك مدبراً، أو أعرض عما أراد فضربه مرة أخرى فتكون الثانية مضمونة، لأنّه لا يجوز إلا للدفع، فإذا أدبر لم يبق للدفع موضوع، فهو متعدٍ وضامن كما بيناه .

(2) المسألة غير خلافية، لذلك قلنا بأن الدفاع واجب، ولا يخفى إن هذا ليس مختصاً بنفسه وعرضه من زوجته ومملوكته وأقاربه، بل له أن يدفع عن الاجنبية أيضاً كما ورد في الروايات، منها : «قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلّم) : من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»(1)،

وغيرها من الروايات التي مرّ ذكرها بذلك .

ولكن الحق إذا قلنا بوجوب الدفع فلا ضمان عليه فهو هدر، فعلى أيّ حال فالدفع واجب، لصحيحة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) : «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون مظلمته فهو شهيد، ثم قال : يا أبا مريم هل تدري ما دون مظلمته، قلت : جعلت فداك الرجل يقتل دون أهله ودون ماله واشباه ذلك، فقال :

ص: 259


1- الوسائل باب 59 من أبواب جهاد العدو ح1.

المسألة 299 : من أطلع على قوم في دارهم لينظر عوراتهم فلهم زجره، فلو توقف على أن يفقؤوا عينيه أو يجرحوه فلا دية عليهم(1).

______________________________________________

يا أبا مريم إن من الفقه عرفان الحق»(1).

وتدل عليه أيضاً فحوى صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقاتل دون ماله فقال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد، فقلت : أيقاتل أفضل أو لا يقاتل ؟ فقال : أمّا أنا فلو كنت لم أقاتل وتركته»(2).

ويظهر من الروايتين ما دام الدفاع عن المال جائز فعن النفس يكون بطريق أولى .(1) والمسألة غير خلافية كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : بلا خلاف بين الأصحاب(3)، ولابد أولاً زجره فإن انزجر فلا يجوز جرحه أو قتله، ثانياً لو لم يندفع فلابد من دفعه، لأنّه يدخل تحت المدافعة عن العرض ولو توقف على فقء عينيه أو جرحه فلا دية عليه، بل لو كان دفعه سبباً لموته وذلك لمعتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أطلع رجل على النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) من الجريد فقال له النبي : لو اعلم أنك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى افقأ به عينيك، قال : فقلت : له وذاك لنا ؟ فقال : ويحك أو ويلك أقول لك إن رسول الله فعل، وتقول ذاك لنا»(4)،

ومعتبرته الثانية قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : بينما رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) في حجراته مع بعض ازواجه ومعه مغازل يقبلها، إذ بصر بعينين تطلعان، فقال : لو اعلم أنك

ص: 260


1- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح9 .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح10 .
3- المباني / 1 /423 .
4- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح4.

نعم لو كان المطلع محرماً لنساء صاحب المنزل ولم تكن النساء عاريات لم يجز جرحه ولا فقء عينيه(1) .

______________________________________________

تثبت لي لقمت حتى انخسك، فقلت : نفعل نحن مثل هذا إن فعل مثله ؟ فقال : إن خفى لك فافعله»(1)،

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال : ايّما رجل أطلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقؤوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم، وقال : ومن اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له»(2).نعم وردت رواية تدل على جواز قتله، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها للضعف في سندها بمحمد بن سنان، ومخالفة لما اتفق عليه كرواية العلاء أبن الفضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلال شيء لهم، فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينيه فليس عليهم غرم»(3).

(1) وذلك لأنّه يجوز النظر اليهن في تلك الحالة، ولا يدخل في باب الدفاع عن العرض، وأمّا إذا كنّ عارياتٍ فلا يجوز النظر لأنّه ليس للمحرم جواز النظر إلى عورات من يكون من محارمه، ففي الصورة الأولى : له زجره ولا يجوز رميه ولو فعله فهو ضامن، أمّا في الصورة الثانية : من أن النساء عاريات جاز زجره ورميه لأنّه لا يجوز له الاطلاع على العورة منهن .

ص: 261


1- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح5.
2- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح7.
3- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح6.

المسألة 300 : لو قتل رجلاً في منزله وادعى أنه دخله بقصد التعدي على نفسه أو عرضه أو ماله، ولم يعترف الورثة بذلك، لزم القاتل إثبات مدعاه، فإن اقام البينة على ذلك(1)، أو على ما يلازمه فهو وإلا اقتص منه.

______________________________________________

(1) لاشك ولا شبهة أنّه يجب على الإنسان الدفاع عن نفسه وحريمه فإذا دخل عليه وقتله صاحب المنزل فليس عليه شيء بينه وبين ربه، ولكن لو أدّعى أنه أراد نفسه، أو عرضه، أو ماله ولكن أنكر الورثة، فإن اقاموا بينة على ذلك فهو، وإن ادعت الورثة أنّه دخل عليه وكان ذا سيف مشهور مقبلاً على صاحب الدار كان ذلك علامة واضحة بصحة قول القاتل ويسقط عنه الضمان، لأن رؤيته على هذه الحالة كاشفة بأن دخوله كان للقتل أو التعدي، وإذا لم تكن له بينة على ذلك أو ما يلازمها فيقتص منه قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): وتدل على ذلك مضافاً إلى أنّه مقتضى الأصل فإن القتل عمداً وجداني وهو يوجب القصاص إلا أن يثبت أنّه كان دفاعاً عن نفسه، أو عرضه، أو ماله، وإذا شك فيه فالأصل عدمه(1)،

ولصحيحة داود أبن فرقد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألني دواد بن علي عن رجل كان يأتي بيت رجل فنهاه أن يأتي بيته فأبى أن يفعل، فذهب إلى السلطان، فقال السلطان إن فعل فاقتله، قال : فقتله فما ترى فيه ؟ فقلت أرى أن لا يقتله إنه إنْ استقام هذا ثَمَّ شاء أن يقول كل إنسان لعدوه دخل بيتي فقتلته»(2).

ص: 262


1- المباني / 1 / 423 .
2- الوسائل باب 69 من أبواب قصاص النفس ح3 .

المسألة 301 : يجوز للإنسان أن يدفع عن نفسه أو ما يتعلق به من مال و غيره الدابة الصائلة، فلو تلفت بدفعه مع توقف الحفظ عليه فلا ضمان عليه(1) .

______________________________________________

(1) لا يخفى بأن للإنسان جواز الدفع عن نفسه، بل عن غيره وماله الدابة الصائلة، وإن تلفت بالدفع فلا ضمان، إذا فرض توقف الدفع عليها وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده، بل في كشف اللثام : عندنا مشعراً بالإجماع عليه(1)، وفي المسالك : كما يجوز دفع الادمي الداخل عليه يريد نفسه أو ماله، يجوز دفع الدابة كذلك ونحوه لاشتراك الأمرين في الدفاع المأذون فيه ولا ضمان مع توقف الدفاع على قتلها، أو انزال عيب بها(2)، لا إشكال في أصل الجواز مع القدرة وعدم لحوق الضرر .

نعم نسب إلى أبي حنيفة الضمان مع تجويزه الإتلاف، مضافاً إلى الأولوية، كما ادعى الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : بلا خلاف عندنا، وتدل عليه مضافاً إلى الأولوية القطعية بالإضافة إلى تلف الإنسان المهاجم المقتول دفاعاً في خصوص الدفاع عن النفس(3)،

صحيحة معلى عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل غشيه دابة فأرادت أن تطأه وخشى ذلك منها فزجر الدابة فنفرت بصاحبها فصرعته فكان جرح أوغيره، فقال : ليس عليه ضمان، إنما زجر عن نفسه وهي الجبار»(4).

ص: 263


1- الجواهر / 41 / 664 .
2- المسالك / 15 / 57 .
3- مباني تكملة المنهاج / 1 / 425 .
4- الوسائل باب 37 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 302 : لو عض يد إنسان ظلماً، فانتزع يده فسقطت اسنان العاض بذلك فلا قود، ولا دية وكانت هدراً(1).

______________________________________________

ففيه فبما أنّها _ أيّ الرواية _ جبار وظالم ومتعدي فإذا قتل لا ضمان نعم إنما يكون الضمان إذا امكنه التخلص ولو بالفرار من دون قتل فإذا قتله حينئذ فهو ضامن .

(1) لا يخفى بأن المسألة اتفاقية عند عامة المسلمين، قال في الجواهر : كان هدراً عندنا وعند جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى في محكي المبسوط(1)

وقال في المسالك : ندرت بالنون أي سقطت، وإنما كان هدراً لأنّه متعدٍ بالفعل والفعل معه دفاع فلا يكون مضموناً، مع مراعاة التخلص بالأسهل فالأسهل وكذا لو افضى التخلص إلى جرحه وغيره من أنواع الاذى حيث لا يمكن بدونه، كالتخلص بغيره من أنواع الدفاع، وهو واضح(2).

ولا يخفى تارة يكون عض يد رجل ظلماً ويريد المظلوم نزع يده تخلصاً فسقطت اسنان الظالم فهي كانت هدراً، ولا دية عليه، لأنّه يُعد دفاعاً، وتدل عليه الروايات الواردة في باب الدفاع وهكذا تؤيده المرسلة : «إن رجلاً فعل ذلك فأتى النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فاهدر سنه»(3)،

وتارة أخرى لو كان على العكس فالمعضوض ظالم وكان تخلصاً من ظلمه اتجهالضمان لأنّه جناية من الجنايات .

ص: 264


1- الجواهر / 41 / 665 .
2- المسالك / 15 / 57.
3- صحيح البخاري / 9 باب إذا عض رجل فوقع ثنيتاه .

المسألة 303 : لو تعدى كل من رجلين على آخر ضمن كل منهما ماجناه على الآخر، ولو كف أحدهما فصال الآخر وقصد الكاف الدفع عن نفسه فلا ضمان عليه(1) .

المسألة 304 : لو تجارح اثنان وادعى كل منهما أنّه قصد الدفع عن نفسه، فإن حلف أحدهما دون الآخر ضمن الاخر(2)، وإن حلفا أو لم يحلفا معاً ضمن كل منهما جنايته .

______________________________________________

(1) أي كان قصد كل منهما قتل الآخر أو أخذ ماله أو النيل من عرضه لقاعدة الضمان، أمّا لو كف أحدهما وصال الآخر، فيكون عادياً وقصد المكف الدفع فلا ضمان عليه إذا كان عمله مقتصراً على الدفع فقط ويضمن الآخر لأنّه عاد لإطلاق الأدلة .

(2) للأصل أي تقديم قول المنكر، لأن الأصل في نفس المسلم أن تكون محترمة، فمدعي المسقط للضمان يحتاج إلى البينة والآخر منكر، أمّا إذا أتى كل واحد منهما بالبينة، أو حلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه فيثبت الجرحان بالدية، إذاً لو كانت الجنايتان متساويتان فتسقطان بالتهاتر وأمّا إذا كانت أحداهما زائدة عن جناية الآخر فهو ضامن بالنسبة إلى الزيادة.

ص: 265

المسألة 305 : أجرة من يقيم الحدود من بيت المال(1)، وقيل أجرته فيما إذا لم يكن بيت مال، أو كان هناك أهم منه على من يقام عليه الحد ولكن لا وجه له .

______________________________________________

(1) لأنّه معد لأمثال هذه الأمور، هذا إذا كان هناك بيت المال، أمّا إذا لم يكن هناك بيت مال، أو كان هناك ما هو الأهم منه كانت الأجرة على المجني عليه، ولا يضمن المقيم للحد سراية القصاص، ونقل الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) قول المحقق في الشرائع : بأن الأجرة على من يقام عليه الحد، ولكن الحق أنّه لا دليل عليه كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : ولكنه مما لا وجه له اصلاً لأن الواجب على الجاني إنما هو التسليم، وأمّا الزائد عليه فلا دليل على وجوبه فالصحيح إن اجرة ذلك على بيت مال المسلمين، غاية الأمر أن الإمام (علیه السلام) يستدين إذا لم يكن بيت مال، أو كان هناك ما هو أهم(1).

هذا تمام كتاب الحدود بعد توفيق من الله تعالى، وبجوار من يقضي بقضاء الانبياء بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وسيليه كتاب القصاص إن شاء الله تعالى، والحمد لله أولاً واخراً .

ص: 266


1- المباني / 1 / 427 .

المحتويات

كتاب الحدود

كتاب الحدود ........

الاسباب: الزنا وما يتحقق به....... 5

بيان الشبهة الموجبة لسقوط الحد........ 10

شرائط الحد...........

الأول: البلوغ فلا حد على الصبي ...... 11

الثاني: الاختيار فلا حد على المكره .......... 11

الثالث: العقل فلا حد على المجنون .......... 13

قبول دعوى المرأة في الاكراه على الزنا ...... 14

ثبوت الزنا بالإقرار والبينة ........ 14

عدم ثبوت حد الزنا إلا بالإقرار أربع مرات ........ 18

لو أقرّ شخص بما يوجب رجمه ثم جحد .......... 20

ص: 267

للإمام (علیه السلام) العفو بعد الإقرار بما يوجب الحد .......21

لو حملت المرأة وليس لها بعل ......... 23

عدم ثبوت الزنا بشهادة رجلين عادلين ........ 23

ما يعتبر في قبول الشهادة على الزنا ........... 24

لو شهد أربعة رجال على امرأة بكر بالزنا ........... 28

هل يثبت الزنا وتحد المرأة بشهادة أربعة رجال أحدهم زوجها ...... 30

عدم الفرق في قبول شهادة أربعة رجال بالزنا على واحد أو أكثر ..........33

وجوب التعجيل في إقامة الحد بعد أداء الشهادة ......... 33

لو تاب المشهود عليه قبل قيام البينة .......... 35

لو شهد ثلاثة رجال بالزنا أو ما دونهم ........ 36

لو زنا كافر بكافرة أو لاط بمثله ........ 37

حكم ما لو زنا بذات محرم له .......... 38

لو زنا الذمي بمسلمة ........ 45

لو أكره شخص مرأة فزنا بها ........... 47

حكم الشيخ إذا زنا وكان محصناً وكذا الشيخة ........... 48

لو زنا البالغ المحصن بصبية أو مجنونة ....... 53

لو زنت المرأة المحصنة وكان الزاني بها بالغ ...... 54

هل يختص حكم جز شعر الرأس والتغريب بمن أملك ......... 54

ص: 268

ما يعتبر في إحصان الرجل ....... 58

ما يعتبر في إحصان المرأة ........ 61

لو زنت المطلقة الرجعية وهي عالمة بالحكم والموضوع ....... 63

حد المملوك إذا زنا محصناً كان أو غير محصن ......... 64

عدم جلد المستحاضة مالم ينقطع عنها الدم ........ 66

عدم جلد المريض الذي يخاف عليه الموت حتى يبرأ ......... 66

حكم الزاني مراراً وثبوت ذلك بالإقرار أو البينة ......... 68

حكم الزاني الحر في الرابعة بعد قيام الحد عليه ثلاث مرات ......... 69

حكم الحامل إذا زنت ....... 71

لو وجب الحد على شخص ثم جن .......... 73

عدم جواز قيام الحد على أحد في أرض العدو .......... 74

حكم الجاني في الحرم أو في غير الحرم ثم لجأ إليه .......... 75

لو اجتمعت على رجل حدود بدئ بالحد الذي لا يفوت معه الآخر ........ 75

دفن الرجل عند رجمه إلى حقويه والمرأة إلى موضع الثديين ....... 77

حكم ما لو هرب المرجوم أو المرجومة من الحفيرة ..... 79

اعلام الناس لحضور إقامة الحد ......... 81

هل يجوز تصدي الرجم لمن كان عليه حد من حدود الله أو لا ...... 82

كيفية جلد الزاني والزانية .......... 84

ص: 269

هل يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود ......... 86

إقامة الحدود في حقوق الناس من قبل الحاكم متوقفة على مطالبة ...... 89

عدم الفرق في الأحكام المترتبة على الزنا بين الحي والميت......... 92

الثاني: اللواط معنى اللواط وما يثبت به وما يعتبر في المقرّ ........... 93

حكم اللائط المحصن وغير المحصن ......... 94

لو لاط البالغ العاقل بمجنون ..... 98

لو لاط الرجل العاقل بالصبي ........... 98

لو لاط بعبده ........... 99

لو لاط الذمي بمسلم ......... 100

للإمام الخيار بين العفو والاستيفاء لو أقرّ اللائط على نفسه ........... 101

حكم اللائط بالميت كالحي ...... 102

كيفية قتل اللائط..... 103

للإمام الخيار في كيفية قتل اللائط المحصن وغير المحصن........... 103

الثالث: التفخيذ حد التفخيذ إذا لم يكن ايقاب ........... 105

لو تكرر التفخيذ ونحوه وحُدّ مرتين .......... 107

لو وجد رجلان تحت لحاف واحد مجردين من دون حاجز بينهما ......... 108

الرابع: تزويج ذمية على مسلمة بغير إذنها ........... 111

الخامس: تقبيل الغلام بشهوة ..... 113

ص: 270

السادس: السحق حد السحق إذا كانت غير محصنة ...... 114

حكم ما لو تكررت المساحقة ........... 117

حكم ما لو تابت المساحقة ....... 118

لو جامع رجل زوجته فقامت الزوجة ووقعت على جارية بكر ........ 118

السابع: القيادة .......... 118

ما تثبت به القيادة ..... 119

حد القواد إذا كان رجلاً أو امرأة ........ 120

الثامن: القذف ومعناه ........ 122

عدم قيام الحد فيه إلا بمطالبة المقذوف ..... 123

ما يعتبر في القاذف ........... 123

ما يعتبر في المقذوفة ........ 126

حكم ما لو قذف رجل جماعة بلفظ واحد .......... 128

لو عفى المقذوفعن القاذف .......... 129

لو مات المقذوف قبل أن يطالب بحقه أو يعفو .......... 130

لو قذف أحد ابن شخص أو ابنته ....... 131

حكم تكرر الحد بتكرر القذف .......... 132

لو تكرر القذف من شخص واحد لآخر قبل أن يقام عليه الحد 132

عدم سقوط الحد عن القاذف ........... 133

ص: 271

لو شهد أربعة بالزنا ثم رجع أحدهم .......... 133

حد القذف ...... 134

ما يثبت به القذف ..... 135

لو تقاذف شخصان ........... 136

التاسع: سب النبي (صلی الله علیه و آله) ........... 137

العاشر: دعوة النبوة ........... 139

الحادي عشر: السحر ......... 140

الثاني عشر: حد شرب المسكر أو الفقاع عالماً بالتحريم مع الاختيار والبلوغ......... 141

عدم الخصوصية لعنوان الشرب في ثبوت الحد ......... 144

هل يلحق العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه بالمسكر في ايجاب الحد......... 145

ما يثبت به شرب المسكر .......... 147

حد المسكر وكيفيته......... 148

حد الرجل والمرأة الشاربين للمسكر .......... 150

لو شرب الخمر مرتين وحد كل منهما ........ 150

لو شهد رجل واحد على شرب الخمر وشهد آخر بقيئها ....... 152

لو شرب الخمر مستحلاً لها ....... 154

هل يسقط الحد إذا تاب شارب الخمر قبل قيام البينة .......... 158

الإمام مخير بين العفو وإقامة الحد بعد إن أقر شارب الخمر ......... 159

ص: 272

الثالث عشر: السرقة .......... 160

ما يعتبر في السارق الأول: البلوغ ....... 160

الثاني: العقل ........... 163

الثالث: في ارتفاع الشبهة .......... 164

الرابع: أن لايكون المال مشتركاً بينه وبين غيره ......... 164

الخامس: أن يكون المال في مكان محرز ..... 166

لو سرق طعاماً في عام المجاعة ......... 168

لا يعتبر في المحرز أن يكون ملكاً لصاحبه ......... 169

لو سرق باب الحرز أو شيئاً من ابنيته المثبتة فيه ......... 170

لو سرق الأجير من مال المستأجر ....... 170

لو كان المال محرز فهتكه أحد الشخصين وأخذ ثانيهما المال المحرز......... 172

هل يثبت الحد على السارق إن لم يكن مباشراً للإخراج ....... 173

السادس: لو كان السارق والداً لصاحب المتاع ........... 173

السابع: أن يأخذ المال سراً ........ 174

الثامن: أن يكون المال ملكاً لغيره ....... 175

التاسع: عدم كون السارق عبداً للإنسان ....... 175

عدم القطع في سرقة الطير وحجارة الرخام واشباه ذلك ....... 176

ص: 273

مقدار المسروق ..... 177

ما يعتبر في القطع ..... 177

لو نبش قبراً وسرق الكفن ......... 180

ما يثبت به حد السرقة ........... 184

لا يثبت حد السرقة إلا بشهادة رجلين عادلين ........... 184

لو أخرج المال من حرز شخص وأدّعى أن صاحبه اعطاه إياه ....... 187

ما يعتبر في المقرّ بالسرقة ......... 188

حد القطع ........... 189

تقطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى وتترك له الراحة والإبهام ....... 189

لو تكررت السرقة ........... 192

هل تقطع اليد اليمنى إن كانت اليسرى شلاء ....... 193

هل تقطع اليد اليمنى إن لم تكن له يسرى ......... 194

لو كانت للسارق يمين حين السرقة فذهبت قبل اجراء الحد ......... 195

حكم السارق إن لم تكن له يمين ...... 195

سقوط الحد بالتوبة ........... 197

لو قطع الحداد يد السارق مع علمه بأنّها يساره .......... 199

معالجة يد السارق المقطوعة والقيام بشؤونه حتى تبرأ ......... 199

ص: 274

لو مات السارق بقطع يده ......... 200

يجب على السارق ردّ العين المسروقة إلى مالكها ...... 201

لو سرق اثنان مالاً لم يبلغ كل منهما نصاباً .......... 202

لو عفا المسروق منه عن السارق قبل وبعد رفع أمره إلى الإمام ...... 203

هل للإمام أن يقيم الحد على السارق إذا ثبتت السرقة بإقرار أو بينة ..... 204

لو ملك السارق العين المسروقة ........ 205

لو أخرج المال من حرز شخص ثم ردّه إلى حرزه ...... 206

لو هتك الحرز جماعة وأخرج المال منه واحد منهم ..... 206

اعتبار كون المسروق بقدر النصاب في سرقة واحدة ........... 208

إذا نقب فأخذ من المال بقدر النصاب ........ 209

لو ابتلع السارق داخل الحرز ما هو بقدر النصاب ......... 210

الرابع عشر: بيع الحر ......... 212

الخامس عشر: حد المحارب وأحكامه ........ 213

حكم أخذ المحارب للمال في بلوغه حد النصاب أو لا ....... 215

لو قتل المحارب أحداً طلباً للمال ...... 216

يجوز للولي أخذ الدية بدلاً عن القصاص .......... 216

لو جرح المحارب أحداً ........... 217

لو تاب المحارب قبل أن يقدر عليه .......... 217

ص: 275

لا يترك المصلوب على خشبة .......... 218

ينفى المحارب من مصر إلى مصر ..... 219

السادس عشر: الارتداد ومعناه .......... 220

المرتد الفطري واحكامه ........... 220

المرتد الملي واحكامه ....... 221

ما يشترط في تحقق الارتداد ........... 222

لو قتل المرتد الملي أو مات ..... 223

ولد المرتد محكوم بالإسلام ..... 225

لو اردت المرأة وإن عن فطرة .......... 225

حكم إذا تكرر الارتداد في الملي رجلاً كان أو امرأة .......... 227

هل يحكم بإسلام الكتابي وغيره بإظهار الإسلام ......... 228

هل إذا صلى المرتد أو الكافر في دار الحرب أو دار الإسلام يحكم 230

لو جن المرتد الملي بعد ردته وقبل توبته .......... 231

هل يجوز تزويج المرتدة .......... 231

انقطاع ولاية الأب أو الجد المرتد عن أبنته المسلمة ........... 232

هل يتحقق رجوع المرتد عن ارتداه باعترافه بالشهادتين ....... 232

حكم ما لو قتل المرتد عن فطرة أو ملة مسلماً عمداً ........... 233

حكم من قتل المرتد عن ملة بعد توبته ....... 233

حكم التائب المرتد عن فطرة ........... 234

ص: 276

كتاب التعزيرات

كتاب التعزيرات ........... 239

للحاكم أن يعزر من فعل حراماً أو ترك واجباً ..... 239

ما يثبت به موجب التعزير ......... 241

حكم ما لو أقرّ بالزنا أو اللواط دون الأربع ........ 242

حكم ما لو اقتض بكراً غير الزوجة والمملوكة بإصبع .......... 242

عدم البأس في ضرب الصبي للتأديب ........ 244

عدم البأس في ضرب المملوك للتأديب ..... 245

تعزير بائع الخمر العالم بحرمته غير مستحل له ........... 246

تعزير من نبش قبراً ولم يسرق الكفن .......... 246

لو سرق ولا يمين له أو سرق ثانياً وليس له رجل يسرى ....... 247

تعزير المستلب والمغتلس والمحتال .......... 247

حكم من وطئ بهيمة مأكولة اللحم أو غيرها ....... 248

حكم المحدث في الكعبة المشرفة أو المسجد الحرام متعمداً ........ 251

حكم من استمنى بيده أو بغيرها ......... 253

حكم شهادة الزور ........... 254

لو دخل رجل تحت فراش امرأة اجنبية ....... 255

يجوز للمرأة قتل من أراد الزنا بها دفاعاً ودمه هدرا ..... 256

ص: 277

جواز محاربة اللص إذا دخل الدار قهراً وغلبة ........... 257

لو ضرب اللص فعطل ...... 259

من اعتدى على زوجة رجل أو مملوكته أو غلامه ........ 259

لو اطلع على قوم في دارهم لينظر عوراتهم ......... 260

لو قتل رجلاً في منزله وأدّعى أنه دخل بقصد التعدي .......... 262

جواز دفع الدابة الصائلة عن نفسه وما يتعلق به .......... 263

لو عض يد إنسان ظلماً فانتزع يده فسقطت اسنان العاض .......... 264

لو تعدى كل من رجلين على الآخر .......... 265

لو تجارح اثنان وأدّعى كل منهما أنه قصد الدفع عن نفسه .......... 265

أجرة من يقيم الحدود ....... 266

المحتويات........... 267

ص: 278

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.