تفسير أمير المؤمنين عليه السّلام للقرآن الكريم
مجلدات: 10ج
جمع و تهذيب السيّد علي عاشور
مرکز الشرق الأوسط الثقافي - بیروت - لبنان
ص: 1
تفسير أمير المؤمنين عليه السّلام للقرآن الكريم
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
جمیع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر
الطبعة الأولی
1429ه - 2008م
مرکز الشرق الأوسط الثقافي - بیروت - لبنان
ص: 4
ص: 5
ص: 6
الآية (6)
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً
[1] - عن السيّد الثقة الجليل الفقيه السيّد نعمة اللّه الجزائري رحمه اللّه في بعض مؤلّفاته عن ابن عبّاس قال: لمّا صارت الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و سيّد الوصيّين و قائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب عليه السّلام، فلمّا كان في اليوم الثالث أقبل رجل في ثياب خضر و وقف على باب المسجد، و كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه جالسا في المسجد و الناس حوله يمينا و شمالا فقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة و مهبط الحقّ.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: و عليك السلام يا بيهس بن صاف بن حاف بن لامو بن بيهس.
فسأل بيهس أمير المؤمنين فقال:
ص: 7
أخبرني عن قول اللّه تعالى فلعلك باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ قال: نعم، قوم زعموا أنّهم مؤمنون و ليسوا مؤمنين(1).
ص: 8
الآيتان (11) و (12)
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (1(1) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً
[2] - في كتاب طب الأئمة عوذة للصبي إذا كثر بكاؤه و لمن يفزع بالليل، و للمرأة إذا سهرت من وجع فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (1(1) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً حدّثنا أبو المغراء الواسطي قال: حدّثنا محمد بن سليمان عن مروان بن الجهم عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام مأثورة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال ذلك(1).
ص: 9
الآية (18)
وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ
[3] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: «كان اسمه ريان »(1).
ص: 10
الآيتان (23) و (24)
وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (2(3) إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً .
[4] - في تفسير العياشي عن عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم قال: إذا حلف الرجل باللّه فله ثنيا(1) إلى أربعين يوما، و ذلك أن قوما من اليهود سألوا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن شيء فقال: ائتوني(2) غدا و لم يستثن حتى أخبركم فاحتبس عنه جبرائيل عليه السّلام أربعين يوما، ثم أتى و قال: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (2(3) إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ (3).
ص: 11
[5] - عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و إن كان بعد أربعين صباحا، ثم تلا هذه الآية: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ (1).
ص: 12
الآية (25)
وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً
[6] - في البحار: ذكر جماعة من المفسّرين، الزجّاج و غيره، أنّ جماعة من أحبار اليهود، أتت المدينة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقالت: ما في القرآن يخالف ما في التوراة، إذ ليس في التوراة إلا ثلاثمائة سنة: فأشكل الأمر على الصحابة فبهتوا، فرفع إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال:
لا خلاف إذ المعبّر عند اليهود السنة الشمسيّة و عند العرب السنة القمريّة، و التوراة نزلت عن لسان اليهود و القرآن العظيم عن لسان العرب، و الثلاثمائة من السنين الشمسيّة ثلاثمائة و تسع من السنين القمريّة(1).
ص: 13
الآية (27)
وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً
[7] - في كتاب الخصال عن محمد بن مسلم رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال عثمان بن عفان: يا رسول اللّه ما تفسير أبجد؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: تعلموا تفسير أبجد فإن فيه الأعاجيب كلها، و هل للعالم جهل تفسيره ؟
فقال: يا رسول اللّه ما تفسير أبجد؟
قال: أما الألف فآلاء اللّه إلى قوله عليه السّلام: و أما كلمن فالكاف كلام اللّه لا تبديل لكلمات اللّه و لن تجد من دونه ملتحدا(1).
ص: 14
الآية (29)
وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ
[8] - عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام إن أهل النار لما غلى الزقوم و الضريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشراب، فأتوا بشراب غسّاق و صديد يتجرّعه و لا يكاد يسيغه و يأتيه الموت من كل مكان، و ما هو بميت و من ورائه عذاب غليظ، و حميم يغلي به جهنم منذ خلقت، كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا(1).
قوله تعالى: يَشْوِي الْوُجُوهَ
[9] - في مجمع البيان و قد روى أن اللّه تعالى يجوّعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع، فيصرخون
ص: 15
إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة و فيهم أبو جهل فيأكلون منها فتغلي بطونهم كغلي الحميم، فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة، فإذا قرّبوها من وجوههم شوت وجوههم، فذلك قوله، يَشْوِي الْوُجُوهَ فإذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم كما قال سبحانه يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ (1) و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن مات و في بطنه شيء من ذلك كان حقا على اللّه عز و جل أن يسقيه من طينة خبال و هو صديد أهل النار، ما يخرج من فروج الزناة، فتجتمع ذلك في قدور جهنم فيشربه أهل النار، فيصهر به ما في بطونهم و الجلود، رواه شبيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
ص: 16
الآية (45)
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً
[10] - في نهج البلاغة أما بعد، فإني أحذّركم الدنيا،... إلى أن قال: لا تعدو - إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها، و الرضاء بها - أن تكون كما قال اللّه سبحانه:
كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (1) .
ص: 17
الآية (46)
اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً
[11] - أخرج ابن أبي حاتم، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: المال و البنون حرث الدنيا، و العمل الصالح حرث الآخرة، و قد جمعهما اللّه لأقوام(1).
قوله تعالى: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ
[12] - أخرج ابن مردويه، عن عليّ عليه السّلام، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: الباقيات الصالحات، من قال:
لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، و سبحان اللّه و الحمد للّه و لا حول و لا قوّة إلا باللّه(2).
ص: 18
الآية (49)
وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً
[13] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم، نا رشأ بن نظيف، نا الحسن بن إسماعيل، نا أحمد بن مروان، نا أبو قبيصة، نا سعيد الجرمي، عن عبد اللّه بن صالح العجلي، عن أبيه قال: خطب عليّ بن أبي طالب يوما، فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلى على النبي صلّى اللّه عليه و سلم، ثم قال:(1)
عباد اللّه، لا تغرنّكم الحياة الدنيا، فإنها دار بالبلاء محفوفة، و بالفناء معروفة، و بالغدر موصوفة، و كلّ ما فيها
ص: 19
إلى زوال، و هي بين أهلها دول و سجال، لن يسلم من شرّها نزّالها، بينا أهلها في رخاء و سرور إذ هم منها في بلاء و غرور، العيش فيها مذموم، و الرخاء فيها لا يدوم، و إنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها و تقضمهم بحمامها.
عباد اللّه إنكم و ما أنتم من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا، و أشدّ منكم بطشا، و أعمر ديارا، و أبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلّبها، و أجسادهم بالية و ديارهم خالية، و آثارهم عافية، و استبدلوا بالقصور المشيّدة، و السرر و النمارق الممهّدة، الصخور و الأحجار المسندة، و القبور اللاطئة الملحدة التي قد بني على الخراب فناؤها، و شيّد بالتراب بناؤها، فمحلّها مقترب، و ساكنها مغترب، بين أهل عمارة موحشين و أهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، و لا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار، و دنوّ الدار، و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنهم بكلكله البلى (1) ،و أكلتهم الجنادل و الثرى(2) ،
ص: 20
فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، و بعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب، و سكنوا التراب، و ظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات، كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1) و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من الوحدة و البلاء في دار الموتى، و ارتهنتم في ذلك المضجع، و ضمّكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور و بعثرت القبور، و حصّل ما في الصدور، و أوقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب، و هتكت عنكم الحجب و الأستار، و ظهرت منكم العيوب و الأسرار، هنالك تجزى كلّ نفس بما كسبت لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (2)وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (3) جعلنا اللّه و إياكم عاملين بكتابه متّبعين لأوليائه حتى يحلّنا و إياكم دار المقامة من فضله، إنّه حميد مجيد(4).
ص: 21
الآية (51)
وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً
[14] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى جبلة بن سحيم عن أبيه قال: لما بويع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بلغه أن معاوية قد توقف عن إظهار البيعة له، و قال: إن أقرّني على الشام أو الأعمال التي و لاّنيها عثمان بايعته، فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: يا أمير المؤمنين إن معاوية من قد عرفت، و قد ولاّه الشام من كان قبلك، فولّه أنت كيما يتسق عرى الأمور ثم اعزله إن بدا لك، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه ؟
قال: لا، قال: لا يسألني اللّه عز و جل عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ
ص: 22
عَضُداً .و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).
[15] - في كتاب الخصال عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام و قد ذكر معاوية بن حرب: و أعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك و تعالى قد ردّ إليّ حقي في معدنه، و انقطع طمعه في أن يصير في دين اللّه رابعا و في أمانة حملناها حاكما كرّ على العاص بن العاص فاستماله فمال إليه ثم أقبل به بعد أن أطمعه مصر، و حرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمته درهما، و حرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقّه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم، و يطأهم بالغشم(2) فمن تابعه أرضاه، و من خالفه ناوأه، ثم توجّه إليّ ناكثا علينا، مغيرا في البلاد شرقا و غربا و يمينا و شمالا، و الأنباء تأتيني، و الأخبار ترد علي بذلك، فأتاني أعور ثقيف فأشار عليّ أن أوّليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه منها، و في الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا لو وجدت عند اللّه عز و جل في تولّيه لي مخرجا، أو أصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعملت الرأي في ذلك، و شاورت من أثق
ص: 23
بنصيحته للّه عز و جل و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم ولي و للمؤمنين، فكان رأيه فيه كرأيي، ينهاني عن توليته، و يحذّرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، و لم يكن اللّه ليراني أتخذ المضلين عضدا(1).
ص: 24
الآية (53)
وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها
[16] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه: عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام و أمّا قوله: وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها يعني تيقنوا أنهم دخلوها و كذلك قوله إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (1) و أما قوله للمنافقين وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا (2) فهو ظن شك و ليس ظن يقين؛ و الظنّ ظنّان: ظن شك، و ظنّ يقين، فما كان من أمر المعاد من الظنّ فهو ظنّ يقين، و ما كان من أمر الدنيا فهو على الشكّ(3).
[17] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي (ره) عن أمير
ص: 25
المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام: و قد يكون بعض ظن الكافرين يقينا، و ذلك قوله: وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي أيقنوا أنهم مواقعوها(1).
[18] - في كتاب التوحيد حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات:
و أما قوله وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها يعني أيقنوا أنهم داخلوها(2).
ص: 26
الآيات (66) و (67) و (68)
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (6(7) وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً
[19] - في نهج البلاغة قال عليه السلام: لو كان أحد مكتفيا من العلم لا كتفى نبيّ اللّه موسى؛ و قد سمعتم قوله:
هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً (1) .
[20] - في نهج البلاغة قال عليه السلام: لا تعامل العامّة فيما أنعم به عليك من العلم، كما تعامل الخاصّة؛ و اعلم أن للّه سبحانه رجالا أودعهم أسرارا خفية، و منعهم عن إشاعتها؛ و اذكر قول العبد الصالح لموسى و قد قال له:
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (6(7) وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (2) .
ص: 27
الآية (79)
وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً
[21] - في مجمع البيان و روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه كان يقرأ (كل سفينة صالحة غصبا)و روي ذلك أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: و هي قراءة أمير المؤمنين عليه السّلام(1).
ص: 28
الآية (82)
وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً
[22] - عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام، أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: إنّ اللّه ليخلف العبد الصالح من بعد موته في أهله و ماله، و إن كان أهله أهل سوء، ثم قرأ هذه الآية إلى آخرها: وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً (1).
قوله تعالى: وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما
[23] - في كتاب الجعفريات، بالإسناد عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: قلت: يا رسول اللّه أخبرني
ص: 29
عن قول اللّه عز و جل: وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً ما ذلك الكنز الذي أقام الخضر الجدار عليه ؟
فقال: يا عليّ علم مدفون في لوح من ذهب مكتوب فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللّه الذي لا إله إلا (هو)، أنا اللّه الواحد القهّار لا شريك لي، محمّد رسول اللّه عبدي أختم به رسلي، عجبا لمن أيقن بالنار ثمّ هو يضحك، عجبا لمن أيقن بالموت ثمّ هو يفرح، و عجبا لمن رأى الدنيا و تقلّبها بأهلها ثمّ يطمئن إليها، و عجبا لمن أيقن بالقدر ثمّ هو يأسف، و عجبا لمن أيقن بالحساب غدا ثمّ هو لا يعمل(1).
[24] - في كنز العمال: عن عليّ عليه السّلام، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في قوله: وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال: لوح من ذهب مكتوب فيه: شهدت أن لا إله إلا اللّه، شهدت أنّ محمّدا رسول اللّه، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن تفكّر في تقلّب الليل و النهار و يأمن فجاعتها، حالا فحالا(2).
ص: 30
[25] - في كنز العمال: عن علي عليه السّلام في قوله تعالى: وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال: كان لوحا من ذهب مكتوب فيه: لا إله إلا اللّه، محمّد رسول اللّه، عجبا لمن يذكر أنّ الموت حقّ كيف يفرح، عجبا لمن يذكر أنّ النار حقّ كيف يضحك، و عجبا لمن يذكر أنّ القدر حقّ كيف يحزن، و عجبا لمن يرى الدنيا و تصرّفها بأهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها(1).
ص: 31
الكهف الآيات (84)-(99)
إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً
ص: 32
[26] - روي عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ إنّه سخّر له السحاب فحمله عليها، و مدّ له في الأسباب، و بسط له النور، فكان الليل و النهار عليه سواء(1).
[27] - عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: سئل عن ذي القرنين ؟
فقال عليه السّلام: كان عبدا صالحا و اسمه عياش، اختاره اللّه و ابتعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المغرب و ذلك بعد طوفان نوح، فضربوه على قرن رأسه الأيمن فمات منها، ثم أحياه اللّه بعد مائة عام، ثم بعثه اللّه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المشرق، فكذبوه و ضربوه ضربة على قرن رأسه الأيسر فمات منها، ثم أحياه اللّه بعد مائة عام و عوضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين، أجوفين و جعل عزّ ملكه و آية نبوته في قرنيه.
ثم رفعه إلى السماء الدنيا فكشط له(2) عن الأرض كلها جبالها و سهولها و فجاجها، حتى أبصر ما بين المشرق
ص: 33
و المغرب، و آتاه اللّه من كل شيء يعرف به الحق و الباطل، و أيّده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات و رعد و برق، ثم أهبط إلى الأرض و أوحي إليه أن سر في ناحية غربي الأرض و شرقيها، فقد طويت لك البلاد، و ذلّلت لك العباد فأرهبتهم منك، فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب، فكان إذا مرّ بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد(1) المغضب فينبعث من قرنه ظلمات و رعد و برق و صواعق تهلك من ناوأه و خالفه فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق و المغرب، قال:
و ذلك قول اللّه إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فسار حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله:
أما من ظلم و لم يؤمن بربه فسوف يعذبه في الدنيا بعذاب الدنيا ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ في مرجعه فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (8(8) ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين من الشمس سَبَباً (2).
ثم قال أمير المؤمنين: إن ذا القرنين لما انتهى من الشمس إلى العين الحامية وجد الشمس تغرب فيها و بها سبعون ألف ملك يجرّونها بسلاسل الحديد و الكلاليب،
ص: 34
يجرّونها من قعر البحر في قطر الأرض الأيمن، كما تجري السفينة على ظهر الماء فلما انتهى معها إلى مطلع الشمس وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ إلى قوله بِما لَدَيْهِ خُبْراً فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن ذا القرنين ورد على قوم قد أحرقتهم الشمس و غيّرت أجسادهم و ألوانهم حتى صيّرتهم كالظلمة ثم أتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة حَتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (9(3) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ خلف هذين الجبلين و هم يفسدون في الأرض، إذا كان إبان(1) زروعنا و ثمارنا خرجوا علينا من هذين السدّين فرعوا من ثمارنا و زرعنا حتى لا يبقوا منها شيئا فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً نؤديه إليك في كل عام عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا إلى قوله زُبَرَ الْحَدِيدِ .
قال: فاحتفر له جبل حديد فقلعوا له أمثال اللبن، فطرح بعضهم على بعض فيما بين الصدفين، و كان ذو القرنين هو أول من بنى ردما على الأرض ثم جعل عليه الحطب و ألهب فيه النار، و وضع عليه المنافخ فنفخوا عليه، فلما ذاب قال: ائتوني بقطر و هو المس الأحمر قال:
ص: 35
فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد فذاب معه و اختلط به، قال: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً يعني يأجوج و مأجوج، قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا .
إلى هنا رواية علي بن الحسين و رواية محمد بن نضر و زاد جبرائيل بن أحمد في حديثه عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ يعني يوم القيامة(1).
قال أمير المؤمنين عليه السّلام لمن سأله عن كيفية بلوغ ذي القرنين المشرق و المغرب: سخّر له السحاب و مدّت له الأسباب و بسط له في النور، و قال: أزيدك ؟.
قال: فسكت الرجل. و سكت علي رضي اللّه عنه(2).
قوله تعالى: حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (3)
ص: 36
[28] - عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: تغرب الشمس في عين حمئة في بحر دون المدينة التي مما يلي المغرب يعني جابلقا(1),(2).
[29] - في كتاب الخصال في سؤال بعض اليهود عليا عليه السّلام عن الواحد إلى المائة، قال له اليهودي: فالشمس من أين تطلع ؟
قال له: من بين قرني شيطان، قال: فأين تغرب ؟
قال: في عين حمئة. قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه:
سبق في تفسير العياشي عن أمير المؤمنين عليه السّلام بيان لقوله عز و جل تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ (3).
قوله تعالى: وَ أَمّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (4)
[30] - محمّد بن العباس، قال: حدّثنا الحسين بن
ص: 37
علي بن عاصم، عن الهيثم بن عبد اللّه، قال: حدّثني علي بن موسى الرضا عليه السّلام، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أتاني جبرئيل من ربّه عز و جل و هو يقول:
ربّي يقرؤك السلام، و يقول لك: يا محمّد بشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات و يؤمنون بك و بأهل بيتك بالجنة، فلهم عندي جزاء الحسنى و يدخلون الجنّة، و جزاء الحسنى هي ولاية أهل البيت، و دخول الجنّة و الخلود فيها في جوارهم(1).
قوله تعالى: قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا (9(4) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً (2)
[31] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب: «منهم من طوله شبر و منهم من هو مفرط في الطول، لهم مخالب في [موضع](3) الأظفار من بين أيدينا و أنياب و أضراس كأضراس السّباع و أنيابها يسمع لها حركة إذا أكلوا كحركة الجرّة من الإبل و كقضم البغل المسن
ص: 38
أو الفرس القوي، و هم هلب(1) عليهم من الشعر في أجسادهم ما يواريهم و ما يتّقون به من الحر و البرد إذا أصابهم. و لكل واحد منهم أذنان عظيمتان أحدهما و برة و الأخرى زغبة يلتحف إحداهما و يفترش الأخرى، و يصيّف في إحداهما و يشتو في الأخرى و ليس منهم ذكر و لا أنثى إلاّ و قد عرف أجله الذي يموت فيه، و منقطع عمره و ذلك أنه لا يموت ميّت من ذكورهم حتّى يخرج من صلبه ألف ولد، و لا تموت أنثى حتّى يخرج من رحمها ألف ولد. فإذا كان ذلك أيقن الموت. و هم يرزقون السينان(2) أيام الربيع كما يستمطر الغيث لحينه فيقذفون منه كلّ سنّة واحدا فيأكلونه عامهم كله إلى مثلها من القابل فيعمهم على كثرتهم، و هم يتداعون تداعي الحمام، و يعوون عواء الذئاب، و يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا »(3).
فلمّا عاين منهم ذلك ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما، و هو في منقطع أرض الترك ممّا يلي مشرق الشمس فوجد بعد ما بينهما مئة فرسخ، فلمّا بدأ
ص: 39
في عمله حفر له الأساس حتّى بلغ الماء، ثمّ جعل عرضه خمسين فرسخا. و جعل حشوه الصخر، و طينه النحاس يذاب ثمّ يصب عليه فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثمّ علاّه و شرّفه بزبر الحديد و النحاس المذاب و جعل خلاله عرقا من نحاس أصفر، فصار كأنه برد محبّر من صفرة النحاس و حمرته في سواد الحديد.
فلما فرغ منه و أحكمه انطلق عامدا إلى جماعة الإنس، فبينا هو يسير إذ دفع إلى أمّة صالحة يهدون بالحق و به يعدلون، فوجد أمّة مقسطة مقتصدة يقسمون بالسّوية، و يحكمون بالعدل و يتراحمون، حالتهم واحدة و كلمتهم واحدة، و أخلاقهم مشتبهة و طريقتهم مستقيمة، و قلوبهم متآلفة، و سيرتهم مستوية، و قبورهم بأبواب بيوتهم، و ليس على بيوتهم أبواب، و ليس عليهم أمراء، و ليس بينهم قضاة، و لا بينهم أغنياء و لا ملوك و لا أشراف، و لا يختلفون و لا يتفاضلون، و لا يتنازعون، و لا يستبّون (1) ،و لا يقتلون، و لا يضحكون، و لا يحردون و لا تصيبهم الآفات التي تصيب النّاس، و هم أطول الناس أعمارا، و ليس فيهم مسكين
ص: 40
و لا فقير، و لا فظ و لا غليظ. فلما رأى ذلك من أمرهم عجب و قال: «أخبروني أيّها القوم خبركم، فإنّي قد أحصيت الأرض كلّها؛ برّها و بحرها، و شرقها و غربها، فلم أر أحدا مثلكم، فخبروني خبركم».
قالوا نعم: فسلنا عمّا تريد.
قال: «خبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم ؟».
قالوا: عمدا فعلنا ذلك، لئلا ننسى الموت، و لا يخرج ذكره من قلوبنا.
قال: «فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟».
قالوا: ليس فينا متّهم، و ليس فينا إلاّ أمين مؤتمن.
قال: «فما بالكم ليس عليكم أمير؟».
قالوا: لا حاجة لنا إلى ذلك.
قال: «فما بالكم ليس فيكم حكّام ؟».
قالوا: لا نختصم.
قال: «فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟».
قالوا: لا نتكاثر.
قال: «فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟».
ص: 41
قالوا: لا نفتخر.
قال: «فما بالكم لا تتنازعون و لا تختلفون ؟».
قالوا: من ألفة قلوبنا و صلاح ذات بيننا.
قال: «فما بالكم لا تقتتلون ؟».
قالوا: من أجل أنّا شبنا أنفسنا بالأحلام(1).
قال: «فما بال كلمتكم واحدة، و طريقتكم مستقيمة ؟».
قالوا: من قبل أنا لا نتكاثر، و لا نتخادع، و لا يغتاب بعضنا بعضا.
قال: «فأخبروني من أين تشابهت قلوبكم، و اعتدلت سيرتكم ؟».
قالوا: صحت صدورنا فنزع بذلك الغل و الحسد من قلوبنا.
قال: «فما بالكم ليس فيكم مسكين و لا فقير؟».
قالوا: من أجل أنّا نقسم بالسوية.
قال: «فما بالكم ليس فيكم فظ و لا غليظ؟».
ص: 42
قالوا: من قبل الذل و التواضع.
قال: «فما جعلكم أطول النّاس أعمارا؟».
قالوا: من قبل أنّا نتعاطى الحقّ، و نحكم بالعدل.
قال: «فما بالكم لا تضحكون ؟».
قالوا: لا نغفل عن الاستغفار.
قال: «فما بالكم لا تحزنون و لا تحردون ؟».
قالوا: من قبل أنّا وطّنّا أنفسنا للبلاء مذ كنّا، و أحببناه و حرصنا عليه.
قال: «فما بالكم لا يصيبكم الآفات كما يصيب النّاس ؟».
قالوا: لأنّا لا نتوكل على غير اللّه، و لا نعمل الأنواء و النجوم.
قال: «و هكذا وجدتم آباءكم يفعلون ؟».
قالوا: نعم: وجدنا آباءنا يرحمون مساكينهم، و يواسون فقراءهم، و يعفون عمّن ظلمهم، و يحسنون إلى من أساء إليهم، و يحلمون عمّن جهل عليهم، و يصلون أرحامهم، و يؤدون أمانتهم، و يحفظون وقت صلاتهم، و يوفون بعهدهم،
ص: 43
و يصدقون في مواعيدهم، فأصالح اللّه عز و جل بذلك أمرهم، و حفظهم ما كانوا أحياء. و كان حقا على اللّه أن يخلفهم في ذريتهم(1).
قوله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ (2)
[32] - أخرج ابن أبي حاتم، عن السدي، قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: إنّ يأجوج و مأجوج خلف السد لا يموت الرجل منهم حتّى يولد له ألف لصلبه، و هم يفدون كلّ يوم على السد فيلحسونه، و قد جعلوه مثل قشر البيض، فيقولون: نرجع غدا و نفتح، فيصبحون و قد عاد إلى ما كان عليه قبل أن يلحس، فلا يزالون كذلك حتّى يولد فيهم مولود مسلم، فإذا غدو يلحسون قال لهم: قولوا: بسم اللّه، فإذا قالوا بسم اللّه فأرادوا أن يرجعوا حين يمسون فيقولون:
نرجع غدا فنفتحه، فيصبحون و قد عاد إلى ما كان عليه، فيقول: قولوا: إن شاء اللّه، فيقولون: إن شاء اللّه، فيصبحون و هو مثل قشر البيض فينقبونه فيخرجون منه على الناس، فيخرج أول من يخرج منهم سبعون ألفا، عليهم
ص: 44
التيجان، ثمّ يخرجون من بعد ذلك أفواجا فيأتون على النهر مثل نهركم هذا - يعني الفرات - فيشربونه حتّى لا يبقى منه شيء، ثمّ يجيء الفوج منهم حتّى ينتهوا إليه، فيقولون: لقد كان ها هنا ماء مرّة و ذلك قول اللّه: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ و الدك التراب، و كان وعد ربّي حقّا(1).
قوله تعالى: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ (2)
[33] - في تفسير العياشي عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام، وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ يعني يوم القيامة(3).
ص: 45
الآيتان (103) و (104)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (10(3) اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً
[34] - أبو إسحاق الثعلبي قال: روى سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل قال: سأل عبد اللّه بن الكوّا عليا عن قوله: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ،قال: «أنتم يا أهل حروراء »(1).
[35] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك، نا أحمد بن الحسن بن أحمد، نا أبو علي بن شاذان، نا أبو سهل بن زياد القطان، نا أبو الحسين علي بن إبراهيم الواسطي، إملاء، نا محمد بن أبي نعيم، نا ربعي بن عبد اللّه بن الجارود، نا سيف بن وهب مولى لبني تيم، قال: دخلت شعب ابن عامر على
ص: 46
أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: فإذا شيخ كبير قد وقع حاجبه على عينه، قال: فقلت له: أحبّ أن تحدّثني بحديث سمعته من علي ليس بينك و بينه أحد، قال: أحدّثك به إن شاء اللّه و تجدني له حافظا:
أقبل عليّ يتخطّى رقاب الناس بالكوفة حتى صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فو اللّه ما بين لوحي المصحف آية تخفى عليّ فيم أنزلت و لا أين أنزلت و لا ما عني بها، و اللّه لا تلقوا أحدا يحدّثكم ذاكم بعدي حتى تلقوا نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: فقام رجل يتخطى رقاب الناس فنادى: يا أمير المؤمنين، قال:
فقال علي: ما أراك بمسترشد أو ما أنت مسترشد، قال:
يا أمير المؤمنين حدّثني عن قول اللّه عز و جل: وَ الذّارِياتِ ذَرْواً قال: الرياح ويلك، قال: فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال: السحاب ويلك، قال: فَالْجارِياتِ يُسْراً قال: السفن و يلك، قال:
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ،قال: الملائكة و يلك.
قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول اللّه عز و جل:
وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (1) قال: و يلك بيت في
ص: 47
ست سموات، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، و هو الضّراح، و هو حذاء الكعبة من السماء، قال: يا أمير المؤمنين حدّثني عن قول اللّه عز و جل:
* أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (2(8) جَهَنَّمَ قال: و يلك ظلمة قريش، قال: يا أمير المؤمنين حدّثني عن قول اللّه عز و جل: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (10(3) اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا؟
قال: و يلك منهم أهل حروراء (1) ،قال: يا أمير المؤمنين حدّثني عن ذي القرنين، أنبيّ كان أو رسول ؟
قال: لم يكن نبيّا و لا رسولا و لكنه عبد ناصح اللّه عز و جل فناصحه اللّه عز و جل، و أحبّ اللّه فأحبّه اللّه، و أنه دعا قومه إلى اللّه فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زمانا ثم بعثه اللّه عز و جل إليهم فدعاهم إلى اللّه عز و جل فضربوه على قرنه الآخر فهلك بذلك قرناه(2).
[36] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يذكر فيه أهل الموقف
ص: 48
و أحوالهم و فيه: و منهم أئمة الكفر و قادة الضلالة فأولئك لا يقيم اللّه لهم يوم القيامة وزنا و لا يعبأ بهم، لأنهم لم يعبأوا بأمره و نهيه يوم القيامة فهم في جهنم خالدون، تلفح وجوهم النار و هم فيها كالحون(1).
ص: 49
الآية (110)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً
[37] - في كتاب ثواب الأعمال بإسناده إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول: ما من عبد يقرأ قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إلى آخر السورة إلاّ كان له نور من مضجعه إلى بيت اللّه الحرام، و إن من كان له نور في بيت اللّه الحرام كان له نور إلى بيت المقدس(1).
[38] - في كتاب التوحيد عن علي عليه السّلام حديث طويل يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات:
فأما قوله بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (2) يعني بالبعث، فسمّاه اللّه عز و جل لقاء، و كذلك ذكر المؤمنين الذي يظنون أنهم
ص: 50
ملاقو ربهم، يعني أنهم يؤمنون، أنهم يبعثون و يحشرون و يجزون بالثواب و العقاب و الظن هنا اليقين و كذلك قوله:
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً و قوله: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ (1) يعني بقوله من كان يؤمن بأنه مبعوث، فإن وعد اللّه لآت، من الثواب و العقاب فاللقاء ههنا ليس بالرؤية، و اللقاء هو البعث، فافهم جميع ما في كتاب اللّه من لقائه، فإنه يعني بذلك البعث(2).
***
ص: 51
ص: 52
ص: 53
ص: 54
الآية (1)
الآية (5)
وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا
[41] - محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقرأ وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي يعني أنّه لم يكن له وارث، حتّى وهب اللّه له بعد الكبر(1).
ص: 56
الآية (12)
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
[42] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه، روي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السّلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام و أحبارهم قال لأمير المؤمنين عليه السّلام: فهذا يحيى بن زكريا يقال: إنه أوتي الحكم صبيا و الحلم و الفهم، و إنه كان يبكي من غير ذنب و كان يواصل الصوم ؟
قال له علي عليه السّلام لقد كان كذلك و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم أعطي أفضل من هذا، إنّ يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه و لا جاهلية، و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم أوتي الحكم و الفهم صبيا بين عبدة الأوثان و حزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قط و لم ينشط لأعيادهم، و لم ير منه كذب قط صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و كان أمينا صدوقا حليما، و كان يواصل الصوم الأسبوع و الأقل و الأكثر
ص: 57
فيقال له في ذلك فيقول: إني لست كأحدكم، إني أظل عند ربي فيطعمني و يسقيني، و كان يبكي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتى يبتلّ مصلاّه خشية من اللّه عز و جل من غير جرم. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).
[43] - في كتاب المناقب لابن شهر آشوب رحمه اللّه محمد بن إسحاق بالإسناد جاء أبو سفيان إلى علي عليه السّلام فقال: يا أبا الحسن جئتك في حاجة، قال:
و فيم جئتني ؟
قال: تمشي معى إلى ابن عمك محمد فنسأله أن يعقد لنا عقدا، و يكتب لنا كتابا، فقال: يا أبا سفيان لقد عقد لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عقدا لا يرجع عنه أبدا، و كانت فاطمة عليها السّلام من وراء الستر، و الحسن يدرج بين يديها، و هو طفل من أبناء أربعة عشر شهرا، فقال لها: يا بنت محمد قولي لهذا الطفل يكلّم لي جده فيسود بكلامه العرب و العجم، فأقبل الحسن عليه السّلام إلى أبي سفيان و ضرب إحدى يديه على أنفه، و الأخرى على لحيته، ثم أنطقه اللّه عز و جل بأن قال: يا أبا سفيان قل: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه حتى أكون شفيعا
ص: 58
فقال عليه السّلام: الحمد للّه الذي جعل من ذرية محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (1).
ص: 59
مريم الآية (18)
إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
[44] - ابن عساكر قال: أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، نا القاضي أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن الحسين بن صمدون - من لفظه - حدّثني أبو محمّد عبد اللّه بن الحسن بن المسلّم الصّقلّي - بصور - نا أبو بكر عتيق بن علي بن داود الصّقلّي، نا أبو بكر محمّد بن الحرمي بن الحسين الحمصي - بدمشق - نا أبو القاسم الربيع بن عمرو الحمصي، نا أبو علي محمّد بن هارون بن شعيب الأنصاري، حدّثني هارون بن صمدون، نا العباس بن محمّد بن المنقري، قال:
قدم حسين بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة حاجّا، فاشتريت منه حقّه في صدقة أبيه بذي المروة(1) إحتجنا إلى أن نوجّه رسولا يقتضي الثمن،
ص: 60
و كان في الجوف (1) ،فأبى الرسول أن يخرج، و خاف على نفسه من الطريق، فقال الحسين بن الحسين: أنا أكتب لك رقعة فيها حرز لن يضرك شيء إن شاء اللّه، فكتب له رقعة و جعلها الرسول في صرّته، فذهب الرسول، فلم يلبث أن جاء سالما، فقال: مررت بالأعراب يمينا، فما هيّجني منهم أحد، فقال حسين بن حسين: ربّما خرجت في الرّفقة فيعدى عليها، فأسلم أنا إذ عليّ الحرز، و قال: هو خير لك مما ابتغيت من الثمن.
و الحرز عن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب و إنّ هذا الحرز كان الأنبياء تتحرّز به من الفراعنة: بسم اللّه الرّحمن الرحيم، قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ (2)إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (3) أخذت بسمع اللّه و بنصره(4) و قوّته على أسماعكم و أبصاركم و قوّتكم، يا معشر الجنّ و الإنس و الشياطين
ص: 61
و الأعراب و السباع و الهوامّ و اللصوص مما يخاف فلان و يحذر فلان بن فلان، سترت بينه و بينكم بستر النبوّة التي استتروا بها من سطوات الفراعنة، جبريل عن أيمانكم، و ميكائيل عن شمائلكم، و محمّد صلّى اللّه عليه و سلم أمامكم، و اللّه تعالى من فوقكم، يمنعكم من فلان ابن فلان في نفسه و ولده و أهله و شعره و بشره و ماله، و ما عليه، و ما معه، و ما تحته، و ما فوقه، وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (1) ،وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً (2) ،وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (3) ،و صلّى اللّه على محمّد و سلّم كثيرا(4).
ص: 62
الآية (25)
وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا
[45] - في كتاب الخصال فيما علّم أمير المؤمنين عليه السّلام أصحابه من الأربعمائة باب مما يصالح للمسلم في دينه و دنياه، ما تأكل الحامل من شيء و لا تتداوى به أفضل من الرطب، قال اللّه تعالى لمريم: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (2(5) فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً (1).
[46] - في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عدة من أصحابه عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب، فإن اللّه عز و جل قال لمريم عليها السّلام: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ
ص: 63
عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا قيل: يا رسول اللّه فإن لم يكن إبان الرطب ؟(1)
قال: سبع تمرات من تمر المدينة، فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم، فإن اللّه عز و جل يقول: و عزتي و جلالي و عظمتي و ارتفاع مكاني لا تأكل النفساء يوم تلد الرطب فيكون غلاما إلاّ كان حليما، و إن كانت جارية كانت حليمة(2).
قوله تعالى: رُطَباً جَنِيًّا
[47] - قال ابن عبد البر: رُطَباً جَنِيًّا جاء عن عليّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم، قال «أطعموا نساءكم حتّى الحاملات، الرّطب، فإن لم يكن رطبا فتمرا، فليس من الشّجر شجرة أكرم على اللّه من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران...» الحديث(3).
ص: 64
الآية (47)
سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا
[48] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: أنزل اللّه قوله تعالى خبرا عن إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلم قال: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا . [قال علي]: سمعت فلانا يستغفر لوالديه و هما مشركان فقلت له:
أتستغفر لهما مشركان، قال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه، فأتيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم فرويت ذلك له فأنزل اللّه تعالى هذه الآية (1) ،و الآية الكريمة: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ (2) إلى قوله إِلاّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ (3) و قوله: إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ (4) يعني بعد موعده(5).
ص: 65
الآية (48)
وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ
[49] - في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى ابن مسعود قال: احتجوا في مسجد الكوفة فقالوا: ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة و الزبير و عائشة و معاوية ؟ فبلغ ذلك عليا عليه السّلام فأمر أن ينادي بالصلاة الجامعة فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: معاشر الناس إنه بلغني عنكم كذا و كذا؟
قالوا: صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك. قال: إن لي بستّة من الأنبياء إسوة في ما فعلت، قال اللّه تعالى في محكم كتابه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (1) قالوا: و من هم يا أمير المؤمنين ؟
ص: 66
قال: أولهم إبراهيم عليه السّلام إذ قال لقومه: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فإن قلتم: إنّ إبراهيم إعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصي أعذر. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).
ص: 67
الآية (59)
أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ .
[50] - في جوامع الجامع وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ رووا عن علي عليه السّلام: من بنى الشديد و ركب المنظور و لبس المشهور(1).
[51] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال عليّ بن أبي طالب: «هذا إذا بني المشيد و ركب المنظور و لبس المشهور »(2).
ص: 68
الآيتان (64) و (65)
وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (6(4) رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا
[52] - في كتاب التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه لرجل سأله عما اشتبه عليه من آيات الكتاب: و أما قوله: وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فإن ربنا تبارك و تعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى، و لا يغفل بل هو الحفيظ العليم(1).
و يقول فيه عليه السّلام للسائل أيضا: و أما قوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فإن تأويله: هل يعلم أحد اسمه اللّه غير اللّه تبارك و تعالى، فإياك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقه عن العلماء،
ص: 69
فإنه رب تنزيل يشبّه بكلام البشر و هو كلام اللّه و تأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه كذلك لا يشبه فعله تبارك و تعالى شيئا من أفعال البشر، و لا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر، فكلام اللّه تبارك و تعالى صفته، و كلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام اللّه بكلام البشر فتهلك و تضل(1).
ص: 70
مريم الآية (85)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً
[53] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال عليّ بن أبي طالب: «ما يحشرون و اللّه على أرجلهم و لكن على نوق رحالها ذهب، و نجائب سرجها يواقيت، إن همّوا بها سارت، و إن همّوا بها طارت »(1).
[54] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أخبرنا عبد اللّه بن حامد (2) ،أخبرنا أحمد بن شاذان عن صعوبة بن محمد، حدّثنا صالح بن محمد عن إبراهيم عن صالح بن صدقة أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: لما نزلت هذه الآية يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً .
قال: قلت: يا رسول اللّه إني رأيت وفود الملوك فلم أر وفدا إلاّ ركبانا فما وفد اللّه ؟
ص: 71
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «يا علي إذا كان المنصرف من بين يدي اللّه تلقّت الملائكة المؤمنين بنوق بيض رحالها و أزّمتها الذهب، على كلّ مركب حلّة لا تساويها الدنيا، فيلبس كلّ مؤمن حلّته ثم يستوون على مراكبهم فتهوي بهم النوق حتى تنتهي بهم إلى الجنة تتلقّاهم الملائكة سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (1).
[55] - الحاكم النيسابوري، أخبرنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد ابن عبد الجبّار، ثنا أبو معاوية، و ثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن عبد الوهاب، ثنا يعلى بن عبيد، قالا: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق القرشي، عن النعمان بن سعد، عن علي عليه السّلام في هذه الآية يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً قال عليّ:
أما و اللّه ما يحشر الوفد على أرجله، و لا يساقون سوقا، و لكنّهم يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها، عليها رحل الذهب و أزمّتها الزبرجد، فيركبون عليها حتّى يضربون أبواب الجنّة(2).
ص: 72
[56] - في تفسير الرازي: عن عليّ عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: و الذي نفسي بيده إنّ المتّقين إذا خرجوا من قبورهم، استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة، عليها رحال الذهب ثمّ تلا هذه الآية(1).
[57] - ابن أبي الدنيا في كتاب صفة الجنّة، و ابن أبي حاتم، عن عليّ عليه السّلام قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن هذه الآية يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً قلت: يا رسول اللّه هل الوفد إلا الركب ؟
قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: و الذي نفسي بيده إنّهم إذا خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة و عليها رحال الذهب، شرك نعالهم نور يتلألأ، كل خطوة منها مثل مدّ البصر، و ينتهون إلى باب الجنّة فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح من ذهب، و إذا شجرة على باب الجنّة ينبع من أصلها عينان، فإذا شربوا من إحدى العينين فيغسل ما في بطونهم من دنس و يغتسلون من الأخرى فلا تشعث أشعارهم و لا أبشارهم بعدها أبدا، فيضربون الحلقة على الصفحة، فلو سمعت طنين الحلقة يا علي فيبلغ كلّ حوراء أنّ زوجها
ص: 73
قد أقبل، فتستخفّها العجلة، فتبعث قيّمها فيفتح له الباب، فإذا رآه خرّ له ساجدا، فيقول له: إرفع رأسك إنّما أنا قيّمك وكّلت بأمرك، فيتبعه و يقفو (أثره)، فتستخفّ الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدرّ و الياقوت حتّى تعتنقه، ثمّ قال: تقول:
أنت حبّي و أنا حبّك، و أنا الراضية فلا أسخط أبدا، و أنا الناعمة فلا أبأس أبدا، و أنا الخالدة فلا أموت أبدا، و أنا المقيمة فلا أظعن أبدا، فيدخل بيتا من أساسه إلى سقفه مائة ألف ذراع، بني على جندل اللؤلؤ و الياقوت، طرائق حمر و طرائق خضر و طرائق صفر ما فيها طريقة تشاكل صاحبتها، و في البيت سبعون سريرا على كلّ سرير سبعون فراشا عليه سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلّة يرى مخّ ساقها من وراء الحلل، يقضى جماعهنّ في مقدار ليلة من لياليكم هذه، تجري من تحتهم الأنهار مطردة، أنهار من ماء غير آسن صاف ليس فيه كدر، و أنهار من لبن لم يتغيّر طعمه و لم يخرج من ضروع الماشية، و أنهار من خمر لذة للشاربين و لم تعصرها الرجال بأقدامها، و أنهار من عسل مصفّى لم يخرج من بطون النحل، فيستحلي الثمار، فإذا شاء أكل قائما و إن شاء قاعدا و إن شاء متّكئا، فيشتهي الطعام فتأتيه طيور بيض فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أيّ لون شاء،
ص: 74
ثمّ تطير فتذهب، فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1),(2).
[58] - في تفسير السيوطي: أخرج ابن المبارك في الزهد، و عبد الرزاق، و ابن أبي شيبة، و ابن راهوية، و عبد بن حميد، و ابن أبي الدنيا في صفة الجنّة، و البيهقي في البعث، و الضياء في المختارة، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:
يساق الذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا حتّى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها، وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما فشربوا منها فذهب ما في بطونهم من أذى أو قذى و بأس، ثمّ عمدوا إلى الأخرى فتطهّروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم فلن تغيّر أبشارهم بعدها أبدا، و لن تشعث أشعارهم كأنّما دهنوا بالدهان، ثمّ انتهوا إلى خزنة الجنّة، فقالوا: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، ثمّ تلقاهم الولدان يطوفون بهم كما يطيف أهل الدنيا بالحميم، فيقولون: أبشر بما أعدّ اللّه لك من الكرامة، ثمّ ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين، فيقول: قد جاء
ص: 75
فلان باسمه الذي يدعى به في الدنيا، فتقول: أنت رأيته ؟ فيقول أنا رأيته، فيستخفّها الفرح حتّى تقوم على أسكفة بابها، فإذا انتهى إلى منزله نظر شيئا من أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه أخضر و أصفر و أحمر من كلّ لون، ثمّ رفع رأسه فنظر إلى سقفه فإذا مثل البرق و لو لا أنّ اللّه تعالى قدّر أنّه لا ألم لذهب ببصره، ثمّ طأطأ برأسه فنظر إلى أزواجه و أكواب موضوعة و نمارق مصفوفة و زرابيّ مبثوثة، فنظر إلى تلك النعمة ثمّ اتّكأ على أريكة من أريكته ثمّ قال:
اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللّهُ (1) الآية، ثمّ ينادي مناد: تحيون فلا تموتون أبدا، و تقيمون فلا تظعنون أبدا، و تصحّون فلا تمرضون أبدا، و اللّه تعالى أعلم(2).
[59] - في البحار: عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف الجنّة: و اعلموا عباد اللّه أنّ مع هذا رحمة اللّه التي وسعت كلّ شيء، لا يعجز عن العباد جنّة عرضها السماوات و الأرض، خير لا يكون بعده شر أبدا، و شهوة لا تنفد أبدا، و لذة لا تفنى أبدا، و مجمع لا يتفرق أبدا، و قوم قد جاوروا
ص: 76
الرحمن وقام بين أيديهم الغلمان، بصحاف من ذهب فيها الفاكهة و الريحان(1).
[60] - في البحار: عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث مع الأحنف، في أنّه يدخل عبد مذنب الجنّة بماء أعطاه مؤمنا ليتوضّأ به فيصلّي(2).
[61] - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن عمير، عن عبد اللّه بن شريك العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأل علي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن تفسير قوله: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً قال يا علي إنّ الوفد لا يكون إلا ركبانا، أولئك رجال اتّقوا اللّه فأحبّهم اللّه و اختصّهم و رضي أعمالهم فسمّاهم المتّقين، ثمّ قال: يا علي أما و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، إنّهم ليخرجون من قبورهم و بياض وجوههم كبياض الثلج، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن، عليهم رهال الذهب، شراكها من لؤلؤ يتلألأ(3).
[62] - و في حديث آخر قال إنّ الملائكة لتستقبلهم
ص: 77
بنوق من نوق الجنّة عليها رحائل ذهب، مكلّلة بالدر و الياقوت و جلالها الإستبرق و السندس، و خطامها جدل الأرجوان، و أزمّتها من زبرجد، فتطير بهم إلى المحشر، مع كلّ رجل منهم ألف ملك من قدامه و عن يمينه و عن شماله يزفّونهم زفّا، حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم، و على باب الجنّة شجرة، الورقة منها يستظلّ تحتها مائة ألف من الناس، و عن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكية، فيسقون منها شربة فيطهّر اللّه قلوبهم من الحسد و يسقط عن أبشارهم الشعر ذلك قوله: وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (1) من تلك العين المطهّرة، ثمّ يعرجون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون منها و هي عين الحياة فلا يموتون أبدا ثمّ يوقف بهم قدّام العرش و قد سلموا من الآفات و الأسقام و الحرّ و البرد أبدا، قال: فيقول الجبّار للملائكة الذين معهم: احشروا أوليائي إلى الجنّة و لا تقفوهم مع الخلائق، فقد سبق رضائي عنهم و وجبت رحمتي لهم فكيف أوقفهم مع أصحاب الحسنات و السيّئات، فتسوقهم الملائكة إلى الجنّة، فإذا انتهوا إلى باب الجنّة ضربت الملائكة حلقة
ص: 78
الباب فيبلغ صريرها كلّ حوراء خلقها اللّه و أعدّها لأوليائه، فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة و يقلن: جاءنا أولياء اللّه، فيفتح الباب فيدخلون الجنّة فيشرف عليهم زوجاتهن من الحور العين و الآدميين فيقلن: مرحبا بكم فما كان أشدّ شوقنا إليكم، و يقول لهنّ أولياء اللّه ذلك.
فقال علي عليه السّلام: من هؤلاء يا رسول اللّه ؟
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: يا علي هؤلاء شيعتك و شيعتنا المخلصون لولايتك و أنت إمامهم، و هو قول اللّه يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (1).
ص: 79
الآيات (90) و (91) و (92)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (9(1) وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً
[63] - حدّثني أبي عن إسحاق بن الهيثم عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السّلام أنه قال: إن الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرّحمن ولد عز الرّحمن و جل أن يكون له ولد(1) فكادت اَلسَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (2) ،فعند ذلك اقشعر الشجر و صار له شوك، حذرا أن ينزل به العذاب، فما بال أقوام غيّروا سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم(3).
ص: 80
[64] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: و الشمس و القمر دائبان في مرضاته يبليان كل جديد و يقرّبان كل بعيد(1).
ص: 81
الآية (95)
وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً
[65] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قصره و قرأ الباقون بالمدّ و ضمّ التاء على مثال فاعلوه كقوله: وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً و هي قراءة علي عليه السّلام(1).
ص: 82
الآية (96)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا
[66] - أخرج الحكيم الترمذي، و ابن مردويه، عن علي عليه السّلام قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ما هو؟
قال: المحبّة في قلوب المؤمنين و الملائكة المقرّبين، يا علي إنّ اللّه أعطى المؤمن ثلاثا: المحبّة، و الحلاوة، و المهابة في صدور الصالحين(1).
***
ص: 83
ص: 84
ص: 85
ص: 86
الآيتان (1) و (2)
طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى
[67] - في البحار عن محمّد بن صدقة عن سلامان الفارسي رحمه اللّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه: قال: فضرب بيده على الأخرى و قال: صار محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم صاحب الجمع و صرت أنا صاحب النشر و صار محمّد صاحب الجنّة و صرت أنا صاحب النار، أقول لها خذي هذا و ذري هذا، و صار محمّد صاحب الرجفة و صرت أنا صاحب الهدّة و أنا صاحب اللوح المحفوظ، ألهمني اللّه عز و جل علم ما فيه، نعم يا سلامان و يا جندب صار محمّد يس (1) وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (1) و صار محمد ن وَ الْقَلَمِ (2) و صار محمّد طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (3) و صار محمّد صاحب
ص: 87
الدلالات، و صرت أنا صاحب المعجزات و الآيات و صار محمد خاتم النبيّين و صرت أنا خاتم الوصيّين، و أنا الصراط المستقيم و أنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و لا أحد اختلف إلاّ في ولايتي، و صار محمد صاحب الدعوة و صرت أنا صاحب السيف(1).
[68] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه: روي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّ عليهم السّلام قال: إن يهوديا من يهود الشام و أحبارهم قال لأمير المؤمنين عليه السّلام: فإن هذا داود بكى على خطيئته حتّى سارت الجبال معه لخوفه ؟
قال له عليّ عليه السّلام: لقد كان كذلك و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم أعطي ما هو أفضل من هذا، إنّه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره و جوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي من شدّة البكاء(2) و قد آمنه اللّه عز و جل من عقابه، فأراد ان يتخشع لربه ببكائه،
ص: 88
و يكون إماما لمن اقتدى به، و لقد قام صلّى اللّه عليه و آله و سلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع حتّى عوتب في ذلك فقال اللّه عز و جل: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (1) بل لتسعد به و لقد كان يبكي حتّى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول اللّه، أليس اللّه عز و جل قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخر؟
قال: بلى، أفلا أكون عبدا شكورا؟ و لئن سارت الجبال و سبّحت معه لقد عمل لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما هو أفضل من هذا إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: قرّ فإنه ليس عليك إلاّ نبي أو صديق شهيد(2) فقرّ الجبل مجيبا لأمره و منتهيا إلى طاعته، و لقد مررنا معه بجبل و إذا الدموع تجري من بعضه، فقال له:
ما يبكيك يا جبل ؟
فقال: يا رسول اللّه كان المسيح مرّ بي و هو يخوف الناس بنار وقودها الناس و الحجارة و أنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة قال له: لا تخف تلك حجارة الكبريت، فقرّ
ص: 89
الجبل و سكن و هدأ(1) و أجاب لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال له اليهودي:
فهذا داود عليه السّلام: قد ليّن اللّه عز و جل له الحديد فعمل منه الدروع قال له عليّ عليه السّلام: لقد كان كذلك و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم أعطي ما هو أفضل من هذا، ليّن اللّه عز و جل له الصم الصخور الصلاب و جعلها غارا(2) و لقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس ليّنة حتّى صارت كهيئة العجين، قد رأينا ذلك و التمسناه تحت رايته(3).
[69] - عن علي عليه السّلام قال: كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يراوح بين
ص: 90
قدميه، يقوم على كل رجل حتّى نزلت طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (1).
[70] - أخرج ابن مردويه، عن عليّ عليه السّلام قال: ل ما نزلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً (2) قام الليل كلّه حتّى تورمت قدماه، فجعل يرفع رجلا و يضع رجلا، فهبط عليه جبرئيل فقال: طأ الأرض بقدميك يا محمّد ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى و أنزل فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (3) و لو قدر حلب شاة(4).
[71] - عن الكاظم، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لقد قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك فقال اللّه عز و جل: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى بل لتسعد به(5).
ص: 91
الآية (5)
اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
[72] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه قوله: اَلرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى يعني استوى تدبيره و علا أمره(1).
[73] - في أصول الكافي خطبة مروية عن أمير المؤمنين عليه السّلام و فيها: و المستوي على العرش بغير زوال(2).
ص: 92
الآية (6)
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى
[74] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه تلا هذه الآية، فقال: فكلّ شيء على الثرى، و الثرى على القدرة، و القدرة تحمل كلّ شيء(1).
ص: 93
الآية (12)
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
[75] - عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قال: كانتا من جلد حمار ميت، فقيل له: اخلعهما(1).
ص: 94
الآية (14)
إِنَّنِي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي
[76] - أخرج أبو نعيم، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، عن جبرئيل عليه السّلام، قال:
قال اللّه عز و جل: إِنَّنِي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي من جاءني منكم بشهادة: أن لا إله إلاّ اللّه بالإخلاص دخل في حصني، و من دخل حصني أمن من عذابي(1).
ص: 95
الآية (44)
فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً
[77] - عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً قال: كنّه(1).
ص: 96
الآية (55)
وَ فِيها نُعِيدُكُمْ
[78] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أي عند الموت و الدفن، قال عليّ: «إن المؤمن إذا قبض الملك روحه إنتهى به إلى السماء، و قال: يا ربّ عبدك فلان قبضنا نفسه فيقول: إرجعوا فإنّي وعدته: منها خلقناكم و فيها نعيدكم، فإنّه يسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين »(1).
ص: 97
الآية (63)
بِسِحْرِهِما وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى
[79] - عن علي عليه السّلام في قوله تعالى: وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى قال: يصرفا وجوه الناس إليها(1).
ص: 98
الآية (67)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً
[80] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهّال و دول الضلال(1).
ص: 99
الآية (82)
وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى
[81] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث أجاب فيه بعض الزنادقة و قد قال معترضا: و أجده يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ (1) و يقول: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (2) إعلم في الآية الأولى أن الأعمال الصالحة لا تكفر، و اعلم في الآية الثانية أن الإيمان و الأعمال الصالحة لا تنفع إلاّ بعد الإهتداء قال عليه السّلام:
و أما قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و قوله: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فإن ذلك كله لا يغني إلاّ مع الإهتداء و ليس كل من
ص: 100
وقع عليه إسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة، و لو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد و إقرارها باللّه، و نجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر، و قد بيّن اللّه ذلك بقوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (1) و بقوله: اَلَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (2),(3).
[82] - ابن بابويه قال: حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه محمد بن خالد قال: حدّثنا سهل بن المرزبان الفارسي قال: حدّثنا محمد بن منصور عن عبد اللّه بن جعفر عن محمد بن الفيض بن المختار عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذات يوم و هو راكب و خرج علي عليه السّلام و هو يمشي فقال له:
يا أبا الحسن إمّا أن تركب و إمّا أن تنصرف فإن اللّه عز و جل أمرني أن تركب إذا ركبت و تمشي إذا مشيت و تجلس إذا جلست إلاّ أن يكون حدّا من حدود اللّه لابدّ لك من القيام
ص: 101
و القعود فيه و ما أكرمني اللّه بكرامة إلاّ و قد أكرمك بمثلها و خصّني بالنبّوة و الرسالة و جعلك وليّي في ذلك تقوم في حدوده و في صعب أموره، و الذي بعث محمدا بالحقّ نبيّا ما آمن بي من أنكرك و لا أقرّ بي من جحدك و لا آمن باللّه من كفر بك، و إن فضلك لمن فضلي، و إن فضلي لفضل اللّه، و هو قول اللّه عز و جل: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ (1) ففضل اللّه نبوّة نبيّكم و رحمته ولاية علي بن أبي طالب عليه السّلام، فبذلك قال بالنبوّة و الولاية فَلْيَفْرَحُوا يعني الشيعة هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يعني مخالفيهم من الأهل و المال و الولد في دار الدنيا.
و اللّه يا علي ما خلقت إلاّ لتعبد ربك و ليعرف بك معالم الدين و يصالح بك دارس السبيل، و لقد ضلّ من ضلّ عنك، و لن يهتدي إلى اللّه من لم يهتد إليك و إلى ولايتك، و هو قول ربي عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (2) يعني إلى ولايتك، و لقد أمرني اللّه تبارك و تعالى أن أفترض من حقّك ما افترضه من حقي، و إن حقّك لمفروض على من آمن بي، و لولاك لم يعرف حزب اللّه و بك
ص: 102
يعرف عدو اللّه، و من لم يلقه بولايتك لم يلقه بشيء و لقد أنزل اللّه عز و جل إلي يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (1) يعني في ولايتك يا علي وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (2) و لو لم أبلّغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي، و من لقي اللّه عز و جل بغير ولايتك فقد حبط عمله، وعد ينجز لي و ما أقول إلاّ قول ربّي تبارك و تعالى إنّ الذي أقول لمن اللّه عز و جل أنزله فيك »(3).
ص: 103
الآيات (83) إلى (96)
* وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ
ص: 104
[83] - أخرج الفريابي، و عبد بن حميد، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و الحاكم و صحّحه، عن عليّ عليه السّلام قال: لمّا تعجّل موسى إلى ربّه، عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حليّ بني إسرائيل، فضربه عجلا ثمّ ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار، فقال لهم السامري:
هذا إلهكم و إله موسى، فقال لهم هارون: يا قوم ألم يعدكم ربّكم وعدا حسنا؟ فلما أن رجع موسى أخذ برأس أخيه، فقال له هارون ما قال، فقال موسى للسامري: ما خطبك ؟
فقال: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد فبرده بها و هو على شط نهر، فما شرب أحد من ذلك الماء ممّن كان يعبد ذلك العجل إلاّ اصفرّ وجهه مثل الذهب، فقالوا: يا موسى ما توبتنا؟
قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أباه و أخاه و ابنه لا يبالي من قتل حتّى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى اللّه إلى موسى مرهم: فليرفعوا أيديهم فقد غفرت لمن قتل و تبت على من بقي(1).
ص: 105
الآية (97)
قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً
[84] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه و عن أبي يحيى الواسطي قال: لما افتتح أمير المؤمنين عليه السّلام البصرة اجتمع الناس عليه و فيهم الحسن البصري و معه الألواح فكان كلما لفظ أمير المؤمنين عليه السّلام بكلمة كتبها فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام بأعلى صوته: ما تصنع ؟
قال: أكتب آثاركم لنحدّث بها بعدكم، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أما إن لكل قوم سامريا و هذا سامري هذه الأمة، إلاّ أنه لا يقول: لا مِساسَ و لكنه يقول:
لا قتال(1).
ص: 106
قوله تعالى: لَنُحَرِّقَنَّهُ
[85] - قال النحّاس: يروى عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه (لنحرقنّه )(1).
ص: 107
الآيتان (109) و (110)
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً (10(9) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً
[86] - في كتاب التوحيد حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات:
و أما قوله: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً (10(9) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً لا يحيط الخلائق باللّه عز و جل علما، إذ هو تبارك و تعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، و لا قلب يثبته بالحدود، فلا تصفه إلاّ كما وصف نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) الأول و الآخر و الظاهر و الباطن الخالق البارئ المصور
ص: 108
خلق الأشياء فليس من الأشياء شيء مثله تبارك و تعالى(1).
[87] - في كتاب التوحيد خطبة عن علي عليه السّلام و فيها:
قد يئست عن استنباط الإحاطة به طوامح العقول(2) و تحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليته(3).
قوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً
[88] - الصدوق، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه الآية: لا تحيط الخلائق باللّه عز و جل علما، إذ هو تبارك و تعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، و لا قلب يثبته بالحدود، فلا نصفه إلاّ كما وصف نفسه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (4) الأوّل و الآخر و الظاهر و الباطن، الخالق البارىء المصوّر، خلق الأشياء فليس من الأشياء شيء مثله، تبارك و تعالى(5).
ص: 109
الآية (111)
الآية (112)
وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً
[91] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه و أما قوله وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ و قوله: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (1) فإن ذلك كله لا يغني إلاّ مع الإهتداء، و ليس كل من وقع عليه إسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة، و لو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد و إقرارها باللّه، و نجا سائر المقرّين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر، و قد بيّن اللّه ذلك بقوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (2) و بقوله اَلَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (3),(4).
ص: 111
الآية (121)
وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى
[92] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيه عليه السّلام مجيبا بعض الزنادقة و قد قال ذلك الزنديق: و أجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى :و أما هفوات الأنبياء عليهم السّلام و ما بيّنه اللّه في كتابه فإن ذلك من أدل الدلائل على حكمة اللّه عز و جل الباهرة و قدرته القاهرة و عزّته الظاهرة، لأنه علم أن براهين الأنبياء عليهم السّلام تكبر في صدور أممهم، و إنّ منهم من يتخذ بعضهم إلها، كالذي كان من النصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي انفرد به عز و جل(1).
ص: 112
الآية (125) و (126)
رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً (12(5) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى
[93] - في كتاب ثواب الأعمال رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: تحشر المرجئة عميانا فأقول لهم:
ليسوا من أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، إنهم بدّلوا فبدّل ما بهم و غيّروا فغيّر ما بهم(1).
[94] - فيه بإسناده إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: و من قرأ القرآن و لم يعمل به حشره اللّه عز و جل يوم القيامة أعمى، فيقول:
رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً (12(5) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى فيؤمر به إلى النار. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).
ص: 113
الآية (128)
كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ
[95] - في مجمع البيان قيل في المحو و الإثبات أقوال إلى قوله: «السابع» أنه يمحو ما يشاء من القرون و يثبت ما يشاء منها، كقوله: وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (1) و قوله: كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ (2) روي ذلك عن علي عليه السّلام(3).
ص: 114
الآية (132)
وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها
[96] - في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي حمزة عن عقيل الخزاعي أن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان إذا حضر الحرب وصّى المسلمين بكلمات يقول: تعاهدوا الصلاة و حافظوا عليها و تقرّبوا بها، إلى أن قال عليه السّلام: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم منصبا لنفسه بعد البشرى له بالجنة من ربه فقال عز و جل: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها الآية فكان يأمر بها أهله و يصبر عليها نفسه. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).
[97] - في نهج البلاغة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم نصبا(2)
ص: 115
بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول اللّه سبحانه وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها فكان يأمر بها و يصبر عليها نفسه(1).
ص: 116
الآيتان (134) و (135)
لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى (13(4) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى
[98] - في كشف المحجة لابن طاووس رحمه اللّه حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السّلام و فيه قيل: فمن الولي يا رسول اللّه ؟
قال: وليكم في هذا الزمان أنا، و من بعدي وصيي، و من بعد وصيي لكل زمان حجج اللّه، لكيلا يقولوا كما قال الضلاّل من قبلكم فارقهم نبيهم رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى و إنما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات، و هم الأوصياء، فأجابهم اللّه: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى و إنما كان تربّصهم
ص: 117
أن قالوا: نحن في سعة في معرفة الأوصياء حتى يعلن إمام علمه(1).
ص: 118
ص: 119
ص: 120
الآية (7)
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
[99] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال جابر الجعفي: لما نزلت هذه الآية قال عليّ: نحن أهل الذكر(1).
ص: 121
الآيتان (12) و (13)
فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (1(2) لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ .
[100] - الحسن الحلّي قال: من خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السّلام تسمّى المخزون عن آخر الزمان جاء فيها:
... و يخلف من بني الأشهب الزاجر اللّحظ في أناس من غير أبيه هرابا حتّى يأتوا(1) سبطرى عوّذا بالشجر، فيومئذ تأويل هذه الآية: فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (1(2) لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (2) ، و مساكنهم الكنوز التي غلبوا (عليها)(3) من أموال المسلمين(4).
ص: 122
الآية (15)
فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ
[101] - في البحار عن أصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول للناس:... و يخرج رجل من أهل نجران يستجيب للإمام فيكون أوّل النصارى إجابة فيهدم بيعته و يدق صليبه فيخرج بالموالي و ضعفاء الناس فيسيرون إلى النخيلة بأعلام هدى فيكون مجمع الناس جميعا في الأرض كلّها بالفاروق، فيقتل يومئذ ما بين المشرق و المغرب ثلاثة آلاف ألف يقتل بعضهم بعضا فيومئذ تأويل هذه الآية فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ بالسيف، و ينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى اجتمعوا، و ينادي مناد من قبل المغرب بعد ما يغيب الشفق: يا أهل الباطل اجتمعوا، و من الغد عند الظهر تتلوّن الشمس و تصفرّ فتصير سوداء مظلمة،
ص: 123
و اليوم الثالث يفرّق اللّه بين الحقّ و الباطل و تخرج دابة الأرض و تقبل الروم إلى ساحل البحر عند كهف الفتية فيبعث اللّه الفتية من كهفهم مع كلبهم، منهم رجل يقال له تمليخا و آخر حملاها و هما الشاهدان المسلّمان للقائم (عج )(1).
ص: 124
الآية (24)
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ
[102] - قال النحّاس: رفع بالابتداء أو على إضمار ابتداء و روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قرأ (الحقّ)منصوبا(1) أي يعلمون الحق فأما الذي في «الأنبياء» اَلْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (2) فلا نعلم أحدا قرأه إلاّ منصوبا و الفرق الذي بينهما أنّ الذي في سورة البقرة مبتدأ آية و الذي في سورة الأنبياء ليس كذلك(3).
ص: 125
الآيتان (26) و (27)
بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (2(6) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
[103] - في الخرائج و الجرائح في أعلام أمير المؤمنين عليه السّلام في روايات الخاصة إختصم رجل و امرأة إليه، فعلا صوت الرجل على المرأة، فقال له علي عليه السّلام:
إخسأ (و كان خارجيا)، فإذا رأسه رأس الكلب، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس الكلب فما يمنعك عن معاوية ؟
فقال: و يحك لو أشاء أن آتي بمعاوية إلى هاهنا على سريره لدعوت اللّه حتى فعل، و لكن للّه خزّان لا على ذهب و لا فضة و لا إنكار على إسرار، هذا تدبير اللّه أما تقرأ: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (2(6) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (1).
ص: 126
[104] - و روى الأصبغ بن نباتة قال: كنا نمشي خلف علي عليه السّلام و معنا رجل من قريش فقال: يا أمير المؤمنين قد قتلت الرجال و أيتمت الأطفال و فعلت و فعلت ؟ فالتفت إليه عليه السّلام و قال: إخسأ فإذا هو كلب أسود فجعل يلوذ به و يبصبص(1) فرآه عليه السّلام فرحمه فحرّك شفتيه فإذا هو رجل كما كان، فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين أنت تقدر على مثل هذا و يناوئك معاوية(2) فقال: نحن عباد مكرمون لا نسبقه بالقول و نحن بأمره عاملون.
[105] - في مصباح شيخ الطائفة (قدس سره) في خطبة مروية عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: و إن اللّه اختصّ لنفسه بعد نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من بريته خاصّة علاّهم بتعليته، و سما بهم إلى رتبته، و جعلهم الدعاة بالحق إليه و الأدلاّء بالرشاد عليه لقرن قرن، و زمن زمن، أنشأهم في القدم قبل كل مذروّ و مبروّ أنوارا أنطقها بتمجيده و تحميده، و ألهمها شكره و تمجيده، و جعلها الحجج على كل معترف له بملكة الربوبية و سلطان العبودية، و استنطق بها الخرسات بأنواع اللغات بخوعا له بأنه فاطر الأرضين و السموات، و أشهدهم خلقه،
ص: 127
و ولاّهم ما شاء من أمره، جعلهم تراجمة مشيئته و ألسن إرادته، عبيدا لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (2(7) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (1).
[106] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه:
و ألزمهم الحجّة بأن خاطبهم خطابا يدلّ على انفراده و توحيده، و بأنّ له أولياء تجري أفعالهم و أحكامهم مجرى فعله، فهم العباد المكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون.
قال سائل: من هؤلاء الحجج ؟
قال: هم رسول اللّه و من حلّ محلّه أصفياء اللّه الذين قال: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2) الذين قرنهم اللّه بنفسه و برسوله، و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه(3).
ص: 128
الآية (28)
وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى
[107] - في تهذيب الأحكام بإسناده إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام زيارة لأمير المؤمنين عليه السّلام و فيها يقول الزائر:
يا ولي اللّه إن لي ذنوبا كثيرة فاشفع لي إلى ربك عز و جل، فإن لك عند اللّه مقاما محمودا، و إن لك عند اللّه جاها و شفاعة، و قال اللّه: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى (1).
[108] - في عيون الأخبار بإسناده إلى الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللّه حوضي، و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللّه شفاعتي، ثم قال عليه السّلام: إنما شفاعتي
ص: 129
لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل، قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا عليه السّلام: يابن رسول اللّه فما معنى قول اللّه عز و جل: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى ؟
قال: لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى اللّه دينه(1).
[109] - في كتاب التوحيد حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن موسى بن جعفر عليه السّلام حديثا طويلا و فيه قلت له: يابن رسول اللّه فالشفاعة لمن تجب من المذنبين ؟
فقال: حدّثني أبي عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال:
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل، قال ابن أبي عمير: فقلت له: يابن رسول اللّه كيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر و اللّه تعالى يقول: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى و من يرتكب الكبيرة لا يكون مرتضى ؟
ص: 130
فقال: يا أبا محمد ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلاّ ساءه ذلك و ندم عليه، و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: كفى بالندم توبة، و قال عليه السّلام: من سرّته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، و لم تجب له الشفاعة، و كان ظالما و اللّه تعالى ذكره يقول: ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ (1) فقلت له: يابن رسول اللّه و كيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟
فقال: يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنه سيعاقب عليها إلاّ ندم على ما ارتكب، و متى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة، و متى لم يندم عليها كان مصرّا و المصرّ لا يغفر له، لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب، و لو كان مؤمنا بالعقوبة لندم، و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا كبيرة مع الإستغفار، و لا صغيرة مع الإصرار، و أما قول اللّه عز و جل: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى فإنهم لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى اللّه دينه، و الدين الإقرار بالجزاء على الحسنات و السيئات، فمن ارتضى اللّه دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة(2).
ص: 131
الآية (30)
أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ
[110] - و بإسناده إلى حماد بن عيسى يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إذا شكى أحدكم وجع الفخذين فليجلس في تور كبير وطست، في الماء المسخن، و ليضع يده عليه و ليقرأ: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ (1).
[111] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: و فتق بعد الإرتتاق صوامت أبوابها(2).
[112] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة، و لجج بحار زاخرة؛ تلتطم أو اذيّ أمواجها، و تصطفق متقاذفات أثباجها، و ترغو زبدا كالفحول عند هياجها، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها،
ص: 132
و سكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها، و ذلّ مستخذيا إذ تمعّكت عليه بكواهلها، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا، و في حكمة الذّلّ منقادا أسيرا، و سكنت الأرض مدحوّة في لجّة تيّاره، و ردّت من نخوة بأوه و اعتلائه، و شموخ أنفه و سموّ غلوائه، و كعمته على كظّة جريته فهمد بعد نزقاته و لبد بعد زيفان و ثباته(1),(2).
[113] - في نهج البلاغة: كلام طويل يذكر فيه عليه السّلام
ص: 133
ابتداء خلق السماوات السبع و فيه قال عليه السّلام: جعل سفلاهن موجا مكفوفا و علياهن سقفا محفوظا و سمكا مرفوعا(1).
[114] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: و جبل جلاميدها و نشوز متونها و أطوادها، فأرساها في مراسيها، و ألزمها قرارتها، فمضت رؤوسها في الهواء، و رست أصولها في الماء فأنهد جبالها عن سهولها، و أساخ قواعدها في متون أقطارها و مواضع أنصابها فأشهق قلالها، و أطال أنشازها، و جعلها للأرض عمادا و أرّزها فيها أوتادا، فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها أو تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها(2),(3).
ص: 134
[115] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: فلما ألقت السحاب برك بوانيها، و بعاع ما استقلّت به من العبء المحمول عليها، أخرج به من هوامد الأرض النبات، و من زعر الجبال الأعشاب، فهي تبهج بزينة رياضها، و تزدهي بما ألبسته من ريط أزاهيرها، و حلية ما سمطت به من ناضر أنوارها، و جعل ذلك بلاغا للأنام و رزقا للأنعام(1),(2).
ص: 135
الآية (35)
وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً
[116] - في مجمع البيان: و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن أمير المؤمنين عليه السّلام مرض فعاده إخوانه، فقالوا: كيف تجدك يا أمير المؤمنين ؟
قال: بشرّ، قالوا: ما هذا كلام مثلك ؟
قال: إنّ اللّه تعالى يقول: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ فالخير الصحة و الغنى، و الشر المرض و الفقر(1).
ص: 136
الآية (47)
وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً
[117] - في كتاب التوحيد حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات:
و أما قوله تبارك و تعالى: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، يدين اللّه تبارك و تعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين، و في غير هذا الحديث: الموازين هم الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام(1).
ص: 137
الآية (52)
ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ
[118] - في مجمع البيان و روى العياشي بالإسناد عن الأصبغ بن نباتة أن عليا عليه السّلام مرّ بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ ؟(1).
ص: 138
الآية (69)
قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ
[119] - عن علي عليه السّلام في قوله تعالى: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً قال: لو لا أنّه قال: و سلاما، لقتله بردها(1).
[120] - عن علي عليه السّلام في قوله تعالى: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً قال: بردت عليه حتّى كادت توذيه، حتّى قيل:
وَ سَلاماً قال: لا تؤذيه(2).
ص: 139
الآية (87)
وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ
[121] - في تفسير العياشي عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السّلام كتب أمير المؤمنين عليه السّلام قال: حدّثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن جبرائيل حدثه أن يونس بن متى عليه السّلام بعثه اللّه إلى قومه، و ذكر حديثا طويلا يذكر فيه ما فعل قوم يونس و خروج يونس و تنوخا العابد من بينهم، و نزول العذاب عليهم و كشفه عنهم، و فيه: فلما رأى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال، و ضموا إليهم نساءهم و أولادهم و أموالهم، و حمدوا اللّه على ما صرف عنهم، و أصبح يونس و تنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه، لا يشكّان أن العذاب قد نزل بهم و أهلكهم جميعا، لمّا خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع الشمس ينظران إلى ما صار إليه القوم،
ص: 140
فلما دنوا من القوم و استقبلهما الحطابون و الحمارة و الرعاة بأعناقهم، و نظرا إلى أهل القرية مطمئنين، قال يونس لتنوخا:
يا تنوخا كذبني الوحي و كذبت و عدي لقومي، لا و عزّة ربي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي، فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية بحر أيلة مستنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: يا كذّاب! فلذلك قال:
وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ الآية و رجع تنوخا إلى القرية، فلقي روبيل فقال له: يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب و أحق أن يتبع: رأيي أو رأيك ؟.
فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب، و لقد كنت أشرت برأي العلماء و الحكماء، و قال له تنوخا: أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي و فضل عبادتي حتى استبان فضلك لفضل علمك، و ما أعطاك اللّه ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد و العبادة بلا علم، فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما. و مضى يونس على وجهه مغاضبا لربه، فكان من قصته ما أخبر اللّه في كتابه إلى قوله: فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (1).
ص: 141
قال أبو عبيدة: قلت لأبي جعفر عليه السّلام كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة و الرسالة فآمنوا به و صدّقوه ؟
قال: أربعة أسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر، و سبعا في بطن الحوت، و سبعا تحت الشجرة بالعراء، و سبعا منها في رجوعه إلى قومه.
فقلت له: و ما هذه الأسابيع شهور أو أيام أو ساعات ؟
فقال: يا أبا عبيدة إن العذاب أتاهم يوم الأربعاء في النصف من شوال، و صرف عنهم من يومهم ذلك، فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر، و سبعة أيام في بطن الحوت، و سبعة أيام تحت الشجرة بالعراء و سبعة أيام في رجوعه إلى قومه، فكان ذهابه و رجوعه ثمانية و عشرين يوما، ثم أتاهم فآمنوا به و صدقوه و اتبعوه فلذلك قال: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ (1),(2).
ص: 142
قوله تعالى: فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ
[122] - في تفسير القمي عن عليّ عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام في آخره: و أمر اللّه الحوت أن يلفظه فلفظه على ساحل البحر، و قد ذهب جلده و لحمه، و أنبت اللّه عليه شجرة من يقطين و هي الدباء فأظلته من الشمس، ثمّ أمر اللّه الشجرة فتنحت عنه و وقعت الشمس عليه فجزع فأوحى اللّه إليه: يا يونس لم لم ترحم مائة ألف أو يزيدون و أنت تجزع من تألم ساعة ؟
فقال: يا ربّ عفوك عفوك، فرد اللّه عليه بدنه و رجع إلى قومه و آمنوا به(1).
ص: 143
الآية (94)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ
[123] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث أجاب فيه بعض الزنادقة و قد قال معترضا: و أجده يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و يقول: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (1) اعلم في الآية الأولى أن الأعمال الصالحة لا تكفر، و اعلم في الثانية أن الإيمان و الأعمال الصالحة لا تنفع إلاّ بعد الإهتداء قال عليه السّلام: و أما قوله:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و قوله: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فإن ذلك كله لا يغني إلاّ مع الإهتداء و ليس كل من وقع عليه إسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة و لو كان ذلك
ص: 144
كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد و إقرارها باللّه، و نجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر، و قد بيّن اللّه ذلك بقوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (1) و بقوله: اَلَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (2),(3).
ص: 145
الآية (95)
وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ .. .
[124] - قال النحّاس: قراءة زيد بن ثابت و أهل المدينة، و عن علي و ابن مسعود و ابن عباس (و حرم على قرية)(1)
ص: 146
الآيتان (101) و (102)
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (10(1) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ
[125] - محمّد بن العباس، قال: حدّثنا أبو جعفر الحسن بن علي بن الوليد القسري، بإسناده عن النعمان بن بشير، قال: كنّا ذات ليلة عند عليّ بن أبي طالب عليه السّلام سمّارا إذ قرأ هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ فقال: أنا منهم، و أقيمت الصلاة قريب و هو يقول لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ ثمّ كبّر للصلاة(1).
ص: 147
الآية (103)
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
[126] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث: و قد سمعت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول: لو أنّ المؤمن خرج من الدنيا و عليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذنوب ثمّ قال: من قال لا إله إلاّ اللّه بإخلاص فهو بريء من الشرك، و من خرج من الدنيا لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة، ثمّ تلا هذه الآية إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ من شيعتك و محبيك يا علي.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول اللّه هذا لشيعتي ؟
قال: إي و ربي إنه لشيعتك.
و إنهم ليخرجون من قبورهم و هم يقولون: لا إله إلا اللّه
ص: 148
محمّد رسول اللّه، علي بن أبي طالب حجّة اللّه، فيؤتون بحلل خضر من الجنّة، و تيجان من الجنّة، و نجائب من الجنّة، فيلبس كل واحد منهم حلّة خضراء و يوضع على رأسه تاج الملك و إكليل الكرامة، ثمّ يركبون النجائب فتطير بهم إلى الجنّة، لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (1).
ص: 149
الآية (104)
كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ
[127] - في نهج البلاغة: إستبدلوا بظهر الأرض بطنا، و بالسّعة ضيقا، و بالأهل غربة، و بالنور ظلمة، فجاؤوها كما فارقوها، حفاة عراة، قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، و الدار الباقية كما قال سبحانه: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ (1).
ص: 150
الآية (107)
وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ
[128] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام مجيبا لبعض الزنادقة: و أما قوله لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ و إنك ترى أهل الملل المخالفة للإيمان و من يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية، و إنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا و نجوا من عذاب السعير، فإنّ اللّه تبارك اسمه إنما عنى بذلك أنه جعله سبيلا لإنظار أهل هذه الدار، لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم منهم، إذا صدع بأمر اللّه و أجابه قومه سلموا و سلم أهل دارهم من سائر الخليقة، و إن خالفوه هلكوا و هلك أهل دارهم بالآفة التي كانت بينهم يتوعدهم بها و يخوّفهم حلولها و نزولها
ص: 151
بساحتهم، من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة أو غير ذلك من أصناف العذاب الذي هلكت به الأمم الخالية، إنّ اللّه علم من نبينا و من الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدّمهم من الأنبياء الصبر على مثله، فبعثه اللّه بالتعريض لا بالتصريح، و أثبت حجّة اللّه تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه: من كنت مولاه فهذا مولاه و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، و ليس من خليقة النبي و لا من شيمته أن يقول قولا لا معنى له، فلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوّة و الأخوّة موجودتين في خليفة هارون و موسى معدومتين في من جعله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمنزلته أنه قد استخلفه على أمته، كما استخلف موسى هارون حيث قال: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي (1) ،و لو قال لهم:
لا تقلّدوا الإمامة إلاّ فلانا بعينه و إلاّ نزل بكم العذاب لأتاهم العذاب، و زال باب الإنظار و الإمهال(2).
ص: 152
ص: 153
ص: 154
الآيتان (1)-(2)
يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِيدٌ
[129] - في كتاب طبّ الأئمة عليهم السّلام: بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إني لأعرف آيتين من كتاب اللّه المنزل يكتبان للمرأة إذا عسر عليها ولدها يكتبان في رق ظبي و تعلقه عليها في حقويها(1) بسم اللّه و باللّه فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (2) سبع مرّات يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا
ص: 155
أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِيدٌ مرة واحدة(1).
قوله تعالى: وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِيدٌ (2)
[130] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن الفضل، أنا أبو عثمان الصابوني، نا أبو محمّد عبد الرّحمن بن أحمد المقرىء، قالا: نا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب بن يوسف، نا عبد اللّه بن أحمد - يعني ابن المستورد - زاد المقرىء: الأشجعي و قالا: - الكوفي، نا أحمد بن صبيح الأسدي، حدّثني حسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة (3) ،عن عليّ بن أبي طالب قال: صعد عليّ ذات يوم المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر الموت، فقال: عباد اللّه، الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، و إن فررتم منه أدرككم، فالنجاء النجا، و الوحا الوحا، وراءكم طالب حثيث القبر، فاحذروا ضغطته و ظلمته و وحشته. ألا و إنّ القبر حفرة من حفر النار،
ص: 156
أو روضة من رياض الجنة، ألا و إنه يتكلم في كلّ يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة، ألا و إن وراء ذلك يوم يشيب فيه الصغير، و يسكر فيه الكبير، وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى و قال الشيروي: سكرى و ما هم بسكرى وَ لكِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِيدٌ (1) ألا و إنّ وراء ذلك ما هو أشدّ منه، نار حرّها شديد و قعرها بعيد، و حليها حديد(2) ، و خازنها ملك ليس للّه - و في حديث الحيري: فيها - رحمة.
قال: ثم بكى المسلمون حوله ثم قال: و إلى وراء ذلك جنة عرضها السموات و الأرض - و في حديث الحيري:
عرضها كعرض السماء و الأرض - أعدّت للمتقين، جعلنا اللّه و إياكم من المتقين، و أجارنا و إيّاكم من العذاب الأليم(3).
[131] - محمّد بن الحسن، حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان (قدس سره) قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن محمّد بن حبيش الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرني أبو إسحاق
ص: 157
إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أمير المؤمنين عليه السّلام فيما كتب إلى محمّد بن أبي بكر، حين ولاّه مصر و أمره أن يقرأه على أهلها، و في الحديث:
يا عباد اللّه إنّ بعد البعث ما هو أشدّ من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، و يسكر فيه الكبير، و يسقط فيه الجنين، و تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت، يوم عبوس قمطرير، يوم كان شرّه مستطيرا، إنّ فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم، و ترعد منه السبع الشداد، و الجبال الأوتاد، و الأرض المهاد، و تنشقّ السماء فهي يومئذ واهية، و تتغيّر فكأنّها وردة كالدّهان، و تكون الجبال كثيبا مهيلا بعد ما كانت صمّا صلابا، و ينفخ في الصور فيفزع من في السماوات و من في الأرض إلاّ ما شاء اللّه، فكيف من عصى بالسمع و البصر و اللسان و اليد و الرجل و الفرج و البطن، إن لم يغفر اللّه له و يرحمه من ذلك اليوم، لأنّه يقضى و يصير إلى غيره، إلى نار قعرها بعيد، و حرّها شديد، و شرابها صديد، و عذابها جديد، و مقامها حديد، لا يفتر عذابها، و لا يموت ساكنها، دار ليس فيها رحمة، و لا تسمع لأهلها دعوة.
ص: 158
و اعلموا يا عباد اللّه، إنّ مع هذا رحمة اللّه التي لا تعجز العباد، جنّة عرضها كعرض السماء و الأرض أعدّت للمتّقين، لا يكون معها شرّ أبدا، لذّاتها لا تملّ، و مجتمعها لا يتفرّق، سكّانها قد جاوروا الرحمن، و قام بين أيديهم الغلمان بصحاف من الذهب فيها الفاكهة و الريحان(1).
ص: 159
الآية (5)
وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً
[132] - عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه رفعه عن محمّد بن داود الغنوي عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّ ناسا زعموا أن العبد لا يزني و هو مؤمن، و لا يسرق و هو مؤمن، و لا يشرب الخمر و هو مؤمن، و لا يأكل الربا و هو مؤمن، و لا يسفك الدمّ الحرام و هو مؤمن، فقد ثقل عليّ هذا و حرج منه صدري حين أزعم، أنّ هذا العبد يصلّي صلاتي و يدعو دعائي و يناكحني و أناكحه و يوارثني و أوارثه، و قد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه ؟
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: صدقت، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول: و الدليل عليه كتاب اللّه: خلق اللّه عز و جل
ص: 160
الناس على ثلاث طبقات و أنزلهم ثلاث منازل، فذلك قول اللّه عز و جل في الكتاب: أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ...وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ...وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ .
فأمّا ما ذكر من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين، جعل اللّه فيهم خمسة أرواح: روح القدس و روح الإيمان و روح القوّة و روح الشهوة و روح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين، و بها علموا الأشياء و بروح الإيمان عبدوا اللّه و لم يشركوا به شيئا و بروح القوّة جاهدوا عدوهم و عالجوا معاشهم، و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء، و بروح البدن دبّوا و درجوا(1) فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم.
ثمّ قال: قال اللّه عز و جل: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (2) ،ثمّ قال في جماعتهم: وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (3) يقول: أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثمّ ذكر أصحاب
ص: 161
الميمنة و هم المؤمنون حقّا بأعيانهم، جعل اللّه فيهم أربعة أرواح روح الإيمان و روح القوّة، و روح الشهوة و روح البدن، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتّى يأتي عليه حالات فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات ؟
فقال: أمّا أوّلهن فهو كما قال اللّه عز و جل: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً (1) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح، و ليس بالذي يخرج من دين اللّه لأن الفاعل به ردّه إلى أرذل عمره، فهو لا يعرف للصلاة وقتا، و لا يستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار، و لا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان روح الإيمان و ليس يضرّه شيئا، و فيهم من ينتقص منه روح القوّة، فلا يستطيع جهاد عدوه، و لا يستطيع طلب المعيشة، و منهم من ينتقص منه روح الشهوة، فلو مرّت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها(2) و لم يقم، و تبقى روح البدن فبه يدب و يدرج حتّى يأتيه ملك الموت، فهذا بحال خير، لأنّ اللّه عز و جل هو الفاعل به، و قد تأتي عليه حالات في قوّته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فيشجعه روح القوّة و تزيّن له روح الشهوة، و يقوده روح البدن، حتّى
ص: 162
يوقعه في الخطيئة، فإذا لامسها نقص من الإيمان، و تفصّى منه. فليس يعود فيه حتّى يتوب، فإذا تاب تاب اللّه عليه، و إن عاد أدخله اللّه نار جهنّم.
فأمّا أصحاب المشأمة فهم اليهود و النصارى، يقول اللّه عز و جل: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ (1) يعرفون محمدا و الولاية في التوراة و الإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (2) أنّك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين، فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم اللّه بذلك فسلبهم روح الإيمان، و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوّة، و روح الشهوة، و روح البدن، أضافهم إلى الأنعام، فقال: إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ (3) لأنّ الدابة إنّما تحمل بروح القوّة، و تعتلف بروح الشهوة، و تسير بروح البدن.
فقال السائل: أحييت قلبي بإذن اللّه يا أمير المؤمنين(4).
ص: 163
الآية (18)
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ
[133] - محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، و عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن محمّد بن عيسى، عن أبي الصباح الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام إنّ للشمس ثلاثمائة و ستين برجا، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، فتنزل كلّ يوم على برج منها، فإذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش، فلم تزل ساجدة إلى الغد، ثمّ تردّ إلى موضع مطلعها، و معها ملكان يهتفان معها، و إنّ وجهها لأهل السماء وقفاها لأهل الأرض، و لو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض و من عليها من شدّة حرّها، و معنى
ص: 164
سجودها ما قال سبحانه و تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ (1),(2).
ص: 165
الآية (19)
* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ
[134] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أي في دينه و أمره، و الخصم إسم شبيه بوصف المصدر فلذلك قال:
إختصموا، نظيرها * وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (1).
[135] - أبو إسحاق الثعلبي قال: إختلف المفسّرون في هذين الخصمين من هما؟ فروى قيس بن عبّاد أنّ أبا ذرّ الغفاري كان يقسم باللّه سبحانه أنزلت هذه الآية في ستّة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر: حمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب و عتبة و شيبة ابني ربيعة و الوليد بن عتبة و عبيدة بن الحارث، قال: و قال علي: إنّي لأوّل من يجثو للخصومة
ص: 166
يوم القيامة بين يدي اللّه سبحانه و تعالى، و إلى هذا القول ذهب هلال بن نساف و عطاء بن يسار(1).
قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ
[136] - الحاكم النيسابوري، حدّثنا أبو عبد اللّه الحافظ، أنبأ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الفقيه بمصر، ثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدّثني أبي، حدّثني سفيان بن سعيد الثوري، عن أبي هاشم الواسطي أظنّه عن أبي مجلز، عن قيس بن عبادة، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنّه قال:
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قال: نزلت فينا و في الذين بارزونا يوم بدر عتبة و شيبة و الوليد(2).
[137] - الحاكم النيسابوري، أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب، ثنا حامد بن أبي حامد المقري، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا جعفر الرازي، عن سليمان التميمي، عن لا حق بن حميد، عن قيس بن عباد، عن علي عليه السّلام قال: نزلت هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ في
ص: 167
الذين بارزوا يوم بدر: حمزة بن عبد المطلب، و علي، و عبيدة بن الحارث، و عتبة بن ربيعة، و شيبة بن ربيعة، و الوليد بن عتبة، قال علي: و أنا أوّل من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي اللّه يوم القيامة(1).
ص: 168
الآية (20)
يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ
[138] - في مجمع البيان و قد روى أنّ اللّه تعالى يجوّعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدّة الجوع، فيصرخون إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة و فيهم أبو جهل فيأكلون منها فتغلي بطونهم كغلي الحميم، فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة، فإذا قرّبوها من وجوههم شوت وجوههم، فذلك قوله، يَشْوِي الْوُجُوهَ (1) فإذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم كما قال سبحانه يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ .و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من شرب الخمر لم يقبل له صلاة أربعين يوما، فإن مات و في بطنه شيء من ذلك كان حقا على اللّه عز و جل أن يسقيه من طينة خبال و هو صديد أهل النار، ما يخرج من فروج الزناة، فيجتمع
ص: 169
ذلك في قدور جهنم فيشربه أهل النار، فيصهر به ما في بطونهم و الجلود. رواه شبيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
ص: 170
الآية (25)
قوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ
[139] - في نهج البلاغة من كتابه إلى قثم بن العباس رحمهما اللّه، و هو عامله على مكة: مر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا، فإن اللّه سبحانه يقول: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ .و العاكف: المقيم به، و البادي: الذي يحجّ إليه من غير أهله(1).
ص: 171
الآية (28)
وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ
[140] - عن العباس و علي بن السندي جميعا عن حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول:
قال علي عليه السّلام في قول اللّه: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ قال: أيام العشر، و قوله: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ قال: أيام التشريق(1).
[141] - في كتاب معاني الأخبار حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه اللّه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول: قال علي عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ قال:
أيام العشر(2).
ص: 172
الآية (40)
وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
[142] - في كنز العمال: عن ثابت بن عوسجة الحضرمي، قال: حدّثني سبعة و عشرون من أصحاب علي، و عبد اللّه منهم، لا حق بن الأقمر، و المعيزار بن جرول، و عطية القرظي، أنّ عليا عليه السّلام قال: إنّما أنزلت هذه الآية في أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ و لو لا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض بأصحاب محمّد عن التابعين لهدّمت صوامع و بيع(1).
ص: 173
الآية (45)
وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ
[143] - في البحار عن محمّد بن صدقة عن سلامان الفارسي رحمه اللّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه: و قال اللّه تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و في ولايتي فقال عز و جل وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ ،فالقصر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و البئر المعطّلة ولايتي عطّلوها و جحدوها، و من لم يقرّ بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، إلا إنّهما مقرونان، و ذلك أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نبي مرسل و هو إمام الخلق و وصيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، كما قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي مرسل بعدي، و أوّلنا محمّد و أوسطنا محمّد و آخرنا محمّد فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيّم كما قال اللّه
ص: 174
تعالى ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ و سأبين ذلك بعون اللّه تعالى و توفيقه ...(1).
[144] - عن السيّد الثقة الجليل الفقيه السيّد نعمة اللّه الجزائري رحمه اللّه في بعض مؤلّفاته عن ابن عبّاس قال: لمّا صارت الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و سيّد الوصيّين و قائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب عليه السّلام، فلمّا كان في اليوم الثالث أقبل رجل في ثياب خضر و وقف على باب المسجد، و كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه جالسا في المسجد و الناس حوله يمينا و شمالا فقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة و مهبط الحقّ. فقال له أمير المؤمنين: و عليك السلام يا بيهس بن صاف بن حاف بن لامو بن بيهس، فسأل بيهس أمير المؤمنين فقال:
قال: أخبرني عن قول اللّه تعالى وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ (2) فبكى بكاء شديدا و قال عليه السّلام: قد سألتني عن أمر عظيم سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم إنّه قال لجبرئيل: أخبرني عن بئر معطّلة و قصر مشيد؟
ص: 175
قال: لا علم لي بذلك حتّى أرجع إلى ربّي. قال:
فرجع جبرائيل قال: أمّا البئر المعطّلة فعلي بن أبي طالب و في أمّتك قوم يعطّلون ذكرهم يرجون رحمتي يوم القيامة، لا تنالهم رحمتي، هم أشرّ الناس و أبغضهم إليّ، فو عزّتي و جلالي لأذيقنّهم ماء الحميم، لا يموت عبد و في قلبه من بغض عليّ إلاّ أكبّه اللّه على منخريه في النار.
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: يا جبرئيل و ما القصر المشيد؟ قال: أنت يا محمّد أكرمك اللّه بكرامته و اختصّك برسالته و علا ذكرك مع ذكره، فما يذكر اسم اللّه إلاّ و تذكر معه، و أنت يوم القيامة أقرب منزلة إلى اللّه تعالى و أمّتك أكرم الأمم على اللّه تعالى، فطوبى لك يا محمّد(1).
ص: 176
الآية (52)
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ
[145] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي: عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام مجيبا لبعض الزنادقة: و أما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الإزراء به و التأنيب له(1) مع ما أظهره اللّه تبارك و تعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإنّ اللّه عز و جل جعل لكل نبي عدوا من المشركين، كما قال في كتابه و بحسب جلالة منزلة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلم عند ربّه، كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاذ منه في حال شقاقه و نفاقه، و كل أذى و مشقّة لدفع نبوّته و تكذيبه إيّاه و سعيه في مكارهه و قصده
ص: 177
لنقض كلّ ما أبرمه، و اجتهاده و من مالأه على كفره و عناده و نفاقه و إلحاده في إبطال دعوته و تغيير ملّته و مخالفة سنّته، و لم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيّه و إيحاشهم منه و صدّهم عنه و إغرائهم بعداوته، و القصد لتغيير الكتاب الذي جاء به، و إسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل و كفر ذوي الكفر، منه و ممن وافقه على ظلمه و بغيه و شركه، و لقد علم اللّه ذلك منهم فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا (1) و قال: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ (2) و لقد أحضروا الكتاب مكملا مشتملا على التأويل و التنزيل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ، لم يسقط منه حرف ألف و لا لام، فلما وقفوا على ما بيّنه اللّه من أسماء أهل الحقّ و الباطل، و أنّ ذلك إن ظهر ما عقدوه، قالوا: لا حاجة لنا فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا، و لذلك قال: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (3) ثم دفعهم الإضطرار بورود المسائل عليهم عمّا لا يعلمون تأويله إلى جمعه و تأليفه و تضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم
ص: 178
كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به. و وكلوا تأليفه و نظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء اللّه فألّفه على اختيارهم، و ما يدلّ للمتأمل على اختلال تمييزهم و افترائهم و تركوا منه ما قدروا أنّه لهم و هو عليهم، و زادوا فيه ما ظهر تناكره و تنافره، و علم اللّه أن ذلك يظهر و يبين، فقال: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ (1) و انكشف لأهل الإستبصار عوارهم و افتراءهم، و الذي بدا في الكتاب من الإزراء على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من فرية الملحدين و لذلك قال:
وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً (2) فيذكر جلّ ذكره لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ (3) يعني إنّه ما من نبي تمنّى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه و عقوقهم و الإنتقال إلى دار الإقامة إلاّ ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمّه و القدح فيه و الطعن عليه، فينسخ اللّه ذلك من قلوب المؤمنين
ص: 179
فلا تقبله و لا تصغي إليه غير قلوب المنافقين و الجاهلين، و يحكم اللّه آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال و العدوان و مشايعة أهل الكفر و العدوان و الطغيان الذين لم يرض اللّه أن يجعلهم كالأنعام حتّى قال: بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (1) فافهم هذا و اعمل به، و اعلم أنّك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر ممّا سألت، و إنّي قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم و قلّة الراغبين في التماسه، و في دون ما بيّنت لك البلاغ لذوي الألباب(2).
ص: 180
الآية (65)
وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ
[146] - في كتاب علل الشرائع حدّثنا أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن أحمد عن الهيثم النهدي عن بعض أصحابنا بإسناده رفعه قال: كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقرأ: * إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (1) يقولها عند الزلزلة و يقول: وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (2).
ص: 181
الآية (75)
اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ
[147] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن علي عليه السّلام حديث طويل و فيه: فاصطفى جلّ ذكره من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه، و هم الذين قال اللّه فيهم: اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ (1).
ص: 182
الآية (77)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *
[148] - في من لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيّته لابنه محمد ابن الحنفية رضي اللّه عنه: يا بني لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم، فإنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض إلى قوله:
ثم استعبدها بطاعته فقال عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح(1).
[149] - و بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال في جمع من المهاجرين و الأنصار
ص: 183
بالمسجد أيام خلافة عثمان: أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ اللّه عز و جل أنزل في سورة الحج: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ إلى آخر السورة، فقام سليمان فقال: يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد و هم شهداء على الناس الذين اجتباهم اللّه و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم ؟
فقال عليه السّلام: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة، قال سليمان: بيّنهم لنا يا رسول اللّه! قال:
أنا و أخي و أحد عشر من ولدي!
قالوا: اللهم نعم. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).
ص: 184
ص: 185
ص: 186
الآية (2)
اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ
[150] - الحاكم النيسابوري، أخبرني الحسن بن حليم المرزوي، أنبأ أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه، أنبأ عبد الرحمن المسعودي، أخبرني أبو سنان، عن عبيد اللّه بن أبي رافع، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنّه سئل عن قوله عز و جل اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قال: الخشوع في القلب، و أن تلين كتفك للمرء المسلم، و أن لا تلتفت في صلاتك(1).
ص: 187
الآيتان (10) و (11)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (1(0) اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ
[151] - في عيون الأخبار بإسناده عن علي عليه السّلام قال في قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (1(0) اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ فيّ نزلت(1).
ص: 188
الآية (30)
الآية (31)
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ
[153] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: يمحو اللّه ما يشاء من القرون و يثبت ما يشاء منها كقوله كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ (1) و قوله ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (2),(3).
ص: 190
الآيتان (55) و (56)
أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ (5(5) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ
[154] - في نهج البلاغة فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصة أنبيائه و أوليائه، و لكنه سبحانه كرّه إليهم التكابر، و رضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، و عفّروا في التراب وجوههم، و خفضوا أجنحتهم للمؤمنين، و كانوا قوما مستضعفين. قد اختبرهم اللّه بالمخمصة (1) ،و ابتلاهم بالمجهدة (2) ،و امتحنهم بالمخاوف و مخضهم(3) بالمكاره، فلا تعتبروا الرضى و السخط بالمال و الولد جهلا بمواقع الفتنة، و الإختبار في موضع الغنى و الإقتدار، فقد قال سبحانه: أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ
ص: 191
وَ بَنِينَ (5(5) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ فإنّ اللّه سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم(1).
[155] - في مجمع البيان أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ (5(5) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ و روى السكوني عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
إنّ اللّه تعالى يقول: يحزن عبدي المؤمن إذا قتّرت عليه شيئا من الدنيا، و ذلك أقرب له مني، و يفرح إذا بسطت له الدنيا، و ذلك أبعد له مني، ثم تلا هذه الآية إلى قوله: بَلْ لا يَشْعُرُونَ ثم قال: إنّ ذلك فتنة لهم(2).
ص: 192
الآية (74)
وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ
[156] - محمد بن العباس، عن عليّ بن العباس، عن جعفر الرّماني، عن حسين بن علوان، عن ابن طريف، عن ابن نباتة، عن علي عليه السّلام في قوله عز و جل: وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ قال عليه السّلام: عن ولايتنا(1).
[157] - محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن الهيثم بن واقدة، عن مقرن، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: جاء ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، إلى أن قال عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى
ص: 193
لو شاء لعرّف العباد نفسه، و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله، و الوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فإنّهم عن الصراط لناكبون(1).
ص: 194
الآية (76)
فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ
[158] - عن علي عليه السّلام في قوله تعالى: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ أي لم يتواضعوا في الدعاء، و لم يخضعوا، و لو خضعوا للّه لاستجاب اللّه لهم(1).
[159] - أخرج ابن العسكري في (المواعظ)، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في قوله: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ أي لم يتواضعوا في الدعاء، و لم يخضعوا، و لو خضعوا للّه لاستجاب لهم(2).
[160] - في مجمع البيان و روي عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لمّا نزلت هذه السورة قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لجبرئيل عليه السّلام: ما هذه النحيرة
ص: 195
التي أمرني بها ربّي، قال: ليست بنحيرة و لكنه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، و إذا ركعت و إذا رفعت رأسك من الركوع و إذا سجدت، فإنّه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع؛ فإنّ لكلّ شيء زينة و إنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة.
قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: رفع الأيدي من الإستكانة.
قلت: و ما الإستكانة ؟
قال: ألا تقرأ هذه الآية: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ (1) أورده الثعلبي و الواحدي في تفسيريهما(2).
[161] - و أمّا ما رواه عن عليّ عليه السّلام أنّ معناه ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة فمما لا يصحّ عنه، لأن جميع عترته الطاهرين عليهم السّلام قد رووه عنه بخلاف ذلك، و هو أنّ معناه إرفع يديك إلى النحر في الصلاة(3).
ص: 196
الآية (96)
اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ
[162] - محمّد بن يعقوب، عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: بعث أمير المؤمنين عليه السّلام إلى بشر بن عطارد التميمي في كلام بلغه، فمرّ به رسول أمير المؤمنين عليه السّلام في بني أسد و أخذه، فقام إليه نعيم بن دجاجنة الأسدي فأفلته، فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السّلام فأتوه به، و أمر به أن يضرب، فقال نعيم: أما و اللّه إنّ المقام معك لذلّ، و إنّ فراقك لكفر، فلما سمع ذلك منه قال له: قد عفونا عنك إنّ اللّه عز و جل يقول: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ أما قولك: إنّ المقام معك لذلّ فسيّئة اكتسبتها، و أما قولك: و إنّ فراقك لكفر فحسنة اكتسبتها، فهذه بهذه، فأمر أن يخلّى عنه(1).
ص: 197
الآية (100)
كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
[163] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم، نا رشأ بن نظيف، نا الحسن بن إسماعيل، نا أحمد بن مروان، نا أبو قبيصة، نا سعيد الجرمي، عن عبد اللّه بن صالح العجلي، عن أبيه قال: خطب عليّ بن أبي طالب يوما، فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلى على النبي صلّى اللّه عليه و سلم، ثم قال:(1)
عباد اللّه، لا تغرّنّكم الحياة الدنيا، فإنها دار بالبلاء محفوفة، و بالغدر معروفة، و كلّ ما فيها إلى زوال، و هي بين أهلها دول و سجال، لن يسلم من شرّها نزّالها، بينا أهلها في رجاء و سرور إذ هم منها في بلاء و غرور. أحوال مختلفة، و تارات متصرّفة، العيش فيها مذموم، و الرخاء فيها
ص: 198
لا يدوم، و إنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها و تقضمهم بحمامها(1).
و اعلموا عباد اللّه أنكم و ما أنتم من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم، ممن كان أطول منكم أعمارا، و أشدّ منكم بطشا، و أعمر ديارا، و أبعد آثارا، أصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلّبها، و أجسادهم بالية، و ديارهم خالية، و آثارهم عافية، و استبدلوا بالقصور المشيّدة، و السرر و النمارق الممهّدة، الصخور و الأحجار المسنّدة، و القبور اللاطئة الملحدة التي قد بني على الخراب فناؤها، و شيّد بالتراب بناؤها، فمحلّها مقترب، و ساكنها مغترب، بين أهل عمارة(2) موحشين و أهل فراغ متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران (3) ،و لا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار، و دنو الدار، و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنهم بكلكله البلى، و أكلتهم الجنادل و الثّرى (4) ،فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، و بعد غضارة العيش
ص: 199
رفاتا، فجع بهم الأحباب، و سكنوا التراب، و ظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات، كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من الوحدة و البلاء، و ارتهنكم في ذلك المضجع، و ضمّكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور و بعثرت القبور، و حصّل ما في الصدور، و أوقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب، و هتكت عنكم الحجب و الأستار، و ظهرت منكم العيوب و الأسرار، هنالك تجزى كلّ نفس بما كسبت لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (1)وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (2).جعلنا اللّه و إياكم عاملين بكتابه متّبعين لأوليائه حتى يحلنا و إياكم دار المقامة من فضله، إنّه حميد مجيد(3).
ص: 200
الآية (101)
فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ
[164] - تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي، عن محمّد بن أحمد معنعنا، عن علي عليه السّلام في قوله: وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (1) قال: فقال علي عليه السّلام:
يا أصبغ، ما سألني أحد عن هذه الآية، و لقد سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما سألتني فقال لي: قد سألت جبرئيل عنها فقال: يا محمّد إذا كان يوم القيامة حشرك اللّه أنت و أهل بيتك و من يتولاّك و شيعتك حتّى يقفوا بين يدي اللّه، فيستر اللّه عوراتهم و يؤمنهم من الفزع الأكبر، بحبهم لك و لأهل بيتك و لعليّ بن أبي طالب، يا علي شيعتك و اللّه آمنون فرحون يشفعون و يشفّعون، ثمّ قرأ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ (2).
ص: 201
الآية (104)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ
[165] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يذكر فيه أحوال القيامة و فيه:
و منهم أئمة الكفر و قادة الضلالة، فأولئك لا يقيم اللّه عز و جل لهم يوم القيامة وزنا و لا يعبأ بهم، لأنهم لم يعبأوا بأمره و نهيه يوم القيامة، فهم في جهنم خالدون، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ (1).
ص: 202
الآية (106)
رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا
[166] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يذكر فيه أحوال المحشر يقول فيه و قد ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: و يشهد على منافقي قومه و أمته و كفّارهم بإلحادهم و عنادهم و نقضهم عهوده، و تغييرهم سنّته و اعتدائهم على أهل بيته، و انقلابهم على أعقابهم و ارتدادهم على أدبارهم، و احتذائهم في ذلك سنّة من تقدّمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا (1).
ص: 203
الآية (108)
قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ
[167] - ابن عساكر قال: أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، نا القاضي أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن الحسين بن صمدون - من لفظه - حدّثني أبو محمّد عبد اللّه بن الحسن بن المسلّم الصّقلّي - بصور - نا أبو بكر عتيق بن علي بن داود الصّقلّي، نا أبو بكر محمّد بن الحرمي بن الحسين الحمصي - بدمشق - نا أبو القاسم الربيع بن عمرو الحمصي، نا أبو علي محمّد بن هارون بن شعيب الأنصاري، حدّثني هارون بن صمدون، نا العباس بن محمّد بن المنقري، قال:
قدم حسين بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة حاجّا، فاشتريت منه حقّه في صدقة أبيه بذي المروة(1) احتجنا إلى أن نوجّه رسولا يقتضي الثمن،
ص: 204
و كان في الجوف (1) ،فأبى الرسول أن يخرج، و خاف على نفسه من الطريق، فقال الحسين بن الحسين: أنا أكتب لك رقعة فيها حرز لن يضرك شيء إن شاء اللّه، فكتب له رقعة و جعلها الرسول في صرّته، فذهب الرسول، فلم يلبث أن جاء سالما، فقال: مررت بالأعراب يمينا، فما هيّجني منهم أحد، فقال حسين بن حسين: ربّما خرجت في الرّفقة فيعدى عليها، فأسلم أنا إذ عليّ الحرز، و قال: هو خير لك مما ابتغيت من الثمن.
و الحرز عن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب و إن هذا الحرز كان الأنبياء تتحرّز به من الفراعنة: بسم اللّه الرّحمن الرحيم، قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ (2)إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (3) أخذت بسمع اللّه و بنصره(4) و قوّته على أسماعكم و أبصاركم و قوّتكم، يا معشر الجنّ و الإنس و الشياطين
ص: 205
و الأعراب و السباع و الهوامّ و اللصوص مما يخاف فلان و يحذر فلان بن فلان، سترت بينه و بينكم بستر النبوّة التي استتروا بها من سطوات الفراعنة، جبريل عن أيمانكم، و ميكائيل عن شمائلكم، و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمامكم، و اللّه تعالى من فوقكم، يمنعكم من فلان بن فلان في نفسه و ولده و أهله و شعره و بشره و ماله، و ما عليه، و ما معه، و ما تحته، و ما فوقه، وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (1) ،وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً (2) ،وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (3) ،و صلّى اللّه على محمّد و له و سلّم كثيرا(4).
ص: 206
الآية (115)
أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً
[168] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: «يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم فما خلق امرؤ عبثا فيلهو و لا أهمل سدى فيلغو »(1).
ص: 207
ص: 208
ص: 209
ص: 210
[169] - في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم رفعه قال:
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف و لا تقرئوهن إياها، فإن فيها الفتن، و علّموهن سورة النور فإن فيها المواعظ(1).
ص: 211
الآية (2)
وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ
[170] - في تهذيب الأحكام الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن حماد بن زياد عن سليمان بن خالد و ذكر حديثا طويلا ثم قال: عنه عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال: في إقامة الحدود و في قوله تعالى: وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: الطائفة واحد(1).
ص: 212
الآية (3)
اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
[171] - الإسفرائيني قال: روي عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّ الآية محكمة، و لا يجوز نكاح الزانية بحال(1).
ص: 213
الآية (4)
وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً
[172] - في الإستبصار عن اسماعيل بن زياد عن الصادق و الباقر عليهما السّلام أن عليا عليه السّلام قال: ليس بين خمس نساء و أزواجهن ملاعنة، إلى قوله: و المجلود في الفرية، لأن اللّه تعالى يقول: وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً (1).
ص: 214
الآية (22)
أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ
[173] - في نهج البلاغة من كلام له عليه السّلام على سبيل الوصية: أنا بالأمس صاحبكم، و اليوم عبرة لكم، و غدا مفارقكم. إن أبق فأنا وليّ دمي، و إن أفن فالفناء ميعادي، و إن أعف فالعفو لي قربة، و هو لكم حسنة فاعفوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ (1).
ص: 215
الآيات (29) و (30) و (31)
وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (3(0) وَ قُلْ لِ
[174] - في من لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيته لابنه محمد ابن الحنفية: و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه عز و جل عليه، فقال عزّ من قائل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ محرّم أن ينظر أحد إلى فرج غيره(1).
[175] - فيه قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لأمير المؤمنين عليه السّلام:
يا علي أول نظرة لك و الثانية عليك لا لك(2).
ص: 216
[176] - فيه أيضا فيما علّم أمير المؤمنين عليه السّلام أصحابه: ليس في البدن شيء أقل شكرا من العين، فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر اللّه إذا تعرّى الرجل نظر الشيطان و طمع فيه فاستتروا، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم، لكم أول نظرة إلى المرأة فلا تتبعوها بنظرة أخرى و احذروا الفتنة، إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليأت أهله فإن عند أهله مثل ما رأى، و لا يجعلنّ للشيطان على قلبه سبيلا ليصرف بصره عنها، فإذا لم تكن له زوجة فليصل ركعتين و يحمد اللّه كثيرا، و يصلّي على النبيّ و آله ثم يسأل اللّه من فضله فإنه يبيح له برحمته ما يغنيه(1).
[177] - عليّ بن الحسين المرتضى، بإسناده عن علي عليه السّلام في قوله عز و جل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه، ثمّ قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (2),(3).
ص: 217
[178] - أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب، قال:
مرّ رجل على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى إمرأة و نظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلاّ إعجابا به، فبينا الرجل يمشي إلى جنب حائط ينظر إليها، إذ استقبله الحائط فشقّ أنفه، فقال: و اللّه لا أغسل الدم حتّى آتي رسول اللّه فاعلمه أمري، فأتاه فقصّ عليه قصّته، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
هذا عقوبة ذنبك، و أنزل اللّه قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ الآية(1).
قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ (2(9) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ
[179] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة قال: حدّثنا الحضرمي قال: حدّثنا عبد الوارث قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عنبسة بن عبد الرّحمن قال: حدّثنا أبو الحسن أنه سمع علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «النظر إلى
ص: 218
محاسن المرأة سهم من نبال إبليس مسموم، فمن ردّ بصره ابتغاء ثواب اللّه عز و جل أبدله اللّه بذلك عبادة تسرّه »(1).
ص: 219
الآية (33)
وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[180] - عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي عليه السّلام في قول اللّه تعالى: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً قال: مالا، وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ قال: حطّوا عنهم الربع، وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ قال: كان أهل الجاهلية يبغين إماؤهم، فنهوا عن ذلك في الإسلام(1).
قوله تعالى: وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ
[181] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أخبرني ابن فنجويه
ص: 220
قال: حدّثنا ابن حنش المقري قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن موسى قال: حدّثنا يوسف بن سعيد بن مسلم قال: حدّثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء بن السائب عن عبد اللّه بن حبيب يعني أبا عبد الرّحمن السلمي عن علي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ قال: «ربع المكاتبة »(1).
[182] - في مجمع البيان وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ من قال إنه خطاب للسادة اختلفوا في قدر ما يجب فقيل يتقدّر بربع المال عن الثوري و روى ذلك عن علي عليه السّلام(2).
[183] - الحاكم النيسابوري، أخبرنا أبو زكريا العنبري، ثنا محمّد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرازق، أنبأ ابن جريج، حدّثني عطاء بن السائب، أنّ عبد اللّه بن حبيب أخبره، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، أنّه قال: وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ قال: يترك للمكاتب الربع(3).
ص: 221
قوله تعالى: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً
[184] - أخرج ابن مردويه، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام في قوله: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ قال:
كان أهل الجاهليّة يبغين إماؤهم، فنهوا عن ذلك في الإسلام(1).
[185] - أخرج ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، من طريق علي عليه السّلام عن ابن عباس: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ قال: لا تكرهوا إماءكم على الزنا، فإن فعلتم فإنّ اللّه لهنّ غفور رحيم، و إثمهنّ على من يكرههنّ(2).
ص: 222
الآية (35)
* اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
[186] - في تفسير البرهان و غيره عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: دخلت إلى مسجد الكوفة و أمير المؤمنين عليه السّلام يكتب باصبعه و يتبسّم، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما الذي يضحكك ؟
فقال: عجبت لمن يقرأ هذه الآية و لم يعرفها حق معرفتها.
فقلت له: أي آية يا أمير المؤمنين ؟
فقال قوله تعالى: * اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ المشكاة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم فِيها مِصْباحٌ أنا اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزجاجة الحسن و الحسين عليهما السّلام كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ و هو علي بن الحسين عليهما السّلام يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ محمد بن علي زَيْتُونَةٍ جعفر بن محمد لا شَرْقِيَّةٍ موسى بن جعفر وَ لا غَرْبِيَّةٍ علي بن موسى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ محمد بن علي وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ :علي بن محمد نُورٌ عَلى نُورٍ :الحسن بن علي يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ القائم المهدي وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (1).
ص: 223
فقال قوله تعالى: * اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ المشكاة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم فِيها مِصْباحٌ أنا اَلْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزجاجة الحسن و الحسين عليهما السّلام كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ و هو علي بن الحسين عليهما السّلام يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ محمد بن علي زَيْتُونَةٍ جعفر بن محمد لا شَرْقِيَّةٍ موسى بن جعفر وَ لا غَرْبِيَّةٍ علي بن موسى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ محمد بن علي وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ :علي بن محمد نُورٌ عَلى نُورٍ :الحسن بن علي يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ القائم المهدي وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (1).
[187] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قرأ علي بن أبي طالب: اللّه نور السموات و الأرض، على الفعل(2).
ص: 224
الآية (37)
رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ
[188] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام بعد أن ذكر الصلاة و حثّ عليها: قد عرف حقها [أي الصلاة] رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع و لا قرة عين من ولد و لا مال، يقول اللّه سبحانه: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ (1).
[189] - فيه أيضا من كلام له عليه السّلام عند تلاوته:
رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ و إنّ للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا، فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه، يقطعون به أيام الحياة، و يهتفون بالزواجر عن محارم اللّه في
ص: 225
أسماع الغافلين، و يأمرون بالقسط و يأتمرون به، و ينهون عن المنكر و يتناهون عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة و هم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، و حققت القيامة عليهم عداتها (1) ،فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا، حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس، و يسمعون ما لا يسمعون(2).
[190] - في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي حمزة عن عقيل الخزاعي أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات يقول: تعاهدوا الصلاة و حافظوا عليها و استكثروا منها، و قد عرف حقّها من طرقها(3) و أكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زينة متاع و لا قرة عين من مال و لا ولد، يقول اللّه تعالى: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ .و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(4).
ص: 226
[191] - كتاب أبو بكر الشيرازي، بإسناده عن مقاتل، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ - إلى قوله - بِغَيْرِ حِسابٍ قال: هو أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، ثمّ قال بعد كلام: و ذلك أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أعطى عليا عليه السّلام يوما ثلاثمائة ديا نار أهديت إليه، قال علي عليه السّلام: فأخذتها و قلت: و اللّه لأتصدّقنّ الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها اللّه منّي، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أخذت مائة ديا نار و خرجت من المسجد، فاستقبلتني إمرأة فأعطيتها الدنانير، فأصبح الناس بالغد يقولون: تصدّق عليّ الليلة بمائة ديا نار على إمرأة فاجرة، فاغتممت غمّا شديدا، و قلت: و اللّه لأتصدّقنّ اليوم بصدقة يتقبّلها ربّي منّي، فلقيت رجلا فتصدّقت عليه بالدنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدّق عليّ البارحة بمائة ديا نار على رجل سارق، فاغتممت غما شديدا، و قلت:
و اللّه لأتصدّقنّ الليلة صدقة يتقبّلها اللّه منّي، فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثمّ خرجت من المسجد و معي مائة ديا نار، فلقيت رجلا فأعطيته إيّاها، فلمّا أصبحت قال أهل المدينة: تصدّق عليّ البارحة بمائة ديا نار على رجل غني، فاغتممت غما شديدا، فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فخبّرته، فقال
ص: 227
لي: يا عليّ، هذا جبرئيل يقول لك: إنّ اللّه عز و جل قد قبل صدقاتك و زكّى عملك. إنّ المائة ديا نار التي تصدّقت بها أول ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة فرجعت إلى منزلها، و تابت إلى اللّه عز و جل من الفساد، و جعلت تلك الدنانير رأس مالها، و هي في طلب بعل تتزوّج به.
و إنّ الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق فرجع إلى منزله و تاب إلى اللّه من سرقته، و جعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها.
و إنّ الصدقة الثالثة وقعت في يدي غنيّ لم يزكّ ماله منذ سنين، فرجع إلى منزله و وبّخ نفسه و قال: شحّا عليك يا نفس، هذا عليّ بن أبي طالب تصدّق عليّ بمائة ديا نار و لا مال له، و أنا قد أوجب اللّه على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزكّه، فحسب ماله و زكّاه، و أخرج زكاة ماله كذا و كذا ديا نارا، و أنزل اللّه فيك: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ الآية(1).
ص: 228
الآية (40)
أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ
[192] - محمد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر عن السياري عن محمد بن بكر عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: و الذي بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالحق و أكرم أهل بيته ما من شيء يطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابة من صاحبها أو ضالة أو آبق(1) إلاّ و هو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الآبق ؟
فقال: إقرأ: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ فقرأ الرجل فرجع إليه الآبق. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).
ص: 229
الآية (41)
وَ الطَّيْرُ صَافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ
[193] - حدّثني أبي عن بعض أصحابه يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه:
إن للّه ملكا في صورة الديك الأملح الأشهب، براثنه(1) في الأرضين السابعة، و عرفه(2) تحت العرش له جناحان: جناح بالمشرق و جناح بالمغرب، فأما الجناح الذي في المشرق فمن ثلج، و أما الجناح الذي في المغرب فمن نار، فكلما حضر وقت الصلاة قام على براثنه و رفع عرفه تحت العرش، ثم أمال أحد جناحيه في الآخر يصفّق بهما كما يصفّق الديك في منازلكم، فلا الذي من الثلج يطفىء النار و لا الذي من النار يذيب الثلج، ثم ينادي بأعلى صوته:
ص: 230
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله خاتم النبيين و أن وصيّه خير الوصيّين، سبّوح قدوس رب الملائكة و الروح، فلا يبقى في الأرض ديك إلاّ أجابه، و ذلك قوله عز و جل: وَ الطَّيْرُ صَافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ (1).
[194] - في كتاب التوحيد بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال: جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:
يا أمير المؤمنين و اللّه إنّ في كتاب اللّه آية قد أفسدت عليّ قلبي و شككتني في ديني ؟
فقال له عليّ عليه السّلام: ثكلتك أمك و عدمتك، و ما تلك الآية ؟
قال: قول اللّه عز و جل: وَ الطَّيْرُ صَافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: يابن الكواء إن اللّه تبارك و تعالى خلق الملائكة في صور شتى، ألا إن للّه تعالى ملكا في صورة ديك أبلج أشهب، براثنه في الأرضين السابعة السفلى و عرفه مثنى تحت العرش، له جناحان:
جناح في المشرق و جناح في المغرب، واحد من نار و الآخر من ثلج، فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع
ص: 231
عنقه تحت العرش، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم فلا الذي من النار يذيب الثلج، و لا الذي من الثلج يطفىء النار فينادي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا سيد النبيين، و أن وصيّه سيد الوصيين، و أنّ اللّه سبوح قدوس رب الملائكة و الروح، قال: فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله، و هو قوله عز و جل:
وَ الطَّيْرُ صَافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ من الديكة في الأرض(1).
ص: 232
الآية (51)
إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
[195] - و روى عن علي عليه السّلام أنه قرأ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ بالرفع وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بالثواب الظافرون بالمراد، و روى عن أبي جعفر عليه السّلام أن المعني بالآية أمير المؤمنين عليه السّلام(1).
ص: 233
الآية (55)
وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً
[196] - في البحار عن الباقر عليه السّلام قال أمير المؤمنين عليه السّلام:... فيا عجبا و كيف لا أعجب من أموات يبعثهم اللّه أحياء يلبّون زمرة بالتلبية: لبيك لبيك يا داعي اللّه، قد تخلّلوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربوا بها هام الكفرة و جبابرتهم و أتباعهم من جبابرة الأوّلين و الآخرين حتّى ينجزهم اللّه ما وعدهم في قوله عز و جل:
وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (1)
ص: 234
أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا من عبادي، ليس عندهم تقيّة، و إنّ لي الكرة بعد الكرّة و الرجعة بعد الرجعة و أنا صاحب الرجعات و الكرّات و صاحب الصولات و النقمات و الدولات العجيبات ...(1).
[197] - الحسن الحلّي قال: و من «كتاب الواحدة»:
روى عن محمّد بن الحسن(2) بن عبد اللّه الأطروش الكوفي قال: حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد البجلي(3) قال:
حدّثني أحمد بن محمّد بن خالد البرقي قال: حدّثني عبد الرحمان بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ اللّه - تبارك و تعالى - أحد، واحد، تفرّد في وحدانيّته، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نورا، ثمّ خلق من ذلك النور محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و خلقني و ذرّيتي [منه ](4).
ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحا فأسكنه(5) اللّه في ذلك
ص: 235
النور، و أسكنه في أبداننا، فنحن روح اللّه، و كلماته، فبنا احتجّ على(1) خلقه، فما زلنا في ظلّة خضراء حيث لا شمس و لا قمر، و لا ليل و لا نهار، و لا عين تطرف، نعبده و نقدّسه و نسبّحه، (و ذلك)(2) قبل أن يخلق الخلق، و أخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان و النصرة لنا، و ذلك قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (3) يعني لتؤمننّ بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لتنصرنّ وصيّه، [فقد آمنوا بمحمد و لم ينصروا وصيّه](4) و سينصرونه جميعا.
و إنّ اللّه أخذ ميثاقي مع ميثاق محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و جاهدت بين يديه، و قتلت عدوّه، و وفيت للّه(5) بما أخذ عليّ من الميثاق و العهد و النصرة لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لم ينصرني أحد من أنبياء اللّه(6)
ص: 236
و رسله، و ذلك لمّا قبضهم اللّه إليه، و سوف ينصرونني(1) و يكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها (2) ،و ليبعثنّهم اللّه أحياء من آدم إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، كلّ نبي مرسل يضربون بين يديّ بالسيف هام الأموات و الأحياء و الثقلين جميعا.
فيا عجباه!(3) و كيف لا أعجب من أموات يبعثهم اللّه أحياء؟! يلبّون زمرة زمرة بالتلبية: لبّيك لبّيك يا داعي اللّه، قد تخلّلوا سكك(4) الكوفة، و قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربوا بها(5) هام الكفرة و جبابرتهم و أتباعهم من جبابرة الأوّلين و الآخرين، حتى ينجز اللّه ما وعدهم في قوله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (6)
ص: 237
أي: يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادي(1) ليس عندهم تقيّة.
و إنّ لي الكرّة بعد الكرّة و الرجعة بعد الرجعة، و أنا صاحب الرجعات و الكرّات (2) ،و صاحب الصولات و النقمات و الدّولات(3) العجيبات، و أنا قرن من حديد(4) ، و أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
و أنا أمين اللّه و خازنه، و عيبة سرّه و حجابه و وجهه(5) ، و صراطه و ميزانه، و أنا الحاشر إلى اللّه، و أنا كلمة اللّه التي يجمع بها المفترق(6) و يفرق بها المجتمع.
و أنا أسماء اللّه الحسنى، و أمثاله العليا، و آياته الكبرى، و أنا صاحب الجنّة و النار، أسكن أهل الجنّة الجنّة، و (أسكن) أهل النار النار، و إليّ تزويج أهل الجنّة، و إليّ عذاب أهل النار، و إليّ إياب الخلق جميعا، و أنا الإياب(7)
ص: 238
الذي يؤوب إليه كلّ شيء بعد القضاء، و إليّ حساب الخلق جميعا، و أنا صاحب الهنات (1) ،و أنا المؤذّن على الأعراف، و أنا بارز الشمس، و أنا دابّة الأرض، و أنا قسيم النار، و أنا خازن الجنان، و (أنا)(2) صاحب الأعراف(3).
و أنا أمير المؤمنين، و يعسوب المتّقين، و آية السابقين، و لسان الناطقين، و خاتم الوصيّين، و وارث النبيّين، و خليفة ربّ العالمين، و صراط ربّي المستقيم و فسطاطه، و الحجّة على أهل السماوات و الأرضين، و ما فيهما و ما بينهما، و أنا (الذي) احتجّ اللّه بي(4) عليكم في ابتداء خلقكم(5) ، و أنا الشاهد يوم الدين، و أنا الذي علّمت (علم)(6) المنايا و البلايا و القضايا، و فصل الخطاب و الأنساب، و استحفظت(7) آيات النبيّين المستحقّين المستحفظين.
ص: 239
و أنا صاحب العصا و الميسم (1) ،و أنا الذي سخّرت (لي)(2) السحاب، و الرعد، و البرق، و الظلم، و الأنوار، و الرياح، و الجبال، و البحار، و النجوم، و الشمس، و القمر، (و أنا الذي أهلكت عادا و ثمود و أصحاب الرسّ و قرونا بين ذلك كثيرا، و أنا الذي ذلّلت الجبابرة، و أنا صاحب مدين، و مهلك فرعون، و منجي موسى عليه السّلام (3) ،و أنا القرن الحديد، و أنا فاروق الأمّة، و أنا الهادي [عن الضلالة ](4) ، و أنا الذي أحصيت كلّ شيء عددا بعلم اللّه الذي أودعنيه، و بسرّه الذي أسرّه إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أسرّه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إليّ، و أنا الذي أنحلني ربّي اسمه و كلمته (و حكمته)(5) و علمه و فهمه.
ص: 240
يا معشر الناس، إسألوني قبل أن تفقدوني، اللهمّ إنّي أشهدك و أستعديك(1) عليهم، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم، و الحمد للّه متّبعين أمره(2),(3).
[198] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول بعد ذكر معايب الثلاثة و إمهال اللّه إياهم: كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها اللّه تبارك و تعالى لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله، و يحق القول على الكافرين، و يقترب الوعد الحق الذي بيّنه اللّه في كتابه، بقوله: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ و ذلك إذا لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه، و من القرآن إلاّ رسمه، و غاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب
ص: 241
الناس إليه أشد عداوة له، و عند ذلك يؤيده اللّه بجنود لم تروها، و يظهر دين نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على يديه على الدين كله و لو كره المشركون(1).
ص: 242
الآية (58)
لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ
[199] - الحاكم النيسابوري، حدّثنا أبو بكر بن دارم الحافظ، ثنا أحمد بن موسى التميمي، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا أبو بكر بن عيّاش، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي عليه السّلام في قوله تعالى:
لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال: النساء فإنّ الرجال يستأذنون(1).
ص: 243
ص: 244
ص: 245
ص: 246
الآية (23)
وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً
[200] - أخرج سعيد بن منصور، و عبد بن حميد، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في قوله هَباءً مَنْثُوراً قال: الهباء شعاع الشمس الذي يخرج من الكوّة(1).
[201] - أخرج عبد الرزاق، و الفريابي، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: الهباء ريح الغبار يسطع ثمّ يذهب فلا يبقى منه شيء، فجعل اللّه أعمالهم كذلك(2).
ص: 247
الآية (24)
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً
[202] - علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر و الحسن بن علي جميعا عن أبي جميلة مفضل بن صالح عن جابر عن عبد الأعلى و علي بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيام الدنيا و أول يوم من أيام الآخرة مثل له ماله و ولده و عمله فيلتفت إلى ماله فيقول: و اللّه إني كنت عليك لحريصا شحيحا فما لي عندك ؟ فيقول: خذ منّي كفنك، قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: و اللّه إنّي كنت لكم محبّا و إنّي كنت عليكم محاميا فماذا عندكم ؟ فيقولون:
نؤديك إلى حفرتك نواريك فيها، قال: فيلتفت إلى عمله
ص: 248
فيقول: و اللّه إني كنت فيك لزاهدا و إن كنت عليّ لثقيلا فماذا عندك ؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك و يوم نشرك حتّى أعرض أنا و أنت على ربّك.
قال: فإن كان للّه وليا أتاه أطيب الناس ريحا و أحسنهم منظرا و أحسنهم رياشا فيقول: أبشر بروح و ريحان و جنّة نعيم، و مقدمك خير مقدم، فيقول له: من أنت ؟ فيقول:
أنا عملك الصالح إرتحل من الدنيا إلى الجنّة. و إنّه ليعرف غاسله و يناشد حامله أن يعجّله، فإذا دخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما و يخدّان الأرض بأقدامهما، أصواتهما كالرعد القاصف و أبصارهما كالبرق الخاطف، فيقولان له:
من ربّك و ما دينك و من نبيّك ؟ فيقول: اللّه ربّي و ديني الإسلام و نبيّي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فيقولان: ثبّتك اللّه فيما تحب و ترضى و هو قول اللّه عز و جل: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ (1) ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنة، ثمّ يقولان له:
نم قرير العين نوم الشاب الناعم، فإنّ اللّه عز و جل يقول:
ص: 249
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً .و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).
ص: 250
الآيات (27) و (28) و (29)
وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (2(8) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً .
[203] - في روضة الكافي: خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام و هي خطبة الوسيلة يقول فيها عليه السّلام: فيّ مناقب لو ذكرتها لعظم بها الإرتفاع فطال لها الإستماع، و لئن تقمّصها دوني الأشقيان و نازعاني فيما ليس لهما بحق، و ركباها ضلالة و اعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا و لبئس ما لأنفسهما مهّدا، يتلاعنان في دورهما و يتبرأ كلّ منهما من صاحبه، يقول لقرينه إذا التقيا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (1) فيجيبه الأشقى على رثوثة (2)«يا ليتني لم أتخذك
ص: 251
خليلا لقد أضللتني عن الذّكر بعد إذ جاءني و كان الشيطان للإنسان خذولا» فأنا الذّكر الذي عنه ضل، و السبيل الذي عنه مال، و الإيمان الذي به كفر، و القرآن الذي إيّاه هجر، و الدين الذي به كذب، و الصراط الذي عنه نكب(1).
[204] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه: عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه لبعض الزنادقة و قد قال: ثمّ وارى أسماء من اغترّ و فتن خلقه و ضلّ و أضلّ و كنّى عن أسمائهم في قوله: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (2(8) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء؟ و لم يكنّ عن أسماء الأنبياء تحيّرا و تقررا بل تعريفا لأهل الإستبصار، إنّ الكناية عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى و إنّها من فعل المغيرين و المبدلين الذين جعلوا القرآن عضين و اعتاضوا الدنيا من الدين(2).
ص: 252
الآية (38)
وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً
[205] - عن ابن مجلز، قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب عليه السّلام أنا أنسب الناس، قال: إنّك لا تنسب الناس، قال: بلى، فقال له علي: أرأيت قوله تعالى: وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً أرأيت قوله تعالى:
أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ (1) فسكت(2).
قوله تعالى: وَ أَصْحابَ الرَّسِّ
[206] - في عيون الأخبار: بإسناده إلى صالح الهروي قال: حدّثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن
ص: 253
أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:
أتى علي بن أبي طالب عليه السّلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له: عمرو فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا، و أين كانت منازلهم، و من كان ملكهم، و هل بعث اللّه تعالى إليهم رسولا أم لا، و بماذا أهلكوا؟ فإني أجد في كتاب اللّه تعالى ذكرهم و لا أجد خبرهم فقال له علي عليه السّلام: لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك و لا يحدّثك به أحد بعدي إلاّ عني، و ما في كتاب اللّه تعالى آية إلاّ و أنا أعرفها و أعرف تفسيرها و في أي مكان نزلت من سهل أو جبل، و في أي وقت من ليل أو نهار، و إنّ هناك لعلما جمّا و أشار إلى صدره و لكن طلاّبه يسير، و عن قليل تندمون لو فقدتموني.
كان من قصصهم يا أخا تميم أنّهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها: شاه درخت، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها: دوشاب. كانت أنبطت(1) لنوح عليه السّلام بعد الطوفان، و إنّما سمّوا أصحاب الرس لأنّهم
ص: 254
رسوا نبيهم في الأرض و ذلك بعد سليمان بن داود عليهما السّلام و كانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطىء نهر يقال له: الرس من بلاد المشرق، و بهم يسمّى ذلك النهر و لم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه و لا أعذب منه، و لا قرى أكثر و لا أعمر منها، تسمّى إحداهن: آبان، و الثانية: آذر، و الثالثة: دي، و الرابعة: بهمن، و الخامسة: إسفندار، و السادسة: فروردين، و السابعة: آذربهشت، و الثامنة:
آرذار(1) و التاسعة: مرداد، و العاشرة: تير، و الحادية عشرة:
مهر، و الثانية عشرة: شهريور، و كانت أعظم مدائنهم إسفندار و هي التي ينزلها ملكهم و كان يسمى تركوذ بن عابور بن يارش بن سار بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليه السّلام، و بها العين و الصنوبرة و قد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصنوبرة فنبتت الحبّة و صارت شجرة عظيمة، و حرّموا ماء العين و الأنهار و لا يشربون منها و لا أنعامهم؛ و من فعل ذلك قتلوه و يقولون هو حياة آلهتنا، فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها و يشربون هم و أنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم؛ و قد جعلوا في كلّ شهر من
ص: 255
السنة في كلّ قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة(1) من حرير فيها من أنواع الصور ثمّ يأتون بشياه و بقر فيذبحونها قربانا للشجرة، و يشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان الذبائح و قتارها(2) في الهواء، و حال بينهم و بين النظر إلى السماء خرّوا سجدا للشجرة يبكون و يتضرعون إليها أن ترضى عنهم؛ و كان الشيطان يجيء، فيحرك أغصانها و يصيح من ساقها صياح الصبي: إني قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا و قرّوا عينا فيرفعون رؤوسهم عند ذلك و يشربون الخمر و يضربون بالمعازف(3) و يأخذون الدست بند، فيكون على ذلك يومهم و ليلتهم ثمّ ينصرفون، و إنّما سمّت العجم شهورها بآبان ماه و آذر ماه و غيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى، لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا، و عيد شهر كذا، حتّى إذا كان عيد قريتهم العظمى إجتمع عليها صغيرهم و كبيرهم، فضربوا عند الصنوبرة و العين سرادقات من ديباج
ص: 256
عليه أنواع الصور إثني عشر بابا، كلّ باب لأهل قرية منهم و يسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق، و يقرّبون لها الذبائح أضعاف ما قرّبوا للشجرة في قراهم؛ فيجيء إبليس عند ذلك فيحرّك الصنوبرة تحريكا شديدا فيتكلّم من جوفها كلاما جهوريا و يعدهم و يمنّيهم بأكثر مما وعدتهم و منّتهم الشياطين كلّها، فيرفعون رؤوسهم من السجود لا يفيقون و لا يتكلمون من الشرب و العزف فيكونون على ذلك إثني عشر يوما و لياليها بعد أعيادهم سائر السنة ثمّ ينصرفون.
فلمّا طال كفرهم باللّه عز و جل و عبادتهم غيره، بعث اللّه عز و جل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا يدعوهم إلى عبادة اللّه عز و جل و معرفته و ربوبيته فلا يتبعونه، فلمّا رأى شدّة تماديهم في الغي و الضلال، و تركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد و النجاح، و حضر عيد قريتهم العظمى قال: يا ربّ إنّ عبادك أبوا إلاّ تكذيبي و الكفر، و غدوا يعبدون شجرة لا تنفع و لا تضر، فأيبس شجرهم أجمع و أرهم قدرتك و سلطانك، فأصبح القوم و قد يبس شجرهم، فهالهم ذلك و فظع بهم و صاروا فرقتين، فرقة قالت: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنّه رسول ربّ السماء و الأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى
ص: 257
إلهه؛ و فرقة قالت: لا، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها و يقع فيها و يدعوكم إلى عبادة غيرها، فحجبت حسنها و بهاءها لكي تغضبوا عليه فتنتصروا منه، فأجمع رأيهم على قتله فاتّخذوا أنابيب(1) طوالا من رصاص واسعة الأفواه، ثمّ أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ(2) و نزحوا فيها من الماء، ثمّ حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة و أرسلوا فيها نبيهم و ألقموا فاها صخرة عظيمة، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء و قالوا: نرجو الآن أن ترضى عنّا آلهتنا إذا رأت أنّا قد قتلنا من كان يقع فيها و يصد عن عبادتها و دفناه تحت كبيرها يتشفّى منه، فيعود لنا نورها و نضرتها كما كان، فبقوا عامّة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السّلام و هو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني و شدّة كربي فارحم ضعف ركني و قلّة حيلتي، و عجّل بقبض روحي و لا تؤخر إجابة دعوتي حتّى مات عليه السّلام فقال اللّه جلّ جلاله لجبرئيل: يا جبرئيل أيظن عبادي هؤلاء
ص: 258
الذين غرّهم حلمي و أمنوا مكري و عبدوا غيري و قتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي و يخرجوا من سلطاني ؟ كيف و أنا المنتقم ممّن عصاني و لم يخش عقابي؛ و إنّي حلفت بعزّتي لأجعلنّهم عبرة و نكالا للعالمين، فلم يرعهم و هم في عيدهم ذاك إلاّ بريح عاصف شديدة الحمرة، فتحيّروا فيها و ذعروا منها و تضام بعضهم إلى بعض، ثمّ صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقّد، و أظلّتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبّة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار. فنعوذ باللّه تعالى ذكره من غضبه و نزول نقمته و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم(1).
ص: 259
الآية (44)
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً
[207] - عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه رفعه عن محمّد بن داود الغنوي عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّ ناسا زعموا أن العبد لا يزني و هو مؤمن، و لا يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر و هو مؤمن، و لا يأكل الربا و هو مؤمن، و لا يسفك الدمّ الحرام و هو مؤمن، فقد ثقل عليّ هذا و حرج منه صدري حين أزعم، أنّ هذا العبد يصلّي صلاتي و يدعو دعائي و يناكحني و أناكحه و يوارثني و أوارثه، و قد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه ؟
ص: 260
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: صدقت، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول: و الدليل عليه كتاب اللّه: خلق اللّه عز و جل الناس على ثلاث طبقات و أنزلهم ثلاث منازل، فذلك قول اللّه عز و جل في الكتاب: أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ...وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ...وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ فأمّا ما ذكر من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين، جعل اللّه فيهم خمسة أرواح: روح القدس و روح الإيمان و روح القوّة و روح الشهوة و روح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين، و بها علموا الأشياء و بروح الإيمان عبدوا اللّه و لم يشركوا به شيئا و بروح القوّة جاهدوا عدوهم و عالجوا معاشهم، و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء، و بروح البدن دبّوا و درجوا(1) فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم.
ثمّ قال: قال اللّه عز و جل: * تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (2) ،ثمّ قال في جماعتهم:
ص: 261
وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (1) يقول: أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثمّ ذكر أصحاب الميمنة و هم المؤمنون حقّا بأعيانهم، جعل اللّه فيهم أربعة أرواح روح الإيمان و روح القوّة، و روح الشهوة و روح البدن، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتّى يأتي عليه حالات فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات ؟
فقال: أمّا أوّلهن فهو كما قال اللّه عز و جل: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً (2) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح، و ليس بالذي يخرج من دين اللّه لأن الفاعل به ردّه إلى أرذل عمره، فهو لا يعرف للصلاة وقتا، و لا يستطيع التهجّد بالليل و لا بالنهار، و لا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان روح الإيمان و ليس يضرّه شيئا، و فيهم من ينتقص منه روح القوّة، فلا يستطيع جهاد عدوه، و لا يستطيع طلب المعيشة، و منهم من ينتقص منه روح الشهوة، فلو مرّت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها(3)
ص: 262
و لم يقم، و تبقى روح البدن فبه يدب و يدرج حتّى يأتيه ملك الموت، فهذا بحال خير، لأنّ اللّه عز و جل هو الفاعل به، و قد تأتي عليه حالات في قوّته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فيشجّعه روح القوّة و تزيّن له روح الشهوة، و يقوده روح البدن، حتّى يوقعه في الخطيئة، فإذا لامسها نقص من الإيمان، و تفصّى منه. فليس يعود فيه حتّى يتوب، فإذا تاب تاب اللّه عليه، و إن عاد أدخله اللّه نار جهنّم.
فأمّا أصحاب المشأمة فهم اليهود و النصارى، يقول اللّه عز و جل: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ (1) يعرفون محمدا و الولاية في التوراة و الإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (14(6) اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (2) أنّك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين، فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم اللّه بذلك فسلبهم روح الإيمان، و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوّة، و روح الشهوة، و روح البدن، أضافهم إلى الأنعام، فقال: إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ (3) لأنّ الدابة إنّما تحمل بروح
ص: 263
القوّة، و تعتلف بروح الشهوة، و تسير بروح البدن.
فقال السائل: أحييت قلبي بإذن اللّه يا أمير المؤمنين(1).
[208] - في روضة الكافي: ابن محبوب عن عبد اللّه بن غالب عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السّلام يقول: إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: أخبرني «إن كنت عالما» عن الناس و عن أشباه الناس و عن النسناس، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يا حسين أجب الرجل، فقال الحسين عليه السّلام: أمّا قولك: النسناس: فهم السواد الأعظم و أشار بيده إلى جماعة الناس، ثمّ قال: إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً .و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).
ص: 264
الآية (54)
وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً
[209] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال عليّ بن أبي طالب: النسب ما لا يحلّ نكاحه، و الصهر ما يحلّ نكاحه(1).
[210] - في كتاب معاني الأخبار: بإسناده إلى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: ألا و إنّي مخصوص في القرآن بأسماء إحذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم، أنا الصهر يقول اللّه عز و جل: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً .
و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).
ص: 265
الآية (63)
وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً
[211] - فى كتاب المناقب لابن شهر آشوب: كان إبراهيم بن المهدي شديد الإنحراف عن أمير المؤمنين عليه السّلام، فحدّث المأمون يوما فقال: رأيت عليا عليه السّلام في النوم فمشيت معه حتى جئنا قنطرة، فذهب يتقدّمني لعبورها فأمسكته و قلت له: إنّما أنت رجل تدّعي هذا الأمر بامرأة و نحن أحقّ به منك، فما رأيته بليغا في الجواب قال: و أي شيء قال لك ؟
قال: ما زادني على أن قال: سلاما سلاما، فقال المأمون: قد و اللّه أجابك أبلغ جواب، قال: كيف ؟
قال: عرفك أنّك جاهل لا تجاب قال اللّه تعالى:
وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (1) .
ص: 266
الآية (67)
وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً
[212] - و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: ليس في المأكول و المشروب سرف و إن كثر(1).
ص: 267
الآية (70)
فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً
[213] - تفسير فرات، قال: حدّثني أحمد بن علي بن عيسى الزهري، معنعنا عن الأصبغ بن نباتة، قال: توجّهت نحو أمير المؤمنين عليه السّلام لأسلّم عليه فلم يلبث أن خرج، فقمت قائما على رجلي فاستقبلته، فضرب بكفّه إلى كفّي فشبّك أصابعه في أصابعي، فقال لي، يا أصبغ.
قلت: لبيك و سعديك يا أمير المؤمنين.
فقال: إنّ وليّنا وليّ اللّه فإذا مات كان في الرفيق الأعلى، و سقاه من نهر أبرد من الثلج و أحلى من الشهد.
فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين و إن كان مذنبا؟
قال: نعم، ألم تقرأ كتاب اللّه: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً (1).
ص: 268
الآيات (74) و (75) و (76)
وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً (7(5) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً
[214] - في كتاب المناقب لابن شهر آشوب:
أبو الفضل بن دكين عن سفيان عن الأعمش عن مسلم بن البطين عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا الآية قال: هذه الآية و اللّه خاصة في أمير المؤمنين علي عليه السّلام، كان أكثر دعائه يقول: رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا يعني فاطمة وَ ذُرِّيّاتِنا الحسن و الحسين قُرَّةَ أَعْيُنٍ قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
و اللّه ما سألت ربي ولدا نضير الوجه و لا سألته ولدا حسن القامة، و لكن سألت ربي ولدا مطيعا للّه خائفا وجلا منه،
ص: 269
حتّى إذا نظرت إليه و هو مطيع للّه قرّت به عيني قال:
وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً قال: نقتدي بمن قبلنا من المتقين فيقتدي المتقون بنا من بعدنا، و قال: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا يعني علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و فاطمة وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً (1).
ص: 270
الآية (77)
قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ
[215] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره): بإسناده إلى جعفر بن محمّد عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام أنّه قال: أربع للمرء لا عليه، إلى قوله: و الدعاء فإنّه قال:
قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ (1) .
انتهى الجزء الخامس و يليه الجزء السادس و أوله تفسير سورة الشّعراء
ص: 271