تفسير أمير المؤمنين عليهم السّلام للقرآن الكريم المجلد 4

هویة الکتاب

تفسير أمير المؤمنين عليه السّلام للقرآن الكريم

مجلدات: 10ج

جمع و تهذيب السيّد علي عاشور

مرکز الشرق الأوسط الثقافي - بیروت - لبنان

ص: 1

اشارة

تفسير أمير المؤمنين عليه السّلام للقرآن الكريم

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

جمیع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر

الطبعة الأولی

1429ه - 2008م

مرکز الشرق الأوسط الثقافي - بیروت - لبنان

ص: 4

سورة يونس

اشارة

ص: 5

ص: 6

الآية (2)

[سورة يونس (10): آیة 2]

وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [1] - عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ،قال: محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شفيع لهم يوم القيامة(1).

ص: 7

الآية (7)

[سورة يونس (10): آیة 7]

وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ

[2] - في تفسير علي بن إبراهيم قوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي لا يؤمنون به وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ قال: الآيات أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام، و الدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السّلام:

ما للّه آية أكبر مني(1).

ص: 8


1- تفسير القمي: 309/1.

الآية (10)

[سورة يونس (10): آیة 10]

دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

[3] - أبو إسحاق الثعلبي قال: سأل ابن الكوّا عليا عن ذلك فقال: كلمة رضيها اللّه لنفسه(1).

قوله تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

[4] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: من شرف هذه الكلمة و هي الحمد للّه. أنّ اللّه تعالى جعلها فاتحة كتابه، و جعلها خاتمة دعوى أهل جنته، فقال: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2).

ص: 9


1- تفسير الثعلبي: 121/5.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 347/20.

قوله تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

[5] - في مصباح الشريعة و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

إن أطيب شيء في الجنة و ألذّه حب اللّه و الحب في اللّه و الحمد للّه، قال اللّه عزّ و جلّ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و ذلك أنهم إذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت المحبة في قلوبهم فينادون عند ذلك: الحمد للّه رب العالمين(1).

[6] - في خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام مسندة و في آخرها: و الجنة لأهلها مأوى، دعواهم فيها أحسن الدعاء سُبْحانَكَ اللّهُمَّ دعاهم المولى على ما آتاهم وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2).

ص: 10


1- مصباح الشريعة: ب 93 /ص 195.
2- روضة الكافي: 172/8 ح 193 /ب 8.

الآية (23)

[سورة يونس (10): آیة 23]

يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ

[7] - في تفسير عليّ بن إبراهيم و قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في كتابه الذي كتبه إلى شيعته يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة و عظم خطأ طلحة و الزبير فقال:

و أيّ خطأ أعظم ممّا أتيا؟ أخرجا زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بيتها و كشفا عنها حجابا ستره اللّه عليها، وصانا حلائلهما في بيوتهما ما أنصفا لا للّه و لا لرسوله من أنفسهما ثلاث خصال، مرجعها على الناس في كتاب اللّه عزّ و جلّ: البغي و المكر و النكث قال اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ و قال: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (1) و قال:

وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ (2) و قد بغيا علينا و نكثا بيعتي

ص: 11


1- الفتح: 10.
2- سورة فاطر، الآية: 43.

و مكرا بي و قوله عزّ و جلّ: أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ (1) قال: أو لم ينظروا في القرآن و في أخبار رجعة الأمم الهالكة(2).

ص: 12


1- سورة الروم، الآية: 9، و سورة فاطر، الآية: 44.
2- تفسير القمّيّ: 210/2 مع اختلاف يسير في المطبوع.

الآية (24)

[سورة يونس (10): آیة 24]

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

[8] - في خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام و فيها: فاجعلوا عباد اللّه اجتهادكم في هذه، التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل، فإنها دار عمل و الآخرة دار القرار و الجزاء، فتجافوا عنها، فإن المغتر من اغترّ بها. لا تعدو - الدنيا إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها - أن تكون كما قال اللّه عزّ و جلّ: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ (1).

ص: 13


1- روضة الكافي: 173/8 ح 194 /ب 8.

الآية (26)

[سورة يونس (10): آیة 26]

* لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

[9] - أبو إسحاق الثعلبي قال: روى الحكم عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة آلاف باب(1).

[10] - في مجمع البيان: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ ذكر في ذلك وجوه إلى قوله: و ثالثها: أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب. عن علي بن أبي طالب عليه السّلام(2).

[11] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام:

قال اللّه تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ و الحسنى

ص: 14


1- تفسير الثعلبي: 130/5.
2- مجمع البيان: 157/5.

هي الجنة، و الزيادة هي الدنيا(1).

[12] - عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى قال: يعني الجنّة، وَ زِيادَةٌ قال: يعني النظر إلى وجه اللّه عزّ و جلّ(2).

[13] - عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب، غرفها و أبوابها من لؤلؤة واحدة(3).

ص: 15


1- الأمالي: 26 ح 31 و انظر البحار: 260/7 ح 9.
2- كنز العمال: 433:2 ح 4425.
3- كنز العمال 433:2 ح 4427.

الآية (30)

[سورة يونس (10): آیة 30]

هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

[14] - في نهج البلاغة: فكيف بكم لو تناهت الأمور و بعثرت القبور، هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (1).

ص: 16


1- نهج البلاغة: خطبة 226.

الآية (32)

[سورة يونس (10): آیة 32]

فَذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ

[15] - فرات، قال: حدّثني عبد الرحمان بن محمّد بن الحسن التيمي البزاز، معنعنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أبيه عن جده، قال: خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة و كان فيما قال: و اللّه إني لديّان الناس يوم الدين، و قسيم الجنة و النار لا يدخلها الداخل إلاّ على أحد قسمي، و إني الفاروق الأكبر، و إنّ جميع الرسل و الملائكة و الأرواح خلقوا لخلقنا، و لقد أعطيت التسع التي لم يسبقني إليها أحد، علمت فصل الخطاب، و بصرت سبيل الكتاب، و أدخلت إلى السبحات، و علمت علم المنايا و البلايا و القضايا، و بي كمال الدين، و أنا النعمة التي أنعمها اللّه على خلقه، كلّ ذلك منّ اللّه به عليّ، و منّا الرقيب على

ص: 17

الخلق، و نحن قسم اللّه و حجته بين العباد إذ يقول اللّه:

وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً فنحن أهل البيت عصمنا اللّه من أن نكون فتّانين أو كذّابين أو ساحرين أو زيّافين، فمن كان فيه شىء من هذه الخصال فليس منّا و لا نحن منه، إنا أهل البيت طهّرنا اللّه من كل نجس، نحن الصادقون إذا نطقنا و العالمون إذا سئلنا، أعطانا اللّه عشر خصال لم تكن لأحد قبلنا و لا تكون لأحد بعدنا: الحلم و العلم، و اللب و النبوة، و الشجاعة و السخاوة، و الصبر و العفاف و الطهارة، فنحن كلمة التقوى و سبيل الهدى و المثل الأعلى و الحجة العظمى و العروة الوثقى، و الحق الذي أقرّ اللّه به فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ (1),(2).

ص: 18


1- يونس: 32.
2- تفسير فرات: 178 ح 230، البحار 35:39.

الآية (35)

[سورة يونس (10): آیة 35]

أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

[16] - في كشف المحجة لابن طاووس رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام: إسمعوا قولي يهدكم اللّه إذا قلت و أطيعوا أمري إذا أمرت، فو اللّه لئن أطعتموني لا تغووا، و إن عصيتموني لا ترشدوا، قال اللّه تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1).

ص: 19


1- كشف المحجة: 187، و انظر بحار الأنوار: 572/33 باب 30 ح 722 ضمن حديث طويل.

الآية (39)

[سورة يونس (10): آیة 39]

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ

[17] - في أمالي شيخ الطائفة بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قلت: أربع أنزل اللّه تعالى تصديقي بها في كتابه إلى قوله: قلت فمن جهل شيئا عاداه(1) فأنزل اللّه بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ (2).

ص: 20


1- كذا في النسخ و لم أظفر على الحديث فيما عندي من نسخة الأمالي.
2- الأمالي: 494 ح 1082 و انظر البحار: 165/1 ح 5.

الآية (45)

[سورة يونس (10): آیة 45]

وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ...

[18] - في نهج البلاغة قال عليه السلام: لا تستبطئ القيامة فتسكن إلى طول المدّة الآتية عليك بعد الموت، فإنك لا تفرّق بعد عودك بين ألف سنة و بين ساعة واحدة، ثمّ قرأ: وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ...

الآية(1).

ص: 21


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 346/20.

الآية (57)

[سورة يونس (10): آیة 57]

وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ

[19] - في أصول الكافي علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام قال: شكا رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجعا في صدره، فقال: إستشف بالقرآن فإن اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ (1).

ص: 22


1- الكافي: 600/2 ح 7.

الآية (58)

[سورة يونس (10): آیة 58]

قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ

[20] - ابن بابويه قال: حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه محمد بن خالد قال: حدّثنا سهل بن المرزبان الفارسي قال: حدّثنا محمد بن منصور عن عبد اللّه بن جعفر عن محمد بن الفيض بن المختار عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم و هو راكب و خرج علي عليه السّلام و هو يمشي فقال له:

يا أبا الحسن إمّا أن تركب و إمّا أن تنصرف فإن اللّه عزّ و جلّ أمرني أن تركب إذا ركبت و تمشي إذا مشيت و تجلس إذا جلست إلاّ أنّ يكون حدّا من حدود اللّه لا بدّ لك من القيام و القعود فيه و ما أكرمني اللّه بكرامة إلاّ و قد أكرمك بمثلها و خصّني بالنبّوة و الرسالة و جعلك وليّي في ذلك تقوم في

ص: 23

حدوده و في صعب أموره، و الذي بعث محمدا بالحقّ نبيّا ما آمن بي من أنكرك و لا أقرّ بي من جحدك و لا آمن باللّه من كفر بك، و إنّ فضلك لمن فضلي، و أنّ فضلي لفضل اللّه، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ (1) ففضل اللّه نبوّة نبيّكم و رحمته ولاية علي بن أبي طالب عليه السّلام، فبذلك قال بالنبوّة و الولاية فَلْيَفْرَحُوا يعني الشيعة هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يعني مخالفيهم من الأهل و المال و الولد في دار الدنيا.

و اللّه يا علي ما خلقت إلاّ لتعبد ربك و ليعرف بك معالم الدين و يصالح بك دارس السبيل، و لقد ضلّ من ضلّ عنك، و لن يهتدي إلى اللّه من لم يهتد إليك و إلى ولايتك، و هو قول ربي عزّ و جلّ: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (2) يعني إلى ولايتك، و لقد أمرني اللّه تبارك و تعالى أن أفترض من حقّك ما افترضه من حقي، و إن حقّك لمفروض على من آمن بي، و لولاك لم يعرف حزب اللّه و بك يعرف عدو اللّه، و من لم يلقه بولايتك لم يلقه بشيء و لقد أنزل اللّه عزّ و جلّ إلي يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

ص: 24


1- يونس: 58.
2- طه: 82.

يعني في ولايتك يا علي وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (1) و لو لم أبلّغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي، و من لقي اللّه عزّ و جلّ بغير ولايتك فقد حبط عمله، وعد ينجز لي و ما أقول إلاّ قول ربّي تبارك و تعالى، إنّ الذي أقول لمن اللّه عزّ و جلّ أنزله فيك »(2).

[21] - في تفسير العياشي عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا قال: فليفرح شيعتنا هو خير مما أعطي عدونا من الذهب و الفضة(3).

ص: 25


1- المائدة: 67.
2- أمالي الصدوق: 582 /المجلس 74 /ح 16.
3- المصدر السابق: 124/2 ح 28.

الآية (61)

[سورة يونس (10): آیة 61]

وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ

[22] - في كتاب التوحيد حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: و أما قوله: وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ كذلك ربنا لا يعزب عنه شيء، و كيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق و هو الخلاّق العليم(1).

ص: 26


1- كتاب التوحيد: 265 /ب 36 ح 5.

الآية (62)

[سورة يونس (10): آیة 62]

أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ

[23] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: أولياء اللّه قوم صفر الوجوه من السهر [عمش] العيون من العبر خمص البطون من الخواء(1) يبس الشفاه من الذوي(2).

[24] - في تفسير العياشي عن عبد الرّحمن بن سالم الأشل عن بعض الفقهاء قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ .

ثم قال: تدرون من أولياء اللّه ؟

ص: 27


1- في نهج البلاغة و تفسير القرطبي: الجوع.
2- تفسير الثعلبي: 137/5. الذوي: من لا يصيبه ريه، أو يضر به الحر فيذبل يقال: أذواه العطش، و في تاريخ دمشق: من الظمأ، و في نهج البلاغة: من الدعاء.

قالوا: من هم يا أمير المؤمنين ؟

فقال: هم نحن و أتباعنا ممن تبعنا من بعدنا، طوبى لنا و طوبى لهم أفضل من طوبى لنا، قالوا: يا أمير المؤمنين ما شأن طوبى لهم أفضل من طوبى لنا؟ ألسنا نحن و هم على أمر؟

قال: لا، إنهم حملوا ما لم تحملوا عليه و أطاقوا ما لم تطيقوا(1).

[25] - في كتاب الخصال عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى أخفى أربعة في أربعة أخفى وليه في عباده(2) فلا تستصغرنّ عبدا من عبيد اللّه فربما يكون وليّه و أنت لا تعلم. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(3).

[26] - المفيد، قال: أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الكاتب، قال: حدّثنا أحمد بن أبي خثيمة، قال: حدّثنا عبد الملك بن

ص: 28


1- تفسير العياشي: 124/2 ح 30.
2- هذا موافق للمصدر و في نسخة (في عداوه) و هو مصحف.
3- الخصال: باب الأربعة ح 31 /ص 210.

داهر، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن ابن عباس قال: سئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عن قوله تعالى أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ فقيل له: من هؤلاء الأولياء؟

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:

هم قوم أخلصوا للّه تعالى في عبادته، و نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها حين غرّ الخلق سواهم بعاجلها، فتركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم، و أماتوا منها ما علموا أنّه سيميتهم، ثم قال عليه السّلام: أيّها المعلل نفسه بالدنيا، الراكض على حبائلها، المجتهد في عمارة ما سيخرب منها، ألم تر إلى مصارع آبائك في البلاد، و مضاجع أبنائك تحت الجنادل و الثرى، كم مرضت بيدك، و عللت بكفيك، يستوصف لهم الأطباء و يستجيب لهم الأحياء، فلم يغن عنهم غناؤك، و لا ينجح فيهم دواؤك(1).

[27] - في نهج البلاغة: قال عليّ عليه السّلام: إنّ أولياء اللّه هم الّذين نظروا إلى باطن الدنيا، إذا نظر الناس إلى

ص: 29


1- أمالي المفيد، المجلس العاشر: 59؛ تفسير البرهان 190:2؛ البحار 69: 319.

ظاهرها، و اشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، و تركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم، و رأوا استكثار غيرهم منها استقلالا، و دركهم لها فوتا، أعداء ما سالم الناس، و سلم ما عادى الناس، بهم علم الكتاب و به علموا، و بهم قام الكتاب و بهم قاموا، لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون، و لا مخوفا فوق ما يخافون(1).

ص: 30


1- البحار 319:69؛ نهج البلاغة: قصار الحكم 432.

الآية (92)

[سورة يونس (10): آیة 92]

لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً

[28] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قرأ علي بن أبي طالب عليه السّلام: لمن خلقك [بالقاف]، أي تكون آية لخالقك(1).

ص: 31


1- تفسير الثعلبي: 148/5، و تفسير القرطبي: 381/8.

الآية (98)

[سورة يونس (10): آیة 98]

فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ

[29] - عن علي عليه السّلام حديث طويل يقول في آخره:

و أنبت اللّه عليه شجرة من يقطين و هي الدّبّا فأظلته من الشمس فسكن، ثم أمر الشجرة فتنحّت عنه و وقعت الشمس عليه(1) فجزع، فأوحى اللّه إليه: يا يونس لم لم ترحم مائة ألف أو يزيدون و أنت تجزع ساعة ؟

فقال: رب عفوك عفوك، فردّ اللّه بدنه و رجع إلى قومه و آمنوا به و هو قوله: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (2).

ص: 32


1- المراد: و وقع ضوء الشمس...
2- تفسير القمي: 319/1.

[30] - في تفسير العياشي عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السّلام كتب أمير المؤمنين عليه السّلام قال: حدّثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ جبرائيل عليه السّلام حدثه أنّ يونس بن متى بعثه اللّه إلى قومه و هو ابن ثلاثين سنة و كان رجلا تعتريه الحدة(1) و كان قليل الصبر على قومه و المداراة لهم عاجزا عما حمل من ثقل حمل أوقار النبوة و أعلامها و إنه تفسّخ تحتها كما يتفسّخ الجذع تحت حمله(2) و إنه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان باللّه و التصديق به و اتّباعه ثلاثا و ثلاثين سنة، فلم يؤمن به و لم يتبعه من قومه إلاّ رجلان إسم أحدهما روبيل و الآخر تنوخا، و كان روبيل من أهل بيت العلم و النبوة و الحكمة و كان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه اللّه بالنبوة، و كان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في العبادة(3) و ليس له علم و لا حكم. و كان روبيل صاحب غنم يرعاها و يتقوت منها، و كان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه و يأكل من كسبه، و كان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل و حكمته و قديم صحبته،

ص: 33


1- أي يصيبه البأس و الغضب.
2- تفسخ الربع تحت الحمل: ضعف و عجز و لم يطقه.
3- انهمك في الأمر: جد فيه ولج.

فلما رأى يونس أن قومه لا يجيبونه و لا يؤمنون ضجر و عرف من نفسه قلّة الصبر فشكا ذلك إلى ربه، و كان فيما شكا أن قال: يا رب إنك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك و التصديق برسالتي و أخوّفهم عذابك و نقمتك ثلاثا و ثلاثين سنة فكذّبوني و لم يؤمنوا بي و جحدوا نبوتي و استخفوا برسالتي و قد توعّدوني و خفت أن يقتلوني فأنزل عليهم عذابك فإنهم قوم لا يؤمنون.

قال: فأوحى اللّه إلى يونس أنّ فيهم الحمل و الجنين و الطفل و الشيخ الكبير و المرأة الضعيفة و المستضعف المهين، و أنا الحكم العدل، سبقت رحمتي غضبي لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، و هم يا يونس عبادي و خلقي و بريتي في بلادي و في عيلتي أحب أن أتأناهم(1) و أرفق بهم و أنتظر توبتهم، و إنما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا عليهم تعطف عليهم سخاء الرحمة الماسة منهم و تأناهم برأفة النبوة فاصبر معهم بأحلام الرسالة و تكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الدواء فخرجت بهم و لم تستعمل قلوبهم بالرفق و لم تسسهم بسياسة المرسلين،

ص: 34


1- من التأني أي الرفق و المداراة.

ثم سألتني مع سوء نظرك العذاب لهم عند قلّة الصبر منك، و عبدي نوح كان أصبر منك على قومه، و أحسن صحبة و أشد تأنيا في الصبر عندي و أبلغ في العذر، فغضبت له حين غضب لي و أجبته حين دعاني.

فقال يونس: يا رب إنما غضبت عليهم فيك، و إنما دعوت عليهم حين عصوك، فوعزّتك لا أنعطف عليهم برأفة أبدا و لا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم إياي و جحد نبوتي، فأنزل عليهم عذابك فإنهم لا يؤمنون أبدا، فقال اللّه: يا يونس إنهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي يعمرون بلادي و يلدون عبادي، و محبتي أن أتأنّاهم(1) للذي سبق من علمي فيهم و فيك، و تقديري و تدبيري غير علمك و تقديرك، و أنت المرسل و أنا الرب الحكيم، و علمي فيهم يا يونس باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه، و علمك فيهم ظاهر لا باطن له يا يونس قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم، و ما ذلك يا يونس بأوفر لحظك عندي و لا أحمد لشأنك و سيأتيهم العذاب في شوال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس فأعلمهم ذلك.

ص: 35


1- من التأني أي الرفق و المداراة.

قال: فمر يونس و لم يسؤه و لم يدر ما عاقبته فانطلق يونس إلى تنوخا العابد فأخبره بما أوحى اللّه إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم و قال له: إنطلق حتى أعلمهم بما أوحى اللّه إلي من نزول العذاب، فقال تنوخا:

فدعهم في غمرتهم و معصيتهم حتى يعذبهم اللّه فقال له يونس: بل نلقى روبيل فنشاوره فإنه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس بما أوحى اللّه إليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فقال له: ما ترى إنطلق بنا حتى أعلمهم ذلك ؟

فقال له روبيل: إرجع إلى ربك رجعة نبي حكيم و رسول كريم و اسأله أن يصرف عنهم العذاب فإنه غني عن عذابهم و هو يحب الرفق بعباده، و ما ذلك، بأضر لك عنده و لا أسوأ لمنزلتك لديه و لعل قومك بعد ما سمعت و رأيت من كفرهم و جحودهم يؤمنون يوما فصابرهم و تأناهم.

فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل ما أشرت على يونس و أمرته به بعد كفرهم باللّه و جحدهم لنبيه و تكذيبهم إياه، و إخراجهم إياه من مساكنه و ما همّوا به من رجمه.

ص: 36

فقال روبيل لتنوخا: أسكت فإنك رجل عابد لا علم لك. ثم أقبل على يونس فقال: أرأيت يا يونس إذا أنزل اللّه العذاب على قومك أنزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا و يبقي بعضا؟

فقال له يونس: بل يهلكهم جميعا و كذلك سألته، ما دخلتني لهم رحمة تعطّف فأراجع اللّه فيهم و أسأله أن يصرف عنهم، فقال له روبيل: أتدري يا يونس لعل اللّه إذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به أن يتوبوا إليه و يستغفروه فيرحمهم، فإنه أرحم الراحمين و يكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن اللّه أنه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء فتكون بذلك عندهم كذّابا؟

فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل لقد قلت عظيما يخبرك النبي المرسل أنّ اللّه أوحى إليه أن العذاب ينزل عليهم فترد قول اللّه و تشك فيه و في قول رسوله، اذهب فقد حبط عملك.

فقال روبيل لتنوخا: لقد فسد رأيك. ثم أقبل على يونس فقال: أنزل الوحي و الأمر من اللّه فيهم على ما أنزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم و قوله الحق، أرأيت إذا

ص: 37

كان ذلك فهلك قومك كلهم و خربت قريتهم أليس يمحو اللّه اسمك من النبوة و تبطل رسالتك و تكون كبعض ضعفاء الناس و يهلك على يدك مائة ألف من الناس.

فأبى يونس أن يقبل وصيته فانطلق و معه تنوخا إلى قومه فأخبرهم أنّ اللّه أوحى إليه أنه منزل العذاب عليهم يوم الأربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فردّوا عليه قوله و كذّبوه و أخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا(1).

فخرج يونس و معه تنوخا من القرية و تنحيا عنهم غير بعيد و أقاما ينتظران العذاب. و أقام روبيل مع قومه في قريتهم حتى إذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل(2) بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم: أنا روبيل الشفيق عليكم الرحيم بكم إلى ربه، قد أنكرتم عذاب اللّه هذا شوال قد دخل عليكم و قد أخبركم يونس نبيكم و رسول ربكم أنّ اللّه أوحى إليه:

أن العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس و لن يخلف اللّه وعده رسله فانظروا ماذا أنتم صانعون ؟ فأفزعهم كلامه فوقع في قلوبهم

ص: 38


1- العنف: ضد الرفق، و العنيف: الشديد من القول و السير.
2- صرخ صراخا: صاح شديدا.

تحقيق نزول العذاب فأجفلوا(1) نحو روبيل و قالوا له: ماذا أنت مشير به علينا يا روبيل ؟ فإنك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرقة علينا و الرحمة لنا و قد بلغنا ما أشرت به على يونس فمرنا بأمرك و أشر علينا برأيك ؟

فقال لهم روبيل: فإني أرى لكم و أشير عليكم أن تنظروا و تعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر أن تعزلوا الأطفال عن الأمهات في أسفل الجبل في طريق الأودية، و تقفوا النساء في سفح الجبل(2) و يكون هذا كله قبل طلوع الشمس، فعجوا عجيج الكبير منكم و الصغير بالصراخ و البكاء و التضرع إلى اللّه و التوبة إليه و الإستغفار له، و ارفعوا رؤوسكم إلى السماء و قولوا: ربنا ظلمنا و كذبنا نبيك و تبنا إليك من ذنوبنا و إن لا تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين فاقبل توبتنا و ارحمنا يا أرحم الراحمين، ثم لا تملّوا من البكاء و الصراخ و التضرع إلى اللّه و التوبة إليه حتى توارى الشمس بالحجاب أو يكشف اللّه عنكم العذاب قبل ذلك.

ص: 39


1- أي أسرعوا نحوه بالذهاب.
2- السفح: أسفل الجبل.

فأجمع رأي القوم جميعا على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل، فلما كان يوم الأربعاء الذي توقّعوا فيه العذاب تنحّى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم و يرى العذاب إذا نزل، فلما طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به فلما بزغت الشمس(1) أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير و حفيف(2) فلما رأوها عجّوا جميعا بالصراخ و البكاء و التضرع إلى اللّه و تابوا إليه و استغفروه و صرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمهاتهم، و عجّت سخال البهائم(3) تطلب الثدي و عجّت الأنعام تطلب الرعا، فلم يزالوا بذلك و يونس و تنوخا يسمعان صيحتهم و صراخهم و يدعوان اللّه عليهم بتغليظ العذاب عليهم و روبيل في موضعه يسمع صراخهم و عجيجهم و يرى ما نزل و هو يدعو اللّه بكشف العذاب عنهم. فلما أن زالت الشمس و فتحت أبواب السماء و سكن غضب الرب تعالى رحمهم الرّحمن فاستجاب دعاءهم و قبل توبتهم و أقالهم عثرتهم، و أوحى إلى إسرافيل عليه السّلام أن إهبط إلى قوم يونس فإنهم قد

ص: 40


1- بزغت الشمس: طلعت.
2- الصرير: الصوت الشديد. و حفيف الريح: صوتها في كل ما مرت به.
3- السخال: جمع السخلة: ولد الشاة.

عجّوا إلي بالبكاء و التضرّع و تابوا إلي و استغفروني فرحمتهم و تبت عليهم، و أنا اللّه التواب الرحيم أسرع إلى قبول توبة عبدي التائب من الذنوب، و قد كان عبدي يونس و رسولي سألني نزول العذاب على قومه و قد أنزلته عليهم و أنا اللّه أحق من وفى بعهده و قد أنزلته عليهم و لم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم، فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي، فقال إسرافيل:

يا رب إن عذابك قد بلغ أكتافهم و كاد أن يهلكهم و ما أراه إلاّ و قد نزل بساحتهم فإلى أين أصرفه ؟

فقال اللّه: كلا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه و لا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم و عزيمتي، فاهبط يا إسرافيل عليهم و اصرفه عنهم، و اصرف به إلى الجبال بناحية مفاوض العيون و مجاري السيول في الجبال العاتية(1) العادية المستطيلة على الجبال، فأذلها به وليّنها حتى تصير ملتئمة حديدا جامدا، فهبط اسرافيل فنشر أجنحته فاستاق بها(2) ذلك العذاب حتى ضرب بها تلك الجبال التي 7 أوحى اللّه إليه أن يصرفه إليها.

ص: 41


1- الجبال العاتية: الكبيرة الطويلة.
2- استاق الماشية: حثها على السير من خلف، عكس قادها.

قال أبو جعفر عليه السّلام: و هي الجبال التي بناحية الموصل اليوم فصارت حديدا إلى يوم القيامة.

فلما رأى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال و ضمّوا إليهم نساءهم و أولادهم و أموالهم و حمدوا اللّه على ما صرف عنهم، و أصبح يونس و تنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم و أهلكهم جميعا لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار إليه القوم فلما دنوا من القوم و استقبلتهم الحطابون و الحماة و الرعاة بأعناقهم و نظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا: يا تنوخا كذّبني الوحي(1) و كذبت وعدي لقومي لا و عزة ربي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذّبني الوحي، فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية بحر ايلة(2) مستنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه فيقول له: يا كذاب، فلذلك قال اللّه:

ص: 42


1- أي باعتقاد القوم.
2- قال المجلسي رحمه اللّه: قوله (مغاضبا لربه) أي على قومه لربه تعالى، أي كان غضبه لله تعالى لا للهوى، أو خائفا عن تكذيب قومه لما تخلف عنه من وعد ربه (انتهى) وايلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، و قيل آخر الحجاز و أول الشام.

وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (1) الآية رجع تنوخا إلى القرية، فلقي روبيل فقال له: يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب و أحق ؟ أرأيي أو رأيك ؟

فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب و لقد كنت أشرت برأي العلماء و الحكماء، و قال له تنوخا: أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي و فضل عبادتي حتى استبان فضلك لفضل علمك، و ما أعطاك اللّه ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد و العبادة بلا علم، فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما و مضى يونس على وجهه مغاضبا لربه، فكان من قصته ما أخبر اللّه في كتابه إلى قوله:

فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ .

قال أبو عبيدة: قلت لأبي جعفر عليه السّلام كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة و الرسالة فآمنوا به و صدقوه ؟

قال: أربعة أسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر، و سبعا في بطن الحوت، و سبعا تحت الشجرة بالعراء و سبعا منها في رجوعه إلى قومه.

ص: 43


1- الأنبياء: 87.

فقلت له: و ما هذه الأسابيع شهور أو أيام أو ساعات.

فقال: يا أبا عبيدة إن العذاب أتاهم يوم الاربعاء في النصف من شوال، و صرف عنهم من يومهم ذلك، فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر، و سبعة أيام في بطن الحوت، و سبعة أيام تحت الشجرة بالعراء و سبعة أيام في رجوعه إلى قومه، فكان ذهابه و رجوعه ثمانية و عشرين يوما، ثم أتاهم فآمنوا به و صدقوه و اتبعوه فلذلك قال: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (1).

ص: 44


1- تفسير العياشي: 129/2 ح 44.

الآية (99) و (100)

[سورة يونس (10): الآیات 99 الی 100]

وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (9(9) وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ

[31] - في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السّلام من الأخبار في التوحيد حدّثنا عبد اللّه بن تميم القرشي قال حدّثنا أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام عن قول اللّه جل ثناؤه: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (9(9) وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فقال الرضا عليه السّلام: حدّثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال: إن المسلمين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

ص: 45

لو أكرهت يا رسول اللّه من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا و قوينا على عدونا؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما كنت لألقى اللّه تعالى ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا و ما أنا من المتكلفين، فأنزل اللّه تبارك و تعالى عليه يا محمد وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً على سبيل الإلجاء و الإضطرار في الدنيا كما يؤمن عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة، و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا و لا مدحا، و لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى و الكرامة و دوام الخلود في جنة الخلد أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و أما قوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها، و لكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلاّ بإذن اللّه، و إذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلّفة متعبدة، و إلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف و التعبد عنها. فقال المأمون: فرّجت عني فرّج اللّه عنك(1).

***

ص: 46


1- عيون أخبار الرضا: 123/1 ح 33.

سورة هود

اشارة

ص: 47

ص: 48

الآية (7)

[سورة هود (11): آیة 7]

اشارة

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ

[32] - في تفسير الإمام العسكري قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في قول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (1):إن اللّه تعالى لما خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات و الارض، و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ - يعني و كان عرشه على الماء - قبل أن يخلق السماوات و الارض.

- قال: - فأرسل الرياح على الماء، فبخر الماء من أمواجه، و ارتفع عنه الدخان و علا فوقه الزبد، فخلق من

ص: 49


1- سورة البقرة، الآية: 22.

دخانه السماوات السبع، و خلق من زبده الأرضين - السبع - فبسط الأرض على الماء، و جعل الماء على الصفا، و الصفا على الحوت، و الحوت على الثور، و الثور على الصخرة التي ذكرها لقمان لابنه فقال: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ (1).

و الصخرة على الثرى، و لا يعلم ما تحت الثرى إلا اللّه.

فلما خلق اللّه تعالى الأرض دحاها من تحت الكعبة، ثم بسطها على الماء، فأحاطت بكل شئ، ففخرت الأرض و قالت: أحطت بكل شئ فمن يغلبني ؟ و كان في كل أذن من آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرونة الطرف بالعرش، فأمر اللّه الحوت فتحرّك فتكفّأت الأرض بأهلها كما تتكفّأ السفينة على وجه الماء و قد اشتدت أمواجه و لم تستطع الأرض الإمتناع، ففخر الحوت و قال: غلبت الأرض التي أحاطت بكل شي، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الجبال فأرساها، و ثقّل الأرض بها، فلم يستطع الحوت أن يتحرك، ففخرت الجبال و قالت: غلبت الحوت الذي غلب الأرض، فمن يغلبني ؟

ص: 50


1- سورة لقمان، الآية: 16.

فخلق اللّه عزّ و جلّ الحديد، فقطعت به الجبال، و لم يكن عندها دفاع و لا امتناع ففخر الحديد و قال: غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني ؟ فخلق اللّه عزّ و جلّ النار، فألانت الحديد و فرّقت أجزاءه و لم يكن عند الحديد دفاع و لا امتناع.

ففخرت النار و قالت: غلبت الحديد الذي غلب الجبال، فمن يغلبني ؟ فخلق اللّه عزّ و جلّ الماء، فأطفأ النار، و لم يكن عندها دفاع و لا امتناع، ففخر الماء و قال: غلبت النار التي غلبت الحديد، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الريح فأيبست الماء، ففخرت الريح، و قالت: غلبت الماء الذي غلب النار، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الإنسان فصرف الريح عن مجاريها بالبنيان ففخر الإنسان.

و قال: غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ ملك الموت، فأمات الانسان، ففخر ملك الموت و قال: غلبت الانسان الذي غلب الريح، فمن يغلبني ؟

فقال اللّه عزّ و جلّ: أنا القهار الغلاب الوهاب، أغلبك

ص: 51

و أغلب كل شي، فذلك قوله تعالى وَ لِلّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ (1),(2).

أركان العرش و حملته

قال: فقيل: يا رسول اللّه ما أعجب هذه السمكة و أعظم قوتها، لما تحرّكت حرّكت الأرض بما عليها حتى لم تستطع الإمتناع.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أو لا أنبئكم بأقوى منها و أعظم و أرحب ؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

قال: إن اللّه عزّ و جلّ لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة و ستين ألف ركن، و خلق عند كل ركن ثلاثمائة و ستين ألف ملك، لو أذن اللّه تعالى لأصغرهم لتقم السماوات السبع و الأرضين السبع ما كان ذلك بين لهواته إلا كالرملة في المفازة الفضفاضة.

فقال اللّه تعالى - لهم -: يا عبادي إحملوا عرشي هذا، فتعاطوه، فلم يطيقوا حمله و لا تحريكه.

ص: 52


1- تفسير الإمام العسكري: 45 ح 73.
2- سورة هود، الآية: 123.

فخلق اللّه تعالى مع كل واحد منهم واحدا، فلم يقدروا أن يزعزعوه، فخلق اللّه مع كل واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحركوه، فخلق - اللّه تعالى - بعدد كل واحد منهم، مثل جماعتهم فلم يقدروا أن يحركوه.

فقال اللّه عزّ و جلّ لجميعهم: خلوه عليّ أمسكه بقدرتي.

فخلوه، فأمسكه اللّه عزّ و جلّ بقدرته.

ثم قال لثمانية منهم: احملوه أنتم. فقالوا: - يا - ربنا لم نطقه نحن و هذا الخلق الكثير و الجم الغفير، فكيف نطيقه الآن دونهم ؟

فقال اللّه عزّ و جلّ: إني أنا اللّه المقرّب للبعيد، و المذلّل للعنيد و المخفّف للشديد، و المسهّل للعسير، أفعل ما أشاء و أحكم - ب - ما أريد، أعلّمكم كلمات تقولونها يخفّف بها عليكم. قالوا: و ما هي يا ربنا؟ قال: تقولون: (بسم اللّه الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم و صلى اللّه على محمد و آله الطيبين).

فقالوها، فحملوه و خف على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد قوي. فقال اللّه عزّ و جلّ لسائر تلك الأملاك:

خلّوا على - كواهل - هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه،

ص: 53

و طوفوا أنتم حوله، و سبّحوني و مجّدوني و قدّسوني، فإني أنا اللّه القادر على ما رأيتم و - أنا - على كل شئ قدير.

فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما أعجب أمر هؤلاء الملائكة حملة العرش في قوتهم و عظم خلقهم!

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: هؤلاء مع قوتهم لا يطيقون حمل صحائف تكتب فيها حسنات رجل من أمتي.

قالوا: و من هو يا رسول اللّه لنحبه و نعظّمه و نتقرّب إلى اللّه بموالاته ؟

قال: ذلك الرجل، رجل كان جالسا مع أصحاب له فمر به رجل من أهل بيتي مغطى الرأس - ف - لم يعرفه.

فلما جاوزه إلتفت خلفه فعرفه، فوثب إليه قائما حافيا حاسرا، و أخذ بيده فقبلها و قبل رأسه و صدره و ما بين عينيه و قال: بأبي أنت و أمي يا شقيق رسول اللّه، لحمك لحمه، و دمك دمه، و علمك من علمه، و حلمك من حلمه، و عقلك من عقله، أسأل اللّه أن يسعدني بمحبتكم أهل البيت.

فأوجب اللّه - له - بهذا الفعل، و هذا القول من الثواب ما لو كتب تفصيله في صحائفه لم يطق حملها جميع هؤلاء الملائكة الطائفين بالعرش، و الأملاك الحاملين له.

ص: 54

فقال له أصحابه لما رجع إليهم: أنت في جلالتك و موضعك من الإسلام، و محلك عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله تفعل بهذا ما نرى ؟

فقال لهم: أيها الجاهلون، و هل يثاب في الإسلام إلا بحب محمد صلى اللّه عليه و آله و حب هذا؟

فأوجب اللّه - له - بهذا القول مثل ما كان أوجب له بذلك الفعل و القول أيضا.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: و لقد صدق في مقاله لأن رجلا لو عمّره اللّه عزّ و جلّ مثل عمر الدنيا مائة ألف مرة، و رزقه مثل أموالها مائة ألف مرة، فأنفق أمواله كلها في سبيل اللّه، و أفنى عمره صائم نهاره، قائم ليله، لا يفتر شيئا منه و لا يسأم، ثم لقي اللّه تعالى منطويا، على بغض محمد أو بغض ذلك الرجل الذي قام إليه هذا الرجل مكرما، إلا أكبه اللّه على منخريه في نار جهنم، و لرد اللّه عزّ و جلّ أعماله عليه و أحبطها.

قال: فقالوا: و من هذان الرجلان يا رسول اللّه ؟

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أما الفاعل ما فعل بذلك المقبل المغطي رأسه فهو هذا. فتبادر القوم إليه ينظرونه، فإذا هو سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري.

ص: 55

و أما المقول له هذا القول، فهذا الآخر المقبل المغطي رأسه. فنظروا، فإذا هو على بن أبي طالب عليه السلام.

ثم قال: ما أكثر من يسعد بحب هذين، و ما أكثر من يشقى ممن يحلّ حب أحدهما و بغض الآخر، إنهما جميعا يكونان خصما له و من كانا له خصما كان محمد له خصما و من كان محمد له خصما كان اللّه له خصما - و - فلج عليه و أوجب اللّه عليه عذابه.

ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا عباد اللّه، إنما يعرف الفضل أهل الفضل.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (لسعد: أبشر) فإن اللّه يختم لك بالشهادة و يهلك بك أمة من الكفرة، و يهت ز (عرش الرحمن) لموتك، و يدخل بشفاعتك الجنة مثل عدد - شعور - الحيوانات كلها.

قال: فذلك قوله تعالى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً تفترشونها لمنامكم و مقيلكم.

وَ السَّماءَ بِناءً سقفا محفوظا أن تقع على الأرض بقدرته تجري فيها شمسها و قمرها و كواكبها مسخرة لمنافع عباده و إمائه.

ص: 56

ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع على الأرض، فإن اللّه عزّ و جلّ يحفظ ما هو أعظم من ذلك.

قالوا: و ما هو؟ قال: أعظم من ذلك ثواب طاعات المحبين لمحمد و آله.

ثم قال: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً (1) يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملك يضعها في موضعها الذي يأمره به ربه عزّ و جلّ.

فعجبوا من ذلك.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أو تستكثرون عدد هؤلاء؟ إن عدد الملائكة المستغفرين لمحبي علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر من عدد هؤلاء -، و إن عدد الملائكة اللاعنين لمبغضيه أكثر من عدد هؤلاء.

ثم قال اللّه عزّ و جلّ: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (2) ألا ترون كثرة - عدد - هذه الاوراق و الحبوب و الحشائش ؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه ما أكثر عددها!

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أكثر عددا منها

ص: 57


1- سورة البقرة، الآية: 22.
2- سورة البقرة، الآية: 22.

ملائكة يبتذلون لآل محمد صلى اللّه عليه و آله في خدمتهم، أتدرون فيما يبتذلون لهم ؟ - يبتذلون - في حمل أطباق النور، عليها التحف من عند ربهم فوقها مناديل النور، - و يخدمونهم في حمل ما يحمل آل محمد منها إلى شيعتهم و محبيهم، و أن طبقا من تلك الأطباق يشتمل من الخيرات على ما لا يفي بأقل جزء منه جميع أموال الدنيا(1).

ص: 58


1- تفسير العسكري: 47 ح 75.

الآيات (8) إلى (11)

[سورة هود (11): آیة 8]

[سورة هود (11): آیة 9] وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَ لَئِنْ أَذَقْنَا

[33] - في تفسير علي بن إبراهيم قال: أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن حسان عن هشام بن عمار عن أبيه - و كان من أصحاب علي عليه السّلام - عن علي عليه السّلام في قوله:

وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ قال:

الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة و البضعة عشر، و قوله وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ

ص: 59

أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ .

قال إذا أغنى اللّه العبد ثم افتقر أصابه الإياس و الجزع و الهلع(1) و إذا كشف عنه فرح، و قال: ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ثم قال: إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: صبروا في الشدة، و عملوا الصالحات في الرخاء(2).

ص: 60


1- الهلع بمعنى الجزع.
2- تفسير القمي: 322/1.

الآيتان (15) و (16)

[سورة هود (11): الآیات 15 الی 16]

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (1(5) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

[34] - عن عبد اللّه بن معبد، قال: قام رجل إلى عليّ عليه السّلام، فقال: أخبرنا عن هذه الآية: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها - إلى قوله - وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ، قال: ويحك، ذاك من يريد الدنيا لا يريد الآخرة(1).

[35] - قال عليه السّلام: أحذّركم الدنيا، فإنّها خضرة حلوة حفّت بالشهوات، و تحبّبت بالعاجلة و عمّرت بالآمال و تزيّنت بالغرور، لا تؤمن فجعتها و لا تدوم حبررها (2) ،ضرّارة غدّارة غرّارة، زائلة بائدة، أكّالة غوّالة (3) ،لا تعدو إذا تناهت إلى

ص: 61


1- كنز العمال: 435:2 ح 4430.
2- الحبرة: السرور و النعمة.
3- غوّالة: مهلكة.

أمنية أهل الرضى بها و الرغبة فيها أن تكون فيها كما قال اللّه تعالى: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ لم يكن امرؤ منها في حبرة إلاّ أعقبته بعدها عبرة، و لم يلق في سرّائها بطنا إلاّ منحته من ضرّائها ظهرا(1) ، و لم تطلّه فيها ديمة رخاء إلاّ هتنت عليه مزنة(2) بلاء، و حريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكرة، و إن جانب منها إعذوذب و إحلولى، أمرّ منها جانب فأوبى، لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا إلا أرهقته(3) من نوائبها تعبا، و لم يمس امرؤ منها في جناح أمن إلاّ أصبح على قوادم(4) خوف! غرّارة، غرور ما فيها، فانية، فان من عليها، لا خير في شيء من أزوادها إلا التقوى. من أقلّ منها استكثر مما يؤمنه، و من استكثر منها استكثر مما يوبقه (5) ،و زال عما قليل عنه، كم من واثق بها قد فجعته و ذي طمأنينة إليها صرعته، و ذي خدع قد

ص: 62


1- كنّى بالبطن عن الإقبال، و كنّى بالظهر عن الإدبار.
2- تطل: تمطر - ديمة: مطر يدوم في سكون، لا رعد و لا برق معه. - هتنت: انصبّت - المزن: البرد.
3- الغضارة: النعمة و السعة - الرغب: الرغبة و المرغوب - أرهقته التعب: ألحقته به.
4- القوادم: جمع قادمة، الواحدة من أربع أو عشر ريشات في مقدم جناح الطائر.
5- يوبقه: يهلكه.

خدعته، و ذي أبّهة قد صيّرته حقيرا، و ذي نخوة قد صيرته خائفا فقيرا و ذي تاج قد أكبّته لليدين و الفم، سلطانها دوّل(1) ، و عيشها رنق، و عذبها أجاج (2) ،و حلوها صبر(3) و غذاؤها سمام (4) ،و أسبابها رمام (5) ،حيّها بعرض موت و صحيحها بعرض سقم! و منيعها بعرض اهتضام، عزيزها مغلوب و ملكها مسلوب و ضيفها مثلوب و جارها محروب، ثم (من) وراء ذلك هول المطلع و سكرات الموت و الوقوف بين يدي الحكم العدل ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ألستم في منازل من كان أطول منكم أعمارا و آثارا و أعدّ منكم عديدا و أكثف جنودا و أشدّ منكم عتودا؟

تعبّدوا للدنيا و آثروها، ثم ظعنوا عنها بالصغار، فهل بلغكم أنّ الدنيا سخت لهم نفسا بفدية أو أغنت عنهم فيما قد أهلكهم من خطب ؟ بل قد أوهنتهم بالقوارع(6)

ص: 63


1- دوّل: متحول.
2- رنق: كدر - أجاج: شديد الملوحة.
3- صبر: عصارة شجر مرّ.
4- سمام: جمع سمّ (و سمّ و سمّ)، و هو كل مادة إذا دخلت الجوف عطّلت الأعمال الحيوية أو أوقفتها تماما.
5- رمام: ج رمّة، و هي القطعة البالية من الحبل.
6- القوارع: المحن و الدواهي.

و ضعضعتهم(1) بالنوائب، و عفّرتهم للمناخر، و أعانت عليهم ريب المنون، فقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها، و آثرها و أخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد. هل أحلّتهم إلاّ الضنك أو زوّدتهم إلاّ التعب، أو نوّرت لهم إلاّ الظلمة، أو أعقبتهم إلاّ الندامة!

أفهذه تؤثرون إليها تطمئنون، أم عليها تحرصون ؟

يقول اللّه جلّ من قائل: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (1(5) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) فبئست الدار لمن لم يتهمها و لم يكن فيها على و جل منها.

إعلموا - و أنتم تعلمون - أنكم تاركوها لأبد، فإنّما هي كما نعتها اللّه تعالى لهو و لعب، و اتّعظوا بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون و يتخذون مصانع لعلّهم يخلدون، و اتعظوا بالذين قالوا من أشد منّا قوة، و اتعظوا بإخوانهم الذين نقلوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا، قد جعل لهم من

ص: 64


1- ضعضعتهم: ذلّلتهم.
2- هود: 15-16.

الضريح أكنانا و من التراب أكفانا و من الرفات جيرانا، فهم جيرة لا يجيبون داعيا و لا يمنعون ضيما قد بادت أضغانهم فهم كمن لم يكن، و كما قال اللّه تعالى: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَ كُنّا نَحْنُ الْوارِثِينَ إستبدلوا بظهر الأرض بطنا، و بالسّعة ضيقا، و بالأهل غربة جاؤوها كما فارقوها حفاة عراة، قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة و الدار الباقية، كما قال عزّ و جلّ: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ (1),(2).

ص: 65


1- سورة الأنبياء، الآية: 104.
2- شرح نهج البلاغة 110/226:7، و العقد الفريد 225:4.

الآية (17)

[سورة هود (11): آیة 17]

أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ

[36] - أبو إسحاق الثعلبي قال: عن السبيعي عن علي بن إبراهيم بن محمد [العلوي]، عن الحسين بن الحكيم، عن إسماعيل بن صبيح، عن أبي الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت عليا يقول: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو ثنيت لي و سادة فأجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الزبور بزبورهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم، و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ و أنا أعرف به يساق(1) إلى جنة أو يقاد إلى نار(2).

ص: 66


1- في بعض المصادر: «إلاّ قد نزلت فيه آية من كتاب اللّه تسوقه إلى الجنّة أو تقوده إلى النار». راجع شواهل التنزيل: 366/1.
2- أيضا تفسير فرات: 188 ح 239؛ البحار: 387:35؛ بصائر الدرجات: 152.

فقام رجل فقال: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك ؟

قال: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على بينة من ربه و أنا شاهد منه(1).

[37] - أبو إسحاق الثعلبي قال: و به عن [السبيعي]، و أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثني الحسن بن علي بن برقع و عمر بن حفص الفراء، حدثنا صباح القرامولي، عن محارب عن جابر بن عبد اللّه [الأنصاري]، قال علي عليه السّلام: ما من رجل من قريش إلاّ و قد نزلت فيه الآية و الآيتان، فقال له رجل: فأنت أي شيء نزل فيك ؟

قال علي عليه السّلام: أما تقرأ الآية التي في هود، وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (2).

قوله تعالى: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (3)

[38] - الحسن الحلّي قال: و من «كتاب سليم بن قيس الهلالي» - رحمة اللّه عليه -، عن أبان قال: لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله، فحدّثني في الرجعة عن أناس

ص: 67


1- كنز العمّال: 439/2، ح 4441.
2- تفسير الثعلبي: 162/5، و تفسير القرطبي: 16/9، و الدرّ المنثور: 324/3، و تفسير الطبري: 22/12.
3- سورة هود: 17.

من أهل بدر و عن سلمان و المقداد و أبيّ بن كعب.

و قال أبو الطفيل:... فقلت: يا أمير المؤمنين، قول اللّه تعالى: * وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (1) ما الدابّة ؟

قال: يا أبا الطفيل، إله عن هذا.

فقلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني به، جعلت فداك.

قال: هي دابّة تأكل الطعام، و تمشي في الأسواق، و تنكح النساء.

فقلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟

قال: (هو) زرّ الأرض الذي تسكن الأرض به(2).

قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟

قال: صدّيق هذه الأمّة و فاروقها و ربّيّها(3) و ذو قرنيها(4).

ص: 68


1- سورة النمل: 82.
2- في سليم: الذي إليه تسكن الأرض.
3- في سليم: و رئيسها. إشارة إلى قوله - تعالى -: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ [سورة آل عمران: 146].
4- في سليم: و ذو قرنها، و في نسخ الأصل: قرينها، و ما أثبتناه من الرجعة و البحار.

قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟

قال: الذي قال اللّه تعالى: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (1) و الّذي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (2)وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ و - الّذي - وَ صَدَّقَ بِهِ (3) أنا، و الناس كلّهم كافرون (غيري)(4) و غيره.

قلت: يا أمير المؤمنين، فسمّه لي(5).

قال: قد سمّيته لك، يا أبا الطفيل، و اللّه لو أدخلت عليّ عامّة شيعتي، - الّذين بهم أقاتل، الذين أقرّوا بطاعتي، و سمّوني أمير المؤمنين، و استحلّوا جهاد من خالفني - فحدّثتهم(6) ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الذي نزل (به)(7) جبرئيل عليه السّلام على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لتفرّقوا عنّي حتى أبقى في عصابة من الحقّ(8) قليلة، أنت و أشباهك من شيعتي،

ص: 69


1- سورة هود: 17.
2- سورة الرعد: 43.
3- سورة الزمر: 33.
4- ليس في البحار.
5- في سليم: تسمّيه ؟
6- في سليم: فحدّثتهم شهرا ببعض.
7- ليس في الأصل.
8- في سليم و الرجعة: في عصابة حقّ.

ففزعت و قلت: يا أمير المؤمنين، أنا و أشباهي نتفرّق(1) عنك أو نثبت معك ؟

قال: لا، بل تثبتون.

ثمّ أقبل عليّ فقال: إنّ أمرنا صعب مستصعب، لا يعرفه و لا يقرّ به إلاّ ثلاثة: ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن نجيب امتحن اللّه قلبه للإيمان.

يا أبا الطفيل، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض فارتدّ الناس ضلاّلا و جهّالا(2) إلاّ من عصمه اللّه بنا أهل البيت(3).

[39] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أنه كان يوم الجمعة يخطب على المنبر فقال: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواثيق(4) إلاّ و قد نزلت فيه آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ

ص: 70


1- في البحار: متفرّق.
2- في سليم: و جهلا.
3- مختصر البصائر: 121، و كتاب سليم بن قيس: 12-14، و عنه الرجعة: 72 ح 45 و صحيفة الأبرار: 107/1-108، و في البحار: 68/53 ح 66 عنه و عن كتابنا هذا، و في الإيقاظ من الهجعة: 281 ح 97 و ص 366 ح 121 عن كتابنا هذا نقلا من كتاب سليم بن قيس.
4- في المصدر: المواسي.

أعرفها كما أعرفه فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما آيتك التي نزلت فيك.

فقال: إذا سألت فافهم و لا عليك ألاّ تسأل عنها غيري، أقرأت سورة هود؟

قال: نعم يا أمير المؤمنين ؟

قال أفسمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ؟

قال: نعم (قال ظ): فالذي على بينة من ربه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الذي يتلوه شاهد منه و هو الشاهد و هو منه، أنا علي بن أبي طالب و أنا الشاهد، و أنا منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1)

[40] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام لبعض الزنادقة و قد قال: و أجده يخبر أنه يتلو نبيه شاهد منه و كان الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره، و أمّا قوله: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فذلك حجّة اللّه أقامها اللّه على خلقه و عرّفهم أنه لا يستحق مجلس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ من يقوم مقامه، و لا يتلوه

ص: 71


1- الأمالي: 371 ح 800 و انظر البحار: 386/35 ح 2.

من يكون في الطهارة مثله بمنزلته لئلا يتّسع لمن مسّه رجس الكفر في وقت إلا من الأوقات انتحال الإستحقاق لمقام الرسول، و ليضيق العذر على من يعينه على إثمه و ظلمه إذ كان اللّه قد حظر على من مسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه و أوليائه بقوله لإبراهيم: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (1) أي المشركين لأنه سمّى الشرك ظلما بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (2) فلما علم إبراهيم عليه السّلام أن عهد اللّه تبارك و تعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (3) و اعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين، و الكفار على الأبرار فقد افترى على اللّه إثما عظيما، إذ كان قد بيّن في كتابه الفرق بين المحق و المبطل، و الطاهر و النجس، و المؤمن و الكافر، و أنه لا يتلو النبي عند فقده إلاّ من حلّ محله صدقا و عدلا و طهارة و فضلا(4).

[41] - قال سليم بن قيس: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال و أنا أسمع: أخبرني بأفضل منقبة لك ؟

ص: 72


1- البقرة: 124.
2- لقمان: 13.
3- إبراهيم: 35.
4- الإحتجاج: 590/1 /محاجة 137.

قال: ما أنزل اللّه في كتابه.

قال: و ما أنزل اللّه فيك ؟

قال: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ أنا الشاهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).

[42] - عن جابر عن عبد اللّه بن يحيى قال: سمعت عليا عليه السّلام و هو يقول: ما من رجل من قريش إلاّ و قد أنزل فيه آية أو آيتان من كتاب اللّه، فقال له رجل من القوم: فما نزل فيك يا أمير المؤمنين ؟

فقال: أما تقرأ الآية التي في هود: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على بينة من ربه و أنا الشاهد(2).

[43] - في بصائر الدرجات محمد بن الحسين عن عبد اللّه بن حماد عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال:

قال أمير المؤمنين: و اللّه ما نزلت آية في كتاب اللّه في ليل

ص: 73


1- الإحتجاج: 368/1 /محاجة 65.
2- تفسير العياشي: 142/2 ح 13.

أو نهار إلاّ و قد علمت فيمن أنزلت و لا مرّ على رأسه المواسي(1) إلاّ و قد أنزلت عليه آية من كتاب اللّه تسوقه إلى الجنة أو إلى النار، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين ما الآية التي نزلت فيك ؟

قال له: أما سمعت اللّه يقول: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على بينة من ربه و أنا الشاهد له فيه و أتلوه معه(2).

[44] - في تفسير فرات، قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن زكريا الدهقان معنعنا، عن عبّاد بن عبد اللّه، قال: جاء حاجّ إلى عليّ عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: قال عليّ عليه السّلام:

ما جرت المواسي على رجل من قريش إلاّ و قد نزل فيه من القرآن طائفة، و اللّه لأن يكونوا يعلمون ما سبق لنا على لسان النبي الأمّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحبّ إليّ من أن يكون لي ملء هذه الرحبة ذهبا و فضّة، و ما بي أن يكون القلم و قد جفّ

ص: 74


1- المواسي جمع الموسى: الآلة التي يحلق بها. و اللفظ كناية.
2- بصائر الدرجات: 133.

بما قد كان، و لكن لتعلموا و اللّه أنّ مثلنا في هذه الأمّة كمثل سفينة نوح، و مثل باب حطّة في بني إسرائيل(1).

[45] - في تفسير فرات، حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا، عن زاذان، قال: سمعت عليا عليه السّلام يقول:

لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها، لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الزبور بزبورهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم، بقضاء يزهر يصعد إلى اللّه، و اللّه ما نزلت آية في ليل أو في نهار و لا سهل و لا جبل و لا برّ و لا بحر، إلاّ و قد عرفت أي ساعة نزلت، و فيمن نزلت، و ما من قريش رجل جرى عليه المواسي إلاّ و قد نزلت فيه آية من كتاب اللّه تسوقه إلى الجنّة أو تقوده إلى النار.

فقال قائل: فما نزلت فيك يا أمير المؤمنين ؟

قال: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على بيّنة من ربه، و أنا شاهد منه أتلو آثاره(2).

ص: 75


1- تفسير فرات: 189 ح 243؛ تفسير البرهان 213:2؛ كنز العمال 435:2 ح 4429.
2- تفسير فرات: 188 ح 239؛ البحار 387:35؛ بصائر الدرجات: 152.

الآية (40)

[سورة هود (11): آیة 40]

حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ

[46] - عن الأعمش: رفعه إلى علي عليه السّلام في قوله حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فقال: أما و اللّه ما هو تنّور الخبز، ثمّ أومأ إلى الشمس فقال: طلوعها(1).

[47] - أخرج ابن جرير، و ابن المنذر، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وَ فارَ التَّنُّورُ قال: طلع الفجر، قيل له: إذا طلع الفجر فاركب أنت و أصحابك(2).

[48] - أخرج ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و أبو الشيخ، عن علي وَ فارَ التَّنُّورُ قال: تنّور الصبح(3).

ص: 76


1- تفسير العيّاشي 147:2؛ تفسير البرهان 222:2؛ البحار 335:11.
2- تفسير السيوطي 329:3.
3- تفسير السيوطي 329:3.

[49] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام في تفسير و وَ فارَ التَّنُّورُ :أي طلع الفجر و نور الصبح، و من ذلك عبارته نوّر الفجر تنويرا(1).

قوله تعالى: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ

[50] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول: و لم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه و متعلم على سبيل نجاة أولئك هم الأقلّون عددا، و قد بيّن اللّه ذلك من أمم الأنبياء، و جعلهم مثلا لمن تأخّر مثل قوله في قوم نوح: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ (2).

ص: 77


1- تفسير الثعلبي: 168/5.
2- الإحتجاج: 581/1 /محاجة 137.

الآية (41)

[سورة هود (11): آیة 41]

وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

[51] - في كتاب الخصال: فيما علّم أمير المؤمنين عليه السّلام أصحابه من الأربعمائة باب مما يصالح للمسلم في دينه و دنياه: من خاف منكم الغرق فليقرأ فِيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ بسم اللّه الملك القوي وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (1),(2).

ص: 78


1- الزمر: 67.
2- الخصال: ب 400 ح 10 /ص 619.

الآيتان (45) و (46)

[سورة هود (11): الآیات 45 الی 46]

وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (4(5) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ

[52] - عن أمير المؤمنين حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام مجيبا لبعض الزنادقة و قد قال: و أجده قد شهر هفوات أنبيائه بتكذيبه نوحا لمّا قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ :و أمّا هفوات الأنبياء عليهم السّلام و ما بيّنه اللّه في كتابه فإن ذلك من أدل الدلائل على حكمة اللّه عزّ و جلّ الباهرة و قدرته القاهرة و عزته الظاهرة، لأنه علم أنّ براهين الأنبياء عليهم السّلام تكبر في صدور أممهم، و أنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها كالذي كان من النصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الذي تفرد به عزّ و جلّ(1).

ص: 79


1- الإحتجاج: 574/1 /محاجة 137.

قوله تعالى: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي

[53] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي روي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السّلام قال: إن يهوديا من يهود الشام و أحبارهم قال لأمير المؤمنين عليه السّلام: فهذا نوح صبر في ذات اللّه عزّ و جلّ و أعذر قومه إذ كذّب ؟

قال له علي عليه السّلام: لقد كان كذلك و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صبر في ذات اللّه و أعذر قومه إذ كذّب و شرّد و حصب بالحصى، و علاه أبو لهب بسلا ناقة،(1) فأوحى اللّه تبارك و تعالى إلى جابيل ملك الجبال أن شقّ الجبال، و انته إلى أمر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأتاه فقال له: إني أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها؟

قال عليه السّلام: إنما بعثت رحمة، رب اهد أمّتي فإنهم لا يعلمون، ويحك يا يهودي إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة و أظهر عليهم شفقة، فقال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي فقال اللّه تبارك و تعالى اسمه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ

ص: 80


1- السلى: الجلدة التي يكون فيها الولد من الناس و المواشي و إن انقطع في البطن هلكت الأم و هلك الولد.

أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ أراد جلّ ذكره أن يسلّيه بذلك، و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما أعلنت من قومه المعاندة(1) شهر عليهم سيف النقمة و لم تدركه فيهم رقة القرابة و لم ينظر إليهم بعين مقّة. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).

ص: 81


1- في نسخة (لما غلبت من قومه المعاندة).
2- الإحتجاج: 500/1 /محاجة 127.

الآية (56)

[سورة هود (11): آیة 56]

إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

[54] - في تفسير العياشي عن ابن معمر قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام في قوله: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني إنه على حق يجزي بالإحسان إحسانا و بالسيىء سيئا و يعفو عمن يشاء و يغفر سبحانه و تعالى(1).

ص: 82


1- تفسير العياشي: 151/2 ح 42.

الآية (73)

[سورة هود (11): آیة 73]

رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

[55] - في أصول الكافي أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن جميل عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السّلام قال: مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام بقوم فسلّم عليهم فقالوا: عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته و مغفرته و رضوانه، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم إنما قالوا: رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ (1).

ص: 83


1- أصول الكافي: 646/2 ح 13.

الآية (80)

[سورة هود (11): آیة 80]

لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ

[56] - في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى ابن مسعود قال: احتجّوا في مسجد الكوفة فقالوا ما بال أمير المؤمنين لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة و الزبير و عائشة و معاوية ؟ فبلغ ذلك عليا عليه السّلام فأمر أن ينادى الصلاة الجامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: معاشر الناس إنه بلغني عنكم كذا و كذا؟

قالوا صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك، قال: إن لي بسنّة الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال اللّه تعالى في محكم كتابه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (1) قالوا: و من يا أمير المؤمنين ؟

ص: 84


1- الأحزاب: 21.

قال أولهم إبراهيم عليه السّلام إلى أن قال: ولي بابن خالته لوط أسوة إذ قال لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ فإن قلتم إن لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم و إن قلتم لم يكن له بهم قوة فالوصي أعذر(1).

ص: 85


1- علل الشرائع: 148 /ب 122 ح 7.

الآية (83)

[سورة هود (11): آیة 83]

وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

[57] - الحسن الحلّي قال: من خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السّلام تسمّى المخزون عن آخر الزمان جاء فيها:...

و يأتيهم يومئذ الخسف و القذف و المسخ، فيومئذ تأويل هذه الآية: وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (1).

ص: 86


1- مختصر البصائر: 460.

الآية (87)

[سورة هود (11): آیة 87]

قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ

[58] - في تفسير علي بن إبراهيم: قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا إلى قوله: اَلْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قال: قالوا: إنك لأنت السفيه الجاهل فكنى اللّه عزّ و جلّ قولهم(1) فقالوا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (2)

ص: 87


1- و في بعض النسخ: (فحكى اللّه عزّ و جلّ قولهم).
2- تفسير القمي: 337/1.

الآية (91)

[سورة هود (11): آیة 91]

وَ إِنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ

[59] - أخرج أبو الشيخ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، أنّه خطب فتلا هذه الآية وَ إِنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً قال: كان مكفوفا فنسبوه إلى الضعف وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ قال علي: فو اللّه الذي لا إله إلا هو ما هابوا جلال ربّهم، ما هابوا إلا العشيرة(1).

ص: 88


1- تفسير السيوطي 348:3.

الآية (114)

[سورة هود (11): آیة 114]

وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ

[60] - و روى عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أحدهم يقول: إن عليا قال: سمعت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أرجى آية في كتاب اللّه وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ و قرأ الآية كلها، قال: يا علي و الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل اللّه بقلبه و وجهه لم ينفتل(1) و عليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه، فإن أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس ثم قال: يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم، فما يظن أحدكم إذا كان في جسده درن ثم اغتسل

ص: 89


1- انفتل من صلاته: انصرف عنها.

في ذلك النهر خمس مرات كان يبقى في جسده درن ؟ فكذلك و اللّه الصلوات الخمس لأمتي(1).

قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ

[61] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه: و إنّ اللّه تعالى يكفّر بكل حسنة سيئة، قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ (2).

ص: 90


1- مجمع البيان: 307/5.
2- الأمالي: 26 ح 31 المجلس الأول و انظر البحار: 66/67 ح 11.

الآية (118)

[سورة هود (11): آیة 118]

وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (11(8) إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ

[62] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي عن علي عليه السّلام قال: لما خطب أبو بكر قام أبي بن كعب فقال: يا معشر المهاجرين الذين إلى قوله: و يا معاشر الأنصار إلى قوله:

أخبرنا باختلافكم فقال: وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (11(8) إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ أي الرحمة و هم آل محمد. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).

ص: 91


1- الإحتجاج: 300/1 /محاجة 52.

الآية (123)

[سورة هود (11): آیة 123]

قوله تعالى وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ .

[63] - في تفسير الإمام العسكري قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في قول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (1):إن اللّه تعالى لما خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات و الارض، و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ يعني و كان عرشه على الماء قبل أن يخلق السماوات و الارض.

قال: فأرسل الرياح على الماء، فبخّر الماء من أمواجه، و ارتفع عنه الدخان و علا فوقه الزبد، فخلق من دخانه السماوات السبع، و خلق من زبده الأرضين السبع فبسط الأرض على الماء، و جعل الماء على الصفا، و الصفا على

ص: 92


1- سورة البقرة: 22.

الحوت، و الحوت على الثور، و الثور على الصخرة التي ذكرها لقمان لابنه فقال: «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ » (1).

و الصخرة على الثرى، و لا يعلم ما تحت الثرى إلا اللّه.

فلما خلق اللّه تعالى الأرض دحاها من تحت الكعبة، ثم بسطها على الماء، فأحاطت بكل شئ، ففخرت الأرض و قالت: أحطت بكل شئ فمن يغلبني ؟ و كان في كل أذن من آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرونة الطرف بالعرش، فأمر اللّه الحوت فتحرّك فتكفأت الأرض بأهلها كما تتكفأ السفينة على وجه الماء و قد اشتدّت أمواجه لم تستطع الأرض الإ - متناع، ففخر الحوت و قال: غلبت الأرض التي أحاطت بكل شئ، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الجبال فأرساها، و ثقّل الأرض بها، فلم يستطع الحوت أن يتحرك، ففخرت الجبال و قالت: غلبت الحوت الذي غلب الأرض، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الحديد، فقطعت به الجبال، و لم يكن عندها دفاع و لا امتناع ففخر الحديد و قال: غلبت الجبال

ص: 93


1- لقمان: 16.

التي غلبت الحوت فمن يغلبني ؟ فخلق اللّه عزّ و جلّ النار، فألانت الحديد و فرّقت أجزاءه و لم يكن عند الحديد دفاع و لا امتناع.

ففخرت النار و قالت: غلبت الحديد الذي غلب الجبال، فمن يغلبني ؟ فخلق اللّه عزّ و جلّ الماء، فأطفأ النار، و لم يكن عندها دفاع و لا امتناع، ففخر الماء و قال: غلبت النار التي غلبت الحديد، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الريح فأيبست الماء، ففخرت الريح، و قالت: غلبت الماء الذي غلب النار، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الانسان فصرف الريح عن مجاريها بالبنيان ففخر الانسان.

و قال: غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ ملك الموت، فأمات الإنسان، ففخر ملك الموت و قال: غلبت الإنسان الذي غلب الريح، فمن يغلبني ؟

فقال اللّه عزّ و جلّ: أنا القهّار الغلاّب الوهّاب، أغلبك و أغلب كل شئ، فذلك قوله تعالى وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ (1)..

ص: 94


1- تفسير الإمام العسكري: 45 ح 73.

سورة يوسف

اشارة

ص: 95

ص: 96

خصائصها

[64] - في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف و لا تقرئوهن إياها، فإن فيها الفتن، و علّموهن سورة النور فإن فيها المواعظ(1).

ص: 97


1- الكافي: 516/5 ح 2.

الآية (24)

[سورة يوسف (12): آیة 24]

وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ

[65] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام مجيبا لبعض الزنادقة و قد قال: و أجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله في يوسف: وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ :

و أمّا هفوات الأنبياء عليهم السّلام و ما بيّنه اللّه في كتابه فإن ذلك من أدل الدلائل على حكمة اللّه عزّ و جلّ الباهرة و قدرته القاهرة و عزّته الظاهرة، لأنه علم أن براهين الأنبياء عليهم السّلام تكبر في صدور أممهم و لأن منهم من يتخذ بعضهم إلها كالذي كان من النصارى في ابن مريم فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الذي انفرد به عزّ و جلّ(1).

ص: 98


1- الإحتجاج: 574/1 /محاجة 137.

[66] - عن علي عليه السّلام في قوله تعالى: وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ قال: طمعت فيه، فقامت إلى صنم مكلّل بالدر و الياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها و بينه، فقال يوسف: أيّ شيء تصنعين ؟

فقالت: أستحي أنا من إلهي أن يراني على هذه السوءة، فقال يوسف: تستحيين من صنم لا يأكل و لا يشرب، و لا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كلّ نفس بما كسبت، ثمّ قال: لا تنالينها منّي أبدا، و هو البرهان(1).

ص: 99


1- كنز العمال 440:2 ح 4442؛ تفسير السيوطي 13:4.

الآية (33)

[سورة يوسف (12): آیة 33]

رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ

[67] - في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى ابن مسعود قال: احتجّوا في مسجد الكوفة فقالوا: ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة و الزبير و عائشة و معاوية ؟ فبلغ ذلك عليا عليه السّلام فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: معاشر الناس إنه بلغني عنكم كذا و كذا قالوا:

صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك، قال: إن لي بسنة الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال اللّه تعالى في محكم كتابه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .

قالوا: و من هم يا أمير المؤمنين ؟

قال: أولهم إبراهيم عليه السّلام إلى أن قال: ولي بيوسف أسوة إذ قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فإن قلتم

ص: 100

إن يوسف دعى ربه و سأله السجن بسخط ربه فقد كفرتم، و إن قلتم: إنه أراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه و اختار السجن، فالوصي أعذر(1).

ص: 101


1- علل الشرائع: 148 /ب 122 ح 7.

الآية (49)

[سورة يوسف (12): آیة 49]

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ

[68] - روي أنّ رجلا قرأ على أمير المؤمنين عليه السّلام ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ قال:

ويحك أيّ شيء يعصرون، يعصرون الخمر؟

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين فكيف ؟

فقال: إنّما أنزل اللّه عزّ و جلّ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ أيّ فيه يمطرون، و هو قوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً (1),(2).

[69] - في تفسير علي بن إبراهيم و قال الصادق عليه السّلام:

إنما أنزل «ما قرّبتم لهن» و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السّلام: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ

ص: 102


1- سورة النبأ: 14.
2- البحار 61:92.

اَلنّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ فقال: ويحك أي شيء يعصرون ؟

قال الرجل: يا أمير المؤمنين كيف أقرأها؟

فقال: إنما نزلت عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ (1) أي يمطرون بعد المجاعة و الدليل على ذلك قوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً (2),(3).

ص: 103


1- يوسف: 49.
2- النبأ: 14.
3- تفسير القمي: 346/1.

الآية (52)

[سورة يوسف (12): آیة 52]

ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ أَنَّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ

[70] - أبو إسحاق الثعلبي قال: حدّثنا الحسين بن محمد بن الجهمين، عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن علي قال:

حدّثنا علي بن الحسين بن مجلز، قال الحسن بن علي البغدادي، قال خلف بن تيم عن عطاء بن مسلم عن الخفاف عن جعفر بن نوفان عن ميمون بن مهران عن عبد اللّه بن عمر أنّ علي بن أبي طالب أتى عثمان و هو محصور فأرسل إليه بالسلام و قال إنّي قد جئت لأنصرك فأرسل إليه بالسلام و قال:

جزاك اللّه خيرا، لا حاجة في قتال القوم، فأخذ عليّ عمامته عن رأسه، فنزعها فألقاها في الدار ثمّ ولّى و هو يقول ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ أَنَّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (1).

ص: 104


1- تفسير الثعلبي: 229/5.

الآية (87)

[سورة يوسف (12): آیة 87]

إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ

[71] - في نهج البلاغة قال:... و لا تيأسنّ لشر هذه الأمة من روح اللّه لقوله سبحانه: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (1).

ص: 105


1- نهج البلاغة: قصار الحكم 377.

الآية (98)

[سورة يوسف (12): آیة 98]

قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي

[72] - ابن عساكر قال: و أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ، حدّثني أبو بكر محمّد بن جعفر المزكي، حدّثنا محمّد بن إبراهيم العبدي قالا: حدّثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرّحمن الدمشقي، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح و عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه بينا هو جالس عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال: يا نبي اللّه تفلّت هذا القرآن من صدري، فما أجدني أقدر عليه. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:

«يا أبا الحسن، أفلا أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بهن، و ينفع بهن من علّمته، و يثبّت ما تعلّمته في صدرك»؟

قال: أجل يا رسول اللّه، فعلّمني، قال: «إذا كانت ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها

ص: 106

ساعة مشهودة و الدعاء فيها مستجاب، فقد قال أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي (1) ،يقول حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها، فصلّ أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و سورة يس، و في الركعة الثانية بفاتحة الكتاب و حم الدّخان، و في الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب ألم تنزيل السجدة، و في الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب و تبارك المفصّل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد اللّه، و أحسن الثناء على اللّه، و صل عليّ و على سائر النبيين و أحسن، و استغفر لإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم استغفر للمؤمنين و المؤمنات ثم قل آخر ذلك: اللّهمّ ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، و ارحمني أن أتكلّف ما لا يعنيني، و ارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللّهمّ بديع السموات و الأرض، ذا الجلال و الإكرام و العزّة التي لا ترام، أسألك يا اللّه، يا رحمن، بجلالك و نور وجهك، أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، و ارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني.

اللّهمّ بديع السموات و الأرض ذا الجلال و الإكرام

ص: 107


1- سورة يوسف، الآية: 98.

و العزّة التي لا ترام أسألك يا اللّه، يا رحمن، بجلالك و نور وجهك أن تنوّر بكتابك بصري، و أن تطلق به لساني، و أن تفرّج به عن قلبي، و أن تشرح به صدري، و أن تشغل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك، و لا يؤتينيه إلاّ أنت، و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العظيم، أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع - أو خمسا، أو سبعا - تجاب بإذن اللّه، فو الذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط »(1).

قال عبد اللّه بن عباس: فواللّه ما لبث علي إلاّ خمسا أو سبعا حتى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في مثل ذلك المجلس فقال: يا رسول اللّه، إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات و نحوهن، فإذا قرأتهن على نفسي تفلّتن، فأما اليوم فأتعلّم الأربعين آية و نحوها، فإذا قرأتهن على نفسي فكأنما كتاب اللّه نصب عيني، و لقد كنت أسمع الحديث فإذا أردته تفلّت، و أنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا حدّثت بها لم أخرم منها حرفا، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عند ذلك: «مؤمن و رب الكعبة يا أبا الحسن »(2).

ص: 108


1- سنن الترمذي: ح 3570 و كنز العمال: ح 3112.
2- المعجم الكبير: 399/11، و الترغيب و الترهيب: 361/2. (مع الإشارة إلى أنه حديث حسن غريب).

الآية (110)

[سورة يوسف (12): آیة 110]

حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا

[73] - عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فشكا إليه طول دولة الجور فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه لا يكون ما تأملون حتّى يهلك المبطلون و يضمحلّ الجاهلون و يأمن المتّقون، و قليل ما يكون حتّى لا يكون لأحدكم موضع قدمه، و حتّى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم كذلك إذ جاء نصر اللّه و الفتح و هو قول ربّي عزّ و جلّ في كتابه حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا (1).

[74] - أبو إسحاق الثعلبي قال: إختلف القرّاء في

ص: 109


1- إلزام الناصب: 67/1، و دلائل الإمامة: 251 معرفة وجوب القائم، و مكيال المكارم: 134/1.

قوله: كُذِبُوا فقرأها قوم بالتخفيف(1) و هي قراءة علي بن أبي طالب عليه السّلام و ابن عباس و ابن مسعود و أبي بن كعب(2).

ص: 110


1- راجع تفسير القرطبي: 275/9، و زاد المسير، تجد اختلافا في الأسماء فتأمّل.
2- تفسير الثعلبي: 264/5.

سورة الرعد

اشارة

ص: 111

ص: 112

الآية (4)

[سورة الرعد (13): آیة 4]

وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ

[75] - في مجمع البيان: وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ قرأ أبو بكر عن عاصم برواية أبي يوسف الأعشى و البرجمي و جنات بالرفع و هو قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي مبدعهما و منشئهما بعلمه ابتداء لا من شيء، و لا على مثال سبق و هو المروي عن أبي جعفر عليه السّلام(1).

ص: 113


1- مجمع البيان: 527/4 و 531 /الأنعام: [99-101].

الآية (7)

[سورة الرعد (13): آیة 7]

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ .

[76] - عن محمّد بن صدقة عن سلمان الفارسي رحمه اللّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه: يا سلمان و يا جندب فأنا و رسول اللّه نور واحد صار رسول اللّه محمّد المصطفى و صرت أنا وصيّه المرتضى، و صار محمّد الناطق و صرت أنا الصامت، و إنّه لا بدّ في كلّ عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق و صامت.

يا سلمان صار محمّد المنذر و صرت أنا الهادي و ذلك قوله عزّ و جلّ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فرسول اللّه المنذر و أنا الهادي(1).

ص: 114


1- إلزام الناصب: 36/1، و البحار: 6/26 ح 1.

[77] - الحسن الحلّي قال: من خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السّلام تسمّى المخزون عن آخر الزمان جاء فيها:

ألا يا أيّها الناس! سلوني قبل أن تفقدوني؛ لأنا(1) بطرق السماء أعلم من العالم بطرق الأرض، أنا يعسوب الدين، و غاية السابقين، و لسان المتّقين، و خاتم الوصيّين، و وارث النبيّين، و خليفة ربّ العالمين، أنا قسيم النار، و خازن الجنان، و صاحب الحوض، و صاحب الأعراف، و ليس منّا أهل البيت إمام إلاّ (و هو) عارف بجميع أهل ولايته، و ذلك قول اللّه - تبارك و تعالى -: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (2),(3).

[78] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، نا أبو عليّ بن المذهب، قالا: نا أبو بكر القطيعي، نا عبد اللّه ابن أحمد (4) ،حدّثني عثمان بن أبي شيبة، نا مطّلب بن زياد، [عن السدّي] عن عبد خير،

ص: 115


1- روى ابن عبد البرّ في الاستيعاب: 1103/3 بإسناده إلى سعيد بن المسيّب قال: ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و في البحار: إنّي بطرق السماء.
2- سورة الرعد: 7.
3- مختصر البصائر: 457.
4- مسند أحمد بن حنبل 267/1 رقم 1041.

عن عليّ في قوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (1) قال:

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المنذر، و الهادي رجل من بني هاشم(2).

[79] - في كشف المحجة لابن طاووس عليه الرحمة عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه: قال اللّه تعالى لنبيه: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فالهادي بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هاد لأمته على ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فمن عسى أن يكون الهادي إلاّ الذي دعاكم إلى الحق و قادكم إلى الهدى(3).

[80] - في تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فينا نزلت هذه الآية إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنا المنذر و أنت الهادي يا علي فمنا الهادي و النجاة و السعادة إلى يوم القيامة(4).

ص: 116


1- سورة الرعد، الآية: 7.
2- تاريخ دمشق: 273/45، و شواهد التنزيل 398:1، المستدرك على الصحيحين 130:1، فرائد السمطين 111/148:1، تفسير الطبري 72:13.
3- كشف المحجة: 188.
4- تفسير العياشي: 203/2 ح 5.

الآية (11)

[سورة الرعد (13): آیة 11]

لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ

[81] - في مجمع البيان و روي عن علي عليه السّلام (يحفظونه بأمر اللّه).

[82] - و اختلف في المعقّبات على أقوال:

الثاني أنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيخلون بينه و بين المقادير. عن علي عليه السّلام(1).

[83] - أخرج ابن المنذر، و أبو الشيخ، عن عليّ عليه السّلام: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ قال: ليس من عبد إلاّ و معه ملائكة يحفظونه من أن يقع عليه حائط، أو يتردّى في بئر، أو يأكله سبع،

ص: 117


1- مجمع البيان: 431/6.

أو غرق، أو حرق، فإذا جاء القدر خلّوا بينه و بين القدر(1).

[84] - أخرج أبو داود في (القدر)، و ابن أبي الدنيا، و ابن عساكر، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: لكلّ عبد حفظة يحفظونه لا يخرّ عليه حائط، أو يتردّى في بئر، أو تصيبه دابة، حتّى إذا جاء القدر الذي قدّر له خلّت عنه الحفظة، فأصابه ما شاء اللّه أن يصيبه(2).

قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ

[85] - قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا أقبلت عليكم أطراف النعم، فلا تذروا أقصاها بقلّة الشكر(3).

ص: 118


1- تفسير السيوطي 48:4.
2- تفسير السيوطي 48:4.
3- مجمع البيان 281:3.

الآية (13)

[سورة الرعد (13): آیة 13]

وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ

[86] - عن علي عليه السّلام قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا محمّد حدّثني عن إلهك هذا الذي تدعو إليه، أياقوت هو، أذهب هو، أو ما هو؟ فنزلت على السائل صاعقة فأحرقته، فأنزل اللّه تعالى: وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ (1).

قوله تعالى: وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ

[87] - في مجمع البيان وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ أي شديد الأخذ. عن علي عليه السّلام(2).

[88] - عن غيبة النعماني عن علي عليه السّلام أنّ بين يدي

ص: 119


1- كنز العمال: 441:2 ح 4445؛ تفسير السيوطي 52:4.
2- مجمع البيان: 435/6.

القائم (عج) سنين خدّاعة يكذّب فيها الصادق و يصدّق فيها الكاذب و يقرّب فيها الماحل و ينطق فيها الرويبضة قلت:

و ما الرويبضة و ما الماحل ؟

قال: أما تقرأون القرآن، قوله وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ قال:

يريد المكر، فقلت: و ما الماحل ؟

قال: يريد المكّار(1).

[89] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه: شديد الأخذ(2).

ص: 120


1- إلزام الناصب: 98/2، و غيبة النعماني: 278 باب 14 ح 62.
2- تفسير الثعلبي: 280/5، و تفسير الطبري: 167/13.

الآية (14)

[سورة الرعد (13): آیة 14]

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ

[90] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي عليه السّلام:

دعوة الحق التوحيد(1).

[91] - أخرج ابن جرير، و أبو الشيخ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في قوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ قال: التوحيد، لا إله إلاّ اللّه(2).

قوله تعالى: إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ

[92] - أخرج ابن جرير، عن علي عليه السّلام في قوله: إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ قال: كالرجل العطشان، يمدّ يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه و ما هو ببالغه(3).

ص: 121


1- تفسير الثعلبي: 281/5.
2- تفسير السيوطي 53:4.
3- تفسير السيوطي 53:4.

الآية (17)

[سورة الرعد (13): آیة 17]

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ

[93] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه: و قد بيّن اللّه تعالى قصص المغيّرين فضرب مثلهم بقوله فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل و يبطل، و يتلاشى عند التحصيل، و الذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و القلوب تقبله، و الأرض في هذا الموضع فهي محل العلم و قراره، و ليس يسوّغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدّلين، و لا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل و الكفر و الملل المنحرفة، و إبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق

ص: 122

و المخالف بوقوع الإصطلاح على الإئتمار لهم و الرضى بهم، و لأن أهل الباطل في القديم و الحديث أكثر عددا من أهل الحق، و لأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول اللّه عزّ و جلّ لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (1) و إيجابه مثل ذلك على أوليائه و أهل طاعته بقوله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (2),(3).

ص: 123


1- الأحقاف: 35.
2- الأحزاب: 21.
3- الإحتجاج: 586/1 /محاجة 137.

الآية (28)

[سورة الرعد (13): آیة 28]

أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

[94] - عن عليّ عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا نزلت هذه الآية أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ قال: ذاك من أحبّ اللّه و رسوله و أحبّ أهل بيتي صادقا غير كاذب، و أحب المؤمنين شاهدا و غائبا، ألا بذكر اللّه يتحابون(1).

ص: 124


1- كنز العمال 442:2 ح 4448؛ تفسير السيوطي 85:4.

الآية (39)

[سورة الرعد (13): آیة 39]

يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ

[95] - عن علي عليه السّلام: أنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قول اللّه تعالى: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ فقال له: لأسرّنك بها فتبشّر بها أمّتي من بعدي: الصدقة على وجهها، و بر الوالدين، و اصطناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة و يزيد في العمر(1).

[96] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: يمحو اللّه ما يشاء من القرون و يثبت ما يشاء منها كقوله كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ (2) و قوله ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (3),(4).

ص: 125


1- كنز العمال 441:2 ح 4444.
2- سورة يس: 31.
3- سورة المؤمنون: 31.
4- تفسير الثعلبي: 298/5.

[97] - في مجمع البيان قيل في المحو و الإثبات أقوال إلى قوله: «السابع» أنه يمحو ما يشاء من القرون و يثبت ما يشاء منها، كقوله: وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (1) و قوله: كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ (2) روي ذلك عن علي عليه السّلام(3).

[98] - في الخرائج و الجرائح روى عن أبي حمزة الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن الحمق قال:

دخلت على علي عليه السّلام حين ضرب الضربة بالكوفة، فقلت:

ليس عليك بأس إنما هو خدش، قال: لعمري إني لمفارقكم، ثم قال: إلى السبعين بلاء، قالها ثلاثا.

قلت: فهل بعد البلاء رخاء؟ فلم يجبني و أغمي عليه فبكت أم كلثوم فلما أفاق قال: لا تؤذيني يا أم كلثوم فإنك لن تري ما أرى إن الملائكة من السموات السبع بعضهم خلف بعض و النبيون يقولون: يا علي انطلق فما أمامك خير لك مما أنت فيه.

ص: 126


1- الأنعام: 6.
2- طه: 128.
3- مجمع البيان: 458/6.

فقلت: يا أمير المؤمنين إنك قلت إلى السبعين بلاء فهل بعد السبعين رخاء؟

قال: نعم، و إن بعد البلاء رخاء يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ .

قال أبو حمزة قلت لأبي جعفر: إن عليا قال: إلى السبعين بلاء و قال بعد السبعين رخاء و قد مضت السبعون و لم نر رخاء؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ اللّه قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين عليه السّلام غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى الأربعين و مائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم القناع فأخّره اللّه، و لا يجعل له بعد ذلك وقتا و اللّه يمحو ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب، قال أبو حمزة: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

و كان ذلك ؟

فقال: قد كان ذلك(1).

[99] - في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى سماعه أنه

ص: 127


1- الخرائج و الجرائح: 178/1.

سمعه عليه السّلام و هو يقول: ما ردّ اللّه العذاب عن قوم قد أظلّهم إلاّ قوم يونس، فقلت: أكان قد أظلّهم ؟

فقال: نعم حتى نالوه بأكفّهم قلت: فكيف كان ذلك ؟

قال: كان في العلم المثبت عند اللّه عزّ و جلّ الذي لم يطلع عليه أحدا أنه سيصرفه عنهم(1).

[100] - في كتاب الخصال عن علي عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام: و بنا يمحو اللّه ما يشاء و بنا يثبت(2).

[101] - في كتاب التوحيد بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه: و لو لا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما كان و بما يكون و بما هو كائن إلى يوم القيامة، و هي هذه الآية: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (3).

ص: 128


1- علل الشرائع: 77 /ب 66 ح 2.
2- الخصال: ب 100 ح 10 /ص 626.
3- كتاب التوحيد: 305 /ب 43 ح 1.

الآية (41)

[سورة الرعد (13): آیة 41]

أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها

[102] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام و قال: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يعني بذلك ما يهلك من القرون فسمّاه إتيانا(1).

ص: 129


1- الإحتجاج: 588/1 /محاجة 137.

الآية (43)

[سورة الرعد (13): آیة 43]

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً

[103] - قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض و جميع ما فضّلت به النبيون إلى خاتم النبيين، في عترة خاتم النبيين(1).

[104] - الحسن الحلّي قال: و من «كتاب سليم بن قيس الهلالي» - رحمة اللّه عليه -، عن أبان قال: لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله، فحدّثني في الرجعة عن أناس من أهل بدر و عن سلمان و المقداد و أبيّ بن كعب.

و قال أبو الطفيل:... فقلت: يا أمير المؤمنين،

ص: 130


1- تفسير القمي: 367/1.

قول اللّه تعالى: * وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (1) ما الدابّة ؟

قال: يا أبا الطفيل، إله عن هذا.

فقلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني به، جعلت فداك.

قال: هي دابّة تأكل الطعام، و تمشي في الأسواق، و تنكح النساء.

فقلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟

قال: (هو) زرّ الأرض الذي تسكن الأرض به(2).

قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟

قال: صدّيق هذه الأمّة و فاروقها و ربّيّها(3) و ذو قرنيها(4).

ص: 131


1- سورة النمل: 82.
2- في سليم: الذي إليه تسكن الأرض.
3- في سليم: و رئيسها. إشارة إلى قوله - تعالى -: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ [سورة آل عمران: 146].
4- في سليم: و ذو قرنها، و في نسخ الأصل: قرينها، و ما أثبتناه من الرجعة و البحار.

قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟

قال: الذي قال اللّه تعالى: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (1) و الّذي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (2)وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ - الّذي - وَ صَدَّقَ بِهِ (3) أنا، و الناس كلّهم كافرون (غيري)(4) و غيره.

قلت: يا أمير المؤمنين، فسمّه لي(5).

قال: قد سمّيته لك، يا أبا الطفيل، و اللّه لو أدخلت عليّ عامّة شيعتي - الّذين بهم أقاتل، الذين أقرّو بطاعتي، و سمّوني أمير المؤمنين، و استحلّوا جهاد من خالفني - فحدّثتهم(6) ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الذي نزل (به)(7) جبرئيل عليه السّلام على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لتفرّقوا عنّي حتى أبقى في عصابة من الحقّ(8) قليلة، أنت و أشباهك من شيعتي،

ص: 132


1- سورة هود: 17.
2- سورة الرعد: 43.
3- سورة الزمر: 33.
4- ليس في البحار.
5- في سليم: تسمّيه ؟
6- في سليم: فحدّثتهم شهرا ببعض.
7- ليس في الأصل.
8- في سليم و الرجعة: في عصابة حقّ.

ففزعت و قلت: يا أمير المؤمنين، أنا و أشباهي نتفرّق(1) عنك أو نثبت معك ؟

قال: لا، بل تثبتون.

ثمّ أقبل عليّ فقال: إنّ أمرنا صعب مستصعب، لا يعرفه و لا يقرّ به إلاّ ثلاثة: ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن نجيب امتحن اللّه قلبه للإيمان.

يا أبا الطفيل، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض فارتدّ الناس ضلاّلا و جهّالا(2) إلاّ من عصمه اللّه بنا أهل البيت(3).

[105] - عن سليم بن قيس، قال: سأل رجل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال له و أنا أسمع: أخبرني بأفضل منقبة لك، قال عليه السّلام: ما أنزل اللّه في كتابه، قال: و ما أنزل اللّه فيك ؟

قال: قوله: وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ

ص: 133


1- في البحار: متفرّق.
2- في سليم: وجهلا.
3- مختصر البصائر: 121، و كتاب سليم بن قيس: 12-14، و عنه الرجعة: 72 ح 45 و صحيفة الأبرار: 107/1-108، و في البحار: 68/53 ح 66 عنه و عن كتابنا هذا، و في الإيقاظ من الهجعة: 281 ح 97 و ص 366 ح 121 عن كتابنا هذا نقلا من كتاب سليم بن قيس.

كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ إيّاي عنى بمن عنده علم الكتاب(1).

[106] - الصفّار، عن أبي الفضل العلوي، قال:

حدّثني سعيد بن عيسى، عن إبراهيم الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد اللّه، عن عبد اللّه الأعلى الثعلبي، عن أبي تمّام، عن سلمان الفارسي، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه تبارك و تعالى: (قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) فقال: أنا هو الذي عنده علم الكتاب، و قد صدّقه اللّه و أعطاه الوسيلة في الوصيّة، و لا تخلو أمّته من وسيلته إليه و إلى اللّه تعالى، فقال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (2) ,(3) .

***

ص: 134


1- الإحتجاج 368:1 ح 65؛ تفسير نور الثقلين 521:2؛ كتاب سليم بن قيس: 163.
2- سورة المائدة: 35.
3- بصائر الدرجات، باب ما عند الأئمة من علم الكتاب: 236؛ نفس الرحمن في أحوال سلمان، الباب 435:11؛ تفسير البرهان 303:2.

سورة إبراهيم

اشارة

ص: 135

ص: 136

الآية (5)

[سورة إبراهيم (14): آیة 5]

وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ

[107] - أخرج ابن مردويه، من طريق عبد اللّه بن سلمة، عن علي عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخطبنا فيذكّرنا بأيّام اللّه حتّى نعرف ذلك في وجهه، كأنّما يذكر قوما يصيبهم الأمر غدوة أو عشية، و كان إذا كان حديث عهد بجبرئيل عليه السّلام لم يتبسّم ضاحكا حتّى يرتفع عنه(1).

[108] - قال أبو جعفر عليه السّلام: حدّثني عبد اللّه بن العباس، و جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و كان بدريّا أحديّا شجريّا ممّن محض من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مودّة أمير المؤمنين عليه السّلام قالوا: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مسجد في

ص: 137


1- تفسير السيوطي 70:4.

رهط من أصحابه فيهم أبو بكر، و أبو عبيدة، و عمر، و عثمان، و عبد الرحمن، و رجلان من قرّاء الصحابة من المهاجرين عبد اللّه بن أمّ عبد، و من الأنصار، أبيّ بن كعب و كانا بدريّين، فقرأ عبد اللّه من السورة التي يذكر فيها لقمان حتّى أتى على هذه الآية وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً الآية، و قرأ أبيّ من السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه السّلام:

وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ (1) قالوا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أيّام اللّه نعماؤه و بلاؤه و مثلاته سبحانه، ثمّ أقبل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على من شهد من أصحابه، فقال: إنّي لأتخوّلكم بالموعظة تخوّلا مخافة السأمة عليكم، و قد أوحى إليّ ربي جلّ و تعالى أن أذكّركم بالنعمة و أنذركم بما اقتصّ عليكم كتابه، و تلا: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً (2) الآية، ثمّ قال لهم: قولوا الآن قولكم ما أوّل نعمة رغّبكم اللّه فيها و بلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا، فذكروا نعم اللّه التي أنعم عليهم و أحسن إليهم بها المعاش و الرياش و الذرّية و الأزواج إلى سائر ما بلاهم اللّه عزّ و جلّ به من أنعمه الظاهرة.

ص: 138


1- سورة إبراهيم، الآية: 5.
2- سورة لقمان، الآية: 20.

فلمّا أمسك القوم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عليّ عليه السّلام فقال: يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك.

فقال: و كيف لي بالقول فداك أبي و أمّي، و إنّما هدانا اللّه بك ؟

قال: و مع ذلك فهات، قل ما أوّل نعمة بلاك اللّه عزّ و جلّ و أنعم عليك بها؟

قال: أن خلقني جلّ ثناؤه و لم أك شيئا مذكورا، قال:

صدقت، فما الثانية ؟

قال: أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيّا لا ميتا، قال: صدقت، قال: فما الثالثة ؟

قال: أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة و أعدل تركيب، قال: صدقت، فما الرابعة ؟

قال: أن جعلني متفكّرا واعيا لا بلهة ساهيا، قال:

صدقت، فما الخامسة ؟

قال: أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها و جعل لي سراجا منيرا، قال: صدقت، فما السادسة ؟

قال: أن هداني لدينه و لم يضلّني عن سبيله، قال:

صدقت فما السابعة ؟

ص: 139

قال: أن جعل لي مردّا في حياة لا انقطاع لها، قال:

صدقت، فما الثّامنة: قال: أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا، قال: صدقت، فما التاسعة ؟

قال: أن سخّر لي سماءه و أرضه و ما فيهما من خلقه، قال: صدقت، فما العاشرة ؟

قال: أن جعلنا سبحانه و تعالى ذكرانا قوّاما على حلائلنا لا أناثا، قال: صدقت، فما بعد هذا؟

قال: كثرت نعم اللّه يا نبي اللّه فطابت و تلا وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها (1) ،فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:

لتهنك الحكمة، ليهنك العلم يا أبا الحسن، فأنت وارث علمي و المبيّن لأمّتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبّك لدينك و أخذ بسبيلك فهو ممّن هدي إلى صراط مستقيم، و من رغب عن هداك و أبغضك (و تخلاّك) لقي اللّه يوم القيامة لا خلاق له(2).

ص: 140


1- سورة النحل، الآية: 18.
2- أمالي الطوسي، مجلس 491:17 ح 1077؛ البحار 20:70.

الآية (9)

[سورة إبراهيم (14): آیة 9]

أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ...

[109] - عن ابن مجلز، قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب عليه السّلام أنا أنسب الناس، قال: إنّك لا تنسب الناس، قال: بلى، فقال له علي: أرأيت قوله تعالى:

وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ أ رأيت قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ (1) فسكت(2).

ص: 141


1- سورة إبراهيم، الآية: 9.
2- كنز العمال 476:2 ح 4544.

الآية (17)

[سورة إبراهيم (14): آیة 17]

يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ

[110] - في تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن أهل النار لما غلى الزقوم و الضريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشراب فأتوا بشراب غساق و صديد (1)يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ و حميم

ص: 142


1- روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر و أنتن من الجيفة، و أشد حرا من النار (انتهى). و الغساق بالتشديد و التخفيف ما يغسق من صديد أهل النار أي يسيل، يقال: غسقت العين: إذا سالت دموعها، و الصديد: قيح و دم، و قيل: هو القيح كأنه الماء في رقته و الدم في شكله و قيل: هو ما يسيل من جلود أهل النار.

تغلي به جهنم منذ خلقت كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً (1),(2).

ص: 143


1- الكهف: 29.
2- تفسير العياشي: 223/2 ح 7.

الآية (21)

[سورة إبراهيم (14): آیة 21]

قالُوا لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ

[111] - في مصباح شيخ الطائفة (قدس سره): خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام خطب بها يوم الغدير و فيها يقول عليه السّلام:

و تقرّبوا إلى اللّه بتوحيده و طاعة من أمركم أن تطيعوه و لا تمسكوا بعصم الكوافر، و لا يخلج بكم الغي فتضلّوا عن سبيل الرشاد باتّباع أولئك الذين ضلّوا و أضلّوا، قال اللّه عزّ من قائل في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه: إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ (1) إلى قوله، و قال تعالى: وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا نَصِيباً مِنَ النّارِ (2) من عذاب اللّه من

ص: 144


1- سورة الأحزاب، الآية: 67.
2- سورة غافر، الآية: 47.

شيء قالُوا لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ (1) أفتدرون الإستكبار ما هو؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته، و الترفع على من ندبوا إلى متابعته، و القرآن ينطق من هذا عن كثير إن تدبّره متدبّر زجره و وعظه(2).

ص: 145


1- إبراهيم: 21.
2- مصباح المتهجد: 527 ط. الأعلمي.

الآية (22)

[سورة إبراهيم (14): آیة 22]

وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

[112] - في كتاب التوحيد: عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول عليه السّلام فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: و أمّا قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً (1) و قوله: وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ (2) و قوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (3) و قوله إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ

ص: 146


1- سورة النبأ، الآية: 38.
2- سورة الأنعام، الآية: 23.
3- سورة العنكبوت، الآية: 25.

اَلنّارِ (1) و قوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (2).

و قوله: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (3) فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، يجمع اللّه عزّ و جلّ الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون، و يكلّم بعضهم بعضا و يستغفر بعضهم لبعض أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا للرؤساء و الأتباع و يلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء، و تعاونوا على الظلم و العدوان في دار الدنيا المستكبرون و المستضعفون يكفر بعضهم ببعض، و يلعن بعضهم بعضا، و الكفر في هذه الآية البراءة يقول فيبرأ بعضهم من بعض؛ و نظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان:

إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ (4) و قول إبراهيم خليل الرّحمن: كَفَرْنا بِكُمْ (5) أي تبرّأنا(6).

ص: 147


1- سورة ص، الآية: 64.
2- سورة ق، الآية: 28.
3- يس: 65.
4- إبراهيم: 22.
5- الممتحنة: 4.
6- التوحيد: ب 36 ح 5 /ص 260.

[113] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه و قد ذكر قوله تعالى: يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً و الكفر في هذه الآية البراءة، يقول: فيبرأ بعضكم من بعض، و نظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان:

إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ (1) و قول إبراهيم خليل الرحمن: كَفَرْنا بِكُمْ (2) يعني تبرّأنا منكم(3).

ص: 148


1- إبراهيم: 22.
2- الممتحنة: 4.
3- التوحيد، باب الردّ على الوثنية: 260؛ تفسير نور الثقلين 301:5.

الآية (27)

[سورة إبراهيم (14): آیة 27]

يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ

[114] - في الكافي علي بن إبراهيم عن عمرو بن عثمان و عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر و الحسن بن علي جميعا عن أبي جميلة مفضّل بن صالح عن جابر عن عبد الأعلى، و علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

إن ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيام الدنيا و أول يوم من أيام الآخرة، مثل له ماله و ولده و عمله، فيلتفت إلى ماله فيقول: و اللّه إني كنت عليك حريصا شحيحا(1) فما لي عندك ؟ فيقول: خذ مني كفنك.

ص: 149


1- الشحيح: البخيل.

قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: و اللّه إني كنت لكم محبا، و إني كنت عليكم محاميا فماذا لي عندكم ؟ فيقولون:

نؤدّيك إلى حفرتك نواريك فيها.

قال: فيلتفت إلى عمله فيقول: و اللّه إني كنت فيك لزاهدا و إن كنت علي لثقيلا فماذا عندك ؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك و يوم نشرك حتى أعرض أنا و أنت على ربك قال:

فإن كان للّه وليا أتاه أطيب الناس ريحا، و أحسنهم منظرا، و أحسنهم رياشا(1) فيقول: أبشر بروح و ريحان و جنة نعيم، و مقدمك خير مقدم، فيقول له: من أنت ؟ فيقول: أنا عملك الصالح إرتحل من الدنيا إلى الجنة، و إنه ليعرف غاسله و يناشد حامله أن يعجّله، فإذا أدخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما و يخدان الأرض بأقدامهما أصواتهما كالرعد القاصف، و أبصارهما كالبرق الخاطف. فيقولان له:

من ربك و ما دينك و من نبيك ؟ فيقول: اللّه ربي، و الإسلام ديني، و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيي، فيقولان: ثبّتك اللّه فيما تحب و ترضى، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ ثم يفسحان له(2) في

ص: 150


1- الرياش: اللباس الفاخر.
2- فسح له في المجلس: وسع و فرج له عن مكان يسعه.

قبره مد بصره، ثم يفتحان بابا إلى الجنة، ثم يقولان له: نم قرير العين نوم الشاب الناعم قال اللّه عزّ و جلّ: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً (1).و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).

ص: 151


1- الفرقان: 24.
2- الكافي: 231/3 ح 1.

الآيتان (28) و (29)

[سورة إبراهيم (14): الآیات 28 الی 29]

* أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (2(8) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ

[115] - في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان عن الهيثم بن واقد عن علي بن الحسين العبدي عن سعد الإسكاف عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عدلوا عن وصيه لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثم تلا هذه الآية: * أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (2(8) جَهَنَّمَ وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ثم قال: نحن النعمة التي أنعم اللّه بها على عباده، و بنا يفوز من فاز يوم القيامة(1).

ص: 152


1- أصول الكافي: 217/1 ح 1.

[116] - في تفسير العياشي عن الأصبغ بن نباتة قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه: * أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً .

قال: نحن نعمة اللّه التي أنعم بها على العباد(1).

[117] - في رواية زيد الشحام عنه قال قلت له:

بلغني أن أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عنها فقال: عنى بذلك الأفجران من قريش أميّة و مخزوم، أمّا مخزوم فقتله اللّه يوم بدر، و أمّا أميّة فمتّعوا إلى حين، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

عنى اللّه و اللّه بها قريشا قاطبة، الذين عادوا اللّه و نصبوا له الحرب(2).

[118] - عن ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول جاء ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فسأله عن قول اللّه * أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: تلك قريش بدّلوا نعمة اللّه كفرا و كذّبوا نبيهم يوم بدر(3).

ص: 153


1- تفسير العياشي: 229/2 ح 24.
2- تفسير العياشي: 229/2 ح 23.
3- تفسير العياشي: 229/2 ح 25.

[119] - عن مسلم المشوف(1) عن علي بن أبي طالب عليه السّلام في قوله: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال:

هما الأفجران من قريش بنو أميّة و بنو المغيرة(2).

[120] - في مجمع البيان و اختلف في المعنى بالآية فعن أمير المؤمنين عليه السّلام أنهم كفار قريش كذبوا نبيهم و نصبوا له الحرب و العداوة، و سأل رجل أمير المؤمنين عليه السّلام عن هذه فقال: هما الأفجران من قريش بنو أميّة و بنو المغيرة، فأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين، و أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر.

[121] - أبو إسحاق الثعلبي قال: عامر بن واثلة سمعت علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول في قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا الآية قال: هم كفار قريش الذين نحروا يوم بدر(3).

[122] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك، نا أحمد بن الحسن بن أحمد،

ص: 154


1- في المطبوع المشوب.
2- تفسير العياشي: 230/2 ح 28.
3- تفسير الثعلبي: 319/5، و تفسير القرطبي: 364/9.

أنا أبو علي بن شاذان، أنا أبو سهل بن زياد القطان، أنا أبو الحسين علي بن إبراهيم الواسطي، إملاء، نا محمد بن أبي نعيم، أنا ربعي بن عبد اللّه بن الجارود، أنا سيف بن وهب مولى لبني تيم، قال: دخلت شعب ابن عامر على أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: فإذا شيخ كبير قد وقع حاجبه على عينه، قال: فقلت له: أحبّ أن تحدّثني بحديث سمعته من علي ليس بينك و بينه أحد، قال: أحدّثك به إن شاء اللّه و تجدني له حافظا: أقبل عليّ يتخطّى رقاب الناس بالكوفة حتى صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال:

يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فو اللّه ما بين لوحي المصحف آية تخفى عليّ فيم أنزلت و لا أين أنزلت و لا ما عني بها، و اللّه لا تلقوا أحدا يحدّثكم ذاكم بعدي حتى تلقوا نبيّكم صلّى اللّه عليه و سلّم قال: فقام رجل يتخطّى رقاب الناس فنادى أيا أمير المؤمنين قال: فقال علي: ما أراك بمسترشد أو ما أنت مسترشد، قال: يا أمير المؤمنين حدّثني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الذّارِياتِ ذَرْواً قال: الرياح ويلك، قال:

فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال: السحاب ويلك، قال: فَالْجارِياتِ يُسْراً قال: السفن ويلك، قال: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ،قال: الملائكة ويلك.

ص: 155

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (1) قال: ويلك بيت في ست سموات، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، و هو الضّراح، و هو حذاء الكعبة من السماء، قال: يا أمير المؤمنين حدّثني عن قول اللّه عزّ و جلّ:

* أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (2(8) جَهَنَّمَ قال: ويلك ظلمة قريش، قال: يا أمير المؤمنين حدّثني عن قول اللّه عزّ و جلّ: قُلْ هَلْ أنبئكم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ؟

قال: ويلك منهم أهل حروراء (2) ،قال: يا أمير المؤمنين حدّثني عن ذي القرنين، أنبيّ كان أو رسول ؟

قال: لم يكن نبيّا و لا رسولا و لكنه عبد ناصح اللّه عزّ و جلّ فناصحه اللّه عزّ و جلّ، و أحبّ اللّه فأحبّه اللّه، و إنه دعا قومه إلى اللّه فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زمانا ثم بعثه اللّه عزّ و جلّ إليهم فدعاهم إلى اللّه عزّ و جلّ فضربوه على قرنه الآخر فهلك بذلك قرناه(3).

ص: 156


1- سورة الطور، الآيتان: 4 و 5.
2- قرية بظاهر الكوفة.
3- تاريخ دمشق: 142/19.

[123] - في أصول الكافي بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السّلام، في قول اللّه عزّ و جلّ * أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً قال نحن النعمة التي أنعم اللّه بها على عباده و بنا يفوز من فاز يوم القيامة(1).

[124] - أخرج الحاكم من حديث سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مر عن علي بن أبى طالب رضي اللّه عنه في قوله عزّ و جلّ: (وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) قال: هما الأفجران من قريش بنوا أمية و بنو المغيرة، فأمّا بنو المغيرة فقد قطع اللّه دابرهم يوم بدر، و أمّا بنو أمية فمتّعوا إلى حين.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح(2).

[125] - عن ابن أبي حسين، قال: قام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال:

ألا أحدكم يسألني عن القرآن، فو اللّه لو أعلم أنّ أحدا أعلم منّي و إن كان من وراء البحور لأتيته.

فقال عبد اللّه بن الكوّاء: من الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا؟

ص: 157


1- الكافي: 217/1 باب نعمة الأئمة ح 1.
2- المستدرك: 352/2.

قال: هم مشركون أتتهم نعمة اللّه الإيمان فبدّلوا قومهم دار البوار(1).

[126] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، نا أبو الحسين بن النّقّور، و عبد الباقي بن محمد بن غالب العطّار، قالا: نا أبو طاهر المخلّص، نا محمد بن هارون الحضرمي، نا سعيد بن يحيى، نا أبي، نا بسام الصيرفي، نا عامر بن واثلة، أنّ رجلا جاء إلى علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين ما وَ الذّارِياتِ ذَرْواً (2) قال: الرياح، قال:

فما فَالْحامِلاتِ وِقْراً (3) قال: السحاب، قال: فما فَالْجارِياتِ يُسْراً (4) قال: السفن، قال: فما فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) قال: الملائكة، قال: فمن: اَلَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (6) قال: هم منافقو قريش، قال: فمن: اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ

ص: 158


1- كنز العمال 445:2 ح 4457.
2- سورة الذاريات، الآية: 1.
3- سورة الذاريات، الآية: 2.
4- سورة الذاريات، الآية: 3.
5- سورة النازعات، الآية: 5، و في التنزيل العزيز: فالمدبرات.
6- سورة إبراهيم، الآيتان: 28 و 29.

يُحْسِنُونَ صُنْعاً (1) قال: منهم أهل حروراء، قال: فما ذو القرنين نبي أو ملك ؟

قال: ليس بنبيّ و لا ملك، و لكن كان عبدا صالحا أحبّ اللّه فأحبه، و ناصح اللّه فنصحه، بعثه اللّه إلى قوم فضرب على قرنه الأيمن فمات، فبعثه اللّه فضرب على قرنه الأيسر فمات(2).

ص: 159


1- سورة الكهف، الآية: 104.
2- تاريخ دمشق: 236/19.

الآية (35)

[سورة إبراهيم (14): آیة 35]

وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ

[127] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام لبعض الزنادقة و قد قال: و أجده يخبر أنّه يتلو نبيه شاهد منه و كان الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره، و أمّا قوله: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (1) فذلك حجّة اللّه أقامها اللّه على خلقه و عرّفهم أنه لا يستحق مجلس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ من يقوم مقامه، و لا يتلوه من يكون في الطهارة مثله بمنزلته لئلا يتّسع لمن ماسه رجس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الإستحقاق لمقام الرسول، و ليضيق العذر على من يعينه على إثمه و ظلمه إذ كان اللّه قد حظر على من مسّه الكفر تقلد ما فوّضه إلى

ص: 160


1- سورة هود، الآية: 17.

أنبيائه و أوليائه بقوله لإبراهيم: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (1) أي المشركين لأنه سمّى الشرك ظلما بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (2) فلما علم إبراهيم عليه السّلام أن عهد اللّه تبارك و تعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (3) و اعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين، و الكفار على الأبرار فقد افترى على اللّه إثما عظيما، إذ كان قد بيّن في كتابه الفرق بين المحق و المبطل، و الطاهر و النجس، و المؤمن و الكافر، و أنه لا يتلو النبي عند فقده إلاّ من حلّ محله صدقا و عدلا و طهارة و فضلا(4).

ص: 161


1- سورة البقرة، الآية: 124.
2- سورة لقمان، الآية: 13.
3- سورة إبراهيم، الآية: 35.
4- الإحتجاج: 590/1 /محاجة 137.

الآية (36)

[سورة إبراهيم (14): آیة 36]

فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي

[128] - عن طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: الإمام السنام الأعظم و الطريق الأقوم من عرفهم و أخذ عنهم فهو منهم، و إليه الإشارة بقوله فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي خلقهم اللّه من نور عظمته و ولاّهم أمر مملكته ..(1).

ص: 162


1- إلزام الناصب: 35/1.

الآية (37)

[سورة إبراهيم (14): آیة 37]

فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ

[129] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام و فيها: و الأفئدة من الناس تهوي إلينا، و ذلك دعوة إبراهيم عليه السّلام حيث قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (1).

ص: 163


1- الإحتجاج: 372/1 /محاجة 66.

الآية (44)

[سورة إبراهيم (14): آیة 44]

وَ أَنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ

[130] - قال عليه السّلام في ذيل خطبة البيان: ألا إنّ في قائمنا أهل البيت كفاية للمستبصرين و عبرة للمعتبرين و محنة للمتكبّرين لقوله تعالى: وَ أَنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ هو ظهور قائمنا المغيب لأنّه عذاب على الكافرين و شفاء و رحمة للمؤمنين، يظهر و له من العمر أربعون عاما فيمكث في قومه ثمانين سنة. و صلّى اللّه على محمّد و آله أجمعين(1).

ص: 164


1- إلزام الناصب: 191/2، و ينابيع المودّة: 205/3 ط. دار الاسوة.

الآية (46)

[سورة إبراهيم (14): آیة 46]

وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ

[131] - أبو إسحاق الثعلبي قال: كان مكرهم ما ذكره علي بن أبي طالب عليه السّلام و غيره قالوا: نمرود الجبار الذي حاج إبراهيم في ربه قال: إن كان ما يقوله إبراهيم حقا فلا أنتهي حتى أعلم ما في السماء، فعمد إلى أربعة أفراخ من النسور و علفها اللحم و ربّاها حتى شبّت و استعلجت ثم قعد في تابوت و جعل معه رجلا آخر (1) ،و جعل له بابا من أعلى و بابا من أسفل و ربط التابوت بأرجل النسور و علّق اللحم فوق التابوت على عصا ثم خلّى النسور فطرن و صعدن طمعا في اللحم حتى بعدن في الهواء.

قال نمرود لصاحبه: افتح الباب الأول و انظر في

ص: 165


1- تفسير الطبري: 320/13، بتفاوت.

السماء هل ترى منه شيئا ففتح و نظر، فقال: إن السماء كهيئتها ثم قال: إفتح الباب الأسفل و انظر إلى الأرض كيف تراها ففعل ذلك فقال أرى الأرض مثل اللجّة البيضاء، و الجبال مثل الدخان، و طارت النسور و ارتفعت حتى حالت بينها و بين التابوت فقال لصاحبه إفتح البابين ففتح الأعلى فإذا السماء كهيئتها و فتح الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة، و نودي: أيها الطاغية أين تريد(1).

[132] - عن الحارث، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: إن نمرود أراد أن ينظر إلى ملك السماء فأخذ نسورا أربعة فرباهن و جعل تابوتا من خشب و أدخل فيه رجلا، ثم شدّ قوائم النسور بقوائم التابوت، ثم جعل في وسط التابوت عمودا و جعل في رأس العمود لحما، فلما رأى النسور اللحم طرن و طرن بالتابوت و الرجل فارتفعن إلى السماء فمكث ما شاء اللّه، ثم إن الرجل أخرج من التابوت رأسه فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها، و نظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى الجبال إلا كالذر، ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها، و نظر إلى الأرض فإذا

ص: 166


1- تفسير الثعلبي: 327/5.

هو لا يرى إلا الماء، ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها، و نظر إلى الارض فإذا هو لا يرى شيئا، ثم وقع في ظلمة لم ير ما فوقه و ما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضّات، فلما نظرت الجبال إليهن و قد أقبلن منقضّات و سمعت حفيفهن فزعت و كادت أن تزول مخافة أمر السماء و هو قول اللّه: وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (1).

ص: 167


1- بحار الأنوار/العلامة المجلسي: 43/21.

الآية (48)

[سورة إبراهيم (14): آیة 48]

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ

[133] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي عليه السّلام في هذه الآية: الأرض من فضة و السماء من ذهب(1).

[134] - أخرج ابن مردويه، عن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قوله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ قال: أرض بيضاء لم يعمل عليها خطيئة، و لم يسفك عليها دم(2).

ص: 168


1- تفسير الثعلبي: 328/5.
2- تفسير السيوطي 90:4.

الآية (50)

[سورة إبراهيم (14): آیة 50]

سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ

[135] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: و ألبسهم سرابيل القطران و مقطّعات النيران في عذاب قد اشتدّ حرّه، و باب قد أطبق على أهله(1).

***

ص: 169


1- نهج البلاغة: خطبة 109-32.

ص: 170

سورة الحجر

اشارة

ص: 171

ص: 172

الآية (2)

[سورة الحجر (15): آیة 2]

رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ

[136] - الحسن الحلّي قال: قال جابر: قال أبو جعفر عليه السّلام: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قولهتعالى:

رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال: هو أنا إذا خرجت أنا و شيعتي، و خرج عثمان بن عفّان و شيعته، و نقتل بني أميّة، فعندها يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين(1).

ص: 173


1- مختصر البصائر:، و الرجعة: 37 ح 6 و الإيقاظ من الهجعة: 272 ح 78 و ص 357 ح 104 و البحار: 64/53 ح 55 و البرهان: 329/1 ح 7.

الآية (9)

[سورة الحجر (15): آیة 9]

إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ

[137] - في كتاب المناقب لابن شهر آشوب بعد أن ذكر قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ (1) ثم قوله تعالى:

إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ :تفسير يوسف القطان و وكيع بن الجراح و إسماعيل السريّ و سفيان الثوري أنه قال الحارث: سألت أمير المؤمنين عليه السّلام عن هذه، قال:

و اللّه إنا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، نحن معدن التأويل و التنزيل(2).

ص: 174


1- سورة النحل، الآية: 43.
2- كتاب المناقب: 313/3.

الآيات (28)-(31)

[سورة الحجر (15): آیة 28]

[سورة الحجر (15): آیة 29] وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلّ

[138] - في كتاب علل الشرائع عن أبي جعفر عليه السّلام عن علي أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه قال اللّه جلّ جلاله للملائكة: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (2(8) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ و ذلك من اللّه عزّ و جلّ تقدمة منه إلى الملائكة في آدم من قبل أن يخلقه احتجاجا منه عليهم، قال: فاغترف تبارك و تعالى غرفة من الماء العذب الفرات و صلصلها(1) فجمدت، ثم قال لها:

ص: 175


1- الصلصال: الطين اليابس الذي لم يطبخ إذا نقر به صوت كما يصوت الفخار. و صلصل الشيء: صوت.

منك أخلق النبيين و المرسلين و عبادي الصالحين و الأئمة المهتدين الدعاة إلى الجنة و أتباعهم إلى يوم القيامة، و لا أبالي و لا أسأل عمّا أفعل و هم يسألون، يعني بذلك خلقه أنه يسألهم، ثم اغترف من الماء المالح الأجاج فصلصلها فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق الجبارين و الفراعنة و العتاة و إخوان الشياطين، و الدعاة إلى النار إلى يوم القيامة و أتباعهم، و لا أبالي و لا أسأل عما أفعل و هم يسألون، قال: و شرط في ذلك البداء و لم يشرط في أصحاب اليمين البداء، ثم خلط الماءين فصلصلهما ثم ألقاهما قدام عرشه، و هما ثلة من طين(1) ثم أمر الملائكة الأربعة الشمال و الدبور و الصبا و الجنوب أن جولوا على هذه الثلة الطين و أبروها(2) و أنسموها، ثم جزّوها و فصّلوها و أجروا الطبائع الأربعة الريح و المرة(3) و الدم و البلغم، قال: فجاءت

ص: 176


1- في تفسير القمي: سلالة، بدل: ثلة، و في العياشي: بلة. و كذا فيما يأتي.
2- قال المجلسي رحمه اللّه قوله: (فأبروها) يمكن أن يكون مهموزا من برأه اللّه أي خلقه و جاء غير المهموز أيضا بهذا المعنى، فيكون مجازا أي اجعلوها مستعدة للخلق، و يمكن أن يكون من البري بمعنى النحت. كناية عن التفريق أو من التأبير من قوله أبر النخل أي أصلحه.
3- قال زميلنا الفاضل دامت إفاضاته في ذيل الحديث في العلل: قوله الريح و المرة الظاهر أن المراد بالريح هنا السوداء و بالمرة: الصفراء.

الملائكة عليها و هي الشمال و الصبا و الجنوب و الدبور فأجروا فيها الطبائع الأربعة، قال: و الريح في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الشمال، قال: و البلغم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الصبا، قال: و المرة في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الدبور، قال: و الدم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الجنوب، قال: فاستقلّت النسمة و كمل البدن، قال: فلزمه من ناحية الريح حب الحياة و طول الأمل و الحرص، و لزمه من ناحية البلغم حب الطعام و الشراب و اللين و الرفق، و لزمه من ناحية المرة الغضب و السفه و الشيطنة و التجبر و التمرد و العجلة، و لزمه من ناحية الدم حب النساء و اللذات و ركوب المحارم و الشهوات.

قال عمرو: أخبرني جابر أن أبا جعفر عليه السّلام قال:

وجدناه في كتاب من كتب علي عليه السّلام(1).

[139] - في تفسير علي بن إبراهيم: و الجان خلقناه من قبل من نار السموم قال: أبو إبليس و قال: الجان من ولد الجان منهم مؤمنون و كافرون و يهود و نصارى و تختلف أديانهم، و الشياطين من ولد إبليس و ليس فيهم مؤمن

ص: 177


1- كتاب علل الشرائع: 105 /ب 96 ح 1.

إلاّ واحدا إسمه هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس، جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرآه جسيما عظيما و امرءا مهولا، فقال له:

من أنت ؟

قال: أنا هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس، كنت يوم قتل قابيل هابيل غلاما ابن أعوام أنهى عن الإعتصام و آمر بإفساد الطعام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بئس لعمري الشاب المؤمل، و الكهل المؤمر، فقال: دع عنك هذا يا محمد فقد جرت توبتي على يد نوح، و لقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه، و لقد كنت مع إبراهيم حين ألقي في النار فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما، و لقد كنت مع موسى حين أغرق اللّه فرعون و نجّا بني إسرائيل، و لقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته، و لقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه، و لقد قرأت الكتب تبشرني بك و يقرئونك السلام و يقولون: أنت أفضل الأنبياء و أكرمهم، فعلّمني مما أنزل اللّه عليك شيئا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: علّمه، فقال هام: يا محمد إنا لا نطيع إلاّ نبيا أو وصي نبي، فمن هذا؟

قال: هذا أخي و وصيّي و وزيري و وارثي علي بن أبي طالب، قال: نعم نجد اسمه في الكتب إليا، فعلّمه أمير

ص: 178

المؤمنين عليه السّلام، فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام. قوله: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ فقد كتبنا خبره(1).

[140] - في نهج البلاغة: الحمد للّه الذي لبس العزّ و الكبرياء و اختارهما لنفسه دون خلقه و جعلهما حمى و حرما على غيره، و اصطفاهما لجلاله و جعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين فقال سبحانه و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (3(0) إِلاّ إِبْلِيسَ اعترضته الحميّة فافتخر على آدم بخلقه و تعصّب عليه لأصله.

فعدو اللّه إمام المتعصّبين و سلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية و نازع اللّه رداء الجبرية، و ادّرع(2) لباس التعزز و خلع قناع التذلل. ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره، و وضعه بترفّعه، فجعله في الدنيا مدحورا(3) و أعدّ له في

ص: 179


1- تفسير القمي: 375/1.
2- ادّرع الرجل: لبس درع الحديد.
3- أي مطرودا مبعدا، يقال: دحره اللّه دحورا أي أقصاه و طرده.

الآخرة سعيرا، و لو أراد اللّه سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، و يبهر العقول رؤاؤه و طيب يأخذ الأنفاس عرفه(1) لفعل، و لو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة، و لخفّت البلوى فيه على الملائكة، و لكن اللّه سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزا بالإختبار لهم، و نفيا للإستكبار عنهم، و إبعادا للخيلاء منهم (2).فاعتبروا بما كان من فعل اللّه بإبليس إذ أحبط عمله الطويل، و جهده الجهيد، و كان قد عبد اللّه ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة، فمن ذا بعد إبليس يسلم على اللّه بمثل معصيته ؟ كلا، ما كان اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا، إنّ حكمه في أهل السماء و أهل الأرض لواحد، و ما بين اللّه و بين أحد من خلقه هوادة(3) في إباحة حمى حرّمه اللّه تعالى على العالمين(4).

ص: 180


1- الرؤاء - بالهمزة و المد -: المنظر الحسن. و العرف: الريح الطيبة.
2- الخيلاء: الكبر.
3- الهوادة: الموادعة و المصالحة.
4- نهج البلاغة: خطبة 192.

الآيتان (39) و (40)

[سورة الحجر (15): الآیات 39 الی 40]

قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (3(9) إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ

[141] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد و أغرق إليكم بالنزع الشديد(1) و رماكم من مكان قريب فقال: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قذفا بغيب بعيد، و رجما بظن مصيب(2) صدّقه به أبناء الحميّة، و إخوان العصبية، و فرسان الكبر و الجاهلية. قال عز من قائل: إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (3).

ص: 181


1- قوله عليه السّلام: فوّق لكم سهم الوعيد قال الشارح المعتزلي أي جعل له فوقا، و هو موضع الوتر من السهم، و هذا كناية عن التهيؤ و الاستعداد، قوله عليه السّلام: و أغرق لكم بالنزع الشديد أي استوفى مدّ القوس و بالغ في نزعها ليكون مرماه أبعد و وقع سهامه أشد.
2- في بعض النسخ و كذا في شرح ابن أبي الحديد، و رجما بظن غير مصيب و قال: هذه الرواية أشهر بوجوه فمن شاء الوقوف عليها فليراجع ج 230:3 ط مصر.
3- نهج البلاغة: خطبة 192.

الآيتان (43) و (44)

[سورة الحجر (15): الآیات 43 الی 44]

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (4(3) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ

[142] - في مجمع البيان لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ فيه قولان:

أحدهما ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ جهنم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض، و وضع إحدى يديه على الأخرى فقال: هكذا، و إنّ اللّه وضع الجنان على العرض و وضع النيران بعضها فوق بعض فأسفلها جهنم، و فوقها لظى، و فوقها الحطمة و فوقها سقر، و فوقها الجحيم، و فوقها السعير، و فوقها الهاوية، و في رواية الكلبي: أسفلها الهاوية و أعلاها جهنم(1).

قوله تعالى: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ

ص: 182


1- مجمع البيان: 519/6.

[143] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: تدرون كيف أبواب النار؟

قلنا: نعم كنحو هذه الباب.

فقال: لا و لكنها هكذا - و وضع إحدى يديه على الأخرى - و إنّ اللّه تعالى وضع الجنان على الأرض، و وضع النيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنم و فوقها لظى و فوقهما الحطمة و فوقها سقر و فوقها الجحيم و فوقها السعير و فوقها الهاوية(1).

ص: 183


1- تفسير الثعلبي: 342/5.

الآية (47)

[سورة الحجر (15): آیة 47]

وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ

[144] - عن عبد اللّه بن خليل، عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ الآية، قال: نزلت فينا(1).

[145] - أبو نعيم الحافظ، عن رجاله، عن أبي هريرة، قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: يا رسول اللّه أيّما أحب إليك أنا أم فاطمة ؟

قال: فاطمة أحب إليّ منك، و أنت أعزّ عليّ منها، و كأنّي بك و أنت على حوضي تذود عنه الناس، و أنّ عليه أباريق عدد نجوم السماء و أنت و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر في الجنة إخوانا على سرر متقابلين، و أنت معي

ص: 184


1- البحار 257:24.

و شيعتك، ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (1).

[146] - عن علي: يدخل أهل الجنّة الجنّة في صدورهم الشحناء و الضغائن، فإذا دخلوا الجنّة و تقابلوا على السرر، نزع اللّه ذلك من صدورهم، ثمّ تلا هذه الآية وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (2).

[147] - أخرج عبد الرزاق، و ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و أبو الشيخ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، قال: فينا و اللّه أهل بدر نزلت هذه الآية وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (3).

ص: 185


1- غاية المرام: 399.
2- كنز العمال 448:2 ح 4467.
3- تفسير السيوطي 85:3.

الآية (75)

[سورة الحجر (15): آیة 75]

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ

[148] - محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم عن إبراهيم بن أيوب عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المتوسّم و أنا من بعده، و الأئمة من ذريتي المتوسّمون و في نسخة أخرى: أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن محمد بن أسلم عن إبراهيم بن أيوب بإسناده مثله(1).

[149] - الصفار، حدّثنا أبو الفضل العلوي، عن سعيد بن قيس الكبري، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحكم بن

ص: 186


1- أصول الكافي: 218/1 /ك الحجة/ب إن المتوسمين ح 5.

ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد اللّه، عن عبد الأعلى التغلبي، عن أبي وقّاص، عن سلمان الفارسي قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:

في قوله عزّ و جلّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعرف الخلق بسيماهم، و أنا من بعده المتوسّم و الأئمة من ذريّتي المتوسّمون إلى يوم القيامة(1).

[150] - عبّاد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المتوسّمين، و أنا بعده، و الأئمة من ذريّتي(2).

ص: 187


1- بصائر الدرجات، باب أنّ الأئمّة عندهم اسم اللّه الأعظم: 236، تفسير الصافي 118:3؛ اثبات الهداة 499:2.
2- اثبات الهداة 498:2.

الآية (85)

[سورة الحجر (15): آیة 85]

فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ

[151] - عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال: الرضى بغير عتاب(1).

ص: 188


1- كنز العمال 448:2 ح 4465.

الآية (87)

[سورة الحجر (15): آیة 87]

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ

[152] - أبو إسحاق الثعلبي قال: روى إسماعيل السدي عن عبد خير عن علي عليه السّلام وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال: فاتحة الكتاب(1).

[153] - في كتاب التوحيد بإسناده إلى أبي سلام عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: نحن المثاني التي أعطاها اللّه نبينا، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحن وجه اللّه، نتقلب في الأرض بين أظهركم عرفنا من عرفنا، و من جهلنا فأمامه اليقين(2),(3).

ص: 189


1- تفسير الثعلبي: 348/5.
2- كذا في النسخ لكن تفسير العياشي و تفسير القمي و المنقول عنهما في البحار و غيره: (فأمامه السعير) و هو الظاهر و يحتمل التصحيف أيضا، و لم أظفر على الحديث في مظانه أصول الكافي.
3- كتاب التوحيد: ب 12 ح 6 /ص 150.

[154] - عن السدي عمن سمع عليا عليه السّلام يقول:

سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي فاتحة الكتاب(1).

[155] - عن سماعة قال: قال أبو الحسن عليه السّلام:

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قال: لم يعط الأنبياء إلاّ محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هم السبعة الأئمة الذين يدور عليهم الفلك، وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(2).

[156] - في عيون الأخبار: بإسناده إلى الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:

إن اللّه تبارك و تعالى قال لي: يا محمّد وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فأفرد على الامتنان بفاتحة الكتاب و جعلها بإزاء القرآن العظيم، و أنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، و أنّ اللّه عزّ و جلّ خص محمّدا و شرّفه بها و لم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السّلام فإنه أعطاه منها بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يحكي عن بلقيس حين قالت: قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (2(9) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ

ص: 190


1- تفسير العياشي: 251/2.
2- تفسير العياشي: 251/2.

وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) .و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).

ص: 191


1- سورة النمل، الآيتان: 29 و 30.
2- عيون الأخبار: 212/1 /ب 28 ح 60.

الآية (92)

[سورة الحجر (15): آیة 92]

فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

[157] - أخرج ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و البيهقي في (البعث)، من طريق عليّ عليه السّلام، عن ابن عبّاس فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قال: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ (1) قال: لا يسألهم هل عملهم كذا و كذا؛ لأنه أعلم منهم بذلك، و لكن يقول: لم عملتم كذا و كذا(2).

ص: 192


1- الرحمن: 39.
2- تفسير السيوطي 104:4.

الآيتان (94) و (95)

[سورة الحجر (15): الآیات 94 الی 95]

فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (9(4) إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

[158] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه روى موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السّلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام و أحبارهم قال لأمير المؤمنين عليه السّلام:...

قال له علي عليه السّلام:... فأمّا المستهزئون فقد قال اللّه عزّ و جلّ:

إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فقتل اللّه خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فأما الوليد بن المغيرة فمرّ بنبل لرجل من خزاعة قد راشه و وضعه في الطريق، فأصابه شظية منه(1) فانقطع أكحله حتى أدماه فمات، و هو يقول قتلني رب

ص: 193


1- الشظية: كل فلقة من شيء كفلقة العود أو القصبة.

محمد، و أما العاص بن وائل السهمي فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده(1) تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات و هو يقول: قتلني رب محمد، و أما الأسود بن عبد يغوث فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرائيل عليه السّلام فأخذ رأسه فنطح به الشجرة فقال لغلامه:

امنع عني هذا فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلاّ نفسك فقتله، و هو يقول: قتلني رب محمد، و أما الأسود بن الحارث فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعا عليه أن يعمي بصره و أن يثكله ولده، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع، فأتاه جبرائيل عليه السّلام بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، و بقي حتى أثكله اللّه عزّ و جلّ ولده، و أما الحارث بن الطلاطلة فإنه خرج من بيته في السموم فتحوّل حبشيا فرجع إلى أهله فقال: أنا الحارث فغضبوا عليه فقتلوه و هو يقول: قتلني رب محمد، و روي أن الأسود بن الحارث أكل حوتا مالحا فأصابه عليه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشقّ بطنه فمات، و هو يقول: قتلني رب محمد؛ كل ذلك في ساعة واحدة: و ذلك أنهم كانوا بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا له:

ص: 194


1- تدهده الحجر: تدحرج.

يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك و إلاّ قتلناك، فدخل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منزله فأغلق عليه بابه مغتمّا لقولهم، فأتاه جبرائيل عليه السّلام عن اللّه من ساعته فقال:

يا محمد السلام يقرأ عليك السلام و هو يقول: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ يعني أظهر أمرك لأهل مكة و ادعهم إلى الإيمان قال: يا جبرائيل كيف أصنع بالمستهزئين و ما أوعدوني ؟

قال له: إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ قال: يا جبرائيل كانوا الساعة بين يدي! قال: قد كفيتهم فأظهر أمره عند ذلك، و أما بقيّتهم من الفراعنة فقتلوا يوم بدر بالسيف، و هزم اللّه الجمع و ولّوا الأدبار. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).

***

ص: 195


1- كتاب الإحتجاج: 511/1 /محاجة 127.

ص: 196

سورة النحل

اشارة

ص: 197

ص: 198

الآيتان (1) و (2)

[سورة النحل (16): الآیات 1 الی 2]

أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ

[159] - في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن الحسين بن أبي العلا عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام يسأله عن الروح أليس هو جبرائيل ؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام جبرائيل من الملائكة و الروح غير جبرائيل، فكرّر ذلك على الرجل، فقال له:

لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرائيل.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام إنك ضال تروي عن أهل

ص: 199

الضلال يقول اللّه عزّ و جلّ لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ و الروح غير الملائكة عليهم السّلام(1).

[160] - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن علي بن الأسباط، عن الحسين بن أبي العلاء، عن سعد الإسكاف، قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل عليه السّلام ؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام جبرئيل من الملائكة، و الروح غير جبرئيل، فكرّر ذلك على الرجل فقال له: لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّك ضال تروي عن أهل الضلال، يقول اللّه عزّ و جلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ و الروح غير الملائكة(2).

ص: 200


1- أصول الكافي: 274/1 /ك الحجة ب الروح التي يسدرهما اللّه ح 6.
2- الكافي 247:1؛ البحار 64:25؛ تفسير البرهان 360:2؛ بصائر الدرجات: 484 باب 19.

الآيتان (14) و (15)

[سورة النحل (16): الآیات 14 الی 15]

وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1(4) وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ

[161] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي عليه السّلام:

لما خلق اللّه الأرض رفضت و قالت: أي رب أتجعل عليّ بني آدم يعملون عليّ الخطيئة و يلقون عليّ الخبث، فأرسى اللّه فيها من الجبال ما ترون و ما لا ترون(1).

ص: 201


1- تفسير الثعلبي: 11/6.

الآية (16)

[سورة النحل (16): آیة 16]

وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

[162] - عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال: هو الجدي لأنه نجم لا يزول، و عليه بناء القبلة و به يهتدي أهل البر و البحر(1).

ص: 202


1- تفسير العياشي: 256/2.

الآية (18)

[سورة النحل (16): آیة 18]

وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها

[163] - في نهج البلاغة قال عليه السلام: أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيدي فهزّها، و قال: ما أوّل نعمة أنعم اللّه بها عليك ؟ قلت: أن خلقني حيّا، و أقدرني، و أكمل حواسّي و مشاعري و قواي، قال: ثم ماذا؟ قلت:

أن جعلني ذكرا، و لم يجعلني أنثى، قال: و الثّالثة ؟ قلت:

أن هداني للإسلام، قال: و الرابعة ؟ قلت: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها (1).

ص: 203


1- شرح نهج البلاغة: 268/20 رقم 274.

الآية (26)

[سورة النحل (16): آیة 26]

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ

[164] - في كتاب التوحيد حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات و كذلك إتيانه بنيانهم و قال عزّ و جلّ فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فإتيانهم من القواعد إرسال العذاب(1).

قوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ

[165] - ابن بابويه، بإسناده عن الرضا عليه السّلام، عن آبائه، عن علي عليه السّلام: يوم الأربعاء خرّ عليهم السقف من فوقهم(2).

ص: 204


1- كتاب التوحيد: ب 36 ح 5 /ص 266.
2- تفسير البرهان 366:2؛ عيون أخبار الرضا 247:1.

الآيتان (28) و (29)

[سورة النحل (16): الآیات 28 الی 29]

اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (2(8) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (1) .

[166] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام: إنه ليس من أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي منزلين يصير، أإلى الجنة أم إلى النار؟ أعدو هو للّه أم ولي ؟ فإن كان وليا للّه فتحت له أبواب الجنة، و شرع طرقها و نظر إلى ما أعد اللّه له فيها، ففرغ من كل شغل، و وضع عنه كل ثقل، و إن كان عدوا للّه فتحت له أبواب النار و شرع له طرقها، و نظر إلى ما أعد اللّه له فيها، فاستقبل كل مكروه و نزل به كل شرور، كل هذا يكون عند الموت و عنده

ص: 205

يكون بيقين، قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (2(8) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (1).

و يقول فيه عليه السّلام أيضا، عليكم بتقوى اللّه فإنها تجمع الخير و لا خير غيرها، و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا و الآخرة، قال اللّه عزّ و جلّ: * وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (2).

[167] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول مجيبا لبعض الزنادقة و قد قال: أجد اللّه تعالى يقول يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ و ما أشبه ذلك، فمرة يجعل الفعل لنفسه، و مرة لملك الموت، و مرة للملائكة، فأما قول اللّه عزّ و جلّ: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (3) و قوله: يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ (4) و تَوَفَّتْهُ

ص: 206


1- الأمالي: 27 ح 31 مجلس 1.
2- الأمالي: 25 ح 31 مجلس 1.
3- سورة الزمر، الآية: 42.
4- سورة السجدة، الآية: 11.

رُسُلُنا (1) تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ (2) و اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ (3) فهو تبارك و تعالى أجلّ و أعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه، و فعل رسله و ملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه، و هم الذين قال اللّه فيهم: اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ (4) فمن كان من أهل الطاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرحمة و من كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النقمة، و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و النقمة، و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و النقمة، يصدرون عن أمره، و فعلهم فعله، و كل ما يأتونه منسوب إليه و إذا كان فعلهم فعل ملك الموت، و فعل ملك الموت فعل اللّه، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء و يعطي و يمنع و يثيب و يعاقب على يد من يشاء و إن فعل أمنائه فعله كما قال: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ (5),(6).

ص: 207


1- سورة الأنعام، الآية: 61.
2- سورة النحل، الآية: 32.
3- سورة النحل، الآية: 28.
4- سورة الحج، الآية: 75.
5- سورة الإنسان، الآية: 30، التكوير: 29، مكررة و لكن الذيل يختلف.
6- كتاب الإحتجاج للطبرسي: 573/1 /محاجة 137.

[168] - في كتاب التوحيد حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات:

و أما قوله: يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و قوله:

اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ (1) و قوله: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ و قوله: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ فإن اللّه تبارك و تعالى يدبر الأمور كيف يشاء، يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء، أما ملك الموت فإن اللّه يوكله بخاصّته بمن يشاء من خلقه و يوكل رسله من يشاء من خاصّته بمن يشاء من خلقه يدبر الأمور كيف يشاء، و ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكل الناس، لأن فيهم القوي و الضعيف، و لأن منه ما يطاق حمله و منه ما لا يطاق حمله، لمن سهّل اللّه له حمله و أعانه عليه من خاصة أوليائه، و إنما يكفيك أن تعلم أن اللّه المحيي و المميت، و أنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء من خلقه من ملائكة و غيرهم(2).

ص: 208


1- سورة الأنعام، الآية: 61.
2- كتاب التوحيد: ب 36 ح 5 /ص 259.

الآية (30)

[سورة النحل (16): آیة 30]

وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ

[169] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام:...

و يقول فيه عليه السّلام أيضا، عليكم بتقوى اللّه فإنها تجمع الخير و لا خير غيرها، و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا و الآخرة، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (1).

ص: 209


1- الأمالي: 25 ح 31 مجلس 1.

الآية (32)

[سورة النحل (16): آیة 32]

اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

[170] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول مجيبا لبعض الزنادقة و قد قال أجد اللّه تعالى يقول يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ و ما أشبه ذلك، فمرة يجعل الفعل لنفسه، و مرة لملك الموت، و مرة للملائكة، فأما قول اللّه عزّ و جلّ: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (1) و قوله: يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ و تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا (2)تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ و اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فهو تبارك و تعالى أجل و أعظم من أن

ص: 210


1- سورة السجدة، الآية: 11.
2- سورة الأنعام، الآية: 61.

يتولى ذلك بنفسه، و فعل رسله و ملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه، و هم الذين قال اللّه فيهم: اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ (1) فمن كان من أهل الطاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرحمة و من كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النقمة، و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و النقمة، يصدرون عن أمره، و فعلهم و فعله و كل ما يأتونه منسوب إليه و إذا كان فعلهم فعل ملك الموت، و فعل ملك الموت فعل اللّه، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء و يعطي و يمنع و يثيب و يعاقب على يد من يشاء و إن فعل أمنائه فعله كما قال: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ (2),(3).

[171] - في كتاب التوحيد حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات:

و أما قوله: يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ (4) و قوله:

ص: 211


1- سورة الحج، الآية: 75.
2- الإنسان: 30، التكوير: 29، مكررة و لكن الذيل يختلف.
3- كتاب الإحتجاج للطبرسي: 573/1 /محاجة 137.
4- سورة السجدة، الآية: 11.

اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (1) و قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ (2) و قوله: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ و قوله: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ فإن اللّه تبارك و تعالى يدبر الأمور كيف يشاء، يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء، أما ملك الموت فإن اللّه يوكله بخاصّته بمن يشاء من خلقه و يوكل رسله من يشاء من خاصّته بمن يشاء من خلقه يدبر الأمور كيف يشاء، و ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس، لأن فيهم القوي و الضعيف، و لأن منه ما يطاق حمله و منه ما لا يطاق حمله، لمن سهّل اللّه له حمله و أعانه عليه من خاصة أوليائه، و إنما يكفيك أن تعلم أن اللّه المحيي و المميت، و أنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء من خلقه من ملائكة و غيرهم(3).

[172] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام: إنه ليس من أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي منزلين يصير، إلى الجنة أم إلى النار، أعدو هو للّه

ص: 212


1- الزمر: 42.
2- الأنعام: 61.
3- كتاب التوحيد: ب 36 ح 5 /ص 259.

أو ولي، فإن كان وليا للّه فتحت له أبواب الجنة، و شرع طرقها و نظر إلى ما أعد اللّه له فيها، ففرغ من كل شغل، و وضع عنه كل ثقل، و إن كان عدوا للّه فتحت له أبواب النار و شرع له طرقها، و نظر إلى ما أعد اللّه له فيها، فاستقبل كل مكروه و نزل به كل شرور، كل هذا يكون عند الموت و عنده يكون بيقين، قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

و يقول: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (2(8) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (1).

و يقول فيه عليه السّلام أيضا، عليكم بتقوى اللّه فإنها تجمع الخير و لا خير غيرها، و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا و الآخرة، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (2).

ص: 213


1- الأمالي: 27 ح 31 مجلس 1.
2- الأمالي: 25 ح 31 مجلس 1.

الآية (43)

[سورة النحل (16): آیة 43]

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ

[173] - في كتاب المناقب لابن شهر آشوب بعد أن ذكر قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ثم قوله تعالى:

إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ (1) :تفسير يوسف القطان و وكيع بن الجراح و إسماعيل السريّ و سفيان الثوري أنه قال الحارث: سألت أمير المؤمنين عليه السّلام عن هذه، قال: و اللّه إنا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، نحن معدن التأويل و التنزيل(2).

[174] - في خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام و هي الخطبة الطالوتية قال فيها عليه السّلام: إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر، فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف

ص: 214


1- سورة الحجر، الآية: 9.
2- كتاب المناقب: 313/3.

و قد تركتموه و نبذتموه و خالفتموه ؟(1).

[175] - قال جابر الجعفي: لما نزلت هذه الآية قال علي عليه السّلام: نحن أهل الذكر(2).

[176] - أبانة أبي العباس الفلكي، قال علي عليه السّلام:

ألا إنّ الذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحن أهله، و نحن الراسخون في العلم، و نحن منار الهدى و أعلام التقى، و لنا ضربت الأمثال(3).

ص: 215


1- روضة الكافي: 26 ح 5.
2- البحار 184:23؛ العمدة: 285.
3- البحار 184:23.

الآية (69)

[سورة النحل (16): آیة 69]

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ

[177] - في كتاب الخصال فيما علّم أمير المؤمنين عليه السّلام أصحابه: لعق العسل شفاء من كل داء، قال اللّه تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ (1).

[178] - و بإسناده قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام:

ثلاثة يزدن في الحفظ و يذهبن بالبلغم: القرآن، و العسل، و اللبان(2).

[179] - في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير

ص: 216


1- كتاب الخصال: ب 400 ح 10 /ص 623.
2- عيون الأخبار: 23/2 /ب 31.

المؤمنين عليه السّلام: لعق العسل شفاء من كل داء، قال اللّه عزّ و جلّ:

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ و هو مع قراءة القرآن و مضغ اللبان يذيب البلغم(1).

[180] - في تفسير العياشي عن عبد اللّه بن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين بي وجع في بطني، فقال له أمير المؤمنين: ألك زوجة ؟

قال: نعم، قال: استوهب منها [شيئا] طيبة به نفسها من مالها، ثم اشتر به عسلا ثم أسكب(2) عليه من ماء السماء، ثم اشربه، فإن اللّه يقول في كتابه: وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً (3) و قال: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ و قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) فإذا اجتمعت البركة و الهنيء و المريء شفيت إن شاء اللّه تعالى. ففعل ذلك فشفي(5).

ص: 217


1- الكافي: 332/6 /ك الأطعمة ب العسل ح 2.
2- سكب الماء و نحوه: صبه.
3- سورة ق، الآية: 9.
4- سورة النساء، الآية: 4.
5- تفسير العياشي: 218/1 ح 15.

الآية (70)

[سورة النحل (16): آیة 70]

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ

[181] - أبو إسحاق الثعلبي قال: روى الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السّلام قال: أرذل العمر خمس و سبعون سنة(1).

ص: 218


1- تفسير الثعلبي: 29/6.

الآية (75)

[سورة النحل (16): آیة 75]

ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ

[182] - عن أحمد بن عبد اللّه العلوي، عن الحسن بن الحسين، عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليه السّلام قال: كان علي بن أبي طالب عليه السّلام يقول: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ و يقول:

للعبد لا طلاق و لا نكاح، ذلك إلى سيّده، و الناس يرون خلاف ذلك، إذن السيد لعبده لا يرون له أن يفرّق بينهما(1).

ص: 219


1- تفسير العيّاشي 266:2؛ تفسير البرهان 377:2.

الآية (83)

[سورة النحل (16): آیة 83]

يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها

[183] - عن محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد ابن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي، قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن عيسى، قال حدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ صلوات اللّه عليه في قوله عزّ و جلّ: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها قال: لمّا أنزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1) إجتمع نفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مسجد المدينة، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية ؟

فقال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، و إنّ

ص: 220


1- سورة المائدة، الآية: 55.

آمنّا فهذا ذلّ حين يسلّط علينا عليّ بن أبي طالب، فقالوا:

قد علمنا أنّ محمّدا صادق فيما يقول و لكنّا نتولاّه و لا نطع عليّا فيما أمرنا، فنزلت هذه الآية يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (1).

ص: 221


1- الكافي 427:1؛ تفسير البرهان 479:1.

الآية (89)

[سورة النحل (16): آیة 89]

وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ

[184] - في نهج البلاغة في كلام له عليه السّلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا: أم أنزل اللّه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه، أم كانوا شركاء له ؟ فلهم أن يقولوا و عليه أن يرضى ؟ أم أنزل دينا تاما فقصّر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن تبليغه و أدائه، و اللّه سبحانه يقول: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (1) و تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (2).

ص: 222


1- الأنعام: 38.
2- نهج البلاغة: خطبة 18-4.

الآية (90)

[سورة النحل (16): آیة 90]

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ

[185] - في كتاب معاني الأخبار بإسناده إلى عمر بن عثمان التيمي القاضي قال: خرج أمير المؤمنين عليه السّلام على أصحابه و هم يتذاكرون المروءة، فقال: أين أنتم من كتاب اللّه ؟

قالوا: يا أمير المؤمنين في أي موضع ؟

فقال: في قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ و العدل الإنصاف و الإحسان التفضّل(1).

[186] - عن علي عليه السّلام، أنّه مرّ على قوم يتحدّثون، فقال: فيم أنتم ؟

فقالوا، نتذاكر المروءة.

ص: 223


1- كتاب معاني الأخبار: ب معنى المروءة ح 1 /ص 257.

فقال: أو ما كفاكم اللّه في كتابه إذ يقول: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ؟فالعدل الإنصاف و الإحسان التفضّل، فما بعد هذا(1).

ص: 224


1- كنز العمال 451:2 ح 4457.

الآية (97)

[سورة النحل (16): آیة 97]

فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً

[187] - في نهج البلاغة و سئل عن قول اللّه تعالى:

فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ؟

فقال: هي القناعة(1).

ص: 225


1- نهج البلاغة: قصار الحكم 229.

الآية (98)

[سورة النحل (16): آیة 98]

فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ

[188] - في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السّلام من خبر الشامي و ما سأل عنه أمير المؤمنين عليه السّلام في جامع الكوفة حديث طويل و فيه: سأله كم حج آدم عليه السّلام من حجة ؟

فقال له: سبعين حجة ماشيا على قدمه، و أول حجة حجها كان معه الصرد(1) يدله على مواضع الماء، و خرج معه من الجنة و قد نهي عن أكل الصرد و الخطاف(2) و سأله ما باله لا يمشي ؟

قال: لأنه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه و لم يزل يبكي مع آدم عليه السّلام، فمن هناك

ص: 226


1- الصرد: طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير.
2- الخطاف: طائر إذا رأى ظله في الماء أقبل إليه ليتخطفه.

سكن البيوت، معه آيات من كتاب اللّه تعالى مما كان آدم يقرأها في الجنة، و هي معه إلى يوم القيامة، ثلاث آيات من أول الكهف و ثلاث آيات من سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى و هي:

فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ و ثلاث آيات من يس و هي: وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا (1),(2).

قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ

[189] - في كتاب الخصال: فيما علم أمير المؤمنين عليه السّلام أصحابه من الأربعمائة باب مما يصالح للمسلم في دينه و دنياه إذا وسوس الشيطان إلى أحدكم فليستعذ باللّه و ليقل: آمنت باللّه مخلصا له الدين(3).

ص: 227


1- يس: 9.
2- عيون الأخبار: 188/1 /ب 24 ح 1.
3- الخصال: 624 /ط. جامعة المدرسين.

الآية (106)

[سورة النحل (16): آیة 106]

إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ

[190] - في من لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصية لابنه محمد ابن الحنفية: و فرض اللّه على القلب و هو أمير الجوارح الذي به تعقل و تفهم و تصدر عن أمره و رأيه فقال عزّ و جلّ: مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ الآية(1).

[191] - علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن الناس يروون أن عليا قال على منبر الكوفة: أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تتبرؤوا مني.

ص: 228


1- من لا يحضره الفقيه: 626/2 ح 3215 /ب 2.

فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السّلام ثم قال:

إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثم تدعون إلى البراءة مني و إني لعلى دين محمد و لم يقل: فلا تتبرؤوا مني، فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟

فقال: و اللّه ما ذلك عليه و ما له إلاّ ما مضى عليه عمار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالإيمان، فأنزل اللّه عزّ و جلّ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندها: يا عمار إن عادوا فعد، فقد أنزل اللّه عزّ و جلّ عذرك و أمرك أن تعود إن عادوا(1).

***

ص: 229


1- أصول الكافي: 219/2 /ك الإيمان و الكفر ب التقية ح 10.

ص: 230

سورة الإسراء

اشارة

ص: 231

ص: 232

الآية (4)

[سورة الإسراء (17): آیة 4]

لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ

[192] - أخرج ابن عساكر في تاريخه: عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في قوله: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ قال:

الأولى قتل زكريّا عليه السّلام و الأخرى قتل يحيى عليه السّلام(1).

ص: 233


1- تفسير السيوطي 163:4.

الآية (6)

[سورة الإسراء (17): آیة 6]

ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً .

[193] - في تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته: أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جوانحي علما جما فسلوني قبل أن تشغر برجلها(1) فتنة شرقية تطأ في خطامها(2) ملعون ناعقها و مولاها و قائدها و سائقها و المتحرز فيها(3) فكم عندها من

ص: 234


1- أي ترفع برجلها، قيل: كنى بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنة من مدبر، أو هو كناية عن كثرة مداخل الفساد فيها.
2- الخطام ككتاب: كل ما يجعل في أنف البعير ليقتاد به.
3- قال المجلسي رحمه اللّه: و لعل المعنى من يتحرز من إنكارها و رفعها لئلا يخل بدنياه (انتهى) و في بعض النسخ (المتحرض) بالضاد و لعله الأنسب بحسب السياق، ثم قال المجلسي رحمه اللّه: و سائر الخبر كان مصحفا فتركته على ما وجدته و المقصود واضح.

رافعة ذيلها يدعو بويلها دجلة أو حولها، لا مأوى يكنّها(1) و لا أحد يرحمها، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك و بأي واد سلك، فعندها توقعوا الفرج، و هو تأويل هذه الآية ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليعيش إذ ذاك ملوك ناعمين، و لا يخرج الرجل منهم من الدنيا حتى يولد لصلبه ألف ذكر، آمنين من كل بدعة و آفة، عاملين بكتاب اللّه و سنّة رسوله قد اضمحلّت عليهم(2) الآفات و الشبهات(3).

[194] - عن علي عليه السّلام: العجب كلّ العجب بين جمادى و رجب، فقام رجل و قال: يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تتعجّب منه ؟ فقال عليه السّلام: ثكلتك أمّك، و أي العجب أعجب من أموات يضربون كلّ عدوّ للّه و لرسوله و لأهل بيته و ذلك تأويل هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلى مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ فإذا اشتدّ القتل قلتم: مات و هلك و أي واد سلك ؟ و ذلك تأويل هذه الآية ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ

ص: 235


1- أي يسترها.
2- في المصدر (عنهم الآفات. اه).
3- تفسير العياشي: 282/2.

عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (1) ,(2) .

[195] - في البحار عن أصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني لأنّي بطرق السماء أعلم من العلماء و بطرق الأرض أعلم من العالم، أنا يعسوب الدين أنا يعسوب المؤمنين و إمام المتّقين و ديّان الناس يوم الدين، أنا قاسم النار و خازن الجنان و صاحب الحوض و الميزان و صاحب الأعراف فليس منّا إمام إلاّ و هو عارف بجميع أهل ولايته و ذلك قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ألا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فتشغر برجلها(3) فتنة شرقية و تطأ في خطامها بعد موتها و حياتها و تشبّ نار بالحطب الجزل من غربي الأرض رافعة ذيلها تدعو يا ويلها لرحله و مثلها فإذا استدار الفلك قلتم: مات أو هلك بأي واد سلك فيومئذ تأويل هذه الآية ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (4).

ص: 236


1- سورة الإسراء، الآية: 6.
2- إلزام الناصب: 95/1، و تأويل الآيات: 659 سورة الممتحنة.
3- تشغر برجلها: في بعض نسخ: تشرع، و شغر برجله: رفعها، و الجملة كناية عن كثرة مداخل الفساد فيها، و قيل: كناية عن خلوّ تلك الفتنة من مدبّر.
4- إلزام الناصب: 99/2، و بحار الأنوار: 275/52 ح 167 باب 25.

الآية (9)

[سورة الإسراء (17): آیة 9]

وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ

[196] - محمّد بن عباس، حدّثنا الحسن بن علي بن عاصم، عن هيثم بن عبد اللّه، قال: حدّثنا مولاي عليّ بن موسى الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أتاني جبرئيل عليه السّلام عن ربّه عزّ و جلّ و هو يقول:

ربّي يقرؤك السلام و يقول لك: يا محمّد بشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات و يؤمنون بك و بأهل بيتك بالجنّة، و لهم عندي جزاء الحسنى يدخلون الجنّة(1).

ص: 237


1- تأويل الآيات الظاهرة: 273؛ البحار 269:24.

الآية (12)

[سورة الإسراء (17): آیة 12]

وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً

[197] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال أبو الطفيل:

سأل ابن الكواء عليا عليه السّلام فقال: ما هذا السواد في القمر؟

فقال علي: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً و هو المحو(1).

[198] - عن الأصبغ بن نباتة قال: قال ابن الكوا لأمير المؤمنين عليه السّلام، أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر؟

فقال: اللّه أكبر، اللّه أكبر، رجل أعمى يسأل عن مسألة

ص: 238


1- تفسير الثعلبي: 87/6، و تفسير الطبري: 64/15.

عمياء أما سمعت اللّه يقول: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (1).

[199] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: و جعل شمسها آية مبصرة لنهارها، و قمرها آية ممحوة من ليلها، و أجراهما في مناقل مجراهما، و قدّر سيرهما في مدارج درجهما، ليميّز بين الليل و النهار بهما، و ليعلم عدد السنين و الحساب بمقاديرهما(2).

[200] - عن أبي الطفيل قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: سلوني عن كتاب اللّه فإنه ليس من آية إلاّ و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار، أو في سهل أو في جبل، قال: فقال له ابن الكوا فما هذا السواد في القمر؟

فقال: أعمى سأل عن عمياء أما سمعت اللّه يقول:

فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً فذلك محوها(3).

[201] - في كتاب الخصال حدّثنا علي بن أحمد بن موسى رضي اللّه عنه قال: حدّثنا علي بن الحسن قال: حدّثنا سعد بن

ص: 239


1- كتاب الإحتجاج: 615/1 /المحاجة 139.
2- نهج البلاغة: خطبة 91-35.
3- تفسير العياشي: 284/2.

كثير بن عفير، قال: حدّثني ابن لهيعة و راشد بن سعد عن حريز بن عبد اللّه عن أبي الرّحمن البجلي عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مرضه الذي توفي فيه:

أدعوا لي أخي، فأرسلوا إلى علي عليه السّلام و الناس محتوشوه(1) وراء الباب، فخرج علي عليه السّلام فقال رجل من الناس: أسرّ إليك نبي اللّه شيئا؟

فقال: نعم أسرّ إليّ ألف باب، في كل باب ألف باب، قال: و وعيته ؟

قال: نعم و عقلته، قال: فما السواد الذي في القمر؟

قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ قال: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً قال له الرجل: عقلت يا علي و وعيت(2).

[202] - عن أبي الطفيل قال: كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا عليه السّلام و هو على المنبر و ناداه ابن الكوا و هو في مؤخر المسجد، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن هذا

ص: 240


1- أسدى بيده نحو الشيء: مدها. و احتوش القوم فلانا: اجتمعوا عليه و جعلوه في وسطهم.
2- كتاب الخصال: ب 1000 ح 23 /ص 643.

السواد في القمر؟

قال: هو قول اللّه فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ (1).

[203] - عن عليّ عليه السّلام في قوله تعالى: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قال: هو السواد الذي في القمر(2).

[204] - عن علي عليه السّلام في الآية قال: الليل و النهار سواء، فمحا اللّه آية الليل فجعلها مظلمة، و ترك آية النهار كما هي(3).

ص: 241


1- تفسير العياشي: 283/2.
2- كنز العمال 452:2 ح 4478.
3- كنز العمال 452:2 ح 4479.

الآية (23)

[سورة الإسراء (17): آیة 23]

وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً

[205] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قراءة علي و عبد اللّه و أبيّ: و وصى ربك(1).

[206] - في كتاب التوحيد بإسناده إلى ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين فما القضاء و القدر اللذان ساقانا و ما هبطنا واديا و لا علونا تلعة(2) إلاّ بهما فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: الأمر من اللّه و الحكم، ثم تلا هذه الآية: * وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (3).

ص: 242


1- تفسير الثعلبي: 92/6.
2- التلعة: القطعة المرتفعة من الأرض.
3- كتاب التوحيد: ب 60 ح 28 /ص 382.

الآية (25)

[سورة الإسراء (17): آیة 25]

فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً

[207] - أخرج ابن شيبة، و هنّاد، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: إذا مالت الأفياء، و راحت الأرواح، فاطلبوا الحوائج إلى اللّه فإنّها ساعة الأوّابين، فقرأ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً (1).

ص: 243


1- تفسير السيوطي 176:4.

الآية (26)

[سورة الإسراء (17): آیة 26]

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً

[208] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو البركات الأنماطي، نا أبو بكر محمّد بن المظفر، نا أبو الحسن العتيقي، نا يوسف بن أحمد، نا أبو جعفر العقيلي، أنبأنا محمّد بن أحمد الوراميني، نا يحيى بن المغيرة الرازي، نا زافر، عن رجل، عن الحرث بن محمّد، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني، قال أبو الطفيل: كنت [واقفا] على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم - فسمعت عليا يقول: قال عليه السّلام: أفيكم أحد تمّم اللّه نوره من السماء غيري ؟ حين قال: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قالوا:

اللّهمّ لا.

قال: أفيكم أحد ناجاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إثنتي عشرة مرة غيري ؟ حين قال [اللّه]: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا

ص: 244

بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً (1) قالوا: اللّهمّ لا.

قال: أفيكم أحد تولى غمض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غيري ؟

قالوا: اللهمّ لا.

قال: أفيكم أحد آخر عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتى وضعه في حفرته غيري ؟

قالوا: اللّهمّ لا(2).

[209] - عن أبي الطفيل عن علي عليه السّلام قال: قال يوم الشورى: أفيكم أحد تم نوره من السماء حين قال: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ قالوا: لا(3).

قوله تعالى: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً

[210] - في مجمع البيان وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن أمير المؤمنين عليه السّلام: قال لعنايه: كن زاملة للمؤمنين فإن خير المطايا أمثلها و أسلمها ظهرا و لا تكن من المبذرين(4).

ص: 245


1- سورة المجادلة، الآية: 12.
2- تاريخ دمشق: 330/45.
3- تفسير العياشي: 288/2.
4- مجمع البيان: 634/6.

الآية (28)

[سورة الإسراء (17): آیة 28]

اِبْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً

[211] - في كتاب المناقب لابن شهر آشوب بعد ذكر فاطمة عليها السّلام و ما تلقى من الطحن. كتاب الشيرازي: أنها لما ذكرت حالها و سألت جارية بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:

يا فاطمة و الذي بعثني بالحق إن في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام و لا ثياب و لو لا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت، يا فاطمة إني لا أريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية، و إني أخاف أن يخصمك علي بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي اللّه عزّ و جلّ إذا طلب حقّه منك، ثم علمها صلاة التسبيح فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: مضيت تريدين من رسول اللّه الدنيا فأعطانا اللّه ثواب الآخرة قال أبو هريرة:

فلما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من عند فاطمة أنزل اللّه على رسوله: وَ إِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها يعني عن

ص: 246

قرابتك و ابنتك فاطمة اِبْتِغاءَ يعني طلب رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ يعني طلب رزق من ربك تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً يعني قولا حسنا فلما نزلت هذه الآية أنفذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليها جارية للخدمة و سمّاها فضة(1).

ص: 247


1- كتاب المناقب: 120/3.

الآيتان (37) و (38)

[سورة الإسراء (17): الآیات 37 الی 38]

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (3(7) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً

[212] - في من لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنين عليه السّلام لابنه محمد ابن الحنفية: و فرض على الرجلين أن تنقلهما في طاعته، و ان لا تمشي بهما مشية عاص، فقال عزّ و جلّ: وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (3(7) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (1).

ص: 248


1- من لا يحضره الفقيه: 626/2 /ب 2 ح 3215.

الآيتان (45) و (46)

[سورة الإسراء (17): الآیات 45 الی 46]

وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (4(5) وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً

[213] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السّلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام و أحبارهم قال لأمير المؤمنين عليه السّلام: إن إبراهيم عليه السّلام حجب عن نمرود بحجب ثلاث فقال علي عليه السّلام: لقد كان كذلك و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجب عمن أراد قتله بحجب خمس إلى قوله: ثم قال: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً فهذا الحجاب الرابع(1).

ص: 249


1- كتاب الإحتجاج: 504/1 /المحاجة 127.

[214] - ابن عساكر قال: أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، نا القاضي أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن الحسين بن صمدون - من لفظه - حدّثني أبو محمّد عبد اللّه بن الحسن بن المسلّم الصّقلّي - بصور - نا أبو بكر عتيق بن علي بن داود الصّقلّي، نا أبو بكر محمّد بن الحرمي بن الحسين الحمصي - بدمشق - نا أبو القاسم الربيع بن عمرو الحمصي، نا أبو علي محمّد بن هارون بن شعيب الأنصاري، حدّثني هارون بن صمدون، نا العباس بن محمّد بن المنقري، قال:

قدم حسين بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة حاجّا، فاشتريت منه حقّه في صدقة أبيه بذي المروة(1) احتجنا إلى أن نوجّه رسولا يقتضي الثمن، و كان في الجوف (2) ،فأبى الرسول أن يخرج، و خاف على نفسه من الطريق، فقال الحسين بن الحسين: أنا أكتب لك رقعة فيها حرز لن يضرك شيء إن شاء اللّه، فكتب له رقعة و جعلها الرسول في صرّته، فذهب الرسول، فلم يلبث أن جاء سالما، فقال: مررت بالأعراب يمينا، فما هيّجني منهم

ص: 250


1- ذو المروة: قرية بوادي القرى (راجع معجم البلدان).
2- الجوف موضع في ديار عاد (راجع معجم ما استعجم) و الجوف أرض لبني سعد، و الجوف في مواضع أخرى (راجع معجم البلدان).

أحد، فقال حسين بن حسين: ربّما خرجت في الرّفقة فيعدى عليها، فأسلم أنا إذ عليّ الحرز، و قال: هو خير لك مما ابتغيت من الثمن.

و الحرز عن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب و إن هذا الحرز كان الأنبياء تتحرّز به من الفراعنة: بسم اللّه الرّحمن الرحيم، قالَ اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ (1)إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (2) أخذت بسمع اللّه و بنصره(3) و قوته على أسماعكم و أبصاركم و قوّتكم، يا معشر الجنّ و الإنس و الشياطين و الأعراب و السباع و الهوامّ و اللصوص مما يخاف فلان و يحذر فلان بن فلان، سترت بينه و بينكم بستر النبوّة التي استتروا بها من سطوات الفراعنة، جبريل عن أيمانكم، و ميكائيل عن شمائلكم، و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أمامكم، و اللّه تعالى من فوقكم، يمنعكم من فلان ابن فلان في نفسه و ولده و أهله و شعره و بشره و ماله، و ما عليه، و ما معه، و ما تحته، و ما فوقه، وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ

ص: 251


1- سورة المؤمنون، الآية: 108.
2- سورة مريم، الآية: 18.
3- المختصر: 70/16 و بصره.

بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً ،وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً (1) ،وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (2) ،و صلى اللّه على محمّد و آله و سلّم كثيرا(3).

ص: 252


1- سورة الأنعام، الآية: 25.
2- سورة الإسراء، الآية: 46.
3- تاريخ دمشق: 218/39.

الآية (60)

[سورة الإسراء (17): آیة 60]

وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً

[215] - في سند الصحيفة السجادية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن أبي حدّثني عن أبيه عن جده عن عليّ عليهم السّلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذته نعسة و هو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة(1) يردّون الناس على أعقابهم القهقرى فاستوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جالسا و الحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرائيل عليه السّلام بهذه الآية وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً يعني بني أمية قال: يا جبرائيل أعلى عهدي يكونون و في زمني ؟

ص: 253


1- نزى بمعنى وثب.

قال: لا و لكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمس و ثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا، ثمّ لا بدّ من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة، قال:

و أنزل اللّه تعالى في ذلك إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر، قال: فأطلع اللّه عزّ و جلّ نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ بني أمية تملك سلطان هذه الأمة، و ملكها طول هذه المدة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه تعالى بزوال ملكهم، و هم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت و بغضنا أخبر اللّه نبيه بما يلقى أهل بيت محمّد و أهل مودّتهم و شيعتهم منهم في أيامهم و ملكهم(1).

قوله تعالى: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً (2)

[216] - في تفسير العياشي و تفسير عليّ بن إبراهيم:

عن علي بن سعيد قال: كنت بمكة فقدم علينا معروف بن

ص: 254


1- الصحيفة السجادية: 14.
2- الإسراء: 60.

خربوذ فقال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: لقي عمر أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا عليّ بلغني أنّك تتأول هذه الآية فيّ و في صاحبي: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ؟

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أفلا اخبرك يا أبا حفص ما نزل في بني أمية ؟ قوله: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ (1).

قال عمر: كذبت يا عليّ، بنو أمية خير منك و أوصل للرحم(2).

[217] - عن أبي الطفيل قال: كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا عليه السّلام يقول و هو على المنبر و ناداه ابن الكوا و هو في مؤخر المسجد فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول اللّه: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ فقال: الأفجران من قريش و من بني أمية(3).

[218] - عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه: و جعل أهل الكتاب القائمين به و العاملين بظاهره و باطنه من شجرة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أي يظهر مثل هذا العلم

ص: 255


1- الإسراء: 60.
2- تفسير القمّيّ: 380/2، و تفسير العياشي: 297/2.
3- تفسير العياشي: 298/2.

لمحتمليه في الوقت بعد الوقت، و جعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور اللّه بأفواههم، و يأبى اللّه إلاّ أن يتم نوره، و لو علم المنافقون لعنهم اللّه ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه(1).

[219] - في كتاب الخصال عن أبي جعفر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه و قد ذكر معاوية بن حرب: و يشترط علي شروطا لا يرضاها اللّه تعالى و رسوله و لا المسلمون، و يشترط في بعضها أن أدفع إليه قوما من أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبرارا فيهم عمار بن ياسر، و أين مثل عمار؟ و اللّه لقد رأيتنا مع النبي و ما بعد منا خمسة إلاّ كان سادسهم، و لا أربعة إلاّ كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم و يصلبهم و انتحل دم عثمان و لعمر اللّه ما ألّب على عثمان(2) و لا جمع الناس على قتله، إلاّ و هو و أشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن(3).

ص: 256


1- كتاب الإحتجاج: 595/1 /محاجة 137.
2- من ألّبهم بتشديد اللام: جمعهم.
3- كتاب الخصال: 379 /ب 7 ح 58.

[220] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث، قال:

إنّ معاوية و ابنه سيليانها بعد عثمان، ثمّ يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحدا بعد واحد تكمّله إثنى عشر إمام ضلالة، و هم الّذين رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على منبره و يردّون الأمّة على أدبارهم القهقرى، عشرة منهم من بني أميّة، و رجلان أسّسا ذلك لهم، و عليهما مثل جميع أوزار الأمّة إلى يوم القيامة(1).

[221] - قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام: إنّ أبي حدّثني، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ صلوات اللّه عليه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذته نعسة و هو على منبره، فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقرى، فاستوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه السّلام بهذه الآية وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً يعني بني أميّة، قال: يا جبرئيل أعلى عهدي يكون و في زمني ؟

ص: 257


1- تفسير الصافي 193:3؛ من لا يحضره الفقيه 627:2 ح 3215.

قال: لا و لكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك، فتلبث بذلك عشرا، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة و ثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا، ثمّ لا بدّ من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها، ثمّ ملك الفراعنة، و أنزل اللّه تعالى في ذلك: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (1) يملكها بنو أميّة ليس فيها ليلة القدر، على آخر ما فيها(2).

ص: 258


1- سورة القدر: 1-3.
2- دار السلام 48:1؛ اثبات الهداة 477:1؛ تفسير نور الثقلين 622:5؛ مفتتح الصحيفة الكاملة: 10.

الآية (64)

[سورة الإسراء (17): آیة 64]

وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ

[222] - في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن اللّه حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء(1) قليل الحياء لا يبالي ما قال، و لا ما قيل له، فإن فتشته لم تجده إلاّ لغية أو شرك شيطان، قيل: يا رسول اللّه و في الناس شرك شيطان ؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أما تقرأ قول اللّه عزّ و جلّ: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ (2).

ص: 259


1- البذيء بمعنى الفحاش أيضا.
2- أصول الكافي: 323/2 /ك الإيمان و الكفر/ب البذاء ح 3.

الآية (70)

[سورة الإسراء (17): آیة 70]

* وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً

[223] - في محاسن البرقي عنه عن بعض أصحابنا عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب أو غيره رفعه قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: اللهم إن هذا من عطائك فبارك لنا فيه و سوّغناه، و اخلف لنا خلفا لما أكلناه أو شربناه، لا من حول منا و لا قوة، و رزقت فأحسنت، فلك الحمد، رب اجعلنا من الشاكرين، و إذا فرغ قال: الحمد للّه الذي كفانا و أكرمنا و حملنا في البر و البحر و رزقنا من الطيبات، و فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد للّه الذي كفانا المؤنة و أسبغ علينا(1).

ص: 260


1- محاسن البرقي: 436/2 ح 278.

قوله تعالى: وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً

[224] - و بإسناده إلى عبد السلام بن صالح الهروي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث طويل يقول فيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

فإن الملائكة لخدامنا و خدام محبينا، يا علي الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الأرض، و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلى معرفة ربنا و تسبيحه [و تهليله] و تقديسه، إن اللّه تبارك و تعالى خلق آدم فأودعنا صلبه و أمر الملائكة بالسجود تعظيما لنا و إكراما، و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبودية و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، و قد سجدوا لآدم كلهم أجمعون(1).

[225] - في كتاب علل الشرائع أبي رحمه اللّه قال حدّثنا سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن

ص: 261


1- كتاب علل الشرائع: 5 /ب 7 ح 1.

الحكم عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم ؟

فقال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:

إن اللّه عزّ و جلّ ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، و ركّب في البهائم شهوة بلا عقل، و ركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، و من غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم(1).

ص: 262


1- كتاب علل الشرائع: 4 /ب 6 ح 1.

الآية (71)

[سورة الإسراء (17): آیة 71]

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ

[226] - في كتاب الخصال بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال: أمرنا أمير المؤمنين عليه السّلام بالمسير إلى المدائن من الكوفة، فسرنا يوم الأحد و تخلّف عمرو بن حريث في سبعة نفر، فخرجوا إلى مكان بالحيرة يسمّى الخورنق، فقالوا نتنزه(1) فإذا كان الأربعاء خرجنا فلحقنا عليا قبل أن يجمع، فبينا هم يتغدون إذ خرج عليهم ضب فصادوه فأخذه عمرو بن حريث فنصب كفه و قال: بايعوا هذا أمير المؤمنين، فبايعه السبعة و عمرو ثامنهم، و ارتحلوا ليلة الأربعاء فقدموا المدائن يوم الجمعة و أمير المؤمنين عليه السلام يخطب و لم يفارق بعضهم بعضا و كانوا جميعا حتى نزلوا على باب المسجد،

ص: 263


1- نزه الرجل: تباعد عن كل مكروه، يقال: خرجنا نتنزه إذا خرجوا إلى البساتين و الخضر و الرياض.

فلما دخلوا نظر إليهم أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أيها الناس إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أسرّ إليّ ألف حديث في كل حديث ألف باب، لكل باب ألف مفتاح، و إني سمعت اللّه جل جلاله يقول: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ و إني أقسم لكم باللّه ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر يدعون بإمامهم و هو ضب، و لو شئت أن أسمّيهم لفعلت، قال: فلقد رأيت عمرو بن حريث سقط كما تسقط السعفة حياء و لؤما(1).

[227] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام و قد ذكر المنافقين و كذلك قوله: سَلامٌ عَلى إِلْياسِينَ (2) لأن اللّه سمّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهذا الإسم حيث قال: يس (1) وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) لعلمه أنهم يسقطون قول (سلام على آل محمد) كما أسقطوا غيره، و كذلك قال: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ و لم يسمّهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و أمهاتهم(4).

ص: 264


1- كتاب الخصال: 644 /ب 1000 ح 26.
2- الصافات: 130.
3- يس: 1-3.
4- كتاب الإحتجاج: 597/1 /المحاجة 137.

[228] - ابن بابويه، قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن علي الشاه الفقيه الرودي برود في داره، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن عبد اللّه النيسابوري، قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن عامر بن سلموية الطائي بالبصرة، قال:

حدّثني أبي في سنة ستّين و مائتين، قال حدّثني عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام سنة أربع و تسعين و مائة بنيسابور، و حدّثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن مروان بن محمّد الخوري، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن زياد الفقيه الخوري بنيسابور، قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه الهروي الشيباني، عن الرضا عليّ بن موسى، و حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد الأسناني (الأشناني) الرازي ببلخ، قال:

حدّثنا علي بن محمّد بن مهروية القزويني، عن داود بن سليمان الفرّاء، عن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام قال:

حدّثني أبي، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال: يدعى كلّ قوم بإمام زمانهم و كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم(1).

ص: 265


1- تفسير السيوطي 194:4.

الآية (72)

[سورة الإسراء (17): آیة 72]

وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً

[229] - في كتاب الخصال عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام: أشد العمى من عمي عن فضلنا أو ناصبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منا، إلاّ أنّا دعوناه إلى الحق، و دعاه من سوانا إلى الفتنة و الدنيا، فأتاهما و نصب البراءة منا و العداوة(1).

ص: 266


1- كتاب الخصال: حديث الأربعمائة/ 633.

الآية (74)

[سورة الإسراء (17): آیة 74]

وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً

[230] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام مجيبا لبعض الزنادقة و قد قال: ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء(1) و انخفاض محله و غير ذلك تهجينه و تأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء، مثل قوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً و الذي بدأ في الكتاب من الإزراء على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قربه الملحدين(2).

ص: 267


1- أزراه: عابه و وضع من حقه.
2- كتاب الإحتجاج: 578/1 /المحاجة 137.

الآية (79)

[سورة الإسراء (17): آیة 79]

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً

[231] - في كتاب التوحيد: عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه و قد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من آيات الكتاب و أما قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً (1) و قوله: وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ (2) و قوله يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (3) و قوله: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ (4) و قوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (5) و قوله: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما

ص: 268


1- سورة النبأ، الآية: 38.
2- سورة الأنعام، الآية: 23.
3- سورة العنكبوت، الآية: 25.
4- سورة ص، الآية: 64.
5- سورة ق، الآية: 28.

كانُوا يَكْسِبُونَ (1) :فإنّ ذلك في مواطن غير واحدة من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة يجمع اللّه عزّ و جلّ الخلائق في مواطن يتفرقون و يكلّم بعضهم بعضا و يستغفر بعضهم لبعض أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا الرؤساء و الأتباع و يلعن بعض أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء و تعاونوا على الاثم و العدوان في دار الدنيا المستكبرين و المستضعفين يكفر بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا. و الكفر في هذه الآية البراءة يقول:

فيبرأ بعضهم من بعض، و نظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ (2) و قول إبراهيم خليل الرّحمن: كَفَرْنا بِكُمْ (3) أي تبرّأنا منكم ثمّ يجتمعون في موطن آخر يبكون فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم، و لتصدعت قلوبهم إلاّ ما شاء اللّه، فلا يزالون يبكون الدم، ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ (4) فيختم اللّه تبارك و تعالى على أفواههم و يستنطق

ص: 269


1- سورة يس، الآية: 65.
2- سورة إبراهيم، الآية: 22.
3- سورة الممتحنة، الآية: 4.
4- سورة الأنعام، الآية: 23.

الأيدي و الأرجل و الجلود، فتشهد بكلّ معصية كانت منهم، ثمّ يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ (1) ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله عزّ و جلّ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ (3(5) وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ (2) فيستنطقون لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً (3) فيقوم الرسل صلوات اللّه عليهم فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (4) ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيكون فيه مقام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو المقام المحمود، فيثني على اللّه تبارك و تعالى بما لم يثن عليه أحد قبله، ثمّ يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلاّ أثنى عليه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد مثله، ثمّ يثني على كلّ مؤمن و مؤمنة يبدأ بالصدّيقين ثمّ الشهداء ثمّ الصالحين، فيحمده أهل السماوات و أهل الأرض و ذلك

ص: 270


1- سورة فصلت، الآية: 21.
2- سورة عبس، الآيات: 34 و 35 و 36.
3- سورة النبأ، الآية: 38.
4- سورة النساء، الآية: 41.

قوله عزّ و جلّ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (1) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ، و ويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظّ و لا نصيب، ثمّ يجتمعون في موطن آخر ويدان بعضهم من بعض؛ و هذا كله قبل الحساب فإذا أخذ في الحساب شغل كلّ انسان بما لديه، نسأل اللّه بركة ذلك اليوم(2).

ص: 271


1- سورة الإسراء، الآية: 79.
2- التوحيد: ب 36 ح 260/5.

الآية (81)

[سورة الإسراء (17): آیة 81]

جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً

[232] - في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى سليمان بن خالد قال: حدّثنا علي بن موسى عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم فتح مكة و الأصنام حول الكعبة، و كانت ثلثمائة و ستين صنما، فجعل يطعنها بمخصرة(1) في يده و يقول: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً و ما يبدئ الباطل و ما يعيد فجعلت تنكبّ لوجهها(2).

ص: 272


1- المخصرة: ما يتوكأ عليه كالعصا.
2- الأمالي: 336 ح 683 مجلس 12.

الآية (85)

[سورة الإسراء (17): آیة 85]

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ

[233] - أبو إسحاق الثعلبي قال: روى أبو الميسرة عمن حدثه عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنه قال: في قوله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ الآية، قال: هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه منها سبعون ألف لسان لكل لسان منها سبعون ألف لغة، يسبّح اللّه عزّ و جلّ بتلك اللغات كلها، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة(1).

ص: 273


1- تفسير الثعلبي: 131/6.

الآية (102)

[سورة الإسراء (17): آیة 102]

لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ

[234] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ قراءة العامة بفتح التاء خطابا لفرعون، و قرأ الكسائي بضم التاء و هي قراءة علي(1).

[235] - أبو إسحاق الثعلبي قال: روى شعبة عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنه قرأها: لقد علمت برفع التاء و قال: و اللّه ما علم عدوا للّه و لكن موسى هو الذي علم، قال: فبلّغت ابن عباس فقال:

إنها لقد علمت تصديقا لقوله: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (2).

ص: 274


1- تفسير الثعلبي: 138/6.
2- تفسير الثعلبي: 139/6.

[236] - روي أن عليا عليه السّلام قال في عَلِمْتَ و اللّه ما علم عدو اللّه، و لكن موسى هو الذي علم فقال: لقد علمت(1).

ص: 275


1- مجمع البيان: 685/6.

الآية (106)

[سورة الإسراء (17): آیة 106]

وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ

[237] - في مجمع البيان وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ الآية، و روي عن علي عليه السّلام فَرَقْناهُ بالتشديد(1).

ص: 276


1- مجمع البيان: 687/6.

الآيتان (110) و (111)

[سورة الإسراء (17): الآیات 110 الی 111]

قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (11(0) وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً

[238] - محمد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر عن السياري عن محمد بن بكر عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: و الذي بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحق، و أكرم أهل بيته، ما من شيء يطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابة من صاحبها أو ضالة أو آبق إلاّ و هو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه، قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن السرق فإنه لا يزال يسرق الشيء بعد الشيء ليلا، فقال:

إقرأ إذا أويت إلى فراشك: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ إلى

ص: 277

قوله: وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً .و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).

انتهى الجزء الرابع و يليه الجزء الخامس و أوله تفسير سورة الكهف

ص: 278


1- أصول الكافي: 624/2 /ك فضل القرآن/ب فضل القرآن ح 21.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.