تفسير أمير المؤمنين عليهم السّلام للقرآن الكريم المجلد 1

هویة الکتاب

تفسير أمير المؤمنين عليه السّلام للقرآن الكريم

مجلدات: 10ج

جمع و تهذيب السيّد علي عاشور

مرکز الشرق الأوسط الثقافي - بیروت - لبنان

ص: 1

اشارة

تفسير أمير المؤمنين عليه السّلام للقرآن الكريم

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

جمیع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر

الطبعة الأولی

1429ه - 2008م

مرکز الشرق الأوسط الثقافي - بیروت - لبنان

ص: 4

تمهيد

معنى التّفسير

في اللغة التّفسير: الإبانة و إماطة اللّثام.

و ليس بمعنى أن في القرآن لثام بل بمعنى إزاحة الجهل من أذهاننا و كشف الحجب عن بصائرنا.

للقرآن أبعاد، بعد عام ميسّر للجميع، ينير الطريق، و يهدي البشريّة إلى سواء السبيل، يستفيد منه الإنسان من مجرد قراءته أو حتى من النظر إلى آياته.

و للقرآن بعد آخر أطلق عليه في الأحاديث إسم «البطون» «بطن القرآن» و هي لا تتجلّى للجميع و لا تقوى كلّ العيون على رؤيتها.

فالتّفسير يعطي القارئ قوة، و يكشف عن بصيرته الحجب.

ص: 5

أول المفسّرين

بدأ التفسير الصحيح للقرآن الكريم في عصر الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل من قبله صلوات اللّه عليه عند ما كان يبيّن الآيات و يشرح معانيها، نعم لم يقم أحد بكتابة هذا التفسير، أو على الأقل لم يصل إلينا.

ثم بعد عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مباشرة قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام بإعداد أول تفسير جامع للقرآن الكريم، تفسير شامل لظواهر القرآن و بواطنه.

و قد أجمع على ذلك المؤرّخون و المفسّرون.

ففي كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال:

حدّثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي قال: حدّثنا ابن فضيل عن أشعث عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلاّ لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن ؟

قال: لا و اللّه، إلاّ أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلاّ لجمعة(1).

ص: 6


1- المصاحف: 16.

و هذا يكشف لنا حقيقة الحديث المتواتر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «أنا مدينة العلم و علي بابها».

و قد حرمت الأمة الإسلامية من هذا التفسير العظيم الشامل لكل العلوم - الأرضية و السماوية، القديمة و الحديثة - و من بركاته التي لو وجدت لحلّت الكثير من المشاكل العلمية، الإجتماعية و السياسية و غيرها.

قال عليه السّلام في بيان ذلك: «في القرآن نبأ ما قبلكم، و خبر ما بعدكم، و حكم ما بينكم »(1).

و قال عليه السّلام: ألا إنّ فيه علم ما يأتي، و الحديث عن الماضي، و دواء دائكم، و نظم ما بينكم(2).

و من هنا أحببنا أن نقوم بتتبع الروايات الشريفة و الأقوال المنقولة عن أمير المؤمنين عليه السّلام المفسّرة للقرآن الكريم - من كتب الفريقين - لعلنا ندرك جزءا بسيطا من هذه العلوم الشريفة.

نعم لا ندّعي أن هذا التفسير الذي بين يديك عزيزي القارئ هو تفسير أمير المؤمنين المفقود، إنما هو مجموعة

ص: 7


1- نهج البلاغة: الحكمة 313، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 220/19.
2- نهج البلاغة: الخطبة 158، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 217/9.

أقوال و روايات رواها المفسّرون و أصحاب التواريخ و المسانيد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، قمنا بجمعها و ترتيبها على سور القرآن الكريم.

***

ص: 8

معاني القرآن

قال في تفسير التبيان: و الذي نقول به: إن معاني القرآن على أربعة أقسام:

أحدها: ما اختص اللّه تعالى بالعلم به، فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه، و لا تعاطي معرفته، و ذلك مثل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ (1).

و مثل قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ.. (2)

إلى آخرها، فتعاطي معرفة ما اختص اللّه تعالى به خطأ.

و ثانيها: ما كان ظاهره مطابقا لمعناه، فكل من عرف اللغة التي خوطب بها، عرف معناها، مثل قوله تعالى:

ص: 9


1- سورة الأعراف، الآية: 187.
2- سورة لقمان، الآية: 34.

وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (1) .

و مثل قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و غير ذلك.

و ثالثها: ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلا. مثل قوله تعالى: أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (2) و مثل قوله: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (3) و قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (4) و قوله: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (5) و ما أشبه ذلك. فإن تفصيل أعداد الصلاة و عدد ركعاتها، و تفصيل مناسك الحج و شروطه، و مقادير النصاب في الزكاة لا يمكن استخراجه إلاّ ببيان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وحي من جهة اللّه تعالى. فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع منه، يمكن أن تكون الأخبار متناولة له.

و رابعها: ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما، و يمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا. فإنه لا ينبغي

ص: 10


1- سورة الأنعام، الآية: 151.
2- سورة البقرة، الآية: 43 و 83 و 110، و سورة النساء، الآية: 77. و سورة الحج، الآية: 78، و سورة النور، الآية: 56، و سورة المجادلة، الآية: 13، و سورة المزمّل الآية 20.
3- سورة آل عمران، الآية: 97.
4- سورة الأنعام، الآية: 141.
5- سورة المعارج، الآية: 24.

أن يقدم أحد به فيقول: إن مراد اللّه فيه بعض ما يحتمل - إلاّ بقول نبي أو إمام معصوم - بل ينبغي أن يقول: إذن الظاهر يحتمل لأمور، و كل واحد يجوز أن يكون مرادا على التفصيل. و اللّه أعلم بما أراد.

و متى كان اللفظ مشتركا بين شيئين، أو ما زاد عليهما، و دل الدليل على أنه لا يجوز أن يريد إلاّ وجها واحدا، جاز أن يقال: إنه هو المراد، و متى قسّمنا هذه الأقسام، نكون قبلنا هذه الأخبار، و لم نردها على وجه يوحش نقلتها و المتمسكين بها، و لا منعنا بذلك من الكلام في تأويل الآية جملة و لا ينبغي لأحد أن ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلا، أو يقلد أحدا من المفسرين، إلاّ أن يكون التأويل مجمعا عليه، فيجب اتباعه لمكان الإجماع، لأن من المفسرين من حمدت طرائقه، و مدحت مذاهبه، كابن عباس، و الحسن، و قتادة، و مجاهد و غيرهم.

و منهم من ذمت مذاهبه، كأبي صالح، و السدي و الكلبي و غيرهم. هذا في الطبقة الأولى. و أما المتأخرون فكل واحد منهم نصر مذهبه، و تأول على ما يطابق أصله، و لا يجوز لأحد أن يقلد أحدا منهم، بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلة الصحيحة: إما العقلية، أو الشرعية، من إجماع عليه،

ص: 11

أو نقل متواتر به، عمن يجب اتباع قوله، و لا يقبل في ذلك خبر واحد، خاصة إذا كان مما طريقه العلم، و متى كان التأويل يحتاج إلى شاهد من اللغة، فلا يقبل من الشاهد إلاّ ما كان معلوما بين أهل اللغة، شائعا بينهم. و أما طريقة الآحاد من الروايات الشاردة، و الألفاظ النادرة فإنه لا يقطع بذلك، و لا يجعل شاهدا على كتاب اللّه و ينبغي أن يتوقف فيه و يذكر ما يحتمله، و لا يقطع على المراد منه بعينه، فإنه متى قطع بالمراد كان مخطئا، و إن أصاب الحق، كما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنه قال تخمينا و حدسا و لم يصدر ذلك عن حجة قاطعة و ذلك باطل بالإتفاق.

و اعلموا أن العرف من مذهب أصحابنا و الشائع من أخبارهم و رواياتهم أن القرآن نزل بحرف واحد، على نبي واحد، غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء و أن الإنسان مخير بأي قراءة شاء قرأ، و كرهوا تجويد قراءة بعينها بل أجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين القراء و لم يبلغوا بذلك حد التحريم و الحظر. و روى المخالفون لنا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» و في بعضها: «على سبعة أبواب» و كثرت في ذلك رواياتهم. لا معنى للتشاغل بايرادها و اختلفوا في تأويل

ص: 12

الخبر، فاختار قوم أن معناه على سبعة معان: أمر، و نهى، و وعد، و وعيد، و جدل، و قصص، و أمثال. و روى ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف: زجر، و أمر، و حلال، و حرام، و محكم، و متشابه، و أمثال».

و روى أبو قلامة عن النبي - صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - أنه قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف: أمر، و زجر، و ترغيب، و ترهيب، و جدل، و قصص، و أمثال».

و قال آخرون: نزل القرآن على سبعة أحرف، أي سبع لغات مختلفة، مما لا يغير حكما في تحليل و تحريم، و مثل. هلم. و يقال من لغات مختلفة، و معانيها مؤتلفة.

و كانوا مخيرين في أول الإسلام في أن يقرأوا بما شاؤوا منها. ثم أجمعوا على حدها، فصار ما أجمعوا عليه مانعا مما أعرضوا عنه.

و قال آخرون: - نزل على سبع لغات من اللغات الفصيحة، لأن القبائل بعضها أفصح من بعض - و هو الذي اختاره الطبري.

و قال بعضهم: - هي على سبعة أوجه من اللغات، متفرقة في القرآن، لأنه لا يوجد حرف قرئ على سبعة أوجه.

ص: 13

و قال بعضهم: وجه الإختلاف في القراءات سبعة:

أولها: اختلاف إعراب الكلمة أو حركة بنائها فلا يزيلها عن صورتها في الكتاب و لا يغير معناها نحو قوله: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (1) بالرفع و النصب وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ ؟(2) بالنصب و النون و هل يجازى إلاّ الكفور؟ بالياء و الرفع و بالبخل(3) و البخل برفع الباء و نصبها. و مَيْسَرَةٍ (4) و ميسرة بنصب السين و رفعها.

و الثاني: الإختلاف في إعراب الكلمة و حركات بنائها مما يغير معناها و لا يزيلها عن صورتها في الكتابة مثل قوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا (5) على الخبر ربنا باعد على الدعاء. و إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ (6) بالتشديد و تلقونه بكسر اللام و التخفيف.

و الوجه الثالث: الإختلاف في حروف الكلمة دون

ص: 14


1- سورة هود، الآية 78.
2- سورة سبأ، الآية 17.
3- سورة النساء، الآية: 37، و سورة الحديد، الآية: 24، و البخل بالرفع مصدر بخل، و البخل بالفتح مصدر بخل.
4- سورة البقرة، الآية: 280.
5- سورة سبأ، الآية: 19.
6- سورة النور، الآية: 15.

إعرابها، و مما يغير معناها و لا يزيل صورتها نحو قوله تعالى:

كَيْفَ نُنْشِزُها (1) بالزاء المعجمة و بالراء غير المعجمة.

الرابع: الاختلاف في الكلمة مما يغير صورتها و لا يغير معناها نحو قوله: إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً (2).

و كالصوف المنفوش و كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (3).

و الخامس: الاختلاف في الكلمة مما يزيل صورتها و معناها نحو: وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (4) و طلع.

السادس: الاختلاف بالتقديم و التأخير نحو قوله: وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (5) و جاءت سكرة الحق بالموت.

السابع: الاختلاف بالزيادة و النقصان نحو قوله: وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ و ما عملته(6) باسقاط الهاء و إثباتها. و نحو قوله: فَإِنَّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (7) و إن اللّه الغني الحميد.

ص: 15


1- سورة البقرة، الآية: 259.
2- سورة يس، الآية: 29-49-53، و سورة ص، الآية: 15.
3- سورة القارعة، الآية: 5.
4- سورة الواقعة، الآية: 29.
5- سورة ق، الآية: 19.
6- سورة الواقعة، الآية: 25.
7- سورة الحديد، الآية: 24.

و هذا الخبر عندنا و إن كان خبرا واحدا لا يجب العمل به، فالوجه الأخير أصلح الوجوه على ما روي عنهم عليهم السّلام من جواز القراءة بما اختلف القراء فيه.

و أما القول الأول فهو على ما تضمنته، لأن تأويل القرآن لا يخرج عن أحد الأقسام السبعة: إما أمر، أو نهي، أو وعد، أو وعيد، أو خبر، أو قصص، أو مثل، و هو الذي ذكره أصحابنا في أقسام تفسير القرآن، فأما ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «ما نزل من القرآن من آية إلاّ و لها ظهر و بطن» و قد رواه أيضا أصحابنا عن الأئمة عليهم السّلام فإنه يحتمل ذلك وجوها:

أحدها: ما روي في أخبارنا عن الصادقين عليهما السّلام و حكي ذلك عن أبي عبيدة أن المراد بذلك القصص بأخبار هلاك الأولين و باطنها عظة للآخرين.

و الثاني: ما حكي عن ابن مسعود أنه قال: ما من آية إلاّ و قد عمل بها قوم و لها قوم يعملون بها.

و الثالث: معناها أن ظاهرها لفظها و باطنها تأويلها.

ذكره الطبري و اختاره البلخي.

و الرابع: ما قاله الحسن البصري: إنك إذا فتشت عن

ص: 16

باطنها و قسته على ظاهرها وقفت على معناها. و جميع أقسام القرآن لا يخلو من ستة: محكم و متشابه و ناسخ و منسوخ و خاص و عام فالمحكم ما أنبأ لفظه عن معناه من غير اعتبار أمر ينضم إليه سواء كان اللفظ لغويا أو عرفيا و لا يحتاج إلى ضروب من التأويل و ذلك نحو قوله:

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها (1) و قوله: وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ (2) و قوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (3) و قوله:

لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ (3) وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) و قوله: وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (5) و قوله: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (6) و نظائر ذلك و المتشابه ما كان المراد به لا يعرف بظاهره بل يحتاج إلى دليل و ذلك ما كان محتملا لأمور كثيرة أو أمرين، و لا يجوز أن يكون الجميع مرادا، فإنه من باب المتشابه.

و إنما سمي متشابها لاشتباه المراد منه بما ليس بمراد

ص: 17


1- سورة البقرة، الآية: 286.
2- سورة الأنعام، الآية: 151.
3- سورة الاخلاص، الآية: 1.
4- سورة الإخلاص، الآية: 3 و 4.
5- سورة فصّلت، الآية: 46.
6- سورة الذاريات، الآية: 56.

و ذلك نحو قوله: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ (1).

و قوله: وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ (2) و قوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا (3) و قوله يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ (4) و قوله: فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ (5)وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ (6).

و نظائر ذلك من الآيات المراد منها غير ظاهرها.

فإن قيل: هلاّ كان القرآن كله محكما يستغنى بظاهره عن تكلف ما يدل على المراد منه حتى دخل على كثير من المخالفين للحق شبهة فيه و تمسكوا بظاهره على ما يعتقدونه من الباطل ؟ أتقولون إن ذلك لم يكن مقدورا له تعالى ؟ فهذا هو القول بتعجيزه! أو تقولون هو مقدور له و لم يفعل ذلك فلم لم يفعله ؟ قيل الجواب على ذلك من وجهين: أحدهما:

إن خطاب اللّه تعالى - مع ما فيه من الفوائد - المصلحة معتبرة في ألفاظه فلا يمتنع أن تكون المصلحة الدينية تعلقت

ص: 18


1- سورة الزمر، الآية: 56.
2- سورة الزمر، الآية: 67.
3- سورة القمر، الآية: 14.
4- سورة الرعد، الآية: 27، و سورة إبراهيم، الآية: 4، و سورة فاطر، الآية: 8.
5- سورة محمد، الآية: 23.
6- سورة التوبة، الآية: 87.

بأن يستعمل الألفاظ المحتملة و يجعل الطريق إلى معرفة المراد به ضربا من الإستدلال و لهذه العلة أطال في موضع و أسهب و اختصر في آخر و أوجز و اقتصر و ذكر قصة في موضع و أعادها في موضع آخر و اختلفت أيضا مقادير الفصاحة فيه و تفاضلت مواضع منه بعضه على بعض.

و الجواب الثاني: إن اللّه تعالى إنما خلق عباده تعريضا لثوابه و كلفهم لينالوا أعلى المراتب و أشرفها و لو كان القرآن كله محكما لا يحتمل التأويل و لا يمكن فيه الإختلاف لسقطت المحنة و بطل التفاضل و تساوت المنازل و لم تبن منزلة العلماء من غيرهم. و أنزل اللّه القرآن بعضه متشابها ليعمل أهل العقل أفكارهم و يتوصلوا بتكلف المشاق و النظر و الإستدلال إلى فهم المراد فيستحقوا به عظيم المنزلة و عالي الرتبة فإن قيل: كيف تقولون، إن القرآن فيه محكم و متشابه، و قد وصفه اللّه تعالى بأنه أجمع محكم ؟ و وصفه في مواضع أخر بأنه متشابه و ذكر في موضع آخر أن بعضه محكم، و بعضه متشابه - كما زعمتم - و ذلك نحو قوله: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ (1) و قال في موضع آخر: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ

ص: 19


1- سورة هود، الآية: 1.

كِتاباً مُتَشابِهاً (1) و قال في موضع آخر هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ (2) و هل هذا إلا ظاهر التناقض ؟

قلنا: لا تناقض في ذلك، لأن وصفه محكم كله، المراد به أنه بحيث لا يتطرق عليه الفساد و التناقض و الإختلاف و التباين و التعارض، بل لا شيء منه إلاّ و هو في غاية الإحكام - إما بظاهره أو بدليله، على وجه لا مجال للطاعنين عليه. و وصفه بأنه متشابه أنه يشبه بعضه بعضا في باب الأحكام الذي أشرنا إليه، و أنه لا خلل فيه و لا تباين و لا تضاد و لا تناقض. و وصفه بأن بعضه محكم، و بعضه متشابه ما أشرنا إليه، من أن بعضه ما يفهم المراد بظاهره فيسمى محكما و منه ما يشتبه المراد منه بغيره و إن كان على المراد و الحق منه دليل فلا تناقض في ذلك بحال.

معنى الناسخ

و أما الناسخ فهو كل دليل شرعي يدل على زوال مثل

ص: 20


1- سورة الزمر، الآية: 23.
2- سورة آل عمران، الآية: 7.

الحكم الثابت بالنص الأول في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الأول مع تراخيه عنه. اعتبرنا دليل الشرع لأن دليل العقل إذا دل على زوال مثل الحكم الثابت بالنص الأول لا يسمى نسخا.

ألا ترى أن المكلف للعبادات، إذا عجز أو زال عقله، زالت عنه العبادة بحكم العقل، و لا يسمى ذلك الدليل ناسخا؟ و اعتبرنا الزوال مثل الحكم، و لم نعتبره الحكم نفسه لأنه لا يجوز أن ينسخ نفس ما أمر به، لأن ذلك يؤدي إلى البداء.

و إنما اعتبرنا أن يكون الحكم ثابتا بنص شرعي، لأن ما ثبت بالعقل إذا أزاله الشرع لا يسمى بأنه نسخ حكم العقل. ألا ترى أن الصلاة و الطواف لو لا الشرع لكان قبيحا فعله في العقل، و إذ أورد الشرع بهما لا يقال نسخ حكم العقل ؟ و اعتبرنا مع تراخيه عنه لأن ما يقترن به لا يسمى نسخا و ربما يكون تخصيصا إن كان اللفظ عاما أو مقيدا إن كان اللفظ خاصا ألا ترى أنه لو قال: اقتلوا المشركين إلاّ اليهود لم يكن قوله إلاّ اليهود نسخا لقوله اقتلوا المشركين ؟ و كذا لو قال: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر فقيد بهذه الغاية لا يقال لما بعدها نسخ. و كذا لما قال في آية الزنا:

ص: 21

فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (1) .

لا يقال لما زاد عليه منسوخ لأنه مقيد في اللفظ و النسخ يصح دخوله في الأمر و النهي بلا خلاف. و الخبر إن تناول ما يصح تغييره عن صفة جاز دخول النسخ فيه لأنه في معنى الأمر.

ألا ترى أن قوله: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2) خبر؟ و قوله وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ (3) أيضا خبر؟ و كذلك قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (4) خبر، و مع ذلك يصح دخول النسخ فيه فأما ما لا يصح تغييره عن صفة فلا يصح دخول النسخ فيه، نحو الإخبار عن صفات اللّه تعالى، و صفات الأجناس لم يصح عليه التغيير، لم يصح فيه النسخ حيث إن العبارة بالإخبار عنه بأنّه قادر، عالم، سميع بصير، لا يصح النسخ فيه، لأنه يمتنع دخول النسخ في الإخبار - إن كان الخبر لا يصح تغييره في نفسه -. و لا يخلو النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة:

ص: 22


1- سورة النور، الآية: 2.
2- سورة آل عمران، الآية: 97.
3- سورة البقرة، الآية: 228.
4- سورة آل عمران، الآية: 97.

أحدها: نسخ حكمه دون لفظه، كآية العدة في المتوفى عنها زوجها المتضمنة للسنة(1) فإن الحكم منسوخ و التلاوة باقية، و كآية النجوى (2) ،و آية وجوب ثبات الواحد للعشرة (3) ،فإن الحكم مرتفع، و التلاوة باقية و هذا يبطل قول من منع جواز النسخ في القرآن لأن الموجود بخلافه.

و الثاني: ما نسخ لفظه دون حكمه، كآية الرجم فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه، و الآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف و هي قوله: (و الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من اللّه و اللّه عزيز حكيم).

الثالث: ما نسخ لفظه و حكمه، و ذلك نحو ما رواه المخالفون عن عائشة: أنه كان فيما أنزل اللّه أن عشر رضعات تحرمن، و نسخ ذلك بخمس عشرة فنسخت التلاوة و الحكم.

ص: 23


1- سورة البقرة، الآية: 240.
2- سورة المجادلة، الآية: 12.
3- سورة الانفال، الآية: 65.

و أما الكلام في شرائط النسخ، فما يصح منها و ما لا يصح و ما يصح أن ينسخ به القرآن، و ما لا يصح أن ينسخ به، و قد ذكرنا في كتاب العدة - في أصول الفقه - و لا يليق ذلك بهذا المكان. و حكى البلخي في كتاب التفسير فقال: (قال قوم - ليسوا ممن يعتبرون و لكنهم من الأمة على حال - أن الأئمة المنصوص عليهم - بزعمهم - مفوض إليهم نسخ القرآن و تدبيره، و تجاوز بعضهم حتى خرج من الدين بقوله: إن النسخ قد يجوز على وجه البداء و هو أن يأمر اللّه عزّ و جلّ عندهم بالشيء و لا يبدو له، ثم يبدو له فيغيره، و لا يريد في وقت أمره به أن يغيره هو و يبدله و ينسخه، لأنه عندهم لا يعلم الشيء حتى يكون، إلاّ ما يقدره فيعلمه علم تقدير، و تعجرفوا فزعموا أن ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة) و أظن أنه عنى بهذا أصحابنا الإمامية، لأنه ليس في الأمة من يقول بالنص على الأئمة عليهم السّلام سواهم، فإن كان عناهم فجميع ما حكاه عنهم باطل و كذب عليهم، لأنهم لا يجيزون النسخ على أحد من الأئمة عليهم السّلام و لا أحد منهم يقول بحدوث العلم و إنما يحكى عن بعض من تقدم من شيوخ المعتزلة - كالنظّام و الجاحظ و غيرهما - و ذلك باطل، و كذلك لا يقولون: إن المتأخر ينسخ المتقدم إلاّ

ص: 24

بالشرط الذي يقوله جميع من أجاز النسخ، و هو أن يكون بينهما تضاد و تناف لا يمكن الجمع بينهما، و أما على خلاف ذلك فلا يقوله محصل منهم.

و الوجه في تكرير القصة بعد القصة في القرآن، أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة فلو لم تكن الأنباء و القصص مكررة، لوقعت قصة موسى إلى قوم و قصة عيسى إلى قوم، و قصة نوح إلى قوم آخرين، فأراد اللّه بلطفه و رحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض و يلقيها في كل سمع، و يثبتها في كل قلب، و يزيد الحاضرين في الإفهام و تكرار الكلام من جنس واحد، و بعضه يجري على بعض، كتكراره في: سورة الكافرون، و سورة المرسلات، و سورة الرحمن، فالوجه فيه، أن القرآن نزل بلسان القوم، و مذهبهم في التكرار - إرادة للتوكيد و زيادة في الإفهام - معروف، كما أن من مذهبهم الإيجاز و الاختصار إرادة للتخفيف و ذلك أن افتنان المتكلم و الخطيب في الفنون، و خروجه من شيئ إلى شيئ، أحسن من اقتصاره من المقام على فن واحد.

و قد يقول قائل: و اللّه لأفعله ثم و اللّه لأفعله، إذا أراد التوكيد كما يقول: أفعله بحذف اللام إذا أراد الإيجاز

ص: 25

قال اللّه تعالى: كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (1) ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (2) و قال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (3).

و قال اللّه تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (3(4) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (3) و قال: ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (1(7) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (4).

كل هذا يراد به التوكيد. و قد يقول قائل لغيره: أعجل أعجل و للرامي إرم إرم. قال الشاعر:

كم نعمة كانت لكم *** كم و كم و كم

و قال آخر:

هلاّ سألت جموع كن *** دة يوم ولوا أين أينا

و قال عوف بن الخزرج:

و كادت فزارة تصلى بنا *** فأولى فزار فأولى فزار

فأما تكرار معنى واحد بلفظين مختلفين، كقوله:

«اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» و قوله: «يسمع سرهم و نجواهم» و النجوى

ص: 26


1- سورة القيامة، الآيتان: 34 و 35.
2- سورة التكاثر، الآيتان: 3 و 4.
3- سورة الشرح، الآيتان: 5 و 6.
4- سورة الانفطار، الآيتان: 17 و 18.

هو السر، فالوجه فيه ما ذكرنا من أن عادة القوم، تكرير المعنى بلفظين مختلفين، إتساعا في اللغة، كقول الشاعر:

كذبا و مينا. و هما بمعنى واحد.

و قول الآخر:

لمياء في شفتيها حوة لعس *** و في اللثات و في أنيابها شنب

و اللمى: سواد في الشفتين و الحوة و اللعس كلاهما سواد الشفتين، و كرر لاختلاف اللفظ، و الشنب: تحزز في الأنياب كالمنشار، و هو نعت لها، و رحمن و رحيم، سنبين القول فيهما فيما بعد، و قوله: فَغَشّاها ما غَشّى (1) و قوله:

فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (2) و قوله: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ (3) على ما قلناه من التوكيد، كما يقول القائل: كلّمته بلساني، و نظرت إليه بعيني، و يقال بين زيد و بين عمرو، و إنما البين واحد، و المراد بين زيد و عمرو. قال الشاعر أوس بن الحجر:

ألم تكسف الشمس شمس النها *** ر مع النجم و القمر الواجب(4)

ص: 27


1- سورة النجم، الآية: 54.
2- سورة طه، الآية: 78.
3- سورة الأنعام، الآية: 38.
4- الواجب: الغائب.

و الشمس لا تكون إلاّ بالنهار، فأكد ذكرنا هذه الجملة تنبيها عن الجواب عما لم نذكره، و لعلنا نستوفيه فيما بعد إذا جرى ما يقتضي ذكره و لو لا عناد الملحدين، و تعجرفهم، لما احتيج إلى الإحتجاج بالشعر و غيره للشيئ المشتبه في القرآن، لأن غاية ذلك أن يستشهد عليه ببيت شعر جاهلي، أو لفظ منقول عن بعض الأعراب، أو مثل سائر عن بعض أهل البادية. و لا تكون منزلة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - و حاشاه من ذلك - أقل من منزلة واحد من هؤلاء. و لا ينقص عن رتبة النابغة الجعدي، و زهير بن كعب و غيرهما.

و من طرائف الأمور أن المخالف إذا أورد عليه شعر من ذكرناه، و من هو دونهم سكنت نفسه، و اطمأن قلبه، و هو لا يرضى بقول محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مهما شك الناس في نبوته، فلا مرية في نسبه، و فصاحته، فإنه نشأ بين قومه الذين هم الغاية القصوى في الفصاحة، و يرجع إليهم في معرفة اللغة.

و لو كان المشركون من قريش و غيرهم وجدوا متعلقا عليه في اللحن و الغلط و المناقضة، لتعلقوا به، و جعلوه حجة و ذريعة إلى إطفاء نوره و إبطال أمره، و استغنوا بذلك عن تكلف ما تكلفوه من المشاق في بذل النفوس

ص: 28

و الأموال. و لو فعلوا ذلك لظهر و اشتهر، و لكن حب الإلحاد و الإستثقال لتحمل العبادات، و الميل إلى الفواحش أعماهم و أصمهم، فلا يدفع أحد من الملحدين - و إن جحدوا نبوته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - أنه أتى بهذا القرآن، و جعله حجة لنفسه، و قرأه على العرب، و قد علمنا أنه ليس بأدون الجماعة في الفصاحة و كيف يجوز أن يحتج بشعر الشعراء عليه، و لا يجوز أن يحتج بقوله عليهم ؟ و هل هذا إلاّ عناد محض، و عصبية صرف!

و إنما يحتج علماء الموحدين بشعر الشعراء و كلام البلغاء، اتساعا في العلم، و قطعا للشغب، و إزاحة للعلة، و إلا فكان يجب ألا يلتفت إلى جميع ما يطعن على عليّ عليه السّلام، لأنهم ليسوا بأن يجعلوا عيارا عليه بأولى من أن يجعل هو عليه السّلام عيارا عليهم.

و روي عن ابن مسعود، أنه قال: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، و العمل بهن»

و روي أنه استعمل علي عليه السّلام عبد اللّه بن العباس على الحج فخطب خطبة لو سمعها الترك و الروم لأسلموا ثم قرأ

ص: 29

عليهم سورة النور - و روي سورة البقرة - ففسرها فقال رجل: «لو سمعت هذا الديلم لأسلمت».

و يروى عن سعيد بن الجبير، أنه من قرأ القرآن ثم لم يفسره كان كالأعجمي أو الأعرابي(1).

***

ص: 30


1- انظر تفسير التبيان: 25/1.

في ذكر أسماء القرآن، و تسمية السور و الآيات

سمّى اللّه تعالى القرآن بأربعة أسماء: سمّاه قرآنا في قوله تعالى: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (1) و في قوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (2) و غير ذلك من الآي و سمّاه فرقانا في قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (3) و سمّاه الكتاب في قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً (4) و سمّاه الذّكر في قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ (5).

ص: 31


1- سورة الزخرف، الآية: 3.
2- سورة البقرة، الآية: 185.
3- سورة الفرقان، الآية: 1.
4- سورة الكهف، الآية: 1.
5- سورة الحجر، الآية: 9.

و تسميته بالقرآن تحتمل أمرين:

أحدهما: ما روي عن ابن عباس، أنه قال: (هو مصدر قرأت قرآنا) أي تلوته، مثل: غفرت غفرانا، و كفرت كفرانا.

و الثانى: ما حكي عن قتاده، أنه قال: هو مصدر قرأت الشيء إذا جمعت بعضه إلى بعض.

قال عمرو بن كلثوم

ذراعي عيطل(1) *** أدماء(2) بكر هجان(3) اللون لم تقرأ جنينا

أي لم تضم جنينها في رحمها. و قال قطرب في معناه قولان أحدهما هذا و عليه أكثر المفسرين، و قال قولا آخر معناه لفظت به مجموعا، و قال معنى البيت أيضا أي لم تلقه مجموعا. و تفسير ابن عباس أولى، لأن قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ (1(7) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (4).

و الوجه المختار أن يكون المراد: و إذ تلوناه عليك، و بيّناه لك، فاتّبع تلاوته. و لو حملناه على الجمع - على

ص: 32


1- العيطل: الطويلة العنق.
2- أدماء: سمراء.
3- هجان: بياض.
4- سورة القيامة، الآيتان: 17-18.

ما قال قتاده - لكان يجب ألا يلزم اتباع آية آية من القرآن النازلة في كل وقت، و كان يقف وجوب الإتباع على حين الجمع، لأنه علقه بذلك على هذا القول، لأنه قال: «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» يعني جمعناه على ما قالوه فاتبع قرآنه، و كان يقف وجوب الإتباع على تكامل الجميع، و ذلك خلاف الإجماع، فالأول أولى.

فإن قيل: كيف يسمي القراءة قرآنا، و إنما هو مقروء؟.

قلنا: سمي بذلك كما يسمى المكتوب كتابا، بمعنى:

كتاب الكاتب.

قال الشاعر في صفة طلاق كتبة لامرأته:

تؤمل رجعة مني و فيها *** كتاب مثل ما لصق الغراء

يعني طلاقا مكتوبا.

و تسميته بأنه فرقان، لأنه يفرق بين الحق و الباطل.

و الفرقان هو الفرق بين الشيئين. و إنما يقع الفرق بين الحق و الباطل بأدلته الدالة على صحة الحق، و بطلان الباطل.

و تسميته بالكتاب لأنه مصدر من قولك، كتبت كتابا، كما تقول قمت قياما. و سمي كتابا و إنما هو مكتوب، كما قال الشاعر في البيت المتقدم.

ص: 33

و الكتابة مأخوذة من الجمع في قولهم: كتبت السقاء إذا جمعته بالخرز قال الشاعر:

لا تأمنن فزاريا خلوت به *** على قلوصك فاكتبها بأسيار(1)

و الكتبة، الخرزة.

و كلما ضممت بعضه إلى بعض على وجه التقارب فقد كتبته و الكتيب(2) من الجيش، من هذا لانضمام بعضها إلى بعض.

و تسميته بالذّكر، و يحتمل أمرين: أحدهما - أنه ذكر من اللّه تعالى ذكّر به عباده، فعرّفهم فيه فرائضه، و حدوده.

و الآخر - أنه ذكر و شرف لمن آمن به و صدق بما فيه.

كقوله وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (3).

و أما السورة - بغير همز - فهي منزلته من منازل الإرتفاع، و من ذلك سور المدينة سمي بذلك - الحائط الذي يحويها لارتفاعه عما يحويه، غير أن سور المدينة لم يجمع سورا، و سورة القرآن تجمع سورا. و هذه أنسب بتسميته سور القرآن سورة.

ص: 34


1- أسيار ج سير: قدّة من الجلد مستطيلة.
2- و الكتيبة.
3- سورة الزخرف، الآية: 44.

قال النابغة:

ألم تر أن اللّه أعطاك سورة *** يرى كل ملك دونها يتذبذب

يعني منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها الملوك.

و أما من همز السورة من القرآن، فإنه أراد به القطعة التي انفصلت من القرآن و أبقيت و سؤر كل شي بقيته. يقال أسأرت في الإناء أي أبقيت فيه.

قال الأعشى بن ثعلبة، يصف امرأة:

فبانت و قد أسأرت في الفؤا *** د صدعا على نأيها مستطارا

و تسمية الآية بأنها آية، يحتمل وجهين أحدهما - لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها، و منه قوله تعالى - أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ (1) يعني علامة لإجابتك دعاءنا. و الآخر أن الآية القصة و الرسالة.

قال كعب بن زهير:

ألا أبلغا هذا المعرض آية *** أيقظان قال القول إذا قال أم حلم

يعني رسالة فيكون معنى الآيات القصص، قصة تتلو

ص: 35


1- سورة المائدة، الآية: 114.

قصة. روى واثلة بن الأصقع أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، و أعطيت مكان الزبور المئين، و أعطيت مكان الإنجيل، المثاني، و فضلت بالمفصل) فالسبع الطوال 1 - البقرة 2 - آل عمران 3 - النساء 4 - المائدة 5 - الأنعام 6 - الأعراف 7 - يونس.

في قول سعيد بن جبير. و روي مثل ذلك عن ابن عباس قال: و سميت السبع الطوال، لطولها على سائر القرآن.

و أما المئون، فهو كل سورة تكون مائة آية أو يزيد عليها شيئا يسيرا، أو ينقص عنها شيئا يسيرا. و أما المثاني فهي ما ثنّت المئين، فتلاها. فكان المئون لها أوائل، و كان المثاني لها ثوان. و قيل إنها سميت بذلك، لتثنية اللّه فيها الأمثال، و الحدود، و القرآن، و الفرائض و هو قول ابن عباس.

و قال قوم: (المثاني سورة الحمد، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة).

و به قال الحسن البصري، و هو المروي في أخبارنا، قال الشاعر:

حلفت بالسبع اللواتي طوّلت *** و بمئين بعدد قد أميت

ص: 36

و بثمان ثنّيت و كرّرت *** و بالطواسين التي قد تليت

و بالحواميم التي قد سبّعت و بالمفصل اللواتي فصّلت

و سميت المفصل مفصلا، لكثرة الفصول بين سورها ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و سمي المفصل محكما، لما قيل إنها لم تنسخ.

و قال أكثر أهل العلم (أول المفصل من سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى سورة الناس).

و قال آخرون (من سورة «ق»، إلى سورة «الناس»).

و قالت فرقة ثالثة - و هو المحكي عن ابن عباس - إنه من سورة الضحى إلى الناس. و كان يفصل من الضحى بين كل سورتين بالتكبير، و هو قراءة ابن كثير.

و إن قيل: ما وجه الحكمة في تفصيل القرآن على السور؟

قيل: فيه وجوه من الجواب:

أحدها - أن القارئ، إذا خرج من فن إلى فن كان أحلى في نفسه و أشهى لقراءته.

و منها - أن جعل الشي مع شكله، و ما هو أولى به هو الترتيب الذي يعمل عليه.

ص: 37

و منها - أن الإنسان قد يضعف عن حفظ الجميع، فيحفظ سورة تامة و يقتصر عليها، و قد يكون ذلك سببا يدعوه إلى غيرها.

و منها - أن التفصيل أبين، إذ كان الإشكال مع الإختلاط و الإلتباس أكثر.

و منها - أنّ كلما ترقى إليه درجة درجة و منزلة منزلة كانت القوة عليه أشد، و الوصول إليه أسهل، و إنما السورة منزلة يرتفع منها إلى منزلة(1).

***

ص: 38


1- تفسير التبيان: 30/1.

ما رواه أمير المؤمنين عليه السّلام عن القرآن

وصف القرآن

[1] - عنه عليه السّلام: في صفة القرآن -: جعله الله ريّا لعطش العلماء، و ربيعا لقلوب الفقهاء، و محاجّ لطرق الصّلحاء، و دواء ليس بعده داء، و نورا ليس معه ظلمة(1).

[2] - عنه عليه السّلام: إعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، و الهادي الذي لا يضلّ، و المحدّث الذي لا يكذب، و ما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، أو نقصان من عمى(2).

[3] - عنه عليه السّلام: إنّ اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل

ص: 39


1- نهج البلاغة: الخطبة 198، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 199/10.
2- نهج البلاغة: الخطبة 176، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 18/10.

هذا القرآن، فإنّه حبل اللّه المتين و سببه الأمين، و فيه ربيع القلب، و ينابيع العلم، و ما للقلب جلاء غيره(1).

[4] - عنه عليه السّلام: فالقرآن آمر زاجر، و صامت ناطق، حجّة اللّه على خلقه، أخذ عليهم ميثاقه، و ارتهن عليهم أنفسهم(2).

[5] - عنه عليه السّلام: أفضل الذّكر القرآن، به تشرح الصّدور، و تستنير السّرائر(3).

[6] - عنه عليه السّلام: فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته(4).

[7] - عنه عليه السّلام: القرآن أفضل الهدايتين(5).

[8] - عنه عليه السّلام: اللّه اللّه في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم(6).

[9] - عنه عليه السّلام: كتاب اللّه تبصرون به، و تنطقون به،

ص: 40


1- نهج البلاغة: الخطبة 176، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 31/10.
2- نهج البلاغة: الخطبة 183، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 115/10.
3- غرر الحكم: 3255.
4- نهج البلاغة: الخطبة 147، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 103/9.
5- غرر الحكم: 1664.
6- نهج البلاغة: الكتاب 47.

و تسمعون به، و ينطق بعضه ببعض، و يشهد بعضه على بعض، و لا يختلف في اللّه، و لا يخالف بصاحبه عن اللّه(1).

[10] - في نهج البلاغة: «و هذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين الدّفّتين، لا ينطق بلسان، و لا بدّ له من ترجمان، و إنّما ينطق عنه الرجال »(2).

[11] - في نهج البلاغة: قال عليه السّلام من قرأ القرآن فمات فدخل النّار فهو ممن كان يتخذ آيات اللّه هزوا(3).

[12] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: و تعلّموا القرآن فإنه أحسن الحديث، و تفقّهوا فيه فإنه ربيع القلوب، و استشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور(4).

[13] - في نهج البلاغة: و لن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، و لن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله، فإنهم عيش العلم، و موت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم،

ص: 41


1- نهج البلاغة: الخطبة 133.
2- نهج البلاغة: الخطبة 125. و فيه مستور بدل مسطور.
3- نهج البلاغة: قصار الحكم 228 /ص 508.
4- نهج البلاغة: خطبة 110.

و صمتهم عن منطقهم(1) و ظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدّين و لا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق و صامت ناطق(2).

[14] - في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ذكر حديثا طويلا يقول فيه: فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع، و قائل مصدّق، و من جعله أمامه قاده إلى الجنّة و من جعله خلفه ساقه إلى النّار، و هو الدليل يدل على خير سبيل، و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل، و هو الفصل ليس بالهزل و له ظهر و بطن، فظاهره حكم و باطنه علم، ظاهره أنيق و باطنه عميق، له تخوم و على تخومه تخوم(3) لا تحصى عجائبه و لا تبلى غرائبه، مصابيح الهدى و منار الحكمة، و دليل على المغفرة لمن عرف الصفة(4).

[15] - في إرشاد المفيد: عن عليّ عليه السّلام أنّه قال في

ص: 42


1- و لذلك قيل: صمت العارف أبلغ من نطق غيره.
2- نهج البلاغة: خطبة 147.
3- الأنيق. الحسن المعجب. و التخوم جمع تخم - بالفتح: منتهى الشيء.
4- أصول الكافي: 598/2 /ك فضل القرآن ح 2 باختلاف يسير في المطبوع.

أثناء كلام طويل: «و أمّا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفتين، لا ينطق و إنّما تتكلّم به الرجال »(1).

[16] - في أصول الكافي علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام قال: شكا رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجعا في صدره، فقال: إستشف بالقرآن فإن اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ (2).

[17] - علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام قال أمير المؤمنين عليه السّلام:... لا تحصى عجائبه، و لا تبلى غرائبه، مصابيح الهدى و منار الحكمة(3).

[18] - في كتاب الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: سبعة لا يقرأون القرآن: الراكع و الساجد و في الكنيف و في الحمام و الجنب و النفساء و الحائض(4).

ص: 43


1- إرشاد المفيد: 270/1.
2- الكافي: 600/2 ح 7.
3- الكافي: 599/2 ح 2.
4- كتاب الخصال: 357 /ب 7 ح 42.

[19] - محمد بن يحيى عن بعض أصحابه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أيها الناس إنّ اللّه تبارك و تعالى أرسل إليكم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن قال: فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأولى و تصديق الذي بين يديه، و تفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لكم، أخبركم عنه أنّ فيه علم ما مضى و علم ما يأتي إلى يوم القيامة، و حكم ما بينكم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلّمتكم(1),(2).

[20] - في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام و فيها: ثم إن أحسن القصص و أبلغ الموعظة و أنفع التذّكر كتاب اللّه عزّ ذكره(3).

[21] - في البحار نقلا عن غيبة النعماني عن أمير المؤمنين عليه السّلام: كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، و قد ضربوا الفساطيط، يعلّمون الناس القرآن كما أنزل(4).

ص: 44


1- و في نسخة (لأخبرتكم) و المختار هو الموافق للمصدر أيضا.
2- أصول الكافي: 60/1 /ك فضل العلم ب الرد إلى الكتاب ح 7.
3- روضة الكافي: 173/8 ح 194 /ب 8.
4- بحار الأنوار: 364/52 باب 27 ذيل ح 139.

[22] - عنه عليه السّلام كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما أنزل. قال أصبغ بن نباتة:

قلت يا أمير المؤمنين، أوليس هو كما أنزل ؟ قال: لا.

محي منه سبعون من قريش بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما ترك أبو لهب إلاّ للإزراء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنه عمّه(1).

[23] - عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ألا أخبركم بالفقيه حقا؟ قالوا:

بلى يا أمير المؤمنين. قال عليه السّلام: من لم يقنط الناس من رحمة اللّه، و لم يؤمّنهم من عذاب اللّه، و لم يرخّقص لهم في معاصي اللّه، و لم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه(2).

تعظيم القرآن

[24] - في كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال: حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل

ص: 45


1- بحار الأنوار: 364/52 باب 27 ذيل ح 139
2- بحار الأنوار: ج 89، ص 210 (معاني الأخبار).

الأحمسي قال: حدّثنا وكيع عن عبد الملك بن شداد الأسدي عن عبيد اللّه بن سليمان العبدي عن أبي حكيمة قال: كان علي عليه السّلام يمرّ علينا و نحن بالكوفة نكتب المصاحف، فيقوم فينظر إلينا و يعجبه خطنا، فقال: أجل قلمك، فقططت القلم، فقال: هكذا نوّروا ما نوّر اللّه(1).

[25] - في كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال: حدّثنا عبد اللّه، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم حدّثنا أبو داود، حدّثنا أبو بكر بن عياش، حدّثنا عن الأعمش عن إبراهيم أنّ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كان يكره أن يكتب القرآن في الشيء الصغير(2).

[26] - في كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال: حدّثنا عبد اللّه، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا سعد بن الصلط، حدّثنا الأعمش عن إبراهيم عن علي رضي اللّه قال: لا تكتب المصاحف صغارا(3).

ص: 46


1- المصاحف: 145.
2- المصاحف: 151.
3- المصاحف: 152.

القرآن إمام و رحمة

[27] - عنه عليه السّلام: إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحقّ، و لا أظهر من الباطل... فالكتاب و أهله في ذلك الزّمان في الناس و ليسا فيهم، و معهم و ليسا معهم، لأنّ الضّلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا، فاجتمع القوم على الفرقة، و افترقوا على الجماعة، كأنّهم أئمّة الكتاب و ليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلاّ اسمه، و لا يعرفون إلاّ خطّه و زبره(1) و(2).

القرآن أحسن الحديث

[28] - عنه عليه السّلام: إنّ أحسن القصص و أبلغ الموعظة و أنفع التّذكّر كتاب اللّه جلّ و عزّ(1).

[29] - عنه عليه السّلام: تعلّموا كتاب اللّه تبارك و تعالى؛ فإنّه أحسن الحديث و أبلغ الموعظة، و تفقّهوا فيه فإنّه ربيع

ص: 47


1- الكافي: 194/175/8.

القلوب، و استشفوا بنوره فإنّه شفاء لما في الصّدور، و أحسنوا تلاوته فإنّه أحسن القصص(1)غرر الحكم: 2543.(2).

[30] - عنه عليه السّلام: أحسنوا تلاوة القرآن فإنّه أنفع القصص، و استشفوا به فإنّه شفاء الصّدور(2).

القرآن في كلّ زمان جديد

[31] - عنه عليه السّلام: لا تخلقه كثرة الرّدّ و ولوج السّمع(3).

القرآن شفاء من أكبر داء

[32] - عنه عليه السّلام: إنّ فيه شفاء من أكبر الداء، و هو الكفر و النّفاق، و الغيّ و الضّلال(4).

[33] - عنه عليه السّلام: عليكم بكتاب اللّه؛ فإنّه الحبل

ص: 48


1- و
2- تحف العقول: 150. الزّبر: الكتابة.
3- نهج البلاغة: الخطبة 156، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 203/9.
4- نهج البلاغة: الخطبة 176، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19/10.

المتين، و النور المبين، و الشّفاء النافع... من قال به صدق، و من عمل به سبق(1).

القرآن غنى لا غنى دونه

[34] - عنه عليه السّلام: إعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، و لا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، و استعينوا به على لأوائكم(2).

ما في القرآن من العلوم و الأخبار

[35] - عنه عليه السّلام: في القرآن نبأ ما قبلكم، و خبر ما بعدكم، و حكم ما بينكم(3).

[36] - عنه عليه السّلام: ألا إنّ فيه علم ما يأتي، و الحديث عن الماضي، و دواء دائكم، و نظم ما بينكم(4).

ص: 49


1- نهج البلاغة: الخطبة 156، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 203/9.
2- نهج البلاغة: الخطبة 176، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 18/10.
3- نهج البلاغة: الحكمة 313، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 220/19.
4- نهج البلاغة: الخطبة 158، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 217/9.

فضل القرآن

[37] - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن السيّاري، عن محمّد بن بكر عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّه قال: (و الّذي بعث محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحقّ و أكرم أهل بيته ما من شيء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابّة من صاحبها أو ضالّة أو آبق إلاّ و هو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه) قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عمّا يؤمن من الحرق و الغرق ؟

فقال: إقرأ هذه الآيات اَللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ - إلى قوله - سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ فمن قرأها فقد أمن الحرق و الغرق.

قال: فقرأها رجل و اضطرمت النّار في بيوت جيرانه و بيته وسطها فلم يصبه شيء، ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين إنّ دابّتي استصعبت عليّ و أنا منها على وجل، فقال: (إقرأ في أذنها اليمنى وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ فقرأها فذلّت له دابّته و قام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين إنّ أرضي

ص: 50

أرض مسبعة و إنّ السباع تغشى منزلي و لا تجوز حتّى تأخذ فريستها.

فقال: إقرأ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (12(8) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ فقرأهما الرّجل فاجتنبته السباع ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين إنّ في بطني ماء أصفر فهل من شفاء؟

فقال: (نعم بلا درهم و لا دينار و لكن أكتب على بطنك آية الكرسيّ و تغسلها و تشربها و تجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ بإذن اللّه عزّ و جلّ) ففعل الرّجل فبرأ بإذن اللّه، ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الضّالّة ؟ فقال: (إقرأ يس في ركعتين و قل: يا هادي الضّالّة ردّ عليّ ضالّتي) ففعل فردّ اللّه عزّ و جلّ عليه ضالّته، ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الآبق ؟ فقال: (إقرأ أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ - إلى قوله: - وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ .فقالها الرّجل فرجع إليه الآبق، ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن السّرق فإنّه لا يزال قد يسرق لي الشيء بعد الشيء ليلا؟ فقال له: (إقرأ

ص: 51

إذا أويت إلى فراشك قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ - إلى قوله: وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام: (من بات بأرض قفر فقرأ هذه الآية إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ - إلى قوله: تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ حرسته الملائكة و تباعدت عنه الشياطين) قال: فمضى الرّجل فإذا هو بقرية خراب فبات فيها و لم يقرأ هذه الآية فتغشّاه الشيطان و إذا هو آخذ بخطمه فقال له صاحبه: أنظره و استيقظ الرّجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه: أرغم اللّه أنفك أحرسه الآن حتّى يصبح فلما أصبح رجع إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبره و قال له: رأيت في كلامك الشفاء و الصدق، و مضى بعد طلوع الشمس، فإذا هو بأثر شعر الشيطان مجتمعا (منجرا) في الأرض(1).

[38] - الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أيّها الناس إنّكم في دار هدنة و أنتم على ظهر سفر و السير بكم سريع و قد رأيتم الليل و النهار و الشمس و القمر يبليان كلّ جديد و يقرّبان كلّ

ص: 52


1- الكافي: 457/2 ح 21، و تفسير البرهان 484/8.

بعيد و يأتيان بكلّ موعود فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز، قال:

فقام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول اللّه و ما دار الهدنة ؟ قال: دار بلاغ و انقطاع فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع و قائل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة و من جعله خلفه ساقه إلى النّار و هو الدليل يدل على خير سبيل و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل و هو الفصل ليس بالهزل و له ظهر و بطن فظاهره حكم و باطنه علم، ظاهره أنيق و باطنه عميق، له نجوم و على نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه و لا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى و منار الحكمة و دليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره و ليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب و يتخلص من نشب فإنّ التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص و قلّة التربص(1).

[39] - في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام قال: حدثني أبي علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد

ص: 53


1- الكافي: 598/2 ح 2.

الصادق، عن أبيه الباقر محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي سيد المستشهدين عن أبيه أمير المؤمنين و سيد الوصيين، و خليفة رسول رب العالمين، و فاروق الأمة، و باب مدينة الحكمة، و وصي رسول الرحمة «علي بن أبي طالب» صلوات اللّه عليهم عن رسول رب العالمين، و سيد المرسلين، و قائد الغر المحجلين و المخصوص بأشرف الشفاعات في يوم الدين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أجمعين قال: حملة القرآن المخصوصون برحمة اللّه، الملبسون نور اللّه، المعلمون كلام اللّه، المقربون عند اللّه، من والاهم فقد والى اللّه، و من عاداهم فقد عادى اللّه و يدفع اللّه عن مستمع القرآن بلوى الدنيا، و عن قارئه بلوى الآخرة.

و الذي نفس محمد بيده، لسامع آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ - و هو معتقد أن المورد له عن اللّه تعالى محمد، الصادق في كل أقواله، الحكيم في كل أفعاله، المودع ما أودعه اللّه تعالى من علومه أمير المؤمنين عليا عليه السّلام، المعتقد للإنقياد له فيما يأمر و يرسم - أعظم أجرا من ثبير ذهب يتصدق به ممن لا يعتقد هذه الأمور بل - تكون - صدقته وبالا عليه.

ص: 54

و لقارئ آية من كتاب اللّه - معتقدا لهذه الأمور - أفضل مما دون العرش إلى أسفل التخوم يكون لمن لا يعتقد هذا الإعتقاد، فيتصدق به، بل ذلك كله وبال على هذا المتصدق به.

ثم قال: أتدرون متى يتوفر على هذا المستمع و هذا القارئ هذه المثوبات العظيمات ؟ إذا لم يغل في القرآن - إنه كلام مجيد - و لم يجف عنه، و لم يستأكل به و لم يراء به.

[40] - و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عليكم بالقرآن فإنه الشفاء النافع، و الدواء المبارك و عصمة لمن تمسك به، و نجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، و لا يزيغ فيشعب و لا تنقضي عجائبه، و لا يخلق على كثرة الرد. و اتلوه فإن اللّه يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: «ألم» عشر، و لكن أقول «الألف» عشر، و «اللام» عشر، و «الميم» عشر. ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أتدرون من المتمسك الذي (بتمسكه ينال) هذا الشرف العظيم ؟ هو الذي أخذ القرآن و تأويله عنا أهل البيت، أو عن وسائطنا السفراء عنا إلى شيعتنا، لا عن آراء المجادلين و قياس القائسين.

فأما من قال في القرآن برأيه، فإن اتفق له مصادفة

ص: 55

صواب، فقد جهل في أخذه عن غير أهله، و كان كمن سلك طريقا مسبعا من غير حفّاظ يحفظونه فإن اتفقت له السلامة، فهو لا يعدم من العقلاء و الفضلاء الذم - و العذل - و التوبيخ و إن اتفق له افتراس السبع - له - فقد جمع إلى هلاكه سقوطه عند الخيرين الفاضلين و عند العوام الجاهلين.

و إن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار، و كان مثله كمثل من ركب بحرا هائجا بلا ملاح، و لا سفينة صحيحة، لا يسمع بهلاكه أحد إلاّ قال: هو أهل لما لحقه، و مستحق لما أصابه. و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أنعم اللّه عزّ و جلّ على عبد بعد الإيمان باللّه أفضل من العلم بكتاب اللّه و المعرفة بتأويله.

و من جعل اللّه له في ذلك حظا، ثم ظن أن أحدا - لم يفعل به ما فعل به - قد فضل عليه فقد حقر (نعم اللّه) عليه(1).

***

ص: 56


1- تفسير العسكري: 15.

فضل العالم بتأويل القرآن و العالم برحمته

اشارة

[41] - في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام بالإسناد إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (5(7) قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ .(1)

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «فضل اللّه عزّ و جلّ» القرآن و العلم بتأويله «و رحمته» توفيقه لموالاة محمد و آله الطيبين، و معاداة أعدائهم. ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و كيف لا يكون ذلك خيرا مما يجمعون، و هو ثمن الجنة و نعيمها، فإنه يكتسب بها رضوان اللّه تعالى الذي هو أفضل من الجنة و يستحق بها الكون بحضرة محمد و آله الطيبين الذي هو أفضل من الجنة.

ص: 57


1- سورة يونس، الآيتان: 57 و 58.

و إن محمدا و آله الطيبين أشرف زينة في الجنان.

ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يرفع اللّه بهذا القرآن و العلم بتأويله، و بموالاتنا أهل البيت و التبري من أعدائنا أقواما، فيجعلهم في الخير قادة، تقص آثارهم، و ترمق أعمالهم و يقتدى بفعالهم، و ترغب الملائكة في خلتهم، و بأجنحتها تمسحهم، و في صلواتها - تبارك عليهم، و - تستغفر لهم - حتى - كل رطب و يابس - يستغفر لهم - حتى حيتان البحر و هوامه - سباع الطير - و سباع البر و أنعامه، و السماء و نجومها(1).

ما وافق القرآن

[42] - في معاني الأخبار بإسناده عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما وجدتم في كتاب اللّه عزّ و جلّ فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه، و ما لم يكن في كتاب اللّه، و كانت فيه سنّة مني فلا عذر لكم في ترك سنّتي و ما ليس لكم فيه سنّة مني، فما قال أصحابي فقولوا به فإنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم، بأيّها أخذ اهتدى و بأي أقاويل أصحابي

ص: 58


1- تفسير العسكري: 16.

أخذتم اهتديتم و اختلاف أصحابي لكم رحمة فقيل يا رسول اللّه من أصحابك ؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أهل بيتي(1).

[43] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، ثنا الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن أبي نصر الحميدي - من لفظه بدمشق - قال: أخبرتنا كريمة بنت أحمد بن محمّد بن حاتم المروزية قالت: أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه بسرخس، أنبأنا أبو لبيد محمّد بن إدريس السامي، ثنا أبو كريب، ثنا أبو بكر عن عاصم، عن زرّ عن علي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «سيكون عليّ رواة يروون الحديث فاعرضوها على القرآن، فإن وافقت القرآن فخذوها و إلاّ فدعوها »(2).

حفظ القرآن

[44] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو محمّد هبة اللّه بن سهل، أنبأنا أبو سعد الجنزرودي، أنبأنا الحاكم أبو أحمد، أنبأنا محمّد بن محمّد بن سليمان، حدّثنا هشام بن عمار،

ص: 59


1- معاني الأخبار: 156 باب مثل أهل بيتي كمثل النجوم.
2- تاريخ دمشق: 58/45، و سنن الدارقطني 134/4 بتفاوت.

حدّثنا محمّد بن إبراهيم القرشي، حدّثنا أبو صالح عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب:

يا رسول اللّه إنّ القرآن يتفلّت من صدري، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«ألا أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بهنّ، و ينفع بهن من علّمته، و يثبّت ما تعلّمت في صدرك ؟» قال: بلى.

قال: «فصلّ ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، و ياسين، و في الثانية بفاتحة الكتاب و حم الدخان، و في الثالثة بفاتحة الكتاب و تنزيل السجدة، و في الرابعة بفاتحة الكتاب و تنزيل المفصل، فإذا فرغت من التشهد، فاحمد اللّه و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و استغفر للمؤمنين و قل: اللّهمّ ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، و ارحمني أن أتكلّف ما لا يعنيني، و ارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللّهمّ بديع السموات و الأرض، ذا الجلال و الإكرام، و العزة التي لا ترام، أسألك يا اللّه، يا رحمن، بجلالك و نور وجهك، أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، فارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، و أسألك أن تنوّر بكتابك بصري، و تطلق به لساني، و تفرّج به عن قلبي، و تشرح به صدري، و تستعمل به بدني، و تقوّني على ذلك، و تعينني عليه، فإنه لا يعين على الخير

ص: 60

و لا يوّفق له إلاّ أنت، تفعل ذلك ثلاث جمع - أو خمس، أو سبع - تجب بإذن اللّه و ما أخطأ مؤمن»، فأتى عليّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ذلك سبع جمع فأخبره بحفظه للقرآن و الأحاديث، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «مؤمن و رب الكعبة، علم أبا حسن، علم، علم »(1).

[45] - ابن عساكر قال: و أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ، حدّثني أبو بكر محمّد بن جعفر المزكي، حدّثنا محمّد بن إبراهيم العبدي قالا: حدّثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرّحمن الدمشقي، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح و عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه بينا هو جالس عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال: يا نبي اللّه تفلّت هذا القرآن من صدري، فما أجدني أقدر عليه. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أبا الحسن، أفلا أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بهن، و تنفع بهن من علّمته، و يثبت ما تعلّمته في صدرك»؟

قال: أجل يا رسول اللّه، فعلّمني، قال: «إذا كانت ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها

ص: 61


1- تاريخ دمشق: 202/45، و أمالي الشجري: 113/1.

ساعة مشهودة و الدعاء فيها مستجاب، و هي قول أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي (1) حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها، فصلّ أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و سورة يس، و في الركعة الثانية بفاتحة الكتاب و حم الدّخان، و في الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب و ألم تنزيل السّجدة، و في الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب و تبارك المفصّل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد اللّه، و أحسن الثناء على اللّه، و صلّ عليّ و على سائر النبيين و أحسن، و استغفر لإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم استغفر للمؤمنين و المؤمنات ثم قل آخر ذلك: اللّهمّ ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني و ارحمني أن أتكلّف ما لا يعنيني، و ارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللّهمّ بديع السموات و الأرض، ذا الجلال و الإكرام و العزّة التي لا ترام، أسألك يا اللّه، يا رحمن، بجلالك و نور وجهك، أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، و ارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني.

ص: 62


1- سورة يوسف،: الآية: 98.

اللّهمّ بديع السموات و الأرض ذا الجلال و الإكرام و العزّة التي لا ترام، أسألك يا اللّه، يا رحمن، بجلالك، و نور وجهك أن تنوّر بكتابك بصري، و أن تطلق به لساني، و أن تفرّج به عن قلبي، و أن تشرح به صدري، و أن تشغل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك، و لا يؤتينيه إلاّ أنت، و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العظيم، يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع - أو خمسا، أو سبعا - تجاب بإذن اللّه، فو الذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط »(1).

قال عبد اللّه بن عباس: فو اللّه ما لبث عليّ إلاّ خمسا أو سبعا حتى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مثل ذلك المجلس فقال: يا رسول اللّه، إن كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن، فإذا قرأتهن على نفسي تفلّتن، و أنا أتعلم اليوم أربعين آية و نحوها، فإذا قرأتهن على نفسي فكأنما كتاب اللّه بين عينيّ، و لقد كنت أسمع الحديث فإذا ردّدته تفلّت، و أنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدّثت بها لم أخرم منها حرفا، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند ذلك: «مؤمن و رب الكعبة يا أبا الحسن »(2).

ص: 63


1- سنن الترمذي: ح 3570 و كنز العمال: ح 3112.
2- المعجم الكبير: 399/11، و الترغيب و الترهيب: 361/2.

[46] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن الحسن الفرغولي حدّثنا عمر بن أبي الحسن الدّهستاني الحافظ، أنبأنا تميم بن نصر بن تميم بن منصور بن حيّة التميمي أبو سعد السندي - بدمشق - أنبأنا أبو الحسن بن أبي القاسم البردي، أخبرنا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي: أن طاهر بن محمد بن الحكم التميمي الإمام حدّثهم: حدّثنا هشام بن عمّار، حدّثنا عثمان بن عبد الرّحمن، عن حفص بن سليمان و كثير بن زاذان، عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من قرأ القرآن فحفظه و استظهره أدخله اللّه الجنّة، و شفّعه في عشرة، كلهم قد وجبت له النّار »(1).

[47] - ابن عساكر قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال: قرئ على أبي الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني - و أنا حاضر - حدّثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق - إملاء - حدّثنا أبو [علي] الحسن بن الطيب بن حمزة البلخي سنة سبع و ثلاثمائة.

[حدّثنا] علي بن حجر السعدي، حدّثنا حفص بن

ص: 64


1- تاريخ دمشق: 144/11.

سليمان، عن كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من قرأ القرآن و حفظه و استظهره و أحلّ حلاله و حرّم حرامه أدخله اللّه الجنّة، و شفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت له النّار »(1).

ترتيب القرآن

[48] - في مجمع البيان حدّثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني إلى قوله: و بالإسناد عن سعيد بن المسيب عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنّه قال: سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء، فأوّل ما نزل عليه بمكّة فاتحة الكتاب ثمّ اقرأ باسم، إلى أن قال: و أوّل ما نزل بالمدينة سورة الأنفال ثمّ البقرة ثم آل عمران ثمّ الممتحنة ثمّ النساء ثمّ إذا زلزلت ثمّ الحديد ثمّ سورة محمّد ثمّ الرعد ثمّ سورة الرّحمن ثمّ هل أتى... إلى قوله: فهذا ما أنزل بالمدينة(2).

ص: 65


1- تاريخ دمشق: 144/11، و الشريعة للآجري: 35.
2- مجمع البيان: 613/10 مع اختلاف في المطبوع.

أول من جمع القرآن

[49] - في كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي قال: حدّثنا ابن فضيل عن أشعث عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلاّ لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن ؟

قال: لا، و اللّه إلاّ أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلاّ لجمعة، فبايعه ثم رجع(1).

[50] - في كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان قال: حدّثنا أبو نعيم قال:

حدّثنا سفيان عن سدي عن عبد خير عن علي رضي اللّه عنه قال:

رحم اللّه أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين(2).

[51] - في كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال: حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عمر بن شبّه قال: حدّثنا

ص: 66


1- المصاحف: 16.
2- المصاحف: 11.

أبو أحمد الزبيري قال: حدّثنا سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي رضي اللّه عنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر فإنه أول من جمع بين اللوحين(1).

[52] - في كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني قال: حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا سهل بن صالح قال: حدّثنا أبو داود و يعقوب قالا: أخبرنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سويد بن غفلة قال: قال علي رضي اللّه عنه في المصاحف:

لو لم يصنعه عثمان لصنعته(2).

تعلّم القرآن

[53] - الصدوق، عن أبيه، عن أحمد بن ادريس، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن السندي، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ اللّه سبحانه و تعالى ليهمّ بعذاب أهل الأرض جميعا حتى

ص: 67


1- المصاحف: 11.
2- المصاحف: 19.

لا يحاشي منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي و اجترحوا السيئات فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلاة و الولدان يتعلّمون القرآن رحمهم فأخّر ذلك عنهم(1).

[54] - الطوسي، عن الحفار، عن أبي عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك، عن أبي قلابة عبد الملك بن محمّد الرقاشي، عن أبيه، و معلى بن أسد، عن عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي عليه السّلام انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: خياركم من تعلّم القرآن و علّمه(2).

[55] - عنه عليه السّلام: تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث، و تفقّهوا فيه فإنّه ربيع القلوب، و استشفوا بنوره فإنّه شفاء الصّدور، و أحسنوا تلاوته فإنّه أنفع القصص(3).

[56] - عنه عليه السّلام: لمّا سمع ضجّة أصحابه في المسجد و هم يقرأون القرآن -: طوبى لهؤلاء، كانوا أحبّ الناس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ص: 68


1- ثواب الأعمال: 61.
2- أمالي الطوسي: المجلس الثاني عشر ح 357/79 الرقم 739.
3- نهج البلاغة: الخطبة 110.

[57] - قال النحّاس: شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و روى عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «خيركم من علّم القرآن و علّمه »(1).

ثواب تعليم القرآن

[58] - عنه عليه السّلام: حقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه، و يحسّن أدبه، و يعلّمه القرآن(2).

القرآن في البيت

[59] - الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن عبيد اللّه، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللّه سبحانه و تعالى فيه تكثر بركته

ص: 69


1- إعراب القرآن: 10/3، و انظر الترمذي - فضائل القرآن: 32/11.
2- نهج البلاغة: الحكمة 399.

و تحضره الملائكة و تهجره الشياطين و يضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، و إنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللّه سبحانه و تعالى فيه تقلّ بركته و تهجره الملائكة و تحضره الشياطين(1).

إستماع القرآن و الإنصات إليه

[60] - علي بن إبراهيم القمي رفعه و قال: كان علي بن أبي طالب عليه السّلام يصلّي و ابن الكواء خلفه و أمير المؤمنين عليه السّلام يقرأ فقال ابن الكواء: وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (2) فسكت أمير المؤمنين عليه السّلام حتى سكت ابن الكواء ثمّ عاد في قراءته حتى فعله ابن الكواء ثلاث مرات فلما كان في الثالثة قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (3),(4).

ص: 70


1- الكافي: 610/2 ح 3.
2- سورة الزمر: 65.
3- سورة الروم: 60.
4- تفسير القمي: 160/2 و نقل عنه في بحار الأنوار: 55/19 طبع الكمباني و 89 / 221 ح 2 طبع بيروت.

حملة القرآن

[61] - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو السعادات أحمد بن أحمد بن عبد الواحد، نا أبو جعفر بن المسلمة - إملاء - أنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد الفراء، أنا الحسين بن أيوب الهاشمي، نا صالح بن عمران، نا الحسن بن بشر، حدّثني بشر بن سالم، عن سفيان الثوري، عن ثوير بن أبي فاختة، عن يحيى بن جعدة قال: قال عليّ بن أبي طالب: يا حملة القرآن إعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل بما علم، و وافق علمه عمله، و سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف سريرتهم علانيتهم، و يخالف عملهم علمهم، يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا، حتى أنّ الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره و يدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللّه(1).

جزاء حملة القرآن

[62] - عنه عليه السّلام: اقرأوا القرآن و استظهروه، فإنّ اللّه

ص: 71


1- تاريخ دمشق: 392/45.

تعالى لا يعذّب قلبا وعاء(1) القرآن(2).

[63] - عنه عليه السّلام: أهل القرآن أهل اللّه و خاصّته.

الحثّ على تلاوة القرآن

[64] - عنه عليه السّلام: لقاح الإيمان تلاوة القرآن.

[65] - عنه عليه السّلام: من أنس بتلاوة القرآن لم توحشه مفارقة الإخوان(3).

[66] - عنه عليه السّلام: عند ختمه القرآن -: اللّهمّ اشرح بالقرآن صدري، و استعمل بالقرآن بدني، و نوّر بالقرآن بصري، و أطلق بالقرآن لساني، و أعنّي عليه ما أبقيتني، فإنّه لا حول و لا قوّة إلاّ بك(4).

ص: 72


1- كذا في المصدر، و الظاهر: وعى.
2- جامع الأخبار: 205/115.
3- غرر الحكم: 7633، 8790.
4- نهج البلاغة: الخطبة 17، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 284/1.

حقّ التّلاوة

[67] - عنه عليه السّلام: إلى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلاّلا، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه!

[68] - عنه عليه السّلام: أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، و قرأوا القرآن فأحكموه ؟(1)

[69] - عنه عليه السّلام: أوّه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، و تدبّروا الفرض فأقاموه، أحيوا السّنّة و أماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا، و وثقوا بالقائد فاتّبعوه !(2).

نبذ الكتاب

[70] - عنه عليه السّلام: من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممّن كان يتّخذ آيات اللّه هزوا(3).

ص: 73


1- نهج البلاغة: الخطبة 121.
2- نهج البلاغة: الخطبة 182.
3- نهج البلاغة: الحكمة 228.

قراءة القرآن

[71] - الصدوق، عن ماجيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد اللّه، عن علي بن أسباط يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: من قرأ مائة آية من القرآن من أيّ القرآن شاء ثمّ قال: «يا اللّه» سبع مرّات فلو دعا على الصخرة لقلعها إن شاء اللّه(1).

[72] - ابن عساكر قال: أنبأنا أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن أبي العلاء و أبو محمّد بن صابر و غيرهما، قالوا:

أنا أبو القاسم ابن أبي العلاء، أنا أبو نصر بن الجبّان، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد اللّه بن إبراهيم البغدادي الثلاّج - قدم علينا، من حفظه - أنا عبد اللّه بن محمّد البغوي، أنا علي بن الجعد، أنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلمة الأنصاري، عن علي بن أبي طالب، قال:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليست الجنابة(2).

[73] - ابن عساكر قال: أخبرناه عاليا أبو عبد اللّه

ص: 74


1- ثواب الأعمال: 130.
2- تهذيب تاريخ دمشق: 224/2.

الخلاّل، أنا سعيد بن أحمد العيّار، أنا عبد الرّحمن بن أحمد الشريحي، أنا أبو القاسم البغوي، أنا علي بن الجعد، أنا شعبة، أخبرني عمرو بن مرّة، قال: سمعت عبد اللّه بن سلمة، قال: دخلت على علي فقال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقضي الحاجة، و يأكل معنا اللحم و الخبز و يقرأ القرآن، و كان لا يحجبه - أو يحجزه - عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة(1).

***

ص: 75


1- شرح السنة للبغوي: 41/2.

آداب القراءة

اشارة

[74] - قال الإمام العسكري عليه السّلام: أما قوله الذي ندبك - اللّه - إليه، و أمرك به عند قراءة القرآن: «أعوذ باللّه - السميع العليم - من الشيطان الرجيم» فإن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

إن قوله: «أعوذ باللّه» أي أمتنع باللّه، «السميع» لمقال الأخيار و الأشرار و لكل المسموعات من الإعلان و الإسرار «العليم» بأفعال الأبرار و الفجار، و بكل شي مما كان و ما يكون - و ما لا يكون - أن لو كان كيف كان يكون، «من الشيطان الرجيم» (و الشيطان) هو البعيد من كل خير، «الرجيم» المرجوم باللعن، المطرود من بقاع الخير و الإستعاذة هي - م - ما قد أمر اللّه به عباده عند قراءتهم القرآن، فقال: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (9(9) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (1).

ص: 76


1- النحل: 98-100.

و من تأدب بأدب اللّه عزّ و جلّ أداه إلى الفلاح الدائم، و من استوصى بوصية اللّه كان له خير الدراين(1).

1 - التّرتيل

[75] - عنه عليه السّلام: أيضا -: بيّنه تبيانا و لا تهذّه هذّ الشّعر، و لا تنثره نثر الرّمل، و لكن أفزعوا قلوبكم القاسية، و لا يكن همّ أحدكم آخر السّورة(2).

[76] - عنه عليه السّلام: في صفة المتّقين -: أمّا الليل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلا، يحزّنون به أنفسهم، و يستثيرون به دواء دائهم(3).

2 - التّدبّر

[77] - عنه عليه السّلام: ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه.

[78] - عنه عليه السّلام: تدبّروا آيات القرآن و اعتبروا به، فإنّه أبلغ العبر(4).

ص: 77


1- تفسير العسكري: 17.
2- الكافي: 1/614/2.
3- نهج البلاغة: الخطبة 193.
4- غرر الحكم: 4493.

أصناف القرّاء

اشارة

[79] - عنه عليه السّلام: لاياس بن عامر -: يا أخا عكّ، إنّك إن بقيت فستقرأ القرآن ثلاثة أصناف: صنف للّه عزّ و جلّ، و صنف للدنيا، و صنف للجدال، فإن استطعت أن تكون ممّن يقرأه للّه عزّ و جلّ فافعل(1).

للقرآن ظهر و بطن

[80] - عنه عليه السّلام: القرآن ظاهره أنيق، و باطنه عميق(2).

التحذير من التفسير بالرأي

[81] - عنه عليه السّلام: من كتاب له إلى معاوية -: فعدوت على الدنيا بتأويل القرآن(3).

ص: 78


1- كنز العمّال: 4192.
2- نهج البلاغة: الخطبة 18.
3- نهج البلاغة: الكتاب 55.

من يعرف القرآن

[82] - عنه عليه السّلام: ذلك القرآن فاستنطقوه، و لن ينطق، و لكن أخبركم عنه(1).

[83] - عنه عليه السّلام: في توصيف عترة النبيّ صلوات اللّه عليهم -: هم أزمّة الحقّ، و أعلام الدّين، و ألسنة الصّدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش(2).

أصناف آيات القرآن

[84] - عنه عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام، كلّ منها شاف كاف، و هي: أمر، و زجر، و ترغيب، و ترهيب، و جدل، و مثل، و قصص. و في القرآن ناسخ و منسوخ و محكم و متشابه، و خاصّ و عامّ، و مقدّم و مؤخّر، و عزائم و رخص، و حلال و حرام، و فرائض و أحكام، و منقطع و معطوف، و منقطع غير معطوف، و حرف مكان حرف.

ص: 79


1- نهج البلاغة: الخطبة 158، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 217/9.
2- نهج البلاغة: الخطبة 87.

و منه ما لفظه خاصّ، و منه ما لفظه عامّ محتمل العموم، و منه ما لفظه واحد و معناه جمع، و منه ما لفظه جمع و معناه واحد، و منه ما لفظه ماض و معناه مستقبل، و منه ما لفظه على الخبر و معناه حكاية عن قوم آخر، و منه ما هو باق محرّف عن جهته، و منه ما هو على خلاف تنزيله، و منه ما تأويله في تنزيله، و منه ما تأويله قبل تنزيله، و منه ما تأويله بعد تنزيله.

و منه آيات بعضها في سورة و تمامها في سورة أخرى، و منه آيات نصفها منسوخ و نصفها متروك على حاله، و منه آيات مختلفة اللّفظ متّفقة المعنى، و منه آيات متّفقة اللّفظ مختلفة المعنى، و منه آيات فيها رخصة و إطلاق بعد العزيمة، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يؤخذ بعزائمه.

و منه رخصة صاحبها فيها بالخيار إن شاء أخذها و إن شاء تركها، و منه رخصة ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها عند التّقيّة و لا يعمل بباطنها مع التّقيّة، و منه مخاطبة لقوم و المعنى لآخرين، و منه مخاطبة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معناه واقع على أمّته، و منه لا يعرف تحريمه إلاّ بتحليله، و منه ما تأليفه و تنزيله على غير معنى ما أنزل فيه.

ص: 80

و منه ردّ من اللّه تعالى و احتجاج على جميع الملحدين و الزّنادقة و الدّهريّة و الثّنويّة و القدريّة و المجبّرة و عبدة الأوثان و عبدة النّيران، و منه احتجاج على النّصارى في المسيح عليه السّلام، و منه الرّدّ على اليهود، و منه الرّدّ على من زعم أنّ الإيمان لا يزيد و لا ينقص و أنّ الكفر كذلك، و منه ردّ على من زعم أن ليس بعد الموت و قبل القيامة ثواب و عقاب(1).

المحكمات و المتشابهات

[85] - عنه عليه السّلام: لمّا سئل عن تفسير المحكم و المتشابه من كتاب اللّه عزّ و جلّ -: أمّا المحكم الذي لم ينسخه شيء من القرآن فهو قول اللّه عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ و إنّما هلك الناس في المتشابه لأنّهم لم يقفوا على معناه و لم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم بآرائهم و استغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء....

ص: 81


1- بحار الأنوار: 4/93.

و أمّا المتشابه من القرآن فهو الذي انحرف منه، متّفق اللّفظ مختلف المعنى، مثل قوله عزّ و جلّ: يُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فنسب الضّلالة إلى نفسه في هذا الموضع، و هذا ضلالهم عن طريق الجنّة بفعلهم، و نسبه إلى الكفّار في موضع آخر و نسبه إلى الأصنام في آية أخرى.

وجوه القرآن

[86] - عنه عليه السّلام: لعبد الله بن العبّاس لمّا بعثه للإحتجاج على الخوارج -: لا تخاصمهم بالقرآن؛ فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه، تقول و يقولون، و لكن حاججهم (خاصمهم) بالسّنّة، فإنّهم لن يجدوا عنها محيصا(1).

كم في القرآن من سجدة

[87] - عبد الرزاق عن معمّر و الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، و ذكره الثوري عن عاصم أيضا عن زر بن حبيش عن عليّ قال: العزائم أربع: الم تنزيل، و حم

ص: 82


1- نهج البلاغة: الكتاب 77.

السجدة، و النجم، و اقرأ باسم ربّك الأعلى الذي خلق، قال عبد الرزاق: و أنا أسجد في العزائم كلّها، يعني العزائم:

عزم عليك أن تسجد فيها، قال أبو بكر: و أنا أسجد فيها و في جميع السجود إذا كنت وحدي(1).

قيام الليل بالقرآن

[88] - في من لا يحضره الفقيه و روى جابر بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السّلام أنّ رجلا سأل علي بن أبي طالب عن قيام الليل بالقرآن، فقال له: أبشر من صلّى من الليل عشر ليلة للّه مخلصا ابتغاء ثواب اللّه.

قال اللّه عزّ و جلّ لملائكته: أكتبوا لعبدي هذا من الحسنات عدد ما أنبت في الليل من حبّة و ورقة و شجرة، و عدد كل قصبة و خوص و مرعى، و من صلّى تسع ليلة أعطاه اللّه عشر دعوات مستجابات، و أعطاه كتابه بيمينه، و من صلّى ثمن ليلة أعطاه اللّه أجر شهيد صابر صادق النية، و شفّع في أهل بيته، و من صلّى سبع ليلة خرج من قبره يوم يبعث و وجهه

ص: 83


1- مصنف ابن أبي شيبة: 150/3.

كالقمر ليلة البدر، حتى يمر على الصراط مع الآمنين، و من صلّى سدس ليلة كتب في الأوابين، و غفر له ما تقدم من ذنبه، و من صلّى خمس ليلة زاحم إبراهيم خليل الرّحمن في قبته، و من صلّى ربع ليلة كان في أول الفائزين حتى يمر على الصراط كالريح العاصف، و يدخل الجنّة بغير حساب، و من صلّى ثلث ليلة لم يبق ملك إلاّ غبطه بمنزلته من اللّه عزّ و جلّ، و قيل له: أدخل من أي أبواب الجنان الثمانية شئت، و من صلّى نصف ليلة فلو أعطي ملء الأرض ذهبا سبعين ألف مرة لم يعدل جزاءه و كان له بذلك عند اللّه عزّ و جلّ أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل، و من صلّى ثلثي ليلة كان له من الحسنات قدر رمل عالج(1) أدناها حسنة أثقل من جبل أحد عشر مرات، و من صلّى ليلة تامة تاليا لكتاب اللّه عزّ و جلّ راكعا و ساجدا و ذاكرا أعطي من الثواب ما أدناه يخرج من الذنوب كما ولدته أمه، و يكتب له عدد ما خلق اللّه عزّ و جلّ من الحسنات، و مثلها درجات، و يثبّت النور في قبره، و ينزع الإثم و الحسد من قلبه، و يجار من عذاب النّار و يعطى براءة من النّار، و يبعث من الآمنين، و يقول الرب تبارك و تعالى

ص: 84


1- أي المتراكم.

لملائكته: يا ملائكتي أنظروا إلى عبدي أحيى ليلة ابتغاء مرضاتي، أسكنوه الفردوس، و له فيها ألف مدينة في كل مدينة جميع ما تشتهي الأنفس و تلذّ الأعين، و لم يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة و المزيد و القربة(1).

***

ص: 85


1- من لا يحضره الفقيه: 475/1 ح 1374.

ص: 86

سورة الفاتحة

اشارة

ص: 87

ص: 88

فضل سورة الفاتحة

[سورة الفاتحة (1): الآیات 1 الی 7]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ (7)

[89] - في تفسير العسكري عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام، أنه قال في فضل سورة الفاتحة: و إنّ فاتحة الكتاب أعظم و أشرف ما في كنوز العرش و إنّ اللّه خصّ بها محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شرّفه، و لم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه، ما خلا سليمان، فإنه أعطاه منها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، ألا تراه أنّه يحكي عن بلقيس حين قالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (2(9) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد و آله الطيّبين، منقادا لأمرهم، مؤمنا بظاهرهم و باطنهم، أعطاه اللّه عزّ و جلّ بكل حرف منها حسنة، كل حسنة منها أفضل له من الدنيا و ما فيها من

ص: 89

أصناف أموالها(1) و خزائنها.

و من استمع قارئا يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارئ فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض(2) لكم فإنه غنيمة لكم لا يذهبن أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة(3).

[90] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر قراءة، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود بن عبد اللّه المروزي قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمود السعدي، حدّثنا أبو يحيى القصريّ، حدّثنا مروان بن معاوية عن الولاء بن المسيّب عن الفضل بن عمرو عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: «نزلت فاتحة الكتاب بمكّة من كنز تحت العرش »(4).و على هذا أكثر العلماء(5).

[91] - أبو إسحاق الثعلبي قال: روى جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب عليه السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لما أراد اللّه أن ينزّل فاتحة الكتاب، و آية الكرسي، و شهد اللّه، قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ...إلى

ص: 90


1- في نسخة: خيراتها.
2- في نسخة: المتعرض.
3- تفسير العسكري: 9.
4- أسباب النزول للواحدي: 11.
5- تفسير الثعلبي: 89/1.

بِغَيْرِ حِسابٍ تعلقن بالعرش، و ليس بينهن و بين اللّه حجاب، و قلن: يا رب تهبطنا دار الذنوب و إلى من يعصيك و نحن متعلّقات بالطيور و العرش.

فقال تعالى: و عزّتي و جلالي ما من عبد قرأكنّ في دبر كل صلاة مكتوبة إلاّ أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه، و إلاّ نظرت له بعيني في كل يوم سبعين مرة، و إلاّ قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، و إلاّ أعذته من كل عدو و نصرته عليه، و لا يمنعه دخول الجنّة إلاّ الشرك(1).

[92] - في مجمع البيان: روى جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لما أراد اللّه عزّ و جلّ أن ينزل فاتحة الكتاب و آية الكرسي و شهد اللّه و قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ إلى قوله بِغَيْرِ حِسابٍ (2) تعلقن بالعرش و ليس بينهن و بين اللّه حجاب، و قلن: يا رب تهبطنا دار الذنوب و إلى من يعصيك و نحن معلقات بالطهور و القدس فقال: و عزّتي و جلالي ما من عبد قرأكن في دبر كل صلاة إلاّ أسكنته حظيرة القدس على

ص: 91


1- تفسير الثعلبي: 39/3.
2- سورة البقرة، الآية: 212

ما كان فيه، و نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، و إلاّ قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، و إلاّ أعذته من كل عدو و نصرته عليه، و لا يمنعه من دخول الجنّة إلاّ الموت(1),(2).

[93] - في عيون الأخبار: حدّثنا محمد بن القاسم المفسر الاسترآبادي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال اللّه عزّ و جلّ: قسمت فاتحة الكتاب بيني و بين عبدي فنصفها لي و نصفها لعبدي، و لعبدي ما سأل، إذا قال العبد: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال اللّه جلّ جلاله: بدأ عبدي باسمي و حق عليّ أن أتمم له أموره و أبارك له في أحواله فإذا قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال جلّ جلاله: حمدني عبدي و علم أنّ

ص: 92


1- مجمع البيان: ج 426:1 و فيه (إلاّ ان جوت) بدل (إلاّ الموت).
2- مجمع البيان: 426/1.

النعم التي له من عندي، و أنّ البلايا التي دفعت عنه فبتطولي(1) أشهدكم أنّي أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة، و أدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا و إذا قال: اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال اللّه جلّ جلاله: شهد لي عبدي أنّي الرّحمن الرحيم، أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظه، و لأجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال اللّه تعالى: أشهدكم كما اعترف أنّي أنا الملك يوم الدين لأسهلنّ يوم الحساب حسابه، و لأتجاوزنّ عن سيئاته، فإذا قال العبد: إِيّاكَ نَعْبُدُ قال اللّه عزّ و جلّ: صدق عبدي، إياي يعبد أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي: فإذا قال: وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ قال اللّه تعالى: بي استعان، و إليّ التجأ، أشهدكم لأعيننّه على أمره، و لأغيثنّه في شدائده و لآخذنّ بيده يوم نوائبه، فإذا قال:

اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السورة قال اللّه جلّ جلاله: هذا لعبدي و لعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي و أعطيته ما أمل، و آمنته مما و جل منه(2).

[94] - حدّثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف

ص: 93


1- التطول: الإمتنان. و في بعض النسخ (فبطوبي) و هو بمعنى العطاء و الفضل.
2- عيون الأخبار: 300/1 /ب 28 ح 59.

بأبي الحسن الجرجاني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى قال لي: يا محمد وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (1) فأفرد الإمتنان عليّ بفاتحة الكتاب، و جعلها بإزاء القرآن العظيم، و إنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، و إنّ اللّه عزّ و جلّ خصّ محمدا و شرّفه بها، و لم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السّلام، فإنه أعطاه منها بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (2(9) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد و آله الطيبين منقادا لأمرهما، مؤمنا بظاهرهما و باطنهما، أعطاه اللّه تعالى بكل حرف منها حسنة: كل واحدة منها أفضل له من الدنيا و ما فيها من أصناف أموالها و خيراتها، و من استمع إلى قارئ يقرأها كان له قدر ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من

ص: 94


1- سورة الحجر، الآية: 87.
2- سورة النمل: 29-30.

هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة لا يذهبن أوانه، فيبقى في قلوبكم الحسرة(1).

[95] - في عيون الأخبار: بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه: قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام يا أمير المؤمنين أخبرنا عن بسم اللّه الرّحمن الرحيم أهي من فاتحة الكتاب ؟

فقال: نعم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرأها و يعدها آية منها و يقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني(2).

[96] - و بإسناده عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام أنّه قال: إن بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب، و هي سبع آيات تمامها بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3).

[97] - قال علي عليه السّلام: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب(4).

ص: 95


1- عيون الأخبار: 270/1 ح 59.
2- عيون الأخبار: 270/1 ح 60.
3- عيون الأخبار: 301/1 /ب 28 ح 60.
4- قوت القلوب 146:1 في ذكر وصف العلم: البحار 93:92.

[98] - العياشي، عن السديّ، عمّن سمع عليا عليه السّلام يقول: سبعا من المثاني فاتحة الكتاب(1).

[99] - روى النقاش حديث تفسير لفظ الحمد، فقال بعد إسناده عن ابن عباس، قال: قال لي علي عليه السّلام:

يا أبا عباس إذا صلّيت عشاء الآخرة فالحقني إلى الجبّان، قال: فصلّيت و لحقته، و كانت ليلة مقمرة، قال: فقال لي: ما تفسير الألف من الحمد؟ و الحمد جميعا؟

قال: فما علمت حرفا فيها أجيبه ؟

قال: فتكلم عليه السّلام في تفسيرها ساعة تامّة ثمّ قال لي فما تفسير اللام من الحمد؟

قال: فقلت: لا أعلم.

قال: فتكلّم في تفسيرها ساعة تامّة، ثمّ قال: فما تفسير الميم من الحمد؟

ص: 96


1- تفسير العياشي: 251، تفسير البرهان 354:2، البحار 236:92، غاية المرام: 513.

قلت: لا أعلم، قال فتكلّم في تفسيرها ساعة، ثمّ قال: فما تفسير الدال من الحمد؟

قال: قلت: لا أدري، فتكلّم فيها إلى أن برق عمود الفجر، قال: فقال لي: قم يا أبا عباس إلى منزلك تتأهب لفرضك، فقمت و قد وعيت كلّما قال عليه السّلام قال: ثمّ تفكّرت فإذا علمي بالقرآن في علم عليّ عليه السّلام كالقرارة في المنفجر (في المثعنجر) قال: القرارة الغدير، و المنفجر البحر(1).

[100] - قال علي عليه السّلام لمّا حكى عهد موسى عليه السّلام قال:

إنّ شرح كتابه كان أربعين جملا لو أذن اللّه و رسوله لي [لأتسرع] في شرح معاني ألف الفاتحة حتّى يبلغ مثل ذلك - يعني أربعين وقرا أي جملا -.

قال محمّد بن محمد الغزالي: و هذه الكثرة في السعة و الإفتتاح في العلم، لا يكون إلاّ لدّنّيا سماويا إلهيّا(2).

ص: 97


1- سعد السعود: 286، غاية المرام: 513 باب 25 من فضل أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام ح 26، البحار 105:92.
2- البحار 104:92.

تقسيم الفاتحة

[101] - قال الإمام أبو محمد الحسن عليه السّلام: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فاتحة الكتاب هذه أعطاها اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمته، بدأ فيها بالحمد للّه و الثناء عليه، ثم ثنّى بالدعاء للّه عزّ و جلّ و لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: قال اللّه عزّ و جلّ: قسمت الحمد بيني و بين عبدي نصفين، فنصفها لي، و نصفها لعبدي، و لعبدي ما سأل: إذا قال العبد: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال اللّه عزّ و جلّ: بدأ عبدي باسمي حق علي أن أتم - م - له أموره، و أبارك له في أحواله. فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال اللّه عزّ و جلّ: حمدني عبدي، و علم أن النعم التي له من عندي، و أنا البلايا التي اندفعت عنه فبتطوّلي أشهدكم يا ملائكتي أني أضيف له نعيم الدنيا إلى نعيم الآخرة، و أدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا. فإذا قال:

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال اللّه عزّ و جلّ: شهد لي عبدي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظّه، و لأجزلنّ من عطائي نصيبه.

فإذا قال: (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال اللّه تعالى: أشهدكم كما أعترف بأني أنا المالك - ل - يوم الدين، لأسهلنّ يوم

ص: 98

الحساب عليه حسابه، و لأتقبّلن حسناته و لأتجاوزنّ عن سيئاته.

فإذا قال العبد: «إِيّاكَ نَعْبُدُ» قال اللّه تعالى: صدق عبدي، إياي يعبد، أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.

فإذا قال: «وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ» قال اللّه عزّ و جلّ: بي استعان عبدي، و إليّ التجأ، أشهدكم لأعينه - على أمره و لأغيثنه - في شدائده، و لآخذن بيده يوم نوائبه.

فإذا قال: «اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» إلى آخرها قال اللّه عزّ و جلّ: هذا لعبدي و لعبدي ما سأل، و قد استجبت لعبدي، و أعطيته ما أمل، و أمنته مما منه و جل.

قيل: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أهي من فاتحة الكتاب ؟

فقال: نعم، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرأها و يعدها آية منها، و يقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني، فضلت ب (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) و هي الآية السابعة منها(1).

***

ص: 99


1- عنه البحار: 59/85 ح 47 و عن عيون أخبار الرضا: 234/1 ح 59.

أسماء سورة الفاتحة

فضل البسملة

فضل البسملة(1) فضل البسملة

[102] - قال الإمام الصادق عليه السّلام: و لربما ترك في

ص: 100


1- قال الثعلبي في تفسيره: هي عشرة، و كثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى: الأول: فاتحة الكتاب، سمّيت بذلك لأنه يفتتح بها في المصاحف و التعليم و القراءة في الصلاة، و هي مفتتحة بالآية التي تفتتح بها الأمور تيمّنا و تبرّكا و هي التسمية. و قيل: سمّيت بذلك لأن الحمد فاتحة كل كتاب كما هي فاتحة القرآن. و قال الحسين بن الفضل: لأنها أول سورة نزلت من السماء. و الثاني: سورة الحمد، لأن فيها ذكر الحمد، كما قيل: سورة (الأعراف) و (الأنفال) و (التوبة) و نحوها. و الثالث: أمّ الكتاب و القرآن؛ سمّيت بذلك لأنها أوّل القرآن و الكتب المنزلة، فجميع ما أودعها من العلوم مجموع في هذه السورة؛ فهي أصل لها كالأم للطفل، و قيل: سمّيت بذلك لأنها أفضل سور القرآن كما أن مكة سميت أمّ القرى لأنها أشرف البلدان. و قيل: سمّيت بذلك لأنها مقدّمة على سور القرآن، فهي أصل و إمام لما يتلوها من السور، كما أن أمّ القرى أصل جميع البلدان دحيت الأرض من تحتها. و قيل: سمّيت بذلك لأنها مجمع العلوم و الخيرات، كما أن الدماغ يسمى أمّ الرأس؛ لأنها مجمع الحواس و المنافع. و سمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد المفسّر يقول: سمعت أبا بكر القفّال يقول: سمعت أبا بكر البريدي يقول: الأم في كلام العرب: الراية ينصبها العسكر. قال قيس بن الخطيم: نصبنا أمّنا حتى ابذعرّواو صاروا بعد إلفتهم شلالا فسمّيت أم القرآن؛ لأن مفزع أهل الإيمان إليها كمفزع العسكر إلى الراية. و العرب تسمي الأرض أمّا؛ لأنّ معاد الخلق إليها في حياتهم و بعد مماتهم، قال أمية بن أبي الصلت: و الأرض معقلنا و كانت أمّنافيها مقابرنا و فيها نولد. و أنشدني أبو القاسم قال: أنشدنا أبو الحسين المظفّر محمد بن غالب الهمداني قال: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبي قال: أنشدني أحمد بن عبيدة: نأوي إلى أمّ لنا تعتصبكما و لها أنف عزيز و ذنب و حاجب ما إن نواريها الغصبمن السحاب ترتدي و تنتقب. يعني: نصبه كما وصف لها. و سميت الفاتحة أمّا لهذه المعاني. و قال الحسين بن الفضل: سميت بذلك لأنها إمام لجميع القرآن تقرأ في كل صلاة و تقدم على كل سورة، كما أن أمّ القرى إمام لأهل الإسلام. و قال ابن كيسان: سميت بذلك، لأنها تامة في الفضل. و الرابع: السبع المثاني، و سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء اللّه. و الخامس: الوافية، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري، حدّثنا أبي عن أمّه عن محمد بن نافع السنجري، حدّثنا أبو يزيد محبوب الشامي، حدّثنا عبد الجبار بن العلاء قال: كان يسمي سفيان بن عيينة فاتحة الكتاب: الوافية، و تفسيرها لأنها لا تنصف و لا تحتمل الاجتزاء إلاّ أن كل سورة من سور القرآن لو قرئ نصفها في ركعة و النصف الآخر في ركعة كان جائزا، و لو نصفت الفاتحة و قرئت في ركعتين كان غير جائز. و السادس: الكافية، أخبرنا أبو القاسم السدوسي، أخبرنا أبو جعفر محمد بن مالك المسوري، حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن عمران قال: حدّثنا سهيل بن محمّد، حدّثنا عفيف بن سالم قال: سألت عبد اللّه بن يحيى بن أبي كثير عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال: عن الكافية تسأل ؟ قلت: و ما الكافية ؟ قال: أما علمت أنها تكفي عن سواها، و لا يكفي سواها عنها. إياك أن تصلي إلاّ بها. و تصديق هذا الحديث ما حدّثنا الحسن بن محمد بن جعفر المفسر، حدّثنا عبد الرّحمن بن عمر بن مالك الجوهري بمرو، حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن يسار، عن محمد بن عباد الاسكندراني عن أشهب بن عبد العزيز، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أمّ القرآن عوض عن غيرها و ليس غيرها منها عوضا». و السابع: الأساس، حدّثنا أبو القاسم الحسين بن محمد المذكر، حدّثنا أبو عمرو بن المعبّر محمد بن الفضل القاضي بمرو، حدّثنا أبو هريرة مزاحم بن محمد بن شاردة الكشي، حدّثنا جارود بن معاد، أخبرنا وكيع قال: إن رجلا أتى الشعبي فشكا إليه وجع الخاصرة، فقال: عليك بأساس القرآن. قال: و ما أساس القرآن ؟ قال: فاتحة الكتاب. قال الشعبي: سمعت عبد اللّه بن عباس غير مرّة يقول: إن لكل شيء أساسا و أساس العمارة مكة؛ لأنها منها دحيت الأرض و أساس السماوات غريبا، و هي السماء السابعة، و أساس الأرض عجيبا، و هي الأرض السابعة السفلى، و أساس الجنان جنة عدن، و هي سرّة الجنان، و عليها أسّست الجنان، و أساس النار جهنم، و هي الدركة السابعة السفلى و عليها أسست الدركات، و أساس الخلق آدم عليه السّلام، و أساس الأنبياء نوح عليه السّلام، و أساس بني اسرائيل يعقوب، و أساس الكتب القرآن، و أساس القرآن الفاتحة، و أساس الفاتحة بسم اللّه الرّحمن الرحيم. فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى. و الثامن: الشفاء، حدّثنا أبو القاسم بن أبي بكر المكتّب لفظا، حدّثنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد اللّه الرفّاء، أخبرنا محمد بن أيوب الواقدي، حدّثنا أبو عمرو بن العلاء، حدّثنا سلام الطويل، عن زيد العمي، عن محمد بن سيرين، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «فاتحة الكتاب شفاء من كل سمّ». و أخبرنا محمد بن القاسم الفقيه، حدّثنا أبو الحسين محمّد بن الحسن الصفار الفقيه، حدّثنا أبو العباس السرّاج، حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا معاوية بن صالح، عن أبي سليمان قال: مرّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض غزواتهم على رجل مقعد متربّع فقرأ بعضهم في أذنه شيئا من القرآن فبرئ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «هي أمّ القرآن، و هي شفاء من كل داء». أخبرنا أحمد بن أبيّ الخوجاني، أخبرنا الهيثم بن كليب الشامي، حدّثنا عيسى بن أحمد العسقلاني، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا سعيد بن الحجاج، عن عبد اللّه بن أبي السفر، عن الشعبي عن خارجة بن الصلت التميمي، عن عمّه قال: جاء عمي من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فمرّوا بحيّ من الأعراب، فقالوا: انّا نراكم قد جئتم من عند هذا الرسول، إنّ عندنا رجلا مجنونا مخبولا، فهل عندكم من دواء أو رقية ؟ فقال عمّي: نعم. فجيء به، فجعل عمي يقرأ أمّ القرآن و بزاقه فإذا فرغ منها بزق فجعل ذلك ثلاثة أيام، فكأنّما أهبط من جبال، قال عمي: فأعطوني عليه جعلا، فقلت: لا نأكله حتى نسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فسأله، فقال: «كله، فمن الحلّ ترقيه بذلك. لقد أكلت برقية حق». و التاسع: الصلاة، قد تواترت الأخبار بأن اللّه تعالى سمّى هذه السورة، و هو ما يعرف انّه لا صلاة إلاّ بها. أخبرنا عبد اللّه بن حامد و أحمد بن يوسف بقراءتي عليهما قالا: أخبرنا مكي بن عبد اللّه، حدّثنا محمد بن يحيى قال: و فيما قرأته على ابن نافع، و حدّثنا مطرف عن مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرّحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «قال اللّه عزّ و جلّ: قسمت الصلاة - يعني هذه السورة - بيني و بين عبدي نصفين؛ فنصفها لي و نصفها لعبدي، فإذا قرأ العبد: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول اللّه: حمدني عبدي. و إذا قال العبد: اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول اللّه تعالى: أثنى عليّ عبدي. و إذا قال العبد: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يقول اللّه: مجّدني عبدي. و إذا قال العبد: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ قال اللّه: هذه الآية بيني و بين عبدي، و لعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخرها قال: هذه لعبدي و لعبدي ما سأل. و العاشر: سورة تعلم المسألة؛ لأن اللّه تعالى علّم فيه عباده آداب السؤال، فبدأ بالثناء ثم الدعاء، و ذلك سبب النجاح و الفلاح.

افتتاح أمر بعض شيعتنا «بسم اللّه الرحمن الرحيم» فيمتحنه اللّه بمكروه، لينبهه على شكر اللّه تعالى و الثناء عليه، و يمحو عنه و صمة تقصيره عند تركه قول «بسم اللّه - الرحمن الرحيم -».

ص: 101

لقد دخل عبد اللّه بن يحيى على أمير المؤمنين عليه السّلام و بين يديه كرسي فأمره بالجلوس، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه و سال الدم

ص: 102

فأمر أمير المؤمنين عليه السّلام بماء، فغسل عنه ذلك الدم.

ثم قال: أدن مني، فدنا منه، فوضع يده على موضحته - و قد كان يجد من ألمها ما لا صبر - له - معه - و مسح يده

ص: 103

عليها، و تفل فيها - فما هو إلاّ أن فعل ذلك - حتى اندمل و صار كأنه لم يصبه شي قط.

ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام: يا عبد اللّه، الحمد للّه الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم لتسلم - لهم - طاعاتهم و يستحقوا عليها ثوابها.

فقال عبد اللّه بن يحيى: يا أمير المؤمنين! و إنا لا نجازى بذنوبنا إلاّ في الدنيا؟

ص: 104

قال: نعم، أما سمعت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الدنيا سجن المؤمن، و جنة الكافر؟

يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم - به - من المحن، و بما يغفره لهم، فإن اللّه تعالى يقول: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ حتى إذا وردوا القيامة، توفرت عليهم طاعاتهم و عباداتهم.

و إن أعداء محمد و أعداءنا يجازيهم على طاعة تكون منهم في الدنيا - و إن كان لا وزن لها لأنه لا إخلاص معها - حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم و بغضهم لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خيار أصحابه، فقذفوا لذلك في النار.

و لقد سمعت محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع للّه مؤمن و الآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه و موالاة أعدائه، و لكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الأرض، فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها، لأن ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج حيث لا يقدر عليه، فآيسته الأطباء من نفسه و قالوا - له -: استخلف على ملكك من يقوم به، فلست

ص: 105

بأخلد من أصحاب القبور، فإن شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها، و لا سبيل إليها.

فبعث اللّه ملكا و أمره أن يزعج - البحر ب - تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فأخذت له - تلك السمكة - فأكلها، فبرئ من مرضه، و بقي في ملكه سنين بعدها.

ثم إن ذلك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، و اشتهى تلك السمكة، و وصفها له الأطباء.

فقالوا: طب نفسا، فهذا أوانها تؤخذ لك فتأكل منها، و تبرأ.

فبعث اللّه ذلك الملك و أمره أن يزعج جنس تلك السمكة - كله - من الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فيؤخذ حتى مات المؤمن من شهوته، لعدم دوائه.

فعجب من ذلك ملائكة السماء و أهل ذلك البلد - في الأرض - حتى كادوا يفتنون لأن اللّه تعالى سهّل على الكافر ما لا سبيل إليه، و عسّر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا.

ص: 106

فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى ملائكة السماء و إلى نبي ذلك الزمان في الأرض: إني أنا اللّه الكريم المتفضل القادر، لا يضرني ما أعطي، و لا ينفعني ما أمنع، و لا أظلم أحدا مثقال ذرة، فأما الكافر فإنما سهّلت له أخذ السمكة في غير أوانها، ليكون جزاء على حسنة كان عملها، إذ كان حقا عليّ أن لا أبطل لأحد حسنة حتى يرد القيامة و لا حسنة في صحيفته، و يدخل النار بكفره.

و منعت العابد تلك السمكة بعينها، لخطيئة كانت منه أردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة، إعدام ذلك الدواء، ليأتينّ و لا ذنب عليه، فيدخل الجنة.

فقال عبد اللّه بن يحيى: يا أمير المؤمنين قد أفدتني و علمتني، فإن رأيت أن تعرّفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس، حتى لا أعود إلى مثله.

قال عليه السّلام: تركك حين جلست أن تقول: «بسم اللّه الرحمن الرحيم» فجعل اللّه ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك.

أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حدثني عن اللّه عزّ و جلّ أنه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر «بسم اللّه» فيه فهو أبتر.

ص: 107

فقلت: بلى بأبي أنت و أمي لا أتركها بعدها.

قال: إذا تحصن بذلك و تسعد(1).

تفسير فاتحة الكتاب

[103] - فيما كتب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى ملك الروم حين سأله عن تفسير فاتحة الكتاب، كتب إليه عليه السّلام:

أمّا بعد، فإني أحمد اللّه الذي لا إله إلاّ هو، عالم الخفيّات و منزّل البركات، من يهد اللّه فلا مضلّ له، و من يضلل اللّه فلا هادي له، ورد كتابك و أقرأنيه عمر بن الخطاب، فأمّا سؤالك عن إسم اللّه تعالى فإنّه إسم فيه شفاء من كلّ داء و عون على كل دواء.

و أما اَلرَّحْمنِ تبارك و تعالى فهو عوذة لكل من آمن به و هم إسم لم يسمّ به غيره.

و أمّا اَلرَّحِيمِ فرحم من عصى و تاب و آمن و عمل صالحا.

ص: 108


1- البحار: 240/92 ضمن ح 48، و الجواهر السنية: 170، و البرهان: 45/1 ح 11.

و أمّا قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فذلك ثناء منّا على ربّنا تبارك و تعالى بما أنعم علينا.

و أمّا قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فإنه يملك نواصي الخلق يوم القيامة، و كلّ من كان في الدنيا شاكا أو جبّارا أدخله النّار، و لا يمتنع من عذاب اللّه عزّ و جلّ شاك و لا جبّار، و كلّ من كان في الدنيا طائعا مديما محافظا إيّاه أدخله الجنّة برحمته.

و أمّا قوله: إِيّاكَ نَعْبُدُ فإنا نعبد اللّه و لا نشرك به شيئا.

و أمّا قوله: وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ فإنا نستعين باللّه عزّ و جلّ على الشيطان الرجيم لا يضلّنا كما أضلكم.

و أمّا قوله: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فذلك الطريق الواضح، من عمل في الدنيا عملا صالحا فإنّه يسلك على الصراط إلى الجنّة.

و أمّا قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فتلك النعمة التي أنعمها اللّه عزّ و جلّ على من كان من قبلنا من النبيين و الصدّيقين، فنسأل اللّه ربّنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم.

أمّا قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فأولئك اليهود بدّلوا

ص: 109

نعمة اللّه كفرا، فغضب عليهم، فجعل منهم القردة و الخنازير، فنسأل اللّه تعالى أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم.

و أمّا قوله: وَ لاَ الضّالِّينَ فأنت و أمثالك يا عابد الصليب، ضللتم من بعد عيسى بن مريم، فنسأل اللّه ربّنا أن لا يضلنا كما ضللتم(1).

قوله تعالى: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[104] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد، حدّثنا أبو أحمد عبد اللّه بن عدي الحافظ، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدّثنا الحسين بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب (كرّم اللّه وجهه) أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ،و كان يقول: «من ترك قراءتها فقد نقص». و كان يقول: «هي تمام السبع المثاني و القرآن العظيم »(2).

[105] - قال أمير المؤمنين عليه السّلام لعبد اللّه بن يحيى:

ص: 110


1- البحار 259:92، ارشاد القلوب: 410.
2- تفسير الثعلبي: 103/1.

أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حدثني عن اللّه عزّ و جلّ أنه قال:

كل أمر ذي بال لم يذكر «بسم اللّه» فيه فهو أبتر. فقلت:

بلى بأبي أنت و أمي لا أتركها بعدها.

قال: إذا تحصن بذلك و تسعد.

ثم قال عبد اللّه بن يحيى: يا أمير المؤمنين ما تفسير «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»؟

قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملا و يقول:

بسم اللّه أي: بهذا الاسم أعمل هذا العمل.

فكل أمر يعمله يبدأ فيه ب «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فإنه يبارك له فيه(1).

[106] - في مجمع البيان: روى جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لما اراد اللّه عزّ و جلّ أن ينزل فاتحة الكتاب، و آية الكرسي، و شهد اللّه، و قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ،إلى قوله: (بِغَيْرِ حِسابٍ) تعلقن بالعرش و ليس بينهن و بين اللّه حجاب و قلن: يا رب تهبطنا دار الذنوب و إلى من يعصيك و نحن معلقات بالطهور و القدس ؟

ص: 111


1- البحار: 240/92 ضمن ح 48، و الجواهر السنية: 170، و البرهان: 45/1 ح 11.

فقال: و عزتي و جلالي ما من عبد قرأكنّ في دبر كل صلاة إلاّ أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه، و إلاّ نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، و إلاّ قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، و إلا أعذته من كل عدو، و نصرته عليه و لا يمنعه دخول الجنّة إلاّ أن يموت(1).

[107] - في عيون الأخبار عن الرضا عليه السّلام حديث طويل و في آخره: و قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هي من فاتحة الكتاب ؟

فقال: نعم، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرأها و يعدّها آية منها، و يقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني(2).

[108] - و بإسناده إلى الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام أنه قال: إنّ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب، و هي سبع آيات تمامها بسم اللّه الرّحمن

ص: 112


1- مجمع البيان: 724/2-725.
2- عيون الأخبار: 208/1 /ب 27 ح 59.

الرحيم، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ اللّه تعالى قال لي:

يا محمد وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فأفرد الإمتنان عليّ بفاتحة الكتاب و جعلها بإزاء القرآن العظيم(1).

[109] - في مجمع البيان السبع المثاني هي فاتحة الكتاب و هو قول علي عليه السّلام و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام(2).

[110] - في كتاب التوحيد: حدّثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسّر رحمه اللّه قال: حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد و أبو الحسن علي بن محمد بن سيار و كانا من الشيعة الإمامية عن أبويهما عن الحسن بن علي بن محمد عليهم السّلام، في قول اللّه عزّ و جلّ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال: اللّه هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء، من كل من دونه، و تقطع الأسباب عن جميع ما سواه يقول: بسم اللّه أي أستعين على أموري كلّها باللّه الذي لا يحق العبادة إلاّ له، المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعي، و هو ما قال

ص: 113


1- عيون الأخبار: 208/1 ح 60.
2- مجمع البيان: 530/6.

رجل للصادق عليه السّلام يابن رسول اللّه دلّني على اللّه ما هو؟ فقد أكثر عليّ المجادلون و حيّروني، فقال له: يا عبد اللّه. هل ركبت سفينة قط؟

قال: نعم، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك و لا سباحة تغنيك ؟

قال: نعم، قال: فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك ؟

قال: نعم، قال الصادق عليه السّلام: فذلك الشيء هو اللّه القادر على الإنجاء حيث لا منجي، و على الإغاثة حيث لا مغيث.

قال: و قام رجل إلى علي بن الحسين عليه السّلام.

فقال: أخبرني ما معنى بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؟

فقال علي بن الحسين عليه السّلام: حدّثني أبي عن أخيه الحسن عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السّلام، أنّ رجلا قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ما معناها؟

ص: 114

فقال: إنّ قولك اللّه أعظم إسم من أسماء اللّه عزّ و جلّ، و هو الإسم الذي لا ينبغي أن يسمّى به غير اللّه و لم يتسمّ به مخلوق، فقال الرجل: فما تفسير قوله: اَللّهِ فقال:

هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه و تقطع الأسباب من كل من سواه و ذلك أن كل مترائس(1) في هذه الدنيا و متعظم فيها و إن عظم غناؤه و طغيانه و كثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم، كذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع إلى اللّه عند ضرورته و فاقته حتى إذا كفي همّه عاد إلى شركه، أما تسمع اللّه عزّ و جلّ يقول: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4(0) بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (2) فقال اللّه جلّ جلاله لعباده: أيّها الفقراء إلى رحمتي إنّي قد ألزمتكم الحاجة إليّ في كل حال، و ذلة العبودية في كل وقت فإليّ فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه و ترجون تمامه و بلوغ غايته، فإني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم، و إن

ص: 115


1- مترائس: أي صار رئيسا.
2- سورة الأنعام: 40-41.

أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم، فأنا أحق من سئل و أولى من تضرّع إليه فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أي أستعين على هذا الأمر باللّه الذي لا تحق العبادة لغيره المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعي اَلرَّحْمنِ الذي يرحم ببسط الرزق علينا اَلرَّحِيمِ بنا في أدياننا و دنيانا و آخرتنا، و خفّف علينا الدين و جعله سهلا خفيفا و هو يرحمنا بتميز من أعدائه.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أحزنه أمر تعاطاه فقال:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم» و هو مخلص للّه عزّ و جلّ و يقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجتة الدنياوية، و إما ما يعد له عنده، و يدخر لديه، و ما عند اللّه خير و أبقى للمؤمنين(1).

قوله تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

[111] - في عيون الأخبار: حدّثنا محمد بن القاسم الإسترآبادي - المفسّر رضي اللّه عنه - قال: حدّثني يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن

ص: 116


1- البحار: 244/92 ضمن ح 48، كتاب التوحيد: 230-231 /ب 31 ح 5.

علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام عن أبيه عن جدّه عليه السّلام قال: جاء الرجل إلى الرضا عليه السّلام فقال له، يا بن رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ما تفسيره ؟

فقال: لقد حدّثني أبي عن جدي عن الباقر عن زين العابدين عن أبيه عليهم السّلام، أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: أخبرني عن قول اللّه تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ - ما تفسيره ؟

فقال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ هو أن عرّف عباده بعض نعمه عليهم جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال لهم: قولوا الحمد للّه على ما أنعم به علينا رب العالمين و هم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات و الحيوانات، فأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته و يغذوها من رزقه، و يحوطها بكنفه، و يدبّر كلاّ منها بمصلحته، و أما الجمادات فهو يمسكها بقدرته و يمسك المتصل منها أن يتهافت(1) و يمسك

ص: 117


1- التهافت: التساقط.

المتهافت منها أن يتلاصق و يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه و يمسك الأرض أن تنخسف إلاّ بأمره، إنّه بعباده رؤوف رحيم، قال عليه السّلام: رَبِّ الْعالَمِينَ مالكهم و خالقهم و سائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون و من حيث لا يعلمون، فالرزق مقسوم، و هو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا، ليس تقوى متق بزائده، و لا فجور فاجر بناقصه، و بينه و بينه ستر و هو طالبه، فلو أنّ أحدكم يفر من رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت، فقال اللّه جلّ جلاله:

قولوا الحمد للّه على ما أنعم به علينا، و ذكرنا به من خير في كتب الأولين قبل أن تكون، ففي هذا إيجاب على محمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم و على شيعتهم أن يشكروه بما فضّلهم، و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لما بعث اللّه عزّ و جلّ موسى بن عمران عليه السّلام و اصطفاه نجيا و فلق له البحر و نجّى بني إسرائيل و أعطاه التوراة و الألواح رأى مكانه من ربّه عزّ و جلّ فقال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي فقال اللّه جلّ جلاله: يا موسى، أما علمت أنّ محمدا أفضل عندي من جميع ملائكتي و جميع خلقي ؟

قال موسى: يا رب فإن كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي ؟

ص: 118

قال اللّه جلّ جلاله: يا موسى، أما علمت أنّ فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمد على جميع المرسلين ؟ و قال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمّتي ؟ ظللت عليهم الغمام و أنزلت عليهم المنّ و السلوى و فلقت لهم البحر؟

فقال اللّه جلّ جلاله: يا موسى، أما علمت أنّ فضل أمة محمد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي ؟ فقال موسى: يا رب، ليتني كنت أراهم!

فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه يا موسى: إنك لن تراهم و ليس هذا أوان ظهورهم، و لكن سوف تراهم في الجنات: جنات عدن و الفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون و في خيراتها يتبحبحون، أفتحب أن اسمعك كلامهم ؟

قال: نعم إلهي، قال اللّه جلّ جلاله: قم بين يدي و اشدد مئزرك(1) قيام العبد الذليل بين يدي الجليل، ففعل ذلك موسى عليه السّلام فنادى ربنا عزّ و جلّ: يا أمة محمد! فأجابوه كلهم و هم في أصلاب آبائهم و أرحام أمهاتهم، لبيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة و الملك

ص: 119


1- المئزر: الإزار.

لك لا شريك لك قال: فجعل اللّه عزّ و جلّ تلك الإجابة شعار الحاج.

ثم نادى ربنا عزّ و جلّ: يا أمة محمد إنّ قضائي عليكم أنّ رحمتي سبقت غضبي و عفوي قبل عقابي، فقد استجبت لكم من قبل أن تدعوني و أعطيتكم من قبل أن تسألوني، من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله صادق في أقواله محق في أفعاله، و أنّ علي بن أبي طالب عليه السّلام أخوه و وصيه من بعده و وليه و يلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد، و أنّ أولياءه المصطفين الطاهرين المطهرين المبانين(1) بعجائب آيات اللّه و دلائل حجج اللّه من بعدهما أولياءه أدخلته جنتي و إن كانت ذنوبه مثل زبد البحر، قال: فلما بعث اللّه عزّ و جلّ نبيّنا محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يا محمد و ما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمّتك بهذه الكرامة، ثم قال عزّ و جلّ لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قل: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على ما اختصني به من هذه الفضيلة، و قال لأمته: قولوا: الحمد للّه رب العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل(2).

ص: 120


1- أي المظهرين و في المصدر: (المنبئين) و في نسخة البحار في باب ما ناجى به موسى بن عمران عليه السّلام (الميامين) و هو مصحف.
2- عيون الأخبار: 254/1 /ب 28 ح 30.

[112] - و بإسناده إلى محمد بن مروان قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من قال إذا عطس الحمد للّه رب العالمين على كل حال، لم يجد وجع الأذنين و الأضراس(1).

قوله تعالى: اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[113] - قال الإمام العسكري عليه السّلام: «الرحمن»:

العاطف على خلقه بالرزق، لا يقطع عنهم مواد رزقه، و إن انقطعوا عن طاعته. «الرحيم» بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته و بعباده الكافرين في الرفق بهم في دعائهم إلى موافقته.

قال: و إن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «الرحمن» هو العاطف على خلقه بالرزق.

قال: و من رحمته أنه لما سلب الطفل قوة النهوض و التغذي جعل تلك القوة في أمه، و رققها عليه لتقوم بتربيته و حضانته، فإن قسا قلب أم من الأمهات أوجب تربية هذا الطفل - و حضانته - على سائر المؤمنين، و لما سلب بعض الحيوانات قوة التربية لأولادها، و القيام بمصالحها، جعل

ص: 121


1- الكافي: 655/2 ح 15.

تلك القوة في الأولاد لتنهض حين تولد و تسير إلى رزقها المسبب لها.

قال عليه السّلام: و تفسير قوله عزّ و جلّ «الرحمن»: أن قوله «الرحمن» مشتق من الرحمة سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:

قال اللّه عزّ و جلّ: أنا «الرحمن». و هي - من - الرحم شققت لها إسما من إسمي، من وصلها وصلته، و من قطعها قطعته.

ثم قال علي عليه السّلام: أو تدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن، و من قطعها قطعه الرحمن ؟

فقيل يا أمير المؤمنين: حث بهذا كل قوم على أن يكرموا أقرباءهم و يصلوا أرحامهم.

فقال لهم: أيحثهم على أن يصلوا أرحامهم الكافرين، و أن يعظّموا من حقّره اللّه، و أوجب احتقاره من الكافرين ؟

قالوا: لا، و لكنه حثّهم على صلة أرحامهم المؤمنين.

قال: فقال: أوجب حقوق أرحامهم، لاتّصالهم بآبائهم و أمهاتهم ؟

قلت: بلى يا أخا رسول اللّه.

قال: فهم إذن إنما يقضون فيهم حقوق الآباء و الأمهات ؟

ص: 122

قلت: بلى يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال: فآباؤهم و أمهاتهم إنما غذوهم في الدنيا و وقوهم مكارهها، و هي نعمة زائلة، و مكروه ينقضي، و رسول ربهم ساقهم إلى نعمة دائمة لا تنقضي، و وقاهم مكروها مؤبدا لا يبيد، فأي النعمتين أعظم ؟

قلت: نعمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعظم و أجل و أكبر.

قال: فكيف يجوز أن يحث على قضاء حق من صغّر - اللّه - حقه، و لا يحث على قضاء حق من كبّر - اللّه - حقه ؟

قلت: لا يجوز ذلك.

قال: فإذا حق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعظم من حق الوالدين، و حق رحمه أيضا أعظم من حق رحمهما، فرحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أولى بالصلة، و أعظم في القطيعة، فالويل كل الويل لمن قطعها، و الويل كل الويل لمن لم يعظّم حرمتها.

أو ما علمت أن رحمة رحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حرمة رسول اللّه، و أن حرمة رسول اللّه حرمة اللّه تعالى، و أن اللّه أعظم حقا من كل منعم سواه، و أن كل منعم سواه إنما أنعم حيث قيضه لذلك ربه، و وفقه له.

ص: 123

أما علمت ما قال اللّه تعالى لموسى بن عمران ؟ قلت:

بأبي أنت و أمي ما الذي قال له ؟

قال عليه السّلام: قال اللّه تعالى: يا موسى، أتدري ما بلغت برحمتي إياك ؟

فقال موسى: أنت أرحم بي من أبي و امي.

قال اللّه تعالى: يا موسى، إنما رحمتك أمك بفضل رحمتي، فأنا الذي رققتها عليك، و طيبت قلبها لتترك طيب و سنها لتربيتك، و لو لم أفعل ذلك بها لكانت هي و سائر النساء سواء.

يا موسى، أتدري أن عبدا من عبادي يكون له ذنوب و خطايا تبلغ أعنان السماء فأغفرها له و لا أبالي ؟

قال: يا رب، و كيف لا تبالي ؟

قال تعالى: لخصلة شريفة تكون في عبدي أحبها، و هي أن يحب إخوانه الفقراء المؤمنين، و يتعاهدهم، و يساوي نفسه بهم، و لا يتكبر عليهم.

فإذا فعل ذلك غفرت له ذنوبه، و لا أبالي.

يا موسى، إن الفخر ردائي و الكبرياء إزاري، من نازعني في شي منهما عذّبته بناري.

ص: 124

يا موسى، إن من إعظام جلالي إكرام العبد الذي أنلته حظا من حطام الدنيا عبدا من عبادي مؤمنا، قصرت يديه في الدنيا، فإن تكبر عليه فقد استخف بعظيم جلالي.

ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن الرحم التي اشتقها اللّه عزّ و جلّ من رحمته بقوله: أنا «الرحمن» هي رحم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إن من إعظام اللّه إعظام محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إن من إعظام محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إعظام رحم محمد، و إن كل مؤمن و مؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمد، و إن إعظامهم من إعظام محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فالويل لمن استخف بشي من حرمة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و طوبى لمن عظم حرمته، و أكرم رحمه و وصلها(1).

قوله تعالى اَلرَّحِيمِ

[114] - في نهج البلاغة: رحيم لا يوصف بالرّقة(2).

[115] - قال الإمام العسكري عليه السّلام: و أما قوله تعالى «الرحيم» فإن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: رحيم بعباده

ص: 125


1- البحار: 248/92 ضمن ح 48، و ج 266/23 ح 12 و تأويل الايات: 24/1 ح 3.
2- نهج البلاغة: خطبة 179.

المؤمنين، و من رحمته أنه خلق مائة رحمة، و جعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم، فبها يتراحم الناس، و ترحم الوالدة ولدها، و تحنو الأمهات من الحيوانات على أولادها.

فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة - الواحدة - إلى تسعة و تسعين رحمة فيرحم بها أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة حتى أن الواحد ليجيء إلى مؤمن من الشيعة، فيقول: إشفع لي.

فيقول: و أي حق لك علي ؟ فيقول: سقيتك يوما ماء، فيذكر ذلك، فيشفع له، فيشفع فيه، و يجيئه آخر فيقول: إن لي عليك حقا، فاشفع لي.

فيقول: و ما حقك علي ؟

فيقول: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار.

فيشفع له، فيشفع فيه، و لا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه و خلطائه و معارفه، فإن المؤمن أكرم على اللّه مما تظنون(1).

قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

ص: 126


1- تأويل الايات: 25/1 ح 4 و البحار 250/92 ضمن ح 48 و ج 44/8 ح 44.

[116] - قال الإمام العسكري عليه السّلام: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أي قادر على إقامة يوم الدين، و هو يوم الحساب، قادر على تقديمه على وقته، و تأخيره بعد وقته، و هو المالك أيضا في يوم الدين، فهو يقضي بالحق، لا يملك الحكم و القضاء في ذلك اليوم من يظلم و يجور، كما في الدنيا من يملك الأحكام.

قال: و قال أمير المؤمنين عليه السّلام يَوْمِ الدِّينِ هو يوم الحساب.

و قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: ألا أخبركم بأكيس الكيسين و أحمق الحمقى ؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه.

قال: أكيس الكيسين من حاسب نفسه، و عمل لما بعد الموت، و أنا أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها، و تمنى على اللّه تعالى الأماني.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، و كيف يحاسب الرجل نفسه ؟

قال عليه السّلام: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه فقال:

يا نفس، إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا، و اللّه تعالى يسألك عنه في ما أفنيته، فما الذي عملت فيه ؟

ص: 127

أذكرت اللّه أم حمدته ؟ أقضيت حوائج مؤمن ؟ أنفست عنه كربة ؟

أحفظته بظهر الغيب في أهله و ولده ؟ أحفظته بعد الموت في مخلفيه ؟

أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك ؟ أأعنت مسلما؟

ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه.

فإن ذكر أنه جرى منه خير، حمد اللّه تعالى، و كبره على توفيقه، و إن ذكر معصية أو تقصيرا، إستغفر اللّه تعالى، و عزم على ترك معاودته، و محا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد و آله الطيبين، و عرض بيعة أمير المؤمنين علي عليه السّلام على نفسه، و قبوله لها، و إعادة لعن أعدائه و شانئيه و دافعيه عن حقه. فإذا فعل ذلك قال اللّه عزّ و جلّ: لست أناقشك في شيء من الذنوب مع موالاتك أوليائي، و معاداتك أعدائي(1).

[117] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أخبرنا أحمد بن

ص: 128


1- تنبيه الخواطر: 94/2 تأويل الايات: 26/1 ح 6، و البحار: 69/70 ح 16.

محمد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن محمد بن خلف العطار، حدّثنا المنذر بن المنذر الفارسي، حدّثنا هارون بن حاتم، حدّثنا إسحاق بن منصور الأسدي عن أبي إسحاق...

عن مالك بن دينار عن أنس قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أبا بكر و عمر و عثمان و عليّا يقرأون: ملك يوم الدّين ،و أوّل من قرأها: (ملك يوم الدين) مروان بن الحكم(1).

قوله تعالى: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ

[118] - قال الإمام عليه السّلام (إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ) قال اللّه تعالى: قولوا: يا أيها الخلق المنعم عليهم.

«إِيّاكَ نَعْبُدُ» أيها المنعم علينا، و نطيعك مخلصين مع التذلل و الخضوع بلا رياء، و لا سمعة.

«وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ » :منك نسأل المعونة على طاعتك لنؤديها كما أمرت، و نتقي من دنيانا ما نهيت عنه، و نعتصم - من الشيطان الرجيم، و من سائر مردة الجن و الإنس من المضلين، و من المؤذين الظالمين - بعصمتك(2).

و قال: سئل أمير المؤمنين عليه السّلام من العظيم الشقاء؟

ص: 129


1- تفسير الثعلبي: 113/1.
2- تنبيه الخواطر: 95/2، و تأويل الايات: 27/1 ح 7، و البحار: 216/7.

قال عليه السّلام: رجل ترك الدنيا للدنيا، ففاتته الدنيا و خسر الآخرة، و رجل تعبد و اجتهد و صام رئاء الناس فذاك الذي حرم لذات الدنيا، و لحقه التعب الذي لو كان به مخلصا لاستحق ثوابه، فورد الآخرة و هو يظن أنه قد عمل ما يثقل به ميزانه، فيجده هباء منثورا.

قيل: فمن أعظم الناس حسرة ؟ قال: من رأى ماله في ميزان غيره، و أدخله اللّه به النار، و أدخل وارثه به الجنة.

قيل: فكيف يكون هذا؟

قال: كما حدثني بعض إخواننا عن رجل دخل إليه و هو يسوق(1) فقال له: يا أبا فلان ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق ما أديت منها زكاة قط، و لا وصلت منها رحما قط؟

قال: فقلت: فعلام جمعتها؟

قال: لجفوة السلطان، و مكاثرة العشيرة، و تخوف الفقر على العيال، و لروعة الزمان.

ص: 130


1- السوق: - بالواو الساكنة - النزع، كأن روحه تساق لتخرج من بدنه (النهاية: 424/2).

قال: ثم لم يخرج من عنده حتى فاضت نفسه.

ثم قال علي عليه السّلام: الحمد للّه الذي أخرجه منها ملوما (مليما) بباطل جمعها، و من حق منعها، جمعها فأوعاها، و شدها فأوكاها (1) ،قطع فيها المفاوز القفار، و لجج البحار أيها الواقف لا تخدع كما خدع صويحبك بالأمس، إن - من - أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى ماله في ميزان غيره، أدخل اللّه عزّ و جلّ هذا به الجنة و أدخل هذا به النار(2).

قوله تعالى: اِهْدِنَا

[119] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب (كرّم اللّه وجهه) و أبيّ بن كعب: أرشدنا(3).

قوله تعالى: اَلصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ

[120] - أبو إسحاق الثعلبي قال: أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن حامد، و أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري قالا: أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد اللّه المزني، حدّثنا

ص: 131


1- الوكاء: الخيط الذى يشد به الصرة و الكيس و غيرهما. (النهاية: 222/5).
2- تنبيه الخواطر: 95/2، و البحار: 251/92 ضمن ح 48، و مستدرك الوسائل: 645/2 باب 23 ح 1.
3- تفسير الثعلبي: 118/1.

محمد بن عبد اللّه بن سليمان، حدّثنا الحسين بن علي عن حمزة الزيّات عن أبي المختار الطائي عن [ابن] أبي أخ الحرث الأعسر عن الحرث عن علي قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم [يقول]: «الصراط المستقيم كتاب اللّه عزّ و جلّ »(1).

قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

[121] - في كتاب معاني الأخبار: حدّثنا محمد بن القاسم الإسترآبادي المفسر قال: حدّثني يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (2) أي قولوا: إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك، و هم الذين قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و حكى هذا بعينه عن أمير المؤمنين(3).

ص: 132


1- تفسير الثعلبي: 120/1، و معاني القرآن: 76/1، و تفسير القرطبي: 8 / 329.
2- الفاتحة: 7.
3- معاني الأخبار: 36 ح 9.

قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ

[122] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قرأ عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب - رضي اللّه عنهما -: (و غير الضالين )(1).

قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ

[123] - في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

أمر اللّه عزّ و جلّ عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم، و هم النبيّون و الصدّيقون و الشهداء و الصالحون، و أن يستعيذوا به من طريق المغضوب عليهم و هم اليهود الذين قال اللّه فيهم:

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ (2) و أن يستعيذوا به من طريق الضالين، و هم الذين قال اللّه فيهم: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (3) و هم النصارى.

ص: 133


1- تفسير الثعلبي: 123/1.
2- المائدة: 60.
3- المائدة: 77.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام: كلّ من كفر باللّه فهو مغضوب عليه، و ضالّ عن سبيل اللّه(1).

[124] - قال الإمام العسكري عليه السّلام: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أمر اللّه عزّ و جلّ عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم، و هم: النبيون و الصديقون و الشهداء و الصالحون و أن يستعيذوا - به - من طريق المغضوب عليهم و هم اليهود الذين قال اللّه تعالى فيهم: «قل هل انبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه من لعنه اللّه و غضب عليه» و أن يستعيذوا به من طريق الضالين، و هم الذين قال اللّه تعالى فيهم: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق و لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرا و ضلوا عن سواء السبيل» و هم النصارى.

ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام: كل من كفر باللّه فهو مغضوب عليه، و ضال عن سبيل اللّه عزّ و جلّ.

و قال الرضا عليه السّلام كذلك، و زاد فيه، فقال: و من تجاوز بأمير المؤمنين عليه السّلام العبودية فهو من المغضوب عليهم و من الضالين(2).

ص: 134


1- تفسير الإمام العسكري: 50، البحار 273:25.
2- عن البحار: 256/92 ذ ح 48، و تأويل الايات: 30/1 ح 15

سورة البقرة

اشارة

ص: 135

ص: 136

الآيتان (1) و (2)

[سورة البقرة (2): الآیات 1 الی 2]

اشارة

الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ

معنى حروف الهجاء

[125] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: إنّ لكل كتاب صفوة، و صفوة هذا الكتاب حروف التهجّي(1).

[126] - محمد بن القاسم المفسّر، عن يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين أنّه قال: كذّبت قريش و اليهود بالقرآن

ص: 137


1- تفسير الثعلبي: 136/1.

و قالوا: سحر مبين تقوّله، فقال اللّه: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته عليك هو بالحروف المقطعة التي منها: ألف لام، ميم، و هو بلغتكم و حروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين و استعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثم بيّن أنهم لا يقدرون عليه بقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ثم قال اللّه:

الم هو القرآن الذي افتتح بألم، هو ذلك الكتاب الذي أخبرت موسى فمن بعده من الأنبياء، فأخبروا بني إسرائيل أنّي سأنزله عليك يا محمد كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد لا رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أنّ محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل يقرأه هو و أمته على سائر أحوالهم هُدىً بيان من الضلالة لِلْمُتَّقِينَ الذين يتّقون الموبقات، و يتّقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضى ربهم.

قال: و قال الصادق عليه السّلام: ثم الألف حرف من حروف قولك: (اللّه) دلّ بالألف على قولك: اللّه، و دلّ باللام على

ص: 138

قولك: الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، و دلّ بالميم على أنّه المجيد المحمود في كل أفعاله، و جعل هذا القول حجّة على اليهود، و ذلك أنّ اللّه لما بعث موسى بن عمران عليه السّلام ثم من بعده من الأنبياء عليهم السّلام إلى بني إسرائيل لم يكن فيهم قوم إلاّ أخذوا على اليهود العهود و المواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة الذي يهاجر إلى المدينة، يأتي بكتاب بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره يحفظه أمته فيقرأونه قياما و قعودا و مشاة. و على كل الأحوال، يسهّل اللّه عزّ و جلّ حفظه عليهم، و يقرنون بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخاه و وصيه علي بن أبي طالب عليه السّلام الآخذ عنه علومه التي علمها.

و المتقلد عنه لأمانته التي قلّدها، و مذلل كل من عاند محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسيفه الباتر، و مفحم كل من حاوره و خاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد اللّه على تنزيل كتاب اللّه إلى قبوله طائعين و كارهين، ثم إذا صار محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى رضوان اللّه عزّ و جلّ، و ارتدّ كثير ممن كان أعطاه ظاهر الإيمان و حرّفوا تأويلاته و غيّروا معانيه و وضعوها على خلاف وجوهها قاتلهم بعد على تأويله حتى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلول.

ص: 139

قال: فلما بعث اللّه محمدا و أظهره بمكة ثم سيّره(1) منها إلى المدينة و أظهره بها، ثم أنزل عليه الكتاب و جعل افتتاح سورته الكبرى بألم يعني (الم ذلِكَ الْكِتابُ) و هو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك يا محمد (لا رَيْبَ فِيهِ) فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أنّ محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرأه هو و أمته على سائر أحوالهم، ثم اليهود يحرّفونه عن جهته، و يتأولونه على غير وجهه، و يتعاطون التوصل إلى علم ما قد طواه اللّه عنهم من حال أجل هذه الأمة، و كم مدة ملكه(2) فجاء إلى رسول اللّه منهم جماعة فولّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليا عليه السّلام مخاطبتهم.

فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمد حقا، لقد علمناكم قدر ملك أمته هو إحدى و سبعون سنة، (الألف) واحد، و (اللام) ثلاثون، و (الميم) أربعون.

فقال علي عليه السّلام: فما تصنعون ب المص و قد أنزلت عليه ؟

ص: 140


1- في نسخة: هاجر.
2- في نسخة: ملكهم.

فقالوا: هذه إحدى و ستون و مائة سنة.

قال: فماذا تصنعون ب الر و قد أنزلت عليه ؟

فقالوا: هذه أكثر، هذه مائتان و إحدى و ثلاثون سنة.

فقال علي عليه السّلام: فما تصنعون بما أنزل إليه المر ؟

قالوا: هذه مائتان و احدى و سبعون سنة، فقال علي عليه السّلام: فواحدة من هذه له أو جميعها له ؟ فاختلط كلامهم، فبعضهم قال: له واحدة منها و بعضهم قال: بل يجمع له كلها و ذلك سبعمائة و أربع سنين، ثم يرجع الملك إلينا يعني إلى اليهود.

فقال علي عليه السّلام: أكتاب من كتب اللّه عزّ و جلّ نطق بهذا أم آراؤكم دلّتكم عليه ؟

فقال بعضهم: كتاب اللّه نطق به. و قال آخرون منهم: بل آراؤنا دلت عليه، فقال علي عليه السّلام: فأتوا بالكتاب من عند اللّه ينطق بما تقولون، فعجزوا عن إيراد ذلك، و قال للآخرين:

فدلّونا على صواب هذا الرأي، فقالوا: صواب رأينا دليله على أنّ هذا حساب الجمل، فقال علي عليه السّلام: كيف دلّ على ما تقولون و ليس في هذه الحروف إلاّ ما اقترحتم بلا بيان أرأيتم إنّ قيل لكم: إن هذه الحروف ليست دالة على هذه

ص: 141

المدة لملك أمة محمد و لكنها دالة على أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب، أو أنّ عدد ذلك لكل واحد منكم و منا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير أو أنّ لعلي على كل واحد منكم دينا عدد ماله مثل هذا الحساب ؟

فقالوا: يا أبا الحسن، ليس شيء مما ذكرته منصوصا عليه في الم و المص و الر و المر فقال:

عليّ عليه السّلام: و لا شيء مما ذكرتموه منصوصا عليه في الم و المص و الر و المر فإن بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت: فقال خطيبهم و منطيقهم(1) لا تفرح يا علي بأن عجزنا عن إقامة حجّة على دعوانا فأي حجّة لك في دعواك إلاّ أن تجعل عجزنا حجّتك، فإذا ما لنا حجّة في ما نقول و لا لكم حجّة في ما تقولون.

قال علي عليه السّلام: لا سواء إنّ لنا حجّة هي المعجزة الباهرة، ثم نادى جمال اليهود: يا أيّتها الجمال، إشهدي لمحمد و لوصيه، فتبادرت الجمال: صدقت صدقت يا وصي محمد، و كذّب هؤلاء اليهود، فقال علي عليه السّلام: هؤلاء جنس من الشهود، يا ثياب اليهود التي عليهم، إشهدي لمحمد

ص: 142


1- المنطيق: المتكلم البليغ.

و لوصيه فنطقت ثيابهم كلهم صدقت يا علي نشهد أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسول اللّه حقا و أنك يا علي وصيه حقا، لم يثبّت محمد قدما في مكرمة إلاّ وطئت على موضع قدمه بمثل مكرمته فأنتما شقيقان من أشرف أنوار اللّه، تميزتما اثنين و أنتما في الفضائل شريكان، إلاّ أنه لا نبي بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعند ذلك خرست اليهود و آمن بعض النظارة منهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و غلب الشقاء على اليهود و سائر النظارة الآخرين، فذلك ما قال اللّه تعالى لا رَيْبَ فِيهِ إنه كما قال محمد و وصي محمد عن قول محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قول رب العالمين.

ثم قال هُدىً بيان و شفاء لِلْمُتَّقِينَ من شيعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علي أنهم اتّقوا أنواع الكفر فتركوها، و اتّقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، و اتّقوا إظهار أسرار اللّه تعالى و أسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكتموها، و اتّقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها و فيهم نشروها(1).

ص: 143


1- معاني الأخبار: 24-25 ح 4، البحار: 218/17 ضمن ح 21، و تأويل الايات: 32/1 قطعة، و عن البحار: 215/92 ح 18 و عن الاحتجاج، و حلية الابرار: 482/2، و البرهان: 54/1 ضمن ح 9، و نور الثقلين: 24/1 ضمن ح 7 عن معانى الأخبار.

[127] - و بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال و قد سئل ما الفائدة في حروف الهجاء؟

فقال علي عليه السّلام ما من حرف إلاّ و هو إسم من أسماء اللّه عزّ و جلّ(1).

[128] - في مجمع البيان: إختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتح بها السور، فذهب بعضهم إلى أنها من المتشابهات التي استأثر اللّه بعلمها و لا يعلم تأويلها إلاّ هو، و هذا هو المروي عن أئمتنا عليهم السّلام، و روى العامة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: لكل كتاب صفوة و صفوة هذا الكتاب حروف التهجي(2).

ص: 144


1- كتاب التوحيد: 235 /ب 32 ح 2.
2- مجمع البيان: 112/1 الآية 1 من سورة البقرة.

الآية (3)

[سورة البقرة (2): آیة 3]

وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ

[129] - عن الإمام العسكري عليه السّلام: في حديث قال علي عليه السّلام:...

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فأيكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن ؟

فقال علي عليه السّلام: أنا. قال: صنعت ماذا؟ قال: مررت بعمار بن ياسر و قد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهما كانت له عليه.

فقال عمار: يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا يلازمني و لا يريد إلاّ أذاي و إذلالي لمحبتي لكم أهل البيت، فخلصني منه بجاهك. فأردت أن أكلم له اليهودي.

فقال: يا أخا رسول اللّه إنك أجلّ في قلبي و عيني من

ص: 145

أن أبذلك لهذا الكافر و لكن إشفع لي إلى من لا يردك عن طلبة، و لو أردت جميع جوانب العالم أن يصيرها كأطراف السفرة - لفعل - فاسأله أن يعينني على أداء دينه، و يغنيني عن الإستدانة.

فقلت: اللهم إفعل ذلك به، ثم قلت له: إضرب بيدك إلى ما بين يديك من شي «حجر أو مدر» فإن اللّه يقلبه لك ذهبا إبريزا فضرب يده، فتناول حجرا فيه أمنان(1) فتحول في يده ذهبا.

ثم أقبل على اليهودي فقال: و كم دينك ؟ قال: ثلاثون درهما.

فقال: كم قيمتها من الذهب ؟ قال: ثلاثة دنانير.

قال عمار: اللّهم بجاه من بجاهه قلبت هذا الحجر ذهبا، ليّن لي هذا الذهب لأفصل قدر حقه.

فألان اللّه عزّ و جلّ له، ففصل له ثلاثة مثاقيل، و أعطاه.

ثم جعل ينظر إليه و قال: تقول كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6)

ص: 146


1- في نسخة: منان، و المن: رطلان و الرطل: تسعون (احدى و تسعون) مثقالا. (مجمع البحرين: رطل، منن).

أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (1) و لا أريد غنى يطغيني.

اللهم فأعد هذا الذهب حجرا بجاه من جعلته ذهبا بعد أن كان حجرا. فعاد حجرا فرماه من يده، و قال: «حسبي من الدنيا و الآخرة موالاتي لك يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فتعجبت ملائكة السماوات و الأرض من فعله، وعجت إلى اللّه تعالى بالثناء عليه، فصلوات اللّه من فوق عرشه تتوالى عليه.

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فأبشر يا أبا اليقظان فانك أخو علي في ديانته، و من أفاضل أهل ولايته و من المقتولين في محبته، تقتلك الفئة الباغية، و آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن و تلحق روحك بأرواح محمد و آله الفاضلين، فأنت من خيار شيعتي(2).

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فأيكم أدى زكاته اليوم ؟ قال علي عليه السّلام: أنا يا رسول اللّه. فأسرّ المنافقون في أخريات المجلس بعضهم إلى بعض يقولون: و أي مال لعلي عليه السّلام حتى يؤدي منه الزكاة ؟

ص: 147


1- سورة العلق: 6-7.
2- البحار: 333/22 ح 48، و ج 19/41 ضمن ح 12.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا علي أتدري ما يسره هؤلاء المنافقون في أخريات المجلس ؟

قال علي عليه السّلام: بلى، قد وصل إلي مقالتهم، يقولون:

و أي مال لعلي عليه السّلام حتى يؤدي زكاته ؟

كل مال يغتنم من يومنا هذا إلى يوم القيامة فلي خمسه بعد وفاتك يا رسول اللّه و حكمي على الذي منه لك في حياتك جائز، فإني نفسك و أنت نفسي.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كذلك - هو - يا علي، و لكن كيف أديت زكاة ذلك ؟

فقال علي عليه السّلام: يا رسول اللّه علمت بتعريف اللّه إياي على لسانك أن نبوتك هذه سيكون بعدها ملك عضوض، و جبرية(1) فيستولى على خمسي من السبي و الغنائم فيبيعونه، فلا يحل لمشتريه، لأن نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي فيه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحل لهم من

ص: 148


1- في نسخة: وجير. قال ابن الاثير في النهاية: 253/3: و فيه «ثم يكون ملك عضوض» أي يصيب الرعيّة فيه عسف و ظلم كأنهم يعضون فيه عضا. و العضوض من أبنية المبالغة. و قال في ج 236/1: «ثم يكون ملك و جبروت» أي عتوّ و قهر. يقال: جبار بين - بالباء المشددة - الجبرية و الجبروت.

منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم، و لا يكون أولادهم أولاد حرام.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما تصدق أحد أفضل من صدقتك و قد تبعك رسول اللّه في فعلك: أحل لشيعته كل ما كان فيه من غنيمته، و بيع من نصيبه على واحد من شيعته و لا أحله أنا و لا أنت لغيرهم(1).

ص: 149


1- الوسائل: 385/6 ح 20، و البحار: 20/41 ضمن ح 12، و ج 193/96 ح 16.

الآية (14)

[سورة البقرة (2): آیة 14]

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا...

[130] - الثعلبي في تفسيره، و قد روى أبو صالح، عن ابن عباس، إنّ عبد اللّه بن أبي و أصحابه، تملّقوا مع علي عليه السّلام في الكلام فقال علي:

يا عبد اللّه اتّق اللّه و لا تنافق فإنّ المنافق شرّ خلق اللّه.

فقال: مهلا يا أبا الحسن، و اللّه إنّ إيماننا كإيمانكم، ثمّ تفرّقوا.

فقال عبد اللّه: كيف رأيتم ما فعلت ؟ فأثنوا عليه، فنزل وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا ... (1).

ص: 150


1- مناقب ابن شهرآشوب، باب أنّه عليه السلام الإيمان و الإسلام 94:3، البحار 122:36.

الآية (20)

[سورة البقرة (2): آیة 20]

يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ...

[131] - أبو إسحاق الثعلبي قال: ربيعة بن الأبيض عن علي عليه السّلام قال: البرق مخاريق الملائكة(1).

[132] - في من لا يحضره الفقيه: و قال علي عليه السّلام:

الرعد صوت الملك، و البرق سوطه(2).

ص: 151


1- تفسير الثعلبي: 164/1، و السنن الكبرى (البيهقي): 363/3؛ الصحاح (الجوهري): 1467/4.
2- من لا يحضره الفقيه: 526/1 ح 1497.

الآية (22)

[سورة البقرة (2): آیة 22]

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ...

[133] - في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قول اللّه عزّ و جلّ:

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً :إن اللّه تعالى لما خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات و الأرض، و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ (1)- يعني و كان عرشه على الماء - قبل أن يخلق السماوات و الأرض.

- قال: - فأرسل الرياح على الماء، فبخر الماء من أمواجه، و ارتفع عنه الدخان و علا فوقه الزبد، فخلق من

ص: 152


1- سورة هود: 7.

دخانه السماوات السبع، و خلق من زبده الأرضين - السبع - فبسط الأرض على الماء، و جعل الماء على الصفا، و الصفا على الحوت، و الحوت على الثور، و الثور على الصخرة التي ذكرها لقمان لابنه فقال: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ (1).

و الصخرة على الثرى، و لا يعلم ما تحت الثرى إلاّ اللّه.

فلما خلق اللّه تعالى الأرض دحاها من تحت الكعبة، ثم بسطها على الماء، فأحاطت بكل شي، ففخرت الأرض و قالت: أحطت بكل شي فمن يغلبني ؟ و كان في كل أذن من آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرونة الطرف بالعرش، فأمر اللّه الحوت فتحرك فتكفأت الأرض بأهلها كما تتكفأ السفينة على وجه الماء و قد اشتدت أمواجه لم تستطع الأرض الإمتناع، ففخر الحوت و قال: غلبت الأرض التي أحاطت بكل شي، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الجبال فأرساها، و ثقل الأرض بها، فلم يستطع الحوت أن يتحرك، ففخرت الجبال و قالت:

غلبت الحوت الذي غلب الأرض، فمن يغلبني ؟

ص: 153


1- لقمان: 16.

فخلق اللّه عزّ و جلّ الحديد، فقطعت به الجبال، و لم يكن عندها دفاع و لا امتناع ففخر الحديد و قال: غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني ؟ فخلق اللّه عزّ و جلّ النار، فألانت الحديد و فرقت أجزاءه و لم يكن عند الحديد دفاع و لا امتناع.

ففخرت النار و قالت: غلبت الحديد الذي غلب الجبال، فمن يغلبني ؟ فخلق اللّه عزّ و جلّ الماء، فأطفأ النار، و لم يكن عندها دفاع و لا امتناع، ففخر الماء و قال: غلبت النار التي غلبت الحديد، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الريح فأيبست الماء، ففخرت الريح، و قالت: غلبت الماء الذي غلب النار، فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ الإنسان فصرف الريح عن مجاريها بالبنيان ففخر الإنسان.

و قال: غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني ؟

فخلق اللّه عزّ و جلّ ملك الموت، فأمات الانسان، ففخر ملك الموت و قال: غلبت الإنسان الذي غلب الريح، فمن يغلبني ؟

ص: 154

فقال اللّه عزّ و جلّ: أنا القهار الغلاب الوهاب، أغلبك و أغلب كل شي، فذلك قوله تعالى إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ .(1).

قال: فقيل: يا رسول اللّه ما أعجب هذه السمكة و أعظم قوتها، لما تحركت حركت الأرض بما عليها حتى لم تستطع الإمتناع.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أولا أنبئكم بأقوى منها و أعظم و أرحب ؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال: إن اللّه عزّ و جلّ لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة و ستين ألف ركن، و خلق عند كل ركن ثلاثمائة و ستين ألف ملك، لو أذن اللّه تعالى لأصغرهم، فالتقم السماوات السبع و الأرضين السبع ما كان ذلك بين لهواته إلاّ كالرملة في المفازة الفضفاضة.

فقال اللّه تعالى - لهم -: يا عبادي احملوا عرشي هذا، فتعاطوه فلم يطيقوا حمله و لا تحريكه.

فخلق اللّه تعالى مع كل واحد منهم واحدا، فلم يقدروا

ص: 155


1- تفسير الإمام العسكري: 45 ح 73.

أن يزعزعوه فخلق اللّه مع كل واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحركوه فخلق - اللّه تعالى - بعدد كل واحد منهم، مثل جماعتهم فلم يقدروا أن يحركوه.

فقال اللّه عزّ و جلّ لجميعهم: خلوه علي أمسكه بقدرتي.

فخلوه، فأمسكه اللّه عزّ و جلّ بقدرته.

ثم قال لثمانية منهم: احملوه أنتم. فقالوا: - يا - ربنا لم نطقه نحن و هذا الخلق الكثير و الجم الغفير، فكيف نطيقه الآن دونهم ؟

فقال اللّه عزّ و جلّ: إني أنا اللّه المقرب للبعيد، و المذلل للعنيد و المخفف للشديد، و المسهل للعسير، أفعل ما أشاء و أحكم - ب - ما أريد، أعلمكم كلمات تقولونها يخفف بها عليكم. قالوا: و ما هي يا ربنا؟ قال: تقولون: (بسم اللّه الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم و صلّى اللّه على محمد و آله الطيبين).

فقالوها، فحملوه و خف على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد قوي. فقال اللّه عزّ و جلّ لسائر تلك الأملاك:

خلّوا على - كواهل - هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه، و طوفوا أنتم حوله، و سبحوني و مجدوني و قدسوني، فإني

ص: 156

أنا اللّه القادر على ما رأيتم و - أنا - على كل شي قدير.

فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أعجب أمر هؤلاء الملائكة حملة العرش في قوتهم و عظم خلقهم!

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هؤلاء مع قوتهم لا يطيقون حمل صحائف تكتب فيها حسنات رجل من أمتي.

قالوا: و من هو يا رسول اللّه لنحبه و نعظمه و نتقرب إلى اللّه بموالاته ؟

قال: ذلك الرجل، رجل كان قاعدا مع أصحاب له فمر به رجل من أهل بيتي مغطى الرأس فلم يعرفه.

فلما جاوزه إلتفت خلفه فعرفه، فوثب إليه قائما حافيا حاسرا، و أخذ بيده فقبلها و قبل رأسه و صدره و ما بين عينيه و قال: بأبي أنت و أمي يا شقيق رسول اللّه، لحمك لحمه، و دمك دمه، و علمك من علمه، و حلمك من حلمه، و عقلك من عقله، أسأل اللّه أن يسعدني بمحبتكم أهل البيت عليهم السّلام.

فأوجب اللّه - له - بهذا الفعل، و هذا القول من الثواب ما لو كتب تفصيله في صحائفه لم يطق حملها جميع هؤلاء الملائكة الطائفين بالعرش، و الأملاك الحاملين له.

ص: 157

فقال له أصحابه لما رجع إليهم: أنت في جلالتك و موضعك من الإسلام، و محلك عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تفعل بهذا ما نرى ؟

فقال لهم: أيها الجاهلون، و هل يثاب في الإسلام إلاّ بحب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حب هذا؟

فأوجب اللّه - له - بهذا القول مثل ما كان أوجب له بذلك الفعل و القول أيضا.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و لقد صدق في مقاله لأن رجلا لو عمّره اللّه عزّ و جلّ مثل عمر الدنيا مائة ألف مرة، و رزقه مثل أموالها مائة ألف مرة، فأنفق أمواله كلها في سبيل اللّه، و أفنى عمره صائم نهاره، قائم ليله، لا يفتر شيئا منه و لا يسأم، ثم لقي اللّه تعالى منطويا، على بغض محمد أو بغض ذلك الرجل الذي قام إليه هذا الرجل مكرما، إلاّ أكبّه اللّه على منخريه في نار جهنم، و لرد اللّه عزّ و جلّ أعماله عليه و أحبطها.

قال: فقالوا: و من هذان الرجلان يا رسول اللّه ؟

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أما الفاعل ما فعل بذلك المقبل المغطي رأسه فهو هذا، فتبادر القوم إليه ينظرونه، فإذا هو سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري.

ص: 158

و أما المقول له هذا القول، فهذا الآخر المقبل المغطي رأسه، فنظروا، فإذا هو على بن أبي طالب عليه السّلام.

ثم قال: ما أكثر من يسعد بحب هذين، و ما أكثر من يشقى ممن يحل حب أحدهما و بغض الآخر، إنهما جميعا يكونان خصما له، و من كانا له خصما كان محمد له خصما، و من كان محمد له خصما كان اللّه له خصما و فلج عليه و أوجب اللّه عليه عذابه.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عباد اللّه، إنما يعرف الفضل أهل الفضل.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (لسعد: أبشر) فإن اللّه يختم لك بالشهادة و يهلك بك أمة من الكفرة، و يهتز (عرش الرحمن) لموتك، و يدخل بشفاعتك الجنة مثل عدد - شعور - الحيوانات كلها.

قال: فذلك قوله تعالى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً تفترشونها لمنامكم و مقيلكم.

وَ السَّماءَ بِناءً سقفا محفوظا أن تقع على الأرض بقدرته تجري فيها شمسها و قمرها و كواكبها مسخّرة لمنافع عباده و إمائه.

ص: 159

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع على الأرض، فإن اللّه عزّ و جلّ يحفظ ما هو أعظم من ذلك.

قالوا: و ما هو؟ قال: أعظم من ذلك ثواب طاعات المحبين لمحمد و آله.

ثم قال: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملك يضعها في موضعها الذي يأمره به ربه عزّ و جلّ.

فعجبوا من ذلك.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أو تستكثرون عدد هؤلاء؟ إن عدد الملائكة المستغفرين لمحبي علي بن أبي طالب عليه السّلام أكثر من عدد هؤلاء -، و إن عدد الملائكة اللاعنين لمبغضيه أكثر من عدد هؤلاء.

ثم قال اللّه عزّ و جلّ: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ألا ترون كثرة - عدد - هذه الاوراق و الحبوب و الحشائش ؟ قالوا:

بلى يا رسول اللّه ما أكثر عددها!

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أكثر عددا منها ملائكة يبتذلون لآل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في خدمتهم، أتدرون فيما يبتذلون لهم ؟ - يبتذلون - في حمل أطباق النور، عليها التحف من عند ربهم فوقها مناديل النور، - و يخدمونهم في حمل

ص: 160

ما يحمل آل محمد منها إلى شيعتهم و محبيهم، و أنا طبق من تلك الأطباق يشتمل من الخيرات على ما لا يفي بأقل جزء منه جميع أموال الدنيا(1).

ص: 161


1- تفسير العسكري: 47 ح 75.

الآية (24)

[سورة البقرة (2): آیة 24]

فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ

[134] - في كتاب الإحتجاج(1) للطبرسي رحمه اللّه و روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام و لقد مررنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بجبل و إذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له ما يبكيك يا جبل ؟

فقال: يا رسول اللّه، كان المسيح مرّ بي و هو يخوّف الناس بنار وقودها الناس و الحجارة، فأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال: لا تخف تلك الحجارة الكبريت فقرّ الجبل و سكن و هدأ و أجاب(2).

[135] - الإمام العسكري عليه السّلام، قال عليّ بن

ص: 162


1- الإحتجاج: 220 احتجاجه على اليهود.
2- هدأ بمعنى سكن أيضا.

أبي طالب عليه السّلام في قوله تعالى: فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ :يا معاشر شيعتنا، إتّقوا اللّه و احذروا أن تكونوا لتلك النّار حطبا و إن لم تكونوا باللّه كافرين، فتوقّوها بتوقّي ظلم إخوانكم المؤمنين، و إنّه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلاّ ثقّل اللّه تعالى في تلك الدار سلاسله و أغلاله و لم يقله بفكه منها إلاّ بشفاعتنا، و لن نشفع له إلى اللّه تعالى إلاّ بعد أن نشفع له في أخيه المؤمن، فإن عفا عنه شفعنا و إلاّ طال في النّار مكثه(1).

ص: 163


1- تفسير البرهان 355:4، الإحتجاج 520:1 ح 127.

الآية (29)

[سورة البقرة (2): آیة 29]

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

[136] - في عيون الأخبار: حدّثنا أبو الحسن محمد بن القاسم - المفسّر رضي اللّه عنه - قال: حدّثنا يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً لتعتبروا به و لتتوصلوا به إلى رضوانه، و لتتوقّوا به من عذاب

ص: 164

نيرانه، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أخذ في خلقها و إتقانها فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ و لعلمه بكل شيء علم المصالح فخلق لكم كلّ ما في الأرض لمصالحكم يا بني آدم(1).

[137] - في كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال: قال علي عليه السّلام لبعض اليهود، و قد سأله عن مسائل: و سمّيت السماء سماء لأنها و سم الماء، يعني معدن الماء. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).

ص: 165


1- عيون الأخبار: 12/2 /ب 30 ح 29، و البحار: 40/3 ح 14، و أخرجه في البرهان: 72/1 ح 1 عن العيون.
2- علل الشرائع: 1 /ب 1 ح 1.

الآية (30)

[سورة البقرة (2): آیة 30]

إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ

[138] - في عيون الأخبار: حدّثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو سعيد النسوي قال:

حدّثني إبراهيم بن محمد بن هارون قال: حدّثنا أحمد بن الفضل البلخي قال: حدّثني خالي يحيى بن سعيد البلخي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال: بينما أنا أمشي مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض طرقات المدينة إذ لقينا شيخ كث اللحية بعيد ما بين المنكبين، فسلّم على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رحب به ثم التفت إليّ فقال: السلام عليك يا رابع الخلفاء و رحمة اللّه و بركاته، أ ليس كذلك هو يا رسول اللّه ؟

ص: 166

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بلى ثم مضى فقلت:

يا رسول اللّه، ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ و تصديقك له ؟

قال: أنت كذلك و الحمد للّه، إنّ اللّه عزّ و جلّ قال في كتابه: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و الخليفة المجعول فيها آدم عليه السّلام، و قال عزّ و جلّ: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (1) فهو الثاني، و قال عزّ و جلّ حكاية عن موسى حين قال لهارون عليه السّلام: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ (2) فهو هارون إذ استخلفه موسى عليه السّلام في قومه و هو الثالث، و قال عزّ و جلّ وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ (3) و كنت أنت المبلّغ عن اللّه عزّ و جلّ و عن رسوله، و أنت وصيي و وزيري و قاضي ديني و المؤدّي عني، و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، فأنت رابع الخلفاء كما سلّم عليك الشيخ، أو لا تدري من هو؟

قلت: لا، قال: ذاك أخوك الخضر عليه السّلام فاعلم(4).

[139] - و بالإسناد إلى أبي حمزة الثمالي عن علي

ص: 167


1- سورة ص، الآية: 26.
2- سورة الأعراف، الآية: 142.
3- سورة التوبة، الآية: 3.
4- عيون الأخبار: 12/1 /ب 30 ح 23 - ط - الأعلمي.

قال: قلت لأبي عبد اللّه لم صار الطواف سبعة أشواط؟ قال: لأن اللّه تبارك و تعالى قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فردوا على اللّه تبارك و تعالى، قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ قال اللّه: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ و كان لا يحجبهم عن نوره، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام، فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة فرحمهم و تاب عليهم و جعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة، و جعله مثابة لهم و وضع البيت الحرام تحت البيت المعمور، فجعله مثابة للناس و أمنا، فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا(1).

ص: 168


1- علل الشرائع: 2 /ب 143 ح 1.

الآيات (31) و (32) و (33)

[سورة البقرة (2): الآیات 31 الی 33]

وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (3(2) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ

[140] - في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: قال علي بن الحسين عليه السّلام: حدثني أبي، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: قال: يا عباد اللّه إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه، إذ كان اللّه قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور، و لم يتبين الأشباح.

فقال: يا رب، ما هذه الأنوار؟

قال اللّه عزّ و جلّ: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.

ص: 169

فقال آدم: يا رب، لو بينتها لي ؟

فقال اللّه عزّ و جلّ: أنظر يا آدم إلى ذروة العرش.

فنظر آدم، و وقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا.

فقال: يا رب، ما هذه الأشباح ؟

قال اللّه تعالى: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي و برياتي: هذا محمد و أنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له إسما من اسمي.

و هذا علي، و أنا العلي العظيم، شققت له إسما من اسمي.

و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، و فاطم أوليائي عما يعرهم و يسيئهم فشققت لها إسما من اسمي.

و هذان الحسن و الحسين و أنا المحسن و المجمل شققت

ص: 170

اسميهما من إسمي، هؤلاء خيار خليقتي كرام بريتي، بهم آخذ، و بهم أعطي، و بهم أعاقب، و بهم أثيب، فتوسل إلي بهم. يا آدم، و إذا دهتك داهية، فاجعلهم إلي شفعاءك، فإني آليت على نفسي قسما حقا - أن - لا أخيّب بهم آملا، و لا أرد بهم سائلا.

فذلك حين زلت منه الخطيئة، دعا اللّه عزّ و جلّ بهم، فتاب عليه و غفر له(1).

ص: 171


1- تأويل الآيات: 44/1 ح 19، و البحار: 150/11 ضمن ح 25، و ج 26 / 337 ضمن ح 10، و البرهان: 88/1 ح 13، و ينابيع المودة: 97.

الآية (34)

[سورة البقرة (2): آیة 34]

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ

[141] - في نهج البلاغة (الخطبة 1)، قال عليه السّلام:

... ثم جمع سبحانه من حزن الأرض(1) و سهلها، و عذبها و سبخها(2) تربة سنّها بالماء(3) حتى خلصت، و لاطها بالبلّة (4) ،حتى لزبت (5) ،فجبل منها صورة ذات أحناء(6) و وصول، و أعضاء و فصول: أجمدها حتى استمسكت، و أصلدها(7) حتى صلصلت (8) ،لوقت معدود، و أمد معلوم،

ص: 172


1- حزن الأرض: وعرها.
2- سبخ الأرض: ما ملح منها.
3- سنّها بالماء: صبّها.
4- لاطها بالبلّة: خلطها و عجنها بالبلل.
5- لزبت: إلتصقت و ثبتت و اشتدت.
6- الأحناء: جمع حنو: الجانب من البدن.
7- أصلدها: جعلها صلبة ملساء متينة.
8- صلصلت: يبست حتى كانت تسمع لها صلصلة إذا هبت عليها الرياح.

ثم نفخ فيها من روحه فمثلت(1) إنسانا ذا أذهان يجيلها، و فكر يتصرّف بها، و جوارح يختدمها (2) ،و أدوات يقلّبها، و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل، و الأذواق و المشامّ، و الألوان و الأجناس، معجونا بطينة الألوان المختلفة، و الأشباه المؤتلفة، و الأضداد المتعادية، و الأخلاط المتباينة، من الحرّ و البرد، و البلّة و الجمود، و استأدى(3) اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم، و عهد وصيّته إليهم، في الإذعان بالسجود له، و الخنوع لتكرمته، فقال سبحانه: اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ اعترته الحميّة، و غلبت عليه الشّقوة(4) ، و تعزّز بخلقة النّار، و استوهن خلق الصّلصال، فأعطاه اللّه النّظرة استحقاقا للسّخطة، و استتماما للبليّة، و إنجازا للعدة، فقال: «إنك من المنظرين، إلى يوم الوقت المعلوم».

ص: 173


1- مثلت: قامت منتصبة.
2- يختدمها: يجعلها في خدمة مآربه.
3- استأدى الملائكة وديعته: طالبهم بأدائها.
4- الشقوة: الشقاء و التعاسة.

الآية (35)

[سورة البقرة (2): آیة 35]

...وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ...

[142] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي بن أبي طالب (كرم اللّه وجهه): هي شجرة الكافور(1).

ص: 174


1- تفسير الثعلبي: 182/1.

الآية (37)

[سورة البقرة (2): آیة 37]

فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ

[143] - الديلمي، عن علي عليه السّلام قال: سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قول اللّه: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فقال: إنّ اللّه أهبط آدم بالهند و حوّاء بجدّة، و إبليس بميسان، و الحيّة بأصبهان، و كان للحيّة قوائم كقوائم البعير، و مكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته، حتى بعث اللّه تعالى إليه جبرائيل، و قال:

يا آدم، ألم أخلقك بيدي، ألم أنفخ فيك من روحي، ألم أسجد لك ملائكتي، ألم أزوّجك حوّاء أمتي ؟

قال: بلى.

قال: فما هذا البكاء؟

قال: و ما يمنعني من البكاء و قد أخرجت من جوار الرحمان، قال: فعليك بهذه الكلمات فإنّ اللّه قابل توبتك و غافر ذنبك، قل: اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل

ص: 175

محمّد، سبحانك لا إله إلاّ أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي، فتب عليّ إنك أنت التوّاب الرحيم، اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد، عملت سوءا و ظلمت نفسي، فتب عليّ إنك التوّاب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم(1).

[144] - قال الإمام أبو محمّد العسكري عليه السّلام: قال عليّ بن الحسين: حدّثني أبي، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يا عباد اللّه إنّ آدم لمّا رأى النور ساطعا من صلبه، إذ كان تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور و لم يتبيّن الأشباح فقال: يا ربّ، ما هذه الأنوار؟

قال اللّه تعالى: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.

فقال آدم: يا ربّ، لو بيّنتها لي.

فقال اللّه عزّ و جلّ: أنظر يا آدم إلى ذروة العرش، فنظر آدم عليه السّلام و وقع أنوار أشباحنا من ظهر آدم عليه السّلام إلى ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره

ص: 176


1- كنز العمال 358:2 ح 4237، تفسير السيوطي 60:1.

كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية، فرأى أشباحنا، فقال: (يا ربّ) ما هذه الأشباح ؟

قال اللّه تعالى: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي و برّياتي، هذا محمّد و أنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له إسما من إسمي.

و هذا علي و أنا العليّ العظيم شققت له إسما من إسمي.

و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، و فاطم أوليائي ممّا يعرّهم و يسيئهم (يغريهم، و يشينهم)، فشققت لها إسما من إسمي.

و هذان الحسن و الحسين و أنا المحسن (و) المجمل شققت إسميهما من إسمي، هؤلاء خيار خليقتي و كرائم بريّتي بهم آخذ و بهم أعطي و بهم أعاقب و بهم أثيب، فتوسّل إليّ بهم يا آدم و إذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعاءك، فإني آليت على نفسي حقا أن لا أخيب آملا و لا أرد بهم سائلا.

فلذلك حين زلّت منه الخطيئة، دعى اللّه عزّ و جلّ بهم فتاب عليه و غفر له(1).

ص: 177


1- تفسير الإمام العسكري (ع): 219، تفسير البرهان 88:1.

الآية (38)

[سورة البقرة (2): آیة 38]

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها...

[145] - عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال: إنما كان لبث آدم و حواء في الجنّة حتى خرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أهبطهما تعالى من يومهما ذاك(1).

[146] - و بإسناده إلى زيد بن علي عن آبائه عن علي صلوات اللّه عليهم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن اللّه عزّ و جلّ حين أمر آدم أن يهبط، هبط آدم و زوجته، و هبط إبليس و لا زوجة له، و هبطت الحيّة و لا زوج لها، فكان أول من يلوط بنفسه إبليس لعنه اللّه، فكانت ذريته من نفسه، و كذلك الحيّة، و كانت ذرية آدم من زوجته، فأخبرهما أنهما عدوان لهما(2).

ص: 178


1- كتاب الخصال: 396/2 /باب السبعة ح 103.
2- علل الشرائع: 2 /ب 340 ح 2.

[147] - و بإسناده إلى عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سئل مما خلق اللّه عزّ و جلّ الكلب ؟

قال: خلقه من بزاق إبليس، قيل: و كيف ذلك يا رسول اللّه ؟

قال: لما أهبط اللّه عزّ و جلّ آدم و حواء إلى الأرض أهبطهما كالفرخين(1) المرتعشين فعدا إبليس الملعون إلى السباع و كانوا قبل آدم في الأرض فقال لهم: إنّ طيرين قد وقعا من السماء لم ير الراؤون أعظم منهما، تعالوا فكلوهما، فتعادت السباع معه و جعل إبليس يحثهم و يصيح و يعدهم بقرب المسافة، فوقع من فيه من عجلة كلامه بزاق. فخلق اللّه عزّ و جلّ من ذلك البزاق كلبين أحدهما ذكر و الآخر أنثى، فقاما حول آدم و حواء الكلبة بجدة و الكلب بالهند، فلم يتركوا السباع أن يقربوهما، و من ذلك اليوم الكلب عدو السبع و السبع عدو الكلب(2).

ص: 179


1- الفرخ. ولد الطائر.
2- علل الشرائع: 2 /ب 250 ح 1.

الآية (45)

[سورة البقرة (2): آیة 45]

وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ

[148] - عن محمّد بن صدقة عن سلمان الفارسي رحمه اللّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:

قال سلمان: قلت: يا أخا رسول اللّه و من أقام الصلاة أقام ولايتك ؟ قال: نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ فالصبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصلاة إقامة ولايتي فمنها قال اللّه تعالى وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ و لم يقل و إنّهما لكبيرة لأنّ الولاية كبير حملها إلاّ على الخاشعين، و الخاشعون هم الشيعة المستبصرون بفضلي لأنّ أهل الأقاويل من المرجئة و القدرية و الخوارج و غيرهم من الناصبية يقرّون لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس بينهم خلاف، و هم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلاّ القليل،

ص: 180

و هم الذين وصفهم اللّه في كتابه العزيز فقال وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ (1).

ص: 181


1- إلزام الناصب: 36/1، و البحار: 6/26 ح 1.

الآية (46)

[سورة البقرة (2): آیة 46]

اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ

[149] - في كتاب التوحيد: حديث طويل عن علي عليه السّلام يقول فيه و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: فأما قوله: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (1) يعني البعث فسمّاه اللّه عزّ و جلّ لقاءه و كذلك ذكر المؤمنين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ يعني أنهم يوقنون أنهم يبعثون و يحشرون و يحاسبون، و يجزون بالثواب و العقاب و الظن هاهنا اليقين(2).

[150] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه: عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه و أنّه ربّ شيء من كتاب اللّه عزّ و جلّ يكون تأويله على تنزيله، و لا يشبه تأويل كلام البشر و لا فعل البشر، و سأنبئك بمثال لذلك تكتفي به إن

ص: 182


1- سورة السجدة: 10.
2- كتاب التوحيد: 267 /ب 36 ح 5.

شاء اللّه، إلى قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى (1) فسمّى فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعلا له، ألا ترى تأويله على غير تنزيله ؟ و مثل قوله: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (2) فسمّى البعث لقاء و كذلك قوله: اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ (3) أي يوقنون أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ و مثله قوله: أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ أي أ ليس يوقنون أنّهم مبعوثون(4).

[151] - عن أبي معمّر، عن علي عليه السّلام في قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ يقول: يوقنون أنّهم مبعوثون، و يحشرون، و يحاسبون، و يجزون بالثواب و العقاب، و الظن منهم يقين(5).

ص: 183


1- الأنفال: 17.
2- السجدة: 10.
3- البقرة: 46.
4- الإحتجاج: 588/1 /محاجة 137.
5- تفسير العياشي 44:1، تفسير البرهان 95:1، الفصول المهمة للحر العاملي: 133، تفسير الصافي 126:1، التوحيد، باب الرد على الثنوية: 267، الإحتجاج 589:1 ح 137.

الآية (54)

[سورة البقرة (2): آیة 54]

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ

[152] - أخرج ابن أبي حاتم، عن علي عليه السّلام قال:

قالوا لموسى: ما توبتنا؟

قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه و أباه و إبنه، و اللّه لا يبالي من قتل، حتّى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى اللّه إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم و قد غفر لمن قتل و تاب على من بقي(1).

ص: 184


1- تفسير السيوطي 69:1.

الآيتان (55) و (56)

[سورة البقرة (2): الآیات 55 الی 56]

وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (5(5) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

[153] - روي عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّه قال:

إنّما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم على موسى قبل هارون، و ذلك أنّ موسى و هارون و شبّر و شبير ابني هارون انطلقوا إلى سفح جبل فنام هارون على سرير فتوفّاه اللّه، فلمّا مات دفنه موسى، فلمّا رجع إلى بني إسرائيل قالوا له:

أين هارون ؟

قال: توفّاه اللّه، فقالوا: لا بل أنت قتلته حسدتنا على خلقه و لينه، قال: فاختاروا من شئتم فاختاروا منهم سبعين رجلا و ذهب بهم فلمّا انتهوا إلى القبر قال موسى: يا هارون أقتلت أم متّ؟ فقال هارون: ما قتلني أحد و لكن توفاني اللّه، فقالوا: لن تعصى بعد اليوم، فأخذتهم الرجفة و صعقوا

ص: 185

و قيل: إنهم ماتوا ثمّ أحياهم اللّه و جعلهم أنبياء(1).

[154] - الحسن الحلّي قال: أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن فضّال (2) ،عن الحسين بن علوان(3) ، عن محمّد بن داود العبدي، عن الأصبغ بن نباتة: أنّ عبد اللّه بن الكوّاء اليشكري(4) قام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ أبا المعتمر تكلّم آنفا بكلام لا يحتمله قلبي.

فقال: و ما ذاك ؟

قال: يزعم أنّك حدّثته أنّك سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّا قد رأينا أو سمعنا برجل أكبر سنّا من أبيه.

فقال أمير المؤمنين - صلوات اللّه عليه -: فهذا الّذي كبر عليك ؟

ص: 186


1- إلزام الناصب: 260/2، و مجمع البيان: 482/4.
2- في البرهان: الحسن بن عليّ بن فضّال، و في الرجعة و الإيقاظ: الحسن بن محبوب.
3- قال النجاشي: الحسين بن علوان الكلبي، مولاهم، كوفيّ، عامّي، أخوه الحسن، يكنّى أبا محمّد، ثقة، رويا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
4- هو: عبد اللّه بن عمرو، من بني يشكر، و كان ناسبا «المعارف لابن قتيبة». و هو خارجيّ، من أصحاب عليّ عليه السّلام، «الكنى و الألقاب».

قال: نعم، فهل تؤمن أنت بهذا و تعرفه ؟(1)

فقال: نعم، ويلك يابن الكوّاء، إفقه عنّي (2) ،أخبرك عن ذلك، إنّ عزيرا خرج من أهله و امرأته في شهرها، و له يومئذ خمسون سنة، فلمّا ابتلاه اللّه بذنبه أماته مائة عام، ثم بعثه، فرجع إلى أهله و هو ابن خمسين سنة، فاستقبله ابنه و هو ابن مائة سنة، و ردّ اللّه عزيرا في السنّ الذي(3) كان به.

فقال (له )(4):ما تريد؟

فقال له أمير المؤمنين - صلوات اللّه عليه -: سل عمّا بدا لك.

فقال: نعم، إنّ اناسا من أصحابك يزعمون أنّهم يردّون بعد الموت.

فقال أمير المؤمنين - صلوات اللّه عليه -: نعم، تكلّم بما سمعت و لا تزد في الكلام، فما(5) قلت لهم ؟

قال: قلت: لا أؤمن بشيء ممّا قلتم.

ص: 187


1- في الرجعة: و تقرّبه.
2- في الرجعة: منّي. وفقه عنه الكلام: أي فهمه.
3- في البحار: 53 و الرجعة و الإيقاظ: و ردّ اللّه تعالى عزيرا إلى الذي.
4- ليس في البحار، و في الرجعة: فقال: أسألك ما نريد.
5- في «م» و البرهان: ممّا.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ويلك، إنّ اللّه ابتلى قوما بما كان من ذنوبهم فأماتهم قبل آجالهم التي سمّيت لهم، ثمّ ردّهم إلى الدنيا ليستوفوا أرزاقهم، ثم أماتهم بعد ذلك.

قال: فكبر على ابن الكوّاء و لم يهتد له.

فقال له أمير المؤمنين - صلوات اللّه عليه -: ويلك، تعلم أنّ اللّه قال في كتابه: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا (1) فانطلق (بهم) معه ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملأ من بني إسرائيل أنّ ربّي قد كلّمني، فلو أنّهم سلّموا ذلك له و صدّقوا به لكان خيرا لهم، و لكنّهم قالوا لموسى عليه السّلام: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً - قال الله -:

فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ - يعني الموت - (2)وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (5(5) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (3) ،أفترى يا ابن الكوّاء، أنّ هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا؟!

فقال ابن الكوّاء: و ما ذاك ؟ ثم أماتهم مكانهم(4).

ص: 188


1- سورة الأعراف: 155.
2- جملة «يعني الموت» ليس في البحار.
3- سورة البقرة: 55-56.
4- في البحار: فكانّهم.

فقال (له) أمير المؤمنين عليه السّلام: ويلك (1) ،أو ليس قد أخبرك اللّه في كتابه حيث يقول: وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى (2) ؟!فهذا بعد الموت إذ بعثهم.

و أيضا مثلهم يابن الكوّاء، الملأ من بني إسرائيل حيث يقول اللّه تعالى: * أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ (3).

و قوله أيضا في عزير حيث أخبر اللّه تعالى فقال: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ - و أخذه بذلك الذنب - مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ - و ردّه إلى الدنيا ف قالَ كَمْ لَبِثْتَ - ف - قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ - ف - قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ (4).فلا تشكّنّ يابن الكوّاء في قدرة اللّه تعالى(5)..

ص: 189


1- في البحار و البرهان: لا ويلك، و في البحار: أو ليس قد أخبر اللّه.
2- سورة البقرة: 57.
3- سورة البقرة: 243.
4- سورة البقرة: 259.
5- عنه البحار: 72/53 ح 72 و الرجعة: 49 ح 23، و صدره في البحار: 374/14 ح 17 و الإيقاظ من الهجعة: 185 ح 42، و قطعة منه في البرهان: 100/1 ح 3، و تفسير الصافي 77:4؛ و مختصر بصائر الدرجات: 22..

الآية (57)

[سورة البقرة (2): آیة 57]

وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

[155] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل فيه: و أما قوله: وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فهو تبارك اسمه أجلّ و أعزّ من أن يظلم، و لكنه قرن أمناءه على خلقه بنفسه، و هو عرّف الخليقة جلالة قدرهم عنده، و أنّ ظلمهم ظلمه بقوله: وَ ما ظَلَمُونا ببغضهم أولياءنا، و معونة أعدائهم عليهم وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (1).

ص: 190


1- الإحتجاج: 600/1 /محاجة 137.

الآية (58)

[سورة البقرة (2): آیة 58]

وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ

[156] - أخرج ابن أبي شيبة، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: إنما مثلنا في الأمّة كسفينة نوح و كباب حطّة في بني إسرائيل(1).

قوله تعالى: وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ

[157] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالى:

وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ قال: نحن البيوت التي أمر اللّه أن يؤتى من أبوابها، و نحن باب اللّه و بيوته التي يؤتى منها، فمن تابعنا و أقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها، و من خالفنا و فضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها(2).

ص: 191


1- تفسير السيوطي 71:1.
2- تفسير البرهان 190:1، البحار 328:23، تفسير فرات: 63، الخرائج و الجرائح: 189، الإحتجاج: 540/1 ح 129.

[158] - و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فهؤلاء بنو اسرائيل نصب لهم باب حطة و أنتم يا معشر أمة محمد نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمرتم باتباع هداهم و لزوم طريقتهم، ليغفر - لكم - بذلك خطاياكم و ذنوبكم، و ليزداد المحسنون منكم، و باب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لأن ذلك - كان - باب خشب، و نحن الناطقون الصادقون المرتضون الهادون الفاضلون، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن النجوم في السماء أمان من الغرق، و إن أهل بيتي أمان لأمتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون (فيها ما دام فيهم) من يتبعون هديه و سنته».

أما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد قال: «من أراد أن يحيى حياتي، و أن يموت مماتي، و أن يسكن الجنة التي وعدني ربي، و أن يمسك قضيبا غرسه بيده و يقول له: كن فكان، فليتولّ علي بن أبي طالب عليه السّلام، و ليوال وليّه، و ليعاد عدوه، و ليتولّ ذريته الفاضلين المطيعين للّه من بعده، فإنهم خلقوا من طينتي، و رزقوا فهمي و علمي، فويل للمكذب بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي »(1).

ص: 192


1- عن البحار: 122/23 ح 47، و البرهان: 144/1 ذ ح 1.

الآية (61)

[سورة البقرة (2): آیة 61]

...وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها...

[159] - أبو إسحاق الثعلبي قال: عن الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «عليكم بالعدس فإنّه مبارك مقدّس و إنه يرقق القلب و يكثر الدمعة، و إنه بارك فيه سبعون نبيا آخرهم عيسى عليه السّلام »(1).

ص: 193


1- تفسير الثعلبي: 205/1، و تفسير القرطبي: 427/1.

الآية (62)

[سورة البقرة (2): آیة 62]

مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ

[160] - قال الإمام العسكري عليه السّلام في تفسير الآية:

و نظر أمير المؤمنين علي عليه السّلام إلى رجل - فرأى - أثر الخوف عليه، فقال: ما بالك ؟ قال: إني أخاف اللّه.

قال: يا عبد اللّه خف ذنوبك، و خف عدل اللّه عليك في مظالم عباده، و أطعه فيما كلّفك، و لا تعصه فيما يصلحك، ثم لا تخف اللّه بعد ذلك، فإنه لا يظلم أحدا و لا يعذبه فوق استحقاقه أبدا، إلاّ أن تخاف سوء العاقبة بأن تغير أو تبدل. فإن أردت أن يؤمنك اللّه سوء العاقبة، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل اللّه و توفيقه و ما تأتيه من شر فبإمهال اللّه، و إنظاره إياك، و حلمه و عفوه عنك(1).

ص: 194


1- البحار: 391/70 ح 60، و البرهان: 104/1 ضمن ح 1.

الآية (67)

[سورة البقرة (2): آیة 67]

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ

[161] - عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن رجلا من خيار بني إسرائيل و علمائهم خطب إمرأة منهم فأنعمت له، و خطبها ابن عم لذلك الرجل و كان فاسقا رديئا فلم ينعموا له، فحسد ابن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة، و كان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا، فعظم ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا: ما ترى يا نبي اللّه ؟ و كان في بني إسرائيل رجل له بقرة و كان له ابن بار، و كان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته و كان مفتاح بيته تحت رأس أبيه و كان نائما، و كره ابنه أن ينبهه و ينغص عليه نومه فانصرف القوم فلم يشتروا سلعته، فلما انتبه أبوه قال له: (...) قد جعلت

ص: 195

هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك. و أمر موسى بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها، فتعجبوا و قالوا: «أتتخذنا هزوا؟ نأتيك بقتيل فتقول: اذبحوا بقرة ؟» فقال لهم موسى: «أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين» فعلموا أنهم قد أخطأوا(1).

ص: 196


1- بحار الأنوار. ج 13، ص 259.

الآيات (70)-(73)

[سورة البقرة (2): الآیات 70 الی 73]

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنّا إِنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (7(2) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

[162] - في البحار: بالإسناد يرفعه إلى أبي جعفر ميثم التمار رضي اللّه عنه أنّه قال: كنت بين يدي أمير المؤمنين علي عليه السّلام في جامع الكوفة في جماعة من أصحابه و أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو كأنه البدر بين الكواكب، إذ دخل علينا من باب المسجد رجل طويل عليه قباء خز أدكن، و قد اعتمّ بعمامة صفراء و هو متقلد بسيفين، فدخل و برك بغير سلام، و لم ينطق بكلام، فتطاولت إليه الأعناق، و نظروا إليه بالآماق(1) ،

ص: 197


1- جمع المأق: مجرى الدمع من العين أي من طرفها مما يلي الأنف.

و قد وقف عليه الناس من جميع الآفاق، و مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لا يرفع رأسه إليه، فلما هدأت من الناس الحواس أفصح عن لسانه كأنه حسام جذب عن غمده:

أيكم المجتبى في الشجاعة و المعمم بالبراعة ؟(1) أيكم المولود في الحرم و العالي في الشيم و الموصوف بالكرم ؟ أيكم الأصلع الرأس و البطل الدعاس(2) و المضيق للأنفاس و الآخذ بالقصاص ؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب و بطله المهيب و المسهم المصيب و القسم النجيب ؟ أيكم خليفة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي نصره في زمانه و اعتز به سلطانه و عظم به شأنه ؟.

فعند ذلك رفع أمير المؤمنين عليه السّلام رأسه إليه فقال:

مالك يا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الأشعث بن أبي السمع الرومي ؟ إسأل عما شئت، أنا عيبة علم النبوة.

قال: قد بلغنا عنك أنّك وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خليفته على قومه بعده، و أنّك محل المشكلات، و أنا رسول

ص: 198


1- برع براعة: فاق علما أو فضيلة أو جمالا.
2- دعس الشيء: وطئه و داسه. دعس فلانا: دفعه. دعسه بالرمح: طعنه.

إليك من ستين ألف رجل يقال لهم العقيمة، و قد حمّلوني ميتا قد مات من مدة، و قد اختلفا في سبب موته و هو بباب المسجد، فإن أحييته علمنا أنّك صادق نجيب الأصل، و تحققنا أنّك حجة اللّه في أرضه و خليفة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على قومه، و إن لم تقدر على ذلك رددناه إلى قومه و علمنا أنّك تدّعي غير الصواب و تظهر من نفسك ما لا تقدر عليه.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: يا ميثم إركب بعيرك و ناد في شوارع الكوفة و محالها: من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه اللّه عليا أخا رسول اللّه و زوج ابنته من العلم الرباني فليخرج إلى النجف، فخرج الناس إلى النجف.

فقال الإمام عليه السّلام: يا ميثم هات الأعرابي و صاحبه، فخرجت و رأيته راكبا تحت القبة التي فيها الميت، فأتيت بهما إلى النجف، فعند ذلك قال علي عليه السّلام: قولوا فينا ما ترون منّا و ارووا عنّا ما تشاهدونه منّا.

ثم قال عليه السّلام: يا أعرابي أبرك الجمل و أخرج صاحبك أنت و جماعة من المسلمين.

ص: 199

قال ميثم: فأخرجت تابوتا و فيه وطأ ديباج أخضر، و فيها غلام أول ما تمّ عذاره على خدّه، بذوائب كذوائب الإمرأة الحسناء.

فقال علي بن أبي طالب عليه السّلام: كم لميّتكم ؟

قال: أحد و أربعون يوما.

قال عليه السّلام: و ما سبب موته ؟

فقال الأعرابي: يافتى إن أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله، لأنه بات سالما و أصبح مذبوحا من أذنه إلى أذنه، و يطالب بدمه خمسون رجلا يقصد بعضهم بعضا فاكشف الشك و الريب يا أخا محمد.

قال الإمام عليه السّلام: قتله عمه، لأنّه زوجه ابنته فخلاها و تزوج بغيرها، فقتله حنقا عليه.

قال الأعرابي: لسنا نقنع بقولك فإنا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله لترتفع الفتنة و السيف و القتال.

فعند ذلك قام الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلى عليه و قال: يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجلّ عند اللّه مني قدرا،

ص: 200

و أنا أخو رسول اللّه، و إنها أحيت ميتا بعد سبعة أيام.

ثم دنا أمير المؤمنين عليه السّلام من الميت و قال: إنّ بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميت فعاش، و أنا أضرب هذا الميت ببعضي لأنّ بعضي خير من البقرة كلها، ثم هزّه برجله و قال له: قم بإذن اللّه يا مدرك بن حنظلة بن غسان بن بحير بن فهر بن سلامة بن الطيب بن الأشعث، فها قد أحياك اللّه تعالى على يد علي بن أبي طالب.

قال ميثم التمار: فنهض غلام أضوء من الشمس أضعافا و من القمر أوصافا، فقال: لبيك لبيك يا حجة اللّه على الأنام المتفرّد بالفضل و الإنعام، فعند ذلك قال عليه السّلام:

يا غلام من قتلك ؟

قال: قتلني عمي الحارث بن غسان.

قال له الإمام عليه السّلام: إنطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك.

فقال: يا مولاي لا حاجة لي إليهم، أخاف أن يقتلوني مرة أخرى و لا يكون عندي من يحييني.

قال: فالتفت الإمام إلى صاحبه و قال عليه السّلام له: إمض إلى أهلك فأخبرهم.

ص: 201

قال: يا مولاي و اللّه لا أفارقك بل أكون معك حتى يأتي اللّه بأجلي من عنده، فلعن اللّه من اتّضح له الحق و جعل بينه و بين الحق سترا، و لم يزل بين يدي أمير المؤمنين حتى قتل بصفين.

ثم إنّ أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة و اختلفوا أقوالا فيه عليه السّلام(1).

ص: 202


1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي: 277/40.

الآية (76)

[سورة البقرة (2): آیة 76]

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا...

[163] - الثعلبي في تفسيره، و قد روى أبو صالح، عن ابن عباس، أنّ عبد اللّه بن أبي و أصحابه، تملّقوا مع علي عليه السّلام في الكلام فقال علي:

يا عبد اللّه إتّق اللّه و لا تنافق فإنّ المنافق شرّ خلق اللّه.

فقال: مهلا يا أبا الحسن و اللّه إنّ إيماننا كإيمانكم، ثمّ تفرّقوا.

فقال عبد اللّه: كيف رأيتم ما فعلت ؟ فأثنوا عليه، فنزل وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا (1).

ص: 203


1- مناقب ابن شهرآشوب، باب أنّه عليه السلام الإيمان و الإسلام 94:3، البحار 122:36.

الآية (79)

[سورة البقرة (2): آیة 79]

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ...

[164] - أخرج أبو نعيم، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: الويح و الويل بابان:

فأمّا الويح الرحمة، و أمّا الويل فباب العذاب(1).

ص: 204


1- تفسير السيوطي 82:1، دلائل النبوة (أبو نعيم): 315.

الآية (83)

[سورة البقرة (2): آیة 83]

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ

[165] - قال الإمام العسكري عليه السّلام في تفسير الآية:

قال علي عليه السّلام: قال اللّه عزّ و جلّ من فوق عرشه: «يا عبادي اعبدوني فيما أمرتكم به و لا تعلموني ما يصلحكم، فاني أعلم به، و لا أبخل عليكم بمصالحكم»(1)

قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً

[166] - قال الإمام العسكري عليه السّلام في قوله تعالى:

وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنا لنبشر(2)

ص: 205


1- البحار: 184/71 ضمن ح 44.
2- في نسخة: لنشكر، و في أخرى: لتكشر.

في وجوه قوم، و إن قلوبنا لتقليهم (1) ،أولئك أعداء اللّه نتقيهم على إخواننا، لا على أنفسنا(2).

ص: 206


1- أي لتبغضهم.
2- البحار: 309/71.

الآية (89)

[سورة البقرة (2): آیة 89]

وَ لَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكافِرِينَ

[167] - قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن اللّه تعالى أخبر رسوله بما كان من إيمان اليهود بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل ظهوره، و من استفتاحهم على أعدائهم بذكره، و الصلاة عليه و على آله.

قال عليه السّلام: و كان اللّه عزّ و جلّ أمر اليهود في أيام موسى و بعده إذا دهمهم أمر، و دهتهم داهية أن يدعوا اللّه عزّ و جلّ بمحمد و آله الطيبين، و أنا يستنصروا بهم، و كانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسنين كثيرة يفعلون ذلك، فيكفون البلاء و الدهماء و الداهية.

ص: 207

و كانت اليهود قبل ظهور محمد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعشر سنين يعاديهم أسد و غطفان - قوم من المشركين - و يقصدون أذاهم، و كانوا يستدفعون شرورهم و بلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد و آله الطيبين، حتى قصدهم في بعض الاوقات أسد و غطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة، فتلقاهم اليهود و هم ثلاثمائة فارس، و دعوا اللّه بمحمد و آله الطيبين الطاهرين فهزموهم و قطعوهم.

فقال أسد و غطفان بعضهما لبعض: تعالوا نستعين عليهم بسائر القبائل. فاستعانوا عليهم بالقبائل و أكثروا حتى اجتمعوا قدر ثلاثين ألفا، و قصدوا هؤلاء الثلاثمائة في قريتهم، فألجأوهم إلى بيوتها و قطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم، و منعوا عنهم الطعام، و استأمن اليهود منهم فلم يؤمنوهم، و قالوا: لا، إلاّ أن نقتلكم و نسبيكم و ننهبكم.

فقالت اليهود بعضها لبعض: كيف نصنع ؟

فقال لهم أماثلهم و ذوو الرأي منهم: أما أمر موسى عليه السّلام أسلافكم و من بعدهم بالإستنصار بمحمد و آله ؟ أما أمركم بالابتهال إلى اللّه تعالى عند الشدائد بهم ؟

ص: 208

قالوا: بلى.

قالوا: فافعلوا.

فقالوا: اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما سقيتنا، فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شباننا، و تماوتت ولداننا، و أشرفنا على الهلكة.

فبعث اللّه تعالى لهم وابلا هطلا سحا أملأ حياضهم و آبارهم و أنهارهم و أوعيتهم و ظروفهم فقالوا: هذه إحدى الحسنيين، ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر الميحطة بهم، فإذا المطر قد آذاهم غاية الاذى، و أفسد - عليهم - أمتعتهم و أسلحتهم و أموالهم.

فانصرف عنهم لذلك بعضهم، و ذلك أن المطر أتاهم في غير أوانه - في حمارة القيظ حين لا يكون مطر - فقال الباقون من العساكر: هبكم سقيتم، فمن أين تأكلون ؟

و لئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم و عيالاتكم و أهاليكم و أموالكم، و نشفي غيظنا منكم.

فقالت اليهود: إن الذي سقانا بدعائنا بمحمد و آله قادر

ص: 209

على أن يطعمنا، و إن الذي صرف عنا من صرفه قادر على أن يصرف الباقين.

ثم دعوا اللّه بمحمد و آله أن يطعمهم.

فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل و بغل و حمار موقرة حنطة و دقيقا، و هم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم و هم نيام، و لم يشعروا بهم، لأن اللّه تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية، و لم يمنعوهم، و طرحوا فيها أمتعتهم و باعوها منهم فانصرفوا و أبعدوا، و تركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف، فلما أبعدوا انتبهوا، و نابذوا اليهود الحرب، و جعل يقول بعضهم لبعض:

الوحا، الوحا فإن هؤلاء اشتد بهم الجوع و سيذلون لنا.

قال لهم اليهود: هيهات بل قد أطعمنا ربنا و كنتم نياما: جاءنا من الطعام كذا و كذا، و لو أردنا قتالكم في حال نومكم لتهيأ لنا و لكنا كرهنا البغي عليكم، فانصرفوا عنا و إلا دعونا عليكم بمحمد و آله، و استنصرنا بهم أن يخزيكم كما قد أطعمنا و أسقانا.

فأبوا إلاّ طغيانا فدعوا اللّه بمحمد و آله و استنصروا بهم.

ص: 210

ثم برز الثلاثمائة إلى (الناس للقاء) فقتلوا منهم و أسروا، و طحطحوهم و استوثقوا منهم بأسرائهم، فكانوا لا ينداهم مكروه من جهتهم لخوفهم على من لهم في أيدي اليهود.

فلما ظهر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حسدوه، إذ كان من العرب، فكذبوه(1).

ص: 211


1- عنه البحار: 10/94 ضمن ح 11، و البرهان: 126/1 ضمن ح 1.

الآية (93)

[سورة البقرة (2): آیة 93]

اشارة

وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

اشارة

[168] - قال الإمام عليه السّلام: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

إن اللّه تعالى ذكر بني إسرائيل في عصر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحوال آبائهم الذين كانوا في أيام موسى عليه السّلام كيف أخذ عليهم العهد و الميثاق لمحمد و علي و آلهما الطيبين المنتجبين للخلافة على الخلائق و لأصحابهما و شيعتهما و سائر أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ أذكروا إذ أخذنا ميثاق آبائكم وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ الجبل لما أبوا قبول ما أريد منهم و الإعتراف به خُذُوا ما آتَيْناكُمْ أعطيناكم (بقوة) - يعني - بالقوة التي أعطيناكم تصلح - لكم - لذلك (و اسمعوا) أي أطيعوا فيه.

ص: 212

قالُوا سَمِعْنا بآذاننا وَ عَصَيْنا بقلوبنا. فأما في الظاهر فأعطوا كلهم الطاعة داخرين صاغرين.

ثم قال: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ما شربوه من ذلك إلى قلوبهم.

و قال: إن بني إسرائيل لما رجع إليهم موسى - و قد عبدوا العجل - تلقوه بالرجوع عن ذلك، فقال لهم موسى:

من الذي عبده منكم حتى أنفّذ فيه حكم اللّه ؟ خافوا من حكم اللّه الذي ينفذه فيهم، فجحدوا أن يكونوا عبدوه، و جعل كل واحد منهم يقول: أنا لم أعبده و إنما عبده غيري و وشى بعضهم ببعض.

- فكذلك ما حكى اللّه عزّ و جلّ عن موسى من قوله للسامري:

وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (1) - فأمره اللّه، فبرده بالمبارد، و أخذ سحالته فذرأها في البحر العذب، ثم قال لهم: إشربوا منه.

ص: 213


1- طه: 97.

فشربوا، فكل من كان عبده اسودت شفتاه و أنفه (ممن كان أبيض اللون و من كان منهم أسود اللون) ابيضت شفتاه و أنفه، فعند ذلك أنفذ فيهم حكم اللّه.

ثم قال اللّه تعالى للموجودين من بني إسرائيل في عصر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على لسانه: قُلْ يا محمد لهؤلاء المكذبين بك بعد سماعهم ما أخذ على أوائلهم لك و لأخيك علي و لآلكما و لشيعتكما: بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ أن تكفروا - بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - و تستخفوا بحق علي و آله و شيعته إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ كما تزعمون بموسى عليه السّلام و التوراة.

قال عليه السّلام: و ذلك أن موسى عليه السّلام - كان - وعد بني إسرائيل أنه يأتيهم من عند اللّه بكتاب يشتمل على أوامره و نواهيه و حدوده و فرائضه بعد أن ينجّيهم اللّه تعالى من فرعون و قومه، فلما نجّاهم اللّه و صاروا بقرب الشام، جاءهم بالكتاب من عند اللّه كما وعدهم و كان فيه: «إني لا أتقبل عملا ممن لم يعظّم محمدا و عليا و آلهما الطيبين و لم يكرم أصحابهما و شيعتهما و محبيهما حق تكريمهم، يا عبادي ألا فاشهدوا بأن محمدا خير خليقتي، و أفضل بريتي، و أنا عليا أخوه و صفيه و وراث علمه، خليفته في أمته و خير من يخلفه بعده، و أنا آل محمد أفضل آل النبيين،

ص: 214

و أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل أصحاب المرسلين، و أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خير الأمم أجمعين».

فقال بنو اسرائيل: لا نقبل هذا يا موسى، هذا عظيم، ثقيل علينا، بل نقبل من هذه الشرائع ما يخف علينا، و إذا قبلناها قلنا: إن نبينا أفضل نبي، و آله أفضل آل و صحابته أفضل صحابة، و نحن أمته أفضل من أمة محمد، و لسنا نعترف لقوم بالفضل لا نراهم و لا نعرفهم.

رفع الطور فوق رؤوس بني اسرائيل:

فأمر اللّه تعالى جبرائيل، فقطع بجناح من أجنحته من جبل من جبال فلسطين على قدر معسكر موسى عليه السّلام و كان طوله في عرضه فرسخا في فرسخ.

ثم جاء به فوقف على رؤوسهم، و قال: إما أن تقبلوا ما أتاكم به موسى عليه السّلام، و إما وضعت عليكم الجبل فطحطحتكم تحته. فلحقهم من الجزع و الهلع ما يلحق أمثالهم ممن قوبل هذه المقابلة، فقالوا: يا موسى كيف نصنع ؟

قال موسى: أسجدوا للّه على جباهكم، ثم عفّروا خدودكم اليمنى ثم اليسرى في التراب، و قولوا: يا ربنا

ص: 215

سمعنا و أطعنا و قبلنا و اعترفنا و سلمنا و رضينا».

قال: ففعلوا هذا الذي قال لهم موسى قولا و فعلا، غير أن كثيرا منهم خالف قلبه ظاهر أفعاله و قال بقلبه «سَمِعْنا وَ عَصَيْنا» مخالفا لما قاله بلسانه، و عفّروا خدودهم اليمنى - بالتراب - و ليس قصدهم التذلل للّه عزّ و جلّ، و الندم على ما كان منهم من الخلاف و لكنهم فعلوا ذلك ينظرون هل يقع عليهم الجبل أم لا، ثم عفّروا خدودهم اليسرى ينظرون كذلك، و لم يفعلوا ذلك كما أمروا.

فقال جبرائيل لموسى عليه السّلام أما إن أكثرهم للّه تعالى عاصون، و لكن اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أزيل عنهم هذا الجبل عند ظاهر اعترافهم في الدنيا، فإن اللّه تعالى إنما يطالبهم في الدنيا بظواهرهم لحقن دمائهم، و إبقاء الذمة لهم، و إنما أمرهم إلى اللّه في الآخرة يعذبهم على عقودهم و ضمائرهم.

فنظر القوم إلى الجبل و قد صار قطعتين: قطعة منه صارت لؤلؤة بيضاء فجعلت تصعد و ترقى حتى خرقت(1) السماوات، و هم ينظرون إليها إلى أن صارت إلى حيث

ص: 216


1- يقال خرق المفازة: قطعها حتى بلغ أقصاها.

لا تلحقها أبصارهم، و قطعة صارت نارا و وقعت على الأرض بحضرتهم، فخرقتها(1) و دخلتها و غابت عن عيونهم.

فقالوا: ما هذان المفترقان من الجبل ؟ فرق(2) صعد لؤلؤا و فرق انحط نارا؟

قال لهم موسى: أما القطعة التى صعدت في الهواء فانها وصلت إلى السماء و خرقتها إلى أن لحقت بالجنة.

فأضعفت أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا اللّه، و أمر اللّه أن تبنى منها للمؤمنين بما في هذا الكتاب قصور و دور و منازل و مساكن مشتملة على أنواع النعم التي وعد بها المتقين من عباده، من الأشجار و البساتين و الثمار، و الحور الحسان، و المخلدين من الولدان كاللالئ المنثورة و سائر نعيم الجنة و خيراتها.

و أما القطعة التى انحطت إلى الأرض فخرقتها ثم التي تليها إلى أن لحقت بجهنم فأضعفت أضعافا كثيرة، و أمر اللّه تعالى أن تبنى منها للكافرين بما في هذا الكتاب، قصور

ص: 217


1- أي شقتها.
2- أي بعض. و الفرق الفلق من الشيء إذا انفلق منه، و منه قوله تعالى «فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم» الشعراء: 63. (لسان العرب: 300/10).

و دور و مساكن و منازل مشتملة على أنواع العذاب التي وعدها للكافرين من عباده من بحار نيرانها، و حياض غسلينها و غساقها، و أودية قيحها و دمائها و صديدها، و زبانيتها بمرزباتها، و أشجار زقومها، و ضريعها و حياتها - و عقاربها - و أفاعيها، و قيودها و أغلالها و سلاسلها و أنكالها و سائر أنواع البلايا و العذاب المعد فيها.

ثم قال محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبني إسرائيل: أفلا تخافون عقاب ربكم في جحدكم لهذه الفضائل التي اختص بها محمدا و عليا و آلهما الطيبين ؟ - في أن للرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المعجزات ما كان للانبياء عليهم السّلام: - فقيل لأمير المؤمنين عليه السّلام: يا أمير المؤمنين فهذه آية موسى في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به، فهل كان لمحمد آية مثلها؟

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إي و الذي بعثه بالحق نبيا، ما من آية كانت لأحد من الانبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ و قد كان لمحمد مثلها و أفضل منها، و لقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظير هذه الآية إلى آيات أخر ظهرت له.

ص: 218

و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما أظهر بمكة دعوته، و أبان - عن اللّه عزّ و جلّ - مراده، رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب إمكانهم و لقد قصدته يوما - و إني كنت أول الناس إسلاما، بعث يوم الاثنين، و صليت معه يوم الثلاثاء: و بقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام و أيد اللّه تعالى دينه من بعد - فجاءه قوم من المشركين فقالوا له:

يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين ثم أنك لا ترضى بذلك حتى تزعم أنك سيدهم و أفضلهم، و لئن كنت نبيا فأتنا بآية كما تذكره عن الأنبياء قبلك: مثال نوح الذي جاء بالغرق، و نجا في سفينته مع المؤمنين.

و إبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا و سلاما.

و موسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رؤوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين.

و عيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون و - ما - يدخرون في بيوتهم.

و صار هؤلاء المشركون فرقا أربعة: هذه تقول: أظهر لنا آية نوح عليه السّلام.

ص: 219

و هذه تقول: أظهر لنا آية موسى عليه السّلام. و هذه تقول:

أظهر لنا آية إبراهيم عليه السّلام.

و هذه تقول: أظهر لنا آية عيسى عليه السّلام.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنما أنا نذير مبين، آتيتكم بآية مبينة: هذا القرآن الذي تعجزون أنتم و الأمم و سائر العرب عن معارضته، و هو بلغتكم فهو حجة بينة عليكم و ما بعد ذلك فليس لي الإقتراح على ربي، فما على الرسول إلاّ البلاغ المبين إلى المقرين بحجة صدقه، و آية حقه، و ليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون ؟

فجاءه جبرائيل عليه السّلام فقال: يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، و يقول: إني سأظهر لهم هذه الآيات، و إنهم يكفرون بها إلاّ من أعصمه منهم، و لكني أريهم زيادة في الإعذار و الإيضاح لحججك.

فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح: أمضوا إلى جبل أبي قبيس، فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا و بطفلين يكونان بين يديه.

ص: 220

و قل للفريق - الثاني - المقترحين لآية إبراهيم عليه السّلام:

أمضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة، فسترون آية إبراهيم في النار، فإذا غشيكم البلاء فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة، و ترد عنكم النار.

و قل للفريق الثالث: و أنتم المقترحين لآية موسى، أمضوا إلى ظل الكعبة فسترون آية موسى عليه السّلام، و سينجيكم هناك عمي حمزة.

و قل للفريق الرابع و رئيسهم أبو جهل: و أنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاثة، فإن الآية التي اقترحتها أنت تكون بحضرتي.

فقال أبو جهل للفرق الثلاثة: قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد(1).

ص: 221


1- البحار: 68/8 ح 12 و ص 165 ح 8 قطعة، و ج 239/17-248 ح 2، و ج 22 و ج 238/13 ح 48، البرهان 130/1 ح 1.

الآية (102)

[سورة البقرة (2): آیة 102]

...وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ...

[169] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال قتادة في ق صة الملكين هاروت و ماروت: فما مر عليهما شهر حتّى افتتنا.

قال علي بن أبي طالب (كرم اللّه وجهه)... و كانت من أهل فارس، و كانت ملكة في بلدها. فلمّا رأياها أخذت بقلبيهما فراوداها عن نفسها و انصرفت، ثمّ عادت في اليوم الثاني. ففعلا مثل ذلك. فأبت و قالت:

لا إلاّ أن تعبدا ما أعبد و تصليا لهذا الصّنم و تقتلا النّفس و تشربا الخمر فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء فإنّ اللّه قد نهانا عنها. فانصرفت ثمّ عادت في اليوم الثالث و معها قدح من خمر و في نفسيهما من الميل إليها

ص: 222

ما فيها. فراوداها عن نفسها. فعرضت عليهما ما قالت بالأمس.

فقالا: الصلاة لغير اللّه عظيم، و قتل النّفس عظيم و أهون الثلاثة شرب الخمر فانتعشا و وقعا بالمرأة و زنيا.

فلما فرغا رآهما إنسان فقتلاه....

قال عليّ بن أبي طالب (كرم اللّه وجهه) و السّدي و الكلبي: إنّها قالت لهما: لن تدركاني حتّى تخبراني بالذي تصعدان به إلى السماء.

فقالا: بسم اللّه الأكبر.

قالت: فما أنتما تدركاني حتّى تعلّمانيه.

فقال أحدهما لصاحبه: علّمها.

قال: فإنّي أخاف اللّه.

قال الآخر: فأين رحمة اللّه فعلّماهما ذلك. فتكلّمت به و صعدت إلى السّماء فمسخها اللّه كوكبا.

فعلى قول هؤلاء هي الزّهرة بعينها و قيّدوها.

فقالوا: هي هذه الكوكبة الحمراء و اسمها بالفارسيّة ناهيد، و بالنبطية بيذخت يدلّ على صحّة هذا القول ما روى

ص: 223

جابر عن الطفيل عن علي رضي اللّه عنه قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأى سهيلا قال: لعن اللّه سهيلا إنّه كان عشارا باليمن و لعن للّه الزّهرة فأنّها فتنت ملكين(1).

ص: 224


1- تفسير الثعلبي: 246/1.

الآية (104)

[سورة البقرة (2): آیة 104]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...

[170] - في تفسير العياشي: عن إسماعيل بن أبي زياد الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السّلام عن علي عليه السّلام قال: ليس في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلاّ و هي في التوراة يا أيها المساكين(1).

ص: 225


1- تفسير العياشي: 289/1.

الآية (105)

[سورة البقرة (2): آیة 105]

وَ اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ

[171] - في مجمع البيان: روي عن أمير المؤمنين و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام أنّ المراد برحمته هنا النبوة(1).

ص: 226


1- مجمع البيان: 344/1.

الآية (106)

[سورة البقرة (2): آیة 106]

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ

[172] - أبو إسحاق الثعلبي قال: عن أبي عبد الرحمن السّلمي أنّ عليا عليه السّلام مرّ بقاص يقصّ في جامع الكوفة بباب كندة.

فقال: هل تعلم النّاسخ من المنسوخ ؟

قال: لا.

قال: هلكت و أهلكت(1).

ص: 227


1- تفسير الثعلبي: 254/1.

الآيتان (111) و (112)

[سورة البقرة (2): الآیات 111 الی 112]

وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (11(1) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ

[173] - و لقد [حدثني] أبو الباقر عليه السّلام، عن جدي علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أهل خمسة أديان: اليهود، و النصارى، و الدهرية، و الثنوية و مشركو العرب.

فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن اللّه، و قد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل، و إن خالفتنا خصمناك.

ص: 228

و قالت النصارى: نحن نقول، إن المسيح ابن اللّه اتّحد به، و قد جئناك لننظر ما تقول، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل، و إن خالفتنا خصمناك.

و قالت الدهرية: نحن نقول: الأشياء لا بدء لها و هي دائمة، و قد جئناك لننظر ما تقول، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل، و إن خالفتنا خصمناك.

و قالت الثنوية: نحن نقول: إن النور و الظلمة هما المدبّران، و قد جئناك لننظر ما تقول، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل، و إن خالفتنا خصمناك.

و قال مشركو العرب: نحن نقول إن أوثاننا آلهة و قد جئناك لننظر ما تقول فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك و أفضل، و إن خالفتنا خصمناك.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: آمنت باللّه وحده لا شريك له، و كفرت بكل معبود سواه.

ثم قال لهم: إن اللّه تعالى بعثني كافة للناس بشيرا و نذيرا، حجة على العالمين و سيردّ اللّه كيد من يكيد دينه في نحره.

ص: 229

ثم قال لليهود: أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة ؟ قالوا: لا.

قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله ؟

قالوا: لأنه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت، و لم يفعل به هذا إلاّ لأنه ابنه.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فكيف صار عزير ابن اللّه دون موسى و هو الذي جاءهم بالتوراة و رئي منه من المعجزات ما قد علمتم ؟ و لئن كان عزير ابن اللّه لما ظهر من إكرامه باحياء التوراة، فلقد كان موسى بالبنوة أحق و أولى، و لئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوّة، لأنكم إن كنتم إنما تريدون بالبنوّة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمهات الأولاد بوطء آبائهم لهن، فقد كفرتم باللّه و شبّهتموه بخلقه، و أوجبتم فيه صفات المحدثين، و وجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، و أنا له خالقا صنعه و ابتدعه.

قالوا: لسنا نعني هذا، فإن هذا كفر كما ذكرت، و لكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة، و إن لم يكن هناك ولادة،

ص: 230

كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه و إبانته بالمنزلة من غيره: يا بني، و إنه ابني. لا على إثبات ولادته منه، لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه و بينه و كذلك لما فعل بعزير ما فعل، كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فهذا ما قلته لكم: إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة لموسى أولى، و إن اللّه تعالى يفضح كل مبطل بإقراره و يقلب عليه حجته.

إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكبر مما ذكرته لكم، لأنكم قلتم: إن عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه و بينه: يا بني، و هذا إبني لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبي آخر:

هذا أخي و لآخر: هذا شيخي، و أبي، و لآخر: هذا سيدي، على سبيل الإكرام، و إن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا للّه أو شيخا له أو أبا أو سيدا لأنه قد زاده في الكرامة على ما لعزيز، كما أن من زاد رجلا في الإكرام فقال له:

يا سيدي و يا شيخي و يا عمي و يا رئيسي و يا أميري على

ص: 231

طريق الإكرام، و إن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا للّه، أو شيخا، أو عما أو رئيسا، أو سيدا أو أميرا؟ لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي، أو يا رئيسي، أو يا أميري.

قال: فبهت القوم و تحيّروا و قالوا: يا محمد أجّلنا نتفكّر فيما قلته لنا.

فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف، يهدكم اللّه.

ثم أقبل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على النصارى فقال لهم: و أنتم قلتم: إن القديم عزّ و جلّ اتّحد بالمسيح ابنه، ما الذي أردتموه بهذا القول ؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى ؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله ؟ أو معنى قولكم: «إنه اتحد به» أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه ؟ فإن أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم، لآن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، و إن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما، و إن أردتم أنه اتّحد به بأن اختصه و اصطفاه على سائر عباده، فقد أقررتم

ص: 232

بحدوث عيسى، و بحدوث المعنى الذي اتّحد به من أجله، لأنه إذا كان عيسى محدثا و كان اللّه اتّحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده، فقد صار عيسى و ذلك المعنى محدثين، و هذا خلاف ما بدأتم تقولونه.

قال: فقالت النصارى: يا محمد، إن اللّه تعالى لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة.

فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه.

ثم أعاد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك كله، فسكتوا إلاّ رجلا واحد منهم، فقال له: يا محمد أو لستم تقولون: إن إبراهيم خليل اللّه ؟

قال: قد قلنا ذلك.

فقال: فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول: إن عيسى ابن الله ؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنهما لم يشتبها، لأن قولنا: إن إبراهيم خليل اللّه، فإنما هو مشتق من الخلة، و الخلة:

معناها الفقر و الفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا، و إليه منقطعا، و عن غيره متعففا معرضا مستغنيا، و ذلك لمّا أريد

ص: 233

قذفه في النار، فرمي به في المنجنيق فبعث اللّه تعالى جبرائيل عليه السّلام و قال له: أدرك عبدي.

فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلفني ما بدا لك فقد بعثني اللّه لنصرتك.

فقال: بل حسبي اللّه و نعم الوكيل، إني لا أسأل غيره و لا حاجة لي إلاّ إليه. فسمّاه خليله أي فقيره و محتاجه، و المنقطع إليه عمن سواه.

و إذا جعل معنى ذلك من الخلة و هو أنه قد تخلل - به - معانيه، و وقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به و بأموره، و لا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ؟ و إذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ؟ و أنّ من يلده الرجل، و إن أهانه و أقصاه، لم يخرج عن أن يكون ولده ؟ لأن معنى الولادة قائم.

ثم إن وجب - لأنه قال اللّه: ابراهيم خليلي - أن تقيسوا أنتم فتقولوا: إن عيسى ابنه، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى: إنه ابنه، فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا إن موسى أيضا

ص: 234

ابنه، و إنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: شيخه و سيده و عمه و رئيسه و أميره كما قد ذكرته لليهود.

فقال بعضهم: و في الكتب المنزلة أن عيسى قال:

أذهب إلى أبي.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون، فإن فيه: «أذهب إلى أبي و أبيكم» فقولوا: إن جميع الذين خاطبهم كانوا أبناء اللّه، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا - المعنى - الذي زعمتم أن عيسى من جهة الإختصاص كان ابنا له، لأنكم قلتم: إنما قلنا: إنه ابنه لأنه تعالى اختصه بما لم يختص به غيره، و أنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى:

«أذهب إلى أبي و أبيكم» فبطل أن يكون الإختصاص لعيسى، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، و أنتم إنما حكيتم لفظة عيسى و تأولتموها على غير وجهها لأنه إذا قال: «أبي و أبيكم» فقد أراد غير ما ذهبتم إليه و نحلتموه، و ما يدريكم لعله عنى: أذهب إلى آدم و إلى نوح إن اللّه يرفعني إليهم و يجمعني معهم، و آدم أبي و أبوكم و كذلك نوح، بل ما أراد غير هذا قال: فسكتت

ص: 235

النصارى، و قالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا و لا مخاصما و سننظر في أمورنا.

ثم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الدهرية فقال: و أنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدء لها و هي دائمة لم تزل، و لا تزال ؟

فقالوا: لأنا لا نحكم إلاّ بما نشاهد، و لم نجد للأشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل و لم نجد لها انقضاء و لا فناء فحكمنا بأنها لا تزال.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أفوجدتم لها قدما، أم وجدتم لها بقاء أبد الآباد؟ فإن قلتم: إنكم قد وجدتم ذلك أثبتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم و عقولكم بلا نهاية، و لا تزالون كذلك و لئن قلتم هذا دفعتم العيان و كذبكم العالمون الذين يشاهدونكم.

قالوا: بل لم نشاهد لها قدما و لا بقاء أبد الآباد.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم و البقاء دائما؟ لأنكم لم تشاهدوا حدوثها، و انقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم، يحكم لها بالحدوث و الإنقضاء و الإنقطاع لأنه لم يشاهد لها قدما و لا بقاء أبد الآباد.

ص: 236

أولستم تشاهدون الليل و النهار و أحدهما بعد الآخر؟ فقالوا: نعم.

فقال: أترونهما لم يزالا و لا يزالان ؟

فقالوا: نعم.

قال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل و النهار؟

فقالوا: لا.

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما، و يكون الثاني جاريا بعده. قالوا: كذلك هو.

فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل و نهار لم تشاهدوهما، فلا تنكروا للّه قدرة ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أتقولون ما قبلكم من الليل و النهار متناه أم غير متناه ؟

فإن قلتم: غير متناه فكيف وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله ؟

و إن قلتم: إنه متناه أم غير متناه فقد كان و لا شي منهما بقديم.

قالوا: نعم.

قال لهم: أقلتم إن العالم قديم ليس بمحدث و أنتم

ص: 237

عارفون بمعنى ما أقررتم به، و بمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا:

نعم.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فهذا الذي نشاهده من الأشياء بعضها إلى بعض مفتخر، لأنه لا قوام للبعض إلاّ بما يتصل به، ألا ترى أن البناء محتاج بعض أجزائه إلى بعض و إلا لم يتسق، و لم يستحكم، و كذلك سائر ما ترون.

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإذا كان هذا المحتاج - بعضه إلى بعض لقوته و تمامه - هو القديم، فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون ؟ و ما ذا كانت تكون صفته ؟

قال: فبهتوا - و تحيروا - و علموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلاّ و هي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا و قالوا: سننظر في أمرنا.

ثم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الثنوية - الذين قالوا:

النور و الظلمة هما المدبران - فقال: و أنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟

فقالوا: لأنا وجدنا العالم صنفين: خيرا و شرا، و وجدنا الخير ضد الشر، فأنكرنا أن يكون فاعل - واحد - يفعل الشي و ضده، بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى أن

ص: 238

الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين: ظلمة و نورا.

فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أفلستم قد وجدتم سوادا و بياضا، و حمرة و صفرة، و خضرة و زرقة ؟ و كل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منهما في محل واحد، كما كان الحر و البرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم.

قال: فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟! قال: فسكتوا.

ثم قال: و كيف اختلط النور و الظلمة، و هذا من طبعه الصعود، و هذه من طبعها النزول ؟ أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه و الآخر غربا أكان يجوز - عندكم - أن يلتقيا ما داما سائرين على وجهيهما؟ قالوا: لا.

قال: فوجب أن لا يختلط النور و الظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج ؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان، فقالوا: سننظر في أمورنا.

ص: 239

ثم أقبل على مشركي العرب فقال: و أنتم فلم عبدتم الأصنام من دون اللّه ؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى اللّه تعالى.

فقال: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتى تتقربوا بتعظيمها إلى اللّه ؟

قالوا: لا.

قال: فأنتم الذين تنحتونها بأيديكم ؟ قالوا: نعم.

قال: - فلئن تعبدكم هي - لو كان يجوز منها العبادة - أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم و عواقبكم و الحكيم فيما يكلفكم ؟

قال: فلما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا اختلفوا: فقال بعضهم: إن اللّه قد يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه، نعظّمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا.

و قال آخرون منهم: إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين للّه قبلنا، فمثلنا صورهم و عبدناها تعظيما للّه.

و قال آخرون منهم: إن اللّه لما خلق آدم، و أمر الملائكة بالسجود له، كنا نحن أحق بالسجود لآدم من

ص: 240

الملائكة، ففاتنا ذلك، فصورنا صورته فسجدنا لها تقرّبا إلى اللّه كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللّه تعالى، و كما أمرتم بالسجود - بزعمكم - إلى جهة مكة ففعلتم، ثم نصبتم في غير ذلك البلد - بأيديكم - محاريب سجدتم إليها، و قصدتم الكعبة لا محاريبكم، و قصدكم في الكعبة إلى اللّه تعالى لا اليها.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أخطأتم الطريق و ضللتم، أما أنتم و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخاطب الذين قالوا: إن اللّه يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه نعظّمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا، فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شي حتى يحيط به ذلك الشي ؟ فأي فرق بينه إذن و بين سائر ما يحل فيه من لونه و طعمه و رائحته و لينه و خشونته و ثقله و خفته ؟

و لم صار (هذا المحلول) فيه محدثا و ذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا و هذا قديما؟ و كيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال و هو عزّ و جلّ لا يزال كما لم يزل ؟ فإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال - و الحدوث -.

ص: 241

و أما ما وصفتموه بالزوال و الحدوث فصفوه بالفناء، فإن ذلك أجمع من صفات الحال و المحلول فيه، و جميع ذلك يغير الذات، فإن (جاز أن يتغير) ذات الباري تعالى بحلوله في شي جاز أن يتغير بأن يتحرك و يسكن و يسود و يبيض و يحمر و يصفر و تحله الصفات التى تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين، و يكون محدثا - تعالى اللّه عن ذلك -.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإذا بطل ما ظننتموه من أن اللّه يحل في شي فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم.

قال: فسكت القوم، و قالوا: سننظر في أمورنا.

ثم أقبل على الفريق الثاني فقال لهم: أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد اللّه فسجدتم لها و صليتم، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب - بالسجود لها - فما الذي أبقيتم لرب العالمين ؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه و عبادته أن لا يساوى به عبده ؟ أرأيتم ملكا عظيما إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم و الخشوع و الخضوع أيكون في ذلك وضع للكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟

ص: 242

فقالوا: نعم.

قال: أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظّمون اللّه بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين ؟

قال: فسكت القوم بعد أن قالوا: سننظر في أمورنا.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا، و شبّهتمونا بأنفسكم و لا سواء، و ذلك أنّا عباد اللّه مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا، و ننزجر عما زجرنا، و نعبده من حيث يريده منا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه و لم نتعدّ إلى غيره مما لم يأمرنا و لم يأذن لنا، لأنّا لا ندري لعلّه - إن - أراد منا الأول فهو يكره الثاني، و قد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شي من ذلك من اتّباع أمره، و اللّه عزّ و جلّ حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.

و قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أرأيتم لو أذن لكم رجل

ص: 243

دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ؟ أو لكم أن تدخلوا دارا له أخرى مثلها بغير أمره ؟

أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه، أو عبدا من عبيده، أو دابة من دوابه، ألكم أن تأخذوا ذلك ؟

قالوا: نعم.

قال: فإن لم تأخذوه، أخذتم آخر مثله ؟

قالوا: لا، لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الأول.

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فأخبروني، اللّه تعالى أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين ؟

قالوا: بل اللّه أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير أمره و إذنه.

قال: فلم فعلتم ؟ و متى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟

قال: فقال القوم: سننظر في أمورنا، ثم سكتوا.

و قال الصادق عليه السّلام: فو الذي بعثه بالحق نبيّا ما أتت على جماعتهم ثلاثة أيام حتى أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأسلموا،

ص: 244

و كانوا خمسة و عشرين رجلا من كل فرقة خمسة و قالوا:

ما رأينا مثل حجتك يا محمد، نشهد أنك رسول اللّه(1).

قال الإمام الصادق عليه السّلام: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

فأنزل اللّه: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (2) فكان في هذه الآية ردا على ثلاثة أصناف منهم: لما قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ .

فكان ردا على الدهرية الذين قالوا: الأشياء لا بدء لها و هي دائمة.

ثم قال وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فكان ردا على الثنوية الذين قالوا: إن النور و الظلمة هما المدبران.

ص: 245


1- عنه البحار: 126/2 ملحق ح 2 قطعة، و ج 402/73 قطعة، و البرهان: 143/1 ضمن ح 1 قطعة و ج 116/2 ضمن ح 1، و ص 388 ح 2 قطعة، و ج 13/4 ح 4 قطعة، و عوالم العلوم/العلم: 447 ح 59، و عنه البحار: 255/9-267 ضمن ح 1، و ج 68/57 ح 45 قطعة، و ج 71/84 ح 30 قطعة، و عن الاحتجاج: 14/1-24 بإسناده عن أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام، و أخرج قطعة منه في الوسائل: 219/3 ح 14، ج 4 / 984 ح 3، و البحار: 125/2 ح 2، و عوالم العلوم/العلم: 446 ح 58 عن الاحتجاج.
2- الأنعام: 1.

ثم قال ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا: إن أوثاننا آلهة.

ثم أنزل اللّه تعالى قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ إلى آخرها، فكان فيها ردا على كل من ادّعى من دون اللّه ضدا أو ندا. قال:

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأصحابه: قولوا: إِيّاكَ نَعْبُدُ أي نعبد واحدا لا نقول كما قالت الدهرية: إن الاشياء لا بدء لها و هي دائمة، و لا كما قالت الثنوية الذين قالوا: إن النور و الظلمة هما المدبران، و لا كما قال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئا، و لا ندعو من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار، و لا نقول كما قالت اليهود و النصارى: إن لك ولدا، تعاليت عن ذلك - علوا كبيرا -.

قال: فذلك قوله: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى .

و قال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال اللّه تعالى: يا محمد (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) التي يتمنونها بلا حجة (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) و حجتكم على دعواكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها.

ثم قال: (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ) يعنى كما فعل هؤلاء

ص: 246

الذين آمنوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما سمعوا براهينه و حججه (وَ هُوَ مُحْسِنٌ) في عمله للّه.

(فَلَهُ أَجْرُهُ) ثوابه (عِنْدَ رَبِّهِ) يوم فصل القضاء (وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العقاب (وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ) عند الموت لأن البشارة بالجنان تأتيهم(1).

[174] - قال الإمام العسكري عليه السّلام: قال أمير المؤمنين عليه السّلام «و قالوا» يعني اليهود و النصارى: قالت اليهود «لن يدخل الجنة إلاّ من كان هودا» أي يهوديا.

و قوله «أو نصارى» يعني و قالت النصارى: لن يدخل الجنة إلاّ من كان نصرانيا.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و قد قال غيرهم: قالت الدهرية: الأشياء لا بدء لها، و هي دائمة، و من خالفنا في هذا ضال مخطئ(2).

ص: 247


1- تفسير البرهان: 143/1 ذ ح 1، و ج 119/2 ذ ح 1، و عنه البحار: 269/9 ذ ح 1، و عن الاحتجاج: 24/1 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام.
2- من البحار و البرهان، ذهبت الدهرية إلى أن العالم قديم زماني، و قالوا: إن الاشياء دائمة الوجود لم تزل و لا تزال، بل بعضهم أنكروا الحوادث اليومية أيضا و ذهبوا إلى الكمون و البروز لتصحيح قدم الحوادث اليومية، و أنكروا وجود ما لم تدركه الحواس الخمس، و لذا أنكروا وجود الصانع لعدم إدراك الحواس له تعالى، و قالوا وجود.

و قالت الثنوية: النور و الظلمة هما المدبران، و من خالفنا في هذا ضل.

و قال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، من خالفنا في هذا ضل.

فقال اللّه تعالى: «تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ» التي يتمنونها «قُلْ - لهم - هاتُوا بُرْهانَكُمْ» على مقالتكم «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » (1).

ص: 248


1- البحار: 255/9 صدر ح 1، و البرهان: 143/1 صدر ح 1.

الآية (113)

[سورة البقرة (2): آیة 113]

وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

[175] - و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فهؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطة و أنتم يا معشر أمة محمد نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمرتم باتّباع هداهم و لزوم طريقتهم، ليغفر - لكم - بذلك خطاياكم و ذنوبكم، و ليزداد المحسنون منكم، و باب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لأن ذلك - كان - باب خشب، و نحن الناطقون الصادقون المرتضون الهادون الفاضلون، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن النجوم في السماء أمان من الغرق، و إن أهل بيتي أمان لأمتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون (فيها ما دام فيهم) من يتبعون هديه و سنّته».

ص: 249

أما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد قال: «من أراد أن يحيا حياتي، و أن يموت مماتي، و أن يسكن الجنة التي وعدني ربي، و أن يمسك قضيبا غرسه بيده و قال له: كن فكان، فليتولّ علي بن أبي طالب عليه السّلام، و ليوال وليّه، و ليعاد عدوه، و ليتولّ ذريته الفاضلين المطيعين للّه من بعده، فإنهم خلقوا من طينتي، و رزقوا فهمي و علمي، فويل للمكذب بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي »(1).

[176] - و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فكما أن بعض بني اسرائيل أطاعوا فأكرموا، و بعضهم عصوا فعذّبوا، فكذلك تكونون أنتم. قالوا: فمن العصاة يا أمير المؤمنين ؟

قال عليه السّلام: الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت، و تعظيم حقوقنا، فخالفوا ذلك، و عصوا و جحدوا حقوقنا و استخفّوا بها، و قتلوا أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذين أمروا بأكرامهم و محبتهم، قالوا: يا أمير المؤمنين و إن ذلك لكائن ؟

قال عليه السّلام: بلى خبرا حقا، و أمرا كائنا، سيقتلون ولديّ هذين الحسن الحسين عليهما السّلام.

ص: 250


1- عنه البحار: 122/23 ح 47، و البرهان: 144/1 ذ ح 1.

ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و سيصيب - أكثر - الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف - بعض - من يسلط اللّه تعالى عليهم للإنتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني إسرائيل الرجز.

قيل: و من هو؟ قال: غلام من ثقيف، يقال له «المختار بن أبي عبيد »(1).

ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و أما المطيعون لنا فسيغفر اللّه ذنوبهم، فيزيدهم إحسانا إلى حسناتهم.

قالوا: يا أمير المؤمنين و من المطيعون لكم ؟

قال: الذين يوحدون ربهم، و يصفونه بما يليق به من الصفات، و يؤمنون بمحمد نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يطيعون اللّه في إتيان فرائضه و ترك محارمه، و يحيون أوقاتهم بذكره، و بالصلاة على نبيه محمد و آله - الطيبين - و ينفون عن أنفسهم الشح و البخل، فيؤدون ما فرض عليهم من الزكاة و لا يمنعونها(2).

ص: 251


1- عنه البحار: 339/45 ح 6، و مدينة المعاجز: 305 ح 83، و اثبات الهداة: 496/4 ح 292 (قطعة) و مستدرك الوسائل: 107/3 باب 26 ح 6 قطعة.
2- البحار: 163/68 ح 12، و مدينة المعاجز: 306 ذ ح 83، و مستدرك الوسائل: 297/2 باب 18 ح 4.

الآية (115)

[سورة البقرة (2): آیة 115]

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ

[177] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل فيه قال السائل: من هؤلاء الحجج ؟

قال: هم رسول اللّه و من حلّ محله من أصفياء اللّه الذين قال اللّه: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ الذين قرنهم اللّه بنفسه و برسوله، و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه(1).

[178] - فيه قال عليه السّلام أيضا في الحجج: و هم وجه اللّه الذي قال: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2).

ص: 252


1- الإحتجاج: 252 /احتجاجه على زنديق.
2- الإحتجاج: 252 /احتجاجه على زنديق.

[179] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه: عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث طويل و فيه بعد أن ذكر عليه السّلام الحجج قال السائل: من هؤلاء الحجج ؟

قال: هم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من حل محله من أصفياء اللّه الذين قرنهم اللّه بنفسه و رسوله، و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم ميثاقا لنفسه، و هم ولاة الأمر الذين قال اللّه فيهم: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) و قال فيهم: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (2) قال السائل: ما ذاك الأمر؟

قال عليه السّلام: الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كلّ أمر حكيم من رزق و أجل و عمل و حياة و موت و علم غيب السماوات و الأرض، و المعجزات التي لا تنبغي إلاّ للّه و أصفيائه و السفرة بينه و بين خلقه و هم وجه اللّه الذي قال:

فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (3) هم بقيّة اللّه، يعني المهدي عليه السّلام الذي يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض قسطا

ص: 253


1- النساء: 59.
2- النساء: 83.
3- البقرة: 115.

و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، و من آياته الغيبة و الإكتتام عند عموم الطغيان و حلول الإنتقام، و لو كان هذا الأمر الذي عرّفتك بيانه للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دون غيره لكان الخطاب يدل على فعل ماض غير دائم و لا مستقبل و لقال: نزلت الملائكة و فرق كلّ أمر حكيم، و لم يقل: «تنزل الملائكة و يفرق كلّ أمر حكيم »(1).

[180] - في كتاب الخصال: في سؤال بعض اليهود عليا عليه السّلام عن الواحد إلى المائة قال له اليهودي فأين وجه ربك ؟

فقال علي بن أبي طالب عليه السّلام: يابن عباس ائتني بنار و حطب، فأتيته بنار و حطب، فأضرمها(2) ثم قال: يا يهودي أين يكون وجه هذه النّار فقال: لا أقف لها على وجه، قال: ربي عزّ و جلّ على هذا المثل و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه اللّه(3).

[181] - في كتاب الخصال: بإسناده إلى سلمان

ص: 254


1- الإحتجاج: 593/1 /محاجة 137.
2- أضرم النّار: أوقدها و أشعلها.
3- كتاب الخصال: 597/2 /باب الواحد إلى المائة ح 1.

الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد وفاة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فسأله عنها فأجابه، فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن وجه الرب تبارك و تعالى ؟ فدعا عليه السّلام بنار و حطب فأضرمه، فلما اشتعلت قال علي عليه السّلام: أين وجه هذه النّار؟

قال: هي وجه من جميع حدودها، قال علي عليه السّلام:

هذه النّار مدبّرة مصنوعة لا يعرف وجهها، و خالقها لا يشبهها، وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ لا يخفى على ربنا خافية(1).

[182] - الطبرسي عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل يقول فيه عليه السّلام:

و ألزمهم الحجّة بأن خاطبهم خطابا يدلّ على انفراده و توحيده، و بأن لهم أولياء تجري أفعالهم و أحكامهم مجرى فعله، فهم العباد المكرمون، و هم النعيم الذي يسأل عنه، إنّ اللّه تبارك و تعالى أنعم بهم على من اتّبعهم من أوليائهم، قال السائل: من هؤلاء الحجج ؟

ص: 255


1- التوحيد: 182 ح 16.

قال: هم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من حلّ محلّه من أصفياء اللّه الّذي قال: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (1) الذين قرنهم اللّه بنفسه و برسوله، و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه(2).

[183] - عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه:

و ألزمهم الحجّة بأن خاطبهم خطابا يدلّ على انفراده و توحيده، و بأنّ له أولياء تجري أفعالهم و أحكامهم مجرى فعله، فهم العباد المكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون، قال سائل: من هؤلاء الحجج ؟

قال: هم رسول اللّه و من حلّ محلّه أصفياء اللّه الذين قال: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (3) الذين قرنهم اللّه بنفسه و برسوله، و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه(4).

ص: 256


1- البقرة: 115.
2- تفسير نور الثقلين 663:5؛ الإحتجاج 593:1 ح 135.
3- سورة البقرة: 115.
4- تفسير نور الثقلين 421:3؛ الإحتجاج 593:1 ح 137.

الآية (121)

[سورة البقرة (2): آیة 121]

...وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ...

[184] - في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام و هي خطبة الوسيلة يقول فيها بعد أن ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و في التولي عنه و الإعراض محادة اللّه و غضبه و سخطه و البعد منه مسكن النّار و ذلك قوله: و من يكفر به من الأحزاب، فالنار موعده يعني الجحود و العصيان له(1).

ص: 257


1- روضة الكافي: 26/8 ح 4.

الآية (122)

[سورة البقرة (2): آیة 122]

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ

[185] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: قد يحسن الإمتنان بالنعمة و ذلك عند كفرانها، و لو لا أن بني إسرائيل كفروا النّعمة لما قال اللّه لهم: اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (1).

ص: 258


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 294/20.

الآية (124)

[سورة البقرة (2): آیة 124]

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ

[186] - في كتاب الإحتجاج للطبرسي رحمه اللّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام: قد حظر على من مسّه الكفر تقلد ما فوّضه إلى أنبيائه و أوليائه يقول لإبراهيم: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (1) فلما علم إبراهيم عليه السّلام أنّ عهد اللّه تبارك و تعالى بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (2),(3).

[187] - عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن

ص: 259


1- لقمان: 13.
2- سورة إبراهيم، الآية: 35.
3- الإحتجاج: 591/1 /محاجة 137.

جدّه عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق نور محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل أن يخلق السماوات و الأرض و العرش و الكرسي و اللوح و القلم و الجنّة و النّار... إلى أن قال: حتى أخرجه من صلب عبد اللّه بن عبد المطلب، فأكرمه بست كرامات ألبسه قميص الرضى، و رداه رداء الهيبة، و توّجه بتاج الهداية، و ألبسه سراويل المعرفة و جعل تكته تكة المحبة يشد بها سراويله، و جعل نعله نعل الخوف، و ناوله عصا المنزلة، ثم قال اللّه عزّ و جلّ: يا محمد، إذهب إلى الناس فقل لهم: قولوا لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه، و كان أصل ذلك القميص من ستة أشياء، قامته من الياقوت و كماه من اللؤلؤ، و دخريصه(1) من البلور الأصفر و إبطاه من الزبرجد و جربانه(2) من المرجان الأحمر و جيبه من نور الرب جلّ جلاله، فقبل اللّه عزّ و جلّ توبة آدم بذلك القميص و ردّ خاتم سليمان به و ردّ يوسف إلى يعقوب به و نجّى يونس من بطن الحوت به و كذلك سائر الأنبياء عليهم السّلام نجاهم من المحن به و لم يكن ذلك القميص إلاّ قميص محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3).

ص: 260


1- الدخريصة من القميص: ما يوصل به البدن ليوسعه.
2- الجربان من القميص: طوقه.
3- كتاب الخصال: 482/2-483 /باب الإثني عشر ح 55.

[188] - وكيع في تفسيره، و ابن مردوية، عن علي عليه السّلام، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ قال: لا طاعة إلاّ في المعروف(1)

ص: 261


1- كنز العمال 358:2 ح 4235، تفسير السيوطي 118:1.

الآية (127)

[سورة البقرة (2): آیة 127]

وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ

[189] - في تفسير العياشي: عن أبي الورقاء قال: قلت لعلي بن أبي طالب عليه السّلام ما أول شيء نزل من السماء؟

قال: أول شيء نزل من السماء إلى الأرض فهو البيت الذي بمكة، أنزله اللّه ياقوتة حمراء ففسق قوم نوح في الأرض فرفعه اللّه حيث يقول: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ (1).

[190] - فيه في وصية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام، يا علي، تارك الحج و هو مستطيع كافر، يقول اللّه تبارك و تعالى:

وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ

ص: 262


1- تفسير العياشي: 60/1 ح 100 من سورة البقرة.

غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (1) يا علي من سوّف الحج حتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا(2).

[191] - في من لا يحضره الفقيه: في وصية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام: يا علي من استصعبت عليه دابته فليقرأ في أذنها اليمنى (3):وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ ترجعون(4),(5).

[192] - في كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أبي سعيد الخدري عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث طويل يذكر فيه الوسيلة و منزلة علي عليه السّلام يقول فيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فيأتي النداء من عند اللّه عزّ و جلّ يسمع النبيين و جميع الخلق: هذا حبيبي محمد، و هذا وليي عليّ طوبى لمن أحبه و ويل لمن أبغضه و كذب عليه.

قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام: يا علي فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد يحبك إلاّ استروح إلى هذا الكلام، و ابيض وجهه و فرح قلبه، و لا يبقى أحد ممن عاداك أو نصب

ص: 263


1- سورة آل عمران، الآية: 97.
2- من لا يحضره الفقيه: 368/4 ح 5762.
3- في المصدر (المطبوع بالغري ج 268:4) (أذنها اليمنى) و هو الظاهر. (4و5) سورة آل عمران، الآية: 83. /من لا يحضره الفقيه: 371/4 ح 5762.

لك حربا أو جحد لك حقا إلاّ أسود وجهه، و اضطربت قدماه(1).

[193] - و بإسناده إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث طويل يقول فيه لعلي عليه السّلام: و لقد أنزل اللّه عزّ و جلّ إليّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني في ولايتك يا علي وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (2) و لو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي(3).

[194] - بإسناده إلى ابن عباس حديث طويل و فيه فأنزل اللّه تبارك و تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تهديد بعد وعيد لأمضينّ أمر اللّه فإن يتهموني و يكذبوني فهو أهون عليّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا و الآخرة، قال: و سلم جبرائيل على عليّ بإمرة المؤمنين فقال علي عليه السّلام، يا رسول اللّه أسمع الكلام و لا أحس الرؤية فقال: يا علي هذا جبرائيل أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعد ثم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا فرجلا من

ص: 264


1- علل الشرائع: 1 /ب] 130 [ح 6.
2- سورة المائدة، الآية: 67.
3- أمالي الصدوق: 494 /مجلس 74.

أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين ثم قال: يا بلال ناد في الناس أن لا يبقى غدا أحد إلاّ خرج إلى غدير خم، فلما كان من الغد خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بجماعة أصحابه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إنّ اللّه تبارك و تعالى أرسلني إليكم برسالة و إني ضقت بها ذرعا مخافة أن يتهموني و يكذبوني حتى أنزل اللّه عليّ وعيدا بعد وعيد، فكان تكذيبكم إياي أيسر عليّ من عقوبة اللّه إياي (الحديث )(1).

ص: 265


1- أمالي الصدوق: 354 /مجلس 56.

الآية (136)

[سورة البقرة (2): آیة 136]

قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا

[195] - في من لا يحضره الفقيه: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيته لابنه محمد ابن الحنفيّة: و فرض على اللسان الإقرار و التعبير عن القلب ما عقد عليه، فقال عزّ و جلّ: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا (1).

ص: 266


1- من لا يحضره الفقيه: 382/2 /ب 227 ح 1627.

الآية (143)

[سورة البقرة (2): آیة 143]

وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ

[196] - عن سليم بن قيس الهلالي، عن علي عليه السّلام:

إنّ اللّه تعالى إيّانا عنى بقوله: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شاهد علينا، و نحن شهداء على خلقه و حجّته في أرضه، و نحن الذين قال اللّه تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (1).

ص: 267


1- تفسير نور الثقلين 134:1، شواهد التنزيل 119:1 ح 129، تفسير مجمع البيان 225:1.

الآية (144)

[سورة البقرة (2): آیة 144]

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ

[197] - البيهقي، أخبرنا محمّد بن عبد اللّه الحافظ، أخبرني أبو بكر بن إسحاق، ثنا أبو المثنى، ثنا محمّد بن كثير، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عميرة بن زياد (أو زيادة) الكندي، عن علي عليه السّلام: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: شطره: قبله(1).

ص: 268


1- سنن البيهقي 3:2، كنز العمال 359:2 ح 4239.

الآيتان (146) و (147)

[سورة البقرة (2): الآیات 146 الی 147]

اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (14(6) اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

[198] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قرأ علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ نصبا على الأغراء(1).

[199] - قال النحّاس: رفع بالإبتداء أو على إضمار ابتداء و روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قرأ (الحقّ) منصوبا(2) أي يعلمون الحق فأما الذي في «الأنبياء» بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (3) فلا نعلم أحدا قرأه إلاّ منصوبا و الفرق الذي بينهما أنّ

ص: 269


1- تفسير الثعلبي: 13/2.
2- مختصر ابن خالويه: 10، البحر المحيط: 436/1.
3- سورة الأنبياء: 24.

الذي في سورة البقرة مبتدأ آية و الذي في سورة الأنبياء ليس كذلك(1).

[200] - في أصول الكافي عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه عن محمّد بن داود الغنوي، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام حديث طويل و فيه يقول عليه السّلام: فأمّا أصحاب المشأمة فهم اليهود و النصارى، يقول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ يعرفون محمّدا و الولاية في التوراة و الإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (14(6) اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (2) أنّك الرسول إليهم فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (3) فلمّا جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الإيمان، و أسكن أرواحهم ثلاثة أرواح: روح القوة و روح الشهوة و روح البدن، ثمّ أضافهم إلى الأنعام فقال: إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ لأنّ الدابّة إنّما تحمل بروح القوة و تعتلف بروح الشهوة و تسير بروح البدن(4).

ص: 270


1- إعراب القرآن: 84/1.
2- سورة البقرة: 146.
3- البقرة: 147.
4- أصول الكافي: كتاب الإيمان و الكفر/ 281/2 ح 16 /ب الكبائر.

قوله تعالى: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ

[201] - عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه رفعه عن محمّد بن داود الغنوي عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّ ناسا زعموا أنّ العبد لا يزني و هو مؤمن، و لا يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر و هو مؤمن، و لا يأكل الربا و هو مؤمن، و لا يسفك الدمّ الحرام و هو مؤمن، فقد ثقل عليّ هذا و حرج منه صدري حين أزعم، أنّ هذا العبد يصلي صلاتي و يدعو دعائي و يناكحني و أناكحه و يوارثني و أوارثه، و قد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: صدقت، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: و الدليل عليه كتاب اللّه: خلق اللّه عزّ و جلّ الناس على ثلاث طبقات و أنزلهم ثلاث منازل، فذلك قول اللّه عزّ و جلّ في الكتاب: أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ...

وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ...وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ فأمّا ما ذكر من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين، جعل اللّه فيهم خمسة أرواح: روح القدس و روح الإيمان و روح

ص: 271

القوّة و روح الشهوة و روح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين، و بها علموا الأشياء و بروح الإيمان عبدوا اللّه و لم يشركوا به شيئا و بروح القوّة جاهدوا عدوهم و عالجوا معاشهم، و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء، و بروح البدن دبّوا و درجوا(1) فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم.

ثمّ قال: قال اللّه عزّ و جلّ: * تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (2) ،ثمّ قال في جماعتهم:

وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (3) يقول: أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثمّ ذكر أصحاب الميمنة و هم المؤمنون حقّا بأعيانهم، جعل اللّه فيهم أربعة أرواح روح الإيمان و روح القوّة، و روح الشهوة و روح البدن، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتّى يأتي عليه حالات فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات ؟

ص: 272


1- دب: مشى مشيا ضعيفا و يقال للصبي إذا دب و أخذ في الحركة: درج.
2- البقرة: 253.
3- المجادلة: 22.

فقال: أمّا أوّلهن فهو كما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً (1) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح، و ليس بالذي يخرج من دين اللّه لأن الفاعل به ردّه إلى أرذل عمره، فهو لا يعرف للصلاة وقتا، و لا يستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار، و لا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان روح الإيمان و ليس يضرّه شيئا، و فيهم من ينتقص منه روح القوّة، فلا يستطيع جهاد عدوه، و لا يستطيع طلب المعيشة، و منهم من ينتقص منه روح الشهوة، فلو مرّت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها(2) و لم يقم، و تبقى روح البدن فبه يدب و يدرج حتّى يأتيه ملك الموت، فهذا بحال خير، لأنّ اللّه عزّ و جلّ هو الفاعل به، و قد تأتي عليه حالات في قوّته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فيشجعه روح القوّة و تزين له روح الشهوة، و يقوده روح البدن، حتّى يوقعه في الخطيئة، فإذا لامسها نقص من الإيمان، و تفصّى منه. فليس يعود فيه حتّى يتوب، فإذا تاب تاب اللّه عليه، و إن عاد أدخله اللّه نار جهنّم.

فأمّا أصحاب المشأمة فهم اليهود و النصارى،

ص: 273


1- الحجّ: 5.
2- حن إليه: اشتاق.

يقول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ (1) يعرفون محمدا و الولاية في التوراة و الإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (14(6) اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (2) أنّك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين، فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم اللّه بذلك فسلبهم روح الإيمان، و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوّة، و روح الشهوة، و روح البدن، أضافهم إلى الأنعام، فقال: إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ (3) لأنّ الدابة إنّما تحمل بروح القوّة، و تعتلف بروح الشهوة، و تسير بروح البدن.

فقال السائل: أحييت قلبي بإذن اللّه يا أمير المؤمنين(4).

ص: 274


1- البقرة: 146.
2- البقرة: 146-147.
3- الفرقان: 44.
4- أصول الكافي: 281/2 ح 16.

الآية (150)

[سورة البقرة (2): آیة 150]

وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ

[202] - أبو إسحاق الثعلبي قال: قال علي (كرّم اللّه وجهه): تمام النعمة: الموت على الإسلام. و روي عنه أيضا أنّه قال: النّعم ستة: الإسلام و القرآن و محمّد و الستر و العافية و الغنى ممّا في أيدي النّاس(1).

ص: 275


1- تفسير الثعلبي: 17/2.

الآية (156)

[سورة البقرة (2): آیة 156]

إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

[203] - في نهج البلاغة: و قال عليه السّلام و قد سمع رجلا يقول: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فقال: إنّ قولنا إنّا للّه إقرار على أنفسنا بالملك، و قولنا: و إنّا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك(1).

[204] - علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد رفعه قال: جاء أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الأشعث بن قيس يعزّيه بأخ له فقال له أمير المؤمنين: إن جزعت فحق الرحم أتيت، و إن صبرت فحق اللّه أدّيت على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء و أنت محمود، و إن جزعت جرى عليك القضاء و أنت مذموم فقال له الأشعث: إنّا للّه و إنّا إليه

ص: 276


1- نهج البلاغة: قصار الحكم 99 /ص 485.

راجعون، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام، أتدري ما تأويلها؟

فقال الأشعث: لا، أنت غاية العلم و منتهاه، فقال له، أما قولك إِنّا لِلّهِ فإقرار منك بالملك، و أما قولك وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فاقرار منك بالهلك(1).

ص: 277


1- الكافي: 261/3 ح 40.

الآية (159)

[سورة البقرة (2): آیة 159]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ

[205] - في نهج البلاغة قال عليه السّلام: ليس كلّ ذي عين يبصر، و لا كلّ ذى أذن يسمع، فتصدّقوا على أولي العقول الزّمنة (1) ،و الألباب الحائرة بالعلوم التى هي أفضل صدقاتكم، ثم تلا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ (2),(3).

ص: 278


1- الزمانة: العاهة.
2- سورة البقرة، الآية: 159.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 267/20.

الآية (164)

[سورة البقرة (2): آیة 164]

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

[206] - في نهج البلاغة (1):فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطّدات(2) بلا عمد، قائمات بلا سند، دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات، غير متلكئات(3) و لا مبطئات، و لو لا إقرارهنّ له بالرّبوبية و إذعانهن بالطواعية، لما جعلهن موضعا لعرشه، و لا مسكنا لملائكته، و لا مصعدا للكلم الطيب و العمل الصالح من خلقه. جعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران في مختلف فجاج الأقطار. لم يمنع ضوء نورها ادلهمام(4) سجف(5) الليل المظلم، و لا استطاعت

ص: 279


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم 182.
2- موطدات: مثبتات في مداراتها على ثقل أجرامها.
3- التلكؤ: التوقف و التباطؤ.
4- ادلهمام (الظلمة): كثافتها و شدتها.
5- سجف: ستر.

جلابيب(1) سواد الحنادس(2) أن تردّ ما شاع في السماوات من تلألؤ نور القمر. فسبحان من لا يخفى عليه مولد غسق داج (3) ،و لا ليل ساج (4) ،في بقاع الأرضين المتطأطئات، و لا في يفاع السّفع(5) المتجاورات، و ما يتجلجل به الرعد في أفق السماء، و ما تلاشت عنه بروق الغمام، و ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء و انهطال السماء(6)!

و ورد عنه عليه السّلام (7):التّفكّر في ملكوت السماوات و الأرض عبادة المخلصين.

انتهى الجزء الأول و يليه الجزء الثاني و أوله تفسير سورة البقرة الآية 172

ص: 280


1- جلابيب ج جلباب: الثوب الواسع. (و هنا إستعارة للسّعة).
2- الحنادس ج حندس: الليل المظلم.
3- الغسق: الظلمة، و داج: شديد الظلمة.
4- ساج: ساكن.
5- يفاع: التل، أو المرتفع مطلقا من الأرض. و السفع ج سفعاء: السوداء تضرب إلى الحمرة، و المراد هنا الجبال.
6- الأنواء ج نوء: أحد منازل القمر. يعدّها العرب ثمانية و عشرين يغيب منها عن الأفق في كل ثلاث عشرة ليلة منزلة و يظهر عليه أخرى. و انهطال السماء: هطول المطر.
7- الغرر: 42؛ شرح غرر الحكم: 49/2.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.