الفقه موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي من فقه الزهراء (علیها السلام) المجلد 12

هوية الكتاب

الفقه

موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي

من فقه الزهراء (علیها السلام)

المجلد الثاني عشر

رواياتها (علیها السلام) - 5

المرجع الديني الراحل

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى للناشر

1439 ه 2018م

تهميش وتعليق:

مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

ص: 2

الفقه

من فقه الزهراء (علیها السلام)

المجلد الثاني عشر

رواياتها (علیها السلام)

القسم الخامس

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِيقَةُ الشَّهِيدَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَةُ المَرْضِيَّةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الفَاضِلةُ الزَّكِيَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الحَوْراءُ الإِنْسِيَّةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المُحَدَّثَةُ العَليمَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المَظْلومَةُ المَغْصُوبَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المُضْطَهَدَةُ المَقْهُورَةُ

السَّلامُ عَليْكِ يا فاطِمَةُ بِنْتَ رَسُول اللهِ

وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ

البلد الأمين ص278. مصباح المتهجد ص711

بحار الأنوار ج97 ص195 ب12 ح5 ط بيروت

ص: 4

عقاب التهاون بالصلاة

اشارة

عن سيدة النساء فاطمة ابنة سيد الأنبياء (عليها السلام) أنها سألت أباها محمداً (صلى الله عليه وآله) فقالت:

«يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟قال: يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة: ست منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.

وأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا: فالأولى يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين.

وأما اللواتي تصيبه عند موته: فأولهن أنه يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.

وأما اللواتي تصيبه في قبره: فأولهن يوكل الله به

ص: 5

ملكاً يزعجه في قبره، والثانية يضيق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره.

وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره: فأولهن أن يوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يحاسب حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه(1) ولا يزكيه وله عذاب أليم»(2).

-------------------

شرح الحديث

أقول: الزكاة بمعنى الطهارة وبمعنى النمو، فلا يزكيه أي لا يطهرهعما يلزمه من الذنوب والقبائح ولا ينمي عمله.

قولها (عليها السلام): (والخلائق ينظرون) لعل المراد من الخلائق الأعم من البشر، فيشمل الملائكة والجان وغيرهم.

ولا يخفى أن سحبه على وجهه مؤلم أشد الإيلام، وهو إلى ذلك يتضمن إهانته أشد الإهانة خاصة وأن الخلائق ينظرون.

ثم إن ذلك لعله في موطن من مواطن القيامة، إذ للقيامة مواطن في كل موطن هم في حال، فلا يقال كيف ينظر الخلائق إليه والحال أنه «يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَل كُل مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُل ذاتِ حَمْل حَمْلها وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللهِ شَديدٌ»(3).

وقد فصل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بيان مواطن القيامة في جواب ذلك المتوهم وجود التناقض في القرآن الكريم، كما في الرواية الطويلة التي ينقلها

ص: 6


1- أي لا ينظر الله إليه نظر رحمة.
2- مستدرك الوسائل: ج 3 ص23 ب6 باب تحريم الاستخفاف بالصلاة و التهاون بها ح1.
3- سورة الحج: 2.

الاحتجاج(1).

قوله: (يحاسب حساباً شديداً)، فإنالله سبحانه تارة يحاسب عبيده بعدله، وأخرى بفضله وإحسانه، فإن حاسبهم بعدله كان الحساب شديداً، وكانت المداقة حتى في الكلمة واللحظة والفكرة وغيرها، وإن حاسبهم بفضله فإنه واسع كريم.

جزاء التهاون

يحتمل أن يكون ابتلاء الله تعالى للمتهاون بصلاته بهذه الخصال، جزاءً على عمله ابتداءً، ويحتمل أن يكون كالثمرة للبذرة، بأن يكون الله قد جعل تكويناً هذا التأثير لذاك التهاون، كما في الحرارة لتبخير الماء، أو السقي والبذر لنمو الشجرة، لا أنه جزاء كجزائنا.

عقاب التهاون بالصلاة

مسألة: يستحب وقد يجب بيان عقاب التهاون بالصلاة، وأنه يوجب الشقاء والتأخر والانحطاط في الدنيا والآخرة، مادياً ومعنوياً.

فالصلاة هي مظهر ارتباط العبد بربه، وهي الوسيلة التي شرعها الله تعالى ليرفعه إليه، إذ «الصلاة معراجالمؤمن»، و«الصلاة قربان كل تقي»(2)، فلو

ص: 7


1- الاحتجاج: ج 1 ص240 احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلاً عليه بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل على أنها تقتضي التناقض والاختلاف فيه وعلى أمثاله في أشياء أخرى.
2- الكافي: ج 3 ص265 باب فضل الصلاة ح6.

أعرض عنها العبد وتهاون بها استحق إعراض الله وفقد ألطافه ورحمته، فكانت تلك العقوبات، إضافة إلى «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ»(1)، فالمتهاون بها يرتطم في الفحشاء والمنكر طبيعياً، كما هو المشاهد خارجاً، فيترتب عليه ما ذكر من العقوبات.

والظاهر أن المراد بالتهاون المحرم منه، لا بمعنى التأخير الجائز مثلاً، كعدم الصلاة في أول الوقت، أو الصلاة في غير المسجد، أو في غير الجماعة، أو ما أشبه، فالتهاون الجائز منصرف عنه بقرينة مناسبة الحكم والموضوع.

والآثار والنتائج المذكورة في هذه الرواية هي من باب الغيبيات في الجملة، والخارجيات أيضاً، فإن كثيراً من الأحكام الشرعية يوجب السعادة في الدنيا والآخرة، وتركها الشقاء فيهما بنحو الأثر الوضعي والتأثير التكويني الخارجي، لا بمجرد القضاء الغيبي والأثر الماورائي، كما ذكرنا بعض أمثال هذه المباحث في كتاب الآدابوالسنن.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَا بَيْنَ المُسْلمِ وبَيْنَ أَنْ يَكْفُرَ إِلا تَرْكُ الصَّلاةِ الفَرِيضَةِ مُتَعَمِّداً أَوْ يَتَهَاوَنَ بِهَا فَلا يُصَليَهَا»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «لا تَتَهَاوَنْ بِصَلاتِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَال عِنْدَ مَوْتِهِ: ليْسَ مِنِّي مَنِ اسْتَخَفَ بِصَلاتِهِ ليْسَ مِنِّي مَنْ شَرِبَ

ص: 8


1- سورة العنكبوت: 45.
2- وسائل الشيعة: ج 4 ص43 ب 11 باب ثبوت الكفر والارتداد بترك الصلاة الواجبة جحودا لها أو استخفافا بها ح6.

مُسْكِراً لا يَرِدُ عَليَّ الحَوْضَ لا واللهِ»(1).

بركة العمر

مسألة: ينبغي أن لا يفعل الإنسان ما يسبب رفع بركة عمره، والمراد ب (ينبغي أن لا يفعل) ههنا وفي المسائل اللاحقة الأعم من الحرمة والكراهة، ومن التنزيه والإرشادية، ومنه التهاون في الصلاة.

قال تعالى: «وَلوْ أَنَّ أَهْل القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لفَتَحْنا عَليْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ ولكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوايَكْسِبُون»(2).

وفي المقابل ينبغي فعل ما يوجب البركة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «يَا عَليُّ، إِنَّ الوُضُوءَ قَبْل الطَّعَامِ وبَعْدَهُ شِفَاءٌ فِي الجَسَدِ ويُمْنٌ فِي الرِّزْقِ»(3).

وعن الصادق (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يُحِبُّ الإِطْعَامَ فِي اللهِ، ويُحِبُّ الذِي يُطْعِمُ الطَّعَامَ فِي اللهِ، والبَرَكَةُ فِي بَيْتِهِ أَسْرَعُ مِنَ الشَّفْرَةِ فِي سَنَامِ البَعِير»(4).

ص: 9


1- الكافي: ج 3 ص269 باب من حافظ على صلاته أو ضيعها ح7.
2- سورة الأعراف: 96.
3- وسائل الشيعة: ج 24 ص337 ب49 باب استحباب غسل اليدين قبل الطعام وبعده ح8.
4- مكارم الأخلاق: ص135 الفصل الأول في فضل إطعام الطعام واصطناع المعروف وصوم التطوع.

بركة الرزق

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يرفع بركة رزقه، والرزق منصرف إلى المال ونظائره، لكن ربما يقال إنه انصراف بدوي، فيشمل الرزق المعنوي أيضاً، كالعلم والإيمان والجاه.

ثم إن ذلك ونظائره غير خاص بالأشخاص، بل يشمل الجهات الاعتبارية أيضاً، كالشركات والمنظمات والعشائر والأحزاب، فإن رزق الجهات الاعتبارية قد يكون مع البركة وقد لا يكون، وذلك يتبع متى اهتمام تلك الجهات بشكل عام بالصلاة وسائر أوامر الله تعالى أو إهماله لها، قال تعالى: «الذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ»(1).

سيماء الصالحين

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يمحو سيماء الصالحين من وجهه، فإن لسيماء الصالحين الموضوعية لما له من القيمة في حد نفسه، والطريقية لأنه يذكر الناس بالله بصالح ملامحه وسيمائه، وبحسن أن يكون المرء صالحاً.قَال الصادق (عليه السلام): «مَنْ رَعَى قَلبَهُ عَنِ الغَفْلةِ، ونَفْسَهُ عَنِ الشَّهْوَةِ، وعَقْلهُ عَنِ الجَهْل، فَقَدْ دَخَل فِي دِيوَانِ المُتَنَبِّهِينَ، ثُمَّ مَنْ رَعَى عِلمَهُ عَنِ الهَوَى،

ص: 10


1- سورة الحج: 41.

ودِينَهُ عَنِ البِدْعَةِ، ومَالهُ عَنِ الحَرَامِ، فَهُوَ مِنْ جُمْلةِ الصَّالحِين»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال: «عَليْكُمْ بِصَلاةِ الليْل فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ودَأْبُ الصَّالحِينَ قَبْلكُمْ ومَطْرَدَةُ الدَّاءِ عَنْ أَجْسَادِكُمْ»(2).

الأجر وعدمه

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يسبب أن لا يؤجر على أعماله.

والكراهة قد تكون إرشادية وقد تكون مولوية.

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلوا صَدَقاتِكُمْ بِالمَنِّ والأَذى كَالذي يُنْفِقُ مالهُ رِئاءَ النَّاسِ ولا يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلهُ كَمَثَل صَفْوانٍ عَليْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِل فَتَرَكَهُ صَلداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ ءٍ مِمَّا كَسَبُوا واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرين»(3).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ): «مَنْ مَنَّ بِمَعْرُوفِهِ فَقَدْ كَدَّرَ مَا صَنَعَهُ»(4).

وفِي حَدِيثِ المَنَاهِي قَال (صلى الله عليه وآله): «ومَنِ اصْطَنَعَ إِلى أَخِيهِ مَعْرُوفاً

ص: 11


1- مستدرك الوسائل: ج 12 ص170 ب101 باب نوادر ما يتعلق بأبواب جهاد النفس وما يناسبه ح9.
2- وسائل الشيعة: ج 8 ص149 ب39 باب تأكد استحباب المواظبة على صلاة الليل ح10.
3- سورة البقرة: 264.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص425 ح7186.

فَامْتَنَّ بِهِ أَحْبَطَ اللهُ عَمَلهُ وثَبَّتَ وِزْرَهُ ولمْ يَشْكُرْ لهُ سَعْيَهُ».

ثُمَّ قَال (عليه السلام): «يَقُول اللهُ عَزَّ وجَل: حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلى المَنَّانِ والبَخِيل والقَتَّاتِ وهُوَ النَّمَّامُ، أَلا ومَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلهُ بِوَزْنِ كُل دِرْهَمٍ مِثْل جَبَل أُحُدٍ مِنْ نَعِيمِ الجَنَّةِ، ومَنْ مَشَى بِصَدَقَةٍ إِلى مُحْتَاجٍ كَانَ لهُ كَأَجْرِ صَاحِبِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْ ءٌ»(1).

استجابة الدعاء

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يوجب عدم رفع دعائه إلى السماء، ومن الواضح أن الدعاء إذا لم يرفع إلى السماء فإنه لا يستجاب.

عَنْ سُليْمَانَ بْنِ عَمْرٍو قَال: سَمِعْتُ أَبَاعَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلبٍ سَاهٍ، فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِل بِقَلبِكَ، ثُمَّ اسْتَيْقِنْ بِالإِجَابَةِ»(2).

وقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «ادْعُوا اللهَ وأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ واعْلمُوا أَنَّ اللهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلبٍ لاه»(3).

ص: 12


1- وسائل الشيعة: ج 9 ص453 ب37 باب عدم جواز المن بعد الصدقة والصنيعة ح5.
2- الكافي: ج 2 ص473 باب الإقبال على الدعاء ح1.
3- مستدرك الوسائل: ج 5 ص191 ب15 باب استحباب الإقبال بالقلب حالة الدعاء ح2.

دعاء الصالحين

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يوجب أن لا يكون له حظ في دعاء الصالحين، سواء بنحو الكلي أو الجزئي، أما الجزئي بأن يفعل ما يسبب عدم ذكرهم له بخصوصه في أدعيتهم، وأما الكلي بأن يفعل ما يخرج بسببه خروجاً موضوعياً من أدعية الصالحين الكلية لجميع المؤمنين والمؤمنات.

قال الإمام السجاد (عليه السلام) في الصحيفة: «اللهُمَّ صَل عَلى مُحَمَّدٍ وآلهِ، وحَلنِي بِحِليَةِ الصَّالحِين»(1).

وقال (عليه السلام): «اللهُمَّ واجْعَلنَا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ والأَيَّامِ كَذَلكَ مَا عَمَّرْتَنَا، واجْعَلنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالحِين»(2).

موت الذل

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يسبب موته ذليلاً، وقد يحرم ذلك.والمراد بالموت ذليلاً على سبيل البدل أو الاجتماع، عند نفسه وعند أهله وعند الناس وعند الملائكة وعند الله تعالى، وذلك لأن العزة منحة إلهية فمن أعرض عن أوامره تعالى وتهاون بصلاته أذله الله، «فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَميعاً»(3)،

ص: 13


1- الصحيفة السجادية، وكان من دعائه (عليه السلام) في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.
2- الصحيفة السجادية، وكان من دعائه (عليه السلام) إذا دخل شهر رمضان.
3- سورة النساء: 139.

«وَللهِ العِزَّةُ وَلرَسُولهِ وَللمُؤْمِنينَ»(1).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «اعْلمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالى يُبْغِضُ مِنْ خَلقِهِ المُتَلوِّنَ، فَلا تَزُولوا عَنِ الحَقِّ وأَهْلهِ، فَإِنَّ مَنِ اسْتَبَدَّ بِالبَاطِل وأَهْلهِ هَلكَ، وفَاتَتْهُ الدُّنْيَا وخَرَجَ مِنْهَا صَاغِراً»(2).

الموت جوعاً

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يوجب موته جائعاً.

وكما على المرء أن يعتبر بهذا الحديث، عليه أن ينصح الآخرين أيضاً، فإذا جاع أحدهم وكان متهاوناً بصلاته ذكره بأن يتعظ ولا يتهاون بها، وليتذكر بجوعه الآن جوعه بل شدة جوعهفي لحظات الاحتضار.

نعم قد يرجح الموت جائعاً كما في الحديث التالي:

عَنْ مِهْزَمٍ الأَسَدِيِّ، قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا مِهْزَمُ، شِيعَتُنَا مَنْ لا يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ، ولا شَحْنَاؤُهُ يَدَيْهِ، ولا يَمْتَدِحُ بِنَا مُعْلناً، ولا يُجَالسُ لنَا عَائِباً، ولا يُخَاصِمُ لنَا قَالياً، وإِنْ لقِيَ مُؤْمِناً أَكْرَمَهُ، وإِنْ لقِيَ جَاهِلا هَجَرَهُ» إلى أن قال: «شِيعَتُنَا مَنْ لا يَهِرُّ هَرِيرَ الكَلبِ، ولا يَطْمَعُ طَمَعَ الغُرَابِ، ولا يَسْأَل عَدُوَّنَا وإِنْ مَاتَ جُوعاً»(3) الحديث.

ص: 14


1- سورة المنافقون: 8.
2- الأمالي، للمفيد: ص137 المجلس السادس عشر ح6.
3- وسائل الشيعة: ج 15 ص192 ب4 باب استحباب ملازمة الصفات الحميدة واستعمالها وذكر نبذة منها ح27.

الموت عطشاً

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يوجب موته عطشاً، ولكي لا ينسى المرء كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله) هذه التي نقلتها الصديقة (عليها السلام)، فعليه كلما عطش أن يتذكر الحديث وأنه لو تهاون بصلاته ابتلي بالعطش لدى موته، إضافة إلى تذكره عطش الإمام الحسين (عليه السلام) ولعن قاتليه وظالميه، وبذلك يتكامل الإنسان أكثر فأكثر.قَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «كُل أَحَدٍ يَمُوتُ عَطْشَانَ إِلا ذَاكِرَ الله»(1).

وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «يَا عَليُّ، اقْرَأْ يس فَإِنَّ فِي قِرَاءَةِ يس عَشْرَ بَرَكَاتٍ، مَا قَرَأَهَا جَائِعٌ إِلا أُشْبِعَ، ولا ظَامِئٌ إِلا رَوِيَ، ولا عَارٍ إِلا كُسِيَ، ولا عَزَبٌ إِلا تَزَوَّجَ، ولا خَائِفٌ إِلا أَمِنَ، ولا مَرِيضٌ إِلا بَرَأَ، ولا مَحْبُوسٌ إِلا أُخْرِجَ، ولا مُسَافِرٌ إِلا أُعِينَ عَلى سَفَرِهِ، ولا قَرَأَهَا رَجُل ضَلتْ لهُ ضَالةٌ إِلا رَدَّهَا اللهُ عَليْهِ، ولا مَسْجُونٌ إِلا أُخْرِجَ، ولا مَدِينٌ إِلا أُدِّيَ دَيْنُهُ، ولا قُرِئَتْ عِنْدَ مَيِّتٍ إِلا خَفَّفَ اللهُ عَنْهُ تِلكَ السَّاعَة»(2).

ص: 15


1- مستدرك الوسائل: ج 2 ص156 ب39 باب نوادر ما يتعلق بأبواب الاحتضار ح35.
2- مستدرك الوسائل: ج 2 ص136 ب31 باب استحباب قراءة الصافات ويس عند المحتضر ح1.

عذاب القبر

مسألة: يكره وريما يحرم أن يفعل الإنسان ما يسبب أن يوكل الله به ملكاً يزعجه في قبره.

وإزعاج الملك له في قبره قد يكون بتأنيبه دوماً وتقريعه وتذكيره بسيئات عمله، وقد يكون بتخويفه من أنواع عذابه في المحشر أو النار، وقد يكون بغير ذلك من أمور نفسية وحتى مادية.

مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَال: حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ الحَسَنِ، قَال: عَليُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ كَذَّابٌ مُتَّهَمٌ، قَال رَوَى أَصْحَابُنَا أَنَّ الرِّضَا (عليه السلام) قَال بَعْدَ مَوْتِهِ: «أُقْعِدَ عَليُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ، فَسُئِل عَنِ الأَئِمَّةِ، فَأَخْبَرَ بِأَسْمَائِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِليَّ فَسُئِل فَوَقَفَ، فَضُرِبَ عَلى رَأْسِهِ ضَرْبَةً امْتَلأَ قَبْرُهُ نَاراً»(1).

ورُوِيَ أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَحْبَارِ أُقْعِدَ فِي قَبْرِهِ فَقِيل لهُ: إِنَّا جَالدُوكَ مِائَةَ جَلدَةٍ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وجَل. قَال: لا أُطِيقُهَا.

فَلمْ يَزَالوا بِهِ حَتَّى رَدُّوهُ إِلى وَاحِدَةٍ، فَقَال: لا أُطِيقُهَا، فَقَالوا: لا بُدَّ مِنْهَا، قَال: فَبِمَا تَجْلدُونِيهَا، قَالوا: نَجْلدُكَ بِأَنَّكَ صَليْتَ يَوْماً بِغَيْرِ وُضُوءٍومَرَرْتَ عَلى ضَعِيفٍ فَلمْ تَنْصُرْهُ، فَجَلدُوهُ جَلدَةً مِن عَذَابِ اللهِ تَعَالى فَامْتَلأَ قَبْرُهُ نَاراً»(2).

وعَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) قَال: «عَذَابُ القَبْرِ يَكُونُ مِنَ النَّمِيمَةِ

ص: 16


1- رجال الكشي: ص444 ح834.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص58 باب فيمن ترك الوضوء أو بعضه أو شك فيه ح130.

والبَوْل وعَزَبِ الرَّجُل عَنْ أَهْلهِ»(1).

وقَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «إِنَّ العَبْدَ إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ ولمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُهَا بِهِ ابْتَلاهُ اللهُ عَزَّ وجَل بِالحُزْنِ فِي الدُّنْيَا ليُكَفِّرَهَا بِهِ، فَإِنْ فَعَل ذَلكَ بِهِ وإِلاّ فَعَذَّبَهُ فِي قَبْرِهِ ليَلقَاهُ اللهُ عَزَّ وجَل يَوْمَ يَلقَاهُ وليْسَ شَيْ ءٌ يَشْهَدُ عَليْهِ بِشَيْ ءٍ مِنْ ذُنُوبِهِ»(2).

ضيق القبر

مسألة: ينبغي أن يتجنب الإنسان ما يسبب أن يضيق عليه قبره.

وضيق القبر يحتوش البدن المثاليللميت، ويحتوش روحه أيضاً(3).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ أَبِي (عليه السلام) يَقُول إِذَا أَصْبَحَ: "... نَسْأَلكَ العَفْوَ والعَافِيَةَ مِنْ كُل سُوءٍ وشَرٍّ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، اللهُمَ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ ضَغْطَةِ القَبْرِ، ومِنْ ضِيقِ القَبْرِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ سَطَوَاتِ الليْل والنَّهَار»(4).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «اللهُمَّ بَارِكْ لي فِي المَوْتِ، اللهُمَّ أَعِنِّي عَلى المَوْتِ، اللهُمَّ أَعِنِّي عَلى سَكَرَاتِ المَوْتِ، اللهُمَّ أَعِنِّي عَلى غَمِّ القَبْرِ، اللهُمَّ أَعِنِّي عَلى ضِيقِ القَبْرِ، اللهُمَّ أَعِنِّي عَلى ظُلمَةِ القَبْرِ، اللهُمَّ أَعِنِّي عَلى وَحْشَةِ

ص: 17


1- وسائل الشيعة: ج 1 ص340 ب23 باب وجوب التوقي من البول ح3.
2- بحار الأنوار: ج 64 ص235 ب12 شدة ابتلاء المؤمن وعلته وفضل البلاء ح53.
3- يقال احتوشوه من كل جانب: اي أحاطوا به.
4- الكافي: ج 2 ص525 باب القول عند الإصباح والإمساء ح13.

القَبْر»(1).

ظلمة القبر

مسألة: يكره أن يفعل الإنسان ما يوجب الظلمة في قبره، وظلمة القبر عذاب موحش، فإن الإنسان يخاف الظلام، لأنه لايدري ما يفعل به، ولا من أين يتوجه إليه الخطر ليتقيه، إضافة إلى ما يوجبه الظلام من انقباض النفس.

في مجموعة ورام: (ليْسَ مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إِلا نَادَتْهُ حُفْرَتُهُ التِي تُدْفَنُ فِيهَا: أَنَا بَيْتُ الظُّلمَةِ والوَحْدَةِ والانْفِرَادِ، فَإِنْ كُنْتَ فِي حَيَاتِكَ للهِ مُطِيعاً كُنْتُ عَليْكَ اليَوْمَ رَحْمَةً، وإِنْ كُنْتَ للهِ عَاصِياً فَأَنَا اليَوْمَ عَليْكَ نَقِمَةٌ، أَنَا الذِي مَنْ دَخَلنِي مُطِيعاً خَرَجَ مَسْرُوراً، ومَنْ دَخَلنِي عَاصِياً خَرَجَ مَثْبُوراً)(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ للقَبْرِ كَلاماً فِي كُل يَوْمٍ، يَقُول: أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ، أَنَا بَيْتُ الوَحْشَةِ، أَنَا بَيْتُ الدُّودِ، أَنَا القَبْرُ، أَنَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ»(3).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا حُمِل عَدُوُّ اللهِ إِلى قَبْرِهِ نَادَى حَمَلتَهُ: أَلا تَسْمَعُونَ يَا إِخْوَتَاهْ، أَنِّي أَشْكُو إِليْكُمْ مَا وَقَعَ فِيهِ أَخُوكُمُ الشَّقِيُّ، أَنَّ عَدُوَّ اللهِ خَدَعَنِي فَأَوْرَدَنِي ثُمَّ لمْ يُصْدِرْنِي وأَقْسَمَ لي أَنَّهُ نَاصِحٌ لي فَغَشَّنِي، وأَشْكُو إِليْكُمْ دُنْيَا غَرَّتْنِي حَتَّى إِذَا اطْمَأْنَنْتُ إِليْهَا صَرَعَتْنِي،وأَشْكُو إِليْكُمْ أَخِلاءَ

ص: 18


1- تهذيب الأحكام: ج 3 ص93 الدعاء في الزيادة تمام المائة ركعة ح25.
2- مجموعة ورام: ج 1 ص289 بيان كلام القبر للميت وكلام الموتى.
3- الكافي: ج 3 ص242 باب ما ينطق به موضع القبر ح2.

الهَوَى مَنَّوْنِي ثُمَّ تَبَرَّءُوا مِنِّي وخَذَلونِي، وأَشْكُو إِليْكُمْ أَوْلاداً حَمَيْتُ عَنْهُمْ وآثَرْتُهُمْ عَلى نَفْسِي فَأَكَلوا مَالي وأَسْلمُونِي، وأَشْكُو إِليْكُمْ مَالا مَنَعْتُ مِنْهُ حَقَّ اللهِ فَكَانَ وَبَالهُ عَليَّ وكَانَ نَفْعُهُ لغَيْرِي، وأَشْكُو إِليْكُمْ دَاراً أَنْفَقْتُ عَليْهَا حَرِيبَتِي وصَارَ سَاكِنُهَا غَيْرِي، وأَشْكُو إِليْكُمْ طُول الثَّوَاءِ فِي قَبْرِي يُنَادِي أَنَا بَيْتُ الدُّودِ، أَنَا بَيْتُ الظُّلمَةِ والوَحْشَةِ والضَّيْقِ، يَا إِخْوَتَاهْ فَاحْبِسُونِي مَا اسْتَطَعْتُمْ، واحْذَرُوا مِثْل مَا لقِيتُ، فَإِنِّي قَدْ بُشِّرْتُ بِالنَّارِ وبِالذُّل والصَّغَارِ وغَضَبِ العَزِيزِ الجَبَّارِ، وَا حَسْرَتَاهْ عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ، ويَا طُول عَوْلتَاهْ، فَمَا لي مِنْ شَفِيعٍ يُطاعُ، ولا صَدِيقٍ يَرْحَمُنِي، فَلوْ أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ»(1).

سحب المجرم

مسألة: يحرم أن يفعل الإنسان ما يوجب أن يسحبه يوم القيامة ملك على وجهه أمام الخلائق، ومن الواضح أن السحب على الوجه أكثر إيحاشاً، وأشد إهانةً وأكبر إيلاماً من السحب على الظهر.قال تعالى: «إِذِ الأَغْلال في أَعْناقِهِمْ والسَّلاسِل يُسْحَبُونَ»(2).

وقال سبحانه: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر»(3).

ص: 19


1- الكافي: ج 3 ص233 باب أن الميت يمثل له ماله وولده وعمله قبل موته ح2.
2- سورة غافر: 71.
3- سورة القمر: 48.

شدة الحساب

مسألة: يحرم أن يفعل الإنسان ما يوجب أن يحاسب حساباً شديداً يوجب العقاب، وقد يكره إذا كان يوجب العتاب دون العقاب.

وقد سبق أن الحساب الشديد هو مقتضى عدل الله، ولا يرفعه إلاّ فضله، وفضله لا ينال المتهاون في صلاته.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «ثَلاثَةٌ «لا يُكَلمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولهُمْ عَذابٌ أَليمٌ»(1)، مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ اللهِ ليْسَتْ لهُ، ومَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللهِ، ومَنْ زَعَمَ أَنَّ لهُمَا فِي الإِسْلامِ نَصِيباً»(2).

وعَنْ عَليِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ (عليه

السلام) يَقُول: «مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ المُؤْمِنُ فِي حَاجَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى سَاقَهَا إِليْهِ، فَإِنْ قَبِل ذَلكَ فَقَدْ وَصَلهُ بِوَلايَتِنَا وهُوَ مَوْصُول بِوَلايَةِ اللهِ، وإِنْ رَدَّهُ عَنْ حَاجَتِهِ وهُوَ يَقْدِرُ عَلى قَضَائِهَا سَلطَ اللهُ عَليْهِ شُجَاعاً مِنْ نَارٍ يَنْهَشُهُ فِي قَبْرِهِ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، مَغْفُوراً لهُ أَوْ مُعَذَّباً، فَإِنْ عَذَرَهُ الطَّالبُكَانَ أَسْوَأَ حَالا»(3).

ص: 20


1- سورة البقرة: 174.
2- الكافي: ج 1 ص373 باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل ح4.
3- الكافي: ج 2 ص196 باب قضاء حاجة المؤمن ح13.

عدم النظرة الإلهية

مسألة: يحرم ما يوجب أن لا ينظر الله إليه ولا يزكيه، ويعذبه عذاباً أليماً.

ثم إن الحرمة في هذا وبعض ما سبقه إرشادية لا مولوية، فلا تترتب عقوبتان على ذلك الحرام المستوجب لهذه المحاذير.

قال تعالى: «إِنَّ الذينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهمْ فِي الآخِرَةِ ولا يُكَلمُهُمُ اللهُ ولا يَنْظُرُ إِليْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ وَلَهمْ عَذابٌ أَليم»(1).

قال العياشي: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله: «وَلا يَنْظُرُ إِليْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ» يعني: «لا ينظر إليهم بخير، أي لا يرحمهم، وقد يقول العرب للرجل السيد وللملك: لا تنظر إلينا، يعني أنك لا تصيبنا بخير، وذلك النظر من الله إلى خلقه(2).

وعَنِ المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ، قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى تَوَحَّدَ بِمُلكِهِ فَعَرَّفَ عِبَادَهُ نَفْسَهُ ثُمَّ فَوَّضَ إِليْهِمْ أَمْرَهُ وأَبَاحَ لهُمْ جَنَّتَهُ، فَمَنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قَلبَهُ مِنَ الجِنِّ والإِنْسِ عَرَّفَهُ وَلايَتَنَا، ومَنْ أَرَادَ أَنْ يَطْمِسَعَلى قَلبِهِ أَمْسَكَ عَنْهُ مَعْرِفَتَنَا، ثُمَّ قَال: يَا مُفَضَّل واللهِ مَا اسْتَوْجَبَ آدَمُ أَنْ يَخْلقَهُ اللهُ بِيَدِهِ ويَنْفُخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ إِلا بِوَلايَةِ عَليٍّ (عليه السلام)، ومَا كَلمَ اللهُ

ص: 21


1- سورة آل عمران: 77.
2- تفسير العياشي: ج 1 ص180 ح72.

مُوسى تَكْليماً إِلا بِوَلايَةِ عَليٍّ (عليه السلام)، ولا أَقَامَ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ آيَةً للعَالمِينَ إِلا بِالخُضُوعِ لعَليٍّ (عليه السلام)، ثُمَّ قَال: أَجْمَل الأَمْرِ مَا اسْتَأْهَل خَلقٌ مِنَ اللهِ النَّظَرَ إِليْهِ إِلا بِالعُبُودِيَّةِ لنَا»(1).

الترك والتهاون

مسألة: ترك الصلاة من أشد المحرمات، وقد دلت عليه الآيات الشريفة والروايات الكثيرة، وإذا كان التهاون حراماً وبهذه المنزلة فإن تركها يكون بطريق أولى أشد حرمة وعقوبة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تضيعوا صلاتكم فإن من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان، وكان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين»(2).

كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله): «إِذَاكَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يُدْعَى بِالعَبْدِ فَأَوَّل شَيْ ءٍ يُسْأَل عَنْهُ الصَّلاةُ فَإِذَا جَاءَ بِهَا تَامَّةً وَ إِلا زُجَّ فِي النَّار»(3).

والمراد بالصلاة هنا الفرائض لا النوافل، نعم لا شك في أن الصلوات المستحبة لها فوائدها الدنيوية والأخروية، كما ورد في جملة من رواياتها(4)، وقد

ص: 22


1- الاختصاص: ص250 في بيان جملة من الحكم والمواعظ والوصايا عنهم (عليهم السلام).
2- وسائل الشيعة: ج 4 ص30 ب7 باب تحريم إضاعة الصلاة ووجوب المحافظة عليها ح7.
3- وسائل الشيعة: ج 4 ص29 ب7 باب تحريم إضاعة الصلاة ووجوب المحافظة عليها ح6.
4- فقد ورد في صلاة الليل مثلاً: «عَليْكُمْ بِصَلاةِ الليْل فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ، وأَدَبُ الصَّالحِينَ قَبْلكُمْ، ومَطْرَدَةُ الدَّاءِ عَنْ أَجْسَادِكُمْ». عن الصادق (عليه السلام)، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص472 باب ثواب صلاة الليل ح1363. وورد في الصلاة عند الإمام الحسين (عليه السلام): (عن أَبُي عَبْدِ اللهِ الحَرَّانِيُّ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): مَا لمَنْ زَارَ قَبْرَ الحُسَيْنِ عليه السلام، قَال: مَنْ أَتَاهُ وزَارَهُ وصَلى عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ كُتِبَ لهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ، فَإِنْ صَلى عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُتِبَتْ لهُ حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ، قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ وكَذَلكَ لكُل مَنْ زَارَ إِمَاماً مُفْتَرَضَةً طَاعَتُهُ، قَال: وكَذَلكَ كُل مَنْ زَارَ إِمَاماً مُفْتَرَضَةً طَاعَتُهُ». تهذيب الأحكام: ج 6 ص79 ب26 باب فضل زيارة علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام) ح4. وورد في فضل النوافل اليومية وغيرها من الصلوات المستحبة: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ أَفْضَل مَا جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ الصَّلاةِ، فَقَال: تَمَامُ الخَمْسِينَ)، الكافي: ج 3 ص443 باب صلاة النوافل ح4. و(عَنِ الحَسَنِ بْنِ صَالحٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ وصَلى رَكْعَتَيْنِ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُمَا وسُجُودَهُمَا ثُمَّ جَلسَ فَأَثْنَى عَلى اللهِ عَزَّ وجَل وصَلى عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ سَأَل اللهَ حَاجَتَهُ فَقَدْ طَلبَ الخَيْرَ فِي مَظَانِّهِ ومَنْ طَلبَ الخَيْرَ فِي مَظَانِّهِ لمْ يَخِبْ). الكافي: ج 3 ص478 باب صلاة الحوائج ح5.

قال رسول الله (صلى اللهعليه وآله): «الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر»(1).

ويحتمل في (خير موضوع) الإضافة، كما يحتمل كون (موضوع) صفة.

ثم إنه يراد بها في هذه الرواية أيضاً المستحبة، لأن الواجبة لا يجوز التقليل منها ولا الاستكثار فيها، وإن كان ربما يقال بجواز الاستكثار بالإتيان بالفريضة مكرراً، كما قد يفهم ذلك من قوله (عليه الصلاة والسلام): «يختار الله أحبهما إليه».

فعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أُصَلي ثُمَّ أَدْخُل

ص: 23


1- مستدرك الوسائل: ج 3 ص43 ب10 باب استحباب اختيار الصلاة على غيرها من العبادات المندوبة ح9.

المَسْجِدَ فَتُقَامُ الصَّلاةُ وَقَدْ صَليْتُ، فَقَال: «صَل مَعَهُمْ يَخْتَارُ اللهُ أَحَبَّهُمَاإِليْهِ»(1).

وما ورد من أن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كرر الصلاة على جنازة واحدة، وما أشبه ذلك مما ذكر في الفقه، فتأمل(2).

عَنْ ذَرِيحٍ المُحَارِبِيِّ قَال: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) سَهْل بْنَ حُنَيْفٍ فَقَال: كَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ، فَقُلتُ: مِنْ نُقَبَاءِ نَبِيِّ اللهِ الاثْنَيْ عَشَرَ؟

فَقَال: نَعَمْ، ثُمَّ قَال: مَا سَبَقَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ ولا مِنَ النَّاسِ بِمَنْقَبَةٍ وأَثْنَى عَليْهِ، وقَال: لمَّا مَاتَ جَزِعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَليْهِ جَزَعاً شَدِيداً وصَلى عَليْهِ خَمْسَ صَلوَات (3).

أهمية الصلاة

مسألة: يستحب بيان أهمية الصلاة عند الله تعالى إلى درجة كون المتهاون بها على تلك الشدة من العذاب، دون غيرها من الواجبات.

ص: 24


1- الكافي: ج 3 ص379 باب الرجل يصلي وحده ثم يعيد في الجماعة أو يصلي بقوم وقد كان صلى قبل ذلك ح2.
2- لعل وجهه ما ذكره الجواهر: ج13 ص261 (بل ربما يستفاد من ذلك ومن قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة السابق: «فان له صلاة أخرى» وقوله (عليه السلام): «يختار الله أحبهما اليه» و«اجعلها تسبيحاً» وغيرها استحباب الإعادة مطلقاً فرادى وجماعة مكرراً لها ما شاء إن لم ينعقد إجماع على خلافه). ولم يكن من الوسوسة.
3- مستدرك الوسائل: ج 2 ص261 ب6 باب جواز الزيادة في صلاة الجنازة وجواز إعادة الصلاة على الميت وتكرارها على كراهية واستحباب ذلك في الصلاة على أهل الصلاح والفضل ح4.

ويؤيده(1) قوله (عليه الصلاة والسلام): « أَوَّل مَا يُحَاسَبُ العَبْدُ عَليْهِ الصَّلاةُ فَإِنْ صَحَّتْ لهُ الصَّلاةُ صَحَّ لهُ مَا سِوَاهَا وإِنْ رُدَّتْ رُدَّ مَا سِوَاهَا»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الصَّلاةُ عَمُودُ الدِّينِ، مَثَلهَا كَمَثَل عَمُودِ الفُسْطَاطِ، إِذَا ثَبَتَ العَمُودُ ثَبَتَ الأَوْتَادُ وَالأَطْنَابُ، وَإِذَا مَال العَمُودُ وَانْكَسَرَ لمْ يَثْبُتْ وَتِدٌ وَلا طُنُبٌ»(3).ولذا كان حتى المتهاون بها على تلك العذابات.

نعم لو كان الإنسان متهاوناً بها مدة من الزمان ثم تاب إلى الله تعالى وقضى ما عليه، قبلت توبته، فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»(4).

ص: 25


1- لعل وجه قوله المؤلف (قدس سره): (ويؤيده) هو أن عمود الدين وردت وصفاً للدعاء أيضاً، إذ ورد (الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرضين) - الكافي: ج2 ص468 - فتأمل.
2- مستدرك الوسائل: ج 3 ص25 ب6 باب تحريم الاستخفاف بالصلاة والتهاون بها ح4.
3- وسائل الشيعة: ج 4 ص27 ب6 باب تحريم الاستخفاف بالصلاة والتهاون بها ح12.
4- الكافي: ج 2 ص435 باب التوبة ح10.

تحريم الخمر

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) قالت: «قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حبيبة أبيها كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر»(1).

--------------------------

حرمة الخمر والمسكر

مسألة: توجد ههنا قاعدتان:

الأولى: حرمة كل خمر.

والثانية: حرمة كل مسكر.

وقد دلت على كليهما الروايات الكثيرة، كما في الوسائل والمستدرك(2).

ومنه يظهر أن القطرة من الخمر محرمة وإن لم تكن مسكرة، إذ الملاك ليس الإسكار وحده، بل أحد العنوانين(3)، وكذا لو لم يسكر الشخص بالخمر

ص: 26


1- دلائل الإمامة: ص69 ح8.
2- كما دلت بعض الآيات على حرمة الخمر: «إنما الخمر والميسر...» سورة المائدة: 90، وقد يستدل ببعضها على حرمة المسكر، مثل قوله تعالى: «لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارَى» سورة النساء: 43، بعد إلغاء الخصوصية.
3- أي الإسكار والخمرية.

لاعتياده والعياذ بالله، أو لمرض أولغير ذلك، فإنها حرام لأنها خمر، كما أن الأمر في عكسه كذلك، فلو كان مسكراً فهو حرام وإن لم يصدق عليه أنه خمر.

عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلتِ قَال: سَمِعْتُ الرِّضَا (عليه السلام) يَقُول: «مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً قَطُّ إِلا بِتَحْرِيمِ الخَمْرِ وأَنْ يُقِرَّ للهِ بِالبَدَاءِ»(1).

وعَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: «حَرَّمَ اللهُ الخَمْرَ لمَا فِيهَا مِنَ الفَسَادِ، ومِنْ تَغْيِيرِ عُقُول شَارِبِيهَا، وحَمْلهَا إِيَّاهُمْ عَلى إِنْكَارِ اللهِ عَزَّ وجَل والفِرْيَةِ عَليْهِ وعَلى رُسُلهِ، وسَائِرِ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِنَ الفَسَادِ والقَتْل والقَذْفِ والزِّنَا، وقِلةِ الاحْتِجَازِ مِنْ شَيْ ءٍ مِنَ المَحَارِمِ، فَبِذَلكَ قَضَيْنَا عَلى كُل مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ أَنَّهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ، لأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ عَاقِبَتِهَا مَا يَأْتِي مِنْ عَاقِبَةِ الخَمْرِ، فَليَجْتَنِبْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ويَتَوَلانَا ويَنْتَحِل مَوَدَّتَنَا كُل شَرَابٍ مُسْكِرٍ، فَإِنَّهُ لا عِصْمَةَ بَيْنَنَا وبَيْنَ شَارِبِيهَا»(2).

حرمة مطلق المسكر

مسألة: يحرم كل مسكر، كما دل عليه هذا الحديث، سواء كان بالشرب أو بالحقنة أو بغير ذلك، والانصراف إلى الشرب انصراف بدويّ.

عَنْ كُليْبٍ الصَّيْدَاوِيِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «خَطَبَ

ص: 27


1- الكافي: ج 1 ص148 باب البداء ح15.
2- وسائل الشيعة: ج 25 ص329 ب15 باب تحريم كل مسكر قليلا كان أو كثيرا ح16.

رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَال فِي خُطْبَتِهِ: كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ وكُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ»(2).

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي عَمِّي وهُوَ رَجُل مِنْ صُلحَاءِ مَوَاليكَ أَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلكَ عَنِ النَّبِيذِ فَأَصِفَهُ لكَ، فَقَال (عليه السلام) لهُ: أَنَا أَصِفُهُ لكَ، قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَليلهُ حَرَامٌ» قَال: قُلتُ: فَقَليل الحَرَامِ يُحِلهُ كَثِيرُ المَاءِ، فَرَدَّعَليْهِ بِكَفِّهِ مَرَّتَيْنِ: «لا لا»(3).

المسكر خمر حكماً

مسألة: كل مسكر خمر، أي يكون في حكمه، فهو يخمر العقل، وأحكام الخمر تترتب عليه، مثل سقوط العدالة وما أشبه، أما الجلد فمذكور في باب الحدود في الفقه.

ويحتمل في (كل مسكر خمر) إرادة المعنى الحقيقي، إذ لا حقيقة شرعية للخمر، وإنما سمي خمراً لأنه يخمر العقل ويغطيه، وعليه فإن قوله (صلى الله عليه وآله): «كل مسكر حرام»(4) إشارة إلى حكمه التكليفي، و(كل مسكر خمر) إشارة إلى التشخيص الموضوعي.

ص: 28


1- الكافي: ج 6 ص407 باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كل مسكر قليله وكثيره ح1.
2- الكافي: ج 6 ص408 باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كل مسكر قليله وكثيره ح3.
3- الكافي: ج 6 ص408 باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كل مسكر قليله وكثيره ح4.
4- الكافي: ج 6 ص407 باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كل مسكر قليله وكثيره ح1.

عَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (صلوات الله عليه) أَنَّهُ قَال: «الخَمْرُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ التَّمْرِ والزَّبِيبِ والحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والعَسَل، يَعْنِي بَعْدَ العِنَبِ، وكُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ»(1).قَال (صلى الله عليه وآله): «كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وكُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، ومَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وهُوَ يُدْمِنُهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَة»(2).

حرمة حتى القطرة

مسألة: المسكر محرم حتى القطرة منه، وإن لم يسم خمر، لإطلاق قوله (عليه السلام): «ما أسكر كثيره فقليله حرام»(3).

نعم بضميمة رواية: «كل مسكر خمر»(4) إلى آية «إِنَّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ...»(5)، يتم دليل آخر على حرمة مطلق المسكر، فالرواية تنقح صغرى الآية.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في النبيذ: «ما يبل الميل ينجس حباً من

ص: 29


1- دعائم الإسلام: ج 2 ص133 ف3 فصل ذكر ما يحرم شربه ح469.
2- غوالي اللئالي: ج 1 ص137 الفصل الثامن في ذكر أحاديث تشتمل على كثير من الآداب ومعالم الدين روايتها تنتهي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بطريق واحد من طرقي المذكورة آنفا ح39.
3- الكافي: ج 6 ص408 باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كل مسكر قليله وكثيره ح6.
4- الكافي: ج 6 ص408 باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كل مسكر قليله وكثيره ح3.
5- سورة المائدة: 90.

ماء»(1)، قالها (عليه السلام) ثلاثاً(2).

وقد ذكرنا في (الفقه) أن أدلة النجاسة منصرفة عن الكثير كثرة بالغة جداً، كآبار النفط الكبيرة، وهكذا مطلق المضاف الكثير جداً، نعم الكثرات المتعارفة كالحب الوارد في هذه الرواية، تتنجس بملاقاة ولو قليل من النجاسة.

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في الخمر وفي كل مسكر.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كل مسكر حرام»(3).

عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ قَال: سَأَلتُ أَبَا الحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَطْرَةِ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ قَطَرَتْ فِي قِدْرٍ فِيهَا لحْمٌ كَثِيرٌ ومَرَقٌ كَثِيرٌ، فَقَال عليه السلام: يُهَرَاقُ المَرَقُ أَوْ يُطْعِمُهُ لأَهْل الذِّمَّةِ أَوِ الكِلابِ واللحْمَ فَاغْسِلهُ وكُلهُ، قُلتُ: فَإِنْ قَطَرَ فِيهَا الدَّمُ؟ فَقَال: الدَّمُ تَأْكُلهُ النَّارُ إِنْ شَاءَ اللهُ، قُلتُ: فَخَمْرٌ أَوْ نَبِيذٌ قَطَرَ فِيعَجِينٍ أَوْ دَمٌ؟ قَال: فَقَال: فَسَدَ، قُلتُ: أَبِيعُهُ مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى وأُبَيِّنُ لهُمْ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلونَ شُرْبَهُ؟ قَال: نَعَمْ، قُلتُ: والفُقَّاعُ هُوَ بِتِلكَ المَنْزِلةِ إِذَا قَطَرَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ ذَلكَ، قَال: أَكْرَهُ أَنْ آكُلهُ إِذَا قَطَرَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ طَعَامِي(4).

ص: 30


1- الكافي: ج 6 ص413 باب من اضطر إلى الخمر للدواء أو للعطش أو للتقية ح1.
2- الكافي: ج 6 ص413 باب من اضطر إلى الخمر للدواء أو للعطش أو للتقية ح1.
3- الكافي: ج 6 ص407 باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كل مسكر قليله وكثيره ح1.
4- الكافي: ج 6 ص422 باب المسكر يقطر منه في الطعام ح1.

قاعدة الإلزام لا تشمل الخمر

مسألة: مما يختص بالخمر أنها لا يأتي فيها قاعدة الإلزام فيما تأتي في غيرها، للنصوص الخاصة الدالة على أنه لا يجوز سقيها حتى للكافر، بل والصغير، وقيل: الدابة(1) على ما ذكر تفصيله في (الفقه).

عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فِي حَدِيثٍ قَال: «ومَنْ شَرِبَ الخَمْرَ سَقَاهُ اللهُ مِنْ سَمِّ الأَسَاوِدِ، ومِنْ سَمِّ العَقَارِبِ» إلى أن قال: «ومَنْ سَقَاهَا يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً أَوْ صَابِئاً أَوْ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ فَعَليْهِ كَوِزْرِ مَنْ شَرِبَهَا»(2).وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً قَطُّ إِلا وفِي عِلمِ اللهِ أَنَّهُ إِذَا أَكْمَل دِينَهُ كَانَ فِيهِ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، ولمْ يَزَل الخَمْرُ حَرَاماً إِنَّمَا الدِّينُ أَنْ يُحَوَّل مِنْ خَصْلةٍ إِلى أُخْرَى، ولوْ كَانَ ذَلكَ جُمْلةً قُطِعَ بِهِمْ دُونَ الدِّينِ»(3).

ص: 31


1- عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) كَرِهَ أَنْ تُسْقَى الدَّوَابُّ الخَمْرَ». وسائل الشيعة: ج 25 ص308 ب10 باب أنه لا يجوز سقي الخمر صبيا ولا مملوكا ولا كافرا وكذا كل محرم وكراهة سقي الدواب الخمر وكل محرم وإطعامها إياه ح4. عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنِ البَهِيمَةِ البَقَرَةِ وغَيْرِهَا تُسْقَى أَوْ تُطْعَمُ مَا لا يَحِل للمُسْلمِ أَكْلهُ أَوْ شُرْبُهُ أَ يُكْرَهُ ذَلكَ، قَال: «نَعَمْ يُكْرَهُ ذَلكَ». وسائل الشيعة: ج 25 ص309 ب10 باب أنه لا يجوز سقي الخمر صبيا ولا مملوكا ولا كافرا وكذا كل محرم وكراهة سقي الدواب الخمر وكل محرم وإطعامها إياه ح5.
2- وسائل الشيعة: ج 25 ص309 ب10 باب أنه لا يجوز سقي الخمر صبيا ولا مملوكا ولا كافرا وكذا كل محرم وكراهة سقي الدواب الخمر وكل محرم وإطعامها إياه ح7.
3- تهذيب الأحكام: ج 9 ص102 ب2 باب الذبائح والأطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ح179.

وعَنْ عَجْلانَ أَبِي صَالحٍ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): المَوْلودُ يُولدُ فَنَسْقِيهِ الخَمْرَ، فَقَال: «لا، مَنْ سَقَى مَوْلوداً مُسْكِراً سَقَاهُ اللهُ مِنَ الحَمِيمِ وإِنْ غُفِرَ لهُ»(1).

وعَنْ عَجْلانَ أَبِي صَالحٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «يَقُول اللهُ عَزَّ وجَل: مَنْ شَرِبَ مُسْكِراً أَوْ سَقَاهُ صَبِيّاً لا يَعْقِل سَقَيْتُهُ مِنْ مَاءِ الحَمِيمِ، مَغْفُوراً لهُ أَوْ مُعَذَّباً، ومَنْ تَرَكَ المُسْكِرَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أَدْخَلتُهُ الجَنَّةَ وسَقَيْتُهُ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ وفَعَلتُ بِهِ مِنَ الكَرَامَةِمَا فَعَلتُ بِأَوْليَائِي»(2).

وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) فِي حَدِيثِ الأَرْبَعِمِائَةِ قَال: «مَنْ سَقَى صَبِيّاً مُسْكِراً وهُوَ لا يَعْقِل حَبَسَهُ اللهُ عَزَّ وجَل فِي طِينَةِ خَبَال حَتَّى يَأْتِيَ مِمَّا صَنَعَ بِمَخْرَجٍ»(3).

التعليم والإنذار

مسألة: يجوز أن يكون التعليم والإنذار عاماً، فيخاطب الناس أو المؤمنين بأجمعهم، ويجوز أن يكون خاصاً، فيكون الخطاب لطرف معين بقصد إيصاله للغير، وإن كان الطرف لا يحتمل في حقه فعل المنذر به كما في هذه الرواية.

ص: 32


1- وسائل الشيعة: ج 25 ص307 ب10 باب أنه لا يجوز سقي الخمر صبيا ولا مملوكا ولا كافرا وكذا كل محرم وكراهة سقي الدواب الخمر وكل محرم وإطعامها إياه ح2.
2- وسائل الشيعة: ج 25 ص308 ب10 باب أنه لا يجوز سقي الخمر صبيا ولا مملوكا ولا كافرا وكذا كل محرم وكراهة سقي الدواب الخمر وكل محرم وإطعامها إياه ح3.
3- وسائل الشيعة: ج 25 ص309 ب10 باب أنه لا يجوز سقي الخمر صبيا ولا مملوكا ولا كافرا وكذا كل محرم وكراهة سقي الدواب الخمر وكل محرم وإطعامها إياه ح6.

وفي القرآن الكريم كلا النوعين، أما العام فواضح، وأما الخاص فكقوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الكافِرينَ وَالمُنافِقينَ، إِنَّاللهَ كانَ عَليماً حَكيماً»(1)، مع أنه لا يحتمل في حقه (صلى الله عليه وآله) أن لا يتقي الله أو يطيع الكافرين والمنافقين كما هو بديهي.

قال سبحانه: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الذي خَلقَكُمْ والذينَ مِنْ قَبْلكُمْ لعَلكُمْ تَتَّقُون»(2).

قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لكُمْ عَدُوٌّ مُبين»(3).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نزل القرآن ب (إياك أعني واسمعي يا جارة)» (4).

ص: 33


1- سورة الأحزاب: 1.
2- سورة البقرة: 21.
3- البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص50 ح169.
4- سورة البقرة: 168.

الخمر وعدم قبول الصلاة

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) عن أبيها (صلى الله عليه وآله): «من شرب شربة فلذ منها لم تقبل له صلاة أربعين يوماً وليلة»(1).

------------------------

حرمة الخمر مطلقا

مسألة: يحرم شرب حتى شربة واحدة من الخمر، بل حتى القطرة الواحدة والأقل منها، سواء أسكره أم لا ، وسواء أكان خمر العنب أم التمر أم الشعير أم غيرها.

وفي الكافي بسند صحيح، عن أبي الحسن (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى لمْ يُحَرِّمِ الخَمْرَ لاسْمِهَا، وَلكِنْ حَرَّمَهَا لعَاقِبَتِهَا، فَمَا فَعَل فِعْل الخَمْرِ فَهُوَ خَمْرٌ»(2).

وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الخَمْرُ مِنْخَمْسَةٍ العَصِيرُ مِنَ الكَرْمِ وَ النَّقِيعُ مِنَ الزَّبِيبِ وَ البِتْعُ مِنَ العَسَل وَ المِزْرُ

ص: 34


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 ص912 ب84 حديثها عليها السلام في تحريم الخمر ح173.
2- الكافي: ج 6 ص412 باب أن الخمر إنما حرمت لفعلها فما فعل فعل الخمر فهو خمر ح1.

مِنَ الشَّعِيرِ وَ النَّبِيذُ مِنَ التَّمْرِ»(1).

وعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «الخَمْرُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالعَسَل»(2).

التلذذ بالخمر

مسألة: يحرم التلذذ بالخمر وبكل حرام، وهل حرمة التلذذ أمر آخر غير حرمة أصل شربها، الظاهر لا، إلاّ لو انطبق عليه عنوان آخر(3).

قال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): الفِتَنُ ثَلاثَةٌ حُبُّ النِّسَاءِ وهُوَ سَيْفُ الشَّيْطَانِ، وشُرْبُ الخَمْرِ وهُوَ فَخُّ الشَّيْطَانِ، وحُبُّ الدِّينَارِ والدِّرْهَمِ وهُوَ سَهْمُ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ النِّسَاءَ لمْ يَنْتَفِعْ بِعَيْشِهِ ومَنْ أَحَبَ الأَشْرِبَةَ حَرُمَتْ عَليْهِ الجَنَّةُ ومَنْ أَحَبَّ الدِّينَارَ والدِّرْهَمَ فَهُوَعَبْدُ الدُّنْيَا(4).

صلاة شارب الخمر

مسألة: يستحب بيان أنه لا تقبل صلاة من شرب شربة من الخمر أربعين يوماً وليلةً.

ص: 35


1- الكافي: ج 6 ص392 باب ما يتخذ منه الخمر ح1.
2- الكافي: ج 6 ص392 باب ما يتخذ منه الخمر ح2.
3- كإشاعة الفاحشة، أو هتك حرمة الشرع، أو الاستخفاف بالشريعة.
4- وسائل الشيعة: ج 20 ص25 ب4 باب كراهة الإفراط في حب النساء وتحريم حب النساء المحرمات ح5.

ولا يخفى أن القبول غير الصحة، وأن عدم القبول لا ينافي سقوط التكليف بامتثال الأمر.

وقوله (صلى الله عليه وآله): «فلذ» في قبال الشرب اضطراراً مثلاً، لا أن مع عدم اللذة لا بأس به كما هو واضح، وربما كان بياناً للحالة الغالبة لا الحصر، فهو نظير (في حجوركم) في قوله تعالى: «وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتي دَخَلتُمْ بِهِنَّ»(1).

والظاهر أن عدم القبول عام للصلوات الواجبة والمستحبة، فلو صلى شارب الخمر صلاة الليل مثلاً لم تقبل منه أيضاً، نعم ليست باطلة.

ثم إن عدم القبول إنما هو فيما إذا لم يتب إلى الله سبحانه، لا ما إذا تاب توبة نصوحاً، إذ «التائب من الذنبكمن لا ذنب له»(2)، وقال تعالى: «إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلاً صالحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّل اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحيماً»(3).

كما أنه إذا كان كافراً وشرب الخمر، أو كان يعتقد بجواز شرب بعض الخمر كما عند العامة بالنسبة إلى الفقاع، ثم أسلم أو استبصر، لم يكن له هذا الحكم بعدم القبول حتى بعد إسلامه إلى أربعين يوماً.

كما أنه اذا كان مؤمناً(4) ولم يكن يعرف حرمة الخمر ثم شربها، لم يكن

ص: 36


1- سورة النساء: 23.
2- الكافي: ج 2 ص435 باب التوبة ح10.
3- سورة الفرقان: 70.
4- اي إمامياً معتقداً بأهل البيت (عليهم السلام).

كذلك إذا كان عن قصور(1).

وربما يدل عليه حديث الشارب الذي أمر الإمام (عليه السلام) بأن يُدار على المهاجرين والأنصار في زمن الثاني.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «شَرِبَ رَجُل الخَمْرَ عَلى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَرُفِعَ إِلى أَبِي بَكْرٍ فَقَال لهُ: أَشَرِبْتَ خَمْراً، قَال: نَعَمْ، قَال: وَلمَ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، قَال: فَقَال لهُ الرَّجُل: إِنِّي أَسْلمْتُ وَحَسُنَ إِسْلامِيوَمَنْزِلي بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْتَحِلونَهَا، وَلوْ عَلمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ اجْتَنَبْتُهَا.

فَالتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلى عُمَرَ فَقَال: مَا تَقُول فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُل؟

فَقَال عُمَرُ: مُعْضِلةٌ وَليْسَ لهَا إِلا أَبُو الحَسَنِ.

قَال: فَقَال أَبُو بَكْرٍ: ادْعُ لنَا عَليّاً (عليه السلام).

فَقَال عُمَرُ: يُؤْتَى الحَكَمُ فِي بَيْتِهِ، فَقَامَا وَالرَّجُل مَعَهُمَا وَمَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ النَّاسِ حَتَّى أَتَوْا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَخْبَرَاهُ بِقِصَّةِ الرَّجُل، وَقَصَّ الرَّجُل قِصَّتَهُ.

قَال: فَقَال: ابْعَثُوا مَعَهُ مَنْ يَدُورُ بِهِ عَلى مَجَالسِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ مَنْ كَانَ تَلا عَليْهِ آيَةَ التَّحْرِيمِ فَليَشْهَدْ عَليْهِ، فَفَعَلوا ذَلكَ بِهِ فَلمْ يَشْهَدْ عَليْهِ أَحَدٌ بِأَنَّهُ قَرَأَ عَليْهِ آيَةَ التَّحْرِيمِ، فَخَلى عَنْهُ وَقَال لهُ: إِنْ شَرِبْتَ بَعْدَهَا أَقَمْنَا عَليْكَ الحَدَّ»(2).

ص: 37


1- أما إذا كان عن تقصير فإن حكمه حكم العامد.
2- الكافي: ج 7 ص216 باب ما يجب فيه الحد في الشراب ح16.

الأضحية

اشارة

قدم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من سفر فأتته فاطمة

(عليها السلام) بلحم من ضحاياها، فقال: أو لم ينه عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).

فقالت: إنه قد رخّص فيها.

قالت: فدخل علي (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله عن ذلك، فقال له: كلها من ذي الحجة إلى ذي الحجة»(2).

------------------------------

إطراف المسافر

مسألة: ينبغي إطراف المسافر(3) بشيء من طعام أو غيره، فإنه نوع إدخال السرور في قلب المؤمن، ومما يوجب تماسك الأسرة كما فعلت الصديقة (صلوات الله عليها).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ أَدْخَل السُّرُورَ عَلى مُؤْمِنٍ فَقَدْ

ص: 38


1- أي عن أن يأكل أهلها فوق ثلاث، بأن يمسكوها أكثر من ثلاثة أيام.
2- لعل الوجه أنهم كانوا يجففون اللحم ويسمى القديد، فكان يبقى فترة طويلة صالحاً للأكل.
3- أطرف الرجل: أعطاه ما لم يعطه أحداً قبله.

أَدْخَلهُ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، ومَنْ أَدْخَلهُ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَدْ وَصَل ذَلكَ إِلى اللهِ، وكَذَلكَ مَنْ أَدْخَل عَليْهِ كَرْباً»(1).

وعَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلادٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّ للهِ عِبَاداً فِي الأَرْضِ يَسْعَوْنَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ هُمُ الآمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، ومَنْ أَدْخَل عَلى مُؤْمِنٍ سُرُوراً فَرَّحَ اللهُ قَلبَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»(2).

استحباب الأضحية

مسألة: تستحب الأضحية على كل مسلم ومسلمة، صغير أو كبير، في ذي الحجة، استحباباً مؤكداً إجماعاً، بل مشروعيتها من الضروريات، وأخبار الوجوب محمولة على الثبوت وتأكد الاستحباب.

أما الحاج المتمتع فيجب عليه الهدي ويجزيه عن الأضحية، ففي الصحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:«يُجْزِئُهُ فِي الأُضْحِيَّةِ هَدْيُهُ»(3).

وفي نسخة: «يُجْزِئُكَ مِنَ الأُضْحِيَّةِ هَدْيُكَ»(4).

ص: 39


1- الكافي: ج 2 ص192 باب إدخال السرور على المؤمنين ح14.
2- الكافي: ج 2 ص197 باب السعي في حاجة المؤمن ح2.
3- وسائل الشيعة: ج 14 ص205 ب60 باب تأكد استحباب الأضحية وإجزاء الهدي عنها وسقوطها عن الجنين ومن لا يجد واستحباب الدعاء عندها بالمأثور والتضحية عن العيال وجملة من أحكامها ح2.
4- وسائل الشيعة: ج 14 ص205 ب60 باب تأكد استحباب الأضحية وإجزاء الهدي عنها وسقوطها عن الجنين ومن لا يجد واستحباب الدعاء عندها بالمأثور والتضحية عن العيال وجملة من أحكامها ح2.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سُئِل عَنِ الأَضْحَى أَوَاجِبٌ هُوَ عَلى مَنْ وَجَدَ لنَفْسِهِ وَعِيَالهِ، فَقَال: «أَمَّا لنَفْسِهِ فَلا يَدَعُهُ، وَأَمَّا لعِيَالهِ إِنْ شَاءَ تَرَكَهُ»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «الأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلى مَنْ وَجَدَ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَ هِيَ سُنَّةٌ»(2).وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَنَّ رَجُلا سَأَلهُ عَنِ الأَضْحَى فَقَال: هُوَ وَاجِبٌ عَلى كُل مُسْلمٍ إِلا مَنْ لمْ يَجِدْ، فَقَال لهُ السَّائِل: فَمَا تَرَى فِي العِيَال، فَقَال: إِنْ شِئْتَ فَعَلتَ وَإِنْ شِئْتَ لمْ تَفْعَل، فَأَمَّا أَنْتَ فَلا تَدَعْهُ»(3).

وقت الأضحية

الأضحية تكون في العاشر من ذي الحجة، وثلاثة أيام بعده إذا كان في منى، أما في غيرها من الأمصار فيومان بعده.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليهما السلام) أَنَّهُمَا قَالا: «الأُضْحِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ

ص: 40


1- وسائل الشيعة: ج 14 ص204 ب60 باب تأكد استحباب الأضحية وإجزاء الهدي عنها وسقوطها عن الجنين ومن لا يجد واستحباب الدعاء عندها بالمأثور والتضحية عن العيال وجملة من أحكامها ح1.
2- وسائل الشيعة: ج 14 ص205 ب60 باب تأكد استحباب الأضحية وإجزاء الهدي عنها وسقوطها عن الجنين ومن لا يجد واستحباب الدعاء عندها بالمأثور والتضحية عن العيال وجملة من أحكامها ح3.
3- وسائل الشيعة: ج 14 ص205 ب60 باب تأكد استحباب الأضحية وإجزاء الهدي عنها وسقوطها عن الجنين ومن لا يجد واستحباب الدعاء عندها بالمأثور والتضحية عن العيال وجملة من أحكامها ح5.

وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ فِي الأَمْصَارِ، وَفِي مِنًى إِلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ»(1).نعم ذبح الشاة للإطعام وما أشبه مستحب طول السنة، إلا أنه في ذي الحجة آكد، وفي الحديث: «إِنَّ اللهَ يُحِبُ إِطْعَامَ الطَّعَامِ وهِرَاقَةَ الدِّمَاءِ»(2)، لكن أخبار الأضحية خاصة بذي الحجة في أيامها المعلومة.

روايات في الأضحية

روي أنه: «ضَحَّى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِكَبْشَيْنِ ذَبَحَ وَاحِداً بِيَدِهِ وَقَال: اللهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لمْ يُضَحِّ مِنْ أَهْل بَيْتِي، وَذَبَحَ الآخَرَ وَقَال: اللهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»(3).

وروي أنه: كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يُضَحِّي عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) كُل سَنَةٍ بِكَبْشٍ يَذْبَحُهُ وَيَقُول: بِسْمِ اللهِ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسْلماً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالمِينَ، اللهُمَّ مِنْكَ وَلكَ، وَيَقُول: اللهُمَّ هَذَا عَنْ نَبِيِّكَ، ثُمَّ يَذْبَحُهُ وَيَذْبَحُ كَبْشاً آخَرَ عَنْ نَفْسِهِ»(4).

ص: 41


1- مستدرك الوسائل: ج 10 ص84 ب5 باب إجزاء الذبح بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده وبغير منى يوم النحر ويومين بعده واستحباب اختيار يوم النحر وتحريم الصوم أيام التشريق لمن كان بمنى خاصة ح1.
2- المحاسن: ج 2 ص387 ب1 باب الإطعام ح6.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص489 باب الأضاحي ح3046.
4- وسائل الشيعة: ج 14 ص206 ص60 باب تأكد استحباب الأضحية وإجزاء الهدي عنها وسقوطها عن الجنين ومن لا يجد واستحباب الدعاء عندها بالمأثور والتضحية عن العيال وجملة من أحكامها ح7.

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّمَا جُعِل هَذَا الأَضْحَى لتَشْبَعَ مَسَاكِينُكُمْ مِنَ اللحْمِ فَأَطْعِمُوهُمْ»(1).

وعن مُحَمَّد بْن عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ قَال: جَاءَتْ أُمُّ سَلمَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ يَحْضُرُ الأَضْحَى وَليْسَ عِنْدِي ثَمَنُ الأُضْحِيَّةِ فَأَسْتَقْرِضُ وَأُضَحِّي، قَال: اسْتَقْرِضِي فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ»(2).

وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «لوْ عَلمَ النَّاسُ مَا فِي الأُضْحِيَّةِ لاسْتَدَانُوا وَضَحَّوْا، إِنَّهُ ليُغْفَرُ لصَاحِبِ الأُضْحِيَّةِ عِنْدَ أَوَّل قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا»(3).

السؤال للتعليم

مسألة: يستحب سؤال العالم(4) بغرض تعليم الآخرين، حيث أراد علي (عليه السلام) بسؤاله من النبي (صلى الله عليه وآله) تعليم الآخرين، لا التأكد من قول فاطمة (عليها السلام)، بل ليتضح للناس أن ما تقوله الصديقة (عليها السلام) عين كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنه (عليه السلام) كان يعلم بعصمة فاطمة (عليها السلام) وكان موقناً بصحة قولها، مائة في مائة.

ولعله أراد أن يسمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة، وذلك للنقل المباشر إتماماً للحجة على من لا يعرف قدر الصديقة (عليها السلام)، وإلاّ فمن

ص: 42


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص200 باب علل الحج ح2137.
2- وسائل الشيعة: ج 14 ص210 ب64 باب استحباب القرض للأضحية لمن لم يجد ح1.
3- علل الشرائع: ج 2 ص440 ب183 باب العلة التي من أجلها يجب على من لا يجد ثمن الأضحية أن يستقرض ح2.
4- من إضافة المصدر إلى الفاعل.

يعرف قدرها ومنزلتها فإنه لا يشك في أن نقله عنها كنقله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحجية.

وقوله (صلى الله عليه وآله): «كلها من ذي الحجة إلى ذي الحجة» ظاهر في إفادة الإباحة طول السنة.

وفي بعض الروايات: إن علياً (عليه الصلاة والسلام) كان لا يأكل اللحم إلاّ مرة في السنة، لاطمئنانه بقدرة جميع المسلمين حتى الفقراء منهم على أكل اللحم في ذلك اليوم(1).وقد نقل العلامة المجلسي (رحمه الله) عن الخرائج: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «وَاعْلمْ أَنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ بِقُرْصَيْهِ، لا يَطْعَمُ الفِلذَةَ(2) فِي حَوْلهِ إِلا فِي سَنَةِ أُضْحِيَّةٍ، وَلنْ تَقْدِرُوا عَلى ذَلكَ فَأَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ»(3).

وعلى ذلك فلعل قوله (صلى الله عليه وآله) إشارة إلى أن الأكل يكون في هذا العام كالعام الآخر وهكذا، مثل قولنا: صل صلاة العيد من الفطر إلى الأضحى، أو ما أشبه.

ولكن الأظهر ما سبق من ظهوره في إفادة الإباحة طول السنة.

أما روايات النهي عن إمساك الأضحية بعد ثلاثة أيام إن صحت، فهي

ص: 43


1- أي عيد الأضحى المبارك.
2- الفلذة: القطعة من الكبد واللحم.
3- بحار الأنوار: ج 40 ص318 ب98 زهده وتقواه وورعه (عليه السلام) ح2، عن الخرائج والجرائح: ج 2 ص542 فصل في أعلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ح2.

منسوخة، كما أن هذه الرواية عن الصديقة (عليها السلام) تضمنت كلاً من الناسخ والمنسوخ، ولعل المنسوخ كان بنحو القضية الخارجية(1).عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) نَهَى أَنْ تُحْبَسَ لحُومُ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ»(2).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَال: «أَمَرَنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ لا نَأْكُل لحُومَ الأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ أَذِنَ لنَا أَنْ نَأْكُل وَنُقَدِّدَ وَنُهْدِيَ إِلى أَهَالينَا»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «نَهَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ لحُومِ الأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلاثٍ ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا، قَال: كُلوا مِنْ لحُومِ الأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلاثٍ وَادَّخِرُوا»(4).

ص: 44


1- لا القضية الحقيقية.
2- تهذيب الأحكام: ج 5 ص226 ب16 باب الذبح ح103.
3- الاستبصار: ج 2 ص274 ب188 باب جواز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام ح1.
4- الاستبصار: ج 2 ص274 ب188 باب جواز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام ح2.

أدب الصائم

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها قالت: «ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه»(1).

----------------------------

صوم الجوارح

مسألة: يجب على الصائم صيانة اللسان والسمع والبصر وسائر الجوارح عن ارتكاب الحرام، كما قالت (صلوات الله عليها) : «وجوارحه».

فإن سائر الجوارح أيضاً قد تنطلق وقد تقف وتصان عن الحركة نحو الحرام، مثل البطش باليد، والرفس بالرجل، والمقاربة بالعورة، والملامسة بسائر الجسد، وما أشبه.

وفي بعض الروايات: «صوم الشعر»(2)،والمراد أن لا يزين شعره، كما

ص: 45


1- مستدرك الوسائل: ج 7 ص366 ب10 باب استحباب إمساك سمع الصائم و بصره و شعره و بشره و جميع أعضائه عما لا ينبغي من المكروهات و وجوب تركه للمحرمات ح2.
2- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا صُمْتَ فَليَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ وشَعْرُكَ وجِلدُكَ وعَدَّدَ أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذَا، وقَال: لا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ». الكافي: ج 4 ص87 باب أدب الصائم ح1.

ورد بالنسبة إلى زيارة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) وأن الملائكة تزوره شعثاً غبراً(1)، وأنه يستحب للزائر أن يكون كذلك(2).وكما ورد بالنسبة إلى سفرة الحج، حيث المستحب أن يكون شعثاً غبراً(3)،

ص: 46


1- عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): جُعِلتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُول اللهِ كُنْتُ فِي الحِيرَةِ ليْلةَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ نَحْواً مِنْ ثَلاثَةِ أَلفٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَلفِ رَجُل جَمِيلةٍ وُجُوهُهُمْ طَيِّبَةٍ رِيحُهُمْ شَدِيدَةٍ بَيَاضُ ثِيَابِهِمْ يُصَلونَ الليْل أَجْمَعَ، فَلقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ آتِيَ قَبْرَ الحُسَيْنِ (عليه السلام) وأُقَبِّلهُ وأَدْعُوَ بِدَعَوَاتِي فَمَا كُنْتُ أَصِل إِليْهِ مِنْ كَثْرَةِ الخَلقِ فَلمَّا طَلعَ الفَجْرُ سَجَدْتُ سَجْدَةً فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَلمْ أَرَ مِنْهُمْ أَحَداً، فَقَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَتَدْرِي مَنْ هَؤُلاءِ؟ قُلتُ: لا جُعِلتُ فِدَاكَ، فَقَال: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَال: مَرَّ بِالحُسَيْنِ عليه السلام أَرْبَعَةُ آلافِ مَلكٍ وهُوَ يُقْتَل فَعَرَجُوا إِلى السَّمَاءِ فَأَوْحَى اللهُ إِليْهِمْ: يَا مَعْشَرَ المَلائِكَةِ مَرَرْتُمْ بِابْنِ حَبِيبِي وصَفِيِّي مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) وهُوَ يُقْتَل ويُضْطَهَدُ مَظْلوماً فَلمْ تَنْصُرُوهُ فَانْزِلوا إِلى الأَرْضِ إِلى قَبْرِهِ فَابْكُوهُ شُعْثاً غُبْراً إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ فَهُمْ عِنْدَهُ إِلى أَنْ تَقُومَ القِيَامَةُ». كامل الزيارات: ص115 الباب التاسع والثلاثون زيارة الملائكة الحسين بن علي (عليه السلام) ح5.
2- عَنِ المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «تَزُورُونَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ لا تَزُورُوا، ولا تَزُورُونَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَزُورُوا، قَال: قُلتُ: قَطَعْتَ ظَهْرِي، قَال: تَاللهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ ليَذْهَبُ إِلى قَبْرِ أَبِيهِ كَئِيباً حَزِيناً وتَأْتُونَهُ أَنْتُمْ بِالسُّفَرِ كَلا حَتَّى تَأْتُوهُ شُعْثاً غُبْراً». كامل الزيارات: ص130 الباب السابع والأربعون ما يكره اتخاذه لزيارة الحسين بن علي (عليه السلام) ح4.
3- عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): «أَمَا عَلمْتَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَشِيَّةُ عَرَفَةَ بَرَزَ اللهُ فِي مَلائِكَتِهِ إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَقُول: انْظُرُوا إِلى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثاً غُبْراً أَرْسَلتُ إِليْهِمْ رَسُولا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ فَسَأَلونِي ودَعَوْنِي أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُ حَقٌّ عَليَّ أَنْ أُجِيبَهُمُ اليَوْمَ قَدْ شَفَعْتُ مُحْسِنَهُمْ فِي مُسِيئِهِمْ وقَدْ تَقَبَّلتُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ فَأَفِيضُوا مَغْفُوراً لكُمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ مَلكَيْنِ فَيَقُومَانِ بِالمَأْزِمَيْنِ هَذَا مِنْ هَذَا الجَانِبِ وهَذَا مِنْ هَذَا الجَانِبِ فَيَقُولانِ: اللهُمَّ سَلمْ سَلمْ فَمَا يَكَادُ يُرَى مِنْ صَرِيعٍ ولا كَسِيرٍ». وسائل الشيعة: ج 13 ص551 ب19 باب وجوب الوقوف بعرفات وأن من تركه عمدا بطل حجه وحكم من نسيه أو لم يدركه ح12.

بل بعض مراتب الزينة محرمة على المحرم(1)، فكذلك ورد في الصوم في الجملة، فينبغي أن يكون الإنسان حال العبادة كالجندي الحاضر في خدمة القائد، بحال التهيؤ والاستعداد،بكافة جوارحه وجوانحه.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «وُكِّل بِالحُسَيْنِ (عليه السلام) سَبْعُونَ أَلفَ مَلكٍ يُصَلونَ عَليْهِ شُعْثاً غُبْراً مُنْذُ يَوْمَ قُتِل إِلى مَا شَاءَ اللهُ، يَعْنِي بِذَلكَ قِيَامَ القَائِمِ، وَيَدْعُونَ لمَنْ زَارَهُ وَيَقُولونَ: يَا رَبِّ هَؤُلاءِ زُوَّارُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) افْعَل بِهِمْ وَافْعَل بِهِم»(2)

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): إنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَال: «أَمَا وَاللهِ لقَدْ عَهِدْتُ أَقْوَاماً عَلى عَهْدِ خَليلي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَإِنَّهُمْ ليُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ شُعْثاً غُبْراً خُمُصاً بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ كَرُكَبِ المِعْزَى، يَبِيتُونَ لرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ أَقْدَامِهِمْ وَجِبَاهِهِمْ، يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ وَيَسْأَلونَهُ فَكَاكَ رِقَابِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَاللهِ لقَدْ رَأَيْتُهُمْ مَعَ هَذَا وَهُمْ خَائِفُونَ مُشْفِقُونَ»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): «أَمَا عَلمْتَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَشِيَّةُ عَرَفَةَ بَرَزَ اللهُ فِي مَلائِكَتِهِ إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَقُول: انْظُرُوا إِلى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثاً غُبْراً،أَرْسَلتُ إِليْهِمْ رَسُولا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ فَسَأَلونِي وَدَعَوْنِي، أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُ حَقٌّ عَليَّ أَنْ أُجِيبَهُمُ اليَوْمَ، قَدْ شَفَعْتُ مُحْسِنَهُمْ فِي مُسِيئِهِمْ، وَقَدْ تَقَبَّلتُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ فَأَفِيضُوا مَغْفُوراً لكُمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ مَلكَيْنِ

ص: 47


1- كالتدهين والتطييب والنظر في المرآة ولبس المخيط والخف والجورب والتزين بالحناء وشبهها ولبس الخاتم للزينة ولبس الحلي للنساء على ما ورد في المناسك.
2- تهذيب الأحكام: ج 6 ص47 ب16 باب فضل زيارته (عليه السلام) ح19.
3- الكافي: ج 2 ص236 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح21.

فَيَقُومَانِ بِالمَأْزِمَيْنِ هَذَا مِنْ هَذَا الجَانِبِ وَهَذَا مِنْ هَذَا الجَانِبِ فَيَقُولانِ: اللهُمَّ سَلمْ سَلمْ، فَمَا يَكَادُ يُرَى مِنْ صَرِيعٍ وَ لا كَسِيرٍ»(1).

مصب الكلام

مسألة: ينبغي للمتفقه في الأحاديث الشريفة أن يلاحظ مصب الكلام ومحل النفي والإثبات لكي يفهم المقصود من الرواية.

وفي هذه الرواية (ما يصنع) ومصب الكلام الإثبات لا النفي، فليس المقصود نفي الصحة عن المجتنب للمفطرات العشرة إذا ارتكب إحدى هذه الأمور، بل المقصود الحث على صون اللسان والسمع والبصر وسائر الجوارح، فإنه من باب تعدد المطلوب.

وبذلك يتضح الأمر في الآية الشريفة:«أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ»(2)، إذ توهم بعض الناس أن المراد منها أن من لا يعمل بالبر يسقط عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس له أن يأمر غيره به، ولكنه في غير محله. فالفقه يفيد أن العمل بالبر والأمر به مطلوبان للمولى، لا يسقط أحدهما بترك الآخر، بل المقصود التقريع على ترك هذا، أي العمل بالبر، لا الدعوة إلى ترك ذاك، أي الأمر بالبر.

وربما يكون المراد بصوم الشعر غير ذلك، بأن يراد به الصوم عن الحرام

ص: 48


1- وسائل الشيعة: ج 13 ص552 ب19 باب وجوب الوقوف بعرفات وأن من تركه عمدا بطل حجه وحكم من نسيه أو لم يدركه ح12.
2- سورة البقرة: 44.

فلا يزين شعره مثلاً كي يغوي به ويوقع غيره في الحرام.

صيانة اللسان

مسألة: يجب صيانة اللسان مطلقاً عن الحرام، وفي الصوم خاصة، كما ينبغي(1) صونه عن القبيح من القول وإن لم يكن محرماً، وعن اللغو في الكلام وإن لم يكن حراماً.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَمْسِكْلسَانَكَ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلى نَفْسِكَ ثُمَّ قَال: ولا يَعْرِفُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَخْزُنَ مِنْ لسَانِهِ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لا يَزَال العَبْدُ المُؤْمِنُ يُكْتَبُ مُحْسِناً مَا دَامَ سَاكِتاً فَإِذَا تَكَلمَ كُتِبَ مُحْسِناً أَوْ مُسِيئاً»(3).

صيانة السمع

مسألة: يجب صيانة السمع مطلقاً، وفي الصوم خاصة عن المحرمات، وينبغي صيانته عن الشبهات، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حَلال بَيِّنٌ، وَحَرَامٌ بَيِّنٌ، وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلكَ، فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ المُحَرَّمَاتِ، وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ المُحَرَّمَاتِ وَهَلكَ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلم»(4).

ص: 49


1- التشبيه في أصل الرجحان لا في الوجوب، ولذا عبر الإمام المؤلف (قدس سره) ههنا ب (ينبغي).
2- الكافي: ج 2 ص114 باب الصمت وحفظ اللسان ح7.
3- الكافي: ج 2 ص116 باب الصمت وحفظ اللسان ح21.
4- الكافي: ج 1 ص68 باب اختلاف الحديث ح10.

وفِي الخَبَرَ: «إِنَّ اللهَ يَقُول يَوْمَ القِيَامَةِ: مَلائِكَتِي مَنْ حَفِظَ سَمْعَهُ ولسَانَهُ عَنِ الغِنَاءِ فَأَسْمِعُوهُ حَمْدِي والثَّنَاءَعَلي»(1).

صيانة البصر

مسألة: يجب صيانة البصر مطلقاً عن الحرام، وفي الصوم خاصة.

قال تعالى: «قُلْ لِلمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلكَ أَزْكى لهُمْ إِنَّ اللهَ خَبيرٌ بِما يَصْنَعُون»(2).

وقال سبحانه: «وَقُلْ لِلمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِن»(3).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «وغَض البَصَرِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّظَرِ»(4).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «خَفْضُ الصَّوْتِ وغَضُ البَصَرِ ومَشْيُ القَصْدِ مِنْ أَمَارَةِ الإِيمَانِ وحُسْنِ الدِّينِ»(5).

ص: 50


1- مستدرك الوسائل: ج 13 ص214 ب78 باب تحريم الغناء حتى في القرآن وتعليمه وأجرته والغيبة والنميمة ح11.
2- سورة النور: 30.
3- سورة النور: 31.
4- الكافي: ج 8 ص21 خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وهي خطبة الوسيلة ح4.
5- عيون الحكم والمواعظ: ص242 ح4607.

صيانة الجوارح

مسألة: يجب صيانة الجوارح مطلقاً عن الحرام، وفي الصوم خاصة.

كما أن الأمر كذلك في المساجد والمشاهد المشرفة كافة، إذ يتأكد فيها تجنب المحرمات الصادرة عن الجوارح كالغيبة والتهمة والنميمة والنظر لما لا يحل والإيذاء والسرقة والغصب وغيرها.

وفي رسالة الحقوق: قال (عليه السلام): «وَأَمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَليْكَ فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللهِ، فَتُؤَدِّيَ إِلى لسَانِكَ حَقَّهُ، وإِلى سَمْعِكَ حَقَّهُ، وإِلى بَصَرِكَ حَقَّهُ، وإِلى يَدِكَ حَقَّهَا، وإِلى رِجْلكَ حَقَّهَا، وإِلى بَطْنِكَ حَقَّهُ، وإِلى فَرْجِكَ حَقَّهُ، وتَسْتَعِينُ بِاللهِ عَلى ذَلكَ.

وَأَمَّا حَقُّ اللسَانِ: فَإِكْرَامُهُ عَنِ الخَنَا، وتَعْوِيدُهُ عَلى الخَيْرِ، وحَمْلهُ عَلى الأَدَبِ، وإِجْمَامُهُ إِلا لمَوْضِعِ الحَاجَةِ والمَنْفَعَةِ للدِّينِ والدُّنْيَا، وإِعْفَاؤُهُ مِنَ الفُضُول الشَّنِعَةِ القَليلةِ الفَائِدَةِ التِي لا يُؤْمَنُ ضَرَرُهَا مَعَ قِلةِ عَائِدَتِهَا وبُعْدِ شَاهِدِ العَقْل والدَّليل عَليْهِ، وتَزَيُّنُ العَاقِل بِعَقْلهِ حُسْنُ سِيرَتِهِ فِي لسَانِهِ، ولا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ العَليِّ العَظِيمِ.

وَأَمَّا حَقُّ السَّمْعِ: فَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ تَجْعَلهُ طَرِيقاً إِلى قَلبِكَ إِلا لفَوْهَةٍ كَرِيمَةٍتُحْدِثُ فِي قَلبِكَ خَيْراً أَوْ تُكْسِبُ خُلقاً كَرِيماً، فَإِنَّهُ بَابُ الكَلامِ إِلى القَلبِ يُؤَدَّى بِهِ ضُرُوبُ المَعَانِي عَلى مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، ولا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ.

وَأَمَّا حَقُّ بَصَرِكَ: فَغَضُّهُ عَمَّا لا يَحِل لكَ، وتَرْكُ ابْتِذَالهِ، إِلا لمَوْضِعِ عِبْرَةٍ تَسْتَقْبِل بِهَا بَصَراً، أَوْ تَعْتَقِدُ بِهَا عِلماً، فَإِنَّ البَصَرَ بَابُ الاعْتِبَارِ.

ص: 51

وَأَمَّا حَقُّ رِجْلكَ: فَأَنْ لا تَمْشِيَ بِهَا إِلى مَا لا يَحِل لكَ، ولا تَجْعَلهَا مَطِيَّتَكَ فِي الطَّرِيقِ المُسْتَحَقَّةِ بِأَهْلهَا فِيهَا، فَإِنَّهَا حَامِلتُكَ وسَالكَةٌ بِكَ مَسْلكَ الدِّينِ والسَّبَقِ لكَ، ولا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ.

وَأَمَّا حَقُّ يَدِكَ: فَأَنْ لا تَبْسُطَهَا إِلى مَا لا يَحِل لكَ، فَتَنَال بِمَا تَبْسُطُهَا إِليْهِ مِنْ يَدِ العُقُوبَةِ فِي الآجِل، ومِنَ النَّاسِ بِلسَانِ اللائِمَةِ فِي العَاجِل، ولا تَقْبِضَهَا مِمَّا افْتَرَضَ اللهُ عَليْهَا، ولكِنْ تُوَقِّرَهَا بِقَبْضِهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا لا يَحِل لهَا، وتَبْسُطَهَا إِلى كَثِيرٍ مِمَّا ليْسَ عَليْهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ عُقِلتْ وشُرِفَتْ فِي العَاجِل وَجَبَ لهَا حُسْنُ الثَّوَابِ مِنَ اللهِ فِي الآجِل.

وَأَمَّا حَقُّ بَطْنِكَ: فَأَنْ لا تَجْعَلهُ وِعَاءً لقَليل مِنَ الحَرَامِ ولا لكَثِيرٍ، وأَنْ تَقْتَصِرَ لهُ فِي الحَلال، ولا تُخْرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إِلى حَدِّ التَّهْوِينِ وذَهَابِ المُرُوَّةِ، وضَبْطُهُ إِذَا هَمَّ بِالجُوعِ والظَّمَإِ، فَإِنَّ الشِّبَعَ المُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلى التَّخَمِ مَكْسَلةٌومَثْبَطَةٌ ومَقْطَعَةٌ عَنْ كُل بِرٍّ وكَرَمٍ، وأَنَّ الرِّيَّ المُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ ومَجْهَلةٌ ومَذْهَبَةٌ للمُرُوَّةِ.

وَأَمَّا حَقُّ فَرْجِكَ: فَحِفْظُهُ مِمَّا لا يَحِل لكَ، والاسْتِعَانَةُ عَليْهِ بِغَضِّ البَصَرِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْوَنِ الأَعْوَانِ، وكَثْرَةِ ذِكْرِ المَوْتِ والتَّهَدُّدِ لنَفْسِكَ بِاللهِ والتَّخْوِيفِ لهَا بِهِ، وبِاللهِ العِصْمَةُ والتَّأْيِيدُ، ولا حَوْل ولا قُوَّةَ إِلا بِهِ ثُمَّ حُقُوقُ الأَفْعَال»(1).

ص: 52


1- مستدرك الوسائل: ج 11 ص155 ب3 باب جملة مما ينبغي القيام به من الحقوق الواجبة والمندوبة ح1.

صوم بلا فائدة

مسألة: يستحب بيان أن الصوم من دون الصيانة المذكورة لا فائدة فيه، وإن لم يجب عليه القضاء، والمراد بعدم الفائدة من حيث الثواب والقرب إلى الله عزوجل، أو درجات منهما، فإن أريد بقولها (عليها السلام): «وما يصنع» نفي أصلهما كان على الحقيقة، وإلا كان مجازاً لإفادة الأهمية.

قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا صُمْتَ فَليَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ مِنَ الحَرَامِ وَالقَبِيحِ، ودَعِ المِرَاءَ وأَذَى الخَادِمِ، وليَكُنْ عَليْكَ وَقَارُ الصِّيَامِ، ولا تَجْعَل يَوْمَ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ»(1).

ص: 53


1- الكافي: ج 4 ص87 باب أدب الصائم ح3.

وجوب الخمس

اشارة

في شواهد التنزيل: عن فاطمة (عليها السلام) قالت: لما اجتمع علي والعباس وفاطمة وأسامة بن زيد(1)،

عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: سلوني.

فقال العباس: أسألك كذا وكذا من المال. قال (صلى الله عليه وآله): هو لك.

إلى أن قالت (عليها السلام): فقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام):

سل.

فقال: أسألك الخمس، فقال: هو لك، فأنزل الله تعالى: «وَاعْلمُوا أَنَّماغَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ»(2) الآية، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد نزلت

ص: 54


1- هو أسامة بن زيد بن ثابت بن شراحيل الكلبي، مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمه أم أيمن واسمها بركة، من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما). وذكر البخاري في صحيحه: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث بعثاً وأمّر عليه أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إنه كان لخليقاً للإمارة). وعن الشهرستاني في (الملل والنحل) أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه) كما أنه من رجال الصحاح الستة.
2- سورة الأنفال: 41.

فيّ الخمس كذا وكذا.

فقال علي (عليه السلام): فذاك أوجب لحقي، فأخرج الرمح الصحيح والرمح المكسر، والبيضة الصحيحة والبيضة المكسورة فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة أخماس وترك في يده خمساً(1).

--------------------------

من حكمة الخمس

لم يكن سؤال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للخمس للانتفاع الشخصي والاستئثار بالأموال، كيف وهو الذي كان ينفق كل ما عنده مما غنمه أو زرعه أو غيرهما في قصص مشهورة، بل إن إدارة العباد والبلاد والهداية والإرشاد بحاجة إلى الأموال الكثيرة، فالخمس ملك الإمام (عليه السلام) وهو يصرفه على ما أمر الله بصرفه فيه.

هذا كله من الناحية الظاهرية، وإلا فإن كل ما في الكون ملك للرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، وقد خلق الكون لأجلهم كما دلت عليه الروايات الشريفة.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: لمَّا خَلقَ اللهُ تَعَالىآدَمَ ونَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ عَطَسَ، فَأَلهَمَهُ اللهُ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمِينَ، فَقَال لهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، فَلمَّا أَسْجَدَ لهُ المَلائِكَةَ تَدَاخَلهُ العُجْبُ فَقَال: يَا رَبِّ خَلقْتَ خَلقاً أَحَبَّ إِليْكَ مِنِّي، فَلمْ يُجِبْ، ثُمَّ قَال الثَّانِيَةَ فَلمْ يُجِبْ، ثُمَّ قَال الثَّالثَةَ فَلمْ يُجِبْ، ثُمَّ قَال اللهُ عَزَّ وجَل لهُ: نَعَمْ

ص: 55


1- شواهد التنزيل: ج 1 ص286 ح293.

ولوْلاهُمْ مَا خَلقْتُكَ، فَقَال: يَا رَبِّ فَأَرِنِيهِمْ.

فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَل إِلى مَلائِكَةِ الحُجُبِ أَنِ ارْفَعُوا الحُجُبَ، فَلمَّا رُفِعَتْ إِذَا آدَمُ بِخَمْسَةِ أَشْبَاحٍ قُدَّامَ العَرْشِ، فَقَال: يَا رَبِّ مَنْ هَؤُلاءِ؟

قَال: يَا آدَمُ هَذَا مُحَمَّدٌ نَبِيِّي، وهَذَا عَليٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ ابْنُ عَمِّ نَبِيِّي ووَصِيُّهُ، وهَذِهِ فَاطِمَةُ ابْنَةُ نَبِيِّي، وهَذَانِ الحَسَنُ والحُسَيْنُ ابْنَا عَليٍّ ووَلدَا نَبِيِّي.

ثُمَّ قَال: يَا آدَمُ هُمْ وُلدُكَ، فَفَرِحَ بِذَلكَ، فَلمَّا اقْتَرَفَ الخَطِيئَةَ قَال: يَا رَبِّ أَسْأَلكَ بِمُحَمَّدٍ وَعَليٍّ وفَاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَيْنِ لمَّا غَفَرْتَ لي، فَغَفَرَ اللهُ لهُ بِهَذَا، فَهَذَا الذِي قَال اللهُ عَزَّ وجَل: «فَتَلقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلماتٍ فَتابَ عَليْهِ»(1)، فَلمَّا هَبَطَ إِلى الأَرْضِ صَاغَ خَاتَماً فَنَقَشَ عَليْهِ: مُحَمَّدٌ رَسُول اللهِوعَليٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، ويُكَنَّى آدَمُ بِأَبِي مُحَمَّدٍ»(2).

أما قوله: (فذا أوجب لحقي) فلعل الوجه فيه أن سهم ذي القربى شفع بسهم الله والرسول (صلى الله عليه وآله)، وكلاهما يعود له من بعده (صلى الله عليه وآله)، كما أن السهام الثلاثة الأخرى تعود ولاية التصرف فيها وصرفها في مواردها للإمام (عليه السلام) وقيل كلها ملك الإمام (عليه السلام) وهو يصرفها في مصارفها.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَنَّهُ سَأَلهُ عَنْ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «وَاعْلمُوا

ص: 56


1- سورة البقرة: 37.
2- اليقين: ص174 ب31 الباب فيما نذكره من رواية أبي الفتح محمد بن علي الكاتب الأصفهاني النطنزي من تسمية الله جل جلاله لمولانا علي (عليه السلام) بأمير المؤمنين.

أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وللرَّسُول ولذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيل»(1)، فَقَال: «أَمَّا خُمُسُ اللهِ عَزَّ وجَل فَللرَّسُول يَضَعُهُ فِي سَبِيل اللهِ، وأَمَّا خُمُسُ الرَّسُول فَلأَقَارِبِهِ، وخُمُسُ ذَوِي القُرْبَى فَهُمْ أَقْرِبَاؤُهُ، واليَتَامَى يَتَامَى أَهْل بَيْتِهِ، فَجَعَل هَذِهِ الأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ فِيهِمْ، وأَمَّا المَسَاكِينُ وابْنُ السَّبِيل فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّا لا نَأْكُل الصَّدَقَةَ ولا تَحِل لنَا فَهِيَ للمَسَاكِينِ وأَبْنَاءِ السَّبِيل»(2). أي من ذريتهم.وعَنِ العَبْدِ الصَّالحِ (عليه السلام) قَال: «الخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، مِنَ الغَنَائِمِ والغَوْصِ ومِنَ الكُنُوزِ ومِنَ المَعَادِنِ والمَلاحَةِ، يُؤْخَذُ مِنْ كُل هَذِهِ الصُّنُوفِ الخُمُسُ فَيُجْعَل لمَنْ جَعَلهُ اللهُ تَعَالى لهُ، ويُقْسَمُ الأَرْبَعَةُ الأَخْمَاسِ بَيْنَ مَنْ قَاتَل عَليْهِ ووَليَ ذَلكَ، ويُقْسَمُ بَيْنَهُمُ الخُمُسُ عَلى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ للهِ وسَهْمٌ لرَسُول اللهِ وَسَهْمٌ لذِي القُرْبَى وسَهْمٌ لليَتَامَى وسَهْمٌ للمَسَاكِينِ وسَهْمٌ لأَبْنَاءِ السَّبِيل، فَسَهْمُ اللهِ وسَهْمُ رَسُول اللهِ لأُولي الأَمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وِرَاثَةً فَلهُ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ، سَهْمَانِ وِرَاثَةً وسَهْمٌ مَقْسُومٌ لهُ مِنَ اللهِ، ولهُ نِصْفُ الخُمُسِ كَمَلا، ونِصْفُ الخُمُسِ البَاقِي بَيْنَ أَهْل بَيْتِهِ، فَسَهْمٌ ليَتَامَاهُمْ وسَهْمٌ لمَسَاكِينِهِمْ وسَهْمٌ لأَبْنَاءِ سَبِيلهِمْ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلى الكِتَابِ والسُّنَّةِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ فِي سَنَتِهِمْ، فَإِنْ فَضَل عَنْهُمْ شَيْ ءٌ فَهُوَ للوَالي، وإِنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنِ اسْتِغْنَائِهِمْ

ص: 57


1- سورة الأنفال: 41.
2- وسائل الشيعة: ج 9 ص509 ب1 باب أنه يقسم ستة أقسام ثلاثة للإمام وثلاثة لليتامى والمساكين وابن السبيل ممن ينتسب إلى عبد المطلب بأبيه لا بأمه وحدها الذكر والأنثى منهم وأنه ليس في مال الخمس زكاة ح1.

كَانَ عَلى الوَالي أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ، وإِنَّمَا صَارَ عَليْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لأَنَّ لهُ مَا فَضَل عَنْهُمْ، وإِنَّمَا جَعَل اللهُ هَذَا الخُمُسَ خَاصَّةً لهُمْ دُونَ مَسَاكِينِ النَّاسِ وأَبْنَاءِ سَبِيلهِمْعِوَضاً لهُمْ مِنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ تَنْزِيهاً مِنَ اللهِ لهُمْ، لقَرَابَتِهِمْ بِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وكَرَامَةً مِنَ اللهِ لهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَجَعَل لهُمْ خَاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مَا يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ فِي مَوْضِعِ الذُّل والمَسْكَنَةِ، ولا بَأْسَ بِصَدَقَاتِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ، وهَؤُلاءِ الذِينَ جَعَل اللهُ لهُمُ الخُمُسَ هُمْ قَرَابَةُ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)»(1).

رواية أخرى

ثم إنه وردت رواية أخرى أكثر تفصيلاً من هذه الرواية توضح بعض ما غمض منها وتزيد، وهي ما رواها في الكتاب نفسه، كما رواه بعض العامة(2) أيضاً:

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: سمعت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) يقول:

اجتمعت أنا وفاطمة والعباس وزيد بن حارثة عند رسول الله (صلى

الله عليه وآله)، فقال العباس: يا رسول الله كبرت سني ودق عظمي وكثرت مئونتي، فإن رأيت يا رسولالله أن تأمر لي بكذا وكذا وسقاً من الطعام فافعل.

فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله).

ص: 58


1- الكافي: ج 1 ص539 باب الفي ء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه ح4.
2- انظر مسند أحمد، أوائل مسند علي (عليه السلام) رقم 646، ج1 ص84، وج2 ص59.

فقالت فاطمة: يا رسول الله إن رأيت أن تأمر لي كما أمرت لعمك فافعل.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم.

ثم قال زيد بن حارثة: يا رسول الله كنت أعطيتني أرضاً كانت معيشتي منها، ثم قبضتها، فإن رأيت أن تردها علي فافعل.

فقال (صلى الله عليه وآله): نعم.

فقلت أنا: إن رأيت أن توليني هذا الحق الذي جعله الله لنا في كتابه من هذا الخمس فاقسمه في حياتك كيلا ينازعنيه أحد بعدك.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): فافعل، فولانيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقسمته في حياته، ثم ولانيه أبو بكر فقسمته في حياته، ثم ولانيه عمر فقسمته حتى كان آخر سنة من سني عمر أتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل إلي فقال: هذا حقكم فخذه. فقلت: بنا عنه غنى العام، وبالمسلمين حاجة، فرده تلك السنة فلم يدعني إليه أحد بعده حتى قمت مقامي هذا، فلقيني العباس فقال: يا علي لقد نزعت اليوم منا شيئاً لايرد إلينا أبداً.

وجوب الخمس

مسألة: يجب الخمس في الغنائم وفي أرباح المكاسب، وفي هذه الرواية دلالة على ذلك من جهتين: من جهة سؤال الإمام (عليه السلام) ومن جهة استجابة الرسول (صلى الله عليه وآله).

فإن الخمس إن لم يكن واجباً لم يسأله علي (عليه الصلاة والسلام)، وإن لم

ص: 59

يكن (عليه السلام) يسأله فإنه (صلى الله عليه وآله) كان يأخذه ويضعه في مورده(1)، ومن الواضح أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يعطي حق غير علي لعلي، وإنما أعطاه ما سأله لأنه كان حقه، فهو كمن يسأل حقه من الإرث، أو من الوصية، أو من يطلب ديناً له على الغير، أو من يطلب ما له الولاية عليه وما أشبه.

قَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ لا إِلهَ إِلا هُوَ لمَّا حَرَّمَ عَليْنَا الصَّدَقَةَ أَنْزَل لنَا الخُمُسَ، فَالصَّدَقَةُ عَليْنَا حَرَامٌ، والخُمُسُ لنَا فَرِيضَةٌ، والكَرَامَةُ لنَا حَلال»(2).وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «كُل شَيْ ءٍ قُوتِل عَليْهِ عَلى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُول اللهِ فَإِنَّ لنَا خُمُسَهُ، ولا يَحِل لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الخُمُسِ شَيْئاً حَتَّى يَصِل إِليْنَا حَقُّنَا»(3).

سؤال الخير

مسألة: يستحب سؤال ما فيه الخير من العظيم، سواء كان الخير مما يعود للسائل أو للمسؤول، كما يستحب للعظيم أن يطلب سؤاله الخير، كما طلب (صلى الله عليه وآله) ذلك حيث ابتدأهم به.

وفي هذا الحديث أن أسامة سأل أن يرد عليه أرض كذا وكذا، فقال (صلى الله عليه وآله): هو لك، وانتزاع الرسول (صلى الله عليه وآله) الأرض من أسامة إما لأنه

ص: 60


1- ومورده هو نفس ما سأله الإمام علي (عليه السلام).
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص41 باب الخمس ح1649.
3- الكافي: ج 1 ص545 باب الفي ء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه ح14.

لم يكن مالكاً لها، أو لأنه لم يكن يستحقها بالعنوان الأولي فقبضها منه، ثم وهبها أو أجازه فيها بطلبه اللاحق، وإما أن يكون المراد بالانتزاع الاشتراء ونحوه.

ولعل الرواية الأخرى التي نقلناهاتفيد الوجه الأول(1).

ثم إنه لم يرد في التواريخ والتفاسير والأحاديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انتزع أرض إنسان من يده أبداً، وإن كان له الحق في ذلك بالولاية، فإن ولايته (صلى الله عليه وآله) كولاية الله سبحانه، وهكذا الإمام المعصوم (عليه السلام)، أما الفقيه فليست له تلك الولاية المطلقة، بل ولايته محددة بحدود وشروط ذكرناها في كتبنا.

تشريع الخمس

مسألة: ظاهر هذه الرواية أن الخمس مما شرعه النبي (صلى الله عليه وآله) وأمضاه الله تعالى، فتكون من الأدلة على أن الله فوّض إلى نبيه دينه، كما في الروايات.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ أَدَّبَ نَبِيَّهُ حَتَّى إِذَا أَقَامَهُ عَلى مَا أَرَادَ قَال لهُ: «وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلينَ»(2) فَلمَّا فَعَل ذَلكَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) زَكَّاهُ اللهُ فَقَال: «إِنَّكَ لعَلى خُلقٍ عَظِيمٍ»(3)، فَلمَّازَكَّاهُ

ص: 61


1- وهو أنه لم يكن مالكاً بل كان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد وضعها تحت تصرفه فقط.
2- سورة الأعراف: 199.
3- سورة القلم: 4.

فَوَّضَ إِليْهِ دِينَهُ فَقَال: «ما آتاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1)، فَحَرَّمَ اللهُ الخَمْرَ وَحَرَّمَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) كُل مُسْكِرٍ، فَأَجَازَ اللهُ ذَلكَ كُلهُ، وَإِنَّ اللهَ أَنْزَل الصَّلاةَ وَإِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَقَّتَ أَوْقَاتَهَا فَأَجَازَ اللهُ ذَلكَ لهُ»(2).

كما ورد تشريعه (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى عدد ركعات المغرب والرباعيات وغيرها.

لكن لعل الرواية الأخرى تفيد أن تشريع الخمس كان ابتداءً من الله تعالى إذ جاء فيها:

«إن رأيت(3) أن توليني هذ الحق الذي جعله الله لنا في كتابه من هذا الخمس فاقسمه في حياتك كيلا ينازعنيه أحد بعدك»، وقد يجمع بتعدد النزول(4).

عَنْ فُضَيْل بْنِ يَسَارٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَاعَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول لبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ المَاصِرِ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل أَدَّبَ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ، فَلمَّا أَكْمَل لهُ الأَدَبَ قَال: «إِنَّكَ لعَلى خُلقٍ عَظِيمٍ»(5)، ثُمَّ فَوَّضَ إِليْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالأُمَّةِ ليَسُوسَ عِبَادَهُ، فَقَال عَزَّ وَ جَل: «ما آتاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ

ص: 62


1- سورة الحشر: 7.
2- بصائر الدرجات: ج 1 ص379 ب4 باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ح5.
3- الخطاب من أمير المؤمنين (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
4- فإن بعض آيات القرآن الكريم نزلت مرتين، وبعضها نزلت مراراً.
5- سورة القلم: 4.

عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1)، وَإِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً مُؤَيَّداً بِرُوحِ القُدُسِ، لا يَزِل وَ لا يُخْطِئُ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الخَلقَ، فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللهِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل فَرَضَ الصَّلاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، فَأَضَافَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِلى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَإِلى المَغْرِبِ رَكْعَةً فَصَارَتْ عَدِيل الفَرِيضَةِ لا يَجُوزُ تَرْكُهُنَّ إِلا فِي سَفَرٍ، وَأَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي المَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، فَأَجَازَ اللهُ عَزَّ وَجَل لهُ ذَلكَ كُلهُ فَصَارَتِ الفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

ثُمَّ سَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) النَّوَافِل أَرْبَعاً وَثَلاثِينَ رَكْعَةً مِثْليِ الفَرِيضَةِ، فَأَجَازَ اللهُ عَزَّ وَجَل لهُ ذَلكَ، وَالفَرِيضَةُ وَالنَّافِلةُ إِحْدَى وَخَمْسُونَ رَكْعَةً، مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ العَتَمَةِ جَالساً تُعَدُّ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الوَتْرِ.وَفَرَضَ اللهُ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) صَوْمَ شَعْبَانَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُل شَهْرٍ مِثْليِ الفَرِيضَةِ، فَأَجَازَ اللهُ عَزَّ وَجَل لهُ ذَلكَ.

وَحَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَل الخَمْرَ بِعَيْنِهَا وَحَرَّمَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) المُسْكِرَ مِنْ كُل شَرَابٍ، فَأَجَازَ اللهُ لهُ ذَلكَ كُلهُ.

وَعَافَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَشْيَاءَ وَكَرِهَهَا وَلمْ يَنْهَ عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ، إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وَكَرَاهَةٍ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا، فَصَارَ الأَخْذُ بِرُخَصِهِ وَاجِباً عَلى العِبَادِ كَوُجُوبِ مَا يَأْخُذُونَ بِنَهْيِهِ وَعَزَائِمِهِ، وَلمْ يُرَخِّصْ لهُمْ رَسُول اللهِ

ص: 63


1- سورة الحشر: 7.

(صلى الله عليه وآله) فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ، وَلا فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ فَرْضٍ لازِمٍ، فَكَثِيرُ المُسْكِرِ مِنَ الأَشْرِبَةِ نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ لمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لأَحَدٍ، وَلمْ يُرَخِّصْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لأَحَدٍ تَقْصِيرَ الرَّكْعَتَيْنِ اللتَيْنِ ضَمَّهُمَا إِلى مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَل، بَل أَلزَمَهُمْ ذَلكَ إِلزَاماً وَاجِباً لمْ يُرَخِّصْ لأَحَدٍ فِي شَيْ ءٍ مِنْ ذَلكَ إِلا للمُسَافِرِ، وَليْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ شَيْئاً مَا لمْ يُرَخِّصْهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَوَافَقَ أَمْرُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَمْرَ اللهِ عَزَّ وَجَل، وَنَهْيُهُ نَهْيَ اللهِ عَزَّ وَجَل، وَوَجَبَ عَلى العِبَادِ التَّسْليمُ لهُ كَالتَّسْليمِ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى»(1).

ص: 64


1- الكافي: ج 1 ص266 باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليه السلام) في أمر الدين ح4.

الدعاء عند دخول مسجد

اشارة

عن فاطمة الكبرى (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: «إن النبي (صلى الله عليه وآله)كان إذا دخل المسجد يقول: "بِسْمِ اللهِ، اللهُمَّ صَل عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ ذُنُوبي، وَافْتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ". وإذا خرج يقول: "بِسْمِ اللهِ، اللهُمَّ صَل عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ ذُنُوبي، وَافْتَحْ لي أبْوابَ فَضْلكَ"»(1).

-----------------------------

أدعية دخول المسجد

مسألة: يستحب قراءة دعاء الدخول في المسجد.

وهل المستحب هذا الدعاء الخاص أو أي دعاء، لا يبعد أن يكون من باب المستحب في المستحب، أي تعدد المطلوب، لا الخصوصية المنحصرة بهذا الدعاء دون غيره(2).

ص: 65


1- مستدرك الوسائل: ج 3 ص394 ب32 باب استحباب الوقوف على باب المسجد و الدعاء بالمأثور عند الخروج منه ح2.
2- لعل ظاهر كلام المصنف (قدس سره) أن هنا مستحبات ثلاثة، من باب تعدد المطلوب وهي: الدعاء فإنه مستحب مطلقاً، والدعاء عند دخول المسجد، فإنه مستحب في مستحب، وخصوص الدعاء المأثور فإنه مستحب في مستحب في مستحب.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِذَا دَخَلتَ المَسْجِدَ فَصَل عَلى النَّبِيِ (صلى الله عليه وآله) وإِذَا خَرَجْتَ فَافْعَل ذَلكَ»(1).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «لا تَجْعَلوا المَسَاجِدَ طُرُقاً حَتَّى تُصَلوا فِيهَا رَكْعَتَيْن»(2).

أدعية الخروج من المسجد

مسألة: يستحب قراءة دعاء الخروج من المسجد.

ثم هل المستحب في دعاء الدخول أن يدعو قبل الدخول، أو مع الدخول، أو بعد الدخول، وكذلك بالنسبة إلى الخروج، احتمالات، ولا يبعد الإطلاق لأنه المتفاهم عرفاً.

عَنْ أَبِي حَفْصٍ العَطَّارِ شَيْخٍ مِنْ أَهْل المَدِينَةِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليهوآله): «إِذَا صَلى أَحَدُكُمُ المَكْتُوبَةَ وخَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ فَليَقِفْ بِبَابِ المَسْجِدِ ثُمَّ ليَقُل: اللهُمَ دَعَوْتَنِي فَأَجَبْتُ دَعْوَتَكَ، وصَليْتُ مَكْتُوبَتَكَ وانْتَشَرْتُ فِي أَرْضِكَ كَمَا أَمَرْتَنِي فَأَسْأَلكَ مِنْ فَضْلكَ العَمَل بِطَاعَتِكَ واجْتِنَابَ سَخَطِكَ والكَفَافَ مِنَ الرِّزْقِ بِرَحْمَتِكَ»(3).

ص: 66


1- الكافي: ج 3 ص309 باب القول عند دخول المسجد والخروج منه ح2.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص4 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968.
3- الكافي: ج 3 ص309 باب القول عند دخول المسجد والخروج منه ح4.

استحباب البسملة

مسألة: تستحب البسملة مطلقاً، أي عند كل عمل وحركة وسكون، وكل فعل وقول، وعند اتخاذ كل قرار والعزم عليه، وحتى عند كل تفكير، فإن الله تعالى هو الرحمن الرحيم، فالابتداء باسمه الكريم يكون المنشأ لنزول رحمته.

وعَنِ الرِّضَا عَليِّ بْنِ مُوسَى (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «إِنَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أَقْرَبُ إِلى اسْمِ اللهِ الأَعْظَمِ مِنْ سَوَادِ العَيْنِ إِلى بَيَاضِهَا»(1).

وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ: أَنَّ رَجُلا قَال لهُ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعَرِّفَنِي ذَنْبِيَ الذِي امْتُحِنْتُ بِهِ فِي هَذَا المَجْلسِ، فَقَال: «تَرْكُكَ حِينَ جَلسْتَ أَنْ تَقُول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) حَدَّثَنِي عَنِ اللهِ عَزَّ وجَل أَنَّهُ قَال: كُل أَمْرٍ ذِي بَال لا يُذْكَرُ بِسْمِ اللهِ فِيهِ فَهُوَ أَبْتَرُ»(2).وعنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال لي: «كَتَمُوا (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فَنِعْمَ واللهِ الأَسْمَاءُ كَتَمُوهَا، كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذَا دَخَل إِلى مَنْزِلهِ واجْتَمَعَتْ عَليْهِ قُرَيْشٌ يَجْهَرُ بِ- (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ويَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ فَتُوَلي قُرَيْشٌ فِرَاراً، فَأَنْزَل اللهُ عَزَّ وجَل فِي ذَلكَ: «إِذا ذَكَرْتَ

ص: 67


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص5 ب30 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المنثورة ح11.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص170 ب17 باب استحباب الابتداء بالبسملة مخلصاً لله مقبلاً بالقلب إليه في كل فعل صغيراً كان أو كبيراً وكل ما يحزن صاحبه وكراهة ترك التسمية عند ذلك ح4.

رَبَّكَ فِي القُرْآنِ وَحْدَهُ وَلوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً»(1)»(2).

الصلاة على النبي والآل

مسألة: يستحب الصلاة على محمد وآله مطلقاً.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَأَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَليْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلى عَلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) صَلاةً وَاحِدَةً صَلى اللهُ عَليْهِ أَلفَ صَلاةٍ فِي أَلفِ صَفٍّ مِنَ المَلائِكَةِ، ولمْ يَبْقَ شَيْ ءٌ مِمَّا خَلقَهُ اللهُ إِلا صَلى عَلى العَبْدِ، لصَلاةِ اللهِ عَليْهِ وصَلاةِ مَلائِكَتِهِ، فَمَنْ لمْ يَرْغَبْ فِي هَذَا فَهُوَ جَاهِل مَغْرُورٌ، قَدْبَرِئَ اللهُ مِنْهُ ورَسُولهُ وأَهْل بَيْتِهِ»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ صَلى عَليَّ صَلى اللهُ عَليْهِ ومَلائِكَتُهُ، ومَنْ شَاءَ فَليُقِل ومَنْ شَاءَ فَليُكْثِرْ»(4).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: مَنْ قَال يَا رَبِ صَل عَلى مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، قُضِيَتْ لهُ مِائَةُ حَاجَةٍ، ثَلاثُونَ للدُّنْيَا والبَاقِي للآخِرَةِ»(5).

ص: 68


1- سورة الإسراء: 46.
2- الكافي: ج 8 ص66 حديث القباب ح387.
3- الكافي: ج 2 ص492 باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ح6.
4- الكافي: ج 2 ص492 باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ح7.
5- الكافي: ج 2 ص493 باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ح9.

الدعاء لغفران الذنوب

مسألة: يستحب الدعاء لغفران الذنوب مطلقاً، وإن كان الداعي معصوماً لا يذنب قط، وقد أشرنا إلى وجهه سابقاً.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنِ اسْتَغْفَرَ اللهَ مِائَةَ مَرَّةٍ حِينَ يَنَامُ بَاتَ وقَدْ تَحَاتَّ عَنْهُ الذُّنُوبُ كُلهَا، كَمَا يَتَحَاتُّ الوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ، ويُصْبِحُ وليْسَ عَليْهِ ذَنْبٌ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنِ اسْتَغْفَرَ اللهَ بَعْدَ العَصْرِ سَبْعِينَ مَرَّةً، غَفَرَ اللهُ لهُ ذَلكَ اليَوْمَ سَبْعَمِائَةِ ذَنْبٍ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ لهُ فَلأَبِيهِ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ لأَبِيهِ فَلأُمِّهِ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ لأُمِّهِ فَلأَخِيهِ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ لأَخِيهِ فَلأُخْتِهِ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ لأُخْتِهِ فَللأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَكْثَرَ الاسْتِغْفَارَ جَعَل اللهُ لهُ مِنْ كُل هَمٍّ فَرَجاً، ومِنْ كُل ضِيقٍ مَخْرَجاً، ويَرْزُقُهُ مِنْحَيْثُ لا يَحْتَسِب»(3).

ص: 69


1- وسائل الشيعة: ج 6 ص451 ب13 باب ما يستحب قراءته عند النوم من الإخلاص والجحد والتكاثر وغيرها واستحباب التهليل مائة والاستغفار مائة ح2.
2- وسائل الشيعة: ج 6 ص482 ب27 باب استحباب الاستغفار بعد العصر سبعين مرة فصاعدا وتلاوة القدر عشرا ح1.
3- مستدرك الوسائل: ج 5 ص317 ب21 باب استحباب الإكثار من الاستغفار ح4.

الدعاء يوم الجمعة

اشارة

عن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) قالت:

«سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن في الجمعة لساعةً لا يرافقها رجل مسلم يسأل الله عزوجل فيها خيراً إلا أعطاه إياه».

قالت: فقلت: يا رسول الله أي ساعة هي؟

قال: إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب.

قال: وكانت فاطمة (عليها السلام) تقول لغلامها: اصعد على الظراب، فإذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو»(1).

--------------------------

توضيح

الظراب: جمع المظرب، وهي الروابي الصغار أو الحجر المرتفع، واحدها ظَرِبٌ، على زنة كتف، وقد يجمع في القلة على أظرب.

وقولها (عليها السلام): «اصعد على الظراب» الظاهر أنه لوجود تلال أو بيوت أو أشجار تمنع من رؤية غروب الشمس.

ويحتمل في قولها «حتى أدعو»،وجهان: أصل الدعاء، وكيفيته(2).

ص: 70


1- معاني الأخبار: ص399 باب نوادر المعاني ح59.
2- أصل الدعاء بمعنى كونها (عليها السلام) مشغولة بعمل ما، فكان على الغلام أن يعلمها حتى تنشغل بالدعاء، وأما كيفيته فهو بمعنى كونها مشغولة بأصل لدعاء من قبل، لكنه عند ما يعلمها تنشغل بالدعاء الخاص للحوائج أو لحوائج المؤمنين خاصة أو بتضرع أكبر نظراً لكون الساعة أقرب للاستجابة.

وقد سبق أنه لا يراد ب (غلام) في أمثال هذا الحديث خصوص الرجل في قبال المرأة، لا لعدم مفهوم للقب فقط، بل لما جرى في سيرة الفصحاء على ذكر شخص أو صنف وإرادة النوع أو الكلي، وذكر الغلام وإرادة الأعم منه بحسب القرائن.

نعم عادة يطلق الغلام على الذكر والغلامة على الأنثى.

الجمعة وأدعيتها

مسألة: يستحب الدعاء يوم الجمعة.

وهو مستفاد من هذا الحديث أيضاً، وإن كان بصدد وقت خاص من يوم الجمعة إلا أن الفهم العرفي هو تعدد المطلوب، لمناسبات الحكم والموضوع، كما أنه يفهم ذلك من الروايات الأخر المذكورة في يوم الجمعة، على ما ورد في البحار وغيره.عَنْ جَابِرٍ قَال: كَانَ عَليٌّ (عليه السلام) يَقُول: «أَكْثِرُوا المَسْأَلةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ والدُّعَاءَ، فَإِنَّ فِيهِ سَاعَاتٍ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ والمَسْأَلةُ، مَا لمْ تَدْعُوا بِقَطِيعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ أَوْ عُقُوقٍ، واعْلمُوا أَنَّ الخَيْرَ والشَّرَّ يُضَاعَفَانِ يَوْمَ الجُمُعَةِ»(1).

عَنْ عَليِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَال: كَتَبْتُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) وشَكَوْتُ إِليْهِ كَثْرَةَ الزَّلازِل فِي الأَهْوَازِ وقُلتُ: تَرَى ليَ التَّحْوِيل عَنْهَا، فَكَتَبَ (عليه السلام):

ص: 71


1- بحار الأنوار: ج 86 ص349 ب4 أعمال يوم الجمعة وآدابه ووظائفه ح25.

«لا تَتَحَوَّلوا عَنْهَا وصُومُوا الأَرْبِعَاءَ والخَمِيسَ والجُمُعَةَ واغْتَسِلوا وطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ وابْرُزُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ وادْعُوا اللهَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ عَنْكُمْ» قَال: فَفَعَلنَا فَسَكَنَتِ الزَّلازِل(1).

وعَنِ النَّبِيِّ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ وآلهِ): «فِي السَّاعَةِ التِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَقُول: "سُبْحَانَكَ لا إِلهَ إِلا أَنْتَ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ يَا ذَا الجَلال والإِكْرَامِ"، ثُمَّ يَدْعُوبِمَا يَليقُ بِالتَّوْفِيق»(2).

أقسام الأُفق

ولا يخفى أنه لا فرق في ذلك بين الأُفق الحسي أو الأُفق الترسي، كمن كان في الطائرة أو على جبل أو ما أشبه ذلك، أما الأفق الحقيقي فلا، حيث إن المنجمين قسموا الأفق على ثلاثة أقسام:

1: الأفق الحسي الذي يشاهد في الصحراء مثلاً.

2: الأفق الترسي الذي يشاهد من فوق شيء عال.

3: الأفق الحقيقي، وهو نصف كرة الأرض بالخط الموهوم لمن كان في أي منطقة من الأرض فإنه يفرض الأرض نصفياً، نصفاً ظاهراً في محل وقوفه، ونصفاً مخفياً في الجهة المقابلة له.

وهناك تعاريف أخر لأقسام الأفق(3).

ص: 72


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص544 باب صلاة الكسوف والزلازل والرياح والظلم وعلتها ح1515.
2- جمال الأسبوع: ص408 ذكر ما يختار روايته في فضلها.
3- قال في المستند: (الأفق الترسي الذي هو الحسي عرفاً المتأخر عن السقوط عن الأفق الحقيقي، والحسي باصطلاح أهل الهيئة، وهو الحسي للبصر الملاصق للأرض) مستند الشيعة: ج4 ص26. وقال في منهاج الملة في بيان الوقت والقبلة: ص94: (وبتعبير آخر يطلق الأفق على ثلاث دوائر: إحداها: دائرة عظيمة ثابتة يقوم الخطّ الواصل بين سمتي الرّأس، والقدم عموداً عليها، ويقطع العالم من المركز بنصفين، ويسمّى الأفق الحقيقي. والثّانية: دائرة صغيرة ثابتة تماسّ الأرض من فوق موازيه للأفق الحقيقي، و يسمّى الأفق الحسّي، والبعد بينه وبين الأوّل نصف قطر الأرض. والثّالثة: دائرة ثابتة على شكل: ترس، ترتسم محيطها من طرف خطّ يخرج من البصر إلى سطح الفلك الأعظم مماسّا للأرض، إذا أدير ذلك الخطّ مع ثبات طرفه الذي في البصر ومماسّه للأرض، وتسمّى الأفق الحسّي أيضاً، أي كما تسمّى ترسّياً، وهي قد تكون عظيمة، وقد تكون صغيرة، إذ ربّما تنطبق على الأولى فتكون عظيمة، وربّما تقع تحتها فتكون صغيرة، أو فوقها، وتحت الثّانية بحسب اختلاف قامة النّاظر، وإن كان النّاظر في قعر البئر يكون الأفق الترسي فوق الحسّي. وقال ابن الهيثم في رسالته: إنّ قامة النّاظر إن كانت أربعة أذرع، أو ثلاثة أذرع ونصفاً، كان الأفق الحسّي بالمعنى الثّاني تحت الأفق الحقيقي بأربع دقائق وستّة وعشرين ثانية، وهذه الدّائرة: هي الفاصلة بين ما يرى و ما لا يرى حقيقة. أمّا الاولى: فقد يفصل بينهما حقيقة إذا لم ينطبق الثّانية عليها، وقد لا يفصل أصلاً إذا انطبق الثالثة، لكونها فوق الأرض ويرى ما تحتها من الفلك. أمّا الثّانية: فلا تفصل حقيقة لكونها فوق الأرض، ويرى ما تحتها من الفلك حقيقة) انتهى.

الوقت الخاص في الجمعة

مسألة: يتأكد استحباب الدعاء في أوقات محددة من يوم الجمعة ومنها ما ورد في هذه الرواية، وذلك للاستجابة وغيرها.

ص: 73

فِي حَدِيثِ الأَرْبَعِمِائَةِ قَال (عليه السلام): «مَنْ كَانَ لهُ إِلى رَبِّهِ حَاجَةٌ فَليَطْلبْهَا فِي ثَلاثِ سَاعَاتٍ، سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ، وسَاعَةٍ تَزُول الشَّمْسُ، وحِينَ تَهُبُّ الرِّيَاحُ، وتُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وتَنْزِل الرَّحْمَةُ ويَصُوتُ الطَّيْرُ، وسَاعَةٍ فِي آخِرِ الليْل عِنْدَ طُلوعِ الفَجْرِ، فَإِنَّ مَلكَيْنِ يُنَادِيَانِ: هَل مِنْ تَائِبٍ يُتَابُ عَليْهِ، هَل مِنْ سَائِل يُعْطَى، هَل مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لهُ، هَل مِنْ طَالبِ حَاجَةٍ فَتُقْضَى لهُ، فَأَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ واطْلبُوا الرِّزْقَ فِيمَا بَيْنَ طُلوعِ الفَجْرِ إِلى طُلوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ أَسْرَعُ فِي طَلبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ، وهِيَ السَّاعَةُ التِي يُقَسِّمُ اللهُ فِيهَا الرِّزْقَ بَيْنَ عِبَادِهِ، تَوَكَّلوا عَلى اللهِ عِنْدَ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ إِذَا صَليْتُمُوهَا، فَفِيهَا تُعْطَوُا الرَّغَائِبَ»(1).

مباشرة الأمور وتسبيبها

مسألة: يستحب للعظيم أن يباشر بنفسه بعض الأمور، إلاّ إذا كان فيه محذور أو كان في التسبيب فائدة، كما كانت (عليها السلام) تقول لغلامها: «اصعد..»(2).

وفي الحديث: «أَنَّهُ (عليه السلام) اشْتَرَى تَمْراً بِالكُوفَةِ فَحَمَلهُ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ، فَتَبَادَرَ النَّاسُ إِلى حَمْلهِ وقَالوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ نَحْنُ نَحْمِلهُ، فَقَال (عليه السلام): رَبُ العِيَال أَحَقُّ بِحَمْله»(3).

ص: 74


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص68 ب25 باب استحباب الدعاء في السحر وفي الوتر وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ح1.
2- إذ قد لا يكون صعود المرأة على التلال في المدينة مناسباً لشأنها وحشمتها ووقارها.
3- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: ج 2 ص104 في المسابقة بالتواضع.

الدعاء وطلب الخير

مسألة: ينبغي طلب الخير في الدعاء، دون طلب الشر، ولا مجهول الخيرية والشرية.

و(الخير) في قول الصديقة (عليها السلام) الخير الواقعي، أي ما هو خير عند الله حقيقة لا ما يتوهم خيراً وإن لم يكن كذلك، فإنه كثيراً ما يطلب الناس المال أو المسكن أو حل مشكلة ما، لكن الله حيث يعلم أنه لا خير في ذلك وأنه لا مصلحة للسائل فيه، لا يستجيب له، والغالب أن يخفى وجه المصلحة على الناس في عدم استجابة دعائهم، ولو علموها لرضوا بقضاء الله وقدره.

عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَعْيَنَ أَخُو مَالكِ بْنِ أَعْيَنَ، قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْل الرَّجُل للرَّجُل: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً مَا يَعْنِي بِهِ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): إِنَّ خَيْراً نَهَرٌ فِي الجَنَّةِ، مَخْرَجُهُ مِنَ الكَوْثَرِ، والكَوْثَرَ مَخْرَجُهُ مِنْ سَاقِ العَرْشِ، عَليْهِ مَنَازِل الأَوْصِيَاءِ وشِيعَتِهِمْ، عَلى حَافَتَيْ ذَلكَ النَّهَرِ جَوَارِي نَابِتَاتٌ كُلمَا قُلعَتْ وَاحِدَةٌ نَبَتَتْ أُخْرَى، سُمِّيَ بِذَلكَ النَّهَرُ، وذَلكَ قَوْلهُ تَعَالى: «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ»(1)، فَإِذَا قَال الرَّجُل لصَاحِبِهِ: جَزَاكَاللهُ خَيْراً، فَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلكَ تِلكَ المَنَازِل التِي قَدْ أَعَدَّهَا اللهُ عَزَّ وجَل لصَفْوَتِهِ وخِيَرَتِهِ مِنْ خَلقِهِ»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ رَجُل مِنْ أَهْل الكُوفَةِ كَانَ يُعْرَفُ بِكُنْيَتِهِ، قَال: قُلتُ لأَبِي

ص: 75


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج 2 ص104 في المسابقة بالتواضع.
2- الكافي: ج8 ص30 حديث يأجوج ومأجوج ح298.

عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): عَلمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ، فَقَال: «نَعَمْ، قُل: "يَا مَنْ أَرْجُوهُ لكُل خَيْرٍ، ويَا مَنْ آمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُل عَثْرَةٍ، ويَا مَنْ يُعْطِي بِالقَليل الكَثِيرَ، يَا مَنْ أَعْطَى مَنْ سَأَلهُ تَحَنُّناً مِنْهُ ورَحْمَةً، يَا مَنْ أَعْطَى مَنْ لمْ يَسْأَلهُ ولمْ يَعْرِفْهُ، صَل عَلى مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ، وأَعْطِنِي بِمَسْأَلتِي مِنْ جَمِيعِ خَيْرِ الدُّنْيَا وجَمِيعِ خَيْرِ الآخِرَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْقُوصٍ مَا أَعْطَيْتَنِي، وزِدْنِي مِنْ سَعَةِ فَضْلكَ يَا كَرِيمُ"»(1).

ص: 76


1- الكافي: ج 2 ص584 باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة ح20.

حرمة الجار

اشارة

في حديث عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت:

«يا بُنَيَّ الجارُ ثُمَّ الدّارُ»(1).

-------------------------

الجار ثم الدار

مسألة: يستحب تقدم أمور الجار على أمور الدار، في الجملة.

وذلك فيما إذا لم يكن أمر الدار واجباً، كالنفقة الواجبة للزوجة والوالدين والولد وما أشبه، وإلا فالواجب مقدم على المستحب، لما قرر في محله من أن الاقتضائي مقدم على اللااقتضائي.

وهل المراد بالجار الجار القريب، أو الجار إلى أربعين داراً، أو الجار مطلقاً؟

احتمالات، وإن كان الثالث أقرب بمذاق الشارع، والثاني بما ورد فيالنص، والأول بالانصراف(2).

ص: 77


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص112 ب42 باب استحباب اختيار الإنسان الدعاء للمؤمن على الدعاء لنفسه ح7.
2- لعل المراد الانصراف في المتفاهم العرفي، وهو يختلف باختلاف المناطق والبلاد والمحلات وكونها سكنية أو تجارية مثلاً أو كونها في القرية أو المدينة الكبيرة أو الصغيرة، ووجود فواصل بين البيوت كالشوارع والساحات وغيرها، وعليه فالجار قد يتسع لأكثر من أربعين بيتاً من كل طرف وقد يكون أقل منها بكثير.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «هَل تَدْرُونَ مَا حَقُ الجَارِ، مَا تَدْرُونَ مِنْ حَقِّ الجَارِ إِلا قَليلا، أَلا لا يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، فَإِذَا اسْتَقْرَضَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ، وإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأَهُ، وإِذَا أَصَابَهُ شَرٌّ عَزَّاهُ، لا يَسْتَطِيل عَليْهِ فِي البِنَاءِ يَحْجُبُ عَنْهُ الرِّيحَ إِلا بِإِذْنِهِ، وإِذَا اشْتَرَى فَاكِهَةً فَليُهْدِ لهُ فَإِنْ لمْ يُهْدِ لهُ فَليُدْخِلهَا سِرّاً، ولا يُعْطِي صِبْيَانَهُ مِنْهَا شَيْئاً يُغَايِظُونَ صِبْيَانَهُ»، ثُمَّ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «الجِيرَانُ ثَلاثَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ لهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ: حَقُّ الإِسْلامِ وحَقُّ الجِوَارِ وحَقُّ القَرَابَةِ، ومِنْهُمْ مَنْ لهُ حَقَّانِ: حَقُّ الإِسْلامِ وحَقُّ الجِوَارِ، ومِنْهُمْ مَنْ لهُ حَقٌّ وَاحِدٌ: الكَافِرُ لهُ حَقُّ الجِوَار»(1).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «وَمَازَال جَبْرَئِيل (عليه السلام) يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُ»(2).

وفي وصية أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللهَ اللهَ فِي جِيرَانِكُمْ، فَإِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) أَوْصَى بِهِمْ، ومَا زَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُم»(3).

ص: 78


1- مستدرك الوسائل: ج 8 ص424 ب72 باب وجوب كف الأذى عن الجار ح14.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص13 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968.
3- الكافي: ج 7 ص51 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) ووصاياهم ح7.

تعليم الأولاد الآداب

مسألة: يستحب تعليم الأولاد الآداب والتعاليم الإسلامية كما قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «يا بني...».

وذكر الابن للحاجة إلى طرف خطاب ولجهات أخرى، وليس للحصر وتحديد الحكم به.

عَنْ عَليٍّ (عليه السلام) فِي حَدِيثِ الأَرْبَعِمِائَةِ قَال: «عَلمُوا صِبْيَانَكُمْ مِنْ عِلمِنَا مَا يَنْفَعُهُمُ اللهُ بِهِ، لا تَغْلبْ عَليْهِمُ المُرْجِئَةُ بِرَأْيِهَا»(1).

وفي حَدِيثِ الأَرْبَعِمِائَةِ قَال (عليه السلام): «عَلمُوا صِبْيَانَكُمُ الصَّلاةَ وخُذُوهُمْ بِهَا إِذَا بَلغُوا ثَمَانِيَ سِنِينَ»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ عَلمَ وَلدَهُ القُرْآنَ فَكَأَنَّمَا حَجَّ البَيْتَ عَشَرَةَ آلافِ حِجَّةٍ، واعْتَمَرَ عَشَرَةَ آلافِ عُمْرَةٍ، وأَعْتَقَ عَشَرَةَ آلافِ رَقَبَةٍ مِنْ وُلدِ إِسْمَاعِيل(عليه السلام) وغَزَا عَشَرَةَ آلافِ غَزْوَةٍ، وأَطْعَمَ عَشَرَةَ آلافِ مِسْكِينٍ مُسْلمٍ جَائِعٍ، وكَأَنَّمَا كَسَى عَشَرَةَ آلافِ عَارٍ مُسْلمٍ، ويُكْتَبُ لهُ بِكُل حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، ويُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، ويَكُونُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ حَتَّى يُبْعَثَ، ويَثْقُل مِيزَانُهُ، ويُجَاوَزُ بِهِ عَلى الصِّرَاطِ كَالبَرْقِ الخَاطِفِ، ولمْ يُفَارِقْهُ

ص: 79


1- وسائل الشيعة: ج 21 ص478 ب84 باب استحباب تعليم الأولاد في صغرهم الحديث قبل أن ينظروا في علوم العامة ح5.
2- وسائل الشيعة: ج 4 ص21 ب3 باب استحباب أمر الصبيان بالصلاة لست سنين أو سبع ووجوب إلزامهم بها عند البلوغ ح8.

القُرْآنُ حَتَّى يَنْزِل بِهِ مِنَ الكَرَامَةِ أَفْضَل مَا يَتَمَنَّى»(1).

الجار والتعايش السلمي

مسألة: يستحب بيان مدى اهتمام الإسلام بالجار وبسائر الآداب الاجتماعية وما يرتبط بالتعايش السلمي مع الآخرين والتكافل بينهم.

ثم إنه لعل من الحِكَم في قول الصديقة (صلوات الله عليها): «الجار ثم الدار»، أن المجتمع لو بني على التكافل والاهتمام بالغير والجار أبلغ الاهتمام، عاد نفعه إلى الجميع، أهل الدار والجيران جميعاً.

أما الجيران فواضح، وأما أهل الدار فلأنه إنما يمد إليهم يداً واحدة ويمدون إليه أيادي كثيرة، كما في العكس لو قبض يده عنهم فهو يقبض يداًواحدة، وهم يقبضون أيادي كثيرة.

في الكافي: عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ، قَال سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «مَنْ كَفَّ يَدَهُ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّمَا يَكُفُّ عَنْهُمْ يَداً وَاحِدَةً وَيَكُفُّونَ عَنْهُ أَيْدِياً كَثِيرَةً»(2).

وفي البحار: عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ قَال: عَادَنِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي مَرَضٍ ثُمَّ قَال: «انْظُرْ فَلا تَجْعَلنَّ عِيَادَتِي إِيَّاكَ فَخْراً عَلى قَوْمِكَ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فِي أَمْرٍ فَلا تَخْرُجْ مِنْهُ فَإِنَّهُ ليْسَ بِالرَّجُل غِنًى عَنْ قَوْمِهِ، إِذَا خَلعَ مِنْهُمْ يَداً وَاحِدَةً يَخْلعُونَ مِنْهُ أَيْدِيَ كَثِيرَةً، فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فِي خَيْرٍ فَأَعِنْهُمْ عَليْهِ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ

ص: 80


1- جامع الأخبار: ص49 الفصل الثالث والعشرون في القراءة.
2- الكافي: ج 2 ص643 باب التحبب إلى الناس والتودد إليهم ح6.

فِي شَرٍّ فَلا تَخْذُلنَّهُمْ وَليَكُنْ تَعَاوُنُكُمْ عَلى طَاعَةِ اللهِ فَإِنَّكُمْ لنْ تَزَالوا بِخَيْرٍ مَا تَعَاوَنْتُمْ عَلى طَاعَةِ اللهِ تَعَالى وَتَنَاهَيْتُمْ عَنْ مَعَاصِيهِ»(1).

فإن من يهتم بجيرانه يهتمون به بأجمعهم ويساندونه في المشاكل والمشاق وفي سفره وحضره وغيرها، وهذا ينفع في السكينة والاستقرار النفسي إضافة إلى نفعه فيما لو مرت به ضائقةمالية أو مشكلة سياسية أو حدثت فتنة أو بلية أو عرض له أو لأهله حادث في ليل أو نهار.

ص: 81


1- بحار الأنوار: ج 71 ص148 ب8 حمل النائبة عن القوم وحسن العشرة معهم ح2.

فضائل بعض السور

اشارة

عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): «قارئ ƒالحديد‚، وƒإذا وقعت‚ وسورة ƒالرحمن‚ يدعى في ملكوت السماوات: ساكن الفردوس»(1).

-------------------------------

قراءة القرآن

مسألة: يستحب قراءة القرآن مطلقاً، وخاصة سورة الحديد والواقعة والرحمن.

وقولها (عليها السلام): «يدعى ... الفردوس» من باب المجاز بالأوْل.

و(الفردوس) طبقة من أعالي طبقات الجنة ومنها تنفجر أنهارها.

ثم إن منازل الجنة ودرجاتها تختلف بعضها عن بعض، كما أن لجهنم دركات تختلف بعضها عن بعض، ففي الجنة اختلاف البهاء والنضارة وسائر الماديات والمعنويات حسناً، وفي جهنم العكس عذاباً وإيلاماً وبشاعةً.

وأمثال هذا الحديث محمول علىالاقتضاء دون العلية التامة، فلا يقال: قد يكون قارئ الحديد والواقعة والرحمن كافراً أو فاسقاً قد رجحت سيئاته ولم تنله

ص: 82


1- مسند فاطمة (عليها السلام) للسيوطي: ص2 ح2، الدرّ المنثور: ج6 ص140.

الشفاعة؟

لأنه يقال: المراد إن قارءها المجتمعة فيه سائر الشرائط لا فاقدها، فهو كما جاء في رواية (حصني) حيث قال (عليه السلام): «بشرطها وشروطها وأنا من شروطها»(1).

ثواب قراءة السور

مسألة: يستحب بيان ثواب قراءة السور - ومنها ما ورد في هذا الحديث الشريف - وما يترتب عليها من الأجر، كما يستحب التشجيع على قراءتها، فإن بعض السور أهم من بعض وأكثر ثواباً وإيجاباً للدرجات على ما ورد في هذا الحديث والأحاديث الأخر المذكورة في كتاب القرآن من البحار وغيره.

وقد يكون بعضها أهم وأنفع من جهة, وبعضها الآخر من جهة أخرى، كما فصله (رحمه الله) في موضع من البحار.

وفي الروايات أوقات خاصة لقراءة سورة الواقعة وغيرها، ومن المستحبالعمل بها، وهي على نحو تعدد المطلوب كما سبق.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لا تَدَعُوا قِرَاءَةَ سُورَةِ الرَّحْمَنِ والقِيَامَ بِهَا، فَإِنَّهَا لا تَقِرُّ فِي قُلوبِ المُنَافِقِينَ، وَتُؤْتَى بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وأَطْيَبِ رِيحٍ، حَتَّى تَقِفَ مِنَ اللهِ مَوْقِفاً لا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلى اللهِ مِنْهَا، فَيَقُول لهَا: مَنِ الذِي كَانَ يَقُومُ بِكِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويُدْمِنُ قِرَاءَتَكِ، فَتَقُول: يَا رَبِّ فُلانٌ وفُلانٌ، فَتَبْيَضُّ وُجُوهُهُمْ، فَيَقُول لهُمُ:

ص: 83


1- غوالي اللئالي: ج 4 ص94 الجملة الثانية في الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله وحامليه ح134.

اشْفَعُوا فِيمَنْ أَحْبَبْتُمْ، فَيَشْفَعُونَ حَتَّى لا يَبْقَى لهُمْ غَايَةٌ، ولا أَحَدٌ يَشْفَعُونَ لهُ، فَيَقُول لهُمُ: ادْخُلوا الجَنَّةَ واسْكُنُوا فِيهَا حَيْثُ شِئْتُمْ»(1).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ قَرَأَ الوَاقِعَةَ كُل ليْلةٍ قَبْل أَنْ يَنَامَ لقِيَ اللهَ ووَجْهُهُ كَالقَمَرِ ليْلةَ البَدْرِ»(2).

وعن أبي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الحَدِيدِ والمُجَادَلةِ فِي صَلاةٍفَرِيضَةٍ أَدْمَنَهُمَا لمْ يُعَذِّبْهُ اللهُ حِينَ يَمُوتُ أَبَداً، ولا يَرَى فِي نَفْسِهِ ولا فِي أَهْلهِ سُوءاً أَبَداً، ولا خَصَاصَةً فِي بَدَنِهِ»(3).

استمرار القراءة

مسألة: لعله يستظهر من (قارئ الحديد) أنه المستمر على قراءتها، لا من قرأها مرة واحدة، لمكان اسم الفاعل مع مناسبات الحكم والموضوع.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) صَلى عَلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَال: لقَدْ وَافَى مِنَ المَلائِكَةِ سَبْعُونَ أَلفاً وفِيهِمْ جَبْرَئِيل (عليه السلام) يُصَلونَ عَليْهِ، فَقُلتُ لهُ: يَا جَبْرَئِيل بِمَا يَسْتَحِقُّ صَلاتَكُمْ عَليْهِ، فَقَال: بِقِرَاءَتِهِ

ص: 84


1- وسائل الشيعة: ج 6 ص146 ب65 باب استحباب قراءة الحواميم والرحمن والزلزلة والعصر في النوافل ح2.
2- وسائل الشيعة: ج 6 ص113 ب45 باب استحباب القراءة في نافلة العشاء بالواقعة والتوحيد وقراءة الواقعة كل ليلة ح5.
3- وسائل الشيعة: ج 6 ص147 ب66 باب استحباب قراءة الحديد والمجادلة والتغابن والطلاق والتحريم والمدثر والمطففين والبروج والبلد والقدر والهمزة والجحد والتوحيد في الفرائض ح1.

قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ، قَائِماً وقَاعِداً ورَاكِباً ومَاشِياً وذَاهِباً وجَائِياً»(1).

وعَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ سَهْل، قَال: كَتَبْتُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) عَلمْنِي شَيْئاً إِذَا أَنَا قُلتُهُ كُنْتُ مَعَكُمْ فِيالدُّنْيَا والآخِرَةِ، فَقَال: فَكَتَبَ بِخَطِّهِ أَعْرِفُهُ: «أَكْثِرْ مِنْ تِلاوَةِ إِنَّا أَنْزَلنَاهُ ورَطِّبْ شَفَتَيْكَ بِالاسْتِغْفَارِ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لا تَدَعُوا قِرَاءَةَ سُورَةِ طه، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّهَا ويُحِبُّ مَنْ قَرَأَهَا ومَنْ أَدْمَنَ قِرَاءَتَهَا أَعْطَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ولمْ يُحَاسِبْهُ بِمَا عَمِل فِي الإِسْلامِ وأُعْطِيَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الأَجْرِ حَتَّى يَرْضَى»(3).

ص: 85


1- الكافي: ج 2 ص622 باب فضل القرآن ح13.
2- وسائل الشيعة: ج 16 ص69 85 باب وجوب الاستغفار من الذنب والمبادرة به قبل سبع ساعات ح13.
3- وسائل الشيعة: ج 6 ص252 ب51 باب استحباب قراءة سور القرآن سورة سورة ح10.

من أدعية الولادة

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما دنت ولادتها، أمر أم سلمة وزينب بنت جحش أن تأتينها فتقرأ عندها (آية الكرسي) و«إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذي خَلقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُغْشِي الليْل النَّهارَ يَطْلبُهُ حَثيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لهُ الخَلقُ وَ الأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ العالمينَ»، ويعوذاها بالمعوذتين»(1).

---------------------------

قراءة القرآن عند الولادة

مسألة: يستحب قراءة القرآن عند الولادة خصوصاً آية الكرسي و«إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ» والمعوذتين.

ولا يبعد أن تكون هاتان الآيتان وهاتان السورتان من باب المستحب في المستحب، فإن قراءة القرآن عند الولادة مطلقاً بل مطلقاً(2) مستحب، خصوصاً بعد ما ورد من الحث الكبير على القراءة(3)، وأنه شفاء لما في الصدور،قال

ص: 86


1- المعوّذتين، بضم الميم وتشديد الواو وكسرها.
2- أي حتى في غير حال الولادة.
3- انظر الكافي: ج2 ص611 باب ثواب قراءة القرآن. ووسائل الشيعة: ج6 ص186: بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ قِرَاءَةِ القُرْآنِ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا وَعَلى كُل حَال وَخَتْمِهِ وَافْتِتَاحِهِ وَاسْتِمَاعِ قِرَاءَتِهِ وَاخْتِيَارِهَا عَلى غَيْرِهَا مِنَ المَنْدُوبَاتِ.

تعالى: «وَنُنَزِّل مِنَ القُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ للمُؤْمِنينَ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) لعَليٍّ (عليه السلام) قَال: «وَعَليْكَ بِتِلاوَةِ القُرْآنِ عَلى كُل حَال»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «قِيل: يَا رَسُول اللهِ أَيُّ الرِّجَال خَيْرٌ، قَال: الحَال المُرْتَحِل، قِيل: يَا رَسُول اللهِ وَمَا الحَال المُرْتَحِل، قَال: الفَاتِحُ الخَاتِمُ الذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَخْتِمُهُ فَلهُ عِنْدَ اللهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ»(3).

وعَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَال:

«عَليْكُمْ بِتِلاوَةِ القُرْآنِ، فَإِنَّ دَرَجَاتِالجَنَّةِ عَلى عَدَدِ آيَاتِ القُرْآنِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يُقَال لقَارِئِ القُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ، فَكُلمَا قَرَأَ آيَةً يَرْقَى دَرَجَةً»(4).

وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «أَفْضَل العِبَادَةِ قِرَاءَةُ القُرْآنِ»(5).

ص: 87


1- سورة الإسراء: 82.
2- المحاسن: ج 1 ص17 ب10 وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) ح48.
3- وسائل الشيعة: ج 6 ص189 ب11 باب استحباب كثرة قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وعلى كل حال وختمه وافتتاحه واستماع قراءته واختيارها على غيرها من المندوبات ح9.
4- الأمالي، للصدوق: ص359 المجلس السابع والخمسون ح10.
5- وسائل الشيعة: ج 6 ص168 ب1 باب وجوب تعلم القرآن وتعليمه كفاية واستحبابه عينا ح10.

حضور النساء للولادة

مسألة: يستحب أمر بعض النساء حتى يأتين من أوشك أن تلد، فإن حضورهن يوجب طمأنينة نفس الوالدة وسكونها، فيسهل عليها الولادة، إضافة إلى أنهن يساعدنها في حاجاتها.

ثم هل المراد ولادتها (عليها السلام) للإمام الحسن (عليه السلام) أو الإمام الحسين (عليه السلام) أو زينب (عليها السلام) أو أم كلثوم (عليها السلام)؟ هذا مما لا يظهر من هذه الرواية، أما أن يكون المراد ولادة خديجة لها (عليهما السلام) فذلك خلاف الظاهر، بل غير محتمل، لأنها ولدت بمكة وتزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأم سلمة وزينب في المدينة بعد فترة طويلة(1).

تعويذ الطفل

مسألة: يستحب تعويذ الطفل بالمعوذتين، وغيرهما مما ورد في الروايات.

عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ إِبْليسَ عَليْهِ لعَائِنُ اللهِ يَبُثُّ جُنُودَ الليْل مِنْ حَيْثُ تَغِيبُ الشَّمْسُ وتَطْلعُ، فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللهِ عَزَّ وجَل فِي هَاتَيْنِ السَّاعَتَيْنِ، وتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ شَرِّ إِبْليسَ وجُنُودِهِ، وعَوِّذُوا صِغَارَكُمْ فِي تِلكَ

ص: 88


1- ولدت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بمكة بعد مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين، وكان عمر النبي (صلى الله عليه وآله) 45 سنة، وتزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بزينب بنت جحش في السنة الخامسة من الهجرة، كما تزوج (صلى الله عليه وآله) بأم سلمة في السنة الرابعة أو الثالثة من الهجرة.

السَّاعَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا سَاعَتَا غَفْلةٍ»(1).

وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام): أَتَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) فَوَافَقَهُ مُغْتَمّاً، فَقَال: يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا الغَمُّ الذِي أَرَاهُ فِي وَجْهِكَ، قَال: الحَسَنُ والحُسَيْنُ أَصَابَتْهُمَا عَيْنٌ، فَقَال: يَا مُحَمَّدُ صَدِّقِ العَيْنَ فَإِنَّ العَيْنَ حَقٌّ، ثُمَّ قَال: أَفَلا عَوَّذْتَهُمَا بِهَذِهِ الكَلمَاتِ، قَال: ومَا هُنَّ يَا جَبْرَئِيل، فَقَال: قُل: "اللهُمَّ يَا ذَا السُّلطَانِ العَظِيمِ والمَنِّ القَدِيمِ والوَجْهِ الكَرِيمِ، يَا ذَا الكَلمَاتِ التَّامَّاتِ، والدَّعَوَاتِ المُسْتَجَابَاتِ، عَافِ الحَسَنَ والحُسَيْنَ مِنْ أَنْفُسِ الجِنِّ وأَعْيُنِ الإِنْسِ"، فَقَالهَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَقَامَا يَلعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَال النَّبِيُّ (صلى

الله عليه وآله) لأَصْحَابِهِ: عَوِّذُوا نِسَاءَكُمْ وأَوْلادَكُمْ بِهَذِهِالتَّعْوِيذِ، فَإِنَّهُ لا يَتَعَوَّذُ المُتَعَوِّذُونَ بِمِثْله»(2).

ص: 89


1- الكافي: ج 2 ص522 باب القول عند الإصباح والإمساء ح2.
2- المجتنى: ص28 فصل فيما نذكره من العوذة التي ذكرها جبرئيل (عليه السلام) من العين.

من تختم بالعقيق

اشارة

عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تختم بالعقيق لم يزل يرى خيراً»(1).

------------------------

التختم بالعقيق

مسألة: يستحب التختم بالعقيق، ويستحب بيان فضله.

والظاهر أن قولها (عليها السلام): «لم يزل يرى خيراً» أعم من الخير المعنوي والمادي والظاهري والباطني، كما دلت عليه روايات عديدة، وكما توصل العلم الحديث إلى بعضها أيضاً(2).

ص: 90


1- وسائل الشيعة: ج 5 ص88 ب52 باب استحباب التختم بالعقيق الأحمر والأصفر والأبيض ح2.
2- قالوا: العقيق يتكون من مادة ثاني أوكسيد السيليكون وينتمي إلى عائلة حجر الكوارتز، ويحتمل أن يكون قسم من تأثيراتها لخصوصية في هذه المادة، ويعتقد العلماء أن العقيق يساعد على تقليل أو منع النزيف وعلى تقليل الالتهابات، وعلى التئام إصابات العمود الفقري، كما يقوي القلب والرئتين كما يساعد على إنتاج الهيموغلوبين ويساعد على شفاء الأمراض المنقولة بالدم، كما ينفع في التوازن العاطفي وفي جودة تدفق الطاقة ويساعد على تقليص الاكتئاب وضغوط العمل، ولعل لذلك ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تختموا بالعقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام ذلك عليه» وسائل الشيعة: ج5 ص86 ب51 ح5997، وقال بعض العلماء: إن حجر العقيق اليماني توجد فيه ترددات منخفضة جداً وقد تصل إلى ميكرو هيرز أو نانو هيرز أو بيكو هيرز أو ميلي هيرز المشابه لترددات الخلايا المخية الخاصة بالقدرة على التركيز، فيسهل على المؤمن التركيز في الصلاة ويزداد خشوعه، ولعل لذلك ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «صلاة ركعتين بفص عقيق تعدل ألف ركعة بغيره» وسائل الشيعة: ج5 ص91 ب53 ح6012.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «تَخَتَّمُوا بِالعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ، وَمَنْ تَخَتَّمَ بِالعَقِيقِ يُوشِكُ أَنْ يُقْضَى لهُ بِالحُسْنَى»(1).

وعَنْ رَبِيعَةِ الرَّأْيِ قَال: رَأَيْتُ فِي يَدِ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) فَصَّ عَقِيقٍ، فَقُلتُ: مَا هَذَا الفَصُّ، فَقَال: «عَقِيقٌ رُومِيٌّ»، وَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ تَخَتَّمَ بِالعَقِيقِ قُضِيَتْ حَوَائِجُهُ»(2).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام):«العَقِيقُ أَمَانٌ فِي السَّفَرِ»(3).

وعَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «مَنِ اتَّخَذَ خَاتَماً فَصُّهُ عَقِيقٌ لمْ يَفْتَقِرْ وَ لمْ يُقْضَ لهُ إِلا بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ»(4).

وروي أنه شَكَا رَجُل إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قُطِعَ عَليْهِ الطَّرِيقُ فَقَال (صلى الله عليه وآله): «هَلا تَخَتَّمْتَ بِالعَقِيقِ فَإِنَّهُ يَحْرُسُ مِنْ كُل سُوءٍ»(5).

ص: 91


1- الكافي: ج 6 ص470 باب العقيق ح3.
2- الكافي: ج 6 ص470 باب العقيق ح4.
3- الكافي: ج 6 ص470 باب العقيق ح5.
4- الكافي: ج 6 ص471 باب العقيق ح6.
5- الكافي: ج 6 ص471 باب العقيق ح8.

ثم إنه هل تأثير العقيق واقعي غيبي أو مادي وإن لم يصل إليه العلم؟ احتمالان.

لكن الظاهر أن التأثير في الجهتين، كما أذعن به بعض العلماء، ولا يخفى أن عدم علمنا بالتأثير حتى المادي منه يعود إلى أن العالم مليء بالأسباب والمسببات ونحن لا نعلم أكثرها، فإن كثيراً من هذه الأشعة وما أشبه من الأمور المحيطة بنا لم تكتشف إلاّ في العصر الحديث، وهم يعترفون بأن أكثرها لم تكتشف بالكامل بعد، وما المانع أن يكن للعقيق تأثيراً في النفس أو الروح أو الجسم أو في مايحيط بالإنسان أو فيها بأجمعها مما يوجب السعادة والشقاء، وقد أشرنا إلى أمثال هذه المباحث في كتاب الآداب والسنن.

ص: 92

إذا مرض المؤمن

اشارة

عن فاطمة الكبرى (عليها السلام) قالت: «قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا مرض العبد أوحى الله إلى ملائكته أن ارفعوا عن عبدي القلم ما دام في وثاقي، فإني أنا حبسته حتى أقبض(1) أو أخلي سبيله، كان أبي يقول: أوحى الله إلى ملائكته اكتبوا لعبدي أجر ما كان يعمل في صحته»(2).

----------------------------

تذكير الناس بألطاف الله

مسألة: يستحب تذكير الناس دائماً بألطاف الله تعالى المختلفة في مختلف الحالات.

عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ قَال: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام) فِي بَعْضِ أَطْرَافِ المَدِينَةِ إِذْ ثَنَى رِجْلهُ عَنْ دَابَّتِهِ فَخَرَّ سَاجِداً فَأَطَال وأَطَال، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ورَكِبَ دَابَّتَهُ، فَقُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ قَدْ أَطَلتَ السُّجُودَ، فَقَال: «إِنَّنِي ذَكَرْتُ نِعْمَةً أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَليَّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَشْكُرَ رَبِّي»(3).

ص: 93


1- أي حتى أقبض روحه.
2- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص917 حديثها (عليها السلام) في رفع القلم عن العبد في مرضه ح97.
3- الكافي: ج 2 ص98 باب الشكر ح26.

وعَنْ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «التَّحَدُّثُ بِنِعَمِ اللهِ شُكْرٌ، وتَرْكُ ذَلكَ كُفْرٌ، فَارْتَبِطُوا نِعَمَ رَبِّكُمْ بِالشُّكْرِ، وحَصِّنُوا أَمْوَالكُمْ بِالزَّكَاةِ، وادْفَعُوا البَلاءَ بِالدُّعَاءِ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ جُنَّةٌ مُنْجِيَةٌ تَرُدُّ البَلاءَ وقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً»(1).

ثواب المريض

مسألة: يستحب بيان ما للمؤمن من الثواب عند المرض وأن منه رفع القلم عنه.

والظاهر أن المراد برفع القلم هو رفعه بالنسبة إلى التكاليف التي يشق أو يعسر عليه، أو لا يتمكن من إتيانها، فهي ساقطة لأدلة العسر والحرج والضرر والمرض وما أشبه، كالصوم، لا كالصلاة التي لا تترك بحال، نعم ربما يوجب ذلك تخفيفها.

وكذلك بالنسبة إلى ما يجب تركه مما يقع في عسر وحرج وضرر رافع للتكليف، إذا كان مما يرتفع بها، لا مثل الزنا واللواط فإنهما محرمان وإنكان عسراً عليه الترك(2).

وهكذا رفع القلم بالنسبة إلى المستحبات والمكروهات إذا لم يتمكن ولو لعسر وحرج أن يفعلها أو يتركها.

ص: 94


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص40 ب8 باب استحباب الدعاء عند الخوف من الأعداء وعند توقع البلاء ح9.
2- أو كان يوجب مرضه مرضاً نفسياً أو جسدياً أو لغلبة الحرارة عليه أو شبه ذلك، فإن الحرمة لا ترتفع بها.

فظهر أن رفع القلم هنا ليس كرفع القلم عن الصبي حتى يحتلم إلى آخره، إذ المنصرف بقرينة المقام ما ذكرناه، لا الإطلاق كما في الصبي والمجنون ونحوهما.

ويحتمل أن يراد برفع القلم إلى أكثر من الساعات السبعة، فلا يكتب عليه الملكان شيئاً إلاّ لو لم يتب لفترة أكثر من فترة الإنسان غير المريض(1).

والفرق بين ما لا يكتب وما يكتب ثم يمحى كبير(2)، والفرق حقيقي مضافاً إلى كونه اعتبارياً، وفي الحزازة.

المرض والشفاء من الله

مسألة: يستحب بيان أن الله عزوجل هو مسبب الأسباب كلها، والمرض والعافية من الله تعالى، وكل شيء منه وبإذنه سبحانه، كما ورد في هذا الحديث: «أنا حبسته».

قال سبحانه: «وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَليماً حَكيماً»(3).

وقال تعالى: «فَلمْ تَقْتُلوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمَى»(4).

ص: 95


1- ويؤيد هذا الاحتمال ما ورد في هذه الرواية من أن الله أوحى إلى ملائكته كي يرفعوا القلم، لأن الملائكة هم الذين بيدهم هذا القلم أي قلم تسجيل الأعمال.
2- وليعتبر ذلك بملاحظة الصفحة البيضاء التي لم يكتب عليها شيء أو التي كتب عليها ثم محي.
3- سورة الإنسان: 30.
4- سورة الأنفال: 17.

وقال سبحانه: «أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ»(1).

وقال تعالى: «وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفينِ»(2).

إلى غيرها من الآيات.

وفي الأدعية: «اللهم إن كنت أمرضتني»(3).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «وإن أمرضني» أي الله «أحب المرض، وإنشفاني أحب الشفاء والصحة»(4).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ نَبِيّاً مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَرِضَ فَقَال: لا أَتَدَاوَى حَتَّى يَكُونَ الذِي أَمْرَضَنِي هُوَ يَشْفِينِي، فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَل إِليْهِ: لا أَشْفِيكَ حَتَّى تَتَدَاوَى فَإِنَّ الشِّفَاءَ مِنِّي»(5).

ثم إن الفائدة في تذكير الناس بأن المرض ونظائره من الله تعالى هي تضرعهم إليه ولجوؤهم له، طلباً للشفاء، فتتوثق رابطتهم بخالقهم، ويتأكد لديهم ضرورة تجنب سخطه وتحري مرضاته، وفي ذلك خير الدنيا والآخرة جميعاً.

ولا يتوهم مما ذكرناه(6) الجبر، لأن قانون الأسباب والمسببات لا ينافي

ص: 96


1- سورة الواقعة: 64.
2- سورة الشعراء: 80.
3- مكارم الأخلاق: ص389 دعاء المريض لنفسه.
4- مسكن الفؤاد: ص87 الباب الثالث في الرضا.
5- وسائل الشيعة: ج 2 ص409 ب4 باب استحباب ترك المداواة مع إمكان الصبر وعدم الخطر وخصوصا من الزكام والدماميل والرمد والسعال وما ينبغي التداوي به ووجوبه عند الخطر بالترك ح7.
6- من أن الله عزوجل هو مسبب الأسباب كلها، والمرض والعافية من الله تعالى، وكل شيء منه وبإذنه سبحانه.

اختيار الشخص، فللإنسان دور في كثير من الأفعال حيث يمكنه الفعل ويمكنه الترك، نعم كلها بإذن الله تعالى، فتكون صادرة عن الشخص باختياره وهو الفاعللها، لكن حيث كان العقل والقوة والجوارح وما أشبه من الأسباب والآلات والأجهزة كلها من الله سبحانه، فإنه بهذا الاعتبار يصح نسبة الفعل إليه عزوجل، ولأنه تعالى المهيمن بقاءً أيضاً إذ له أن يمنعه.

ومثاله العرفي: من يعطي شخصاً ما يمكنه تشغيله مع بقاء أجهزة التحكم الأساسية بيده، فلو أراد منَعَه، وحينئذ كل ما يفعله من بيده الجهاز من خير أو شر فهو بإرادته، لكنه محكوم بقدرة عليا لو شاءت لمنعت(1)، ومن هنا ينسب الفعل إليها أيضاً.

حق الشفاعة

مسألة: حق الشفاعة أولاً وبالذات لله عزوجل، فإن الأمر كله بيده، قال تعالى في هذا الحديث: «أو أخليّ سبيله».

ويلزم الاعتقاد بذلك، وقد منح الله سبحانه هذا الحق لأوليائه من الأنبياء والأئمة والصالحين (عليهم السلام) على حسبدرجاتهم ومراتبهم.

قال سبحانه وتعالى: «وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ

ص: 97


1- والكمبيوترات الحديثة من هذا القبيل، إذ يمكن التحكم فيها عن بعد وعلى خلاف إرادة الجالس خلفها، بل حتى الطائرات يمكن برمجتها بحيث يفقد الطيار القدرة على توجيهها لو تدخل مركز المراقبة والرادار.

مُشْفِقُونَ»(1).

وبهذه الآية ونظائرها يجاب عن توهم أن لا شفيع إلا الله استناداً إلى قوله تعالى: «قُل للهِ الشَّفاعَةُ جميعاً»(2)، نعم أصل الشفاعة له سبحانه، وبمقدوره أن يمنحها من يشاء من عباده الصالحين، وقد منحها بدليل تلك الآية(3).

وفي الروايات المتواترة الدليل على الأمرين، وقبل ذلك الآيات المباركة.

قال عزوجل: «يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لهُ الرَّحْمنُ ورَضِيَ لهُ قَوْلا»(4).وقال سبحانه: «وَكَمْ مِنْ مَلكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْني شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لمَنْ يَشاءُ ويَرْضى»(5).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): ... قُلتُ: قَوْلهُ: «لا يَمْلكُونَ الشَّفاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً»(6)، قَال: إِلا مَنْ دَانَ اللهَ بِوَلايَةِ

ص: 98


1- سورة الأنبياء: 28.
2- سورة الزمر: 44.
3- أي قوله تعالى: «لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى» سورة الأنبياء: 28، وقوله سبحانه: «من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه» سورة البقرة: 255. حيث أعطاهم الله حق الشفاعة لكن في إطار ما يرضيه وحسب الضوابط الكلية، فمثلاً لهم أن يشفعوا لأصحاب المعاصي من المؤمنين دون الكفار، كما قال عزوجل: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» سورة النساء: 48.
4- سورة طه: 109.
5- سورة النجم: 26.
6- سورة مريم: 87.

أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ والأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، فَهُوَ العَهْدُ عِنْدَ الله»(1).

وعَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «ثَلاثَةٌ يَشْفَعُونَ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل فَيُشَفِّعُهُمْ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ العُلمَاءُ ثُمَّ الشُّهَدَاء»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «شِيعَتُنَا مِنْ نُورِ اللهِ خُلقُوا، وإِليْهِ يَعُودُونَ، واللهِ إِنَّكُمْ لمُلحَقُونَ بِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وإِنَّا لنَشْفَعُ فَنُشَفَّعُ، ووَاللهِ إِنَّكُمْ لتَشْفَعُونَ فَتُشَفَّعُونَ، ومَا مِنْ رَجُل مِنْكُمْ إِلا وسَتُرْفَعُ لهُ نَارٌ عَنْ شِمَالهِ وجَنَّةٌ عَنْيَمِينِهِ فَيُدْخِل أَحِبَّاءَهُ الجَنَّةَ وأَعْدَاءَهُ النَّارَ»(3).

ورُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «لا يَقْبَل اللهُ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ لأَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ والرُّسُل حَتَّى يَأْذَنَ لهُ فِي الشَّفَاعَةِ، إِلا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَإِنَ اللهَ قَدْ أَذِنَ لهُ فِي الشَّفَاعَةِ مِنْ قَبْل يَوْمِ القِيَامَةِ، فَالشَّفَاعَةُ لهُ ولأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وللأَئِمَّةِ مِنْ وُلدِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلكَ للأَنْبِيَاءِ (صوات الله عليهم)»(4).

ص: 99


1- الكافي: ج 1 ص431 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ح90.
2- مستدرك الوسائل: ج 11 ص20 ب1 باب وجوبه على الكفاية مع القدرة عليه أو الاحتياج إليه وسقوطه عن الأعمى والأعرج والفقير ح45.
3- بحار الأنوار: ج 8 ص37 ب21 الشفاعة ح11.
4- تأويل الآيات الظاهرة: ص465.

فرح المؤمنة

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام) وقد اختصمت إليها امرأتان، فتنازعتا في شيء من أمر الدين، إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحاً شديداً.

فقالت فاطمة (عليها السلام): «إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها، وإن الله قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ما كنت أعددت لها، واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين فيغلب معانداً مثل ألف ألف ما كان معداً له من الجنان»(1).

------------------------

احتمالان

يحتمل في قول الصديقة (عليها السلام): «إن الله قال للملائكة» أحد الوجوه التالية:

1: إنها (عليها السلام) سمعت ذلك من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبينته، إما سماع الصغرى أو الكبرى المنطبقة على الصغرى، فتأمل.

ص: 100


1- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص347 ح229.

2: إنها (عليها السلام) سمعت ما كلم الله به الملائكة كما سمعته الملائكة، كيف لا وهي أشرف من الملائكة، بل هي الحجة عليهم وعلى سائر المخلوقات.

قال الإمام العسكري (عليه السلام): «نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة حجة الله علينا»(1).

الرجوع إلى أهل الذكر

مسألة: يجب الرجوع إلى (أهل الذكر) عند حدوث خلاف أو نزاع في المسائل العقائدية وغيرها، قال تعالى: «فَاسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلمُونَ»(2)، وكما صنعت هذه المراة المؤمنة وأقرتها الصديقة فاطمة (عليها السلام).

قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «وَإِنَّهُ لذِكْرٌ لكَ ولقَوْمِكَ وسَوْفَ تُسْئَلونَ»(3) قَال: «رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَهْلُ بَيْتِهِ أَهْلُ الذِّكْرِ وهُمُ المَسْئُولونَ»(4).وعَنْ هِشَامِ بْنِ سَالمٍ، قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ

ص: 101


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص1030 ب4 باب أن الأئمة (عليهم السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) ح5.
2- سورة النحل: 43، سورة الأنبياء: 7.
3- سورة الزخرف: 44.
4- بصائر الدرجات: ج 1 ص37 ب18 باب في أئمة آل محمد (عليهم السلام) وأن الله قرنهم بنبيه في السؤال فقال وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ح5.

تَعَالى: «فَسْئَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ»(1) مَنْ هُمْ، قَال: «نَحْنُ»، قَال: قُلتُ: عَليْنَا أَنْ نَسْأَلكُمْ، قَال: «نَعَمْ»، قُلتُ: عَليْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا، قَال: «ذَلكَ إِليْنَا»(2).

المرجع العقدي

مسألة: يجب وجوباً كفائياً وجود من يرجع إليه الناس في مسائلهم العقائدية ونحوها، ابتداءً أو لدى النزاع أو الشبهة وما أشبه، ويلزم على الحوزات العلمية أن تمهد لذلك، كما أن الوجوب كفاية يشمل مختلف الناس، قال تعالى: «وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ ليَنْفِرُوا كَافَّةً فَلوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَليُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِليْهِمْ لعَلهُمْ يَحْذَرُونَ»(3).وفي تفسير الإمام العسكري (عليه السلام):

قال الإمام (عليه السلام): قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): «مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالماً بِشَرِيعَتِنَا فَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلمَةِ جَهْلهِمْ إِلى نُورِ العِلمِ الذِي حَبَوْنَاهُ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعَلى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ يُضِي ءُ لأَهْل جَمِيعِ تِلكَ العَرَصَاتِ، وَعَليْهِ حُلةٌ لا يَقُومُ لأَقَل سِلكٍ مِنْهَا الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا عِبَادَ اللهِ هَذَا عَالمٌ مِنْ تَلامِذَةِ بَعْضِ آل مُحَمَّدٍ، أَلا فَمَنْ أَخْرَجَهُ فِي

ص: 102


1- سورة النحل: 43.
2- بصائر الدرجات: ج 1 ص39 ب19 باب في أئمة آل محمد (عليهم السلام) أنهم أهل الذكر الذين أمر الله بسؤالهم والأمر إليهم إن شاءوا أجابوا وإن شاءوا لم يجيبوا ح4.
3- سورة التوبة: 122.

الدُّنْيَا مِنْ حَيْرَةِ جَهْلهِ فَليَتَشَبَّثْ بِنُورِهِ ليُخْرِجَهُ مِنْ حَيْرَةِ ظُلمَةِ هَذِهِ العَرَصَاتِ إِلى نُزْهِ الجِنَانِ، فَيُخْرِجُ كُل مَنْ كَانَ عَلمَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فَتَحَ عَنْ قَلبِهِ مِنَ الجَهْل قُفْلا، أَوْ أَوْضَحَ لهُ عَنْ شُبْهَةٍ»(1).

وقال الإمام العسكري (عليه السلام): قَالتِ الصِّدِّيقَةُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ (عليها السلام): سَمِعْتُ أَبِي (صلى الله عليه وآله) يَقُول:

إِنَّ عُلمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ فَيُخْلعُ عَليْهِمْ مِنْ خِلعِ الكَرَامَاتِ عَلى قَدْرِ كَثْرَةِ عُلومِهِمْ وَجِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ اللهِ، حَتَّى يُخْلعَ عَلى الوَاحِدِ مِنْهُمْ أَلفُ أَلفِ خِلعَةٍ مِنْ نُورٍ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادِي رَبِّنَا عَزَّ وَجَل:أَيُّهَا الكَافِلونَ لأَيْتَامِ آل مُحَمَّدٍ، وَالنَّاعِشُونَ لهُمْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِمْ عَنْ آبَائِهِمُ الذِينَ هُمْ أَئِمَّتُهُمْ، هَؤُلاءِ تَلامِذَتُكُمْ وَالأَيْتَامُ الذِينَ تَكَفَّلتُمُوهُمْ وَنَعَشْتُمُوهُمْ، فَاخْلعُوا عَليْهِمْ كَمَا خَلعْتُمُوهُمْ خِلعَ العُلومِ فِي الدُّنْيَا، فَيَخْلعُونَ عَلى كُل وَاحِدٍ مِنْ أُولئِكَ الأَيْتَامِ عَلى قَدْرِ مَا أَخَذُوا عَنْهُمْ مِنَ العُلومِ، حَتَّى إِنَّ فِيهِمْ يَعْنِي فِي الأَيْتَامِ لمَنْ يُخْلعُ عَليْهِ مِائَةُ أَلفِ خِلعَةٍ مِنْ نُورٍ، وَكَذَلكَ يَخْلعُ هَؤُلاءِ الأَيْتَامُ عَلى مَنْ تَعَلمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالى يَقُول: أَعِيدُوا عَلى هَؤُلاءِ الكَافِلينَ للأَيْتَامِ حَتَّى تُتِمُّوا لهُمْ خِلعَهُمْ وَتُضْعِفُوهَا، فَيُتِمُّ لهُمْ مَا كَانَ لهُمْ قَبْل أَنْ يَخْلعُوا عَليْهِمْ وَيُضَاعِفُ لهُمْ، وَكَذَلكَ مَنْ بِمَرْتِبَتِهِمْ مِمَّنْ خُلعَ عَليْهِ عَلى مَرْتِبَتِهِمْ.

فَقَالتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام): إِنَّ سِلكاً مِنْ تِلكَ الخِلعِ لأَفْضَل مِمَّا طَلعَتْ عَليْهِ الشَّمْسُ أَلفَ أَلفِ مَرَّةٍ.

وقَال الإمام العسكري (عليه السلام): وَقَال عَليُّ بْنُ مُوسَى (عليه السلام):

ص: 103


1- بحار الأنوار: ج 7 ص224 ب8 أحوال المتقين والمجرمين في القيامة ح144.

يُقَال للعَابِدِ يَوْمَ القِيَامَةِ نِعْمَ الرَّجُل كُنْتَ، هِمَّتُكَ ذَاتُ نَفْسِكَ وَكُفِيتَ النَّاسَ مَئُونَتَكَ فَادْخُل الجَنَّةَ، فَيُقَال للفَقِيهِ: يَا أَيُّهَا الكَفِيل لأَيْتَامِ آل مُحَمَّدٍ، الهَادِي لضُعَفَاءِ مُحِبِّيهِ وَمَوَاليهِ، قِفْ حَتَّى تَشْفَعَ لكُل مَنْ أَخَذَ عَنْكَ أَوْ تَعَلمَ مِنْكَ، فَيَقِفُ فَيَدْخُلالجَنَّةَ مَعَهُ فِئَامٌ وَفِئَامٌ، حَتَّى قَال عَشْراً، وَهُمُ الذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ عُلومَهُ وَأَخَذُوا عَمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ وَعَمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَانْظُرُوا كَمْ فَرْقٌ مَا بَيْنَ المَنْزِلتَيْنِ.

ثُمَّ قَال: قَال الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): يَأْتِي عُلمَاءُ شِيعَتِنَا القَوَّامُونَ لضُعَفَاءِ مُحِبِّينَا وَأَهْل وَلايَتِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ وَالأَنْوَارُ تَسْطَعُ مِنْ تِيجَانِهِمْ، عَلى رَأْسِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَاجٌ قَدِ انْبَثَّتْ تِلكَ الأَنْوَارُ فِي عَرَصَاتِ القِيَامَةِ وَدُورِهَا مَسِيرَةَ ثَلاثِمِائَةِ أَلفِ سَنَةٍ، فَشُعَاعُ تِيجَانِهِمْ يَنْبَثُّ فِيهَا كُلهَا، فَلا يَبْقَى هُنَاكَ يَتِيمٌ قَدْ كَفَلوهُ وَمِنْ ظُلمَةِ الجَهْل وَحَيْرَةِ التِّيهِ أَخْرَجُوهُ، إِلا تَعَلقَ بِشُعْبَةٍ مِنْ أَنْوَارِهِمْ، فَرَفَعَتْهُمْ فِي العُلوِّ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمْ رَبَضَ(1) غُرَفِ الجِنَانِ، ثُمَّ يُنْزِلهُمْ عَلى مَنَازِلهِمُ المُعَدَّةِ لهُمْ فِي جِوَارِ أُسْتَادِيهِمْ وَمُعَلمِيهِمْ وَبِحَضْرَةِ أَئِمَّتِهِمُ الذِينَ كَانُوا إِليْهِمْ يَدْعُونَ، وَلا يَبْقَى نَاصِبٌ مِنَ النَّوَاصِبِ يُصِيبُهُ مِنْ شُعَاعِ تِلكَ التِّيجَانِ إِلا عَمِيَتْ عَيْنَاهُ وَصَمَّتْ أُذُنَاهُ وَخَرِسَ لسَانُهُ وَيَحُول عَليْهِ أَشَدُّ مِنْ لهَبِ النِّيرَانِ فيَحْمِلهُمْ حَتَّى يَدْفَعَهُمْ إِلى الزَّبَانِيَةِ، فَيَدْعُوهُمْ إِلى سَواءِ الجَحِيمِ.وَقَال: قَال مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام): «مَنْ أَعَانَ مُحِبّاً لنَا عَلى عَدُوٍّ لنَا فَقَوَّاهُ وَشَجَّعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ الحَقُّ الدَّال عَلى فَضْلنَا بِأَحْسَنِ صُورَةٍ، وَيَخْرُجَ البَاطِل الذِي يَرُومُ بِهِ أَعْدَاؤُنَا فِي دَفْعِ حَقِّنَا فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ، حَتَّى يَنْتَبِهَ الغَافِلونَ

ص: 104


1- الربض، محركة: سور المدينة.

وَيَسْتَبْصِرَ المُتَعَلمُونَ وَيَزْدَادَ فِي بَصَائِرِهِمُ العَالمُونَ، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي أَعْلى مَنَازِل الجِنَانِ، وَيَقُول: يَا عَبْدِيَ الكَاسِرُ لأَعْدَائِي، النَّاصِرُ لأَوْليَائِي، المُصَرِّحُ بِتَفْضِيل مُحَمَّدٍ خَيْرِ أَنْبِيَائِي، وَبِتَشْرِيفِ عَليٍّ أَفْضَل أَوْليَائِي، وَتُنَاوِي مَنْ نَاوَاهُمَا، وَتُسَمِّي بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ خُلفَائِهِمَا، وَتُلقِّبُ بِأَلقَابِهِمْ فَيَقُول ذَلكَ، وَيُبَلغُ اللهُ ذَلكَ جَمِيعَ أَهْل العَرَصَاتِ، فَلا يَبْقَى كَافِرٌ وَلا جَبَّارٌ وَلا شَيْطَانٌ إِلا صَلى عَلى هَذَا الكَاسِرِ لأَعْدَاءِ مُحَمَّدٍ، وَلعَنَ الذِينَ كَانُوا يُنَاصِبُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّوَاصِبِ لمُحَمَّدٍ وَ عَليٍّ (عليهما السلام).

وَقَال عَليُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام): أَفْضَل مَا يُقَدِّمُهُ العَالمُ مِنْ مُحِبِّينَا وَمَوَالينَا أَمَامَهُ ليَوْمِ فَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ، وَذُلهِ وَمَسْكَنَتِهِ، أَنْ يُغِيثَ فِي الدُّنْيَا مِسْكِيناً مِنْ مُحِبِّينَا مِنْ يَدِ نَاصِبٍ عَدُوٍّ للهِ وَ لرَسُولهِ، يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ وَالمَلائِكَةُ صُفُوفٌ مِنْ شَفِيرِ قَبْرِهِ إِلى مَوْضِعِ مَحَلهِ مِنْ جِنَانِ اللهِ، فَيَحْمِلونَهُ عَلىأَجْنِحَتِهِمْ، يَقُولونَ: مَرْحَباً طُوبَاكَ طُوبَاكَ يَا دَافِعَ الكِلابِ عَنِ الأَبْرَارِ، وَيَا أَيُّهَا المُتَعَصِّبُ للأَئِمَّةِ الأَخْيَارِ»(1).

نصرة الضعيف

مسألة: تستحب نصرة الضعيف مطلقاً وقد تجب، ويتأكد الاستحباب والوجوب في نصرة الضعيف عقائدياً، وذلك برفع الشبهات وبيان الأدلة في المنازعات العلمية وما أشبه.

ص: 105


1- بحار الأنوار: ج 7 ص224-226 ب8 أحوال المتقين والمجرمين في القيامة ح144.

ومما يرشدنا إلى ذلك ما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) قال:

قَال الحَسَنُ بْنُ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليهم السلام) وَ قَدْ حَمَل إِليْهِ رَجُل هَدِيَّةً، فَقَال لهُ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِليْكَ أَنْ أَرُدَّ عَليْكَ بَدَلهَا عِشْرِينَ ضِعْفاً عِشْرِينَ أَلفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَفْتَحَ لكَ بَاباً مِنَ العِلمِ تَقْهَرُ فُلانَ النَّاصِبِيِّ فِي قَرْيَتِكَ، تُنْقِذُ بِهِ ضُعَفَاءَ أَهْل قَرْيَتِكَ، إِنْ أَحْسَنْتَ الاخْتِيَارَ جَمَعْتُ لكَ الأَمْرَيْنِ، وَإِنْ أَسَأْتَ الاخْتِيَارَ خَيَّرْتُكَ لتَأْخُذَ أَيَّهُمَا شِئْتَ.

فَقَال: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ فَثَوَابِي فِي قَهْرِي ذَلكَ النَّاصِبَ وَاسْتِنْقَاذِي لأُولئِكَ الضُّعَفَاءِ مِنْ يَدِهِ قَدْرُهُ عِشْرُونَ أَلفَ دِرْهَمٍ؟قَال: بَل أَكْثَرُ مِنَ الدُّنْيَا عِشْرِينَ أَلفَ أَلفِ مَرَّةٍ.

فَقَال: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ فَكَيْفَ أَخْتَارُ الأَدْوَنَ بَل أَخْتَارُ الأَفْضَل، الكَلمَةَ التِي أَقْهَرُ بِهَا عَدُوَّ اللهِ وَأَذُودُهُ عَنْ أَوْليَاءِ اللهِ.

فَقَال الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): قَدْ أَحْسَنْتَ الاخْتِيَارَ، وَعَلمَهُ الكَلمَةَ وَأَعْطَاهُ عِشْرِينَ أَلفَ دِرْهَمٍ، فَذَهَبَ فَأَفْحَمَ الرَّجُل، فَاتَّصَل خَبَرُهُ بِهِ، فَقَال لهُ إِذْ حَضَرَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا رَبِحَ أَحَدٌ مِثْل رِبْحِكَ، وَلا اكْتَسَبَ أَحَدٌ مِنَ الأَوِدَّاءِ مَا اكْتَسَبْتَ، اكْتَسَبْتَ مَوَدَّةَ اللهِ أَوَّلا، وَمَوَدَّةَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) وَعَليٍّ (عليه السلام) ثَانِياً، وَمَوَدَّةَ الطَّيِّبِينَ مِنْ آلهِمَا ثَالثاً، وَمَوَدَّةَ مَلائِكَةِ اللهِ رَابِعاً، وَمَوَدَّةَ إِخْوَانِكَ المُؤْمِنِينَ خَامِساً، فَاكْتَسَبْتَ بِعَدَدِ كُل مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ مَا هُوَ أَفْضَل مِنَ الدُّنْيَا أَلفَ مَرَّةٍ فَهَنِيئاً لكَ هَنِيئاً»(1).

ص: 106


1- بحار الأنوار: ج 2 ص8 ب8 ثواب الهداية والتعليم وفضلهما وفضل العلماء وذم إضلال الناس ح16.

وعن الإمام العسكري (عليه السلام) قال: قَال الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِمَا) لرَجُل أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِليْكَ، رَجُل يَرُومُ قَتْل مِسْكِينٍ قَدْ ضَعُفَ أَتُنْقِذُهُ مِنْ يَدِهِ، أَوْ نَاصِبٌ يُرِيدُ إِضْلال مِسْكِينٍ مِنْضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا تَفْتَحُ عَليْهِ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ وَيُفْحِمُهُ وَيَكْسِرُهُ بِحُجَجِ اللهِ تَعَالى؟

قَال: بَل إِنْقَاذُ هَذَا المِسْكِينِ المُؤْمِنِ مِنْ يَدِ هَذَا النَّاصِبِ، إِنَّ اللهَ تَعَالى يَقُول: «مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(1) أَيْ وَمَنْ أَحْيَاهَا وَأَرْشَدَهَا مِنْ كُفْرٍ إِلى إِيمَانٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً مِنْ قِبَل أَنْ يَقْتُلهُمْ بِسُيُوفِ الحَدِيدِ»(2).

ويفهم من هذا الحديث وسائر الأحاديث مما نقلناه وغيره، أهمية النصرة العلمية للمعتقدات الحقة، وأهمية الدفاع عن العقائد الصحيحة ودعمها، وكثرة ثوابها.

ولا يستغرب مثل هذا الثواب فإن الجنة لا نهاية لها كماً ولا كيفاً، والله سبحانه غير محدود في فضله ورحمته، كما أنه غير محدود في عذابه ونقمته، إلا أن الفرق أن العذاب يكون بالعدل إذ لا ظلم، أما الثواب فيكون بالإحسان والفضل ، كما قرر ذلك في مباحث الكلام.

وفي تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) قال:قَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) لرَجُل: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِليْكَ، صَدِيقٌ كُلمَا رَآكَ أَعْطَاكَ بَدْرَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ صَدِيقٌ كُلمَا رَآكَ نَصَرَكَ لمَصِيدَةٍ مِنْ مَصَايِدِ الشَّيْطَانِ،

ص: 107


1- سورة المائدة: 32.
2- بحار الأنوار: ج 2 ص9 ب8 ثواب الهداية والتعليم وفضلهما وفضل العلماء وذم إضلال الناس ح17.

وَعَرَّفَكَ مَا تُبْطِل بِهِ كَيْدَهُمْ وَتَخْرِقُ شَبَكَتَهُمْ وَتَقْطَعُ حَبَائِلهُمْ؟

قَال: بَل صَدِيقٌ كُلمَا رَآنِي عَلمَنِي كَيْفَ أُخْزِي الشَّيْطَانَ عَنْ نَفْسِي فَأَدْفَعُ عَنِّي بَلاءَهُ.

قَال: فَأَيُّهُمَا أَحَبُّ إِليْكَ، اسْتِنْقَاذُكَ أَسِيراً مِسْكِيناً مِنْ أَيْدِي الكَافِرِينَ، أَوِ اسْتِنْقَاذُكَ أَسِيراً مِسْكِيناً مِنْ أَيْدِي النَّاصِبِينَ؟

قَال: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ سَل اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنِي للصَّوَابِ فِي الجَوَابِ.

قَال: اللهُمَّ وَفِّقْهُ.

قَال: بَل اسْتِنْقَاذِي المِسْكِينَ الأَسِيرَ مِنْ يَدَيِ النَّاصِبِ، فَإِنَّهُ تَوْفِيرُ الجَنَّةِ عَليْهِ وَإِنْقَاذُهُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ تَوْفِيرُ الرُّوحِ عَليْهِ فِي الدُّنْيَا وَدَفْعُ الظُّلمِ عَنْهُ فِيهَا، وَاللهُ يُعَوِّضُ هَذَا المَظْلومَ بِأَضْعَافِ مَا لحِقَهُ مِنَ الظُّلمِ، وَيَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالمِ بِمَا هُوَ عَادِل بِحُكْمِهِ.

قَال: وُفِّقْتَ للهِ أَبُوكَ، أَخَذْتَهُ مِنْ جَوْفِ صَدْرِي، لمْ تَخْرِمْ مِمَّا قَالهُ رَسُول اللهِ (صلى اللهعليه وآله) حَرْفاً وَاحِداً»(1).

وَسُئِل البَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام) إِنْقَاذُ الأَسِيرِ المُؤْمِنِ مِنْ مُحِبِّينَا مِنْ يَدِ الغَاصِبِ يُرِيدُ أَنْ يُضِلهُ بِفَضْل لسَانِهِ وَبَيَانِهِ، أَفْضَل أَمْ إِنْقَاذُ الأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي أَهْل الرُّومِ؟

قَال البَاقِرُ (عليه السلام): أَخْبِرْنِي أَنْتَ عَمَّنْ رَأَى رَجُلا مِنْ خِيَارِ المُؤْمِنِينَ يَغْرَقُ وَعُصْفُورَةٌ تَغْرَقُ لا يَقْدِرُ عَلى تَخْليصِهِمَا بِأَيِّهِمَا اشْتَغَل فَاتَهُ الآخَرُ أَيُّهُمَا

ص: 108


1- بحار الأنوار: ج 2 ص9 ب8 ثواب الهداية والتعليم وفضلهما وفضل العلماء وذم إضلال الناس ح18.

أَفْضَل أَنْ يُخَلصَهُ؟

قَال: الرَّجُل مِنْ خِيَارِ المُؤْمِنِينَ.

قَال (عليه السلام): فَبُعْدُ مَا سَأَلتَ فِي الفَضْل أَكْثَرُ مِنْ بُعْدِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ، إِنَّ ذَاكَ يُوَفِّرُ عَليْهِ دِينَهُ وَجِنَانَ رَبِّهِ وَيُنْقِذُهُ مِنْ نِيرَانِهِ، وَهَذَا المَظْلومُ إِلى الجِنَانِ يَصِيرُ»(1).

الاستظهار على المعاند

مسألة: يستحب الاستظهار على المعاند، وقد يجب.ولا فرق بين أن يكون الناصر رجلاً أم امرأة، والمنصور رجلاً أو امرأة، والمعاند رجلاً أو امرأة، لفهم الملاك من أمثال هذه الروايات.

قَال جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «مَنْ كَانَ هَمُّهُ فِي كَسْرِ النَّوَاصِبِ عَنِ المَسَاكِينِ مِنْ شِيعَتِنَا المُوَالينَ حَمِيَّةً لنَا أَهْل البَيْتِ، يَكْسِرُهُمْ عَنْهُمْ ويَكْشِفُ عَنْ مَخَازِيهِمْ ويُبَيِّنُ عَوَارَهُمْ ويُفَخِّمُ أَمْرَ مُحَمَّدٍ وآلهِ، جَعَل اللهُ تَعَالى هِمَّةَ أَمْلاكِ الجِنَانِ فِي بِنَاءِ قُصُورِهِ ودُورِهِ، يَسْتَعْمِل بِكُل حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ حُجَجِهِ عَلى أَعْدَاءِ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ أَهْل الدُّنْيَا أَمْلاكاً، قُوَّةُ كُل وَاحِدٍ يَفْضُل عَنْ حَمْل السَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ، فَكَمْ مِنْ بِنَاءٍ وكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ وكَمْ مِنْ قُصُورٍ لا يَعْرِفُ قَدْرَهَا إِلا رَبُّ العَالمِين»(2).

ص: 109


1- بحار الأنوار: ج 2 ص9 ب8 ثواب الهداية والتعليم وفضلهما ... ح18.
2- الاحتجاج: ج 1 ص19 فصل في ذكر طرف مما أمر الله في كتابه من الحجاج والجدال بالتي هي أحسن وفضل أهله.

إفراح الملائكة وإحزان الشياطين

مسألة: يستحب أن يفعل الإنسان ما يفرح الملائكة ويحزن الشياطين، فإن الملائكة يفرحون ويحزنون أيضاً كما أن الشياطين يحزنون ويفرحون.

أما حزن الملائكة فكما في روايات شهادة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).

وأما فرحهم فكما في هذه الرواية.

كما أن في الروايات ما يدل على فرح الشياطين وحزنهم، ومنها هذه الرواية.

وقد يستدل على استحباب فعل ما يفرح الملائكة وما يحزن الشياطين بهذه الرواية، بملاحظة مناسبات الحكم والموضوع، وبالدلالة العرفية الالتزامية، وكشف فرح الملائكة عن كونه محبوباً مطلوباً مأموراً به وغير ذلك.

لكن لا نعرف هل أن فرح الملائكة والشياطين وحزنهم من جنس فرحنا وحزننا أو من جنس آخر، كما أن أطعمة الجنة من جنس آخر، كما ورد بالنسبة إلى الجنان ونعيمها: «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»(1)،وهكذا بالنسبة إلى عذاب النار والعياذ بالله منها.

وكما أن طعام الملائكة والجن هو من جنس آخر، وقد ورد في الملائكة أن طعامهم التسبيح والتهليل والتقديس:

ص: 110


1- بحار الأنوار: ج 8 ص92 ب23 الجنة ونعيمها رزقنا الله وسائر المؤمنين حورها وقصورها وحبورها وسرورها.

وفي الرواية: «وَجَعَل فِي كُل سَمَاءٍ سَاكِناً مِنَ المَلائِكَةِ، خَلقَهُمْ مَعْصُومِينَ، مِنْ نُورٍ مِنْ بُحُورٍ عَذْبَةٍ، وهُوَ بَحْرُ الرَّحْمَةِ، وجَعَل طَعَامَهُمُ التَّسْبِيحَ والتَّهْليل والتَّقْدِيس»(1).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ للنَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فِيمَا سَأَلهُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ جَبْرَئِيل فِي زِيِّ الإِنَاثِ أَمْ فِي زِيِّ الذُّكُورِ، قَال (صلى الله عليه وآله): «فِي زِيِّ الذُّكُورِ»، قَال: فَأَخْبِرْنِي مَا طَعَامُهُ، قَال: «طَعَامُهُ التَّسْبِيحُ، وشَرَابُهُ التَّهْليل»، قَال: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّد(2). الحديث.

عون المؤمن

مسألة: يستحب بيان ثواب عون المؤمنأو المؤمنة.

قَال مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام): «مَنْ أَعَانَ مُحِبّاً لنَا عَلى عَدُوٍّ لنَا، فَقَوَّاهُ وشَجَّعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ الحَقُّ الدَّال عَلى فَضْلنَا بِأَحْسَنِ صُورَتِهِ، ويَخْرُجَ البَاطِل الذِي يَرُومُ بِهِ أَعْدَاؤُنَا دَفْعَ حَقِّنَا فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ، حَتَّى يَتَنَبَّهَ الغَافِلونَ، ويَسْتَبْصِرَ المُتَعَلمُونَ ويَزْدَادَ فِي بَصَائِرِهِمُ العَامِلونَ، بَعَثَهُ اللهُ تَعَالى يَوْمَ القِيَامَةِ فِي أَعْلى مَنَازِل الجِنَانِ، ويَقُول: يَا عَبْدِيَ الكَاسِرَ لأَعْدَائِي، النَّاصِرَ لأَوْليَائِي، المُصَرِّحَ بِتَفْضِيل مُحَمَّدٍ خَيْرِ أَنْبِيَائِي، وبِتَشْرِيفِ عَليٍّ أَفْضَل أَوْليَائِي، وتُنَاوِي إِلى مَنْ نَاوَاهُمَا وتُسَمِّى بِأَسْمَائِهِمَا وأَسْمَاءِ خُلفَائِهِمَا وتُلقِّبُ بِأَلقَابِهِمَا، فَيَقُول ذَلكَ، ويُبَلغُ اللهُ جَمِيعَ أَهْل العَرَصَاتِ. فَلا يَبْقَى مَلكٌ ولا جَبَّارٌ ولا شَيْطَانٌ إِلا صَلى

ص: 111


1- بحار الأنوار: ج 54 ص92 ح79.
2- بحار الأنوار: ج 56 ص253 ب24 آخر في وصف الملائكة المقربين ح16.

عَلى هَذَا الكَاسِرِ لأَعْدَاءِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) ولعَنَ الذِينَ كَانُوا يُنَاصِبُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّوَاصِبِ لمُحَمَّدٍ وعَليٍّ (عليهما السلام)»(1).

عون المسكين

مسألة: يستحب عون المسكين الأسير،وهذا من باب تعدد المطلوب، فيزداد الثواب ويتعدد.

إحقاق الحق

مسألة: يجب إحقاق الحق وإبطال الباطل.

قال الإمام العسكري (عليه السلام) في حديث: «وسُئِل البَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليهما السلام): إِنْقَاذُ الأَسِيرِ المُؤْمِنِ مِنْ مُحِبِّينَا مِنْ يَدِ النَّاصِبِ يُرِيدُ أَنْ يُضِلهُ بِفَضْل لسَانِهِ وبَيَانِهِ أَفْضَل، أَمْ إِنْقَاذُ الأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي أَهْل الرُّومِ، قَال البَاقِرُ (عليه السلام) للرَّجُل: أَخْبِرْنِي أَنْتَ عَمَّنْ رَأَى رَجُلا مِنْ خِيَارِ المُؤْمِنِينَ يَغْرَقُ وعُصْفُورَةٌ تَغْرَقُ لا يَقْدِرُ عَلى تَخْليصِهِمَا، بِأَيِّهِمَا اشْتَغَل فَاتَهُ الآخَرُ، أَيُّهُمَا أَفْضَل أَنْ يُخَلصَهُ، قَال: الرَّجُل مِنْ خِيَارِ المُؤْمِنِينَ. قَال (عليه السلام): فَبُعْدُ مَا سَأَلتَ فِي الفَضْل أَكْثَرُ مِنْ بُعْدِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ، إِنَّ ذَاكَ يُوَفِّرُ عَليْهِ دِينَهُ وجِنَانَ رَبِّهِ، ويُنْقِذُهُ مِنَ النِّيرَانِ، وهَذَا المَظْلومُ إِلى الجِنَانِ يَصِيرُ»(2).

ص: 112


1- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص350 ح235.
2- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص349 ح233.

حل القضايا المرفوعة

مسألة: يستحب لمن ترافعوا إليه في أمر من الأمور الاعتقادية والفقهية أو الأخلاقية أو حتى العلمية حل القضية والنظر في الأمر وقد يجب ذلك، وأما الترافع في باب القضاء إلى القاضي المنصوب أو إلى قاضي التحكيم، فقد فصلناه في كتاب القضاء.

ثم إن قوله تعالى: (واجعلوا هذه سنة...) يفيد أن كل من يهدي الغير وينصر المستضعف في مسألة دينية فإن كلما يعطى من الثواب - وهو ألف ضعف ما كان الله أعده له كما في هذه الرواية - يعطى معادله أيضاً للصديقة الكبرى (صلوات الله عليها)، إذ (من سنّ سنة حسنة ....) وذلك إلى انتهاء الدنيا.

ص: 113

البِشر في وجه المؤمن

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام): «البِشر(1) في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، والبِشر(2)

في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار»(3).

---------------------------

استحاب البشر

مسألة: يستحب البِشر في وجه المؤمن، فإنه مما يدخل السرور في قلبه، كما يوجب تقوية روابط المؤمنين وتوادهم وتحاببهم، وإدخال السرور في قلب المؤمن وخدمته بأي وجه كان مستحب، كما يدل عليه الأدلة العامة الكثيرة بل وبعض الروايات الخاصة، وإيجابه الجنة قد يكون لأنه يوجب لصاحبه التوفيق للعمل بالطاعات واجتناب المحرمات.مسألة: قد يكون من المستحب - في الجملة - البشر في وجه المعاند المعادي

ص: 114


1- وفي بعض النسخ: بِشر.
2- وفي بعض النسخ: بِشر.
3- مستدرك الوسائل: ج 12 ص262 ب27 باب وجوب الاعتناء و الاهتمام بالتقية و قضاء حقوق الإخوان ح2، التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص354 في مداراة النواصب ح243.

وربما لزم لعناوين ثانوية، وقد يكون منها: كونه من باب التقية واتقاء الشر وما أشبه.

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّا لنَبْشِرُ فِي وُجُوهِ قَوْمٍ وإِنَّ قُلوبَنَا تَقْليهِمْ، أُولئِكَ أَعْدَاءُ اللهِ نَتَّقِيهِمْ عَلى إِخْوَانِنَا لا عَلى أَنْفُسِنَا»(1).

وكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي مَنْزِلهِ إِذَا اسْتَأْذَنَ عَليْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلول، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، ائْذَنُوا لهُ»، فَلمَّا دَخَل أَجْلسَهُ وبَشَرَ فِي وَجْهِهِ، فَلمَّا خَرَجَ قَالتْ لهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قُلتَ فِيهِ مَا قُلتَ وفَعَلتَ بِهِ مِنَ البِشْرِ مَا فَعَلتَ، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا عُوَيْشُ يَا حُمَيْرَاءُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ يُكْرَمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ»(2).

ومنها: للإنسانية، فالإنسان بما هوهو مكرم، قال سبحانه: «وَقُولوا للنَّاسِ حُسْناً»(3)، فهو يشمل المعاند والمؤمن وهكذا غيرهما، وقد ذكرنا في مبحث سابق أن القول أعم من الفعل والإشارة واللفظ والكتابة.

وربما يكون منه ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أو نظير لك في الخلق»(4)،

ومنها: كونه لاجتذابه إلى الدين، وقد جاء في تفسير الإمام العسكري (عليه

ص: 115


1- بحار الأنوار: ج 72 ص401 ب87 التقية والمداراة ح42.
2- بحار الأنوار: ج 72 ص401 ب87 التقية والمداراة ح42.
3- سورة البقرة: 83.
4- فهو مقتضى الإنسانية إذ (كل إناء بالذي فيه ينضح).

السلام) عن الإمام الصادق (عليه السلام) «قَوْلهُ عَزَّ وجَل «وَقُولوا للنَّاسِ حُسْناً»(1)، أَيْ للنَّاسِ كُلهِمْ مُؤْمِنِهِمْ ومُخَالفِهِمْ، أَمَّا المُؤْمِنُونَ فَيَبْسُطُ لهُمْ وَجْهَهُ، وأَمَّا المُخَالفُونَ فَيُكَلمُهُمْ بِالمُدَارَاةِ لاجْتِذَابِهِمْ إِلى الإِيمَانِ، فَإِنَّهُ بِأَيْسَرِ مِنْ ذَلكَ يَكُفُّ شُرُورَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ وعَنْ إِخْوَانِهِ المُؤْمِنِين»(2).

ثواب البِشر

مسألة: يستحب بيان ثواب البِشر، كما فعلت (صلوات الله عليها)، كما ينبغي بيان آثاره وفوائده وثمراته، ومنها: تأثيره في رفع أو تقليل الأمراض النفسية كمرض الكآبة المنتشر في هذا العصر، فإن البِشر معد.

ومنها: تأثيره في تقارب القلوب، فإن الظاهر يسري للباطن.

ومنها: تأثيره في تقليل الغيبة والتهمة لتأثيره في التحاب والتوادد، عكس العبوس والتهجم، فإنه يسبب التباغض ونفرة القلوب ويفتح الباب للغيبة والتهمة.

ص: 116


1- سورة البقرة: 83.
2- بحار الأنوار: ج 72 ص401 ب87 التقية والمداراة ح42.

السخاء والبخل

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): قال لي أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«إياك والبخل، فإنه عاهة لا تكون في كريم، وإياك والبخل فإنه شجرة في النار وأغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله النار، والسخاء شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الجنة»(1).

-------------------------

استحباب السخاء

مسألة: يستحب السخاء وقد يجب، وذلك بلحاظ ما به يتعلق.

والفرق بين (السخاء) و(الجود) و(الكرم) إذا اجتمعت:

أن السخاء: عطاء بلحاظ المعطي، وكمال نفسي، فهو اسم للهيئة.

والكرم: عطاء مع إكرام للمعطى له.

والجود: عطاء محض، فهو اسم للفعل الصادر.

ص: 117


1- دلائل الإمامة: ص70 ح9.

وقيل: الكريم من يعطي من غيرسؤال، والجواد من يعطي مع السؤال(1)، ولعله يعود إلى ما ذكرناه فإنه من صغرياته، وقيل العكس.

نعم إن ذكر أحدها شمل الجميع، لأنها مما إذا افترقت اجتمعت، والعكس بالعكس.

عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «السَّخِيُ مُحَبَّبٌ فِي السَّمَاوَاتِ، مُحَبَّبٌ فِي الأَرْضِ، خُلقَ مِنْ طِينَةٍ عَذْبَةٍ، وخُلقَ مَاءُ عَيْنَيْهِ مِنْ مَاءِ الكَوْثَرِ، والبَخِيل مُبَغَّضٌ فِي السَّمَاوَاتِ، مُبَغَّضٌ فِي الأَرْضِ، خُلقَ مِنْ طِينَةٍ سَبِخَةٍ، وخُلقَ مَاءُ عَيْنَيْهِ مِنْ مَاءِ العَوْسَجِ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «شَابٌ سَخِيٌ مُرَهَّقٌ فِي الذُّنُوبِ أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ شَيْخٍ عَابِدٍ بَخِيل»(3).

كراهة البخل

مسألة: يكره البخل وقد يحرم، وذلك بالنسبة إلى ما يتعلق به.

قول الصديقة (عليها السلام): (فإنه عاهة لا تكون في كريم) أي البخل عاهة وآفة لا تكون في كريم النفس.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِذَا لمْ

ص: 118


1- واستدلوا عليه بما ورد في الصحيفة السجادية: «وأنت الجواد الكريم» فإنه ترق من صفة إلى صفة أعلى.
2- الكافي: ج 4 ص39 باب معرفة الجود والسخاء ح3.
3- الكافي: ج 4 ص41 باب معرفة الجود والسخاء ح14.

يَكُنْ للهِ فِي عَبْدٍ حَاجَةٌ ابْتَلاهُ بِالبُخْل»(1).

وعَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَا مَحَقَ الإِسْلامَ مَحْقَ الشُّحِّ شَيْ ءٌ»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «المُوبِقَاتُ ثَلاثٌ، شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِه»(3).

التحذير والترغيب

مسألة: يستحب التحذير من سوء النوايا وسوء الصفات وسوء الأفعال، والترغيب في مكارمها: النيات والصفات والأفعال.

لا يقال: لا يتصور التحذير من بعضها والترغيب فيها، لعدم اختياريتها.لأنه يقال: هي اختيارية باختيارية المقدمات وما أشبه، كمن بيده منشؤه ولو بنحو العلة المعدة(4).

ثم إن التحذير والترغيب إنما يكون مستحباً فيما إذا لم يكن المحذَّر منه والمرغَّب إليه حراماً وواجباً، وإلاّ كان داخلاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين حسب الشروط المقررة شرعاً.

ص: 119


1- الكافي: ج 4 ص44 باب البخل والشح ح2.
2- الكافي: ج 4 ص45 باب البخل والشح ح5.
3- وسائل الشيعة: ج1 ص103 ب23 ح246.
4- كالأب والأم فإن أفعالهما حين انعقاد النطفة علة معدة لطيب جوهر الطفل أو خبثه ومثاله الظاهر ولد الزنا.

ويتضح معنى كونهما شجرة في النار وشجرة في الجنة، بملاحظة أن للماديات أشجاراً خارجية لها أغصان، يكون كل من تعلق بها في حال ارتفاع أو انخفاض حسب تحرك الغصن ارتفاعاً وانخفاضاً، كذلك في المعنويات(1)، فإن الجود والبخل وكذلك سائر الصفات كالعدالة والظلم، والشجاعة والجبن، ونحوها من المعنويات لها مراتب من الوجود(2)،ولها أصول معنوية إما في الجنة أو في النار، خاصة على ما بيناه من احتمال كون الجنة والنار محيطتين بالإنسان حتى في هذه الحياة لكن منفاذه إليهما مغلقة.

وعلي أي، فإن كون أصولها في الجنة أو النار يستفاد من الروايات في مختلف الأبواب.

كما أن ذلك يتضح بالتدبر في منشأ هذه الصفات، فمن أين هي، فالإنسان يولد ثم يتصف بصفات كثيرة بين حسنة وسيئة، فهل وجدت تلك الصفات بنفسها وبلا أسباب ولا شرائط ولا معدات ولا مزايا ولا خصوصيات؟

كلا، بل الظاهر أن الصفات في الإنسان تكون كسائر ما يخلق، من الألوان المختلفة والأحجام المتنوعة والخواص المتعددة في الأشجار ونحوها، فكلها تستخرج من مخازنها وتنبعث من منابعها.

قال سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ

ص: 120


1- والمعنويات المذكورة في كلام الإمام المؤلف ره هي من قسم (الطاقة) وتندرج في مباحثها، وبذلك يمكن تفسير ما ذكره علمياً أيضا.
2- وهي المعبر عنها بالطاقة، نعم ليست الطاقة من المجردات على رأي الإمام المصنف قدس سره حيث ينكر وجود مجرد حقيقي غير الله تعالى ويرى أن الطاقة - في واقعها - نوع من المادة الخفيفة، وقد اختلفت خواصها لخفتها لا لاختلافها جوهراً عن المادة.

مَعْلومٍ»(1)، فالشمس مخزن للأنوار والأشعة والطاقة، والبحار للمياهوغيرها، والأرض للتراب والمعادن وهكذا، فعند ما يُخلق الإنسان ويبدأ بتربية نفسه أو يربيه غيره من الأبوين أو المعلم أو غيرهم، فإن التربية والتلقين تجتذب هذه الصفات إليه من مخازنها ومعادنها شيئاً فشيئاً، ثم إنه إذا غيّر الشخص أسلوبه فإن تلك الصفات ترجع إلى مخازنها بالتدريج أو دفعة، فحالها حال البحار حيث إنها بسبب التبخر تصعد إلى السماء ثم تنزل على شكل قطرات، ثم إن هذه ترجع إلى البحار بالمآل، وكذلك حال كثير من الأشياء في الدنيا على ما يراه الإنسان، وأما في الآخرة فقد يستفاد ذلك من بعض الآيات والروايات(2).قال (عليه السلام) في حديث: «وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ لا يَجْتَمِعَانِ إِلا بِالوَعْدِ وَالوَعِيدِ، وَالوَعْدُ لا يَكُونُ إِلا بِالتَّرْغِيبِ، وَالوَعِيدُ لا يَكُونُ إِلا بِالتَّرْهِيبِ، وَالتَّرْغِيبُ لا يَكُونُ إِلا بِمَا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ وَتَلذُّهُ أَعْيُنُهُمْ، وَالتَّرْهِيبُ لا يَكُونُ إِلا بِضِدِّ ذَلكَ»(3).

ص: 121


1- سورة الحجر: 21.
2- ومما يدل على ما ذكره الإمام المؤلف (قدس سره) ما توصل إليه العلم الحديث من أن الطاقة قد تتحول إلى مادة وبالعكس، أما تحول الطاقة إلى مادة فإن الطاقة الشمسية تتحول إلى مادة في النباتات من خلال عملية التمثيل الضوئي (التمثيل الكلوروفيلي) فالأخشاب والثمار ليست بأجمعها من المواد التي تمتصها النباتات من الأرض بل بعضها مستمد من طاقة الشمس، وتسمى عملية تحويل الطاقة إلى مادة ب (الإنتاج الزوجي) إلى عكسها فيمسى (الإفناء الزوجي) كما أن الإنسان نجح في تحويل طاقة إلى مادة على مستوى الجسيمات وذلك في معجلات الجسيمات particle acceleraror وكما يتحول شعاع جاما إلى الكترون وبوزيترون.
3- بحار الأنوار: ج5 ص316 ب15 ح13 عن الاحتجاج.

الاجتناب عن المنقصة

مسألة: يستحب الاجتناب عن كل عاهة وآفة ومنقصة معنوية أو مادية، ويستفاد ذلك من تعليل الصديقة (صلوات الله عليها) نهيها عن البخل بأنه عاهة، الظاهر في كراهتها بما هي هي، وككبرى كلية، والعاهة هي الآفة.

قال (صلى الله عليه وآله): «عَليْكَ بِمَسَاوِي الأَخْلاقِ فَاجْتَنِبْهَا، فَإِنْ لمْ تَفْعَل فَلا تَلومَنَّ إِلا نَفْسَك»(1).

وقَال علي (عليه السلام): «دَعِ السَّفَهَ فَإِنَّهُ يُزْرِي بِالمَرْءِ ويَشِينُهُ»(2).

وعَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) قَال: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَل عَنْ شِيعَتِنَا العَاهَة»(3).

البخل والنار

مسألة: يستحب بيان أن البخل يوجب دخول النار.

والمراد به البخل عن أداء ما وجبإنفاقه كالزكاة والخمس، أو البخل الأعم من حيث إنه مقدمة طبيعية للبخل عن إعطاء الواجب وأنه يجر إليه، فإن طبيعة الإنسان واحدة، و«من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه»(4).

ص: 122


1- المحاسن: ج 1 ص17 ب10 وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) ح48.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص249 ح4657.
3- بحار الأنوار: ج52 ص316 ب27 ح12.
4- مجمع البحرين: ج 6 ص53 مادة (حوم) أي: من قارب المعاصي ودنا منها قرب وقوعه فيها.

السخاء والجنة

مسألة: يستحب بيان أن السخاء يوجب دخول الجنة، فإن الحسنات بعضها آخذ بعنق بعض حتى تدخل صاحبها الجنة، كما في الرواية.

رُوِيَ عَنِ العَالمِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «السَّخَاءُ شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ أَغْصَانُهَا فِي الدُّنْيَا، فَمَنْ تَعَلقَ بِغُصْنٍ مِنْهَا أَدَّتْهُ إِلى الجَنَّةِ»(1).

اختيارية الصفات

مسألة: البخل والكرم ونظائرهما اختيارية باختيارية مقدماتها، ومن هنا ورد الحث على التحلي بالكرم والتخلي عن البخل.

رُوِيَ: «أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل أَوْحَى إِلى مُوسَى (عليه السلام) أَنْ لا تَقْتُل السَّامِرِيَّ فَإِنَّهُ سَخِيٌّ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لبَنِي سَلمَةَ: «يَا بَنِي سَلمَةَ مَنْ سَيِّدُكُمْ، قَالوا: يَا رَسُولاللهِ سَيِّدُنَا رَجُل فِيهِ بُخْل، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ البُخْل»(3).

ص: 123


1- مستدرك الوسائل: ج 15 ص260 ب16 باب استحباب الجود والسخاء ح19.
2- من لا يحضره الفقيه: ج2 ص61 باب فضل السخاء والجود ح1709.
3- الكافي: ج4 ص44 باب البخل والشح ح3.

ذم الظلم

اشارة

عن فاطمة الكبرى (عليها السلام) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما التقى جندان ظالمان إلاّ تخلى الله عنهما، فلم يبال أيهما غلب، وما التقى جندان ظالمان إلاّ كانت الدبرة(1) على أعتاهما»(2).

-------------------------

الظلم حرام مطلقا

مسألة: الظلم حرام(3)، بمختلف أنواعه، ولا استثناء فيه، فهو علة تامة له، وبذلك يختلف عن مثل (الكذب) حيث إنه مقتض له، وربما جاز كما إذا كان لإصلاح ذات البين وشبهه، أما الظلم فإنه من العناوين الآبية عن التخصيص.

قال تعالى: «وَتِلكَ القُرى أَهْلكْناهُمْ لمَّا ظَلمُوا وَجَعَلنا لمَهْلكِهِمْ مَوْعِداً»(4).

ص: 124


1- في نسخة: الدائرة.
2- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص918 حديثها (عليها السلام) في ذم الظلم ح195، عن كشف الغمة: ج 1 ص581 العاشر في ذكر أولاده.
3- والظاهر أن حرمته مولوية يستحق فاعله عليه العقاب، لا إرشادية.
4- سورة الكهف: 59.

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله):«إِيَّاكُمْ والظُّلمَ فَإِنَّهُ يُخَرِّبُ قُلوبَكُم»(1).

وقَال أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «ابْعُدُوا عَنِ الظُّلمِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الجَرَائِمِ وأَكْبَرُ المَآثِمِ»(2).

حرمة الحرب

مسألة: الحرب بين فئتين ظالمتين محرمة، وإمداد أحدهما محرم آخر، سواء كان الإمداد بالمال أم بالتشجيع أم بغير ذلك.

قال تعالى: «تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلها للذينَ لا يُريدُونَ عُلوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَساداً والعاقِبَةُ للمُتَّقين»(3).

التخلي عن الظالم

مسألة: يلزم بيان أن الله يتخلى عن الظالم، كما يلزم التخذيل عن الظالم قدر المستطاع بالقول والفعل،

ومعنى تخلي الله عنه أنه لا ينظر إليهنظر الرحمة ولا يلطف به بألطافه الخاصة، بل يتركه ليرى جزاءه ويواجه نتيجة عمله، ولا ينصره نصرة غيبية،

ص: 125


1- مشكاة الأنوار: ص315 الفصل الخامس في الظلم والحرام.
2- مستدرك الوسائل: ج 12 ص100 ب77 باب تحريم الظلم ح8.
3- سورة القصص: 83.

وإن كان قد ينتصر أحياناً بالأسباب الظاهرية، كما أنه أحياناً قد ينكسر، فإن هناك أسباباً ظاهرية وأسباباً واقعية، وافتقاد أحدهما لا يلازم افتقاد الآخر، وذلك على عكس المؤمن الذي ينصر الله ورسله، فإن الله ينصره، «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ»(1).

ولا يخفى أن الأعتى من الظلمة هو الأسوأ.

ثم إن الظلم له آثار كونية دنيوية وأخروية حسب ارتباط الكون بعضه ببعض، ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة»(2)، كما جاء ورد عكسه في الخير:

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ قَوْمٌ تَحْتَ ظِل العَرْشِ وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ ورِيَاشُهُمْ مِنْ نُورٍ، جُلوسٌ عَلى كَرَاسِيَّ مِنْ نُورٍ» إلى أن قال: «فَيُنَادِي مُنَادٍ: هَؤُلاءِ قَوْمٌ كَانُوا يُيَسِّرُونَ عَلىالمُؤْمِنِينَ ويُنْظِرُونَ المُعْسِرَ حَتَّى يُيَسَّرَ»(3).

غلبة الظالم

مسألة: يستحب بيان أن الله تعالى لا يبالي أيهما غلب، فمن كان ظالماً لا ينبغي أن يفرح الناس بغلبته وإن كان صديقاً أو رحماً أو من نفس العشيرة أو الجماعة أو البلدة، وذلك لأن غلبته شر له، كما أنها أيام قلائل وامتحان، قال

ص: 126


1- سورة محمد: 7.
2- الكافي: ج 2 ص332 باب الظلم ح10.
3- وسائل الشيعة: ج 18 ص366 ب25 باب وجوب إنظار المعسر وعدم جواز معاسرته ح3.

سبحانه: «وَلا يَحْسَبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلي لهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلي لهُمْ ليَزْدَادُوا إِثْمًا وَلهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ»(1).

وقال بنو إسرائيل لقارون: «لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحين»(2).

والمراد الفرح ببطر وطغيان، فإن كل علم ومال وجاه وسلاح وغلبة لم تأت من مصادر صحيحة أو لم تصرف في طرق صحيحة وإن نشأت من مناشئ صحيحة، فإنها سبب حزن وكآبة وبلاء وسوء عاقبة في الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من ذلك.

وفي الأحاديث: «عن ماله مِمَّ اكتسبه،وفيمَ أنفقه»(3).

ص: 127


1- سورة آل عمران: 178.
2- سورة القصص: 76.
3- كشف اليقين: ص227 المبحث السادس في وجوب محبته ومودته.

الحث على النظافة

اشارة

عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يلومن إلاّ نفسه من بات وفي يده غمر»(1).

-----------------------------

النظافة قبل النوم

مسألة: يستحب نظافة اليد عند المنام، فإن النظافة مستحبة مطلقاً، وبعض أنواعها آكد استحباباً من بعض، كما أن بعضها واجبة كالنظافة للوضوء الواجب وبالوضوء كذلك، وللغسل وبالغسل الواجب وما أشبه، وقد ورد: «النظافة من الإيمان»(2).

ثم إن وساخة اليد عند المنام أسوأ منها في اليقظة، لأنها تلوث الفرش والبدن وما أشبه، بينما في اليقظة ليست كذلك، هذا بالإضافة إلى أن الغمروهو الدسومة والزهومة من اللحم، يجلب الحيوانات الضارة والمؤذية إلى يده

ص: 128


1- كشف الغمة: ج 1 ص554 من روى من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله).
2- مستدرك الوسائل: ج 16 ص319 ب92 باب استحباب تخليل الإنسان بعد الأكل وكراهة تركه ح9.

وجسمه(1)، هذا إضافة إلى الآثار الغيبية المذكورة في أمثال هذه الروايات.

قَال (صلى الله عليه وآله): «تَخَللوا، فَإِنَّهُ مِنَ النَّظَافَةِ، والنَّظَافَةُ مِنَ الإِيمَانِ، والإِيمَانُ وصَاحِبُهُ فِي الجَنَّة»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ تَطَهَّرَ ثُمَ أَوَى إِلى فِرَاشِهِ بَاتَ وفِرَاشُهُ كَمَسْجِدِهِ، فَإِنْ قَامَ مِنَ الليْل فَذَكَرَ اللهَ تَنَاثَرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ، فَإِنْ قَامَ مِنْ آخِرِ الليْل فَتَطَهَّرَ وصَلى رَكْعَتَيْنِ وحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَليْهِ وصَلى عَلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) لمْ يَسْأَل اللهَ شَيْئاً إِلا أَعْطَاهُ، إِمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الذِي يَسْأَلهُ بِعَيْنِهِ، وإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لهُ مِنْهُ»(3).

وقَال عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَليٍّ الحَلبِيُ: سُئِل أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُل أَيَنْبَغِي لهُ أَنْ يَنَامَ وهُوَ جُنُب،ٌ فَقَال: «يُكْرَهُ ذَلكَحَتَّى يَتَوَضَّأَ»(4).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَليٍّ (عليهم السلام) قَال: «اغْسِلوا صِبْيَانَكُمْ مِنَ الغَمَرِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَشَمُّ الغَمَرَ فَيَفْزَعُ الصَّبِيُّ فِي رُقَادِهِ ويَتَأَذَّى بِهِ الكَاتِبَانِ»(5).

ص: 129


1- كالفأرة وغيرها.
2- مستدرك الوسائل: ج 16 ص319 ب92 باب استحباب تخليل الإنسان بعد الأكل وكراهة تركه ح9.
3- الكافي: ج 3 ص468 باب صلاة فاطمة عليها السلام وغيرها من صلاة الترغيب ح5.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص83 باب صفة غسل الجنابة ح179.
5- وسائل الشيعة: ج 3 ص337 ب27 باب استحباب غسل المولود ح1.

من لم يتنظف

مسألة: يستحب بيان أن من لم يراع النظافة فلا يلومن إلاّ نفسه، وهذا كناية عن أنه بنفسه السبب دون غيره، فإنه قد يسبب الغير ضرراً للإنسان وقد يتسبب هو في إضرار نفسه، فإذا كان السبب هو بنفسه فاللوم عليه.

ثم إن لوم النفس قد يجب في بعض الموارد ليحصل التنبه والتحذر عن الوقوع في الحرام من باب المقدمة، ومن الواضح أن النفس منها لوامة، كما قال سبحانه: «وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللوَّامَة»(1).

ص: 130


1- سورة القيامة: 2.

أحقية المالك

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «الرجل أحق بصدر دابته، وصدر فراشه، والصلاة في منزله إلاّ إمام يجتمع الناس عليه»((1).

---------------------------

الإنسان أحق بملكه

مسألة: الإنسان أحق بكل ما يملكه، وما ذكرته الصديقة (صلوات الله عليها) هو مصاديق هذه الكبرى، ولعله خصتها بالذكر لكثرة الابتلاء بها، أو لخفائها على البعض.

ويلحق به أنه أحق بكل ما له فيه حق الاختصاص(2)، كما هو أحق بكل ما يرتبط به على نحو شرعي، كالزوجة فإنها مرتبطة به وإن لم يكن يملكها.

نعم ربما يقتضي الأدب والفضل أن يقدم غيره على نفسه فيما يملكهإذا كان الشيء صالحاً لذلك، إلا أن الحق يبقى للإنسان المالك أو ذي الاختصاص.

ص: 131


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) كلامها (عليها السلام) في أحقية المالك ح197.
2- كمن سبق إلى موضع في المسجد، أو مسكن بالمدرسة، أو محل في السوق، أو سائر المشتركات.

وصدر الدابة في قبال عقبها، إذ قد يردف الراكب إنساناً خلفه وقد يعطيه الصدر ويجلس هو خلفه.

والحاصل: المراد أنه إذا أذن المالك لشخص في الركوب فلا يزاحم المالك في صدر دابته بغير رضاه، وكذا لو أذن له في دخول منزله، وكذا لا يتقدم للصلاة في منزل الغير إلاّ برضا صاحبه، نعم لو اجتمع الناس على تقديم شخص ينبغي لصاحب المنزل القبول وإن لم يجب عليه، فالاستثناء(1) أشبه بالمنقطع، لتزاحم الحقين(2)، وإن كان اللا اقتضائي لا يزاحم الاقتضائي.

قال (صلى الله عليه وآله): «النَّاسُ مُسَلطُونَ عَلى أَمْوَالهِم»(3).

الأحق بالأفضل

مسألة: الإنسان أحق بالأفضل مما يملكه.

وقول الصديقة (عليها السلام): «أحق»، إما أن يراد به المعنى الحقيقي للأحقية من باب أفعل التفضيل، فمعناها على هذا: أن الغير له حق أيضاً في الجملة، ويمكن تصور ذلك إذا أباح صاحب الحق لغيره، وإما أن يراد به المعنى المجازي أي بلا تفضيل، وذلك كما لو لم يبح له، فإن صاحب الحق له الحق كاملاً ولا حق لغيره، وعندئذ يحمل لفظ (أحق) على التجرد من معنى الأفضلية، فلا يدل على الاشتراك في الأصل وترجيح هذا على هذا وتفضيله،

ص: 132


1- أي في قولها (عليها السلام): «إلا أمام يجتمع الناس».
2- حق صاحب المنزل وحق الناس في تقديم من شاؤوا.
3- غوالي اللئالي: ج 1 ص222 الفصل التاسع في ذكر أحاديث تتضمن شيئا من أبواب الفقه ذكرها بعض الأصحاب في بعض كتبه مروية بطريقي إليه ح99.

مثل: «أَوْلَى لكَ فَأَوْلَى»(1)، ومثل قول الفقهاء: إنه (أحوط) و(أقوى) وما أشبه، حيث ذكر الأدباء أنه قد ينسلخ (أفعل التفضيل) عن معنى المفاضلة بحسب القرائن الخارجية والداخلية.

وفي رواية قالت (عليها السلام): «صاحب الدابة أحق بصدرها».

حرمة انتهاك الحقوق

مسألة: انتهاك حقوق الآخرين حرام، ولافرق في الحق بين الصغير والكبير، والحقير والخطير، كما لا فرق في المنتهِك للحقوق بين الأمير والوزير، والرئيس والمرؤوس، والشريف والوضيع، والرجل والمرأة والحر والعبد، كما لا فرق في المنتهَك حقه بين مختلف الأفراد.

قَال أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «لا تُضِيعَنَ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالا عَلى مَا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ ليْسَ لكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّه»(2).

وقَال أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مِنَ العُقُوقِ إِضَاعَةُ الحُقُوقِ»(3).

ص: 133


1- سورة القيامة: 34.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص392 ومن ألفاظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموجزة التي لم يسبق إليها ح5834.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص467 ح8502.

آداب المائدة

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام): «في المائدة اثنتا عشر خصلة، يجب على كل مسلم أن يعرفها، أربع فيها فرض، وأربع فيها سنة، وأربع فيه تأديب.

فأما الفرض: فالمعرفة، والرضا، والتسمية، والشكر.

وأما السنة: فالوضوء قبل الطعام، والجلوس على الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، ولعق الأصابع.

وأما التأديب: فالأكل بما يليك، وتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس»(1).

-------------------------

المراد بالفرض

ربما يراد من الفرض والسنة والآداب في هذه الرواية مراتب الاستحباب، وربما يراد من الفرض ما فرضه الله(2) بالمعنى اللغوي، أي ما أثبته، ومن السنة ما سنه الله أو رسوله (صلى الله عليهوآله).

ص: 134


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص920 كلامها (عليها السلام) في آداب المائدة ح201.
2- أي حدده الله وشرعه، وهو أعم من الواجب والمستحب، كا هو ظاهر كلام المصنف (قدس سره).

والفرق بين ما هو سنة وما هو أدب، أن الأولى ما سنها الرسول (صلى الله عليه وآله)، والثاني ما يرشد إليه العقل أو العلم أو التجربة وإن أيده الشرع، وإلا فمن المعلوم أن الشكر والتسمية وما أشبه ليس بفريضة بمعنى الوجوب الشرعي المانع من النقيض.

تعلم الآداب

مسألة: يستحب تعليم وتعلم آداب المائدة، بل مطلق الآداب الإسلامية.

ثم إن آداب المائدة كثيرة مذكورة في كتاب الأطعمة والأشربة، وقد ذكرت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) جملة مفضلة منها، كما لا يخفى.

قَال (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلونَ عَلى خِوَانٍ عَليْهِ مِلحٌ وخَل»(1).

وعَنْ مِسْمَعٍ أَبِي سَيَّارٍ، قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه

السلام): إِنِّي أَتَّخِمُ، قَال: «سَمِّ»، قُلتُ: قَدْ سَمَّيْتُ، قَال: «فَلعَلكَ تَأْكُل أَلوَانَ الطَّعَامِ»، قُلتُ: نَعَمْ، قَال: «فَتُسَمِّي عَلى كُل لوْنٍ»، قُلتُ: لا، قَال: «فَمِنْ هَاهُنَاتَتَّخِمُ»(2).

وعَنْ مُوَفَّقٍ المَدِينِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: بَعَثَ إِليَّ المَاضِي (عليه السلام) يَوْماً وحَبَسَنِي للغَدَاءِ، فَلمَّا جَاءُوا بِالمَائِدَةِ لمْ يَكُنْ عَليْهَا بَقْل، فَأَمْسَكَ يَدَهُ ثُمَّ قَال

ص: 135


1- الدعوات، للراوندي: ص146 فصل في ذكر أشياء من المأكولات والمشروبات وكيفية تناولها ح380.
2- وسائل الشيعة: ج 24 ص362 ب61 باب استحباب التسمية على كل إناء وعلى كل لون وكلما عاد إلى الطعام وعلى كل لقمة ح4.

للغُلامِ: «أَمَا عَلمْتَ أَنِّي لا آكُل عَلى مَائِدَةٍ ليْسَ فِيهَا خَضِرٌ فَأْتِنِي بِالخَضِرِ»، قَال: فَذَهَبَ الغُلامُ وجَاءَ بِالبَقْل فَأَلقَاهُ عَلى المَائِدَةِ، فَمَدَّ (عليه السلام) يَدَهُ ثُمَّ أَكَل(1).

وعَنْ أَبِي خَدِيجَةَ قَال: سَأَل بَشِيرٌ الدَّهَّانُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وأَنَا حَاضِرٌ فَقَال: هَل كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَأْكُل مُتَّكِئاً عَلى يَمِينِهِ أَوْ عَلى يَسَارِهِ، فَقَال: «مَا كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَأْكُل مُتَّكِئاً عَلى يَمِينِهِ ولا عَلى يَسَارِهِ، ولكِنْ يَجْلسُ جِلسَةَ العَبْدِ تَوَاضُعاً للهِ»(2).

وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): «أَنَّهُكَانَ لا يَأْكُل الحَارَّ حَتَّى يَبْرُدَ ويَقُول: إِنَّ اللهَ لمْ يُطْعِمْنَا نَاراً، إِنَّ الطَّعَامَ الحَارَّ غَيْرُ ذِي بَرَكَةٍ فَأَبْرِدُوهُ، وكَانَ إِذَا أَكَل سَمَّى ويَأْكُل بِثَلاثِ أَصَابِعَ ومِمَّا يَليهِ، ولا يَتَنَاوَل مِنْ بَيْنِ يَدَيْ غَيْرِهِ، ويُؤْتَى بِالطَّعَامِ فَيَشْرَعُ قَبْل القَوْمِ ثُمَّ يَشْرَعُونَ، وكَانَ يَأْكُل بِأَصَابِعِهِ الثَّلاثِ الإِبْهَامِ والتِي تَليهَا والوُسْطَى، ورُبَّمَا اسْتَعَانَ بِالرَّابِعَةِ، وكَانَ يَأْكُل بِكَفِّهِ كُلهَا، ولمْ يَأْكُل بِإِصْبَعَيْنِ ويَقُول: إِنَّ الأَكْل بِإِصْبَعَيْنِ هُوَ أَكْل الشَّيْطَانِ»(3).

تحصيل المعرفة

مسألة: يستحب أو يجب تحصيل المعرفة، ولعل المراد بالمعرفة في كلام الصديقة (عليها السلام): معرفة الله ومعرفة أولياء النعم وحقوقهم.

ص: 136


1- المحاسن: ج 2 ص507 ب87 أبواب البقول باب ح651.
2- المحاسن: ج 2 ص457 ب51 باب الأكل متكئا ح389.
3- وسائل الشيعة: ج 24 ص435 ب112 باب جملة من آداب المائدة ح12.

قال تعالى: «وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَ رَسُولهُ مِنْ فَضْله»(1).

وقال عزوجل: «وَلوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولهُ وَقالوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتينَا اللهُ مِنْ فَضْلهِ وَرَسُولهُ إِنَّا إِلى اللهِراغِبُون»(2).

وجَاءَ رَجُل إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: مَا رَأْسُ العِلمِ، قَال: «مَعْرِفَةُ اللهِ حَقَ مَعْرِفَتِهِ»، قَال: ومَا حَقُ مَعْرِفَتِهِ، قَال: «أَنْ تَعْرِفَهُ بِلا مِثَال ولا شَبِيهٍ، وتَعْرِفَهُ إِلهاً وَاحِداً خَالقاً قَادِراً، أَوَّلا وآخِراً وظَاهِراً وبَاطِناً، لا كُفْوَ لهُ ولا مِثْل لهُ، وذَلكَ مَعْرِفَةُ اللهِ حَقَ مَعْرِفَتِه»(3).

وقال الإمام الرضا (عليه السلام):

«... فَإِنْ قَال قَائِل: فَلمَ وَجَبَ عَليْكُمْ مَعْرِفَةُ الرُّسُل والإِقْرَارُ بِهِمْ والإِذْعَانُ لهُمْ بِالطَّاعَةِ، قِيل لهُ: لأَنَّهُ لمَّا لمْ يَكْتَفِ فِي خَلقِهِمْ وقُوَاهُمْ مَا يُثْبِتُونَ بِهِ لمُبَاشَرَةِ الصَّانِعِ تَعَالى حَتَّى يُكَلمَهُمْ ويُشَافِهَهُمْ لضَعْفِهِمْ وعَجْزِهِمْ، وكَانَ الصَّانِعُ مُتَعَالياً عَنْ أَنْ يُرَى ويُبَاشَرَ وكَانَ ضَعْفُهُمْ وعَجْزُهُمْ عَنْ إِدْرَاكِهِ ظَاهِراً، لمْ يَكُنْ بُدٌّ لهُمْ مِنْ رَسُول بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ مَعْصُومٍ يُؤَدِّي إِليْهِمْ أَمْرَهُ ونَهْيَهُ وأَدَبَهُ ويُفَقِّهُهُمْ عَلى مَا يَكُونُ بِهِ اجْتِلابُ مَنَافِعِهِمْ ودَفْعُ مَضَارِّهِمْ، إِذْ لمْ يَكُنْ فِي خَلقِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِليْهِ مِنْ مَنَافِعِهِمْ ومَضَارِّهِمْ، فَلوْ لمْ يَجِبْ عَليْهِمْ مَعْرِفَتُهُ وطَاعَتُهُ لمْيَكُنْ لهُمْ فِي مَجِي ءِ الرَّسُول مَنْفَعَةٌ ولا سَدُّ حَاجَةٍ، ولكَانَ يَكُونُ إِتْيَانُهُ عَبَثاً لغَيْرِ مَنْفَعَةٍ ولا صَلاحٍ، وليْسَ هَذَا مِنْ صِفَةِ الحَكِيمِ الذِي

ص: 137


1- سورة التوبة: 74.
2- سورة التوبة: 59.
3- جامع الأخبار: ص5 الفصل الأول في معرفة الله تعالى.

أَتْقَنَ كُل شَيْ ء»(1).

وعَنِ الحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ مَاتَ لا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً»، قَال: «نَعَمْ»، قُلتُ: «جَاهِليَّةً جَهْلاءَ أَوْ جَاهِليَّةً لا يَعْرِفُ إِمَامَهُ، قَال: «جَاهِليَّةَ كُفْرٍ ونِفَاقٍ وضَلال»(2).

وعَنْ سَالمٍ قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتابَ الذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالمٌ لنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ»(3)، قَال: السَّابِقُ بِالخَيْرَاتِ الإِمَامُ، والمُقْتَصِدُ العَارِفُ للإِمَامِ، والظَّالمُ لنَفْسِهِ الذِي لا يَعْرِفُ الإِمَامَ»(4).

وعَنْ سَدِيرٍ قَال: قُلتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليهالسلام): إِنِّي تَرَكْتُ مَوَاليَكَ مُخْتَلفِينَ يَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، قَال: فَقَال: «ومَا أَنْتَ وذَاكَ، إِنَّمَا كُلفَ النَّاسُ ثَلاثَةً، مَعْرِفَةَ الأَئِمَّةِ والتَّسْليمَ لهُمْ فِيمَا وَرَدَ عَليْهِمْ والرَّدَّ إِليْهِمْ فِيمَا اخْتَلفُوا فِيهِ»(5).

ص: 138


1- علل الشرائع: ج 1 ص252 ب182 باب علل الشرائع وأصول الإسلام ح9.
2- الكافي: ج 1 ص377 باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى وهو من الباب الأول ح3.
3- سورة فاطر: 33.
4- الكافي: ج 1 ص214 باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) ح1.
5- الكافي: ج 1 ص390 باب التسليم وفضل المسلمين ح1.

الراضا بالمقسوم

مسألة: يستحب أو يجب تحصيل الرضا بما قسمه الله، فإن في الرضا بذلك رضاه تعالى، وفيه راحة النفس وطمأنينتها، والسعادة في الدنيا، والأجر في الآخرة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ): «الإِيمَانُ لهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ، التَّوَكُّل عَلى اللهِ، وتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلى اللهِ، والرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ، والتَّسْليمُ لأَمْرِ اللهِ عَزَّ وجَل»(1).

وقَال علي بن الحسين (عليه السلام): «الرِّضَا بِمَكْرُوهِ القَضَاءِ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ اليَقِينِ»(2).

وقَال اللهُ تَعَالى: «يَا دَاوُدُ قُل لعِبَادِي: يَا عِبَادِي مَنْ لمْ يَرْضَ بِقَضَائِي ولمْ يَشْكُرْ عَلى نَعْمَائِي ولمْ يَصْبِرْ عَلى بَلائِي فَليَطْلبْ رَبّاً سَوَائِي»(3).

التسمية عند الأكل

مسألة: يستحب التسمية عند الأكل، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إِذَا وُضِعَتِ المَائِدَةُ حَفَّتْهَا أَرْبَعَةُ آلافِ مَلكٍ،

ص: 139


1- الكافي: ج 2 ص47 باب خصال المؤمن ح2.
2- تحف العقول: 278 وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني.
3- جامع الأخبار: ص113 الفصل السبعون في البلاء.

فَإِذَا قَال العَبْدُ: بِسْمِ اللهِ، قَالتِ المَلائِكَةُ: بَارَكَ اللهُ عَليْكُمْ فِي طَعَامِكُمْ، ثُمَّ يَقُولونَ للشَّيْطَانِ: اخْرُجْ يَا فَاسِقُ لا سُلطَانَ لكَ عَليْهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا فَقَالوا الحَمْدُ للهِ قَالتِ المَلائِكَةُ: قَوْمٌ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ فَأَدَّوْا شُكْرَ رَبِّهِمْ، وَإِذَا لمْ يُسَمُّوا قَالتِ المَلائِكَةُ للشَّيْطَانِ: ادْنُ يَا فَاسِقُ فَكُل مَعَهُمْ، فَإِذَا رُفِعَتِ المَائِدَةُ وَلمْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَليْهَا قَالتِ المَلائِكَةُ: قَوْمٌ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ فَنَسُوا رَبَّهُمْ»(1).

والظاهر أن الاستحباب والثواب لمن سمى بنفسه، فلا يكفي ذكر التسمية في المسجّل مثلاً، وأما تسمية الغير فقد ورد عن ابن الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إِذَا حَضَرَتِ المَائِدَةُ وَسَمَّى رَجُل مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ»(2).

نعم لا شك في رجحان تسمية آحادهم،كما تستحب التسمية عند أكل كل نوع من الطعام، وعند الأكل من كل آنية وإن اتحدت أطعمتها، بل مع كل لقمة.

وتستحب إعادة التسمية لو تكلم أثناء الطعام.

والتسمية بالعربية أفضل، والظاهر كفاية ترجمتها بلغات أخرى في مثل الأكل، ولعله يكفي ذكر الاسم بوحده مثل (الله) أو (الرحمن) للصدق العرفي.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَا مِنْ رَجُل يَجْمَعُ عِيَالهُ وَيَضَعُ مَائِدَتَهُ فَيُسَمُّونَ فِي أَوَّل طَعَامِهِمْ وَيَحْمَدُونَ فِي آخِرِهِ فَتُرْفَعُ المَائِدَةُ حَتَّى يُغْفَرَ لهُمْ»(3).

ص: 140


1- راجع الكافي: ج 6 ص292 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح1.
2- الكافي: ج 6 ص294 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح9.
3- وسائل الشيعة: ج 24 ص353 ب57 باب استحباب التسمية في أول الطعام والتحميد في آخره ح6.

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «اذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلى الطَّعَامِ فَإِذَا فَرَغْتَ فَقُل: الحَمْدُ للهِ الذِي يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ»(1).

وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَال: أَكَلتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) طَعَاماً فَمَا أُحْصِي كَمْ مَرَّةً قَال: «الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلنِي أَشْتَهِيهِ»(2).وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «ضَمِنْتُ لمَنْ يُسَمِّي عَلى طَعَامِهِ أَنْ لا يَشْتَكِيَ مِنْهُ»، فَقَال لهُ ابْنُ الكَوَّاءِ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لقَدْ أَكَلتُ البَارِحَةَ طَعَاماً فَسَمَّيْتُ عَليْهِ وَآذَانِي، فَقَال: «لعَلكَ أَكَلتَ أَلوَاناً فَسَمَّيْتَ عَلى بَعْضِهَا وَ لمْ تُسَمِّ عَلى بَعْضٍ يَا لكَعُ»(3).

وعَنْ مِسْمَعٍ قَال: شَكَوْتُ مَا أَلقَى مِنْ أَذَى الطَّعَامِ إِلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) إِذَا أَكَلتُهُ، فَقَال: «لمْ تُسَمِّ»، فَقُلتُ: إِنِّي لأُسَمِّي وَإِنَّهُ ليَضُرُّنِي، فَقَال لي: «إِذَا قَطَعْتَ التَّسْمِيَةَ بِالكَلامِ ثُمَّ عُدْتَ إِلى الطَّعَامِ تُسَمِّي»، قُلتُ: لا، قَال: «فَمِنْ هَاهُنَا يَضُرُّكَ، أَمَا لوْ أَنَّكَ إِذَا عُدْتَ إِلى الطَّعَامِ سَمَّيْتَ مَا ضَرَّكَ»(4).

وعَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ، قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): كَيْفَ أُسَمِّي عَلى الطَّعَامِ، قَال: فَقَال: «إِذَا اخْتَلفَتِ الآنِيَةُ فَسَمِّ عَلى كُل إِنَاءٍ»، قُلتُ: فَإِنْ نَسِيتُ أَنْ أُسَمِّيَ، قَال: «تَقُول: بِسْمِ اللهِ عَلىأَوَّلهِ وَآخِرِهِ»(5).

ص: 141


1- وسائل الشيعة: ج 24 ص353 ب57 باب استحباب التسمية في أول الطعام والتحميد في آخره ح3.
2- الكافي: ج 6 ص295 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح17.
3- الكافي: ج 6 ص295 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح18.
4- الكافي: ج 6 ص295 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح19.
5- الكافي: ج 6 ص295 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح20.

الشكر عند الأكل

مسألة: يستحب الشكر عند الأكل، بل عند كل لقمة، شكراً بالقول، وشكراً بالعمل بمراعاة حدود ما أوجبه الله.

عن الصنعاني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كَانَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) إِذَا وُضِعَ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَال: اللهُمَّ هَذَا مِنْ مَنِّكَ وَفَضْلكَ وَعَطَائِكَ فَبَارِكْ لنَا فِيهِ وَسَوِّغْنَاهُ وَارْزُقْنَا خَلفاً إِذَا أَكَلنَاهُ وَرُبَّ مُحْتَاجٍ إِليْهِ، رَزَقْتَ فَأَحْسَنْتَ اللهُمَّ وَاجْعَلنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَإِذَا رُفِعَ الخِوَانُ قَال: الحَمْدُ للهِ الذِي حَمَلنَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقَنَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَا عَلى كَثِيرٍ مِنْ خَلقِهِ تَفْضِيلا»(1).

وعَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَال: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَأَطْعَمَنَا ثُمَّ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا فَقُلنَا: الحَمْدُ للهِ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «اللهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَمِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولكَ، اللهُمَّ لكَ الحَمْدُ، صَل عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَنَّ أَبَاحَنِيفَةَ أَكَل مَعَهُ فَلمَّا رَفَعَ الصَّادِقُ (عليه السلام) يَدَهُ مِنْ أَكْلهِ قَال: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، اللهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَمِنْ رَسُولكَ (صلى الله عليه وآله)، فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَجَعَلتَ مَعَ اللهِ شَرِيكاً، فَقَال لهُ: «وَيْلكَ إِنَّ اللهَ يَقُول فِي كِتَابِهِ: «وَما نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولهُ مِنْ فَضْلهِ»(3)، وَيَقُول فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «وَلوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ

ص: 142


1- الكافي: ج 6 ص294 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح12.
2- الكافي: ج 6 ص296 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح22.
3- سورة التوبة: 74.

وَرَسُولهُ وَقالوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلهِ وَرَسُولهُ»(1)، فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: وَاللهِ لكَأَنِّي مَا قَرَأْتُهُمَا قَطُّ(2).

الوضوء قبل الطعام

مسألة: يستحب الوضوء قبل الطعام.

ثم إن الوضوء إن قرأ بضم الواو أريد به الوضوء المصطلح أو غسل الأعضاء، وإن قرأ بفتحها أريد به الماء أي ما يتوضأ به، كالفطور والسحور بالفتح لما يفطر أو يتسحر به(3).وقد وردت روايات عديدة في غسل اليدين قبل الطعام:

عن النبي (صلى الله عليه وآله): «غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي الهم»(4).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر، وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو البصر»(5).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش

ص: 143


1- سورة التوبة: 59.
2- وسائل الشيعة: ج 24 ص351 ب56 باب استحباب التسمية والتحميد في أول الأكل وفي أثنائه لا الصمت ح9.
3- لسان العرب، مادة (وضأ).
4- مكارم الأخلاق: ص139 الفصل الثاني في آداب غسل اليد وغيرها.
5- الكافي: ج 6 ص290 باب الوضوء قبل الطعام وبعده ح3.

في سعة، وعوفي من بلوى في جسده»(1).

إلى غيرها من الروايات.

كما وردت أحاديث بالوضوء قبل الطعام وبعده، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): «الوُضُوءُ قَبْل الطَّعَامِ يَنْفِي الفَقْرَ وبَعْدَهُ يَنْفِي الهَمَّ ويُصَحِّحُ البَصَر»(2).

وقال في المسالك: (المراد بالوضوءهنا غسل اليدين).

وهذا هو الأظهر لاستظهار مفسرية روايات (غسل اليد) للروايات الوارد فيها لفظ (الوضوء) ، ولذا لم يذكر الفقهاء الوضوء المصطلح من مستحبات المائدة، كما بنينا عليه في باب الأطعمة والأشربة أيضاً(3).

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَاليِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال: «يَا أَبَا حَمْزَةَ الوُضُوءُ قَبْل الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ يُذْهِبَانِ الفَقْرَ»، قُلتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَذْهَبَانِ بِالفَقْرِ، فَقَال: «نَعَمْ يَذْهَبَانِ بِهِ»(4).

وعَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْثُرَ خَيْرُ بَيْتِهِ فَليَتَوَضَّأْ عِنْدَ حُضُورِ طَعَامِهِ»(5).

وقَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «الوُضُوءُ قَبْل الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ يَزِيدَانِ فِي الرِّزْقِ»(6).

ص: 144


1- الكافي: ج 6 ص290 باب الوضوء قبل الطعام وبعده ح1.
2- مكارم الأخلاق: ص139 الفصل الثاني في آداب غسل اليد وغيرها.
3- موسوعة (الفقه): الأطعمة والأشربة، ج77 ص94 - 96.
4- الكافي: ج 6 ص290 باب الوضوء قبل الطعام وبعده ح2.
5- الكافي: ج 6 ص290 باب الوضوء قبل الطعام وبعده ح4.
6- الكافي: ج 6 ص290 باب الوضوء قبل الطعام وبعده ح5.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «الوُضُوءُ قَبْل الطَّعَامِ يَبْدَأُ صَاحِبُ البَيْتِ لئَلا يَحْتَشِمَ أَحَدٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّعَامِ بَدَأَ بِمَنْ عَنْ يَمِينِ صَاحِبِ البَيْتِ حُرّاً كَانَ أَوْ عَبْداً»(1).

قال: وفي حديث آخر: «يَغْسِل أَوَّلا رَبُّ البَيْتِ يَدَهُ ثُمَّ يَبْدَأُ بِمَنْ عَلى يَمِينِهِ، وَإِذَا رُفِعَ الطَّعَامُ بَدَأَ بِمَنْ عَلى يَسَارِ صَاحِبِ المَنْزِل وَيَكُونُ آخِرُ مَنْ يَغْسِل يَدَهُ صَاحِبَ المَنْزِل لأَنَّهُ أَوْلى بِالصَّبْرِ عَلى الغَمَرِ»(2).

وعَنِ الفَضْل بْنِ يُونُسَ، قَال: لمَّا تَغَدَّى عِنْدِي أَبُو الحَسَنِ (عليه السلام) وَجِي ءَ بِالطَّسْتِ بُدِئَ بِهِ (عليه السلام) وَكَانَ فِي صَدْرِ المَجْلسِ، فَقَال (عليه السلام): «ابْدَأْ بِمَنْ عَلى يَمِينِكَ»، فَلمَّا تَوَضَّأَ وَاحِدٌ أَرَادَ الغُلامُ أَنْ يَرْفَعَ الطَّسْتَ، فَقَال لهُ أَبُو الحَسَنِ (عليه السلام): «دَعْهَا وَاغْسِلوا أَيْدِيَكُمْ فِيهَا»(3).

عند الجلوس على المائدة

مسألة: يستحب على المائدة الجلوس على جانبه(4) الأيسر.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِذَا أَكَلتَ فَاعْتَمِدْ عَلى يَسَارِكَ»(5).

وفي الفقيه في آداب المائدة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وَأَمَّا السُّنَّةُ

ص: 145


1- الكافي: ج 6 ص290 باب صفة الوضوء قبل الطعام ح1.
2- الكافي: ج 6 ص291 باب صفة الوضوء قبل الطعام ح1.
3- الكافي: ج 6 ص291 باب صفة الوضوء قبل الطعام ح3.
4- أي جانب الجالس.
5- وسائل الشيعة: ج 24 ص254 ب7 باب عدم كراهة وضع اليد على الأرض وقت الأكل واستحباب خلع النعل عنده ح3.

فَالجُلوسُ عَلى الرِّجْل اليُسْرَى»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عليهما السلام): «فِي المَائِدَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ خَصْلةً، يَجِبُ عَلى كُل مُسْلمٍ أَنْ يَعْرِفَهَا، أَرْبَعٌ مِنْهَا فَرْضٌ، وأَرْبَعٌ سُنَّةٌ، وأَرْبَعٌ تَأْدِيبٌ، فَأَمَّا الفَرْضُ: فَالمَعْرِفَةُ والرِّضَا والتَّسْمِيَةُ والشُّكْرُ، وأَمَّا السُّنَّةُ: فَالوُضُوءُ قَبْل الطَّعَامِ والجُلوسُ عَلى الجَانِبِ الأَيْسَرِ والأَكْل بِثَلاثِ أَصَابِعَ ولعْقُ الأَصَابِعِ، وأَمَّا التَّأْدِيبُ: فَالأَكْل مِمَّا يَليكَ وتَصْغِيرُ اللقْمَةِ وتَجْوِيدُ المَضْغِوقِلةُ النَّظَرِ فِي وُجُوهِ النَّاسِ»(2).

الأكل بثلاث أصابع

مسألة: يستحب الأكل بثلاث أصابع، والظاهر أن ذلك في قبال الأكل بإصبعين أو إصبع واحدة، فإنها أكلة الجبارين كما في الرواية(3).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَنَّهُ كَانَ يَجْلسُ جِلسَةَ العَبْدِ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلى الأَرْضِ وَيَأْكُل بِثَلاثِ أَصَابِعَ، وَأَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): كَانَ يَأْكُل هَكَذَا ليْسَ كَمَا يَفْعَل الجَبَّارُونَ أَحَدُهُمْ يَأْكُل بِإِصْبَعَيْهِ»(4).

روي «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأكل بثلاث أصابع ويكره الأكل

ص: 146


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص355 باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب ح5762.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص359 باب الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وغير ذلك من آداب الطعام ح4270.
3- راجع الفقه: ج77 ص151.
4- الكافي: ج 6 ص297 باب نوادر ح6.

بإصبعين»(1).

وروي: «كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَسْتَاكُ عَرْضاً ويَأْكُل هَرْتاً، وقَال:الهَرْتُ أَنْ يَأْكُل بِأَصَابِعِهِ جَمِيعاً»(2).

الأكل مما يليه

مسألة: يستحب الأكل مما يلي الإنسان، فإنه من الأدب والكرامة والأخلاق.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَا مِنْ شَيْ ءٍ إِلا وَلهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إِليْهِ» فَجِي ءَ بِالخِوَانِ فَوُضِعَ، فَقَالوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: قَدْوَ اللهِ اسْتَمْكَنَّا مِنْهُ، فَقَالوا: يَا أَبَا جَعْفَرٍ هَذَا الخِوَانُ مِنَ الشَّيْءِ، فَقَال: «نَعَمْ»، قَالوا: فَمَا حَدُّهُ، قَال: «حَدُّهُ إِذَا وُضِعَ قِيل بِسْمِ اللهِ، وَإِذَا رُفِعَ قِيل الحَمْدُ للهِ، وَيَأْكُل كُل إِنْسَانٍ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلا يَتَنَاوَل مِنْ قُدَّامِ الآخَرِ شَيْئاً»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا أَكَل أَحَدُكُمْ فَليَأْكُل مِمَّا يَليهِ»(4).

وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): أَنَّهُ قَدِمَ عَليْهِ رَجُل فَأَضَافَهُ فَأَدْخَلهُ بَيْتَ أُمِّ سَلمَةَ ثُمَّ قَال: «هَل عِنْدَكُمْ شَيْ ءٌ»، قَال: فَأَتَوْنَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ والوَذَرِ،

ص: 147


1- بحار الأنوار: ج 63 ص414 ب17 جوامع آداب الأكل.
2- الكافي: ج 6 ص297 باب نوادر ح5.
3- الكافي: ج 6 ص292 باب التسمية والتحميد والدعاء على الطعام ح3.
4- الكافي: ج 6 ص297 ح3.

فَجَعَلذَلكَ الرَّجُل يُجِيل يَدَهُ فِي جَوَانِبِهَا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) يَمِينَهُ بِيَسَارِهِ ووَضَعَهَا قُدَّامَهُ ثُمَّ قَال: «كُل مِمَّا يَليكَ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ» فَلمَّا رُفِعَتِ الجَفْنَةُ أَتَوْنَا بِطَبَقٍ فِيهِ رُطَبٌ، فَجَعَل يَأْكُل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وجَعَل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَجُول فِي الطَّبَقِ ثُمَّ قَال للرَّجُل: كُل مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ طَعَامٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَتَوْنَا بِوَضُوءٍ فَغَسَل يَدَهُ ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وذِرَاعَيْهِ وقَال: هَذَا الوَضُوءُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّار»(1).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «إِذَا وُضِعَتِ المَائِدَةُ فَليَأْكُل أَحَدُكُمْ مِمَّا يَليهِ ولا يُنَاوِل ذِرْوَةَ الطَّعَامِ، فَإِنَّ البَرَكَةَ تَأْتِيهَا مِنْ أَعْلاهَا، ولا يَقُومُ أَحَدُكُمْ ولا يَرْفَعُ يَدَهُ وإِنْ شَبِعَ حَتَّى يَرْفَعَ القَوْمُ أَيْدِيَهُمْ، فَإِنَّ ذَلكَ يُخْجِل جَليسَه»(2).

تصغير اللقمة

مسألة: يستحب تصغير اللقمة، فإنه أصحللبدن وأرفق بالمعدة، ومما يعين على جودة المضغ، ولم نستبعد في (الفقه) تعدي ذلك إلى الشراب أيضاً للمناط.

قال (صلى الله عليه وآله) في حديث خصال المائدة: «وأَمَّا الأَدَبُ فَتَصْغِيرُ اللقْمَةِ» الحديث(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «ثَلاثَةُ أَنْفَاسٍ فِي الشُّرْبِ أَفْضَل مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ»(4).

ص: 148


1- مستدرك الوسائل: ج 16 ص284 ب58 باب استحباب الأكل مما يليه لا مما قدام غيره ح2.
2- مستدرك الوسائل: ج 16 ص284 58 باب استحباب الأكل مما يليه لا مما قدام غيره ح3.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص355 باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب ح5762.
4- الكافي: ج 6 ص383 باب شرب الماء من قيام والشرب في نفس واحد ح7.

مضغ الطعام جيداً

مسألة: يستحب مضغ الطعام مضغاً شديداً، فإنه أهنأ وأمرأ، كما أنه يخفف على المعدة(1)، ويحرز فوائد الطعام، وله فوائد أخرى(2)، فالمضغ المرحلة الأولى من الهضم، نعم إذا أوجب عدم المضغ الضرر البالغ المنهي عنه حرم على ما هو مذكور في باب «لا ضرر».

قال (صلى الله عليه وآله) في حديث خصال المائدة: «والمَضْغُ الشَّدِيدُ»(3).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ لا يَضُرَّهُ طَعَامٌ فَلا يَأْكُل طَعَاماً حَتَّى يَجُوعَ وتَنْقَى مَعِدَتُهُ، فَإِذَا أَكَل فَليُسَمِّ اللهَ وليُجِدِ المَضْغَ وليَكُفَ عَنِ الطَّعَامِوهُوَ يَشْتَهِيهِ ويَحْتَاجُ إِليْهِ»(4).

قلة النظر للآخرين

مسألة: يستحب عند الأكل قلة النظر في وجوه الناس، وربما من وجوهه أنه بإكثار النظر إلى وجوههم يرى ما يكره، والنظر لوجوههم قد يسبب لهم أذى

ص: 149


1- فإن عدم مضغ الطعام جيداً يسبب عسر الهضم.
2- مثل: أن تجويد المضغ يعتبر من موانع السمنة، فالمخ - على ما قالوا - يرسل إشارات للمعدة بالاكتفاء بعد عشرين دقيقة من الابتداء بأكل الطعام، ومع سرعة الأكل سيلتهم الإنسان كمية أكبر من حاجته خلال هذه العشرين دقيقة، أما مع تجويد المضغ سيكون الأمر معتدلاً متوازناً.
3- الكافي: ج 6 ص383 باب شرب الماء من قيام والشرب في نفس واحد ح7.
4- وسائل الشيعة: ج 24 ص433 ب112 باب جملة من آداب المائدة ح4.

وإحراجاً.

قال (صلى الله عليه وآله) في حديث خصال المائدة: «وقِلةُ النَّظَرِ فِي وُجُوهِ النَّاسِ»(1).

بيان مراتب الاستحباب

مسألة: يستحب ذكر مراتب المستحبات وفضل بعضها على بعض.

ثم إن هذه الأمور على إطلاقها من الواجبة والمستحبة مطلقاً كل في مورده، نعم يتأكد استحبابها على المائدة.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى القضاء والقدر: «الأَمْرُ بِالطَّاعَةِوالنَّهْيُ عَنِ المَعْصِيَةِ، والتَّمْكِينُ مِنْ فِعْل الحَسَنَةِ وتَرْكِ المَعْصِيَةِ، والمَعُونَةُ عَلى القُرْبَةِ إِليْهِ، والخِذْلانُ لمَنْ عَصَاهُ، والوَعْدُ والوَعِيدُ والتَّرْغِيبُ والتَّرْهِيبُ كُل ذَلكَ قَضَاءُ اللهِ فِي أَفْعَالنَا وقَدَرُهُ لأَعْمَالنَا»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «رَحِمَ اللهُ عَبْداً تَكَلمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلمَ، إِنَّ اللسَانَ أَمْلكُ شَيْ ءٍ للإِنْسَانِ، أَلا وإِنَّ كَلامَ العَبْدِ كُلهُ عَليْهِ إِلا ذِكْرَ اللهِ تَعَالى، أَوْ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ إِصْلاحٌ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ»(3).

ص: 150


1- الكافي: ج 6 ص383 باب شرب الماء من قيام والشرب في نفس واحد ح7.
2- الاحتجاج: ج 1 ص209 احتجاجه (عليه السلام) فيما يتعلق بتوحيد الله وتنزيهه عما لا يليق به من صفات المصنوعين من الجبر والتشبيه والرؤية والمجي ء والذهاب والتغيير والزوال والانتقال من حال إلى حال في أثناء خطبه ومجاري كلامه ومخاطباته ومحاوراته.
3- مستدرك الوسائل: ج 9 ص32 ب103 باب كراهة كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى ح15.

الحجاب

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) في حديث: «وَخَيْرٌ لهُنَّ أَنْ لا يَرَيْنَ الرِّجَال ولا يَرَاهُنَّ الرِّجَال»(1).

وعَنْ عَليٍّ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) أَنَّهُ قَال لفَاطِمَةَ (عليها السلام): «مَا خَيْرُ النِّسَاءِ»، قَالتْ: «وأَنْ لا يَرَيْنَ الرِّجَال ولا يَرَوْنَهُنَّ»(2).

----------------------

النظر الحرام

مسألة: لا يجوز للرجل رؤية الأجنبية، ولا للمرأة رؤية الأجنبي في غير ما استثني كالوجه والكفين حيث استثناهما جملة من الفقهاء، والاحتياط(3) وإن كان في العدم(4) إلا أن الظاهر الاستثناء بشرط أن لا يكون موضع ريبة وفتنة, وأن لا يكون بتزيين وتجميل.قال سبحانه: «قُل للمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ

ص: 151


1- كشف الغمة: ج 1 ص466 منزلتها عند النبي صلى الله عليه وآله.
2- انظر بحار الأنوار: ج 37 ص69 ب50 مناقب أصحاب الكساء وفضلهم (صلوات الله عليهم).
3- الاستحبابي.
4- أي عدم إظهارها وجهها وكفيها، وعدم نظر الرجال إليها.

وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ لبُعُولتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَني إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَني أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعينَ غَيْرِ أُولي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجال أَوِ الطِّفْل الذينَ لمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلهِنَّ ليُعْلمَ ما يُخْفينَ مِنْ زينَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلى اللهِ جَميعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لعَلكُمْ تُفْلحُون»(1).

وقال تعالى: «وَإِذا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلكُمْ أَطْهَرُ لقُلوبِكُمْ وَ قُلوبِهِنَّ»(2).

والمسألة مذكورة تفصيلاً في كتاب النكاح وغيره.

عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ قَال: سَمِعْتُ جَعْفَراً (عليه السلام) وسُئِل عَمَّا تُظْهِرُ المَرْأَةُ مِنْ زِينَتِهَا، قَال: «الوَجْهَ والكَفَّيْنِ»(3).

التأكيد على الحجاب

مسألة: يستحب التأكيد على الحجاب، فإن أصل الحجاب خير، وتركه شر، والتأكيد فيه فضل.

ص: 152


1- سورة النور: 31.
2- سورة الأحزاب: 53.
3- وسائل الشيعة: ج 20 ص202 ب109 باب ما يحل النظر إليه من المرأة بغير تلذذ وتعمد وما لا يجب عليها ستره ح5.

ومعنى كون الحجاب خيراً اللزوم لا الأفضلية، فإن (خير) كما ذكره الأدباء قد ينسلخ عن معنى الأفضلية ويظهر بالقرينة، ومنها مناسبة الحكم والموضوع.

قال أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «صِيَانَةُ المَرْأَةِ أَنْعَمُ لحَالهَا وأَدْوَمُ

لجَمَالهَا»(1).

وقَال (عليه السلام): «مَنْ أَطَاعَ امْرَأَتَهُ أَكَبَّهُ اللهُ عَلى مَنْخِرَيْهِ فِي النَّارِ»، فَقِيل: ومَا تِلكَ الطَّاعَةُ.

قَال: «تَدْعُوهُ إِلى النِّيَاحَاتِ والعُرُسَاتِ والحَمَّامَاتِ ولبْسِ الثِّيَابِ الرِّقَاقِ فَيُجِيبُهَا»(2).

وفي حديث المعراج: «فَقَالتْ فَاطِمَةُ: حَبِيبِي وقُرَّةَ عَيْنِي أَخْبِرْنِي مَا كَانَ عَمَلهُنَّ، فَقَال (صلى الله عليه وآله): أَمَّا المُعَلقَةُ بِشَعْرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لا تُغَطِّي شَعْرَهَا مِنَ الرِّجَال»(3).

وعَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَال:كُنْتُ قَاعِداً فِي البَقِيعِ مَعَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي يَوْمِ دَجْنٍ ومَطَرٍ إِذْ مَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلى حِمَارٍ فَوَقَعَ يَدُ الحِمَارَ فِي وَهْدَةٍ فَسَقَطَتِ المَرْأَةُ، فَأَعْرَضَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالوا: يَا رَسُول اللهِ إِنَّهَا مُتَسَرْوِلةٌ، قَال: اللهُمَّ اغْفِرْ للمُتَسَرْوِلاتِ ثَلاثاً، أَيُّهَا النَّاسُ اتَّخِذُوا السَّرَاوِيلاتِ

ص: 153


1- عيون الحكم والمواعظ: ص303 ح5382.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص115 باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمام وآدابه وما جاء في التنظيف والزينة ح241.
3- وسائل الشيعة: ج 20 ص213 ب117 باب جملة مما يحرم على النساء وما يكره لهن وما يسقط عنهن ح7.

فَإِنَّهَا مِنْ أَسْتَرِ ثِيَابِكُمْ، وحَصِّنُوا بِهَا نِسَاءَكُمْ إِذَا خَرَجْن»(1).

فوائد الحجاب

وفوائد الحجاب كثيرة:

منها: طهارة القلوب، قال تعالى: «ذلكُمْ أَطْهَرُ لقُلوبِكُمْ وَ قُلوبِهِنَّ»(2)، فإنه يقطع الخواطر الشيطانية والوساوس النفسانية.

ومنها: صون المرأة عن الأذى والتعدي وعن طمع الطامعين وعدوان المعتدين، قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ المُؤْمِنينَ يُدْنينَ عَليْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحيماً»(3).

ومنها: حفظ الأسرة من التفككوالضياع.

ومنها: حفظ الحياء، وبالحياء تحفظ الأديان.

ومنها: إنه تكريم للمرأة وعز ووقار. إلى غير ذلك.

ولا يخفى أن قولها (عليها السلام): «خير لها» ظاهر في الإرشاد إلى حسن الستر في غير ما يجب ستره، وإن احتمل أنه(4) أعم من المولوية، لتبعية الأحكام للمصالح الواقعية.

ص: 154


1- مستدرك الوسائل: ج 3 ص245 ب7 باب استحباب اتخاذ السراويل وما أشبهه ح1.
2- سورة الأحزاب: 53.
3- سورة الأحزاب: 59.
4- أي خير.

الحجاب حتى عند الأعمى

اشارة

روي أنه: استأذن أعمى على فاطمة (صلوات الله عليها)، فحجبته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لم حجبتيه وهو لا يراك»، فقالت (عليها السلام): «إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح»(1).

--------------------------

أقول: الظاهر من الرواية أن الصديقة (صلوات الله عليها) ذكرت ملاكين ووجهين للتحجب عن الأعمى، مما يشمل غيره أيضاً، كون المرأة تراه وإن لم يرها هو، وكونه يشم ريحها، والظاهر أن كلاً منهما كاف للتححب منه.

التحجب عن غير المبصر

مسألة: يستحب التحجب عن الأعمى أو الاحتجاب عنه إن لم يمكن التحجب(2)، بل يستحب التحجب عن غير المبصر مطلقاً،وإن كان لشد عينه مثلاً أو لظلام أو ما أشبه، نظراً لشم الريح كما سبق، والإحساس بالحركة

ص: 155


1- النوادر، للراوندي: ص14 شأن المرأة.
2- توضيحه: لعل ظاهر الحديث أنها (عليها السلام) لم تأذن له بالدخول عليها، ولعلها لأنها كانت متعطرة حينذاك، كما قالت : (يشم الريح).

وغيرها(1).

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَال: اسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وعِنْدَهُ عَائِشَةُ وحَفْصَةُ، فَقَال لهُمَا: «قُومَا فَادْخُلا البَيْتَ»، فَقَالتَا: إِنَّهُ أَعْمَى، فَقَال: «إِنْ لمْ يَرَكُمَا فَإِنَّكُمَا تَرَيَانِهِ»(2).

وعن أمّ سلمة قالت: كنت عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعنده ميمونة، فأقبل ابن امّ مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال (صلى الله عليه وآله): «احتجبا»، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا، فقال (صلى الله عليه وآله): «أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه»(3).

الاستفهام الإعلامي

مسألة: يستحب الاستفهام الإعلامي للتعليم.فإن سؤال الرسول (صلى الله عليه وآله) من فاطمة (عليها السلام) كان لأجل تعليم الغير والإعلام، لوضوح علمه (صلى الله عليه وآله) بهذه الخصوصيات.

ص: 156


1- فهو مظان الإثارة، والحجاب بعد الظلام وقاية بعد وقاية.
2- الكافي: ج 5 ص534 ح2.
3- جامع أحاديث الشيعة: ج 25 ص634 ب12 باب تحريم رؤية المرأة الرجل الأجنبى وان كان أعمى ح2.

حجاب الريح

مسألة: يلزم أن تحجب المرأة حتى ريحها عن الأجنبي، فإن المحجبة يختفي ريحها تحت حجابها، بخلاف غيرها، وفي ريح بدن المرأة نوع من الإثارة أيضاً.

هذا عن ريح بدنها بنفسه، وكذا رائحة العطر، وإن كان يرى البعض أن تعطر المرأة في حضرة الأجنبي مكروه ما لم يستلزم محرماً وإلاّ حرم.

قال (عليه السلام): «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ وخَرَجَتْ ليُوجَدَ رِيحُهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ، وكُل عَيْنٍ زَانِيَة»(1).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لغَيْرِ زَوْجِهَا لمْ تُقْبَل مِنْهَا صَلاةٌ حَتَّى تَغْتَسِل مِنْ طِيبِهَا كَغُسْلهَا مِنْ جَنَابَتِهَا»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَيُّ امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا فَهِيَ تُلعَنُ حَتَّى تَرْجِعَ إِلى بَيْتِهَا مَتَى مَا رَجَعَتْ»(3).وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لا يَنْبَغِي للمَرْأَةِ أَنْ تُجَمِّرَ ثَوْبَهَا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا»(4).

ص: 157


1- مجموعة ورام: ج 1 ص28 باب الروائح وما جاء في الطيب وألوانه والتطيب به واستعماله.
2- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح2.
3- الكافي: ج 5 ص518 باب التستر.
4- الكافي: ج 5 ص519 باب التستر ح3.

المرأة وقربها من الله

اشارة

روي أنه في الجواب على سؤال النبي (صلى الله عليه وآله): متى تكون المرأة أدنى من ربها؟

قالت فاطمة (عليها السلام): «أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها»(1).

-----------------------------

حكمة الحديث

والحكمة في ذلك واضحة، فإن القضية مما قياساتها معها، إذ الشواغل عن التوجه إلى الله تعالى خارج المنزل كثيرة وخاصة بالنسبة للمرأة، وليست المحرمات فقط، بل حتى الكثير من المحللات بالمعنى الأعم كذلك، كالذهاب للسوق والتسوق وما أشبه.

ومنه يعلم أحد وجوه قوله تعالى: «وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ»(2)، فإن رجحانه بالمناط يشمل سائر النساء أيضاً، للقاعدةالعامة ولضميمة مثل هذه الرواية.

ص: 158


1- مستدرك الوسائل: ج 14 ص182 ب21 باب استحباب حبس المرأة في بيتها أو بيت زوجها فلا تخرج لغير حاجة ولا يدخل عليها أحد من الرجال ح2.
2- سورة الأحزاب: 33.

عن أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «لا تَبْدَءُوا النِّسَاءَ بِالسَّلامِ، ولا تَدْعُوهُنَّ إِلى الطَّعَامِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «النِّسَاءُ عِيٌّ وعَوْرَةٌ، فَاسْتُرُوا عِيَّهُنَّ بِالسُّكُوتِ، واسْتُرُوا عَوْرَاتِهِنَ بِالبُيُوتِ»(1).

وقال (عليه السلام): «إِنَّمَا النِّسَاءُ عِيٌّ وعَوْرَةٌ، فَاسْتُرُوا العَوْرَةَ بِالبُيُوتِ، واسْتُرُوا العِيَّ بِالسُّكُوتِ»(2).

والعورة بمعنى ما يجب ستره. والعيّ(3) بلحاظ غلبة عواطفها.

المرأة وعدم الخروج

مسألة: يستحب للمرأة أن لا تخرج من بيتها بدون حاجة دينية أو دنيوية.

فإن الخروج لحاجة دينية أو دنيوية مشروعة، مما اتفق العقل والنقل على جوازه، وعدم استحباب البقاء لدىالضرورة أو عند الحاجة الشرعية، وسيرة المسلمات والمؤمنات من زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى اليوم من غير نكير على ذلك.

أما حديث: «مسجد المرأة بيتها»(4)، فمحمول على أحد الوجوه الآتية

ص: 159


1- الكافي: ج 5 ص535 باب التسليم على النساء.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص390 باب المذموم من أخلاق النساء وصفاتهن ح4372.
3- العيّ بالكسر: عدم العلم.
4- ونظيره (خير مساجد نسائكم البيوت). من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص238 باب فضل المساجد وحرمتها وثواب من صلى فيها ح718. وأيضاً: (قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله: صَلاةُ المَرْأَةِ وَحْدَهَا فِي بَيْتِهَا كَفَضْل صَلاتِهَا فِي الجَمْعِ خَمْساً وعِشْرِينَ دَرَجَةً). وسائل الشيعة: ج 5 ص237 ب30 باب استحباب اختيار المرأة الصلاة في بيتها على الصلاة في المسجد واستحباب اختيارها أستر موضع في دارها ح5.

، ولذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) لا ينهى النساء عن الحضور في صلاته، وكذلك أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام).

بل ورد في الصحيح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «كَانَ النِّسَاءُ يُصَلينَ مَعَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَكُنَّ يُؤْمَرْنَ أَنْ لا يَرْفَعْنَ رُءُوسَهُنَّ قَبْل الرِّجَال لضِيقِ الأُزُر»(1).

وعلى أي، فإنها تحمل على بعض مراتب التأكيد والمجاز لا على نحوالحقيقة.

وقد يراد بها - بلحاظ مجموع النصوص - ما لو لم يتيسر لها التستر المطلوب والحشمة اللازمة خارج المنزل، في المسجد أو غيره، كما قد تحمل على ما لو كان خروجها من المنزل يفوّت حق زوجها أو يضيع شؤون أولادها أو ما أشبه.

وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) يخرج النساء معه إلى الحج، وكذلك أحياناً يخرجن مع رجالهن في الجهاد لا ليجاهدن بل للتداوي وتهيئة الطعام وما أشبه.

إلى غير ذلك مما تواترت به الروايات في السيرة الطاهرة.

ص: 160


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص396 باب الجماعة وفضلها ح1176.

ما يوجب القرب الإلهي

مسألة: يستحب فعل ما يوجب الدنو من الله تعالى.

ثم إن قول الصديقة (صلوات الله عليها): «أن تلزم قعر بيتها» يفيد بالظهور العرفي أو الملاك أو بمناسبة الحكم والموضوع(1) رجحان عدم انشغالها بالشواغل التي تبعدها عن ربها تعالى حتى داخل المنزل.

كمشاهدة الأفلام والمسلسلات غير النافعة دينياً أو علمياً، وإن لم تكن مشتملة على الحرام، وكذلك العبث بالأجهزة الحديثة والألعاب وشبه ذلك، ولعله يشعر به (قعر بيتها) فإن البيت هو الغرفة، فما وجه خصوصية القعر.

وفي الدعاء: «اللهُمَّ اجْعَلنَا مِنْ أَقْرَبِ مَنْ تَقَرَّبَ إِليْك»(2).

وفي الصحيفة: «وَيَا مَنْ تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الأَبْصَارُ صَل عَلى مُحَمَّدٍ وآلهِ، وأَدْنِنَا إِلى قُرْبِك»(3).وفيها أيضاً: «وَاجْعَل مَا خَوَّلتَنِي مِنْ حُطَامِهَا وعَجَّلتَ لي مِنْ مَتَاعِهَا بُلغَةً إِلى جِوَارِكَ، ووُصْلةً إِلى قُرْبِكَ وذَرِيعَةً إِلى جَنَّتِك»(4).

ص: 161


1- وهو كونها أدنى ما تكون من ربها.
2- بحار الأنوار: ج 87 ص339 ب5 عوذة يوم الجمعة ح53.
3- الصحيفة السجادية، وكان من دعائه (عليه السلام) لنفسه ولأهل ولايته.
4- الصحيفة السجادية، وكان من دعائه (عليه السلام) في المعونة على قضاء الدين.

أخبار المعراج

اشارة

في حديث طويل عن رؤية النبي (صلى الله عليه وآله) أنواع العذاب لنساء أمته ليلة الإسراء والمعراج، قالت فاطمة (عليها السلام): «حبيبي وقرة عيني، أخبرني ما كان عملهنّ وسيرتهن حتى وضع الله عليهن هذا العذاب»؟

فقال (صلى الله عليه وآله): «يا بنتي، أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال.

وأما المعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها.

وأما المعلقة بثديها فإنها كانت تمتنع من فراش زوجها.

وأما المعلقة برجليها فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها.

وأما التي كانت تأكل لحم جسدها فإنها كانت تزين بدنها للناس.

وأما التي شُدّت يداها إلى رجليها وسُلط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت قذرة الوضوء قذرة الثياب، وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تتنظف، وكانت تستهين بالصلاة.

وأما العمياء الصماء الخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق زوجها.

وأما التي كانت تقرض لحمها بالمقاريض فإنها كانت تعرض نفسها على الرجال.

ص: 162

وأما التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تأكل أمعاءها فإنهاكانت

قوادة.

وأما التي كان رأسها رأس خنزير وبدنها بدن الحمار فإنها كانت نمامة كذابة.

وأما التي كانت على صورة الكلب، والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها، فإنها كانت قينة(1) نواحة حاسدة».

ثم قال (صلى الله عليه وآله): «ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها»(2).

----------------------------

لماذا هذه العقوبات

قد يستغرب بعض الناس من هذه العقوبات ويقول بضعف الرواية، لكن الاستغراب يندفع بعد ملاحظة الأمور التالية:

1: العقوبات الواردة في القرآن الكريم على الكفر وعلى أنواع المعاصي الأخرى:

قال تعالى: «فَالذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍيُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلودُ * وَلهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ *

ص: 163


1- قنية: أي مغنية، ونواحة أي بالباطل.
2- بحار الأنوار: ج 8 ص309 ب24 النار أعاذنا الله وسائر المؤمنين من لهبها وحميمها وغساقها وغسلينها وعقاربها وحياتها وشدائدها ودركاتها بمحمد سيد المرسلين وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ح75.

كُلمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ»(1).

وقال سبحانه: «إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْليهِمْ نَاراً كُلمَا نَضِجَتْ جُلودُهُمْ بَدَّلنَاهُمْ جُلوداً غَيْرَهَا ليَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً»(2).

وقال تعالى: «إِذِ الأغْلاَل فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِل يُسْحَبُونَ * فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ»(3).

وقال سبحانه: «وَالذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَليمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَليْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ»(4).

وقال تعالى: «إِنَّا أَعْتَدْنَا للظَّالمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْل يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً»(5).

وقال سبحانه: «وَالذِينَ كَفَرُوا لهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَليْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلكَ نَجْزِي كُل كَفُورٍ»(6).

وقال تعالى: «تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ* ليْسَ لهُمْ طَعَامٌ

ص: 164


1- سورة الحج: 19 - 22.
2- سورة النساء: 56.
3- سورة غافر: 71 - 72.
4- سورة التوبة: 34 - 35.
5- سورة الكهف: 29.
6- سورة فاطر: 36.

إلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ * لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ»(1).

2: العقوبات الواردة في الروايات المعتبرة على أنواع المعاصي، وهي أكثر من أن تحصى.

3: إن (الجزاء) عبارة عن أحد أمور:

فإما هو نفس العمل وقد ظهر بلباسه الواقعي، وحينئذ يندفع الإشكال، لأن هذا العقاب هو نفس عمله، لا أمر آخر ليقال لم جوزي بهذا الجزاء، فهو كمن يقلع عينه بالسكين فإن افتقاده لعينه هو نفس عمله وليس أمراً آخر صار جزاءً لعمله فلا يصلح القول لم جوزي بهذا الجزاء.

وإما أنه ثمرة عمله، بمعنى أن العمل بذرة تنمو لتتحول إلى هذه الثمرة، كبذرة البرتقال التي تتحول إلى البرتقال، ولا إشكال حينئذ أيضاً، إذ من يبذر نواة الحنظل سيثمر له الحنظل، ومن يعاشر الذئاب ستفرسه طبيعياً.

وبعبارة أخرى: إن عمل الإنسان في هذه الدنيا نواة، سواء كان عملاً قلبياًأو لسانياً، جوانحياً أو جوارحياً، وهو(2) يعطي الثمر المشابه للعمل، كالبرتقال من شجرته، والحنظل من حبته، وهكذا كما سبق، فإن كل عمل من خير أو شر هو نواة لنتيجة وثمرة تابعة له.

وما ورد من أنواع العقاب في حديث المعراج على بعض نساء الأمة، والتي ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الرواية وفي عشرات الروايات الأخر، كله من ثمار أعمال الإنسان نفسه، إن لم تكن هي هي كما هو مقتضى الاحتمال

ص: 165


1- سورة الغاشية: 4-7.
2- أي هذا العمل الذي هو نواة.

الأول، وهي حقائق كشف عنها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أو كشف عنها الأنبياء السابقون أو الأوصياء أو الأئمة المعصومون (عليهم الصلاة والسلام).

وإما أنه جزاء من الله على العمل المعصية لا بالنحوين الأولين، وهنا لا إشكال أيضاً، فإن الله هو المالك الحقيقي وهو المنعم الحقيقي وهو العادل المطلق وقد حذّر وأنذر، فمن خالف فقد اختار بنفسه جزاءه فهو المقصّر حينئذ.

قال تعالى حكاية عن قول الشيطان للذين استكبروا: «وَقَال الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لي عَليْكُمْ مِنْ سُلطَانٍ إلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي فَلاَ تَلومُونِي وَلومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل إِنَّ الظَّالمِينَ لهُمْعَذَابٌ أَليمٌ»(1).

نعم الجاهل القاصر لا يعاقب، بل يعاد امتحانه يوم القيامة.

4: إن هتك حرمة الله تعالى والاستهانة بمعصيته من أكبر الذنوب، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا أَبَا ذَرٍّ لا تَنْظُرْ إِلى صِغَرِ الخَطِيئَةِ وَلكِنِ انْظُرْ إِلى مَنْ عَصَيْتَ»(3).

ويتضح ذلك بملاحظة أن الفعل الواحد يختلف قبحاً وفداحةً بنسبته إلى أشخاص مختلفين، فإن صفع الشخص العادي معصية، أما صفع الأب والأم

ص: 166


1- سورة إبراهيم:22.
2- وسائل الشيعة: ج 15 ص312 ب43 باب وجوب اجتناب المحقرات من الذنوب ح6.
3- مستدرك الوسائل: ج 11 ص349 ب43 باب وجوب اجتناب المحقرات من الذنوب ح8.

جريمة، وصفع المعصوم (عليه السلام) داهية عظمى، فما بالك بمن يعصي رب الأرباب ويستهين بنواهيه ويهتك حريم شريعته.

ثم إنه لا يخفى أن مقتضى قوله سبحانه: «مَنْ عَمِل سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إلاَّ مِثْلهَا»(1)، وقولهتعالى: «جزاءً وفاقاً»(2)، أن هذه الجزاءات لا تكون خارجة عن حدود العدالة، وعن المماثلة بالسيئة التي اقترفها الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، كما ذكره العلماء في كتبهم الكلامية وألمعنا إليه في الأصول.

قال عزوجل: «يا أَيُّهَا الذينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ»(3).

إظهار الشعر للأجانب

مسألة: يحرم إظهار المرأة شعرها للأجانب، قال تعالى: «وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ»(4).

ولا فرق بين الشعر الأصلي أو الشعر الذي زرع في رأسها بعملية بحيث عد عرفاً شعرها.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ: أَنَّ الرِّضَا (عليه السلام) كَتَبَ فِيمَا كَتَبَ مِنْ جَوَابِ

ص: 167


1- سورة الأنعام: 160، سورة غافر: 40.
2- سورة النبأ: 26.
3- سورة التحريم: 7.
4- سورة النور: 60.

مَسَائِلهِ: «حُرِّمَ النَّظَرُ إِلى شُعُورِ النِّسَاءِ المَحْجُوبَاتِ بِالأَزْوَاجِ وغَيْرِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ لمَا فِيهِ مِنْ تَهْيِيجِ الرِّجَال ومَا يَدْعُو التَّهْيِيجُ إِلى الفَسَادِ والدُّخُول فِيمَا لايَحِل ولا يَجْمُل، وكَذَلكَ مَا أَشْبَهَ الشُّعُورَ إِلا الذِي قَال اللهُ تَعَالى: «وَالقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَليْسَ عَليْهِنَّ جُناحٌ»(1) أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ الجِلبَابِ ولا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلى شُعُورِ مِثْلهِن»(2).

وعَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «مَنِ اطَّلعَ فِي بَيْتِ جَارِهِ فَنَظَرَ إِلى عَوْرَةِ رَجُل أَوْ شَعْرِ امْرَأَةٍ أَوْ شَيْ ءٍ مِنْ جَسَدِهَا كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ أَنْ يُدْخِلهُ النَّارَ مَعَ المُنَافِقِينَ الذِينَ كَانُوا يَتَّبَّعُونَ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ فِي الدُّنْيَا، ولا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَفْضَحَهُ اللهُ، ويُبْدِي للنَّاسِ عَوْرَتَهُ فِي الآخِرَةِ، ومَنْ مَلأَ عَيْنَيْهِ مِنِ امْرَأَةٍ حَرَاماً حَشَاهُمَا اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِمَسَامِيرَ مِنْ نَارٍ، وحَشَاهُمَا نَاراً حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلى النَّارِ»(3).

إيذاء الزوج أو الزوجة

مسألة: يحرم على الزوجة أذية الزوج، كما يحرم على الزوج إيذاء زوجته، فإنإيذاء المؤمن والإضرار به مطلقاً حرام(4).

ص: 168


1- سورة النور: 31.
2- علل الشرائع: ج 2 ص565 ب364 باب علة تحريم النظر إلى شعور النساء المحجوبات ح1.
3- وسائل الشيعة: ج 20 ص195 ب104 باب تحريم النظر إلى النساء الأجانب وشعورهن ح16.
4- قال الإمام المؤلف (قدس سره) في موسوعة (الفقه): ج93 كتاب المحرمات ص19: وهكذا يحرم إيذاء الكافر المحترم، سواء كان معاهداً أو ذمياً أو محايداً، أما أذية الكافر الحربي فلا بأس به إذا لم يكن نفس العمل حراماً.

قال تعالى: «وَالذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً»(1).

وعن أَبي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قال: «قَال اللهُ عَزَّ وَجَل: ليَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنِّي مَنْ آذَى عَبْدِيَ المُؤْمِنَ، وَليَأْمَنْ غَضَبِي مَنْ أَكْرَمَ عَبْدِيَ المُؤْمِنَ»(2).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ الصُّدُودُ لأَوْليَائِي، فَيَقُومُ قَوْمٌ ليْسَ عَلى وُجُوهِهِمْ لحْمٌ، فَيُقَال: هَؤُلاءِ الذِينَ آذَوُا المُؤْمِنِينَ وَنَصَبُوا لهُمْ وَعَانَدُوهُمْ وَعَنَّفُوهُمْ فِي دِينِهِمْ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ»(3).

وقوله (صلى الله عليه وآله): «وأماالمعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها» أي بما هو حرام، لا بما كان من حقوقها، كما لو لم ترد أن تعمل خارج المنزل أو ما أشبه.

ثم إن إيذاءها المحرم، أعم من الإيذاء باللسان أو باليد أو الإشارة أو الكتابة أو غير ذلك.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«أَيُّمَا امْرَأَةٍ آذَتْ زَوْجَهَا بِلسَانِهَا لمْ يَقْبَل اللهُ عَزَّ وجَل مِنْهَا صَرْفاً ولا عَدْلا ولا حَسَنَةً مِنْ عَمَلهَا حَتَّى تُرْضِيَهُ، وإِنْ صَامَتْ نَهَارَهَا وقَامَتْ ليْلهَا وأَعْتَقَتِ الرِّقَابَ وحَمَلتْ عَلى جِيَادِ الخَيْل فِي سَبِيل اللهِ، وكَانَتْ فِي أَوَّل مَنْ يَرِدُ النَّارَ،

ص: 169


1- سورة الأحزاب: 58.
2- الكافي: ج 2 ص350 باب من آذى المسلمين واحتقرهم ح1.
3- الكافي: ج 2 ص351 باب من آذى المسلمين واحتقرهم ح2.

وكَذَلكَ الرَّجُل إِذَا كَانَ لهَا ظَالماً»(1).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل غَافِرُ كُل ذَنْبٍ إِلا رَجُل اغْتَصَبَ أَجِيراً أَجْرَهُ أَوْ مَهْرَ امْرَأَة»(2).

من حقوق الزوج

مسألة: يحرم على الزوجة الامتناع عن وطي الزوج وما يريده من الاستمتاع المحلل، فإن ذلك من حقوقه الشرعية.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَالتْ: مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلى المَرْأَةِ، فَقَال: أَنْ تُجِيبَهُ إِلى حَاجَتِهِ وإِنْ كَانَتْ عَلى قَتَبٍ، ولا تُعْطِيَ شَيْئاً إِلا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلتْ فَعَليْهَا الوِزْرُ ولهُ الأَجْرُ، ولا تَبِيتَ ليْلةً وهُوَ عَليْهَا سَاخِطٌ»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلى المَرْأَةِ، قَال: أَكْثَرُ مِنْ ذَلكَ، فَقَالتْ: فَخَبِّرْنِي عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ، فَقَال: ليْسَ لهَا أَنْ تَصُومَ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْنِي تَطَوُّعاً، ولا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِهِ، وعَليْهَا أَنْ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ طِيبِهَا وتَلبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهَا وتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ زِينَتِهَا وتَعْرِضَ نَفْسَهَا عَليْهِ غُدْوَةً وعَشِيَّةً، وأَكْثَرُ مِنْ ذَلكَ حُقُوقُهُ

ص: 170


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص14 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968.
2- مستدرك الوسائل: ج 14 ص31 ب5 باب تحريم منع الأجير أجرته ح7.
3- الكافي: ج 5 ص508 باب حق الزوج على المرأة ح8.

عَليْهَا»(1).

الإذن في الخروج من البيت

مسألة: يحرم على الزوجة خروجها من البيت بدون إذن زوجها، لصحيح علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام)، قال: سألته عن المرأة ألها أن تخرج بغير إذن زوجها، قال: «لا»(2).

وصحيح محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «وَ لا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِهِ وَ إِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ لعَنَتْهَا مَلائِكَةُ السَّمَاءِ وَ مَلائِكَةُ الأَرْضِ وَ مَلائِكَةُ الغَضَبِ وَ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ حَتَّى تَرْجِعَ إِلى بَيْتِهَا»(3).

نعم يستثنى من ذلك ما لو منعها عن الخروج بحيث لم يكن من المعروف في المعاشرة، لقوله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ»(4)، فالروايات منصرفة عن هذه الصورة.

ص: 171


1- الكافي: ج 5 ص508 باب حق الزوج على المرأة ح7.
2- وسائل الشيعة: ج 20 ص159 ب79 باب وجوب تمكين المرأة زوجها من نفسها على كل حال وجملة من حقوقه عليها ح5.
3- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح1.
4- سورة النساء: 19.

التزين للأجانب

مسألة: يحرم على الزوجة بل مطلق المرأة تزيين بدنها للأجانب، وفي حديث مناهي الرسول (صلى الله عليه وآله) كما في أمالي الصدوق (رحمه الله): «وَنَهَى أَنْ تَتَزَيَّنَ لغَيْرِ زَوْجِهَا، فَإِنْ فَعَلتْ كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ عَزَّ وَجَل أَنْ يُحْرِقَهَا بِالنَّارِ»(1).

القذارة المانعة

مسألة: يحرم القذارة المانعة عن الوضوء الواجب للصلاة الواجبة أو الطواف الواجب أو ما أشبه، ويكره غير المحرمة منها.

عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ قَال: بَعَثْتُ بِمَسْأَلةٍ إِلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ، قُلتُ: سَلهُ عَنِ الرَّجُل يَبُول فَيُصِيبُ فَخِذَهُ قَدْرُ نُكْتَةٍ مِنْ بَوْلهِ فَيُصَلي ويَذْكُرُ بَعْدَ ذَلكَ أَنَّهُ لمْ يَغْسِلهَا، قَال (عليه السلام) : «يَغْسِلهَا ويُعِيدُ صَلاتَهُ»(2).وعَنْ سَمَاعَةَ قَال: سَأَلتُهُ عَنِ المَنِيِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، قَال (عليه السلام): «اغْسِل الثَّوْبَ كُلهُ إِذَا خَفِيَ عَليْكَ مَكَانُهُ قَليلا كَانَ أَوْ كَثِيراً»(3).

ص: 172


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص6 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968. وفي الأمالي، للصدوق: ص423 المجلس السادس والستون ح1: (نَهَى أَنْ تَتَزَيَّنَ المَرْأَةُ لغَيْرِ زَوْجِهَا فَإِنْ فَعَلتْ كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ عَزَّ وجَل أَنْ يُحْرِقَهَا بِالنَّار).
2- الكافي: ج 3 ص406 باب الرجل يصلي في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ح10.
3- الكافي: ج 3 ص54 باب المني والمذي يصيبان الثوب والجسد ح3.

ورُوِيَ: «أَنَّ المَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ عَذَابَ النَّارِ بِتَرْكِ تَغْطِيَةِ شَعْرِهَا مِنَ الرِّجَال، وأَذَى زَوْجِهَا، وإِرْضَاعِ غَيْرِ أَوْلادِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، والخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، والتَّزَيُّنِ للنَّاسِ، وقَذَارَةِ الوُضُوءِ والثِّيَابِ، وتَرْكِ الغُسْل مِنَ الجَنَابَةِ والحَيْضِ، وتَرْكِ التَّنْظِيفِ، والتَّهَاوُنِ بِالصَّلاةِ»(1).

قذارة الثياب

مسألة: يحرم قذارة الثياب المانعة من الصلاة والطواف وما أشبه، والمراد بها النجاسة غير المعفو عنها، ويكره غير المانعة منها.

فِقْهُ الرِّضَا (عليه السلام): «إِنْ أَصَابَ ثَوْبَكَ دَمٌ فَلا بَأْسَ بِالصَّلاةِ فِيهِ مَا لمْ يَكُنْ مِقْدَارَ دِرْهَمٍ وَافٍ، والوَافِي مَا يَكُونُ وَزْنُهُ دِرْهَماً وثُلثاً، ومَا كَانَ دُونَ الدِّرْهَمِ الوَافِي فَلا يَجِبُ عَليْكَ غَسْلهُ ولا بَأْسَ بِالصَّلاةِ فِيه»(2).

وعَنِ العَالمِ (عليه السلام): «أَنَ قَليل الدَّمِ وكَثِيرَهُ إِذَا كَانَ مَسْفُوحاً سَوَاءٌ، ومَا كَانَ رَشْحاً أَقَل مِنْ مِقْدَارِ دِرْهَمٍ جَازَتِ الصَّلاةُ فِيهِ، ومَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ غُسِل»(3).

ص: 173


1- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): ج7 ص87 السابع: في جملة مما يحرم على النساء ويكره لهن ويسقط عنهن ح8.
2- مستدرك الوسائل: ج 2 ص565 ب15 باب جواز الصلاة مع نجاسة الثوب والبدن بما ينقص عن سعة الدرهم من الدم مجتمعا عدا ما استثني ح1.
3- مستدرك الوسائل: ج 2 ص565 ب15 باب جواز الصلاة مع نجاسة الثوب والبدن بما ينقص عن سعة الدرهم من الدم مجتمعا عدا ما استثني ح1.

غسل الجنابة

مسألة: يحرم عدم الغسل من الجنابة لأداء الصلاة وما أشبه، والحرمة هنا بنحو الطريقية تحفظاً على العبادات من صلاة وصوم وحج، وإلاّ فإنه لا يحرم البقاء جنباً لساعات مثلاً ما لم تفوته عبادة.

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلمُوا ما تَقُولونَ، ولا جُنُباً إِلاَّ عابِري سَبيل حَتَّى تَغْتَسِلوا، وإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْديكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً»(1).

قَال أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ (عليه السلام): «إِذَا دَخَل الوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ والصَّلاةُ، ولا صَلاةَ إِلا بِطَهُورٍ»(2).

غسل الحيض

مسألة: يحرم عدم الغسل من الحيضكذلك(3)، وهذا كسابقه.

عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَال: «وغُسْل

ص: 174


1- سورة النساء: 43.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص33 باب وقت وجوب الطهور ح67.
3- أي لأداء الصلاة وما أشبه.

الحَيْضِ وَاجِبٌ»(1).

التطهير من النجاسات

مسألة: يحرم عدم التطهير من النجاسة كذلك(2)، وهذا كسابقه أيضاً.

عَنْ سَمَاعَةَ قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا دَخَلتَ الغَائِطَ فَقَضَيْتَ الحَاجَةَ وَلمْ تُهَرِقِ المَاءَ ثُمَّ تَوَضَّأْتَ وَنَسِيتَ أَنْ تَسْتَنْجِيَ فَذَكَرْتَ بَعْدَ مَا صَليْتَ فَعَليْكَ الإِعَادَةُ»(3).

وقَال عَليٌّ (عليه السلام): «مَنْ صَلى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ فَلمْ يَذْكُرْهُ إِلا بَعْدَ فَرَاغِهِ فَليُعِدْ صَلاتَه»(4).

الاستهانة بالصلاة

مسألة: تحرم الاستهانة بالصلاة، ففي صحيح زرارة، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا تَتَهَاوَنْ بِصَلاتِكَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَال عِنْدَ مَوْتِهِ: ليْسَ مِنِّي مَنِ اسْتَخَفَّ بِصَلاتِهِ، ليْسَ مِنِّي مَنْ شَرِبَ مُسْكِراً، لا يَرِدُ عَليَّ

ص: 175


1- وسائل الشيعة: ج 2 ص271 ب1 باب وجوب غسل الحيض عند انقطاعه للصلاة والصوم ونحوهما ح2، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص78 باب الأغسال ح176.
2- أي لأداء الصلاة وما أشبه.
3- الكافي: ج2 ص19 باب القول عند دخول الخلاء ... ح17.
4- مستدرك الوسائل: ج2 ص586 ب33 ح2805.

الحَوْضَ لا وَاللهِ»(1).

ولا يخفى الفرق بين التهاون بالصلاة والاستهانة بها، كما في رواية المعراج: «وكانت تستهين بصلاتها»، وبين الاستخفاف بها، وقد ألمعنا إليه في الفقه(2).

قَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «إِنَّ شَفَاعَتَنَا لا تَنَال مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاةِ»(3).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «وَاللهِ إِنَّهُ ليَأْتِي عَلى الرَّجُل خَمْسُونَ سَنَةً ومَا قَبِل اللهُ مِنْهُ صَلاةً وَاحِدَةً، فَأَيُّ شَيْ ءٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، واللهِ إِنَّكُمْ لتَعْرِفُونَ مِنْ جِيرَانِكُمْ وأَصْحَابِكُمْ مَنْ لوْ كَانَ يُصَلي لبَعْضِكُمْ مَا قَبِلهَا مِنْهُ لاسْتِخْفَافِهِ بِهَا، إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَللا يَقْبَل إِلا الحَسَنَ فَكَيْفَ يَقْبَل مَا يُسْتَخَفُّ بِهِ»(4).

حرمة الزنا

مسألة: يحرم الزنا، قال تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً»(5).

وهو من أكبر الكبائر، كما أنه يشمل الوطأ قبلاً ودبراً، بالإنزال وبدونه.

قال تعالى: «وَالذينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ولا يَقْتُلونَ النَّفْسَ التي

ص: 176


1- الكافي: ج 3 ص269 باب من حافظ على صلاته أو ضيعها ح7.
2- موسوعة (الفقه): ج93 ص394.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص206 باب فرض الصلاة ح618.
4- الكافي: ج 3 ص269 باب من حافظ على صلاته أو ضيعها ح9.
5- سورة الأسراء: 32.

حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَنْ يَفْعَل ذلكَ يَلقَ أَثاماً»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «فِي الزِّنَا خَمْسُ خِصَال، يَذْهَبُ بِمَاءِ الوَجْهِ، ويُورِثُ الفَقْرَ، ويَنْقُصُ العُمُرَ، ويُسْخِطُ الرَّحْمَنَ، ويُخَلدُ فِي النَّارِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ»(2).

وقَال أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): «اتَّقِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يَمْحَقُ الرِّزْقَ ويُبْطِل الدِّينَ»(3).

النسب الكاذب

مسألة: يحرم الإدخال في النسب وربط غير الولد بالزوج، قال تعالى: «وَمَا جَعَل أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلكُمْ قَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ»(4).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَنَّهُ وُجِدَ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) صَحِيفَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ عَلى مَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً، أَوْ آوَى مُحْدِثاً، وَمَنِ ادَّعَى إِلى غَيْرِ أَبِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أَنْزَل اللهُ، وَمَنِ ادَّعَى إِلى غَيْرِ مَوَاليهِ فَعَليْهِ لعْنَةُ الله»(5).

ص: 177


1- سورة الفرقان: 68.
2- الكافي: ج 5 ص542 باب الزاني ح9.
3- الكافي: ج 5 ص541 باب الزاني ح2.
4- سورة الأحزاب: 4.
5- وسائل الشيعة: ج29 ص27 ب8 ح35065.

المرأة وعرض نفسها

مسألة: يحرم عرض المرأة نفسها على غير الزوج، وإن كان لمجرد أن يرى محاسنها مثلاً، كما اعتادته بعض النساء غير الملتزمات، ولا فرق في عرضها نفسها بين كونه بالمباشرة أو بالواسطة، وبين كونه بالفعل أو بالقول، وبين كونه بواسطة جهاز كالتلفون أو التلفزيون أو غيرهما.

قال تعالى: «وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِليَّةِ الأُولى وأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتينَ الزَّكاةَ وأَطِعْنَ اللهَ ورَسُولهُ»(1).

وقال عزوجل: «وَقُل للمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «قَضَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي امْرَأَةٍ أَمْكَنَتْ نَفْسَهَا مِنْ عَبْدٍ لهَا فَنَكَحَهَا أَنْ تُضْرَبَ مِائَةً ويُضْرَبَ العَبْدُ خَمْسِينَ جَلدَةً»(3).

ص: 178


1- سورة الأحزاب: 33.
2- سورة النور: 31.
3- الكافي: ج 5 ص493 باب المرأة يكون لها العبد فينكحها ح1.

القيادة المحرمة

مسألة: تحرم القيادة، وهي الجمع بين الرجل والمرأة للزنا والعياذ بالله، وهي محرمة وإن لم يفعلا، وكذا تحرم الدياثة وهي ما لو كانت من محارم القواد.

عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قِيل لهُ: «بَلغَنَا أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لعَنَ الوَاصِلةَ والمَوْصُولةَ، قَال: إِنَّمَا لعَنَ رَسُول اللهِ الوَاصِلةَ التِي كَانَتْ تَزْنِي فِي شَبَابِهَا، فَلمَّا أَنْ كَبِرَتْ كَانَتْ تَقُودُ النِّسَاءَ إِلى الرِّجَال فَتِلكَ الوَاصِلةُ والمَوْصُولةُ»(1).

وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) عَنْ جَبْرَئِيل (عليه السلام) قَال: «اطَّلعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ وَادِياً فِي جَهَنَّمَ يَغْلي، فَقُلتُ: يَا مَالكُ لمَنْ هَذَا، فَقَال: لثَلاثَةٍ، المُحْتَكِرِينَ والمُدْمِنِينَ الخَمْرَ والقَوَّادِينَ»(2).

حرمة النميمة

مسألة: تحرم النميمة، وفي صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ، قَالوا: بَلى

ص: 179


1- المحاسن: ج 1 ص114 ب53 عقاب القوادة.
2- وسائل الشيعة: ج 17 ص426 ب27 باب تحريم الاحتكار عند ضرورة المسلمين وما يثبت فيه وحده ح11.

يَا رَسُول اللهِ، قَال: المَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، البَاغُونَ للبُرَآءِ المَعَايِبَ»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مُحَرَّمَةٌ الجَنَّةُ عَلى القَتَّاتِينَ المَشَّاءِينَ بِالنَّمِيمَةِ»(2).

حرمة الكذب

مسألة: يحرم الكذب.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «كَانَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (صلوات الله عليه) يَقُول لوُلدِهِ: اتَّقُوا الكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ والكَبِيرَ، فِي كُل جِدٍّ وهَزْل، فَإِنَ الرَّجُل إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَى عَلى الكَبِيرِ، أَمَا عَلمْتُمْ أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: مَا يَزَال العَبْدُ يَصْدُقُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللهُ صِدِّيقاً، ومَا يَزَال العَبْدُ يَكْذِبُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللهُ كَذَّاباً»(3).وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِنَ الكَذِبَ هُوَ خَرَابُ الإِيمَانِ»(4).

ص: 180


1- الكافي: ج 2 ص369 باب النميمة ح1.
2- الكافي: ج 2 ص369 باب النميمة ح2.
3- الكافي: ج 2 ص338 باب الكذب ح2.
4- الكافي: ج 2 ص339 باب الكذب ح4.

حرمة الغناء

مسألة: يحرم الغناء والاشتغال به، وفي صحيح الريان، قال: سَأَلتُ الرِّضَا (عليه السلام) يَوْماً بِخُرَاسَانَ، فَقُلتُ: يَا سَيِّدِي إِنَّ هِشَامَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ العَبَّاسِيَّ حَكَى عَنْكَ أَنَّكَ رَخَّصْتَ لهُ فِي اسْتِمَاعِ الغِنَاءِ!، فَقَال: كَذَبَ الزِّنْدِيقُ إِنَّمَا سَأَلنِي عَنْ ذَلكَ فَقُلتُ لهُ: إِنَّ رَجُلا سَأَل أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ ذَلكَ فَقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِذَا مَيَّزَ اللهُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِل فَأَيْنَ يَكُونُ الغِنَاءُ، فَقَال: مَعَ البَاطِل، فَقَال لهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): قَدْ قَضَيْتَ»(1).

ثم إنه كما يحرم الغناء يحرم تشيجع المغني أو المغنية عليه وتحسينهما، فقد جاء في صحيح حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سَأَلتُهُ عَنْ قَوْل الزُّورِ، قَال: «مِنْهُ قَوْل الرَّجُل للذِي يُغَنِّي أَحْسَنْتَ»(2).

حرمة النوح بالباطلمسألة: يحرم النوح بالباطل، وهو من مصاديق (قول الزور) المنهي عنه في الآية الشريفة(3)، ومن مصاديق الكذب، نعم لسان الحال ليس من الكذب، ولا

ص: 181


1- بحار الأنوار: ج 76 ص243 ب99 الغناء ح14.
2- وسائل الشيعة: ج 17 ص309 ب99 باب تحريم الغناء حتى في القرآن وتعليمه وأجرته والغيبة والنميمة ح21.
3- سورة الحج: 30. قال تعالى: «ذلكَ ومَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لهُ عِنْدَ رَبِّهِ وأُحِلتْ لكُمُ الأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَليْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ واجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور».

المبالغة والتورية والإغراق، فتأمل.

في حديث المناهي عنه (صلى الله عليه وآله): «نَهَى عَنِ الرَّنَّةِ عِنْدَ المُصِيبَةِ، ونَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ والاسْتِمَاعِ إِليْهَا، ونَهَى عَنِ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزَ»(1).

ورُوِيَ أَنَّهُ (عليه السلام) قَال: «لا بَأْسَ بِكَسْبِ النَّائِحَةِ إِذَا قَالتْ صِدْقاً»(2).

حرمة الحسد

مسألة: يحرم إظهار الحسد، أما الحسد بذاته من دون إظهار فرذيلة وقد رفعالقلم عنه كما في حديث الرفع(3).

قال (عليه السلام): «أَنَّ المُؤْمِنَ لا يَسْتَعْمِل حَسَدَهُ»(4).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): قَال اللهُ عَزَّ وجَل لمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام): «يَا ابْنَ عِمْرَانَ لا تَحْسُدَنَّ النَّاسَ عَلى مَا

ص: 182


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص5 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص183 باب التعزية والجزع عند المصيبة وزيارة القبور والنوح والمأتم ح552.
3- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رفع عن أمتي تسع: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا عليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفهة ولا لسان». تحف العقول: ص50. والظاهر رجوع قيد (ما لم ينطق) إلى الثلاثة الأخيرة، ويؤكده ما رواه الكافي في حديث الرفع: «وضع عن أمتي تسع ... والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد». الكافي: ج 2 ص463 باب ما رفع عن الأمة ح2.
4- الكافي: ج 8 ص108 حديث أبي بصير مع المرأة ح86.

آتَيْتُهُمْ مِنْ فَضْلي، ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ذَلكَ، ولا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ، فَإِنَّ الحَاسِدَ سَاخِطٌ لنِعَمِي، صَادٌّ لقَسْمِيَ الذِي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبَادِي، ومَنْ يَكُ كَذَلكَ فَلسْتُ مِنْهُ وليْسَ مِنِّي»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَ الحَسَدَ يَأْكُل الإِيمَانَ كَمَا تَأْكُل النَّارُالحَطَبَ»(2).

إغضاب الزوج

مسألة: يحرم إغضاب الزوج في الجملة، وقد جاء في صحيح علي بن جعفر، عن أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: سَأَلتُهُ عَنِ المَرْأَةِ المُغَاضِبَةِ زَوْجَهَا، هَل لهَا صَلاةٌ أَوْ مَا حَالهَا، قَال: «لا تَزَال عَاصِيَةً حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا»(3).

والظاهر أن الحرمة خاصة بإغضابه في حقوقه الواجبة، دون غيرها كما لو لم تطعه في الطبخ أو الكنس أو الإرضاع مما أوجب غضبه، فإنه لا دليل على حرمة هذا الإغضاب.

ص: 183


1- الكافي: ج 2 ص307 باب الحسد ح6.
2- الكافي: ج 2 ص306 باب الحسد ح2.
3- وسائل الشيعة: ج 20 ص162 ب80 باب أنه لا يجوز للمرأة أن تسخط زوجها ولا تتطيب ولا تتزين لغيره فإن فعلت وجبت إزالته ح8.

إرضاء الزوج

مسألة: يجب أو يستحب إرضاء الزوج، فالواجب في حقه الواجب، والمستحب في حقه المستحب، وهذا طريقي مقدمي، كما يحرم إسخاطه بغير الحق.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «ثَلاثَةٌ لا يُرْفَعُ لهُمْ عَمَل، عَبْدٌ آبِقٌ، وامْرَأَةٌ زَوْجُهَا عَليْهَا سَاخِطٌ، والمُسْبِل إِزَارَهُ خُيَلاءَ»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «ولا شَفِيعَ للمَرْأَةِ أَنْجَحُ عِنْدَ رَبِّهَا مِنْ رِضَا زَوْجِهَا»(2).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وزَوْجُهَا عَليْهَا سَاخِطٌ فِي حَقٍّ لمْ تُقْبَل مِنْهَا صَلاةٌ حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا»(3).

خطاب الأب

مسألة: يستحب أن تخاطب البنت أباهابكلمة (حبيبي وقرة عيني) وقد سبق نظيره، ويكره أن يسمي الولد والده باسمه.

عَنْ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) قَال: سَأَل رَجُل رَسُول الله (صلى الله عليه وآله) مَا حَقُّ الوَالدِ عَلى وَلدِهِ، قَال: لا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ، ولا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ،

ص: 184


1- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح3.
2- بحار الأنوار: ج 78 ص345 ب10 وجوب الصلاة على الميت وعللها وآدابها وأحكامها ح11.
3- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح2.

ولايَجْلسُ قَبْلهُ ولا يَسْتَسِبُّ لهُ»(1).

سبب العذاب

مسألة: يستحب السؤال عن سبب العذاب وعن موجبه من أنواع المعاصي من الأفعال والأقوال.

قال تعالى: «أَوَلمْ يَسيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الذينَ مِنْ قَبْلهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وأَثارُوا الأَرْضَ وعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وجاءَتْهُمْ رُسُلهُمْ بِالبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ ليَظْلمَهُمْ ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُون»(2).

العذاب وأنواعه

مسألة: يستحب بيان كيفية العذاب وأنواعه ليرتدع الناس عن المعاصي، فإن كثيراً من الناس لا يرتدع عن المعصية إلاّ لو سمع نوع العذابوتفصيله، وقد أسهبت الروايات الشريفة بعد الآيات الكريمة في ذكر تفاصيل العذاب ومنها هذه الرواية، وقد شاهدنا وسمعنا عن الكثير الذين ارتدوا عن المعتاصي بعد قراءة أو سماع مثل هذه الروايات.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) «بَشيراً ونَذيراً»(3)، فهما كجناحي

ص: 185


1- الكافي: ج 2 ص158 باب البر بالوالدين ح5.
2- سورة الروم: 9.
3- سورة البقرة: 119، سورة سبأ: 28، سورة فاطر: 24، سورة فصلت: 4. بل ورد (إنما أنت منذر) فلعله يفيد تغليب جانب الإنذار.

الطائر لا يستقيم الفرد أو المجتمع إلاّ بهما، إضافة إلى كونهما حقاً في حد ذاتهما.

وقد ورد «إنك أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة»(1)، ومن أسمائه جل وعلا: (المنتقم)(2) و(القهار)(3) و(شديد العقاب)(4) و(سريعالحساب)(5) و(ذو انتقام)(6) و(شديد العذاب)(7) وغيرها، وقد تكرر بعض هذه الصفات في القرآن الكريم مراراً عديدة(8).

ص: 186


1- تهذيب الأحكام: ج 3 ص108 دعاء أول يوم من شهر رمضان ح38.
2- علل الشرائع: ج 1 ص43 ب38 باب العلة التي من أجلها سمي أصحاب الرس أصحاب الرس والعلة التي من أجلها سمت العجم شهورها بآبانماه وآذرماه وغيرها إلى آخرها ح1.
3- سورة يوسف: 39، سورة الرعد: 16، سورة إبراهيم: 48، سورة ص: 65، سورة الزمر: 4، سورة غافر: 16.
4- سورة البقرة : 196 و211، سورة آل عمران: 11، سورة المائدة: 2 و98، سورة الأنفال: 13 و25 و48 و52، سورة الرعد: 6، سورة غافر: 3 و22، سورة الحشر: 4 و7.
5- سورة البقرة: 202، سورة آل عمران: 19 و199، سورة المائدة: 4، سورة الرعد: 41، سورة إبراهيم: 51، سورة النور: 39، سورة غافر: 17.
6- سورة آل عمران: 4، سورة المائدة: 95، سورة إبراهيم: 47.
7- سورة البقرة: 165.
8- تكرر مثلا (شديد العقاب) أربع عشرة مرة، و(منتقمون) ثلاث مرات: سورة السجدة: 22، سورة الزخرف: 41، سورة الدخان: 16.

من أحوال يوم القيامة

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام) في حديث: «فقلت: يا أبة أهل الدنيا يوم القيامة عراة؟

فقال (صلى الله عليه وآله): نعم، يا بنية.

فقلت: وأنا عريانة؟

قال: نعم وأنت عريانة، وإنه لا يلتفت فيه أحد إلى أحد.

قالت فاطمة (عليها السلام): فقلت له: واسوأتاه يومئذ من الله عزوجل.

فما خرجتُ حتى قال لي: هبط علي جبرئيل الروح الأمين (صلى الله عليه وآله) فقال لي:

يا محمد، اقرأ فاطمة السلام، وأعلمها أنها استحيت من الله تبارك وتعالى فاستحيى الله منها، فقد وعدها أن يكسوها يوم القيامة حلتين من نور.

قال علي (عليه السلام): فقلت لها: فهلا سألتيه عن ابن عمك؟

فقالت: قد فعلت.

فقال: إن علياً (عليه السلام) أكرم على الله عزوجل من أن يعرّيه يوم القيامة»(1).

------------------------------

ص: 187


1- بحار الأنوار: ج 43 ص55 ب3 مناقبها وفضائلها وبعض أحوالها ومعجزاتها (صلوات الله عليها) ح48.

حلة من نور

قوله (صلى الله عليه وآله): نعم، إشارة لما كتب في لوح المحو والإثبات، وأما إكساؤها حلتين من نور فهو ما كان مسطوراً في اللوح المحفوظ، وتفصيل اللوحين ومبحث البداء في كتب الكلام.

ثم إن النور الشديد ساتر كما هو واضح، حيث لا تمكن الرؤية عبره، قال (صلى الله عليه وآله): (حلتين من نور).

إضافة إلى أننا لا نعلم خصوصيات الآخرة وما يرتبط بها من الحلي وما أشبه.

وكونه ساتراً تشريف بالإضافة إليه تعالى، فهو كصلاة المرأة بحجاب كامل وإن لم يكن في بيتها أحد ينظر إليها، فإنه نوع احترام وتشريف، بالإضافة إلى مقام عظمة الله سبحانه.

استحباب الحياء

مسألة: الحياء(1) مستحب، وربما كان واجباً.

وعرفه بعضهم بأنه (غريزة تمنع الإنسان من ارتكاب القبائح ومنالتقصير في حقوق الخلق والخالق)، ولا يخفى أن وجوبه في مورده مقدمي وليس واجباً في مقابل سائر الواجبات(2).

ص: 188


1- وضد الحياء هو الخلع، يقال الخليع في مقابل الحيي، والخليع من خلع جلباب الحياء.
2- كما أن الظاهر أن استحباب الحياء نفسي.

والروايات الواردة في الحياء كثيرة منها:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، والإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وكَانَ مِنْ قَرْنِهِ إِلى قَدَمِهِ ذُنُوباً بَدَّلهَا اللهُ حَسَنَاتٍ، الصِّدْقُ والحَيَاءُ وحُسْنُ الخُلقِ والشُّكْرُ»(2).

الاستحياء

مسألة: ينبغي الاستحياء من الله تعالى، ففي الواجب وجوباً، وفي المستحب استحباباً.

ولعله نقل الحياء إلى باب الاستفعال دلالة على الطلب كما هو الأصل في هذا الباب، قال سبحانه: «إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِيأَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»(3).

نعم قد يكون استفعل بمعنى فَعَل المجرد، مثل استقر بمعنى قرّ.

عَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) قَال: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَمَل إِسْلامُهُ ومُحِّصَتْ ذُنُوبُهُ ولقِيَ رَبَّهُ وهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَفَاءٌ للهِ بِمَا يَجْعَل عَلى نَفْسِهِ للنَّاسِ

ص: 189


1- الكافي: ج 2 ص106 باب الحياء ح1.
2- الكافي: ج 2 ص107 باب الحياء ح7.
3- سورة البقرة: 26.

، وصِدْقُ لسَانِهِ مَعَ النَّاسِ، والاسْتِحْيَاءُ مِنْ كُل قَبِيحٍ عِنْدَ اللهِ وعِنْدَ النَّاسِ، وحُسْنُ خُلقِهِ مَعَ أَهْله»(1).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «استحيوا من الله حق الحياء»، فقلنا: إنا لنستحيي يا رسول الله من الله تعالى، فقال: «ليس ذلك ما أمرتكم به وإنما الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا»(2).

أثر الحياء

مسألة: ينبغي بيان أثر الحياء من الله تعالى.

فإن الإنسان إذا أطاع الله سبحانه أعطاه الله ما يحب، وحيث إنه عزوجل أمر بالحياء منه، فمن استحياه أعطاه ما أحب من الستر يوم القيامة.

قال سبحانه: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ»(3).

وقال تعالى: «وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ»(4).

إلى غيرها من الآيات والروايات.

ص: 190


1- مشكاة الأنوار: ص172 الفصل التاسع عشر في الصدق والاشتغال عن عيوب الناس والنهي عن الغيبة.
2- شرح نهج البلاغة: ج 1 ص129 فصل في الكلام على السجع.
3- سورة البقرة: 40.
4- سورة التوبة: 111.

كرامة الإمام

مسألة: يستحب بيان كرامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عند الله تعالى.

فإنه (عليه السلام) حيث كان مطيعاً للباري بتمام معنى الكلمة، أعطاه الله ما أحب في الدنيا والآخرة.

ثم إنه يستفاد من هذا الحديث وروايات أخرى أن سائر الأنبياء والأئمة والأوصياء (صلوات الله عليهم أجمعين) كذلك في الستر يوم القيامة، فهم أكرم على الله عزوجل من أن يعريهم.

وهذه الروايات مخصصة لما دل على أن الناس «يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً»(1)، أي: غير مختونين كحالة ولادتهم من أمهاتهم.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ غُرْلا مُهْلا جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يَسُوقُهُمُ النُّورُ وَتَجْمَعُهُمُ الظُّلمَةُ حَتَّى يَقِفُوا عَلى عَقَبَةِ المَحْشَرِ، فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَيَزْدَحِمُونَ دُونَهَا فَيُمْنَعُونَ مِنَ المُضِيِّ، فَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ وَيَكْثُرُ عَرَقُهُمْ وَتَضِيقُ بِهِمْأُمُورُهُمْ وَيَشْتَدُّ ضَجِيجُهُمْ وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ، قَال: وَهُوَ أَوَّل هَوْل مِنْ أَهْوَال يَوْمِ القِيَامَة»(2).

بل سيأتي في رواية أخرى أن المؤمنين يسترون يوم القيامة أيضاً، ولعل

ص: 191


1- بحار الأنوار: ج7 ص69 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2- بحار الأنوار: ج 7 ص268 ب11 محاسبة العباد وحكمه تعالى في مظالمهم وما يسألهم عنه وفيه حشر الوحوش ح35.

الفرق في درجات الستر وأنواعه(1)، كما يشاهد في الدنيا من أنواع الملابس وأصناف الساتر، كما لعله في مدة الستر واستغراقه لكل مراحل القيامة ومواقفها أو كونه لبعضها فقط.

ثم إنه يؤيد قوله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث أن أهل الدنيا عراة يوم القيامة ولو بالملاك قوله سبحانه: «وَلقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّةٍ»(2)، وإن كانت الآية تدل على انفراد كل واحد يوم المحشر بلا خدم ولا حشم ولا ما أشبه(3)، لكن ملاكها ربما يشمل ما نحن فيه ولو بقرينة سائر الروايات، بل قد يقال«كَمَا خَلقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّةٍ» تأسيس وليس تأكيداً، فيفيد المجيء مجردين من كل شيء من الثروة والسلطة والرئاسة وحتى الثياب(4).

وفي الخرائج: قالت الزهراء (عليها السلام): يا رسول الله وما فرادى، قلت: عراة»(5).

ص: 192


1- إذ النور الساتر أنواع وأصناف وله مراتب ودرجات.
2- سورة الأنعام: 94.
3- قال في مجمع البيان: «فرادى» أي وحداناً لا مال لكم ولا خول ولا ولد ولا حشم.
4- وفي مجمع البيان في تفسير هذه الآية: «كما خلقناكم أول مرة»: (كما خلقناكم في بطون أمهاتكم فلا ناصر لكم، وقيل: معناه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): تحشرون حفاةً عراةً غرلاً).
5- الخرائج والجرائح: ج1 ص90.

السؤال عن يوم القيامة

مسألة: يستحب السؤال عن أحوال يوم القيامة وكيفية الحشر، وعدد المواقف وما هي، إلى غير ذلك.

عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «لمَّا نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ «وَجِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ»(1)، سُئِل عَنْ ذَلكَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَال: أَخْبَرَنِي الرُّوحُ الأَمِينُ أَنَّ اللهَ لا إِلهَ غَيْرُهُ إِذَا جَمَعَ الأَوَّلينَ وَالآخِرِينَ أَتَى بِجَهَنَّمَ، تُقَادُ بِأَلفِ زِمَامٍ، أَخَذَ بِكُل زِمَامٍ مِائَةُ أَلفِ مَلكٍ مِنَ الغِلاظِ الشِّدَادِ، لهَا هَدَّةٌ وَتَغَيُّظٌ وَزَفِيرٌ، وَإِنَّهَا لتَزْفِرُ الزَّفْرَةَ فَلوْ لا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَل أَخَّرَهُمْ إِلى الحِسَابِ لأَهْلكَتِ الجَمْعَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ يُحِيطُ بِالخَلائِقِ البَرِّ مِنْهُمْ وَ الفَاجِرِ، فَمَا خَلقَ اللهُ عَزَّ وَ جَل عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ مَلكاً وَ لا نَبِيّاً إِلا نَادَى: رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي، وَأَنْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ تُنَادِي: أُمَّتِي أُمَّتِي، ثُمَّ يُوضَعُ عَليْهَا صِرَاطٌ أَدَقُّ مِنْ حَدِّ السَّيْفِ عَليْهِ ثَلاثُ قَنَاطِرَ، أَمَّا وَاحِدَةٌ فَعَليْهَا الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، وَأَمَّا الأُخْرَى فَعَليْهَا الصَّلاةُ، وَأَمَّا الأُخْرَى فَعَليْهَا عَدْل رَبِّ العَالمِينَ لا إِلهَ غَيْرُهُ، فَيُكَلفُونَ المَمَرَّ عَليْهِ، فَتَحْبِسُهُمُ الرَّحِمُ وَالأَمَانَةُ، فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا حَبَسَتْهُمُ الصَّلاةُ، فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ المُنْتَهَىإِلى رَبِّ العَالمِينَ جَل وَعَزَّ، وَهُوَ قَوْلهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «إِنَّ رَبَّكَ لبِالمِرْصادِ»(2) وَالنَّاسُ عَلى الصِّرَاطِ فَمُتَعَلقٌ وَقَدَمٌ تَزِل وَقَدَمٌ تَسْتَمْسِكُ، وَالمَلائِكَةُ حَوْلهُمْ يُنَادُونَ: يَا حَليمُ اغْفِرْ وَاصْفَحْ وَعُدْ بِفَضْلكَ وَسَلمْ سَلمْ، وَالنَّاسُ يَتَهَافَتُونَ فِيهَا

ص: 193


1- سورة الفجر: 23.
2- سورة الفجر: 14.

كَالفَرَاشِ، وَإِذَا نَجَا نَاجٍ بِرَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَل نَظَرَ إِليْهَا فَقَال: الحَمْدُ للهِ الذِي نَجَّانِي مِنْكِ بَعْدَ إِيَاسٍ بِمَنِّهِ وَفَضْلهِ إِنَّ رَبَّنا لغَفُورٌ شَكُورٌ»(1).

القيامة وأحوالها

مسألة: يستحب بيان أن يوم القيامة لا يلتفت فيه أحد إلى أحد لشدة الهول والدهشة، قال تعالى: «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَل كُل مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُل ذَاتِ حَمْل حَمْلهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ»(2).

وقال سبحانه: «يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالمُهْل * وَتَكُونُ الجِبَال كَالعِهْنِ * وَلاَ يَسْأَل حَمِيمٌ حَمِيماً»(3).

وقال عزوجل: «فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُمِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لكُل امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ»(4).

ص: 194


1- بحار الأنوار: ج7 ص126 ب6 ح1 عن الأمالي للصدوق.
2- سورة الحج: 2.
3- سورة المعارج: 8 - 10.
4- سورة عبس: 33 - 37.

السلام على الصديقة

مسألة: يستحب أن يقرئ الناس فاطمة (صلوات الله عليها) السلام، كما أقرأها الله تعالى، وفي الحديث: «تَخَلقُوا بِأخْلاقِ اللهِ»(1).

ولا فرق في ذلك بين حال حياتها وبعد استشهادها، كما ورد وسبق نظيره.

عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): مَا لمَنْ زَارَ وَاحِداً مِنْكُمْ؟ قَال: «كَمَنْ زَارَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله»(2).

من فضائل الصديقة

مسألة: يستحب بيان أن الله تعالى قد أقرأ فاطمة (صلوات الله عليها) السلام، فبيان ذلك وبيان مطلق فضائلهم (عليهم السلام) عبادة.

قَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «الحَسَنُ والحُسَيْنُ خَيْرُ أَهْل الأَرْضِ بَعْدِي وبَعْدَ أَبِيهِمَا، وأُمُّهُمَا أَفْضَل نِسَاءِ أَهْلالأَرْضِ»(3).

ص: 195


1- بحار الأنوار: ج 58 ص129.
2- من لا يحضره الفقيه: ج2 ص578 ح3163.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص62 ب31 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة ح252.

كرسي النور

اشارة

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) قَال: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ لدُنِ العَرْشِ: يَا مَعْشَرَ الخَلائِقِ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَمُرَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، فَتَكُونُ أَوَّل مَنْ يُكْسَى، وَيَسْتَقْبِلهَا مِنَ الفِرْدَوْسِ اثْنَا عَشَرَ أَلفَ حَوْرَاءَ مَعَهُنَّ خَمْسُونَ أَلفَ مَلكٍ عَلى نَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ أَجْنِحَتُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَأَزِمَّتُهَا مِنَ اللؤْلؤِ الرَّطْبِ، عَليْهَا رَحَائِل مِنْ دُرٍّ، عَلى كُل رَحْل نُمْرُقَةٌ مِنْ سُنْدُسٍ، حَتَّى تَجُوزَ بِهَا الصِّرَاطَ وَيَأْتُونَ الفِرْدَوْسَ، فَيَتَبَاشَرُ بِهَا أَهْل الجَنَّةِ.

وَتَجْلسُ عَلى عَرْشٍ مِنْ نُورٍ، وَيَجْلسُونَ حَوْلهَا وَفِي بُطْنَانِ العَرْشِ قَصْرَانِ قَصْرٌ أَبْيَضُ وَقَصْرٌ أَصْفَرُ مِنْ لؤْلؤٍ مِنْ عِرْقٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّ فِي القَصْرِ الأَبْيَضِ سَبْعِينَ أَلفَ دَارٍ مَسَاكِنَ مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ فِي القَصْرِ الأَصْفَرِ سَبْعِينَ أَلفَ دَارٍ مَسَاكِنَ إِبْرَاهِيمَ وَآل إِبْرَاهِيمَ.

وَيَبْعَثُ اللهُ إِليْهَا مَلكاً لمْ يَبْعَثْ إِلى أَحَدٍ قَبْلهَا وَلمْ يَبْعَثْ إِلى أَحَدٍ بَعْدَهَا فَيَقُول لهَا: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَليْكَ السَّلامَ وَيَقُول لكَ: سَلينِي أُعْطِكِ.

فَتَقُول: قَدْ أَتَمَّ عَليَّ نِعْمَتَهُ وَأَبَاحَنِي جَنَّتَهُ وَهَنَّأَنِي كَرَامَتَهُ وَفَضَّلنِي عَلى نِسَاءِ خَلقِهِ، أَسْأَلهُ أَنْ يُشَفِّعَنِي فِي وُلدِي وَذُرِّيَّتِي وَمَنْ وَدَّهُمْ بَعْدِي وَحَفِظَهُمْ بَعْدِي.

قَال: فَيُوحِي اللهُ إِلى ذَلكَ المَلكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَوَّل عَنْ مَكَانِهِ أَنْ خَبِّرْهَا أَنِّي قَدْ شَفَّعْتُهَا فِي وُلدِهَا وَذُرِّيَّتِهَا وَمَنْ وَدَّهُمْ وَأَحَبَّهُمْ وَحَفِظَهُمْ بَعْدَهَا.

ص: 196

قَال: فَتَقُول: الحَمْدُ للهِ الذِي أَذْهَبَ عَنِّي الحَزَنَ وَأَقَرَّ عَيْنِي.ثُمَّ قَال جَعْفَرٌ (عليه السلام): كَانَ أَبِي (عليه السلام) إِذَا ذَكَرَ هَذَا الحَدِيثَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: «وَالذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلتْناهُمْ مِنْ عَمَلهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ كُل امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ»(1)»(2).

--------------------------

عدم تكذيب الأحاديث

مسألة: لا يجوز تكذيب الحديث بمجرد عدم وصول العلم إليه، أو بمجرد عدم تعقله، أي عدم إدراك العقل له(3).

وفي هذه الرواية قد لا يفهم المراد بالنور وما ورد مترتباً عليه، ولا يصح إنكارها، وربما يراد به ما يشمل الأشعة كالليزر مثلاً، وللأشعة من القوة والتأثير ما قد يفوق الماديات الأخر، كما يحتمل أن يتكثف النور، ويحتمل أن تكون الأجسام ألطف مما عليه الآن ولو في بعض مراحل البرزخ والقيامة(4)، كمايحتمل أن يرمز بالنور إلى ما هو أظهر خواصه، أي الظاهر بنفسه المظهر لغيره لا هذا الموجود الخاص، وستأتي إشارة أخرى لذلك، والله العالم.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَوْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)

ص: 197


1- سورة الطور: 21.
2- بحار الأنوار: ج 24 ص274 ب63 الآيات الدالة على رفعة شأنهم ونجاة شيعتهم في الآخرة والسؤال عن ولايتهم ح60.
3- ويختلف ذلك عن إدراك العقل لعدمه كما هو واضح.
4- لعله إشارة إلى القالب المثالي في فترة، من غير نفي التجسم الحقيقي وعودة الجسم بنفسه.

قَال: «لا تُكَذِّبُوا بِحَدِيثٍ أَتَاكُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ لعَلهُ مِنَ الحَقِّ فَتُكَذِّبُوا اللهَ فَوْقَ عَرْشِهِ»(1).

وعَنْ أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام)، أَنَّهُ كَتَبَ إِليْهِ فِي رِسَالةٍ: «ولا تَقُل لمَا بَلغَكَ عَنَّا أَوْ نُسِبَ إِليْنَا هَذَا بَاطِل وإِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ خِلافَهُ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي لمَ قُلنَا وعَلى أَيِّ وَجْهٍ وصِفَةٍ»(2).

خصوصيات الآخرة

مسألة: لا يجوز إنكار خصوصيات ما تنقله الروايات عن عالم البرزخ والقيامة أو الجنة والنار، لمجرد استبعادها والاستغراب منها، أو لمجرد عدم العلم بوجهها أو وجوهها.

ومن ذلك استغراب أن لا يكون الملكمرسلاً إلى أحد قبل الصديقة (عليها السلام)، ولا إلى أحد بعدها، وفي ذلك نوع توقير لها وتعظيم، خاصة بعد معرفة أن الله خلق من الملائكة أعداداً هائلة لجهات لا تحصيها العقول ولا تحيط بها الأوهام.

قال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ رَدَّ حَدِيثاً بَلغَهُ عَنِّي فَأَنَا مُخَاصِمُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِذَا بَلغَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ لمْ تَعْرِفُوهُ فَقُولوا اللهُ أَعْلم»(3).

ص: 198


1- بصائر الدرجات: ج 1 ص538 ب22 باب فيمن لا يعرف الحديث فرده ح5.
2- بصائر الدرجات: ج 1 ص538 ب22 باب فيمن لا يعرف الحديث فرده ح4.
3- منية المريد: ص372.

مودة العترة

مسألة: ينبغي تحريض الناس على مودة أهل البيت (عليهم السلام) بكل الطرق الشرعية الممكنة، ومنها بث ونشر وشرح وترجمة أمثال هذه الرواية الشريفة.

قال تعالى: «ذلكَ الذي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الذينَ آمَنُوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ قُل لا أَسْئَلكُمْ عَليْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى ومَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لهُ فيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(1).

شرط الشفاعة

مسألة: لا ريب في أن الشفاعة تنال من ذكر في الرواية من شيعة الزهراء (عليها السلام) ومن حفظها وأحبها، ولكن شرط نيلها البقاء على ودّهم (عليهم السلام) وذريتهم وحفظهم حتى الممات، إذ قد تسلب المعاصي - والعياذ بالله - من الإنسان ذلك الود والحفظ، فيموت على غيرهما فلا يستحق هذه الشفاعة، وربما تلك المعاصي تؤخر الشفاعة.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي ويَمُوتَ مَمَاتِي، ويَدْخُل الجَنَّةَ التِي وَعَدَنِي رَبِّي، جَنَّةَ عَدْنٍ مَنْزِلي، قَضِيبٌمِنْ قُضْبَانِهِ غَرَسَهُ رَبِّي بِيَدِهِ ثُمَّ قَال لهُ كُنْ فَكَانَ، فَليَتَوَل عَليّاً مِنْ

ص: 199


1- سورة الشورى: 23.

بَعْدِي والأَوْصِيَاءَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، أَعْطَاهُمُ اللهُ فَهْمِي وعِلمِي، وايْمُ اللهِ ليَقْتُلنَّ ابْنِي لا أَنَالهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي»(1).

وعَنْ أَبِي شِبْل قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): رَجُل مُسْلمٌ فَجَرَ بِجَارِيَةِ أَخِيهِ فَمَا تَوْبَتُهُ، قَال: «يَأْتِيهِ وَيُخْبِرُهُ وَيَسْأَلهُ أَنْ يَجْعَلهُ فِي حِل وَلا يَعُودُ»، قُلتُ: فَإِنْ لمْ يَجْعَلهُ مِنْ ذَلكَ فِي حِل، قَال: «يَلقَى اللهَ عَزَّ وَجَل زَانِياً خَائِناً»، قَال: قُلتُ: فَالنَّارُ مَصِيرُهُ، قَال: «شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) وَشَفَاعَتُنَا تُحِيطُ بِذُنُوبِكُمْ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ فَلا تَعُودُوا وَلا تَتَّكِلوا عَلى شَفَاعَتِنَا، فَوَ اللهِ لا يَنَال أَحَدٌ شَفَاعَتَنَا إِذَا فَعَل هَذَا حَتَّى يُصِيبَهُ أَلمُ العَذَابِ وَيَرَى هَوْل جَهَنَّمَ»(2).

وقَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «لا تَتَّكِلوا بِشَفَاعَتِنَا، فَإِنَّ شَفَاعَتَنَا قَدْ لا تَلحَقُ بِأَحَدِكُمْ إِلا بَعْدَ ثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ»(3).

سؤال الخير للناس

مسألة: يستحب أن يسأل الإنسان من الله سبحانه الخير للناس من الأرحام وغيرهم، كما طلبت الصديقة (عليها السلام) الخير لذريتها وحتى لمن ودّهم، مع وضوح كثرة غير السادة فيهم.

نعم لابد أن يكون طلب الخير في المحل القابل، فلا يصح طلب الشفاعة

ص: 200


1- بصائر الدرجات: ج 1 ص48 ص22 باب في الأئمة (عليهم السلام) وما قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن الله أعطاهم فهمي وعلمي ح1.
2- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص39 باب ما يجب به التعزير والحد.. ح5034.
3- بحار الأنوار: ج70 ص331 ب137 ح16 بيان.

للناصبي مثلاً.

قال تعالى: «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلمَّا تَبَيَّنَ لهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لاَوَّاهٌ حَليمٌ»(1).

وقال سبحانه: «اسْتَغْفِرْ لهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلنْ يَغْفِرَ اللهُ لهُمْ ذَلكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ»(2).

نعم طلب الهداية لمن يحتمل فيه ذلك مطلوب.

والظاهر أن المراد بمن ودّهم لها، ممن لم يكن على غير طريقتهم عناداً، وإلاّ فالذي على غير طريقتهم ليس ممن تناله كرامته سبحانه.

ويؤكده قولها: (لها) في (من ودهم لها)، اللهم إلاّ إذا كان من القاصرينحسب ما ذكر في مباحث أصول الدين، فإن وده لهم لأجلها (عليها السلام) قد يسبب نجاحه في امتحان الآخرة.

بل لعل ظاهر الرواية العموم لمن ودهم لها، أي العموم لكل قاصر، بل لعله لا يجتمع (أو ودهم لها) مع كونه معانداً، فتأمل.

ص: 201


1- سورة التوبة: 114.
2- سورة التوبة: 80.

مقام الصديقة في المحشر

مسألة: يستحب بيان مقام فاطمة (عليها السلام) يوم المحشر، حيث تجلس على كرسي من نور...

وقد سبق بعض الكلام عن النور، ونضيف:

إننا لا نعلم حقيقة النور الأخروي والمراد به، بل لا نعلم حقيقة النور الدنيوي ولا أنواعه كلها، أو ما فيه من الخصوصيات والمزايا إلاّ بعضها فقط مما كشفه العلم الحديث، كما لا نعلم خصوصيات الأجسام هنالك في بعض مراحل القيامة، فلا يستغرب أن يكون النور حاملاً للإنسان وأن يجلس الإنسان على كرسي من النور أو غيره(1).

قال (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ تَعَالى إِذَا بَعَثَ الخَلائِقَ مِنَ الأَوَّلينَ والآخِرِينَ، نَادَى مُنَادِي رَبِّنَا مِنْ تَحْتِ عَرْشِهِ: يَا مَعْشَرَ الخَلائِقِ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ لتَجُوزَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالمِينَ عَلى الصِّرَاطِ. فَيَغُضُّ الخَلائِقُ كُلهُمْأَبْصَارَهُمْ، فَتَجُوزُ فَاطِمَةُ (عليها السلام) عَلى الصِّرَاطِ، لا يَبْقَى أَحَدٌ فِي القِيَامَةِ إِلا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْهَا، إِلا مُحَمَّدٌ وعَليٌّ والحَسَنُ والحُسَيْنُ والطَّاهِرُونَ مِنْ أَوْلادِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مَحَارِمُهَا، فَإِذَا دَخَلتِ الجَنَّةَ بَقِيَ مِرْطُهَا مَمْدُوداً عَلى الصِّرَاطِ، طَرَفٌ مِنْهُ بِيَدِهَا وهِيَ فِي الجَنَّةِ، وطَرَفٌ فِي عَرَصَاتِ القِيَامَةِ»(2).

ص: 202


1- فمثلاً بعض الخواص التي اكتشفها العلماء للنور ولبعض أنواعه وللأشعة بأنواعها كالليزر وغيره القدرة على تحريك الأجسام وغيرها.
2- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص434 ح15.

بيان النعمة

مسألة: يستحب بيان ما أنعم الله تعالى به على الإنسان، حيث قالت الصديقة (عليها السلام): «قد أتم علي نعمته وهنأني كرامته وأباحني جنته»، فإنه نوع من الشكر والحمد.

قال تعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث»(1).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ شُكْرٌ، وتَرْكُهَا كُفْرٌ، ومَنْ لمْ يَشْكُرِ القَليل لمْ يَشْكُرِ الكَثِيرَ، ومَنْ لمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لمْ يَشْكُرِ اللهَ جَل وعَزَّ»(2).

إذهاب الحزن

مسألة: يستحب حمد الله تعالى على إذهاب الحزن، قال تعالى: «وَقَالوا الحَمْدُ للهِ الذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لغَفُورٌ شَكُورٌ»(3).

وهو نوع ثناء على الله سبحانه، ونوع شكر للنعمة أيضاً، كما أن به دفعالضرر المحتمل، فقد اجتمعت فيه هذه الجهات، إضافة إلى أنه مما تستجلب به المنفعة.

ص: 203


1- سورة الضحى: 11.
2- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص27 طرف من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى آدابه، ومواعظه، وأمثاله، وحكمه ح75.
3- سورة فاطر: 34.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذَا وَرَدَ عَليْهِ أَمْرٌ يَسُرُّهُ قَال: الحَمْدُ للهِ عَلى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وإِذَا وَرَدَ عَليْهِ أَمْرٌ يَغْتَمُ بِهِ قَال: الحَمْدُ للهِ عَلى كُل حَال»(1).

الحزن والرقة

مسألة: الحزن والرقة على ما أصاب الولد والذرية ومن ودّهم من المصائب أو ما يمكن أن يواجههم من المخاطر مطلوب، فإنه من دلائل الإنسانية والرحمة المطلوبين عقلاً وشرعاً.

قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لنْتَ لهُمْ وَلوْ كُنْتَ فَظّاً غَليظَ القَلبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلكَ»(2).

وقال سبحانه: «بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(3).

والروايات في العطف والرحمة والمحبة والرفق وما أشبه أكثر من أن تحصى.

عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَاشِدٍ، قَال:«كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) حِينَ مَاتَ إِسْمَاعِيل ابْنُهُ (عليه السلام) فَأُنْزِل فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلى الأَرْضِ مِمَّا يَلي القِبْلةَ، ثُمَّ قَال: هَكَذَا صَنَعَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِإِبْرَاهِيمَ»(4).

ص: 204


1- الكافي: ج 2 ص97 باب الشكر ح19.
2- سورة آل عمران: 159.
3- سورة التوبة: 128.
4- الكافي: ج 3 ص194 باب من يدخل القبر ومن لا يدخل ح7.

من هم الفائزون

مسألة: يستحب بيان أن الشيعة هم الفائزون يوم القيامة، حيث تشفع لهم الصديقة فاطمة (عليها السلام).

عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يُؤْتَى بِكَ يَا عَليُّ عَلى حَجَلةٍ مِنْ نُورٍ، وعَلى رَأْسِكَ تَاجٌ لهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ، عَلى كُل رُكْنٍ ثَلاثَةُ أَسَاطِيرَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُول اللهِ عَليٌّ مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُوضَعُ لكَ كُرْسِيٌّ يُعْرَفُ بِكُرْسِيِّ الكَرَامَةِ فَتَقْعُدُ عَليْهِ، يُجْمَعُ لكَ الأَوَّلونَ والآخِرُونَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَتَأْمُرُ لشِيعَتِكَ إِلى الجَنَّةِ، وبِأَعْدَائِكَ إِلى النَّارِ، فَأَنْتَ قَسِيمُ الجَنَّةِ وأَنْتَ قَسِيمُ النَّارِ، لقَدْ فَازَ مَنْ تَوَلاكَ، وخَابَ وخَسِرَ مَنْ عَادَاكَ، فَأَنْتَ فِي ذَلكَ اليَوْمِ أَمِينُ اللهِ وحُجَّةُ اللهِ الوَاضِحَة»(1).

وفي الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) «ضَرَبَ عَلى مَنْكِبِ عَليٍّ (عليه السلام) ثُمَّ قَال: هَذَا وَ شِيعَتُهُ هُمُ الفَائِزُونَ»(2).

ص: 205


1- بشارة المصطفى: ج 2 ص210 كرسي الكرامة الذي يجلس عليه علي (عليه السلام).
2- بحار الأنوار: ج7 ص178 ب8 ح17 عن كتاب فضائل الشيعة.

قميص الحسين (علیه السلام)

اشارة

وفي رواية عن أحوال يوم القيامة: «... فتأتي فاطمة (عليها السلام) على نجيب من نجب الجنة، يشيعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي (عليه السلام) بيدها مضمخاً بدمه، وتقول: يا رب هذا قميص ولدي، وقد علمت ما صنع به.

فيأتيها النداء من قبل الله عزوجل: يا فاطمة لك عندي الرضا.

فتقول: يا رب انتصر لي من قاتله.

فيأمر الله تعالى عنقاً من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي (عليه السلام) كما يلتقط الطير الحب، ثم يعود العنق بهم إلى النار، فيعذبون فيها بأنواع العذاب، ثم تركب فاطمة (عليها السلام) نجيبها حتى تدخل الجنة، ومعها الملائكة المشيعون لها، وذريتها بين يديها وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها»(1).

--------------------------

مواقف القيامة

مواقف القيامة على أقسام، منها مواقف شريفة كهذا الموقف، ومنها مواقف مخزية ومهيبة وغيرها، فإن القيامة «فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلفَ

ص: 206


1- الأمالي، للمفيد: ص130 المجلس الخامس عشر ح6.

سَنَةٍ»(1)،وتشتمل على كثرة المواقف، وقد ذكرت بعضها الروايات.

قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْل أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإِنَّ فِي القِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً كُل مَوْقِفٍ مِثْل أَلفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُم تَلا هَذِهِ الآيَةَ: «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ»(2)»(3).

مواقف الصديقة

ثم إنه يبدو من الجمع بين هذه الرواية وسائر الروايات أن للصديقة (صلوات الله عليها) مواقف متعددة ومطالبات عديدة، وقد تكون متعاقبة وربما كانت منفصلة، فترفع في بعضها قميص الحسين (عليه السلام)، وفي بعضها يكون بيدها رأس الحسين (عليه السلام)، وفي بعضها كفا أبي الفضل العباس (عليه السلام) وهكذا، وذلك إتماماً للحجة أكثر، ويؤيده ما سبق ويأتي.

والظاهر أن طلب الصديقة (عليها السلام): (يا رب انتصر لي من قاتله) هو إحدى طلباتها، وهناك طلبات أخرى كالشفاعة لشيعتها وما أشبه، سبقبعضها في الروايات التي ذكرناها.

ويحتمل في قوله (عليه السلام): (فتلتقط قتلة الحسين) أن تكون النار موجهة(4) ، كما يحتمل أن تكون مشعرة، قال تعالى: «وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لهِيَ

ص: 207


1- سورة المعارج: 4.
2- سورة المعارج: 4.
3- الأمالي، للمفيد: ص274 المجلس الثالث والثلاثون ح1.
4- وذلك مثل ما نجده الآن من الصواريخ الموجهة أو الأجزهة المختلفة التي يتحكم فيها بآلة التحكم عن بعد.

الحَيَوَانُ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ»(1)، بل حتى في الدنيا، قال سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»(2).

وتشييع سبعين ألف ملك لها (عليها السلام) قد يكون للتوقير والتعظيم والاحترام والتبجيل والتجليل، وقد يكون للهيبة، وقد يكون إضافة إلى ذلك لكون المشيعين ممن تناط بهم مسؤوليات وأعمال ووظائف فعلاً أو قوة(3).

مخلوقات الجنة

ربما يظهر من هذه الرواية وغيرها أن بعض المخلوقات الموجودة في الجنةتنتقل بإذن الله تعالى إلى عالم القيامة أو غيره، ويحتمل أن يخلق ذلك الحيوان أو الشيء في عالم سابق وأن تكون إضافته للجنة لكون مآله إليها، من باب المجاز بالأوْل أو المشارفة.

قتلة الحسين في النار

مسألة: يجب الاعتقاد بأن قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) في النار، ويستحب بيان ذلك.

فإن قتل المؤمن العادي موجب لدخول النار والخلود فيها، فكيف بقتل

ص: 208


1- سورة العنكبوت: 64.
2- سورة الإسراء: 44.
3- (فعلاً) في نفس مكان السير، و(قوةً) إذ لعل أدوارهم تعقب ذلك في مراحل القيامة اللاحقة أو هي في الجنة.

الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وأصحابه وأهل بيته (عليهم السلام).

قال سبحانه: «مَنْ قَتَل نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَل النَّاسَ جَمِيعاً»(1).

وفي آية أخرى: «وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَليْهِ وَلعَنَهُ وَأَعَدَّ لهُ عَذَاباً عَظِيماً»(2).

لا تبرأة للقتلة

مسألة: لا تجوز تبرأة كل أو بعض منشارك بنحو من الأنحاء في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الكرام، بأي وجه من الوجوه، كالقول بأن المأمور معذور!، فإنه لا عذر في ارتكاب حرمات الله وقتل أوليائه، وكالقول بأن بعضهم كان جاهلاً قاصراً، وذلك لأن من الواضح عدم مجال لاحتمال ذلك، لأن الحجج كانت في أعلى الدرجات، كما أن الآيات والبينات التي أتمها الرسول (صلى الله عليه وآله) على الأمة في شأن سبطه سيد الشهداء (عليه السلام) ثم البراهين التي ساقها إليهم الإمام الحسين (عليه السلام) قبل عاشوراء ويوم عاشوراء مما لا تترك مجالاً لاحتمال وجود قاصر في جيش الأعداء أبداً.

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): مَا أَقُول إِذَا أَتَيْتُ قَبْرَ الحُسَيْنِ (عليه السلام)، قَال: «قُل: السَّلامُ عَليْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، صَلى اللهُ

ص: 209


1- سورة المائدة: 32.
2- سورة النساء: 93.

عَليْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلكَ، ولعَنَ اللهُ مَنْ شَرِكَ فِي دَمِكَ، ولعَنَ اللهُ مَنْ بَلغَهُ ذَلكَ فَرَضِيَ بِهِ، أَنَا إِلى اللهِ مِنْ ذَلكَ بَرِيء»(1).

الشكاية من الظالم

مسألة: تجوز الشكاية من الظالم، والجواز بالمعنى الأعم، إذ قد تستحب وقد تجب.

فإن الشكاية من الظالم مما سنها الله سبحانه لإقامة العدل في الكون، وليس ذلك من باب الحقد وما أشبه حتى يقال بأن الصديقة (صلوات الله عليها) أرفع من مثل ذلك، بل من باب إحقاق الحق وإبطال الباطل والانتصار للمظلوم وهو مظهر للعدل الإلهي.

قال تعالى: «وَلكِنْ حَقَّتْ كَلمَةُ العَذَابِ عَلى الكَافِرِينَ»(2).

وقال سبحانه: «قال إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْني إِلى اللهِ وأَعْلمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلمُون»(3).

وعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «مَنْ شَكَا إِلى مُؤْمِنٍ فَقَدْ شَكَا إِلى اللهِ عَزَّ وجَل، ومَنْ شَكَا إِلى مُخَالفٍ فَقَدْ شَكَا اللهَ

ص: 210


1- مستدرك الوسائل: ج 10 ص299 ب45 باب استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) بالزيارة المأثورة وآدابها وصلاة ركعتي الزيارة بعدها وزيارة الشهداء ح1.
2- سورة الزمر: 71.
3- سورة يوسف: 86.

عَزَّوجَل»(1).

كما أن ذلك من الحكمة، إذ الحكمةهي وضع الأشياء مواضعها(2)، ومنها: إن المماثل ينبغي أن ينتهي إلى المماثل من باب السنخية، قال سبحانه: «وَلقَدْ ذَرَأْنَا لجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لهُمْ قُلوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ كَالأنْعَامِ بَل هُمْ أَضَل أُولئِكَ هُمُ الغَافِلونَ»(3).

وقال الشاعر: (إن الطيور على أشكالها تقع).

فالمجرمون ينتهون إلى النار بسوء اختيارهم لا بجبر ولا قسر، والمصلحون ينتهون إلى الجنة بحسن اختيارهم كذلك، وقد ذكر تفصيل ذلك العلامة السيد عبد الله الشبر (رحمه الله) في كتابه (مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار) في بحث الطينة، وذكرنا في بعضمباحثنا عن الطينة بعض ما يؤيد المطلب.

ص: 211


1- وسائل الشيعة: ج 2 ص412 ب6 باب جواز الشكوى إلى المؤمن دون غيره ح3.
2- وقد يقال: إن الحقد كعنوان لا يصدق إلا مع كون العداوة والبغضاء لا لوجه حق، إذ لو كان بوجه حق كبغض أعداء الله تعالى والانطواء على ذلك فإنه لا يصدق عليه الحقد، وإن فرض صدقه عليه فإن ليس من الحقد المذموم بل هو من الممدوح لأنه مما أمر به الله، قال عزوجل عن لسان النبي إبراهيم (عليه السلام): (كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابداء حتى تؤمنوا بالله وحده) كما أن من فروع الدين وملحقاتها تولي أولياء الله وحبهم، والتبري من أعداء الله وبغضهم، وذلك كعكسه.
3- سورة الأعراف: 179.

بيان فضلهم بوجوه البيان

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة تأتي على نجيب من نجب الجنة ويشيعها سبعون ألف ملك...

وقد سبق مكرراً أن البيان بوجوهه المختلفة مستحب، فقد يكون باللسان، وقد يكون بالقلم والبنان، وقد يكون بنقل رواية أو سبك قصة أو تجسيد مثال أو صنع فلم أو إقامة مسرح أو غير ذلك، لكن بشرط رعاية كافة شؤوناتهم (صلوات الله عليهم) بما لا يكون هتكاً ووهناً، بل بما يحفظ الحرمة والقداسة ويزيد الناس إيماناً على إيمانهم.

وربما يشمله ملاك ما روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ حَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَلى النَّارِ»(1).

أو يقال الذكر هنا بالمعنى الأعم فيشمل ما سبق.

مشايعة العظيم

مسألة: يستحب مشايعة العظيم، كما وردفي هذا الحديث: «يشيعها سبعون ألف ملك»، وقد سبق نظيره.

ولعل من وجوه استحباب مشايعة العظيم إضافة إلى الاستحقاق الذاتي وأنه وضع للشيء في موضعه، أن في ذلك تشجيعاً على الفضيلة والتقوى

ص: 212


1- وسائل الشيعة: ج 14 ص509 ب66 باب استحباب البكاء لقتل الحسين وما أصاب أهل البيت (عليهم السلام) وخصوصا يوم عاشوراء واتخاذه يوم مصيبة وتحريم التبرك به ح19.

والعلم، كما يرونه من مكانة العظيم وجلالة شأنه، وأن في ذلك ربطاً وشدّاً للناس بالقادة الصالحين، فإن الناس عادة يريدون بطبعهم أن يتحلقوا حول الكبار فإن لم يتحلقوا ويجتمعوا حول الصالحين منهم تحلقوا حول الطالحين أو انفرط زمام أمرهم وكان فوضى.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ المَدَائِنِيِّ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلهِ تَعَالى: «ثُلةٌ مِنَ الأَوَّلينَ وثُلةٌ مِنَ الآخِرِينَ»(1)، قَال: «ثُلةٌ مِنَ الأَوَّلينَ مُؤْمِنُ آل فِرْعَوْنَ، وثُلةٌ مِنَ الآخِرِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ عليه السلام»(2).

هذا واستحباب التشييع وارد حتى في جنازة المؤمن، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ شَيَّعَ جَنَازَةَ مُؤْمِنٍ حَتَّى يُدْفَنَ فِي قَبْرِهِ وَكَّل اللهُ عَزَّ وجَل بِهِ سَبْعِينَمَلكاً مِنَ المُشَيِّعِينَ يُشَيِّعُونَهُ ويَسْتَغْفِرُونَ لهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ إِلى المَوْقِفِ»(3).

القضية الحسينية

مسألة: يستحب الاهتمام بما يرتبط بالإمام الحسين (عليه السلام) ومظلوميته، والاهتمام يشمل النفسي والفكري والعملي، كما يشمل الشخصي والعام.

قال تعالى: «ذلكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى

ص: 213


1- سورة الواقعة: 39-40.
2- بحار الأنوار: ج 35 ص333 ب12 أنه (عليه السلام) السابق في القرآن وفيه نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ح8.
3- الكافي: ج 3 ص173 باب ثواب من مشى مع جنازة ح2.

القُلوب»(1).

ذرية الصديقة وشيعتها

مسألة: يستحب بيان أن ذرية فاطمة (عليها السلام) بين يديها إلى الجنة، وأولياءهم من الناس عن يمينها وشمالها، فإن ذلك من دواعي تقوية إيمان الناس، إضافة إلى أنه إظهار لفضلهم وتفضيلهم وتعظيم شأنهم وتعظيم شعائر الله تعالى.

وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):«...فَقَالتِ المَلائِكَةُ إِلهَنَا وسَيِّدَنَا لمَنْ هَذَا النُّورُ الزَّاهِرُ الذِي قَدْ أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ، فَأَوْحَى اللهُ إِليْهَا: هَذَا نُورٌ اخْتَرَعْتُهُ مِنْ نُورِ جَلالي لأَمَتِي فَاطِمَةَ ابْنَةِ حَبِيبِي وزَوْجَةِ وَليِّي وأَخِي نَبِيِّي وأَبِي حُجَجِي عَلى عِبَادِي، أُشْهِدُكُمْ مَلائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلتُ ثَوَابَ تَسْبِيحِكُمْ وتَقْدِيسكُمْ لهَذِهِ المَرْأَةِ وشِيعَتِهَا ومُحِبِّيهَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ»(2).

ص: 214


1- سورة الحج: 32.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ص143.

يا عدل أحكم

اشارة

وفي رواية في أحوال يوم القيامة:

«... فتتعلق فاطمة (عليها السلام) بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل أحكم بيني وبين قاتل ولدي»(1).

--------------------------

حسن العدل

مسألة: العدل حسن وواجب، وذلك من المستقلات العقلية التي لا يشك فيها عاقل، نعم قد يختلف في بعض المصاديق وأن هذا مصداق للعدل أو لا، ولكن لا يشك في أن ما كشف الشارع عن كونه عدلاً فهو عدل، كما لا شك في أن ما أطبق العقلاء على كونه عدلاً فهو عدل.

والحكم بين ولي المقتول والقاتل من مصاديق العدل دون شك شرعاًوعقلائياً. قال تعالى: «قُل أَمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ»(2).

ص: 215


1- راجع عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص26 ب31 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة ح6، بحار الأنوار: ج 37 ص70 ب50 مناقب أصحاب الكساء وفضلهم (صلوات الله عليهم).
2- سورة الأعراف: 29.

وقال (عليه السلام): «العدل خير الحكم»(1).

المطالبة بالحكم على الظالم

مسألة: يستحب وقد يجب طلب الحكم على الظالم لما ارتكبه من الظلم، وقد ذكرناه وجهه في مبحث آنف، ولذا تقول الصديقة (عليها الصلاة والسلام): «يا عدل» فإن مقتضى العدالة ذلك.

نعم العفو في الظلم الخفيف أفضل، وقد يقيد بالظلم الخفيف الشخصي، لا النوعي(2)، إلا لو رأى من بيده الولاية كالإمام (عليه السلام) المصلحة في ذلك.

أما الظلم على الشريعة وعلى البشرية بإغوائهم وإضلالهم فلا مجال فيه.

والله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وأولياؤه (عليهم السلام) أعلم بمكان العفو من مكانالمطالبة بمجازاة الظالم، وأن الاستحباب أو الوجوب في هذا الجانب أو ذاك.

فلا منافاة بين مثل ذلك ومثل قوله سبحانه: «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ للتَّقْوَى»(3)، وقوله تعالى: «خُذِ العَفْوَ»(4)، إذا أريد بالعفو، العفو عن الظلم

ص: 216


1- مستدرك الوسائل: ج 11 ص318 ب37 باب وجوب العدل ح8.
2- لعل المقصود من الظلم الوارد على عائلة أو عشيرة أو جماعة أو ما أشبه.
3- سورة البقرة: 237.
4- سورة الأعراف: 199.

الوارد عليه(1).

التعلق بما يرتبط بالعظيم

مسألة: يستحب التعلق بما يرتبط بالعظيم، كما تعلقت الصديقة (عليهاالسلام) بقوائم العرش، ومنه يستفاد أيضاً استحباب التعلق بالأضرحة المشرفة للنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ونظائرها(2).

عَنْ عَليِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (عليهم السلام) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي قُبَّةِ أَدَمٍ ورَأَيْتُ بِلال الحَبَشِيَّ وقَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ومَعَهُ فَضْل وَضُوءِ رَسُول اللهِ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئاً يَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ، ومَنْ لمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئاً أَخَذَ مِنْ يَدَيْ صَاحِبِهِ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ، وكَذَلكَ فُعِل بِفَضْل وَضُوءِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)(3).

ص: 217


1- إذ يحتمل أن يراد بالعفو الزائد، أي الفائض عن أموالهم، وذلك قبل الزكاة، قال في التبيان في الآية 198 من سورة الأعراف: (أمر الله تعالى نبيه أن يأخذ مع الناس بالعفو وهو التساهل فيما بينه وبينهم، وقبول اليسير منهم، الذي سهله عليهم، ويسر فعله لهم، وأن يترك الاستقصاء عليهم في ذلك، وهذا يكون في مطالبة الحقوق الواجبة لله تعالى وللناس وغيرها، وهو في معنى الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله): "رحم الله سهل القضاء سهل الاقتضاء"، ولا ينافي ذلك أن لصاحب الحق والديون وغيرها استيفاء الحق وملازمة صاحبه حتى يستوفيه، لأن ذلك مندوب إليه دون أن يكون واجباً ، وقد يكون العفو في قبول العذر من المعتذر وترك المؤاخذة بالإساءة).
2- مثل أعمدة المشاهد المشرفة، بل وجدرانها وأبوابها وغيرها.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص69 ب31 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة ح319.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ: «أَنَّ امْرَأَةً بَذِيَّةً قَالتْ لهُ: نَاوِلنِي مِنْ طَعَامِكَ، فَنَاوَلهَا، فَقَالتْ: لا واللهِ إِلا الذِي فِي فِيكَ، فَأَخْرَجَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) اللقْمَةَ مِنْ فِيهِ فَنَاوَلهَا إِيَّاهَا فَأَكَلتْهَا، قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): فَمَا أَصَابَهَا بَذَاءٌ حَتَّى فَارَقَتِالدُّنْيَا»(1).

ص: 218


1- وسائل الشيعة: ج 25 ص218 ب131 باب جواز أكل لقمة خرجت من فم الغير والشرب من إناء شرب منه ومص أصابعه ولسان الزوجة والبنت ح1.

عزاء الحسين (علیه السلام) يوم المحشر

اشارة

في حديث حول أحوال القيامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقال للصديقة فاطمة (عليها السلام): ادخلي الجنة، فتقول: «لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي».

فيقال لها: انظري في قلب القيامة، فتنظر إلى الحسين (صلوات الله عليه) قائماً ليس عليه رأس، فتصرخ صرخة، وأصرخ لصراخها، وتصرخ الملائكة لصراخنا، فيغضب الله عزوجل لنا عند ذلك»(1).

-----------------------------

التظلم

مسألة: التظلم إذا كان من أهله وفي محله فهو من كمال المطلوب، وكذلك البكاء والصراخ والعويل والنوح ونظائرها، ولعل كونه كمالاً مطلوباً موجباً لزيادة الدرجات هو السبب في قولها (عليها السلام): «لا أدخل ...».ثم صراخها (عليها السلام) وصراخ رسول الله (صلى الله عليه وآله) معها وصراخ

ص: 219


1- بحار الأنوار: ج 43 ص222 ب8 تظلمها (صلوات الله عليها) في القيامة وكيفية مجيئها إلى المحشر ح8، عن ثواب الأعمال: ص217 عقاب من قتل الحسين (عليه السلام).

الملائكة مما لا شك في رجحانه، فإنهم لا يفعلون شيئاً إلا بأمر ربهم، ولحكمة، هذا إضافة إلى كونه مزيداً من الحجة على أولئك الظالمين والمجرمين، فيكون استحقاقهم للعذاب أوضح لدى الخلائق، ولا يبقى لهم مجال للاعتذار والتأويل، فإن المجرم لو عرضت أمامه جريمته مرة أخرى وهو في المحكمة لم يتجرأ على تبريرها، ولا طلب الصفح إذ يرى نفسه مستحقاً للعقوبة جديراً بها.

عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «يَجِي ءُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلاثَةٌ يَشْكُونَ، المُصْحَفُ والمَسْجِدُ والعِتْرَةُ، يَقُول المُصْحَفُ: يَا رَبِّ حَرَّفُونِي ومَزَّقُونِي، ويَقُول المَسْجِدُ: يَا رَبِّ عَطَّلونِي وضَيَّعُونِي، وتَقُول العِتْرَةُ: يَا رَبِّ قَتَلونَا وطَرَدُونَا وشَرَّدُونَا، فَأَجْثُو للرُّكْبَتَيْنِ فِي الخُصُومَةِ، فَيَقُول اللهُ عَزَّ وجَل لي: أَنَا أَوْلى بِذَلكَ مِنْكَ»(1).

ومن التظلم: ما روي عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): إِنَّ لي جَاراً مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ آل مُحْرِزٍ قَدْ نَوَّهَ بِاسْمِي وشَهَرَنِي، كُلمَا مَرَرْتُ بِهِ قَال:هَذَا الرَّافِضِيُّ يَحْمِل الأَمْوَال إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَال: فَقَال لي: «فَادْعُ اللهَ عَليْهِ إِذَا كُنْتَ فِي صَلاةِ الليْل وأَنْتَ سَاجِدٌ فِي السَّجْدَةِ الأَخِيرَةِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ الأُوليَيْنِ، فَاحْمَدِ اللهَ عَزَّ وجَل ومَجِّدْهُ وقُل: "اللهُمَّ إِنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ قَدْ شَهَرَنِي، ونَوَّهَ بِي وغَاظَنِي وعَرَضَنِي للمَكَارِهِ، اللهُمَّ اضْرِبْهُ بِسَهْمٍ عَاجِل تَشْغَلهُ بِهِ عَنِّي، اللهُمَّ وقَرِّبْ أَجَلهُ واقْطَعْ أَثَرَهُ وعَجِّل ذَلكَ يَا رَبِّ السَّاعَةَ السَّاعَةَ"، قَال: فَلمَّا قَدِمْنَا الكُوفَةَ قَدِمْنَا ليْلا فَسَأَلتُ أَهْلنَا عَنْهُ، قُلتُ: مَا فَعَل فُلانٌ، فَقَالوا: هُوَ مَرِيضٌ، فَمَا انْقَضَى آخِرُ كَلامِي حَتَّى سَمِعْتُ الصِّيَاحَ مِنْ

ص: 220


1- وسائل الشيعة: ج 5 ص202 ب5 باب استحباب الصلاة في المسجد الذي لا يصلى فيه وكراهة تعطيله ح2.

مَنْزِلهِ، وقَالوا: قَدْ مَاتَ»(1).

مواساة العترة

مسألة: من المستحب مواساة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، لما ثبت من الأدلة على استحباب المواساة، مطابقةً والتزاماً، وما فيها من الأجر والثواب.

إضافةً إلى أن حسن المواساة من الفطريات التي فطر الله الناس عليها، ولذا نجد إطباق كافة الأمم عليها وإن اختلفت صورها ومصاديقها.قَال علي (عليه السلام): «ثَلاثُ خِصَال تَجْتَلبُ بِهِنَّ المَحَبَّةَ، الإِنْصَافُ فِي المُعَاشَرَةِ، والمُوَاسَاةُ فِي الشِّدَّةِ والانْطِوَاعُ، والرُّجُوعُ إِلى قَلبٍ سَليمٍ»(2).

وعَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) قَال: «ثَلاثُ دَعَوَاتٍ لا يُحْجَبْنَ عَنِ اللهِ، مِنْهَا رَجُل مُؤْمِنٌ دَعَا لرَجُل مُؤْمِنٍ وَاسَاهُ فِينَا، ودُعَاؤُهُ عَليْهِ إِذَا لمْ يُوَاسِهِ مَعَ القُدْرَةِ عَليْهِ والاضْطِرَارِ إِليْهِ»(3).

مواساة الملائكة

مسألة: يستحب بيان أن الملائكة يواسون النبي وآله (صلى الله عليه وعليهم).

ثم إنه يستفاد من الروايات أن كل ما خلقه الله سبحانه قام بمواساتهم

ص: 221


1- الكافي: ج 2 ص512 باب الدعاء على العدو ح3.
2- كشف الغمة: ج 2 ص349.
3- وسائل الشيعة: ج 9 ص428 ب27 باب استحباب مواساة المؤمن في المال ح5.

(عليهم الصلاة والسلام)، ومنه حزن الكون بمختلف مظاهر الحزن لقتل الإمام الحسين (عليه

السلام)، ومن مظاهره الحمرة المغربية، ولا يستغرب ذلك بعد معرفة أن الكون شاعر، وأن له درجة من الاختيار، وأن الله تعالى ربط في الجملة بعض التشريع ببعض التكوين، وبعضالتكوين ببعضه الآخر.

أما الأولان، فلقوله تعالى: «تُسَبِّحُ لهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الأَرْضُ وَ مَنْ فيهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَليماً غَفُوراً»(1).

وقوله سبحانه: «ثُمَّ اسْتَوَى إِلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَال لهَا وَللأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ»(2).

وأما الأخير فكثير، كطوفان نوح (عليه السلام) إذ ربطه الله تعالى بعصيانهم، وآيات موسى (عليه السلام) من قمل وجراد وضفادع وطوفان وغيرها، وكشق القمر وكثير من معاجز الأنبياء (عليهم السلام)، بل ومثل قوله تعالى: «وَلوْ أَنَّ أَهْل القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لفَتَحْنَا عَليْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(3).

ثم الظاهر أن حب الأولاد والاهتمام بهم جبلي لا يفارق الأبوين حتى فيما بعد عالم الدنيا، إلا أن يشاء الله كما قال تعالى: «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَل كُل

ص: 222


1- سورة الإسراء: 44.
2- سورة فصلت: 11.
3- سورة الأعراف: 96.

مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُل ذَاتِ حَمْل حَمْلهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ»(1).

إغضاب المعصوم

مسألة: يستحب بيان أن الله تعالى يغضب لغضب النبي وآله (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) فاللازم اجتناب ما يغضب المعصومين (عليهم السلام).

وقد ثبت في علم الكلام أن المراد بغضب الله سبحانه النتيجة، كما قالوا: (خذ الغايات واترك المبادئ)، لأن الله عزوجل ليس محلاً للحوادث كالغضب والفرح وما أشبه.

أما قوله سبحانه: «فَلمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ»(2)، فالمراد فعلوا ما أوجب الغضب لو كان الطرف يغضب طبيعياً.

فلا يقال: إن هذا يستلزم التكرار المنافي للحكمة، لقاعدة خذ الغايات(3).

ص: 223


1- سورة الحج: 2.
2- سورة الزخرف: 55.
3- وربما دل بعض الروايات على أن إطلاق هذه الصفات هو بلحاظ اتصاف أشرف خلقه بها، وهم الرسول وأهل بيته (عليه وعليهم السلام) وإطلاقها عليه تعالى هو بلحاظ أنه مسبب الأسباب وإليه يرجع الأمر كله، نظير: «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ» سورة الأنفال: 17. فقد ورد مثلاً عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ، مُتَوَحِّدٌ بِالوَحْدَانِيَّةِ، مُتَفَرِّدٌ بِأَمْرِهِ، خَلقَ خَلقاً فَفَوَّضَ إِليْهِمْ أَمْرَ دِينِهِ، فَنَحْنُ هُمْ، يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ نَحْنُ حُجَّةُ اللهِ فِي عِبَادِهِ، وشُهَدَاؤُهُ عَلى خَلقِهِ، وأُمَنَاؤُهُ عَلى وَحْيِهِ، وخُزَّانُهُ عَلى عِلمِهِ، ووَجْهُهُ الذِي يُؤْتَى مِنْهُ، وعَيْنُهُ فِي بَرِيَّتِهِ، ولسَانُهُ النَّاطِقُ، وقَلبُهُ الوَاعِي، وبَابُهُ الذِي يَدُل عَليْهِ، ونَحْنُ العَامِلونَ بِأَمْرِهِ، والدَّاعُونَ إِلى سَبِيلهِ، بِنَا عُرِفَ اللهُ، وبِنَا عُبِدَ اللهُ، نَحْنُ الأَدِلاءُ عَلى اللهِ، ولوْلانَا مَا عُبِدَ اللهُ». التوحيد للصدوق: ص152 ب12 باب تفسير قول الله عز وجل (كل شي ء هالك إلا وجهه) ح9.

الاهتمام بالولد

مسألة: يستحب الاهتمام بالولد، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «حتى أعلم ما صنع بولدي».

ومن الاهتمام به معرفة أحواله، من صحة ومرض، وتقدم وتأخر، وغنى وفقر، وعلم وجهل، واتصاف بفضيلة وعدمها، فإن ذلك من الإنسانية ومن مظاهر الرحمة ومن أسباب التلاحم والتعاون والتقدم.

عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَال: كَانَ قَوْمٌ أَتَوْا أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَوَافَقُوا صَبِيّاً لهُ مَرِيضاً، فَرَأَوْا مِنْهُ اهْتِمَاماً وغَمّاً، وجَعَل لا يَقِرُّ، قَال: فَقَالوا: واللهِ لئِنْ أَصَابَهُ شَيْ ءٌ إِنَّا لنَتَخَوَّفُ أَنْ نَرَى مِنْهُ مَا نَكْرَهُ، قَال: فَمَا لبِثُوا أَنْ سَمِعُوا الصِّيَاحَ عَليْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ عَليْهِمْ مُنْبَسِطَ الوَجْهِ فِي غَيْرِالحَال التِي كَانَ عَليْهَا، فَقَالوا لهُ: جَعَلنَا اللهُ فِدَاكَ لقَدْ كُنَّا نَخَافُ مِمَّا نَرَى مِنْكَ أَنْ لوْ وَقَعَ أَنْ نَرَى مِنْكَ مَا يَغُمُّنَا، فَقَال لهُمْ: إِنَّا لنُحِبُّ أَنْ نُعَافَى فِيمَنْ نُحِبُّ، فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ سَلمْنَا فِيمَا أَحَبَّ»(1).

ص: 224


1- الكافي: ج 3 ص226 باب الصبر والجزع والاسترجاع ح14.

الصراخ والبكاء والتباكي

مسألة: يستحب الصراخ والبكاء أو التباكي لرؤية الإمام الحسين (عليه السلام) وهو مضرج بدمه أو مقطوع الرأس، ولو كان في لوحة رسم، أو عند سماع مصيبته، أو عند كتابتها، أو عند إلقائها وقراءتها، أو حتى عند التفكير فيها، فإن في ذلك حطة للذنوب وزيادة في الدرجات.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: كَانَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) يَقُول: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لقَتْل الحُسَيْنِ (عليه السلام) حَتَّى تَسِيل عَلى خَدَّيْهِ بَوَّأَهُ اللهُ بِهَا غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً، وأَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَسِيل عَلى خَدِّهِ فِيمَا مَسَّنَا مِنَ الأَذَى مِنْ عَدُوِّنَا فِي الدُّنْيَا بَوَّأَهُ اللهُ مُبَوَّأَ صِدْقٍ، وأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فِينَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَسِيل عَلى خَدِّهِ مِنْ مَضَاضَةِ مَا أُوذِيَ فِينَا صَرَفَ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ الأَذَى وآمَنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَخَطِهِ والنَّارِ»(1).

صراخ لصراخ

مسألة: يستحب الصراخ لصراخ أهل البيت (عليهم السلام).

ولا وجه لما قد يتوهمه البعض من منافاة ذلك للوقار والتحضر، فإن الوقار مطلوب إلاّ على مصاب أهل البيت (عليهم السلام) ومن تبعهم وما شاكل

ص: 225


1- وسائل الشيعة: ج 14 ص501 ب66 باب استحباب البكاء لقتل الحسين وما أصاب أهل البيت (عليهم السلام) وخصوصاً يوم عاشوراء واتخاذه يوم مصيبة وتحريم التبرك به ح3.

ذلك، وقد ورد: «وَارْحَمْ تِلكَ الصَّرْخَةَ التِي كَانَتْ لنَا»(1).

وقبله ورد: «وَارْحَمْ تِلكَ الأَعْيُنَ التِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لنَا، وَارْحَمْ تِلكَ القُلوبَ التِي جَزِعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لنَا»(2).

ثم إن البكاء والضجيح والصراخ على الفقيد العظيم هو مظهر الإنسانية، والوقار في مثل هذه الحالة مذموم.

الجهر بظلامة الحسين (علیه السلام)

مسألة: يستحب الجهر بمظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) والمبادرة إلى إقامة الشعائر الحسينية عند سماعها.ولعل في نقل المعصوم (عليه السلام) هذه الرواية وأمثالها دليلاً على ذلك، وأنه حتى يوم القيامة ينبغي بل لا يخلو من ذكر مظلومية الحسين (عليه السلام) وقراءة العزاء أمام المحشر بأجمعهم، إذ تصرخ الصديقة فاطمة (عليها السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله) والملائكة لذلك.

وبذلك ينعقد أكبر مجلس عزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) يوم القيامة، حيث يحضره جميع الملائكة وجميع البشر من آدم (عليه السلام) إلى آخر البشر.

وحيث إن الجزاء من سنخ العمل وأنه «قُل كُل يَعْمَل عَلى شَاكِلتِهِ»(3)،

ص: 226


1- مستدرك الوسائل: ج 10 ص231 ب26 باب تأكد استحباب زيارة الحسين بن علي (عليه السلام) ووجوبها كفاية ح4.
2- ثواب الأعمال: ص95 ثواب من زار قبر الحسين (عليه السلام).
3- سورة الإسراء: 84.

فلعل مشاركة كل مؤمن ومسلم وإنسان في عزاء القيامة يكون على حسب درجة ومرتبة مشاركته في العزاء على سيد الشهداء (عليه السلام) في الدنيا، وعلى حسب ما علمه الله تعالى منه أنه لو أمكنه لفعل، وعلى حسب ما علمه الله سبحانه منه أنه لو علم لفعل، والله العالم.

ص: 227

المحكمة الإلهية الكبرى

اشارة

في الحديث عن أحوال يوم القيامة: إن فاطمة (عليها السلام) تقول:

«إِلهِي وَسَيِّدِي احْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ ظَلمَنِي، اللهُمَّ احْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ قَتَل وُلدِي.

فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَل اللهِ جَل جَلالهُ: يَا حَبِيبَتِي وَابْنَةَ حَبِيبِي، سَلينِي تُعْطَيْ، وَاشْفَعِي تُشَفَّعَيْ، فَوَ عِزَّتِي وَجَلالي لا جَازَنِي ظُلمُ ظَالمٍ.

فَتَقُول: إِلهِي وَسَيِّدِي ذُرِّيَّتِي وَشِيعَتِي وَشِيعَةُ ذُرِّيَّتِي وَمُحِبِّيَّ وَمُحِبِّي ذُرِّيَّتِي.

فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَل اللهِ جَل جَلالهُ: أَيْنَ ذُرِّيَّةُ فَاطِمَةَ وَشِيعَتُهَا وَمُحِبُّوهَا وَمُحِبُّو ذُرِّيَّتِهَا، فَيُقْبِلونَ وَقَدْ أَحَاطَ بِهِمْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ فَتَقْدُمُهُمْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) حَتَّى تُدْخِلهُمُ الجَنَّة»(1).

------------------------

المصالح والمفاسد الواقعية

مسألة: أفعال الله تعالى معللة بالمصالح والمفاسد الواقعية فعلاً وتركاً، أمراً ونهياً، بالنظر إلى حكمته، لا لجبر جابر له، فإنه عزوجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لكنه أبى إلا أن يخلقبحكمة، ويفعل أو يترك بحكمة.

ص: 228


1- الأمالي، للصدوق: ص17 المجلس الخامس ح4.

قال تعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِليْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالى اللهُ المَلكُ الحَقُّ لاَ إِلهَ إلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ»(1).

وقال سبحانه: «لوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لهْواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلينَ»(2).

وبذلك يتضح وجه ما ورد في دعاء كميل: «فباليقين أقطع لو لا ما حكمت به من تعذيب جاحديك، وقضيت به من إخلاد معانديك، لجعلتَ النار كلها برداً وسلاماً، وما كان لأحد فيها مقراً ولا مقاماً، لكنك تقدست أسماؤك أقسمت أن تملأها من الكافرين، من الجنة والناس أجمعين، وأن تخلد فيها المعاندين»(3).

فإن حكمه وقسمه بالنظر للمصلحة والمفسدة، واستحقاق أولئك للعقاب والعذاب، فإنه عزوجل العدل الذي لا يجور.

وفي هذا الحديث «لا جازاني ظلم ظالم».

وفي بعض الأحاديث: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى إِذَا بَرَزَ لخَلقِهِ أَقْسَمَ قَسَماً عَلى نَفْسِهِ فَقَال: وَعِزَّتِي وَجَلالي لا يَجُوزُنِي ظُلمُ ظَالمٍ، وَلوْ كَفٌّ بِكَفٍّ، وَلوْ مَسْحَةٌ بِكَفٍّ، وَلوْ نَطْحَةٌ مَا بَيْنَ القَرْنَاءِ إِلى الجَمَّاءِ، فَيَقْتَصُّ للعِبَادِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لا تَبْقَى لأَحَدٍ عَلى أَحَدٍ مَظْلمَةٌ ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ للحِسَاب»(4).

ص: 229


1- سورة المؤمنون: 115-116.
2- سورة الأنبياء: 17.
3- مصباح المتهجد: ج 2 ص848 دعاء آخر وهو دعاء الخضر (عليه السلام).
4- الكافي: ج 2 ص443 باب في أن الذنوب ثلاثة ح1.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَ جَل حَكَمَ وَ أَقْسَمَ أَنْ لا يَجُوزَهُ ظُلمُ ظَالمٍ»(1).

وقال داود (عليه السلام): «أَيْ رَبِّ وَكَيْفَ لا أَخَافُ وَ قَدْ عَمِلتُ مَا عَلمْتَ، وَأَنْتَ الحَكَمُ العَدْل الذِي لا يَجُوزُكَ ظُلمُ ظَالمٍ فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وَ جَل إِليْهِ تُبْ يَا دَاوُدُ»(2).

فإنه تعالى جل عن أن يجوزه ظلم ظالم، و(جل) يعني عظم قدره وارتفع عن الأمر القبيح المخالف للحكمة(3)، كما أن ذلك مخالف لعزته تعالى.

الحكم على الظالم

مسألة: طلب الحكم على الظالم راجح مطلوب، وقد يكون واجباً في صور، منها إذا كان الظلم على الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ومن يتلوهم، فإن فيه إظهاراً لعدل الله ولحكمته، فكما أن طلب العفو عمن يستحقه حسن، كذلك طلب العذاب لمن يستحقه حسن في الجملة، وكل منهما مظهر لصفة من صفات الله تعالى، فإنه (أرحم الراحمين) و(أشد المعاقبين).

قال سبحانه:«وَلاَ تُصَل عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ»(4).

ص: 230


1- مستدرك الوسائل: ج 18 ص287 ب20 باب نوادر ما يتعلق بأبواب قصاص الطرف ح2.
2- تفسير القمي: ج 2 ص231.
3- في مجمع البحرين: (الجليل من أسمائه تعالى وهو راجع إلى كمال الصفات، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات، والعظيم راجع إلى كمال الذات والصفات).
4- سورة التوبة: 84.

وقال تعالى: «اسْتَغْفِرْ لَهمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) في حديث: «وأَمَّا الظُّلمُ الذِي لا يَدَعُهُ فَالمُدَايَنَةُ بَيْنَ العِبَادِ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «أَوْحَى اللهُ إِلى نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فِي مَمْلكَةِ جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ أَنِ ائْتِ هَذَا الجَبَّارَفَقُل لهُ: إِنِّي لمْ أَسْتَعْمِلكَ عَلى سَفْكِ الدِّمَاءِ واتِّخَاذِ الأَمْوَال، وإِنَّمَا اسْتَعْمَلتُكَ لتَكُفَّ عَنِّي أَصْوَاتَ المَظْلومِينَ فَإِنِّي لنْ أَدَعَ ظُلامَتَهُمْ وإِنْ كَانُوا كُفَّاراً»(3).

طلب الشفاعة

مسألة: يستحب طلب الشفاعة من الله سبحانه.

ثم إن الشفاعة لا تنافي قوله سبحانه: «كُل امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ»(4).

وقوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّةٍ

ص: 231


1- سورة التوبة: 80.
2- الكافي: ج 2 ص331 باب الظلم ح1.
3- وسائل الشيعة: ج 7 ص129 ب52 باب وجوب توقي دعوة المظلوم بترك الظلم ودعوة الوالدين بترك العقوق واستحباب دعاء المظلوم والوالدين ح3.
4- سورة الطور: 21.

شَرّاً يَرَهُ»(1).

وقوله سبحانه: «وَأَنْ ليْسَ للإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى»(2)، وما أشبه.

فإن الشفاعة معناها التوسيط، لاإعطاء من لا يستحق.

كما أن الشفاعة هي من شأن الشافع، فله سعيه وكسبه، وكذلك يقال بمثله في أدلة العفو والغفران وما أشبه، وهكذا نظيره الإرث والهبة.

فلا يقال: كيف يرث من لم يعمل لاستحصال تلك الأموال شيئاً، وكيف يحصل الشخص على المال من الإرث وهو لم يسع فيه؟

وكذلك الأمر في الضيافة وغيرها، بل وحتى التسامح في الأسعار مع المشتري، ونظائر ذلك كثير، مما بنى عليه العقلاء، ويدرك الإنسان حسنه بالوجدان.

وتفصيل الكلام مذكور في الكتب الكلامية، وعليه فلا منافاة بين الطائفتين من الأدلة.

ص: 232


1- سورة الزلزلة: 7 - 8.
2- سورة النجم: 39 - 40.

ظلم الصديقة

مسألة: من أشد المحرمات ظلم الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها)، فإن شدة الحرام والعقوبة كما تتبع نوع المعصية تتبع مدى عظمة من وقعت عليه وانتهكت حرمته، فإن الكذب مثلاً حرام لكن الكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أشد حرمةً، ولذا كان هذا الكذب مبطلاً للصوم، وضرب الغير عدواناً حرام لكن ضرب الأُم أشد حرمة.. وهكذا.

وفي كتاب سليم، في حديث مجيء الرجلين للاعتذار عن الصديقة فاطمة (عليها السلام): «قَالتْ: نَشَدْتُكُمَا بِاللهِ هَل سَمِعْتُمَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي، قَالا: نَعَمْ، فَرَفَعَتْ يَدَهَا إِلى السَّمَاءِ فَقَالتْ: اللهُمَّ إِنَّهُمَا قَدْ آذَيَانِي فَأَنَا أَشْكُوهُمَا إِليْكَ وإِلى رَسُولكَ، لا واللهِ لا أَرْضَى عَنْكُمَا أَبَداً حَتَّى أَلقَى أَبِي رَسُول اللهِ وأُخْبِرَهُ بِمَا صَنَعْتُمَا فَيَكُونَ هُوَ الحَاكِمَ فِيكُمَا»(1).

قتل الأطهار

مسألة: من أشد المحرمات قتل ولدالصديقة (صلوات الله عليها)، حتى وإن لم يكونوا من الأئمة (عليهم السلام) فكيف إذا كانوا منهم.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ قَال: دَخَلتُ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَال: قَدْ

ص: 233


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص869 الحديث الثامن والأربعون.

أُعْطِيتُ الكَوْثَرَ، قُلتُ: ومَا الكَوْثَرُ، قَال: نَهَرٌ فِي الجَنَّةِ عَرْضُهُ وطُولهُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، لا يَشْرَبُ أَحَدٌ مِنْهُ فَيَظْمَأَ، ولا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ أَحَدٌ أَبَداً فَيَشْعَثَ، لا يَشْرَبُهُ إِنْسَانٌ خَفَرَ ذِمَّتِي ولا مَنْ قَتَل أَهْل بَيْتِي»(1).

وعَنْ جَابِرٍ قَال: قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «دَعَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَصْحَابَهُ بِمِنًى، فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَليْنِ، أَمَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لنْ تَضِلوا كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي أَهْل بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ، ثُمَّ قَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ حُرُمَاتِ اللهِ كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي والكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ، ثُمَّ قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): أَمَّا كِتَابَ اللهِ فَحَرَّفُوا، وأَمَّا الكَعْبَةَ فَهَدَمُوا، وأَمَّا العِتْرَةَ فَقَتَلوا، وكُل وَدَائِعِ اللهِ فَقَدْ تَبَّرُوا»(2).

مقام الصديقة

مسألة: يستحب بيان مقام فاطمة (عليها السلام) ومنزلتها عند الله حيث يخاطبها: «سليني تُعطَي، اشفعي تشفّعي...».

والظاهر الإطلاق لكل ما سألته، والعموم ولكل من شفعت في حقه وما شفعت فيه.

ومن المعلوم أنها (عليها السلام) لا تسأل ما لا يوافق الحكمة، ولا تشفع لمن لا يرتضيه الله، قال عزوجل: «لا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لمَنِ ارْتَضَى»(3)، فهي كأبيها

ص: 234


1- شواهد التنزيل: ج 2 ص487 ح1163.
2- بصائر الدرجات: ج 1 ص413 ح3.
3- سورة الأنبياء: 28.

رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أدبها ربها بما يجعلها لا تسأل إلاّ الأصلح الأنفع، وفي الحديث: «إن الله أدب نبيه ففوض إليه دينه»(1).

حبيبة الله

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها) هي حبيبة الله تعالى، كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله) هو حبيبه سبحانه.

وقد سبق الكلام عن أن مثل هذه الأوصاف عند وصف الباري تعالى بها،يراد بها غاياتها، ف (الحبيب) هو المقرب جداً لدى الشخص، وهو الذي تلبى طلباته، ويمنح أفضل ما يمكن أن يمنح، وعلى حسب ظرفيته وسعته، «أَنْزَل مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا»(2).

وحيث إن وجودهم (صلوات الله عليهم) هو أسمى الوجودات الإمكانية وأوسعها،كان ما ينالها وينالهم باعتبارها حبيبة لله تعالى ما لا يمكن لنا وصفه، بل لا يمكن لنا دركه، إذ أنى للإناء الصغير أن يحيط بالبحر الكبير، بل الفاصل أكبر وأكبر.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ لأَنَّ الخَلقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا أَوْ مِنْ مَعْرِفَتِهَا»(3).

ص: 235


1- وسائل الشيعة: ج26 ص142 ب20 ح32682.
2- سورة الرعد: 17.
3- تفسير فرات الكوفي: ص582 ح747.

من صفات الله تعالى

مسألة: يجب الاعتقاد بعدل الله تعالى وعلمه وقدرته، حيث لا تجوزه ظلم ظالم، والاعتقاد بعدله وعلمه إضافة إلى أنه واقع فإنه كمال للمعتقد، فكما أن العلم بالحقائق كمال كذلك الاعتقاد بما ينبغي أن يعتقد به.

قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): اعتقادنا أنّ الله تبارك وتعالى أمرنا بالعدل، وعاملنا بما هو فوقه، وهو التفضّل، وذلك أنّه عزّ وجل يقول: «مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلهُ عَشْرُ أَمْثالها ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلا مِثْلها وهُمْ لا يُظْلمُونَ»(1).

والعدل هو أن يثيب على الحسنة، ويعاقب على السيّئة(2).

ص: 236


1- سورة الأنعام: 160.
2- اعتقادات الإماميه، للصدوق: ص69 باب الاعتقاد في العدل.

حلي الصديقة يوم القيامة

اشارة

روي عن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها قالت:

«قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أبشرك، إذا أراد الله أن يتحف زوجة وليه في الجنة بعث إليك تبعثين إليها من حليّك»(1).

------------------------

الهدية للمتزوجة

مسألة: يستحب إعطاء الهدية للمتزوجة جديداً، وربما يستفاد منه ملاكاً المتزوج كذلك.

بل الإهداء للزوجة مطلقاً مستحب، وكذا الزوج.

على ما يستفاد من هذه الرواية في الجملة، مضافاً إلى إطلاق أدلة الهدايا.

والقول بأنه لا تقاس أحوال الآخرة بالدنيا فلا ربط له بالمقام، فتأمل.

فالدنيا والآخرة وإن اختلفتا بما لا يتصور، إلا أنهما من حيث القوانين

ص: 237


1- دلائل الإمامة: ص67.

الكلية الإلهية، وشمول المستقلات العقلية تحت حكم إله عادل قدير غفور رحيم، واحد إلاّ ما خرج بالدليل في هذا الجانب أو في ذلك الجانب، وقد حقق ذلك في مباحث أصول الدين.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا مَعْشَرَ المَلإِ تَهَادَوْا فَإِنَّ الهَدِيَّةَ تَذْهَبُ بِالسَّخِيمَةِ، ولوْ دُعِيتُ إِلى كُرَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ شَكَّ عَائِذٌ لأَجَبْتُ، ولوْ أُهْدِيَ إِليَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ شَكَّ عَائِذٌ لقَبِلت»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «نِعْمَ الشَّيْ ءُ الهَدِيَّةُ أَمَامَ الحَاجَةِ، وقَال: تَهَادَوْا تَحَابُّوا فَإِنَّ الهَدِيَّةَ تَذْهَبُ بِالضَّغَائِنِ»(2).

بشارة المؤمن

مسألة: يستحب بشارة المؤمن، حيث قال (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث: «ألا أبشرك».

ثم كلما كان المؤمن أعلا درجة كانتالبشارة له أعظم أجراً، وكلما كانت البشارة أعظم في إدخال السرور في قلبه كان ثوابها أكبر.

عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلادٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّ للهِ عِبَاداً فِي الأَرْضِ يَسْعَوْنَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ هُمُ الآمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، ومَنْ أَدْخَل

ص: 238


1- مستدرك الوسائل: ج 13 ص206 ب71 باب استحباب الإهداء إلى المسلم ولو نبقاٌ وقبول هديته ح13.
2- وسائل الشيعة: ج 17 ص289 ب88 باب استحباب الإهداء إلى المسلم ولو نبقا وقبول هديته ح18.

عَلى مُؤْمِنٍ سُرُوراً فَرَّحَ اللهُ قَلبَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ أَدْخَل السُّرُورَ عَلى مُؤْمِنٍ فَقَدْ أَدْخَلهُ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)»(2).

ما يرتبط بالمعصوم

مسألة: يستحب بيان أهمية ما يرتبط بالمعصوم (عليه السلام) بجهة من الجهات، من ملابسه، وحليها، وكتبه، وخاتمه، وماء وضوئه، والأرض التي كان يجلس عليها، والمنزل الذي كان يسكنه، والمكان الذي كان يخطب عليه، والمسجد الذي صلى فيه، وغيرذلك، كضريحه وحرمه وتراب مشهده وما أشبه.

ثم إن في هذا الحديث دليلاً آخر على لطف الله تعالى بالصديقة (عليها السلام)، فإن ظاهره أن الله سبحانه في كل مورد مورد يبعث إليها لكي تكون واسطة الفيض على زوجات أوليائه بإرسال بعض حليها، وذلك لطف عظيم من الله عزوجل.

كما أنه يظهر لنا أن عناية الله تعالى الخاصة بأوليائه لا تنقطع، فإن التحفة فوق الهدية، تتضمن عناية خاصة بالشخص بين فترة وأخرى، والمعصوم ع هو محل عناية الباري عزوجل الخاصة.

ص: 239


1- الكافي: ج 2 ص197 باب السعي في حاجة المؤمن ح2.
2- الكافي: ج 2 ص192 باب إدخال السرور على المؤمنين ح14.

عَنْ رَجُل عَنْ بُكَيْرٍ، قَال: لقِيتُ أَبَا بَصِيرٍ المُرَادِيَّ، فَقُلتُ: أَيْنَ تُرِيدُ، قَال: أُرِيدُ مَوْلاكَ، قُلتُ: أَنَا أَتْبَعُكَ، فَمَضَى مَعِي فَدَخَلنَا عَليْهِ وأَحَدَّ النَّظَرَ فَقَال: «هَكَذَا تَدْخُل بُيُوتَ الأَنْبِيَاءِ وأَنْتَ جُنُبٌ»، قَال: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وغَضَبِكَ، فَقَال: أَسْتَغْفِرُ اللهَ ولا أَعُودُ، رَوَى ذَلكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَرْقِيُّ عَنْ بُكَيْرٍ(1).

ص: 240


1- بحار الأنوار: ج 97 ص130 ب3 آداب الزيارة وأحكام الروضات وبعض النوادر ح16.

شفاعة النبي

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله):

«يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم، ويوم الأهوال، ويوم الفزع الأكبر»؟

قال (صلى الله عليه وآله): «يا فاطمة عند باب الجنة ومعي لواء الحمد وأنا الشفيع لأمتي إلى ربي».

قالت: «يا أبتاه فإن لم ألقك هناك»؟.

قال: «ألقيني على الحوض وأنا أسقي أمتي».

قالت: «يا أبتاه إن لم ألقك هناك»؟.

قال: «القيني على الصراط وأنا قائم أقول: رب سلم أمتي».

قالت: «فإن لم ألقك هناك».

قال: القيني وأنا عند الميزان أقول: «رب سلم أمتي».

قالت: فإن لم ألقك هناك.

قال: القيني على شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أمتي، فاستبشرت فاطمة (عليها السلام) بذلك، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها(1).

-----------------------------

ص: 241


1- بحار الأنوار: ج 8 ص35 ب21 الشفاعة ح6، عن الأمالي، للصدوق: ص276 المجلس السادس والأربعون ح12.

مواطن اللقاء

الظاهر من هذا الحديث ومما سيأتي وغيرهما، أن هناك مواطن متعددة للقاء أولياء الله برسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما أن هنالك مواطن متعددة للقاء المذنبين من أمته به (صلى الله عليه وآله).

والظاهر أيضاً أن آخر هذه المواطن هو على باب الجنة، وهذا الموطن هو لمن تجاوز عقبات وأهوال يوم القيامة كلها حتى أصبح مهيئاً لدخول الجنة، فيلتقي برسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر مرحلة إما كنوع من الكرامة له، أو لتتميم الشفاعة في حقه لدخول الجنة أو لنيل مراتب أعلى منها.

ولعل ابتداءه (صلى الله عليه وآله) بلقائه بها (عليها السلام) عند باب الجنة، إشارة إلى سمو مقامها وتجاوزها أهوال القيامة بدون حاجة إلى معونة أو شفاعة، ولعله نوع من إبراز مقامها للناس، ولعله إشارة إلى تكفلها هي شفاعة المذنبين في المراحل السابقة وانشغالها بذلك، ثم موعدها مع الرسول (صلى الله عليه وآله) عند باب الجنة، أو لغير ذلك، والله العالم.

وأما قولها (عليها السلام): «فإن لم ألقك هناك»، فيحتمل فيه أن وجهه هو ذهاب النبي (صلى

الله عليه وآله) وإيابه،وتردده بين مراحل القيامة ومواطنها، فتارة عند باب الجنة يشفع للسابقين إليها، وتارة هو عند حوض الكوثر ليشفع لمن وصلوا إليها للتو، وأخرى عند شفير جهنم يشفع لمن توقفوا عندها طويلاً، أو لمن وصلوها بعد غيرهم، وذلك لوضوح أن بعض الناس يمر على الصراط كالبرق الخاطف، وبعضهم يمشون متثاقلين، وبعضهم يزحفون عليها زحفاً.

ص: 242

كما يحتمل أن يكون وجهه ترددها هي (عليها السلام) بين مواطن المحشر، للشفاعة لذريتها وشيعتها ومحبيهم ولشفاعة أمة جدها وشيعة بعلها، ولغير ذلك مما قد يكون أنيط بها يوم القيامة مما لا نعلمه.

الشفاعة النبوية

مسألة: يجب الاعتقاد بالشفاعة النبوية في يوم القيامة.

وكذلك شفاعة سائر الأنبياء (عليهم السلام) وسائر الأوصياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، فإن لكلهم الشفاعة بإذن الله.

ولا منافاة بين ذلك مما ثبت عقلاً ونقلاً، وبين قوله سبحانه: «قُل للهِ الشَّفَاعَةُجَمِيعاً»(1)، فإن الله عزوجل يأذن لهؤلاء الأطهار (عليهم السلام) بالشفاعة ويمنحها لهم، كما أن العزة المنتشرة بين المسلمين إنما هي من عزة الله سبحانه، فيعطي منها ما يشاء لمن يشاء، قال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعاً»(2)، وكما أن الرزق والعلم وغيرهما لله عزوجل ويمنحها لمن شاء من عباده بالقدر الذي يشاء، إلى غير ذلك.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «لكُل نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا وقَدْ سَأَل سُؤْلا، وقَدْ خَبَأْتُ دَعْوَتِي لشَفَاعَتِي لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ»(3).

ص: 243


1- سورة الزمر: 44.
2- سورة فاطر: 10.
3- الخصال: ج 1 ص29 ترك النبي (صلى الله عليه وآله) دعوته لخصلة ح103.

وعَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا قُمْتُ المَقَامَ المَحْمُودَ تَشَفَّعْتُ فِي أَصْحَابِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي، فَيُشَفِّعُنِي اللهُ فِيهِمْ، واللهِ لا تَشَفَّعْتُ فِيمَنْ آذَى ذُرِّيَّتِي»(1).

من أحوال القيامة

مسألة: يستحب بيان أن ليوم القيامة زحاماً وضيعةً ومخمصةً، وقد سألت الزهراء (عليها السلام) أباها (صلى الله عليه وآله) بقولها: «أين ألقاك» مراراً، وذلك لأن ذلك اليوم هو يوم الموقف الأعظم ويوم الأهوال ويوم الفزع الأكبر، فهو يوم هائل عصيب لا نعرف تفصيله، فإننا لا نعرف عن الآخرة وما بعد الموت إلا القليل القليل، وبعض الصور التقريبية، فإن ما ذكر لنا من أحوال الآخرة هي تقريبات لمداركنا وأفهامنا، كما يقال للطفل الذي مداركه لم تصل إلى لذة المناجاة وما أشبه: إن المناجاة حلوة مثل الحلواء والفالوذج، أو الرياضيات مهمة كما أن الملابس أو الفراش هام أو ما أشبه مما يقرب إلى ذهنه، وقد ورد حول الجنة: «ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»(2).

ونسبة الآخرة بالنسبة إلى الدنيا هي مثل نسبة الدنيا إلى عالم الأجنة بل أبعد، حيث إن الجنين لا يمكن أن يدرك ما في الدنيا من أفلاك وبحار وأشجار وأطيار ومعادن، فكيف يدرك مافيها من سفر وإقامة وتجارة وثقافة وسياسة

ص: 244


1- الأمالي، للصدوق: ص294 المجلس التاسع والأربعون ح3.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص17 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968.

واقتصاد، وإنما يقرب إلى ذهنه لو فرض إمكان التقرب مع ما هو فيه من الخصوصيات والمزايا.

الموقف الأعظم

مسألة: يستحب بيان أن يوم القيامة هو يوم الموقف الأعظم، ويوم الأهوال، ويوم الفزع الأكبر.

فإن الأهوال في كل العوالم كعالم الذر والدنيا والبرزخ، تهون بالنسبة إلى أهوال عالم القيامة، فأين ارتفاع درجة الحرارة في الدنيا إلى درجة خمسين وستين مما يرهق البشر بشدة، من هبوط الشمس وكونها على مسافة قليلة من الأرض وحرارتها فوق أن تتصور(1)، حتى ورد أن دماغ الإنسان سيغلي من حرارة الشمس ولكن لا موت هنالك.

قال (صلى الله عليه وآله): «لا تَتَمَنَّوُا المَوْتَ فَإِنَّ هَوْل المُطَّلعِ شَدِيدٌ، وإِنَّ مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ أَنْ يَطُول عُمُرُهُ ويَرْزُقَهُ اللهُالإِنَابَةَ إِلى دَارِ الخُلود»(2).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: «لمَّا حَضَرَتِ الحَسَنَ (عليه السلام) الوَفَاةُ بَكَى، فَقِيل لهُ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ تَبْكِي ومَكَانُكَ مِنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) الذِي أَنْتَ بِهِ، وقَدْ قَال فِيكَ مَا قَال

ص: 245


1- قالوا: إن حرارة السطح الخارجي للشمس هو خمسة آلاف درجة، وأن الحرارة في مركزها هو خمسة ملايين درجة، علماً بأن الحديد يذوب في درجة أربعمائة، والفولاذ يذوب في درجة ستمائة.
2- الدعوات، للراوندي: ص122 فصل في فنون شتى من حالات العافية والشكر عليها ح297.

، وقَدْ حَجَجْتَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِياً، وقَدْ قَاسَمْتَ مَالكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى النَّعْل بِالنَّعْل، فَقَال: إِنَّمَا أَبْكِي لخَصْلتَيْنِ: لهَوْل المُطَّلعِ وفِرَاقِ الأَحِبَّةِ»(1).

وقال علي (عليه السلام): «آه مِنْ قِلةِ الزَّادِ وطُول الطَّرِيقِ وبُعْدِ السَّفَرِ وعِظَمِ المَوْرِد»(2).

لقاء المعصوم

مسألة: يستحب الدعاء وطلب اللقاء بالرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) يوم المحشر، كما قد يستفاد من سؤال الصديقة (عليها السلام) عن وقت أو أوقات لقائها به.ثم الظاهر أن سؤالها (عليها السلام): (أين ألقاك) لم يكن لوحشتها هي من أهوال المحشر، فإنها التي يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها، وهي الشافعة المشفعة، والراضية المرضية، بل كان سؤالها للتوسط للشفاعة لمن يحتاجها من أمته (صلوات الله عليهما).

ومما يفيد ذلك جوابه (صلى الله عليه وآله) مكرراً: (وأنا الشفيع لأمتي) و(أنا أسقي أمتي) و(أنا قائم أقول رب سلم أمتي) و(أمنع شررها ولهبها عن أمتي).

كما أن مما يعطي ذلك ما ورد في آخر الحديث: «فاستبشرت فاطمة (عليها السلام) بذلك»، فإن الظاهر أن استبشارها كان لتأكيده على شفاعته لأمته في مواطن عديدة.

ص: 246


1- الكافي: ج 1 ص461 باب مولد الحسن بن علي (صلوات الله عليهما) ح1.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص557 ح10252.

وفي الدعاء: «اللهُمَّ أَرِنِي الطَّلعَةَ الرَّشِيدَةَ والغُرَّةَ الحَمِيدَةَ، واكْحُل بَصَرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِليْهِ، وعَجِّل فَرَجَهُ وسَهِّل مَخْرَجَه»(1).

وفي دعاء الندبة: «مَتَى تَرَانَا ونَرَاكَ وقَدْ نَشَرْتَ لوَاءَ النَّصْرِ تُرَى»(2).

شفاعة الرسول

مسألة: يستحب بيان أن الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة يشفع لأمته، ويدعو لهم بالسلامة، ويسقيهم من الكوثر، فإن ذلك إضافة كونه ذكر فضيلة له (صلى الله عليه وآله) فإنه يحببه إلى الناس ويسبب التفافهم حوله أكثر، مما ينفع دينهم ودنياهم، وقد سبق مراراً.

عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنْ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَال: يُلجَمُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ العَرَقَ، فَيَقُولونَ: انْطَلقُوا بِنَا إِلى آدَمَ يَشْفَعُ لنَا عِنْدَ رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولونَ: يَا آدَمُ اشْفَعْ لنَا عِنْدَ رَبِّكَ فَيَقُول: إِنَّ لي ذَنْباً وخَطِيئَةً فَعَليْكُمْ بِنُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً (عليه السلام) فَيَرُدُّهُمْ إِلى مَنْ يَليهِ، ويَرُدُّهُمْ كُل نَبِيٍّ إِلى مَنْ يَليهِ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلى عِيسَى (عليه السلام) فَيَقُول: عَليْكُمْ بِمُحَمَّدٍ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَيَعْرِضُونَ أَنْفُسَهُمْ عَليْهِ ويَسْأَلونَهُ، فَيَقُول: انْطَلقُوا، فَيَنْطَلقُ بِهِمْ إِلى بَابِ الجَنَّةِ ويَسْتَقْبِل بَابَ الرَّحْمَةِ ويَخِرُّ سَاجِداً فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللهُ، فَيَقُول اللهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، واسْأَل تُعْطَ، وذَلكَ هُوَ قَوْلهُ: «عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً

ص: 247


1- مستدرك الوسائل: ج 5 ص74 ب22 باب نبذ مما يستحب أن يدعى به عقيب كل فريضة ح9.
2- المزار الكبير: ص582 الدعاء للندبة.

مَحْمُوداً»(1)»(2).

سقي الماء

مسألة: يستحب سقي الماء مطلقاً، للمؤمن والكفار وحتى للحيوان، فإن (لكل كبد حرى أجر)(3)، بل وحتى الأشجار والنباتات.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «دَخَلتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الكَلبِ الذِي أَرْوَاهُ مِنَ المَاء»(4).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «مِنْ أَفْضَل الأَعْمَال عِنْدَ اللهِ إِبْرَادُ الكِبَادِ الحَارَّةِ، وإِشْبَاعُ الكِبَادِ الجَائِعَةِ، والذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ بِي عَبْدٌ يَبِيتُ شَبْعَانَ وأَخُوهُ أَوْ قَال جَارُهُالمُسْلمُ جَائِعٌ»(5).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «أَرْبَعٌ مَنْ أَتَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ دَخَل الجَنَّةَ، مَنْ سَقَى هَامَّةً ظَامِئَةً، أَوْ أَشْبَعَ كَبِداً جَائِعَةً، أَوْ كَسَا جِلدَةً عَارِيَةً، أَوْ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَانِيَةً»(6).

ص: 248


1- سورة الإسراء: 79.
2- تفسير القمي: ج 2 ص25.
3- جامع الأخبار: ص139 الفصل التاسع والتسعون في كسب الحلال.
4- مستدرك الوسائل: ج 7 ص191 ص17 باب استحباب الصدقة ولو على غير المؤمن حتى دواب البر والبحر وعلى الذمي عند ضرورته كشدة العطش ح2.
5- وسائل الشيعة: ج 24 ص327 ب44 باب وجوب إطعام الجائع عند ضرورته ح4.
6- وسائل الشيعة: ج 23 ص12 ب1 ح9.

وعَنْ مِسْمَعٍ أَبِي سَيَّارٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرَبَ الآخِرَةِ، وخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ وهُوَ ثَلجُ الفُؤَادِ، ومَنْ أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، ومَنْ سَقَاهُ شَرْبَةً سَقَاهُ اللهُ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ»(1).

مقام الرسول

مسألة: يستحب بيان مقام الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة، حيث بيده لواء الحمد والشفاعة.

ولا منافاة بين كون (لواء الحمد) بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ثم بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في الروايات.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث:

«فَيُنَادِي المُنَادِي وَيَسْمَعُ النِّدَاءَ جَمِيعُ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالمُؤْمِنِينَ: هَذِهِ دَرَجَةُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): فَأَقْبِل يَوْمَئِذٍ مُتَّزِراً بِرَيْطَةٍ مِنْ نُورٍ، عَليَّ تَاجُ المُلكِ وَإِكْليل الكَرَامَةِ، وَعَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ أَمَامِي وَبِيَدِهِ لوَائِي وَهُوَ لوَاءُ الحَمْدِ، مَكْتُوبٌ عَليْهِ: "لا إِلهَ إِلا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُول اللهِ، المُفْلحُونَ هُمُ الفَائِزُونَ بِاللهِ"، فَإِذَا مَرَرْنَا بِالنَّبِيِّينَ قَالوا: هَذَانِ مَلكَانِ لمْ نَعْرِفْهُمَا وَلمْ نَرَهُمَا، وَإِذَا مَرَرْنَا بِالمَلائِكَةِ قَالوا: هَذَانِ نَبِيَّانِ مُرْسَلانِ، حَتَّى أَعْلوُ الدَّرَجَةَ وَعَليٌّ (عليه السلام) يَتْبَعُنِي، فَإِذَا صِرْتُ فِي أَعْلى الدَّرَجَةِ مِنْهَا وَعَليٌّ أَسْفَل مِنِّي بِيَدِهِ لوَائِي، فَلا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ نَبِيٌّ وَلا مُؤْمِنٌ إِلا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ

ص: 249


1- الكافي: ج 2 ص200 باب تفريج كرب المؤمن ح3.

إِليَّ يَقُولونَ: طُوبَى لهَذَيْنِ العَبْدَيْنِ مَا أَكْرَمَهُمَا عَلى اللهِ، فَيُنَادِي المُنَادِي يَسْمَعُ النَّبِيُّونَ وَجَمِيعُ الخَلائِقِ: هَذَا حَبِيبِي مُحَمَّدٌ وَهَذَا وَليِّي عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ، طُوبَى لمَنْ أَحَبَّهُ وَوَيْل لمَنْ أَبْغَضَهُ وَكَذَّبَ عَليْه»(1).

الاهتمام بالأُمة

مسألة: يستحب بيان مدى اهتمام نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) بالأُمة والرعية في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: «لقَدْ جَاءكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَليْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَليْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(2).

قیل: الرأفة شدة الرحمة، وقيل: رؤوف بالمطيعين ورحيم بالمذنبين، وقيل: رؤوف بأقربائه ورحيم بأوليائه، وقيل: رؤوف بمن رآه ورحيم بمن لم يره(3).

وفي رواية العياشي: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: تَلا هَذِهِ الآيَةَ «لقَدْ جاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسِكُمْ»(4)، قَال: «مِنْ أَنْفُسِنَا، قَال: «عَزِيزٌ عَليْهِ ما عَنِتُّمْ»، قَال: مَا عَنِتْنَا، قَال: «حَرِيصٌ عَليْكُمْ»: عَليْنَا «بِالمُؤْمِنِينَ

رَؤُفٌ رَحِيمٌ» قَال: بِشِيعَتِنَا رَءُوفٌ رَحِيمٌ، فَلنَا ثَلاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلشِيعَتِنَا

ص: 250


1- بحار الأنوار: ج7 ص326 ب17 ح2 عن تفسير القمي.
2- سورة التوبة: 128.
3- انظر بحار الأنوار: ج16 ص303 ب11.
4- سورة التوبة: 128.

رُبُعُهَا»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَالرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُ بِأُمُورِ المُسْلمِينَ فَليْسَ بِمُسْلمٍ»(2).

العطف على الأُمة

مسألة: يجب على القائد الإسلامي أن يكون عطوفاً تجاه الأُمة وينجيهم من الهلكات.

قال تعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لنْتَ لهُمْ ولوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لهُمْ وشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ»(3).

ص: 251


1- تفسير العياشي: ج 2 ص118 ح166.
2- الكافي: ج 2 ص163 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم ح1.
3- سورة آل عمران: 159.

لا أصبر عنك ساعة

اشارة

عن ابن عباس قال(1):

قالت فاطمة (عليها السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) وهو في سكرات الموت:

«يا أبة، أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا، فأين الميعاد غداً؟».

قال: أما إنك أول أهلي لحوقاً بي، والميعاد على جسر جهنم.

قالت: يا أبة أليس قد حرم الله عزوجل جسمك ولحمك على النار؟

قال: بلى ولكني قائم حتى تجوز أمتي.

قالت: فإن لم أرك هناك؟

قال: تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنم، أستوهب الظالم من المظلوم.

قالت: فإن لم أرك هناك؟

قال: تريني في مقام الشفاعة وأنا أشفع لأمتي.

قالت: فإن لم أرك هناك؟

ص: 252


1- ظاهره أن ابن عباس يروي ذلك عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) مباشرة، وأنه كان حاضراً حين جرى هذا الحديث والحوار.

قال: تريني عند الميزان وأنا أسأل الله لأمتي الخلاص من النار.

قالت: فإن لم أرك هناك؟قال: تريني عند الحوض، حوضي عرضه ما بين أيلة(1) إلى صنعاء، على حوضي ألف غلام بألف كأس كاللؤلؤ المنظوم، وكالبيض المكنون، من تناول منه شربة فشربها لم يظمأ بعدها أبداً، فلم يزل يقول لها حتى خرجت الروح من جسده (صلى الله عليه وآله)» (2).

--------------------------

التأسيس لا التأكيد

الظاهر من (فلم يزل يقول لها) ليس تكرار ما سبق من كلامه، بل إنه استمر في الكلام بمطالب جديدة وفوائد عديدة عن عالم الآخرة، ولعل الراوي نسي سائر الكلام، أو اختصره، أو أنه لم ينقل له، ويشهد للتأسيسيته دون التكرار والتأكيد، الرواية السابعة التي ذكرت ما لم يذكر ههنا.

ولعل الوجه في أن المذكور في هذه الرواية هو عكس المذكور في الرواية السابقة في تسلسل لقائها به (عليهما السلام): إن التسلسل في هذه الرواية زماني(3)، أما التسلسل في الروايةالسابقة فرتبي(4)، فقدم هناك لهذه الجهة أو نظيرها.

كما يحتمل أن يكون وجه الاختلاف ما أشرنا إليه من أن للنبي (صلى الله عليه وآله) ذهاباً وإياباً بين عرصات يوم القيامة، من جسر جهنم وباب الجنة، وأن

ص: 253


1- أيلة جبل بين مكة والمدينة قرب ينبع، وبلد بين ينبع ومصر، ولعله المقصود.
2- كشف الغمة: ج 1 ص497 خطبة الزهراء (عليها السلام).
3- لأن أول ما يصله أهل المحشر هو جسر جهنم، وآخر ما يصلون إليه هو باب الجنة.
4- أي بلحاظ منزلة ورتبة الذي تناله الشفاعة، فإنه وهو عند باب الجنة أعلى رتبة منه وهو عنده جسر جهنم ينتظرها، ولعل مقصود الإمام المؤلف غير ذلك.

ذهابه وإيابه يتكرر عدة مرات، بل قد يكون كثيراً جداً، فيكون التسلسل معكوساً تارة بسبب النظر إلى ابتدائه من جسر جهنم وانتهائه إلى باب الجنة، وأخرى بلحاظ رجوعه عكس ذلك، ويحتمل غير ذلك، والله العالم.

السعي للقاء المعصوم

مسألة: يستحب السعي للقاء النبي والإمام (عليهما السلام) في الدنيا إن أمكن، كما يستحب طلبه والسعي للقائه في لحظات الاحتضار، ثم في القبر والبرزخ، ثم في يوم القيامة، ثم في الجنة، فإن لقاءه خير وبركة وعبادة وثواب، كما أن النظر إليه عبادة، وسماع كلامه عبادة، وهكذا.

ثم إن من السعي للقائه ملاكاً:السعي لزيارته في مشهده الشريف.

ويستفاد استحباب الطلب والسعي للقائه من أدلة كثيرة، منها ما يفهم من كلام الصديقة (عليها السلام) هنا بالدلالة الالتزامية، إذ قالت: (يا أبة إني لا أصبر عنك ساعة من الدنيا) و(فأين الميعاد غداً).

وعدم الصبر عنه (صلى الله عليه وآله) لجهات عديدة: نفسية وروحية وعلمية وغيرها، فإن في محضره (صلى الله عليه وآله) كل الخير.

وفي الدعاء: «متى ترانا ونراك»(1).

وأيضاً: «اللهُمَّ أَرِنِي الطَّلعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ وَاكْحُل ناظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِليْهِ»(2).

ص: 254


1- المزار الكبير: ص582 الدعاء للندبة.
2- بحار الأنوار: ج99 ص111 ب7.

السؤال عما يهم

مسألة: يستحب السؤال عن الأمور المهمة فيما إذا كان السؤال أو الجواب مفيداً، فإن العلم كمال في حد ذاته، والعلم بشؤون الآخرة بتفاصيلها مطلوب ومستحب ومفيد، خاصة إذا أصبحت الآخرة همّ الإنسان وشغلت ذكره وفكره، فإنه بذلك يكون من أبناء الآخرة وإن عاش ظاهراً في الدنيا.

ولعل هذه الأسئلة والأجوبة لإفادة الغير، من باب: (إياك أعني واسمعي يا جارة)، فإنهم (عليهم الصلاة والسلام) يعلمون كل شيء بتعليم الله سبحانه لهم، وقد ورد علمهم (عليهم السلام) بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة(1).

ص: 255


1- عَنْ عَبْدِ الأَعْلى بْنِ أَعْيَنَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «قَدْ وَلدَنِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَنَا أَعْلمُ كِتَابَ اللهِ وفِيهِ بَدْءُ الخَلقِ ومَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وفِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وخَبَرُ الأَرْضِ وخَبَرُ الجَنَّةِ وخَبَرُ النَّارِ، وخَبَرُ مَا كَانَ وخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ، أَعْلمُ ذَلكَ كَمَا أَنْظُرُ إِلى كَفِّي، إِنَّ اللهَ يَقُول فِيهِ تِبْيَانُ كُل شَيْ ءٍ». الكافي: ج 1 ص61 باب الرد إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شي ء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة ح8. وعَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ قَال: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) جَمَاعَةً مِنَ الشِّيعَةِ فِي الحِجْرِ، فَقَال: عَليْنَا عَيْنٌ، فَالتَفَتْنَا يَمْنَةً ويَسْرَةً فَلمْ نَرَ أَحَداً، فَقُلنَا: ليْسَ عَليْنَا عَيْنٌ، قَال: ورَبِّ الكَعْبَةِ ورَبِّ البَيْتِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لوْ كُنْتُ بَيْنَ مُوسَى والخَضِرِ لأَخْبَرْتُهُمَا أَنِّي أَعْلمُ مِنْهُمَا، ولأَنْبَأْتُهُمَا بِمَا ليْسَ فِي أَيْدِيهِمَا، لأَنَّ مُوسَى والخَضِرَ أُعْطِيَا عِلمَ مَا كَانَ ولمْ يُعْطَيَا عِلمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وإِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أُعْطِيَ عِلمَ مَا كَانَ ومَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ فَوَرِثْنَاهُ مِنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وِرَاثَةً. بصائر الدرجات: ج 1 ص129 ب7 باب في الأئمة (عليهم السلام) أنهم أعطوا علم ما مضى وما بقي إلى يوم القيامة ح1. وعَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَليٍّ (عليه السلام) قَال سَمِعْتُهُ يَقُول: إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلمَنِي أَلفَ بَابٍ مِنَ الحَلال والحَرَامِ ومِمَّا كَانَ ومَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، كُل يَوْمٍ يَفْتَحُ أَلفَ بَابٍ فَذَلكَ أَلفُ أَلفِ بَابٍ حَتَّى عَلمْتُ المَنَايَا والوَصَايَا وفَصْل الخِطابِ». بصائر الدرجات: ج 1 ص305 ب16 باب في ذكر الأبواب التي علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) ح11.

كما ورد أن الصديقة (عليها السلام) كانت تقرأ القرآن وهي في بطن أُمها، وكانت تحدثها(1)، إلى غير ذلك.والظاهر أن أيلة وصنعاء وألف غلام وألف كأس من باب المثال إشارة إلى الكثرة، كما في قوله عزوجل: «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهمْ سَبْعينَ مَرَّةً»(2)، حيث يراد به الكثرة، والذي يدل على ذلك الروايات الأخر الدالة أن عدد الكؤوس على الحوض كعدد النجوم(3).

ص: 256


1- عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: أن خديجة لما حملت بفاطمة (عليها السّلام) كانت فاطمة تحدّثها في بطنها وتصبرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل عليها يوما فسمع خديجة تحدّث فاطمة فقال: يا خديجة من تحدثين؟ فقالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني، فقال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنها انثى، وأنها النسل الطاهرة الميمونة؛ إن الله سيجعل نسلي منها ويجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفائي في أرضه بعد انقضاء وحيه. إثبات الهداة: ج 2 ص194 الفصل الثالث والثلاثون ح633.
2- سورة التوبة: 80.
3- قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي حِجَّةِ الوَدَاعِ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ وإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَليَ الحَوْضَ، حَوْضٌ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ البَصْرَةِ وصَنْعَاءَ، فِيهِ قُدْحَانٌ مِنْ فِضَّةٍ عَدَدَ النُّجُومِ، أَلا وإِنِّي سَائِلكُمْ عَنِ الثَّقَليْنِ، قَالوا: يَا رَسُول اللهِ ومَا الثَّقَلانِ، قَال: كِتَابُ اللهِ الثَّقَل الأَكْبَرُ طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ وطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ لنْ تَضِلوا ولنْ تَزِلوا، والثَّقَل الأَصْغَرُ عِتْرَتِي وأَهْل بَيْتِي، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اللطِيفُ الخَبِيرُ أَنَّهُمَا لنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ، وجَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ ولا أَقُول كَهَاتَيْنِ وجَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ والوُسْطَى فَتَفْضُل هَذِهِ عَلى هَذِهِ». تفسير القمي: ج 1 ص3.

ويستبعد أن يكون (عدد النجوم)مشيراً إلى تلك، وحصرها بها (الألف) تحديداً، بل الظاهر أن تلك من مصاديق هذه.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَنَا سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلينَ وأَفْضَل مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، وأَوْصِيَائِي سَادَةُ أَوْصِيَاءِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلينَ، وذُرِّيَّتِي أَفْضَل ذُرِّيَّاتِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلينَ، وأَصْحَابِيَ الذِينَ سَلكُوا مِنْهَاجِي أَفْضَل أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلينَ، وابْنَتِي فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالمِينَ، والطَّاهِرَاتُ مِنْ أَزْوَاجِي أُمَّهَاتُ المُؤْمِنِينَ، وأُمَّتِي خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، وأَنَا أَكْثَرُ النَّبِيِّينَ تَبَعاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلي حَوْضٌ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وصَنْعَاءَ فِيهِ مِنَ الأَبَارِيقِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، وخَليفَتِي عَلى الحَوْضِ يَوْمَئِذٍ خَليفَتِي فِي الدُّنْيَا، فَقِيل: ومَنْ ذَاكَ يَا رَسُول اللهِ، قَال: إِمَامُ المُسْلمِينَ وأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ ومَوْلاهُمْ بَعْدِي عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ، يَسْقِي مِنْهُ أَوْليَاءَهُ ويَذُودُ عَنْهُ أَعْدَاءَهُ كَمَا يَذُودُ أَحَدُكُمُ الغَرِيبَةَ مِنَ الإِبِل عَنِ المَاءِ، ثُمَّ قَال (صلى الله عليه وآله): مَنْ أَحَبَّ عَليّاً وأَطَاعَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَرَدَ عَلى حَوْضِي غَداً وكَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الجَنَّةِ، ومَنْ أَبْغَضَ عَليّاً فِي دَارِ الدُّنْيَا وعَصَاهُ لمْ أَرَهُ ولمْ يَرَنِي يَوْمَ القِيَامَةِ واخْتَلجَ دُونِي وأُخِذَ بِهِ ذَاتَالشِّمَال إِلى النَّارِ»(1).

ص: 257


1- الأمالي، للصدوق: ص298 المجلس التاسع والأربعون ح12.

استيهاب الظلم

مسألة: هل يستحب في الظلامات الشخصية، استيهاب الظالم من المظلوم في الجملة، ولو بتعويضه بشيء.

ربما تختلف المصاديق، وقد تكون معنونة بعناوين أخرى فتحمل أحكامها.

أول من يلحق بالنبي

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة (عليها السلام) كانت أول من لحقت بالرسول (صلى الله عليه وآله)، وذكر أسبابه، وهي ما ورد عليها من ظلم القوم لها.

ولا يخفى أن الخسائر والأضرار التي تسببت عن فقد الصديقة (عليه السلام) في تلك السن المبكرة وأضرارها على المسلمين بل على الخلائق كافة، مما لا يعلمه إلا الله والمعصومون (عليهم السلام)، فإن خسارة العالم الواحد تحدث به «ثُلمَةٌ لا يَسُدُّهَا شَيْ ءٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ»(1)،فكيف بخسارة المعصوم (عليه السلام)، وكيف إذا

ص: 258


1- بصائر الدرجات: ج 1 ص5 ب2 باب ثواب العالم والمتعلم ح10. قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «المُؤْمِنُ العَالمُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الصَّائِمِ القَائِمِ الغَازِي فِي سَبِيل اللهِ، وإِذَا مَاتَ ثُلمَ فِي الإِسْلامِ ثُلمَةٌ لا يَسُدُّهَا شَيْ ءٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ». وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِذَا مَاتَ المُؤْمِنُ الفَقِيهُ ثُلمَ فِي الإِسْلامِ ثُلمَةٌ لا يَسُدُّهَا شَيْءٌ». الكافي: ج 1 ص38 باب فقد العلماء ح2.

كانت المحور في حديث الكساء، والأم للأئمة النجباء والحجة عليهم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

قَالتْ عَائِشَةُ: أَقْبَلتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «مَرْحَباً بِابْنَتِي» فَأَجْلسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِليْهَا حَدِيثاً فَبَكَتْ، ثُمَّ أَسَرَّ إِليْهَا حَدِيثاً فَضَحِكَتْ، فَقُلتُ لهَا: حَدَّثَكِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِحَدِيثٍ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ حَدَّثَكِ بِحَدِيثٍ فَضَحِكْتِ، فَمَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ أَقْرَبَ فَرَحاً مِنْ حُزْنٍ مِنْ فَرَحِكِ، فَقَالتْ: «مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)» حَتَّى إِنَّهُ إِذَا قُبِضَ سَأَلتُهَا فَقَالتْ: «أَسَرَّ إِليَّ فَقَال: إِنَّ جَبْرَئِيل كَانَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ كُل سَنَةٍ مَرَّةً وإِنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولا أَرَانِي إِلا وقَدْ حَضَرَ أَجَلي، وإِنَّكِ أَوَّل أَهْل بَيْتِي لحُوقاً بِي، ونِعْمَ السَّلفُ أَنَا لكِ، فَبَكَيْتُ لذَلكِ، ثُمَّ قَال: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوْ سَيِّدَةَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لذَلك»(1).

المعصوم وحرمته على النار

مسألة: يجب الاعتقاد بأن الله عزوجل حرّم جسم المعصوم (عليه السلام) ولحمه على النار، فإنهم (عليهم السلام) أشرف خلائق الله تعالى، وقد خلق الكون بما فيه الجنة والنار لأجلهم، وبيدهم مقاليد الكون بإذنه تعالى، وحبهم والاعتقاد بهم هو الضمان للجنة، وبغضهم وعداؤهم هو تمام السبب للدخول في النار، فكيف يمكن أن تمسهم النار، بل إن النار تمتنع على المؤمن بهم حقاً والشيعي لهم

ص: 259


1- روضة الواعظين: ج 1 ص150 مجلس في ذكر وفاة فاطمة (عليها السلام).

صدقاً فكيف بهم(1).

عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَليٍّ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «سَيُدْفَنُ بَضْعَةٌ مِنِّي بِأَرْضِ خُرَاسَانَ، لا يَزُورُهَا مُؤْمِنٌ إِلا أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وجَل لهُالجَنَّةَ وحَرَّمَ جَسَدَهُ عَلى النَّارِ»(2).

الدعاء للخلاص من النار

مسألة: يستحب الدعاء للخلاص من النار له ولغيره، ولابد من الإلحاح في الدعاء والتوسل بمن جعلهم الله الوسيلة، ولابد من السعي للخلاص من النار بالتزام الطاعات واجتناب الحرمات، فإن حرها لا يطاق، وعذابها لا تتحمله الجبال الرواسي، فكيف بهذا الإنسان الضعيف الذي «تؤلمه البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة»(3).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لعقيل (عليه السلام): «أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الأذى ولا أئن من لظى»(4).

ص: 260


1- ويقول الشاعر المهلم عن عوالم القدس: فإن النار ليس تمس جسماً عليه غبار زوار الحسين الغدير: ج6 ص12.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص255 ب66 باب في ذكر ثواب زيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ح4.
3- نهج البلاغة، قصار الحكم: الحكمة 419.
4- نهج البلاغة، الخطب: خ224 من كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم.

قال تعالى: «رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذابَ إِنَّامُؤْمِنُونَ»(1).

وفي دعاء المجير المَرْوِيّ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): «سُبْحَانَكَ يَا اللهُ تَعَاليْتَ يَا رَحْمَانُ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ يَا مُجِير»(2).

وصف الكوثر

مسألة: يستحب بيان وصف حوض الكوثر وما يشتمل عليه من النعم كما ورد في الروايات.

نعم إنا فإنا لا نعرف عنه إلاّ بقدر ما وصلنا من المعصوم (عليه السلام)، وأما حقيقته ما هي وهل هو ماء كمياه الدنيا، أو سائل آخر شُبّه به، وأنه كيف يرفع الظمأ أبداً، فهل يحدث في شاربه تغييراً في خصائصه وجوهره بحيث لا يظمأ بعدها، إلى غير ذلك فإنه مما لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.

وفي رواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه

السلام): «إنّ الكوثر عليه اثنا عشر ألف شجرة، كل شجرة لها ثلاثمائة وستّون غصناً، فإذا أراد أهل الجنة الطرب هبّت ريح، فما من شجرة ولا غصن، إلا وهو أحلى صوتاً من الآخر، ولولاأنّ الله تعالى كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا، لماتوا فرحاً من شدة حلاوة تلك الأصوات، وهذا النهر في جنّة عدن، وهو لي ولكَ ولفاطمة والحسن والحسين وليس لأحد فيه شي ء»(3). أي أمره بيد هؤلاء الأطهار وهم

ص: 261


1- سورة الدخان: 12.
2- البلد الأمين: ص362 دعاء المجير.
3- نوادر الأخبار: ص358 باب الحوض ح5.

(عليهم السلام) يسقون شيعتهم منه.

وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَعْيَنَ، قَال سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْل الرَّجُل للرَّجُل: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً مَا يَعْنِي بِهِ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ خَيْراً نَهَرٌ فِي الجَنَّةِ مَخْرَجُهُ مِنَ الكَوْثَرِ، فَالكَوْثَرُ مَخْرَجُهُ مِنْ سَاقِ العَرْشِ، عَليْهِ مَنَازِل الأَوْصِيَاءِ وشِيعَتِهِمْ، وعَلى حَافَتَيْ ذَلكَ النَّهَرِ جَوَارِي نَابِتَاتٌ كُلمَا قُلعَتْ وَاحِدَةٌ نَبَتَتْ أُخْرَى، سَمِينٌ تِلكَ الجَوَارِي بِاسْمِ ذَلكَ النَّهَرِ، وذَلكَ قَوْلهُ عَزَّ وجَل فِي كِتَابِهِ: «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ»(1) فَإِذَا قَال الرَّجُل لصَاحِبِهِ جَزَاكَ اللهُ خَيْراً فَإِنَّمَا يَعْنِي تِلكَ المَنَازِل التِي أَعَدَّهَا اللهُ لصَفْوَتِهِ وخِيَرَتِهِ مِنْ خَلقِه»(2).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي معنى الكوثر قَال: (نَهَرٌ فِي الجَنَّةِ عُمْقُهُ فِي الأَرْضِ سَبْعُونَأَلفَ فَرْسَخٍ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللبَنِ، وأَحْلى مِنَ العَسَل، شَاطِئَاهُ مِنَ اللؤْلؤِ والزَّبَرْجَدِ واليَاقُوتِ، خَصَّ اللهُ تَعَالى بِهِ نَبِيَّهُ وأَهْل بَيْتِهِ (صلوات الله عليهم) دُونَ الأَنْبِيَاء»(3).

وعَنْ مِسْمَعِ بْنِ عَبْدِ المَلكِ كِرْدِينٍ البَصْرِيِّ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا مِسْمَعُ... وإِنَّ الكَوْثَرَ ليَفْرَحُ بِمُحِبِّنَا إِذَا وَرَدَ عَليْهِ حَتَّى إِنَّهُ ليُذِيقُهُ مِنْ ضُرُوبِ الطَّعَامِ مَا لا يَشْتَهِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ، يَا مِسْمَعُ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً، ولمْ يَسْتَقِ بَعْدَهَا أَبَداً، وهُوَ فِي بَرْدِ الكَافُورِ ورِيحِ المِسْكِ وطَعْمِ الزَّنْجَبِيل، أَحْلى مِنَ العَسَل وأَليَنَ مِنَ الزُّبْدِ وأَصْفَى مِنَ الدَّمْعِ وأَذْكَى مِنَ العَنْبَرِ، يَخْرُجُ مِنْ تَسْنِيمٍ ويَمُرُّ بِأَنْهَارِ الجِنَانِ، يَجْرِي عَلى رَضْرَاضِ الدُّرِّ

ص: 262


1- سورة الرحمن: 70.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ص618.
3- تأويل الآيات الظاهرة: ص821.

واليَاقُوتِ، فِيهِ مِنَ القِدْحَانِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، يُوجَدُ رِيحُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلفِ عَامٍ، قِدْحَانُهُ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وأَلوَانِ الجَوْهَرِ، يَفُوحُ فِي وَجْهِ الشَّارِبِ مِنْهُ كُل فَائِحَةٍ حَتَّى يَقُول الشَّارِبُ مِنْهُ: يَا ليْتَنِي تُرِكْتُ هَاهُنَا لا أَبْغِي بِهَذَا بَدَلا ولا عَنْهُ تَحْوِيلا.

أَمَا إِنَّكَ يَا ابْنَ كِرْدِينٍ مِمَّنْ تَرْوَى مِنْهُ، ومَا مِنْ عَيْنٍ بَكَتْ لنَا إِلا نُعِّمَتْبِالنَّظَرِ إِلى الكَوْثَرِ، وسُقِيَتْ مِنْهُ مَنْ أَحَبَّنَا، وإِنَّ الشَّارِبَ مِنْهُ ليُعْطَى مِنَ اللذَّةِ والطَّعْمِ والشَّهْوَةِ لهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطَاهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي حُبِّنَا، وإِنَّ عَلى الكَوْثَرِ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وفِي يَدِهِ عَصًا مِنْ عَوْسَجٍ يَحْطِمُ بِهَا أَعْدَاءَنَا، فَيَقُول الرَّجُل مِنْهُمْ: إِنِّي أَشْهَدُ الشَّهَادَتَيْنِ، فَيَقُول: انْطَلقْ إِلى إِمَامِكَ فُلانٍ، فَاسْأَلهُ أَنْ يَشْفَعَ لكَ، فَيَقُول: تَبَرَّأَ مِنِّي إِمَامِيَ الذِي تَذْكُرُهُ، فَيَقُول: ارْجِعْ إِلى وَرَائِكَ فَقُل للذِي كُنْتَ تَتَوَلاهُ وتُقَدِّمُهُ عَلى الخَلقِ فَاسْأَلهُ إِذَا كَانَ خَيْرَ الخَلقِ عِنْدَكَ أَنْ يَشْفَعَ لكَ، فَإِنَّ خَيْرَ الخَلقِ مَنْ يَشْفَعُ، فَيَقُول: إِنِّي أَهْلكُ عَطَشاً، فَيَقُول لهُ: زَادَكَ اللهُ ظَمَأً وزَادَكَ اللهُ عَطَشاً، قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ وكَيْفَ يَقْدِرُ عَلى الدُّنُوِّ مِنَ الحَوْضِ ولمْ يَقْدِرْ عَليْهِ غَيْرُهُ، فَقَال: وَرِعَ عَنْ أَشْيَاءَ قَبِيحَةٍ وكَفَّ عَنْ شَتْمِنَا أَهْل البَيْتِ إِذَا ذُكِرْنَا، وتَرَكَ أَشْيَاءَ اجْتَرَى عَليْهَا غَيْرُهُ، وليْسَ ذَلكَ لحُبِّنَا ولا لهَوًى مِنْهُ لنَا ولكِنَّ ذَلكَ لشِدَّةِ اجْتِهَادِهِ فِي عِبَادَتِهِ وتَدَيُّنِهِ، ولمَا قَدْ شَغَل نَفْسَهُ بِهِ عَنْ ذِكْرِ النَّاسِ، فَأَمَّا قَلبُهُ فَمُنَافِقٌ ودِينُهُ النَّصْبُ، واتِّبَاعُهُ أَهْل النَّصْبِ ووَلايَةُ المَاضِينَ، وَتَقْدِيمُهُ لهُمَا عَلى كُل أَحَدٍ»(1).

ص: 263


1- كامل الزيارات: ص102 الباب الثاني والثلاثون ثواب من بكى على الحسين بن علي عليه السلام ح6.

شفاعة الصديقة

اشارة

روي أن فاطمة (عليها السلام) لما سمعت بأن أباها (صلى الله عليه وآله) زوّجها وجعل الدراهم مهراً لها، قالت: يا رسول الله إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم، فما الفرق بيني وبينهن، أسألك أن تردها وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك؟

فنزل جبريل (عليه السلام) ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: «جعل الله مهر فاطمة الزهراء (عليها السلام) شفاعة المذنبين من أمة أبيها (صلى الله عليه وآله) »، فلما احتضرت (عليها السلام) أوصت أن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت، وقالت: «إذا حشرتُ يوم القيامة رفعتُ تلك البطاقة بيدي وشفّعتُ في عصاة أمة أبي»(1).

---------------------------

رفع البطاقة

يحتمل في قول الصديقة (عليها السلام): «رفعتُ تلك البطاقة بيدي»

وجهان:

الأول: إنه لإظهارها، فإن أفضل وسيلة لذلك هو إشهارها برفعها عالمياً،

ص: 264


1- عوالم العلوم: ج 11 ق1 فاطمة (سلام الله عليها) ص462 ح35.

وذلك إما لكي يتعرف عليهاالعصاة من أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقصدوها أو لتكون علامة بارزة للملائكة على ما جرت سنة الله تعالى من إيجاد مظهر لكل مخبر.

الثاني: إن لرفع تلك البطاقة أثراً كنور أو غيره، ولا يستبعد ذلك بعد ما وجدناه من الآثار في الدنيا لبعض الأحجار الكريمة والنباتات وغيرها، فإننا لا نعلم حقيقة تلك البطاقة من الحرير التي أهديت لها (عليها السلام)، والله العالم.

قيمة المرء

مسألة: ينبغي أن يزيد الإنسان من معرفته لقيمته، وأنه أسمى من الماديات، ولا يعوّض بها ولا يقارن، وأنه إن طلبها فبقدر الكفاف لتوقف بدنه وشبهه عليها، لا لأنها هي الثمن لنفسه أو وقته، وقد قال الشاعر:

أنفاس عمرك أثمان الجنان فلا *** تشري بها لهباً في الحشر يشتعل

وقالت الصديقة (عليها السلام): «بنات الناس يتزوجن بالدراهم»، وينبغي أن يكون فرق أيضاً بين المؤمنة الموالية للزهراء (عليها السلام) وبين عامة الناس.وقال عليّ (عليه السلام): «لكُل شَيْ ءٍ قِيمَةٌ، وقِيمَةُ المَرْءِ مَا يُحْسِنُهُ»(1).

وفي الديوان المنسوب إليه (عليه السلام):

ص: 265


1- بحار الأنوار: ج 62 ص49 ب1 الكلاب وأنواعها وصفاتها وأحكامها والسنانير والخنازير في بدء خلقها وأحكامها.

النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التِّمْثَا أَكْفَاٌ *** أَبُوُمْ آدَمُ والأُمُّ حَوَاءُ

وَ إِنَّمَا أُمَّهَاتُ النّاِ أَوْعِيَة *** مُسْتَوْدَعَاٌ وللأَحْسَابِ آبَاٌ

فَإِنْ يَكُنْ لهُمْ مِنْ أَصِلهِمْ شَرفٌ *** يُفَاخِرُونَ بِهِ فَالطِّينُ والمَاُ

وَ إِنْ أَتَيْتَ بِفَخْرٍ مِنْ ذَوِي نَسَب *** فَإِنَّ نِسْبَتَنَا جُوٌ وعَليَاُ

لا فَضْل إِلا لأَهْل العِلمِ إِنَّهُم *** عَلى الهُدَى لمَنْ اسْتَهْدى أَدِلاءُ

وَ قِيمَةُ المَرْءِ مَا قَدْ كَانَ يُحْسِنُه*** وَ الجَاهِلونَ لأَهْل العِلمِ أَعْدَاءٌفَقمْ بِعِلمٍ ولا تَبْغِي لَه بَدلا

فَالنَّاسُ مَوْتَى وأَهْل العِلمِ *** أَحْيَاء(1)

مهر معنوي ومادي

مسألة: ينبغي للمؤمنة ولأولياء أمرها إضافة أمر معنوي إلى المهر المادي، كنسخة من القرآن الكريم، أو الصحيفة السجادية، أو نهج البلاغة، أو تحف العقول، أو مسبحة من تراب قبر الحسين (عليه السلام)، أو ما أشبه ذلك، وقد طلبت الصديقة (عليها السلام) أمراً معنوياً مهراً لها.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَال: «إِنَّ اللهَ تَعَالى أَمْهَرَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) رُبُعَ الدُّنْيَا، فَرُبُعُهَا لهَا، وأَمْهَرَهَا الجَنَّةَ والنَّارَ، تُدْخِل أَعْدَاءَهَا النَّارَ، وتُدْخِل أَوْليَاءَهَا الجَنَّةَ، وهِيَ الصِّدِّيقَةُ الكُبْرَى، وعَلى مَعْرِفَتِهَا دَارَتِ القُرُونُ

ص: 266


1- ديوان أمير المؤمنين (عليه السلام): ص24.

الأُوَل»(1).

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَال: لمَّا زَوَّجَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَليّاً فَاطِمَةَ (عليهما السلام) دَخَل عَليْهَا وهِيَ تَبْكِي، فَقَال لهَا: «مَا يُبْكِيكِ، فَوَ اللهِ لوْ كَانَ فِيأَهْلي خَيْرٌ مِنْهُ مَا زَوَّجْتُكِهِ، ومَا أَنَا زَوَّجْتُهُ ولكِنَّ اللهَ زَوَّجَكِ وأَصْدَقَ عَنْكِ الخُمُسَ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ»(2).

وقال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) في حديث: «ولقَدْ نَحَل اللهُ طُوبَى فِي مَهْرِ فَاطِمَةَ (صلوات الله عليها) فَجَعَلهَا فِي مَنْزِل عَليٍّ (عليه السلام)»(3).

حق الشفاعة

مسألة: يجب الاعتقاد بمقام الصديقة الزهراء (عليها السلام) وأن لها فيما لها حق الشفاعة للعصاة من أُمة أبيها وشيعة بعلها (عليهم السلام).

فإنها (صلوات الله عليها) حجة الله، وهي كسائر الأنبياء والأولياء ومريم الصديقة (عليهم السلام) ومن أشبه يشفعون للعصاة، كما ورد بذلك النص، ودل عليه العقل، وقد تقدم الكلام في ذلك في الجملة.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ الثَّقَفِيِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: «لفَاطِمَةَ(عليها السلام) وَقْفَةٌ عَلى بَابِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْ

ص: 267


1- الأمالي، للطوسي: ص668 م36 ح6.
2- الكافي: ج 5 ص378 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة (عليهما السلام) ح6.
3- علل الشرائع: ج 1 ص179 ب142 باب العلة التي من أجلها سميت فاطمة (عليها السلام) فاطمة ح6.

كُل رَجُل مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ، فَيُؤْمَرُ بِمُحِبٍّ قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ إِلى النَّارِ فَتَقْرَأُ فَاطِمَةُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُحِبّاً، فَتَقُول: إِلهِي وسَيِّدِي سَمَّيْتَنِي فَاطِمَةَ وفَطَمْتَ بِي مَنْ تَوَلانِي وتَوَلى ذُرِّيَّتِي مِنَ النَّارِ ووَعْدُكَ الحَقُّ وأَنْتَ لا تُخْلفُ المِيعادَ، فَيَقُول اللهُ عَزَّ وجَل: صَدَقْتِ يَا فَاطِمَةُ إِنِّي سَمَّيْتُكِ فَاطِمَةَ وفَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وتَوَلاكِ وأَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وتَوَلاهُمْ مِنَ النَّارِ ووَعْدِيَ الحَقُّ وأَنَا لا أُخْلفُ المِيعَادَ، وإِنَّمَا أَمَرْتُ بِعَبْدِي هَذَا إِلى النَّارِ لتَشْفَعِي فِيهِ فَأُشَفِّعَكِ، وليَتَبَيَّنَ لمَلائِكَتِي وأَنْبِيَائِي ورُسُلي وأَهْل المَوْقِفِ مَوْقِفُكِ مِنِّي ومَكَانَتُكِ عِنْدِي، فَمَنْ قَرَأْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِناً فَخُذِي بِيَدِهِ وأَدْخِليهِ الجَنَّة»(1).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ جَالساً ذَاتَ يَوْمٍ وعِنْدَهُ عَليٌّ وفَاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ (عليهم

السلام) فَقَال: «... وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى ابْنَتِي فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَدْ أَقْبَلتْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلى نَجِيبٍ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِهَا سَبْعُونَ أَلفَ مَلكٍ، وعَنْ يَسَارِهَا سَبْعُونَ أَلفَ مَلكٍ، وبَيْنَ يَدَيْهَا سَبْعُونَ أَلفَ مَلكٍ،وخَلفَهَا سَبْعُونَ أَلفَ مَلكٍ، تَقُودُ مُؤْمِنَاتِ أُمَّتِي إِلى الجَنَّةِ، فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ صَلتْ فِي اليَوْمِ والليْلةِ خَمْسَ صَلوَاتٍ، وصَامَتْ شَهْرَ رَمَضَانَ، وحَجَّتْ بَيْتَ اللهِ الحَرَامَ، وزَكَّتْ مَالهَا، وأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، ووَالتْ عَليّاً (عليه السلام) بَعْدِي، دَخَلتِ الجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ (عليها السلام) وإِنَّهَا لسَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالمِين»(2).

مما يدفن مع الإنسان

مسألة: يستحب أن يدفن مع الإنسان الشيء المهم معنوياً مما ينفعه لآخرته

ص: 268


1- الأمالي، للصدوق: ص486 المجلس الثالث والسبعون ح18.
2- الأمالي، للصدوق: ص287 المجلس الثامن والأربعون ح3.

كالتربة الحسينية، ويعرف ذلك فيما يعرف بالملاك من وصية الصديقة (عليها السلام) حيث وضعت معها صك الشفاعة.

ولعل السيد ابن طاووس (قدس سره) الذي أوصى أن يكتب على عقيق أسماء الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام) ويوضع في القبر معه، اتخذه من ملاك أمثال هذه الرواية، كالملاك فيما يكتب على الكفن أو ما أشبه.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الحِمْيَرِيِّ قَال: كَتَبْتُ إِلى الفَقِيهِ (عليه السلام) أَسْأَلهُ عَنْ طِينِ القَبْرِ يُوضَعُ مَعَ المَيِّتِ فِي قَبْرِهِ، هَل يَجُوزُ ذَلكَ أَمْ لا، فَأَجَابَ وقَرَأْتُ التَّوْقِيعَ ومِنْهُ نَسَخْتُ: «يُوضَعُ مَعَ المَيِّتِ فِي قَبْرِهِ ويُخْلطُ بِحُنُوطِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ»(1).

المهر المعنوي

مسألتان: يجوز في الجملة أن يكون المهر معنوياً كالشفاعة، كما يجوز أن يكون المهر حقاً لا مالاً، كحق التحجير على رأي المشهور(2)، ونحوه مما تصح المعاوضة عليه.

أما الحقوق التي تصح المعاوضة على إسقاطها، كحق الشفعة وحق

ص: 269


1- تهذيب الأحكام: ج 6 ص76 ب22 باب حد حرم الحسين (عليه السلام) وفضل كربلاء وفضل الصلاة عند قبره وفضل التربة وما يقال عند أخذها وفضل التسبيح بها والأكل منها وما يجب على زائريه (عليه السلام) أن يفعلوه ح18.
2- حيث يرون التحجير حقاً، أما على رأي الإمام المؤلف (قدس سره) فإنه يراه مالاً، ويرى التحجير سبباً للملك.

الدعوى واليمين والخيار فالظاهر أنها كذلك أيضاً، لإطلاق روايات «ما تراضيا عليه»(1)،أما الإنصراف إلى المادي وما يملك فهل هو بدوي، فصلناه في الفقه.

عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فِي رَجُل تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلى سُورَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ ثُمَّ طَلقَهَا قَبْل أَنْ يَدْخُل بِهَا فَبِمَا يَرْجِعُ عَليْهَا، قَال: «بِنِصْفِ مَا يُعَلمُ بِهِ مِثْل تِلكَ السُّورَةِ»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَالتْ: زَوِّجْنِي، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) مَنْ لهَذِهِ المَرْأَةِ، فَقَامَ رَجُل فَقَال: أَنَا يَا رَسُول اللهِ، زَوِّجْنِيهَا، فَقَال: مَا تُعْطِيهَا، فَقَال: مَا لي شَيْ ءٌ، فَقَال: لا، فَأَعَادَتْ فَأَعَادَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) الكَلامَ فَلمْ يَقُمْ غَيْرُ الرَّجُل أَحَدٌ، ثُمَ أَعَادَتْ، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي المَرَّةِ الثَّالثَةِ: تُحْسِنُ مِنَ القُرْآنِ شَيْئاً، فَقَال: نَعَمْ، فَقَال: زَوَّجْتُكَهَا عَلى مَا تُحْسِنُ مِنَ القُرْآنِ أَنْ تُعَلمَهَا إِيَّاهُ»(3).

البنت وطلب المهر

مسألة: يجوز للبنت أن تطلب بمهر غير ما يجعله الوالد، لأن المهر حقها وهي التي تملكه.

ص: 270


1- الكافي: ج 5 ص378 باب أن المهر اليوم ما تراضى عليه الناس قل أو كثر ح3. وفيه: (وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: الصَّدَاقُ مَا تَرَاضَيَا عَليْهِ مِنْ قَليل أَوْ كَثِيرٍ فَهَذَا الصَّدَاقُ).
2- الكافي: ج 5 ص382 باب نوادر في المهر ح14.
3- مستدرك الوسائل: ج 15 ص61 ب2 باب جواز كون المهر تعليم شي ء من القرآن وعدم جواز الشغار وهو أن يجعل تزويج امرأة مهر أخرى ح1.

قال تعالى: «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدال زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وإِثْماً مُبيناً»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنْ رَجُل تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلى أَنْ يُعَلمَهَا سُورَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَل فَقَال: مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُل بِهَا حَتَّى يُعَلمَهَا السُّورَةَ ويُعْطِيَهَا شَيْئاً، قُلتُ: أَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا تَمْراً أَوْ زَبِيباً، قَال: «لا بَأْسَ بِذَلكَ إِذَا رَضِيَتْ بِهِ كَائِناً مَا كَانَ»(2).

وجه طلب تغيير المهر

ثم إن ما صنعه النبي (صلى الله عليه وآله) من جعل مهر الصديقة (عليها السلام) الدراهم، ثم سؤالها أن يردها ويجعل مهرها الشفاعة، كان كله لأجل إعلام الناس بحقيقة مهرها، وأنه الشفاعة لا الدراهم بما هي هي، وبياناً لمقامها وكرامتها على الله عزوجل.

إضافة إلى وضوح أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يتصرف على خلافالقاعدة، فيمهر دون علم من له الأمر، وإن أمكن حمله على التفويض له، أو على عموم ولايته، لكن الأقرب ما ذكر، خاصة أنه مع التفويض أو إعمال الولاية ربما لم يكن الرد هو الأنسب، وإن كان يمكن توجيهه بأنه كان طلباً لا رداً. وأما على اتخاذ مثل ذلك طريقة للإعلام والتعليم والإلفات، فإن الأمر واضح.

ص: 271


1- سورة النساء: 20.
2- الكافي: ج 5 ص380 باب نوادر في المهر ح4.

الاهتمام بالعصاة

مسألة: يستحب أو يجب الاهتمام بالعصاة، والسعي لهدايتهم، والشفاعة لمن يستحقها منهم، لا تركهم وإهمالهم فإن ذلك يزيدهم بعداً، نعم يلزم أن لا يكون الاهتمام بحيث يشجعهم على المعصية.

قال تعالى: «قُل يا عِبادِيَ الذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيم»(1).

وقال سبحانه: «وَإِذْ قال مُوسى لقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ العِجْل فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ»(2).

كتابة المهر

مسألة: يستحب كتابة المهر، فإنه أتقن وأوثق، وفي الحديث: «إِذَا عَمِل أَحَدُكُمْ عَمَلا فَليُتْقِن»(3)، كما يستفاد ذلك عرفاً من أن مهر الصديقة (عليها السلام) كانت مكتوباً على بطاقة من حرير، مع أنه كان يمكن إبلاغه شفوياً، فتأمل.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «اكْتُبُوا فَإِنَّكُمْ لاتَحْفَظُونَ حَتَّى تَكْتُبُوا»(4).

ص: 272


1- سورة الزمر: 53.
2- سورة البقرة: 54.
3- الكافي: ج 3 ص263 ح45.
4- الكافي: ج 1 ص52 باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب ح9.

وضع شيء مع الميت

مسألة: يجوز وضع شيء مع الميت، إذ لا دليل على الحرمة، وإن لم تكن لوضعه جهة رجحان، والأصل الإباحة، نعم يلزم أن لا يكون هتكاً له، كما يلزم أن لا يكون بجهة التشريع، ويلزم أن لا يكون من الإسراف، أو من حق الورثة من دون رضاهم، أو ما أشبه.

وهناك رجحان في وضع بعض الأشياء التي تفيد الميت، كالتربة الشريفة والجريدتين وما أشبه.

قال الإمام الرضا (عليه السلام): «وَاجْعَل مَعَهُ جَرِيدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ تَرْقُوَتِهِ تُلصِقُهَا بِجِلدِهِ ثُمَّ تَمُدُّ عَليْهِ قَمِيصَهُ، وَالأُخْرَى عِنْدَ وَرِكِهِ»(1).

وفي الوسائل: (إِنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَزْنِي وتَضَعُ أَوْلادَهَا وتُحْرِقُهُمْ بِالنَّارِ خَوْفاً مِنْ أَهْلهَا ولمْ يَعْلمْ بِهِ غَيْرُ أُمِّهَا، فَلمَّا مَاتَتْ دُفِنَتْ، فَانْكَشَفَ التُّرَابُ عَنْهَا ولمْ تَقْبَلهَا الأَرْضُ، فَنُقِلتْ مِنْ ذَلكَ المَكَانِ إِلى غَيْرِهِ فَجَرَى لهَا ذَلكَ، فَجَاءَ أَهْلهَا إِلى الصَّادِق (عليه السلام) وحَكَوْا لهُ القِصَّةَ، فَقَال لأُمِّهَا: مَا كَانَتْ تَصْنَعُ هَذِهِ فِي حَيَاتِهَا مِنَ المَعَاصِي، فَأَخْبَرَتْهُ بِبَاطِنِأَمْرِهَا، فَقَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «إِنَّ الأَرْضَ لا تَقْبَل هَذِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ تُعَذِّبُ خَلقَ اللهِ بِعَذَابِ اللهِ، اجْعَلوا فِي قَبْرِهَا شَيْئاً مِنْ تُرْبَةِ الحُسَيْنِ (عليه السلام)» فَفُعِل ذَلكَ بِهَا فَسَتَرَهَا اللهُ تَعَالى)(2).

ص: 273


1- مستدرك الوسائل: ج2 ص213 ب6 ح1826 عن فقه الرضا (عليه السلام).
2- وسائل الشيعة: ج 3 ص29 ب12 باب استحباب وضع التربة الحسينية مع الميت في الحنوط والكفن وفي القبر ح2.

صفة يوم القيامة

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) قالت لأبيها (صلى الله عليه وآله):

«يا أبة أخبرني كيف يكون الناس يوم القيامة»؟

قال: يا فاطمة يشغلون فلا ينظر أحد إلى أحد، ولا والد إلى ولده، ولا ولد إلى أمه(1).

قالت: هل يكون عليهم أكفان إذا خرجوا من القبور؟

قال: يا فاطمة تبلى الأكفان وتبقى الأبدان، يُستر عورة المؤمنين، وتبدو عورة الكافرين.

قالت: يا أبتى ما يستر المؤمنين؟

قال: نور يتلألأ لا يبصرون أجسادهم من النور(2).

قالت: يا أبت فأين ألقاك يوم القيامة؟

قال: انظري عند الميزان وأنا أنادي: «رب أَرْجِحْ من شهد أن لا إله إلا الله».

وانظري عند الدواوين إذا نشرت الصحف وأنا أنادي: «رب حاسب أمتي

ص: 274


1- الظاهر أن هذه مرحلة من مراحل القيامة، فإنه في مراحل أخرى يشفع بعض المؤمنين لبعض.
2- ولعل هذا النور هو (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) سورة التحريم: 8، ويحتمل كونه غيره.

حساباً يسيراً».

وانظري عند مقام شفاعتي على جسر جهنم، كل إنسان يشغل بنفسه وأنا مشتغل بأمتي أنادي: «رب سلم أمتي» والنبيون (عليهم السلام) حولي ينادون: «رب سلم أمة محمد (صلى الله عليه وآله)».

وقال (صلى الله عليه وآله): «إن الله يحاسب كل خلق إلاّ من أشرك بالله، فإنه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار»(1).

--------------------------

وجه نداء الأنبياء

لعل الوجه في نداء الأنبياء (عليهم السلام) وهم حول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رب سلم أمة محمد»، هو أن في ذلك توقيراً واحتراماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن احترام الأمة كاحترام العشيرة والعائلة احترام لكبيرها، كما لعله لأجل أن أمة الرسول (صلى الله عليه وآله) هي أفضل الأمم من حيث المجموع، لأنها خاتمة الأمم أو لتضمنها الأئمة (عليهم السلام) والتالي تلوهم.

بين القصور والتقصير

ثم عدم محاسبة من أشرك، إذا كانعن عمد، لما دل من الروايات على امتحان القاصرين يوم القيامة، كما دل عليه العقل أيضاً، فإن الله سبحانه لا يؤاخذ شخصاً ما لم تتم الحجة عليه، قال تعالى: «وَما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ

ص: 275


1- جامع الأخبار: ص175 الفصل التاسع والثلاثون والمائة في القيامة وأفزاعها وأهوالها.

رَسُولاً»(1)،(2).

ثم إن القاصر لا إثم عليه، أما المقصر(3) فمذنب في تقصيره، وربما يمتحن يوم القيامة أيضاً، لإطلاق أدلة أن من في الفترة بين الرسل ومن أشبه يمتحن يوم القيامة، ولا منافاة بين أن يعاقب على تقصيره بعض العقاب، وبين أن يعاد امتحانه ليوفّى نصيبه منه كاملاً إن سقط فيه، وليعفى عما بقي منه بل ليثاب الجنة إن نجح، فتأمل.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ احْتَجَّ اللهُ عَزَّ وجَل عَلى خَمْسَةٍ، عَلى الطِّفْل، والذِي مَاتَ بَيْنَالنَّبِيَّيْنِ، والذِي أَدْرَكَ النَّبِيَّ وهُوَ لا يَعْقِل، والأَبْلهِ والمَجْنُونِ الذِي لا يَعْقِل، والأَصَمِّ والأَبْكَمِ، فَكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْتَجُّ عَلى اللهِ عَزَّ وجَل، قَال: فَيَبْعَثُ اللهُ عَليْهِمْ رَسُولا فَيُؤَجِّجُ لهُمْ نَاراً فَيَقُول لهُمْ: رَبُّكُمْ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَثِبُوا فِيهَا، فَمَنْ وَثَبَ فِيهَا كَانَتْ عَليْهِ بَرْداً وسَلاماً، ومَنْ عَصَى سِيقَ إِلى النَّارِ»(4).

ص: 276


1- سورة الإسراء: 15.
2- بناءً على أن (نبعث رسولاً) كناية عن الحجة أو البلاغ، أو لكونه مصداقها، أو لوحدة الملاك بين من لم يبعث في زمنه الرسول وبين من بعث لكنه لم يعلم به أو بما قاله قصوراً، راجع (الأصول) للإمام المؤلف (قدس سره).
3- الظاهر أن مقصود الإمام المؤلف: الكافر المقصر، ولعله أيضاً المخالف المقصر لا العاصي المقصر.
4- الخصال: ج 1 ص283 يحتج الله عز وجل يوم القيامة على خمسة ح31.

السؤال عن حال الناس في القيامة

مسألة: يستحب السؤال عن حال الناس في يوم القيامة، فإن في ذلك العبرة والموعظة والإنذار والهداية، وذلك تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) إذ سألت.

انشغال الناس في المحشر

مسألة: يستحب بيان أن الناس في يوم القيامة ينشغلون بأنفسهم، فلا ينظر أحد إلى أحد، لا والد إلى ولده، ولا ولد إلى والدته، وذلك لعظيم الأهوال وشدة الأحوال.

وربما من وجوه استحبابه أن يهتم المرء بإصلاح نفسه، فلا يشغله المال والأهل والولد عن ذلك، ولا يبيع آخرته بدنيا غيره.

قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ واخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزي والدٌ عَنْ وَلدِهِ ولا مَوْلودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُور»(1).

ص: 277


1- سورة لقمان: 33.

ستر المؤمن

مسألة: يستحب بيان أن يوم القيامة تستر عورة المؤمن بالنور كرامة له، وتبدو عورة الكافر مهانة له، وفي ذلك تشجيع للأول، وحجر على الأخير.

وهناك أمور تؤثر إيجاباً أو سلباً على الستر يوم القيامة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُؤْمِنٍ سَتَرَ اللهُ عَزَّ وجَل عَوْرَتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ومَنْ هَتَكَ سِتْرَ مُؤْمِنٍ هَتَكَ اللهُ سِتْرَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»(1).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «مَنْ سَتَرَ عَلى أَخِيهِ المُؤْمِنِ عَوْرَةً سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ القِيَامَة»(2).

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة» سورة الجاثية «سكن الله روعته يوم القيامة إذا جثا على ركبتيه، وسترت عورته، ومن كتبها وعلقها عليه أمن من سطوة كل جبار وسلطان، وكان مهاباً محبوباً وجيهاً في عين كل من يراه من الناس،تفضلاً من الله عز وجل»(3).

الستر بالنور

مسألة: يجوز ستر العورة بالنور حيث لا تكون مرئية، إذ سترها طريقي كي لا يراه الناظر المحترم، فيكفي أي نوع منه كان، ولذا لا يجب الستر إذا كان

ص: 278


1- المؤمن: ص69 ب8 باب ما حرم الله عز وجل على المؤمن من حرمة أخيه المؤمن ح187.
2- مشكاة الأنوار: ص107 الفصل الثامن في أذى المؤمن وتتبع عثراته.
3- البرهان في تفسير القرآن: ج 5 ص23 ح2.

الطرف أعمى لا يبصر، أو نائماً أو منشغلاً عن النظر إليه، وإن كان أفضل.

الشرك في النار

مسألة: الشرك والمراد به الأعم من الكفر، هو أكبر المحرمات وعقوبته النار، حيث يؤمر بالمشرك إلى جهنم.

قال تعالى: «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يَشاءُ ومَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظيماً»(1).

الدعاء للأُمة

مسألة: يستحب الدعاء لسلامة الأُمة، والسعي في ذلك.والدعاء قد يكون بلفظ يشملهم جميعاً، أو بذكر الأصناف وما أشبه.

وقد ورد عن الناحية المقدسة: «وتَفَضَّل عَلى عُلمَائِنَا بِالزُّهْدِ والنَّصِيحَةِ، وعَلى المُتَعَلمِينَ بِالجَهْدِ والرَّغْبَةِ، وعَلى المُسْتَمِعِينَ بِالاتِّبَاعِ والمَوْعِظَةِ، وعَلى مَرْضَى المُسْلمِينَ بِالشِّفَاءِ والرَّاحَةِ، وعَلى مَوْتَاهُمْ بِالرَّأْفَةِ والرَّحْمَةِ، وعَلى مَشَايِخِنَا بِالوَقَارِ والسَّكِينَةِ، وعَلى الشَّبَابِ بِالإِنَابَةِ والتَّوْبَةِ، وعَلى النِّسَاءِ بِالحَيَاءِ والعِفَّةِ، وعَلى الأَغْنِيَاءِ بِالتَّوَاضُعِ والسَّعَةِ، وعَلى الفُقَرَاءِ بِالصَّبْرِ والقَنَاعَةِ، وعَلى الغُزَاةِ بِالنَّصْرِ والغَلبَةِ، وعَلى الأُسَرَاءِ بِالخَلاصِ والرَّاحَةِ، وعَلى الأُمَرَاءِ

ص: 279


1- سورة النساء: 48.

بِالعَدْل والشَّفَقَةِ، وعَلى الرَّعِيَّةِ بِالإِنْصَافِ وحُسْنِ السِّيرَةِ، وبَارِكْ للحُجَّاجِ والزُّوَّارِ فِي الزَّادِ والنَّفَقَةِ، واقْضِ مَا أَوْجَبْتَ عَليْهِمْ مِنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، بِفَضْلكَ ورَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين»(1).

الحذر مما يؤدي إلى النار

مسألة: يجب الحذر الدائم من أن يعمل الإنسان أو يقول أو ينوي أو حتى يفكر بما يؤدي به إلى النار.وإنما ذكرنا النية والتفكر لما دل من الكتاب والسنة على أنه أيضاً يحاسب على ذلك ويعاتب، وإن لم يعاقب في الجملة، قال سبحانه: «قُل إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلمْهُ اللهُ وَيَعْلمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ»(2).

فإن نفس علم الله بما أخفاه الشخص من نية سيئة، أسوأ لمن أعطي الإدراك، من المحاسبة ومن أنواع من العقوبة، أو لا ترى من علم باطلاع أبيه أو عشيرته على نيته السرقة وإن لم يسرق، كيف يخجل ويتألم ويلوم نفسه أشد الملامة، بل لعل تألمه النفسي أشد عليه من عقوبة السجن أو الجلد أو قطع اليد.

قال تعالى: «للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلى كُل شَيْءٍ

ص: 280


1- البلد الأمين: ص349 دعاء آخر مروي عن المهدي (عليه السلام).
2- سورة آل عمران: 29.

قَدِيرٌ»(1).

وبذلك يظهر وجه التأمل في إطلاق ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في تفسيره حول هذه الآية الشريفة(2)، فتأمل(3).

ص: 281


1- سورة البقرة: 284.
2- قال في التبيان: (ويجوز أن تكون الآية الثانية بينت الأولى وأزالت توهم من صرف ذلك إلى غير وجهه، فلم يضبط الرواية فيه، وظن أن ما يخطر للنفس أو تحدث نفسه به مما لا يتعلق بتكليفه فإن الله يؤاخذه به. والأمر بخلاف ذلك، وإنما المراد بالآية ما يتناوله الأمر والنهي من الاعتقادات والإرادات وغير ذلك مما هو مستور عنا، فأما ما لا يدخل في التكليف فخارج عنه لدلالة العقل، ولقوله (عليه السلام) تجوز لهذه الأمة عن نسيانها وما حدثت به أنفسها)، التبيان في تفسير القرآن: ج 2 ص382.
3- لعل وجهه أن الكلام عن المحاسبة لا المؤاخذة التي بنى عليها الطوسي (رحمه الله) كلامه، إضافة إلى أن التجاوز عن ما حدثت به النفس، كما في الحديث قد يراد به التجاوز عن العقوبة لا المحاسبة أو عن العقوبة المعهودة لا مطلقاً.

التحذير من عذاب النار

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «الويل، ثم الويل لمن دخل النار»(1).

----------------------

إخبار يفيد الإنشاء

وهذا الكلام من الصديقة (عليها السلام) إخبار، لكنه يستلزم الإنشاء، فالمعنى عرفاً أنه حيث كان كذلك فاجتنبوا ما يسبب دخولها، أو هو إخبار في مقام الإنذار.

و(الويل) كلمة تقال عند الهلكة.. فالمعنى أن الويل والهلاك والخسارة الحقيقية هي لمن دخل النار، أما ما عدا ذلك فأمره يهون، ولعل هذه الكلمة قيلت لتسلية من فقد أباً أو أماً أو رحماً، فقال أو قالت: ويلي أو يا ويلي، فيجاب عندئذ ب (الويل ثم الويل لمن دخل النار).

ص: 282


1- الدروع الواقية: ص276 الفصل الرابع والعشرون فيما نذكره من حديث اليوم الذي ترفع فيه أعمال كل شهر.

الابتعاد عن موجبات النار

مسألة: يجب الابتعاد عن أي عمل يوجب دخول النار، فإن عذابها لا يطاق، كما هو مجرب في نار الدنيا التي هي أخف وأخف بمئات المرات بل آلاف المرات من نار الآخرة.

والعمل هنا بالمعنى الأعم فيشمل القول والفعل والعقيدة وما أشبه مما توجب النار.

قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام):

«إِنَ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وقَدْ أُطْفِئَتْ سَبْعِينَ مَرَّةً بِالمَاءِ ثُمَّ التَهَبَتْ، ولوْ لا ذَلكَ مَا اسْتَطَاعَ آدَمِيٌّ أَنْ يُطْفِئَهَا وإِنَّهَا ليُؤْتَى بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى تُوضَعَ عَلى النَّارِ فَتَصْرُخُ صَرْخَةً لا يَبْقَى مَلكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَل إِلا جَثَى عَلى رُكْبَتَيْهِ فَزَعاً مِنْ صَرْخَتِهَا»(1).

التحذير من نار جهنم

مسألة: يستحب التحذير من نار جهنم.

قال تعالى: «فَإِنْ لمْ تَفْعَلوا ولنْ تَفْعَلوا فَاتَّقُوا النَّارَ التي وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّتْ للكافِرينَ»(2).

ص: 283


1- تفسير القمي: ج 1 ص366.
2- سورة البقرة: 24.

وقال سبحانه: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجارَةُ عَليْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلونَ ما يُؤْمَرُون»(1).

ص: 284


1- سورة التحريم : 6.

التعداد على الميت

اشارة

قال أمير المؤمنين (عليه السلام):... «إن فاطمة (سلام الله عليها) لما قبض أبوها (صلى الله عليه وآله) أسعدتها بنات هاشم، فقالت: اتركن التعداد وعليكن بالدعاء»(1).

وفي نسخة: «ساعدتها بنات بني هاشم»(2).

--------------------------

الدعاء للميت

مسألة: يستحب الدعاء للميت فإنه يفيده أكثر من التعداد، فكلام الصديقة (عليها السلام) كان على وجه بيان الأفضل للتعليم، أو لما سيأتي ذكره.

قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار:

(بيان، لعلها (صلوات الله عليها) إنما نهت عن تعداد الفضائل للتعليم، إذ ذكر فضائله (صلى الله عليه وآله) كان صدقاًوكان من أعظم الطاعات، فكان غرضها (عليها السلام) أن لا يذكروا أمثال ذلك في موتاهم، لكونها مشتملة على الكذب

ص: 285


1- الكافي: ج 3 ص218 باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة واتخاذ المأتم ح6.
2- بحار الأنوار: ج 79 ص75 ب16 التعزية والمأتم وآدابهما وأحكامها ح8.

غالباً وانتفاع الميت بالاستغفار والدعاء أكثر على تقدير كونها صدقاً، والمراد بالقول الحسن أن لا يقولوا فيما يذكرونه للميت من مدائحه كذباً، أو الدعاء والاستغفار وترك ذكر المدائح مطلقاً إلا فيما يتعلق به غرض شرعي) (1).

ولا منافاة بين أنها (عليها السلام) كانت تنعى أباها (صلى الله عليه وآله) وبين كلامها، فإن النعي غير التعداد، كما أن السجاد (صلوات الله عليه) كان ينعى شهداء الطف ويبكي ويبين مظلومية الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) ويفضح الظالمين بذلك، بينما التعداد لم يكن كذلك عادة، ولعل تعداد الناس العاديين يشتمل على بعض ما يخالف الواقع، أو بعض ما يوافقه لكنه من جهة النتيجة غير مطلوب(2).

وقد يقال: إن التعداد ذكر المفاخر والمكارم ولكن بما يشبه الشكوى، من هنا كان مرجوحاً مطلقاً أو بالنسبة إلىالدعاء، أو كان المقام يقتضي زيادة الحزن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون ما يخفف اللوعة والمصاب، فكانت (عليها السلام) تريد إثارة الأحزان على فقده (صلى الله عليه وآله) بأكبر قدر ممكن كي لا يطمع في إطفاء ذكره، وذلك من أسباب بكائها ليل نهار، وبناء بيت الأحزان بعد منعها من المدينة، وشبه ذلك.

ويحتمل أمرها (عليها السلام) بالدعاء لدفع البلاء الذي كان ربما سينزل بالناس بعد فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل بعد قتله، قال تعالى: «وَمَا كَانَ اللهُ ليُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(3)، وقال

ص: 286


1- بحار الأنوار: ج 79 ص75 ب16 التعزية والمأتم وآدابهما وأحكامها.
2- نظير (كلمة حق يراد بها باطل).
3- سورة الأنفال: 33.

سبحانه: «أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِل انْقَلبْتُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْ»(1)، فكان الأهم حينئذ الدعاء عن التعداد، وإن كان تعداد فضائله (صلى الله عليه وآله) ذا فضل في حد نفسه.

بيان فضائل الميت

مسألة: يستحب ذكر فضائل الميت بما فيه العِبرة والموعظة والتحريض على التأسي بمكارم أخلاقه وحميد خصاله والعمل بالحسنات من سننه، شرط أن يخلو من الكذب وسائر المحرمات.قَال (صلى الله عليه وآله): «اذْكُرُوا مَحَاسِنَ أَمْوَاتِكُمْ وكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِم»(2).

وفي الرواية: «لا تَقُولوا فِي مَوْتَاكُمْ إِلا خَيْراً»(3).

وقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «لا تَنْسَوْا مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، ومَوْتَاكُمْ يَرْجُونَ إِحْسَانَكُمْ، ومَوْتَاكُمْ مَحْبُوسُونَ يَرْغَبُونَ فِي أَعْمَالكُمُ البِرَّ، وهُمْ لا يَقْدِرُونَ، أَهْدُوا إِلى مَوْتَاكُمُ الصَّدَقَةَ والدُّعَاء»(4).

ص: 287


1- سورة آل عمران: 144.
2- غوالي اللئالي: ج 1 ص159 الفصل الثامن في ذكر أحاديث تشتمل على كثير من الآداب ومعالم الدين روايتها تنتهي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بطريق واحد من طرقي المذكورة آنفاً ح142.
3- بحار الأنوار: ج 72 ص239 ب66 الغيبة.
4- مستدرك الوسائل: ج 2 ص114 ب20 باب استحباب الصلاة عن الميت والصوم والحج والصدقة والبر والعتق عنه والدعاء له والترحم عليه والتشريك بين اثنين في ركعتين وفي الحج ح8.

في مواجهة الطغاة

اشارة

روي أنه: لما أخرج بعلي (عليه السلام) خرجت فاطمة (عليها السلام) واضعة قميص(1) رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسها، آخذة بيدي ابنيها، فقالت: ما لي يا أبا بكر تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي، والله لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري، ولصرخت إلى ربي.

فقال رجل من القوم: ما تريد إلى هذا، ثم أخذت (عليها السلام) بيده (عليه السلام) فانطلقت به(2).

------------------------

القوم أرادوا قتل الإمام

مسألة: ظاهر كلام الصديقة (عليها السلام) ههنا إضافة إلى قرائن وأدلة أخرى تاريخية، أن القوم كانوا جادين في قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) إن لم يبايع، أو مطلقاً حتى وإن بايع، إلا لو استسلم مطلقاً، لكنه (عليه السلام) لم يبايع ولم يستسلم، نعم سكت عن حقه لأنه كان موصى به، ومع ذلك كان (عليه السلام) يحتج على القوم ويخالفهم وينتقدهم ويعترض على قراراتهم.

ص: 288


1- القميص هو الثوب الذي يلبس.
2- الكافي: ج 8 ص238 حديث القباب ح320.

فقولها (عليها السلام): «ما لي يا أبا بكر أراك تريد ...» صريح في أنها علمت بإرادته قتل الإمام، وحيث إنها تدخلت بهذه الطريقة وفضحت نواياهم وهددتهم بالدعاء وما أشبه تراجعوا.

وهذا مما يلزم بيانه للناس.

وفي أكثر من مورد أرادوا قتل الإمام (عليه السلام) ولكن الله تعالى حفظه.

في الخرائج: «أَنَّ عَليّاً (عليه السلام) لمَّا امْتَنَعَ مِنَ البَيْعَةِ عَلى أَبِي بَكْرٍ، أَمَرَ خَالدَ بْنَ الوَليدِ أَنْ يَقْتُل عَليّاً إِذَا مَا سَلمَ مِنْ صَلاةِ الفَجْرِ بِالنَّاسِ، فَأَتَى خَالدٌ وجَلسَ إِلى جَنْبِ عَليٍّ (عليه السلام) ومَعَهُ السَّيْفُ(1).

وفي كتاب سليم: (قَامَ عُمَرُ فَقَال لأَبِي بَكْرٍ وهُوَ جَالسٌ فَوْقَ المِنْبَرِ: مَا يُجْلسُكَ فَوْقَ المِنْبَرِ وهَذَا - يعني علياً (عليه السلام) - جَالسٌ مُحَارِبٌ لا يَقُومُ فَيُبَايِعَكَ، أَوتَأْمُرُ بِهِ فَنَضْرِبَ عُنُقَهُ، والحَسَنُ والحُسَيْنُ (عليهما السلام) قَائِمَانِ، فَلمَّا سَمِعَا مَقَالةَ عُمَرَ بَكَيَا، فَضَمَّهُمَا (عليهما السلام) إِلى صَدْرِهِ فَقَال: لا تَبْكِيَا فَوَ اللهِ مَا يَقْدِرَانِ عَلى قَتْل أَبِيكُمَا...

ثُمَّ قَال: قُمْ يَا ابْنَ أَبِي طَالبٍفَبَايِعْ.

فَقَال (عليه السلام): فَإِنْ لمْ أَفْعَل.

قَال: إِذاً واللهِ نَضْرِبُ عُنُقَكَ.

فَاحْتَجَ عَليْهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتَحَ كَفَّهُ، فَضَرَبَ عَليْهَا أَبُو بَكْرٍ ورَضِيَ بِذَلكَ مِنْهُ

ص: 289


1- الخرائج والجرائح: ج 2 ص757 الباب الخامس عشر في الدلالات والبراهين على صحة إمامة الاثني عشر إماماً (عليهم السلام) ح75.

.

فَنَادَى عَليٌّ (عليه السلام) قَبْل أَنْ يُبَايِعَ والحَبْل فِي عُنُقِهِ: «يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وكادُوا يَقْتُلونَنِي»(1)،(2).

تكريم المقدسات

مسألة: يستحب تكريم الشيء المقدس الذي له نوع ارتباط وانتساب بالله وبأوليائه الطاهرين (عليهم السلام) والتبرك به، كوضعه على الرأس إذا كان مما يقتضي ذلك، ومن مصاديقه قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنه يعلم حكم الأقمشة التي توضع على الأضرحة الشريفة فإنها تكتسب القدسية وينبغي التبرك بها.

وهو نوع توسل واستعطاف أيضاً، كما إنه نوع تواضع، والتواضع مما يقربالعبد إلى ربه عزوجل، وقد ورد أن أفضل وقت يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى حينما يكون ساجداً، فكلما كان التواضع أكثر كان القرب المعنوي أكثر.

عَنْ أَبِي هَارُونَ المَكْفُوفِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) إِذَا ذَكَرَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «بِأَبِي وأُمِّي وقَوْمِي وعَشِيرَتِي، عَجَبٌ للعَرَبِ كَيْفَ لا تَحْمِلنَا عَلى رُءُوسِهَا واللهُ عَزَّ وجَل يَقُول فِي كِتَابِهِ «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها»(3)، فَبِرَسُول اللهِ (صلى الله

ص: 290


1- سورة الأعراف: 150.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص593 الحديث الرابع.
3- سورة آل عمران: 103.

عليه وآله) أُنْقِذُوا»(1).

وعن الرَّيَّانُ بْنُ الصَّلتِ قَال: (لمَّا أَرَدْتُ الخُرُوجَ إِلى العِرَاقِ وعَزَمْتُ عَلى تَوْدِيعِ الرِّضَا (عليه السلام) فَقُلتُ فِي نَفْسِي: إِذَا وَدَّعْتُهُ سَأَلتُهُ قَمِيصاً مِنْ ثِيَابِ جَسَدِهِ لأُكَفَّنَ بِهِ، ودَرَاهِمَ مِنْ مَالهِ أَصُوغُ بِهَا لبَنَاتِي خَوَاتِيمَ، فَلمَّا وَدَّعْتُهُ شَغَلنِي البُكَاءُ والأَسَفُ عَلى فِرَاقِهِ عَنْ مَسْأَلةِ ذَلكَ، فَلمَّا خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ صَاحَ بِي: «يَا رَيَّانُ ارْجِعْ» فَرَجَعْتُ فَقَال لي: «أَمَا تُحِبُّ أَنْ أَدْفَعَ إِليْكَ قَمِيصاً مِنْ ثِيَابِ جَسَدِي تُكَفَّنُ فِيهِ إِذَا فَنِيَ أَجَلكَ، أَومَا تُحِبُّ أَنْأَدْفَعَ إِليْكَ دَرَاهِمَ تَصُوغُ بِهَا لبَنَاتِكَ خَوَاتِيمَ»، فَقُلتُ: يَا سَيِّدِي قَدْ كَانَ فِي نَفْسِي أَنْ أَسْأَلكَ ذَلكَ فَمَنَعَنِي الغَمُّ بِفِرَاقِكَ، فَرَفَعَ (عليه السلام) الوِسَادَةَ وأَخْرَجَ قَمِيصاً فَدَفَعَهُ إِليَّ، ورَفَعَ جَانِبَ المُصَلى فَأَخْرَجَ دَرَاهِمَ فَدَفَعَهَا إِليَّ وعَدَدْتُهَا فَكَانَتْ ثَلاثِينَ دِرْهَماً) (2).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيل بْنِ بَزِيعٍ قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنْ يَبْعَثَ إِليَ بِقَمِيصٍ مِنْ قُمُصِهِ أُعِدُّهُ لكَفَنِي، فَبَعَثَ إِليَّ بِهِ، قَال: فَقُلتُ لهُ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ، قَال: «انْزِعْ أَزْرَارَهُ»(3).

ص: 291


1- الكافي: ج 8 ص266 حديث القباب ح388.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص212 ح17.
3- وسائل الشيعة: ج 3 ص12 ب2 باب عدد قطع الكفن الواجب والندب وجملة من أحكامها ح21.

نشر الشعر

مسألة: يستحب للمرأة أن تنشر شعرها للدعاء، فيما لا يراها الرجال، وهو نوع توسل واستعطاف وإظهار انكسار يوجب التقرب إلى الله سبحانه أكثر فأكثر، وقد ورد في قصة عاشوراء أن السيدة ليلى أم علي الأكبر (عليه السلام) نشرت شعرها في الخيام وأخذت تدعو حتى يرد الله ولدها عليها سالماً، فاستجاب الله دعاءها.

ويكفي ظهور كلام الصديقة (عليها السلام) في أن ذلك من طرق استجابة الدعاء لولا المحذور الخارجي.

وربما كان من الحكمة في نشر الشعر، أنه كلما كان الإنسان أشعث وأغبر يكون أقرب للتواضع والتذلل والانكسار، وأبعد من الكبر والغرور.

ولذا ورد استحباب ذلك في الحج، وفي زيارة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)، مضافاً إلى أن الأشعث الأغبر في زيارة الحسين (عليه السلام) نوع مواساة مع العترة الطاهرة (عليهم السلام) في يوم كربلاء حيث كانوا كذلك.

ثم إنه يحتمل في (لولا أن تكون سيئة) أحد أمرين:

الأول: لولا أن تحدث سيئة، إذ لو نشرت (عليها السلام) شعرها لغضب الله علىالقوم وأهلكهم بزلزلة أو غيرها، ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد ذلك، ولا أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا الزهراء (عليها السلام) ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.

الثاني: كون العمل هذا سيئة في محضر الرجال، كما هو واضح

ص: 292

.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «واللهِ لوْ نَشَرَتْ شَعْرَهَا مَاتُوا طُرّاً»(1).

التصريح باسم الظالم

مسألة: يجوز التصريح باسم الظالم لفضحه إلى يوم القيامة، والجواز هنا بالمعنى الأعم(2)، كما أشرنا إليه في الفصل الثاني من الكتاب(3).

الصراخ إلى الرب

مسألة: ربما يكون من المستحب الصراخ إلى الرب في المشاكل في مقام الاستنجاد، لا الاحتجاج والشكاية.وهذا لا ينافي استحباب المناجاة كما في بعض الروايات.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ التِي لمْ تُغَيَّرْ: أَنَّ مُوسى (عليه السلام) سَأَل رَبَّهُ، فَقَال: يَا رَبِّ، أَقَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي فَأُنَاجِيَكَ، أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيَكَ، فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَل إِليْهِ: يَا مُوسى، أَنَا جَليسُ مَنْ ذَكَرَنِي، فَقَال مُوسى: فَمَنْ فِي سِتْرِكَ يَوْمَ لاسِتْرَ إِلا سِتْرُكَ، قَال: الذِينَ يَذْكُرُونَنِي فَأَذْكُرُهُمْ، ويَتَحَابُّونَ فِيَّ فَأُحِبُّهُمْ، فَأُولئِكَ الذِينَ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُصِيبَ أَهْل الأَرْضِ بِسُوءٍ، ذَكَرْتُهُمْ، فَدَفَعْتُ عَنْهُمْ بِهِمْ»(4).

ص: 293


1- الكافي: ج 8 ص238 حديث القباب ح321.
2- فقد يكون واجباً وقد يكون مستحباً أو مباحاً فيما إذا تساوى المتزاحمان.
3- أي في شرح الخطبة الشريفة التي ألقتها الصديقة الطاهرة (عليها السلام) في المسجد.
4- الكافي: ج 2 ص496 باب ما يجب من ذكر الله عز وجل في كل مجلس ح4.

حرمة تيتيم الأطفال

مسألة: يحرم تيتيم الأطفال.

وهل هذا عنوان آخر غير عنوان القتل، فيستحق عليه عقوبة أخرى، فمن قتل من لا ولد له استحق عقوبة القتل، ومن قتل ذا الولد استحق مضافاً إليها عقوبة تيتيم الأولاد، لا يبعد الثاني.

ويكفي في الاختيارية كون المقدمات بيده، وقصده القتل، وإن لم يقصد كل ما يترتب عليه، فلا يقال كيف يفرق بين الشخصين بأمر غير اختياري.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللهَ اللهَ فِي الأَيْتَامِ، فَلا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ، ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: مَنْ عَال يَتِيماً حَتَّى يَسْتَغْنِيَ أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وجَل لهُ بِذَلكَ الجَنَّةَ، كَمَا أَوْجَبَ لآِكِل مَال اليَتِيمِ النَّار»(1).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُهُ يَقُول: «الكَبَائِرُ سَبْعٌ، قَتْل المُؤْمِنِ مُتَعَمِّداً، وقَذْفُ المُحْصَنَةِ، والفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، والتَّعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرَةِ، وأَكْل مَال اليَتِيمِ ظُلماً، وأَكْل الرِّبَا بَعْدَ البَيِّنَةِ، وكُل مَا أَوْجَبَاللهُ عَليْهِ النَّارَ»(2).

ص: 294


1- الكافي: ج 7 ص51 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) ووصاياهم ح7.
2- الكافي: ج 2 ص277 باب الكبائر ح3.

حرمة ترميل النساء

مسألة: يحرم ترميل النساء، والبحث فيه كالبحث في المسألة السابقة.

ويستثنى من ذلك ومن قبله ما لو كان موجب الترميل والتيتيم بالحق، كما لو جنده في جيش الهداية تحت راية إمام الحق.

المرأة وإثبات الحق

مسألة: يجوز للمرأة الخروج من البيت لإثبات الحق، والجواز هنا بالمعنى الأعم.

ولا فرق في الحق بين كونه حقها الخاص أو حقاً عاماً من حقوق الأمة، كما لا فرق بين أن يكون خروجها بنفسه وبمفرده سبباً لإحقاق الحق أو خروجها في جملة من الناس.

ومنه يظهر أن خروج المرأة للمشاركة في المظاهرات الحقة التي تطالب بإحقاق الحق مع مراعاة الضوابط الشرعية جائز، ومع نهي الزوج لابد من مراعاة حقه إن لم يكن الخروج واجباً،وإلا فيلاحظ الأهم من الحقين(1)، والمرجع هو الحاكم الشرعي عند التشاحّ.

قال علي (عليه السلام): «ثَلاثٌ لا يُسْتَحْيَى مِنْهُنَّ: خِدْمَةُ الرَّجُل ضَيْفَهُ،

ص: 295


1- حق زوجها في عدم خروجها من المنزل، وحق الناس أو الدين الذي يراد المطالبة به.

وقِيَامُهُ عَنْ مَجْلسِهِ لأَبِيهِ ومُعَلمِهِ، وطَلبُ الحَقِ، وإِنْ قَل»(1).

الدفاع عن حق الزوج

مسألة: يجوز للمرأة الخروج من البيت للدفاع عن حق زوجها، والجواز هنا بالمعنى الأعم، كما سبق البحث عن ذلك في المجلدات السابقة.

الإخراج القهري

مسألة: يستحب بيان أن القوم أخرجوا علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يخرج هو باختياره، وذلك دفعاً للمغالطة، وربما وجب بيان ذلك.

روى البلاذري في تاريخه عن المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي وعن ابن عون: أن أبابكر أرسل إلى علي (عليه السلام) يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة (عليها السلام) على الباب، فقالت فاطمة: يا ابن الخطّاب أتراك محرقاً علي بابي، قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء أبوك(2).

ص: 296


1- عيون الحكم والمواعظ: ص212 ح4230.
2- أنساب الأشراف: ج1 ص586.

بين الأهم والمهم

مسألة: يستحب أو يجب تقديم الأهم على المهم في الجملة، وكل في مورده، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «لولا أن تكون سيئة».

ثم إن تشخيص الأهم والمهم في غير الشؤون العامة، أمره بيد المكلف نفسه، لكن عليه أن يتثبت منه ويبذل جهده في التشخيص الموضوعي لذلك.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (صلوات الله عليه) يَقُول للنَّاسِ بِالكُوفَةِ: يَا أَهْل الكُوفَةِ أَتَرَوْنِّي لا أَعْلمُ مَا يُصْلحُكُمْ، بَلى ولكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُصْلحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي»(1).

وعَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَال: «إِنَّ النَّاسَ لمَّا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا إِذْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ، لمْ يَمْنَعْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِنْ أَنْ يَدْعُوَ إِلى نَفْسِهِ إِلا نَظَراً للنَّاسِ وتَخَوُّفاً عَليْهِمْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ، فَيَعْبُدُوا الأَوْثَانَ، ولا يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُول اللهِ (صلى

الله عليه وآله)، وكَانَ الأَحَبَّ إِليْهِ أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلى مَا صَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ جَمِيعِ الإِسْلامِ، وإِنَّمَا هَلكَالذِينَ رَكِبُوا مَا رَكِبُوا، فَأَمَّا مَنْ لمْ يَصْنَعْ ذلكَ ودَخَل فِيمَا دَخَل فِيهِ النَّاسُ عَلى غَيْرِ عِلمٍ ولا عَدَاوَةٍ لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَإِنَّ ذلكَ لا يُكْفِرُهُ ولا يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلامِ، ولذلكَ كَتَمَ عَليٌّ (عليه السلام) أَمْرَهُ، وبَايَعَ مُكْرَهاً حَيْثُ لمْ يَجِدْ أَعْوَاناً»(2).

ص: 297


1- الأمالي، للمفيد: ص207 المجلس الثالث والعشرون ح40
2- الكافي: ج 8 ص295 حديث نوح (عليه السلام) يوم القيامة ح454.

الدفاع عن الولاية

مسألة: يجب الدفاع عن حريم الولاية بكل السبل المشروعة الممكنة، وهكذا صنعت الصديقة الزهراء (عليها السلام).

وحريم الولاية أمر مرتبط بالدنيا والآخرة، إذ بالولاية تصبح دنيا الناس سعيدة، كما تصبح آخرتهم كذلك.

قال سبحانه: «لاَكَلوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلهِمْ»(1).

وقال تعالى: «وَلوْ أَنَّ أَهْل القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لفَتَحْنَا عَليْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(2).

إذ القيادة الصحيحة توجب هداية الناس إلى الحق والخير والفضيلة والصراط المستقيم وإلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم.

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «وَاللهِ لوْ تَكَافُّوا عَنْ زِمَامٍ نَبَذَهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِليْهِ لاعْتَلقَهُ وَلسَارَ بِهِمْ سَيْراً سُجُحاً، لا يَكْلمُ خِشَاشُهُ، وَلا يُتَعْتِعُ رَاكِبَهُ، وَلأَوْرَدَهُمْ مَنْهَلا نَمِيراً فَضْفَاضاً تَطْفَحُ ضَفَّتَاهُ، وَلأَصْدَرَهُمْ بِطَاناً قَدْ تَحَيَّرَ بِهِمُ الرَّيُّ غَيْرَ مُتَحَل مِنْهُ بِطَائِل إِلا بِغَمْرِالمَاءِ وَرَدْعِهِ شَرَرَهُ السَّاغِبَ وَلفُتِحَتْ عَليْهِمْ بَرَكَاتٌ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَسَيَأْخُذُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون»(3).

ص: 298


1- سورة المائدة: 66.
2- سورة الأعراف: 96.
3- بحار الأنوار: ج 43 ص158 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها ح8.

وعَنْ سَلمَانَ الفَارِسِيِّ قَال: (إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ يُقَال لهَا أُمُ فَرْوَةَ تَحُضُ عَلى نَكْثِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ وتَحُثُّ عَلى بَيْعَةِ عَليٍّ (عليه السلام).

فَبَلغَ أَبَا بَكْرٍ ذَلكَ فَأَحْضَرَهَا واسْتَتَابَهَا، فَأَبَتْ عَليْهِ، فَقَال: يَا عَدُوَّةَ اللهِ أَتَحُضِّينَ عَلى فُرْقَةِ جَمَاعَةٍ اجْتَمَعَ عَليْهَا المُسْلمُونَ فَمَا قَوْلكَ فِي إِمَامَتِي.

قَالتْ: مَا أَنْتَ بِإِمَامٍ، قَال: فَمَنْ أَنَا، قَالتْ: أَمِيرُ قَوْمِكَ، اخْتَارَكَ قَوْمُكَ ووَلوْكَ، فَإِذَا كَرِهُوكَ عَزَلوكَ، فَالإِمَامُ المَخْصُوصُ مِنَ اللهِ ورَسُولهِ، يَعْلمُ مَا فِي الظَّاهِرِ والبَاطِنِ، ومَا يَحْدُثُ فِي المَشْرِقِ والمَغْرِبِ مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، وإِذَا قَامَ فِي شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ فَلا فَيْ ءَ لهُ، ولا تَجُوزُ الإِمَامَةُ لعَابِدِ وَثَنٍ ولا لمَنْ كَفَرَ ثُمَّ أَسْلمَ، فَمِنْ أَيِّهِمَا أَنْتَ يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ)(1).إلى آخر الرواية وفيها معجزة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

ص: 299


1- الخرائج والجرائح: ج 2 ص548 فصل في أعلام أمير المؤمنين عليه السلام ح9.

مع غاصبي فدك

اشارة

روي أن فاطمة (عليها السلام) نادت(1):

«يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله»(2).

---------------------------

الحلف على ترك الكلام

مسألة: يجوز الحلف على ترك التكلم مع الظالم والطاغوت.

فإن أصل التكلم مع الآخرين في نفسه جائز، فيجوز الحلف على عدمه أو على فعله مع الرجحان الشرعي أو العرفي،وأما التكلم مع الطاغوت فإن كان فيه الإعانة له على ظلمه، أو سبباً لتقوية ملكه فحرام، وكذا لو عدّ ركوناً

ص: 300


1- لعل ظاهر (نادت) كونها (عليها السلام) في محفل من الناس فرفعت صوتها كي يسمع، أو كان الظالم ساهياً عنها لاهياً فنادته، فإن (نادى) يختلف عن (قال) كما لا يخفى، قال تعالى: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِل يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ» سورة هود: 42، وقال سبحانه: «وَنَادَى أَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ» سورة الأعراف: 44، وقال تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ» سورة الأعراف: 50.
2- السقيفة وفدك، لأبي بكر الجوهري: ص51 القسم الأول: السقيفة.

للظالم، قال تعالى: «وَلاَ تَرْكَنُوا إِلى الذِينَ ظَلمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْليَاء ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ»(1).

وعلى أي، يصح الحلف على الترك، بل النذر عليه فيما نحن فيه، لرجحانه شرعاً أو عرفاً.

حرمة الإغارة على العترة

مسألة: تحرم الإغارة على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) والإسراع في ذلك، كما فعله القوم، والحرمة بالنسبة إليهم (عليهم السلام) هي الأشد، وإلا فكل إغارة ظلم حرام.

عَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الجَنَّةَ عَلى مَنْ ظَلمَ أَهْل بَيْتِي أَوْ قَاتَلهُمْ أَوْ أَغَارَ عَليْهِمْ أَوْ سَبَّهُمْ»(2).

عدم التكلم مع الظالم

مسألة: يجوز ترك الكلام مع الظالم إذالم يفده الكلام.

قال تعالى: «وَإِذا سَمِعُوا اللغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وقالوا لنا أَعْمالنا ولكُمْ أَعْمالكُمْ سَلامٌ عَليْكُمْ لا نَبْتَغِي الجاهِلينَ»(3).

ص: 301


1- سورة هود: 113.
2- صحيفة الإمام الرضا (عليه السلام): ص90 باب الزيادات ح15.
3- سورة القصص: 55.

وسُئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الحديث الذي جاء عن النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ أَفْضَل الجِهَادِ كَلمَةُ عَدْل عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ» مَا مَعْنَاهُ، قَال: «هَذَا عَلى أَنْ يَأْمُرَهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وهُوَ مَعَ ذَلكَ يُقْبَل مِنْهُ، وإِلا فَلا»(1).

الصديقة لا تكلم فلاناً

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قد أقسمت على أن لا تكلم ابن الخطاب، وهذا من أظهر الأدلة على مدى ظلمه وعدوانه على آل رسول الله (صلى الله عليه وآله).

بيان: يقال أغارت الفرس إغارة إذا أسرعت في العدو، والاسم الغارة(2)، والإغارة أيضاً تعني النهب والإقدام السريع على أخذ مال أو سلب حق ظلماً وقهراً وغدراً وحرباً، والذي كان منالقوم هو أخذ المال والحق بل الحقوق ظلماً وغدراً وقهراً وقسراً.

والظاهر أن الإغارة والغارة تتضمن المفاجأة أيضاً، لا السرعة فقط، ولعل المفاجأة متضمنة في السرعة فأغنى ذكرها عن ذكرها.

ثم إنه لعل الوجه في أن الصديقة (عليها السلام) قالت: (والله لا أكلم عمر) ولم تقل (لا أكلم أبا بكر) مع أن ابن أبي قحافة هو الرئيس والقائد، أنها كانت تريد من جهة عقوبة الثاني بذلك لأنه الأكثر تشدداً في الظاهر، وكانت تريد من جهة تكرار احتجاجها على الأول مراراً لتصل كلمتها إلى العالم، فإن الاحتجاج

ص: 302


1- الكافي: ج 5 ص60 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح16.
2- لسان العرب، مادة (غور).

مرة واحدة قد يخفى أو يمحى أما الاحتجاج مراراً عديدة أمام الناس وفي حالات مختلفة فيصعب إنكاره وكتمه وجحده.

ثم إن قولها (عليها السلام): «أغرتم» دليل على اشتراكهم جميعاً في تلك الجريمة البشعة النكراء.

روي أنه دَخَل عَليٌّ عَلى فَاطِمَةَ (عليهما السلام) فَقَال: «يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَدْ كَانَ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُليْنِ مَا قَدْ رَأَيْتِ، وقَدْ تَرَدَّدَ مِرَاراً كَثِيرَةً ورَدَدْتِهِمَا ولمْ تَأْذَنِي لهُمَا، وقَدْ سَأَلانِي أَنْ أَسْتَأْذِنَ لهُمَا عَليْكِ، فَقَالتْ: واللهِ لا آذَنُ لهُمَا ولاأُكَلمُهُمَا كَلمَةً مِنْ رَأْسِي حَتَّى أَلقَى أَبِي فَأَشْكُوَهُمَا إِليْهِ بِمَا صَنَعَاهُ وارْتَكَبَاهُ مِنِّي.

فَقَال عَليٌّ (عليه السلام): فَإِنِّي ضَمِنْتُ لهُمَا ذَلكِ، قَالتْ: إِنْ كُنْتَ قَدْ ضَمِنْتَ لهُمَا شَيْئاً فَالبَيْتُ بَيْتُكَ والنِّسَاءُ تَتَّبِعُ الرِّجَال، لا أُخَالفُ عَليْكَ بِشَيْءٍ فَأْذَنْ لمَنْ أَحْبَبْتَ، فَخَرَجَ عَليٌّ (عليه السلام) فَأَذِنَ لهُمَا، فَلمَّا وَقَعَ بَصَرُهُمَا عَلى فَاطِمَةَ (عليها السلام) سَلمَا عَليْهَا، فَلمْ تَرُدَّ عَليْهِمَا وحَوَّلتْ وَجْهَهَا عَنْهُمَا، فَتَحَوَّلا واسْتَقْبَلا وَجْهَهَا حَتَّى فَعَلتْ مِرَاراً، وقَالتْ: يَا عَليُّ جَافِ الثَّوْبَ، وقَالتْ لنِسْوَةٍ حَوْلهَا: حَوِّلنَ وَجْهِي، فَلمَّا حَوَّلنَ وَجْهَهَا حَوَّلا إِليْهَا فَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ إِنَّمَا أَتَيْنَاكِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكِ واجْتِنَابَ سَخَطِكِ، نَسْأَلكِ أَنْ تَغْفِرِي لنَا وتَصْفَحِي عَمَّا كَانَ مِنَّا إِليْكِ، قَالتْ: لا أُكَلمُكُمَا مِنْ رَأْسِي كَلمَةً وَاحِدَةً أَبَداً حَتَّى أَلقَى أَبِي وأَشْكُوَكُمَا إِليْهِ وأَشْكُوَ صَنِيعَكُمَا وفِعَالكُمَا ومَا ارْتَكَبْتُمَا مِنِّي»(1).

ص: 303


1- علل الشرائع: ج 1 ص187 ب149 باب العلة التي من أجلها دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار ح2.

إرث النبي (صلی الله علیه و آله)

اشارة

روي أنه دخلت فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر.. فقالت له: لئن متَّ اليوم من كان يرثك؟

قال: ولدي وأهلي.

قالت: فلم ورثتَ أنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون ولده وأهله(1).

-----------------------

توضيح

لعل مبنى كلام الصديقة (عليها السلام) يتألف من صغرى وكبرى:

أما الصغرى فهي: لست أنت بوارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ لا قرابة بينك وبينه.

وأما الكبرى فهي: كل من لا يرث شخصاً مع وجود إحدى طبقات الإرث، فإنه لا يرثه بعنوان آخر، كعنوان أنه وكيله أو خليفته، إذ ليست الوكالة والخلافة من أسباب الإرث.

وحيث علم ابن أبي قحافة عدم تحقق الصغرى بالبداهة، إذ ليس هو من طبقات الإرث، وعلم عدم تحقق الكبرى بضرورة الإسلام، إذ (المقام) ليس سبباً للإرث خاصة مع علمه بأنه غاصب، أفحموانقطع.

ص: 304


1- السقيفة وفدك: ص117.

ثم إن دخول الصديقة (عليها السلام) عليه لعله كان في المسجد أمام الناس، كما يحتمل كونه في مكان آخر.

الاحتجاج على الظالم

مسألة: يستحب الاحتجاج على الظالم بمختلف الأساليب الممكنة وبيان الأمثلة لفضحه، وقد يجب، وربما كان جائزاً، فهو منقسم حسب اختلاف الموارد بمختلف الأحكام المذكورة، كما أنه قد يحرم أو يكره مع انطباق العنوانين على المصداق الخارجي، وإن احتاج تصوير الأخير إلى تأمّل.

وفي كتاب سليم:

(وقَامَ بُرَيْدَةُ الأَسْلمِيُّ وقَال: أَتَثِبُ يَا عُمَرُ عَلى أَخِي رَسُول اللهِ (صلى

الله عليه وآله) وأَبِي وُلدِهِ وأَنْتَ الذِي نَعْرِفُكَ فِي قُرَيْشٍ بِمَا نَعْرِفُكَ، أَلسْتُمَا قَال لكُمَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): انْطَلقَا إِلى عَليٍّ وسَلمَا عَليْهِ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِينَ، فَقُلتُمَا: أَعَنْ أَمْرِ اللهِ وأَمْرِ رَسُولهِ، قَال (صلى الله عليه وآله): نَعَمْ، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كَانَ ذَلكَ ولكِنَّ رَسُول اللهِ قَال بَعْدَ ذَلكَ: لا يَجْتَمِعُ لأَهْل بَيْتِيَ النُّبُوَّةُ والخِلافَةُ، فَقَال: واللهِ مَا قَال هَذَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) واللهِلا سَكَنْتُ فِي بَلدَةٍ أَنْتَ فِيهَا أَمِيرٌ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَضُرِبَ وطُرِدَ)(1).

ص: 305


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص593 الحديث الرابع.

بيان ظلامة الصديقة

مسألة: يستحب أو يجب - كل في مورده - بيان أن ابن ابي قحافة قد منع الصديقة فاطمة (عليها السلام) من إرثها، وغصب حقها بغير حجة له، بل مع قيام الحجة عليه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالمِينَ مِنَ الأَوَّلينَ والآخِرِينَ... وأَنِّي لمَّا رَأَيْتُهَا ذَكَرْتُ مَا يُصْنَعُ بِهَا بَعْدِي، كَأَنِّي بِهَا وقَدْ دَخَل الذُّل بَيْتَهَا، وانْتُهِكَتْ حُرْمَتُهَا، وغُصِبَتْ حَقَّهَا، ومُنِعَتْ إِرْثَهَا، وكُسِرَ جَنْبُهَا، وأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا، وهِيَ تُنَادِي: يَا مُحَمَّدَاهْ، فَلا تُجَابُ، وتَسْتَغِيثُ فَلا تُغَاثُ، فَلا تَزَال بَعْدِي مَحْزُونَةً مَكْرُوبَةً بَاكِيَةً تَتَذَكَّرُ انْقِطَاعَ الوَحْيِ عَنْ بَيْتِهَا مَرَّةً وتَتَذَكَّرُ فِرَاقِي أُخْرَى، وتَسْتَوْحِشُ إِذَا جَنَّهَا الليْل لفَقْدِ صَوْتِيَ الذِي كَانَتْ تَسْتَمِعُ إِليْهِ إِذَا تَهَجَّدْتُ بِالقُرْآنِ، ثُمَّ تَرَى نَفْسَهَا ذَليلةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي أَيَّامِ أَبِيهَا عَزِيزَةً، فَعِنْدَ ذَلكَ يُؤْنِسُهَا اللهُ تَعَالى ذِكْرُهُ بِالمَلائِكَةِ، فَنَادَتْهَا بِمَا نَادَتْ بِهِ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ فَتَقُول: يَا فَاطِمَةُ «إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ العالمِينَ»(1)، يَا فَاطِمَةُ «اقْنُتِي لرَبِّكِ واسْجُدِيوارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ»(2)، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِهَا الوَجَعُ فَتَمْرَضُ فَيَبْعَثُ اللهُ عَزَّ وجَل إِليْهَا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ تُمَرِّضُهَا وتُؤْنِسُهَا فِي عِلتِهَا، فَتَقُول عِنْدَ ذَلكَ: يَا رَبِّ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ الحَيَاةَ وتَبَرَّمْتُ بِأَهْل الدُّنْيَا فَأَلحِقْنِي بِأَبِي، فَيَلحَقُهَا اللهُ عَزَّ وجَل بِي، فَتَكُونُ أَوَّل

ص: 306


1- سورة آل عمران: 42.
2- سورة آل عمران: 43.

مَنْ يَلحَقُنِي مِنْ أَهْل بَيْتِي، فَتَقْدَمُ عَليَّ مَحْزُونَةً مَكْرُوبَةً مَغْمُومَةً مَغْصُوبَةً مَقْتُولةً، فَأَقُول عِنْدَ ذَلكَ: اللهُمَّ العَنْ مَنْ ظَلمَهَا، وعَاقِبْ مَنْ غَصَبَهَا، وذَلل مَنْ أَذَلهَا، وخَلدْ فِي نَارِكَ مَنْ ضَرَبَ جَنْبَهَا حَتَّى أَلقَتْ وَلدَهَا، فَتَقُول المَلائِكَةُ عِنْدَ ذَلكَ: آمِينَ»(1).

ص: 307


1- الأمالي، للصدوق: المجلس الرابع والعشرون ح1.

والله لقد آذيتماني

اشارة

روي أنه: كان رجلان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يشفع لهما، فسألها فأجابت، ولما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

فقالت: بخير بحمد الله.

ثم قالت لهما: أما سمعتما من النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله؟

قالا: بلى.

قالت: والله لقد آذيتماني، فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما(1).

---------------------------

والرجلان هما: ابن أبي قحافة وابن الخطاب.

حمد الله على كل حال

مسألة: يستحب حمد الله على كل حال، فإنه الذي لا يحمد على مكروه سواه.

ص: 308


1- راجع دلائل الإمامة: 134 خبر وفاتها ودفنها وما جرى لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مع القوم ح43.

وهكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)كما في الروايات(1).

وأما قول الصديقة (عليها السلام): (بخير)، فأي خير أعظم من الإيمان والعصمة والكرامة العليا عند الله عزوجل، ثم أي خير أعظم من أن يرضي الإنسان ربه بإطاعة أمره وصبره، وكانت (عليها السلام) في صبرها على المصاب وعملها بما أمرها به أبوها وبعلها، بأعلى درجات الخير.

وعلى أي، فإن ما خاره الله لعبده هو الخير وإن كانت فيه المشاق والأهوال.

التقية في مواردها

مسألة: تجوز التقية في مواردها وربما وجبت.

ولعل عدم ذكر اسم الرجلين في هذه الرواية، والتعبير ب (وكان رجلان) هو من تقية الراوي أو الكاتب أو المستنسخ.

ويجوز لمن ليس في تقية أن يصرحبالاسمين، وإن فرض أن الرواية في أصلها لم تكن مصرحة، ونظير ذلك في الروايات كثير:

قال (عليه السلام): «والله لقد تَقَمَّصَها فلان»(2).

ص: 309


1- عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذَا وَرَدَ عَليْهِ أَمْرٌ يَسُرُّهُ قَال: الحَمْدُ للهِ عَلى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وإِذَا وَرَدَ عَليْهِ أَمْرٌ يَغْتَمُّ بِهِ قَال: الحَمْدُ للهِ عَلى كُل حَال» الكافي: ج 2 ص97 باب الشكر ح19.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص51 حديث السقيفة.

وفي نسخ نهج البلاغة: «تَقَمَّصَها ابن أبي قحافة»(1).

عَنْ أَبِي عُمَرَ الأَعْجَمِيِّ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا أَبَا عُمَرَ إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّينِ فِي التَّقِيَّةِ، ولا دِينَ لمَنْ لا تَقِيَّةَ لهُ»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «ولوْ شَاءَ لحَرَّمَ عَليْكُمُ التَّقِيَّةَ وأَمَرَكُمْ بِالصَّبْرِ عَلى مَا يَنَالكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ عِنْدَ إِظْهَارِكُمُ الحَقَّ، أَلا فَأَعْظَمُ فَرَائِضِ اللهِ عَليْكُمْ بَعْدَ فَرْضِ مُوَالاتِنَا ومُعَادَاةِ أَعْدَائِكُمُ اسْتِعْمَال التَّقِيَّةِ عَلى أَنْفُسِكُمْ وأَمْوَالكُمْ ومَعَارِفِكُمْ، وقَضَاءُ حُقُوقِ إِخْوَانِكُمْ، وإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ كُل ذَنْبٍ بَعْدَ ذَلكَ ولا يَسْتَقْصِي، وأَمَّا هَذَانِ فَقَل مَنْ يَنْجُو مِنْهُمَا إِلا بَعْدَ مَسِّ عَذَابٍ شَدِيدٍ، إِلا أَنْيَكُونَ لهُمْ مَظَالمُ عَلى النَّوَاصِبِ والكُفَّارِ فَيَكُونُ عِقَابُ هَذَيْنِ عَلى أُولئِكَ الكُفَّارِ والنَّوَاصِبِ قِصَاصاً بِمَا لكُمْ عَليْهِ مِنَ الحُقُوقِ ومَا لهُمْ إِليْكُمْ مِنَ الظُّلمِ، فَاتَّقُوا اللهَ ولا تَتَعَرَّضُوا لمَقْتِ اللهِ بِتَرْكِ التَّقِيَّةِ والتَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِ إِخْوَانِكُمُ المُؤْمِنِينَ»(3).

ص: 310


1- علل الشرائع: ج 1 ص150 ب122 باب العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهدة أهل الخلاف ح12.
2- الكافي: ج 2 ص217 باب التقية ح2.
3- وسائل الشيعة: ج 16 ص224 ب28 باب وجوب الاعتناء والاهتمام بالتقية وقضاء حقوق الإخوان المؤمنين ح13.

القسم على المهم

مسألة: يجوز القسم على المطالب المهمة الدينية، وقد قالت الصديقة (عليها السلام) في هذه الرواية: «والله...».

كما أنه قد يجب ذلك، وقد يستحب، وقد يكره، وقد يحرم، حسب المصاديق المختلفة على ما ذكرناه سابقاً.

عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَال: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) كَثِيراً مَا يَقُول: «واللهِ»(1).

قبول التوسط

مسألة: يستحب قبول التوسط والشفاعة، كما سألها أمير المؤمنين فأجابت الصديقة (عليهما السلام)(2).

والظاهر أن التوسط من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) كان لأجل فضح الطغاة أكثر فأكثر، كي يثبت للناس غضبها (عليها السلام) عليهما بوجه آخر جديد.كما أن فيه جانب التعليم أيضاً، فإنهما (صلوات الله عليهما) نور واحد، وعملهما وفعلهما يكون من كل على طبق الآخر، إضافة إلى أن قبوله (عليه

ص: 311


1- وسائل الشيعة: ج 23 ص200 ب1 باب كراهة اليمين الصادقة وعدم تحريمها ح11.
2- والحاصل أنه يستحسن من الفاعل الشفاعة ومن القابل قبولها وعدم ردها.

السلام) التوسط لهما كان فيه نوع دفع تهمة عن نفسه(1).

إجابة الزوج

مسألة: يستحب إجابة الزوج في الشفاعة والتوسط، حتى في الأمور المتعلقة بحقها دون حقه، أي ما كان حقاً لها، فإذا طلب منها زوجها قبلت، فكيف بما كان من حق زوجها(2).

الصديقة ساخطة عليهما

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة الزهراء (عليها السلام) كانت ساخطة على ابن أبي قحافة وابن الخطاب وأنهما قدأذياها.

كما قالت (عليها السلام): «والله لأدعونَّ اللهَ عليك»(3).

إقرار الخصم

مسألة: يستحب بيان أن الأول والثاني قد أقرا بحديث البضعة والإسخاط.

ولعل السبب في إقرارهما مع أنه كان بضررهما، قوة هيمنة الصديقة (عليها

ص: 312


1- دفع تهمة أن الإمام يدعي سخطها وليس الأمر كذلك، ودفع تهمة أنه هو المحرك لها والمؤجج لغضبها، إذ عند ما أسمعتهما ما أسمعت علم الناس والتاريخ غضبها عليهما وأنهما آذياها ولم ترض عنهما أبداً.
2- كأن يتوسط لتقبل أداء الحق الذي عليه، أو يتوسط للتوسط في أمر لا يجب عليها التوسط فيه.
3- السقيفة وفدك: ص102 القسم الثاني فدك.

السلام) الروحية، فإن المجرم كثيراً ما يعترف إذا كان القاضي أو الطرف ذا نفسية قوية مهيمنة.

كما يحتمل أن يكون إقرار المجرم نتيجة ضغط الوجدان، وهذا الاحتمال غير وارد فيما نحن فيه، فإن رؤوس الفتنة والنفاق لا ضمير لهم، بل سياستهم المكر والخداع والظلم والجور.

ويحتمل أنهما أقرا لعلمهما بأنه لو أنكرا الواقع لطردتهما، فحاولا بالاعتراف أن يظهرا بعض المرونة ويتظاهرا بشيء من الإنصاف كي يسترضيانها بعد ذلك، لكنهما أخطئا في توهم أنهما قادران على كسب رضاها، بل أفحمتهما الصديقة (عليها السلام) بالحجة الدامغة، وأغلقت عليهما أبواب المكروالخداع، وألزمتهما بما التزما به.

الصديقة بضعة الرسول

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بضعة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأن من آذاها فقد آذاه، والإيذاء يشمل حتى الطفيف منه، فكيف بالشديد كما صنعا أكبر الإيذاء لها.

ومن المتواتر قوله (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني»(1).

ص: 313


1- بعض مصادر العامة في نقل هذا الحديث: الإصابة: ج4 ص366، كنز العمّال: ج12 ص11، 12، 112، ج13 ص646، المستدرك للحاكم: ج3 ص154، أسد الغابة: ج5 ص322، صحيح البخاريّ: ج3 ص136، ج4 ص210، ج7 ص47، صحيح الترمذي: ج5 ص698، سنن ابن ماجة: ج1 ص644، سنن الترمذي: ج5 ص656، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص173، صحيح مسلم: ج 5 ص54، سنن النسائي: ج5 ص95، مسند أحمد: ج4 ص571، المصنّف لابن أبي شيبة: ج7 ص527 ح4، نور الأبصار: ج1 ص96، مقتل الخوارزمي: ج1 ص60، إرشاد القلوب: ج2 ص294.

حرمة إيذاء الحجج

مسألة: يحرم إيذاء الصديقة فاطمة وعلي أمير المؤمنين (عليهما السلام) بأيوجه من الوجوه، وبأي نحو من الأنحاء.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ يَمْلكُهُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، تِسْعَةٌ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) أَعْطَاهُمُ اللهُ عِلمِي وفَهْمِي، مَا لقَوْمٍ يُؤْذُونَنِي فِيهِمْ لا أَنَالهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي»(1).

وعَنْ جَابِرٍ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) يَقُول لعَليٍ (عليه السلام): «مَنْ آذَاكَ فَقَدْ آذَانِي»(2).

حرمة إيذاء النبي في أولاده

مسألة: يحرم إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله) في نفسه، وفي أهل بيته (عليهم السلام)، وفي أُمّته.

ومن إيذائه في أُمّته إضلالهم، أرأيت لو أن شخصاً أضل أولادك فكم كان

ص: 314


1- كفاية الأثر: ص166 باب ما روي عن الحسن بن علي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم).
2- شواهد التنزيل: ج 2 ص149 ح777.

يؤلمك ذلك، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنا وعلي أبوا هذه الأمة»(1).وقال تعالى: «لقَدْ جَاءكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَليْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَليْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(2).

وعَنْ سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «أَهْل بَيْتِي أَمَانٌ لأَهْل الأَرْضِ كَمَا أَنَ النُّجُومَ أَمَانٌ لأَهْل السَّمَاءِ» قِيل: يَا رَسُول اللهِ فَالأَئِمَّةُ بَعْدَكَ مِنْ أَهْل بَيْتِكَ، قَال: «نَعَمْ الأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، تِسْعَةٌ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ، أُمَنَاءُ مَعْصُومُونَ، ومِنَّا مَهْدِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَلا إِنَّهُمْ أَهْل بَيْتِي وعِتْرَتِي مِنْ لحْمِي ودَمِي، مَا بَال أَقْوَامٍ يُؤْذُونَنِي فِيهِمْ لا أَنَالهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي»(3).

حرمة إيذاء الله

مسألة: يحرم إيذاء الله تعالى، ومعنى إيذاؤه عصيانه مما يوجب غضبه، أو إيذاء أوليائه، أو فعل ما يفعله الموذي بالنسبة إلى من يقبل الإيذاء، لامتناع التأذي بالمعنى الحقيقي عقلاًعلى الله تعالى.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): قَال اللهُ

ص: 315


1- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص330 في أن الوالدين محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ح190، مستدرك الوسائل، الخاتمة: ج 5 ص14.
2- سورة التوبة: 128.
3- كفاية الأثر: ص29 باب ما جاء عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

عَزَّ وجَل: «مَنِ اسْتَذَل عَبْدِيَ المُؤْمِنَ فَقَدْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ»(1).

وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ (عليهما السلام) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) عَنْ جَبْرَئِيل، عَنِ اللهِ تَعَالى، قَال: «مَنْ عَادَى أَوْليَائِي فَقَدْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ، ومَنْ حَارَبَ أَهْل بَيْتِ نَبِيِّي فَقَدْ حَل عَليْهِ عَذَابِي، ومَنْ تَوَلى غَيْرَهُمْ فَقَدْ حَل عَليْهِ غَضَبِي، ومَنْ أَعَزَّ غَيْرَهُمْ فَقَدْ آذَانِي، ومَنْ آذَانِي فَلهُ النَّارُ»(2).

غضب الصديقة

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قد غضبت عليهما، ولم ترض عنهما أبداً، وهذا دليل على أنهما من أهل النار خالدين فيها، كما سبق تفصيله.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنمافاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني»(3).

ص: 316


1- الكافي: ج 2 ص354 باب من آذى المسلمين واحتقرهم ح11.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص68 ب31 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة ح315.
3- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (عليهم السلام): ج 3 ص31.

وصية الصديقة

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام):

«يا بن العم، أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها».

إلى أن قالت: «إذا أنا قضيتُ نحبي فأخرجني من ساعتك، أي ساعة كانت من ليل أو نهار، ولا يحضرن من أعداء الله وأعداء رسوله للصلاة عليّ».

قال علي (عليه السلام): «أفعل»(1).

-------------------------

توضيح

المراد من الإخراج في الساعة: عدم التأخير أياماً.

وقولها (عليها السلام) حسب هذه النسخة: (من ليل أو نهار) لا يتنافى مع وصيتها بالدفن ليلاً، لأنهما كالعام والخاص، والمطلق والمقيد، مضافاً إلى علمهما (صلوات الله عليهما) بوقت مفارقتها للحياة، وأنه قريب الليل وسيكون الدفن ليلاً من دون تأخير إلى يوم غد.

ص: 317


1- علل الشرائع: ج 1 ص187 ب149 باب العلة التي من أجلها دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار ح2.

استحباب الوصية

مسألة: الوصية مستحبة، وربما وجبت، كما في بعض أنواع الوصية العهدية وغيرها على ما فصل في كتاب الوصية من الفقه، وقد ذكرناه آنفاً.

الإسراع في تجهيز الميت

مسألة: يستحب الإسراع في تجهيز الميت وعدم تأخيره، إلاّ فيما استثني شرعاً.

فإن التسريع في تجهيزه نوع احترام له، والتأخير هتك عادة إلاّ فيما استثني، وقد يستلزم التأخير إيذاء الأحياء وصرفهم عن الأهم من شؤونهم.

وقد أخر دفن الرسول (صلى الله عليه وآله) لثلاثة أيام لمصلحة أهم، ولعلها كانت حضور مختلف الناس جنازته الشريفة وأن يشهدوا على موته، وبذلك يبطل قول ابن الخطاب: (إن محمداً لم يمت)(1)، أو ما يقال من أنه لم يتوف بل رفع إلىالسماء كالسيد المسيح (عليه السلام).

ولعل من المصلحة منع هتك النبي (صلى الله عليه وآله) بإخراجه، فإن القوم بعد ما كانوا يفرغون عن أمر السقيفة وغصب الخلافة، كانوا لابد أن يأتوا ليصلوا على جثمان النبي (صلى الله عليه وآله)، فإذا وجدوه قد تم دفنه ربما تجاسروا

ص: 318


1- راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص40 حديث السقيفة: روى جميع أصحاب السيرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما توفي كان أبو بكر في منزله بالسنح فقال عمر بن الخطاب فقال: ما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يموت.

ونبشوا القبر الشريف، وإن كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قادراً على دفعهم، لكنه لم يرد أن يثير خلافاً من هذا الحيث، أو يريق دماءً لذلك.

ولم يكن إصرارهم بإخراج الزهراء (عليها السلام) للصلاة عليها بهذه المنزلة، فإن الصديقة (عليها السلام) كانت بنتاً للرسول (صلى الله عليه وآله) ولم يكن همهم في إخراجها والصلاة عليها بمثل همهم بإخراج الرسول (صلى الله عليه وآله) والصلاة عليه، حيث ادعوا خلافته، إلى غير ذلك من المصالح المحتملة.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا مَعْشَرَ النَّاسِ لا أُلفِيَنَّ رَجُلا مَاتَ لهُ مَيِّتٌ فَانْتَظَرَ بِهِ الصُّبْحَ، ولا رَجُلا مَاتَ لهُ مَيِّتٌ نَهَاراً فَانْتَظَرَ بِهِ الليْل، لا تَنْتَظِرُوا بِمَوْتَاكُمْ طُلوعَ الشَّمْسِ ولا غُرُوبَهَا، عَجِّلوا بِهِمْ إِلى مَضَاجِعِهِمْ يَرْحَمُكُمُ اللهُ، فَقَال النَّاسُ: وأَنْتَيَا رَسُول اللهِ يَرْحَمُكَ اللهُ»(1).

وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا مَاتَ المَيِّتُ أَوَّل النَّهَارِ فَلا يَقِيل إِلا فِي قَبْرِهِ»(2).

وهناك مخصصات يرجح عندها التأخير بعض الوقت.

ص: 319


1- الكافي: ج 3 ص137 باب تعجيل الدفن ح1.
2- الكافي: ج 3 ص138 باب تعجيل الدفن ح2.

حفظ الوصية

مسألة: يستحب توصية الوصي بحفظ الوصية، فإنه نوع تأكيد، والتأكيد وإن كان مورده عادة الموارد المحتملة للخلاف، ولكن فيما نحن فيه كان التأكيد لتعليم الآخرين، أو لتأكيد أنه هو وصيها لا غير، فإن من الواضح أن علياً (عليه الصلاة والسلام) كان ينفذ الوصية بالكامل.

ويحتمل في (فاحفظها) أي في الذهن والذاكرة، لأن اعتمادهم غالباً كان عليها دون الكتابة.

قال تعالى: «فَمَنْ بَدَّلهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلى الذينَ يُبَدِّلونَهُ إِنَّ اللهَ سَميعٌ عَليم»(1).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُل أَوْصَى بِمَالهِ فِي سَبِيل اللهِ، فَقَال: «أَعْطِهِ لمَنْ أَوْصَى لهُ بِهِ وإِنْ كَانَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً، إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يَقُول: «فَمَنْ بَدَّلهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلى الذِينَ يُبَدِّلونَهُ»(2)»(3).وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سُئِل عَنْ رَجُل أَوْصَى بِحَجَّةٍ، فَجَعَلهَا وَصِيُّهُ فِي نَسَمَةٍ، فَقَال: يَغْرَمُهَا وَصِيُّهُ ويَجْعَلهَا فِي حَجَّةٍ كَمَا

ص: 320


1- سورة البقرة: 181.
2- سورة البقرة: 181.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص200 باب وجوب إنفاذ الوصية والنهي عن تبديلها ح5462.

أَوْصَى بِهِ، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى يَقُول: «فَمَنْ بَدَّلهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلى الذِينَ يُبَدِّلونَهُ»(1)»(2).

لا شرعية للظالمين

مسألة: يجب السعي لعدم تمكين أعداء الدين والظالمين من استفادة وِجهة شرعية لأنفسهم، سواء بعدم الحضور في مجالسهم، أم بعدم السماح لهم بالمجيء إلى المجالس التي يعقدها الشخص، أم غير ذلك.

وإلا لاغتر الناس بهم ولأصبحوا مقبولين عند المجتمع، وذلك يضر الدين والدنيا، فاللازم دفع مثل هذا الضرر الكبير.

وهذا ما صنعته الصديقة (صلوات الله عليها) إذ أوصت بعدم حضور أعداء الله جنازتها، وعدم الصلاة عليها.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَرْضَى سُلطَاناً بِسَخَطِ اللهِ خَرَجَ مِنْ دِينِ اللهِ»(3).

وفي كتاب سُليْم بْن قَيْسٍ، قَال: سَمِعْتُ عَليَّ بْنَ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) يَقُول: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «احْذَرُوا عَلى دِينِكُمْ ثَلاثَةَ رِجَال» إلى أن قال: «وَرَجُل آتَاهُ اللهُ عَزَّ وجَل سُلطَاناً فَزَعَمَ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللهِ، ومَعْصِيَتَهُ

ص: 321


1- سورة البقرة: 181.
2- الكافي: ج 7 ص22 باب أن الوصي إذا كانت الوصية في حق فغيرها فهو ضامن ح2.
3- الكافي: ج 2 ص373 باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق ح5.

مَعْصِيَةُ اللهِ، وكَذَبَ، لا طَاعَةَ لمَخْلوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالقِ، لا طَاعَةَ لمَنْ عَصَى اللهَ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ للهِ ولرَسُولهِ ولوُلاةِ الأَمْرِ الذِينَ قَرَنَهُمُ اللهُ بِنَفْسِهِ ونَبِيِّهِ فَقَال: «أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُول وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ»(1)، لأَنَّ اللهَ إِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُطَهَّرٌ لا يَأْمُرُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، وإِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ أُولي الأَمْرِ لأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ لا يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ»(2).

وصية الزوجة

مسألة: يستحب للزوجة أن توصي زوجها بأمورها مع توفر الكفاءة فيه، تأسياً بالصديقة الطاهرة (صلوات الله عليها).كما يمكن لها أن توصي غيره.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ: «أَنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ أَوْصَتْ إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَبِل وَصِيَّتَهَا، فَلمَّا مَاتَتْ نَزَعَ قَمِيصَهُ وقَال: كَفِّنُوهَا فِيهِ»(3).

من آذى الصديقة

مسألة: يجب الاعتقاد بأن من آذى فاطمة (عليها السلام) وفعل ما فعل كان من أعداء الله وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله)، ويستحب وقد يجب بيان ذلك

ص: 322


1- سورة النساء: 59.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص884 الحديث الرابع والخمسون.
3- وسائل الشيعة: ج 3 ص49 ب26 باب استحباب التبرع بكفن الميت المؤمن ح4.

للناس وفضحهم للتاريخ، وقد فصلناه سابقاً.

ثم إن العداء له ثلاثة مراكز: القلب واللسان والجوارح، وقد قام القوم بأكبر العداء وأشدها وأجمعها ضد العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم).

أما من يدعي الحب ويفعل بجوارحه فعل الأعداء، للرياسة أو الشهرة أو المال أو غير ذلك، فهو أيضاً عدو كما لا يخفى، وكذا ما يرتبط باللسان، نعم ربما يكون بعض المراتب من المستثنيات تقية على ما هو مذكور في الفقه.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ أَسَرُّوا الإِيمَانَ وأَظْهَرُواالكُفْرَ، وكَانُوا عَلى إِجْهَارِ الكُفْرِ أَعْظَمَ أَجْراً مِنْهُمْ عَلى إِسْرَارِ الإِيمَانِ»(1).

ص: 323


1- وسائل الشيعة: ج 16 ص231 ب29 باب جواز التقية في إظهار كلمة الكفر... ح16.

السلام الله

اشارة

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لما توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ(1) برسول الله (صلى الله عليه وآله) وتدور حوله وتقول: يا أبت أين اُمّي؟

قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ اُمّك في بيت من قصب(2)، كعابه(3) من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران.

فقالت فاطمة (عليها السلام): إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»(4).

-----------------------

أحوال العظماء

مسألة: ينبغي ذكر أحوال العظماء وما حدث في حياتهم وعند مماتهم، كما ينبغي كتابة ذلك وتوثيقه، وقد سبق في الكتاب.

ص: 324


1- تلوذ به: أي تلتجأ إليه.
2- القصب هنا هو الجوهر المجوّف.
3- الكِعاب: جمع كعب، وهو الأنبوبة بين كل عقدتين.
4- الأمالي للطوسي: ص175 المجلس السادس ح46.

وهذا من مصاديق إحياء أمرهم وتذاكره.

عَنْ شُعَيْبٍ العَقَرْقُوفِيِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول لأَصْحَابِهِ: «تَزَاوَرُوا وتَلاقَوْا وتَذَاكَرُوا أَمْرَنَا وأَحْيُوهُ»(1).

وقد ورد: «مَنْ وَرَّخَ مُؤمِناً فَقَدْ أحْياهُ»(2).

الباري يسلم على الصديقة

مسألة: يستحب بيان أن جبرائيل (عليه السلام) نزل من السماء وأقرأ سلام الباري عزوجل لفاطمة (عليها السلام).

كما يستحب للمؤمن أن يسلم ويصلي عليها.

عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، عَنْ فَاطِمَةَ (عليهما السلام) قَالتْ: قَال لي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا فَاطِمَةُ مَنْ صَلى عَليْكِ غَفَرَ اللهُ لهُ وأَلحَقَهُ بِي حَيْثُ كُنْتُ مِنَ الجَنَّة»(3).

ص: 325


1- الكافي: ج 2 ص175 باب التراحم والتعاطف ح1.
2- سفينة البحار: ج2 ص641.
3- مستدرك الوسائل: ج 10 ص211 ب14 باب استحباب زيارة فاطمة (عليها السلام) وموضع قبرها ح2.

مكانة خديجة

مسألة: يستحب بيان مكانة أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) في الجنة.

رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «اشْتَاقَتِ الجَنَّةُ إِلى أَرْبَعٍ مِنَ النِّسَاءِ، مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وآسِيَةَ بِنْتِ مُزَاحِمٍ زَوْجَةِ فِرْعَوْنَ وهِيَ زَوْجَةُ النَّبِيِّ فِي الجَنَّةِ، وخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلدٍ زَوْجَةِ النَّبِيِّ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وفَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّد»(1).

تسلية المفجوع

مسألة: يستحب تسلية الطفلة التي فقدت أُمها، والأخذ من خاطرها والاهتمام بها.

وكذلك فيمن فقدت أو فقد أبوه.

روي: لمَّا أُصِيبَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالبٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) أَتَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَسْمَاءَ (رَضِيَ

اللهُ عَنْهَا) فَقَال لهَا: «أَخْرِجِي إِليَّ وُلدَ جَعْفَرٍ»، فَخَرَجُوا إِليْهِ، فَضَمَّهُمْ إِليْهِ وشَمَّهُمْ ودَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ أُصِيبَ جَعْفَرٌ، قَال: «نَعَمْ أُصِيبَ اليَوْمَ»، قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ: أَحْفَظُ حِينَ دَخَلرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى أُمِّي فَنَعَى إِليْهَا أَبِي، ونَظَرْتُ إِليْهِ وهُوَ يَمْسَحُ عَلى رَأْسِي ورَأْسِ أَخِي وعَيْنَاهُ يُهْرِقَانِ الدُّمُوعَ حَتَّى تَقَطَّرَ لحْيَتُهُ ثُمَّ قَال: «اللهُمَّ إِنَّ جَعْفَراً قَدْ قَدِمَ

ص: 326


1- كشف الغمة: ج 1 ص466 منزلتها عند النبي (صلى الله عليه وآله).

إِلى حُسْنِ الثَّوَابِ فَاخْلفْهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ بِأَحْسَنِ مَا خَلفْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ فِي ذُرِّيَّتِهِ»، ثُمَّ إِنَّهُ (عليه السلام) قَال: «يَا أَسْمَاءُ أَ لا أُبَشِّرُكِ»، قَالتْ: بَلى بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي، قَال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل جَعَل لجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الجَنَّة»(1).

الالتجاء إلى المعصوم

مسألة: يستحب الالتجاء في المصائب والنوائب، بل ومطلق الحاجات إلى الوسائل إلى الله تعالى والأدلاء عليه، كما صنعت (عليها السلام)، إذ عاذت بأبيها ولجأت إليه، عند موت أمها خديجة الكبرى (عليها السلام).

أما الدوران حوله (صلى الله عليه وآله) فهو مظهر من مظاهر الالتجاء إليه، وهو ذو أثر وضعي وفائدة نفسية ومادية ومعنوية(2).قال تعالى: «وَما أَرْسَلنا مِنْ رَسُول إِلاَّ ليُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ولوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ واسْتَغْفَرَ لهُمُ الرَّسُول لوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحيماً»(3).

ص: 327


1- مسكن الفؤاد: ص106 الباب الرابع في البكاء.
2- والظاهر أنه يؤثر في إيجاد حالة التوزان النفسي والفكري والروحي في الإنسان، ولذا كان من الواجب أو المستحب الطواف حول البيت، وكذلك الطواف حول أضرحة المعصومين (عليهم السلام).
3- سورة النساء: 64.

توقيفية الأسماء

مسألة: أسماء الله وصفاته توقيفية في الجملة، فلا يصح تسميته أو وصفه بأمر اختراعاً، وقد سبق نظيره.

و(السَّلام) من أسمائه عزوجل، قال تعالى: «هُوَ اللهُ الذِي لاَ إِلهَ إلاَّ هُوَ المَلكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الخَالقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ»(1).

و(السَّلاَمُ) هو الذي سلم من كل نقص وعيب وآفة، والسلام حق السلامة هو السالم من آفة الفناء ومن الحاجة إلى غيره في أصل وجوده وصفاته وأفعاله، وهو كقولك: زيد عدل، مبالغة في كونه سليماً أو كونه عادلاً، أما فيه تعالى فلا مبالغة كما لا يخفى، وذلك لأن من عادة العرب أن يضعوا المصادر في موضع الأسماء ويصفون بها، هذا بحسب الوضع اللغوي.

(ومنه السَّلام) لأنه تعالى هو الواهب لكل أنواع السلام المادي والمعنوي، الظاهري والباطني، فكلها بأمره ومنه عزوجل.

(وإليه السَّلام) فإنه ما من شيء إلاّيكون إليه أيضاً، وهو مثل «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليْهِ رَاجِعُونَ»(2).

ص: 328


1- سورة الحشر:23 - 24.
2- سورة البقرة: 156.

عن أبي عبد الله (عليه السلام): «...«وَللهِ المَثَل الأَعْلَى»(1) الذِي لا يُشْبِهُهُ شَيْ ءٌ ولا يُوصَفُ ولا يُتَوَهَّمُ، فَذَلكَ المَثَل الأَعْلى، ووَصَفَ الذِينَ لمْ يُؤْتَوْا مِنَ اللهِ فَوَائِدَ العِلمِ فَوَصَفُوا رَبَّهُمْ بِأَدْنَى الأَمْثَال وشَبَّهُوهُ بِالمُتَشَابِهِ مِنْهُمْ فِيمَا جَهِلوا بِهِ فَلذَلكَ قَال: «وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلمِ إِلا قَليلا»(2)، فَليْسَ لهُ شِبْهٌ ولا مِثْل ولا عَدْل، و«لهُ الأَسْماءُ الحُسْنى»(3) التِي لا يُسَمَّى بِهَا غَيْرُهُ، وهِيَ التِي وَصَفَهَا فِي الكِتَابِ فَقَال: «فَادْعُوهُ بِها وذَرُوا الذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ»(4) جَهْلا بِغَيْرِ عِلمٍ، فَالذِي يُلحِدُ فِي أَسْمَائِهِ بِغَيْرِ عِلمٍ يُشْرِكُ وهُوَ لا يَعْلمُ، ويَكْفُرُ بِهِ وهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُحْسِنُ، فَلذَلكَ قَال: «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وهُمْ مُشْرِكُونَ»(5) فَهُمُ «الذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ»(6) بِغَيْرِ عِلمٍ، فَيَضَعُونَهَا غَيْرَ مَوَاضِعِهَا، يَا حَنَانُ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَوتَعَالى أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ قَوْمٌ أَوْليَاءَ فَهُمُ الذِينَ أَعْطَاهُمُ اللهُ الفَضْل وخَصَّهُمْ بِمَا لمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَهُمْ، فَأَرْسَل مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) فَكَانَ الدَّليل عَلى اللهِ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وجَل، حَتَّى مَضَى دَليلا هَادِياً فَقَامَ مِنْ بَعْدِهِ وَصِيُّهُ (عليه السلام) دَليلا هَادِياً عَلى مَا كَانَ، هُوَ دَل عَليْهِ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ مِنْ ظَاهِرِ عِلمِهِ، ثُمَّ الأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ (عليهم السلام)»(7).

ص: 329


1- سورة النحل:60.
2- سورة الإسراء: 85.
3- سورة طه: 8.
4- سورة الأعراف: 180.
5- سورة يوسف: 106.
6- سورة الأعراف: 180.
7- التوحيد: ص324 ب50 باب العرش وصفاته ح1.

فضل خديجة (علیها السلام)

اشارة

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) منزله، فإذا عائشة مقبلة على فاطمة (عليها السلام) تصايحها وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا، ما هي إلاّ كبعضنا.

فسمعت مقالتها فاطمة (عليها السلام)، فلمّا رأت فاطمة (عليها السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكت، فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟

قالت: ذَكَرَتْ اُمّي فتنقّصتها فبكيت.

فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثم قال: «مه يا حميراء، فإنّ الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإنّ خديجة (رحمها الله) ولدت منّي طاهراً وهو عبد الله وهو المطهّر، وولدت منّي القاسم وفاطمة ورقية واُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئاً»(1).

--------------------------

حقداً على العترة

مسألة: ينبغي بيان ما كانت تصدر من بعض زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) من الحقد ضد العترة الطاهرة (عليهم السلام) وإيذائها لهم.

ص: 330


1- الخصال: ج2 ص404 باب السبعة ح116.

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ (عليه السلام)عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَليٍّ (عليهم السلام) قَال: «كُنْتُ أَنَا ورَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي المَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ صَلى الفَجْرَ ثُمَ نَهَضَ ونَهَضْتُ مَعَهُ، وكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّجِهَ إِلى مَوْضِعٍ أَعْلمَنِي بِذَلكَ، وكَانَ إِذَا أَبْطَأَ فِي ذَلكَ المَوْضِعِ صِرْتُ إِليْهِ لأَعْرِفَ خَبَرَهُ، لأَنَّهُ لا يَتَصَابَرُ قَلبِي عَلى فِرَاقِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً، فَقَال لي: أَنَا مُتَّجِهٌ إِلى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَمَضَى (صلى الله عليه وآله) ومَضَيْتُ إِلى بَيْتِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ (عليها السلام) فَلمْ أَزَل مَعَ الحَسَنِ والحُسَيْنِ (عليهما السلام) فَأَنَا وهِيَ مَسْرُورَانِ بِهِمَا، ثُمَّ إِنِّي نَهَضْتُ وسِرْتُ إِلى بَابِ عَائِشَةَ فَطَرَقْتُ البَابَ، فَقَالتْ: مَنْ هَذَا، فَقُلتُ لهَا: أَنَا عَليٌّ، فَقَالتْ: إِنَّ النَّبِيَّ رَاقِدٌ.

فَانْصَرَفْتُ ثُمَّ قُلتُ: النَّبِيُّ رَاقِدٌ وعَائِشَةُ فِي الدَّارِ، فَرَجَعْتُ وطَرَقْتُ البَابَ فَقَالتْ لي: مَنْ هَذَا، فَقُلتُ لهَا: أَنَا عَليٌّ، فَقَالتْ: إِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) عَلى حَاجَةٍ، فَانْثَنَيْتُ مُسْتَحْيِياً مِنْ دَقِّ البَابِ، ووَجَدْتُ فِي صَدْرِي مَا لا أَسْتَطِيعُ عَليْهِ صَبْراً، فَرَجَعْتُ مُسْرِعاً فَدَقَقْتُ البَابَ دَقّاً عَنِيفاً، فَقَالتْ لي عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا، فَقُلتُ: أَنَا عَليٌّ، فَسَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: يَا عَائِشَةُ افْتَحِي لهُ البَابَ، فَفَتَحَتْ ودَخَلتُ، فَقَال لي: اقْعُدْيَا أَبَا الحَسَنِ أُحَدِّثْكَ بِمَا أَنَا فِيهِ أَوْ تُحَدِّثْنِي بِإِبْطَائِكَ عَنِّي.

فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ حَدِّثْنِي، فَإِنَّ حَدِيثَكَ أَحْسَنُ، فَقَال: يَا أَبَا الحَسَنِ كُنْتُ فِي أَمْرٍ كَتَمْتُهُ مِنْ أَلمِ الجُوعِ، فَلمَّا دَخَلتُ بَيْتَ عَائِشَةَ وأَطَلتُ القُعُودَ ليْسَ عِنْدَهَا شَيْءٌ تَأْتِي بِهِ، فَمَدَدْتُ يَدِي وسَأَلتُ اللهَ القَرِيبَ المُجِيبَ، فَهَبَطَ عَليَّ حَبِيبِي جَبْرَئِيل (عليه السلام) ومَعَهُ هَذَا الطَّيْرُ، ووَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلى طَائِرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ

ص: 331

، فَقَال: إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل أَوْحَى إِليَّ أَنْ آخُذَ هَذَا الطَّيْرَ وهُوَ أَطْيَبُ طَعَامٍ فِي الجَنَّةِ، فَآتِيَكَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ، فَحَمِدْتُ اللهَ عَزَّ وجَل كَثِيراً، وعَرَجَ جَبْرَئِيل فَرَفَعْتُ يَدِي إِلى السَّمَاءِ فَقُلتُ: اللهُمَّ يَسِّرْ عَبْداً يُحِبُّكَ ويُحِبُّنِي يَأْكُل مَعِي مِنْ هَذَا الطَّيْرِ، فَمَكَثْتُ مَليّاً فَلمْ أَرَ أَحَداً يَطْرُقُ البَابَ، فَرَفَعْتُ يَدِي ثُمَّ قُلتُ: اللهُمَّ يَسِّرْ عَبْداً يُحِبُّكَ ويُحِبُّنِي وتُحِبُّهُ وأُحِبُّهُ يَأْكُل مَعِي مِنْ هَذَا الطَّيْرِ، فَسَمِعْتُ طَرْقَ البَابِ وارْتِفَاعَ صَوْتِكَ، فَقُلتُ لعَائِشَةَ: أَدْخِلي عَليّاً، فَدَخَلتَ فَلمْ أَزَل حَامِداً للهِ حَتَّى بَلغْتَ إِليَّ، إِذْ كُنْتَ تُحِبُّ اللهَ وتُحِبُّنِي، ويُحِبُّكَ اللهُ وأُحِبُّكَ، فَكُل يَا عَليُّ.

فَلمَّا أَكَلتُ أَنَا والنَّبِيُّ الطَّائِرَ قَال لي: يَا عَليُّ حَدِّثْنِي، فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ لمْ أَزَل مُنْذُ فَارَقْتُكَ أَنَا وفَاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ مَسْرُورِينَ جَمِيعاً، ثُمَّ نَهَضْتُأُرِيدُكَ فَجِئْتُ فَطَرَقْتُ البَابَ فَقَالتْ لي عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا، فَقُلتُ: أَنَا عَليٌّ، فَقَالتْ: إِنَّ النَّبِيَّ رَاقِدٌ، فَانْصَرَفْتُ.

فَلمَّا أَنْ صِرْتُ إِلى بَعْضِ الطَّرِيقِ الذِي سَلكْتُهُ رَجَعْتُ فَقُلتُ: النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) رَاقِدٌ وعَائِشَةُ فِي الدَّارِ لا يَكُونُ هَذَا، فَجِئْتُ فَطَرَقْتُ البَابَ فَقَالت لي: مَنْ هَذَا، فَقُلتُ لهَا: أَنَا عَليٌّ، فَقَالتْ: إِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) عَلى حَاجَةٍ، فَانْصَرَفْتُ مُسْتَحْيِياً، فَلمَّا انْتَهَيْتُ إِلى المَوْضِعِ الذِي رَجَعْتُ مِنْهُ أَوَّل مَرَّةٍ وَجَدْتُ فِي قَلبِي مَا لا أَسْتَطِيعُ عَليْهِ صَبْراً وقُلتُ: النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) عَلى حَاجَةٍ وعَائِشَةُ فِي الدَّارِ، فَرَجَعْتُ فَدَقَقْتُ البَابَ الدَّقَّ الذِي سَمِعْتَهُ، فَسَمِعْتُكَ يَا رَسُول اللهِ وأَنْتَ تَقُول لهَا: أَدْخِلي عَليّاً.

فَقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): أَبَى اللهُ إِلا أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ هَكَذَا، يَا حُمَيْرَاءُ مَا حَمَلكِ عَلى هَذَا.

ص: 332

قَالتْ: يَا رَسُول اللهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ يَكُونَ أَبِي يَأْكُل مِنْ هَذَا الطَّيْرِ، فَقَال لهَا: مَا هُوَ بِأَوَّل ضِغْنٍ بَيْنَكِ وبَيْنَ عَليٍّ، وقَدْ وَقَفْتُ عَلى مَا فِي قَلبِكِ لعَليٍّ إِنْ شَاءَ اللهُ، لتُقَاتِلنَّهُ.

فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ وتَكُونُ النِّسَاءُ يُقَاتِلنَ الرِّجَال؟

فَقَال لهَا: يَا عَائِشَةُ إِنَّكِ لتُقَاتِلينَعَليّاً ويَصْحَبُكِ ويَدْعُوكِ إِلى هَذَا نَفَرٌ مِنْ أَهْل بَيْتِي وأَصْحَابِي فَيَحْمِلونَكِ عَليْهِ، وليَكُونَنَّ فِي قِتَالكِ لهُ أَمْرٌ يَتَحَدَّثُ بِهِ الأَوَّلونَ والآخِرُونَ، وعَلامَةُ ذَلكِ أَنَّكِ تَرْكَبِينَ الشَّيْطَانَ ثُمَّ تُبْتَليْنَ قَبْل أَنْ تَبْلغِي إِلى المَوْضِعِ الذِي يُقْصَدُ بِكِ إِليْهِ فَتَنْبَحُ عَليْكِ كِلابُ الحَوْأَبِ، فَتَسْأَلينَ الرُّجُوعَ فَتَشْهَدُ عِنْدَكِ قَسَامَةُ أَرْبَعِينَ رَجُلا مَا هِيَ كِلابَ الحَوْأَبِ، فَتَنْصَرِفِينَ إِلى بَلدٍ أَهْلهُ أَنْصَارُكِ وهُوَ أَبْعَدُ بِلادٍ عَلى الأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ وأَقْرَبُهَا إِلى المَاءِ، ولتَرْجِعِنَّ وأَنْتِ صَاغِرَةٌ غَيْرُ بَالغَةٍ مَا تُرِيدِينَ، ويَكُونُ هَذَا الذِي يَرُدُّكِ مَعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وإِنَّهُ لكِ خَيْرٌ مِنْكِ لهُ، وليُنْذِرَنَّكِ بِمَا يَكُونُ الفِرَاقَ بَيْنِي وبَيْنَكِ فِي الآخِرَةِ، وكُل مَنْ فَرَّقَ عَليٌّ بَيْنِي وبَيْنَهُ بَعْدَ وَفَاتِي فَفِرَاقُهُ جَائِزٌ.

فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهُ ليْتَنِي مِتُّ قَبْل أَنْ يَكُونَ مَا تَعِدُنِي، فَقَال لهَا: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ليَكُونَنَّ مَا قُلتُ حَقٌّ كَأَنِّي أَرَاهُ، ثُمَّ قَال لي: قُمْ يَا عَليُّ فَقَدْ وَجَبَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ حَتَّى آمُرَ بِلالا بِالأَذَانِ، فَأَذَّنَ بِلال وأَقَامَ وصَلى وصَليْتُ مَعَهُ ولمْ يَزَل فِي المَسْجِد»(1).

ص: 333


1- الاحتجاج: ج 1 ص197 خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد فتح البصرة.

المصايحة المحرمة

مسألة: مصايحة الأولياء حرام، وأما المصايحة على أهل البيت (عليهم السلام) فهو من أشد المحرمات.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه

السلام) يَقُول: «لمَّا حَضَرَ الحَسَنَ بْنَ عَليٍّ (عليه السلام) الوَفَاةُ قَال للحُسَيْنِ (عليه السلام): يَا أَخِي إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا، إِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ثُمَّ وَجِّهْنِي إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً، ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلى أُمِّي (عليها

السلام) ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالبَقِيعِ، واعْلمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنْ عَائِشَةَ مَا يَعْلمُ اللهُ والنَّاسُ صَنِيعُهَا وعَدَاوَتُهَا للهِ ولرَسُولهِ وعَدَاوَتُهَا لنَا أَهْل البَيْتِ، فَلمَّا قُبِضَ الحَسَنُ (عليه السلام) ووُضِعَ عَلى السَّرِيرِ ثُمَّ انْطَلقُوا بِهِ إِلى مُصَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) الذِي كَانَ يُصَلي فِيهِ عَلى الجَنَائِزِ، فَصَلى عَليْهِ الحُسَيْنُ (عليه السلام) وحُمِل وأُدْخِل إِلى المَسْجِدِ، فَلمَّا أُوقِفَ عَلى قَبْرِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ذَهَبَ ذُو العُوَيْنَيْنِ إِلى عَائِشَةَ فَقَال لهَا: إِنَّهُمْ قَدْ أَقْبَلوا بِالحَسَنِ ليَدْفِنُوا مَعَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، فَخَرَجَتْ مُبَادِرَةً عَلى بَغْل بِسَرْجٍ فَكَانَتْ أَوَّل امْرَأَةٍ رَكِبَتْ فِي الإِسْلامِ سَرْجاً، فَقَالتْ: نَحُّوا ابْنَكُمْ عَنْ بَيْتِي، فَإِنَّهُ لايُدْفَنُ فِي بَيْتِي ويُهْتَكُ عَلى رَسُول اللهِ حِجَابُهُ، فَقَال لهَا الحُسَيْنُ (عليه السلام): قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وأَبُوكِ حِجَابَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَدْخَلتِ عَليْهِ بَيْتَهُ مَنْ لا يُحِبُّ قُرْبَهُ، وإِنَّ اللهَ سَائِلكِ عَنْ ذَلكِ يَا عَائِشَةُ»(1)،

ص: 334


1- الكافي: ج 1 ص300 و303 باب الإشارة والنص على الحسين بن علي (عليهما السلام) ح1 وح3.

الخبر.

إغضاب النبي

مسألة: يستحب بيان أن البعض من زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) كانت تغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتؤذيه وبذلك تستحق ما ورد في الآيات الكريمة:

قال تعالى: «إِنَّ الذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولهُ لعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لهُمْ عَذَاباً مُهِيناً»(1).

وقال سبحانه: «وَالذِينَ يُؤْذُونَ رَسُول اللهِ لَهمْ عَذَابٌ أَليمٌ»(2).

منزلة خديجة

مسألة: يستحب بيان مكانة أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) ومنزلتها عند رسولالله (صلى الله عليه وآله).

عَنْ أُمِّ رُومَانَ قَالتْ: كَانَ لرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) جَارَةٌ قَدْ أَوْصَتْهُ خَدِيجَةُ أَنْ يَتَعَاهَدَهَا، فَحَضَرَ عِنْدَهُ شَيْ ءٌ مِنَ المَأْكَل فَأَمَرَ بِإِعْطَائِهَا، وقَال: هَذِهِ أَمَرَتْنِي خَدِيجَةُ بِأَنْ أَتَعَاهَدَهَا، فَقَالتْ عَائِشَةُ: وكُنْتُ أَحْسُدُهَا لكَثْرَةِ ذِكْرِهِ لهَا، فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ لا تَزَال تَذْكُرُ خَدِيجَةَ كَأَنْ لمْ يَكُنْ عَلى ظَهْرِ الأَرْضِ غَيْرُهَا

ص: 335


1- سورة الأحزاب: 57.
2- سورة التوبة: 61.

، فَقَال: قُومِي عَنِّي، فَقَامَتْ إِلى نَاحِيَةٍ مِنْهُ فِي البَيْتِ، فَقَالتْ أُمُّ رُومَانَ: فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ لا تُؤَاخِذْ عَائِشَةَ فَإِنَّهَا حَدِيثَةُ سِنٍّ، فَنَادَاهَا إِليْهِ فَقَال: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ خَدِيجَةَ آمَنَتْ إِذْ كَفَرَ بِي قَوْمُكِ، ورُزِقْتُ مِنْهَا الوَلدَ وحُرِمْتُمُوه»(1).

أفضل نساء النبي

مسألة: يستحب بيان أن أفضل نساء النبي (صلى الله عليه وآله) هي خديجة أم المؤمنين (عليها السلام).

وفي الحديث: «ثُمَّ تَسْتَقْبِلكِ أُمُّكِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلدٍ أَوَّل المُؤْمِنَاتِ بِاللهِ وَ بِرَسُولهِ وَ مَعَهَا سَبْعُونَ أَلفَ مَلكٍ بِأَيْدِيهِمْأَلوِيَةُ التَّكْبِير»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَفْضَل نِسَاءِ الجَنَّةِ أَرْبَعٌ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»(3).

المرأة الولود

مسألة: من فضائل المرأة أن تكون ولوداً ودوداً.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «تَزَوَّجُوا

ص: 336


1- عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: ص394 فصل في ذكر مناقب خديجة (عليها السلام) ح789.
2- بحار الأنوار: ج8 ص53 ب21 ح59.
3- بحار الأنوار: ج8 ص178 ب23 ح133.

بِكْراً وَلوداً، ولا تَزَوَّجُوا حَسْنَاءَ جَمِيلةً عَاقِراً، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ»(1).

وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمُ التَّزْوِيجَ فَليُصَل رَكْعَتَيْنِ وليَقْرَأْ فِيهِمَا فَاتِحَةَ الكِتَابِ ويس، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ فَليَحْمَدِ اللهَ تَعَالى وليُثْنِ عَليْهِ وليَقُل: اللهُمَّ ارْزُقْنِي زَوْجَةً وَدُوداً وَلوداً شَكُوراً غَيُوراً، إِنْ أَحْسَنْتُ شَكَرَتْ، وإِنْ أَسَأْتُ غَفَرَتْ، وإِنْ ذَكَرْتُ اللهَ تَعَالى أَعَانَتْ، وإِنْ نَسِيتُ ذَكَّرَتْ، وإِنْ خَرَجْتُ مِنْعِنْدِهَا حَفِظَتْ، وإِنْ دَخَلتُ عَليْهَا سَرَّتْنِي، وإِنْ أَمَرْتُهَا أَطَاعَتْنِي، وإِنْ أَقْسَمْتُ عَليْهَا أَبَرَّتْ قَسَمِي، وإِنْ غَضِبْتُ عَليْهَا أَرْضَتْنِي، يَا ذَا الجَلال والإِكْرَامِ هَبْ لي ذَلكَ، فَإِنَّمَا أَسْأَلكَ ولا أَجِدُ إِلا مَا مَنَنْتَ وأَعْطَيْتَ. وقَال: مَنْ فَعَل ذَلكَ أَعْطَاهُ اللهُ مَا سَأَل»(2).

علم الغيب

مسألة: يستحب بيان أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم الغيب حيث أخبر بأن تلك المرأة عقيمة ولا تلد شيئاً.

عن أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ فَضَّل أُولي العَزْمِ مِنَ الرُّسُل بِالعِلمِ عَلى الأَنْبِيَاءِ، وَوَرَّثَنَا عِلمَهُمْ، وفَضَّلنَا عَليْهِمْ فِي فَضْلهِمْ، وعَلمَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) مَا لا يَعْلمُونَ، وعَلمَنَا عِلمَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَرَوَيْنَا لشِيعَتِنَا، فَمَنْ قَبِل مِنْهُمْ فَهُوَ أَفْضَلهُمْ، وأَيْنَمَا نَكُونُ فَشِيعَتُنَا مَعَنَا»(3).

ص: 337


1- الكافي: ج 5 ص333 باب كراهية تزويج العاقر ح2.
2- مستدرك الوسائل: ج 6 ص325 ب30 باب استحباب الصلاة عند إرادة التزويج ح1.
3- الإمامة والتبصرة : ص139 ب37 باب أن لديهم الكتب التي انزلت على الأنبياء ح160.

التنقيص الحرام

مسألة: إنكار الفضيلة تنقيص وهو لا يجوز، ولذا قالت الصديقة (عليها السلام): «ذَكَرَتْ أُمّي فَتَنَقَّصَتْها»، مع أنها بحسب ظاهر هذه الرواية قالت: (وأي فضل كان لها علينا، إن هي إلا كبعضنا).

ويتضح ذلك بملاحظة أن الأستاذ في الجامعة لو قيل عنه إنه أي فضل له على الطالب في الابتدائية وأنه ما هو إلاّ مثله في العلم ... ألم يكن هذا تنقيصاً وكذباً وإهانةً.

والفرق فيما نحن فيه أكبر.

قال تعالى: «وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدينَ»(1).

ص: 338


1- سورة هود: 85، سورة الشعراء: 183.

الصلوات على الصديقة

اشارة

عن أمير المؤمنين، عن فاطمة (عليهما السلام) أنّها قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا فاطمة من صلى عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنّة»(1).

الصلاة على الزهراء

مسألة: يستحب الصلاة والسلام على الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام).

وكذلك على العترة الطاهرة (عليهم السلام).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «الصَّلاةُ عَليَّ وعَلى أَهْل بَيْتِي تَذْهَبُ بِالنِّفَاقِ»(2).

ص: 339


1- مستدرك الوسائل: ج 10 ص211 ب14 باب استحباب زيارة فاطمة (عليها السلام) وموضع قبرها ح2.
2- الكافي: ج 2 ص492 باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ح8.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «سَمِعَ أَبِي رَجُلاً مُتَعَلقاً بِالبَيْتِ وهُوَ يَقُول: اللهُمَ صَل عَلى مُحَمَّدٍ، فَقَال لهُ أَبِي: يَا عَبْدَ اللهِ لا تَبْتُرْهَا، لا تَظْلمْنَاحَقَّنَا، قُل: اللهُمَّ صَل عَلى مُحَمَّدٍ وأَهْل بَيْتِهِ»(1).

ثواب الصلاة

مسألة: يستحب بيان ثواب الصلاة والسلام على الصديقة فاطمة (عليها السلام).

عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ المَلكِ النَّوْفَليِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَال: دَخَلتُ عَلى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَبَدَأَتْنِي بِالسَّلامِ وقَالتْ: قَال أَبِي وهُوَ ذَا حَيٌّ: «إِنَّ مَنْ سَلمَ عَليَّ وعَليْكِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَلهُ الجَنَّةُ».

قَال: فَقُلتُ لهَا: هَذَا فِي حَيَاتِهِ وحَيَاتِكِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ومَوْتِكِ.

قَالتْ: «فِي حَيَاتِنَا وبَعْدَ مَوْتِنَا»(2).

ص: 340


1- الكافي: ج 2 ص495 باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ح21.
2- كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص354 المبحث العشرون في زوجته (عليها السلام).

مع ابنة طلحة

اشارة

روي أن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة (عليها السلام) فرأتها باكية، فقالت لها: بأبي أنت وأمّي ما الذي يبكيك؟

فقالت لها: «أسائلتي عن هنة حلق بها الطائر وحفي بها السائر، ورفعت إلى السماء أثراً، ورزئت في الأرض خبراً، إنّ قحيف تيم وأحيول عدي جاريا أبا الحسن في السباق، حتّى إذا تفرّيا بالخناق أسرّا له الشنان، وطوياه الإعلان، فلمّا خبا نور الدين وقبض النبيّ الأمين (صلى الله عليه وآله) نطقا بفورهما، ونفثا بسورهما، وأدلا بفدك، فيا لها كم من مِلك مُلك(1)، إنّها عطيّة الربّ الأعلى للنجيّ الأوفى، ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي، وإنّها لبعلم الله وشهادة أمينه، فإن انتزعا منّي البلغة ومنعاني اللمظة فأحتسبها يوم الحشر زلفة، وليجدنّها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم»(2).

-----------------------

ص: 341


1- ولعل الصحيح: (فيا لها من مِلك مُلك) أي من ملك لأهل البيت (عليهم السلام) تملكه غيرهم غصباً، ف (كم) للتأكيد والمبالغة وبيان كثرة ما غصبوه وعظمه.
2- بحار الأنوار: ج 29 ص182 ب11باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه، وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ح38.

توضيح المجلسي

قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في كتابه القيم بحار الأنوار:

(عن هنة): أي شي ء يسير قليل، أو قصّته منكرة قبيحة(1).

(حلق بها الطائر): تحليق الطّائر ارتفاعه في الهواء، أي انتشر خبرها، إذ كان الغالب في تلك الأزمنة إرسال الأخبار مع الطيور.

(حفي بها السائر): أي أسرع السائر في إيصال هذا الخبر حتى حفي وسقط خفّه ونعله، أو رقّ رجله أو رجل دابته، يقال: حفي كعلم إذا مشى بلا خفّ ولا نعل، أو رقّت قدمه أو حافره. أو هو من الحفاوة وهي المبالغة في السّؤال.

وفي بعض النسخ: (وخفي بها الساتر): أي لم يبق ساتر لها، ولم يقدر الساترون على إخفائها.

(رفعت إلى السماء أثراً): أي ظهرت آثاره في السماء عاجلاً وآجلاً من منع الخيرات وتقدير شدائد العقوبات لمن ارتكبها.

(رزئت في الأرض خبراً): يقال رزأه كجعله وعمله، أصاب منه شيئاً، ورزأه رزءاً أو مرزأة أصاب منه خيراً، والشي ء نقصه، والرزيئة المصيبة، فيمكن أنيقرأ على بناء المعلوم، أي أحدثت من جهة خبرها في الأرض مصائب، أو المجهول بالإسناد المجازي، والأول أنسب معنىً، والثاني لفظاً، ويمكن أن يكون بتقديم المعجمة على المهملة، يقال: زري عليه زرياً، عابه وعاتبه، فلا يكون مهموزاً.

ص: 342


1- والثاني أنسب كما هو أوفق بالسياق.

وفي بعض النسخ: (ربت) بالراء المهملة والباء الموحّدة، أي نمت وكثرت.

وفي بعضها: (رنّت) من الرنين.

وفي نسخة قديمة: (ورويت) من الرواية.

(إنّ قحيف تيم) لعلها (صلوات الله عليها) أطلقت على أبي بكر قحيفاً، لأنّ أباه أبو قحافة، والقحف بالكسر العظم فوق الدماغ، والقحف بالفتح قطع القحف أو كسره، والقاحف المطر يجي ء فجأة فيقتحف كل شيء، أي يذهب به، وسيل قحاف كغراب جزاف.

و(الأحيول) تصغير الأحول، وهو لو لم يكن أحول ظاهراً فكان أحول باطناً لشركه، بل أعمى، ويقال أيضا ما أحوله، أي ما أحيله(1).

(جاريا أبا الحسن (عليه السلام) في السباق): يقال جاراه أي جرى معه،والسّباق المسابقة، أي كانا يريدان أن يسبقاه في المكارم والفضائل في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله).

(حتى إذا تفريا بالخناق(2) أسرّا له الشنئان): يقال تفرّى أي انشقّ، والخناق ككتاب الحبل يخنق به، وكغراب داء يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية والقلب.

وفي بعض النسخ: بالحاء المهملة، وهو بالكسر جمع الحنق بالتحريك، وهو الغيظ أو شدّته.

ص: 343


1- قال الفراء: يقال هو أحول منك، أي أكثر حيلة، وما أحوله، كذا في لسان العرب.
2- أي كادا يموتان اختناقاً.

و(الشنئان) العداوة، أي لما انشقا بما خنقهما من ظهور مناقبه وفضائله، وعجزهما عن أن يدانياه في شي ء منها، أو من شدة غيظه أكمنا له العداوة في قلبهما منتهضين للفرصة.

وفي بعض النسخ: (تعريا) بالعين والراء المهملتين، فلعل المعنى بقيا مسبوقين في العراء، وهو الفضاء والصحراء، متلبسين بالخناق والغيظ.

وفي بعض النسخ: (ثغراً) أي توقراً وثقلاً.

وفي بعضها: (تغرغراً) من الغرغرة، وهي تردّد الروح في الحلق، ويقال يتغرغر صوته في حلقه، أي يتردّد، وهومناسب للخناق.

وفي بعضها: (تقرّرا) أي ثبتا ولم يمكنهما الحركة،

وفي بعضها: (تعزّبا) بالمهملة ثم المعجمة، أي بعدا ولم يمكنهما الوصول إليه، وكان يحتمل تقديم المعجمة أيضاً، والمعنى قريب من الأول.

وفي بعضها: (تقرباً) بالقاف والباء الموحدة، ويمكن توجيهه بوجه.

وكان يحتمل النون(1)، وهو أوجه، فالخناق بالخاء المكسورة، أي اشتركا فيما يوجب عجزهما، كأنهما اقترنا بحبل واحد في عنقهما.

وفي بعضها: (تفرداً) بالفاء والراء المهملة والدال، وهو أيضاً لا يخلو من مناسبة.

(طوياه الإعلان) أي أضمرا أن يعلنا له العداوة عند الفرصة، وفي الكلام حذف وإيصال، أي طويا عنه، يقال: طوى الحديث أي كتمه، ويقال: خبت النار أي سكنت وطفئت.

ص: 344


1- أي تقرناً.

(نطقا بفورهما): أي تكلما فوراً، أي بسبب فورانهما.

وفي بعض النسخ: (نطفا) بالفاء، أي صبّا ما في صدورهما فوراً، أو بسبب غليان حقدهما وفوران حسدهما. ويحتملأن تكون الباء زائدة، يقال نطف الماء أي صبّه، وفلاناً قذفه بفجور، أو لطّخه بعيب. وفي الحديث: رأيت سقفاً تنطف سمناً وعسلاً، أي تقطر، وفي قصة المسيح (عليه السلام) ينطف رأسه ماءً، وفار القدر فوراً وفوراناً: غلا وجاش، وأتوا من فورهم: أي من وجههم، أو قبل أن يسكنوا.

و(نفثا بسورهما): نفثه كضرب رمى به، والنفث: النّفخ والبزق. وسورة الشيء: حدّته وشدّته، ومن السّلطان سطوته وإعتداؤه. وسار الشراب في رأسه سوراً دار وارتفع، والرّجل إليك وثب وثار.

و(أدلاّ بفدك): قال الجوهري: الدل الغنج والشكل، وفلان يدل على أقرانه في الحرب كالبازي يدل على صيده، وهو يدل بفلان أي يثق به، والحاصل: أنهما أخذا فدك بالجرأة من غير خوف.

وفي بعض النسخ: (وا ذلا بفدك) بالذال المعجمة على الندبة، ولعله تصحيف.

(فيا لها كم من ملك ملك) من قبيل يا للماء، للتعجب، أي يا قوم تعجبوا لفدك.

وقولها: (كم من ملك) بيان لوجه التعجب.وفي بعض النسخ: (فيا لها لمن ملك تيك).

ص: 345

وفي بعضها: (فيا لها لمزة لك تيك). واللمزة بضم اللام وفتح الميم العيّاب. و(تيك) اسم إشارة، والظاهر أن الجميع تصحيف.

و(النجيّ): هو المناجي المخاطب للإنسان، أي لمن خصّه الله بنجواه وسرّه وكان أوفى الخلق بعهده وأمره.

و(الصبية): بالكسر جمع الصّبي.

و(السغب): الجوع.

و(النجل): الولد.

و(البلغة) بالضم: ما يتبلغ به من العيش.

و(اللماظة) بالضم: ما يبقى في الفم من الطعام. وقال الشاعر في وصف الدنيا: (لماظة أيّام كأحلام نائم).

ويقال: ما ذقت لماظاً، بالفتح أي شيئاً.

و(اللمظة) بالضم: كالنكتة من البياض، واللماظة هنا أنسب.

و(الزّلفة) بالضم: كالزّلفى القرب والمنزلة، أي اعلم أنها سبب لقربي يوم الحشر، أو اصبر عليها ليكون سبباً لقربي. قال في النهاية: وفيه من صام إيماناً واحتساباً، أي طلباً لوجه الله وثوابه، والاحتساب من الحسب كالاعتدادمن العدّ، و إنّما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله: احتسبه، لأنّ له حينئذ أن يعتدّ عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنّه معتدّ به، والاحتساب في الأعمال الصالحات وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجوّ منها، ومنه الحديث: من مات له ولد فاحتسبه، أي احتسب الأجر بصبره

ص: 346

على مصيبته.

(سعر النار): كمنع، أوقدها.

و(الحميم): الماء الحارّ.

و(اللظى): كفتي النار أو لهبها، ولظى معرفة جهنّم، أو طبقة منها، أعاذنا الله تعالى منها ومن طبقاتها ودركاتها. انتهى(1).

وقول الصديقة (عليها السلام): «هنة حلق بها الطائر» خبر وليس بإنشاء بظاهره، ويمكن أن يقصد بمثله الإنشاء(2)، لكنه خلاف ظاهر الكلام هنا.

السؤال عن الظلامات

مسألة: يحسن السؤال وقد يجب عن فدائحصنائع الجبابرة والطغاة وهناتهم، أي أفعالهم القبيحة المنكرة، بغية فضحهم وكشفهم أمام الناس.

والسؤال أنواع وله مصاديق، ومنه السؤال عبر وسائل الإعلام كالمذياع والتلفاز والجرائد وغير ذلك.

قال تعالى: «وَإِذَا المَوْؤُدَةُ سُئِلت * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلتْ»(3).

ص: 347


1- انظر بحار الأنوار: ج29 ص183 - 189.
2- بأن يكون أمراً بنشر الخبر.
3- سورة التكوير: 8 - 9.

حرمة القبيح المنكر

مسألة: يحرم الفعل القبيح المنكر، ويشتد حرمةً إذا كان من النوع الذي ينتشر خبره في الناس، ويحلق به الطائر، ويحفى به السائر، لشدة قبحه وفداحته.

كما يحرم ما يصنعه البعض من إشاعة القبائح بذريعة السبق الصحفي لنيل الشهرة أو الأموال أو شبه ذلك، قال تعالى: «إِنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلمُونَ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «مَنْ قَال فِي أَخِيهِ المُؤْمِنِ شَيْئاً يَعْلمُهُ مِنْهُ يُرِيدُ بِهِ انْتِقَاصَةً فِي نَفْسِهِ وَ مُرُوَّتِهِ، فَهُوَ مِنَ الذِينَ قَال اللهُ: «إِنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لهُمْ عَذابٌ أَليمٌ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة»(2)»(3).

الهمز واللمز

مسألة: الهمز واللمز محرمان، ولكنهما قد يكونان واجبين كما سيأتي.

ص: 348


1- سورة النور:19.
2- سورة النور:19.
3- مستدرك الوسائل: ج9 ص113 ب132 ح10392.

أما المحرم، فهو همز المؤمن ومطلق من كان ذا حرمة، قال تعالى: «وَيْلٌ لكُلّ هُمَزَةٍ لمَزَةٍ»(1).

وأما الواجب فهو الهمز واللمز والتنقيص من أهل البدع ومن الجبابرة والطواغيت مراعياً سائر الموازين الشرعية.

قال تعالى: «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالةَ الحَطَبِ»(2).

وقال سبحانه: «فَمَثَلهُ كَمَثَل الكَلبِ إِنْ تَحْمِل عَليْهِ يَلهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلهَثْ ذَلكَ مَثَل القَوْمِ الذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا»(3).

وقال تعالى: «فِي قُلوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقَاسِيَةِ قُلوبُهُمْ»(4).

وقال سبحانه: «إِنْ هُمْ إلاَّ كَالأنْعَامِ بَل هُمْ أَضَل سَبِيلاً»(5).وقال تعالى: «وَلقَدْ ذَرَأْنَا لجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهمْ قُلوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ كَالأنْعَامِ

ص: 349


1- سورة الهمزة: 1. قيل: (الهمزة) الذي يعيبك بظهر الغيب، و(اللمزة): الذي يعيبك في وجهك، وقيل: (الهمزة) الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، و(اللمزة) الذي يكسر عينه على جليسه ويشير برأسه ويومي بعينه، وقيل: هما بمعنى واحد، راجع (مجمع البيان) وغيره.
2- سورة المسد:4.
3- سورة الأعراف: 176.
4- سورة الحج: 53.
5- سورة الفرقان: 44.

بَل هُمْ أَضَل أُولئِكَ هُمُ الغَافِلونَ»(1).

وقال عزوجل: «وَلاَ تُطِعْ كُل حَلاَفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ للخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُل بَعْدَ ذَلكَ زَنِيمٍ»(2).

وجرى على ذلك قول الصديقة (عليها السلام): «قحيف تيم، وأحيول عدي»(3).

أقسام التنافس

مسألة: التنافس أقسام، فمنه المستحب والواجب، ومنه الحرام والمكروه.

أما الواجب فالتنافس في فعل الواجبات، ووجوبه مقدمي، قال تعالى: «وَفِي ذَلكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ»(4).

وأما المستحب فالتنافس في فعل المستحبات.

وأما الحرام فالتنافس في فعل المعاصي والآثام، ومنه منافسة المنصوبمن الله تعالى على منصبه وغصب مكانته، فإنه من أظهر مصاديق المنكر، ومحادة الله عزوجل، كما صنع ابن أبي قحافة وابن الخطاب، حيث قالت (عليها السلام): «إِنَّ قَحِيفَ تَيْمٍ وَأُحَيْوِل عَدِيٍّ جَارَيَا أَبَا الحَسَنِ (عليه السلام) فِي السِّبَاقِ، حَتَّى إِذَا تَفَرَّيَا

ص: 350


1- سورة الأعراف: 179.
2- سورة القلم:10 - 13.
3- بحار الأنوار: ج 29 ص182 ب11باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ح38.
4- سورة المطففين: 26.

بِالخِنَاقِ أَسَرَّا لهُ الشَّنَآنَ، وَطَوَيَاهُ الإِعْلان».

إيفاء الجواب

مسألة: ينبغي إيفاء السؤال حقه من الجواب، واستيفاء ما له مدخلية وفائدة في الغرض من دون تطويل مضر، مراعياً سائر الجوانب، وقد فصلت الصديقة (صلوات الله عليها) في استعراض تاريخ ما جرى عليهم، وأوجزته أبلغ الإيجاز وأوفاه، حيث قالت: (إن قحيف تيم ... جحيم).

قال (عليه السلام): «أَقْلل المَقَال، وقَصِّرِ الآمَال، ولا تَقُل مَا يُكْسِبُكَ وِزْراً، ويُنَفِّرُ عَنْكَ حُرّاً»(1).

وقال (عليه السلام): «إذا ازدحم الجواب نفي الصواب»(2).

بغض الحق وأهله

مسألة: يحرم بغض الحق كما يحرم بغض أهله، وأشد الدرجات حرمةً بغض رسول الله وأهل بيته (عليه وعليهم السلام) في أنفسهم وفيما فرضه الله لهم من المكانة والفضل.

قالت الصديقة (صلوات الله عليها): «أسرا له الشنئان».

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَليْكُمْ طَاعَتِي ونَهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَتِي، وأَوْجَبَ عَليْكُمُ اتِّبَاعَ أَمْرِي، وفَرَضَ عَليْكُمْ مِنْ طَاعَتِهِ طَاعَةَ عَليِّ بْنِ

ص: 351


1- عيون الحكم والمواعظ: ص83 ح2015.
2- غرر الحكم: ص442 لا تشاور هؤلاء ح10094.

أَبِي طَالبٍ بَعْدِي كَمَا فَرَضَ عَليْكُمْ مِنْ طَاعَتِي، ونَهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ كَمَا نَهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَتِي، وجَعَلهُ أَخِي ووَزِيرِي ووَصِيِّي ووَارِثِي، وهُوَ مِنِّي وأَنَا مِنْهُ، حُبُّهُ إِيمَانٌ، وبُغْضُهُ كُفْرٌ، مُحِبُّهُ مُحِبِّي، ومُبْغِضُهُ مُبْغِضِي، وهُوَ مَوْلى مَنْ أَنَا مَوْلاهُ، وأَنَا مَوْلى كُل مُسْلمٍ ومُسْلمَةٍ، وأَنَا وهُوَ أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّة»(1).

بغض النبي والعترة

مسألة: بغض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبغض علي وأهل البيت (عليهم السلام) نُصب، وهو أشد من الكفر، كما قرر في محله.عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ قَال: نَظَرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) إِلى عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) فَقَال: «يَا عَليُّ مَنْ أَبْغَضَكَ أَمَاتَهُ اللهُ مِيتَةً جَاهِليَّةً، وَحَاسَبَهُ بِمَا عَمِل يَوْمَ القِيَامَةِ»(2).

وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا عَليُّ أَنْتَ أَخِي ووَزِيرِي وصَاحِبُ لوَائِي فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وأَنْتَ صَاحِبُ حَوْضِي، مَنْ أَحَبَّكَ أَحَبَّنِي، ومَنْ أَبْغَضَكَ أَبْغَضَنِي»(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَا سَلمَانُ، مَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ ابْنَتِي فَهُوَ فِي الجَنَّةِ مَعِي، ومَنْ أَبْغَضَهَا فَهُوَ فِي النَّارِ، يَا سَلمَانُ حُبُّ فَاطِمَةَ (عليها السلام)

ص: 352


1- كنز الفوائد: ج 2 ص13 فصل من فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) والنصوص عليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2- مستدرك الوسائل: ج18 ص181 ب8 باب جملة مما يثبت به الكفر والارتداد ح22447.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص294 ب28 باب فيما جاء عن الإمام علي بن موسى (عليه السلام) من الأخبار المتفرقة ح47.

يَنْفَعُ فِي مِائَةٍ مِنَ المَوَاطِنِ أَيْسَرُهَا المَوْتُ والقَبْرُ وَالمِيزَانُ والمَحْشَرُ والصِّرَاطُ وَالعَرْضُ والحِسَابُ، فَمَنْ رَضِيَتِ ابْنَتِي عَنْهُ رَضِيتُ عَنْهُ، ومَنْ رَضِيتُ عَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ومَنْ غَضِبَتْ عَليْهِ فَاطِمَةُ (عليها السلام) غَضِبْتُ عَليْهِ، ومَنْ غَضِبْتُ عَليْهِ غَضِبَ اللهُ عَليْهِ، يَا سَلمَانُ وَيْل لمَنْ يَظْلمُهَا ويَظْلمُ بَعْلهَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَليّاً (عليه السلام) ووَيْللمَنْ يَظْلمُ شِيعَتَهَا وذُرِّيَّتَهَا»(1).

نية الغدر

مسألة: تبييت النية على الغدر بالمؤمن والوثوب على أهل الحق محرم مقدمي ما لم يصاحبه محرم آخر، وهو كاشف عن خبث الباطن ومسقط للعدالة.

إما إذا كان ذلك بالنسبة إلى المعصوم (عليه السلام) فنية ذلك من أكبر المحرمات، فكيف بعمله.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَال: سَأَلتُهُ عَنْ قَرْيَتَيْنِ مِنْ أَهْل الحَرْبِ لكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَلكٌ عَلى حِدَةٍ اقْتَتَلوا ثُمَّ اصْطَلحُوا ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ المَلكَيْنِ غَدَرَ بِصَاحِبِهِ فَجَاءَ إِلى المُسْلمِينَ فَصَالحَهُمْ عَلى أَنْ يَغْزُوَ مَعَهُمْ تِلكَ المَدِينَةَ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «لا يَنْبَغِي للمُسْلمِينَ أَنْ يَغْدِرُوا ولا يَأْمُرُوا بِالغَدْرِ، ولا يُقَاتِلوا مَعَ الذِينَ غَدَرُوا، ولكِنَّهُمْ يُقَاتِلونَ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ، ولا يَجُوزُ عَليْهِمْ مَا عَاهَدَ عَليْهِ الكُفَّارُ»(2).

ص: 353


1- مائة منقبة: ص127 المنقبة الحادية والستون.
2- الكافي: ج 2 ص337 باب المكر والغدر والخديعة ح4.

وقال علي (عليه السلام): «المَكْرُ والخَدِيعَةُ والغَدْرُ فِي النَّار»(1).

الحذر من المنافقين

مسألة: يجب الحذر من المنافقين وأهل الباطل، ويلزم أن لا ينخدع الإنسان بظاهرهم، ويكفي دلالة على ذلك قول الصديقة (صلوات الله عليها): «حتى إذا تفريا بالخناق أسر له الشنآن وطوياه الإعلان... نطقا بفورهما ونفثا بسورهما».

قال علي (عليه السلام): «تجنّبوا البخل والنّفاق فهما من أذمّ الأخلاق»(2).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِيَّاكُمْ وتَخَشُّعَ النِّفَاقِ، وهُوَ أَنْ يُرَى الجَسَدُ خَاشِعاً والقَلبُ ليْسَ بِخَاشِعٍ»(3).

وقال علي (عليه السلام): «شَرُّ الأَخْلاقِ الكَذِبُ والنِّفَاقُ»(4).

صفات الجبابرة

مسألة: يلزم أن يعرف الناس صفات الجبابرة والطواغيت وكيفية عملهم، وذلك للوقاية والعلاج والتصدي.

وقد ذكرت (عليها السلام) في هذا الحديث ثلاث صفات لهم:

1: نطقا بفورهما.

ص: 354


1- مستدرك الوسائل: ج 9 ص83 ب119 باب تحريم المكر والحسد والغش والخيانة ح11.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: ص321 ح78.
3- تحف العقول: ص60 وروي عنه (صلى الله عليه وآله) في قصار هذه المعاني.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص293 ح5214.

2: نفثا بسورهما.

3: وأدلا بفدك.

فالنطق: هو ظاهر القول، ولعله كناية عن الإعلان عما أسراه.

والنفث: هو ما وراء ذلك من الفعل، ولعله تشبيه لفعلهما ب (النفاثات في العقد) وهو شبيه النفخ وأقل من التفل.

والأدلاء: هو الفعل محضاً ولعله مع الجرأة(1).

واللازم الالتفات لهذه الثلاثة والتحسب لها ووضع الخطط لمواجهة كل منها.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إِيَّاكُمْ والتَّجَبُّرَ عَلى اللهِ، واعْلمُوا أَنَّ عَبْداً لمْ يُبْتَل بِالتَّجَبُّرِ عَلى اللهِ إِلا تَجَبَّرَعَلى دِينِ اللهِ، فَاسْتَقِيمُوا للهِ ولا تَرْتَدُّوا عَلى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلبُوا خاسِرِينَ، أَجَارَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ مِنَ التَّجَبُّرِ عَلى اللهِ ولا قُوَّةَ لنَا ولكُمْ إِلا بِالله»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «الجَبَّارُونَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَل يَوْمَ القِيَامَةِ»(3).

ص: 355


1- ويقال لمن ألقى إنساناً في بلية قد دلاه في كذا، وعليه ف (أدلاّ بفدك) أي أوقعا الناس في فتنة وبلاء بسبب فدك.
2- الكافي: ج 8 ص12 كتاب الروضة ح1.
3- وسائل الشيعة: ج 15 ص381 ب59 باب تحريم التجبر والتيه والاختيال ح7.

أنواع العطاء

مسألة: لله تعالى نوعان من العطايا، عطايا بأسباب ظاهرة، وأخرى بأسباب غير ظاهرة، فمن الثاني عطية الله تعالى فدكاً لرسوله (صلى الله عليه وآله)(1)، ومن الأول عطية الرسول (صلى الله عليه وآله) فدكاً للزهراء (عليها السلام) إذ كان نحلة. وفي الدعاء: «يا وَاهِبَ العَطَايَا»(2).

وأيضاً: «يا جَزِيل العَطَايَا»(3).

وعَنْ أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام) قَال: «نَحْنُ فِي العِلمِ وَالشَّجَاعَةِ سَوَاءٌ، وَفِي العَطَايَا عَلى قَدْرِ مَا نُؤْمَرُ»(4).

ذكر بعض العلل

مسألة: يصح عند تعدد العلل الطولية أو المتكافئة، ذكر أحدها في كل مقام ناسبه، ولعل منه قول الصديقة (صلوات اللهعليها)، «ولقد نحلنيها للصبية السواغب»، فإنها كانت إحدى الحكم في إنحاله إياها فدكاً، ولعل منها أيضاً توفير أموال وافية بيدها ويد بعلها علي (عليهما السلام) لما يريانه من المصلحة في

ص: 356


1- لأنه كان بواسطة جبرائيل (عليه السلام) ودون واحد من أسباب التمليك الظاهرة.
2- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص324 باب التعقيب ح949.
3- تهذيب الأحكام: ج3 ص90 ح22.
4- الكافي: ج1 ص275 باب في أن الأئمة (صلوات الله عليهم) في العلم والشجاعة والطاعة سواء ح2.

حماية الدين وأهله(1).

إنحال الصبية

مسألة: يستحب إنحال الصبية الجوعى ما يفي بإشباعهم، ويتأكد في الجوعى مع النصب والتعب، والظاهر أن مراد الصديقة (عليها السلام) من (الصبية السواغب) هو الأخير لأن (السغب) هو الجوع مع التعب.

ويدل ذلك أيضاً على أن نسله (صلى الله عليه وآله) الكرام سيكونون كذلك في الجملة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فإن الظالمين منعوا حقهم.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ أَشْبَعَ مُؤْمِناً وَجَبَتْ لهُ الجَنَّةُ»(2).

وعَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام)،عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، أَنَّهُ قَال: «إِنَّمَا اتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَليلا لأَنَّهُ لمْ يَرُدَّ أَحَداً، ولمْ يَسْأَل أَحَداً قَطُّ غَيْرَ اللهِ تَعَالى»(3).

وفي قُنُوتُ الإِمَامِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يَا غَوْثَ اللهْفَانِ، ومَأْوَى الحَيْرَانِ، ومُرَوِّيَ الظَّمْئَانِ، ومُشْبِعَ الجَوْعَانِ، وكَاسِيَ العُرْيَان»(4).

ص: 357


1- والهبة لغايةٍ لا تتقيد بتلك الغاية إلا لو شرط شرطاً لازماً.
2- الكافي: ج 2 ص200 باب إطعام المؤمن ح1.
3- وسائل الشيعة: ج 9 441 ب32 باب كراهة المسألة مع الاحتياج حتى سؤال مناولة السوط والماء ح9.
4- بحار الأنوار: ج 82 ص219 ب33 في القنوتات الطويلة المروية عن أهل البيت عليهم السلام ح1.

علم الله وطلب الحق

مسألة: يستحب التأكيد على أن كل حق للإنسان فهو بعلم الله تعالى، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «وَإِنَّهَا لبِعِلمِ اللهِ».

قال تعالى: «إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَليْهِ شَيْ ءٌ فِي الأَرْضِ ولا فِي السَّماء»(1).

وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ خَالدٍ، قَال: سَمِعْتُ الرِّضَا عَليَّ بْنَ مُوسَى (عليه السلام) يَقُول: «لمْ يَزَل اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى عَالماً قَادِراً حَيّاً قَدِيماً سَمِيعاً بَصِيراً، فَقُلتُ لهُ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ إِنَّ قَوْماً يَقُولونَ: إِنَّهُ عَزَّ وجَل لمْ يَزَل عَالماً بِعِلمٍ، قَادِراً بِقُدْرَةٍ، وحَيّاً بِحَيَاةٍ، وقَدِيماً بِقِدَمٍ، وسَمِيعاً بِسَمْعٍ، وبَصِيراً بِبَصَرٍ، فَقَال (عليه السلام): مَنْ قَال بِذَلكَ ودَانَ بِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللهِ آلهَةً أُخْرى، وليْسَ مِنْ وَلايَتِنَا عَلى شَيْ ءٍ، ثُمَّ قَال (عليه السلام): لمْ يَزَل اللهُ عَزَّ وجَل عَالماً قَادِراً حَيّاً قَدِيماً سَمِيعاً بَصِيراً لذَاتِهِ، تَعَالى عَمَّا يَقُول المُشْرِكُونَ والمُشَبِّهُونَ عُلوّاً كَبِيراً»(2).

شهادة المعصوم الواحد

مسألة: تكفي شهادة المعصوم الواحد (عليه السلام) فلا حاجة إلى التعدد، لأنه (عليه السلام) إذا شهد كشف عن الواقع كما هو، مما يحصل القطع بما شهد، حتى في جهة الأحكام الظاهرية، ومما يوضح ذلك وبالأولوية تسمية الرسول (صلى الله عليه وآله) لمن شهد له - وهو خزيمة بن ثابت ب (ذي الشهادتين).

ص: 358


1- سورة آل عمران: 5.
2- الأمالي، للصدوق: ص278 المجلس السابع والأربعون ح5.

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) اشْتَرَى فَرَساً مِنْ أَعْرَابِيٍّ فَأَعْجَبَهُ، فَقَامَ أَقْوَامٌ مِنَ المُنَافِقِينَ حَسَدُوا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى مَا أَخَذَ مِنْهُ، فَقَالوا للأَعْرَابِيِّ: لوْ بَلغْتَ بِهِ إِلى السُّوقِ بِعْتَهُ بِأَضْعَافِ هَذَا، فَدَخَل الأَعْرَابِيَّ الشَّرَهُ، فَقَال: أَلا أَرْجِعُ فَأَسْتَقِيلهُ؟

فَقَالوا: لا، وَلكِنَّهُ رَجُل صَالحٌ، فَإِذَا جَاءَكَ بِنَقْدِكَ فَقُل مَا بِعْتُكَ بِهَذَا، فَإِنَّهُ سَيَرُدُّهُ عَليْكَ.

فَلمَّا جَاءَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) أَخْرَجَ إِليْهِ النَّقْدَ، فَقَال: مَا بِعْتُكَ بِهَذَا.

فَقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): وَالذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ لقَدْ بِعْتَنِي بِهَذَا.

فَقَامَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَال: يَا أَعْرَابِيُّ أَشْهَدُ لقَدْ بِعْتَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِهَذَا الثَّمَنِ الذِي قَال.

فَقَال الأَعْرَابِيُّ: لقَدْ بِعْتُهُ وَمَا مَعَنَاأَحَدٌ.

فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لخُزَيْمَةَ: كَيْفَ شَهِدْتَ بِهَذَا؟

فَقَال: يَا رَسُول اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي تُخْبِرُنَا عَنِ اللهِ وَأَخْبَارِ السَّمَاوَاتِ فَنُصَدِّقُكَ وَلا نُصَدِّقُكَ فِي ثَمَنِ هَذَا الفَرَسِ.

فَجَعَل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُليْنِ فَهُوَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ»(1).

ص: 359


1- مستدرك الوسائل: ج 17 ص381 ب14 باب أن للقاضي أن يحكم بعلمه من غير بينة ح1.

حرمة مصادرة الأموال

مسألة: تحرم مصادرة أموال الناس وأراضيهم وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة، ولا تحل بأي ذريعة مما اعتادت الحكومات الجائرة على التذرع بها لمصادرة أموال الناس.

قال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «لا يَحِل مَال امْرِئٍ مُسْلمٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسِه»(1).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «وحُرْمَةُ مَالهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ»(2).

وأول من سنّ مصادرة الأراضي في المسلمين هو ابن أبي قحافة وابن الخطاب حيث غصبا فدك وصادراها من بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعلى من سنها آثام كل أرض تصادر، أو حق يغصب إلى يوم القيامة، إذ «مَنِ اسْتَنَّ بِسُنَّةٍ سَيِّئَةٍ فَعَليْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِل بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْ ء»(3).

ص: 360


1- نهج الحق وكشف الصدق: ص493 الفصل السابع في الحجر وتوابعه وفيه مسائل.
2- الكافي: ج 2 ص360 باب السباب ح2.
3- مستدرك الوسائل: ج 12 ص229 ب15 باب استحباب إقامة السنن الحسنة وإجراء عادات الخير والأمر بها وتعليمها وتحريم إجراء عادات الشر ح2.

الراضي بالحرام

مسألة: الراضي بغصب الغاصب وظلم الظالم شريك له في إثمه، فكيف بالراضي والمدافع بقول أو فعل عن غصب حق سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (عليها السلام).

قال علي (عليه السلام): «إِيَّاكَ ومُصَاحَبَةَ أَهْل الفُسُوقِ فَإِنَّ الرَّاضِيَ بِفِعْل قَوْمٍ كَالوَاحِدِ مِنْهُمْ»(1).

وقال (عليه السلام): «الرَّاضِي بِفِعْل قَوْمٍ كَالدَّاخِل مَعَهُمْ فِيهِ، وعَلى كُل دَاخِل فِي بَاطِل إِثْمَانِ إِثْمُ العَمَل بِهِ وإِثْمُ الرِّضَا بِهِ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «العَامِل بِالظُّلمِ والمُعِينُ لهُ والرَّاضِي بِهِ شُرَكَاءُ ثَلاثَتُهُمْ»(3).

احتساب الظلامات عند الله

مسألة: يستحب أن يحتسب الإنسان المؤمن كل ظلامة تقع عليه زلفةً وقربةً إلى اللهتعالى، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها) حيث قالت: «فاحتسبها يوم المحشر زلفة»، إذ يزداد الإنسان بذلك أجراً يعوضه الله عن ظلامته.

ص: 361


1- عيون الحكم والمواعظ: ص98 ح2264.
2- وسائل الشيعة: ج 16 ص141 ب5 باب وجوب إنكار المنكر بالقلب على كل حال وتحريم الرضا به ووجوب الرضا بالمعروف ح12.
3- الكافي: ج 2 ص333 باب الظلم ح16.

وقد قال الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء: «هَوَّنَ عَليَّ مَا نَزَل بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ»(1).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين: «فإنكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله»(2).

الاحتساب والنهي عن المنكر

مسألة: لا ينفي احتساب الظلامة زلفى، وجوب النهي عن المنكر والسعي لإبطال الباطل، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها)، إذ أعلنت وجهرت وصدعت بالحق وفضحت المبطل وصنعت ما صنعت (صلوات الله عليها)(3).وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لقَدْ أَوْحَى اللهُ فِيمَا مَضَى قَبْلكُمْ إِلى جَبْرَئِيل، وأَمَرَهُ أَنْ يَخْسِفَ بِبَلدٍ يَشْتَمِل عَلى الكُفَّارِ والفُجَّارِ، فَقَال جَبْرَئِيل: يَا رَبِّ أَخْسِفُ بِهِمْ إِلا بِفُلانٍ الزَّاهِدِ ليَعْرِفَ مَا ذَا يَأْمُرُ اللهُ بِهِ. فَقَال اللهُ عَزَّ وجَل: بَل اخْسِفْ بِفُلانٍ قَبْلهُمْ. فَسَأَل رَبَّهُ، فَقَال: يَا رَبِّ عَرِّفْنِي لمَ ذَلكَ وهُوَ زَاهِدٌ عَابِدٌ، قَال: مَكَّنْتُ لهُ وأَقْدَرْتُهُ، فَهُوَ لا يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ، ولا يَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وكَانَ يَتَوَفَّرُ عَلى حُبِّهِمْ فِي غَضَبِي لهُمْ.

فَقَالوا: يَا رَسُول اللهِ وكَيْفَ بِنَا ونَحْنُ لا نَقْدِرُ عَلى إِنْكَارِ مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ

ص: 362


1- اللهوف على قتلى الطفوف: ص117 المسلك الثاني في وصف حال القتال وما يقرب من تلك الحال.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 9 ص146 ب151.
3- إضافة إلى أن اللقب لا مفهوم له، وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

مُنْكَرٍ، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): لتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ ولتَنْهُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ ليَعُمَّنَّكُمْ عِقَابُ اللهِ، ثُمَّ قَال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَليُنْكِرْهُ بِيَدِهِ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِلسَانِهِ، فَإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلبِهِ، فَحَسْبُهُ أَنْ يَعْلمَ اللهُ مِنْ قَلبِهِ أَنَّهُ لذَلكَ كَارِهٌ»(1).

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى الفَقِيهِ قَال: إِنِّي سَمِعْتُ عَليّاً (عليه السلام) يَقُول يَوْمَ لقِيَنَا أَهْل الشَّامِ: «أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَل بِهِ ومُنْكَراً يُدْعَى إِليْهِ فَأَنْكَرَهُ بِقَلبِهِ فَقَدْسَلمَ وبَرِئَ، ومَنْ أَنْكَرَهُ بِلسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وهُوَ أَفْضَل مِنْ صَاحِبِهِ، ومَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لتَكُونَ كَلمَةُ اللهِ العُليَا وكَلمَةُ الظَّالمِينَ السُّفْلى فَذَلكَ الذِي أَصَابَ سَبِيل الهُدَى وقَامَ عَلى الطَّرِيقِ ونَوَّرَ فِي قَلبِهِ اليَقِينُ»(2).

تجسم الأعمال

مسألة: الظاهر تجسم الأعمال، والأدلة عليه من الكتاب والسنة كثيرة، ذكرناها في بعض الكتب، ويستفاد ذلك أيضاً من قول الصديقة (عليها السلام): «وَليَجِدَنَّهَا آكِلوهَا سَاعِرَةَ حَمِيمٍ(3) فِي لظَى جَحِيمٍ»، إذ ظاهره أن نفس فعلهم هذا سيجدونه حميماً مسعرة في نار جهنم.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَال: «إِذَا مَاتَ العَبْدُ المُؤْمِنُ

ص: 363


1- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص479 ح307.
2- وسائل الشيعة: ج 16 ص133 ب3 باب وجوب الأمر والنهي بالقلب ثم باللسان ثم باليد وحكم القتال على ذلك وإقامة الحدود ح8.
3- الحميم: هو الماء الحار.

دَخَل مَعَهُ فِي قَبْرِهِ سِتَّةُ صُوَرٍ، فِيهِنَّ صُورَةٌ هِيَ أَحْسَنُهُنَّ وَجْهاً وأَبْهَاهُنَّ هَيْئَةً وأَطْيَبُهُنَّ رِيحاً وأَنْظَفُهُنَّ صُورَةً، قَال: فَيَقِفُ صُورَةٌ عَنْ يَمِينِهِ، وأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ، وأُخْرَى بَيْنَيَدَيْهِ، وأُخْرَى خَلفَهُ، وأُخْرَى عِنْدَ رِجْليْهِ، ويَقِفُ التِي هِيَ أَحْسَنُهُنَّ فَوْقَ رَأْسِهِ، فَإِنْ أُتِيَ عَنْ يَمِينِهِ مَنَعَتْهُ التِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ كَذَلكَ إِلى أَنْ يُؤْتَى مِنَ الجِهَاتِ السِّتِّ، قَال: فَتَقُول: أَحْسَنُهُنَّ صُورَةً: مَنْ أَنْتُمْ جَزَاكُمُ اللهُ عَنِّي خَيْراً، فَتَقُول التِي عَنْ يَمِينِ العَبْدِ: أَنَا الصَّلاةُ، وتَقُول التِي عَنْ يَسَارِهِ: أَنَا الزَّكَاةُ، وتَقُول التِي بَيْنَ يَدَيْهِ: أَنَا الصِّيَامُ، وتَقُول التِي خَلفَهُ: أَنَا الحَجُّ والعُمْرَةُ، وتَقُول التِي عِنْدَ رِجْليْهِ: أَنَا بِرُّ مَنْ وَصَلتَ مِنْ إِخْوَانِكَ، ثُمَّ يَقُلنَ: مَنْ أَنْتَ فَأَنْتَ أَحْسَنُنَا وَجْهاً وأَطْيَبُنَا رِيحاً وأَبْهَانَا هَيْئَةً، فَتَقُول: أَنَا الوَلايَةُ لآِل مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله»(1).

ص: 364


1- المحاسن: ج 1 ص288 ب46 باب الشرائع ح432.

شهود ابن أبي قحافة

اشارة

روي عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلس أبو بكر مجلسه، بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة (عليها السلام) فقالت: يا أبا بكر ادّعيت أنّك خليفة أبي وجلست مجلسه، وأنت بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك، وقد تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدّق بها عليّ، وأنّ لي بذلك شهوداً.

فقال: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يورث!.

فرجعت (عليها السلام) إلى عليّ (عليه السلام) فأخبرته، فقال: ارجعي إليه وقولي له: زعمت أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يورث وَوَرِثَ سُليْمانُ داوُدَ، وورث يحيى زكريّا، وكيف لا أرث أنا أبي.

فقال عمر: أنتِ مُعلمة.

قالت: وإن كنت مُعلمة فإنّما علمني ابن عمّي وبعلي.

فقال أبو بكر: فإنّ عائشة تشهد وعمر أنّهما سمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: النبيّ لا يورث!.

فقالت: هذا أوّل شهادة زور شهدا بها، ثم قالت: فإنّ فدك إنّما هي صدّق

ص: 365

بها عليَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولي بذلك بيّنة.فقال: لها هلمّي ببيّنتك.

قال: فجاءت بأمّ أيمن وعليّ (عليه السلام).

فقال أبو بكر: يا أمّ أيمن إنّك سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في فاطمة؟

فقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، ثم قالت أمّ أيمن: فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنّة تدّعي ما ليس لها، وأنا امرأة من أهل الجنّة ما كنت لأشهد بما لم أكن سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال عمر: دعينا يا أمّ أيمن من هذه القصص، بأيّ شي ء تشهدين؟

فقالت: كنت جالسة في بيت فاطمة (عليها السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس حتّى نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمّد قم فإنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أخطّ لك فدكاً بجناحي، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع جبرئيل (عليه السلام) فما لبث أن رجع، فقالت فاطمة: (عليها السلام) يا أبة أين ذهبت، فقال: خطّ جبرئيل (عليه السلام) لي فدكاً بجناحه وحدّ لي حدودها، فقالت: يا أبة إنّي أخاف العيلة والحاجة من بعدك، فصدِّقْ بها عليّ، فقال: هي صدقة عليك، فقبضتها، قالت: نعم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أمّ أيمن اشهدي، ويا عليّ اشهد.

فقال عمر: أنت امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، وأمّا عليّ فيجرّ إلى نفسه!.

ص: 366

قال: فقامت مغضبة وقالت: اللهم إنّهما ظلما ابنة نبيّك حقّها،فاشدد وطأتك عليهما.

ثم خرجت وحملها عليّ على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار، والحسن والحسين (عليهما السلام) معها، وهي تقول: يا معشر المهاجرين والأنصار انصروا الله وابنة نبيّكم، وقد بايعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريّته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم، ففوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ببيعتكم.

قال: فما أعانها أحد، ولا أجابها ولا نصرها.

قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل(1) فقالت: يا معاذ بن جبل(2) إنّي قد

ص: 367


1- كان معاذ أميرا باليمن، انظر قاموس الرجال: ج10 ص98.
2- الظاهر أن معاذ بن جبل كان منحرفاً عن الإمام علي (عليه السلام) من البداية، فمثلاً حين أوحى الله تعالى إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يقيم علياً (عليه السلام) علماً وخليفة من بعده للناس، قال معاذ لرسول الله (صلى الله عليه وآله): (أشرك في ولايته الأول والثاني حتى يسكن الناس إلى قولك ويصدقوك)! فنزل قوله تعالى: «لئن أشركت ليحبطن عملك» كما جاء في تأويل الآيات: ص 510 سورة زمر، وانظر بحار الأنوار: ج23 ص362. وكان معاذ من الشهود على الصحيفة الملعونة والحديث المجعول المفترى على رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة) وأول من شهد بذلك عمر، ثم أبو عبيدة الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل، وقد تعاهد هؤلاء الخمسة مع أبي بكر على ذلك، وقال فيهم أمير المؤمنين (عليه السلام): «لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة». وقد جاء في كتاب سليم بن قيس: إنه كان من أصحاب الصحيفة أن يزيلوا علياً (عليه السلام) من الخلافة. وقد دعا معاذ بالويل والثبور عند موته، انظر بحار الأنوار: ج28 ص122 كما جاء في إرشاد الديلمي. كما أن معاذ كان مع سالم وأبي عبيدة شاهرين سيوفهم حتى أخرجوا أبا بكر وأصعدوه المنبر. راجع رجال المامقاني، وقاموس الرجال للتستري: ج10 ص97 - 98، ومستدركات على رجال الحديث وغيرها. وهذا نص ما ورد في الإرشاد: ج2 ص391 - 392: قال عبد الرحمن بن غنم الأزدي: حين مات معاذ بن جبل وكان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهاداً، قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون، فشهدته يوم مات والناس متشاغلون بالطاعون، قال: وسمعته حين احتضر وليس معه في البيت غيري وذلك في زمن خلافة عمر بن الخطاب، فسمعته يقول: ويل لي، ويل لي، فقلت له: مم، قال: من موالاتي عتيقا وعمر على خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقلت: إنك لتهجر، فقال: يا ابن غنم هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يقولان: أبشر بالنار وأصحابك أفليس قلتم: إن مات رسول الله زوينا الخلافة عن علي بن أبي طالب فلن تصل إليه، فاجتمعت أنا وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم مولى حذيفة، قال: قلت: متى يا معاذ، قال: في حجة الوداع، قلنا: نتظاهر على علي (عليه السلام) فلا ينال الخلافة ما حيينا، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت لهم: أكفيكم قومي الأنصار واكفوني قريشاً، ثم دعوت على عهد رسول الله على هذا الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعد وأسيد بن حصين فبايعاني على ذلك، قلت: يا معاذ إنك لتهجر، فألصق خده إلى الأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتى مات.

جئتك مستنصرة، وقد بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن تنصره وذرّيته وتمنع مما تمنع منه نفسك وذرّيتك، وأنّ أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها.

قال: فمعي غيري؟

ص: 368

قالت: لا، ما أجابني أحد.

قال: فأين أبلغ أنا من نصرك.

قال: فخرجت من عنده، ودخل ابنه، فقال: ما جاء بابنة محمّد إليك؟

قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر، فإنّه أخذ منها فدكاً.

قال: فما أجبتها به؟

قال: قلت: وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي.

قال: فأبيت أن تنصرها؟

قال: نعم.قال: فأيّ شي ء قالت لك؟

قال: قالت لي: والله لا نازعتك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال: فقال: أنا والله لا نازعتك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ لم تجب ابنة محمّد.

قال: وخرجت فاطمة (صلوات الله عليها) من عنده وهي تقول: والله لا أكلمك كلمة حتّى أجتمع أنا وأنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم انصرفت.

فقال عليّ (عليه السلام) لها: ائتي أبا بكر وحده فإنّه أرقّ من الآخر، وقولي له: ادّعيت مجلس أبي وأنّك خليفته وجلست مجلسه، ولو كانت فدك لك ثم استوهبتها منك لوجب ردّها عليّ.

ص: 369

فلمّا أتته وقالت له ذلك، قال: صدقت.

قال: فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمّد ما هذا الكتاب الذي معك؟

فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك.

فقال: هلمّيه إليّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت (عليها السلام) حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها، ثمّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين نقف، ثم أخذ الكتاب فخرقه، فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر، ثم قبضت.فلمّا حضرتها الوفاة دعت عليّاً (صلوات الله عليه) فقالت: إمّا تضمن وإلا أوصيت إلى ابن الزبير.

فقال عليّ (عليه السلام): أنا أضمن وصيّتك يا بنت محمّد.

قالت: سألتك بحقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أنا متّ أن لا يشهداني ولا يصليا عليّ.

قال: فلك ذلك.

فلما قبضت (صلوات الله عليها)، دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، وأبو بكر وعمر كذلك، فخرج إليهما عليّ (عليه السلام)، فقالا له: ما فعلت بابنة محمّد، أخذت في جهازها يا أبا الحسن.

فقال عليّ (عليه السلام): قد والله دفنتها.

قالا: فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها.

ص: 370

قال: هي أمرتني.

فقال عمر: والله لقد هممت بنبشها والصّلاة عليها.

فقال عليّ (صلوات الله عليه): أما والله ما دام قلبي بين جوانحي وذو الفقار في يدي فإنّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم.

فقال أبو بكر: اذهب، فإنه أحقّ بها منّا، وانصرف الناس(1).

-----------------------------

توضيح المجلسي

قال العلامة العلامة المجلسي (رحمه الله):

(بيان): قال في النهاية: الوطء في الأصل الدّوس بالقدم، فسمّي به الغزو والقتل، لأنّ من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في إهلاكه وإهانته، ومنه الحديث: اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، أي خذهم أخذاً شديداً، انتهى(2).

والخمل: بالتحريك هدب القطيفة ونحوها.

قولها (عليها السلام): لا نازعتك الفصيح.. أي لا أنازعك بما يفصح عن المراد، أي بكلمة من رأسه، فإنّ محل الكلام في الرأس، أو المراد بالفصيح اللسان.

ص: 371


1- بحار الأنوار: ج 29 ص189 ب11 باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ح39، عن الاختصاص: ص183 حديث فدك.
2- أي كلام النهاية.

قوله: حين نقف، على بناء المجهول، أي كسر من لطم اللعين، والجوانح الضّلوع تحت التّرائب ممّا يلي الصّدر، واحدتها جانحة(1).

انتهى كلام المجلسي (رضوان الله عليه).

غصب المنصب الشرعي

مسألتان: يحرم غصب منصب من له المنصب شرعاً، كالولي والقيّم والخليفة الشرعي، كما يحرم أن يجلس الغاصب مجلس المغصوب منه، والثاني من فروع الأولى.

وقول الصديقة (صلوات الله عليها): «وَجَلسَ مَجْلسَهُ» يحتمل فيه إرادة المعنيين: المجلس المعنوي بغصب الخلافة ظاهرياً وبفرض السلطة قسراً، والمجلس المادي بالجلوس على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال (عليه السلام) في تفسير الآية: « «فَاتَّقُوا» بِذَلكَ عَذَابَ «النَّارِ التِي وَقُودُهَا» حَطَبُهَا «النَّاسُ والحِجارَةُ» حِجَارَةُ الكِبْرِيتِ أَشَدُّ الأَشْيَاءِ حَرّاً «أُعِدَّتْ» تِلكَ النَّارُ «للكافِرِينَ»(2) بِمُحَمَّدٍ والشَّاكِّينَ فِي نُبُوَّتِهِ، والدَّافِعِينَ لحَقِّ أَخِيهِ عَليٍّ، والجَاحِدِينَ لإِمَامَتِه»(3).

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَال: كَانَ رَسُول اللهِ (صلى

الله عليه وآله) ذَاتَ يَوْمٍ جَالساً وعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَليُّ بْنُ أَبِيطَالبٍ (عليه السلام) إِذْ قَال: «مَنْ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ دَخَل الجَنَّةَ»، فَقَال رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِهِ: فَنَحْنُ نَقُول لا إِلهَ إِلا

ص: 372


1- بحار الأنوار: ج29 ص194.
2- سورة البقرة: 24.
3- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص202 ح92.

اللهُ، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّمَا تُقْبَل شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ مِنْ هَذَا ومِنْ شِيعَتِهِ، الذِينَ أَخَذَ رَبُّنَا مِيثَاقَهُمْ»، فَقَال الرَّجُلانِ: فَنَحْنُ نَقُول لا إِلهَ إِلا اللهِ، فَوَضَعَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَدَهُ عَلى رَأْسِ عَليٍّ (عليه السلام) ثُمَّ قَال: «عَلامَةُ ذَلكَ أَنْ لا تَحُلا عَقْدَهُ، ولا تَجْلسَا مَجْلسَهُ، ولا تُكَذِّبَا حَدِيثَهُ»(1).

رسول الغاصب

مسائل: يحرم أن يبعث الغاصب رسولاً من قبله لإنجاز غصبه وتنفيذه، كما صنع ابن أبي قحافة، إذ بعث إلى وكيل الصديقة فاطمة (عليها السلام) فأخرجه من فدك.

كما يحرم على هذا الرسول أن يمتثل أمر الغاصب فينجز ما أمره به، بل حتى أن يبلغ رسالته إليه، لأنه نوع من التعاون على الإثم، وفيما يرتبط بالعترة الطاهرة (عليهم السلام) يكون من أشد الحرام.

كما يحرم على المبلغ إليه أن ينزعيده من ولايته ويسلم الوقف أو الملك أو غيرهما للغاصب إلا لو كان هناك محذور أهم شرعاً.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُعِينُوا عَلى مُسْلمٍ مَظْلومٍ، فَيَدْعُوَ اللهَ عَليْكُمْ، فَيُسْتَجَابَ لهُ فِيكُمْ؛ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ يَقُول: إِنَّ دَعْوَةَ المُسْلمِ المَظْلومِ مُسْتَجَابَة»(2).

ص: 373


1- ثواب الأعمال: ص7 ثواب من تقبل منه شهادة لا إله إلا الله.
2- الكافي: ج 8 ص8 كتاب الروضة ح1.

تحمل المشاق ومطالبة الحق

مسألة: تجب المطالبة بالحق في الجملة، وإن تكبد المحق في طريق ذلك المشاق، وقد طالبت الصديقة (عليها السلام) بحقها حيث ورد في هذا الحديث: «أتته فاطمة (عليها السلام) فقالت: يا أبابكر ادعيت أنك ...» الحديث.

عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «قَدْ فَرَضَ اللهُ التَّحَمُّل عَلى الأَبْرَار»(1).

وَقَال (عليه السلام): «ثَلاثٌ لا يُسْتَحْيَا مِنْهُنَّ، خِدْمَةُ الرَّجُل ضَيْفَهُ، وَقِيَامُهُ عَنْ مَجْلسِهِ لأَبِيهِ وَمُعَلمِهِ، وَطَلبُ الحَقِّ وَإِنْ قَل»(2).

قَال عَليٌّ (عليه السلام):

صَبَرْتُ عَلى مُرِّ الأُمُورِ كَرَاهَة *** وَ أَبْقَيْتُ فِي ذَاكَ الصَّوَابَ مِنَ الأَمْرِ(3)

علم الغاصب

مسألة: لا شك أن ابن أبي قحافة كان يعلم بأن فدكاً كانت ملكاً للصديقة فاطمة (عليها السلام) ومع ذلك قام بمصادرها ظلماً وجوراً، والأدلة على ذلك

ص: 374


1- مستدرك الوسائل: ج7 ص212 ب26 ح8065.
2- مستدرك الوسائل: ج16 ص260 ب24 ضمن الرقم 19800.
3- الأمالي، للطوسي: ص703 مجلس يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رمضان سنة سبع وخمسين وأربع مائة ح11.

كثيرة:

منها: إنه بعث إلى وكيل فاطمة (عليها السلام) فأخرجه من فدك، وكان يعلم بأن اليد دليل الملك شرعاً وعرفاً.

ومنها: إنه لا يعقل أن تكون فاطمة (عليها السلام) قد استولت على فدك ظلماً، ونصبت وكيلاً لها في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدون أن يكون ملكها إياها، فلا يمكن أن يكون يدها يد عدوان والعياذ بالله، ولم تكن الزهراء (عليها السلام) ولا سائر النساء ممن يتولين شؤون الأملاك العامة، ولا الخاصة التي لا ترتبط بهن.

ومنها: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن ملك فاطمة (عليها السلام) فدكاً بأمر الله عزوجل، حول حتى إدارة فدك عليها، وأمرها أن تنصب وكيلاً عنها على فدك، ليتأكد للناس تمليكه لها، وإلاّ لم يكن داع لذلك، بل كان من الممكن أن ينصب هو وكيلاً، أو يأمر أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) بنصب

وكيل.ومنها: قول الصديقة (عليها السلام): «وقد تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدق بها عليّ».

فدك نحلة وهبة

مسألة: كانت فدك نحلة(1) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهبة منه للزهراء (عليها السلام) في حال حياته، ولم تكن إرثاً، وإنما ناقشت الزهراء (عليها السلام) في

ص: 375


1- يقال: نحله أي أعطاه ووهبه من طيب نفس بلا توقع عوض.

الإرث تنزلاً ومحاججةً وإلزاماً للخصم، وبياناً لكون الخصم يخالف صريح القرآن.

إضافة إلى أن الإرث على مقتضى القاعدة الشرعية إن لم تكن فدك هبة فرضاً، فبقيت على ملكه (صلى الله عليه وآله) فتكون إرثاً للصديقة (عليها السلام)(1).

وفي الحديث: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث علياً (عليه

السلام) إِلى فَدَكٍ فَصَالحَهُمْ عَلى أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، فَكَانَتْ حَوَائِطُ فَدَكٍ لرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) خَاصّاً خَالصاً، فَنَزَل جَبْرَئِيل فَقَال: إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يَأْمُرُكَ أَنْ تُؤْتِيَ ذَوِي القُرْبَىحَقَّهُ، فَقَال: يَا جَبْرَئِيل ومَنْ قَرَابَاتِي ومَا حَقُّهَا، قَال: فَاطِمَةُ فَأَعْطِهَا حَوَائِطَ فَدَكٍ ومَا للهِ ولرَسُولهِ فِيهَا، فَدَعَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَاطِمَةَ (عليها السلام) وكَتَبَ لهَا كِتَاباً جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا إِلى أَبِي بَكْرٍ وقَالتْ: هَذَا كِتَابُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لي ولابْنَي»(2).

الصدقة ومعناها العرفي

مسألة: ليست للصدقة(3) حقيقة شرعية، بل هي باقية على معناها اللغوي والعرفي، والشارع أضاف قيوداً للصدقة بالمعنى المصطلح.

وعليه فلا يتوهم المنافاة بين كون فدك نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 376


1- ولا يتوهم أن المرأة لا ترث من الأرض إذ الزوجة، هي التي لا ترث زوجها من الأرض، أما البنت فترث من كل شيء.
2- إعلام الورى: ص100 غزوة خيبر.
3- في مجمع البحرين: (الصدقة ما أعطي الغير به تبرعا بقصد القربة غير هدية، فتدخل فيها الزكاة والمنذورات والكفارة وأمثالها)

لفاطمة (عليها السلام) وبين قولها ههنا: إنه تصدق بها عليها، ومن هنا يطلق على المهر الصدقة، وجمعها صَدُقَات، قال تعالى: «وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلةً فَإِنْ طِبْنَ لكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً»(1).عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «كُل مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»(2).

وقَال علي (عليه السلام): «الدُّعَاءُ للسَّائِل إِحْدَى الصَّدَقَتَيْنِ»(3).

المغالطة المحرمة

مسألة: المغالطة بغرض تضييع الحقوق محرمة، ومنها ما صنعه ابن أبي قحافة حيث أجاب عن قول الزهراء (عليها السلام): «وقد تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدق بها علي، وإن لي بذلك شهوداً»، بقوله: (إن النبي لا يورث)، فإنه مغالطة صريحة، إذ لم تقل الزهراء (عليها السلام) أن فدك إرث، بل قالت: هي نحلة صدق بها عليها النبي (صلى الله عليه وآله)، فأجاب: إن النبي لا يورث! والحال أن الإرث بعد الممات، والنحلة حال الحياة.

قال تعالى: «الذينَ يُجادِلونَ في آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وعِنْدَ الذينَ آمَنُوا كَذلكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُل قَلبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ»(4).

ص: 377


1- سورة النساء: 4.
2- الكافي: ج 4 ص26 باب فضل المعروف ح2.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص26 ح314.
4- سورة غافر: 35.

وقال سبحانه: «إِنَّ الذينَ يُجادِلونَ في آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلطانٍ أَتاهُمْ إِنْ في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالغيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصير»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ جَادَل فِي خُصُومَةٍ بِغَيْرِ عِلمٍ لمْ يَزَل فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِع»(2).

الرجوع إلى الحجة

مسألة: يجب الرجوع إلى الإمام (عليه السلام) أو من نصبه في الحوادث الواقعة، والائتمار بأمره، وذلك للإطلاقات وتأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها)، حيث (رجعت إلى علي (عليه السلام) فأخبرته فقال: ارجعي...)، إضافة إلى كونه عقلياً.

عَنْ نُعْمَانَ الرَّازِيِّ قَال: كُنْتُ جَالساً أَنَا وبَشِيرٌ الدَّهَّانُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَقَال: «لمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّةُ آدَمَ وانْقَطَعَ أَكْلهُ، أَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَل إِليْهِ أَنْ يَا آدَمُ قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ وانْقَطَعَ أَكْلكَ فَانْظُرْ إِلى مَا عِنْدَكَ مِنَ العِلمِ والإِيمَانِ ومِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وأُثْرَةِ العِلمِ والاسْمِالأَعْظَمِ فَاجْعَلهُ فِي العَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عِنْدَ هِبَةِ اللهِ، فَإِنِّي لمْ أَدَعِ الأَرْضَ بِغَيْرِ عَالمٍ يُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي ودِينِي، ويَكُونُ نَجَاةً لمَنْ أَطَاعَه»(3).

ص: 378


1- سورة غافر: 56.
2- مجموعة ورام: ج 1 ص109 باب ما جاء في المراء والمزاح والسخرية.
3- علل الشرائع: ج 1 ص195 ب153 باب العلة التي من أجلها لا تخلو الأرض من حجة الله عز وجل على خلقه ح1.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «خَرَجَ الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام) عَلى أَصْحَابِهِ فَقَال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ جَل ذِكْرُهُ مَا خَلقَ العِبَادَ إِلا ليَعْرِفُوهُ، فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، فَإِذَا عَبَدُوهُ اسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاهُ، فَقَال لهُ رَجُل: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي فَمَا مَعْرِفَةُ اللهِ، قَال: مَعْرِفَةُ أَهْل كُل زَمَانٍ إِمَامَهُمُ الذِي يَجِبُ عَليْهِمْ طَاعَتُه»(1).

العمل بقول المعصوم

مسألة: يجب العمل بقول المعصوم (عليه السلام) وإن كان عسراً وحرجاً، إذا كان أمره وارداً مورد العسر والحرج، فلا منافاة بين لزوم الاتباع في القضية الخارجية المأمور بها وإن كانت عسرة وحرجة، وأدلة نفي العسر والحرج المذكورة بنحو القضية الحقيقية.ومن أظهر مصاديق ذلك ما فعلته الصديقة فاطمة (عليها السلام) حيث عملت بأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) في كل ما قاله (صلوات الله عليه) في سلسلة الحوادث بعد شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنه امتثالها ههنا بأمره إذ قال: ارجعي إليه وقولي له: (زعمت) ثم مواجهة ابن الخطاب لها...

فإن من الواضح لكل مخدرة أن من أشق المشاق عليها أن تخاصم الرجال، فكيف إذا كانت مثل الصديقة فاطمة (عليها السلام)، وكيف إذا كان خصمها مثل ابن أبي قحافة وابن الخطاب، بل إن نفس الذهاب إلى مثلهما يحتاج إلى جهاد النفس وأي جهاد.

ص: 379


1- علل الشرائع: ج 1 ص9 ب9 باب علة خلق الخلق واختلاف أحوالهم ح1.

ولكن كان كل تلك التضحيات لأجل فضح الباطل وأهله.

ثم إنها (عليها السلام) كانت عرضة لأشد المخاطر، كما حدث بالفعل، مما ورد في هذا الحديث الشريف، حيث رفسها الثاني برجله فأسقطت المحسن (عليه السلام)، ثم لطمها على وجهها، فلعنة الله على الظالمين، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مِنَّا الإِمَامُ المَفْرُوضُ طَاعَتُهُ، مَنْ جَحَدَهُ مَاتَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً، واللهِ مَا تَرَكَ اللهُ الأَرْضَمُنْذُ قَبَضَ اللهُ آدَمَ إِلا وفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلى اللهِ، حُجَّةً عَلى العِبَادِ، مَنْ تَرَكَهُ هَلكَ، ومَنْ لزِمَهُ نَجَا، حَقّاً عَلى اللهِ»(1).

إبطال الحجج

مسألة: يحرم محاولة إبطال الحجج بصرف عنان الجدال إلى غير مصب النقض والإبرام وتضييع الحق بذلك، ومنه ما صنعه ابن الخطاب حيث حاول ذلك في مواجهة حجة الصديقة الزهراء (عليها السلام) بقوله: (أنت معلمة)، إذ أي ربط لكونها معلمة أو غير معلمة بتمامية الحجة، فإنها احتجت بالقرآن الكريم على أن الأنبياء يورّثون، فحاول المغالطة بتهمة أنت معلمة.

ثم إنها (عليها السلام) قالت: «وإن كنتُ معلمة فإنما علمني ...»، إي إن الحجة لا يضعفها تعلمها من شخص، بل إنه يقويها تعلمها من مثل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) المحيط بإقرارهم بعام الكتاب العزيز وخاصه وناسخه ومنسوخه.

ص: 380


1- المحاسن: ج 1 ص92 ب17 عقاب من لم يعرف إمامه ح45.

قال تعالى: «وَالذينَ يَسْعَوْنَ في آياتِنا مُعاجِزينَ أُولئِكَ فِي العَذابِ مُحْضَرُون»(1).

دقة الكلمات

مسألة: يلزم في بعض المقامات، كمقام الشهادة وما يتعلق بالحقوق والقوانين، وكذا مقام الاستدلال العلمي الدقيق، ويرجح في مقامات أخرى، اختيار الكلمة والعبارة بدقة بالغة، كي لا تفيد الأعم أو الأخص النافي أو المغاير، ومن ذلك قول الإمام للصديقة (صلوات الله عليهما): «ارجعي وقولي له زعمت...»، فإن الزعم يقال عادة للدعوى غير المطابقة للواقع.

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالكُوفَةِ: «اللهُمَّ فَلا بُدَّ لكَ مِنْ حُجَجٍ فِي أَرْضِكَ، حُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ عَلى خَلقِكَ، يَهْدُونَهُمْ إِلى دِينِكَ، ويُعَلمُونَهُمْ عِلمَكَ... اللهُمَّ وإِنِّي لأَعْلمُ أَنَّ العِلمَ لا يَأْرِزُ كُلهُ، ولا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ، فَإِنَّكَ لا تُخْلي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ عَلى خَلقِكَ، إِمَّا ظَاهِرٍ يُطَاعُ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ ليْسَ بِمُطَاعٍ، لكَيْلا تَبْطُل حُجَّتُكَ ويَضِل أَوْليَاؤُكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُم»(2).

ص: 381


1- سورة سبأ: 38.
2- الغيبة، للنعماني: ص137 ب8 ما روي في أن الله لا يخلي أرضه بغير حجة ح2.

شهادة الزور وإسنادها

مسألة: تحرم شهادة الزور، ويحرم استشهادها، أي طلب شهادة الزور من الغير، كما هو ظاهر حال ابن أبي قحافة فإنه في المرة الأولى ادعى الحديث زوراً ولم يشهد عليه، ثم لما رجعت إليه الصديقة (عليها السلام) مرة أخرى استهشد عائشة وعمر.

والظاهر أنهم لجهلهم لم يلتفتوا إلى أن الاستشهاد صار لغواً بعد استدلال الصديقة (عليها السلام) بالآيتين الكريمتين من كتاب الله عزوجل، إذ لا يبقى مجال لذلك بعده، فالحديث إذا خالف كتاب الله طرح بلا شك(1).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «شَاهِدُ الزُّورِ لا تَزُول قَدَمَاهُ حَتَّى تَجِبَ لهُ النَّارُ»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مَا مِنْ رَجُل يَشْهَدُ بِشَهَادَةِ زُورٍ عَلى مَال رَجُل مُسْلمٍ ليَقْطَعَهُ إِلا كَتَبَ اللهُ لهُ مَكَانَهُ صَكّاً إِلى النَّارِ»(3).ثم الظاهر أن قول ابن أبي قحافة (هلمي ببينتك)، كان ثقة منه بخوف الجميع من الشهادة لها، وكان لإظهار أنه منصف، ثم لأخذ فسحة من الوقت للتفكير في الجواب على حجتها الجديدة لو أتت ببينة، كما حدث ذلك بالفعل.

ص: 382


1- عندنا وعند العامة.
2- الكافي: ج 7 ص383 باب من شهد بالزور ح2.
3- الكافي: ج 7 ص383 باب من شهد بالزور ح1.

والظاهر أن ابن أبي قحافة كان أشبه بمعاوية، وكان ابن الخطاب أشبه بيزيد، إذ اختار الأولان طريقة التعامل مع المعارضين بالمكر والحيلة والخداع وإظهار اللين، فإن لم تنجح فالقضاء على من يخالفهم بالسم أو القتل غيلة، كما قتلوا سيد الخزرج ووضعوا شعراً على لسان الجن، أو تسليط الأراذل عليهم.

ولذا قال ابن أبي قحافة: (صدقت) ثم تصدى ابن الخطاب للصديقة الطاهرة (عليها السلام) فأخذ الكتاب بالقوة ورفسها برجله ولطمها، والمشتكى إلى الله.

والمستظهر أن ذلك كان نوعاً من تقسيم الأدوار بينهما من قبل، ليظهر ابن أبي قحافة بمظهر المسالم، ثم يجهض ابن الخطاب أي مطلب اضطر صاحبه لتلبيته حفاظاً على ذلك الملبس الخادع.

شهادة المرأة في الماليات

مسألة: مجيء الصديقة الزهراء (عليها السلام) بأم أيمن وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) هل يعد من الأدلة على نفوذ شهادة الرجل والمرأة الواحدة في الماليات، أو أن العمل لا جهة له، فلعله كان لأن قولها (عليها السلام) يورث العلم أو لغير ذلك؟

ثم إن الزهراء (عليها السلام) لم تأت بأمثال سلمان والمقداد وعمار وأبي ذر (رضوان الله عليهم) للشهادة، لعله كان صوناً لهم من القتل، لأن القوم كانوا لا يتورعون عن قتلهم لو شهدوا، ويدل عليه ضرب عمر لفاطمة (عليها السلام)

ص: 383

ورفسه إياها برجله ولطمه على خدها لمجرد أن يأخذ منها ورقة شهادة ابن أبي قحافة بفدك.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «أَرَأَيْتَ أُمَّ أَيْمَنَ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهَا مِنْ أَهْل الجَنَّةِ ومَا كَانَتْ تَعْرِفُ مَا أَنْتُمْ عَليْهِ»(1).

وفي كتاب سليم: إن ابن الخطاب دَعَا بِالنَّارِ فَأَضْرَمَهَا فِي البَابِ ثُمَّ دَفَعَهُ فَدَخَل فَاسْتَقْبَلتْهُ فَاطِمَةُ (عليها

السلام) وصَاحَتْ: يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُول اللهِ، فَرَفَعَ عُمَرُالسَّيْفَ وهُوَ فِي غِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا، فَصَرَخَتْ: يَا أَبَتَاهْ، فَرَفَعَ السَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا) الحديث(2).

شهادة المرأة في الصدقة

مسألة: ربما يقال إنه يستفاد من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث: «يا أم أيمن اشهدي، ويا علي اشهد»، كفاية شهادة المرأة والرجل الواحد في الصدقة، حيث المتفاهم عرفاً، وإن احتمل غيره.

ثم على القول بعدم قبول الشهادة أو قبولها مبعضة، فإن قوله (صلى الله عليه وآله) يكون دليلاً على الاستثناء في خصوص هذا الفرض، فتكون من خصائصه (صلى الله عليه وآله)، فتأمل.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «قَضَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي غُلامٍ شَهِدَتْ عَليْهِ امْرَأَةٌ أَنَّهُ دَفَعَ غُلاماً فِي بِئْرٍ فَقَتَلهُ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ المَرْأَةِ بِحِسَابِ

ص: 384


1- الكافي: ج 2 ص405 باب المستضعف ح6.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص585 الحديث الرابع.

شَهَادَةِ المَرْأَةِ»(1).وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَكَمِ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ امْرَأَةٍ شَهِدَتْ عَلى رَجُل أَنَّهُ دَفَعَ صَبِيّاً فِي بِئْرٍ فَمَاتَ، قَال: «عَلى الرَّجُل رُبُعُ دِيَةِ الصَّبِيِ بِشَهَادَةِ المَرْأَةِ»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «تُقْبَل شَهَادَةُ المَرْأَةِ والنِّسْوَةِ إِذَا كُنَ مَسْتُورَاتٍ مِنْ أَهْل البُيُوتَاتِ، مَعْرُوفَاتٍ بِالسِّتْرِ والعَفَافِ، مُطِيعَاتٍ للأَزْوَاجِ، تَارِكَاتٍ للبَذَاءِ والتَّبَرُّجِ إِلى الرِّجَال فِي أَنْدِيَتِهِمْ»(3).

قال في الجواهر: (وتقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع ميراث المستهل، وفي ربع الوصية، والاثنين في النصف، والثلاثة في الثلاثة أرباع، والأربعة في تمام المال بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه، وقد تقدم في الوصية النصوص الدالة على ذلك فيها ... وعليه يحمل ما سمعته في النصوص من قبول شهادة القابلة وحدها في المنفوس. لكن عن ابن إدريس وابن حمزة اشتراط عدمالرجال، وإطلاق النص حجة عليهما)(4).

ص: 385


1- الاستبصار: ج 3 ص27 ب17 باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ح17.
2- الاستبصار: ج 3 ص27 ب17 باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ح18.
3- الاستبصار: ج 3 ص13 ب9 باب العدالة المعتبرة في الشهادة ح2.
4- جواهر الكلام: ج 41 ص173.

بطلان قول الخصم

مسألة: إن قول ابن الخطاب: (أنت امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، وأما علي فيجر إلى نفسه) باطل من جهات:

الأولى: إن اتهام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بأنه يجر النار إلى قرصه مخالف لكتاب الله ولصريح كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد قال عزوجل: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ ليُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْل البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1).

وقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ»(2).

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار»(4).

وقال (صلى الله عليه وآله): «إني تاركفيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي»(5).

ص: 386


1- سورة الأحزاب: 33.
2- سورة النساء: 59.
3- سورة التوبة: 119.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص72 ب77 ومن وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج.
5- صحيح مسلم: ج5 ص22، ج4 ص1873، مسند أحمد: ج5 ص492، ج3 ص17، ج5 ص181، سنن الترمذي: ج5 ص622، 662، المعجم الكبير للطبراني: ج5 ص170، أسد الغابة: ج2 ص13، الدّر المنثور: ج7 ص349، كنز العمّال: ج1 ص878، سنن النسائي: ج5 ص130، سنن ابن ماجة: ج1 ص43، مستدرك الحاكم: ج3 ص118، 109، الاستيعاب: ج2 ص473، تهذيب التهذيب: ج7 ص337، السيرة الحلبية: ج3 ص336، مجمع الزوائد: ج9 ص163، الصواعق المحرقة: ص230، الشافي: ج3 ص120، أمالي المفيد: ص134، تحف العقول: ص34، الإرشاد للمفيد: ج1 ص165، الاستغاثة: ج1 ص144.

الثانية: إن يد الزهراء (عليها السلام) كانت على فدك، واليد حجة شرعاً، والشهادة مؤكدة عندئذ فلا وجه لردها، وإن لم يتوقف الحق عليها فرضاً.

الثالثة: إنه وسائر الناس كانوا يعلمون بملك الصديقة الزهراء (عليها السلام) لفدك، لظهور وجودها بيد عاملها، ومع العلم يحرم مصادرة الحقوق وإن لم تكن بينة فكيف إذا كانت.

الرابعة: إنه وغيره علموا ملكية الزهراء (عليها السلام) لفدك بشهادة أم أيمن التي ثبت لهم أنها من أهل الجنة، وكيف تشهد وهي من أهل الجنة كذباً على رسول الله (صلى الله عليه وآله).الخامسة: إن عمر شهد مع عائشة بأن الرسول (صلى الله عليه وآله): قال: (النبي لا يورث)، فكيف جازت شهادة عائشة معه ولم تجز شهادة أم أيمن مع علي (عليه السلام)، مع أن كلتا الشهادتين كانتا في أمر مالي.

السادسة: إن شهادة المرأة نافذة في الجملة في الأمور المالية وغيرها حسب المذكور في باب الشهادات حتى إذا كانت وحدها(1)، فلا يجوز ردها ورفضها بالمرة.

ص: 387


1- ففي الوصية لو شهدت المرأة الواحدة نفذت في الربع، ولو شهدت اثنتان نفذت في النصف، ولو شهدت ثلاثة ففي ثلاثة أرباع، وأربعة ففي الكل. كما تقبل شهادتهن منضمة إلى الرجال في الأموال والحقوق، انظر (المسائل الإسلامية)، أحكام القضاء والشهادات.

السابعة: إن حقوق الآدمي تثبت أيضاً بشاهد ويمين.

وفي الآية مفهوم اللقب لا غير، والروايات دلت على الاكتفاء، فثبت ذلك(1) على ما ذكره الأصوليون.الثامنة: إن ابن أبي قحافة وابن الخطاب هما اللذان كانا يجران النار إلى قرصهما، إذ انتزعا فدك لتكون تحت تصرفهما يفعلان بها ما شاءا، فلو فرض كونهما أو أحدهما قاضياً لكانا في معرض التهمة، فوجب الترافع إلى قاض آخر غير متهم، هذا كله تنزلاً ومن باب إلزام الخصم.

قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «قَضَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي وَصِيَّةٍ لمْ تَشْهَدْهَا إِلا امْرَأَةٌ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ فِي رُبُعِ الوَصِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مُسْلمَةً غَيْرَ مُرِيبَةٍ فِي دِينِهَا»(2).

وعَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي شَهَادَةِ امْرَأَةٍ حَضَرَتْ رَجُلا يُوصِي ليْسَ مَعَهَا رَجُل فَقَال: «يُجَازُ رُبُعُ مَا أَوْصَى بِحِسَابِ شَهَادَتِهَا»(3).

ص: 388


1- قال في الشرائع: أما عن حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين، وبشاهد وامرأتين، وبشاهد ويمين، وهو الديون والأموال كالقرض والقراض والغصب وعقود المعاوضات كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارة والمساقاة والرهن ... وللتفصيل راجع موسوعة (الفقه): ج86 كتاب الشهادات ص268 - 275.
2- تهذيب الأحكام: ج 9 ص180 ب7 باب الإشهاد على الوصية ح9.
3- الكافي: ج 7 ص4 باب الإشهاد على الوصية ح4.

الدعاء على الظالم

مسألة: يستحب الدعاء على الظالم وقد يجب، تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) إذ قالت: «اللهم ... عليها».

قَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «ثَلاثُ دَعَوَاتٍ لا يُحْجَبْنَ عَنِ اللهِ تَعَالى: دُعَاءُ الوَالدِ لوَلدِهِ إِذَا بَرَّهُ، ودَعْوَتُهُ عَليْهِ إِذَا عَقَّهُ، ودُعَاءُ المَظْلومِ عَلى ظَالمِهِ، ودُعَاؤُهُ لمَنِ انْتَصَرَ لهُ مِنْهُ، ورَجُل مُؤْمِنٌ دَعَا لأَخٍ لهُ مُؤْمِنٍ وَاسَاهُ فِينَا، ودُعَاؤُهُ عَليْهِ إِذَا لمْ يُوَاسِهِ مَعَ القُدْرَةِ عَليْهِ واضْطِرَارِ أَخِيهِ إِليْهِ»(1).

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، كأَنَّ الذِي دَعَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَلى دَاوُدَ بْنِ عَليٍّ حِينَ قَتَل المُعَلى بْنَ خُنَيْسٍ وأَخَذَ مَال أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ بِنُورِكَ الذِي لا يُطْفَى، وبِعَزَائِمِكَ التِي لا تُخْفَى، وبِعِزِّكَ الذِي لا يَنْقَضِي، وبِنِعْمَتِكَ التِي لا تُحْصَى، وبِسُلطَانِكَ الذِي كَفَفْتَ بِهِ فِرْعَوْنَ عَنْ مُوسَى عليه السلام»(2).

المرأة والأمر بالمعروف

مسألة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على النساء كوجوبهما على الرجال، مع مراعاة الشروط الشرعية، وذلك للآيات والروايات، ومنها صنيع الصديقة (عليها السلام) في هذا المقام، وكذلك صنيع أمير المؤمنين (عليه السلام).

ص: 389


1- الأمالي، للطوسي: ص280 المجلس العاشر ح79.
2- الكافي: ج 2 ص557 باب الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف ح5.

قال تعالى: «وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْليَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ»(1).

رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «لا تَزَال أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، وتَعَاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوَى، فَإِذَا لمْ يَفْعَلوا ذَلكَ نُزِعَتْ مِنْهُمُ البَرَكَاتُ وسُلطَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ولمْ يَكُنْ لهُمْ نَاصِرٌ فِي الأَرْضِ ولا فِي السَّمَاءِ»(2).

حتى اليأس

مسألة: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى اليأس(3)، وقد يحصل اليأسبالمرة الأولى، وقد لا يحصل حتى بالمائة مرة.

ولعل الإمام (صلوات الله عليه) (دار بها أربعين صباحاً) لأن حد اليأس الظاهري كان هو ذلك، ولعله كان حداً لإتمام الحجة الظاهرية.

ويحتمل أن يكون الدوران على المهاجرين والأنصار واحداً واحداً بالتسلسل لا بنحو الاجتماع والتكرار، فإنهم كانوا بالألوف، فكانا يمران كل صباح على مجموعة وهكذا، ويؤيده مثل (فانتهت إلى معاذ بن جبل ...) وربما كان الأقوى، وإن لم يكن التكرار في الجملة ببعيد لسامع الجار واستماع المار ونقل الأخبار.

ص: 390


1- سورة التوبة: 71.
2- وسائل الشيعة: ج 16 ص123 ب1 باب وجوبهما وتحريم تركهما ح18.
3- أي الاطمينان بعدم التأثير. من هنا اشترط الفقهاء وجوب ذلك باحتمال التأثير.

منع الأذى

مسألة: الواجب على المسلمين أن يمنعوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته وذريته (عليهم السلام) الأذى، كما يمنعون عن أنفسهم وذراريهم، بل هو أولى بالوجوب وآكد، والحرمة بتركه أشد، إذ «النَّبِيُّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»(1).

وأما (البيعة) حيث قالت: «وقد بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن تنصره وذرّيته وتمنع مما تمنع منه نفسك وذرّيتك» فتأكيد على ذلك.

ثم إن السبب في تخصيص معاذ بن جبل بالذكر هو كونه من أصحاب الصحيفة الملعونة، إضافة إلى مكانته في القوم وتأثيره، وكان قد أرسله رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى اليمن.

وأما ما نقل من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال عنه: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما يحب رسول الله) فالظاهر أنه من أخبارهم المجعولة(2).

ص: 391


1- سورة التوبة: 71.
2- روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له: بما ذا تقضي، قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله، قال: بسنة رسول الله، قال: إن لم تجد في سنة رسول الله، قال: أجتهد رأيي، فقال (عليه السلام): الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه الله و رسوله. كنز الفوائد: ج2 ص207.

ولعل سؤال معاذ (فمعي غيري) كان بغرض استطلاع الأخبار والتجسس.

ويؤكد سوء حاله قول الصديقة (عليها السلام) له: (والله لا نازعتك ...) مع أنها (صلوات الله عليها) لم تجبَهْ الكثيرين غيره بمثل هذا الكلام.

نصرة المعصوم

مسألة: نصرة المعصومين (عليهم السلام) واجبة خاصة إذا استنصروا، ولا يدفع الوجوب عدم وجود ناصر آخر، فإن المعصوم (عليه السلام) لو استنصر وجب الامتثال، وأما كيفيته فموكولة إلى نظره (صلوات الله عليه).

ولذلك فإن اعتذار معاذ بن جبل عن نصرة الزهراء (عليها السلام) بقوله: (فأين أبلغ أنا من نصرك) باطل مردود، إذ غاية الأمر أن يستشهد وحيداً في طريق الدفاع عن إمام زمانه وعن ابنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: «مَا كَانَ لأَهْل المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلفُوا عَنْ رَسُول اللهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَمَخْمَصَةٌ فِي سَبِيل اللهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إلاَّ كُتِبَ لهُمْ بِهِ عَمَل صَالحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ»(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَأْتُوا هَذِهِ الأَحْجَارَ فَيَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَأْتُونَا فَيُخْبِرُونَا بِوَلايَتِهِمْ ويَعْرِضُوا عَليْنَا نَصْرَهُمْ»(2).

ص: 392


1- سورة التوبة: 71.
2- الكافي: ج 4 ص549 باب إتباع الحج بالزيارة ح1.

وعَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال سَمِعْتُهُ يَقُول: «ونَحْنُ الذِينَ بِنَا نَزَل الرَّحْمَةُ وبِنَا تُسْقَوْنَ الغَيْثَ، ونَحْنُ الذِينَ بِنَا يُصْرَفُ عَنْكُمُ العَذَابُ، فَمَنْ عَرَفَنَا ونَصَرَنَا وعَرَفَ حَقَّنَا وأَخَذَ بِأَمْرِنَا فَهُوَ مِنَّا وإِليْنَا»(1).

الاستعلام عن الأمور الخطيرة

مسألة: يجب الاستعلام عن ما يحتمل كونه من الأمور الخطيرة المرتبطة بشؤون الدين أو الدنيا حتى لو لم نقل بلزوم الفحص في الشبهات الموضوعية، نظراً لخصوصيتها، فلا يجوز الإهمال أوالتساهل والإغضاء بدعوى عدم لزوم الفحص، وذلك لاستقلال العقل بوجوبه في الشك في التكليف قبل الفحص، وفي الشبهة الموضوعية في الأمور الخطيرة أيضاً فإن الاحتمال فيها منجز عقلاً.

ومن صغريات هذه الكبرى سؤال ابن معاذ من أبيه معاذ بن جبل: (ما جاء بابنه محمد إليك ...).

ومنه يظهر حرمة تجاهل السؤال عن الأحداث الخطيرة التي تجري في البلاد الإسلامية، فيمن احتمل أن يكون له مباشرة أو بالواسطة، بقول أو فعل، تأثير في الأمر أو قسط من النهي عن المنكر أو الأمر بالمعروف ولو بتعاضد قوله أو عمله مع قول الآخرين وعملهم.

ص: 393


1- بصائر الدرجات: ج 1 ص63 ب3 باب في الأئمة أنهم حجة الله وباب الله وولاة أمر الله ووجه الله الذي يؤتى منه وجنب الله وعين الله وخزنة علمه جل جلاله وعم نواله ح10.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنِ اسْتَرْشَدَ عَلمَ»(1).

وقال (عليه السلام): «مَنْ أَحْسَنَ السُّؤَال عَلمَ»(2).

وقال (عليه السلام): «العَقْل يُوجِبُ الحَذَرَ»(3).

وقال (عليه السلام): «دَوَامُ الفِكْرِوالحَذَرِ يُؤْمِنُ الزَّلل ويُنْجِي مِنَ الغِيَرِ»(4).

أعداء الصديقة

مسألة: يجب التأسي بفاطمة الزهراء (عليها السلام) إذا خاصمت شخصاً أو قاطعته، فإنه نوع نصرة لها وتبرٍ من أعداء الله، وعكسه خذلان وعدم تبرٍ.

كما يجب التأسي بسائر المعصومين (عليهم السلام) كذلك.

وأما احتمال كون مثل ذلك قضية خاصة فليس بصحيح، لمقام التأسي بهم (عليهم السلام)، وليس الاستدلال بالملاك فقط، بل بظهور فعل الصديقة (عليها السلام) عرفاً في أن خذلانه علة تامة للزوم مقاطعته لطبيعي المكلفين.

قال الإمام الحجة (عليه السلام): «وفِي ابْنَةِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لي أُسْوَةٌ حَسَنَة»(5).

ص: 394


1- عيون الحكم والمواعظ: ص451 ح8040.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص424 ح7181.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص24 ح210.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص251 ح4708.
5- الغيبة، للطوسي: ص286 ف4 فصل بعض معجزات الإمام المهدي (عليه السلام) وما ظهر من جهته (عليه السلام) من التوقيعات على يدي سفرائه.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلي، أَنَا حَرْبٌ لمَنْ حَارَبَهُمْ، وسِلمٌ لمَنْ سَالمَهُمْ، مُحِبٌّ لمَنْ أَحَبَّهُمْ، ومُبْغِضٌ لمَنْ أَبْغَضَهُمْ، فَكُنْ لمَنْ حَارَبَهُمْ حَرْباً، ولمَنْ سَالمَهُمْ سِلماً، ولمَنْ أَحَبَّهُمْ مُحِبّاً، ولمَنْ أَبْغَضَهُمْ مُبْغِضاً»(1).

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَحْيَى الحَضْرَمِيِّ، قَال: سَمِعْتُ عَليّاً (عليه السلام) يَقُول: «كُنَّا جُلوساً عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وهُوَ نَائِمٌ ورَأْسُهُ فِي حَجْرِي، فَتَذَاكَرْنَا الدَّجَّال فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) مُحْمَرّاً وَجْهُهُ فَقَال: لغَيْرُ الدَّجَّال أَخْوَفُ عَليْكُمْ مِنَ الدَّجَّال، الأَئِمَّةُ المُضِلونَ، وسَفْكُ دِمَاءِ عِتْرَتِي مِنْ بَعْدِي، أَنَا حَرْبٌ لمَنْ حَارَبَهُمْ، وسِلمٌ لمَنْ سَالمَهُمْ»(2).

البدائل

مسألة: يلزم في المطالبة بالحقوق اللازمة سلوك الطرق المختلفة ووضع البدائل، تحسباً لاحتمال عدم نجاح بعضها.

ومن ذلك ما صنعه علي (عليه السلام) إذ جعل البديل عن الأسلوب الأول الذي لم ينجح ظاهرياً فقال: (ائتي أبا بكروحده).

ولا يخفى أن قوله (عليه السلام): «فإنه أرق من الآخر» يراد به الأرق بالنظر إلى سياسته الظاهرية لا بالنظر إلى قلبه وواقعه، فإنه كان يتظاهر بالرقة أحياناً حيث كان يرى اللين أقرب إيصالاً لمآربه ومقاصده وأنفذ في تأثير مكره وإخداعه، كما يراد به بيان أشدية الثاني، فكان هو والثاني يتقاسمان الأدوار في

ص: 395


1- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص376 ح261.
2- الأمالي، للطوسي: ص512 المجلس الثامن عشر ح27.

غصب الخلافة وظلم العترة الطاهرة (عليهم السلام).

الإنكار على الطاغية

مسألة: يجب الإنكار على الطاغية حتى في محضره وفي وجهه، ومنه قول الصديقة (عليها السلام) في هذا الحديث للأول: «ادعيت مجلس أبي ...».

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مَنْ تَرَكَ إِنْكَارَ المُنْكَرِ بِقَلبِهِ ويَدِهِ ولسَانِهِ فَهُوَ مَيِّتٌ بَيْنَ الأَحْيَاء»(1).

وقَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «العَاقِل مَنْ كَانَ ذَلولا عِنْدَ إِجَابَةِ الحَقِّ، مُنْصِفاً بِقَوْلهِ، جَمُوحاً عِنْدَ البَاطِل، خَصْماًبِقَوْلهِ، يَتْرُكُ دُنْيَاهُ ولا يَتْرُكُ دِينَهُ»(2).

وقَال علي (عليه السلام): «أَحْسَنُ العَدْل نُصْرَةُ المَظْلومِ»(3).

تلبية المعصوم

مسألة: تجب تلبية طلب المعصوم (عليه السلام) وإن لم يكن المطلوب واجباً بالعنوان الأولي، لولايته أولاً، ولأن حقوقه على آحاد المسلمين أكثر من أن تحصى.

ولذلك وغيره قالت الصديقة الزهراء (عليها السلام) لابن أبي قحافة: «ولو كانت فدك لك ثم استوهبتها منك لوجب ردها علي».

ص: 396


1- تهذيب الأحكام: ج 6 ص181 ب80 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح23.
2- مستدرك الوسائل: ج 11 ص210 ب8 باب في وجوب طاعة العقل ومخالفة الجهل ح25.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص113 ح2489.

هذا بالإضافة إلى أنه صغرى لرضاها، حيث «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها»(1).

إيذاء المعصوم

مسائل: لا شك في أن إيذاء المؤمن حرام، فكيف بإيذاء المعصومين (عليهم السلام) فهو أشد حرمة، كما لا ريب في أن ضرب المؤمن حرام، فكيف بضرب المعصوم (عليه السلام) فإنه من أكبر الكبائر.

وإسقاط الجنين من الكبائر، فكيف بإسقاط جنين المعصوم (عليه السلام) فهو المصيبة العظمى والجريمة الكبرى.

ومن الواضح أنه ينطبق على الثاني حيث رفس فاطمة (عليها السلام) برجله حتى أسقطت محسناً، قوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَليْهِ وَلعَنَهُ وَأَعَدَّ لهُ عَذَاباً عَظِيماً»(2)، من جهتين:

قتله الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقتله المحسن (عليه السلام)، إذ كان قد ولجته الروح وكان لستة أشهر حينما قتل.

هذا كله إضافة إلى انطباق العناوين الأخرى عليه، كفراره من الزحف، واتهامه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه يهجر والعياذ بالله، وغصبه للخلافة،

ص: 397


1- المعجم الكبير: ج1 ص66 ح182، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، ميزان الاعتدال: ج2 ص492 ح4560، مجمع الزوائد: ج9 ص203، كنز العمّال: ج13 ص674 ح37725.
2- سورة النساء: 93.

وإسخاطه الزهراء (عليها السلام) وإغضابها، ومعاداته لأمير المؤمنين (عليه السلام) وإحراقه دارفاطمة (عليها السلام)، وغيرها وغيرها.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا قُمْتُ المَقَامَ المَحْمُودَ تَشَفَّعْتُ فِي أَصْحَابِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي فَيُشَفِّعُنِي اللهُ فِيهِمْ، واللهِ لا تَشَفَّعْتُ فِيمَنْ آذَى ذُرِّيَّتِي»(1).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «الأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ» ثُمَّ قَال: «كُلهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ قَائِمُنَا فَيَشْفِي صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين،َ أَلا إِنَّهُمْ أَعْلمُ مِنْكُمْ فَلا تُعَلمُوهُمْ، أَلا إِنَّهُمْ عِتْرَتِي مِنْ لحْمِي ودَمِي، مَا بَال أَقْوَامٍ يُؤْذُونَنِي فِيهِمْ لا أَنَالهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي»(2).

إتلاف الوثائق

مسألة: إتلاف وثائق الآخرين على حقوقهم وممتلكاتهم حرام، فإنه إضافة إلى أنه تصرف في ملك الغير، هو تضييع لها، فله حرمة نفسية وحرمة غيرية.

أما ما صنعه ابن الخطاب من أخذهالكتاب وخرقه فإنه من أشد المحرمات، لأنه إضافة إلى الجهتين كان اعتداءً على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتهاكاً لمقامها (عليها السلام).

ص: 398


1- الأمالي، للصدوق: ص294 المجلس التاسع والأربعون ح3.
2- كفاية الأثر: ص44 باب ما جاء عن سلمان الفارسي (رحمة الله عليه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَا أَبَا ذَرٍّ، سِبَابُ المُسْلمِ فُسُوقٌ، وقِتَالهُ كُفْرٌ، وأَكْل لحْمِهِ مِنْ مَعَاصِي اللهِ، وحُرْمَةُ مَالهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ»(1).

كيفية السؤال

مسألة: يستحب السؤال بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحصيناً للمطالب المهمة.

قَال (صلى الله عليه وآله): «أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيل (عليه السلام): لمَّا ثَبَّتَ اللهُ عَزَّ وجَل اسْمَ مُحَمَّدٍ عَلى سَاقِ العَرْشِ قُلتُ: يَا رَبِّ هَذَا الاسْمَ المَكْتُوبَ فِي سُرَادِقِ العَرْشِ أَرِنِي أَعَزَّ خَلقِكَ عَليْكَ، قَال: فَأَرَاهُ اللهُ عَزَّ وجَل اثْنَيْ عَشَرَ أَشْبَاحاً أَبْدَاناً بِلا أَرْوَاحٍ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، فَقَال: يَا رَبِّ بِحَقِّهِمْ عَليْكَ إِلا أَخْبَرْتَنِي مَنْ هُمْ، قَال: هَذَا نُورُ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ، وهَذَا نُورُ الحَسَنِ والحُسَيْنِ، وهَذَا نُورُ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وهَذَا نُورُ مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ، وهَذَا نُورُ جَعْفَرِبْنِ مُحَمَّدٍ، وهَذَا نُورُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وهَذَا نُورُ عَليِّ بْنِ مُوسَى، وهَذَا نُورُ مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ، وهَذَا نُورُ عَليِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وهَذَا نُورُ الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ، وهَذَا نُورُ الحُجَّةِ القَائِمِ المُنْتَظَرِ، قَال: فَكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: مَا أَحَدٌ يَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل بِهَؤُلاءِ القَوْمِ إِلا أَعْتَقَ اللهُ تَعَالى رَقَبَتَهُ مِنَ النَّارِ»(2).

ص: 399


1- الأمالي، للطوسي: ص537 مجلس يوم الجمعة الرابع من المحرم سنة سبع وخمسين وأربعمائة ح1.
2- كفاية الأثر: ص170 باب ما روي عن الحسين بن علي (عليهما السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين).

الدفن في البيت

مسألة: يجوز الدفن في البيت، كما صنع أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ دفن الصديقة فاطمة (عليها السلام) في بيتها حسب هذه الرواية، وهناك روايات أخرى، ومن هنا بقي القبر الشريف وسيبقى مجهولاً للدلالة على ظلاماتها.

ولا شرعية للقوانين المجعولة من قبل الحكومات في هذه الأزمنة حيث تمنع من الدفن إلاّ في أماكن خاصة تحددها الدولة.

نعم إذا كان هناك عنوان ثانوي ملزم، يلزم مراعاته حسب ما تشخصه شورى الفقهاء المراجع.

عدم الاغترار بالمظاهر

مسألة: ينبغي أن لا يغتر الإنسان بالمظاهر وخاصة ما يرتبط بالطغاة والحكام، إذ كثيراً ما تكون المظاهر مخالفة للواقع عن عمد وقصد.

ومنه ما ورد في هذا الحديث: أصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها وفلان وفلان كذلك.

فإن هذا الحضور كان لأجل التغطية على ما صدر منهم من الظلم تجاهالصديقة الطاهرة (عليها السلام).

قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا»(1).

ص: 400


1- سورة فاطر: 5.

وقيل: في التوراة:

قُل لصَاحِبِ المَال الكَثِيرِ: لا يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَالهِ وغِنَاهُ، فَإِنِ اغْتَرَّ فَليُطْعِمِ الخَلقَ غَدَاءً وعِشَاءً، وقُل لصَاحِبِ العِلمِ: لا يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ عِلمِهِ، فَإِنِ اغْتَرَّ فَليَعْلمْ أَنَّهُ مَتَى يَمُوتُ، وقُل لصَاحِبِ العَضُدِ القَوِيِّ: لا يَغْتَرَّ بِقُوَّتِهِ، فَإِنِ اغْتَرَّ بِقُوَّتِهِ فَليَدْفَعِ المَوْتَ عَنْ نَفْسِهِ»(1).

مراتب الأمر

مسألة: يصح الأمر - في الجملة - ويصدق إطلاقه حتى من الداني للعالي، ومن المساوي للمساوي، ومن المساوي: قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «هي أمرتني».

ويدل على التساوي بعض الروايات.

علم النفس

مسألة: يلزم على العلماء والخطباء والمفكرين والمبلغين وسائر المؤمنين معرفة علم نفس الأمم والشعوب والناس، فيما يقع مقدمةً وطريقاً للإرشاد والتزكية والتعليم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 401


1- بحار الأنوار: ج 74 ص42 ب2 مواعظ الله عز وجل في سائر الكتب السماوي وفي الحديث القدسي وفي مواعظ جبرئيل (عليه السلام) ح9.

فإن معرفة علم نفس الأفراد والأمم يوجب معرفة الطريق الأفضل للتأثير الإيجابي في الناس، ومعرفة أنهم لمَ يفعلون كذا، و لمَ يهملون كذا، و لمَ يخافون، و لمَ يؤيدون، و لمَ يعارضون ... إلى غير ذلك.

وربما كان من مصاديق تلك المعرفة وغيرها الوصية ب (أن لا يشهداني ...) و(دفنها ليلاً)، فإن ذلك من أقوى أسلحة المظلومية النافذة في نفوس الناس، ومن أقوى الأدلة على ظلم القوم للصديقة الطاهرة (عليها السلام) عند العام والخاص.

وكذلك معرفة سبب (أصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها) ولعل منه أن الناس يحاولون إسكات ضميرهم إذا خذلوا الحق، وذلك بالتعويض ببعض المظاهر، فينبغي أن لا ينخدع بها الإنسان، فإنها لا عمق لها ولا واقعية، بل إن بها يكون تفويت الأهم عادة.قال تعالى: «وآتَيْناهُ مِنْ كُل شَيْ ءٍ سَبَباً»(1).

وفي الأحراز المأثورة: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يَا مَالكَ الرِّقَابِ، ويَا هَازِمَ الأَحْزَابِ، يَا مُفَتِّحَ الأَبْوَابِ، يَا مُسَبِّبَ الأَسْبَابِ، سَبِّبْ لنَا سَبَباً لا نَسْتَطِيعُ لهُ طَلباً، بِحَقِّ لا إِلهَ إِلا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُول اللهِ، صَلى اللهُ عَليْهِ وعَلى آلهِ أَجْمَعِين»(2).

ص: 402


1- سورة الكهف: 84.
2- مهج الدعوات: ص45 حرز لمولانا القائم (عليه السلام).

الإرادة القوية

مسألة: يجب على الدُعاة إلى الخير والحق أن يتحلوا بالإرادة القوية والجنان الثابت، وأن يعدوا مع ذلك القوة النفسية والمنطقية والإعلامية والاجتماعية وغيرها اللازمة للدفاع عن الحق ومواجهة الباطل، ولعله أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذين الجانبين بقوله: (ما دام قلبي ... فأنت أعلم).

قال تعالى: «يُثَبِّتُ اللهُ الذينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ ويُضِل اللهُ الظَّالمينَ ويَفْعَل اللهُ ما يَشاء»(1).

وفي الدعاء: «وقَوِّنِي فِي سَبِيلكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين»(2).

وقال (عليه السلام): «وَمَا كُل مَنْ أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَليْهِ، ولا كُل مَنْ قَدَرَ عَلى شَيْ ءٍ وُفِّقَ لهُ، ولا كُل مَنْ وُفِّقَ لهُ أَصَابَ لهُ مَوْضِعاً، فَإِذَا اجْتَمَعَ النِّيَّةُ والقُدْرَةُ والتَّوْفِيقُ والإِصَابَةُ فَهُنَاكَ تَجِبُ السَّعَادَةُ»(3).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«المُؤْمِنُ لهُ قُوَّةٌ فِي دِينٍ، وحَزْمٌ فِي لينٍ، وإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ، وحِرْصٌ فِي فِقْهٍ، ونَشَاطٌ فِي هُدًى، وبِرٌّ فِي اسْتِقَامَةٍ، وعِلمٌ فِي حِلمٍ، وكَيْسٌ فِي رِفْقٍ، وسَخَاءٌ فِي حَقٍّ، وقَصْدٌ فِي غِنًى، وتَجَمُّل فِي فَاقَةٍ، وعَفْوٌ فِي قُدْرَةٍ، وطَاعَةٌ للهِ فِي نَصِيحَةٍ، وانْتِهَاءٌ فِي شَهْوَةٍ، ووَرَعٌ فِي رَغْبَةٍ، وحِرْصٌ فِي جِهَادٍ، وصَلاةٌ فِي

ص: 403


1- سورة إبراهيم: 27.
2- بحار الأنوار: ج 94 ص216 اليوم الرابع والعشرون ح1.
3- كشف الغمة: ج 2 ص208.

شُغُل، وصَبْرٌ فِي شِدَّةٍ، وفِي الهَزَاهِزِ وَقُورٌ، وفِي المَكَارِهِ صَبُورٌ، وفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ، ولا يَغْتَابُ، ولا يَتَكَبَّرُ، ولا يَقْطَعُ الرَّحِمَ، وليْسَ بِوَاهِنٍ، ولا فَظٍّ، ولا غَليظٍ، ولا يَسْبِقُهُ بَصَرُهُ، ولا يَفْضَحُهُ بَطْنُهُ، ولا يَغْلبُهُ فَرْجُهُ، ولا يَحْسُدُ النَّاسَ، يُعَيَّرُ ولا يُعِيِّرُ، ولا يُسْرِفُ، يَنْصُرُ المَظْلومَ، ويَرْحَمُ المِسْكِينَ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ، والنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ، لا يَرْغَبُ فِي عِزِّ الدُّنْيَا، ولا يَجْزَعُ مِنْ ذُلهَا، للنَّاسِ هَمٌّ قَدْ أَقْبَلوا عَليْهِ، ولهُ هَمٌّ قَدْ شَغَلهُ، لا يُرَى فِي حُكْمِهِ نَقْصٌ، ولا فِي رَأْيِهِ وَهْنٌ، ولا فِي دِينِهِ ضَيَاعٌ، يُرْشِدُ مَنِ اسْتَشَارَهُ، ويُسَاعِدُ مَنْ سَاعَدَهُ، ويَكِيعُ عَنِ الخَنَا والجَهْل»(1).

ص: 404


1- الكافي: ج 2 ص231 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح4.

الخاتمة

وكان هذا بعض ما روي عن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع شرح مختصر أو استنباط موجز أو تفريع أو تشقيق أو تطبيق، سميناه بكتاب (من فقه الزهراء) (عليها أفضل الصلاة والسلام).

علماً بأن رواياتها وكلماتها في مختلف أبواب الأصول والفروع وسائر العلوم أكثر من أن تحصى، فإن ما فقد منها أو أتلف، كثير جداً، لتوفر دواعي الغاصبين للخلافة والحكومات الظالمة والأعداء والحساد على محو آثار العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم).

وهناك أيضاً روايات أخرى وأدعية متعددة مروية عنها (عليها السلام) لم نوفق لشرحها، ذكر بعضها السيد الأخ (رحمه الله) في كتابه (كلمة فاطمة الزهراء عليها السلام) وغيره في غيرها، يمكن استدراكها، عسى أن يوفق الله بعض العلماء للبحث عنها، واستنباط الأحكام الشرعية منها، إنه سميع الدعاء.

ومن اللازم أن يهتم الفقهاء العظاموالمحدثون والمدرسون والمحققون وأساتذة الجامعات ومراكز الدراسات والمعاهد العلمية والطلاب الفضلاء بدراسة

ص: 405

وتدريس وتعليم وتعلم فقه الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ليكون ذلك وسيلة لهم إلى رضوان الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وليكون مقدمة لتطبيق أحكام الإسلام على الأنام، ولإسعاد البشر رجالاً ونساءً في الدنيا والآخرة، وما ذلك على الله بعزيز.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1414 ه

ص: 406

الفهرس

عقاب التهاون بالصلاة 5

شرح الحديث.. 6

عقاب التهاون بالصلاة 7

بركة العمر 9

بركة الرزق. 10

سيماء الصالحين. 10

استجابة الدعاء 12

دعاء الصالحين. 13

موت الذل \ الموت جوعاً 14

الموت عطشاً 15

عذاب القبر. 16

ضيق القبر. 17

ظلمة القبر. 18

سحب المجرم 19

ص: 407

شدة الحساب.. 20

عدم النظرة الإلهية 21

الترك والتهاون. 22

أهمية الصلاة 24

حرمة الخمر والمسكر 26

حرمة مطلق المسكر 27

المسكر خمر حكماً 28

حرمة حتى القطرة 29

قاعدة الإلزام لا تشمل الخمر 31

التعليم والإنذار 32

الخمر وعدم قبول الصلاة \ حرمة الخمر مطلقا 34

التلذذ بالخمر \ صلاة شارب الخمر 35

الأضحية \ إطراف المسافر 38

استحباب الأضحية 39

وقت الأضحية 40

روايات في الأضحية 41

السؤال للتعليم. 42

أدب الصائم \ صوم الجوارح. 45

مصب الكلام 48

صيانة اللسان \ صيانة السمع. 49

صيانة البصر 50

صيانة الجوارح. 51

صوم بلا فائدة 53

ص: 408

وجوب الخمس.. 54

من حكمة الخمس.. 55

رواية أخرى. 58

وجوب الخمس.. 59

سؤال الخير. 60

تشريع الخمس.. 61

أدعية دخول المسجد. 65

أدعية الخروج من المسجد. 66

استحباب البسملة 67

الصلاة على النبي والآل. 68

الدعاء لغفران الذنوب.. 69

الدعاء يوم الجمعة 70

الجمعة وأدعيتها 71

أقسام الأُفق. 72

الوقت الخاص في الجمعة 73

مباشرة الأمور وتسبيبها 74

الدعاء وطلب الخير. 75

حرمة الجار \ الجار ثم الدار 77

تعليم الأولاد الآداب.. 79

الجار والتعايش السلمي. 80

فضائل بعض السور \ قراءة القرآن. 82

ثواب قراءة السور 83

استمرار القراءة 84

ص: 409

من أدعية الولادة 86

قراءة القرآن عند الولادة 86

حضور النساء للولادة \ تعويذ الطفل. 88

من تختم بالعقيق. 90

إذا مرض المؤمن \ تذكير الناس بألطاف الله. 93

ثواب المريض.. 94

المرض والشفاء من الله. 95

حق الشفاعة 97

فرح المؤمنة 100

الرجوع إلى أهل الذكر 101

المرجع العقدي. 102

نصرة الضعيف.. 105

الاستظهار على المعاند. 109

إفراح الملائكة وإحزان الشياطين. 110

عون المؤمن. 111

عون المسكين \ إحقاق الحق. 112

حل القضايا المرفوعة 113

البِشر في وجه المؤمن 114

ثواب البِشر 116

السخاء والبخل. 117

كراهة البخل. 118

التحذير والترغيب.. 119

الاجتناب عن المنقصة \ البخل والنار 122

ص: 410

السخاء والجنة 123

اختيارية الصفات.. 123

ذم الظلم \ الظلم حرام مطلقا 124

حرمة الحرب \ التخلي عن الظالم. 125

غلبة الظالم. 126

الحث على النظافة \ النظافة قبل النوم 128

من لم يتنظف.. 130

أحقية المالك \ الإنسان أحق بملكه 131

الأحق بالأفضل \ حرمة انتهاك الحقوق. 133

آداب المائدة 134

تعلم الآداب.. 135

تحصيل المعرفة 136

الراضا بالمقسوم 139

التسمية عند الأكل. 139

الشكر عند الأكل. 142

الوضوء قبل الطعام 143

عند الجلوس على المائدة 145

الأكل بثلاث أصابع. 146

الأكل مما يليه 147

تصغير اللقمة 148

مضغ الطعام جيداً \ قلة النظر للآخرين. 149

بيان مراتب الاستحباب.. 150

الحجاب \ النظر الحرام 151

ص: 411

التأكيد على الحجاب.. 152

فوائد الحجاب.. 154

الحجاب حتى عند الأعمى 155

الاستفهام الإعلامي. 156

حجاب الريح. 157

المرأة وقربها من الله. 158

المرأة وعدم الخروج. 159

ما يوجب القرب الإلهي. 161

أخبار المعراج. 162

لماذا هذه العقوبات.. 163

إظهار الشعر للأجانب.. 167

إيذاء الزوج أو الزوجة 168

من حقوق الزوج. 170

الإذن في الخروج من البيت.. 171

التزين للأجانب 172

قذارة الثياب.. 173

غسل الجنابة \ غسل الحيض.. 174

التطهير من النجاسات \ الاستهانة بالصلاة 175

حرمة الزنا 176

النسب الكاذب.. 177

المرأة وعرض نفسها 178

القيادة المحرمة \ حرمة النميمة 179

حرمة الكذب.. 180

ص: 412

حرمة الغناء 181

حرمة النوح بالباطل. 181

حرمة الحسد. 182

إغضاب الزوج. 183

خطاب الأب.. 184

العذاب وأنواعه 185

من أحوال يوم القيامة 187

استحباب الحياء 188

الاستحياء 189

أثر الحياء 190

كرامة الإمام 191

السؤال عن يوم القيامة 193

القيامة وأحوالها 194

السلام على الصديقة \ من فضائل الصديقة 195

كرسي النور 196

عدم تكذيب الأحاديث.. 197

خصوصيات الآخرة 198

مودة العترة \ شرط الشفاعة 199

سؤال الخير للناس. 200

مقام الصديقة في المحشر 202

بيان النعمة \ إذهاب الحزن. 203

الحزن والرقة 204

من هم الفائزون. 205

ص: 413

قميص الحسين (علیه السلام) 206

مواقف القيامة 206

مواقف الصديقة 207

مخلوقات الجنة 208

قتلة الحسين في النار 208

لا تبرأة للقتلة 209

الشكاية من الظالم. 210

مشايعة العظيم. 212

القضية الحسينية 213

ذرية الصديقة وشيعتها 214

حسن العدل. 215

المطالبة بالحكم على الظالم. 216

التعلق بما يرتبط بالعظيم. 217

التظلم. 219

مواساة العترة \ مواساة الملائكة 221

إغضاب المعصوم 223

الاهتمام بالولد. 224

الصراخ والبكاء والتباكي. 225

الجهر بظلامة الحسين (علیه السلام) 226

المحكمة الإلهية الكبرى. 228

الحكم على الظالم. 230

طلب الشفاعة 231

ظلم الصديقة 233

ص: 414

مقام الصديقة 234

حبيبة الله. 235

من صفات الله تعالى. 236

الهدية للمتزوجة 237

بشارة المؤمن. 238

ما يرتبط بالمعصوم 239

شفاعة النبي. 241

مواطن اللقاء 242

الشفاعة النبوية 243

من أحوال القيامة 244

الموقف الأعظم. 245

لقاء المعصوم 246

شفاعة الرسول. 247

سقي الماء 248

مقام الرسول. 249

الاهتمام بالأُمة 250

العطف على الأُمة 251

لا أصبر عنك ساعة 252

التأسيس لا التأكيد. 253

السعي للقاء المعصوم 254

السؤال عما يهم. 255

أول من يلحق بالنبي. 258

المعصوم وحرمته على النار 259

ص: 415

الدعاء للخلاص من النار 260

وصف الكوثر 261

شفاعة الصديقة 264

قيمة المرء 265

مهر معنوي ومادي. 266

حق الشفاعة 267

مما يدفن مع الإنسان. 268

المهر المعنوي. 269

البنت وطلب المهر 270

وجه طلب تغيير المهر 271

الاهتمام بالعصاة \ كتابة المهر 272

وضع شيء مع الميت.. 273

صفة يوم القيامة 274

وجه نداء الأنبياء \ بين القصور والتقصير. 275

السؤال عن حال الناس في القيامة 277

ستر المؤمن. 278

الشرك في النار 279

الحذر مما يؤدي إلى النار 280

التحذير من عذاب النار 282

الابتعاد عن موجبات النار 283

التعداد على الميت \ الدعاء للميت.. 285

بيان فضائل الميت.. 287

في مواجهة الطغاة \ القوم أرادوا قتل الإمام 288

ص: 416

تكريم المقدسات.. 290

نشر الشعر 292

التصريح باسم الظالم. 293

حرمة تيتيم الأطفال. 294

حرمة ترميل النساء 295

الدفاع عن حق الزوج. 296

بين الأهم والمهم. 297

الدفاع عن الولاية 298

مع غاصبي فدك. 300

حرمة الإغارة على العترة 301

الصديقة لا تكلم فلاناً 302

إرث النبي (صلی الله علیه و آله) 304

الاحتجاج على الظالم. 305

بيان ظلامة الصديقة 306

والله لقد آذيتماني. 308

التقية في مواردها 309

القسم على المهم \ قبول التوسط. 311

إجابة الزوج. 312

الصديقة بضعة الرسول. 313

حرمة إيذاء النبي في أولاده 314

حرمة إيذاء الله. 315

غضب الصديقة 316

وصية الصديقة 317

ص: 417

استحباب الوصية \ الإسراع في تجهيز الميت.. 318

حفظ الوصية 320

لا شرعية للظالمين \ وصية الزوجة 322

أحوال العظماء 324

الباري يسلم على الصديقة 325

مكانة خديجة (علیها السلام) \ تسلية المفجوع. 326

الالتجاء إلى المعصوم 327

توقيفية الأسماء 328

فضل خديجة (علیها السلام) 330

المصايحة المحرمة 334

إغضاب النبي. 335

أفضل نساء النبي. 336

علم الغيب.. 337

التنقيص الحرام 338

الصلوات على الصديقة 339

ثواب الصلاة 340

مع ابنة طلحة 341

توضيح المجلسي. 342

السؤال عن الظلامات.. 347

الهمز واللمز 348

أقسام التنافس.. 350

بغض الحق وأهله 351

بغض النبي والعترة 352

ص: 418

نية الغدر \ الحذر من المنافقين. 354

صفات الجبابرة 354

أنواع العطاء 356

إنحال الصبية 357

علم الله وطلب الحق. 358

شهادة المعصوم الواحد. 358

حرمة مصادرة الأموال. 360

الراضي بالحرام 361

احتساب الظلامات عند الله. 361

تجسم الأعمال. 363

شهود ابن أبي قحافة 365

توضيح المجلسي. 371

غصب المنصب الشرعي. 372

رسول الغاصب.. 373

تحمل المشاق ومطالبة الحق. 374

فدك نحلة وهبة 375

الصدقة ومعناها العرفي. 376

المغالطة المحرمة 377

الرجوع إلى الحجة 378

العمل بقول المعصوم 379

إبطال الحجج. 380

دقة الكلمات.. 381

شهادة الزور وإسنادها 382

ص: 419

شهادة المرأة في الماليات.. 383

شهادة المرأة في الصدقة 384

بطلان قول الخصم. 386

الدعاء على الظالم. 389

حتى اليأس. 390

منع الأذى. 391

نصرة المعصوم 392

الاستعلام عن الأمور الخطيرة 393

أعداء الصديقة 394

البدائل. 395

تلبية المعصوم 396

إيذاء المعصوم 397

إتلاف الوثائق. 398

كيفية السؤال. 399

الدفن في البيت.. 400

مراتب الأمر 401

الإرادة القوية 403

الخاتمة 405

الفهرس. 407

ص: 420

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.