الفقه
موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي
من فقه الزهراء (علیها السلام)
المجلد الحادي عشر
رواياتها (علیها السلام) _ 4
المرجع الديني الراحلآية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)
ص: 1
الطبعة الأولى
1439 ه 2018م
تهميش وتعليق:
مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر
كربلاء المقدسة
ص: 2
الفقه
من فقه الزهراء (علیها السلام)
المجلد الحادي عشر
رواياتها (علیها السلام)
القسم الرابع
ص: 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِيقَةُ الشَّهِيدَةُ
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَةُ المَرْضِيَّةُ
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الفَاضِلةُ الزَّكِيَةُ
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الحَوْراءُ الإِنْسِيَّةُ
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المُحَدَّثَةُ العَليمَةُ
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المَظْلومَةُ المَغْصُوبَةُ
السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المُضْطَهَدَةُ المَقْهُورَةُ
السَّلامُ عَليْكِ يا فاطِمَةُ بِنْتَ رَسُول اللهِ
وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
البلد الأمين ص278. مصباح المتهجد ص711
بحار الأنوار ج97 ص195 ب12 ح5 ط بيروت
ص: 4
روي أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما احتضرت نظرت نظراً حاداً(1)
ثم قالت: «السلام على جبرئيل، السلام على رسول الله، اللهم مع رسولك، اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام».
ثم قالت (عليها السلام): «أترون ما أرى»؟
فقيل لها: ما ترين؟
قالت (عليها السلام): «هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول الله، ويقول: يا بنية، أقدمي، فما أمامك خير لك»(2).
------------------------
مسألة: يستحب طلب رضوان الله وجواره ودار السلام، وخاصة عند الاحتضار.
ص: 5
والمراد بجوار الرب: جوار رحمته، و(دار السلام) هي الجنة، كما قال سبحانه: «لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ»(1).
والمراد ب (عنده) القرب المعنوي لا المادي كما هو واضح، لأن الله سبحانه لا مكان له ولا زمان ولا جهة، وإنما هوفوق كل زمان ومكان، وكيف يحيط به ما هو مخلوق له، ولو أحاط به لكان محدوداً وكان مفتقراً محتاجاً فلم يكن إلهاً، فكل زمان ومكان بالنسبة إليه على حد سواء كما ثبت ذلك في علم الكلام، عقلاً ونقلاً.
وفي الصحيفة السجادية: «وَاجْعَلنَا مَعَهُمْ فِي دَارِ السَّلامِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين»(2).
وفي الدعاء: «آمِنَّا العِقَابَ واطْمَئِنَّ بِنَا دَارَكَ دَارَ السَّلام »(3).
وفي التلبية المستحبة: «لَبَّيْكَ دَاعِياً إِلى دَارِ السَّلامِ لَبَّيْك »(4).
مسألة: يستحب السلام على الملائكة وعلى المعصومين (عليهم السلام) إذا حضروا عند المحتضر ورآهم.
بل من المحتمل استحباب السلام عليهم حتى إذا لم يرهم، لأنهم يحضرون
ص: 6
كما ورد في أحاديث متواترة، وقد قال علي (عليه الصلاة والسلام) في الشعر المنسوب إليه:
قَوْل عَليٍّ لحَارِثٍ عَجَبٌ *** كَمْ ثَمَّ أُعْجُوبَةً لهُ حَمَلا
يَا حَارِ هَمْدَانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنِي *** مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ مُنَافِقٍ قُبُلا
يَعْرِفُنِي طَرْفُهُ وَ أَعْرِفُهُ *** بِنَعْتِهِ وَ اسْمِهِ وَ مَا عَمِلا
وَ أَنْتَ عِنْدَ الصِّرَاطِ تَعْرِفُنِي *** فَلا تَخَفْ عَثْرَةً وَ لا زَللا
أَسْقِيكَ مِنْ بَارِدٍ عَلى ظَمَإٍ *** تَخَالهُ فِي الحَلاوَةِ العَسَلا
أَقُول للنَّارِ حِينَ تُوقَفُ للعَرْضِ *** دَعِيهِ لا تَقْتُلي الرَّجُلا
دَعِيهِ لا تَقْرَبِيهِ إِنَّ لهُ *** حَبْلا بِحَبْل الوَصِيِّ مُتَّصِلا(1)
وقد ذكرنا في بعض الكتب الكلامية، كيفية حضورهم الحقيقي (صلوات الله عليهم) في أماكن عديدة وفي وقت واحد، فهو ربما يكون كحضور ملك الموت عند أموات كثيرين في وقت واحد في بلاد شتى.
ثم إنه لعل وجه سلام الصديقة (عليها السلام) على جبرئيل أولاً ثم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو حضور جبرائيل أولاً فسلمت عليه ثم حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلمت عليه.وقولها (عليها السلام): «أترون ما أرى» يحتمل كونه استفهاماً إعلامياً أو تقريرياً، كما يحتمل أن الحاضرين قد رأوا ما رأت، فالحاضرون الحسنان (عليهما
ص: 7
السلام) ومن أشبه، ولذا لم ينفوا الرؤية بل قالوا لها: ما ترين؟.
قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا حِيل بَيْنَهُ وبَيْنَ الكَلامِ أَتَاهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ومَنْ شَاءَ اللهُ، فَجَلسَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ يَمِينِهِ والآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَيَقُول لهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): أَمَّا مَا كُنْتَ تَرْجُو فَهُوَ ذَا أَمَامَكَ، وأَمَّا مَا كُنْتَ تَخَافُ مِنْهُ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنْهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لهُ بَابٌ إِلى الجَنَّةِ فَيَقُول: هَذَا مَنْزِلكَ مِنَ الجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ رَدَدْنَاكَ إِلى الدُّنْيَا...»(1).
وعَنْ عَليِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا عُقْبَةُ لا يَقْبَل اللهُ مِنَ العِبَادِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا هَذَا الأَمْرَ الذِي أَنْتُمْ عَليْهِ، ومَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وبَيْنَ أَنْ يَرَى مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ إِلا أَنْ تَبْلغَ نَفْسُهُ إِلى هَذِهِ»، ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلى الوَرِيدِ ثُمَّ اتَّكَأَ وكَانَ مَعِيَ المُعَلى فَغَمَزَنِي أَنْ أَسْأَلهُ، فَقُلتُ: يَا ابْنَ رَسُولاللهِ فَإِذَا بَلغَتْ نَفْسُهُ هَذِهِ أَيَّ شَيْ ءٍ يَرَى، فَقُلتُ لهُ: بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً أَيَّ شَيْ ءٍ، فَقَال فِي كُلهَا: «يَرَى»، ولا يَزِيدُ عَليْهَا.
ثُمَّ جَلسَ فِي آخِرِهَا فَقَال: «يَا عُقْبَةُ»، فَقُلتُ: لبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، فَقَال: «أَبَيْتَ إِلا أَنْ تَعْلمَ»، فَقُلتُ: نَعَمْ يَا ابْنَ رَسُول اللهِ إِنَّمَا دِينِي مَعَ دِينِكَ، فَإِذَا ذَهَبَ دِينِي كَانَ ذَلكَ كَيْفَ لي بِكَ يَا ابْنَ رَسُول اللهِ كُل سَاعَةٍ، وبَكَيْتُ فَرَقَّ لي فَقَال: «يَرَاهُمَا واللهِ»، فَقُلتُ: بِأَبِي وأُمِّي مَنْ هُمَا، قَال: «ذَلكَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَعَليٌّ (عليه السلام)، يَا عُقْبَةُ لنْ تَمُوتَ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ أَبَداً حَتَّى تَرَاهُمَا»(2).
وعَنْ يَحْيَى بْنِ سَابُورَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول فِي المَيِّتِ
ص: 8
تَدْمَعُ عَيْنُهُ عِنْدَ المَوْتِ ، فَقَال: «ذَلكَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَيَرَى مَا يَسُرُّهُ»، ثُمَّ قَال: «أَمَا تَرَى الرَّجُل يَرَى مَا يَسُرُّهُ ومَا يُحِبُّ فَتَدْمَعُ عَيْنُهُ لذَلكَ ويَضْحَكُ»(1).
وعَنْ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول : «إِنَّ الرَّجُل إِذَا وَقَعَتْ نَفْسُهُفِي صَدْرِهِ يَرَى، قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ ومَا يَرَى، قَال: يَرَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَيَقُول لهُ رَسُول اللهِ : أَنَا رَسُول اللهِ أَبْشِرْ، ثُمَ يَرَى عَليَّ بْنَ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) فَيَقُول: أَنَا عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ الذِي كُنْتَ تُحِبُّهُ تُحِبُّ أَنْ أَنْفَعَكَ اليَوْمَ»، قَال: قُلتُ لهُ: أَيَكُونُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَرَى هَذَا ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى الدُّنْيَا، قَال: قَال: «لا، إِذَا رَأَى هَذَا أَبَداً مَاتَ وأَعْظَمَ ذَلكَ»، قَال: «وذَلكَ فِي القُرْآنِ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «الذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ * لَهمُ البُشْرى فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيل لكَلماتِ اللهِ»(2)»(3) .
مسألة: يظهر من الروايات المختلفة ومنها هذه الرواية أن الملائكة لهم برامج منظمة، ونظم وترتيب وقادة وأدوار محددة بدقة من ناحية الكم والكيف والزمان والخصوصيات الأخرى، وقد قالت الصديقة: «هذه مواكب أهل السماوات».
ص: 9
والأمر على القاعدة، فإن تشكيلات الكون كلها على نظام دقيق، بعضهاظاهر جلي وبعضها مستور خفي(1).
مسألة: يستحب تحريض المحتضر على نعيم الآخرة.
وقوله (صلى الله عليه وآله): «أقدمي» يحتمل فيه الإرشادية، ويؤيده التعليل بقوله: «فما أمامك خير لك».
ولعله تحريض لها (عليها السلام) على الرضا التام بالموت، فإن الانقلاع عن بعلها والحسنين وزينب وسائر أولادها (عليهم السلام) صعب، ومن الواضح أنها (عليها السلام) كسائر المعصومين (عليهم السلام) راضية تمام الرضا بقضاء الله، إلاّ أن مثل ذلك جار مجرى الظواهر التي كان ينبغي السير عليها، وربما كان للدلالة على ما جرى عليها.
عن جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قُلتُ لهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَصْحَابِ الحُسَيْنِ(عليهم السلام) وإِقْدَامِهِمْ عَلى المَوْتِ، فَقَال: «إِنَّهُمْ كُشِفَ لهُمُ الغِطَاءُ حَتَّى رَأَوْا مَنَازِلهُمْ مِنَ الجَنَّةِ، فَكَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ يُقْدِمُ عَلى القَتْل ليُبَادِرَ إِلى حَوْرَاءَ يُعَانِقُهَا وإِلى مَكَانِهِ مِنَ الجَنَّة»(2).
ص: 10
وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «مَنْ أَحَبَّ لقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لقَاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لقَاءَهُ، فَقِيل لهُ (صلى الله عليه وآله): إِنَّا لنَكْرَهُ المَوْتَ، فَقَال: «ليْسَ ذَلكَ، ولكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللهِ وكَرَامَتِهِ، فَليْسَ شَيْ ءٌ أَحَبَّ إِليْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لقَاءَ اللهِ وأَحَبَّ اللهُ لقَاءَهُ، وإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ، فَليْسَ شَيْ ءٌ أَكْرَهُ إِليْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لقَاءَ اللهِ فَكَرِهَ اللهُ لقَاءَهُ»(1).
وقال الراوي: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ المُؤْمِنِ أَ يُسْتَكْرَهُ عَلى قَبْضِ رُوحِهِ.
قَال: «لا واللهِ».
قُلتُ: وكَيْفَ ذَاكَ.
قَال: «لأَنَّهُ إِذَا حَضَرَهُ مَلكُ المَوْتِ (عليهالسلام) جَزِعَ، فَيَقُول لهُ مَلكُ المَوْتِ: لا تَجْزَعْ فَوَ اللهِ لأَنَا أَبَرُّ بِكَ وأَشْفَقُ عَليْكَ مِنْ وَالدٍ رَحِيمٍ لوْ حَضَرَكَ، افْتَحْ عَيْنَيْكَ فَانْظُرْ.
قَال: ويَتَهَلل لهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ والحَسَنُ والحُسَيْنُ والأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِمْ وفَاطِمَةُ (عَليْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ والتَّحِيَّةُ والإِكْرَامُ) قَال: فَيَنْظُرُ إِليْهِمْ فَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ، فَمَا رَأَيْتَ شَخْصَتَهُ تِلكَ».
قُلتُ: بَلى.
قَال: «فَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِليْهِمْ».
قَال: قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ قَدْ يَشْخَصُ المُؤْمِنُ والكَافِرُ.
ص: 11
قَال: «وَيْحَكَ إِنَّ الكَافِرَ يَشْخَصُ مُنْقَلباً إِلى خَلفِهِ، لأَنَّ مَلكَ المَوْتِ إِنَّمَا يَأْتِيهِ ليَحْمِلهُ مِنْ خَلفِهِ، والمُؤْمِنُ يَنْظُرُ أَمَامَهُ وَيُنَادِي رُوحَهُ مُنَادٍ مِنْ قِبَل رَبِّ العِزَّةِ مِنْ بُطْنَانِ العَرْشِ فَوْقَ الأُفُقِ الأَعْلى ويَقُول: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ» إِلى مُحَمَّدٍ وآلهِ «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلي فِي عِبادِي وادْخُلي جَنَّتِي»(1)، فَيَقُول مَلكُ المَوْتِ: إِنِّي قَدْ أَمَرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكَ الرُّجُوعَ إِلى الدُّنْيَا والمُضِيَّ، قال: فَليْسَ شَيْ ءٌ أَحَبَّ إِليْهِ مِنْ إِسْلالرُوحِه »(2).
ص: 12
روي: «إن فاطمة (عليها السلام) لما احتضرت سلمت على جبرئيل (عليه السلام)، وعلى النبي (صلى الله عليه وآله) وسلمت على ملك الموت (عليه السلام)، وسمعوا حس الملائكة، ووجدوا رائحة طيبة كأطيب ما يكون من الطيب»(1).
------------------------
مسألة: يستحب السلام على ملك الموت، وخاصة عند الاحتضار.
مسألة: يستحب السلام على جبرائيل، وخاصة عند الاحتضار.
مسألة: يستحب السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخاصة عند الاحتضار.
والوجه في ذلك كله أن قولنا (السلام عليكم) مضافاً إلى كونه تحية، هو نوع دعاء للمسلم عليه، فإنه طلبالسلامة له من الله، فتشلمه الإطلاقات، إذ
ص: 13
طلب السلامة والدعاء بقول مطلق راجح سواء لملك الموت أم غيره.
مسألة: يستحب بيان أن جبرائيل (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) والملائكة (عليهم السلام) كانوا حضوراً عند احتضار الصديقة الزهراء (صلوات الله عليها).
ثم إن المستفاد من الروايات أن الملائكة مخلوقة من النور، وأنها تتمكن من تبديل ملابسها، أي أبدانها، فقد تكون بصورة إنسان وقد تكون بصورة الملك، فتختلف صورها.
وقد ورد أن الرسول (صلى الله عليه وآله) أحياناً كان يتكلم مع شخص جميل كان يظهر في شكل دحية الكلبي وكان يقول إنه جبرئيل (عليه الصلاة والسلام) (1).
كما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبرئيل (عليه
السلام) على صورته الواقعية مرتين(2)، أما في سائر المرات فكانجبرائيل (عليه السلام) يتمثل بصور أخرى، قال سبحانه: «وَلوْ جَعَلناهُ مَلكاً لجَعَلناهُ رَجُلاً وللبَسْنا عَليْهِمْ ما يَلبِسُونَ»(3).
إلى غير ذلك من المباحث المفصلة المذكورة حول الملائكة وأحوالها على ما
ص: 14
هو مذكور في الكتب المعنية بذلك، وما ورد في البحار(1) وغيره(2).
ولا يخفى أن سماع من كان حول الصديقة الطاهرة (عليها السلام) لصوت الملائكة واستشمامهم الرائحة الطيبة هو نوع تشريف لها، وربما كان الذين سمعوا ووجدوا، بعض النساء المؤمنات، والحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام)، وزينب وأم كلثوم (عليهما السلام) ومن أشبه.
ولعل ذلك لم يكن في ساعة الموت بل كان قبله أو بعده، فلا ينافيه ما ورد من أنه لم يكن عندها ساعته إلاّ أسماء، وربما كان لذلك تغيير وجه الكلام حيث ورد: «لما احتضرت وسلمت»، ثم تغير اللفظ: «وسمعوا ووجدوا»، وتغيير اللفظغالباً يدل على تغيير المعنى ولو في بعض خصوصياته.
ص: 15
روي عن فاطمة (عليها السلام) أنها قالت: قال أبي (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ مَنْ سَلمَ عَليَّ وعَليْكِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَلهُ الجَنَّةُ»، قال الراوي: قلت لها: هذا في حياته وحياتك أو بعد موته وموتك؟ قالت: «فِي حَيَاتِنَا وبَعْدَ مَوْتِنَا»(1).
-----------------------
مسألة: يستحب السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى فاطمة (عليهما السلام) في حياتهما وبعد وفاتهما.
ثم إن هذا السلام لا وقت خاص له، فيصح في أي وقت كان، وفي أية ساعة من ساعات الليل أو النهار، كما يصح في أي مكان كان فيه، ويدل على ذلك الإطلاق في الرواية، نعم يتأكد الاستحباب في بعض الأزمنة والأمكنة الخاصة.
ويستفاد من الملاك استحباب السلام على سائر المعصومين (عليهم
الصلاة والسلام)، فإنهم جميعاً نور واحد، فأولهم كآخرهم، وآخرهم كأولهم، نعم يمكن أن يكون هناك تفاوت في الفضل حسبالمراتب، فقد تقدم أن رسول الله
ص: 16
(صلى الله عليه وآله) هو الأفضل على الإطلاق، ثم علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) في رتبة واحدة، وبعدهما الحسن (عليه السلام)، ثم الحسين (عليه السلام)، ثم المهدي (عليه السلام)، ثم الأئمة الثمانية (عليهم السلام) قبل الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في درجة واحدة.
روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من زارنا بعد مماتنا فكأنما زارنا في حياتنا، ومن جاهد عدونا فكأنما جاهد معنا، ومن تولى محبنا فقد أحبنا، ومن سر مؤمناً فقد سرنا، ومن أعان فقيرنا كان مكافاته على جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).
مسألة: يستحب السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الصديقة فاطمة (عليها السلام) ثلاثة أيام متواليات.
والظاهر أن الثلاثة من باب المصداق الأفضل، وأن فيها مزيد مزية كهذه المزية المذكورة في الرواية، وإلا فالاثنان أيضاً له فضل، كما أن الزائدمن الثلاثة كذلك.
وقد ورد في السلام عليها: (السَّلامُ عَليْكِ يَا مُمْتَحَنَةُ، امْتَحَنَكِ الذِي خَلقَكِ قَبْل أَنْ يَخْلقَكِ، وكُنْتِ لمَا امْتَحَنَكِ بِهِ صَابِرَةً، ونَحْنُ لكِ أَوْليَاءُ مُصَدِّقُونَ ولكُل مَا أَتَى بِهِ أَبُوكِ (صَلى اللهُ عَليْهِ وآلهِ وسَلَّمَ) وأَتَى بِهِ وَصِيُّهُ (عليه السلام) مُسَلمُونَ،
ص: 17
ونَحْنُ نَسْأَلكَ اللهُمَّ إِذْ كُنَّا مُصَدِّقِينَ لهُمْ أَنْ تُلحِقَنَا بِتَصْدِيقِنَا بِالدَّرَجَةِ العَاليَةِ لنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلايَتِهِمْ (عليهم السلام)(1).
وفي الإقبال: (السَّلامُ عَليْكِ يا سَيِّدَةَ نِساءِ العالمِينَ، السَّلامُ عَليْكِ يا وَالدَةَ الحُجَجِ عَلى النّاسِ أَجْمَعِينَ، السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المَظْلومَةُ المَمْنُوعَة حَقُّهَا)، ثم قل: (اللهُمَّ صَل عَلى أَمَتِكَ وَابْنَةِ نَبِيِّكَ وَزَوْجَةِ وَصِيِّ نَبِيِّكَ صّلاةً تَزْلفُها فَوْقَ زُلفَى عِبادِكَ المُكَرَّمِينَ مِنْ أَهْل السَّماوَاتِ وَأَهْل الأَرَضِينَ)، فقد روي: أن من زارها بهذه الزيارة واستغفر الله غفر الله له وأدخله الجنة(2).
والظاهر أن المراد ب (من سلم ...فله الجنة) فيما لو كان السلام من المحل القابل للجنة، لا مثل ما لو سلم الكافر أو الناصبي الذي نصب العداء لأحد الأئمة (عليهم السلام) أو لشيعتهم.
كما أن الظاهر أنه كنظائره، يراد به الاقتضاء لا العلية التامة، فمثلاً يشترط أن لا يحبط عمله هذا ببعض الكبائر الموجبة للحبط(3).
قال تعالى: «ومَنْ يَكْفُرْ بِالإيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ»(4).
وقال سبحانه: «أُولئِكَ الذينَ ليْسَ لهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وحَبِطَ ما
ص: 18
صَنَعُوا فيها وباطِل ما كانُوا يَعْمَلونَ»(1).
وقال عزوجل: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لهُ بِالقَوْل كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالكُمْ وأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ»(2).
ص: 19
عن فاطمة (عليها السلام) قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَا فَاطِمَةُ مَنْ صَلى عَليْكِ غَفَرَ اللهُ لهُ وأَلحَقَهُ بِي حَيْثُ كُنْتَ مِنَ الجَنَّة»(1).
----------------------------
مسألة: اللحوق ليس بمعنى تساوي الدرجات، فالمراد من اللحوق به (صلى الله عليه وآله) كونه في زمرته وجماعته (صلى الله عليه وآله) وليس المراد تساوي الدرجات كما هو واضح.
ويتضح ذلك بملاحظة أن المجتمعين في مكان واحد كالمسجد أو الوزارة أو المعسكر لهم درجات مختلفة ومراتب من العلم والتقوى أو الجاه والمنصب أو القوة والشهرة أو غير ذلك، ومع ذلك فإن نفس الكون في مكان واحد مع كبير الفقهاء أو ذوي المكانة والمنصب يعد امتيازاً وشرفاً، إضافة إلى ما يناله ببركة الجوار، فكيف بجوار رسول الله (صلىالله عليه وآله).
كما أن أمثال هذه الروايات تدل على الاقتضاء لا العلية التامة على ما
ص: 20
تقدم الإلماع إلى مثله، نعم من استجمع سائر الشروط فإن الصلاة عليها (عليها السلام) تكفي لإلحاق المصلي عليها برسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجنة.
مسألة: تستحب الصلاة على الصديقة فاطمة (عليها السلام) بشكل خاص، لهذه الرواية ولسائر الروايات، ولما ورد في خصوصياتها وفضائلها ومنزلتها عند الله تعالى، فإنها (عليها السلام) الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى.
والظاهر عدم خصوصية لفظ الصلاة بالعربية، فما كان بمعناها كان كذلك أيضاً، فإن التوقيفية هي المحتاج إلى دليل(1).
والصلاة بمعنى: العطف، وهو يشمل مثل: (صلى الله على فاطمة) ومثل: (أصلي على فاطمة) وما أشبه للإطلاق، والجامع أن يقصد الدعاء والسلام عليها.
مسألة: يستحب بيان فضل الصلاة على الصديقة الزهراء (عليها السلام) وأنه يغفر الله لمن يصلي عليها، ويلحقه بالنبي (صلى الله عليه وآله) في الجنة.
وقد ورد في زيارتها والصلاة عليها:
(صَلى اللهُ عَليْكِ وعَلى رُوحِكِ وبَدَنِكِ، أَشْهَدُ أَنَّكِ مَضَيْتِ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ
ص: 21
رَبِّكِ، وأَنَّ مَنْ سَرَّكِ فَقَدْ سَرَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، ومَنْ جَفَاكِ فَقَدْ جَفَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، ومَنْ آذَاكِ فَقَدْ آذَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، ومَنْ وَصَلكِ فَقَدْ وَصَل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، ومَنْ قَطَعَكِ فَقَدْ قَطَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله)(1).
ص: 22
عن فاطمة الكبرى (صلى الله عليه وآله) قالت: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «لكل نبي عصبة ينتمون إليه، وإن فاطمة عصبتي، إليّ تنتمي»(1).
--------------------
مسألة: البنت من العصبة ويقتضي أن يكون أقرباؤها أقرباء الشخص(2)، لا كما قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا *** بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فالعصبة من العصب، كأن بعضهم من بعض، كما أن العصب بعضه من بعض، منهنا نجد أن بنات البنت هن محارم للرجل.
والعصبة لغة: الجماعة التي تلتف حوله.
ص: 23
ولا يخفى أنه لا منافاة بين هذا وبين الحكم بعدم أخذ الخمس لغير السادة من جهة الأب وأخذهم الزكاة مع كونهم من الأبناء، فهو حكم شرعي خاصل لدليل خاص، أما كونه ابناً فهو كذلك لغةً وشرعاً وعقلاً، إذ الولد مكون من ماء الرجل والمرأة معاً.
مسألة: يستحب بيان أن أولاد فاطمة (عليها السلام) هم أولاد النبي (صلى الله عليه وآله) وعصبته، ولذا لا يجوز للنبي (صلى الله عليه وآله) التزويج من أولادها، كما استدل بذلك الإمام موسى بن جعفر (عليه الصلاة والسلام) على هارون عند ما خاطب جده قائلاً: «السلام عليك يا أبتاه يا رسول الله».
عن مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ، بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ إِلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «لمَّا دَخَلتُ عَلى الرَّشِيدِ سَلمْتُ عَليْهِ فَرَدَّ عَليَّ السَّلامَ ثُمَّ قَال: يَا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ خَليفَتَيْنِ يُجْبَى إِليْهِمَا الخَرَاجُ!.فَقُلتُ: يَا أَمِيرَ أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وإِثْمِكَ ، وتَقْبَل البَاطِل مِنْ أَعْدَائِنَا عَليْنَا، فَقَدْ عَلمْتَ أَنَّهُ قَدْ كُذِبَ عَليْنَا مُنْذُ قُبِضَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِمَا عِلمُ ذَلكَ عِنْدَكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ تَأْذَنَ لي أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ أَخْبَرَنِي بِهِ أَبِي عَنْ آبَائِهِ عَنْ جَدِّهِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله).
فَقَال: قَدْ أَذِنْتُ لكَ.
فَقُلتُ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ عَنْ جَدِّهِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ
ص: 24
قَال: إِنَّ الرَّحِمَ إِذَا مَسَّتِ الرَّحِمَ تَحَرَّكَتْ واضْطَرَبَتْ، فَنَاوِلنِي يَدَكَ جَعَلنِيَ اللهُ فِدَاكَ.
فَقَال: ادْنُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ جَذَبَنِي إِلى نَفْسِهِ وعَانَقَنِي طَوِيلا ثُمَّ تَرَكَنِي، وقَال:
اجْلسْ يَا مُوسَى فَليْسَ عَليْكَ بَأْسٌ، فَنَظَرْتُ إِليْهِ فَإِذَا إِنَّهُ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَرَجَعْتُ إِلى نَفْسِي، فَقَال: صَدَقْتَ وصَدَقَ جَدُّكَ (صلى الله عليه وآله) لقَدْ تَحَرَّكَ دَمِي واضْطَرَبَتْ عُرُوقِي حَتَّى غَلبَتْ عَليَّ الرِّقَّةُ وفَاضَتْ عَيْنَايَ، وأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلكَ عَنْ أَشْيَاءَ تَتَلجْلجُ فِي صَدْرِي مُنْذُ حِينٍ لمْ أَسْأَل عَنْهَا أَحَداً، فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي عَنْهَا خَليْتُ عَنْكَ ولمْ أَقْبَل قَوْل أَحَدٍ فِيكَ، وقَدْ بَلغَنِي أَنَّكَ لمْ تَكْذِبْ قَطُّ، فَاصْدُقْنِي عَمَّا أَسْأَلكَ مِمَّا فِي قَلبِي.
فَقُلتُ: مَا كَانَ عِلمُهُ عِنْدِي فَإِنِّي مُخْبِرُكَ إِنْ أَنْتَ أَمَّنْتَنِي.
فَقَال : لكَ الأَمَانُ إِنْ صَدَقْتَنِي وتَرَكْتَ التَّقِيَّةَ التِي تُعْرَفُونَ بِهَا مَعْشَرَ بَنِي فَاطِمَةَ.
فَقُلتُ: اسْأَل يَا أَمِيرَ عَمَّا شِئْتَ .
قَال: أَخْبِرْنِي لمَ فُضِّلتُمْ عَليْنَا ونَحْنُ فِي شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وبَنُو عَبْدِ المُطَّلبِ ونَحْنُ وأَنْتُمْ وَاحِدٌ، إِنَّا بَنُو العَبَّاسِ وأَنْتُمْ وُلدُ أَبِي طَالبٍ وهُمَا عَمَّا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وقَرَابَتُهُمَا مِنْهُ سَوَاءٌ؟
فَقُلتُ: نَحْنُ أَقْرَبُ. قَال: وكَيْفَ ذَلكَ؟!
قُلتُ: لأَنَّ عَبْدَ اللهِ وأَبَا طَالبٍ لأَبٍ وأُمٍّ، وأَبُوكُمُ العَبَّاسُ ليْسَ هُوَ مِنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ ولا مِنْ أُمِّ أَبِي طَالبٍ».
ص: 25
إلى أن قال: «ثُمَّ قَال: لمَ جَوَّزْتُمْ للعَامَّةِ والخَاصَّةِ أَنْ يَنْسُبُوكُمْ إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ويَقُولونَ لكُمْ: يَا بَنِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وأَنْتُمْ بَنُو عَليٍّ، وإِنَّمَا يُنْسَبُ المَرْءُ إِلى أَبِيهِ، وفَاطِمَةُ إِنَّمَا هِيَ وِعَاءٌ، والنَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) جَدُّكُمْ مِنْ قِبَل أُمِّكُمْ؟
فَقُلتُ: يَا أَمِيرَ لوْ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) نُشِرَ فَخَطَبَ إِليْكَ كَرِيمَتَكَ هَل كُنْتَ تُجِيبُهُ.
فَقَال: سُبْحَانَ اللهِ ولمَ لا أُجِيبُهُ، بَل أَفْتَخِرُ عَلى العَرَبِ والعَجَمِ وقُرَيْشٍ بِذَلكَ.
فَقُلتُ لهُ: لكِنَّهُ (صلى الله عليه وآله) لايَخْطُبُ إِليَّ ولا أُزَوِّجُهُ.
فَقَال: ولمَ.
فَقُلتُ: لأَنَّهُ (صلى الله عليه وآله) وَلدَنِي ولمْ يَلدْكَ.
فَقَال: أَحْسَنْتَ يَا مُوسَى، ثُمَّ قَال: كَيْفَ قُلتُمْ إِنَّا ذُرِّيَّةُ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، والنَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) لمْ يُعْقِبْ وإِنَّمَا العَقِبُ للذَّكَرِ لا للأُنْثَى وأَنْتُمْ وُلدُ البِنْتِ ولا يَكُونُ لهَا عَقِبٌ.
فَقُلتُ: أَسْأَلكَ يَا أَمِيرُ بِحَقِّ القَرَابَةِ والقَبْرِ ومَنْ فِيهِ إِلا مَا أَعْفَيْتَنِي عَنْ هَذِهِ المَسْأَلةِ.
فَقَال: لا أَوْ تُخْبِرَنِي بِحُجَّتِكُمْ فِيهِ يَا وُلدَ عَليٍّ، وأَنْتَ يَا مُوسَى يَعْسُوبُهُمْ وإِمَامُ زَمَانِهِمْ، كَذَا أُنْهِيَ إِليَّ ولسْتُ أُعْفِيكَ فِي كُل مَا أَسْأَلكَ عَنْهُ حَتَّى تَأْتِيَنِي فِيهِ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالى وأَنْتُمْ تَدَّعُونَ مَعْشَرَ وُلدِ عَليٍّ أَنَّهُ لا يَسْقُطُ عَنْكُمْ مِنْهُ بِشَيْ ءٍ أَلفٍ ولا وَاوٍ إِلاّ وتَأْوِيلهُ عِنْدَكُمْ، واحْتَجَجْتُمْ بِقَوْلهِ عَزَّ وجَل «مَا
ص: 26
فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ»(1)، وقَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ عَنْ رَأْيِ العُلمَاءِ وقِيَاسِهِمْ.
فَقُلتُ: تَأْذَنُ لي فِي الجَوَابِ. قَال: هَاتِ.
قُلتُ : أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ،بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... «ومِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُليْمانَ وأَيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهارُونَ وكَذلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وزَكَرِيَّا ويَحْيى وعِيسى وإِلياسَ»(2) مَنْ أَبُو عِيسَى يَا أَمِير؟
فَقَال: ليْسَ لعِيسَى أَبٌ.
فَقُلتُ: إِنَّمَا أَلحَقْنَاهُ بِذَرَارِيِ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام) مِنْ طَرِيقِ مَرْيَمَ (عليها السلام) وكَذَلكَ أُلحِقْنَا بِذَرَارِيِّ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) مِنْ قِبَل أُمِّنَا فَاطِمَةَ (عليها السلام)، أَزِيدُكَ يَا أَمِير؟
قَال: هَاتِ.
قُلتُ: قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لعْنَتَ اللهِ عَلى الكاذِبِينَ»(3) وَلمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّهُ أَدْخَل النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) تَحْتَ الكِسَاءِ عِنْدَ المُبَاهَلةِ للنَّصَارَى إِلا عَليَّ بْنَ أَبِي طَالبٍ وفَاطِمَةَ والحَسَنَ والحُسَيْنَ، فَكَانَ تَأْوِيل قَوْلهِ تَعَالى «أَبْناءَنا» الحَسَنَ والحُسَيْنَ، و«نِساءَنا» فَاطِمَةَ، «وَأَنْفُسَنا» عَليَّ بْنَ أَبِي طَالبٍ (عليهم السلام) الحديث(4).
ص: 27
وعَنْ أَبِي الجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال لي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَا أَبَا الجَارُودِ مَا يَقُولونَ لكُمْ فِي الحَسَنِ والحُسَيْنِ (عليهما السلام)؟
قُلتُ: يُنْكِرُونَ عَليْنَا أَنَّهُمَا ابْنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله).
قَال: فَأَيَّ شَيْ ءٍ احْتَجَجْتُمْ عَليْهِمْ؟
قُلتُ: احْتَجَجْنَا عَليْهِمْ بِقَوْل اللهِ عَزَّ وجَل فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (عليه السلام) «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُليْمانَ وأَيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهارُونَ وكَذلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وزَكَرِيَّا ويَحْيى وعِيسَى»(1) فَجَعَل عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ (عليه السلام).
قَال: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالوا لكُمْ؟
قُلتُ: قَالوا: قَدْ يَكُونُ وَلدُ الابْنَةِ مِنَ الوَلدِ ولا يَكُونُ مِنَ الصُّلبِ.
قَال: فَأَيَّ شَيْ ءٍ احْتَجَجْتُمْ عَليْهِمْ؟
قُلتُ: احْتَجَجْنَا عَليْهِمْ بِقَوْل اللهِ تَعَالى لرَسُولهِ (صلى الله عليه وآله): «فَقُل تَعالوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ»(2).
قَال: فَأَيَّ شَيْ ءٍ قَالوا؟
قُلتُ: قَالوا: قَدْ يَكُونُ فِي كَلامِ العَرَبِ أَبْنَاءُ رَجُل وآخَرُ يَقُول أَبْنَاؤُنَا!
قَال: فَقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَا أَبَا الجَارُودِ لأُعْطِيَنَّكَهَا مِنْ كِتَابِ اللهِ جَلوتَعَالى أَنَّهُمَا مِنْ صُلبِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لا يَرُدُّهَا إِلا الكَافِرُ.
ص: 28
قُلتُ: وأَيْنَ ذَلكَ جُعِلتُ فِدَاكَ؟!
قَال: مِنْ حَيْثُ قَال اللهُ تَعَالى «حُرِّمَتْ عَليْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وبَناتُكُمْ وأَخَواتُكُمْ»(1) الآيَةَ، إِلى أَنِ انْتَهَى إِلى قَوْلهِ تَبَارَكَ وتَعَالى «وَحَلائِل أَبْنائِكُمُ الذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ»(2) فَسَلهُمْ يَا أَبَا الجَارُودِ هَل كَانَ يَحِل لرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) نِكَاحُ حَليلتَيْهِمَا، فَإِنْ قَالوا نَعَمْ كَذَبُوا وفَجَرُوا، وإِنْ قَالوا لا فَهُمَا ابْنَاهُ لصُلبِهِ»(3).
ص: 29
عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «لكل بني أنثى عَصَبَة ينتمون إليه(1)
إلا ولد فاطمة (عليها السلام) فأنا وليهم وأنا عَصَبَتُهُم»(2).
وفي بعض النصوص: «كل بني أم ينتمون إلى عَصَبَة، إلا ولد فاطمة (عليها السلام) فأنا وليهم وأنا عَصَبَتُهُم»(3).
-----------------------
أقول: لعل المراد جريان الأحكام الشرعية للعَصَبَة(4)، أو المراد أنهم (عليهم
ص: 30
السلام) ورثة علم الرسول (صلى الله عليه وآله) وخلافته.
مسألة: ولاء أولاد فاطمة (عليها السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) فهو وليهم.
ولم أر من الفقهاء ذكراً حول أنه لو كان بعض أولاد الحسن أو أولاد الحسين (عليهما الصلاة والسلام) قتل قتل خطأٍ فرضاً، فهل النبي (صلى الله عليه وآله) يكون من عاقلته، استثناءً من الأحكام الأولية؟
كما لم أر ممن ذكروا اختصاصات النبي (صلى الله عليه وآله) ذكرهم لمثل هذا الاختصاص، لأنه لو كان كذلك كان تخصيصاً للأحكام الأولية بالنقل، فيكون من اختصاصاته (صلى الله عليه وآله)، ولا يبعد أن يستفاد ذلك من مثل هذه الرواية على تقدير حجيتها.
ثم إن هذا الحديث ذكر في طرق العامة بوجوه عديدة، منها:(لكل بني أنثى عَصَبَة ينتمون إليه إلاّ ولد فاطمة فأنا وليهم وعَصَبَتهم)(1).
و: (كل بني أُم ينتمون إلى عَصَبَة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عَصَبَتهم)(2).
و: (كل بني أنثى فإن عَصَبَتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا عَصَبَتهم
ص: 31
وأنا أبوهم)(1).
و: (كل بني آدم فإن عَصَبَتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعَصَبَتهم)(2).
وذكره الخاصة هكذا، كما عن العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال قَال رَسُول اللهِ (صلى
الله عليه وآله): إِنَّ لكُل نَبِيٍّ عَصَبَةً يَنْتَمُونَ إِليْهَا إِلا وُلدَ فَاطِمَةَ، فَأَنَا وَليُّهُمْ وَأَنَا عَصَبَتُهُمْ، وَهُمْ عِتْرَتِي خُلقُوا مِنْ طِينَتِي، وَوَيْل للمُكَذِّبِينَ بِفَضْلهِمْ، مَنْأَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ»(3).
وعَنْ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَالتْ: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): كُل بَنِي أَبٍ يَنْتَمُونَ إِلى عَصَبَةِ أَبِيهِمْ إِلا وُلدَ فَاطِمَةَ، فَإِنِّي أَنَا أَبُوهُمْ وَأَنَا عَصَبَتُهُمْ»(4).
ص: 32
في حديث عن فاطمة (عليها السلام) أنها قالت: «احمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه»(1).
----------------------
مسألة: يستحب الحمد والأمر بالحمد، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «احمدوا»، وقد يجب.
وليس حمدنا لله سبحانه لحاجته إلى الحمد، إذ إنه تعالى عن الحاجة إلى المخلوقين، بل تعالى عن الحاجة إلى شيء مطلقاً، بل حمدنا له لحاجتنا إليه، إذ بحمده جل اسمه نتكامل ونسمو ونتطهر من الأدران، وبحمده نستوجب جميل الإحسان.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَال: قُلتُ لأَبِيعَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَيُّ الأَعْمَال
ص: 33
أَحَبُّ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل؟ فَقَال: «أَنْ تَحْمَدَهُ» (1).
وعَنِ المُفَضَّل قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): جُعِلتُ فِدَاكَ عَلمْنِي دُعَاءً جَامِعاً، فَقَال ليَ: «احْمَدِ اللهَ ، فَإِنَّهُ لا يَبْقَى أَحَدٌ يُصَلي إِلا دَعَا لكَ، يَقُول: سَمِعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَهُ»(2).
مسألة: يستحب وقد يجب بيان أن أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الصديقة فاطمة (عليها السلام) هم وسيلة الله في خلقه.
والمراد ب (خلقه) جميع ما في عالم الإمكان مما خلقه الله أو سيخلقه من الأولين والآخرين، والظاهر أنه عام لعالم الجماد والنبات كعمومه لعالم الإنس والجن والملائكة، فإن الكل خلق الله والكل يتطلب بشعوره أو بلسان حاله لطف الله، وقد أوضحنا في موضع آخر كون الجماد شاعراً.قال تعالى: «قَالتَا أَتَيْنا طائِعِين»(3)، بل من الآية يظهر أن لهما درجة من التكليف.
وقال سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبيحَهُمْ»(4).
ص: 34
كما أن كلام الصديقة (عليها السلام) يفسر قوله تعالى: «وَابْتَغُوا إِليْهِ الوَسِيلَةَ»(1)، نعم كلامها (عليها السلام) هنا خاص بذوي العقول بلحاظ (من) ولعل تخصيصهم بالذكر لأنهم أجلى المصاديق أو بلحاظ نوع المخاطب.
قولها (عليها السلام): (لعظمته ونوره)، فإن الإنسان بطبيعته يبتغي النور، كما أنه بفطرته يبتغي العظيم للتوسل إليه في حل مشاكله، ولعل الوجه في ذكرهما (لعظمته ونوره) أنهما جهتان تقتضيان تطلب الوسيلة والواسطة:
الأولى: (عظمته) جل اسمه، فإنها بما لا يعقل لمخلوق تصورها مهما بلغت قدراته، و(الحقير) لا بد أن يلتمس للوصول إلى رضا (العظيم) الوسائط المقربة منه.
الثانية: (نوره) فإنه تعالىالظاهر بنفسه المظهر لغيره، فحيث كان هو المبدأ وإليه المنتهى، وكل شيء مفتقر إليه، فإنه (نور السماوات والأرض) كان لابد من التوسل إليه بالوسائط المقربة منه.
ولعل (عظمته) إشارة إلى اقتضاء ذاته بما هو عظيم، وأما (نوره) فإشارة إلى اقتضاء الحاجة إليه بما هو مفيض وفياض.
ص: 35
وفي الزيارات: «وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ أَنْتُمُ السَّبِيل الأَعْظَمُ والصِّرَاطُ الأَقْوَم »(1).
و: «أَنْتُمْ يَا سَادَاتِي السَّبِيل الأَعْظَمُ ، والصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ»(2).
وقالت (عليها السلام): (فَاحْمَدُوا اللهَ الذِي بِعَظَمَتِهِ ونُورِهِ ابْتَغَى مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ ومَنْ فِي الأَرْضِ إِليْهِ الوَسِيلةَ، فَنَحْنُ وَسِيلتُهُ فِي خَلقِهِ، ونَحْنُ آل رَسُولهِ، ونَحْنُ حُجَّةُ غَيْبِهِ، ووَرَثَةُ أَنْبِيَائِهِ»(3).
وَقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «وابْتَغُوا إِليْهِ الوَسِيلةَ أَنَا وَسِيلتُهُ»(4).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «الأَئِمَّةُ مِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ (عليهم السلام) مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ، ومَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ عَزَّ وجَل، هُمُ العُرْوَةُ الوُثْقَى، وهُمُ الوَسِيلةُ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل»(5).
ص: 36
مسألة: يستحب بيان أن أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم فاطمة (عليها السلام) هم خاصة الله ومحل قدسه.
و(خاصة الله) هم من خصهم الباري تعالى بلطفه، ومن خصهم باطلاعهم على غيبه، ومن خصهم بالدرجات العليا من محل كرامته، ومن خصهم بالمراتب العليا من الشفاعة، ومن خصهم بما خصهم مما لا يمكن أن يحيط به بشر أو ملك ولا غيرهما، وقد قال جبرئيل (عليه السلام): (لو دنوت أنملة لاحترقت)(1).
والخلاصة: إنهم (عليهم السلام) خاصة الله بقول مطلق.
وخاصة الرجل هم أقرباؤه، وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس.
وهم (صلوات الله عليهم) محل قدسه، أي المحل الذي قدّسه الله وطهره تطهيراً، إذ القدس هو الطهر، والقدس اسم مصدر، فيفيد النتيجة، فيكون كلامها (عليها السلام) هذا مطابقاً لقوله تعالى: «إِنَّما يُريدُاللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً»(2).
ويحتمل في (محل قدسه) أن يراد: المحل الذي به يقدس وينزه، فإن من رام
ص: 37
تقديس الله تعالى من طريق غيرهم (عليهم السلام) أخطأ، فوقع في التشبيه أو التجسيم أو التحديد أو التقييد أو الحلول أو وحدة الوجود أو الموجود أو ما أشبه، نظير الفلاسفة والعرفاء الذي قالوا بذلك.
وكذلك سائر ما يخالف العقل والنقل كبسيط الحقيقة كل الأشياء، والواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد، والعقول العشرة، والرشح، وما أشبه.
مسألة: يجب وجوباً كفائياً بيان أن أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الصديقة فاطمة (عليها السلام) هم حجج الله، وهذا الحديث أيضاً يدل على كونها (صلوات الله عليها) حجة الله.
كما تصدق ههنا الحجة بمعناها اللغوي، وهو (ما يحتج به المولى على عبيده)، فإنهم (عليهم السلام) لا غير حجج الله على الخلائق، ومن عداهم لا يحتج به، إلا لو استند إليهم كالفقهاء، إذقالوا: «من كان من الفقهاء»(1)، وقالوا: «فإني قد جعلته عليكم حاكماً»(2).
كما يحتمل أن يراد بالحجة ما ذكره بعض الأصوليين من لزوم الاتباع،
ص: 38
ولا مانعة جمع.
أما إرادة الحجة بمعنى الكاشف فبعيدة.
وأما إرادتها(1) بمعنى (الأوسط في القياس) فلا وجه له ههنا.
كما أن قول الصديقة (عليها السلام): «حجته في غيبته» يدل على كونهم (عليهم السلام) أولياء الخلق أيضاً، للتلازم العرفي في مثله، بل لدليل الحكمة، إذ كيف لا يكون الحجة من الله على الخلق بقول مطلق هو الولي عليهم، وكيف يكونغيره ولياً، أو كيف يتركوا بلا ولي؟
ثم الظاهر إطلاق (نحن حجته) أزمانياً وأحوالياً وأفرادياً، وبلحاظ المتعلق أيضاً.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى وَاحِدٌ، مُتَوَحِّدٌ بِالوَحْدَانِيَّةِ، مُتَفَرِّدٌ بِأَمْرِهِ، فَخَلقَ خَلقاً فَفَرَّدَهُمْ لذَلكَ الأَمْرِ، فَنَحْنُ هُمْ يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ، فَنَحْنُ حُجَجُ اللهِ فِي عِبَادِهِ، وشُهَدَاؤُهُ فِي خَلقِهِ، وأُمَنَاؤُهُ، وخُزَّانُهُ عَلى عِلمِهِ، والدَّاعُونَ إِلى سَبِيلهِ، والقَائِمُونَ بِذَلكَ، فَمَنْ أَطَاعَنَا فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ»(2).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) لجابر بن يزيد الجعفي: «نَحْنُ جَنْبُ اللهِ، ونَحْنُ صَفْوَةُ اللهِ، ونَحْنُ خِيَرَةُ اللهِ، ونَحْنُ مُسْتَوْدَعُونَ مَوَارِيثَ الأَنْبِيَاءِ، ونَحْنُ
ص: 39
آمَنَّا بِاللهِ، ونَحْنُ حُجَجُ اللهِ، ونَحْنُ حَبْل اللهِ، ونَحْنُ رَحْمَةُ اللهِ إِلى خَلقِهِ، وبِنَا يَخْتِمُ اللهُ، مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا نَجَا ولحِقَ، ومَنْ تَخَلفَ عَنَّا غَرِقَ، ونَحْنُ القَادَةُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ»، ثُمَّقَال بَعْدَ كَلامٍ طَوِيل: «يَا قَوْمِ مَنْ عَرَفَنَا وعَرَفَ حَقَّنَا وأَخَذَ بِأَمْرِنَا فَهُوَ مِنَّا وإِليْنَا»(1).
مسألة: يستحب وقد يجب بيان أن أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الصديقة فاطمة (عليها السلام) ورثة أنبياء الله تعالى.
أما كونهم ورثة الأنبياء: فواضح، لأنهم ورثوا العلم والحلم والحكمة والفصاحة والبلاغة وما أشبه مما هو من صفات الأنبياء (عليهم السلام).
كما أنهم (عليهم السلام) ورثوا جملة من آثار الأنبياء (عليهم السلام)، على ما ورد بالنسبة إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، وكذلك بعض الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) بأن عندهم مواريث الأنبياء (عليهم السلام) كعصى موسى (عليه السلام) وخاتم سليمان (عليه السلام) وغير ذلك.
كما أن وراثة الأنبياء (عليهم السلام) لا تنحصر في وراثة أمثال ذلك، بل تشمل وراثة أدوارهم ومسؤولياتهم، أي وراثتهم في خلافة الله في الأرض، بل فيالعوالم كلها.
قال (عليه السلام): «نحن ورثة الأنبياء»(2).
ص: 40
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِليْهِ أَبُو الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام): «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) كَانَ أَمِينَ اللهِ فِي أَرْضِهِ، فَلمَّا قُبِضَ كُنَّا أَهْل البَيْتِ وَرَثَتَهُ، فَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، عِنْدَنَا عِلمُ المَنَايَا والبَلايَا وأَنْسَابُ العَرَبِ ومَوْلدُ الإِسْلامِ ... نَحْنُ النُّجَبَاءُ، ونَحْنُ أَفْرَاطُ الأَنْبِيَاءِ، ونَحْنُ أَبْنَاءُ الأَوْصِيَاءِ، ونَحْنُ المَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ اللهِ، ونَحْنُ أَوْلى النَّاسِ بِرَسُول اللهِ (صلى
الله عليه وآله)، ونَحْنُ الذِينَ شَرَعَ لنَا دِينَهُ وقَال فِي كِتَابِهِ: «شَرَعَ لكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والذِي أَوْحَيْنا إِليْكَ» يَا مُحَمَّدُ «وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى» (1)، فَقَدْ عَلمَنَا وبَلغَنَا مَا عَلمْنَا واسْتَوْدَعَنَا عِلمَهُمْ ونَحْنُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ونَحْنُ وَرَثَةُ أُولي العَزْمِ مِنَ الرُّسُل»(2)الحديث.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَال: اسْتَأْذَنْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَأَذِنَ لي، فَسَمِعْتُهُ يَقُول فِي كَلامٍ لهُ: يَا مَنْ خَصَّنَا بِالوَصِيَّةِ وأَعْطَانَا عِلمَ مَا مَضَى وعِلمَ مَا بَقِيَ وجَعَل أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِليْنَا وجَعَلنَا وَرَثَةَ الأَنْبِيَاءِ(3).
ص: 41
عن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبسط ثوباً(1) وقال لها: «اجلسي عليه». ثم دخل الحسن (عليه السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله) له: «اجلس معها». ثم دخل الحسين (عليه السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله) له: اجلس معهما. ثم دخل علي (عليه السلام) فقال له: اجلس معهم(2). ثم أخذ بمجاميع الثوب فضمه علينا ثم قال: «اللهم هم مني وأنا منهم، اللهم ارض عنهم كما أني عنهم راضٍ»(3).
-------------------------
ص: 42
الظاهر أن هذه الحادثة هي غير حادثة الكساء الشهيرة، فإنه (صلى الله عليه وآله) في حديث الكساء طلب من فاطمة (عليها السلام) أن تغطيه به، فغطته فاطمة (عليها السلام) ثم جاء الإمام الحسن (عليه السلام) فاستأذن في الدخول معه .. إلى آخر الحديث، أما في هذه المرة بسط الرسول (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) ثوباً وأمرها بالجلوس عليه.
والظاهر أن أمثال هاتين القضيتين تكررت بألوان شتى وأنواع متعددة.
وأما السبب في التعدد فمن وجوه، مضافاً إلى المحبوبية ذاتاً، منها تكرر الدعاء منه (صلوات الله عليه) لهم (عليهم السلام) وتوفير أسباب التواتر الإجمالي في أقل فروضه، وإتمام الحجة، وغير ذلك.
مسألة: يستحب بيان أن أهل البيت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) والرسول منهم (عليهم السلام)، ولعل التعبير ب (هم مني وأنا منهم) يكنى به عن اتحاد أنوارهم، فإنهم نور واحد.
ويحتمل أن يراد (هم مني) أي (أصلاً)، لأنه (صلى الله عليه وآله) الأصللهذه الشجرة المباركة، «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلها ثابِتٌ وفَرْعُها فِي
ص: 43
السَّماء»(1).
وكونه (صلى الله عليه وآله) منهم أي (امتداداً)، إذ لولاهم _ فاطمة والحسنين وعلي (عليهم السلام) _ لأفنى الأعداء دين الله، ومحوا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآثاره، فهم منه في العلة المحدثة حقيقة كفاطمة والحسنين (عليهم السلام)، أو اعتباراً كعلي (عليه السلام)، وهو (صلى الله عليه وآله) منهم في العلة المبقية.
قال (صلى الله عليه وآله): «مَعَاشِرَ النَّاسِ القُرْآنُ فِيكُمْ وعَليٌّ والأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَدْ عَرَّفْتُكُمْ أَنَّهُمْ مِنِّي وأَنَا مِنْهُمْ ، فَلنْ تَضِلوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِ»(2).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «حُسَيْنٌ مِنِّي وأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً»(3).وعَنْ يَعْلى بْنِ مُرَّةَ قَال : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وقَدْ دُعِينَا إِلى طَعَامٍ فَإِذَا الحَسَنُ يَلعَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ أَمَامَ القَوْمِ ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ فَجَعَل يَمُرُّ مَرَّةً هَاهُنَا ومَرَّةً هَاهُنَا، يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ فَجَعَل إِحْدَى يَدَيْهِ فِي ذَقَنِهِ والأُخْرَى بَيْنَ رَأْسِهِ ثُمَّ اعْتَنَقَهُ فَقَبَّلهُ ثُمَّ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «حَسَنٌ مِنِّي وأَنَا مِنْهُ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّهُ»(4).
وعَنْ أَبِي الحَسَنِ عَليِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)
ص: 44
قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «عَليٌ مِنِّي وأَنَا مِنْ عَليٍّ، قَاتَل اللهُ مَنْ قَاتَل عَليّاً، لعَنَ اللهُ مَنْ خَالفَ عَليّاً، عَليٌّ إِمَامُ الخَليقَةِ بَعْدِي، مَنْ تَقَدَّمَ عَلى عَليٍّ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَليَّ، ومَنْ فَارَقَهُ فَقَدْ فَارَقَنِي، ومَنْ آثَرَ عَليْهِ فَقَدْ آثَرَ عَليَّ، أَنَا سِلمٌ لمَنْ سَالمَهُ، وحَرْبٌ لمَنْ حَارَبَهُ، ووَليٌّ لمَنْ وَالاهُ، وعَدُوٌّ لمَنْ عَادَاهُ»(1).
مسألة: يستحب الدعاء للأهل والأقرباء.وذلك مما تنطبق عليه عناوين راجحة شتى، فمنها أنه دعاء وهو مستحب في حد ذاته، ومنها أنه صلة رحم، ومنها أنه من أسباب تماسك الأسرة وتوادهم وتراحمهم، ومنها أنه نوع تربية لهم فإنه تربية بالدعاء وهو قد يكون أقوى من التربية بالتلقين والإيحاء فحسب وإن كان الكل مطلوباً.
ثم إن دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) بالإضافة إلى أنه مستجاب، هو تعليم وتكليف للأمة بوجوب احترام هؤلاء العظام (عليهم السلام)، وأن احترامهم احترام النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنهم منه وهو منهم (صلوات الله عليهم أجمعين).
وفي الدعاء: «اللهُمَّ اغْفِرْ لنَا ولآبَائِنَا ولأُمَّهَاتِنَا كَمَا رَبَّوْنَا صِغَاراً، وأَدَّبُونَا كِبَاراً، اللهُمَّ أَعْطِنَا وإِيَّاهُمْ مِنْ رَحْمَتِكَ أَسْنَاهَا وأَوْسَعَهَا، ومِنْ جِنَانِكَ أَعْلاهَا وأَرْفَعَهَا، وأَوْجِبْ لنَا مِنْ رِضَاكَ عَنَّا مَا تُقِرُّ بِهِ عُيُونَنَا، وتُذْهِبُ لنَا حُزْنَنَا، وأَذْهِبْ عَنَّا هُمُومَنَا وغُمُومَنَا فِي أَمْرِ دِينِنَا ودُنْيَانَا، وقَنِّعْنَا فِيهَا بِتَيْسِيرِ رِزْقِكَ عِنْدَنَا، واعْفُ عَنَّا وعَافِنَا أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنَا، وآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً
ص: 45
وقِنا عَذابَ النَّارِ»(1).
مسألة: يستحب بيان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان راضياً عن أهل بيته (عليهم السلام).
قال عُبَيْدُ بْنُ طُفَيْل: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ قَال : بَلغَنِي أَنَّ عَليّاً (عليه السلام) دَخَل عَلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَأَخَذَ النَّبِيُّ شَمْلةً لهُ فَبَسَطَهَا، فَقَعَدَ عَليْهِ عَليٌّ وفَاطِمَةُ وحَسَنٌ وحُسَيْنٌ فَأَخَذَ بِمَجَامِيعِهَا، فَعَقَدَ فَقَال: اللهُمَّ هَؤُلاءِ مِنِّي وأَنَا مِنْهُمْ، فَارْضَ عَنْهُمْ كَمَا أَنَا عَنْهُمْ رَاضٍ» (2).
مسألة: يستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله): «اللهم ارض عنهم فإني عنهم راض» عصمتهم بقول مطلق، نظراً للإطلاق في «فإني عنهم راض»، إذ لا يصح لمن يرضى الرسول (صلى الله عليه وآله) عنه بقول مطلق في كل الحالات أن يكون قد صدر منه في بعضها حتى المكروه، بل حتى ترك الأولى، فكيف بالمحرم.
ويوضحه ملاحظة قوله (عليه السلام): «حسنات الأبرار سيئاتالمقربين»(3).
ص: 46
كما أن دعاءه لهم ب (اللهم ارض عنهم) دليل آخر على عصمتهم، إذ دعاؤه (صلى الله عليه وآله) مستجاب قطعاً.
لا يقال: لا شك في رضا الله عنهم، فكيف يدعو الرسول (صلى الله عليه وآله) ب (اللهم ارض عنهم) وهل هو إلا طلب الحاصل؟
إذ يقال: إنه كقوله (صلى الله عليه وآله) وقول سائر المعصومين (عليهم السلام): «اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيم»(1)، مع أنهم على الصراط المستقيم قطعاً وهم المهديون له جزماً، بل هم الصراط المستقيم، فالمراد إدامة الرضا عنهم واستمراره كإدامة الهداية للصراط المستقيم، فإن كل ممكن فإنه حدوثاً وبقاءً بأمر الله ولطفه وتوفيقه.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ» «يعني أمير المؤمنين صلوات الله عليه»(2).
ثم إن (اللهم ارض عنهم) قد يراد به الدرجات الأعلى فالأعلى من الرضا،فهو كقوله: «وَقُل رَبِّ زِدْني عِلماً»(3).
ويحتمل كون (اللهم ارض عنهم) في مقام إعلام الغير ولبيان فضلهم (عليهم السلام) عند الله وعنده.
قال الإمام العسكري (عليه السلام) في قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ» «أَيْ : أَدِمِ لنَا تَوْفِيقَكَ الذِي بِهِ أَطَعْنَاكَ فِي مَاضِي أَيَّامِنَا، حَتَّى نُطِيعَكَ
ص: 47
كَذَلكَ فِي مُسْتَقْبَل أَعْمَارِنَا»(1).
وعن حُسَيْن الأَشْقَر قَال: قُلتُ لهِشَامِ بْنِ الحَكَمِ: مَا مَعْنَى قَوْلكُمْ إِنَّ الإِمَامَ لا يَكُونُ إِلا مَعْصُوماً، فَقَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ ذَلكَ فَقَال: «المَعْصُومُ هُوَ المُمْتَنِعُ بِاللهِ مِنْ جَمِيعِ مَحَارِمِ اللهِ، وقَال اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (2)»(3).
وقال (عليه السلام) في قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُول وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ»(4): «لأَنَّ اللهَ إِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)لأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُطَهَّرٌ لا يَأْمُرُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، وإِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ أُولي الأَمْرِ لأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ لا يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ»(5).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَال سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول : «أَنَا وعَليٌّ والحَسَنُ والحُسَيْنُ وتِسْعَةٌ مِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُونَ» (6).
مسألة: يستحب إكرام البنت والصهر والأحفاد، ومن الإكرام جعل ثوب لجلوسهم عليه والدعاء لهم. بل قد يستظهر بأدلة الأسوة استحباب القيام بهذا
ص: 48
الفعل مع الأولاد والأصهار.
وَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلهِ وأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلي»(1).
وقال (صلى الله عليه وآله): «أَحْسَنُ النَّاسِ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلقاً وأَلطَفُهُمْ بِأَهْلهِ وأَنَا أَلطَفُكُمْ بِأَهْلي»(2).
مسألة: يستحب تقبل الإكرام وعدم رده، وعدم التمنع عنه بحجة أنه _ أي التمنع _ نوع إجلال للعظيم، وقد تقبلت الصديقة (صلوات الله عليها) إكرام أبيها (صلى الله عليه وآله) إذ بسط لها ثوباً.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «دَخَل رَجُلانِ عَلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَلقَى لكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِسَادَةً، فَقَعَدَ عَليْهَا أَحَدُهُمَا وأَبَى الآخَرُ، فَقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): اقْعُدْ عَليْهَا فَإِنَّهُ لا يَأْبَى الكَرَامَةَ إِلا حِمَارٌ.
ثُمَّ قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ»(3).
وعَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنِ
ص: 49
الرَّجُل يَرُدُّ الطِّيبَ، قَال: «لا يَنْبَغِي لهُ أَنْ يَرُدَّ الكَرَامَةَ»(1).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «إِذَا عُرِضَ عَلى أَحَدِكُمُ الكَرَامَةُ فَلا يَرُدَّهَا،فَإِنَّمَا يَرُدُّ الكَرَامَةَ الحِمَارُ»(2).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام): «أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) كَانَ لا يَرُدُّ الطِّيبَ والحَلوَاءَ»(3).
ص: 50
في حديث عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت: «ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا، فقال الله: «قُل لا أَسْأَلكُمْ عَليْهِ أَجْرًا إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(1)»(2).
-------------------
مسألة: يجب وجوباً كفائياً بيان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وصى بأهل بيته (عليهم السلام) واتباعهم والتمسك بهم، كي لا يبقى مجال لإنكار الخصم وصيته بهم (صلوات الله عليهم)، بل قد يجب كفائياً أيضاً بيان آحاد مصاديق وصيته بهم، فإن ذكر الكلي قد لا يكفي لهداية الآخرين وإقناعهم، فلا بد من ذكر الجزئي بخصوصياته لو توقفت الهداية عليه.قال (صلى الله عليه وآله): «مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنِّي أَدَعُهَا إِمَامَةً ووِرَاثَةً، وقَدْ بَلغْتُ
ص: 51
مَا بَلغْتُ حُجَّةً عَلى كُل حَاضِرٍ وغَائِبٍ، وعَلى كُل أَحَدٍ مِمَّنْ وُلدَ وشَهِدَ ولمْ يُولدْ ولمْ يَشْهَدْ، يُبَلغُ الحَاضِرُ الغَائِبَ، والوَالدُ الوَلدَ إِلى يَوْمِ القِيَامَة»(1).
وقال علي (عليه السلام) في احتجاجه على القوم: «أَمْ هَل فِيكُمْ أَحَدٌ أَخَذَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِيَدِهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وقَال: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ، اللهُمَّ وَال مَنْ وَالاهُ وعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وليُبَلغِ الحَاضِرُ الغَائِبَ ؟! فَهَل كَانَ فِي أَحَدٍ، غَيْرِي»(2).
مسألة: يجب كفائياً بيان أن هذه الآية نزلت في شأن أهل البيت (عليهم السلام)، ويجب كذلك ذكر الأدلة والبراهين على ذلك بما يقطع عذر المعتذرين وتتضح الحجة على الجاهلين.
في الكافي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)فِي قَوْلهِ تَعَالى: «قُل لا أَسْئَلكُمْ عَليْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبى»(3)، قَال: «هُمُ الأَئِمَّةُ عليهم السلام»(4).
عن ابن عباس، قال : لمَّا نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ: «قُل لا أَسْئَلكُمْ عَليْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى» قُلتُ: يَا رَسُول اللهِ مَنْ قَرَابَتُكَ الذِينَ افْتَرَضَ اللهُ عَليْنَا
ص: 52
مَوَدَّتَهُمْ، قَال: «عَليٌّ وفَاطِمَةُ ووُلدُهُمَا» ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولهَا(1).
وعَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ عَبْدِ الخَالقِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول لأَبِي جَعْفَرٍ الأَحْوَل وأَنَا أَسْمَعُ: أَتَيْتَ البَصْرَةَ، فَقَال: نَعَمْ، قَال: كَيْفَ رَأَيْتَ مُسَارَعَةَ النَّاسِ إِلى هَذَا الأَمْرِ ودُخُولهُمْ فِيهِ، قَال: واللهِ إِنَّهُمْ لقَليل ولقَدْ فَعَلوا وإِنَّ ذَلكَ لقَليل، فَقَال: عَليْكَ بِالأَحْدَاثِ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلى كُل خَيْرٍ، ثُمَّ قَال: مَا يَقُول أَهْل البَصْرَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: «قُل لا أَسْئَلكُمْ عَليْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبى»(2)، قُلتُ :جُعِلتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَقُولونَ إِنَّهَا لأَقَارِبِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَقَال: «كَذَبُوا إِنَّمَا نَزَلتْ فِينَا خَاصَّةً، فِي أَهْل البَيْتِ فِي عَليٍّ وفَاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَيْنِ أَصْحَابِ الكِسَاءِعليهم السلام»(3).
مسألة: تحرم الخيانة خصوصاً بالنسبة إلى أهل بيت رسول الله (عليهم السلام)، والأسرع خيانة أكثر عقوبة وأشد، فهذه الخيانة من أكبر الكبائر.
ومن الواضح أن الخيانة العامة محرمة فكيف بخيانة الرسول (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام).
قال تعالى: «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً للذينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقيل
ص: 53
ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلينَ»(1).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِيَّاكَ والخِيَانَةَ فَإِنَّهَا شَرُّ مَعْصِيَةٍ، وإِنَّ الخَائِنَ لمُعَذَّبٌ بِالنَّارِ عَلى خِيَانَتِهِ »(2).
ونَهَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنِ الخِيَانَةِ وقَال: «مَنْ خَانَ أَمَانَةً فِي الدُّنْيَا ولمْ يَرُدَّهَا إِلى أَهْلهَا ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ مَاتَ عَلى غَيْرِ مِلتِي ويَلقَى اللهَ وهُوَ عَليْهِ غَضْبَان»(3).
مسألة: يجب كفائياً حفظ تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) وموقف الناس تجاههم من محسن وظالم لنفسه، بتفاصيل ذلك.
روي أنه قال (صلى الله عليه وآله): «من ورّخ مؤمناً فقد أحياه» (4).
والأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «تَجْلسُونَ وتَتَحَدَّثُونَ»، قَال: قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ نَعَمْ، قَال: «إِنَّ تِلكَ المَجَالسَ أُحِبُّهَا فَأَحِبُّوا
أَمْرَنَا»(5).
ص: 54
مسألة: يجب اتباع أهل البيت (عليهم السلام) ومودتهم والتمسك بهم.
ثم إن الصديقة (صلوات الله عليها) أشارت بقولها: «باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا» إلى أمور ثلاثة، لكل منها دلالاتها:
1: أما المودة فواضحة، إذ هي مرتبطة بالقلب بما يظهر على الجوارح.
2 و3: وأما الاتباع والتمسك فربما يكون الفرق بينهما: أن الاتباع هو سير الإنسان وفق سير المتبَع بالفتح، والتمسك هو الالتفاف حول المتبَع، هذا إذا ذكر كل واحد منهما في قبال الآخر، وأما إذا ذكر أحدهما دونه فهو يشمله، حالهما حال الفقير والمسكين كما ذكروا: إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلبِ، أَطِيعُوا عَليّاً واتَّبِعُوهُ، وتَوَلوْهُ ولا تُخَالفُوهُ، وابْرَءُوا مِنْ عَدُوِّهِ، وآزِرُوهُ وانْصُرُوهُ واقْتَدُوا بِهِ، تُرْشَدُوا وتَهْتَدُوا وتُسْعَدُوا»(1).
ص: 55
عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: سمعت أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه يقول، وقد امتلأت الحجرة من أصحابه: «أيها الناس يوشك أن أُقبض قبضاً يسيراً، وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عزوجل وعترتي أهل بيتي».
ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال: «هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض، فأسألكم ما تخلفوني فيهما»(1).
-----------------------
يحتمل في قوله (صلى الله عليه وآله): (يسيراً) الكيف، أي قبضاً سهلاً يسيراً لا صعوبة فيه ولا مشقة، كما يحتمل فيه الكمّ، أي الزماني أي قبضاً سريعاً عن قريب.
ويرجح الأول إضافة إلى ظهور اليسير في السهل مقابل الشديد، أنه إخبار إعجازي حيث كان مرضه (صلوات الله عليه وآله) خطيراً جراء السم، وهو يوجب صعوبة النزع عادة، فإخباره عن سهولة النزع مؤكد آخر على صحة كلامه
ص: 56
ولزوماتباعه في وصيته.
ويرجح الثاني قوله: (وقد قدمت)، وقرينة الحال، كما أن من معاني اليسير القليل.
ثم إن (أقبض) هنا(1) يراد به القبض قتلاً بالسم، فهو مطابق لقوله تعالى: «وَلا تَحْسَبَنَّ الذينَ قُتِلوا في سَبيل اللهِ أَمْواتاً بَل أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون»(2)، كما أن الآية وكلمة (أقبض) تحدد الشق من قوله سبحانه: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُول قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلهِ الرُّسُل أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِل انْقَلبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرينَ»(3)، وأنه (صلى الله عليه وآله) قُتل ولم يمت بالموت الطبيعي، فإن قبض الشيء ظاهر في صرف التحول من مكان إلى مكان آخر، أو حالة إلى حالة، لا الموت بالمعنى المعهود.
(ومعذرة إليكم) أي كي يكون لي العذر لو أخلفتم فاستحققتم العقاب والعذاب، وفي عدم شفاعتي لكم، إذ قد قدمت إليكم بالوعيد وحذرتكم كراراً وتكراراً.
عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تدرون مات النبي(صلى الله عليه وآله) أو قُتل، إن الله يقول: «أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِل انْقَلبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ»(4)، فسمّ قبل الموت، إنهما سقتاه قبل الموت» فقلنا: إنهما وأبوهما
ص: 57
شر من خلق الله(1).
وجوب نقل حديث الثقلين(2)
مسألة: يجب وجوباً كفائياً نقل حديث الثقلين والتنبيه على شدة اهتمام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحديث، وأنهأخذ يذكّر الناس به في أكثر من موقف وموطن، حتى أنه (صلى الله عليه وآله) في أواخر حياته الشريفة كان يوصي به في كل يوم.
ولنقل حديث الثقلين كسائر الأحاديث طرق عديدة، منها: إدراجه في المناهج الدراسية في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية(3) والجامعية، وإدراجه في المناهج الدراسية الحوزوية أيضاً، كمنهج درسي في فقه الحديث، لا كمرجع للمطالعة فقط.
ص: 58
ومنها: بثه ونشره وتفسيره والتأكيد عليه في مختلف وسائل الإعلام.
مسألة: يجب كفائياً بيان حديث المعية.
والمعية الحقيقية طرفينية، بل لو كانت المعية من جهة دون أخرى فلا معية حقيقة، بل هي مجاز لا غير، لتقوم المعية بالطرفين، والحاصل أن المعية كالموازرة والمساواة والأخوة لا تكون إلاّ بالطرفين، فتأمل.
ولا يخفى أن المعية على ثلاثة أقسام: معية زمانية، ومعية مكانية، ومعية معنوية، والمراد بالمعية فيالمقام: المعية المعنوية(1) والزمانية أيضاً، وربما المكانية بالمعنى الأعم، إذ لا تخلو الأرض من حجة إلى يوم القيامة، فالقرآن معهم (عليهم السلام) وهم مع القرآن دائماً وأبداً.
وفي الزيارة: «وَالحَقُّ مَعَكُمْ ، وفِيكُمْ، ومِنْكُمْ، وإِليْكُمْ، وأَنْتُمْ أَهْلهُ مَعْدِنُهُ»(2).
وقال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «عَليٌ مَعَ القُرْآنِ والقُرْآنُ مَعَ عَليٍّ، لنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ» (3).
ص: 59
وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال:«عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ، اللهمّ أدر الحقّ معه حيثما دار»(1).
مسألة: يجب كفائياً بيان أن كل من انفصل عن القرآن انفصل عن علي (عليه السلام)، وكل من انفصل عن علي (عليه السلام) فقد انفصل عن القرآن.
ويتفرع على هذا وجوب دراسة سيرة الإمام علي (عليه السلام) ومواقفه وأفعاله وتقريره، لأنها مرآة القرآن وكاشفة عنه، كما يتفرع عليه وجوب دراسة كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) وخطبه ومواعظه، ومنها كل ما ورد في نهج البلاغة ومستدركاته، وما تضمه تحف العقول وغيره، ثم السعي لتطبيقها، فإنها مع القرآن، وهي كاشفة عنه، ولازمه له.
والحاصل أن قوله (صلى الله عليه وآله): «هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي»(2)، يفيد أن الذين يتبعون علياً (عليه السلام) ولا يتبعون القرآن ليسوا مع علي (عليهالسلام)، كما أن الذين يتبعون القرآن وليسوا مع علي (عليه السلام) لا يتبعون القرآن أيضاً، فأحكام القرآن هي أحكام علي (عليه السلام)، وعلي (عليه السلام) من
ص: 60
أحكام القرآن.
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللهَ وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ»(1).
وقوله سبحانه: «يا أَيُّهَا الرَّسُول بَلغْ ما أُنْزِل إِليْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لمْ تَفْعَل فَما بَلغْتَ رِسالتَهُ وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرينَ»(2).
فالمعية في هذا الحديث الشريف: «علي مع القرآن والقرآن مع علي» تفيد الثبوت والإثبات معاً.
وقد قال علي (عليه السلام): «أنا القرآن الناطق»(3).
مسألة: يستحب بيان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم القيامة سيسأل الأُمّة عن ولاية علي (صلوات الله عليه).والظاهر أنه سؤال احتجاج وقطع عذر للبعض، وأنه سؤال امتحان واختبار لآخرين حيث يرتهن به الفوز والفلاح والنجاح، أو الخسران والفشل والهلاك، وأنه مقدمة للحكم عليه إما إلى جنة وإما إلى النار.
ص: 61
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ أَوَّل مَا يُسْأَل عَنْهُ العَبْدُ إِذَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ جَل جَلالهُ عَنِ الصَّلوَاتِ المَفْرُوضَاتِ، وعَنِ الزَّكَاةِ المَفْرُوضَةِ، وعَنِ الصِّيَامِ المَفْرُوضِ، وعَنِ الحَجِّ المَفْرُوضِ، وعَنْ وَلايَتِنَا أَهْل البَيْتِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِوَلايَتِنَا ثُمَّ مَاتَ عَليْهَا قُبِلتْ مِنْهُ صَلاتُهُ وصَوْمُهُ وزَكَاتُهُ وحَجُّهُ، وإِنْ لمْ يُقِرَّ بِوَلايَتِنَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ جَل جَلالهُ لمْ يَقْبَل اللهُ عَزَّ وجَل مِنْهُ شَيْئاً مِنْ أَعْمَالهِ»(1).
وروي: «لمَا ذَا يُوقَفُونَ يَا رَبَّنَا، فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَل اللهِ تَعَالى: «قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلونَ»(2) عَنْ وَلايَةِ عَليِ بْنِ أَبِي طَالبٍ وآل مُحَمَّد»(3).
وعن ابن عباس في قوله تعالى:«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلونَ»(4)، قَال: عَنْ وَلايَةِ عَليِ بْنِ أَبِي طَالب (5).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَجِيحٍ اليَمَانِيِّ، قَال قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): مَا مَعْنَى قَوْلهِ تَعَالى: «ثُمَّ لتُسْئَلنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(6)، قَال: «النَّعِيمُ الذِي أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَليْكُمْ مِنْ وَلايَتِنَا وَحُبِّ مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)»(7).
ص: 62
مسألة: الظاهر أن الضمير في (أسألكم) عام لكل الأجيال إلى يوم القيامة، بقرينة قوله (صلى الله عليه وآله): «لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض»، وبدليل عموم الشريعة، وأن الأصل في الخطابات القضايا الحقيقية لا الخارجية، إضافة إلى مطابقة العموم لسائر الأدلة، بل لا يحتمل خصوص السؤال بالنسبة لذلك الجيل للناظر في مختلف الأدلة، مضافاً إلى عموم أدلة الاشتراك في التكاليف وغيرها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حُكْمِي عَلى الوَاحِدِ حُكْمِي عَلى الجَمَاعَة»(1).
مسألة: المسؤول عنه هو مطلق ما يصدق عليه عنوان (تخلفوني فيهما)، فيشمل احترام الكتاب والعترة، والالتزام بطاعة أوامرهما، وترك نواهيهما، والذود عنهما، ونصرتهما باللسانوالبنان وسائر الجوارح، وما إلى ذلك.
عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: «ذلكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالهُمْ»(2) قَال: «كَرِهُوا عَليّاً (عليه السلام) وكَانَ أَمَرَ اللهُ
ص: 63
بِوَلايَتِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وحُنَيْنٍ ويَوْمَ بَطْنِ نَخْلةٍ ويَوْمَ التَّرْوِيَةِ ويَوْمَ عَرَفَةَ نَزَلتْ فِيهِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً فِي الحُجَّةِ التِي صُدَّ فِيهَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ بِالجُحْفَةِ وخُمٍّ وعَنَى بِقَوْلهِ تَعَالى: «وَالذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ»(1) عَليّاً (عليه السلام)(2).
ص: 64
عن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً»(1).
------------------------
مسألة: حب آل محمد (عليهم السلام) واجب، كما أن حب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحب الله تعالى واجب، والوجوب بالنسبة إلى أدنى درجات الحب، أما الإكثار فمستحب، بل من أعظم المستحبات.
عن الإمام الحسين (عليه السلام) إنه قال: «من أحبنا أهل البيت لله نفعه حبنا، وإن كان أسيراً بالديلم، ومن أحبنا للدنيا فإن الله يفعل ما يشاء، والله إن حبنا أهل البيت لتساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق اليابس عن الشجر»(2).وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَحِبُّوا اللهَ لمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ،
ص: 65
وأَحِبُّونِي لحُبِّ اللهِ عَزَّ وجَل، وأَحِبُّوا أَهْل بَيْتِي لحُبِّي» (1).
وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَحَبَّنَا أَهْل البَيْتِ فَليَحْمَدِ اللهَ عَلى أَوَّل النِّعَمِ». قِيل: ومَا أَوَّل النِّعَمِ، قَال: «طِيبُ الوِلادَةِ، ولا يُحِبُّنَا إِلا مَنْ طَابَتْ وِلادَتُهُ»(2) .
مسألة: يستحب بيان مقام وفضل من يحب آل محمد (صلى الله عليه وآله) ومنه: أن مات منهم مات شهيداً.
عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): أَنَّهُ قَال: «مَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ مَاتَ مَغْفُوراً لهُ، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ مَاتَ تَائِباً، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّآل مُحَمَّدٍ مَاتَ مُؤْمِناً مُسْتَكْمِل الإِيمَانِ، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ بَشَّرَهُ مَلكُ المَوْتِ بِالجَنَّةِ، ثُمَّ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ يُزَفُّ إِلى الجَنَّةِ كَمَا تُزَفُّ العَرُوسُ إِلى بَيْتِ زَوْجِهَا، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) فُتِحَ لهُ فِي قَبْرِهِ بَابَانِ إِلى الجَنَّةِ، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ جَعَل اللهُ قَبْرَهُ مَزَارَ مَلائِكَةِ الرَّحْمَةِ، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى حُبِّ آل مُحَمَّدٍ مَاتَ عَلى السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى بُغْضِ آل مُحَمَّدٍ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ
ص: 66
رَحْمَةِ اللهِ، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى بُغْضِ آل مُحَمَّدٍ مَاتَ كَافِراً، أَلا وَمَنْ مَاتَ عَلى بُغْضِ آل مُحَمَّدٍ لمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ الجَنَّةِ»(1).
وقوله (صلى الله عليه وآله): «شهيداً» يحتمل فيه عدة معان:
1: كونه في درجة الشهداء بمعنى المشهودين، وهم الذين تشهد لهم الملائكة إكراماً وتقديراً واحتراماً، أو تشهد بأنهم من أهل الجنة، ف (شهيد) أي مشهود أو مشهود له، إذ قد تأتيفعيل بمعنى المفعول، كقتيل.
2: كونه في درجة الشهداء المقتولين في سبيل الله.
3: كونه شاهداً، فالمراد من (شهيد) معنى الفاعل، فإن الشهيد شاهد يوم القيامة على أمته أو على بعضهم.
4: كونه حاضراً، من (شهيد) بمعنى الشاهد الحاضر، أو كالحاضر لأنه لم يمت.
5: كونه شاهداً حيث قام بشهادة الحق وقبوله حتى مات.
6: كونه شاهداً لأنه يشهد عظيم ما أعدّ الله له من المثوبة في الآخرة على حب محمد وآل محمد.
أما احتمال كون المعنى أن حكمهم حكم الشهيد الشرعي في ميدان الحرب من عدم التغسيل ودفنه بثيابه وما أشبه، فهو غير وارد هنا.
ثم إن شهادة الملائكة احتراماً غير حضورهم من باب الوظيفة، فإن هذا
ص: 67
أعم منه ومن ضده، كما أن شهادتهم بأنه من أهل الجنة غير الشهادة بمعنى الحضور احتراماً وشبهه.
ثم إنه قد يقال ليس المراد الحب المجرد عن العمل، كما إذا كان فاسقاً فاجراً لكنه يحبهم (عليهم السلام) لإمكانالانفكاك الخارجي، بل المراد الحب المقترن بالعمل.
ومثله يقال فيما ورد من قوله (عليه السلام): «وهل الدين إلا الحب»(1)، وقول الله سبحانه وتعالى: «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ»(2).
ولكن قد يقال: إن الحب المجرد أيضاً نافع في الجملة، كما يظهر ذلك من جملة من الأحاديث.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَا سَلمَانُ مَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ ابْنَتِي فَهُوَ فِي الجَنَّةِ مَعِي، ومَنْ أَبْغَضَهَا فَهُوَ فِي النَّارِ، يَا سَلمَانُ حُبُ فَاطِمَةَ (عليها السلام) يَنْفَعُ فِي مِائَةٍ مِنَ المَوَاطِنِ، أَيْسَرُهَا المَوْتُ والقَبْرُ وَالمِيزَانُ والمَحْشَرُ والصِّرَاطُ وَالعَرْضُ والحِسَابُ، فَمَنْ رَضِيَت ابْنَتِي عَنْهُ رَضِيتُ عَنْهُ، ومَنْ رَضِيتُ عَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ومَنْ غَضِبَتْ عَليْهِ فَاطِمَةُ (عليها السلام) غَضِبْتُ عَليْهِ، ومَنْ غَضِبْتُ عَليْهِ غَضِبَ اللهُ عَليْهِ، يَا سَلمَانُ وَيْل لمَنْ يَظْلمُهَا ويَظْلمُ بَعْلهَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَليّاً (عليه السلام)، ووَيْل لمَنْ يَظْلمُ شِيعَتَهَا وذُرِّيَّتَهَا»(3).
ص: 68
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَال: جَاءَ رَجُل إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَال: هَل يَنْفَعُنِي حُبُ عَليٍ (عليه السلام)، فَقَال: «وَيْحَكَ، مَنْ أَحَبَّهُ أَحَبَّنِي، ومَنْ أَحَبَّنِي أَحَبَّ اللهَ، ومَنْ أَحَبَّ اللهَ لمْ يُعَذِّبْهُ»(1).
ثم إن (الشهيد) لو أريد به الشاهد فلا مانع من إرادة حتى المحب فقط دون عمل، إذ إنه سيكون شاهداً على الغير، بل حتى لو أريد به المشهود ومن تحضره الملائكة فإن لنوع شهودهم واحترامهم درجات، فمن أحب وعمل كان له قصب السبق والحظ الأوفر من احترام الملائكة، وترحمهم عليه، ومن أحب ولم يعمل كان من حيث حبه للرسول وأهل بيته (عليه وعليهم السلام) مشمولاً لبعض درجات رحمتهم ودعائهم، ومن ذلك يعلم حال بعض المعاني الآخر السابقة فتدبر وتأمل.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ أَحَبَّنَا أَهْل البَيْتِ وحَقَّقَ حُبَّنَا فِي قَلبِهِ جَرَى يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ عَلى لسَانِهِ، وجُدِّدَ الإِيمَانُ فِي قَلبِهِ، وجُدِّدَ لهُ عَمَل سَبْعِينَ نَبِيّاً وسَبْعِينَ صِدِّيقاً وسَبْعِينَ شَهِيداً وعَمَل سَبْعِينَ عَابِداً عَبَدَ اللهَ سَبْعِينَ سَنَةً»(2).وعَنْ بِشْرِ بْنِ غَالبٍ الأَسَدِيِّ، قَال حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: قَال لي: «يَا بِشْرَ بْنَ غَالبٍ، مَنْ أَحَبَّنَا لا يُحِبُّنَا إِلا للهِ جِئْنَا نَحْنُ وهُوَ كَهَاتَيْنِ، وقَدَّرَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ، ومَنْ أَحَبَّنَا لا يُحِبُّنَا إِلا للدُّنْيَا فَإِنَّهُ إِذَا قَامَ قَائِمُ العَدْل وَسَّعَ عَدْلهُ البَرَّ والفَاجِرَ»(3).
ص: 69
قال أبو جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) : «يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي أمي فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أخبرتك به أمي أن في ذلك اللوح مكتوباً».
قال جابر: أشهد بالله، أني دخلت على أمك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهنئها بولادة الحسين (عليه السلام)، فرأيت في يدها لوحاً أخضر، ظننت أنه زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبيه بنور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت وأمي، يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟
فقالت: هذا اللوح أهداه الله عزوجل إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه اسم أبي، واسم بعلي، واسم ابنيّ، وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرني بذلك.
قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة (عليها السلام) فقرأته وانتسخته، فقال أبي (عليه السلام): فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟
قال: نعم، فمشى معه أبي (عليه السلام)، حتى انتهى إلى منزل جابر، فأخرج إلى أبي صحيفة من رق، قال: يا جابر، انظر أنت في كتابك، لأقرأه أنا عليك.
فنظر جابر في نسخته فقرأه عليه أبي (عليه السلام)، فوالله ما خالف حرف حرفاً.
ص: 70
قال جابر: فإني أشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً.«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لا إله إلا أنا، قاصم الجبارين ومذل الظالمين وديان الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد وعليّ فتوكل.
إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلاّ جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين، وجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه، والحجة البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب.
أولهم: علي سيد العابدين، وزين أولياء الماضين.
وابنه شبيه جده المحمود.
يهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد علي، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه.
وانتجبت بعده موسى، فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي لا يشقون أبداً، ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي.
وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي.
ص: 71
إن المكذب بالثامن مكذب بكل أوليائي، وعليّ وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة، وأمنحه بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين، إلى جنب شر خلقي.
حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده فهو وارث علمي، ومعدن حكمي، وموضع سري، وحجتي على خلقي، جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين ألفاً، كلهم قد استوجبوا النار.
وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي وأميني على وحيي.
أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن.
ثم أكمل ذلك بابنه، رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب.
سيذل أوليائي في زمانه، ويتهادون رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض من دمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع الآصار والأغلال «أُولئِكَ عَليْهِمْ صَلواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ»(1).
قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاّ عن أهله(2).
ص: 72
* قوله: «عذبته...» لأنه من أكبر الكبائر، فإنه عصيان في أصول الدين، كعدله تعالى، أو ما يرتبط بها كفضله عزوجل(1).
وهكذا يكون وجه نزول العذاب على من أكل من المائدة النازلة من السماء على عيسى بن مريم (عليهما الصلاة والسلام) ثم أنكر وكفر، لأنه كان إنكاراً بعد الرؤية، والإنكار راجع إلى أمر يتعلق بأصول الدين، وقد ورد في القرآن الحكيم مثل هذه العبارة، قال تعالى: «قال اللهُ إِنِّي مُنَزِّلها عَليْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لاأُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ العالمينَ»(2).
ثم إن العذاب _ أصلاً ونوعاً _ لمنكر أصول الدين وجهه هو ما ذكروه في علم الكلام من اختيارية الاعتقاد(3)، ومن أنه يناسب شأن المنكِر وحاله
ص: 73
وشاكلته، كما أن الثواب يناسب المعتقد، وقد فصلوا ذلك في أخبار الطينة على ما ذكره السيد الشبّر (قدس سره) في كتابه (مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار)(1) بما لا يوجب الجبر، فإن الطينة وما أشبه على نحو المقتضي لا العلة التامة، ولا تكون بحيث تسلب الاختيار عن المكلف، بل العاصي بسوء اختياره يرتكب الحرام، والمطيع بحسن اختياره يمتثل مولاه.
* قوله: «معدن علمي» لعل الفرق بين (معدن علمي) وبين (خازن وحيي)(2)، لايرتبط بكمية معلوماتهما وكيفيتها(3)، بل يرتبط بالدور المناط بكل منهما، وظهوره بالمظهر اللائق به والمناسب له، ولعل (المعدن) أبعد عن الاستنباط منه(4)، و(الخازن) أقرب، كما هو المشاهد خارجاً، وكذلك الأمر فيهما، فإن الإمام الحسين (عليه السلام) يكون سبب نجاة الناس وهدايتهم بشهادته، فهو خازن وحي الله في إحياء دينه.
ويمكن أن يكون الوجه غير ذلك، فإن المعنويات والارتباطات بينها أسباب ومسببات، وعلمها عند الله سبحانه، نعم ربما نعرف في بعض الماديات شيئاً من الأسباب والمسببات فيها، مثل: أن العشب والورد الفلاني يناسب المرض
ص: 74
الفلاني زيادةً أو نقيصةً، إيجاداً أو إزالةً، وهكذا نعرف أن النار محرقةوالثلج مبرد إلى غير ذلك من بعض الماديات وهي قليلة جداً، فإن جهل البشر أكثر من علمه بكثير، أما المعنويات فلا نعرف منها إلاّ قطرة من بحار.
والسبب في ذلك واضح، فإن الإيمان بالمعصومين من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) حقيقة ارتباطية، فلا ينفعه لو آمن بكل الأنبياء إلا واحداً، أو بكل الأوصياء إلا واحداً.
قال تعالى: «قُولوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِل إِليْنا وَما أُنْزِل إِلى إِبْراهيمَ وَ إِسْماعيل وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لهُ مُسْلمُونَ»(1).
وقال سبحانه: «آمَنَ الرَّسُول بِما أُنْزِل إِليْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ المُؤْمِنُونَ كُل آمَنَ بِاللهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلهِ وَ قالوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِليْكَ المَصيرُ»(2).
وقال عزوجل: «قُل آمَنَّا بِاللهِ وَ ما أُنْزِل عَليْنا وَ ما أُنْزِل عَلى إِبْراهيمَ وَ إِسْماعيل وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لهُ مُسْلمُونَ»(3).
وقال تعالى: «إِنَّ الذينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلهِ وَ يُريدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ
ص: 75
وَ رُسُلهِ وَ يَقُولونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍوَيُريدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلكَ سَبيلاً * أُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ حَقًّا وَ أَعْتَدْنا للكافِرينَ عَذاباً مُهيناً»(1).
* قوله: «إن المكذب...» لعله إشارة إلى الواقفية، فإنهم وقفوا على الإمام موسى بن جعفر (عليهما الصلاة والسلام)، وكان السبب في ابتداعهم الوقف أنهم طمعوا في المال والجارية وما أشبه فغرتهم الدنيا، كما ذكر في أحوالهم، ثم خدعوا الآخرين وامتدت الواقفية مدة.
ولا يخفى أن مثل هذا العذاب إنما يكون لمن فعل ذلك عالماً عامداً، أما القاصر ومن له شبهة عقائدية عن قصور فإنه يمتحن يوم القيامة، كما ورد بذلك النص ودل عليه العقل.
* قوله: «سبعين ألفاً» المراد به الكثرة لا الحصر، لدلالة قرائن المقام عليه(2)، بعد تعارف كثرة استعمال سبعينفي الكثرة لا الحد الخاص، ويحتمل إرادة العدد الخاص نظراً لقيد (من أهل بيته) في بعض النسخ، لمحدودية عدد من
ص: 76
يستحق النار منهم ممن تناله شفاعته (صلوات الله عليه).
* قوله: «سري» يحتمل إرادة السر بالمعنى الخاص، وهو الذي لم يُطلع الله تعالى عليه أحداً من خلقه غيره (عليه السلام) حتى الملك المقرب، ويحتمل إرادة الأعم منه ومن الأسرار الأخرى التي أودعت عند بعض الملائكة أيضاً، فإن كونه (عليه السلام) موضع سره لا ينفي كون البعض أيضاً كذلك، والفارق في السر الخاص.
* قوله: «شر خلقي» يحتمل إرادة كونه شر الخلق في زمانه، فهو محمول على الحقيقة، ويحتمل إرادة شر الخلق دون تقييد بزمانه فيكون المراد من الشر النسبي منه.
* قوله: «والشاهد في خلقي» الشاهد مأخوذ من الشهود، فهذا الحديثونظائره نص في أن الإمام حاضر وناظر وأنه يرى ويسمع ويشهد كل أحد، بل كل مخلوقات الله تعالى، وفي زيارة الجامعة: (وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء)(1)، وفي الآية الكريمة: «إِنَّا أَرْسَلناكَ شاهِداً»(2)، وقال عزوجل: «وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الكِتابُ وَجي ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلمُونَ»(3).
وقال علي بن إبراهيم في تفسيره(4)، في قوله تعالى: «وَوُضِعَ الكِتابُ
ص: 77
وَجِي ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ»(1) قال: الشهداء الأئمة (عليهم السلام) والدليل على ذلك قوله في سورة الحج: «ليَكُونَ الرَّسُول شَهِيداً عَليْكُمْ وَتَكُونُوا» أنتم يا معشر الأئمة «شُهَداءَ عَلى النَّاسِ»(2).
* قوله: «وأرفع الآصار والأغلال»، الظاهر أنه لولا هؤلاء الأولياء (عليهم السلام) لكانت الأغلال والآصار على جميع البشر _ لا على خصوص المسلمين أوالشيعة فقط _ أكثر بما لا نظير له، فبسبب جهادهم وجهودهم وبسبب تدبيرهم وتخطيطهم وتضحياتهم خفت وتخف قبضة الحكومات الجائرة على الناس، مما لولاهم لكان ظلمهم وطغيانهم وعدوانهم وهتكمهم للحرمات ووضعهم الآصار والأغلال أكثر وأكثر.
* قوله: «الداعي»، من الواضح أن دعوة الأئمة (عليهم السلام) إلى سبيل الله لا تختص بدعوتهم للبشر ولا بدعوتهم في تلك الأزمنة، بل تشمل:
1: دعوتهم لسائر المخلوقات، وتشهد لأصل المطلب سورة الجن.
2: ودعوتهم في زمانهم.
3: ودعوتهم بعد الرجعة، فإن الروايات المعتبرة دلت على رجعة الأئمة (عليهم السلام) وحكومتهم واحداً بعد الآخر، مضافاً إلى سائر الأدلة من الكتاب والإجماع وضرورة المذهب.
* قوله: «فتنة عمياء» الفتنة لها معان، منها: الارتداد، والمعاصي،
ص: 78
والبلية والمصيبة، والقتل والعذاب، والبلاء والمحنة(1).ويحتمل في المراد من (كل فتنة عمياء حندس) التي يدفعها الله تعالى بسبب هؤلاء الأولياء المظلومين (عليهم السلام)، المعاصي والذنوب، أو الشرك والارتداد، أو البلايا والمحن.
فإنه لولاهم (عليهم السلام) لعصى أو ارتد الكثير من المؤمنين، فبهم (عليهم السلام) حفظ إيمانهم.
وبناءً على المعنى الثالث فالمراد إن الله يلطف بالمؤمنين ببركتهم (عليهم السلام) فيدفع عنهم الكثير من البلايا التي كان مقدراً ابتلاؤهم بها لولاهم.
* قوله: «سيذل أوليائي في زمانه»، المقصود هو زمان ما قبل الظهور المبارك.
* قوله: «يتهادون رؤوسهم»، لا يبعد حدوث ذلك في زمن الغيبة الكبرى مكرراً، وأنه ليس المراد حصوله مرة واحدة فقط، ولقد حدث ذلك في زمان العباسيين(2) وفي فترة صلاح الدين(3)والعثمانيين(4)، وفي العصر الحديث أيضاً في بلاد عديدة كالعراق وأفغانستان وروسيا ومصر وغيرها.
ص: 79
مسألة: لا تضر مجاورة الشرير للمؤمن الشريف قسراً، ولا تنفع الشرير.
وقد كتبوا على الروضة الرضوية المباركة:
قبران في طوس خير الناس كلهم *** و قبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قبر الزكي *** على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت *** به يداه فخذ ما شئت أو فذر(1)
مسألة: ينبغي للمؤمن أن يتجنب مجاورة أو مصاحبة الشرير إذا إحتمل اضراره به ديناً أو دنياً، وقد يجب، نعم لو احتمل هدايته كان مطلوباً لو لم يزاحم بالأهم.
قال تعالى: «وَإِذا رَأَيْتَ الذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَديثٍ غَيْرِهِ وإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظَّالمين»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «لا تَصْحَبُوا أَهْل البِدَعِ ولا تُجَالسُوهُمْفَتَصِيرُوا عِنْدَ النَّاسِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)
ص: 80
: «المَرْءُ عَلى دِينِ خَليلهِ وقَرِينِهِ»(1).
وقَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «واحْذَرْ مُجَالسَةَ أَهْل البِدَعِ فَإِنَّهَا تُنْبِتُ فِي القَلبِ كُفْراً وضَلالا مُبِيناً»(2).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «المَرْءُ عَلى دِينِ مَنْ يُخَالل، فَليَتَّقِ اللهَ المَرْءُ وليَنْظُرْ مَنْ يُخَالل»(3).
وعَنِ العَالمِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «لا تُجَالسُوا المَفْتُونِينَ فَيَنْزِل عَليْهِمُ العَذَابُ فَيُصِيبُكُمْ مَعَهُم» (4).
مسألة: الخوف من غير عدل الله تعالى إذاكان بمعنى الخوف من ظلمه والعياذ بالله فهو حرام، إذ غير العدل يعني الظلم، وخوفه منه يعني احتماله أو ظنه بأنه ظالم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ثم إن الخوف اختياري باختيارية مقدماته، ومنها تحصيل العلم بأنه تعالى عادل لا يظلم أحداً.
ص: 81
وفي الرواية: نَظَرَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَليٌ (عليه السلام) إِلى رَجُل فَرَأَى أَثَرَ الخَوْفِ عَليْهِ، فَقَال: «مَا بَالكَ»، قَال: إِنِّي أَخَافُ اللهَ. قَال: «يَا عَبْدَ اللهِ خَفْ ذُنُوبَكَ، وخَفْ عَدْل اللهِ عَليْكَ فِي مَظَالمِ عِبَادِهِ، وأَطِعْهُ فِيمَا كَلفَكَ، ولا تَعْصِهِ فِيمَا يُصْلحُكَ، ثُمَّ لا تَخَفِ اللهَ بَعْدَ ذَلكَ، فَإِنَّهُ لا يَظْلمُ أَحَداً ولا يُعَذِّبُهُ فَوْقَ اسْتِحْقَاقِهِ أَبَداً، إِلا أَنْ تَخَافَ سُوءَ العَاقِبَةِ بِأَنْ تَغَيَّرَ أَوْ تَبَدَّل. فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُؤْمِنَكَ اللهُ سُوءَ العَاقِبَةِ، فَاعْلمْ أَنَّ مَا تَأْتِيهِ مِنْ خَيْرٍ فَبِفَضْل اللهِ وتَوْفِيقِهِ ومَا تَأْتِيهِ مِنْ شَرٍّ فَبِإِمْهَال اللهِ، وإِنْظَارِهِ إِيَّاكَ، وحِلمِهِ عَنْكَ» (1).
وعن عَليُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال عَليٌّ (عليه السلام): «خَمْسٌ لوْ رَحَلتُمْ فِيهِنَّ مَاقَدَرْتُمْ عَلى مِثْلهِنَّ، لا يَخَافُ عَبْدٌ إِلا ذَنْبَه،ُ ولا يَرْجُوَ إِلا رَبَّهُ عَزَّ وجَل، ولا يَسْتَحْيِي الجَاهِل إِذَا سُئِل عَمَّا لا يَعْلمُ أَنْ يَتَعَلمَ، ولا يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ إِذَا سُئِل عَمَّا لا يَعْلمُ أَنْ يَقُول لا أَعْلمُ، والصَّبْرُ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ ولا إِيمَانَ لمَنْ لا صَبْرَ لهُ»(2).
مسألة: يحسن الخوف من عدل الله تعالى وقد يجب.
وهذا لا ينافي رجاء فضله عزوجل، فالمؤمن بين الخوف والرجاء كما في الروايات(3).
ص: 82
وفي دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة: «وعدلك مهلكي، ومن كل عدلك مهربي»(1).
وقال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «يَنْبَغِي لمَنْ عَرَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ لا يَخْلوَ قَلبُهُ مِنْ خَوْفِهِ ورَجَائِهِ»(2).وفي الدعاء: «الحَمْدُ للهِ الذِي لا يُرْجَى إِلا فَضْلهُ، ولا يُخَافُ إِلا عَدله. .. الحَمْدُ للهِ الذِي مَنْ رَحِمَهُ مِنْ عِبَادِهِ كَانَ ذَلكَ مِنْهُ تَفَضُّلا، ومَنْ عَذَّبَهُ مِنْهُمْ كَانَ ذَلكَ مِنْهُ عَدْلا»(3).
مسألة: الشهادة بالله واتخاذه جل اسمه شهيداً على النفس أو الغير واجبة إذا توقفت معرفة الحق الواجب عليها، وإلا فمستحبة.
قال تعالى: «وَكَفى بِاللهِ شَهيداً»(4).
وقال عزوجل: «وَيَقُول الذينَ كَفَرُوا لسْتَ مُرْسَلاً قُل كَفى بِاللهِ شَهيداً بَيْني وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلمُ الكِتابِ»(5).
وقال سبحانه: «قُل كَفى بِاللهِ شَهيداً بَيْني وبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبيراً
ص: 83
بَصيراً»(1).
مسألة: ينبغي شفع ذكر القضاياالتاريخية الهامة ببعض مقارناتها من زمان حدوثها ومكانه وما أشبه، لأنه يوجب المزيد من الاطمينان بالصدور، نظراً لإحاطة الراوي بالمكتنفات مما يكشف عن ضابطيته ودقته وأمانته.
ومنه يعلم الوجه في ذكر بعض الرواة زمن أو مكان أو كيفية تلقيه للرواية.
قال (صلى الله عليه وآله): «...اللهَ يُحِبُّ عَبْداً إِذَا عَمِل عَمَلا أَحْكَمَهُ»(2).
وقال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مَنْ أَتْقَنَ أَحْسَنَ»(3).
مسألة: الظاهر استحباب تهنئة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) بولادة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) أيام مولدهما كل عام، على كر الدهور والأعوام، للإطلاقات ولانطباق عنوان الشعيرة.
قال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالى اطَّلعَ إِلى الأَرْضِ فَاخْتَارَنَا واخْتَارَ لنَا شِيعَةً يَنْصُرُونَنَا،ويَفْرَحُونَ لفَرَحِنَا، ويَحْزَنُونَ لحُزْنِنَا،
ص: 84
ويَبْذُلونَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوَالهُمْ فِينَا، فَأُولئِكَ مِنَّا وإِليْنَا وهُمْ مَعَنَا فِي الجِنَانِ»(1).
وقد روي: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل هَنَّأَ نَبِيَّهُ بِحَمْل الحُسَيْنِ ووِلادَتِه» (2).
مسألة: السؤال عن كل علم مستحب، غير ما استثني كالسحر المحرم، أو كالعلم الذي لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله.
وقد ورد في هذه الرواية الشريفة: «ما هذا اللوح».
وأما السؤال عما يتعلق بأصول العقيدة فواجب عيني، وكذا عن فروع الدين وما يبتلى به من المسائل، والسؤال عن العلوم التي تتوقف عليه الحياة كالطب والهندسة وشبههما واجب كفائي.
قال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِذَا سَأَلتَ فَاسْأَل تَفَقُّهاً ولا تَسْأَل تَعَنُّتاً، فَإِنَّ الجَاهِل المُتَعَلمَ شَبِيهٌ بِالعَالمِ، وإِنَّ العَالمَ المُتَعَسِّفَ شَبِيهٌبِالجَاهِل»(3).
مسألة: الهدية تتوقف على ملك المهدي، وعدم ملك المهدى له للشيء في زمن الهدية، ثم إخراج المهدي للهدية من ملكه وإدخالها في ملك المهدى له، فهذه مقومات أربعة.
ص: 85
وأما استخدامها في الله تعالى، فيراد بها ما عدا الأمر الثالث، إذ لا تخرج الهدية من ملكه تعالى، كما لا يخرج المبيع والثمن من ملكه عزوجل، فنحن نملك اعتباراً بالبيع وهو المالك الحقيقي، قال تعالى: «إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالهُمْ بِأَنَّ لهُمُ الجَنَّةَ»(1).
والوجه واضح بملاحظة طولية الملك، فإن ملك الله باق ويضاف له ملك اعتباري اعتبره جل اسمه، فتترتب عليه الآثار القانونية المقررة للشيء.
ثم إن إهداء اللوح منه تعالى له لغايات قد يكون منها: التثبيت والتأكيد.
ومنها: إظهار اللطف والمحبة.
ومنها: البشارة وإدخال السرور فيقلب الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) وقلب ابنته الصديقة الزهراء (عليها السلام) كما صرحت بذلك، وفي قلب الأئمة من ذريتها (عليهم السلام) ثم في قلوب شيعتهم الأبرار، فإنا قد سررنا ولله الحمد بهذا الخبر أبلغ السرور، وكذلك كل محب وشيعي.
ومنها: الإنذار، كما يظهر من مطاوي هذا الحديث.
ومنها: إيصال العقائد الحقة للناس بهذه الطريقة أيضاً.
ص: 86
عن قَنْبَر مَوْلى عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (صلوات الله عليه) قَال : كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) عَلى شَاطِئِ الفُرَاتِ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُ ودَخَل المَاءَ، فَجَاءَتْ مَوْجَةٌ فَأَخَذَتِ القَمِيصَ، فَخَرَجَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) فَلمْ يَجِدْ القَمِيصَ فَاغْتَمَّ لذَلكَ، فَإِذَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ: يَا أَبَا الحَسَنِ انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ وخُذْ مَا تَرَى، فَإِذَا إِزَارٌ عَنْ يَمِينِهِ وفِيهِ قَمِيصٌ مَطْوِيٌّ، فَأَخَذَهُ ليَلبَسَهُ فَسَقَطَتْ مِنْ جَيْبِهِ رُقْعَةٌ فِيهَا مَكْتُوبٌ : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ إِلى عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ، هَذَا قَمِيصُ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام) كَذلكَ وأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِين» (1).
وَقَال (عليه السلام): «المَعْرُوفُ كَاسْمِهِ، وليْسَ شَيْ ءٌ أَفْضَل مِنَ المَعْرُوفِ إِلا ثَوَابُهُ، والمَعْرُوفُ هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ إِلى عَبْدِهِ، وليْسَ كُل مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَ المَعْرُوفَ إِلى النَّاسِ يَصْنَعُهُ، ولا كُل مَنْ رَغِبَ فِيهِ يَقْدِرُ عَليْهِ، ولا كُل مَنْ يَقْدِرُ عَليْهِ يُؤْذَنُ لهُ فِيهِ، فَإِذَا مَنَّ اللهُ عَلى العَبْدِ جَمَعَ لهُ الرَّغْبَةَ فِي المَعْرُوفِ والقُدْرَةَ والإِذْنَ فَهُنَاكَ تَمَّتِ السَّعَادَةُ والكَرَامَةُ للطَّالبِ والمَطْلوبِإِليْهِ» (2).
وفي رواية عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «فَقُلتُ: يَا أَخِي جَبْرَئِيل هَذَا الدُّعَاءُ لي خَاصَّةً أَوْ لي ولأُمَّتِي؟ قَال: يَا رَسُول اللهِ هَذَا هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ تَعَالى إِليْكَ وإِلى أُمَّتِك» (3).
ص: 87
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ تَعَالى أَهْدَى إِليَّ وإِلى أُمَّتِي هَدِيَّةً لمْ يُهْدِهَا إِلى أَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ تَكْرِمَةً مِنَ اللهِ تَعَالى»، فَقَالوا: يَا رَسُول اللهِ ومَا ذَلكَ، قَال: «الإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ والقَصْرُ فِي الصَّلاةِ، فَمَنْ لمْ يَفْعَل ذَلكَ فَقَدْ رَدَّ عَلى اللهِ تَعَالى هَدِيَّتَه » (1).
وعَنْ أَبِي جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «الفَقِيرُ هَدِيَّةُ اللهِ إِلى الغَنِيِّ، فَإِنْ قَضَى حَاجَتَهُ فَقَدْ قَبِل هَدِيَّةَ اللهِ ، وإِنْ لمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ فَقَدْ رَدَّ هَدِيَّةَ اللهِ جَل وعَزَّ عَليْهِ» (2).
مسألة: رؤية الصحابي جابر للوح في يدي الصديقة (صلوات الله عليها) يدل على جواز أن يرى الإنسان ما تحمله المرأة بيدها بعد أن كانت يدها مستورة.
كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّفَّارُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ (عليه السلام): فِي رَجُل أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلى امْرَأَةٍ ليْسَ لهَا بِمَحْرَمٍ، هَل يَجُوزُ لهُ أَنْ يَشْهَدَ عَليْهَا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ ويَسْمَعَ كَلامَهَا إِذَا شَهِدَ عَدْلانِ أَنَّهَا فُلانَةُ بِنْتُ فُلانٍ التِي تُشْهِدُكَ وهَذَا كَلامُهَا، أَوْ لا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَليْهَا حَتَّى تَبْرُزَ وتُثْبِتَهَا بِعَيْنِهَا، فَوَقَّعَ (عليه السلام): «تَتَنَقَّبُ وتَظْهَرُ للشُّهُودِ إِنْ شَاءَ الله»(3).
ص: 88
مسألة: ما ورد من إخبار الإمام الباقر (عليه السلام) بأن جابر (رضوان الله عليه) رأى اللوح أقوى دليل على صحة نقله اللاحق، ومنه يستفاد أن مثل خبر الثقة وإن كان حجة، إلا أن تأكيده بحجة أقوى قد يكون من الراجح بالمعنى الأعم، وربما كان مستحباً أو واجباً.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ، قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَ لأَبِي مَنَاقِبَ مَا هُنَ لآبَائِي، إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال لجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ: إِنَّكَ تُدْرِكُ مُحَمَّدَ بْنَ عَليٍّ فَاقْرَأْهُ مِنِّي السَّلامَ، قَال: فَأَتَى جَابِرٌ مَنْزِل عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) فَطَلبَ مُحَمَّدَ بْنَ عَليٍّ، فَقَال لهُ عَليٌّ (عليه السلام): هُوَ فِي الكُتَّابِ أُرْسِل لكَ إِليْهِ، قَال: لا ولكِنِّي أَذْهَبُ إِليْهِ، فَذَهَبَ فِي طَلبِهِ، فَقَال للمُعَلمِ: أَيْنَ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ، قَال: هُوَ فِي تِلكَ الرِّفْقَةِ أُرْسِل لكَ إِليْهِ، قَال: لا ولكِنِّي أَذْهَبُ إِليْهِ، قَال: فَجَاءَهُ فَالتَزَمَهُ وقَبَّل رَأْسَهُ، وقَال: إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَرْسَلنِي إِليْكَ بِرِسَالةٍ أَنْ أُقْرِئَكَ السَّلامَ، قَال: عَليْهِ وعَليْكَ السَّلامُ، ثُمَّ قَال لهُ جَابِرٌ: بِأَبِيأَنْتَ وأُمِّي اضْمَنْ لي أَنْتَ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَال: فَقَدْ فَعَلتُ ذَلكَ يَا جَابِرُ»(1).
وعَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال : «جَابِرٌ يَعْلمُ ، وأَثْنَى عَليْهِ
ص: 89
خَيْراً»، قَال، فَقُلتُ لهُ: وكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «كَانَ جَابِرٌ يَعْلمُ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل : «إِنَّ الذِي فَرَضَ عَليْكَ القُرْآنَ لرادُّكَ إِلى مَعادٍ»(1)،(2)».
أي يعلم تأويله(3).
مسألة: يستحب بيان النسب بما يقطع الوهم في سلسلة أسناد الروايات، وقد صرح الإمام (عليه السلام) بأن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كي لايتوهم فاطمة غيرها، مثل فاطمة أم الإمام الباقر (عليهم السلام)(4).
مسألة: يجوز في الجملة أن يدخل الرجل المؤتمن على امرأة مؤتمنة مع عدم صدق الخلوة ومع حفظ الموازين الشرعية بكاملها.
ص: 90
وربما كان ذلك لغرض شرعي عقلائي كتعلم المسائل الشرعية وقضاء الحوائج، لكن قد لا يستفاد من هذا الحديث أكثر من الجواز بالمعنى الأعم بالنسبة إلى من كان من شأنه أن يدخل على مثلها في تهنئة أو تعزية أو نظائرها.
والظاهر أن رؤية جابر للوح في يدها (عليها السلام) كان بإذن منها، بل بتدبيرها (صلوات الله عليها)، وحيث إنها أسوة رجح ما اشترك معه في الجامع.
مسألة: فعل ما يسر واحداً من أهل البيت (عليهم السلام) بين مستحب وواجب، ثم إن سرورها (عليها السلام) كان لما خصها الله وبعلها وأولادها (عليهم السلام) به من الكرامة لديه والزلفى عنده.
وفي الرواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قُلتُ: يَا جَبْرَئِيل ولمَ سُمِّيَتْ فِي السَّمَاءِ مَنْصُورَةً وفِي الأَرْضِ فَاطِمَةَ، قَال: سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ فِي الأَرْضِ لأَنَّهُ فَطَمَتْ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ وفُطِمَتْ أَعْدَاؤُهَا عَنْ حُبِّهَا، وذَلكَ قَوْل اللهِ فِي كِتَابِهِ «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ»(1) بِنَصْرِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) (2).
ص: 91
مسألة: الكتاب بمعنى المكتوب، وكتابته تعالى هي بالقدرة الربانية الآمرية، «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُول لهُ كُنْ فَيَكُونُ»(1)، أو بواسطة ملك، أو شبه ذلك، فكتابته كتكلمه تعالى، «وَكَلّمَ اللهُ مُوسى تَكْليماً»(2) ليس بالجوارح، بل بخلق الكلام وبخلق الخط وما أشبه.
قال تعالى: «تِلكَ الرُّسُل فَضَّلنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلمَ الله»(3).
وقال سبحانه: «وَمَا كانَ لبَشَرٍ أَنْ يُكَلمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب»(4).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مُتَكَلمٌ لا بِرَوِيَّة»(5).
مسألة: طلب الدليل والحجة على أصول الدين واجب في الجملة، وقد قال (عليه السلام): «أخبرني»، ولا يكفي مجرد اتباعالآباء والأجداد في ذلك.
ص: 92
قال تعالى: «وَإِذا قيل لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَل اللهُ قالوا بَل نَتَّبِعُ ما أَلفَيْنا عَليْهِ آباءَنا أَ ولوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلونَ شَيْئاً ولا يَهْتَدُون»(1).
وقال سبحانه: «وَإِذا قيل لَهُمْ تَعالوْا إِلى ما أَنْزَل اللهُ وإِلى الرَّسُول قالوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَليْهِ آباءَنا أَ ولوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلمُونَ شَيْئاً ولا يَهْتَدُون»(2).
وقال عزوجل: «وَإِذا قيل لَهمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَل اللهُ قالوا بَل نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَليْهِ آباءَنا أَ ولوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعير»(3).
مسألة: البحث عن النسخ الخطية وغيرها لكتب الروايات وشببها مما يتوقف عليه معرفة الأحكام، أو الاطمئنان بعدم معارض له، أو تمامية الاحتجاج على الغير، أو التوثيق والتأكيد، بين واجب ومستحب، كل في مورده.
كما سبق أن استعلام العالم بالأمر من غيره، لإتمام الحجة أو نظائره مما تتوقف عليه الهداية والإرشاد راجحبالمعنى الأعم.
ص: 93
مسألة: إطلاق الأُم على الجدة من طرف الأُم أو الأب صحيح، لوحدة كثير من أحكامهما، فإن الأُم بالمعنى الأعم الشامل للجدة، فهي محرم ويجوز النظر إليها ويحرم نكاحها.
وفي الدعاء: «اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلهِ، واجْعَل آبَاءَنَا وأُمَّهَاتِنَا وأَوْلادَنَا وأَهَاليَنَا وذَوِي أَرْحَامِنَا وقَرَابَاتِنَا وجِيرَانَنَا مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ مِنْهُ فِي حِرْزٍ حَارِزٍ، وحِصْنٍ حَافِظٍ، وكَهْفٍ مَانِعٍ، وأَلبِسْهُمْ مِنْهُ جُنَناً وَاقِيَةً، وأَعْطِهِمْ عَليْهِ أَسْلحَةً مَاضِيَةً»(1).
وأيضاً: «اللهُمَّ تَجَاوَزْ عَنْ آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا وأَهْل دِينِنَا جَمِيعاً مَنْ سَلفَ مِنْهُمْ ومَنْ غَبَرَ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ»(2).
مسألة: يستفاد من هذا الحديث الشريف بلحاظ دليل الأسوة ومناسبات الحكموالموضوع، استحباب احترام المسؤول عنه، وإن كان أدنى رتبة، إذ الظاهر أن الإمام (عليه السلام) عدل عن استخدام صيغة الأمر: (أعرضه علي) إلى قوله: (هل لك أن تعرضه علي).
وهذه من حقوق التعليم والتعلم.
ص: 94
قال (عليه السلام): «وَأَمَّا حَقُ رَعِيَّتِكَ بِالعِلمِ فَأَنْ تَعْلمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وجَل إِنَّمَا جَعَلكَ قَيِّماً لهُمْ فِيمَا آتَاكَ مِنَ العِلمِ وفَتَحَ لكَ مِنْ خَزَائِنِهِ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ فِي تَعْليمِ النَّاسِ ولمْ تَخْرَقْ بِهِمْ ولمْ تَضْجَرْ عَليْهِمْ زَادَكَ اللهُ مِنْ فَضْلهِ، وإِنْ أَنْتَ مَنَعْتَ النَّاسَ عِلمَكَ أَوْ خَرِقْتَ بِهِمْ عِنْدَ طَلبِهِمُ العِلمَ مِنْكَ كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ عَزَّ وجَل أَنْ يَسْلبَكَ العِلمَ وبَهَاءَهُ ويُسْقِطَ مِنَ القُلوبِ مَحَلك»(1).
مسألة: يستفاد من قوله (عليه السلام): (أن تعرضه علي) استحباب الإتقان في العمل، فإن اللوح كان لدى الإمام (عليه السلام) موجوداً، إلا أنه طلب النسخة الأخرى وطابقها مع ما لديه كي لا يبقىلذي عذر عذر ولمنكر حجة، وذلك من غاية الإتقان في طرق الاحتجاج العقلائية.
قال (عليه السلام): «إِذَا عَمِل أَحَدُكُمْ عَمَلا فَليُتْقِن »(2).
وفي رواية: «وَلكِنَّ اللهَ يُحِبُّ عَبْداً إِذَا عَمِل عَمَلا أَحْكَمَهُ »(3).
ص: 95
مسألة: المشي للوصول إلى ما يثبت به الحق عبادة، ومنه يعلم أن مشي المبلغين والخطباء والمدرسين والمحققين في علوم أهل البيت (عليهم السلام) ومطلق سيرهم نحو الوصول إلى مجلس الدرس أو المدرسة أو المعهد أو المنبر يعد عبادة.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ سَلكَ طَرِيقاً يَطْلبُ فِيهِ عِلماً سَلكَ اللهُ بِهِ طَرِيقاً إِلى الجَنَّةِ، وإِنَّ المَلائِكَةَ لتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلمِ رِضًا بِهِ، وإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لطَالبِ العِلمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ ومَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحُوتِ فِي البَحْرِ، وفَضْل العَالمِ عَلى العَابِدِ كَفَضْل القَمَرِ عَلى سَائِرِ النُّجُومِ ليْلةَ البَدْرِ، وإِنَّ العُلمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً ولا دِرْهَماً ولكِنْ وَرَّثُوا العِلمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»(1).
مسألة: قراءة كتب العقائد الحقة، بل ومطلق الكتب الدينية من تفسير وحديث وفقه وأخلاق وآداب وما أشبه عبادة.
في الكافي الشريف، عَنِ المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «اكْتُبْ وَبُثَّ عِلمَكَ فِي إِخْوَانِكَ، فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ، فَإِنَّهُ
ص: 96
يَأْتِي عَلى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لا يَأْنَسُونَ فِيهِ إِلا بِكُتُبِهِمْ»(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «القَلبُ يَتَّكِل عَلى الكِتَابَةِ»(2).
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَال: دَخَلتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَقَال: «مَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الكِتَابَةِ إِنَّكُمْ لنْ تَحْفَظُوا حَتَّى تَكْتُبُوا، إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي رَهْطٌ مِنْ أَهْل البَصْرَةِ سَأَلونِي عَنْ أَشْيَاءَ فَكَتَبُوهَا»(3).
مسألة: يحرم رجاء غير فضل الله تعالى على نحو الاستقلال أو التشريك العرضي(4) بأن لم ينته إلى رجاء الله سبحانه، فإنه نوع شرك، قال تعالى: «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»(5).
أما رجاء فضل أحد كالوالدين والمولى والرئيس والصديق، فكيف بالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بعنوان الطولية وأنهم وسائط رحمة الله، وبلحاظ أن ما لهم من القدرة فمن الله تعالى وبإذنه وإرادته، فإنه توحيد له جل اسمه، بل هو إذعان بقدرة الله حيث أقدر أولياءه على ذلك.
ص: 97
فرجاء الغير إذا كان بأمره تعالى وباعتباره طريقاً إليه سبحانه وبإذنه، وكان شفيعاً إليه عزوجل ووسيلة تمتد قوتها وطاقتها منه تعالى، فهو ليس بمحرم بل يكون مما أمر الله به(1)، كرجاء شفاء الطبيب لناالذي هو سبب لإذن الله عزوجل بالشفاء، لأن الله سبحانه جعل الدنيا دار أسباب ومسببات وأمر بالتماس الأسباب إلى مسبباتها.
وفي الحديث: «أَبَى اللهُ أَنْ يُجْرِيَ الأَشْيَاءَ إِلا عَلى الأَسْبَاب »(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «أَبَى اللهُ أَنْ يُجْرِيَ الأَشْيَاءَ إِلا بِأَسْبَابٍ ، فَجَعَل لكُل شَيْ ءٍ سَبَباً، وجَعَل لكُل سَبَبٍ شَرْحاً، وجَعَل لكُل شَرْحٍ عِلماً، وجَعَل لكُل عِلمٍ بَاباً نَاطِقاً، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ وجَهِلهُ مَنْ جَهِلهُ، ذَاكَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ونَحْنُ »(3).
وفي القرآن الحكيم ورد مرتين: «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً»(4)، وورد مرة: «فَأَتْبَعَ سَبَباً»(5)، مما فيه الدلالة إلى لزوم اتباع الأسباب توصلاً إلى المسببات، وحتى في الشفاعة فإن الأمر كذلك.
قال سبحانه: «وَابْتَغُوا إِليْهِ الوَسيلةَ»(6).
ص: 98
وفي آية آخرى: «أُولئِكَ الذينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الوَسيلة»(1).
وفي شواهد التنزيل عن عكرمة في قوله: «أُولئِكَ الذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الوَسِيلةَ» قال: (هم النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام) (2).
وما ذكرناه هنا من التوحيد الأفعالي، قال تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ»(3).
وقال سبحانه: «وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَليماً حَكيماً»(4).
وقال عزوجل: «وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَليَعْلمَ المُؤْمِنينَ»(5).
مسألة: الخوف من عدل الله حسن راجح، أما الخوف من أن يحيف الله عليه ويجور فحرام، واختياريته باختياريةمقدماته، كما سبق نظيره.
ص: 99
وقد ورد: «يا من لا يُخشى إلاّ عدله، ولا يُرجى إلاّ فضله»(1)، فإن الله سبحانه خلق الإنسان بفضله ثم أعطاه النعم بجوده، فلا مجال إلاّ رجاء فضله، ثم إن الخوف حيث كان منشؤه الجهل أو غلبة القوة المتوهمة أو ضعف الأعصاب، أمكن رفع الأول بالعلم، والثاني بالعلم والإيحاء الذاتي، والثالث بهما وبالعلاج الطبيعي وما أشبه، فكان بذلك اختيارياً قابلاً للنهي أو الأمر.
مسألة: جعل الوصي ونصبه سنة إلهية، وهي بين واجب ومستحب.
عن الحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ للمُسْلمِينَ عِيدٌ غَيْرَ العِيدَيْنِ، قَال: «نَعَمْ يَا حَسَنُ أَعْظَمُهُمَا وأَشْرَفُهُمَا»، قُلتُ: وأَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ قَال: «هُوَ يَوْمٌ نُصِبَ أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ وسَلامُهُ عَليْهِ) فِيهِ عَلماً للنَّاسِ، قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ ومَا يَنْبَغِي لنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيهِ، قَال: «تَصُومُهُ يَا حَسَنُ وتُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلهِ وتَبَرَّأُ إِلى اللهِ مِمَّنْ ظَلمَهُمْ، فَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِمْ كَانَتْ تَأْمُرُ الأَوْصِيَاءَ بِاليَوْمِ الذِي كَانَ يُقَامُ فِيهِ الوَصِيُّ أَنْ يُتَّخَذَ عِيداً»، قَال: قُلتُ: فَمَا لمَنْ صَامَهُ، قَال: صِيَامُ سِتِّينَ شَهْراً»(2) الحديث.
ص: 100
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): هَل للمُسْلمِينَ عِيدٌ غَيْرَ يَوْمِ الجُمُعَةِ والأَضْحَى والفِطْرِ، قَال: «نَعَمْ أَعْظَمُهَا حُرْمَةً»، قُلتُ: وأَيُّ عِيدٍ هُوَ جُعِلتُ فِدَاكَ، قَال: «اليَوْمُ الذِي نَصَبَ فِيهِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وقَال: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ»، قُلتُ: وأَيُّ يَوْمٍ هُوَ، قَال: «ومَا تَصْنَعُ بِاليَوْمِ إِنَّ السَّنَةَ تَدُورُ ولكِنَّهُ يَوْمُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ»، فَقُلتُ: ومَا يَنْبَغِي لنَا أَنْ نَفْعَل فِي ذَلكَ اليَوْمِ، قَال: «تَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيهِ بِالصِّيَامِ والعِبَادَةِ والذِّكْرِ لمُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَوْصَى أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنْ يَتَّخِذَ ذَلكَ اليَوْمَ عِيداً، وكَذَلكَ كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ (عليهم السلام) تَفْعَل كَانُوا يُوصُونَ أَوْصِيَاءَهُمْ بِذَلكَ فَيَتَّخِذُونَهُ عِيداً»(1).
* قوله: (كلمتي التامة) فإن عيسى المسيح (عليه السلام) كان كلمة الله، كما قال عزوجل: «إِذْ قالتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ المَسيحُ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيهاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبين»(2).
وقال سبحانه: «يا أَهْل الكِتابِ لا تَغْلوا في دينِكُمْ وَلا تَقُولوا عَلى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ إِنَّمَا المَسيحُ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُول اللهِ وَكَلمَتُهُ أَلقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْه»(3).
لكن زاد عليه سيد الشهداء (عليه السلام) أن كلمة الله التامة معه، وهي فوق
ص: 101
كلمة الله وفوق كلمة الله الحسنى أيضاً.
ويحتمل أن تكون (الكلمة التامة) إشارة إلى القدرة التكوينية، و(الحجة البالغة) إشارة إلى الأدلة في العقيدة والشريعة.
قوله: (بعترته أثيبت وأعاقب)، فإنهم الحجج والأدلة إلى الله من بعده إلى يوم القيامة.قوله: (فقد جحد نعمتي) يحتمل كون المراد جحد النعم كلها، ويحتمل إرادة جحد نعمة الولاية والخلافة.
قوله: (شبيه جده)، يحتمل إرادة الشبه في الخلق بدعوى الانصراف ولعله الأظهر، ويحتمل العموم لما يشمل خَلقاً وخُلقاً وعلماً ومنطقاً.
مسائل:
* الأولى: الارتياب في الإمام الصادق (عليه السلام) وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) محرم، والريبة لها معنيان، وكلاهما محرم:
1: الشك.
2: الظن والتهمة.
* الثانية: الرد عليه (عليه السلام) من أشد المحرمات، فإنه رد على الله تعالى، والرد يشمل الشؤون الدينية، وشؤون الدنيا أيضاً، كما يشمل القولي والعملي أيضاً.
الثالثة: إكرام مثوى الإمام (عليه السلام) لازم.
ص: 102
الرابعة: إدخال السرور في قلب الإمام (عليه السلام) من أعظم القربات إلى الله تعالى، ثم إدخال السرور في قلوب أشياعه وأنصاره وأتباعه.وإكرامه تعالى الإمام (عليه السلام) وشيعته يشمل الدنيا والآخرة، أما الآخرة فظاهر، وأما الدنيا فإن من المشهور أن كل المذاهب، بل كافة الأمم ممن اطلعوا على بعض أحوال الإمام الصادق (عليه السلام) وسيرته وعلمه، ينظرون إليه بإكبار وإجلال وإعظام، في علمه وحكمته وورعه وتقواه(1).
ص: 103
مسألة: يحرم كل من الافتراء والجحد، وليس المحرم اجتماعهما فقط.
والجحد نقيض الإقرار، ويحرم فيما يلزم الإقرار به كالعقائد الحقة.
عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي العَلاءِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول : «لوْ جَحَدَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) جَمِيعُ مَنْ فِي الأَرْضِ لعَذَّبَهُمُ اللهُ جَمِيعاً وأَدْخَلهُمُ النَّارَ»(1).
وعَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُهُ، يَقُول :
ص: 104
«ثَلاثَةٌ لا يُكَلمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولهُمْ عَذابٌ أَليمٌ ، مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ اللهِ ليْسَتْ لهُ، ومَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللهِ، ومَنْ زَعَمَ أَنَّ لهُمَا فِي الإِسْلامِ نَصِيباً»(1).
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليهالسلام) قَال: «مِنَّا الإِمَامُ المَفْرُوضُ طَاعَتُهُ، مَنْ جَحَدَهُ مَاتَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً، واللهِ مَا تَرَكَ اللهُ الأَرْضَ مُنْذُ قَبَضَ اللهُ آدَمَ إِلا وفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلى اللهِ حُجَّةً عَلى العِبَادِ، مَنْ تَرَكَهُ هَلكَ، ومَنْ لزِمَهُ نَجَا حَقّاً عَلى اللهِ»(2).
مسألة: الظاهر أن تفضيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الأنبياء (عليهم السلام)، وتفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأوصياء بل على الأنبياء غير الخاتم (صلوات الله عليهم أجمعين) تفضيل بقول مطلق، أي كونهما (صلوات الله عليهما) أفضل منهم في العلم والعمل والورع والأخلاق ومطلق ما يقرب إلى الله تعالى.
قوله: (أفضل من استشهد) الظاهر أن الأفضلية من حيث الشهادة، لا من حيث الذات، أما لو أريد من حيث الذات فالأفضلية نسبية إذ لا شك في أفضلية جده وأبيه وأمه وأخيه الحسن منه (صلوات الله عليهم أجمعين).
ص: 105
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): فِي قَوْل اللهِعَزَّ وجَل : «قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلمُ الكِتابِ»(1) قَال: «إِيَّانَا عَنَى ، وعَليٌّ (عليه السلام) أَوَّلنَا وأَفْضَلنَا وخَيْرُنَا»(2).
عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ صَالحٍ الهَرَوِيِّ، قَال: قُلتُ للرِّضَا (عليه السلام): يَا ابْنَ رَسُول اللهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الشَّجَرَةِ التِي أَكَل مِنْهَا آدَمُ وحَوَّاءُ مَا كَانَتْ، فَقَدِ اخْتَلفَ النَّاسُ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي أَنَّهَا الحِنْطَةُ، ومِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي أَنَّهَا العِنَبُ، ومِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي أَنَّهَا شَجَرَةُ الحَسَدِ.
فَقَال: «كُل ذَلكَ حَقٌّ»، قُلتُ: فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الوُجُوهِ عَلى اخْتِلافِهَا.
فَقَال: «يَا أَبَا الصَّلتِ إِنَّ شَجَرَةَ الجَنَّةِ تَحْمِل أَنْوَاعاً، فَكَانَتْ شَجَرَةَ الحِنْطَةِ وفِيهَا عِنَبٌ وليْسَتْ كَشَجَرَةِ الدُّنْيَا، وإِنَّ آدَمَ (عليه السلام) لمَّا أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالى ذِكْرُهُ بِإِسْجَادِ مَلائِكَتِهِ لهُ وبِإِدْخَالهِ الجَنَّةَ قَال فِي نَفْسِهِ: هَل خَلقَ اللهُ بَشَراً أَفْضَل مِنِّي، فَعَلمَ اللهُ عَزَّ وجَل مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ، فَنَادَاهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا آدَمُ فَانْظُرْ إِلى سَاقِ عَرْشِي، فَرَفَعَ آدَمُ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلى سَاقِ العَرْشِ، فَوَجَدَ عَليْهِمَكْتُوباً: لا إِلهَ إِلا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُول اللهِ، عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، وزَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالمِينَ، والحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْل الجَنَّةِ، فَقَال آدَمُ: يَا رَبِّ مَنْ هَؤُلاءِ، فَقَال عَزَّ وجَل: يَا آدَمُ هَؤُلاءِ ذُرِّيَّتُكَ وهُمْ خَيْرٌ مِنْكَ ومِنْ جَمِيعِ خَلقِي، ولوْلاهُمْ مَا خَلقْتُكَ ، ولا خَلقْتُ الجَنَّةَ والنَّارَ، ولا السَّمَاءَ والأَرْضَ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ إِليْهِمْ بِعَيْنِ الحَسَدِ فَأُخْرِجَكَ عَنْ جِوَارِي، فَنَظَرَ إِليْهِمْ بِعَيْنِ الحَسَدِ وتَمَنَّى
ص: 106
مَنْزِلتَهُمْ، فَتَسَلطَ عَليْهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى أَكَل مِنَ الشَّجَرَةِ التِي نُهِيَ عَنْهَا، وتَسَلطَ عَلى حَوَّاءَ لنَظَرِهَا إِلى فَاطِمَةَ بِعَيْنِ الحَسَدِ حَتَّى أَكَلتْ مِنَ الشَّجَرَةِ كَمَا أَكَل آدَمُ فَأَخْرَجَهُمَا اللهُ عَنْ جَنَّتِهِ وأَهْبَطَهُمَا عَنْ جِوَارِهِ إِلى الأَرْضِ»(1).
مسألة: يحرم تغيير آيات أو آية من كتاب الله، والتغيير إما بالزيادة أو النقيصة، أو تغيير الترتيب بالتقديم والتأخير، كما قد يكون التغيير بتغيير التفسير وتحريفه أو تغيير التأويل، كما قد يكون بتغيير تطبيقه والعمل به.ومقتضى قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لهُ لحافِظُونَ»(2) هو حفظ القرآن الكريم عن التحريف في الثلاثة الأول، لا الثلاثة الأخيرة.
قال سبحانه: «أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لكُمْ وقَدْ كانَ فَريقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلوهُ وهُمْ يَعْلمُونَ»(3).
مسألة: الإيمان بالأوصياء (عليهم السلام) واجب، وتكفي المعرفة الإجمالية، نعم من المستحب معرفة تفصيل أخبارهم وأسماء أمهاتهم وكناهم وأعمارهم وما أشبه، وربما كان بعض ذلك واجباً.
ص: 107
وفي الدعاء: «اللهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اللهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولكَ فَإِنَّكَ إِنْ لمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولكَ لمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَللتُ عَنْ دِينِي»(1).
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه
السلام) عَنْ قَوْل اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى «وَمَنْيُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً»(2) فَقَال: «هِيَ طَاعَةُ اللهِ ومَعْرِفَةُ الإِمَامِ» (3).
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَال: قَال لي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنَّمَا يَعْبُدُ اللهَ مَنْ يَعْرِفُ اللهَ، فَأَمَّا مَنْ لا يَعْرِفُ اللهَ فَإِنَّمَا يَعْبُدُهُ هَكَذَا ضَلالا»، قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ فَمَا مَعْرِفَةُ اللهِ، قَال: «تَصْدِيقُ اللهِ عَزَّ وجَل وتَصْدِيقُ رَسُولهِ (صلى الله عليه وآله) ومُوَالاةُ عَليٍّ (عليه السلام) والائْتِمَامُ بِهِ وبِأَئِمَّةِ الهُدَى (عليهم السلام) والبَرَاءَةُ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل مِنْ عَدُوِّهِمْ، هَكَذَا يُعْرَفُ اللهُ عَزَّ وجَل»(4).
وعَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَال: حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) أَنَّهُ قَال: «لا يَكُونُ العَبْدُ مُؤْمِناً حَتَّى يَعْرِفَ اللهَ ورَسُولهُ والأَئِمَّةَ كُلهُمْ وإِمَامَ زَمَانِهِ ويَرُدَّ إِليْهِ ويُسَلمَ لهُ» ثُمَّ قَال: «كَيْفَ يَعْرِفُ الآخِرَ وهُوَ يَجْهَل الأَوَّل»(5).
وعَنْ زُرَارَةَ قَال: قُلتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): أَخْبِرْنِي عَنْ مَعْرِفَةِ الإِمَامِ مِنْكُمْ وَاجِبَةٌ عَلى جَمِيعِ الخَلقِ، فَقَال: «إِنَّ اللهَعَزَّ وجَل بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله
ص: 108
عليه وآله) إِلى النَّاسِ أَجْمَعِينَ رَسُولا وحُجَّةً للهِ عَلى جَمِيعِ خَلقِهِ فِي أَرْضِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وبِمُحَمَّدٍ رَسُول اللهِ واتَّبَعَهُ وصَدَّقَهُ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الإِمَامِ مِنَّا وَاجِبَةٌ عَليْهِ، ومَنْ لمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وبِرَسُولهِ ولمْ يَتَّبِعْهُ ولمْ يُصَدِّقْهُ ويَعْرِفْ حَقَّهُمَا فَكَيْفَ يَجِبُ عَليْهِ مَعْرِفَةُ الإِمَامِ وهُوَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ ورَسُولهِ ويَعْرِفُ حَقَّهُمَا». قَال: قُلتُ: فَمَا تَقُول فِيمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ورَسُولهِ ويُصَدِّقُ رَسُولهُ فِي جَمِيعِ مَا أَنْزَل اللهُ يَجِبُ عَلى أُولئِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِكُمْ؟ قَال: «نَعَمْ أَليْسَ هَؤُلاءِ يَعْرِفُونَ فُلاناً وفُلاناً»، قُلتُ: بَلى، قَال: «أَتَرَى أَنَّ اللهَ هُوَ الذِي أَوْقَعَ فِي قُلوبِهِمْ مَعْرِفَةَ هَؤُلاءِ، واللهِ مَا أَوْقَعَ ذَلكَ فِي قُلوبِهِمْ إِلا الشَّيْطَانُ، لا واللهِ مَا أَلهَمَ المُؤْمِنِينَ حَقَّنَا إِلا اللهُ عَزَّوجَل»(1).
مسألة: يجوز تكلم الرجال مع النساء مع حفظ الموازين الشرعية، ولذا تكلم جابر وغيره مع الصديقة (صلوات الله عليها) وكلمتهم.
واستثني من الجواز ما كان من كلامهن بدلال وخضوع في القول، قالسبحانه: «فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْل فَيَطْمَعَ الذي في قَلبِهِ مَرَضٌ»(2)، نعم قد ورد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يترك السلام على الشابة لئلا يسمع صوتها(3).
ص: 109
وهل العكس أيضاً محرم، لا يبعد ذلك لأنه من الريبة وما أشبه مما نقل الجواهر(1) وغيره الإجماع على حرمتها.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يُسَلمُ عَلى النِّسَاءِ ويَرْدُدْنَ عَليْهِ، وكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يُسَلمُ عَلى النِّسَاءِ وكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُسَلمَ عَلى الشَّابَّةِ مِنْهُنَّ ويَقُول: أَتَخَوَّفُ أَنْ يُعْجِبَنِي صَوْتُهَا فَيَدْخُلعَليَّ أَكْثَرُ مِمَّا طَلبْتُ مِنَ الأَجْرِ»(2).
وعن أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) : «لا تَبْدَءُوا النِّسَاءَ بِالسَّلامِ، ولا تَدْعُوهُنَ إِلى الطَّعَامِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَال: النِّسَاءُ عَيٌّ وعَوْرَةٌ فَاسْتُرُوا عِيَّهُنَّ بِالسُّكُوتِ واسْتُرُوا عَوْرَاتِهِنَّ بِالبُيُوتِ» (3).
وعَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «ومَنْ صَافَحَ امْرَأَةً حَرَاماً جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَغْلولا ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلى النَّارِ، ومَنْ فَاكَهَ امْرَأَةً لا يَمْلكُهَا حَبَسَهُ اللهُ بِكُل كَلمَةٍ كَلمَهَا فِي الدُّنْيَا أَلفَ عَامٍ» (4).
ص: 110
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَال: كُنْتُ أُقْرِئُ امْرَأَةً كُنْتُ أُعَلمُهَا القُرْآنَ فَمَازَحْتُهَا بِشَيْ ءٍ، فَقَدِمْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه
السلام) فَقَال لي: «أَيَّ شَيْ ءٍ قُلتَ للمَرْأَةِ»، فَغَطَّيْتُوَجْهِي، فَقَال: «لا تَعُودَنَّ إِليْهَا» (1).
مسألة: يجوز رواية الحديث عن النساء وإن توقف على الاستماع منهن، بالشرط السابق.
فإن رواية الحديث عنهن بواسطة أو بغير واسطة، بلفظ أو كتابة أو إشارة، كلها داخلة في العمومات المجوّزة.
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَال: كُنْتُ جَالساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) إِذْ دَخَلتْ عَليْنَا أُمُّ خَالدٍ التِي كَانَ قَطَّعَهَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ تَسْتَأْذِنُ عَليْهِ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَيَسُرُّكَ أَنْ تَسْمَعَ كَلامَهَا.
قَال: فَقُلتُ: نَعَمْ. قَال: فَأَذِنَ لهَا، قَال: وأَجْلسَنِي مَعَهُ عَلى الطِّنْفِسَةِ، قَال: ثُمَّ دَخَلتْ فَتَكَلمَتْ، فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ بَليغَةٌ فَسَأَلتْهُ عَنْهُمَا»(2) الحديث، وكان الجواب من التقية.
ص: 111
مسألة: قيل: النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المصداق الأظهر لذلك من بين الممكنات، خاصة بناءً على كونه وعترته الطاهرة (عليه وعليهم السلام) العلة الغائية للخلقة، كما هو كذلك.
فإن كونه (صلى الله عليه وآله) نوراً ظاهر حيث الهداية وما أشبه، فكيف إذا علم بأن الكون منه، ككون الرزق من ميكائيل، والموت من عزرائيل، وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق من هذا الكتاب(1)، فإنهم (صلوات الله عليهم) وسائط الفيض الإلهي، وبذلك يكون قوله تعالى في هذا الحديث (نوره) إشارة أيضاً إلى كونه (صلى الله عليه وآله) النور التكويني الذي به ظهرت الأشياء إلى الوجود.
وفي الزيارة الجامعة: «خَلقَكُمُ اللهُ أَنْوَاراً فَجَعَلكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين ... بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وبِكُمْ يَخْتِم ... وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِكُم»(2).وعَنْ أَبِي خَالدٍ الكَابُليِّ قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «فَآمِنُوا بِاللهِ ورَسُولهِ والنُّورِ الذِي أَنْزَلنا»(3)، فَقَال: يَا أَبَا خَالدٍ النُّورُ واللهِ الأَئِمَّةُ مِنْ آل مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وهُمْ واللهِ نُورُ اللهِ الذِي أَنْزَل، وهُمْ واللهِ نُورُ اللهِ فِي السَّمَاوَاتِ وفِي الأَرْضِ، واللهِ يَا أَبَا خَالدٍ لنُورُ الإِمَامِ فِي قُلوبِ المُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ المُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وهُمْ واللهِ يُنَوِّرُونَ
ص: 112
قُلوبَ المُؤْمِنِينَ، ويَحْجُبُ اللهُ عَزَّ وجَل نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلمُ قُلوبُهُمْ، واللهِ يَا أَبَا خَالدٍ لا يُحِبُّنَا عَبْدٌ ويَتَوَلانَا حَتَّى يُطَهِّرَ اللهُ قَلبَهُ، ولا يُطَهِّرُ اللهُ قَلبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلمَ لنَا ويَكُونَ سِلماً لنَا، فَإِذَا كَانَ سِلماً لنَا سَلمَهُ اللهُ مِنْ شَدِيدِ الحِسَابِ، وآمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ الأَكْبَرِ»(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ تَعَالى: «الذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيَّ الأُمِّيَ الذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيل يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ويُحِل لهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَليْهِمُ الخَبائِثَ» إِلى قَوْلهِ: «وَاتَّبَعُوا النُّورَ الذِي أُنْزِل مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفْلحُونَ»(2) قَال: «النُّورُ فِي هَذَا المَوْضِعِ عَليٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَوالأَئِمَّةُ (عليهم السلام)»(3).
وعَنْ أَبِي خَالدٍ الكَابُليِّ قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ تَعَالى: «فَآمِنُوا بِاللهِ ورَسُولهِ والنُّورِ الذِي أَنْزَلنا»(4)، فَقَال: «يَا أَبَا خَالدٍ النُّورُ واللهِ الأَئِمَّةُ (عليهم السلام) يَا أَبَا خَالدٍ لنُورُ الإِمَامِ فِي قُلوبِ المُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ المُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وهُمُ الذِينَ يُنَوِّرُونَ قُلوبَ المُؤْمِنِينَ، ويَحْجُبُ اللهُ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلمُ قُلوبُهُمْ ويَغْشَاهُمْ بِهَا»(5).
وعَنْ صَالحِ بْنِ سَهْل الهَمْدَانِيِّ قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْل
ص: 113
اللهِ تَعَالى: «اللهُ نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ مَثَل نُورِهِ كَمِشْكاةٍ»(1) فَاطِمَةُ (عليها السلام) «فِيها مِصْباحٌ» الحَسَنُ (عليه السلام) «المِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ» الحُسَيْنُ (عليه السلام) «الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ» فَاطِمَةُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْل الدُّنْيَا «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ» إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) «زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ» لا يَهُودِيَّةٍ ولا نَصْرَانِيَّةٍ «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ» يَكَادُالعِلمُ يَنْفَجِرُ بِهَا «وَلوْ لمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ» إِمَامٌ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ «يَهْدِي اللهُ لنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» يَهْدِي اللهُ للأَئِمَّةِ مَنْ يَشَاءُ «وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثال للنَّاسِ».
قُلتُ: «أَوْ كَظُلماتٍ»(2)، قَال: الأَوَّل وصَاحِبُهُ «يَغْشاهُ مَوْجٌ» الثَّالثُ «مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ» ظُلمَاتٌ الثَّانِي «بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ» مُعَاوِيَةُ وفِتَنُ بَنِي أُمَيَّةَ «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ» المُؤْمِنُ فِي ظُلمَةِ فِتْنَتِهِمْ «لَمْ يَكَدْ يَراها ومَنْ لمْ يَجْعَل اللهُ لهُ نُوراً» إِمَاماً مِنْ وُلدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) «فَما لهُ مِنْ نُورٍ» إِمَامٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، وقَال فِي قَوْلهِ: «يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ»: «أَئِمَّةُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ تَسْعَى بَيْنَ يَدَيِ المُؤْمِنِينَ وبِأَيْمَانِهِمْ حَتَّى يُنْزِلوهُمْ مَنَازِل أَهْل الجَنَّةِ»(3).
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُضَيْل عَنْ أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنْ قَوْل اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى: «يُرِيدُونَ ليُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ»(4) قَال: «يُرِيدُونَ
ص: 114
ليُطْفِئُوا وَلايَةَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِأَفْوَاهِهِمْ»، قُلتُ: قَوْلهُ تَعَالى : «وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ» قَال: «يَقُولواللهُ مُتِمُّ الإِمَامَةِ، والإِمَامَةُ هِيَ النُّورُ، وذَلكَ قَوْلهُ عَزَّوجَل: «فَآمِنُوا بِاللهِ ورَسُولهِ والنُّورِ الذِي أَنْزَلنا»(1) قَال: «النُّورُ هُوَ الإِمَامُ»(2).
مسألة: دلت الأدلة على أن سفارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرب العالمين ليست مختصة بأهل الأرض، ولا بأهل هذا العالم، بل هي عامة شاملة للخلائق كلهم في الأزمان كلها.
قال تعالى: «وَما أَرْسَلناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالمين»(3).
وقال سبحانه: «تَبارَكَ الذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ ليَكُونَ لِلْعالمينَ نَذيراً»(4).
ص: 115
مسألة: الرسول (صلى الله عليه وآله) حسب هذه الرواية حجاب الله، والحجاب هو السور والحاجز، والحاجب هو المانع، ويحتمل فيه المعاني التالية، وأكثرها لا مانعة جمع بينها:
منها: إن هداية الخلق لا تتم إلا به وبأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) فقد حجب الخلق عن معرفة الباري ومعرفة كيفية شكره وطاعته جل وعلا، إلا بواسطته (صلى الله عليه وآله)، كما ورد: (بنا عرف الله)(1).
ومنها: إنه تعالى احتجب عن خلقه بنور نبيه، ولولا ذلك الحجاب لاحترق كل مخلوق وفنى واضمحل، لقوته وشدته بما لا يطيقه مخلوق، واعتبر ذلك بنور الشمس فإن النظر إليها مباشرة يعمي البصر إلا من وراء ساتر وحجاب، كالنظارات الداكنة والسحاب.
ومنها: إنه (صلى الله عليه وآله) ترجمان الله.
ومنها: إنه (صلى الله عليه وآله) يحجب الخلق عن شدة غضب الله تعالى إذ أذنبوا وعصوا، وذلك بشفاعته، فهو (صلى الله عليهوآله) الرحمة المهداة(2)، قال تعالى: «وَما أَرْسَلناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمين»(3).
ص: 116
وفي الأدعية: «يا مَنْ سَبَقَتْ رَحمتُهُ غَضَبَه»(1).
و: «سُبْحَانَ الذِي سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَه»(2).
وفي الزيارات: «وَشُفَعاء دارِ البَقَاء»(3).
لا يقال: إنا نرى الظالمين أعزة، بيدهم المال والجاه والسطوة والسلطان، فكيف ورد في هذه الرواية: (مذل الظالمين)؟
لأنه يقال: الدنيا بالنسبة إلىالآخرة أقل من الهباء(4) في البحر المحيط، وستظهر ذلة الكافرين والظالمين في عالم البرزخ ولعله أكثر من ملايين السنين، ثم ذلهم في القيامة «في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسينَ أَلفَ سَنَة»(5)، ثم في جهنم حيث الخلود الأبدي للكفار، قال تعالى: «خَالدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ»(6).
هذا بالإضافة إلى أن الظلمة أذلة حتى في الدنيا، إذ أعظم الذل هو الذل عند خالق الكون كله، ثم هم
ص: 117
أذلة عند الملائكة الكرام الكاتبين وغيرهم، ثم هم أذلة عند صاحب الزمان وخليفة الرحمان (عليه السلام)، ثم هم أذلة عند الأولياء والصالحين، ثم هم أذلة لدى ضمائرهم ووجدانهم، ثم هم أذلة عبر التاريخ.
وبذلك يظهر الجواب عن إشكال مشابه، حيث يقول تعالى: «يَقُولونَ لئِنْ رَجَعْنا إِلى المَدينَةِ ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَل وَ للهِ العِزَّةُ وَ لرَسُولهِ وَ للمُؤْمِنينَ وَ لكِنَّ المُنافِقينَ لا يَعْلمُونَ»(1).
وقال سبحانه: «الذينَ يَتَّخِذُونَ الكافِرينَ أَوْلياءَ مِنْدُونِ المُؤْمِنينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ، فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَميعاً»(2).
وقال عزوجل: «مَنْ كانَ يُريدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَميعاً إِليْهِ يَصْعَدُ الكَلمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَل الصَّالحُ يَرْفَعُهُ وَالذينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لهُمْ عَذابٌ شَديدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ»(3).
مسألة: يستحب حتى من العالم وقد يجب، طلب الإخبار بما يفيد من أمر الدين والدنيا، كما قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام) لجابر (رضوان الله عليه): «أخبرني».
وهم (عليهم الصلاة والسلام) وإن كانوا أعرف وأخبر، لكن ضعف قابلية بعض
ص: 118
الناس وتشكيك المشككين وإدغال المبطلين كانت تقتضي ذلك، حتى لا يقول المعاندون والمشككون والجاهلون: إنه كيف يخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو لم يره ولم يدركه؟
مضافاً إلى الفوائد الأخرى في سؤال العالم على ما ذكره علماء البلاغة(1).
عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلبَ قَال: قَال أَبُو عَبْدِاللهِ (عليه السلام): «إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وكَانَ مُنْقَطِعاً إِليْنَا أَهْل البَيْتِ، وكَانَ يَقْعُدُ فِي مَسْجِدِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وهُوَ مُعْتَمٌّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وكَانَ يُنَادِي: يَا بَاقِرُ يَا بَاقِرُ، فَكَانَ أَهْل المَدِينَةِ يَقُولونَ: جَابِرٌ يَهْجُرُ، فَكَانَ يَقُول: لا واللهِ مَا أَهْجُرُ ولكِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: إِنَّكَ سَتُدْرِكُ رَجُلا اسْمُهُ اسْمِي وشَمَائِلهُ شَمَائِلي يَبْقُرُ العِلمَ بَقْراً، فَذَلكَ الذِي دَعَانِي إِلى مَا أَقُول.
قَال فَبَيْنَا جَابِرٌ يَتَرَدَّدُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ المَدِينَةِ إِذْ مَرَّ بِكُتَّابٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليهم السلام) فَلمَّا نَظَرَ إِليْهِ قَال: يا غُلامُ أَقْبِل، فَأَقْبَل، ثُمَّ قَال: لهُ أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، فَقَال: شَمَائِل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) والذِي نَفْسُ جَابِرٍ بِيَدِهِ يَا غُلامُ مَا اسْمُكَ، قَال: اسْمِي مُحَمَّدُ بْنُ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ.
فَأَقْبَل عَليْهِ يُقَبِّل رَأْسَهُ فَقَال: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي أَبُوكَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يُقْرِئُكَ السَّلامَ ويَقُول لكَ.
قَال: فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ إِلى أَبِيهِ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (علهيما السلام) وهُوَ
ص: 119
ذَعِرٌ، فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَقَال: يَا بُنَيَّ الزَمْ بَيْتَكَ، وكَانَ جَابِرٌ يَأْتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ وكَانَ أَهْل المَدِينَةِ يَقُولونَ: وَا عَجَبَاهْلجَابِرٍ يَأْتِي هَذَا الغُلامَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وهُوَ آخِرُ مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَلمْ يَلبَثْ أَنْ مَضَى عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) وكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليهما السلام) يَأْتِيهِ عَلى وَجْهِ الكَرَامَةِ لصُحْبَتِهِ بِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، قَال: فَجَلسَ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليهما السلام) يُحَدِّثُهُمْ عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى، فَكَانَ أَهْل المَدِينَةِ يَقُولونَ: مَا رَأَيْنَا أَحَداً قَطُّ أَجْرَأَ مِنْ ذَا، قَال: فَلمَّا رَأَى مَا يَقُولونَ حَدَّثَهُمْ عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَقَال أَهْل المَدِينَةِ: ومَا رَأَيْنَا أَحَداً قَطُّ أَكْذَبَ مِنْ هَذَا يُحَدِّثُ عَمَّنْ لمْ يَرَهُ، فَلمَّا رَأَى مَا يَقُولونَ حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَصَدَّقُوهُ، وكَانَ واللهِ جَابِرٌ يَأْتِيهِ ويَتَعَلمُ مِنْهُ» (1).
مسألة: يستحب أن يهدي الإنسان للصديقة فاطمة (عليها السلام) ما يسرها، تأسياً بما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ههنا من إهدائه اللوح لها (عليها السلام)،وذلك بين فترة وأخرى ، وكلما تقاربت الفترات كان أولى، فإن الهدايا تصل إليها دون شك، وكيف وهي تصل للمؤمن العادي فكيف بها.
ومن الهدايا: قراءة القرآن وإهداء ثوابها لها (صلوات الله عليها).
ومنها: إهداء ثواب الصلاة والصوم والحج المستحب وسائر العبادات
ص: 120
المندوبة إليها، أو النيابة عنها.
ومنها: التصدق على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وإهداء الثواب لها.
ومنها: هداية الناس وإرشادهم وإهداء الثواب لها.
ومنها: الدرس والتدريس والتأليف والخطابة وإهداء ثوابها لها.
ومنها: تأسيس المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات ودور الأيتام وصناديق الإقراض الخيري وإهداء الثواب لها.
ومنها: تربية العلماء الزمنيين الأتقياء ممن ينهضون بدنيا الناس، كالأطباء والمهندسين والمحامين بالحق والصحفيين وخبراء الاقتصاد والزراعة والصناعة وغيرها وإهداء الثواب لها.
كما أن من ذلك إهداء ثواب كل ما سبق ذكره لشيعتها وذريتها، أو لأحدهمبعنوان أنه من شيعتها أو ذريتها، فإن ذلك يسرها ويفرحها (صلوات الله عليها).
وكم لذلك من الفوائد الدنيوية والأخروية.
روي عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) قَال: قَال جَابِرٌ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): جُعِلتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُول اللهِ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ فِي فَضْل جَدَّتِكَ فَاطِمَةَ، إِذَا أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ الشِّيعَةَ فَرِحُوا بِذَلكَ.
قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نُصِبَ للأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُل مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ مِنْبَرِي أَعْلى مَنَابِرِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَقُول اللهُ: يَا مُحَمَّدُ اخْطُبْ، فَأَخْطُبُ
ص: 121
بِخُطْبَةٍ لمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُل بِمِثْلهَا، ثُمَّ يُنْصَبُ للأَوْصِيَاءِ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، وَيُنْصَبُ لوَصِيِّي عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ فِي أَوْسَاطِهِمْ مِنْبَرٌ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ مِنْبَرُهُ أَعْلى مَنَابِرِهِمْ، ثُمَّ يَقُول اللهُ: يَا عَليُّ اخْطُبْ فَيَخْطُبُ بِخُطْبَةٍ لمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الأَوْصِيَاءِ بِمِثْلهَا، ثُمَّ يُنْصَبُ لأَوْلادِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلينَ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ لابْنَيَّ وَسِبْطَيَّ وَرَيْحَانَتَيَّ أَيَّامَ حَيَاتِي مِنْبَرٌ مِنْ نُورٍ ثُمَّ يُقَال لهُمَا: اخْطُبَا، فَيَخْطُبَانِ بِخُطْبَتَيْنِ لمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلادِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلينَ بِمِثْلهَا.
ثُمَّ يُنَادِي المُنَادِي وَهُوَ جَبْرَئِيل (عليهالسلام): أَيْنَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، أَيْنَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلدٍ، أَيْنَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، أَيْنَ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، أَيْنَ أُمُّ كُلثُومٍ أُمُّ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَيَقُمْنَ، فَيَقُول اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى: يَا أَهْل الجَمْعِ لمَنِ الكَرَمُ اليَوْمَ، فَيَقُول مُحَمَّدٌ وَعَليٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ: للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، فَيَقُول اللهُ تَعَالى: يَا أَهْل الجَمْعِ إِنِّي قَدْ جَعَلتُ الكَرَمَ لمُحَمَّدٍ وَعَليٍّ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ، يَا أَهْل الجَمْعِ طَأْطِئُوا الرُّءُوسَ وَغُضُّوا الأَبْصَارَ فَإِنَّ هَذِهِ فَاطِمَةُ تَسِيرُ إِلى الجَنَّةِ.
فَيَأْتِيهَا جَبْرَئِيل بِنَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الجَنَّةِ مُدَبَّحَةَ الجَنْبَيْنِ خِطَامُهَا مِنَ اللؤْلؤِ الرَّطْبِ، عَليْهَا رَحْل مِنَ المَرْجَانِ، فَتُنَاخُ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَتَرْكَبُهَا فَيَبْعَثُ اللهُ مِائَةَ أَلفِ مَلكٍ ليَسِيرُوا عَنْ يَمِينِهَا، وَيَبْعَثُ إِليْهَا مِائَةَ أَلفِ مَلكٍ عَنْ يَسَارِهَا، وَيَبْعَثُ إِليْهَا مِائَةَ أَلفِ مَلكٍ يَحْمِلونَهَا عَلى أَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يُصَيِّرُوهَا عَلى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا صَارَتْ عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ تَلتَفِتُ، فَيَقُول اللهُ: يَا بِنْتَ حَبِيبِي مَا التِفَاتُكِ وَقَدْ أَمَرْتُ بِكِ إِلى جَنَّتِي؟
فَتَقُول: يَا رَبِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرِي فِي مِثْل هَذَا اليَوْمِ.
فَيَقُول اللهُ: يَا بِنْتَ حَبِيبِي ارْجِعِي فَانْظُرِي مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ حُبٌّ لكِ أَوْ
ص: 122
لأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكِ خُذِي بِيَدِهِ فَأَدْخِليهِالجَنَّةَ.
قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): وَاللهِ يَا جَابِرُ إِنَّهَا ذَلكَ اليَوْمَ لتَلتَقِطُ شِيعَتَهَا وَمُحِبِّيهَا كَمَا يَلتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ الجَيِّدَ مِنَ الحَبِّ الرَّدِيءِ، فَإِذَا صَارَ شِيعَتُهَا مَعَهَا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ يُلقِي اللهُ فِي قُلوبِهِمْ أَنْ يَلتَفِتُوا، فَإِذَا التَفَتُوا يَقُول اللهُ: يَا أَحِبَّائِي مَا التِفَاتُكُمْ وَقَدْ شَفَّعْتُ فِيكُمْ فَاطِمَةَ بِنْتَ حَبِيبِي؟
فَيَقُولونَ: يَا رَبِّ أَحْبَبْنَا أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُنَا فِي مِثْل هَذَا اليَوْمِ.
فَيَقُول اللهُ: يَا أَحِبَّائِي ارْجِعُوا وَانْظُرُوا مَنْ أَحَبَّكُمْ لحُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ أَطْعَمَكُمُ لحُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ كَسَاكُمْ لحُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ سَقَاكُمْ شَرْبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ رَدَّ عَنْكُمْ غَيْبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ، فَخُذُوا بِيَدِهِ وَأَدْخِلوهُ الجَنَّةَ.
قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): وَاللهِ لا يَبْقَى فِي النَّاسِ إِلا شَاكٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُنَافِقٌ، فَإِذَا صَارُوا بَيْنَ الطَّبَقَاتِ نَادُوا كَمَا قَال اللهُ تَعَالى: «فَما لنا مِنْ شافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»(1) فَيَقُولونَ: «فَلوْ أَنَّ لنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ»(2)، قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، مُنِعُوا مَا طَلبُوا «وَلوْ رُدُّوالعادُوا لما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لكاذِبُونَ»(3)،(4).
ص: 123
مسألة: يستحب أن يعطي الأب لابنته ما يسرها.
وهذا من باب المصداق بل من أظهر المصاديق، وإلاّ فإدخال السرور في قلب مطلق المؤمن مستحب فكيف بالأقرباء والأرحام الأقرب فالأقرب، قال سبحانه: «وَأُولوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ الله»(1).
بل ذكرنا في بعض المباحث أن إدخال السرور حتى في قلب الكافر(2) مستحب، لقوله (عليه الصلاة والسلام) في مطلق الناس: «فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لكَ فِي الخَلق»(3)، ولقوله (عليهالسلام): «عَلى كُل كَبِدٍ حَرَّى أَجْر»(4)، ولما ورد من إحسان الأئمة (عليهم السلام) للكفار والمخالفين، فإنه يدل
ص: 124
على الرجحان، ولقوله تعالى: «وَما أَرْسَلناكَ إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين»(1).وفي الرواية: «خير الناس من نفع الناس»(2).
و: «خير الناس أنفعهم للناس»(3),
و: «الخَلقُ عِيَالي فَأَحَبُّهُمْ إِليَّ أَلطَفُهُمْ بِهِمْ وأَسْعَاهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ»(4).
والانصراف إلى المؤمن أو المسلم بدوي، نعم بالنسبة إلى المؤمن أعظم أجراً وأشد استحباباً.
ولاشك أن العقل أيضاً يدل على جملة من الأصول، كما ذكره علماء الكلام في مختلف أبواب أصول الدين، إلا أن الدليل الكامل العام الشامل في الأصول وما يلحقها وفي الفروع والأحكام والأخلاق والآداب وغيرها، هو النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) ومن قبلهم الأنبياء والمرسلون والأوصياء المهديون (عليهم السلام).
ثم دلالته (صلى الله عليه وآله) على الله تعالى على أنواع وأقسام، فإنه دليل بذاته على الله تعالى، كما هو دليل بصفاته، وهو دليل بأفعاله أيضاً، كما هو دليل بأقواله، ولكل منها مباحث لايسعها المجال.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نحن الأدلاء على الله »(1).
وفي الزيارة: «السَّلامُ عَلى الأَدِلاءِ عَلى الله »(2).
و: «السَّلامُ عَلى الدُّعَاةِ إِلى اللهِ والأَدِلاءِ عَلى مَرْضَاةِ الله »(3).
ص: 126
وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَال: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذْ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ الشِّيعَةَ الخَاصَّةَ الخَالصَةَ مِنَّا أَهْل البَيْتِ»، فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُول اللهِ عَرِّفْنَاهُمْ حَتَّى نَعْرِفَهُمْ، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَا قُلتُ لكُمْ إِلا وأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ»، ثُمَّ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَنَا الدَّليل عَلى اللهِ عَزَّ وجَل، وعَليٌّ (عليه السلام) نَصْرُ الدِّينِ، ومَنَارُهُ أَهْل البَيْتِ، وهُمُ المَصَابِيحُ الذِينَ يُسْتَضَاءُ بِهِمْ». فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُول اللهِ فَمَنْ لمْ يَكُنْ قَلبُهُ مُوَافِقاً لهَذَا، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليهوآله): «مَا وُضِعَ القَلبُ فِي ذَلكَ المَوْضِعِ إِلا ليُوَافِقَ أَوْ ليُخَالفَ، فَمَنْ كَانَ قَلبُهُ مُوَافِقاً لنَا أَهْل البَيْتِ كَانَ نَاجِياً، ومَنْ كَانَ قَلبُهُ مُخَالفاً لنَا أَهْل البَيْتِ كَانَ هَالكاً»(1).
مسألة: يستحب بيان أن شهادة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) لها مكانة خاصة استثنائية عند الله تعالى، وأنها تختلف في حيثياتها وجهاتها عن شهادة سائر المعصومين (عليهم السلام) الذين قُتلوا بالسيف أو بالسم، ولذا خصه الله سبحانه في هذا الحديث بالقول: «وختمت ... درجة».
كما أن من الواضح أن شهادة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) بتلك الصورة المفجعة المذكورة في المقاتل والتي يعرفها المؤمنون، _ وإن كان واقع ما جرى أعظم وأدهى وأمر، إذ لم يصل إلينا كل ما جرى _ وتضحيته في سبيل الله من أهم أسباب إقامة الدين وقمع الظالمين، بل لولاه (عليه السلام) لما قامللدين
ص: 127
عمود، ولما اخضر للدين عود، فالإسلام حسيني البقاء دون ريب.
ومن ذلك يعلم موقع وأهمية وضرورة إقامة الشعائر الحسينية بمختلف أشكالها من تشييد الحسينيات والتكايا، إلى إقامة المجالس والبكاء والتباكي واللطم والضرب بالسلاسل(1) والتطبير، وإلى المشي لزيارته وإطعام الطعام باسمه وإحياء ذكره ونهضته باللسان والبنان، بالكتب والمقالات والجرائد والمجلات وما أشبه.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَال: «كُل الجَزَعِ والبُكَاءِ مَكْرُوهٌ سِوَى الجَزَعِ والبُكَاءِ عَلى الحُسَيْنِ (عليه السلام)»(2).
مسألة: يحرم الاعتقاد بالوقف أو الواقفية، فإن لهم الويل من الله سبحانه، كما قال تعالى في هذا الحديث(3):
«وَوَيْل...»، فإنهم بتكذيبهمللإمام الرضا (عليه السلام) مكذبون في الواقع بكل الأئمة (عليهم السلام) بدليل قوله: «بكل أوليائي».
فمن أنكر واحداً منهم (عليهم السلام) فقد أنكرهم جميعاً، لأنهم نور واحد، ومجموعة مترابطة متكاملة عند الله سبحانه، ومثاله في المعنويات الصلاة، فإنه لو أتى بها بكل أجزائها وشرائطها إلاّ الركوع مثلاً بطلت، سواء كان عالماً أم
ص: 128
جاهلاً، معانداً أم غافلاً، وأما مثاله في الماديات لتقريب الذهن الماء الذي يتركب من غازين(1) فإنه بانتفاء أحدهما ينتفي الماء وخواصه، وكذلك المعجون أو بعض الأدوية الطبية المركبة من عدة أجزاء أساسية المفيدة لبعض الأعراض والأمراض، فإذا افتقدت بعض الأجزاء لم تكن مفيدة، بل ربما كان وجودها كعدمها، بل قد تكون ضارة بالمريض، وكما أن من يؤمن بالنبي موسى (عليه السلام) ولا يؤمن بالنبي عيسى (عليه السلام)، أو يؤمن بالنبي عيسى (عليه السلام) ولا يؤمن برسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) يكون منكراً للرسالة، كذلك المقام بالنسبة إلى الإمامة.
وكما يحرم الاعتقاد بالوقف علىالإمام الكاظم (عليه السلام) يحرم الاعتقاد بالوقف على أي إمام من الأئمة (عليهم السلام) وإنكار اللاحقين من الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قُلتُ لهُ: أَرَأَيْتَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنْكُمْ مَا حَالهُ، فَقَال: «مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللهِ وبَرِئَ مِنْهُ ومِنْ دِينِهِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنِ الإِسْلامِ»(2) الحديث.
وعَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الأَئِمَّةِ، فَقَال: «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ الأَحْيَاءِ فَقَدْ أَنْكَرَ الأَمْوَاتَ»(3).
ص: 129
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنْ قَوْل اللهِ : «وَعَلى الأَعْرافِ رِجال يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ»(1)، قَال: «نَحْنُ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ، فَمَنْ عَرَفَنَا كَانَ مِنَّا، ومَنْ كَانَ مِنَّا كَانَ فِي الجَنَّةِ، ومَنْ أَنْكَرَنَا كَانَ فِي النَّارِ»(2).
وعَنْ أَبِي سَلمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُهُ يَقُول : نَحْنُ الذِينَ فَرَضَ اللهُ طَاعَتَنَا، لا يَسَعُ النَّاسَ إِلا مَعْرِفَتُنَا، ولا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالتِنَا، مَنْ عَرَفَنَا كَانَ مُؤْمِناً، ومَنْ أَنْكَرَنَا كَانَ كَافِراً، ومَنْ لمْ يَعْرِفْنَا ولمْ يُنْكِرْنَا كَانَ ضَالا حَتَّى يَرْجِعَ إِلى الهُدَى الذِي افْتَرَضَ اللهُ عَليْهِ مِنْ طَاعَتِنَا الوَاجِبَةِ، فَإِنْ يَمُتْ عَلى ضَلالتِهِ يَفْعَل اللهُ بِهِ مَا يَشَاءُ»(3).
مسألة: يستحب وقد يجب بيان مطاعن من قتل أهل البيت (عليهم السلام) من أصحاب السقيفة والأمويين والعباسيين ومن شاكلهم.
وقد امتلأت الآيات الكريمة والروايات الشريفة بلعنهم وذكر مطاعنهم، تارة إجمالاً وأخرى تفصيلاً، وتارة بالتلميح وأخرى بالتصريح، وقد أشار هذا الحديث القدسي إلى المأمونالعباسي ووصفه بأنه (مستكبر)، وهذه صفته عند الله تعالى، كما وصف هارون بأنه (شر الخلق) فمن الواجب البراءة منهما.
ص: 130
ومن ذلك وغيره يظهر أن أعداءهم (عليهم الصلاة والسلام) عند الله هم شرار الخلق.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «عَشَرَةٌ مَنْ لقِيَ اللهَ بِهِنَّ دَخَل الجَنَّةَ، شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُول اللهِ، والإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وإِقَامَةُ الصَّلاةِ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وصَوْمُ رَمَضَانَ، وحِجُّ البَيْتِ، والوَلايَةُ لأَوْليَاءِ اللهِ، والبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ، واجْتِنَابُ كُل مُسْكِرٍ»(1).
وَرُوِيَ عَنِ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «كَمَال الدِّينِ وَلايَتُنَا والبَرَاءَةُ مِنْ عَدُوِّنَا ... واعْلمْ أَنَّهُ لا يَتِمُّ الوَلايَةُ ولا تَخْلصُ المَحَبَّةُ ولا تَثْبُتُ المَوَدَّةُ لآِل مُحَمَّدٍ إِلا بِالبَرَاءَةِ مِنْ عَدُوِّهِمْ قَرِيباً كَانَ أَوْ بَعِيداً، فَلا تَأْخُذْكَ بِهِ رَأْفَةٌ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يَقُول: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ ورَسُولهُ ولوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ»(2) الآيَةَ»(3).وعن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا با حمزة إنما يعبد الله من عرف الله، فأما من لا يعرف الله كأنما يعبد غيره هكذا ضالاً، قلت: أصلحك الله وما معرفة الله، قال: يصدق الله ويصدق محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) في موالاة علي والايتمام به، وبأئمة الهدى من بعده، والبراءة إلى الله من عدوهم، وكذلك عرفان الله»، قال: قلت: أصلحك الله أي شي ء إذا عملته أنا استكملت حقيقة الإيمان، قال: توالي أولياء الله، وتعادي أعداء الله، وتكون مع
ص: 131
الصادقين كما أمرك الله، قال: قلت: ومن أولياء الله ومن أعداء الله، فقال: أولياء الله محمد رسول الله وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ثم انتهي الأمر إلينا ثم ابني جعفر، وأومأ إلى جعفر وهو جالس، فمن والى هؤلاء فقد والى الله وكان مع الصادقين كما أمره الله، قلت: ومن أعداء الله أصلحك الله، قال: الأوثان الأربعة، قال: قلت من هم، قال: أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية ومن دان بدينهم، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله »(1).
وقال الصدوق (رحمه الله): (واعتقادنا في البراءة أنّها واجبة من الأوثان الأربعة ومن الأنداد الأربعة، ومن جميعأشياعهم وأتباعهم، وأنّهم شرّ خلق الله، ولا يتم الإقرار بالله وبرسوله وبالأئمّة إلا بالبراءة من أعدائهم، واعتقادنا في قتلة الأنبياء وقتلة الأئمّة أنّهم كفّار مشركون مخلدون في أسفل درك من النّار، ومن اعتقد فيهم غير ما ذكرناه فليس عندنا من دين الله في شيء»(2).
مسألة: قد يستفاد من قوله: «وحجتي لا تخفى» أنه لا يوجد قاصر أبداً، لكن الظاهر وجوده بالوجدان، فالمراد ب (لا تخفى) على عامة الناس وخاصتهم مما لا ينافيه استثناء البعض، أو يقال: (لا تخفى) اقتضاءً، أو (لا تخفى) اختفاءً كلياً تاماً، ولعله الأظهر بقرينة (لأن خيط فرضي لا ينقطع)، وحينئذ لا ينافي وجود القاصرين وإن كثروا.
ص: 132
ولعل الفتنة زمان الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت أشد من الفتن في زمن سائر الأئمة (عليهم السلام)، إذ لم يسبق ولم يلحق أن يسجن الإمام (عليه السلام) لسنين طويلة ويطارد شيعته بتلك الشدة وفي المدة الطويلة، ويحتمل كونهابلحاظ زمن الإمامين السابقين عليه.
و(الحندس) شدة الظلمة.
مسألة: ينبغي الاعتقاد بأن الأرض لا تخلو من حجة، وأن خيط فرض الله لا ينقطع، ثم إن في (خيط الفرض) دلالات:
منها: الامتداد والاستمرار.
ومنها: ارتباط الخلق بالخالق بواسطة خيط فرضه، وهو الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام).
وقوله: «لأن خيط» تعليل لقوله: «انتجبت بعده موسى».
وجه تسمية الإمام السجاد (عليه السلام) ب (سيد العابدين) هو قمة عبوديته، فإنه في جهة الكم لا نظير له، لكثرة عباداته، وكذا في جهة الكيف، في خلوص النية وشدة الانقطاع إلى الله، وقوة الارتباط به تعالى، وتمحض عبادته في التقرب إلى الباري عزوجل.
وقيل: كَانَ سَبَبَ لقَبِهِ بِزَيْنِ العَابِدِينَ أَنَّهُ كَانَ ليْلةً فِي مِحْرَابِهِ قَائِماً فِي
ص: 133
تَهَجُّدِهِ فَتَمَثَّل لهُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ ثُعْبَانٍ ليَشْغَلهُ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَلمْ يَلتَفِتْ إِليْهِ، فَجَاءَ إِلى إِبْهَامِ رِجْلهِ فَالتَقَمَهَافَلمْ يَلتَفِتْ إِليْهِ، فَآلمَهُ فَلمْ يَقْطَعْ صَلاتَهُ، فَلمَّا فَرَغَ مِنْهَا وَقَدْ كَشَفَ اللهُ لهُ فَعَلمَ أَنَّهُ شَيْطَانٌ فَسَبَّهُ وَلطَمَهُ وَقَال: اخْسَأْ يَا مَلعُونُ، فَذَهَبَ وَقَامَ إِلى إِتْمَامِ وِرْدِهِ، فَسَمِعَ صَوْتاً وَلا يَرَى قَائِلهُ وَهُوَ يَقُول: أَنْتَ زَيْنُ العَابِدِينَ، ثَلاثاً فَظَهَرَتْ هَذِهِ الكَلمَةُ وَاشْتَهَرَتْ لقَباً لهُ (عليه السلام)(1).
مسألة: يستحب بيان أن مولانا صاحب الزمان (عليه الصلاة والسلام وعجل الله فرجه) كالنبي (صلى الله عليه وآله) في أنه «رَحْمَةً للعالمِينَ»(2) وهذا من أعلى المناصب الإلهية والأوصاف الربانية.
ولا يخفى أنهم (عليهم الصلاة والسلام) كلهم رحمة للعالمين، لأنهم السبب في إفاضة الله سبحانه إلى الخلق، بالإضافة إلى أنهم سبب وصول أحكام الله تعالى إلى البشر،فهم الواسطة بين الله عزوجل وبين البشر _ بل الخلق _ تكويناً وتشريعاً.
وهذا مما قام عليه الدليل، فإن اللهتعالى يفيض إلى الخلق بالوسائط، مثل: جبرائيل الذي هو سبب نزول الوحي، وميكائيل الذي هو سبب نزول الرزق، وعزرائيل الذي هو سبب نزول الموت، إلى غير ذلك، وقد قال سبحانه: «فَالمُدَبِّراتِ أَمْراً»(3)، وهذا مما لا يخفى على من له إلمام بالآيات والروايات،
ص: 134
فإن بهم (عليهم السلام) رزق الورى، وثبتت الأرض والسماء(1).
أما وجه تخصيص بعضهم (صلوات الله عليهم) بهذا الوصف: (رحمة للعالمين) فلظهور هذا الوصف فيه للخلق بنحو أقوى مما ظهر من سائرهم (عليهم السلام)، فالأمر عائد إلى مقام الإثبات، ويمكن عوده لمقام الثبوت أيضاً للزيادة الكمية أفراداً وأزماناً.
وفي الزيارة الجامعة: «وَبِكُمْ يَخْتِمُ وبِكُمْ يُنَزِّل الغَيْثَ وبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ وبِكُمْ يُنَفِّسُ الهَمَّ ويَكْشِفُ الضُّرَّ»(2).
وقال أبو ذر (رحمه الله): سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول : «والذِي بَعَثَنِيبِالحَقِّ نَبِيّاً لا يَنْفَعُ أَحَدَكُمُ الثَّلاثَةُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالرَّابِعَةِ، فَمَنْ شَاءَ حَقَّقَهَا ومَنْ شَاءَ كَفَرَ بِهَا، فَإِنَّا مَنَازِل الهُدَى وأَئِمَّةُ التُّقَى، وبِنَا يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ ويُدْفَعُ البَلاءُ، وبِنَا يَنْزِل الغَيْثُ مِنَ السَّمَاءِ، ودُونَ عِلمِنَا تَكِل أَلسُنُ العُلمَاءِ، ونَحْنُ بَابُ حِطَّةٍ وسَفِينَةُ نُوحٍ، ونَحْنُ جَنْبُ اللهِ الذِي يُنَادِي مَنْ فَرَّطَ فِينَا يَوْمَ القِيَامَةِ بِالحَسْرَةِ والنَّدَامَةِ، ونَحْنُ حَبْل اللهِ المَتِينُ الذِي مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، ولا يَزَال مُحِبُّنَا مَنْفِيّاً مُودِياً مُنْفَرِداً مَضْرُوباً مَطْرُوداً مَكْذُوباً مَحْزُوناً بَاكِيَ العَيْنِ حَزِينَ القَلبِ حَتَّى يَمُوتَ، وذَلكَ فِي اللهِ قَليل فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْساً»(3).
ص: 135
مسألة: يستفاد من هذا الحديث الشريف عموم رحمة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للعوالم كلها، من الإنس والجن والملك والحيوان وسائر مخلوقات الله، فلا تقتصر الرحمة في ظهوره المبارك فقط.
عَنْ سُليْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الأَعْمَشِ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليهم السلام) قَال: «نَحْنُ أَئِمَّةُ المُسْلمِينَ، وحُجَجُ اللهِ عَلى العَالمِينَ، وسَادَةُ المُؤْمِنِينَ، وقَادَةُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ، ومَوَالي المُؤْمِنِينَ، ونَحْنُ أَمَانُ أَهْل الأَرْضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لأَهْل السَّمَاءِ، ونَحْنُ الذِينَ بِنَا يُمْسِكُ اللهُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ، وبِنَا يُمْسِكُ الأَرْضَ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلهَا، وبِنَا يُنَزِّل الغَيْثَ، وبِنَا يَنْشُرُ الرَّحْمَةَ ويُخْرِجُ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، ولوْ لا مَا فِي الأَرْضِ مِنَّا لسَاخَتْ بِأَهْلهَا»، قَال عليه السلام: «ولمْ تَخْل الأَرْضُ مُنْذُ خَلقَ اللهُ آدَمَ مِنْ حُجَّةِ اللهِ فِيهَا، ظَاهِرٌ مَشْهُورٌ أَوْ غَائِبٌ مَسْتُورٌ، ولا تَخْلو إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ للهِ فِيهَا، ولوْ لا ذَلكَ لمْ يُعْبَدِ اللهُ»، قَال سُليْمَانُ: فَقُلتُ للصَّادِقِ (عليه السلام): فَكَيْفَ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِالحُجَّةِالغَائِبِ المَسْتُورِ، قَال: «كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمْسِ إِذَا سَتَرَهَا السَّحَابُ»(1).
وقال (عليه السلام): وَنَحْنُ بَابُ الغَوْثِ إِذَا اتَّقَوْا وضَاقَتْ عَليْهِمُ المَذَاهِبُ، ونَحْنُ بَابُ حِطَّةٍ وهُوَ بَابُ السَّلامِ مَنْ دَخَلهُ نَجَا ومَنْ تَخَلفَ عَنْهُ هَوَى، بِنَا يَفْتَحُ اللهُ وبِنَا يَخْتِمُ اللهُ، وبِنَا يَمْحُو مَا يَشَاءُ وبِنَا يُثْبِتُ، وبِنَا يَدْفَعُ اللهُ الزَّمَانَ الكَلبَ،
ص: 136
وبِنَا يُنَزِّل الغَيْثَ، فَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ، مَا أَنْزَلتِ السَّمَاءُ مِنْ قَطْرَةٍ مِنْ مَاءٍ مُنْذُ حَبَسَهُ اللهُ عَزَّ وجَل، ولوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا لأَنْزَلتِ السَّمَاءُ قَطْرَهَا، ولأَخْرَجَتِ الأَرْضُ نَبَاتَهَا، ولذَهَبَتِ الشَّحْنَاءُ مِنْ قُلوبِ العِبَاد»(1).
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ، قَال: قَال الرِّضَا (عليه السلام): «نَحْنُ حُجَجُ اللهِ فِي خَلقِهِ، وخُلفَاؤُهُ فِي عِبَادِهِ، وأُمَنَاؤُهُ عَلى سِرِّهِ، ونَحْنُ كَلمَةُ التَّقْوَى والعُرْوَةُ الوُثْقَى، ونَحْنُ شُهَدَاءُ اللهِ وأَعْلامُهُ فِي بَرِيَّتِهِ، بِنَا يُمْسِكُ اللهُ السَّماواتِ والأَرْضَ أَنْ تَزُولا، وبِنَا يُنَزِّل الغَيْثَ ويَنْشُرُ الرَّحْمَةَ، ولا تَخْلو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ مِنَّا، ظَاهِرٍ أَوْخَافٍ، ولوْ خَلتْ يَوْماً بِغَيْرِ حُجَّةٍ لمَاجَتْ بِأَهْلهَا كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ بِأَهْلهِ»(2).
مسألة: يستفاد من هذا الحديث الشريف أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) رحمة حتى على أعدائه وأعداء الدين، فإن أكثرهم يهتدون ببركته للدين المبين، إذ يهتدي به المسيحيون وغيرهم حيث يرون اقتداء عيسى (عليه السلام) به، على ما هو مفصل في كتب الأخبار، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأمم، فلا يبقى إلا المعاند.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلهِ عَزَّ وجَل: «ليُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلهِ ولوْ كَرِهَ
ص: 137
المُشْرِكُونَ»(1)، قَال: لا يَكُونُ ذَلكَ حَتَّى لا يَبْقَى يَهُودِيٌّ ولا نَصْرَانِيٌّ ولا صَاحِبُ مِلةِ إِلا الإِسْلامَ، حَتَّى تَأْمَنَ الشَّاةُ والذِّئْبُ والبَقَرَةُ والأَسَدُ والإِنْسَانُ والحَيَّةُ، وحَتَّى لا تَقْرِضَ فَأْرَةٌ جِرَاباً، وحَتَّى تُوضَعَ الجِزْيَةُ، ويُكْسَرَ الصَّليبُ، ويُقْتَل الخِنْزِيرُ، وهُوَ قَوْلهُ تَعَالى: «ليُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلهِ ولوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ»، وذَلكَ يَكُونُعِنْدَ قِيَامِ القَائِمِ (عليه السلام) (2).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «خَرَجَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) ذَاتَ يَوْمٍ وهُوَ مُسْتَبْشِرٌ يَضْحَكُ سُرُوراً، فَقَال لهُ النَّاسُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُول اللهِ وزَادَكَ سُرُوراً، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): إِنَّهُ ليْسَ مِنْ يَوْمٍ ولا ليْلةٍ إِلا وليَ فِيهِمَا تُحْفَةٌ مِنَ اللهِ، أَلا وإِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هَذَا بِتُحْفَةٍ لمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلهَا فِيمَا مَضَى، إِنَّ جَبْرَئِيل أَتَانِي فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلامَ وقَال: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَةً لمْ يَخْلقْ مِثْلهُمْ فِيمَنْ مَضَى ولا يَخْلقُ مِثْلهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ، أَنْتَ يَا رَسُول اللهِ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وعَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ وَصِيُّكَ سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، والحَسَنُ والحُسَيْنُ سِبْطَاكَ سَيِّدَا الأَسْبَاطِ، وحَمْزَةُ عَمُّكَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وجَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ الطَّيَّارُ فِي الجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ المَلائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، ومِنْكُمُ القَائِمُ، يُصَلي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَلفَهُ إِذَا أَهْبَطَهُ اللهُ إِلى الأَرْضِ، مِنْ ذُرِّيَّةِ عَليٍّ وفَاطِمَةَ مِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ عليهم السلام»(3).
وعن زيد بن ثابت، عن النبي (صلى اللهعليه وآله) في حديث قال: «وإنه
ص: 138
ليخرج من صلب الحسين أئمة أبرار، أمناء معصومون قوامون بالقسط، ومنا مهدي هذه الأمة الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه، قلنا: من هو يا رسول الله، قال: هو التاسع من صلب الحسين أئمة أبرار، والتاسع مهديهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً»(1).
مسألة: قد يستفاد من هذا الحديث القدسي قلة من يقتله الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) على عكس المشهور من كثرة من يقتلهم.
ويؤكد ذلك ما ورد من أنه (عليه السلام) يسير بسيرة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيرته كانت التجنب من سفك الدماء إلى أبعد الحدود، حتى أنه بلغ مجموع القتلى من الطرفين المسلمين والكفار في مجموع أكثر من ثمانين معركة وغزوة حوالي 1400 قتيل حسب إحصاء بعض المؤرخين، وكان ذلك بتدبيره (صلى الله عليه وآله).
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في وصف صاحب هذا الأمر (عليه السلام): «وأماسنته من محمد (صلى الله عليه وآله) فيهتدي بهداه ويسير بسيرته»(2).
نعم تعارضها بعض الروايات الأخرى لكنها لا تقاومها، وقد فصلناه في بعض كتبنا(3).
ص: 139
مسألة: يستحب التهنئة بولادة المولود، وكلما ازداد المولود مكانة وعظمة ومنزلة، ككونه ولد عالم أو ولي أو كونه ممن يرجى علو شأنه، ازداد الثواب واشتدت درجة الاستحباب.
وللتهنئة آداب مذكورة في محلها.
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِذَا هَنَّأْتُمُ الرَّجُل عَنْ مَوْلودٍ ذَكَرٍ فَقُولوا: بَارَكَ اللهُ لكَ فِي هِبَتِهِ وبَلغَهُ أَشُدَّهُ ورَزَقَكَ بِرَّه»(1).
وعَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَخِيهِ، قَال: قَال رَجُل لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): وُلدَ لي غُلامٌ ، فَقَال : «رَزَقَكَ اللهُ شُكْرَ الوَاهِبِ، وبَارَكَ لكَ فِي المَوْهُوبِ، وبَلغَ أَشُدَّهُ ورَزَقَكَ اللهُ بِرَّهُ»(2).
مسألة: يستحب خطاب المعصوم (عليه السلام)بكلمة (بأبي أنت وأمي).
ولا فرق في ذلك بين حال حياته وحال استشهاده، إذ هم (عليهم السلام) أحياء عند ربهم يرزقون، كما لا فرق بين خطابه إياهم بذلك عن بعد أو عن قرب، كما ورد: (أشهد أنك تسمع كلامي وترى مقامي وترد سلامي).
ص: 140
وهكذا كان يخاطب المعصوم بعضهم بعضاً:
وفي الرواية: فَقَامَ إِليْهِ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (صلوات الله عليه) وهُوَ (صلى الله عليه وآله) يَبْكِي فَقَال: «بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا نَبِيَّ اللهِ أَ تُقْتَل، قَال: نَعَمْ أَهْلكُ شَهِيداً بِالسَّمِّ وتُقْتَل أَنْتَ بِالسَّيْفِ وتُخْضَبُ لحْيَتُكَ مِنْ دَمِ رَأْسِكَ، ويُقْتَل ابْنِيَ الحَسَنُ بِالسَّمِّ، ويُقْتَل ابْنِيَ الحُسَيْنُ بِالسَّيْفِ، يَقْتُلهُ طَاغِي بْنُ طَاغي، دَعِيُّ بْنُ دَعِيٍّ، مُنَافِقُ بْنُ مُنَافِقٍ»(1).
وعَنْ أَبِي الجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «لمَّا صَعِدَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) الغَارَ طَلبَهُ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) وخَشِيَ أَنْ يَغْتَالهُ المُشْرِكُونَ، وكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى حِرَا وعَليٌّ عَلى ثَبِيرٍ، فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَقَال: مَا لكَ يَا عَليُّ، قَال:بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي خَشِيتُ أَنْ يَغْتَالكَ المُشْرِكُونَ فَطَلبْتُكَ، فَقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): نَاوِلنِي يَدَكَ يَا عَليُّ، فَرَجَفَ الجَبَل حَتَّى خَطَا بِرِجْلهِ إِلى الجَبَل الآخَرِ ثُمَّ رَجَعَ الجَبَل إِلى قَرَارِهِ»(2).
وفي الزيارة: «بِأَبِي أَنْتُمْ وأُمِّي وأَهْلي ومَالي وأُسْرَتِي، أُشْهِدُ اللهَ وأُشْهِدُكُمْ أَنِّي مُؤْمِنٌ بِكُمْ وبِمَا آمَنْتُمْ بِهِ، كَافِرٌ بِعَدُوِّكُمْ وبِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَأْنِكُمْ وبِضَلالةِ مَنْ خَالفَكُمْ، مُوَال لكُمْ ولأَوْليَائِكُمْ، مُبْغِضٌ لأَعْدَائِكُمْ ومُعَادٍ
لهُمْ، سِلمٌ لمَنْ سَالمَكُمْ، وحَرْبٌ لمَنْ حَارَبَكُمْ، مُحَقِّقٌ لمَا حَقَّقْتُمْ، مُبْطِل لمَا أَبْطَلتُم»(3).
ص: 141
مسألة: ينبغي الاستنساخ والكتابة عن الوثائق والأشياء المهمة، ومن مصاديقه التصوير في زماننا هذا، بل لا يبعد رجحان الاستنساخ في حد ذاته وإن كانت النُسَخ متوفرة، بل لعل الإطلاقات تشمله، وذلك لما في كتابة القرآن والأحاديث والمسائل الشرعية من الفوائد المتعددة.
منها: إن الكتابة تعين على الحفظ والتذكر.
ومنها: إنها إيحاء وتلقين، وللتلقين أكبر الأثر في تهذيب النفوس وتثبيت العقائد.
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَل مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وليَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالعَدْل ولا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلمَهُ اللهُ فَليَكْتُبْ وليُمْلل الذي عَليْهِ الحَقُّ وليَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً»(1).
وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِليْهَا»(2).
وفي الحديث: «إِنَّ التَّلقِينَ حَيَاةُ القَلبِ البَصِيرِ كَمَا يَمْشِي المُسْتَنِيرُ فِيالظُّلمَاتِ بِالنُّورِ»(3).
ص: 142
مسألة: يجوز الحلف على الأشياء المهمة، والجواز هنا بالمعنى الأعم كما سبقت الإشارة إليه.
وفي الأمور المهمة ربما يكون مستحباً، فعن يونس بن يعقوب قال: كان أبو عبدالله (عليه السلام) كثيراً ما يقول: (والله )(1).
مسألة: يجب تعظيم أسماء الله تعالى كما أمر بذلك الباري عزوجل، حيث قال في هذا الحديث: (عظّم أسمائي).
ثم إن في المراد من أسمائه تعالى بحوثاً مطولة، وأقوالاً متعددة:
منها: ما هو الظاهر عرفاً من أسمائه سبحانه ك (الهادي المضل) و(الخالق الرازق) و(الجبار المنتقم)، فإن تعظيمها يقتضي اعطاءها ما تستحق بالقدر الممكن من الاهتمام والشكروالحذر والالتفات والعمل على حسب ما تقتضيه، فحيث إنه الهادي وجب التضرع إليه للهداية والاعتصام بحبله وبمن أمر بالتمسك بهم، وهكذا.
ومنها: إن المراد بأسمائه تعالى: المعصومون (عليهم السلام) كما وردت بذلك روايات عديدة.
ص: 143
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزوجل: «وَللهِ الأَسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها»(1) قال: «نَحْنُ وَاللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى التِي لا يَقْبَل اللهُ مِنَ العِبَادِ عَمَلا إِلا بِمَعْرِفَتِنَا»(2).
وعن الرضا (عليه السلام) أنه قال: «إِذَا نَزَلتْ بِكُمْ شَدِيدَةٌ فَاسْتَعِينُوا بِنَا عَلى اللهِ عَزَّ وَجَل، وَهُوَ قَوْلهُ عَزَّ وَجَل: «وَللهِ الأَسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها»(3)»(4).
ولا يستغرب ذلك إذا يراد بالاسم هو ما أنبأ عن المسمى(5)، فإن الرسول (صلى اللهعليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) هم أفضل وأكمل من أنبأ وأخبر وبشر وأنذر وحذر عن الله تعالى.
ص: 144
وقد ذهب البعض إلى أن الاسم مشتق من الوسم بمعنى العلامة، وعليه: كونهم (عليهم السلام) أسماء الله يعني أنهم علامات دالة على عظمة الله وصفات جلاله وجماله.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ومنه يعرف أنهم (عليهم السلام) أعظم آيات الله وأسمائه والعلامات الدالة عليه.
مسألة: يجب شكر النعمة، كما قالتعالى: «وَلقَدْ آتَيْنا لقْمانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَميد»(1).
ولا يخفى أن شكر النعمة يزداد وجوبه تأكداً بازدياد النعمة كماً وكيفاً، وحيث إنه (صلوات الله عليه) منحه الله تعالى أعظم النعم وأسناها وأجلها وأعلاها، كان الشكر عليه ألزم وأوجب، وهكذا الأمثل فالأمثل.
قال تعالى: «فَكُلوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً واشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»(2).
وعَنِ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «اعْتَرِفُوا بِنِعَمِ اللهِ رَبِّكُمْ وتُوبُوا إِلى اللهِ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ
ص: 145
يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ مِنْ عِبَادِهِ»(1).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «الإِيمَانُ نِصْفَانِ نِصْفٌ صَبْرٌ ونِصْفٌ شُكْر»(2).
مسألة: يحرم جحد آلاء الله تعالى.
وحيث إن من البديهي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يجحد آيات الله، إذ لا شك في عصمته، كان محمل ذلك أمور:
منها: إن النهي للتعليم.
ومنها: إن النهي صوري لحكمة أخرى.
ومنها: إنه حقيقي، إذ لا منافاة بين النهي التشريعي والعصمة غير السالبة للقدرة والاختيار، وقد ذكرنا في الأصول ما ينفع المقام(3).
ومنها: إن مصبه الدرجات الخفية جداً من جحد الآلاء التي لا تنافي العصمة، فتكون من ترك الأولى على رأي من يرى صدوره من المعصوم، إذ بمثل هذا النهي انتهى وتكامل، ولكننا ذكرنا في أكثر من موضع أن المعصوم (عليه السلام) لا يصدر منه حتى المكروه وترك الأولى، فراجع.
ص: 146
مسألة: يجب الاعتقاد بوحدانية الله تعالى وصفاته، كما قال: «إني أنا الله لا إله إلا أنا قاصم الجبارين...»(1).
وقد فصلنا في بعض كتبنا وجه وجوب الاعتقاد بأصول الدين، ومنها ما له جهة الموضوعية وما له جهة الطريقية، ومنها الاستحقاق الذاتي، ومنها الشكر، ومنها التكامل، ومنها سعادة الدارين، إلى غيرها.
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُهُ يَقُول : «مَا مِنْ شَيْ ءٍ أَعْظَمَ ثَوَاباً مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، لأَنَّ اللهَ عَزَّ وجَل لا يَعْدِلهُ شَيْ ءٌ ولا يَشْرَكُهُ فِي الأَمْرِ أَحَدٌ»(2).وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلمٍ يَقُول لا إِلهَ إِلا اللهُ، إِلا صَعِدَتْ تَخْرِقُ كُل سَقْفٍ، لا تَمُرُّ بِشَيْ ءٍ مِنْ سَيِّئَاتِهِ إِلا طَلسَتْهَا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلى مِثْلهَا مِنَ الحَسَنَاتِ فَتَقِفَ»(3).
ص: 147
مسألة: يجب عبادة الله تعالى كما قال عزوجل: «فإياي فاعبد»(1).
ثم إن عبادته تعالى واجبة عقلاً، وأما كيفيتها فشرعية توقيفية، فلا تجوز إلا بالنحو الذي حدده الشارع، أو أجازه بإجازة كلية، فلا تجوز الصلاة أو الصوم إلا بالنحو الخاص، وأما الدعاء فقد أجاز الشارع أن يدعو العبد ربه بأي لسان ووقت وكيفية وبما شاء.
ومنه يظهر عدم صحة ابتداع عبادة أو كيفية جديدة لها، كما يفعل بعض الصوفية فإنه تشريع محرم.
وفي الحديث: عَنِ الإِمَامِ الحَسَنِ العَسْكَرِيِّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال لأَبِي هَاشِمٍ الجَعْفَرِيِّ: «يَا أَبَا هَاشِمٍ سَيَأْتِي زَمَانٌ عَلى النَّاسِ وُجُوهُهُمْ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَقُلوبُهُمْ مُظْلمَةٌ مُتَكَدِّرَةٌ، ... عُلمَاؤُهُمْ شِرَارُ خَلقِ اللهِ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ لأَنَّهُمْ يَمِيلونَ إِلى الفَلسَفَةِ وَ التَّصَوُّفِ»(2).
مسألة: يستحب التوكل على الله، كما قالسبحانه في هذا الحديث: «وعليّ فتوكل»(3)، وقد سبق في ثنايا الكتاب البحث عن ذلك.
ص: 148
قال تعالى: «وَما لنا أَلاَّ نَتَوَكَّل عَلى اللهِ وقَدْ هَدانا سُبُلنا ولنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وعَلى اللهِ فَليَتَوَكَّل المُتَوَكِّلون»(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَليَتَّقِ اللهَ، ومَنْ أَحَبَ أَنْ يَكُونَ أَتْقَى النَّاسِ فَليَتَوَكَّل عَلى اللهِ تَعَالى»(2).
وعَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي خَبَرِ المِعْرَاجِ أَنَّهُ قَال: «يَا رَبِّ أَيُّ الأَعْمَال أَفْضَل، فَقَال اللهُ عَزَّ وجَل: يَا أَحْمَدُ، ليْسَ شَيْ ءٌ أَفْضَل عِنْدِي مِنَ التَّوَكُّل عَليَّ، والرِّضَا بِمَا قَسَمْت »(3).
مسألة: يجب الاعتقاد بالأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام) وأنهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون من غصب الخلافة، فإن الاعقاد بهم من أعظم الواجبات، بل هو أعظمها بعد الاعتقاد بالله تعالى وبرسوله (صلى الله عليه وآله)، وترك الاعتقاد بهم من أكبر الكبائر.
ص: 149
مسألة: يستحب بيان أن الله تعالى قد فضل محمداً (صلى الله عليه وآله) على سائر الأنبياء (عليهم السلام)، فإن بيان ذلك نوع شكر للنعمة فإنه (الرحمة للعالمين)، كما أنه موجب للالتفاف حوله (صلى الله عليه وآله) أكثر فأكثر.
مسألة: يستحب بيان أن الله سبحانه قد فضل علياً (عليه السلام) على سائر الأوصياء، كما ينبغي كتابة الكتب في ذلك، والإجابة على شبهات المعاندين والجاهلين.
مسألة: يستحب وقد يجب بيان أحوال الأئمة (عليهم السلام) وأوصافهم وتاريخهم، ومنه بيان مثالب قاتليهم وظالميهم، كما يستحب اللعن عليهم مراعياً موازين التقية في مواردها، ويستحب وقد يجب التحريض على مطالعة الكتب التي تتضمن روايات البراءة وبحوثاً عنها، ومنهامطاعن البحار للعلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه).
مسألة: يجب الاعتقاد بأن الله تعالى قد عيّن الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ونص عليهم تارة بالحديث القدسي، وأخرى على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه، ويجب الاعتقاد بأن الإمامة هي بتنصيب من الله كالنبوة.
مسألة: يحرم جحد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وتكذيب أحدهم، وكما يحرم جحد إمامتهم يحرم جحد صفاتهم وعصمتهم وفضائلهم ومنازلهم ومعاجزهم ومراتبهم التي رتبهم الله فيها.
مسألة: يحرم الافتراء على الله تعالى، والافتراء أعم من القول والحركة والإشارة، كما أنه أعم من نفي ما ثبت أنه منه تكويناً أو تشريعاً، أو إثبات ما لم يكن منه كذلك، ومن الافتراء عليه دعوى بعض العرفاء صدور الخلق منه بنحو
ص: 150
الفيض والرشح، ودعوى سنخيته مع مخلوقاته، ودعوى عدم قدرته إلاّ على خلق الواحد وما أشبه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «إِنَّ اللهَ تَعَالى فَضَّلنِي بِالنُّبُوَّةِ، وفَضَّل عَليّاً بِالإِمَامَةِ، وأَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَهُ ابْنَتِي، فَهُوَ أَبُ وُلدِي، وغَاسِلجُثَّتِي، وقَاضِي دَيْنِي، ووَليُّهُ وَليِّي، وعَدُوُّهُ عَدُوِّي»(1).
وقال (صلى الله عليه وآله): «يَا عَليُّ مَا عُرِفَ اللهُ إِلا بِي ثُمَّ بِكَ، مَنْ جَحَدَ وَلايَتَكَ جَحَدَ اللهَ رُبُوبِيَّتَه »(2).
وقَال (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ مَنْ جَحَدَ وَلايَةَ عَليٍّ لا يَرَى الجَنَّةَ بِعَيْنِهِ أَبَداً، إِلا مَا يَرَاهُ بِمَا يَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ لوْ كَانَ يُوَاليهِ لكَانَ ذَلكَ مَحَلهُ ومَأْوَاهُ وَمَنْزِلهُ، فَيَزْدَادُ حَسَرَاتٍ ونَدَامَاتٍ»(3).
ص: 151
في حديث احتضار الإمام الباقر (عليه السلام) ورد أنه (عليه السلام): دعا بجابر بن عبد الله، فقال له: يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة؟
فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة (عليها السلام) لأهنئها بمولود الحسن (عليه السلام)(1)، فإذا بصحيفة بيدها من درة بيضاء، فقلت: يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟
قالت: «فيها أسماء الأئمة من ولدي».
قلت لها: ناوليني لأنظر فيها.
قالت: يا جابر لولا النهي لكنت أفعل، لكنه نهي أن يمسها إلاّ نبي أو وصي نبي، أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر: فقرأت فإذا فيها:
«أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى، أمه آمنة بنت وهب.
أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
أبو محمد الحسن بن علي البر.
أبو عبد الله الحسين بن علي التقي، أمهما فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله).
ص: 152
أبو محمد علي بن الحسين العدل، أمه شهربانويه بنت يزدجرد ابن شاهنشاه.
أبو جعفر محمد بن علي الباقر، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر(1).
أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة، أمه جارية اسمها حميدة.
أبو الحسن علي بن موسى الرضا، أمه جارية اسمها نجمة.
أبو جعفر محمد بن علي الزكي، أمه جارية اسمها خيزران.
أبو الحسن علي بن محمد الأمين، أمه جارية اسمها سوسن.
أبو محمد الحسن بن علي الرقيق، أمه جارية اسمها سمانة وتكنى أم الحسن.
أبو القاسم محمد بن الحسن، هو حجة الله تعالى على خلقه القائم، أمه جارية اسمها نرجس (صلوات الله عليهم أجمعين)(2).
----------------
أقول: ربما كان أكثر من لوح ذكرت فيه هذه الأسماء الطاهرة (صلوات الله
ص: 153
عليهم أجمعين) وقد بينا ذلك في موضع آخر.
مسألة: إجابة دعوة الإمام (عليه السلام) في طلبه المجيء أو غيره واجبة، إلا لو كانت قرينة على الإرشاد أو الاستحباب.
مسألة: ولاية المعصومين (عليهم السلام) لا تنقطع بموتهم، فإن كانت أوامرهم تعم بعد موتهم وجب الامتثال.
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا للهِ وللرَّسُول إِذا دَعاكُمْ لما يُحْييكُمْ واعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَحُول بَيْنَ المَرْءِ وقَلبِهِ وأَنَّهُ إِليْهِ تُحْشَرُون»(1).
مسألة: الظاهر أن الأمر في «حدثنا» في هذا الحديث مولوي للوجوب.
مسألة: يمكن الاكتفاء بالأمر بالإرشادي إذا علم عمل المرشد بالمؤدى وإن كانواجباً، فلا يلزم الأمر المولوي الإيجابي حينئذ، كما يكتفى بالترجي وغيره حينئذ، إذ الغرض من الأمر هو الانبعاث وهو حاصل.
نعم مع اشتراط نية الوجه لابد من ذلك ولكن المشهور على عدم اشتراطه(2).
ص: 154
مسألة: ينبغي الإعداد والاستعداد للاحتضار، فإنه آخر مرحلة من مراحل الدنيا، وأول مرحلة من مراحل الانتقال للآخرة.
ومن الاستعداد التثبت من العقائد الحقة، بقراءة دعاء العديلة وغيره، ومنه الوصية بالمعنى الأعم بالعقائد الحقة وتذكير الناس بها، كما صنع الإمام الباقر (عليه السلام) في هذا الخبر.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «سَتُصِيبُكُمْ شُبْهَةٌ فَتَبْقَوْنَ بِلا عَلمٍ يُرَى ولا إِمَامٍ هُدًى، لا يَنْجُ مِنْهَا إِلا مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الغَرِيقِ» قُلتُ: كَيْفَ دُعَاءُ الغَرِيقِ، قَال: «تَقُول: "يَا اللهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلبَ القُلوبِ، ثَبِّتْ قَلبِي عَلى دِينِكَ"»(1).
وعَنْ زُرَارَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّ للغُلامِ غَيْبَةً قَبْل أَنْ يَقُومَ»، قَال: قُلتُ: ولمَ، قَال: «يَخَافُ» وأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ ثُمَّ قَال: «يَا زُرَارَةُ وهُوَ المُنْتَظَرُ، وهُوَ الذِي يُشَكُّ فِيوِلادَتِهِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُول مَاتَ أَبُوهُ بِلا خَلفٍ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُول حَمْل، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُول إِنَّهُ وُلدَ قَبْل مَوْتِ أَبِيهِ بِسَنَتَيْنِ، وهُوَ المُنْتَظَرُ غَيْرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ فَعِنْدَ ذَلكَ يَرْتَابُ المُبْطِلونَ يَا زُرَارَةُ» قَال: قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْ ءٍ أَعْمَل، قَال: «يَا زُرَارَةُ إِذَا أَدْرَكْتَ هَذَا الزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: "اللهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اللهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولكَ فَإِنَّكَ
ص: 155
إِنْ لمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولكَ لمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَللتُ عَنْ دِينِي"»(1).
وقال (عليه السلام): «أَيُّهَا الخَلائِقُ اسْتَعِدُّوا للحِسَاب »(2).
وقال (صلى الله عليه وآله): «ثُمَّ اذْكُرُوا وُقُوفَكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ جَل جَلالهُ، فَإِنَّهُ الحَكَمُ العَدْل، واسْتَعِدُّوا لجَوَابِهِ إِذَا سَأَلكُمْ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ سَائِلكُمْ عَمَّا عَمِلتُمْ بِالثَّقَليْنِ مِنْ بَعْدِي كِتَابِ اللهِ وعِتْرَتِي» (3).وقال (عليه السلام): «وَاسْتَعِدُّوا للمَوْتِ فَقَدْ أَظَلكُمْ»(4).
مسألة: المولى ظاهر في معناه العرفي المتبادر، وهو من له الولاية بنحو ما، واستعماله في الصديق والنصير وغيرهما مجاز بعلاقة مصححة، فلا تصح دعوى الاشتراك اللفظي.
ثم إن (المولى) بالمعنى العرفي المتبادر ذو درجات ومراتب، حقيقية واعتبارية، فالله تعالى مولى بالمعنى الحقيقي، وإليه تعود مولوية كل مولى، أما مولوية السيد لعبده فهي اعتبارية.
وأما كونهم (عليهم السلام) ومنهم الصديقة الزهراء (عليها السلام) موالي للبشر بل للخلق كله، فهو في أعلى درجات المولوية والسيادة الممكنة لمخلوق بإذن الله تعالى.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): «فَاعْلمُوا مَعَاشِرَ النَّاسِ أَنَّ اللهَ قَدْ نَصَبَهُ لكُمْ وَليّاً وإِمَاماً، مُفْتَرَضاً طَاعَتُهُ عَلى المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ وعَلى التَّابِعِينَ لهُمْ بِإِحْسَانٍ، وعَلى البَادِي والحَاضِرِ، وعَلى الأَعْجَمِيِّ والعَرَبِيِّ، والحُرِّ والمَمْلوكِ، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ، وعَلى الأَبْيَضِ والأَسْوَدِ، وعَلى كُل مُوَحِّدٍ، مَاضٍ حُكْمُهُ، جَائِزٍ قَوْلهُ، نَافِذٍ أَمْرُهُ، مَلعُونٌ مَنْ خَالفَهُ، مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ، مُؤْمِنٌ مَنْصَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لهُ ولمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وأَطَاعَ له»(1) .
ص: 157
مسألة: مولوية المعصومين (عليهم السلام) اعتبارية وتكوينية، بمعنى كونهم (صلوات الله عليهم) وسائط الفيض الإلهي، حيث ورد في الزيارة الجامعة: «وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم ينفّس الهم ويكشف الضر»(1).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «لوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ يَوْماً وَاحِداً بِلا إِمَامٍ مِنَّا لسَاخَتِ الأَرْضُ بِأَهْلهَا»(2).
مسألة: لا يجوز إنكار أن الصديقة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
قوله: «بيدها» يحتمل أنها (صلوات الله عليها) كانت تمسك بالصحيفة وتنظر إليها لساعات طويلة، بل لأيام وأسابيع، لكثرة ما فيها من العلوم والأخبار، والبركات والآثار، ولا مجال للعجب كيفوهي صحيفة سماوية بإعجاز إلهي، وما فعله البشر في هذا العصر من جمع معلومات كثيرة في أجهزة صغيرة أول دليل على الإمكان، وبه يدفع الاستغراب _ وإن كنا لسنا بحاجة له _ للإيمان بالإعجاز الغيبي، كما في بساط سليمان (عليه السلام) وطي الأرض وغيرهما.
ص: 158
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لعَليٍّ (عليه السلام): «يَا عَليُّ ثَلاثٌ أُقْسِمُ أَنَّهُنَّ حَقٌّ، إِنَّكَ والأَوْصِيَاءُ عُرَفَاءُ لا يُعْرَفُ اللهُ إِلا بِسَبِيل مَعْرِفَتِكُمْ، وعُرَفَاءُ لا يَدْخُل الجَنَّةَ إِلا مَنْ عَرَفَكُمْ وعَرَفْتُمُوهُ، وعُرَفَاءُ لا يَدْخُل النَّارَ إِلا مَنْ أَنْكَرَكُمْ وأَنْكَرْتُمُوهُ»(1).
مسألة: طلب ما تثبت به العقيدة أو ما يوجب تثبيت عقيدة الآخرين راجح بالمعنى الأعم، وفي هذا الحديث قال: (ناوليني لأنظر فيها).
عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ صَالحٍ الهَرَوِيِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ عَليَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام) يَقُول: «رَحِمَ اللهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا»، فَقُلتُ لهُ: وكَيْفَ يُحْيِي أَمْرَكُمْ؟قَال: «يَتَعَلمُ عُلومَنَا ويُعَلمُهَا النَّاسَ، فَإِنَّ النَّاسَ لوْ عَلمُوا مَحَاسِنَ كَلامِنَا لاتَّبَعُونَا»، قَال: قُلتُ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ فَقَدْ رُوِيَ لنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «مَنْ تَعَلمَ عِلماً ليُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يُبَاهِيَ بِهِ العُلمَاءَ أَوْ ليُقْبِل بِوُجُوهِ النَّاسِ إِليْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ»، فَقَال (عليه السلام): «صَدَقَ جَدِّي (عليه السلام)، أَفَتَدْرِي مَنِ السُّفَهَاءُ»، فَقُلتُ: لا يَا ابْنَ رَسُول اللهِ، قَال (عليه السلام): «هُمْ قُصَّاصُ مُخَالفِينَا، أَوَتَدْرِي مَنِ العُلمَاءُ»، فَقُلتُ: لا يَا ابْنَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَقَال: «هُمْ عُلمَاءُ آل مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) الذِينَ فَرَضَ اللهُ طَاعَتَهُمْ وأَوْجَبَ مَوَدَّتَهُمْ»، ثُمَّ قَال: «أَوتَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلهِ أَوْ ليُقْبِل بِوُجُوهِ النَّاسِ
ص: 159
إِليْهِ»، فَقُلتُ: لا، فَقَال (عليه السلام): «يَعْنِي واللهِ بِذَلكَ ادِّعَاءَ الإِمَامَةِ بِغَيْرِ حَقِّهَا ومَنْ فَعَل ذَلكَ فَهُوَ فِي النَّارِ»(1).
مسألة: يجب الوقوف عند ما حدّه الله تعالى، ولعل النهي عن مس الصحيفة،كان لأجل أن تلك الدرة البيضاء كانت من الجنة، وكان اللمس والنظر مما يخصهم (عليهم السلام)، فلم تجز له إلا النظر من ظاهرها، أي من خلف الغلاف أو ظهر الصحيفة إلى باطنها، وذلك أمر ممكن في الجسم الشفاف كالزجاج ونحوه.
قال تعالى: «والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وبَشِّرِ المُؤْمِنين»(2).
وقال سبحانه: «تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها ومَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالمُون»(3).
وقال عزوجل: «وَتِلكَ حُدُودُ اللهِ ومَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلمَ نَفْسَهُ لا تَدْري لعَل اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أَمْراً»(4).
ص: 160
مسألة: قد يستفاد من قوله: «أبو القاسم محمد» أن الأولى تقديم الكنية على الإسم.
مسألة: قد يستفاد من هذا الحديث رجحان تقديم الكنية والاسم على اللقب.
مسألة: من الراجح معرفة أسماء أمهات المعصومين (عليهم السلام).
مسألة: من الراجح معرفة الفوارق بين ألقاب المعصومين (عليهم السلام)، حيث قال: (الحسين بن علي التقي).
مسألة: من الراجح معرفة سلسلة نسب أمهات وآباء المعصومين (عليهم السلام).
مسألة: يحسين التعرف على مكارم أخلاق أمهات المعصومين (عليهم السلام) وفضائلهن.
مسألة: يستحب وربما وجب معرفة الجواب عن بعض الشبهات التي قد تثار حول أجداد بعض أمهات المعصومين (عليهم السلام).
مسألة: من الراجح التعرف على وجه اختصاص كل معصوم (عليه السلام) بلقب.مسألة: من الراجح التعرف على وجه كون أمهات بعض المعصومين (عليهم السلام) جواري.
ص: 161
مسألة: من الراجح التعرف على بلاد أمهات المعصومين (عليهم السلام) وكيفية نشأتهن فيها وطهرهن وعفافهن.
مسألة: من الراجح معرفة الوجه في تعدد أسماء أمهات المعصومين (عليهم السلام).
مسألة: يحسن التعرف على تعامل المعصومين (عليهم السلام) مع زوجاتهم وأمهات أولادهم.
مسألة: من الراجح معرفة حياة أمهات المعصومين بعد زواجهن من المعصوم (عليه السلام).
مسألة: يجوز استناداً إلى هذا الحديث تهنئة الرجال النساء بمولودهن، وكذلك العكس، بشرط رعاية الموازين الشرعية، مثل أن لا يكون بخضوع في القول، ولا تلذذ ولا ريبة، هذا مضافاً إلى عمومات التهنئة والتحية ونحوهما.
مسألة: يستحب ذكر نسب الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) حتى اسم الأمهات، وذلك لعدم الالتباس.
ص: 162
عن سهل بن سعد الأنصاري، قال: سألت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الأئمة (عليهم السلام)؟ فقالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام):
يا علي أنت الإمام والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى الحسين فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى موسى فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى محمد فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح اللهتعالى به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمة الحق وألسنة الصدق، منصور من
ص: 163
نصرهم، مخذول من خذلهم(1).
------------------------
مسألة: الظاهر من قول الصديقة (عليها السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول) تكرر صدور هذا القول من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وإلا لقالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو بدليل التأسي يدل على استحباب بيان ذلك مكرراً.
والفرق بين الإمام والخليفة قد يكون بلحاظ مادتي الكلمتين، فالإمام لوحظ باعتبار قيادة الأمة، والخليفة منسوباً لمن استخلفه أولاً، أي لمنشيء الاستخلاف، ثم للمستخلف عليهم، أي الناس ثانياً، وهناك فوارق أخرى بحسب المصطلح مذكورة في مظانها.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «والذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ وجَعَلنِي خَيْرَ البَرِيَّةِ إِنَّ وَصِيِّي لأَفْضَل الأَوْصِيَاءِ، وإِنَّهُ لحُجَّةُ اللهِ عَلى عِبَادِهِ وخَليفَتُهُ عَلى خَلقِهِ، ومِنْ وُلدِهِالأَئِمَّةُ الهُدَاةُ بَعْدِي بِهِمْ يَحْبِسُ اللهُ العَذَابَ عَنْ أَهْل الأَرْضِ، وبِهِمْ يمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ، وبِهِمْ يُمْسِكُ الجِبَال أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، وبِهِمْ يَسْقِي خَلقَهُ الغَيْثَ وبِهِمْ يُخْرِجُ النَّبَاتَ، أُولئِكَ أَوْليَاءُ اللهِ حَقّاً وخُلفَائِي صِدْقاً، عِدَّتُهُمْ عِدَّةُ الشُّهُورِ وهِيَ اثْنا عَشَرَ شَهْراً، وعِدَّتُهُمْ عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى بْنِ
ص: 164
عِمْرَانَ، ثُمَّ تَلا (عليه السلام) هَذِهِ الآيَةَ: «وَالسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ»(1)، ثُمَّ قَال: أَتَقْدِرُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ اللهَ يُقْسِمُ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ ويَعْنِي بِهِ السَّمَاءَ وبُرُوجَهَا، قُلتُ: يَا رَسُول اللهِ فَمَا ذَاكَ، قَال: «أَمَّا السَّمَاءُ فَأَنَا، وأَمَّا البُرُوجُ فَالأَئِمَّةُ بَعْدِي، أَوَّلهُمْ عَليٌّ وآخِرُهُمْ المَهْدِيُّ صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِمْ أَجْمَعِين» (2).
مسألة: أولوية الإمام (عليه السلام) بالمؤمنين من أنفسهم عامة لكل الأفراد دون استثناء.
مسألة: أولوية الإمام (عليه السلام) لا تخص الأفراد بما هم أفراد، بل تعمالجماعات بما هي جماعات كالعشائر والمنظمات والدول أيضاً.
مسألة: أولوية الإمام (عليه السلام) عامة لكل الأزمان.
مسألة: أولوية الإمام (عليه السلام) عامة لكل الحالات.
مسألة: أولوية الإمام (عليه السلام) عامة لكل الظروف الاجتماعية ولمختلف التقلبات.
مسألة: الظاهر أن وزان ودرجة أولوية الإمام (عليه السلام) بالمؤمنين هي نفس وزان ودرجة أولوية الرسول (صلى الله عليه وآله) بهم من حيث الآثار القانونية والشرعية.
ص: 165
مسألة: الظاهر من فاء التفريع أن الأولوية طولية وليست عرضية.
مسألة: أولوية الرسول والأئمة (عليه وعليهم السلام) بالمؤمنين هي بالجعل الإلهي، ومستندة إلى المصالح الواقعية، فإنهم أفضل وأكمل وأعقل وأحسن من يمكن أن تجعل له المولوية والأولوية.
مسألة: أولوية الإمام (عليه السلام) شاملة للكفار أيضاً، وذكر المؤمنين إنما هولكونهم الأقرب للاستجابة وللإطاعة، لا الحصر.
مسألة: الأولوية كأساس وقاعدة وحق، لا تستلزم إعمالها من الإمام (عليه السلام) فربما ترك إعمالها لمانع.
مسألة: الأولوية غير خاصة بدار الدنيا، بل هي شاملة لعالم الآخرة أيضاً، فإنهم سادات الدنيا والآخرة،
مسألة: ولاية المعصوم (عليه السلام) في زمن الغيبة كولايته في زمن الحضور.
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): إن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): «ألست أولى بكم من أنفسكم» أنه يملك طاعتهم، ولزم أن قوله (فمن كنت مولاه) إنما أراد به فمن كنت أملك طاعته فعلي (عليه السلام) يملك طاعته بقوله: فعلي مولاه) (1).
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَال : أَرَادَ رَسُول اللهِ (صلى
الله عليه وآله) أَنْ يُبَلغَ بِوَلايَةِ عَليٍّ (عليه السلام) فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى : «يا أَيُّهَا الرَّسُول بَلغْ ما أُنْزِل
ص: 166
إِليْكَ»(1) الآيَةَ، فَلمَّا كَانَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَليْهِ وقَال: «أَلسْتُ أَنِّي أَوْلى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ»، قَالوا: بَلى يَا رَسُول اللهِ، قَال: «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ، اللهُمَّ وَال مَنْ وَالاهُ وعَادِ مَنْ عَادَاه» (2).
مسألة: يجب الاعتقاد بالأئمة الاثني عشر كما عينهم الباري عزوجل ونص عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكرتهم الصديقة فاطمة (عليها السلام)، ويحرم القيام بما يسبب زعزعة هذا الاعتقاد الحق وزواله، كاستماع من لا حصانة له ولا معرفة إلى شبهات المشككين أو قراءته كتبهم المضلة.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، من أنكر واحداً منهم فقد أنكرني»(3).
وعن الإمام العَسْكَرِيَّ (عليه السلام): «كَأَنِّي بِكُمْ وقَدِ اخْتَلفْتُمْ بَعْدِي فِي الخَلفِ مِنِّي، أَلا إِنَّ المُقِرَّ بِالأَئِمَّةِ بَعْدَ رَسُول اللهِ المُنْكِرَ لوَلدِي كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ ورُسُلهِ ثُمَّ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لأَنَّ طَاعَةَ آخِرِنَا كَطَاعَةِ أَوَّلنَا، والمُنْكِرَ لآخِرِنَا كَالمُنْكِرِ لأَوَّلنَا»(4).
ص: 167
مسألة: يجب الاعتقاد بأن الإمام (عليه السلام) هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما يجب إعلام الآخرين بهذه الحقيقة أو تذكيرهم بها، وقد ذكرنا بعض ما يرتبط بولاية المعصوم (عليه السلام) في كتاب البيع.
عَنْ سُليْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلاليِّ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَال: قُلتُ لهُ: مَا أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ الرَّجُل ضَالاً.
قَال: «أَنْ لا يَعْرِفَ مَنْ أَمَرَ اللهُ بِطَاعَتِهِ وفَرَضَ وَلايَتَهُ وجَعَلهُ حُجَّتَهُ فِي أَرْضِهِ وشَاهِدَهُ عَلى خَلقِهِ»، قُلتُ: فَمَنْ هُمْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَال: «الذِينَ قَرَنَهُمُ اللهُ بِنَفْسِهِ ونَبِيِّهِ فَقَال: «يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُواالرَّسُول وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) قَال: فَقَبَّلتُ رَأْسَهُ وقُلتُ: أَوْضَحْتَ لي وفَرَّجْتَ عَنِّي وأَذْهَبْتَ كُل شَكٍّ كَانَ فِي قَلبِي(2).
وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ أَبِي العَلاءِ قَال: ذَكَرْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَوْلنَا فِي الأَوْصِيَاءِ إِنَّ طَاعَتَهُمْ مُفْتَرَضَةٌ، قَال: فَقَال: نَعَمْ هُمُ الذِينَ قَال اللهُ تَعَالى: «أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُول وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ»(3)، وهُمُ الذِينَ قَال اللهُ عَزَّوجَل : «إِنَّما وَليُّكُمُ اللهُ ورَسُولهُ والذِينَ آمَنُوا»(4)»(5).
ص: 168
مسألة: من الواجب نصرة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ومن الحرام خذلانهم، بالقول والعمل، وبالمال وماء الوجه وغير ذلك، فإن المنصور من نصرهم والمخذول من خذلهم.
لا يقال: إنا نرى كثيرين نصروهم وخُذلوا، أو خَذلوهم ولم يخُذلوا.
فإنه يقال: بينّا في موضع آخر أن الدنيا لا تنفك عن الآخرة، فهما كالشيء الواحد، فلا يكون المعيار في خذلانهم هذه الحياة الدنيا فقط، كما ذكرناه في كتاب (الآداب والسنن)، بل نسبة الدنيا إلى الآخرة نسبة ضئيلة جداً كقطرة في بحر لجي، أو حبة رمل واحدة في صحراء وسيعة، فالمنصور والمخذول يكون بلحاظ الجميع لا الدنيا فحسب، كما أن (العلم نور) بالنسبة إلى الجميع لا الدنيا فقط، فلا يقال كيف لا نجد تطبيقاً لأمثال ما في هذا الحديث في الدنيا، في موارد عديدة.
بالإضافة إلى أن هذه المذكورات وغيرها من المقتضيات لا العلل التامة، كغالب القوانين الطبية ونحوها، وعدم التخلف إنما يكون في العلل التامة، إلا في الإعجاز كعدم إحراق نار نمرود، وعدم قطع سكين إبراهيم (عليه الصلاةوالسلام)، إلى غيرها من المعاجز التي قد تكون خرقاً لقوانين الطبيعة(1).
ص: 169
مسألة: يستحب السؤال عن تفاصيل حياة المعصومين (عليهم السلام) وكناهم وألقابهم وأحوالهم، كما تستحب الكتابة عن كل ذلك، وتكون منه صناعة الأفلام الوثائقية ونظائرها التي تتطرق لذلك كله.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وجَل عِبَادَةٌ، وذِكْرِي عِبَادَةٌ، وذِكْرُ عَليٍّ عِبَادَةٌ، وذِكْرُ الأَئِمَّةِ مِنْ وُلدِهِ عِبَادَةٌ»(1).
مسألة: يستحب بيان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد صرح بأسماء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، وقد يجب بيان ذلك إذا توفقت معرفة الحق عليه، والروايات في هذا الباب كثيرة.
عن الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول لعَليٍّ (عليه السلام):
«أَنْتَ وَارِثُ عِلمِي ومَعْدِنُ حُكْمِي والإِمَامُ بَعْدِي، فَإِذَا اسْتُشْهِدْتَ فَابْنُكَ الحَسَنُ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ الحَسَنُ فَابْنُكَ الحُسَيْنُ،فَإِذَا اسْتُشْهِدَ الحُسَيْنُ فَعَليٌّ ابْنُهُ، يَتْلوهُ تِسْعَةٌ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ أَئِمَّةٌ أَطْهَارٌ، فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ فَمَا أَسَامِيهِمْ، قَال: عَليٌّ ومُحَمَّدٌ وجَعْفَرٌ ومُوسَى وعَليٌّ ومُحَمَّدٌ وعَليٌّ والحَسَنُ والمَهْدِيُّ، مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ يَمْلأُ اللهُ تَعَالى بِهِ الأَرْضَ قِسْطاً وعَدْلا كَمَا مُلئَتْ جَوْراً
ص: 170
وظُلماً»(1).
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَاليِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «قَال اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى: اسْتِكْمَال حُجَّتِي عَلى الأَشْقِيَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ تَرَكَ وَلايَةَ عَليٍّ والأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِكَ، فَإِنَّ فِيهِمْ سُنَّتَكَ وسُنَّةَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلكَ، وهُمْ خُزَّانُ عِلمِي مِنْ بَعْدِكَ، ثُمَّ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «لقَدْ أَنْبَأَنِي جَبْرَئِيل بِأَسْمَائِهِمْ وأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ»(2).
وعَنِ ابْنِ مُثَنًّى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَال : سَأَلتُهَا كَمْ خَليفَةً يَكُونُ لرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَالتْ: أَخْبَرَنِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَهُ اثْنَاعَشَرَ خَليفَةً، فَقُلتُ: لهَا مَنْ هُمْ؟ فَقَالتْ: أَسْمَاؤُهُمْ عِنْدِي مَكْتُوبَةٌ بِإِمْلاءِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَقُلتُ لهَا: فَاعْرِضِيهِ، فَأَبَت(3).
مسألة: يستحب ذكر أحوال الإمام القائم (عليه السلام) وأنه يفتح الله تعالى به مشارق الأرض ومغاربها بدون استثناء، ويملؤها قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجوراً.
كما أن في حكومته لا حدود مصطنعة جغرافية بل ستسقط هذه الحدود
ص: 171
المزيفة بين الدول كافة، كما تسقط الجوازات والجنسيات والهويات والبطاقات ونظائرها من بدع الغرب والشرق، فيسافر الإنسان بكامل حريته من مختلف بقاع الأرض إلى مكة والمدينة وإلى كربلاء والنجف وغيرها بدون أي حد أو قيد، ولا تأشيرة ولا ضريبة ولا رسوم ولا كمارك، فإن الضرائب المبتدعة سترفع كلها، وكذلك كافة الآصار والأغلال التي وضعتها الحكومات أو الأعراف الجاهلية على أعناق الناس.قال تعالى: «وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا»(1).
اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل نواظرنا بنظرة منا إليه.
مسألة: ينبغي التعرف على ملامح ومعالم حكومة الإمام المنتظر (عليه السلام) العالمية على الدنيا كلها، في اقتصاده وسياسته وأمنه ورفائه وعدله وإحسانه وشبه ذلك.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «إِنَّ ذَا القَرْنَيْنِ كَانَ عَبْداً صَالحاً جَعَلهُ اللهُ حُجَّةً عَلى عِبَادِهِ، فَدَعَا قَوْمَهُ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَل وَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَاهُ، فَضَرَبُوهُ عَلى قَرْنِهِ، فَغَابَ عَنْهُمْ زَمَاناً حَتَّى قِيل مَاتَ أَوْ هَلكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلكَ، ثُمَّ ظَهَرَ وَرَجَعَ إِلى قَوْمِهِ فَضَرَبُوهُ عَلى قَرْنِهِ الآخَرِ، أَلا
ص: 172
وَفِيكُمْ مَنْ هُوَ عَلى سُنَّتِهِ وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل مَكَّنَ لهُ فِي الأَرْضِ وَآتَاهُ مِنْ كُل شَيْ ءٍ سَبَباً وَبَلغَ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالىسَيُجْرِي سُنَّتَهُ فِي القَائِمِ مِنْ وُلدِي، وَيُبَلغُهُ شَرْقَ الأَرْضِ وَغَرْبَهَا حَتَّى لا يَبْقَى سَهْل وَلا مَوْضِعٌ مِنْ سَهْل وَلا جَبَل وَطِئَهُ ذُو القَرْنَيْنِ إِلا وَطِئَهُ، وَيُظْهِرُ اللهُ لهُ كُنُوزَ الأَرْضِ وَمَعَادِنَهَا وَيَنْصُرُهُ بِالرُّعْبِ، يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلا كَمَا مُلئَتْ جَوْراً وَ ظُلماً»(1).
وقال (عليه السلام): «وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا، يُسَهِّل اللهُ تَعَالى لهُ كُل عُسْرٍ، وَيُذَلل لهُ كُل صَعْبٍ، وَيُظْهِرُ لهُ كُنُوزَ الأَرْضِ، وَيُقَرِّبُ عَليْهِ كُل بَعِيدٍ، وَيُبِيرُ بِهِ كُل جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَيُهْلكُ عَلى يَدِهِ كُل شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، ذَلكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الإِمَاءِ الذِي تَخْفَى عَلى النَّاسِ وِلادَتُهُ وَلا يَحِل لهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ فَيَمْلأَ بِهِ الأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلا كَمَا مُلئَتْ جَوْراً وَ ظُلماً»(2).
مسألة: يجب الاعتقاد بأنهم (عليهم السلام) أئمة الحق وألسنة الصدق، والفرق بين الحق والصدق هو أن الحق بلحاظ الواقع والعين والثبوت والمطابَقية، والصدق بلحاظ الإثبات والمطابِقية.مسألة: يجب الاعتقاد بأنهم (عليهم السلام) أئمة الحق بقول مطلق، وألسنة الصدق كذلك بلا استثناء، فهم أئمة الحق في العقيدة والشريعة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة والأخلاق والآداب وما يرتبط بالدنيا
ص: 173
والآخرة.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «سَتَكُونُ مِنْ بَعْدِي فِتْنَةٌ، فَإِذَا كَانَ كَذَلكَ فَالزَمُوا عَليَّ بْنَ أَبِي طَالبٍ فَإِنَّهُ الفَارُوقُ بَيْنَ الحَقِ والبَاطِل »(1).
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) يَقُول لعَليٍّ (عليه السلام): «أَنْتَ أَوَّل مَنْ آمَنَ بِي وصَدَّقَنِي، وأَنْتَ أَوَّل مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ القِيَامَةِ، وأَنْتَ الصِّدِّيقُ الأَكْبَرُ، وأَنْتَ الفَارُوقُ بَيْنَ الحَقِ والبَاطِل ، وأَنْتَ يَعْسُوبُ المُؤْمِنِينَ، والمَال يَعْسُوبُ الظَّلمَة »(2).
وعَنْ هِشَامٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول، وسَأَلهُ سَلمَانُ عَنِ الأَئِمَّةِ (عليهم السلام)، قَال: «الأَئِمَّةُ بَعْدِي عَدَدَ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيل، تِسْعَةٌ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ، ومِنَّا مَهْدِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَلا إِنَّهُمْ مَعَ الحَقِ والحَقُّ مَعَهُمْ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلفُونِّي فِيهِمْ »(3).
ص: 174
عن أبي ذر (رضوان الله عليه)، قال سمعت فاطمة (عليها السلام) تقول: سألت أبي (صلى الله عليه وآله) عن قول الله تبارك وتعالى: «وَعَلى الأَعْرَافِ رِجَال يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ»(1)، قال (صلى الله عليه وآله): «هم الأئمة بعدي: علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين (عليهم السلام)، هم رجال الأعراف، لا يدخل الجنة إلاّ من يعرفهم ويعرفونه، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وينكرونه، لا يعرف الله تعالى إلاّ بسبيل معرفتهم»(2).
--------------------------
هنا مطالب عديدة عن الأعراف:
* المطلب الأول: إن الأعراف هي مواضع مرتفعة كالتلال بين الجنة والنار، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الأَعْرَافُ كُثْبَانٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالرِّجَال الأَئِمَّةُ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِمْ) يَقِفُونَ عَلى الأَعْرَافِ مَعَ شِيعَتِهِمْ، وَقَدْ سَبَقَ
ص: 175
المُؤْمِنُونَ إِلى الجَنَّةِ بِلا حِسَابٍ، فَيَقُولالأَئِمَّةُ لشِيعَتِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ: انْظُرُوا إِلى إِخْوَانِكُمْ فِي الجَنَّةِ قَدْ سَبَقُوا إِليْهَا بِلا حِسَابٍ، وَهُوَ قَوْل اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «سَلامٌ عَليْكُمْ لمْ يَدْخُلوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ»(1)، ثُمَّ يُقَال لهُمْ: انْظُرُوا إِلى أَعْدَائِكُمْ فِي النَّارِ، وَهُوَ قَوْلهُ: «وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالوا رَبَّنا لا تَجْعَلنا مَعَ القَوْمِ الظَّالمِينَ * وَنادى أَصْحابُ الأَعْرافِ رِجالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ» في النار «قالوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ» في الدنيا «وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ»(2)، ثُمَّ يَقُول لمَنْ فِي النَّارِ مِنْ أَعْدَائِهِمْ هَؤُلاءِ شِيعَتِي وَإِخْوَانِيَ الذِينَ كُنْتُمْ أَنْتُمْ تَحْلفُونَ فِي الدُّنْيَا أَنْ «لا يَنالهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ»(3)، ثُمَّ يَقُول الأَئِمَّةُ (عليهم السلام) لشِيعَتِهِمْ: «ادْخُلوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَليْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ»(4)، ثُمَّ «نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَليْنا مِنَ الماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ»(5) »(6).
* المطلب الثاني: إن اشتقاق الأعراف إما من المعرفة، أو من العَرفبمعنى المكان العالي المرتفع.
فالأول: لأن الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) هم أكمل العارفين، وهم
ص: 176
المعرّفون إلى الله والأدلاء عليه في العوالم السابقة وفي هذا العالم، وفي العوالم اللاحقة أيضاً.
فسميت الأعراف بالأعراف لأنها تحملهم (عليهم السلام) لفترة من الزمن، أو لأنها المحل الذي يقفون فيه ليتعرفوا على أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ويعرفونهم، فالعلاقة المصححة للتجوز هي علاقة الحال والمحل.
والثاني: لارتفاع منزلتهم ومقامهم (عليهم السلام)، فكالسابق من حيث العلاقة المصححة.
هذا وجه، والوجه الآخر أنها سميت الأعراف لارتفاعها حساً في صحراء المحشر فلا تجوّز.
* المطلب الثالث: إن رجال الأعراف هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) كما دلت عليه هذه الرواية عن الصديقة (صلوات الله عليها)، وروايات أخرى عديدة:
عَنْ سَلمَانَ، قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول لعَليٍّ (عليه السلام) أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ: «يَا عَليُّ إِنَّكَ وَالأَوْصِيَاءُ مِنْ بَعْدِكَ أَعْرَافٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، لا يَدْخُل الجَنَّةَ إِلا مَنْ عَرَفَكُمْ وَعَرَفْتُمُوهُ، وَلا يَدْخُلالنَّارَ إِلا مَنْ أَنْكَرَكُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ»(1).
وفي بصائر الدرجات: عَنْ بُرَيْدٍ العِجْليِّ قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ: «وَعَلى الأَعْرافِ رِجال يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ»(2)، قَال: أُنْزِلتْ
ص: 177
فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَالرِّجَال هُمُ الأَئِمَّةُ مِنْ آل مُحَمَّدٍ، قُلتُ: فَمَا الأَعْرَافُ، قَال: صِرَاطٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَمَنْ شُفِّعَ لهُ الأَئِمَّةُ مِنَّا مِنَ المُؤْمِنِينَ المُذْنِبِينَ نَجَا، وَمَنْ لمْ يُشَفَّعُوا لهُ هَوَى»(1).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل: «وَعَلى الأَعْرافِ رِجال يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ»(2)، قَال: «نَحْنُ أُولئِكَ الرِّجَال، الأَئِمَّةُ مِنَّا يَعْرِفُونَ مَنْ يَدْخُل النَّارَ وَمَنْ يَدْخُل الجَنَّةَ، كَمَا تَعْرِفُونَ فِي قَبَائِلكُمْ الرَّجُل مِنْكُمْ يَعْرِفُ مَنْ فِيهَا مِنْ صَالحٍ أَوْ طَالحٍ»(3).وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَإِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل: «وَعَلى الأَعْرافِ رِجال يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ»، قَال: «هُمُ الأَئِمَّةُ»(4).
المطلب الرابع: أن أصحاب الأعراف هم غير رجال الأعراف، ففي تفسير القمي وبصائر الدرجات عن الباقر ع أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال ....
وفي الكافي: ....
وفي العياشي ....
انقل عن الصافي ج2 ص 18 الطبعة التي في 3 مجلدات.
وفي البصائر، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل: «وَعَلى الأَعْرافِ رِجال يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ»(5)، قَال: «الأَئِمَّةُ مِنَّا أَهْل البَيْتِ فِي بَابٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ عَلى سُورِ الجَنَّةِ يَعْرِفُ كُل إِمَامٍ مِنَّا مَا
ص: 178
يَليهِ»(1).
وعَنْ سَعْدٍ الإِسْكَافِ قَال: قُلتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه
السلام) قَوْلهُ عَزَّ وَ جَل: «وَعَلى الأَعْرافِ رِجال يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ»(2)، فَقَال: يَا سَعْدُ إِنَّهَا أَعْرَافٌ لا يَدْخُل الجَنَّةَ إِلا مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَأَعْرَافٌ لا يَدْخُل النَّارَ إِلا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ، وَأَعْرَافٌ لا يُعْرَفُ اللهُ إِلا بِسَبِيل مَعْرِفَتِهِمْ، فَلا سَوَاءَ مَا اعْتَصَمَتْ بِهِ المُعْتَصِمَةُ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ النَّاسِ، ذَهَبَالنَّاسُ إِلى عَيْنٍ كَدِرَةٍ يَفْرَغُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَمَنْ أَتَى آل مُحَمَّدٍ أَتَى عَيْناً صَافِيَةً تَجْرِي بِعِلمِ اللهِ ليْسَ لهَا نَفَادٌ وَلا انْقِطَاعٌ، ذَلكَ بِأَنَّ اللهَ لوْ شَاءَ لأَرَاهُمْ شَخْصَهُ حَتَّى يَأْتُوهُ مِنْ بَابِهِ، لكِنْ جَعَل اللهُ مُحَمَّداً وَآل مُحَمَّدٍ الأَبْوَابَ التِي يُؤْتَى مِنْهَا، وَذَلكَ قَوْلهُ: «وَليْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها»(3) »(4).
ص: 179
مسألة: يستحب بيان أن على الأعراف الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لأجل فرز المؤمنين من غيرهم، وغير ذلك مما سبق.
وهناك من في الأعراف أي سكنتها، فقيل: إنهم صلحاء الجن، وقيل: إنهم أقوام يكونون في الدرجة السافلة من أهل الثواب، وقيل: إنهم أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وقيل: إنهم قوم خرجوا إلى الغزو بغير إذن إمامهم، وقيل: إنهم مساكين أهل الجنة، وقيل: إنهم الفساق من أهل الصلاة.
أما فسدة الجن فيدخلون النار كما يدخلها فسدة الإنس، ولعل مراتب الجن والإنس في النار أيضاً مختلفة بحسب اختلاف طبائعهم كاختلاف مراتب الصلحاء منهما جنةً وأعرافاً.
والظاهر أنه لا مانعة جمع بين الروايات، فإن الأعراف هو المكان الذي يقف عليه الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) مؤقتاً إلى أن يفروزا أهل الجنة والنار فيعطوا كتب أوليائهم بيمينهم وكتب أعدائهم بشمالهم، كما في الرواية، حيث يخاطب الأئمة (عليهم السلام)شيعتهم من أصحاب الذنوب، كما أنه المكان الذي يستقر فيه من تساوت حسناته وسيئاته إن لم تنله الشفاعة، كما أنه مكان صلحاء الجن وهكذا.
قال الصادق (عليه السلام) : «كُل أُمَّةٍ يُحَاسِبَهَا إِمَامُ زَمَانِهَا، ويَعْرِفُ الأَئِمَّةُ أَوْليَاءَهُمْ وأَعْدَاءَهُمْ بِسِيمَاهُمْ، وهُوَ قَوْلهُ تَعَالى: «وَ عَلى الأَعْرافِ
ص: 180
رِجال»(1) وهُمُ الأَئِمَّةُ «يَعْرِفُونَ كُلاٌ بِسِيماهُمْ» فَيُعْطُونَ أَوْليَاءَهُمْ كِتَابَهُمْ بِيَمِينِهِمْ، فَيَمُرُّونَ إِلى الجَنَّةِ بِلا حِسَابٍ، ويُعْطُونَ أَعْدَاءَهُمْ كِتَابَهُمْ بِشِمَالهِمْ فَيَمُرُّونَ إِلى النَّارِ بِلا حِسَاب، ٍفَإِذَا نَظَرَ أَوْليَاؤُهُمْ فِي كِتَابِهِمْ يَقُولونَ لإِخْوَانِهِمْ «هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَة»(2)»(3).
ثم إنه لا يخفى أن سكنة الأعراف ممن تساوت حسناته وسئاته ومن صلحاء الجن، وإن أحسوا بكونهم أنزل من أهل الجنة ابتداءً، لكن لعل هذا الحس لا يستمر حتى يوجب تنغّص عيشهم، كما أن الأمر كذلك بالنسبة إلى درجات أهل الجنة، فإن هناك من هو أعلى مرتبة من الآخرين، لكن لا يحس الآخرون عنداستقرارهم بنقص وكآبة وبُئس فإنها دار السلام بكل معنى الكلمة، قال تعالى: «لهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِ»(4).
ولا محذور في إحساس أهل النار باختلاف المراتب، لأنها دار هوان، والإحساس المذكر لا ينافي الهوان المبتلى به أهل النار، كما هو واضح.
قال تعالى: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعين * لها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لكُل بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُوم»(5).
ص: 181
وعَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «فِي الجَنَّةِ ثَلاثُ دَرَجَاتٍ، وَفِي النَّارِ ثَلاثُ دَرَكَاتٍ، فَأَعْلى دَرَجَاتِ الجَنَّةِ لمَنْ أَحَبَّنَا بِقَلبِهِ وَنَصَرَنَا بِلسَانِهِ وَيَدِهِ، وَفِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ أَحَبَّنَا بِقَلبِهِ وَنَصَرَنَا بِلسَانِهِ، وَفِي الدَّرَجَةِ الثَّالثَةِ مَنْ أَحَبَّنَا بِقَلبِهِ، وَفِي أَسْفَل دَرْكٍ مِنَ النَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلبِهِ، وَأَعَانَ عَليْنَا بِلسَانِهِ وَيَدِهِ، وَفِي الدَّرْكِ الثَّانِيَةِ مِنَ النَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلبِهِ وَأَعَانَ عَليْنَا بِلسَانِهِ، وَفِي الدَّرْكِ الثَّالثَةِ مِنَ النَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلبِهِ»(1).
مسألة: يستحب السؤال عن تفسير الآيات الشريفة، كما يستحب السؤال عن تأويلها، كما سألت الصديقة (عليها السلام) عنها، ويجب ذلك وجوباً كفائياً إذا خيف اندثارها، كما يجب وجوباً عينياً لمن ابتلي بحكم تكليفي منها.
قال تعالى: «فَسْئَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُون * بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ وأَنْزَلنا إِليْكَ الذِّكْرَ لتُبَيِّنَ للنَّاسِ ما نُزِّل إِليْهِمْ ولعَلهُمْ يَتَفَكَّرُون»(2).
وعَنْ سَلمَةَ بْنِ مُحْرِزٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول : «إِنَّ مِنْ عِلمِ مَا أُوتِينَا: تَفْسِيرَ القُرْآنِ وأَحْكَامَهُ وعِلمَ تَغْيِيرِ الزَّمَانِ وحَدَثَانِهِ» (3).
وعن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شي ء في تفسير القرآن
ص: 182
فأجابني، ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال (عليه
السلام) لي: يا جابر إن للقرآن بطناً، وللبطن ظهراً، يا جابر وليس شي ء أبعد من عقول الرجالمن تفسير القرآن، إن الآية لتكون أولها في شي ء وآخرها في شي ء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه»(1).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أَنَا واللهِ أَعْلمُ بِالتَّوْرَاةِ مِنْ أَهْل التَّوْرَاةِ، وأَعْلمُ بِالإِنْجِيل مِنْ أَهْل الإِنْجِيل، وأَعْلمُ بِالقُرْآنِ مِنْ أَهْل القُرْآن»(2).
مسألة: يجب وجوباً كفائياً أن يتخصص من به الكفاية والكفاءة بتفسير القرآن الكريم تفسيراً يفي بمتطلبات كل عصر ومصر.
قال تعالى: «وَنَزَّلنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لكُل شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى للمُسْلمين»(3).
وعَنِ الزُّهْرِيِّ قَال: سَمِعْتُ عَليَّ بْنَ الحُسَيْنِ (عليه
السلام) يَقُول : «آيَاتُ القُرْآنِ خَزَائِنُ فَكُلمَا فَتَحْتَ خِزَانَةً يَنْبَغِي لكَ أَنْتَنْظُرَ مَا فِيهَا»(4).
ص: 183
مسألة: لا يجوز تفسير القرآن بالرأي، بل يجب أن يرجع الإنسان في تفسير القرآن إلى المعصوم (عليه السلام) كما سألت الصديقة (عليها السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك منها تعليماً وإتماماً للحجة على الناس كي يتأسوا بها.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «مَنْ فَسَّرَ القُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَقَدِ افْتَرَى عَلى اللهِ الكَذِب »(1).
وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ فَسَّرَ القُرْآنَ بِرَأْيِهِ إِنْ أَصَابَ لمْ يُؤْجَرْ وإِنْ أَخْطَأَ خَرَّ أَبْعَدَ مِنَ السَّمَاءِ»(2).
وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «مَنْ فَسَّرَ القُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ الحَقَّ فَقَدْ أَخْطَأَ»(3).وقَال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «سَلونِي عَنِ القُرْآنِ ، فَإِنَّ فِي القُرْآنِ بَيَانَ كُل شَيْ ءٍ وفِيهِ عِلمُ الأَوَّلينَ والآخِرِينَ، وإِنَّ القُرْآنَ لمْ يَدَعْ لقَائِل مَقَالا، «وَما يَعْلمُ تَأْوِيلهُ إِلا اللهُ والرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ»(4)، ليْسُوا بِوَاحِدٍ، رَسُول اللهِ مِنْهُمْ،
ص: 184
أَعْلمَهُ اللهُ إِيَّاهُ فَعَلمَنِيهِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، ثُمَّ لا يَزَال فِي عَقِبِنَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ»(1).
مسألة: يستحب بيان أن هذه الآية التي وردت في الحديث الشريف، نزلت في شأن أهل البيت (عليهم السلام) وبيان فضلهم، إضافة إلى شمولها للأنبياء (عليهم السلام)، ويجب ذلك إن توقف إحقاق الحق عليه.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ الرَّجُل ليَتَكَلمُ بِالكَلمَةِ فَيَكْتُبُ اللهُ بِهَا إِيمَاناً فِي قَلبِ آخَرَ فَيَغْفِرُ لهُمَاجَمِيعاً»(2).
وقَال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لا تُمْسِكْ عَنْ إِظْهَارِ الحَقِ إِذَا وَجَدْتَ لهُ أَهْلا»(3).
مسألة: يجب على الإنسان أن يعرف أهل البيت (عليهم السلام)، الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) واحداً واحداً وبأسمائهم، وقد سبق أن أهل البيت يشمل رب البيت أيضاً.
ثم إن للمعرفة درجات، فينبغي أن يزداد الإنسان معرفة بهم (عليهم السلام)
ص: 185
يوماً بعد يوم، أكثر فأكثر، فإنه كلما ازداد معرفةً بهم ازداد حباً لهم وازداد قرباً منهم وازداد عملاً بأقوالهم واتباعاً لتعاليمهم.
ومن طرق زيادة المعرفة بهم قراءة أقوالهم وأحاديثهم والتدبر فيها، وملاحظة أحوالهم والتأمل فيها، والتضرع إلى الله تعالى ليزيدنا بهم معرفة ولهم اتباعاً.عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لا يَسَعُ النَّاسَ حَتَّى يَسْأَلوا ويَتَفَقَّهُوا ويَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ، ويَسَعُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِمَا يَقُول وإِنْ كَانَ تَقِيَّةً»(1).
وعَنْ جَابِرٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول : «إِنَّمَا يَعْرِفُ اللهَ عَزَّ وجَل ويَعْبُدُهُ مَنْ عَرَفَ اللهَ وعَرَفَ إِمَامَهُ مِنَّا أَهْل البَيْتِ، ومَنْ لا يَعْرِفِ اللهَ عَزَّ وجَل ولا يَعْرِفِ الإِمَامَ مِنَّا أَهْل البَيْتِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُ ويَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ هَكَذَا واللهِ ضَلالا»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال : «خَرَجَ الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام) عَلى أَصْحَابِهِ فَقَال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ جَل ذِكْرُهُ مَا خَلقَ العِبَادَ إِلا ليَعْرِفُوهُ، فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، فَإِذَا عَبَدُوهُ اسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاهُ، فَقَال لهُ رَجُل: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي فَمَا مَعْرِفَةُ اللهِ؟ قَال: مَعْرِفَةُ أَهْل كُل زَمَانٍ إِمَامَهُمُ الذِي يَجِبُ عَليْهِمْ طَاعَتُه» (3).
ص: 186
مسألة: يستحب بيان أنه لا يدخل الجنة إلاّ من يعرفهم ويعرفونه (صلوات الله عليهم)، وقد يجب ذلك، والمراد بمن يعرفونه أي يعرفونه بالإيمان والتشيع، فمن لم يعرفوه بذلك دل على أنه ليس كذلك، لمطابقة قطعهم للواقع دون شك.
عَنِ المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الصِّرَاطِ، فَقَال: هُوَ الطَّرِيقُ إِلى مَعْرِفَةِ اللهِ عَزَّ وجَل، وهُمَا صِرَاطَانِ صِرَاطٌ فِي الدُّنْيَا وصِرَاطٌ فِي الآخِرَةِ، وأَمَّا الصِّرَاطُ الذِي فِي الدُّنْيَا فَهُوَ الإِمَامُ المُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ، مَنْ عَرَفَهُ فِي الدُّنْيَا واقْتَدَى بِهُدَاهُ مَرَّ عَلى الصِّرَاطِ الذِي هُوَ جِسْرُ جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ، ومَنْ لمْ يَعْرِفْهُ فِي الدُّنْيَا زَلتْ قَدَمُهُ عَنِ الصِّرَاطِ فِي الآخِرَةِ فَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ»(1).
مسألة: يحرم إنكار أي واحد من أهل البيت (عليهم السلام) وقد سبق.
وفي الحديث: «لا يَدْخُل النَّارَ إِلا مَنْأَنْكَرَكُمْ وأَنْكَرْتُمُوهُ»(2).
وقال (عليه السلام) في حديث: «لأَنَّ طَاعَةَ آخِرِنَا كَطَاعَةِ أَوَّلنَا، والمُنْكِرَ
ص: 187
لآِخِرِنَا كَالمُنْكِرِ لأَوَّلنَا»(1).
وعَنْ أَبِي سَلمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَال: سَمِعْتُهُ يَقُول : «نَحْنُ الذِينَ فَرَضَ اللهُ طَاعَتَنَا، لا يَسَعُ النَّاسَ إِلا مَعْرِفَتُنَا، ولا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالتِنَا، مَنْ عَرَفَنَا كَانَ مُؤْمِناً، ومَنْ أَنْكَرَنَا كَانَ كَافِراً، ومَنْ لمْ يَعْرِفْنَا ولمْ يُنْكِرْنَا كَانَ ضَالا حَتَّى يَرْجِعَ إِلى الهُدَى الذِي افْتَرَضَ اللهُ عَليْهِ مِنْ طَاعَتِنَا الوَاجِبَةِ، فَإِنْ يَمُتْ عَلى ضَلالتِهِ يَفْعَل اللهُ بِهِ مَا يَشَاءُ»(2).
مسألة: يستحب بيان أنه لا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وينكرونه (عليهم السلام)،ويلزم الاعتقاد بذلك.
وهذه الرواية دليل على أن السبيل إلى الله واحدة، وأن الصراط المستقيم واحد، وأن ما عداه باطل وضلال، وأن القول بالصراطات المستقيمة المتعددة وأن كلها تؤدي إلى الله حتى الأهواء وما أشبه فهو باطل وضلال، بل هو خلاف نص القرآن الكريم، حيث قال تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَليْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَليْهِمْ وَلاَ الضَّالينَ»(3).
كما أنه من الأدلة على ذلك روايات أن فرقة واحدة هي الناجية والباقي في
ص: 188
النار.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يَا أَبَا الحَسَنِ إِنَّ أُمَّةَ مُوسَى (عليه السلام) افْتَرَقَتْ إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ وَالبَاقُونَ فِي النَّارِ، وَإِنَّ أُمَّةَ عِيسَى (عليه السلام) افْتَرَقَتِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ وَالبَاقُونَ فِي النَّارِ، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ وَالبَاقُونَ فِي النَّارِ. فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ وَمَا النَّاجِيَةُ، فَقَال: المُتَمَسِّكُ بِمَا أَنْتَ عَليْهِ وَأَصْحَابُك »(1).وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً مِنْهَا فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ وَالبَاقُونَ هَالكُونَ، فَالنَّاجُونَ الذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِوَلايَتِكُمْ وَيَقْتَبِسُونَ مِنْ عِلمِكُمْ وَلا يَعْمَلونَ بِرَأْيِهِمْ، فَأُولئِكَ مَا عَليْهِمْ مِنْ سَبِيل، فَسَأَلتُ عَنِ الأَئِمَّةِ، فَقَال: عَدَدَ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيل»(2).
مسألة: يستحب بيان أنه لا يُعرف الله إلاّ عن طريق معرفتهم (عليهم السلام)، وهذا هو العرفان الحقيقي، وقد وردت بذلك روايات عديدة بل كثيرة.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لعَليٍّ (عليه السلام): «يَا عَليُّ، ثَلاثٌ أُقْسِمُ أَنَّهُنَّ حَقٌّ، إِنَّكَ والأَوْصِيَاءُ عُرَفَاءُ لا يُعْرَفُ اللهُ إِلا بِسَبِيل مَعْرِفَتِكُمْ، وعُرَفَاءُ لا يَدْخُل الجَنَّةَ إِلا مَنْ عَرَفَكُمْ وعَرَفْتُمُوهُ، وعُرَفَاءُ لا
ص: 189
يَدْخُل النَّارَ إِلا مَنْ أَنْكَرَكُمْ وأَنْكَرْتُمُوهُ»(1).وقال الصادق (عليه السلام): «يَا يُونُسُ إِنْ أَرَدْتَ العِلمَ الصَّحِيحَ فَعِنْدَنَا أَهْل البَيْتِ، فَإِنَّا وَرِثْنَا وَأُوتِينَا شَرْعَ الحِكْمَةِ وَفَصْل الخِطَابِ»، فَقُلتُ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ كُل مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل البَيْتِ وَرِثَ مَا وَرِثْتَ مَنْ كَانَ مِنْ وُلدِ عَليٍّ وَفَاطِمَةَ (عليهما السلام)، فَقَال: «مَا وَرِثَهُ إِلا الأَئِمَّةُ الاثْنَا عَشَرَ»(2).
وقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) لسَلمَةَ بْنِ كُهَيْل وَالحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: «شَرِّقَا وَغَرِّبَا فَلا تَجِدَانِ عِلماً صَحِيحاً إِلا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا أَهْل البَيْتِ»(3).
وعَنْ أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل: «وَمَنْ أَضَل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ»(4)، قَال: «يَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ رَأْيَهُ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الهُدَى»(5)
وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِيحَدِيثٍ: «أَمَا إِنَّهُ شَرٌّ عَليْكُمْ أَنْ تَقُولوا بِشَيْ ءٍ مَا لمْ تَسْمَعُوهُ مِنَّا»(6).
ص: 190
وفي نهج البلاغة: «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، وَالأَعْلامُ قَائِمَةٌ وَالآيَاتُ وَاضِحَةٌ وَالمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ وَكَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَهُمْ أَزِمَّةُ الحَقِّ وَأَعْلامُ الدِّينِ وَأَلسِنَةُ الصِّدْقِ، فَأَنْزِلوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِل القُرْآنِ وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الهِيمِ العِطَاش»(1).
وفي الزيارة الجامعة: «أَنْتُمُ الصِّرَاطُ الأَقْوَمُ ... مَنْ أَتَاكُمْ نَجَا وَمَنْ لمْ يَأْتِكُمْ هَلكَ، إِلى اللهِ تَدْعُونَ وَعَليْهِ تَدُلونَ ... وَإِلى سَبِيلهِ تُرْشِدُونَ، وَبِقَوْلهِ تَحْكُمُونَ، سَعِدَ مَنْ وَالاكُمْ، وَهَلكَ مَنْ عَادَاكُمْ، وَخَابَ مَنْ جَحَدَكُمْ، وَضَل مَنْ فَارَقَكُمْ، وَفَازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ، وَأَمِنَ مَنْ لجَأَ إِليْكُمْ، وَسَلمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ، وَهُدِيَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ»(2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَنَحْنُ الأَعْرَافُ الذِي لا يُعْرَفُ اللهُ عَزَّ وَ جَل إِلا بِسَبِيل مَعْرِفَتِنَا، وَنَحْنُ الأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا اللهُ عَزَّ وَ جَل يَوْمَ القِيَامَةِ عَلىالصِّرَاطِ فَلا يَدْخُل الجَنَّةَ إِلا مَنْ عَرَفَنَا وَعَرَفْنَاهُ، وَلا يَدْخُل النَّارَ إِلا مَنْ أَنْكَرَنَا وَأَنْكَرْنَاهُ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى لوْ شَاءَ لعَرَّفَ العِبَادَ نَفْسَهُ، وَلكِنْ جَعَلنَا أَبْوَابَهُ وَصِرَاطَهُ وَسَبِيلهُ وَالوَجْهَ الذِي يُؤْتَى مِنْهُ، فَمَنْ عَدَل عَنْ وَلايَتِنَا أَوْ فَضَّل عَليْنَا غَيْرَنَا فَإِنَّهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ لنَاكِبُونَ، فَلا سَوَاءٌ مَنِ اعْتَصَمَ النَّاسُ بِهِ وَلا سَوَاءٌ حَيْثُ ذَهَبَ النَّاسُ إِلى عُيُونٍ كَدِرَةٍ يَفْرَغُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِليْنَا إِلى عُيُونٍ صَافِيَةٍ تَجْرِي بِأَمْرِ رَبِّهَا لا نَفَادَ لهَا وَلا انْقِطَاعَ»(3).
وغيرها كثير.
ص: 191
أما ما يدعيه أو يزعمه البعض ممن يسمي نفسه بالعارف، أو يسمونه به، فهو لا يسلك بالإنسان إلاّ إلى ما لا يرضي الله عزوجل، والتفصيل في المفصلات(1).
عَنِ الوَشَّاءِ قَال: سَأَلتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ تَعَالى: «وَعَلاماتٍ وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(2) قَال: «نَحْنُ العَلامَاتُ، والنَّجْمُرَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله»(3).
ص: 192
عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم، وبين يديها لوح يكاد يغشي ضوؤه الأبصار، فيه ثلاثة أسماء في ظاهره، وثلاثة أسماء في باطنه، وثلاثة أسماء في أحد طرفيه، وثلاثة أسماء في الطرف الآخر، يرى من ظاهره ما في باطنه، ويرى من باطنه ما في ظاهره، فعددت الأسماء فإذا هي اثنا عشر، فقلت: من هؤلاء؟
فقالت (عليها السلام): «هذه أسماء الأوصياء من ولدي، آخرهم القائم».
قال جابر: فرأيت فيها محمداً في ثلاثة مواضع(1)،
وعلياً وعلياً وعلياً وعلياً في أربعة مواضع(2)،(3).
----------------------------
ص: 193
مسألة: يستحب النظر إلى اللوح الذي يشتمل على الأسماء المباركة للأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وكذا الكتاب المشتمل على أحوالهم وسيرتهم (صلوات الله عليهم).
كما يستحب تزيين مطلق الكتب والألواح بتلك الأسماء الطاهرة بما يقتضيه المقام.
كما يستحب النظر إليهم (صلوات الله عليهم).
عَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: «النَّظَرُ إِلى ذُرِّيَّتِنَا عِبَادَةٌ»، قُلتُ: النَّظَرُ إِلى الأَئِمَّةِ مِنْكُمْ أَوِ النَّظَرُ إِلى ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، فَقَال: «بَل النَّظَرُ إِلى جَمِيعِ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) عِبَادَةٌ مَا لمْ يُفَارِقُوا مِنْهَاجَهُ ولمْ يَتَلوَّثُوا بِالمَعَاصِي»(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال:«النَّظَرُ إِلى آل مُحَمَّدٍ عِبَادَةٌ»(2).
مسألة: يستحب تسمية الأولاد باسم محمد وعلي وسائر أسماء أهل البيت (عليهم السلام)، وقد مر ذلك في بعض الأجزاء السابقة.
ص: 194
سبق احتمال أن تكون القضايا متعددة وأن جابر دخل على الصديقة الزهراء (عليها السلام) مراراً عديدة، وشاهد في كل مرة لوحاً يختلف عن نظائره في الخصوصيات ويشترك في الجامع.
ويمكن أن يكون اللوح واحداً، إلاّ أنه كانت له قابلية التلون والتشكل بألوان شتى، وكان يتضمن عبارات وجملاً متنوعة مختلفة، وذلك كألواح الإعلانات الكهربائية التي تختلف من لحظة إلى لحظة، وربما كان التغير حتى في جوهره وواقعه(1)، والعلم عند الله سبحانه.
وليس ذلك بالمستغرب من الإعجاز الإلهي، فإن البشر أمكنهم صنع أجهزة تتلون بضغطة زر أو تتشكل بأشكال بنوع بسيط من التصرف، كما وتتغير كتابتها بإشارة أو حركة أو إدخال رمز(2).
ويحتمل أن يكون لوحاً واحداً له وجهان أو عدة وجوه، وجه كذا، ووجه كما ذكر، وهكذا.
ص: 195
مسألة: ينبغي البحث في الروايات وغيرها عن فلسفة ووجه الظواهر الغيبية والمادية، ومنها ما في هذه الرواية من وجه التربيع وتصنيف الأسماء إلى أربعة مجموعات (ثلاثة أسماء ظاهرة ...) فإن ظهر الوجه فبها ونعمت، وإن احتمل وجه وجيه فيذكر كاحتمال، وإلا فيرد علمه إلى أهله (عليهم السلام).
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِيمَا أَوْصَى بِهِ الحَسَنَ (عليه السلام) : «لا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ فِي صَنْعَةِ اللهِ عَزَّ وجَل»(1).
وعَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلادٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) يَقُول : «ليْسَ العِبَادَةُ كَثْرَةَ الصَّلاةِ والصَّوْمِ، إِنَّمَا العِبَادَةُ التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِ اللهِ عَزَّ وجَل»(2).
ص: 196
عن جابر بن عبد الله، قال: (دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم (عليهم السلام)، ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي)(1).
------------------------
أقول: ومن المعلوم أن علياً من أولادها ثلاثة، إذ قيد في هذه الرواية ب (من ولدها)، أما الرواية السابقة فقد أطلق، فأولادها ممن سموا بعلي مضافاً إلى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعة، فلا تضارب بين الروايتين.
مسألة: يجوز الحضور والدخول على النساء حسب الموازين الشرعية، ومنها عدم الخلوة بالأجنبية، وعدم التكلم بغنج ودلال وخضوع في القول وعدم الريبة والافتتان.
ولعل في البيت كان بعض الأولاد أوالنساء(2)، وربما كان الباب مفتوحاً
ص: 197
إلى المسجد حيث إن باب بيت فاطمة (عليها الصلاة والسلام) كان يشرع إلى المسجد أيضاً، أو كان الباب مفتوحاً إلى الشارع، إذ كان لبيتها بابان باب إلى المسجد وآخر إلى الشارع، أو ما أشبه ذلك مما لا ينافي الأدلة العامة.
ويحتمل أنها (صلوات الله عليها) كان لها مجلس عام في أوقات محددة، أو كان لها مجلس يأذن فيه بالدخول عليها في مناسبات معينة، ولعل الأظهر أن ذلك كان لأيام منذ ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ أذن للناس أو لمجموعة منهم إذناً عاماً بزيارتها للتهنئة في ساعات محددة كل يوم، ولعل جابر دخل عليها مراراً في أيام أو في يوم، والله العالم بحقائق الأمور.
قد يسأل عن السبب في تحديد عدد الأئمة (عليهم السلام) بالاثني عشر؟
والجواب: الفائدة والسبب يكمن فيالمعدود أولاً، وأما العدد فهو منتزع منه، ولذا كان أوصياء الأنبياء اثني عشر، وكانت البروج اثنى عشر، وبذلك يظهر أن الخصوصية ذاتية في كل واحد منهم (صلوات الله عليهم)، إضافة إلى أن كلاً منهم كان له دور متميز متفرد به، وأنهم بمجموع تلك الأدوار وفّروا للعالمين الأسوة التامة والشاملة والكاملة لمختلف الظروف على سبيل البدل، مما لم تكن معه حاجة للأكثر بل كان لغواً.
هذا إضافة إلى ما ذكرناه في بعض كتبنا من خواص العدد نفسه.
قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) : «الليْل اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، والنَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، والشُّهُورُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، والأَئِمَّةُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً،
ص: 198
والنُّقَبَاءُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيباً، وإِنَّ عَليّاً سَاعَةٌ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وهُوَ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «بَل كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وأَعْتَدْنا لمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً»(1)»(2).
وعَنِ المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه
السلام) : مَا مَعْنَى قَوْل اللهِ عَزَّوجَل: «بَل كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وأَعْتَدْنا لمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً»(3)، قَال لي: «إِنَّ اللهَ خَلقَ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً، وجَعَل الليْل اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وجَعَل النَّهَارَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، ومِنَّا اثْنَيْ عَشَرَ مُحَدَّثاً، وكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِنْ تِلكَ السَّاعَاتِ »(4).
ص: 199
روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: قالت لي أُمي فاطمة (عليها السلام):
لما ولدتك دخل إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فناولتك إياه في خرقة صفراء، فرمى بها، وأخذ خرقة بيضاء لفّك فيها، وأذّن في أذنك الأيمن، وأقام في أذنك الأيسر، ثم قال: «يا فاطمة خذيه فإنه أبو الأئمة، تسعة من ولده أئمة أبرار والتاسع مهديهم»(1).
مسألة: ينبغي نقل كل ما فيه الفائدة من تاريخ الأولاد والأسرة للأبناء وسائر أفراد العائلة، وذلك لأنه نوع تربية وطريق إرشاد، كما أنه يوجب تماسك الأسرة وتحاببهم وتوادهم أكثر فأكثر.
كما نقلت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) في هذه الرواية لابنها الحسين(عليه السلام) بعض تاريخه حين ولادته.
ص: 200
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «وأَمَّا نَفَثَاتُهُ: فَأَنْ يَرَى أَحَدُكُمْ أَنَّ شَيْئاً بَعْدَ القُرْآنِ أَشْفَى لهُ مِنْ ذِكْرِنَا أَهْل البَيْتِ ومِنَ الصَّلاةِ عَليْنَا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل جَعَل ذِكْرَنَا أَهْل البَيْتِ شِفَاءً للصُّدُورِ، وجَعَل الصَّلوَاتِ عَليْنَا مَاحِيَةً للأَوْزَارِ والذُّنُوبِ، ومُطَهِّرَةً مِنَ العُيُوبِ ومُضَاعِفَةً للحَسَنَاتِ»(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «تَجْلسُونَ وتُحَدِّثُونَ» قَال: قُلتُ: نَعَمْ جُعِلتُ فِدَاكَ، قَال: قَال: «تِلكَ المَجَالسُ أُحِبُّهَا فَأَحْيُوا أَمْرَنَا، يَا فُضَيْل فَرَحِمَ اللهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا، يَا فُضَيْل مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِثْل جَنَاحِ الذُّبَابِ غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ ولوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ»(2).
مسألة: يستحب الأذان في أذن المولود اليمنى.
وقد ثبت علمياً أن ذهن المولود كالشريط، فكل شيء يلقى فيه يأخذهويعمل به في المستقبل تلقائياً لأنه يدخل في لا وعيه، كل ذلك على نحو المقتضي وليس العلة التامة.
مسألة: يستحب الإقامة في أذن المولود اليسرى.
وذلك تأسيا بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كما نقلته الصديقة الزهراء (عليها السلام) في هذه الرواية وفي غيرها أيضاً.
أما تخصيص الأذان باليمنى والإقامة باليسرى، فقد يكون لأن الأذان مقدّم
ص: 201
على الإقامة، والأيمن مقدّم على الأيسر، كما ورد في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يبدأ بالميامن في كل شيء(1).
مسألة: من الراجح أن يقرأ القرآن الكريم والأدعية الشرعية بالمقدارالمناسب في أذن المولود، ومنه تشغيل جهاز المسجلة في أوقات مختلفة مع مراعاة مختلف الموازين، كي ينطبع ذلك في ذهن الصبي، إضافة إلى ما في تلاوة القرآن الكريم أو بثه في البيت من البركات.
وهذا كله من التربية الدينية والتي يلزم أن تكون مستمرة بالحكمة والموعظة الحسنة.
عَنِ ابْنِ القَدَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ أَبِي (عليه السلام) كَثِيرَ الذِّكْرِ، لقَدْ كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ وإِنَّهُ ليَذْكُرُ اللهَ، وآكُل مَعَهُ الطَّعَامَ وإِنَّهُ ليَذْكُرُ اللهَ، ولقَدْ كَانَ يُحَدِّثُ القَوْمَ ومَا يَشْغَلهُ ذَلكَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وكُنْتُ أَرَى لسَانَهُ لازِقاً بِحَنَكِهِ يَقُول: لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَكَانَ يَجْمَعُنَا فَيَأْمُرُنَا بِالذِّكْرِ حَتَّى تَطْلعَ الشَّمْسُ، ويَأْمُرُ بِالقِرَاءَةِ مَنْ كَانَ يَقْرَأُ مِنَّا، ومَنْ كَانَ لا يَقْرَأُ مِنَّا أَمَرَهُ بِالذِّكْرِ»(2).
ص: 202
مسألة: يستحب أن يعطى المولود إلى العظيم، أو كبير القوم كالجد مثلاً، ليؤذّن ويقيم في أذنيه، تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) إذا ناولت الحسين (عليه السلام) أباها (صلى الله عليه وآله).
إضافة إلى ما في ذلك من توقير الكبير وتعظيمه في الله وهو مطلوب شرعاً، وما فيه من تكريم الصغير وهو مطلوب كذلك أيضاً.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ وُلدَ لهُ مَوْلودٌ فَليُؤَذِّنْ فِي أُذُنِهِ اليُمْنَى بِأَذَانِ الصَّلاةِ، وَليُقِمْ فِي اليُسْرَى، فَإِنَّهَا عِصْمَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»(1).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) : «إِنَّ مِنْ إِجْلال اللهِ عَزَّ وجَل إِجْلال الشَّيْخِ الكَبِيرِ»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «مَنْ عَرَفَ فَضْلكَبِيرٍ لسِنِّهِ فَوَقَّرَهُ آمَنَهُ اللهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ»(3).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «مَنْ وَقَّرَ ذَا شَيْبَةٍ فِي الإِسْلامِ آمَنَهُ اللهُ عَزَّ وجَل مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ»(4).
ص: 203
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «يَا أَنَسُ أَكْثِرْ مِنَ الطَّهُورِ يَزِدِ اللهُ فِي عُمُرِكَ، وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ بِالليْل والنَّهَارِ عَلى طَهَارَةٍ فَافْعَل، فَإِنَّكَ تَكُونُ إِذَا مِتَّ عَلى الطَّهَارَةِ شَهِيداً، وصَل صَلاةَ الزَّوَال فَإِنَّهَا صَلاةُ الأَوَّابِينَ، وأَكْثِرْ مِنَ التَّطَوُّعِ تُحِبَّكَ الحَفَظَةُ، وسَلمْ عَلى مَنْ لقِيتَ يَزِدِ اللهُ فِي حَسَنَاتِكَ، وسَلمْ فِي بَيْتِكَ يَزِدِ اللهُ فِي بَرَكَتِكَ، ووَقِّرْ كَبِيرَ المُسْلمِينَ وارْحَمْ صَغِيرَهُمْ أَجِئْ أَنَا وأَنْتَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَاتَيْنِ، وجَمَعَ بَيْنَ الوُسْطَى والمُسَبِّحَة(1).
وعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: قَال لهُ أَبُوهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ: «وارْحَمْ مِنْ أَهْلكَ الصَّغِيرَ، ووَقِّرِ مِنْهُمُ الكَبِير»(2).
مسألة: يستحب بيان أن الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الذي قد أذّن وأقام في أُذُن الحسين (عليه السلام).
عَنْ جَابِرٍ قَال: «لمَّا حَمَلتْ فَاطِمَةُ بِالحَسَنِ (عليهما السلام) فَوَلدَتْ وقَدْ كَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) أَمَرَهُمْ أَنْ يَلفُّوهُ فِي خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ فَلفُّوهُ فِي صَفْرَاءَ، وقَالتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) : يَا عَليُّ سَمِّهِ، فَقَال: مَا كُنْتُ لأَسْبِقَ بِاسْمِهِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَجَاءَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَأَخَذَهُ وقَبَّلهُ وأَدْخَل لسَانَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَل الحَسَنُ (عليه السلام) يَمَصُّهُ، ثُمَّ قَال لهُمْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): أَلمْ
ص: 204
أَتَقَدَّمْ إِليْكُمْ أَلا تَلفُّوهُ فِي خِرْقَةٍ صَفْرَاءَ فَدَعَا بِخِرْقَةٍ بَيْضَاءَ فَلفَّهُ فِيهَا ورَمَى الصَّفْرَاءَ، وأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ اليُمْنَى، وأَقَامَ فِي اليُسْرَى... فَلمَّا وُلدَ الحُسَيْنُ (عليه السلام) جَاءَ إِليْهِمُ النَّبِيُّ فَفَعَل بِهِ كَمَا فَعَل بِالحَسَنِ عليه السلام»(1).
مسألة: يستحب بيان أن الإمام الحسين (عليه السلام) أبو الأئمة، والتسعة من ولده هم أئمة أبرار، والتاسع مهديهم (صلوات الله عليهم أجمعين).
عَنْ سُليْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلاليِّ، عَنْ سَلمَانَ الفَارِسِيِّ (رَحِمَهُ اللهُ) قَال: دَخَلتُ عَلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وإِذَا الحُسَيْنُ عَلى فَخِذَيْهِ وهُوَ يُقَبِّل عَيْنَيْهِ ويَلثِمُ فَاهُ وهُوَ يَقُول: «أَنْتَ سَيِّدٌ ابْنُ سَيِّدٍ، أَنْتَ إِمَامٌ ابْنُ إِمَامٍ، أَبُو الأَئِمَّةِ، أَنْتَ حُجَّةٌ ابْنُ حُجَّةٍ، أَبُو حُجَجٍ تِسْعَةٍ مِنْ صُلبِكَ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ»(2).
وعَنْ أَبِي الحَسَنِ عَليِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَنَا سَيِّدُ مَنْ خَلقَ اللهُ عَزَّ وجَل، وأَنَا خَيْرٌ مِنْ جَبْرَئِيل ومِيكَائِيل وإِسْرَافِيل وحَمَلةِ العَرْشِ وجَمِيعِ مَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبِينَ وأَنْبِيَاءِ اللهِ المُرْسَلينَ، وأَنَا صَاحِبُ الشَّفَاعَةِ والحَوْضِالشَّرِيفِ، وأَنَا وعَليٌّ أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنَا فَقَدْ عَرَفَ اللهَ عَزَّ وجَل، ومَنْ أَنْكَرَنَا فَقَدْ أَنْكَرَ اللهَ عَزَّ وجَل،
ص: 205
ومِنْ عَليٍّ سِبْطَا أُمَّتِي وسَيِّدَا شَبَابِ أَهْل الجَنَّةِ الحَسَنُ والحُسَيْنُ، ومِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ طَاعَتُهُمْ طَاعَتِي ومَعْصِيَتُهُمْ مَعْصِيَتِي، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ ومَهْدِيُّهُمْ»(1).
مسألة: يستحب وقد يجب وصف الأئمة (صلوات الله عليهم) بما وصفهم به الله تعالى في القرآن الكريم والأحاديث القدسية، وبما وصفهم به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وبما وصفوا به أنفسهم، أو وصف بعضهم بعضاً (صلوات الله عليهم أجمعين).
ومن صفاتهم (عليهم السلام) أنهم أبرار.
والأبرار والبررة جمع بَرّ بالفتح، والبر والبار هو فاعل البِر بالكسر، أي الخير، وأولياء الله المطيعون له، قال تعالى: «إِنَّ الأَبْرارَ لفي نَعيمٍ»(2)، والكرامالبررة: أي المطيعون لله المطهرون من الذنوب والآثام، كما أن البَر هو الذي من عادته الإحسان.
قال (صلى الله عليه وآله): «أَفْضَل الأَتْقِيَاءِ عَليٍّ سَيِّدِ الأَبْرَارِ»(3).
وقال (صلى الله عليه وآله): «أَهْل بَيْتِي مِنْ وُلدِ عَليٍّ وفَاطِمَةَ (عليهما السلام)
ص: 206
وتِسْعَةٌ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ أَئِمَّةُ الأَبْرَارِ، هُمْ عِتْرَتِي مِنْ لحْمِي ودَمِي»(1).
مسألة: يكره لف المولود في خرقة صفراء.
ولعل وجه الكراهة أن اللون الأصفر ينشط عمل الدماغ ويبقيه في حالة يقظة تامة، كما يقوله بعض العلماء(2)، مع أنالرضيع يحتاج إلى استرخاء وراحة وهدوء بعد عملية الانتقال الصعب من الرحم إلى دار الدنيا، فإنها قد تكون من أعظم مراحل تحولات حياة كل إنسان.
ويحتمل أن يكون وجه الكراهة أن اللون الأصفر كان شعار الحرب، حيث كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يلبس قباءً أصفر في الحروب(3).
كما يحتمل أن يكون وجه الكراهة هو أن الصفرة توجب الكآبة، كما يشاهد ذلك في أيام الخريف عند البعض حيث اصفرار الأوراق.
ولعل الصفرة للمولود توجب منقصةً له أو شدة أو غير ذلك مما ذكره
ص: 207
علماء الألوان في مباحث مفصلة فإن كل لون يوجب شيئاً ويبعث على شيء على نحو المقتضي.
أما أنه لم لفّت الصديقة فاطمة (عليها الصلاة والسلام) الخرقة الصفراء على الحسين (عليه السلام)، فلعله للتعليم حتىيأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقوم بما قام به ويتعلم الناس، فإن أعمالهم (عليهم السلام) حجة لتعليم الآخرين، كما أن أقوالهم وتقريراتهم كذلك، وقد قرر بأن كل فعل وقول وتقرير منهم (صلوات الله علهيم) حجة(1).
مسألة: يستحب لف المولود بالخرقة البيضاء.
والبياض يوجب الفرح في النفس، فقد ثبت علمياً أنه أكثر الألوان راحة للنفس، وأنه يخفف التوتر والقلق، ولذا نشاهد أنه حينما ينزل الثلج من السماء تفرح النفوس المنقبضة.
وهكذا قالوا في النظر إلى الملابس البيضاء وكل شيء أبيض، ومن هنا أخذاعتماده كلون أساس في ملابس الأطباء وفي المستشفيات، كما أنه ينقي الجسم من السموم، ويقوي جهازه المناعة في الإنسان، وهو كما يقولون: يفرق نور
ص: 208
البصر، وليس كالأسود يجمع النور والحزن.
كما يستحب للإنسان أن يلبس البياض فإنه خير الألوان للأحياء والأموات.
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) : «أَنَّ عَليّاً (عليه السلام) كَانَ لا يَلبَسُ إِلا البَيَاضَ أَكْثَرَ مَا يَلبَسُ ويَقُول: فِيهِ تَكْفِينُ المَوْتَى»(1).
وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): «خَيْرُ ثِيَابِكُمُ البَيَاضُ، فَليَلبَسْهُ أَحْيَاؤُكُمْ، وكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ»(2).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «ليْسَ مِنْ لبَاسِكُمْ شَيْ ءٌ أَحْسَنَ مِنَ البَيَاضِ فَأَلبِسُوهُمَوْتَاكُمْ»(3).
تَفْسِيرُ عَليِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، «يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ»(4) قَال: «فِي العِيدَيْنِ والجُمُعَةِ يَغْتَسِل ويَلبَسُ ثِيَاباً بِيضاً»(5).
ص: 209
روى الساعدي، عن أبيه، قال: سألت فاطمة (صلوات الله عليها) عن الأئمة (عليهم السلام) فقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل»(1).
---------------------
مسألة: يجب بيان عدد الأئمة (عليهم السلام) وأنهم اثني عشر.
وذلك لوجوب معرفتهم (عليهم الصلاة والسلام)، نعم قال الفقهاء: تكفي المعرفة الإجمالية.
كما يلزم بيان أسمائهم، وذكر أحوالهم، على نحو الوجوب عيناً أو كفايةً، كل في مورده.
وقد سبقت الإشارة إلى خصوصية الاثني عشر كعدد الشهور ونحوها.
و(النقيب) هو الرئيس الذي يتقدم قومه، وفي الحديث: أما النبي كان قد جعل ليلة العقبة كل واحد من الجماعةالذين بايعوه نقيباً على قومه وجماعته
ص: 210
ليأخذوا (عليهم الإسلام) ويعرفوهم شرائطه، وكانوا اثني عشر نقيا كلهم من الأنصار(1).
والنقيب الذي ينقب عن مكنون الضمائر، ويسمى نقيباً لأنه يعرف دخيلة أمر القوم وطريق إصلاحهم ومعرفة شأنهم.
قال تعالى: «وَلقَدْ أَخَذَ اللهُ ميثاقَ بَني إِسْرائيل وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقيباً»(2).
وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «سُئِل أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَنْ مَعْنَى قَوْل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنِّي مُخَلفٌ فِيكُمُ الثَّقَليْنِ كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي» مَنِ العِتْرَةُ؟
فَقَال: أَنَا والحَسَنُ والحُسَيْنُ والأَئِمَّةُ التِّسْعَةُ مِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ تَاسِعُهُمْ مَهْدِيُّهُمْ وقَائِمُهُمْ، لا يُفَارِقُونَ كِتَابَ اللهِ ولا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) حَوْضَهُ»(3).وعَنْ أُمِّ سَلمَةَ قَالتْ : سَأَلتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ قَوْل اللهِ سُبْحَانَهُ : «فَأُولئِكَ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصَّالحِينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»(4).
ص: 211
قَال: «الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ أَنَا، والصِّدِّيقِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ، والشُّهَداءِ الحَسَنُ والحُسَيْنُ وحَمْزَةُ، وحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً الأَئِمَّةُ الاثْنَا عَشَرَ بَعْدِي» (1).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليهما السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لأَصْحَابِهِ : «آمِنُوا بِليْلةِ القَدْرِ، إِنَّهَا تَكُونُ لعَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ ووُلدِهِ الأَحَدَ عَشَرَ بَعْدِي »(2).
ص: 212
عن فاطمة (عليها السلام) قالت: كان دخل إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ولادتي الحسين (عليه السلام)، فناولته إياه في خرقة صفراء، فرمى بها وأخذ خرقة بيضاء ولفه فيها، ثم قال (صلى الله عليه وآله): «خذيه يا فاطمة، فإنه إمام ابن إمام، أبو الأئمة التسعة، من صلبه أئمة أبرار والتاسع قائمهم»(1).
--------------------------
شرعياً أيضاً، وله ثواب الواجب أو المستحب كل في مورده.
وهكذا أمر المكروه والحزازة، كما أن المباح الشرعي كذلك لو كان مباحاً عقلياً، والإباحة الشرعية أيضاً لها موازينها، وقد ورد في الحديث: «إن الله يحب أن يأخذ برخصه كما يحب أن يأخذ بعزائمه»(1).
مسألة: بعد ثبوت كراهة الخرقة الصفراء للطفل حديث الولادة، هل يدور الأمر بحسب هذا الدليل بين الصفراء والبيضاء كراهةً واستحباباً، أو أن كل لون مشبع مكروه ولو كان خرقة سوداء أو حمراء أو ما أشبه، وفي المقابل يستحب كل لون بهيج ولو كان أخضر أو أشبه، احتمالان، والظاهر الرجوع إلى الأدلة العامة في الألوان، ولا مناط منقح في المقام.
قال تعالى: «أُولئِكَ لهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهِمُالأَنْهارُ يُحَلوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ويَلبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئينَ فيها عَلى الأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً»(2).
وقال عزوجل: «عاليَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وإِسْتَبْرَقٌ وحُلوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً»(3).
ص: 214
مسألة: يستحب أن تزار الوالدة التي أولدت طفلاً، كما هو المتعارف حيث تزار من قبل القريبات ومن أشبه.
ويتأكد الاستحباب في مثل الأب والجد، وقد زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصديقة (عليها السلام) عندما ولدت الحسين (عليه السلام). وهو (صلى الله عليه وآله) أسوة وقدوة.
قال تعالى: «لقَدْ كانَ لكُمْ في رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَ اليَوْمَ الآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثيراً»(1).
وقال: «أُولئِكَ الذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»(2).
وفي خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) رواها الكافي:
«وَأَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَهُمْ عَيْشُ العِلمِ وَمَوْتُ الجَهْل، هُمُ الذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، لا يُخَالفُونَ الدِّينَ وَلا يَخْتَلفُونَ فِيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، فَهُمْ مِنْ شَأْنِهِمْ شُهَدَاءُ بِالحَقِّ وَمُخْبِرٌ صَادِقٌ، لا يُخَالفُونَ الحَقَّ وَلا يَخْتَلفُونَ فِيهِ، قَدْ خَلتْ لهُمْ مِنَ اللهِ السَّابِقَةُ، وَمَضَى فِيهِمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَ جَل حُكْمٌصَادِقٌ، وَفِي ذَلكَ ذِكْرَى للذَّاكِرِينَ، فَاعْقِلوا الحَقَّ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْل رِعَايَةٍ، وَلا تَعْقِلوهُ عَقْل
ص: 215
رِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ الكِتَابِ كَثِيرٌ وَرُعَاتَهُ قَليل، وَاللهُ المُسْتَعَان »(1).
(القائم) بقول مطلق هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فإذا أطلق انصرف إليه، وإن كان كلهم (صلوات الله عليهم) قائماً، فإنهم (القوام في البرية بالقسط)(2) كما في الرواية، وجاء في كلام الإمام الصادق (عليه السلام) في وصف الإمام: «فَالإِمَامُ هُوَ المُنْتَجَبُ المُرْتَضَى وَ الهَادِي المُنْتَجَى وَ القَائِمُ المُرْتَجَى اصْطَفَاهُ اللهُ بِذَلك»(3).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَال: سُئِل عَنِ القَائِمِ (عليه السلام)، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، فَقَال: هَذَا وَاللهِ قَائِمُ آلمُحَمَّدٍ، قَال عَنْبَسَةُ: فَلمَّا قُبِضَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) دَخَلتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلكَ، فَقَال: صَدَقَ جَابِرٌ، ثُمَّ قَال: لعَلكُمْ تَرَوْنَ أَنْ ليْسَ كُل إِمَامٍ هُوَ القَائِمَ بَعْدَ الإِمَامِ الذِي كَانَ قَبْلهُ»(4).
ص: 216
روي أن فاطمة (عليها السلام) قالت للحسن والحسين (عليهما السلام) بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله):
«أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقةً عليكما»(1).
-------------------------
مسألة: يستحب شفقة الجد على أحفاده.
والشفقة: نوع حب مع حذر على المحبوب، والحب المؤدي إلى الخوف على المحبوب، أو المصحوب به أو العناية المختلطة بالخوف(2)، فمن أشفق على قريب أو صديق أو من أشبه وحذر عليه من أن يقع في مشكلة فهو شفيق(3).قال سبحانه: «وَالذينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها»(4).
ص: 217
وهذا الكلام من الصديقة (عليها الصلاة والسلام) نوع ندبة وعزاء كما هو واضح.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وعَلى فَخِذِهِ الأَيْسَرِ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ وعَلى فَخِذِهِ الأَيْمَنِ الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ، وهُوَ تَارَةً يُقَبِّل هَذَا وتَارَةً يُقَبِّل هَذَا، إِذْ هَبَطَ جَبْرَئِيل بِوَحْيٍ مِنْ رَبِّ العَالمِينَ، فَلمَّا سَرَى عَنْهُ قَال: أَتَانِي جَبْرَئِيل مِنْ رَبِّي فَقَال: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَليْكَ السَّلامَ ويَقُول: لسْتُ أَجْمَعُهُمَا فَافْدِ أَحَدَهُمَا بِصَاحِبِهِ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ إِلى إِبْرَاهِيمَ فَبَكَى، ونَظَرَ إِلى الحُسَيْنِ فَبَكَى، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ أُمُّهُ أَمَةٌ ومَتَى مَاتَ لمْ يَحْزَنْ عَليْهِ غَيْرِي، وأُمُّ الحُسَيْنِ فَاطِمَةُ وأَبُوهُ عَليٌّ ابْنُ عَمِّي لحْمِي ودَمِي ومَتَى مَاتَ حَزِنَتْ ابْنَتِي وحَزِنَ ابْنُ عَمِّي وحَزِنْتُ أَنَا عَليْهِ وأَنَا أُؤْثِرُ حُزْنِي عَلى حُزْنِهِمَا، يَا جَبْرَئِيل يُقْبَضُ إِبْرَاهِيمَ فَدَيْتُهُ بِالحُسَيْنِ، قَال: فَقُبِضَ بَعْدَ ثَلاثَ، فَكَانَ النَّبِيِّ إِذَا رَأَى الحُسَيْنَ مُقْبِلا قَبَّلهُ وضَمَّهُ إِلى صَدْرِهِ ورَشَّفَ ثَنَايَاهُ وقَال: فَدَيْتُ مَنْ فَدَيْتُهُ بِابْنِي إِبْرَاهِيم» (1).
وعَنْ أُمِّ سَلمَةَ قَالتْ : بَيْنَمَا رَسُول اللهِ(صلى الله عليه وآله) فِي بَيْتِي يَوْماً إِذْ قَال الخَادِمُ: إِنَّ عَليّاً وفَاطِمَةَ فِي السُّدَّةِ، قَالتْ: فَقَال لي: قُومِي فَتَنَحَّيْ لي عَنْ أَهْل بَيْتِي، قَالتْ: فَقُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ فِي البَيْتِ قَرِيباً، فَدَخَل عَليٌّ وفَاطِمَةُ، والحَسَنُ والحُسَيْنُ وهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ، قَالتْ: فَأَخَذَ الصَّبِيَّيْنِ فَوَضَعَهُمَا فِي حَجْرِهِ فَقَبَّلهُمَا، واعْتَنَقَ عَليّاً بِإِحْدَى يَدَيْهِ وفَاطِمَةَ بِاليَدِ الأُخْرَى وقَبَّل فَاطِمَةَ وأَغْدَفَ عَليْهِمْ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ ثُمَّ قَال: اللهُمَّ إِليْكَ لا إِلى النَّارِ أَنَا وأَهْل بَيْتِي، قَالتْ: قُلتُ: وأَنَا يَا رَسُول اللهِ، قَال أَنْتِ عَلى خَيْرٍ»(2).
ص: 218
مسألة: تستحب الشفقة على أهل البيت (عليهم السلام) وقد تجب، كما تستحب وربما وجبت الشفقة على ذراريهم من السادة والعلويات، والشفقة عليهم تشمل الشفقة لشؤون الآخرة والدنيا.
أما الشفقة في شؤون الآخرة: فبالتحوط عليهم من كل ما يهدد دينهم وورعهم وخلوص نواياهم أو مكارم أخلاقهم وحميد صفاتهم من حسن خلق وسعة صدر وتواضع وشببها، أو عقائدهم وثقافتهم وأفكارهم وما أشبه.
وأما الشفقة عليهم في شؤون الدنيا: فرعايتهم والاهتمام بهم وقضاء حوائجهم، وتوفير السكن المناسب لهم، وهكذا الملبس والمطعم والمشرب والمركب وما أشبه ذلك مما تقوم به حياتهم ويناسب شأنهم.
والروايات التي تحث على إكرام ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبنائه والسادة بقول مطلق وتوقيرهم وقضاء حوائجهم عديدة.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: قَال جَدُّنَا مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله): «إِنِّي سَأَشْفَعُ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ لأَرْبَعِ طَوَائِفَ ولوْ كَانَ لهُمْ مِثْل ذُنُوبِ أَهْل الدُّنْيَا، الأَوَّل مَنْ سَل سَيْفَهُ لذُرِّيَّتِي ونَصَرَهُمْ، الثَّانِيَةُمَنْ أَعَانَهُمْ فِي حَال فَقْرِهِمْ وفَاقَتِهِمْ بِمَا يَقْدِرُ عَليْهِ مِنَ المَال، الثَّالثَةُ مَنْ أَحَبَّهُمْ بِقَلبِهِ ولسَانِهِ، والرَّابِعَةُ مَنْ قَضَى حَوَائِجَهُمْ إِذَا اضْطُرُّوا إِليْهَا وسَعَى فِيهَا»(1).
ص: 219
وعَنْ عَليِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَرْبَعَةٌ أَنَا لهُمْ شَفِيعٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، المُكْرِمُ لذُرِّيَّتِي مِنْ بَعْدِي، والقَاضِي لهُمْ حَوَائِجَهُمْ، والسَّاعِي لهُمْ فِي أُمُورِهِمْ عِنْدَ مَا اضْطُرُّوا إِليْهِ، والمُحِبُّ لهُمْ بِقَلبِهِ ولسَانِهِ»(1).
نعم، لا يخفى أن بعض الروايات الواردة في ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) خاصة بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) والصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام)، وبعضها يشمل من تلاهم، لكن بعضها عام وهم (عليهم السلام) أظهر مصاديقه.
وغير خفي أن إكرام كل مؤمن أو شيعي أو محب، لإيمانه وحبه وتشيعه حسنمثاب عليه، إلا أن إكرام السادة وقضاء حوائجهم له أجر أكبر وثواب أعظم، نظراً لقربهم وانتسابهم إلى رسول الله وعلي وفاطمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
وحاصل الأمر: إن المؤمن الموالي يوجد فيه عنوان مرجح لإكرامه وقضاء حوائجه، والسيد منهم فيه عنوانان مرجحان.
مسألة: يستحب للبنت أن ترثي أباها، كما مر في ما سبق من الروايات، والرثاء أنواع وأقسام، فكلما صدق عليه عرفاً أنه رثاء عليهم فهو مستحب، بشرط أن لا يشتمل على ما يخالف الشرع صورة كالغناء، أو مادة كقول باطل.
ص: 220
وقد أنشدت الصديقة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة أبيها:
و قد رزينا به محضا خليقته *** صافي الضرائب والأعراق والنسب
و كنت بدراً ونورا يستضاء به *** عليك تنزل من ذي العزة الكتب
و كان جبريل روح القدس زائرنا *** فغاب عنا وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما مضيت وحالت دونك الحجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما مضيت وحالت دونك الحجب
إنا رزينا بما لم يرز ذو شجن *** من البرية لا عجم ولاعرب
ضاقت علي بلاد بعد ما رحبت *** وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب
فأنت والله خير الخلق كلهم *** وأصدق الناس حيث الصدق والكذب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت *** منا العيون بتهمال لها سكب (1)
مسألة: يستحب بيان أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان أشد الناس شفقةً على الحسن والحسين (عليهما السلام)، وينبغي شفع ذلك بالأدلة والشواهد.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ قَال: رَأَيْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يُقَبِّل الحَسَنَ والحُسَيْنَ (عليهما السلام) وهُوَ يَقُول:«مَنْ أَحَبَ الحَسَنَ والحُسَيْنَ (عليهما السلام) وذُرِّيَّتَهُمَا مُخْلصاً لمْ تَلفَحِ النَّارُ وَجْهَهُ ولوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ بِعَدَدِ رَمْل عَالجٍ إِلا أَنْ يَكُونَ ذَنْبُهُ ذَنْباً يُخْرِجُهُ مِنَ
ص: 221
الإِيمَانِ»(1).
وعن أبي ذر (رضوان الله عليه) أنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً يصلي بالناس، وأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما غلامان يثبان على ظهره إذا سجد، وأقبل الناس ينحونهما عنه، فلما انصرف قال: «دعوهما بأبي وأمي هما، من أحبني فليحبب هذين»(2).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وأَحْبِبْ مَنْ أَحَبَّهُمَا»(3).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «مَنْ أَحَبَ الحَسَنَ والحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، ومَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي»(4).وَقَال (صلى الله عليه وآله): مَنْ أَحَبَ الحَسَنَ والحُسَيْنَ أَحْبَبْتُهُ، ومَنْ أَحْبَبْتُهُ أَحَبَّهُ اللهُ، ومَنْ أَحَبَّهُ اللهُ أَدْخَلهُ الجَنَّةَ، ومَنْ أَبْغَضَهُمَا أَبْغَضْتُهُ، ومَنْ أَبْغَضْتُهُ أَبْغَضَهُ اللهُ، ومَنْ أَبْغَضَهُ اللهُ خَلدَهُ النَّار»(5).
ص: 222
مسألة: يستحب الشفقة مطلقاً، فإنها من مصاديق الرحمة وأنواعها، بل وردت بعض الروايات في الشفقة بعنوانها، منها: «يَا كُمَيْل حُسْنُ خُلقِ المُؤْمِنِ مِنَ التَّوَاضُعِ، وَجَمَالهُ التَّعَفُّفُ، وَشَرَفُهُ الشَّفَقَةُ، وَعِزُّهُ تَرْكُ القَال وَالقِيل»(1).
وقال أمير المؤمنين لولده الحسن (عليهما السلام): «يَا بُنَيَّ إِذَا نَزَل بِكَ كَلبُ الزَّمَانِ وَقَحْطُ الدَّهْرِ، فَعَليْكَ بِذَوِي الأُصُول الثَّابِتَةِ، وَالفُرُوعِ النَّابِتَةِ، مِنْ أَهْل الرَّحْمَةِ وَالإِيْثَارِ وَالشَّفَقَةِ، فَإِنَّهُمْ أَقْضَى للحَاجَاتِ، وَأَمْضَى لدَفْعِ المُلمَّاتِ»(2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَ المُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ»(3) .
وقال (صلى الله عليه وآله): «يَا عَليُّ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ بَنَى اللهُ تَعَالى لهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ، مَنْ آوَى اليَتِيمَ ورَحِمَ الضَّعِيفَوأَشْفَقَ عَلى وَالدَيْهِ ورَفَقَ بِمَمْلوكِه»(4).
ص: 223
عن فاطمة الكبرى (عليها السلام) بنت محمد (صلى الله عليه وآله):
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعوّذ الحسن والحسين (عليهما السلام) ويعلمهما هؤلاء الكلمات، كما يعلمها السورة من القرآن، يقول: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة»(1).
-------------------------------
مسألة: يستحب تعويذ الأولاد بالأدعية والآيات القرآنية.
والاستدلال بهذه الرواية أيضاً على استحباب هذا التعويذ ونظائره مطلقاً لكل أحد بمعونة إلغاء الخصوصية، وإحراز الملاك ودليل الأسوة وما أشبه.
وقولك: (أنا عائذ بالله ومتعوذ بالله من النار) أي مستجير بالله، و(هو عياذي) أي ملجئي، و(عذت به) أي لجأت إليه واعتصمت به، و(هذا مقام العائذ بك) أي المستعصم بك الملتجئ إليكالمستجير بك، و(عاذ يعوذ عوذاً وعياذاً ومعاذاً): لجأ يلجأ ملجأً.
ص: 224
والظاهر أن التعويذ مطلقاً مستحب، وهذه التعويذات المذكورة في الروايات من باب تعدد المطلوب والاستحباب في الاستحباب، كما قالوا في باب المستحبات والمكروهات بشكل عام.
و(الهامة) يراد بها: الدابة التي تهمّ بالإنسان لأذيته، ولذا جيء بها مؤنثاً.
و(اللامة) يراد بها: العيون الحاسدة وما أشبه، كأنها تلم بالإنسان وتحتوشه وتجمع فتنةً وفساداً وشراً.
مسألة: ينبغي أن يتجنب الإنسان ما يوجب أن يصاب بالعين، ومن ذلك تجنب التفاخر والتظاهر وإظهار الغنى أو سائر النعم إذا كان الآخر لا يتحمل، فيصيبه بعين حاسد.
ومن مصاديق ذلك أن يتجنب ويجنّب أهله وأولاده ما لا يتحمله الناس من الملابس الفاخرة أو الدور المزينة أو المركب الخلاب، خشية أن يصاب بعين أو يبتلى بحاسد أو حاقد.
والأولى أن ينفق هذا المال في بناء مسجد أو تشييد حسينية أو مدرسة أومشفى أو صندوق إقراض خيري أو ما أشبه، فإن ذلك أبقى وأزكى وأولى وأنمى، وقد أنفق رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة على الفقراء، فقالت إحدى زوجاته: لم يبق إلاّ الرقبة، فقال (صلى الله عليه وآله): لم يفن إلا الرقبة.
عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَاطَّلعَ عَليْهَا فُقَرَاءُ المَدِينَةِ فَجَاءُوا وسَأَلوا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وكَانَ يُعْطِيهِمْ فَلمَّا
ص: 225
دَخَل الليْل لمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا رَقَبَتُهَا، فَسَأَل عَنْ عَائِشَةَ: مَا بَقِيَ مِنْهَا، فَقَالتْ: لمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا رَقَبَتُهَا، فَقَال (صلى الله عليه وآله): «قُولي بَقِيَ كُلهَا إِلا رَقَبَتَهَا»(1).
وفي كتبهم: عن عائشة: أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلاّ كتفها. قال (صلى الله عليه وآله): بقي كلها غير كتفها(2).
قال تعالى: «قُل إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ»(3).
وقال سبحانه: «وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلمُواأَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنينَ»(4).
وقال عزوجل: «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وما عِنْدَ اللهِ باقٍ ولنَجْزِيَنَّ الذينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلونَ»(5).
ص: 226
مسألة: يستحب تعليم الأولاد العوذات، فإن تعليمها مطلقاً مستحب، والمأثور خص بالاستحباب.
والسر في التعويذ أن مفاتيح الكون كلها بيد الله تعالى، ولا يضر أحد أحداً وشيء شيئاً إلاّ بإذن الله سبحانه.
قال الله عزوجل: «وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله»(1).
وقال تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلق»(2).
وقال سبحانه: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس»(3).
وقال تعالى: «قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً»(4).
وقال سبحانه: «وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطين * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُون»(5).
ص: 227
مسألة: يستحب تعليم الأولاد سور القرآن الكريم، وفيه روايات عديدة، وللمعلم والمتعلم والباعث على التعليم أجر، كما في قصة الإمام الحسين (عليه السلام) حيث وضع ولداً له عند المعلم في المدينة يسمى بعبد الرحمن السلمي
في المناقب: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ السُّلمِيَّ عَلمَ وَلدَ الحُسَيْنِ (عليه السلام) الحَمْدَ، فَلمَّا قَرَأَهَا عَلى أَبِيهِ أَعْطَاهُ أَلفَ دِينَارٍ وَأَلفَ حُلةٍ وَحَشَا فَاهُ دُرّاً، فَقِيل لهُ فِي ذَلكَ، فَقَال (عليه السلام): «وَأَيْنَ يَقَعُ هَذَا مِنْ عَطَائِهِ يَعْنِي تَعْليمَهُ»(1).
ومن الواضح أن الأئمة (عليهم السلام) لم يكونوا بحاجة إلى التعلم من سائر الناس، وكذلك الحال في رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأنبياء (عليهم السلام)، وما ورد في ذلك فهو من باب التأسي ولتعليم الآخرين.
وكذلك حال ما ورد من تعلم عيسى (عليه الصلاة والسلام) عند معلم(2)، مع
ص: 228
أنمريم الصديقة (عليها الصلاة والسلام) كانت عارفة بأنه نبي مرتبط بعالم الغيب، غني عن تعليم الناس، كيف لا وقد شهدته يكلم الناس في المهد: «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الكِتابَ وَ جَعَلني نَبِيّاً * وَجَعَلني مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيّاً»(1)، ولم يقل سيؤتيني الكتاب وسيجعلني نبياً، إلى آخره، كما يشهد له أيضاً كون السيدة مريم (عليها
السلام) سيدة نساء زمانها، فالوضع عند المعلم كان ليتخذ أسوة في وضع الأطفال عند الصالحين لكي يتعلموا.عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «سَارِعُوا فِي طَلبِ العِلمِ، فَوَ الذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لحَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي حَلال وحَرَامٍ تَأْخُذُهُ عَنْ صَادِقٍ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ومَا حَمَلتْ مِنْ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ»(2).
وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ ليَهُمُّ بِعَذَابِ أَهْل الأَرْضِ جَمِيعاً حَتَّى لا يُحَاشِيَ مِنْهُمْ أَحَداً إِذَا عَمِلوا بِالمَعَاصِي واجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ، فَإِذَا نَظَرَ إِلى الشِّيبِ نَاقِلي أَقْدَامِهِمْ إِلى الصَّلوَاتِ، والوِلدَانِ يَتَعَلمُونَ القُرْآنَ، رَحِمَهُمْ فَأَخَّرَ ذَلكَ عَنْهُمْ»(3).
ص: 229
مسألة: يستحب التعوذ بالله تعالى مطلقاً من كل شر وسوء وبلاء وفتنة، ومن كل عدو إنسي أو جني، ظاهر أو خفي، كما يستحب التعوذ في كل الأزمان وفي كل الحالات والظروف.
مسألة: يستحب قراءة هذا الدعاء للتعوذ: «أعوذ بكلمات الله...»، وكذلك الأدعية المأثور في التعوذ.
قال تعالى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَميعٌ عَليمٌ»(1).
وقال سبحانه: «فَإِذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ»(2).
وقال عزوجل: «إِنَّ الذينَ يُجادِلونَ في آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلطانٍ أَتاهُمْ إِنْ في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالغيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ»(3).
وفي الحديث: «أَمَرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) مُنَادِياً فَنَادَى بِالصَّلاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وخَرَجَ حَتَّى رَقِيَ المِنْبَرَ، وكَانَ أَوَّل مَا تَكَلمَ بِهِ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» (4).
ص: 230
وورد: أنه «كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذَا دَخَل المَسْجِدَ يَضَعُ رِجْلهُ اليُمْنَى ويَقُول: بِسْمِ اللهِ وعَلى اللهِ تَوَكَّلتُ ولا حَوْل ولا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، وإِذَا خَرَجَ يَضَعُ رِجْلهُ اليُسْرَى ويَقُول: بِسْمِ اللهِ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم»(1) .
وَقَال (صلى الله عليه وآله): «إِذَا دَخَل العَبْدُ المَسْجِدَ وقَال أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَال الشَّيْطَانُ:كُسِرَ ظَهْرِي»(2).
وروي «أَنَّ عَليّاً (عليه السلام) سُئِل عَنِ التَّعْوِيذِ يُعَلقُ عَلى الصِّبْيَانِ، فَقَال: عَلقُوا مَا شِئْتُمْ إِذَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ»(3).
وقال النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وآلهِ: إِنْأَرَدْتَ أَنْ لا يُصِيبَكَ شَرُّهُمْ ولا يَنَالكَ مَكْرُهُمْ فَقُل إِذَا أَصْبَحْتَ: «أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» فَإِنَّ اللهَ يُعِيذُكَ مِنْ شَرِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ شَيَاطِينُ «يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْل غُرُوراً»(4)» (5).
ص: 231
مسألة: لا ينبغي أن يتعوذ الإنسان بغير الله تعالى ومن أذن بالاستعاذة به، وإلا ازداد شقاءً على شقاء، قال تعالى: «وَأَنَّهُ كانَ رِجال مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجال مِنَ الجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً»(1).
قال أبو جعفر (عليه السلام): «كان الرجل ينطلق إلى الكاهن الذي يوحي إليه الشيطان فيقول: قل لشيطانك: فلان قد عاذ بك»(2).
مسألة: التعوذ بالله قولي وقلبي وعملي، والقولي ما سبق من الدعاء ونظائره، والقلبي أن لا يعقد قلبه إلا على الله تعالى ومن ندب جل اسمه إلى الالتجاء إليه، إذ قال عزوجل: «وَابْتَغُوا إِليْهِ الوَسيلةَ»(3)، والعملي أن يكون سلوكه سلوك المستغني عن غير الله تعالى، فلا يجترح المعاصي ولا يرتكب الآثام رغبة في شيء من حطام الدنيا وزخرفها أو في الرئاسة والشهرة ونظاهرها.عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَال: «لا يَدَعِ الرَّجُل أَنْ يَقُول عِنْدَ مَنَامِهِ: "أُعِيذُ نَفْسِي وذُرِّيَّتِي وأَهْل بَيْتِي ومَالي بِكَلمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ، مِنْ كُل شَيْطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُل عَيْنٍ لامَّةٍ"، فَذَلكَ الذِي عَوَّذَ بِهِ جَبْرَئِيل (عليه
ص: 232
السلام) الحَسَنَ والحُسَيْنَ (عليهما السلام)»(1).
وَكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ (عليهما السلام) ويَقُول: «أُعِيذُكُمَا بِكَلمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُل شَيْطَانٍ وهَامَّةٍ ومِنْ كُل عَيْنٍ لامَّة»(2).
وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) قَال: «تَعَوَّذُ بَعْدَ التَّوَجُّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ تَقُول أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَليمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم »(3).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «رَقَى النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) حَسَناً وحُسَيْناً (عليهما السلام) فَقَال: "أُعِيذُكُمَا بِكَلمَاتِ اللهِالتَّامَّاتِ وأَسْمَائِهِ الحُسْنَى كُلهَا عَامَّةً مِنْ شَرِّ السَّامَّةِ والهَامَّةِ ومِنْ شَرِّ كُل عَيْنٍ لامَّةٍ ومِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ"، ثُمَّ التَفَتَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) إِليْنَا فَقَال: هَكَذَا كَانَ يُعَوِّذُ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ (عليهم السلام)»(4).
ص: 233
عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاها يوماً فقال: يا ابناي؟ يعني حسناً وحسيناً (عليهما السلام).
قالت (عليها السلام): قلت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق.
فقال(1) علي (عليه السلام): أذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء، فذهب بهما إلى فلان اليهودي(2)، فوجّه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجدهما يلعبان في مشربة، بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا علي ألا تقلب(3) ابني قبل أن يشتد الحر عليهما؟
قال: فقال علي (عليه السلام): أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة (عليها السلام) تمرات، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ينزع لليهودي كل دلو بتمرة، حتى اجتمع له شيء من تمر فجعله في حجزته(4)، ثم أقبل فحمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدهما(5) وحمل عليّ (عليه السلام) الآخر حتى أقلبهما»(6).
-------------------------
ص: 234
مسألة: يجوز العمل للكافر، لأن أصل العمل جائز، واحتمال أنه سبيل من الكافر على المؤمن المنهي عنه بقوله سبحانه: «وَلنْ يَجْعَل اللهُ للكافِرينَ عَلى المُؤْمِنينَ سَبيلاً»(1) منفي، لوضوح أنه ليس من السبيل عرفاً وشرعاً(2)، مضافاً إلى احتمال أن يراد بالسبيل (الحجة) على ما قالوا، أو غير ذلك(3).
ولذا كان المتعارف في بلاد الإسلام العمل في متاجر الكفار، كما شاهدناه في العراق من غير نكير من الفقهاء، وكذلك في لبنان حيث يعملون للمسيحيين، أو في الهند يعملون للسيك وما أشبه، والعمدة في الدليل هو الإطلاقات وبعض أمثال هذه الروايات.
نعم إذا كانت هناك أضرار علىالمسلمين فتلاحظ العناوين الثانوية.
قال تعالى: «لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الذينَ لمْ يُقاتِلوكُمْ فِي الدِّينِ ولمْ يُخْرِجُوكُمْ
ص: 235
مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِليْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطين»(1).
وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) : «فَإِنَّهُمْ» أي الناس «صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لكَ فِي الخَلق »(2).
مسألة: ينبغي للمؤمن أن يتعلم الجمع بين عدة أعمال في وقت واحد، كي يكون وقته ذا فائدة أكبر، وهذا ما صنعه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث أخذ الحسنين من أمهما (عليهم السلام) فكان عوناً لها بذلك، ثم تركهما يلعبان في المزرعة وهذا أمر، وقام بنزح الدلاء وإعطاهما بعض التمر ليشبع به جوعتهما وهذا أمر آخر.
مسألة: يستحب أن يأتي الأب لزيارة ابنته مطلقاً، كما أتاها رسول الله (صلىالله عليه وآله)، بمعونة فهم تعدد المطلوب(3).
وهو من إكرام البنت المستحب شرعاً.
عَنِ الجَارُودِ بْنِ المُنْذِرِ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «بَلغَنِي أَنَّهُ
ص: 236
وُلدَ لكَ ابْنَةٌ فَتُسْخِطُهَا، ومَا عَليْكَ مِنْهَا، رَيْحَانَةٌ تَشَمُّهَا، وقَدْ كُفِيتَ رِزْقَهَا، وقَدْ كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَبَا بَنَاتٍ» (1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليها السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «نِعْمَ الوَلدُ البَنَاتُ، مُلطِفَاتٌ مُجَهِّزَاتٌ مُونِسَاتٌ مُبَارَكَاتٌ مُفَليَاتٌ»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «البَنَاتُ حَسَنَاتٌ، والبَنُونَ نِعْمَةٌ، فَإِنَّمَا يُثَابُ عَلى الحَسَنَاتِ ويُسْأَل عَنِ النِّعْمَةِ»(3).
مسألة: يستحب صلة الرحم مطلقاً،بمعونة إلغاء الخصوصية(4).
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَ صِلةَ الرَّحِمِ تُزَكِّي الأَعْمَال، وتُنْمِي الأَمْوَال، وتُيَسِّرُ الحِسَابَ، وتَدْفَعُ البَلوَى، وتَزِيدُ فِي الرِّزْقِ»(5).
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول : «إِنَّ صِلةَ الرَّحِمِ والبِرَّ ليُهَوِّنَانِ الحِسَابَ، ويَعْصِمَانِ مِنَ الذُّنُوب،ِ فَصِلوا أَرْحَامَكُمْ وبَرُّوا بِإِخْوَانِكُمْ، ولوْ بِحُسْنِ السَّلامِ ورَدِّ الجَوَابِ»(6).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ
ص: 237
القَوْمَ ليَكُونُونَ فَجَرَةً ولا يَكُونُونَ بَرَرَةً فَيَصِلونَ أَرْحَامَهُمْ فَتَنْمِي أَمْوَالهُمْ وتَطُول أَعْمَارُهُمْ، فَكَيْفَ إِذَا كَانُوا أَبْرَاراً بَرَرَةً»(1).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ أَعْجَل الخَيْرِثَوَاباً صِلةُ الرَّحِمِ» (2).
عَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «صِل رَحِمَكَ ولوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وأَفْضَل مَا تُوصَل بِهِ الرَّحِمُ كَفُّ الأَذَى عَنْهَا، وصِلةُ الرَّحِمِ مَنْسَأَةٌ فِي الأَجَل مَحْبَبَةٌ فِي الأَهْل»(3).
مسألة: يستحب للجد أن يخاطب أولاد ابنته بأبنائه، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ابنيّ)، ولو قصد الإنسان من ذلك التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) كان له إلى جوار ثواب صلة الرحم، أجر التأسي وإحياء السنة.
قال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «أَحَبُّ العِبَادِ إِلى اللهِ تَعَالى المُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله) والمُقْتَصُّ أَثَرَه» (4).
وقال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «اقْتَدُوا بِهُدَى نَبِيِّكُمْ، فَإِنَّهُ أَصْدَقُ الهُدَى، واسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَىالسُّنَنِ»(5).
ص: 238
ثم إن قوله (صلى الله عليه وآله): (ابني) مما صرح به القرآن الكريم إذ قال تعالى: «فَقُل تَعالوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ»(1) الآية. حيث دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسنين (عليهما السلام).
مسألة: يستحب بيان زهد أهل البيت (عليهم السلام) وإنفاقهم ما عندهم في سبيل الله حتى أنه كثيراً ما لم يبق في بيتهم شيء يذوقه ذائق، وذلك رغم كثرة ما كان يحصل عليه الإمام علي (عليه السلام) من الأموال، فما أكثر سهمه من الغنائم وغيرها، لكنه كان ينفقهها كلها في سبيل الله عزوجل.
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الجَمَّال، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال لي: «يَا صَفْوَانُ هَل تَدْرِي كَمْ بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ»، قَال: قُلتُ: مَا أَدْرِي، قَال: «بَعَثَ اللهُ مِائَةَ أَلفِ نَبِيٍّ وأَرْبَعَةً وأَرْبَعِينَ أَلفَ نَبِيٍّ، ومِثْلهُمْ أَوْصِيَاءَ، بِصِدْقِ الحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ والزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، ومَا بَعَثَ اللهُنَبِيّاً خَيْراً مِنْ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) ولا وَصِيّاً خَيْراً مِنْ وَصِيِّه» (2).
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَال : قِيل للزُّهْرِيِّ: مَنْ أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، قَال: «عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ عليه السلام» (3).
ص: 239
وعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَال : سُمِعَ سَائِل فِي جَوْفِ الليْل وَهُوَ يَقُول: أَيْنَ الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبُونَ فِي الآخِرَةِ، فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنْ نَاحِيَةِ البَقِيعِ يُسْمَعُ صَوْتُهُ ولا يُرَى شَخْصُهُ: ذَاكَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ عليه السلام» (1).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي المِقْدَامِ قَال: رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) وهُوَ يَشْرَبُ فِي قَدَحٍ مِنْ خَزَفٍ (2).
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، قَال: دَخَلتُ عَلى أَبِي الحَسَنِ الأَوَّل (عليه السلام) فِي بَيْتِهِ الذِي كَانَ يُصَلي فِيهِ ، فَإِذَا ليْسَ فِي البَيْتِ شَيْ ءٌ إِلا خَصَفَةٌ وسَيْفٌ مُعَلقٌومُصْحَفٌ (3).
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «مَا تَسْتَعْجِلونَ بِخُرُوجِ القَائِمِ، فَوَ اللهِ مَا لبَاسُهُ إِلا الغَليظُ، ولا طَعَامُهُ إِلا الجَشِبُ» (4).
وعَنْ عَليِّ بْنِ الثُّمَاليِّ، عَنْ بَعْضِ مَنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي مَسْجِدِ الكُوفَةِ، فَقَال لهُ رَجُل: بِأَبِي وأُمِّي إِنِّي لأَتَعَجَّبُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا التِي فِي أَيْدِي هَؤُلاءِ القَوْمِ وليْسَتْ عِنْدَكُمْ، فَقَال: «يَا فُلانُ أَتَرَى أَنَّا نُرِيدُ الدُّنْيَا فَلا نُعْطَاهَا»، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الحَصَى فَإِذَا هِيَ جَوَاهِرُ، فَقَال: «مَا هَذَا»، فَقُلتُ: هَذَا مِنْ أَجْوَدِ الجَوَاهِرِ، فَقَال: «لوْ أَرَدْنَاهُ لكَانَ ولكِنْ لا نُرِيدُهُ» ثُمَّ رَمَى بِالحَصَى فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ (5).
ص: 240
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: مَا شَبِعَ آل مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) ثَلاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعَا حَتَّى لحِقَ بِاللهِ عَزَّ وجَل (1).
مسألة: يستحب مساعدة الزوجة في إدارة الأطفال ورعايتهم، كما صنع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن قال: «إني أتخوف أن يبكيا عليك و...».
والأجر على مساعدتها في شؤون المنزل عظيم، وقد ورد في الرواية أن له بكل شعرة على بدنه ثواب عبادة سنة، ففي جامع الأخبار عن علي (عليه السلام) قال:
«دَخَل عَليْنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَفَاطِمَةُ (عليها السلام) جَالسَةٌ عِنْدَ القِدْرِ وَأَنَا أُنَقِّي العَدَسَ، قَال: يَا أَبَا الحَسَنِ، قُلتُ: لبَّيْكَ يَا رَسُول اللهِ، قَال: اسْمَعْ، وَمَا أَقُول إِلا مَا أَمَرَ رَبِّي، مَا مِنْ رَجُل يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلا كَانَ لهُ بِكُل شَعْرَةٍ عَلى بَدَنِهِ عِبَادَةُ سَنَةٍ، صِيَامُ نَهَارِهَا وَقِيَامُ ليْلهَا، وَأَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَعْطَاهُ اللهُ الصَّابِرِينَ، وَدَاوُدَ النَّبِيَّ وَيَعْقُوبَ وَعِيسَى (عليهم السلام).
يَا عَليُّ مَنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ العِيَال فِي البَيْتِ وَلمْ يَأْنَفْ كَتَبَ اللهُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ، وَكَتَبَ اللهُ لهُ بِكُل يَوْمٍ وَليْلةٍ ثَوَابَ أَلفِ شَهِيدٍ، وَكَتَبَ لهُ بِكُل قَدَمٍ ثَوَابَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَعْطَاهُ اللهُ تَعَالى بِكُل عِرْقٍ فِي جَسَدِهِ مَدِينَةً فِي الجَنَّةِ.يَا عَليُّ سَاعَةٌ فِي خِدْمَةِ العِيال خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَلفِ سَنَةٍ، وَأَلفِ حَجٍّ وَأَلفِ عُمْرَةٍ، وَخَيْرٌ مِنْ عِتْقِ أَلفِ رَقَبَةٍ، وَأَلفِ غَزْوَةٍ وَأَلفِ عِيادَةِ مَرِيضٍ، وَأَلفِ جُمُعَةٍ
ص: 241
وَأَلفِ جَنَازَةٍ، وَأَلفِ جَائِعٍ يُشْبِعُهُمْ، وَأَلفِ عَارٍ يَكْسُوهُمْ، وَأَلفِ فَرَسٍ يُوَجِّهُها فِي سَبِيل اللهِ، وَخَيْرٌ لهُ مِنْ أَلفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ عَلى المَسَاكِينِ، وَخَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيل وَالزَّبُورَ وَالفُرْقَانَ، وَمِنْ أَلفِ أَسِيرٍ أُسِّرَ فَأَعْتَقَهَا، وَخَيْرٌ لهُ مِنْ أَلفِ بَدَنَةٍ يُعْطِي للمَسَاكِينِ، وَلا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى مَكَانَهُ مِنَ الجَنَّةِ.
يَا عَليُّ مَنْ لمْ يَأْنَفْ مِنْ خِدْمَةِ العِيَال دَخَل الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
يَا عَليُّ خِدْمَةُ العِيَال كَفَّارَةٌ للكَبَائِرِ، وَيُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَمُهُورُ حُورِ العِينِ، وَيَزِيدُ فِي الحَسَنَاتِ وَالدَّرَجَاتِ.
يَا عَليُّ لا يَخْدُمُ العِيَال إِلا صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ، أَوْ رَجُل يُرِيدُ اللهُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»(1).
مسألة: يستحب السماح للأطفال باللعبوعدم منعهم عنه، كما ورد في هذا الحديث «فوجدهما يلعبان»، بل هو ظاهر في إذن الإمام لهما (عليهم السلام) باللعب من قبل، إن لم يكن قد حبذ إليهما ذلك.
ويدل على حسن اللعب للأطفال بعض الآيات والروايات، منها:
قوله تعالى حكاية: «أَرْسِلهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلعَبْ وَإِنَّا لهُ لحافِظُون»(2)، وتقرير النبي يعقوب (عليه السلام) لذلك.
ص: 242
وقال الصادق (عليه السلام): «دَعِ ابْنَكَ يَلعَبُ سَبْعَ سِنِينَ، وَأَلزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعاً، فَإِنْ أَفْلحَ وَإِلا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لا خَيْرَ فِيهِ»(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «الغُلامُ يَلعَبُ سَبْعَ سِنِينَ، وَيَتَعَلمُ الكِتَابَ سَبْعَ سِنِينَ، وَيَتَعَلمُ الحَلال وَالحَرَامَ سَبْعَ سِنِينَ»(2).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «عَلمُوا أَوْلادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرِّمَايَةَ»(3).
مسألة: يستحب الكد على العيال، وفيه روايات كثيرة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله»(4)، إلى غيره مما يجده الطالب في الوسائل والمستدرك والبحار وغيرها.
ولعل السبب في أن ن أن الكاد كالمجاهد، أن المجاهد يحفظ الثغور الخارجية والكاد على عياله يحفظ الثغور الداخلية، فإن الأهل والأولاد يحفظون بالإنفاق عليهم من الفقر والمرض والفساد والجريمة وشبهها.
عَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: «الذِي يَطْلبُ مِنْ فَضْل اللهِ عَزَّ وَجَل مَا يَكُفُّ بِهِ عِيَالهُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ المُجَاهِدِ فِي سَبِيل اللهِ عَزَّ وَجَل»(5).
ص: 243
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَاليِّ، عَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) قَال: «أَرْضَاكُمْ عِنْدَ اللهِ أَسْبَغُكُمْ عَلى عِيَالهِ» (1).
وعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ يَزِيدَ قَال: سَمِعْتُ أَبَاعَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول : «اليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى وابْدَأْ بِمَنْ تَعُول»(2) .
وعَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: «صَاحِبُ النِّعْمَةِ يَجِبُ عَليْهِ التَّوْسِعَةُ عَنْ عِيَالهِ »(3).
وقَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): «لأَنْ أَدْخُل السُّوقَ ومَعِي دَرَاهِمُ أَبْتَاعُ بِهِ لعِيَالي لحْماً وقَدْ قَرِمُوا أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ نَسَمَةً»(4).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) إِذَا أَصْبَحَ خَرَجَ غَادِياً فِي طَلبِ الرِّزْقِ، فَقِيل لهُ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَقَال: أَتَصَدَّقُ لعِيَالي ، قِيل لهُ: أَتَتَصَدَّقُ، قَال: مَنْ طَلبَ الحَلال فَهُوَ مِنَ اللهِ عَزَّوجَل صَدَقَةٌ عَليْهِ»(5).
مسألة: يستحب وقد يجب حفظ الأولاد من الحر والبر، خاصة ما كان يضر بحالهما، هذا بالإضافة إلى الأدلة العامة الدالة على توقيتهم من كل
ص: 244
مكروه.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «كُلكُمْ رَاعٍ وكُلكُمْ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّتِه»(1).
وقَال (صلى الله عليه وآله): «كُلكُمْ رَاعٍ وكُلكُمْ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وهُوَ المَسْئُول عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُل فِي أَهْلهِ رَاعٍ وهُوَ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهِيَ مَسْئُولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ فِي مَال سَيِّدِهِ رَاعٍ وهُوَ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُل فِي مَال أَبِيهِ رَاعٍ وهُوَ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وكُلكُمْ رَاعٍ وكُلكُمْ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّتِه»(2).
مسألة: يستحب للوالد والجد حمل الأطفال، كما يستحب ذلك لسائر الأقرباء، بل لسائر الناس، لأنه نوع من الإحسان والتحنن وهو مستحب بالإطلاقات،وقبلها بالدليل العقلي(3).
كما أنه مما يورث الصحة النفسية للحامل والمحمول، والطمأنينة والسكون والاستقرار، ويسبب القوة الجسمية، كما أنه من أسباب تماسك الأسرة(4).
ص: 245
عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين (عليهما السلام) في مرضه الذي توفي فيه، فقالت: «يا رسول الله إن هذين لم تورثهما شيئاً»، فقال: «أما الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي»(1).
-------------------------
مسألة: توريث الصفات الحسنة مستحب.
ومن المحتمل أن يكون المراد في هذا الحديث التوريث الإعجازي بالولاية التكوينية، ويحتمل أن يكون كناية عن وجود تلك الصفات فيهما (عليهما السلام) فهو بيان لصفاتهما.
ثم إن الأنفس الكبيرة تتمكن من التصرف في الكون بمجرد النية والقصد أو بواسطة اللفظ أو ما أشبه(2)، ومعنى الحديث على جمع الاحتمالين:
إن النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاهما(عليهما السلام) فوق ما كان لديهما ذاتاً
ص: 246
من الهيبة والسؤدد، ومن الجرأة والجود، فإنهم (عليهم السلام) يزدادون فضلاً وحسناً وإيماناً وعلماً وعملاً.
ويؤيد ذلك الحديث المشهور: «عبدي أطعني تكن مثلي أو مَثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون»(1).
فمعنى قول فاطمة (عليها السلام) للرسول (صلى الله عليه وآله): «إن هذين لم تورثهما شيئاً»، على هذا عدم التوريث من هذا القبيل، وإلا فالتوريث التكويني الطبيعي موجود قطعاً، فإن الولد على سر أبيه(2).
هذا بالإضافة إلى أنهما (عليهما السلام) لما كانا في بيت رسول الله (صلى اللهعليه وآله) فقد تعلما منه الشيء الكثير(3)، بالإضافة إلى ما كانا يعلمانه غيباً وبالعلم اللدني وما أشبه، حيث إن الأئمة (عليهم السلام) أئمةٌ وآدم (عليه السلام) بين الماء والطين(4)، فعلمهم كعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ أن خلقهم الله أنواراً
ص: 247
فكانوا بعرشه محدقين.
ويدل على ذلك أحاديث متواترة، لأنهم أول خلق الله قبل خلق آدم بآلاف السنين(1).عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «إِنَ اللهَ خَلقَ نُورَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) قَبْل المَخْلوقَاتِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلفَ سَنَةٍ وخَلقَ مَعَهُ اثْنَيْ عَشَرَ حِجَاباً والمُرَادُ بِالحُجُبِ الأَئِمَّةُ (عليهم السلام)»(2).
وأما احتمال أن قولها (عليها السلام) : (لم تورثهما شيئاً) ظاهره، من عدم توريثهما مالاً، فقد يستبعد، إذ لا يرث الأحفاد والأسباط مع وجود الطبقة الأولى، إلاّ أن يوجه بأن القصد منه أن يجيب بما أجاب ليعرف مقامهما أكثر فأكثر.
ص: 248
مسألة: الظاهر أنهم (عليهم السلام) في العلم سواء، وفي الفضل درجات.
فلا إشكال ثبوتاً وفي عالم الإمكان، بل وإثباتاً ووقوعاً في أن يكون لكل منهم (عليهم الصلاة والسلام) فضل على الآخر بخصوصية يمتاز بها، فإن فضل الله وكرمه لا ينتهي إلى حد، وفي الأحاديث: إنهم (عليهم السلام) يزدادون علماً كل جمعة، وورد بالنسبة إلى الآخرة إنهم يزدادون نعيماً باستمرار(1).
قال (عليه السلام): «وَأَوَّلُنَا وَآخِرُنَا فِي الْعِلْمِ سَوَاءٌ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَضْلُهُمَا»(2).
عَنِ المُفَضَّل قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ(عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ وكَانَ لا يُكَنِّينِي قَبْل ذَلكَ: «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ»، فَقُلتُ: لبَّيْكَ جُعِلتُ فِدَاكَ، قَال: «إِنَّ لنَا فِي كُل ليْلةِ جُمُعَةٍ سُرُوراً»، قُلتُ: زَادَكَ اللهُ ومَا ذَاكَ، قَال: «إِنَّهُ إِذَا كَانَ ليْلةُ الجُمُعَةِ وَافَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) العَرْشَ ووَافَى الأَئِمَّةُ مَعَهُ ووَافَيْنَا مَعَهُمْ فَلا تُرَدُّ أَرْوَاحُنَا إِلى أَبْدَانِنَا إِلا بِعِلمٍ مُسْتَفَادٍ، ولوْ لا ذَلكَ لنَفِدَ مَا عِنْدَنَا»(3).
ص: 249
وعن أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ لنَا فِي كُل ليْلةِ الجُمُعَةِ وَفْدَةً إِلى رَبَّنَا فَلا نَنْزِل إِلا بِعِلمٍ مُسْتَطْرَفٍ» (1).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ أَرْوَاحَنَا وأَرْوَاحَ النَّبِيِّينَ تُوَافِي العَرْشَ كُل ليْلةِ جُمُعَةٍ فَتُصْبِحُ الأَوْصِيَاءُ وقَدْ زِيدَ فِي عِلمِهِمْ مِثْل جَمِّ الغَفِيرِ مِنَ العِلمِ»(2).
وفي بعض الروايات أن كل ما يعلمهالإمام اللاحق مما يزيده الله به ويمنحه أيام إمامته، يعطى أولاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم للإمام من بعده (عليه السلام) وهكذا، إلى أن يصل للإمام الحي، ومن الروايات ما جاء في الكافي:
عَنْ زُرَارَةَ، قَال سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: «لوْ لا أَنَّا نَزْدَادُ لأَنْفَدْنَا، قَال: قُلتُ: تَزْدَادُونَ شَيْئاً لا يَعْلمُهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، قَال: أَمَا إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلكَ عُرِضَ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ عَلى الأَئِمَّةِ (عليهم السلام) ثُمَّ انْتَهَى الأَمْرُ إِليْنَا»(3).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «ليْسَ يَخْرُجُ شَيْ ءٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَل حَتَّى يَبْدَأَ بِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ثُمَّ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ لكَيْلا يَكُونَ آخِرُنَا أَعْلمَ مِنْ أَوَّلنَا»(4).
ص: 250
مسألة: يستحب الإقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله) في الاتصاف بهذه الصفات: الهيبة والسؤدد والجرأة والجود ونحوها، بالاكتساب والإيحاء وغير ذلك، إضافة إلى ما فيها من العزة التي ينبغي أن يتميز بها المؤمن، قال تعالى: «وَللهِ العِزَّةُ وَلرَسُولهِ وَللمُؤْمِنينَ»(1).
فإن اكتساب مطلق الصفات الحسنة والإقتداء بالرسول (صلى الله عليه وآله) في مختلف الأمور من أهم المستحبات، وقد يجب ذلك، قال سبحانه: «لقَدْ كانَ لكُمْ في رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَ اليَوْمَ الآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثيراً»(2).
وقال عزوجل: «أُولئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»(3).
وعَنِ الرِّضَا (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ: أَنَّ الصَّادِقَ (عليه السلام) قَال: «أَنَا مِنَ الذِينَ قَال اللهُ أُولئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فَسَل عَمَّا شِئْتَ»(4).
ص: 251
مسألة: يستحب أن يطلب الإنسان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) والأولياء حاجاته، وأن يوسطهم لدى الله تعالى، وكان طلب الصديقة (عليها السلام) من الرسول (صلى الله عليه وآله) واقعياً وتعليمياً.
قال سبحانه: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِليْهِ الوَسيلةَ»(1).
وفي الروايات: «تقربوا إليه بالإمام»(2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَابْتَغُوا إِليْهِ الوَسِيلةَ»: «أنا وسيلته، وأنا وولدي ذريته»(3).
مسألة: يستحب نقل الإنسان صفاته المجيدة وكمالاته المعنوية إلى أولاده، بل وإلى غيرهم، فالحسن عام لكل ناقلومنقول إليه، والطرق إلى ذلك متنوعة متعددة، وقد ذكر الكثير منها في الروايات، ومنها الأدعية ومنها الأغذية، ومنها الإيحاء.
عَنْ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) قَال: «جَاءَ رَجُل إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه
ص: 252
وآله) فَقَال: يَا رَسُول اللهِ مَا حَقُّ ابْنِي هَذَا، قَال: تُحْسِنُ اسْمَهُ وأَدَبَهُ وضَعْهُ مَوْضِعاً حَسَناً»(1).
وَعَنْهُ (صلى الله عليه وآله) قَال: «أَكْرِمُوا أَوْلادَكُمْ، وأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ، يُغْفَرْ لكُم» (2).
وعَنْهُ (عليه السلام) قَال: «لأَنْ يُؤَدِّبَ أَحَدُكُمْ وُلدَهُ خَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ كُل يَوْمٍ»(3).
وقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «فَرِّقُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي المَضَاجِعِ إِذَا بَلغُوا سَبْعَ سِنِين» (4).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلاةِ إِذَا كَانُوا أَبْنَاءَ عَشْرِسِنِينَ»(5).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلاةِ إِذَا عَقَل، وبِالصَّوْمِ إِذَا أَطَاق» (6).
ص: 253
مسألة: يستحب أن يكون الإنسان ذا هيبة وسؤدد، وأن لا يكون مبتذلاً في مزاحه وحديثه وأخذه وعطائه، من غير أن ينافي ذلك التواضع، فالجمع بين المهابة والتواضع هو المطلوب، وهو أشبه في بادئ النظر بالجمع بين الأضداد، لكن الهيبة تنشأ من قوة النفس ورجاحة العقل وموفور العلم ورزانة الحلم، أما التواضع فينشأ من أن لا يرى لنفسه امتيازاً على الآخرين وإن كان متميزاً فإنه بفضل الله تعالى وكرمه، ومظهره السلوك والممارسة وكيفية التعامل مع الآخرين.
عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «كَثْرَةُ المِزَاحِ تُسْقِطُ الهَيْبَةَ»(1).
وعَنْه (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «آفَةُ الهَيْبَةِ المِزَاحُ»(2).
وعَنْه (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «بِالوَقَارِ يَكْثُرُ الهَيْبَةُ»(3).
وعَنْه (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «وَمَنْ عُرِفَ بِالحِكْمَةِ لحَظَتْهُ العُيُونُ بِالوَقَارِوَالهَيْبَة»(4).
مسألة: تستحب الجرأة في مواردها، وهي لا تختص بميادين القتال بل هي مطلوبة في كل خير، فإن تأسيس المؤسسات مثلاً يحتاج إلى جرأة، حيث لا مال
ص: 254
ولا تجربة ولا أعوان، ولكن قال تعالى: «وَالذينَ جاهَدُوا فينا لنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنا وَإِنَّ اللهَ لمَعَ المُحْسِنينَ»(1).
ومن المشهور: (منك الحركة ومن الله البركة).
فإن الإنسان إذا امتلك الجرأة للإقدام والعمل، فخطط واستشار، وطالع وفكّر، وجدّ وثابر، لاكتسب النجاح وحصل على الخبرة والمال والأعوان وما يستلزمه الأمر، وإن كان بنوع من المشقة فإنها تزيده أجراً.
عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَشَدُّ مِنَ الوُقُوعِ فِيهِ»(2).
وعَنْه (عليه السلام) أَنَّهُ قَال:«الشَّجَاعَةُ عِزٌّ ظَاهِرٌ»(3).
وعَنْه (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «الشَّجَاعَةُ نُصْرَةٌ حَاضِرَةٌ وفَضِيلةٌ ظَاهِرَةٌ»(4).
وعَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ البَصَرَ النَّافِذَ عِنْدَ مَجِي ءِ الشَّهَوَاتِ، والعَقْل الكَامِل عِنْدَ نُزُول الشُّبُهَاتِ، ويُحِبُّ السَّمَاحَةَ ولوْ عَلى تَمَرَاتٍ، ويُحِبُّ الشَّجَاعَةَ ولوْ عَلى قَتْل حَيَّة»(5).
ص: 255
مسألة: يستحب الجود والكرم، ولا يختص الجود ببذل المال، بل يشمل الجود بالوقت في قضاء حاجة المؤمن وشبه ذلك، وببذل ماء الوجه، لإصلاح ذات البين وشبه ذلك، وغيرها.
قال تعالى: «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأَطيعُوا وأَنْفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفْلحُون »(1).
وقال علي بن الحسين (عليه السلام): إنَّ أَكْرَمَ النَّاسِ عَلى النَّاسِ مَنْ كَانَ خَيْرُهُ عَليْهِمْ فَائِضاً، وكَانَ عَنْهُمْ مُسْتَغْنِياً مُتَعَفِّفاً، وأَكْرَمُ النَّاسِ بَعْدَهُ عَليْهِمْ مَنْ كَانَ عَنْهُمْ مُتَعَفِّفاً، وإِنْ كَانَ إِليْهِمْ مُحْتَاجاً، فَإِنَّمَا أَهْل الدُّنْيَا يَعْشَقُونَ الأَمْوَال، فَمَنْ لمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيمَا يَعْشَقُونَهُ كَرُمَ عَليْهِمْ، ومَنْ لمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيهَا ومَكَّنَهُمْ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا، كَانَ أَعَزَّ عَليْهِمْ وأَكْرَمَ»(2).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «سَادَةُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الأَسْخِيَاءُ وفِي الآخِرَةِالأَتْقِيَاءُ»(3).
وعَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «ابْذُل مَعْرُوفَكَ للنَّاسِ كَافَّةً، فَإِنَّ فَضِيلةَ المَعْرُوفِ لا يَعْدِلهَا عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ شَيْ ءٌ»(4).
ص: 256
عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: قلت: يا رسول الله، أنحل ابني الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال: أنحل الحسن المهابة والحلم، وأنحل الحسين السماحة والرحمة.
وفي رواية: «نحلت هذا الكبير المهابة والحلم، ونحلت الصغير المحبة والرضا»(1).
----------------------
مسألة: الظاهر في مثل هذه الأحاديث واختلاف المقولات والخصوصيات وما أشبه، أن القضية كانت متعددة كما في غيرها من الموارد، فمرة قال (صلى الله عليه وآله): الهيبة والسؤدد والجرأة والجود، وأخرى قال: المهابة والحلم والسماحة والرحمة.
ويدل على التعدد أن الصديقة (صلوات الله عليها) تارة طلبت توريثهما، وأخرىطلبت أن ينحلهما، والنحلة هي العطية والهبة من طيب نفس بلا توقع
ص: 257
عوض.
كما يدل على التعدد أيضاً تعدد المعطَى، إذ أورث الحسين (عليه السلام) الجرأة والجود، كما في الرواية السابقة، ونحله السماحة والرحمة، وأما الحسن (عليه السلام) فقد أورثه الهيبة والسؤدد كما في الحديث السابق، ونحله المهابة والحلم، فالمتكرر فقط هو (المهابة والهيبة) والظاهر أن المراد بها في كل مرة نوعاً منها أو درجة منها، كما يحتمل أن تكون هذه القضية طلباً ابتدائياً لا في خصوص مرض موته (صلى الله عليه وآله) عكس تلك.
مسألة: يستحب طلب النحلة المعنوية للأولاد، فإن طلب الفضيلة مادياً كان أو معنوياً حسن، كما أن عطاءه حسن آخر.
وفي دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة:
«اللهُمَّ ومُنَّ عَليَّ بِبَقَاءِ وُلدِي وبِإِصْلاحِهِمْ لي وبِإِمْتَاعِي بِهِمْ. إِلهِي امْدُدْ لي فِي أَعْمَارِهِمْ، وزِدْ لي فِي آجَالهِمْ، ورَبِّ لي صَغِيرَهُمْ، وقَوِّ لي ضَعِيفَهُمْ، وأَصِحَّ لي أَبْدَانَهُمْ وأَدْيَانَهُمْ وأَخْلاقَهُمْ، وعَافِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وفِي جَوَارِحِهِمْ وفِي كُل مَاعُنِيتُ بِهِ مِنْ أَمْرِهِمْ، وأَدْرِرْ لي وعَلى يَدِي أَرْزَاقَهُمْ. وَاجْعَلهُمْ أَبْرَاراً أَتْقِيَاءَ بُصَرَاءَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ لكَ، ولأَوْليَائِكَ مُحِبِّينَ مُنَاصِحِينَ، ولجَمِيعِ أَعْدَائِكَ مُعَانِدِينَ ومُبْغِضِينَ، آمِينَ» الدعاء(1).
ص: 258
مسألة: يستحب الحلم، فإنه جماع المكارم، وفي الرواية: «كاد الحليم أن يكون نبياً»(1).
ثم إن من طرق الحلم هو التحلم، وقد ورد «إن لم تكن حليماً فتحلم»(2)، فإن التطبع يودي إلى تحوله طبعاً شيئاً فشيئاً.
عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يُحِبُ الحَيِيَ الحَليمَ» (3).
وعَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) قَال : «المُؤْمِنُ خَلطَ عِلمَهُ بِالحِلمِ » إلى أن قال: «ولا يَفْعَل شَيْئاً مِنَ الحَقِّ رِيَاءً ولا يَتْرُكُهُ حَيَاءً»(4).
وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى زَيَّنَ شِيعَتَنَا بِالحِلمِ،وغَشَّاهُمْ بِالعِلمِ، لعِلمِهِ بِهِمْ قَبْل أَنْ يَخْلقَ آدَمَ عليه السلام»(5).
ص: 259
مسألة: تستحب الرحمة، وفي الحديث «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَن»(1).
وقال (عليه السلام): «ارْحَمْ تُرْحَمْ»(2).
وقال تعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهم»(3).
بل إن الله خلقنا ليرحمنا، «وَلا يَزالونَ مُخْتَلفين * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ولذلكَ خَلقَهُمْ»(4).
عَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل رَحِيمٌ يُحِبُ كُل رَحِيمٍ»(5).
وعَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ارْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكَ مَنْفِي السَّمَاءِ»(6).
ص: 260
مسألة: تستحب المحبة، والمراد من المحبة إما المحبة في قلوب المؤمنين، فيكون على اسم المفعول، أي أن يكون محبوباً، وإما أن يكون محباً للآخرين، فالمحبة لله وللمؤمنين ولسائر الخلق، فيكون على اسم الفاعل أي كونه محباً لهم.
عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي حَدِيثِ المِعْرَاجِ، عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «قَال اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى: يَا أَحْمَدُ إِنَّ المَحَبَّةَ للهِ هِيَ المَحَبَّةُ للفُقَرَاءِ وَالتَّقَرُّبُ إِليْهِمْ، قَال: يَا رَبِّ وَمَنِ الفُقَرَاءُ؟ قَال: الذِينَ رَضُوا بِالقَليل، وَصَبَرُوا عَلى الجُوعِ، وَشَكَرُوا عَلى الرَّخَاءِ، وَلمْ يَشْكُوا جُوعَهُمْ وَلا ظَمَأَهُمْ، وَلمْ يَكْذِبُوا بِأَلسِنَتِهِمْ، وَلمْ يَغْضَبُوا عَلى رَبِّهِمْ، وَلمْ يَغْتَمُّوا عَلى مَا فَاتَهُمْ،
وَلمْ يَفْرَحُوا بِمَا آتَاهُمْ، يَا أَحْمَدُ مَحَبَّتِي مَحَبَّةُ الفُقَرَاءِ، فَأَدْنِ الفُقَرَاءَ وَقَرِّبْ مَجْلسَهُمْ مِنْكَ، وَبَعِّدِ الأَغْنِيَاءَ وَبَعِّدْ مَجْلسَهُمْ فَإِنَّ الفُقَرَاءَ أَحِبَّائِي»(1).
أقول: أي الأغنياء الذين يبعدون الإنسان عن الله تعالى ويوقعونه فيالمعصية.
وعَنْ شُعَيْبٍ العَقَرْقُوفِيِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول لأَصْحَابِهِ : «اتَّقُوا اللهَ وكُونُوا إِخْوَةً بَرَرَةً، مُتَحَابِّينَ فِي اللهِ ، مُتَوَاصِلينَ مُتَرَاحِمِينَ، تَزَاوَرُوا وتَلاقَوْا وتَذَاكَرُوا أَمْرَنَا وأَحْيُوهُ»(2).
ص: 261
وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال : «قَال اللهُ تَعَالى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي للمُتَحَابِّينَ فِيَ والمُتَجَالسِينَ فِيَّ والمُتَبَاذِلينَ فِي»(1) .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ للهِ عَمُوداً مِنْ زَبَرْجَدٍ أَعْلاهُ مَعْقُودٌ بِالعَرْشِ، وأَسْفَلهُ فِي تُخُومِ الأَرَضِينَ السَّابِعَةِ، عَليْهِ سَبْعُونَ أَلفَ قَصْرٍ، فِي كُل قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَقْصُورَةٍ، فِي كُل مَقْصُورَةٍ سَبْعُونَ أَلفَ حَوْرَاءَ، قَدْ أَعَدَّ اللهُ ذَلكَ للمُتَحَابِّينَ فِي اللهِ، والمُتَبَاغِضِينَ فِي اللهِ»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ المُسْلمَيْنِ يَلتَقِيَانِ فَأَفْضَلهُمَا أَشَدُّهُمَاحُبّاً لصَاحِبِهِ»(3).
مسألة: يستحب الرضا، والمراد منه الرضا بقضاء الله تعالى وقدره.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «رَأْسُ طَاعَةِ اللهِ الصَّبْرُ وَالرِّضَا عَنِ اللهِ فِيمَا أَحَبَّ العَبْدُ أَوْ كَرِهَ، وَلا يَرْضَى عَبْدٌ عَنِ اللهِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلا كَانَ خَيْراً لهُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ»(4).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ أَعْلمَ النَّاسِ بِاللهِ أَرْضَاهُمْ بِقَضَاءِ
ص: 262
اللهِ عَزَّ وَ جَل»(1).
وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «قَال اللهُ عَزَّ وَ جَل: عَبْدِيَ المُؤْمِنَ لا أَصْرِفُهُ فِي شَيْ ءٍ إِلا جَعَلتُهُ خَيْراً لهُ، فَليَرْضَ بِقَضَائِي، وَليَصْبِرْ عَلى بَلائِي، وَليَشْكُرْ نَعْمَائِي، أَكْتُبْهُ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الصِّدِّيقِينَ عِنْدِي»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال:«عَجِبْتُ للمَرْءِ المُسْلمِ لا يَقْضِي اللهُ عَزَّ وَجَل لهُ قَضَاءً إِلا كَانَ خَيْراً لهُ، وَإِنْ قُرِّضَ بِالمَقَارِيضِ كَانَ خَيْراً لهُ، وَإِنْ مَلكَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا كَانَ خَيْراً لهُ»(3).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «أَحَقُّ خَلقِ اللهِ أَنْ يُسَلمَ لمَا قَضَى اللهُ عَزَّ وَجَل مَنْ عَرَفَ اللهَ عَزَّ وَجَل، وَمَنْ رَضِيَ بِالقَضَاءِ أَتَى عَليْهِ القَضَاءُ وَعَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ، وَمَنْ سَخِطَ القَضَاءَ مَضَى عَليْهِ القَضَاءُ وَأَحْبَطَ اللهُ أَجْرَه »(4).
ص: 263
حكي عن الصديقة الزهراء (عليها السلام) أنها كانت تحرّك الحسن (عليه السلام) وتقول:
أشبه أباك يا حسن *** وأخلع عن الحق الرسن
واعبد إلهاً ذا منن *** ولا توالي ذا الأحن
وقالت للحسين (عليه السلام):
أنت شبيه بأبي *** لست شبيهاً بعلي(1).
------------------------------
أقول: أي الشبه التام، فإن الشبه مختلف بالاعتبار.
مسألة: يجوز أن يقول الإنسان لابنه: أنت شبيه بفلان من أجداده أو أقربائه، إذا لم يكن فيه محذور، كما يجوز أن يقول: لا بفلان، إذا لم يكن فيه محذور آخر.
ومراد الصديقة (عليها الصلاة والسلام) فينفي الشبه وإثباته الشباهة التامة، أو
ص: 264
الشبه الأكثر، أو بلحاظ بعض الجهات كالشكل الظاهري، فإن الشبه مختلف بالاعتبار واللحاظ والنسبة، وإلاّ فلا شك أنهما (عليهما السلام) كانا شبيهين بالرسول وبعلي (عليهما الصلاة والسلام).
ويحتمل في قولها: (أشبه أباك يا حسن)، وقولها للحسين (عليه السلام): (أنت شبيه بالنبي، لست شبيهاً بعلي)، أن يكون إشارة إلى بعض أدوار حياتهما المستقبلية إخباراً، بل وإنشاءً، فلعل (أشبه أباك يا حسن) إشارة إلى مشابهة أبيه علي (عليه السلام) في موقفه العام من الغاصبين للخلافة، فكما كان له من الموقف تجاه ابن أبي قحافة وابن الخطاب وعثمان، كان للحسن (عليه السلام) الموقف تجاه معاوية طوال عشر سنين، وكما ابتدأ الإمام علي (عليه السلام) بالسعي لاسترداد حقه وطلب الأنصار للنهوض في مقابل الانقلاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد شهادته، كذلك فعل الإمام الحسن (عليه السلام) إذ جيش الجيش ثم صالح، أو كما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين فعل الحسن (عليه السلام) في بداية خلافته، والله العالم.
وهكذا في قولها (عليها السلام) للحسين (عليه السلام): (أنت شبيه بالنبي لست شبيهاً بعلي)، فلعله لعكس الجملةالسابقة، إذ كانت وظيفة الحسين (عليه
السلام) النهوض والقيام والثورة العسكرية في مقابل أولئك القوم، كما كانت وظيفة الرسول (صلى الله عليه وآله) النهوض والجهاد في قبال المشركين، والله العالم.
ص: 265
في المقاتل: «وَبَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) فَلمَّا بَرَزَ عَليْهِمْ دَمَعَتْ عَيْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) فَقَال: اللهُمَّ كُنْتَ أَنْتَ الشَّهِيدَ عَليْهِمْ فَقَدْ بَرَزَ ابْنُ رَسُولكَ وأَشْبَهُ النَّاسِ وَجْهاً وسَمْتاً بِه» (1).
ورفع الحسين (عليه السلام) سبابته نحو السماء وقال: «اللهُمَّ اشْهَدْ عَلى هَؤُلاءِ القَوْمِ فَقَدْ بَرَزَ إِليْهِمْ غُلامٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلقاً وخُلقاً ومَنْطِقاً بِرَسُولكَ»(2).
وعَنْ أَبِي الحَسَنِ الأَوَّل (عليه السلام) قَال: «كَانَ الحَسَنُ (عليه السلام) أَشْبَهَ النَّاسِ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا بَيْنَ رَأْسِهِ إِلى سُرَّتِهِ، وإِنَّ الحُسَيْنَ (عليه السلام) أَشْبَهُ النَّاسِ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إِلى قَدَمِهِ»(3).
وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ قَال:سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الحَسَنَ بْنَ عَليٍّ العَسْكَرِيَّ (عليه السلام) يَقُول : «الحَمْدُ للهِ الذِي لمْ يُخْرِجْنِي مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَرَانِيَ الخَلفَ مِنْ بَعْدِي ما أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً، يَحْفَظُهُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى فِي غَيْبَتِهِ، ويُظْهِرُهُ فَيَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وعَدْلا كَمَا مُلئَتْ جَوْراً وظُلماً»(4).
ص: 266
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «المَهْدِيُّ مِنْ وُلدِي اسْمُهُ اسْمِي، وكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلقاً وخُلقاً، تَكُونُ بِهِ غَيْبَةٌ وحَيْرَةٌ تَضِل فِيهَا الأُمَمُ، ثُمَّ يُقْبِل كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ يَمْلؤُهَا عَدْلا وقِسْطاً كَمَا مُلئَتْ جَوْراً وظُلماً»(1).
مسألة: يجوز أن يخاطب الطفل عطوفةً بقوله (بأبي)، كما في هذا الحديث.
مضافاً إلى الروايات الكثيرة فيالعطف على الأولاد وحسن التعامل معهم.
عَنْ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) قال: «إِذَا وَعَدْتُمُ الصِّغَارَ فَأَوْفُوا لهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الذِينَ تَرْزُقُونَهُمْ، وإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل ليْسَ يَغْضَبُ لشَيْ ءٍ كَغَضَبِهِ للنِّسَاءِ والصِّبْيَانِ، وبِإِدْخَال الفَاكِهَةِ عَليْهِمْ خُصُوصاً فِي الجُمَعِ»(2).
مسألة: يستحب تربية الطفل على عبادة الله، وبيان أن الله تعالى ذو منن عليه، وذلك بشرحها له وتعدادها بلغة مبسطة في شتى المناسبات، وهذه من
ص: 267
ضمن مجموعة برامج لتربية الأطفال أكد عليها الإسلام.
قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «عَلمُوا أَوْلادَكُمْ (يَس) فَإِنَّهَا رَيْحَانَةُ القُرْآنِ»(1).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «عَلمُوا أَوْلادَكُمُ الصَّلاةَ لسَبْعٍ، وخُذُوهُمْ بِهَا إِذَابَلغُوا الحُلمَ»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال : «كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يُعْجِبُهُ أَنْ يُرْوَى شِعْرُ أَبِي طَالبٍ وأَنْ يُدَوَّنَ، وقَال: تَعَلمُوهُ وعَلمُوا أَوْلادَكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ عَلى دِينِ اللهِ وفِيهِ عِلمٌ كَثِير»(3).
وعَنْ أَبِي هَارُونَ المَكْفُوفِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «يَا أَبَا هَارُونَ إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) كَمَا نَأْمُرُهُمْ بِالصَّلاةِ، فَالزَمْهُ فَإِنَّهُ لمْ يَلزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ»(4).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) قَال: «إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِالصَّلاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي خَمْسِ سِنِينَ، فَمُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي سَبْعِ سِنِينَ، ونَحْنُ نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِالصَّوْمِ إِذَا كَانُوا بَنِي سَبْعِ سِنِينَ بِمَا أَطَاقُوا مِنْصِيَامِ اليَوْمِ إِنْ كَانَ إِلى نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلكَ أَوْ أَقَل، فَإِذَا غَلبَهُمُ العَطَشُ والغَرَثُ
ص: 268
أَفْطَرُوا حَتَّى يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ ويُطِيقُوهُ، فَمُرُوا صِبْيَانَكُمْ إِذَا كَانُوا بَنِي تِسْعِ سِنِينَ بِالصَّوْمِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ صِيَامِ اليَوْمِ فَإِذَا غَلبَهُمُ العَطَشُ أَفْطَرُوا»(1).
مسألة: يستحب تربية الطفل على أن لا يوالي ذا الأحن.
والإحن جمع إحنة، وهي الحقد والضغينة والشحناء.
عَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «مَنْ زَرَعَ الإِحَنَ حَصَدَ المِحَنَ»(2).
وعنه (عليه السلام) قَال: «سِلاحُ الشَّرِّ الحِقْدُ»(3).
وعنه (عليه السلام) قَال: «دَعِ الحَسَدَ والكَذِبَ والحِقْدَ، فَإِنَّهُنَّ ثَلاثَةٌ تَشِينُ الدِّينَ وتُهْلكُ الرَّجُل»(4).
مسألة: يجوز الأخذ بالصبي وتحريكه مما يوجب أنسه وسروره وفرحه وانشراحه، مع رعاية الموازين الشرعية، بما لا يكون رقصاً، وما ورد في بعض النصوص من ترقيصه يراد به تحريكه كما ذكر.
هذا إذا لم يسبب تأذي الصبي، وإلا فلا يجوز، فإن إيذاء الناس قريباً كان
ص: 269
أو غير قريب حرام، قال تعالى: «وَالذينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنينَ وَالمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبيناً»(1)، نعم يخرج من ذلك ما علم من السيرة أو الأدلة الأخرى خروجه(2).
ثم إن الرقص إذا كان مشتملاً على محرم فلا يجوز، كرقص الرجال للنساء، والنساء للرجال، أما مجرد الرقص بلا اشتماله على حرام فقد قال بعض الفقهاء بأنه مكروه، وإن أشكل فيهآخرون.
وقد ذكرنا في (الفقه: المحرمات) ما ينفع المقام(3).
مسألة: يجوز إنشاء الأشعار للطفل وكذلك الإنشاد له، وهكذا بالنسبة إلى النثر الموجب لتفريحه وأنسه، وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من كان له ولد صبا»(4).
هذا إذا أريد به الإنشاء لا الأخبار، والإنشاء غير بعيد، لأن كلامهم (عليهم السلام) يحمل على الحكم ما وجد إليه سبيلاً، قال سبحانه: وَما أَرْسَلنا مِنْ
ص: 270
رَسُول إِلاَّ ليُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ (1)، وملاكه موجود في سائر المعصومين (عليهم السلام)، بل يدل عليه قوله تعالى: «أَطيعُوا اللهَ وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ»(2).
وقد ورد في الرواية كما عن الصدوق، قال النبي (صلى الله عليه وآله): «منكان عنده صبي فليتصاب له»(3).
ص: 271
عن سلمان قال: كانت فاطمة (عليها السلام) جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير.. قال سلمان: إني مولى عتاقة(1)
إما أطحن الشعير، أو أسكت لك الحسين (عليه السلام)، فقالت: «أنا بتسكيته أرفق»(2).
------------------------------
مسألة: العمل في الإسلام بشكل مطلق بين مستحب وواجب، إلا ما استثني، وفي روايات المعصومين (عليهم السلام) الحث الكبير والفضل الكثير للعمل، وقد أمر القرآن الكريم به.
قال تعالى: «وَقُل اعْمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلكُمْ وَرَسُولهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالمِ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ»(3).
وقال سبحانه: «قُل يا قَوْمِ اعْمَلوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّيعامِل»(4).
ص: 272
وقال عزوجل: «اعْمَلوا آل داوُدَ شُكْراً»(1).
نعم ليس الأمر بالعمل مستقلاً عن الأمر بأنواعه ومصاديقه، كالصلاة والجهاد، فلا يتعدد العقاب أو الثواب بترك نوع أو فعله.
مسألة: العمل اليدوي، ومنه طحن الشعير لمن لا يجد وسيلة أفضل، مستحب، وهو مضافاً إلى استحبابه يمنح الإنسان الصحة الجسمية والنفسية ويزيده قوة، كما أن العمل يمنع سرعة الشيخوخة، كما يحول دون الكثير من المفاسد والأمراض والأعراض، فإنه تفريغ للطاقة البدنية بشكل إيجابي، قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) يَحْتَطِبُ ويَسْتَقِي ويَكْنُسُ، وكَانَتْ فَاطِمَةُ (سَلامُ اللهِ عَليْهَا) تَطْحَنُ وتَعْجِنُ وتَخْبِزُ»(2).وعَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ جَابِرٍ قَال: أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ لهُ بِيَدِهِ مِسْحَاةٌ وهُوَ يَفْتَحُ بِهَا المَاءَ وعَليْهِ قَمِيصٌ شِبْهَ الكَرَابِيسِ كَأَنَّهُ مَخِيطٌ عَليْهِ مِنْ ضِيقِهِ(3).
ص: 273
ورُوِيَ عَنِ الفَضْل بْنِ أَبِي قُرَّةَ قَال: دَخَلنَا عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وهُوَ يَعْمَل فِي حَائِطٍ لهُ فَقُلنَا: جَعَلنَا اللهُ فِدَاكَ دَعْنَا نَعْمَل لكَ أَوْ تَعْمَلهُ الغِلمَانُ، قَال: «لا، دَعُونِي فَإِنِّي أَشْتَهِي أَنْ يَرَانِيَ اللهُ عَزَّوجَل أَعْمَل بِيَدِي وأَطْلبُ الحَلال فِي أَذَى نَفْسِي»(1).
وقَال الصادق (عليه السلام): «المِغْزَل فِي يَدِ المَرْأَةِ الصَّالحَةِ كَالرُّمْحِ فِي يَدِ الغَازِي المُرِيدِ وَجْهَ الله»(2) .
وَقَال (عليه السلام): «مُرُوا نِسَاءَكُمْ بِالغَزْل فَإِنَّهُ خَيْرٌ لهُنَّ وأَزْيَن»(3) .
وقال (صلى الله عليه وآله): «نِعْمَ اللهْوُالمِغْزَل للمَرْأَةِ الصَّالحَةِ»(4).
وعَنْ أُمِّ الحَسَنِ النَّخَعِيَّةِ قَالتْ: مَرَّ بِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) فَقَال: «أَيَّ شَيْ ءٍ تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ الحَسَنِ»، قُلتُ: أَغْزِل، قَالتْ: فَقَال: «أَمَا إِنَّهُ أَحَل الكَسْبِ»(5).
ومَرَّ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَلى امْرَأَةٍ وهِيَ جَالسَةٌ عَلى بَابِ دَارِهَا بُكْرَةً وكَانَ يُقَال لهَا أُمُّ بَكْرٍ وفِي يَدِهَا مِغْزَل تَغْزِل بِهِ فَقَال لهَا: يَا أُمَّ بَكْرٍ أَمَا كَبِرْتِ، أَمَا آنَ لكِ أَنْ تَضَعِي هَذَا المِغْزَل، فَقَالتْ: وكَيْفَ أَضَعُهُ وقَدْ سَمِعْتُ عَليَّ بْنَ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) يَقُول: «هُوَ مِنْ طَيِّبَاتِ الكَسْبِ»(6).
ص: 274
مسألة: يستحب تربية الأُم للطفل وإدارة شؤونه مباشرة، وتفويض عمل البيت إلى الغير لو تعارضا، لا العكس.
فإن تربية الأُم المؤمنة لولدها تربية حسنة من أفضل الأعمال، اقتداءً بالصديقة الزهراء (عليها السلام)، أما إذا لم تكن الأُم مرباة هي بنفسها، وكان الغير مربياً صالحاً فالأفضل التفويض، وذلك للأدلة العامة.
وفي الدعاء: (اللهُمَّ اغْفِرْ لنَا ولآبَائِنَا ولأُمَّهَاتِنَا كَمَا رَبَّوْنَا صِغَاراً، وأَدَّبُونَا كِبَاراً، اللهُمَّ أَعْطِنَا وإِيَّاهُمْ مِنْ رَحْمَتِكَ أَسْنَاهَا وأَوْسَعَهَا، ومِنْ جِنَانِكَ أَعْلاهَا وأَرْفَعَهَا، وأَوْجِبْ لنَا مِنْ رِضَاكَ عَنَّا مَا تُقِرُّ بِهِ عُيُونَنَا، وتُذْهِبُ لنَا حُزْنَنَا، وأَذْهِبْ عَنَّا هُمُومَنَا وغُمُومَنَا فِي أَمْرِ دِينِنَا ودُنْيَانَا، وقَنِّعْنَا فِيهَا بِتَيْسِيرِ رِزْقِكَ عِنْدَنَا، واعْفُ عَنَّا وعَافِنَا أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنَا، وآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذابَ النَّارِ)(1).
وفي تَفْسِيرُ العَسْكَرِيِّ (عليه السلام): فِي قَوْلهِ تَعَالى : «وَبُشْرى للمُؤْمِنِينَ »(2): «وَذَلكَ أَنَّالقُرْآنَ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِالرَّجُل الشَّابِ يَقُول لرَبِّهِ عَزَّ وجَل: يَا رَبِّ هَذَا أَظْمَأْتُ نَهَارَهُ وأَسْهَرْتُ ليْلهُ وقَوَّيْتُ فِي رَحْمَتِكَ طَمَعَهُ وفَسَحْتُ فِي رَحْمَتِكَ أَمَلهُ فَكُنْ عِنْدَ ظَنِّي فِيكَ وظَنِّهِ، يَقُول اللهُ تَعَالى: أَعْطُوهُ المُلكَ بِيَمِينِهِ والخُلدَ بِشِمَالهِ واقْرِنُوهُ بِأَزْوَاجِهِ مِنَ الحُورِ العِينِ واكْسُوا وَالدَيْهِ حُلةً
ص: 275
لا تَقُومُ لهَا الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا فَيَنْظُرُ إِليْهِمَا الخَلائِقُ، فَيُعَظِّمُونَهُمَا ويَنْظُرَانِ إِلى أَنْفُسِهِمَا فَيَعْجَبَانِ مِنْهُمَا فَيَقُولانِ: يَا رَبَّنَا أَنَّى لنَا هَذِهِ ولمْ تَبْلغْهَا أَعْمَالنَا، فَيَقُول اللهُ عَزَّ وجَل: ومَعَ هَذَا تَاجُ الكَرَامَةِ لمْ يَرَ مِثْلهُ الرَّاءُونَ ولمْ يَسْمَعْ بِمِثْلهِ السَّامِعُونَ ولا يَتَفَكَّرُ فِي مِثْلهِ المُتَفَكِّرُونَ، فَيُقَال: هَذَا بِتَعْليمِكُمَا وَلدَكُمَا القُرْآنَ، وبِتَبْصِيرِكُمَا إِيَّاهُ بِدِينِ الإِسْلامِ، وبِرِيَاضَتِكُمَا إِيَّاهُ عَلى حُبِّ مُحَمَّدٍ رَسُول اللهِ وعَليٍّ وَليِّ اللهِ (صلوات الله عليهما) وتَفَقُّهِكُمَا إِيَّاهُ بِفِقْهِهِمَا، لأَنَّهُمَا اللذَانِ لا يَقْبَل اللهُ لأَحَدٍ عَمَلا إِلا بِوَلايَتِهِمَا ومُعَادَاةِ أَعْدَائِهِمَا وإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ الثَّرَى إِلى العَرْشِ ذَهَباً يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي سَبِيل اللهِ» الخَبَر(1).
مسألة: يستحب أن يعرض الإنسان على الغير خدمته بوجه ما، كما صنع سلمان (رضوان الله عليه)، كما أن الأفضل أن يترك للغير اختيار نوع العمل ، إلاّ لو كان هو أخبر بالصلاح والإصلاح.
عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «خِدْمَةُ المُؤْمِنِ لأَخِيهِ المُؤْمِنِ دَرَجَةٌ لا يُدْرَكُ فَضْلهَا إِلا بِمِثْلهَا»(2).
وعَنْ جَمِيل، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُهُ يَقُول : «المُؤْمِنُونَ خَدَمٌ بَعْضُهُمْ لبَعْضٍ» قُلتُ: وَكَيْفَ يَكُونُونَ خَدَماً بَعْضُهُمْ لبَعْضٍ، قَال: «يُفِيدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً»(3).
ص: 276
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قَال: «خَصْلتَانِ وليْسَ فَوْقَهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا، الإِيمَانُ بِاللهِ والنَّفْعُ لعِبَادِ اللهِ »، قَال: «وخَصْلتَانِ ليْسَ فَوْقَهُمَا شَرٌّ، الشِّرْكُ بِاللهِ والإِضْرَارُ لعِبَادِ الله»(1) .
وعَنْه (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللهِ إِلى اللهِ تَعَالى أَنْفَعُهُمْ لعِبَادِهِ وأَوْفَاهُمْ بِعَهْدِهِ»(2).
وَقَال (صلى الله عليه وآله): «أَحَبُ النَّاسِ إِلى اللهِ أَنْفَعُ النَّاسِ للنَّاس»(3) .
مسألة: يجوز تفويض عمل البيت إلى الغير، والجواز هنا بالمعنى الأعم(4)، سواء عمل الغير مجاناً أو بأجرة، وسواء طلب هو العمل أم لم يطلب، وذلك للأدلة العامة، بالإضافة إلى هذا الحديث في الجملة.
والحاصل: أنه يجوز كل من التفويض والتوكيل والإذن والإجارة والمصالحة وشبه ذلك على أعمال البيت، وإن كان الأفضل قيام الإنسان بنفسه بما يناسبه ويتمكن منه ولا يزاحمه الأهم.
عَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «دَخَل عَليْنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وفَاطِمَةُ (عليها السلام) جَالسَةٌ عِنْدَ القِدْرِ وأَنَا أُنَقِّيالعَدَسَ، قَال: يَا أَبَا الحَسَنِ، قُلتُ:
ص: 277
لبَّيْكَ يَا رَسُول اللهِ، قَال: اسْمَعْ ومَا أَقُول إِلا مَا أَمَرَ رَبِّي، مَا مِنْ رَجُل يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلا كَانَ لهُ بِكُل شَعْرَةٍ عَلى بَدَنِهِ عِبَادَةُ سَنَةٍ، صِيَامُ نَهَارِهَا وقِيَامُ ليْلهَا، وأَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَعْطَاهُ اللهُ الصَّابِرِينَ ودَاوُدَ النَّبِيَّ ويَعْقُوبَ وعِيسَى (عليهم السلام)، يَا عَليُّ مَنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ عِيَالهِ فِي البَيْتِ ولمْ يَأْنَفْ كَتَبَ اللهُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ، وكَتَبَ اللهُ لهُ بِكُل يَوْمٍ وليْلةٍ ثَوَابَ أَلفِ شَهِيدٍ، وكَتَبَ لهُ بِكُل قَدَمٍ ثَوَابَ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ، وأَعْطَاهُ اللهُ تَعَالى بِكُل عِرْقٍ فِي جَسَدِهِ مَدِينَةً فِي الجَنَّة، يَا عَليُ سَاعَةٌ فِي خِدْمَةِ البَيْتِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَلفِ سَنَةٍ، وأَلفِ حَجٍّ وأَلفِ عُمْرَةٍ، وخَيْرٌ مِنْ عِتْقِ أَلفِ رَقَبَةٍ وأَلفِ غَزْوَةٍ، وأَلفِ مَرِيضٍ عَادَهُ، وأَلفِ جُمُعَةٍ وأَلفِ جَنَازَةٍ، وأَلفِ جَائِعٍ يُشْبِعُهُمْ، وأَلفِ عَارٍ يَكْسُوهُمْ، وأَلفِ فَرَسٍ يُوَجِّهُهُ فِي سَبِيل اللهِ، وخَيْرٌ لهُ مِنْ أَلفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ عَلى المَسَاكِينِ، وخَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ والإِنْجِيل والزَّبُورَ والفُرْقَانَ، ومِنْ أَلفِ أَسِيرٍ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا، وخَيْرٌ لهُ مِنْ أَلفِ بَدَنَةٍ يُعْطِي للمَسَاكِينِ، ولا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى مَكَانَهُ مِنَ الجَنَّةِ، يَا عَليُّ مَنْ لمْ يَأْنَفْ مِنْ خِدْمَةِ العِيَال دَخَل الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، يَا عَليُّ خِدْمَةُ العِيَال كَفَّارَةٌ للكَبَائِرِ، ويُطْفِئُغَضَبَ الرَّبِّ، ومُهُورُ حُورِ العِينِ، ويَزِيدُ فِي الحَسَنَاتِ والدَّرَجَاتِ، يَا عَليُّ لا يَخْدُمُ العِيَال إِلا صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ أَوْ رَجُل يُرِيدُ اللهُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَة»(1) .
وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) اشْتَرَى تَمْراً بِالكُوفَةِ فَحَمَلهُ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ، فَتَبَادَرَ النَّاسُ إِلى حَمْلهِ وقَالوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ نَحْنُ نَحْمِلهُ، فَقَال (عليه السلام): «رَبُ العِيَال أَحَقُّ بِحَمْلهِ»(2) .
ص: 278
وروي أنه كَانَ عَليٌّ (عليه السلام) يَحْمِل التَّمْرَ والمِلحَ بِيَدِهِ ويَقُول :
لا يَنْقُصُ الكَامِل مِنْ كَمَالهِ *** مَا جَرَّ مِنْ نَفْع إِلى عِيَاله (1)
مسألة: يستحب الرفق مطلقاً، وقد وردت بذلك روايات كثيرة. منها قول الإمام الكاظم (عليه
السلام) لهشام بن الحكم:«يا هشام عليك بالرفق فإن الرفق يمن، والخرق شؤم، إن الرفق والبر وحسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الرزق»(2).
عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَال: «إِنَ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُ الرِّفْقَ»(3).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «الرِّفْقُ يُؤَدِّي إِلى السِّلمِ»(4).
وقال (عليه السلام): «الرِّفْقُ مِفْتَاحُ الصَّوَابِ»(5).
وقال (عليه السلام): «أَفْضَل النَّاسِ أَعْمَلهُمْ بِالرِّفْقِ ، وأَكْيَسُهُمْ أَصْبَرُهُمْ عَلى الحَقِّ»(6).
وقال (عليه السلام): «بِالرِّفْقِ تَهُونُ الصِّعَابُ(7).
ص: 279
وقال (عليه السلام): «رَأْسُ السِّيَاسَةِ اسْتِعْمَال الرِّفْقِ» (1).
مسألة: يستحب الرفق في تسكيت الطفل، ويكره الخرق، وقد يحرم، سواء بقول أو فعل.
ومن الرفق نصح الأطفال إذا أثاروا الضوضاء والضجيج والصخب، أو آذوا، بهدوء وحكمة، لا مواجهتهم بالصراخ والتهديد والعقوبات، أو التعامل معهم بأعصاب متوترة متشنجة.
عَبْدِ اللهِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ دُعِيَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) إِلى صَلاةٍ والحَسَنُ (عليه السلام) مُتَعَلقٌ بِهِ، فَوَضَعَهُ النَّبِيُّ مُقَابِل جَنْبِهِ وصَلى، فَلمَّا سَجَدَ أَطَال السُّجُودَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي مِنْ بَيْنِ القَوْمِ فَإِذَا الحَسَنُ عَلى كَتِفِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَلمَّا سَلمَ قَال لهُ القَوْمُ: يَا رَسُول اللهِ لقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا كَأَنَّمَا يُوحَى إِليْكَ، فَقَال: «لمْ يُوحَ إِليَّ ولكِنَّ ابْنِي كَانَ عَلى كَتِفِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلهُ حَتَّى نَزَل».
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُ (صلى الله عليه وآله) قَال : «إِنَّ ابْنِي هَذَا ارْتَحَلنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَه» (2).
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال: كَانَ النَّبِيُّ (صلىالله عليه وآله) يُصَلي فَجَاءَهُ الحَسَنُ والحُسَيْنُ (عليهما السلام) فَارْتَدَفَاهُ ، فَلمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا أَخْذاً رَفِيقاً، فَلمَّا عَادَ
ص: 280
عَادَا، فَلمَّا انْصَرَفَ أَجْلسَ هَذَا عَلى فَخِذِهِ وهَذَا عَلى فَخِذِهِ وقَال: «مَنْ أَحَبَّنِي فَليُحِبَّ هَذَيْنِ»(1).
مسألة: ينبغي طلب الحاجة من الغير بالأسلوب الأكثر حكمة، والأكثر احتراماً للآخر، ومنه أن يكون الطلب غير مباشر، اقتداءً بالصديقة (صلوات الله عليها)، إذ قالت: «أنا بتسكيته أرفق»، ولم تطلب منه طحن الشعير مباشرة، وهذا من الأدب الديني.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) فَقَال لهُ: يَا رَسُول اللهِ أَوْصِنِي، فَقَال لهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): فَهَل أَنْتَ مُسْتَوْصٍ إِنْ أَنَا أَوْصَيْتُكَ، حَتَّى قَال لهُ ذَلكَ ثَلاثاً، وفِي كُلهَا يَقُول لهُ الرَّجُل: نَعَمْ يَا رَسُول اللهِ. فَقَال لهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): فَإِنِّي أُوصِيكَ إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَامْضِهِ وإِنْ يَكُغَيّاً فَانْتَهِ عَنْهُ»(2).
ص: 281
مسألة: يستحب انتخاب الأرفق فيما يرتبط بالأطفال، إذا دار الأمر بين ما هو رفق وما أرفق منه، ومن هو كذلك.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ارْفُقْ تُوَفَّقْ»(1).
وقال (عليه السلام): «عَليْكَ بِالرِّفْقِ ، فَمَنْ رَفَقَ فِي أَفْعَالهِ تَمَّ أَمْرُهُ»(2).
وقال (عليه السلام): «مَنِ اسْتَعْمَل الرِّفْقَ اسْتَدَرَّ الرِّزْقَ»(3).
ص: 282
عن فاطمة الكبرى (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يُدْفَنُ مِنْ وُلدِي سَبْعَةٌ بِشَطِّ الفُرَاتِ لمْ يَسْبِقْهُمُ الأَوَّلونَ ولمْ يُدْرِكْهُمُ الآخِرُون»(1).
--------------------------
مسألة: تجب الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجوباً كفائياً فيما يرتبط بشؤون العقيدة أو الشريعة، من إنشاء أو إخبار، وأما غيرهما كالأمور الطبية والاقتصادية والأخلاقية، أو إخباراته المستقبلية فهي أمر مستحب إلاّ إذا توقف عليه واجب آخر، كما لو صار من شعائر الله، وخاصة ما يرتبط بذريته الطاهرة (عليهم السلام) كما حدّثت الصديقة (عليها السلام) بذلك.
وأما وجه تحديده (صلى الله عليه وآله) بالسبعة مع أن القتلى من آل البيتأكثر، فإنه:
ص: 283
من المحتمل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد بالسبعة مع الوصف المذكور الإمام الحسين (عليه السلام) وبعض أهل بيته، فإنهم وإن كانوا أكثر لكن الذين لم يسبقهم الأولون ولم يدركهم الآخرون هم سبعة منهم، هذا بالإضافة إلى أنه لا مفهوم للعدد.
وإذا فرض أن الرسول (صلى الله عليه وآله) أراد بما ورد في الحديث غير الحسين (عليه السلام)، فالظاهر أن المراد بقوله: «لم يسبقهم الأولون ولم يدركهم الآخرون» أي ممن على شاكلتهم لا على نحو الإطلاق، لأن المتعارف في أمثال هذه الكلمات النسبية لا الإطلاق.
أو المراد: لم يسبقهم الأولون إلى مثل تلك الفضائل التي اختصوا بها، من الشهادة بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام) مثلاً بخصوصياته وخصوصياتها.
مسألة: يستحب الإخبار بمقتل ولد فاطمة (عليها السلام) على شاطئ الفرات، والإخبار على أنواع:
فقد يكون بكتابة التاريخ، وقد يكون بسردها بالشعر، وقد يكون بواسطة المنبر والمحاضرات، وقد يكون برسماللوحات والرسوم المعبرة، وقد يكون بصناعة الأفلام الوثائقية والتاريخية، وقد يكون بالتمثيل، وقد يكون بتدريسها وتحليلها واستقاء العبر منها، وقد يكون بغير ذلك، ويمكن تغيير آلياته بتطور العلم والصنعة وما أشبه.
ص: 284
مسألة: يستحب بيان فضل من قُتِل من ولد الصديقة (عليها السلام) على شاطئ الفرات، بحيث لم يسبقهم الأولون، ولم يدركهم الآخرون، وبيان الوجه في ذلك بحيث يدفع الشبهات ويزيد في الاطمئنان والاعتقاد.
قال الحسين (عليه السلام): «فَإِنِّي لا أَعْلمُ أَصْحَاباً أَوْفَى ولا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي ، ولا أَهْل بَيْتٍ أَبَرَّ ولا أَوْصَل مِنْ أَهْل بَيْتِي، فَجَزَاكُمُ اللهُ عَنِّي خَيْراً، أَلا وإِنِّي لأَظُنُّ أَنَّهُ آخِرُ يَوْمٍ لنَا مِنْ هَؤُلاءِ، أَلا وإِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لكُمْ»(1).
وعن جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيه ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال : قُلتُ لهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَصْحَابِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) وإِقْدَامِهِمْ عَلى المَوْتِ، فَقَال: «إِنَّهُمْ كُشِفَ لهُمُ الغِطَاءُ حَتَّى رَأَوْا مَنَازِلهُمْ مِنَ الجَنَّةِ، فَكَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ يُقْدِمُ عَلى القَتْل ليُبَادِرَ إِلى حَوْرَاءَ يُعَانِقُهَا وإِلى مَكَانِهِ مِنَ الجَنَّة»(2).
لعل الوجه في قوله (صلى الله عليه وآله): (يدفن) ولم يقل (يقتل)، هو أن (يدفن) يفيد فائدة جديدة إضافة إلى (يقتل) التي وردت بها روايات كثيرة، والفائدة هي دفع احتمال أنهم نقلوا إلى موضع آخر ودفنوا فيه، كما نقلت
ص: 285
رؤوسهم الطاهرة إلى الشام، نعم أعيد رأس الإمام الحسين (عليه السلام) أعاده الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) ودفنه مع الجسد الطاهر بكربلاء، ومن المحتمل إعادة بعض الرؤوس الشريفة أيضاً.
وفي ذلك أيضاً تأكيد محورية أرض كربلاء المقدسة وبقاع دفنهم خاصة.
عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ بِقَاعَ الأَرْضِ تَفَاخَرَتْ فَفَخَرَتِ الكَعْبَةُ عَلى البُقْعَةِ بِكَرْبَلاءَ، فَأَوْحَى اللهُ إِليْهَا: اسْكُتِي ولا تَفْخَرِي عَليْهَا، فَإِنَّهَا البُقْعَةُ المُبَارَكَةُ التِي نُودِيَ مُوسَى مِنْهَا مِنَ الشَّجَرَةِ»(1).
وقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «الغَاضِرِيَّةُ هِيَ البُقْعَةُ التِي كَلمَ اللهُ فِيهَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، ونَاجَى نُوحاً فِيهَا، وهِيَأَكْرَمُ أَرْضِ اللهِ عَليْهِ، ولوْلا ذَلكَ مَا اسْتَوْدَعَ اللهُ فِيهَا أَوْليَاءَهُ وأَنْبِيَاءَهُ، فَزُورُوا قُبُورَنَا بِالغَاضِرِيَّةِ»(2).
ص: 286
قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): قال رجل لامرأته:
اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليها عني: أنا من شيعتكم، أو لست من شيعتكم؟ فسألتها.
فقالت (عليها السلام): قولي له: «إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا، وإلا فلا».
فرجعت، فأخبرته، فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالد في النار، فإن من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار.
فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال لها زوجها.
فقالت فاطمة (عليها السلام): قولي له: «ليس هكذا، فإن شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا، ومعادي أعدائنا، والمسلم بقلبه ولسانه لنا، ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهّرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا، وفي عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها، إلى أن نستنقذهم بحبنا(1) منها، وننقلهم إلى حضرتنا(2)»(3).
------------------------------
ص: 287
مسألة: مما يلزم على المؤمن الخوف من الله تعالى ومن عذاب النار، وحيث إن الإنسان ربما يغفل عن ذلك فلابد أن يذكر نفسه بالنار وعذابها دائماً، وذلك بحفظ وتلاوة آيات العذاب والنار، والروايات الشريفة في ذلك، وتتبع القصص المرتبطة، والاعتبار من كل ما يذكر بعذاب النار من مرض أو سجن أو حر أو عطش أو أذى.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رَأْسُ الحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللهِ عَزَّ وجَل»(1).
نعم الخوف من الله هو أعلى درجة من الخوف من النار، مع لزوم الخوف من النار أيضاً.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قَال: «إِنَّ اللهَ يُعَاتِبُ عَبْداً يَوْمَ القِيَامَةِ ويَقُول: عَبْدِي خِفْتَ مِنَ النَّارِ ومَا خِفْتَ مِنِّي، أَمَا تَسْتَحْيِي، فَيُطْرِقُ العَبْدُ رَأْسَهُ حَيَاءً مِنَ الله» (2).فالعتاب هنا لخوفه من النار فقط.
ص: 288
مسألة: يلزم على الإنسان أن يوالي أيضاً أولياء الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وشيعتهم، مضافاً إلى موالاتهم (صلوات الله عليهم)، فإن موالاتهم هي موالاة لهم، وهي من شعبها وفروعها.
ثم إن موالاة الأولياء مما يدل عليها العقل والنقل أيضاً، ومنه هذه الرواية إذ صرحت الصديقة (صلوات الله عليها) بذلك، وأما كونها عقلية فللارتباطية بينهما والتلازم.
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ (عليه السلام) يَقُول : «مَنْ عَادَى شِيعَتَنَا فَقَدْ عَادَانَا، ومَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ وَالانَا، لأَنَّهُمْ مِنَّا خُلقُوا مِنْ طِينَتِنَا، مَنْ أَحَبَّهُمْ فَهُوَ مِنَّا، ومَنْ أَبْغَضَهُمْ فَليْسَ مِنَّا».
إِلى أَنْ قَال: «مَنْ رَدَّ عَليْهِمْ فَقَدْ رَدَّ عَلى اللهِ، ومَنْ طَعَنَ عَليْهِمْ فَقَدْ طَعَنَ عَلى اللهِ، لأَنَّهُمْ عِبَادُ اللهِ حَقّاً وأَوْليَاؤُهُ صِدْقاً، واللهِ وإِنَّ أَحَدَهُمْ ليَشْفَعُ فِي مِثْل رَبِيعَةَ ومُضَرَ فَيُشَفِّعُهُ اللهُ فِيهِمْ لكَرَامَتِهِ عَلى اللهِ عَزَّ وجَل» (1).وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «مَعَاشِرَ النَّاسِ أَحِبُّوا مَوَاليَنَا مَعَ حُبِّكُمْ لآلنَا، هَذَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وابْنُهُ أُسَامَةُ مِنْ خَوَاصِّ مَوَالينَا فَأَحِبُّوهُمَا، فَوَ الذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالحَقِّ نَبِيّاً ليَنْفَعُكُمْ حُبُّهُمَا». قَالوا: وكَيْفَ يَنْفَعُنَا حُبُّهُمَا، قَال: إِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَليّاً (عليه السلام) بِخَلقٍ عَظِيمٍ مِنْ مُحِبِّيهِمَا أَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ
ص: 289
ومُضَرَ بِعَدَدِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيَقُولانِ: يَا أَخَا رَسُول اللهِ هَؤُلاءِ أَحَبُّونَا بِحُبِّ مُحَمَّدٍ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وبِحُبِّكَ. فَيَكْتُبُ لهُمْ عَليٌّ (عليه السلام) جَوَازاً عَلى الصِّرَاطِ، فَيَعْبُرُونَ عَليْهِ ويَرِدُونَ الجَنَّةَ سَالمِينَ. وَذَلكَ أَنَّ أَحَداً لا يَدْخُل الجَنَّةَ مِنْ سَائِرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) إِلا بِجَوَازٍ مِنْ عَليٍّ (عليه السلام) فَإِنْ أَرَدْتُمُ الجَوَازَ عَلى الصِّرَاطِ سَالمِينَ، ودُخُول الجِنَانِ غَانِمِينَ، فَأَحِبُّوا بَعْدَ حُبِّ مُحَمَّدٍ وآلهِ مَوَاليَهُ، ثُمَّ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ يُعَظِّمَ مُحَمَّدٌ وَعَليٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالى مَنَازِلكُمْ فَأَحِبُّوا شِيعَةَ مُحَمَّدٍ وعَليٍّ، وجِدُّوا فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ إِخْوَانِكُمُ المُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى إِذَا أَدْخَلكُمُ الجَنَّةَ مَعَاشِرَ شِيعَتِنَا ومُحِبِّينَا نَادَى مُنَادِيهِ فِي تِلكَ الجِنَانِ:
قَدْ دَخَلتُمْ يَا عِبَادِيَ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَتَقَاسَمُوهَا عَلى قَدْرِ حُبِّكُمْ لشِيعَةِ مُحَمَّدٍ وعَليٍّ (عليهما السلام)، وقَضَائِكُمْ لحُقُوقِ إِخْوَانِكُمُ المُؤْمِنِينَ.فَأَيُّهُمْ كَانَ للشِّيعَةِ أَشَدَّ حُبّاً، ولحُقُوقِ إِخْوَانِهِ المُؤْمِنِينَ أَحْسَنَ قَضَاءً كَانَتْ دَرَجَاتُهُ فِي الجِنَانِ أَعْلى ، حَتَّى إِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ أَرْفَعَ مِنَ الآخَرِ بِمَسِيرَةِ مِائَةِ أَلفِ سَنَةٍ تَرَابِيعَ قُصُورٍ وجِنَانٍ (1).
مسألة: ينبغي بل يلزم على الشيعي أن يكون مطيعاً لأوامر آل البيت (عليهم السلام) ومنتهياً عن نواهيهم.
قال تعالى: «أَطيعُوا اللهَ وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ»(2).
ص: 290
وفي ذلك روايات كثيرة، وحيث إن إطاعة أوامرهم والانتهاء عن نواهيهم تتوقف على معرفتها كان الواجب مقدمياً _ على المشهور _ التعرف على أوامرهم ونواهيهم بالسؤال والاسترشاد أو المطالعة والاجتهاد، نعم ذهب بعض كالمقدس الأردبيلي (رحمه الله) إلى وجوب التعلم نفسياً.
ثم إن المراد ب (ينبغي) أعم من الواجب والمستحب، فإن الإطاعة فيالواجب واجبة، وفي المستحبات مستحبة، وكلمة (ينبغي) تدل على الرجحان وتستعمل في الواجب والمستحب إذا وردت في الإيجاب، وإذا وردت في السلب أفادت المرجوحية وربما الحرمة أو الكراهة حسب مناسبات الحكم والموضوع وغيرها، وفي القرآن الحكيم: «وَما يَنْبَغي للرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلداً»(1) أي لا يجوز ولا يمكن.
قَال الإِمَامُ العسكري (عليه السلام): قَال رَجُل لرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): يَا رَسُول اللهِ فُلانٌ يَنْظُرُ إِلى حَرَمِ جَارِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ مُوَاقَعَةُ حَرَامٍ لمْ يَرْعَ عَنْهُ، فَغَضِبَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَقَال: ائْتُونِي بِهِ، فَقَال رَجُل آخَرُ: يَا رَسُول اللهِ إِنَّهُ مِنْ شِيعَتِكُمْ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مُوَالاتَكَ وَمُوَالاةَ عَليٍّ (عليه السلام) وَيَبْرَأُ مِنْ أَعْدَائِكُمَا.
فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «لا تَقُل إِنَّهُ مِنْ شِيعَتِنَا فَإِنَّهُ كَذِبٌ، إِنَّ شِيعَتَنَا مَنْ شَيَّعَنَا وَتَبِعَنَا فِي أَعْمَالنَا وَليْسَ هَذَا الذِي ذَكَرْتَهُ فِي هَذَا الرَّجُل مِنْ أَعْمَالنَا».
وَقِيل لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَإِمَامِ المُتَّقِينَ وَيَعْسُوبِ الدِّينِ وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلينَ
ص: 291
وَوَصِيِّ رَسُول رَبِّ العَالمِينَ (عليه السلام): إِنَّ فُلاناً سَرَفَ عَلى نَفْسِهِ بِالذُّنُوبِ المُوبِقَاتِ وَهُوَ مَعَ ذَلكَ مِنْ شِيعَتِكُمْ.فَقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «قَدْ كُتِبَتْ عَليْكَ كَذِبَةٌ أَوْ كَذِبَتَانِ، إِنْ كَانَ مُسْرِفاً بِالذُّنُوبِ عَلى نَفْسِهِ يُحِبُّنَا وَيُبْغِضُ أَعْدَاءَنَا فَهُوَ كَذِبَةٌ وَاحِدَةٌ، لأَنَّهُ مِنْ مُحِبِّينَا لا مِنْ شِيعَتِنَا، وَإِنْ كَانَ يُوَالي أَوْليَاءَنَا وَيُعَادِي أَعْدَاءَنَا وَليْسَ بِمُسْرِفٍ عَلى نَفْسِهِ كَمَا ذَكَرْتَ فَهُوَ مِنْكَ كَذِبَةٌ، لأَنَّهُ لا يُسْرِفُ فِي الذُّنُوبِ وَإِنْ كَانَ يُسْرِفُ فِي الذُّنُوبِ وَلا يُوَالينَا وَلا يُعَادِي أَعْدَاءَنَا فَهُوَ مِنْكَ كَذِبَتَانِ»(1).
مسألة: الشيعي حقاً هو الذي يعمل بأوامر المعصومين (عليهم السلام) وينتهي عما زجروا عنه، ويستحب بيان ذلك، فإن ظاهر قول الصديقة (عليها السلام): «إن كنت تعمل بما أمرناك» هو الاستغراق، وإلاّ كان عاملاً ببعض ما أمروه.
وفي الوسائل: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «ليْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ قَال بِلسَانِهِ وَخَالفَنَا فِي أَعْمَالنَا وَآثَارِنَا، وَلكِنْشِيعَتُنَا مَنْ وَافَقَنَا بِلسَانِهِ وَقَلبِهِ، وَاتَّبَعَ آثَارَنَا وَ عَمِل بِأَعْمَالنَا، أُولئِكَ شِيعَتُنَا»(2).
والمراد بأوامر أهل البيت (عليهم السلام) ما يشمل أوامر الله تعالى وأوامر نبيه
ص: 292
(صلى الله عليه وآله)، فهم (عليهم السلام) طريق إليها، وأوامر الله الأصل في وجوب الطاعة.
وَقَال رَجُل للحَسَنِ بْنِ عَليٍّ (عليه السلام): إِنِّي مِنْ شِيعَتِكُمْ، فَقَال الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «يَا عَبْدَ اللهِ إِنْ كُنْتَ لنَا فِي أَوَامِرِنَا وَزَوَاجِرِنَا مُطِيعاً فَقَدْ صَدَقْتَ، وَإِنْ كُنْتَ بِخِلافِ ذَلكَ فَلا تَزِدْ فِي ذُنُوبِكَ بِدَعْوَاكَ مَرْتَبَةً شَرِيفَةً لسْتَ مِنْ أَهْلهَا، لا تَقُل لنَا أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ وَلكِنْ قُل أَنَا مِنْ مُوَاليكُمْ وَمُحِبِّيكُمْ وَمُعَادِي أَعْدَائِكُمْ وَأَنْتَ فِي خَيْرٍ وَإِلى خَيْرٍ»(1).
وَقَال رَجُل للحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ (عليه السلام): يَا ابْنَ رَسُول اللهِ أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ، قَال: «اتَّقِ اللهَ وَلا تَدَّعِيَنَّ شَيْئاً يَقُول اللهُ لكَ كَذَبْتَ وَفَجَرْتَ فِي دَعْوَاكَ، إِنَّ شِيعَتَنَا مَنْ سَلمَتْ قُلوبُهُمْ مِنْ كُل غِشٍّ وَغِل وَدَغَل، وَلكِنْقُل أَنَا مِنْ مُوَاليكُمْ وَمُحِبِّيكُمْ»(2).
وَقَال رَجُل لعَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام): يَا ابْنَ رَسُول اللهِ أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمُ الخُلصِ، فَقَال لهُ: «يَا عَبْدَ اللهِ فَإِذاً أَنْتَ كَإِبْرَاهِيمَ الخَليل (عليه السلام)! الذِي قَال اللهُ: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلبٍ سَليمٍ»(3) فَإِنْ كَانَ قَلبُكَ كَقَلبِهِ فَأَنْتَ مِنْ شِيعَتِنَا، وَإِنْ لمْ يَكُنْ قَلبُكَ كَقَلبِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ مِنَ الغِشِّ وَالغِل فَأَنْتَ مِنْ مُحِبِّينَا، وَإِلا فَإِنَّكَ إِنْ عَرَفْتَ أَنَّكَ بِقَوْلكَ كَاذِبٌ فِيهِ إِنَّكَ لمُبْتَلى بِفَالجٍ لا يُفَارِقُكَ إِلى المَوْتِ أَوْ جُذَامٍ ليَكُونَ كَفَّارَةً لكَذِبِكَ هَذَا»(4).
ص: 293
وَقَال البَاقِرُ (عليه السلام) لرَجُل فَخَرَ عَلى آخَرَ وَقَال: أَتُفَاخِرُنِي وَأَنَا مِنْ شِيعَةِ آل مُحَمَّدٍ الطَّيِّبِينَ، فَقَال البَاقِرُ (عليه السلام): «مَا فَخَرْتَ عَليْهِ وَ رَبِّ الكَعْبَةِ وَغُبِنَ مِنْكَ عَلى الكَذِبِ، يَا عَبْدَ اللهِ أَمَالكَ مَعَكَ تُنْفِقُهُ عَلى نَفْسِكَ أَحَبُّ إِليْكَ أَمْ تُنْفِقُهُ عَلى إِخْوَانِكَ المُؤْمِنِينَ، قَال: بَل أُنْفِقُهُ عَلى نَفْسِي، قَال: فَلسْتَ مِنْ شِيعَتِنَا، فَإِنَّنَا نَحْنُ مَا نُنْفِقُ عَلىالمُنْتَحِلينَ مِنْ إِخْوَانِنَا أَحَبُّ إِليْنَا، وَلكِنْ قُل أَنَا مِنْ مُحِبِّيكُمْ وَمِنَ الرَّاجِينَ النَّجَاةَ بِمَحَبَّتِكُمْ»(1).
وَقِيل للصَّادِقِ (عليه السلام): إِنَّ عَمَّاراً الدُّهْنِيَّ شَهِدَ اليَوْمَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي ليْلى قَاضِيَ الكُوفَةِ بِشَهَادَةٍ، فَقَال لهُ القَاضِي: قُمْ يَا عَمَّارُ فَقَدْ عَرَفْنَاكَ لا تُقْبَل شَهَادَتُكَ لأَنَّكَ رَافِضِيٌّ، فَقَامَ عَمَّارٌ وَقَدِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ وَاسْتَفْرَغَهُ البُكَاءُ، فَقَال لهُ ابْنُ أَبِي ليْلى: أَنْتَ رَجُل مِنْ أَهْل العِلمِ وَالحَدِيثِ إِنْ كَانَ يَسُوؤُكَ أَنْ يُقَال لكَ رَافِضِيٌّ فَتَبَرَّأْ مِنَ الرَّفْضِ فَأَنْتَ مِنْ إِخْوَانِنَا، فَقَال لهُ عَمَّارٌ: يَا هَذَا مَا ذَهَبْتَ وَاللهِ حَيْثُ ذَهَبْتَ وَ لكِنْ بَكَيْتُ عَليْكَ وَعَليَّ، أَمَّا بُكَائِي عَلى نَفْسِي فَإِنَّكَ نَسَبْتَنِي إِلى رُتْبَةٍ شَرِيفَةٍ لسْتُ مِنْ أَهْلهَا، زَعَمْتَ أَنِّي رَافِضِيٌّ، وَيْحَكَ لقَدْ حَدَّثَنِي الصَّادِقُ (عليه السلام): أَنَّ أَوَّل مَنْ سُمِّيَ الرَّفَضَةَ السَّحَرَةُ الذِينَ لمَّا شَاهَدُوا آيَةَ مُوسَى فِي عَصَاهُ آمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ وَرَفَضُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَاسْتَسْلمُوا لكُل مَا نَزَل بِهِمْ فَسَمَّاهُمْ فِرْعَوْنُ الرَّافِضَةَ لمَا رَفَضُوا دِينَهُ، فَالرَّافِضِيُّ كُل مَنْ رَفَضَ جَمِيعَ مَا كَرِهَ اللهُ، وَفَعَل كُل مَا أَمَرَهُ اللهُ، فَأَيْنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِثْل هَذِهِ، وَإِنَّمَا بَكَيْتُعَلى نَفْسِي خَشْيَةَ أَنْ يَطَّلعَ اللهُ عَزَّ وَجَل عَلى قَلبِي وَقَدْ تَلقَّبْتُ هَذَا الاسْمَ الشَّرِيفَ عَلى نَفْسِي فَيُعَاتِبَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَل وَيَقُول يَا عَمَّارُ أَ كُنْتَ رَافِضاً للأَبَاطِيل عَامِلا
ص: 294
بِالطَّاعَاتِ كَمَا قَال لكَ فَيَكُونَ ذَلكَ بِي مُقَصِّراً فِي الدَّرَجَاتِ إِنْ سَامَحَنِي، وَمُوجِباً لشَدِيدِ العِقَابِ عَليَّ إِنْ نَاقَشَنِي إِلا أَنْ يَتَدَارَكَنِي مَوَاليَّ بِشَفَاعَتِهِمْ، وَأَمَّا بُكَائِي عَليْكَ فَلعِظَمِ كَذِبِكَ فِي تَسْمِيَتِي بِغَيْرِ اسْمِي وَشَفَقَتِي الشَّدِيدَةِ عَليْكَ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى إِنْ صَرَفْتَ أَشْرَفَ الأَسْمَاءِ إِليَّ، وَإِنْ جَعَلتَهُ مِنْ أَرْذَلهَا كَيْفَ يَصْبِرُ بَدَنُكَ عَلى عَذَابِ كَلمَتِكَ هَذِهِ.
فَقَال الصَّادِقُ (عليه السلام): لوْ أَنَّ عَلى عَمَّارٍ مِنَ الذُّنُوبِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ لمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَذِهِ الكَلمَاتِ، وَإِنَّهَا لتَزِيدُ فِي حَسَنَاتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَل حَتَّى يُجْعَل كُل خَرْدَلةٍ مِنْهَا أَعْظَمَ مِنَ الدُّنْيَا أَلفَ مَرَّةٍ.
وَقِيل لمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَرَرْنَا بِرَجُل فِي السُّوقِ وَهُوَ يُنَادِي أَنَا مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ وَ آل مُحَمَّدٍ الخُلصِ، وَهُوَ يُنَادِي عَلى ثِيَابٍ يَبِيعُهَا مَنْ يَزِيدُ، فَقَال مُوسَى (عليه
السلام): مَا جَهِل وَ لا ضَاعَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ، أَتَدْرُونَ مَا مَثَل هَذَا، هَذَا شَخْصٌ قَال أَنَا مِثْل سَلمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالمِقْدَادِ وَعَمَّارٍ وَهُوَ مَعَ ذَلكَ يُبَاخِسُ فِيبَيْعِهِ وَيُدَلسُ عُيُوبَ المَبِيعِ عَلى مُشْتَرِيهِ، وَيَشْتَرِي الشَّيْ ءَ بِثَمَنٍ فَيُزَايِدُ الغَرِيبَ يَطْلبُهُ فَيُوجِبُ لهُ ثُمَّ إِذَا غَابَ المُشْتَرِي قَال لا أُرِيدُهُ إِلا بِكَذَا بِدُونِ مَا كَانَ طَلبَهُ مِنْهُ، أَيَكُونُ هَذَا كَسَلمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالمِقْدَادِ وَعَمَّارٍ، حَاشَ للهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَهُمْ، وَلكِنْ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَقُول إِنِّي مِنْ مُحِبِّي مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَمَنْ يُوَالي أَوْليَاءَهُمْ وَيُعَادِي أَعْدَاءَهُمْ»(1).
وروى الإمام العسكري (عليه السلام): لمَّا جَعَل المَأْمُونُ إِلى عَليِّ بْنِ مُوسَى
ص: 295
الرِّضَا (عليه السلام) وِلايَةَ العَهْدِ دَخَل عَليْهِ آذِنُهُ وَقَال: إِنَّ قَوْماً بِالبَابِ يَسْتَأْذِنُونَ عَليْكَ يَقُولونَ نَحْنُ شِيعَةُ عَليٍّ، فَقَال (عليه السلام): «أَنَا مَشْغُول فَاصْرِفْهُمْ، فَصَرَفَهُمْ فَلمَّا كَانَ مِنَ اليَوْمِ الثَّانِي جَاءُوا وَقَالوا كَذَلكَ مِثْلهَا، فَصَرَفَهُمْ إِلى أَنْ جَاءُوا هَكَذَا يَقُولونَ وَيَصْرِفُهُمْ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَيِسُوا مِنَ الوُصُول وَقَالوا للحَاجِبِ: قُل لمَوْلانَا: إِنَّا شِيعَةُ أَبِيكَ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) وَقَدْ شَمِتَ بِنَا أَعْدَاؤُنَا فِي حِجَابِكَ لنَا وَنَحْنُ نَنْصَرِفُ هَذِهِ الكَرَّةَ وَنَهْرَبُ مِنْ بَلدِنَا خَجِلا وَأَنَفَةً مِمَّا لحِقَنَا، وَعَجْزاً عَنِ احْتِمَال مَضَضِ مَا يَلحَقُنَابِشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.
فَقَال عَليُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام): ائْذَنْ لهُمْ ليَدْخُلوا، فَدَخَلوا عَليْهِ فَسَلمُوا عَليْهِ فَلمْ يَرُدَّ عَليْهِمْ وَلمْ يَأْذَنْ لهُمْ بِالجُلوسِ، فَبَقُوا قِيَاماً فَقَالوا: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ مَا هَذَا الجَفَاءُ العَظِيمُ وَالاسْتِخْفَافُ بَعْدَ هَذَا الحِجَابِ الصَّعْبِ، أَيُّ بَاقِيَةٍ تَبْقَى مِنَّا بَعْدَ هَذَا.
فَقَال الرِّضَا (عليه السلام): اقْرَءُوا «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ»(1) مَا اقْتَدَيْتُ إِلا بِرَبِّي عَزَّ وَجَل فِيكُمْ، وَبِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَبِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ آبَائِيَ الطَّاهِرِينَ (عليهم السلام) عَتَبُوا عَليْكُمْ فَاقْتَدَيْتُ بِهِمْ.
قَالوا: لمَا ذَا يَا ابْنَ رَسُول اللهِ؟
قَال: لدَعْوَاكُمْ أَنَّكُمْ شِيعَةُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) وَيْحَكُمْ إِنَّمَا شِيعَتُهُ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ وَأَبُو ذَرٍّ وَسَلمَانُ وَالمِقْدَادُ وَعَمَّارٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الذِينَ لمْ يُخَالفُوا شَيْئاً مِنْ أَوَامِرِهِ، وَلمْ يَرْكَبُوا شَيْئاً مِنْ فُنُونِ زَوَاجِرِهِ،
ص: 296
فَأَمَّا أَنْتُمْ إِذَا قُلتُمْ إِنَّكُمْ شِيعَتُهُ وَأَنْتُمْ فِي أَكْثَرِ أَعْمَالكُمْ لهُ مُخَالفُونَ، مُقَصِّرُونَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الفَرَائِضِ، مُتَهَاوِنُونَ بِعَظِيمِ حُقُوقِ إِخْوَانِكُمْ فِي اللهِ،وَتَتَّقُونَ حَيْثُ لا يَجِبُ التَّقِيَّةُ، وَتَتْرُكُونَ التَّقِيَّةَ حَيْثُ لا بُدَّ مِنَ التَّقِيَّةِ، فَلوْ قُلتُمْ إِنَّكُمْ مُوَالوهُ وَمُحِبُّوهُ وَالمُوَالونَ لأَوْليَائِهِ وَالمُعَادُونَ لأَعْدَائِهِ لمْ أُنْكِرْهُ مِنْ قَوْلكُمْ، وَلكِنْ هَذِهِ مَرْتَبَةٌ شَرِيفَةٌ ادَّعَيْتُمُوهَا، إِنْ لمْ تُصَدِّقُوا قَوْلكُمْ بِفِعْلكُمْ هَلكْتُمْ، إِلا أَنْ تَتَدَارَكَكُمْ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ».
قَالوا: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ فَإِنَّا نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إِليْهِ مِنْ قَوْلنَا بَل نَقُول كَمَا عَلمَنَا مَوْلانَا: نَحْنُ مُحِبُّوكُمْ وَمُحِبُّو أَوْليَائِكُمْ وَمُعَادُو أَعْدَائِكُمْ.
قَال الرِّضَا (عليه السلام): «فَمَرْحَباً بِكُمْ يَا إِخْوَانِي وَأَهْل وُدِّي، ارْتَفِعُوا ارْتَفِعُوا ارْتَفِعُوا»، فَمَا زَال يَرْفَعُهُمْ حَتَّى أَلصَقَهُمْ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ قَال لحَاجِبِهِ: «كَمْ مَرَّةً حَجَبْتَهُمْ»، قَال: سِتِّينَ مَرَّةً، فَقَال لحَاجِبِهِ: «فَاخْتَلفْ إِليْهِمْ سِتِّينَ مَرَّةً مُتَوَاليَةً فَسَلمْ عَليْهِمْ وَأَقْرِئْهُمْ سَلامِي، فَقَدْ مَحَوْا مَا كَانَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِاسْتِغْفَارِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ وَاسْتَحَقُّوا الكَرَامَةَ لمَحَبَّتِهِمْ لنَا وَمُوَالاتِهِمْ وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ وَأُمُورَ عِيَالاتِهِمْ، فَأَوْسِعْهُمْ بِنَفَقَاتٍ وَمَبَرَّاتٍ وَصِلاتٍ وَرَفْعِ مُعَرَّاتٍ».
وَدَخَل رَجُل عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ الرِّضَا (عليه السلام) وَ هُوَ مَسْرُورٌ، فَقَال: «مَا لي أَرَاكَ مَسْرُوراً».قَال: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُول: أَحَقُّ يَوْمٍ بِأَنْ يُسَرَّ العَبْدُ فِيهِ يَوْمٌ يَرْزُقُهُ اللهُ صَدَقَاتٍ وَمَبَرَّاتٍ وَمَدْخَلاتٍ مِنْ إِخْوَانٍ لهُ مُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ قَصَدَنِيَ اليَوْمَ عَشَرَةٌ مِنْ إِخْوَانِيَ الفُقَرَاءِ لهُمْ عِيَالاتٌ فَقَصَدُونِي مِنْ بَلدِ كَذَا وَكَذَا فَأَعْطَيْتُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلهَذَا سُرُورِي.
ص: 297
فَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «لعَمْرِي إِنَّكَ حَقِيقٌ بِأَنْ تُسَرَّ إِنْ لمْ تَكُنْ أَحْبَطْتَهُ أَوْ لمْ تُحْبِطْهُ فِيمَا بَعْدُ».
فَقَال الرَّجُل فَكَيْفَ أَحْبَطْتُهُ وَأَنَا مِنْ شِيعَتِكُمُ الخُلصِ.
قَال: «هَاهْ قَدْ أَبْطَلتَ بِرَّكَ بِإِخْوَانِكَ وَصَدَقَاتِكَ».
قَال: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا ابْنَ رَسُول اللهِ.
قَال لهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): اقْرَأْ قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل: «يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلوا صَدَقاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذى»(1).
قَال: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ مَا مَنَنْتُ عَلى القَوْمِ الذِينَ تَصَدَّقْتُ عَليْهِمْ وَلا آذَيْتُهُمْ.
قَال لهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَل إِنَّمَا قَال «لا تُبْطِلوا صَدَقاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذى » وَ لمْ يَقُل بِالمَنِّ عَلى مَنْ تَتَصَدَّقُونَ عَليْهِ وَبِالأَذَى لمَنْ تَتَصَدَّقُونَ عَليْهِ، وَهُوَ كُل أَذًى، أَفَتَرَى أَذَاكَ القَوْمَ الذِينَتَصَدَّقْتَ عَليْهِمْ أَعْظَمُ أَمْ أَذَاكَ لحَفَظَتِكَ وَمَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبِينَ حَوَاليْكَ، أَمْ أَذَاكَ لنَا.
فَقَال الرَّجُل: بَل هَذَا يَا ابْنَ رَسُول اللهِ.
فَقَال: لقَدْ آذَيْتَنِي وَآذَيْتَهُمْ وَأَبْطَلتَ صَدَقَتَكَ.
قَال: لمَا ذَا.
قَال: لقَوْلكَ: وَكَيْفَ أَحْبَطْتُهُ وَ أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمُ الخُلصِ، ثُمَّ قَال: وَيْحَكَ أَ تَدْرِي مَنْ شِيعَتُنَا الخُلصُ.
ص: 298
قَال: لا.
قَال: فَإِنَّ شِيعَتَنَا الخُلصَ حِزْبِيل المُؤْمِنُ مُؤْمِنُ آل فِرْعَوْنَ، وَصَاحِبُ يس الذِي قَال اللهُ تَعَالى: «وَجاءَ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُل يَسْعَى»(1) ، وَسَلمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالمِقْدَادُ وَعَمَّارٌ، سَوَّيْتَ نَفْسَكَ بِهَؤُلاءِ، أَمَا آذَيْتَ بِهَذَا المَلائِكَةَ وَآذَيْتَنَا.
فَقَال الرَّجُل: أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِليْهِ، فَكَيْفَ أَقُول؟
قَال: قُل: أَنَا مِنْ مُوَاليكَ وَمُحِبِّيكَ وَمُعَادِي أَعْدَائِكَ وَمُوَالي أَوْليَائِكَ.
قَال: فَكَذَلكَ أَقُول، وَكَذَلكَ أَنَا يَا ابْنَ رَسُول اللهِ وَقَدْ تُبْتُ مِنَ القَوْل الذِيأَنْكَرْتَهُ وَأَنْكَرَتْهُ المَلائِكَةُ، فَمَا أَنْكَرْتُمْ ذَلكَ إِلا لإِنْكَارِ اللهِ عَزَّ وَ جَل.
فَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «الآنَ قَدْ عَادَتْ إِليْكَ مَثُوبَاتُ صَدَقَاتِكَ وَزَال عَنْهَا الإِحْبَاط»(2).
مسألة: ينبغي سؤال العالم عما يهم من أمور الدين والدنيا، فإن السؤال مفتاح المعرفة، والحياء في السؤال مفتاح الحرمان.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «العِلمُ خَزَائِنُ وَالمَفَاتِيحُ السُّؤَال، فَاسْأَلوا يَرْحَمُكُمُ اللهُ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِي العِلمِ أَرْبَعَةٌ: السَّائِل وَالمُتَكَلمُ وَالمُسْتَمِعُ وَالمُحِبُّ
ص: 299
لهُمْ»(1).
مسألة: يستحب للإنسان أن يسأل المعصوم (عليه السلام) هل هو من شيعتهم أم لا، ولافرق في السؤال مباشرة أو بالواسطة.
والمقصود بالواسطة من يصل إلى المعصوم (عليه السلام) بوسائط حساً كما في زمن الحضور، أو الغيبة الصغرى، أو حدساً كمن يعرف الضوابط على حسب رواياتهم كالمحدثين والفقهاء(2).
مسألة: يستحب بيان أن الشيعة من خيار أهل الجنة.
وذلك بوجهين، فقد ذكرت الصديقة (صلوات الله عليها): (فإن شيعتنا من خيار أهل الجنة)، ولعل السبب في ذلك أن للشيعة إطلاقين:
الأول: ما يراد به شيعتهم المتأخرين زمناً عنهم(3).
الثاني: ما يشمل الأمم السابقة ممن يتشيعون لأهل البيت ويوالونهم (عليهم
السلام)(4)، كما دلت عليه بعض الآيات والروايات، قال تعالى: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ
ص: 300
لإِبْراهِيمَ»(1).
أو من يتشيعون بعد الموت من الأمم السابقة، إذ يعلمهم الله منزلة أهل البيت (عليهم السلام) حينذاك ويختبرون بالولاية.
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَال: سَأَل جَابِرٌ الجُعْفِيُّ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلهِ تَعَالى: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْراهِيمَ»(2)، فَقَال (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لمَّا خَلقَ إِبْرَاهِيمَ كَشَفَ لهُ عَنْ بَصَرِهِ فَنَظَرَ فَرَأَى نُوراً إِلى جَنْبِ العَرْشِ، فَقَال: إِلهِي مَا هَذَا النُّورُ، فَقِيل لهُ: هَذَا نُورُ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) نَاصِرِ دِينِي، وَرَأَى إِلى جَنْبِهِ ثَلاثَةَ أَنْوَارٍ، فَقَال: إِلهِي وَمَا هَذِهِ الأَنْوَارُ، فَقِيل لهُ: هَذَا نُورُ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَطَمَتْ مُحِبَّهَا مِنَ النَّارِ، وَنُورُ وَلدَيْهَا الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (عليهما السلام)، فَقَال: إِلهِي وَأَرَى تِسْعَةَ أَنْوَارٍ قَدْ حَفُّوا بِهِمْ، قِيل: يَا إِبْرَاهِيمُ هَؤُلاءِ الأَئِمَّةُ مِنْ وُلدِ عَليٍّ وَفَاطِمَةَ (عليهم السلام)، فَقَال: إِلهِي وَسَيِّدِي أَرَى أَنْوَاراً قَدْ أَحْدَقُوا بِهِمْ لا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلا أَنْتَ، قِيل: يَا إِبْرَاهِيمُ هَؤُلاءِ شِيعَتُهُمْ شِيعَةُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليهالسلام)، فَقَال إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام): وَبِمَا يُعْرَفُ شِيعَتُهُ، قَال: بِصَلاةِ الإِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَالجَهْرِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَالقُنُوتِ قَبْل الرُّكُوعِ، وَالتَّخَتُّمِ بِاليَمِينِ»(3).
ص: 301
مسألة: حب أهل البيت (عليهم السلام) واجب، وقد سبق أنه اختياري باختيارية مقدماته.
عَنْ مُعَتِّبٍ مَوْلى أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) قَال : «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَال: يَا رَسُول اللهِ هَل للجَنَّةِ مِنْ ثَمَنٍ، قَال: نَعَمْ، قَال: مَا ثَمَنُهَا، قَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ يَقُولهَا العَبْدُ مُخْلصاً بِهَا، قَال: ومَا إِخْلاصُهَا، قَال: العَمَل بِمَا بُعِثْتُ بِهِ فِي حَقِّهِ وحُبُ أَهْل بَيْتِي، قَال: فَدَاكَ أَبِي وأُمِّي وإِنَّ حُبَّ أَهْل البَيْتِ لمِنْ حَقِّهَا، قَال: «إِنَّ حُبَّهُمْ لأَعْظَمُ حَقِّهَا»(1).
مسألة: يجب موالاة أولياء أهل البيت (عليهم السلام).
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَال: قَال لنَا عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): أَيُّ البِقَاعِ أَفْضَل، قُلتُ: اللهُ ورَسُولهُ وابْنُ رَسُولهِ أَعْلمُ، قَال:إِنَّ أَفْضَل البِقَاعِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ والمَقَامِ، ولوْ أَنَّ رَجُلا عُمِّرَ مَا عُمِّرَ نُوحٌ (عليه السلام) فِي قَوْمِهِ أَلفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عاماً، يَصُومُ نَهَاراً ويَقُومُ ليْلا فِي ذَلكَ المَقَامِ، ثُمَّ لقِيَ اللهَ عَزَّ وجَل بِغَيْرِ وَلايَتِنَا لمْ يَنْتَفِعْ بِذَلكَ شَيْئاً»(2).
ص: 302
وقال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يُسْأَل المَيِّتُ فِي قَبْرِهِ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ صَلاتِهِ وزَكَاتِهِ وحَجِّهِ وصِيَامِهِ ووَلايَتِهِ إِيَّانَا أَهْل البَيْتِ، فَتَقُول الوَلايَةُ مِنْ جَانِبِ القَبْرِ للأَرْبَعِ: مَا دَخَل فِيكُنَّ مِنْ نَقْصٍ فَعَليَّ تَمَامُهُ»(1).
مسألة: يجب معاداة أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وأعداؤهم يعم إبليس والشياطين والظلمة والمجرمين والمخالفين الجاحدين والمنافقين والكافرين ومن أشبه.
قال تعالى: «وَإِذْ قُلنا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلياءَ مِنْ دُوني وَهُمْ لكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ للظَّالمينَ بَدَلاً»(2).وقال سبحانه: «وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولوا تَسْمَعْ لقَوْلهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُل صَيْحَةٍ عَليْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُون »(3).
وقال تعالى: «مَنْ كانَ عَدُوًّا للهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلهِ وَ جِبْريل وَ ميكال فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ للكافِرينَ»(4).
ص: 303
وقال سبحانه: «وَكَذلكَ جَعَلنا لكُل نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصيراً»(1).
وقال تعالى: «وَكَذلكَ جَعَلنا لكُل نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنْسِ وَ الجِنِّ يُوحي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْل غُرُوراً وَ لوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ»(2).
وقال سبحانه: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلياءَ تُلقُونَ إِليْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُول وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً في سَبيلي وَابْتِغاءَ مَرْضاتي تُسِرُّونَ إِليْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَل سَواءَ السَّبيل»(3).
مسألة: يجب التسليم لأهل البيت (عليهم السلام) بالقلب واللسان، قال تعالى: «فَلاوَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلمُوا تَسْليماً»(4).
ص: 304
ويكون التسليم باللسان بالتصريح بذلك، وعدم إثارة الشبهات في أذهان الناس حول أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم (صلوات الله عليهم).
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : «الإِيمَانُ لهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ، التَّوَكُّل عَلى اللهِ، وتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلى اللهِ، والرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ،والتَّسْليمُ لأَمْرِ اللهِ عَزَّوجَل»(1).
وعَنِ المُفَضَّل بْنِ عَمْرٍو قَال: ... قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): بِأَيِّ شَيْ ءٍ عُلمَ المُؤْمِنُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، قَال: «بِالتَّسْليمِ للهِ فِي كُل مَا وَرَدَ عَليْهِ»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال : «لمْ يَنْزِل مِنَ السَّمَاءِ شَيْ ءٌ أَقَل ولا أَعَزُّ مِنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ، التَّسْليمِ والبِرِّ واليَقِين »(3).
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى
الله عليه وآله): «مَنْ رَزَقَهُ اللهُ حُبَّ الأَئِمَّةِ مِنْ أَهْل بَيْتِي فَقَدْ أَصَابَ خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، فَلا يَشُكَّنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ فِي الجَنَّةِ، فَإِنَّ فِي حُبِ أَهْل بَيْتِي عِشْرِينَ خَصْلةً، عَشْرٌ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وعَشْرٌ مِنْهَا فِي الآخِرَةِ، أَمَّا التِي فِي الدُّنْيَا: فَالزُّهْدُ والحِرْصُ عَلى العَمَل والوَرَعُ فِي الدِّينِ والرَّغْبَةُ فِي العِبَادَةِ والتَّوْبَةُ قَبْل المَوْتِ والنَّشَاطُ فِي قِيَامِ الليْل واليَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ والحِفْظُ لأَمْرِ اللهِ ونَهْيِهِ عَزَّ وجَل والتَّاسِعَةُ بُغْضُ الدُّنْيَا والعَاشِرَةُالسَّخَاءُ، وأَمَّا التِي فِي الآخِرَةِ: فَلا يُنْشَرُ لهُ دِيوَانٌ ولا يُنْصَبُ لهُ مِيزَانٌ ويُعْطَى كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ويُكْتَبُ لهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ ويَبْيَضُّ وَجْهُهُ ويُكْسَى مِنْ حُلل الجَنَّةِ ويَشْفَعُ فِي مِائَةٍ مِنْ أَهْل بَيْتِهِ ويَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وجَل إِليْهِ بِالرَّحْمَةِ ويُتَوَّجُ مِنْ تِيجَانِ الجَنَّةِ والعَاشِرَةُ يَدْخُل الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَطُوبَى لمُحِبِّي أَهْل بَيْتِي»(1).
مسألة: يستحب إلفات الناس إلى أنه قد تكون البلايا والرزايا لتطهير الإنسان من المعاصي والذنوب، كما أنه قد تكون لترفيع الدرجات، فإن الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) كانت البلايا بالنسبة إليهم لترفيع الدرجات، لوضوح أنهم معصومون عن الحرام والمكروه، ومسلمية أن بعضهم كالرسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) كانوا معصومين حتى عن ترك الأولى(2).
ص: 306
وربما كانت اختباراً للإنسان أو غيره، وفتنة كذلك.
وربما كانت البلايا والرزايا مما توجب ترفيع الدرجات من دون أن تكون تطهيراً، ولا من قبيل بلايا الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)(1)، كما إذا أصيب الإنسان ببلية أو رزية لا يستحقها وإنما كانت تلك بضرب القانون الكوني العام، كما قال سبحانه: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الذينَ ظَلمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَ اعْلمُوا أَنَّ اللهَ شَديدُ العِقابِ»(2).
وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق، فإن الله عزوجل جعل النعيم والمصائب في الدنيا حسب القانون العام، لا أن من يصيبه شيء أو يحصل على شيء يكون بالضرورة أهلاً لذلك في نفسه لولا القانون العام، نعم من أصابه شيء بضرب القانون العام فإنه سيزيده درجة إن لم يكن مذنباً، وسيوجب الحط من ذنوبه إن كان، فيوجب ذلك عدم إصابته ببلية خاصة بنفس النسبة.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّفِي كِتَابِ عَليٍّ (عليه السلام): أَنَ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً النَّبِيُّونَ ثُمَّ الوَصِيُّونَ ثُمَّ الأَمْثَل فَالأَمْثَل، وإِنَّمَا يُبْتَلى المُؤْمِنُ عَلى قَدْرِ أَعْمَالهِ الحَسَنَةِ، فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ وحَسُنَ عَمَلهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وذَلكَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وجَل لمْ يَجْعَل الدُّنْيَا ثَوَاباً لمُؤْمِنٍ ولا عُقُوبَةً لكَافِرٍ، ومَنْ سَخُفَ دِينُهُ وضَعُفَ عَمَلهُ قَل بَلاؤُهُ، وأَنَّ البَلاءَ أَسْرَعُ إِلى المُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ المَطَرِ إِلى قَرَارِ الأَرْضِ»(3).
ص: 307
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَ عَظِيمَ الأَجْرِ لمَعَ عَظِيمِ البَلاءِ، ومَا أَحَبَّ اللهُ قَوْماً إِلا ابْتَلاهُمْ»(1).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِنَ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى إِذَا أَحَبَ عَبْداً غَتَّهُ بِالبَلاءِ غَتّاً، وثَجَّهُ بِالبَلاءِ ثَجّاً، فَإِذَا دَعَاهُ قَال: لبَّيْكَ عَبْدِي، لئِنْ عَجَّلتُ لكَ مَا سَأَلتَ إِنِّي عَلى ذَلكَ لقَادِرٌ، ولئِنِ ادَّخَرْتُ لكَ فَمَا ادَّخَرْتُ لكَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ»(2).
مسألة: يستحب حمد الله تعالى على البلية والرزية، كما يستحب شكره على آثارها الإيجابية.
عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال : «أَوَّل مَنْ يُدْعَى إِلى الجَنَّةِ الحَمَّادُونَ، الذِينَ يَحْمَدُونَ اللهَ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاء»(3).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَوْ أَبِي الحَسَنِ (عليهما السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل ليَعْجَبُ مِنَ الرَّجُل يَمُوتُ وَلدُهُ وهُوَ يَحْمَدُ اللهَ فَيَقُول: يَا مَلائِكَتِي عَبْدِي أَخَذْتُ نَفْسَهُ وهُوَ يَحْمَدُنِي»(4).
وعَنْ عَليِّ بْنِ أَسْبَاطٍ رَفَعَهُ قَال: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول عِنْدَ المُصِيبَةِ: «الحَمْدُ للهِ الذِي لمْ يَجْعَل مُصِيبَتِي فِي دِينِي، والحَمْدُ للهِ الذِي لوْ شَاءَ
ص: 308
أَنْ يَجْعَل مُصِيبَتِي أَعْظَمَ مِمَّا كَانَتْ، والحَمْدُ للهِ عَلى الأَمْرِ الذِي شَاءَ أَنْ يَكُونَ فَكَانَ»(1).
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «تَقُول ثَلاثَ مَرَّاتٍ إِذَا نَظَرْتَ إِلى المُبْتَلى مِنْ غَيْرِ أَنْ تُسْمِعَهُ: الحَمْدُ للهِ الذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ ولوْ شَاءَفَعَل، قَال: مَنْ قَال ذَلكَ لمْ يُصِبْهُ ذَلكَ البَلاءُ أَبَداً»(2).
مسألة: يستحب بيان أن المذنب من شيعتهم (عليهم السلام) سيخضع لعملية التطهير، إما في الدنيا أو في الآخرة أو في عرصات القيامة أو في الطابق الأعلى من جهنم فإنها أهون طبقاتها.
وقد ورد في تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
قَال (عليه السلام): قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «اتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الشِّيعَةِ، فَإِنَّ الجَنَّةَ لنْ تَفُوتَكُمْ وَإِنْ أَبْطَأَتْ بِهَا عَنْكُمْ قَبَائِحُ أَعْمَالكُمْ، فَتَنَافَسُوا فِي دَرَجَاتِهَا، قِيل: فَهَل يَدْخُل جَهَنَّمَ أَحَدٌ مِنْ مُحِبِّيكَ وَمُحِبِّي عَليٍّ (عليه السلام)، قَال: مَنْ قَذِرَ نَفْسُهُ بِمُخَالفَةِ مُحَمَّدٍ وَعَليٍّ وَوَاقَعَ المُحَرَّمَاتِ وَظَلمَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَخَالفَ مَا رُسِمَ لهُ مِنَ الشَّرِيعَاتِ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ قَذِراً طَفِساً يَقُول مُحَمَّدٌ وَعَليٌّ (عليهما السلام): يَا فُلانُ أَنْتَ قَذِرٌ طَفِسٌ لا تَصْلحُ لمُرَافَقَةِ مَوَاليكَ الأَخْيَارِ وَلا لمُعَانَقَةِ الحُورِ الحِسَانِ وَلا المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، لا تَصِل إِلى مَا هُنَاكَ إِلا
ص: 309
بِأَنْ تَطْهُرَ عَنْكَ مَا هَاهُنَا، يَعْنِي مَا عَليْكَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَيَدْخُل إِلى الطَّبَقِ الأَعْلى مِنْ جَهَنَّمَ فَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصِيبُهُ الشَّدَائِدُ فِي المَحْشَرِ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِ ثُمَّ يَلقُطُهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا مَنْ يَبْعَثُهُمْ إِليْهِ مَوَاليهِ مِنْ خِيَارِ شِيعَتِهِمْ كَمَا يَلقُطُ الطَّيْرُ الحَبَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ ذُنُوبُهُ أَقَل وَأَخَفَّ فَيُطَهَّرُ مِنْهَا بِالشَّدَائِدِ وَالنَّوَائِبِ مِنَ السَّلاطِينِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنَ الآفَاتِ فِي الأَبْدَانِ فِي الدُّنْيَا ليُدْلى فِي قَبْرِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرُبُ مَوْتُهُ وَقَدْ بَقِيَتْ عَليْهِ سَيِّئَةٌ فَيُشْتَدُّ نَزْعُهُ وَيُكَفَّرُ بِهِ عَنْهُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْ ءٌ وَقَوِيَتْ عَليْهِ يَكُونُ لهُ بَطَرٌ وَاضْطِرَابٌ فِي يَوْمِ مَوْتِهِ فَيَقِل مَنْ بِحَضْرَتِهِ فَيَلحَقُهُ بِهِ الذُّل فَيُكَفَّرُ عَنْهُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْ ءٌ أُتِيَ بِهِ وَلمَّا يُلحَدْ فَيُوضَعُ فَيَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ فَيُطَهَّرُ، فَإِنْ كَانَ ذُنُوبُهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ طَهُرَ مِنْهَا بِشَدَائِدِ عَرَصَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ طَهُرَ مِنْهَا فِي الطَّبَقِ الأَعْلى مِنْ جَهَنَّمَ، وَهَؤُلاءِ أَشَدُّ مُحِبِّينَا عَذَاباً وَأَعْظَمُهُمْ ذُنُوباً، ليْسَ هَؤُلاءِ يُسَمَّوْنَ بِشِيعَتِنَا وَلكِنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ بِمُحِبِّينَا وَالمُوَالينَ لأَوْليَائِنَا وَالمُعَادِينَ لأَعْدَائِنَا، إِنَّ شِيعَتَنَا مَنْ شَيَّعَنَا وَاتَّبَعَ آثَارَنَا وَاقْتَدَى بِأَعْمَالنَا»(1).
مسألة: يستحب بيان أن الشيعي سيدخل الجنة في نهاية المطاف ولو بعد التمحيص، ولكن لا يخفى أن ذلك مشروط بأن يبقى شيعياً حتى الموت، ولا ينقلب عن موالاته في أيام حياته أو في لحظات الاحتضار، وقد ورد في الرواية: إن الحسنات آخذ بعضها بعنق بعض حتى تدخل العبد الجنة، وإن السيئات
ص: 310
بعضها آخذ بعنق بعض حتى تدخل العبد النار.
وذلك يعني أن السيئة الواحدة قد تجر إلى سيئة ثانية فثالثة فرابعة وهكذا إلى أن تسبب له أن تزل قدمه في امتحان المال أو الشهرة أو الرياسة أو غيرها فيسلب إيمانه وولاؤه، فينضوي تحت لواء الكفار أو المخالفين، ويمكن أن يسلب إيمانه عند احتضاره، فقد ورد في أحاديث عديدة أن بعض الناس يسلب إيمانهم وقت الاحتضار.
عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله: «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»(1)، قال: «المستقر الإيمان الثابت، والمستودع المعار»(2).وعن سعيد بن أبي الأصبغ، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يسأل عن مستقر ومستودع ، قال: «مستقر في الرحم، ومستودع في الصلب، وقد يكون مستودع الإيمان ثم ينزع منه، ولقد مشى الزبير في ضوء الإيمان ونوره حين قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى مشى بالسيف وهو يقول: لا نبايع إلا علياً»(3).
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُليْمَانَ الدَّيْلمِيِّ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَقُلتُ لهُ: جُعِلتُ فِدَاكَ إِنَّ شِيعَتَكَ تَقُول: إِنَّ الإِيمَانَ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ، فَعَلمْنِي شَيْئاً إِذَا قُلتُهُ اسْتَكْمَلتُ الإِيمَانَ، قَال: قُل فِي دُبُرِ كُل صَلاةٍ فَرِيضَةٍ: "رَضِيتُ بِاللهِ رَبّاً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وَبِالإِسْلامِ دِيناً وَبِالقُرْآنِ كِتَاباً وَبِالكَعْبَةِ قِبْلةً وَبِعَليٍّ وَليّاً وَإِمَاماً
ص: 311
، وَبِالحَسَنِ وَ الحُسَيْنِ وَالأَئِمَّةِ (صلوات الله عليهم) اللهُمَّ إِنِّي رَضِيتُ بِهِمْ أَئِمَّةً فَارْضَنِي لهُمْ إِنَّكَ عَلى كُل شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(1).
مسألة: يستحب بيان أن الشفاعة تنالكل شيعي ومحب لأهل البيت (عليهم السلام).
ولا يخفى ما لذلك من الأثر التربوي عكس ما يتوهمه بعض الناس، فإن الشفاعة باب أمل فتحه الله لعبيده، ومتى عرف العبد أن باب التوبة والمغفرة مفتوح بالشفاعة أو الاستغفار أو العمل الصالح شجعه ذلك على إصلاح نفسه، إذ اليأس من التوبة والمغفرة يوجب التمادي الأكثر في الذنوب حيث يرى الباب مغلقاً مهما فعل.
ولعل هذا من وجوه قوله تعالى: «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ القَوْمُ الكافِرُونَ»(2).
هذا إضافة إلى أن وجود الشفاعة ومعرفة الناس بها من أكبر أسباب ارتباط الإنسان بالرسل وأوصيائهم (عليهم السلام)، وهو مما له أكبر الأثر في شد الناس إلى الدين وتمسكهم به، وعدم اتخاذ أئمة الضلال الداعين إلى النار أسوة وقدوة.
عَنْ حَرْبِ بْنِ شُرَيْحٍ البَصْرِيِّ قَال : قُلتُ لمُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ (عليهما السلام): أَيُّ
ص: 312
آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ أَرْجَى، قَال: «مَا يَقُول فِيهَا قَوْمُكَ»، قَال: قُلتُ: يَقُولونَ: «يا عِبادِيَ الذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ»(1).قَال: «لكِنَّا أَهْل البَيْتِ لا نَقُول ذَلكَ، قَال: قُلتُ: فَأَيَّ شَيْءٍ تَقُولونَ فِيهَا؟
قَال: نَقُول: «وَلسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»(2)، الشَّفَاعَةَ واللهِ الشَّفَاعَةَ واللهِ الشَّفَاعَة»(3).
المستفاد من الروايات بالإضافة إلى الدليل العقلي أن لجهنم نوعين من العذاب:
النوع الأول: من حيث الدركات.
والنوع الثاني: من حيث الكيفيات.
كما أن للجنة كذلك نوعين من المثوبات والدرجات:
الأول: نوع الدرجات والارتفاعات المادية الكمية.
الثاني: نوع الدرجات والارتفاعات المعنوية الكيفية.
فربما يجتمع نفران في مكان واحد في النار لكن يكون أحدهما أكثر عذاباً، أو يجتمعان في الجنة لكن أحدهما يكون أكثر تنعماً، كما نشاهد من جمع صحيح
ص: 313
المزاج والمريض في مكان واحد مع اختلافهما في التنعم والتأذي، وكذلك جمع المريضين أوالصحيحين على اختلاف درجاتهما.
توضيح ذلك: أن قسماً كبيراً من النعيم والعذاب يكون بواسطة المنافذ وما يحس به، فمن فقد منفذاً فقد فقد طريقاً من طرق النعيم أو وسيلة من وسائل العذاب، فمن فقد حاسة السمع مثلاً فإنه لا يلتذ بصوت القرآن أو صوت حفيف الأشجار وخرير المياه أو صوت المحبوب، كما أنه لا يوحشه الأصوات الموحشة ولا تزعجه إذ أنه لا يسمعها.
وبذلك يتبين وجه من وجوه اختلاف تنعم وعذاب شخصين في مكان واحد من الجنة أو النار، فإن المنافذ هي أكثر من خمسة، بل لعلها لا تحصى كثرة، فكلما أراد الله بعبد من عبادة نعمة أكبر فتح له نافذة أخرى، وكذا لو أراد الله بعبد من عبيده المزيد من العذاب.
هذا كله في المنافذ المادية، وكذلك الأمر في المنافذ المعنوية الباطنة، كما أنه كذلك بالنسبة إلى القوى العقلية والإدراكات وما أشبه.
قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وجَل بِعَبْدٍ خَيْراً فَأَذْنَبَ ذَنْباً تَبِعَهُ بِنَقِمَةٍ ويُذَكِّرُهُ الاسْتِغْفَارَ، وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ شَرّاً فَأَذْنَبَ ذَنْباً تَبِعَهُ بِنِعْمَةٍ ليُنْسِيَهُ الاسْتِغْفَارَ ويَتَمَادَى بِهِ،وهُوَ قَوْل اللهِ عَزَّوجَل : «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلمُونَ»(1) بِالنِّعَمِ عِنْدَ المَعَاصِي»(2).
ص: 314
وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً نَكَتَ فِي قَلبِهِ نُكْتَةً بَيْضَاءَ، فَجَال القَلبُ يَطْلبُ الحَقَّ، ثُمَّ هُوَ إِلى أَمْرِكُمْ أَسْرَعُ مِنَ الطَّيْرِ إِلى وَكْرِهِ»(1).
وقال (صلى الله عليه وآله): «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً جَعَل الذُّنُوبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُمَثَّلةً، والإِثْمَ عَليْهِ ثَقِيلا وَبِيلا، وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ شَرّاً أَنْسَاهُ ذُنُوبَه» (2).
ص: 315
جاء رجل إلى فاطمة (عليها السلام) فقال: يا ابنة رسول الله هل ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندك شيئاً تطرفينيه(1)، فقالت: «يا جارية هات تلك الحريرة»(2)، فطلبتها فلم تجدها، فقالت: «ويحك اطلبيها»، فطلبتها فإذا هي قد قممتها في قمامتها(3) فإذا فيها:
قال محمد النبي (صلى الله عليه وآله): «ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت، إن الله يحب الخيّر الحليم المتعفف، ويبغض الفاحش الضنين السئال الملحف، إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار»(4).
---------------------------
أقول في بعض النسخ: «اطلبيها فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً» والظاهر
ص: 316
عدم صحتها(1)، ولو فرض صدورالرواية هكذا وكونها كما نقل، فله وجوه:
الأول: إن كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) تفسير للقرآن وهو عدل للعترة الطاهرة (عليهم السلام).
الثاني: إنه يمكن أن يكون مجازاً، حيث أرادت بيان أهمية تلك الحريرةوما كتب عليها، فلا يراد التعديل الحقيقي.
الثالث: إن ذلك قد يكون بلحاظ الكلي الشامل لهما، إذ المعادلات قد تكون حقيقية، وقد تكون بلحاظٍ واعتبارٍ كالجامع، فالحريرة وما كتب عليها مهم لها كما في أصل الأهمية بهما (عليهما السلام) دون الخصوصيات.
ص: 317
مسألة: يلزم الاهتمام بالأحكام القرآنية والمستفادة من الروايات الشريفة، فإن القرآن وأحكامه تعادل العترة (عليهم السلام)، وهما وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتراثه في الأُمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»(1).
والأحكام القرآنية لا تعني الصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة ونظائرها فحسب، بل تشمل مثل: الاستشارة والأخوة والحريات والعدل والإحسان وما أشبه.
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول : «المُؤْمِنُ أَخُو المُؤْمِنِ ، كَالجَسَدِ الوَاحِدِ إِنِ اشْتَكَى شَيْئاً مِنْهُ وَجَدَ أَلمَ ذَلكَ فِي سَائِرِ جَسَدِهِ، وأَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ، وإِنَّ رُوحَ المُؤْمِنِ لأَشَدُّ اتِّصَالا بِرُوحِ اللهِ مِنِ اتِّصَال شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «فِيمَا أَوْصَى بِهِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)عَليّاً (عليه السلام) أَنْ قَال: لا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ المُشَاوَرَةِ، ولا عَقْل كَالتَّدْبِيرِ»(3).
وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : «أَفْضَل النَّاسِ رَأْياً مَنْ لمْ يَسْتَغْنِ عَنْ
ص: 318
مُشِيرٍ»(1).
مسألة: يجب الرجوع إلى المعصوم (عليه السلام) أو من ينتهي قوله إلى قوله (عليه السلام)، كالمرأة الصالحة الرواية لأخبارهم (صلوات الله عليهم).
ومن هنا جاء ذلك الرجل إلى الصديقة فاطمة (عليها السلام) فإنها بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) و«إن الله يرضى لرضاها»(2)، فاللازم الرجوع إلى أحاديثها أو من يحملها من الرجال الصالحين والنساء الصالحات.
عَنْ عَليِّ بْنِ سُوَيْدٍ السَّائِيِّ قَال: كَتَبَ إِليَّ أَبُو الحَسَنِ (عليه السلام) وهُوَ فِي السِّجْنِ: «وأَمَّا مَا ذَكَرْتَ يَا عَليُّ مِمَّنْ تَأْخُذُ مَعَالمَ دِينِكَ، لا تَأْخُذَنَ مَعَالمَ دِينِكَ عَنْ غَيْرِ شِيعَتِنَا، فَإِنَّكَ إِنْ تَعَدَّيْتَهُمْ أَخَذْتَ دِينَكَ عَنِ الخَائِنِينَ الذِينَ خَانُوا اللهَ ورَسُولهُ وخَانُوا أَمَانَاتِهِمْ، إِنَّهُمُ اؤْتُمِنُوا عَلى كِتَابِ اللهِ فَحَرَّفُوهُ وبَدَّلوهُ، فَعَليْهِمْ لعْنَةُ اللهِ ولعْنَةُ رَسُولهِ ولعْنَةُ مَلائِكَتِهِ ولعْنَةُ آبَائِيَ الكِرَامِ البَرَرَةِ ولعْنَتِي ولعْنَةُ شِيعَتِي إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ»(3).
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ قَال: سَأَلتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ العَمْرِيَّ أَنْ يُوصِل لي كِتَاباً قَدْ سَأَلتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِل أَشْكَلتْ عَليَّ، فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلانَا
ص: 319
صَاحِبِ الزَّمَانِ (عليه السلام): «أَمَّا مَا سَأَلتَ عَنْهُ أَرْشَدَكَ اللهُ وثَبَّتَكَ» إلى أن قال: «وأَمَّا الحَوَادِثُ الوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَليْكُمْ وأَنَا حُجَّةُ اللهِ، وأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ العَمْرِيُّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْل)، فَإِنَّهُ ثِقَتِي وكِتَابُهُ كِتَابِي»(1).وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَاهَوَيْهِ قَال: كَتَبْتُ إِليْهِ، يَعْنِي أَبَا الحَسَنِ الثَّالثَ (عليه السلام) أَسْأَلهُ عَمَّنْ آخُذُ مَعَالمَ دِينِي، وكَتَبَ أَخُوهُ أَيْضاً بِذَلكَ، فَكَتَبَ إِليْهِمَا: «فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتُمَا فَاصْمِدَا فِي دِينِكُمَا عَلى كُل مُسِنٍّ فِي حُبِّنَا، وكُل كَثِيرِ القَدَمِ فِي أَمْرِنَا، فَإِنَّهُمَا كَافُوكُمَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى»(2).
مسألة: الإهمال إن أدى إلى تضييع الحقوق والواجبات فحرام، وإلا فهو رذيلة أخلاقية، ومن المحرم إهمال الأمانات حتى تضيع، أو التصرف في ملك الغير بدون رعاية الاحتياط اللازم، كما صنعت الجارية إذ قممت الحريرة في المقامة دون فحص واحتياط، ولذا عاتبتها الصديقة (عليها السلام) كما هو الظاهر من كلمة (ويحك)، فإنه الأصل فيها رغم تعدد الأقوال.
ص: 320
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) :«مَنْ أَهْمَل نَفْسَهُ أَهْلكَهَا»(1).
وقال (عليه السلام): «مَنْ أَهْمَل نَفْسَهُ فِي لذَّاتِهَا شَقِيَ وبَعُدَ»(2).
وقال (عليه السلام): «مَنْ أَهْمَل نَفْسَهُ أَضَاعَ أَمْرَهُ»(3).
وقال (عليه السلام): «مِنَ الخُرْقِ المُعَاجَلةُ قَبْل الإِمْكَانِ، والأَنَاةُ بَعْدَ الفُرْصَةِ»(4).
ثم إن للجار حقين: حق الإسلام، وحق الجوار، كما أنه إذا كان كافراً كان له حق الجار، والبعيد المؤمن له حق الإيمان وإن لم يكن له حق الجار.
وقال (صلى الله عليه وآله) كما في روضة الواعظين: «الجِيرَانُ ثَلاثَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ لهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ، حَقُّ الإِسْلامِ وَحَقُّ الجِوَارِ وَحَقُّ القَرَابَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لهُ حَقَّانِ حَقُّ الإِسْلامِ وَحَقُّ الجِوَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لهُ حَقٌّ وَاحِدٌ الكَافِرُ لهُ حَقُّ الجِوَارِ»(1).
ومعنى: «ليس من المؤمنين...» و«يؤمن بالله واليوم الآخر»(2)، أنه إذا آذى جارهلم يكن كامل الإيمان عملاً، فإن أركان الإيمان ثلاثة: القلب واللسان والجوارح كما حقق في محله ودلت عليه الروايات، عن الإمام الرضا (عليه السلام) في تفسير الإيمان: «هو معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان»(3).
ومثل هذا الوجه كما يقال في الواجبات فإنه يقال في المستحبات أيضاً، كما ورد «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكتحل»(4)، فإن المراد كمال الإيمان، إذ الإيمان له درجات: الكمال والوسط والأصل وهو أدنى الدرجات وأولها، فقد يطلق الإيمان في مقابل من لا إيمان له إطلاقاً، أو في مقابل من له إيمان ولكنه يعمل المحرمات، أو في مقابل من له إيمان ولا يعمل المحرمات ولكنه يترك المستحبات أو يأتي بالمكروهات وما أشبه.
ص: 322
مسألة: ينبغي أن لا يتكلم الإنسان بشرٍّ، بل يقول خيراً أو يسكت.
والمتكلم بالشر ليس ممن يؤمن بالله واليوم الآخر إيماناً كاملاً على ما عرفت.
وفي الحديث: «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم»(1).
وقال الإمام الحسن (عليه السلام) جواباً على أسئلة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا»(2).
وقال الإمام الكاظم (عليه السلام): «يا هشام قلة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت، فإنه دعة حسنة وقلة وزر وخفة من الذنوب»(3).
ثم إن من الشر الذي ينبغي أن يتجنبه الإنسان ولا يتكلم به: الغيبةوالتهمة والنميمة، وسب المؤمنين وإهانتهم وجرحهم، واستعمال الكلمة القبيحة، والنكات غير اللائقة، والقصص المشينة بالأخلاق، وكذا التشجيع على الإثم والعدوان والتثبيط عن العمل الصالح أو عن الإيمان والاعتقاد وشبه ذلك.
قال تعالى: «وَقُل لعِبادي يَقُولوا التي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ
ص: 323
إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ للإِنْسانِ عَدُوًّا مُبينا»(1).
مسألة: يستحب أن يكون الإنسان خيّراً، ورجل خيّر أي ذو خير.
ولعله أعم من الخير الذاتي والمتعدي(2).
وحيث إن الصديقة (صلوات الله عليها) قالت: «إن الله يحب الخير» فعلى الإنسان إذا أراد أن يحبه الله أكثر فأكثر أن يزداد خيراً وخيّرية، ومن المشاهد في المجتمع أن بعض الناس يوصف بأنه خيّر، فليكن كل منا منهم، بل من خيار خيّريهم.
مسألة: يستحب أن يكون الإنسان حليماً، والحلم إضافةً إلى كونه زينةً ووقاراً، مما يوجب هدوء النفس وسكونها، وراحة البال وطمأنينتها، ويبعد عن الإنسان التوتر والقلق، ويجنب الإنسان الكثير من المعاصي القولية والعملية.
ثم إنه أيضاً من أهم أسس تماسك المجتمع، ومما يمهد للتعاون على البر والتقوى، لأنه يوجب تقارب النفوس وتواددها.
ولذلك كله ولنظائره قالت الصديقة (عليها السلام): «إن الله يحب الخيّر الحليم ...».
ص: 324
وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : «الحِلمُ حِجَابٌ مِنَ الآفَاتِ»(1).
وقال (عليه السلام): «السِّلمُ ثَمَرَةُ الحِلمِ»(2).
وقال (عليه السلام): «الأَوَّل مِنْ عِوَضِ الحَليمِ عَنْ حِلمِهِ أَنَّ النَّاسَ كُلهُمْ أَنْصَارُهُ عَلى خَصْمِهِ»(3).
وقال (عليه السلام): «إِنَّ أَفْضَل أَخْلاقِالرِّجَال الحِلمُ »(4).
وقال (عليه السلام): «إِنْ كَانَ فِي الغَضَبِ الانْتِصَارُ فَفِي الحِلمِ حُسْنُ العَافِيَةِ»(5).
وقال (عليه السلام): «مَنْ حَلمَ لمْ يُفَرِّطْ فِي الأُمُورِ وعَاشَ حَمِيداً فِي النَّاسِ»(6).
وقال (عليه السلام): «لا شَرَفَ أَعْلى مِنَ الحِلمِ »(7).
ص: 325
مسألة: يستحب أن يكون الإنسان عفيفاً متعففاً، والمتعفف هو المتحرز عن الحرام، وعما فيه شبهة وعن سؤال الناس(1).
ثم إن الخيّر وإن كان يشمل الحليم والمتعفف إلا أن تخصيص ذكرهما من باب أهميتهما، كذكر الخاص بعد العام، كما أنه قد يعكس فيذكر الخاص أولاً والعام ثانياً، فقد يقول القائل: ذهبت إلى العراق وذهبت إلى النجف الأشرف، وقد يقول: تجولت في أرجاء النجف الأشرف وتجولت في أنحاء العراق، وهذا من أبواب البلاغة، كما ذكره البلغاء في مواردها.
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الحَيِيَّ الحَليمَ العَفِيفَ المُتَعَفِّفَ»(2).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مَا عُبِدَ اللهُ بِشَيْ ءٍ أَفْضَل مِنْ عِفَّةِ بَطْنٍ وَ فَرْجٍ»(3).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُول:أَفْضَل العِبَادَةِ العَفَافُ»(4).
ص: 326
مسألة: يحرم أن يكون الإنسان فاحشاً، بمعنى المرتكب للفاحشة، والفاحشة هي كلما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي.
قال تعالى: «وَاللاَّتي يَأْتينَ الفاحِشَة»(1).
وقال عزوجل: «الذينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ والفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ»(2).
وقال سبحانه: «إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ»(3).
عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)قَال: «إِيَّاكُمْ والفُحْشَ، فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ»(4).
وَقَال جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ: كُنْتُ جَالساً عِنْدَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَبِي أَمَامِي، فَقَال (صلى الله عليه وآله): الفُحْشُ والتَّفَحُّشُ ليْسَا مِنَ الإِسْلامِ فِي شَيْءٍ، وإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلاماً أَحْسَنُهُمْ أَخْلاقاً»(5).
وقَال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ عَرَضَتْ لهُ فَاحِشَةٌ أَوْ شَهْوَةٌ فَاجْتَنَبَهَا مِنْ مَخَافَةِ اللهِ عَزَّ وجَل، حَرَّمَ اللهُ عَليْهِ النَّارَ، وآمَنَهُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وأَنْجَزَ لهُ مَا
ص: 327
وَعَدَهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلهِ تَبَارَكَ وتَعَالى : «وَلمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتان»(1)»(2).
مسألة: يكره أن يكون الإنسان ضنيناً.
والضنين _ بالضاد أخت الصاد _ معناه: البخيل، ومنه قوله سبحانه: «وَما هُوَ عَلى الغَيْبِ بِضَنين»(3)، أي: لا يبخل بالغيب، فإذا كان من المناسب بيانه للناس قاله لهم.
وإذا أراد العبد أن يحبه الله تعالى فعليه أن لا يكون ضنيناً بخيلاً، بل يكون جواداً كريماً.
ثم إن الضنين على أنواع: فقد يكون ضنيناً بخيلاً ببذل العلم، وقد يكون بخيلاً ببذل المال، وقد يكون بخيلاً ببذل ماء الوجه في وساطة خير كإصلاح ذات البين، أو التوسط لمساعدة يتيم أو فقير أو سجين أو أسير، وقد يكون بخيلاًضنيناً ببذل المال ... إلى غير ذلك.
قال تعالى: «وَلا يَحْسَبَنَّ الذينَ يَبْخَلونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلهِ هُوَ خَيْراً لهُمْ بَل هُوَ شَرٌّ لهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلوا بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ وللهِ ميراثُ السَّماواتِ والأَرْضِ واللهُ بِما تَعْمَلونَ خَبير»(4).
ص: 328
وقال سبحانه: «الذينَ يَبْخَلونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبُخْل ويَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلهِ وأَعْتَدْنا للكافِرينَ عَذاباً مُهيناً»(1).
قوَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : «لا خَيْرَ فِي صَدِيقٍ ضَنِينٍ» (2).
وقَال (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) :
كُل امْرِئٍ بِكَسْبِهِ رَهِينٌ *** وَفَاعِل الخَيْرَاتِ يَسْتَبِينُ
مَوْعِدُهُ جَنَّةُ عِليِّينَ *** حَرَّمَهَا اللهُ عَلى الضَّنِينِ
وَللبَخِيل مَوْقِفٌ مُهِينٌ *** تَهْوِي بِهِ النَّارُ إِلى سِجِّينٍ
شَرَابُهُ الحَمِيمُ والغِسْلين (3)
مسألة: يكره أن يكون الإنسان سائلاً ملحاً على غير الله تعالى.
فإن الإلحاح في السؤال من الناسمكروه، وفي القرآن الحكيم: «لا يَسْئَلونَ النَّاسَ إِلحافاً»(4). إي إلحاحاً.
وفي الحديث: «إن الله يبغض الفاحش البذيء، والسائل الملحف»(5).
وعن الإمام العسكري (عليه السلام): «وَاعْلمْ أَنَّ الإِلحَاحَ فِي المَطَالبِ يَسْلبُ
ص: 329
البَهَاءَ وَيُورِثُ التَّعَبَ وَالعَنَاءَ، فَاصْبِرْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ لكَ بَاباً يَسْهُل الدُّخُول فِيهِ، فَمَا أَقْرَبَ الصُّنْعَ إِلى المَلهُوفِ، وَالأَمْنَ مِنَ الهَارِبِ المَخُوفِ»(1).
نعم يستثنى من ذلك الإلحاح في السؤال والتوسط لعمل الخير، وفي الحديث: «الشفاعة زكاة الجاه»(2)، كما أنه يندرج في باب التزاحم وتقديم الأهم.
هذا كله بالنسبة إلى الإلحاح فيالسؤال من الناس، أما الإلحاح على الله سبحانه فهو مستحب، وقد جاء في دعاء يوم الأربعاء للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «الحَمْدُ للهِ الذِي مَرْضَاتُهُ فِي الطَّلبِ إِليْهِ، وَالتِمَاسِ مَا لدَيْهِ، وَسَخَطُهُ فِي تَرْكِ الإِلحَاحِ فِي المَسْأَلةِ عَليْه»(3).
مسألة: يستحب أن يكون الإنسان حيياً، إذ «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة»(4)، كما في الحديث الشريف.
والحياء من أرفع الصفات الحميدة في الإنسان، في غير ما استثني، فإنه في
ص: 330
المستثنى ليس بمستحب، بل ربما يكره أو يحرم ذلك، مثل حياء الزوجين أحدهما عن الآخر في القضايا الجنسية فإنه بين مكروه وحرام، وكذلك الحياء من السؤال عن الأمور الدينية والمسائل الشرعية ونحوها، ولذا قالوا: «لا حياء في العلم»، كما «لا حياء في الدين»، و«لا حياء في الحق».
وكذلك أيضاً الحياء عن المطالبةبالحقوق الشرعية التي اغتصبها الحاكم الجائر، أو أي ظالم آخر، سواء كانت حقوق الناس عامة أو حقوق جماعة خاصة، كالعشيرة أو النقابة أو الهيئة أو الشركة، أو حقوق عائلة من العوائل، نعم ما كان من الأمور الشخصية فربما العفو فيه أفضل إن لم يترتب عليه محذور آخر.
ولعل ذلك كله من صغريات قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «الحياء على وجهين، فمنه الضعف، ومنه قوة وإسلام وإيمان»(1).
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَاليِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَ فِيهِ كَمَل إِيمَانُهُ ومُحِّصَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ ولقِيَ رَبَّهُ وهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، مَنْ وَفَى للهِ بِمَا يَجْعَل عَلى نَفْسِهِ للنَّاسِ، وصَدَقَ لسَانُهُ مَعَ النَّاسِ، واسْتَحْيَا مِنْ كُل قَبِيحٍ عِنْدَ اللهِ وعِنْدَ النَّاسِ، ويَحْسُنُ خُلقُهُ مَعَ أَهْلهِ»(2).
ص: 331
مسألة: يجب حفظ الآثار المعنوية كالكتاب النافع، والاهتمام بها، ويظهر ذلك من عتابها الشديد أو غضبها (عليها السلام) إذ قالت: «ويحك اطلبيها»، ومعلوم أن مثل هذا التعبير يتضمن بيان أهمية ذلك الأمر.
وحفظ كل شيء بحسبه، ويختلف باختلاف الظروف والأزمان والأماكن وباختلاف نوع الأثر، ومنه الحفظ في الصدور، ومنه حفظ الكتب الخطية باستنساخها وجعلها في مكتبات متعددة في بلاد مختلفة، ومنه السعي لطباعتها، ومنه حفظها بشرحها ودفع الشبهات عنها.
والحاصل: إنه لا فرق في الحفظ بين كونه بالكتابة، أو في الصدر، أو بالأشرطة ونحوها من الأمور الحديثة، ويشمل الجميع قوله (عليه الصلاة والسلام): «احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها»(1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أدى إلى أمتي حديثاً يقام به سنة أويثلم به بدعة فله الجنة»(2).
ص: 332
مسألة: يستحب قول الخير.
ولعل المراد بالقول في قوله (صلى الله عليه وآله): «فليقل خيراً أو يسكت» ولو بالملاك الأعم من العمل، لأن القول قد يطلق على العمل كما يطلق على اللفظ، يقال: قال فلان بيده كذا، بل يشمل الكتابة أيضاً، فيقال: قال المحقق في كتابه، بينما كتب.
والخير إذا كان مستحباً كان قوله مستحباً، وإن كان واجباً كان قوله واجباً في الجملة.
ثم إن من قول الخير الثناء الصادق والتشجيع على العمل الصالح، ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل، ومنه نصح المستشير، ومنه الدفاع القولي والكتبي عن المظلوم، ومنه إصلاح ذات البين.
عَنِ الفُضَيْل بْنِ يُونُسَ الكَاتِبِ قَال: قَال لي أَبُو الحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «أَبْلغْ خَيْراً وقُل خَيْراً ولا تَكُونَنَّ إِمَّعَةً». قُلتُ: ومَا الإِمَّعَةُ، قَال: «تَقُول أَنَا مَعَ النَّاسِ وأَنَا كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُمَا نَجْدَانِ، نَجْدُ خَيْرٍ ونَجْدُ شَرٍّ، فَمَا بَال نَجْدِ الشَّرِّ أَحَبُّإِليْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْر»(1).
وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : «أَلا وقُولوا خَيْراً تُعْرَفُوا بِهِ، واعْمَلوا بِهِ
ص: 333
تَكُونُوا مِنْ أَهْله »(1).
ةعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) قَال: «يَا سُفْيَانُ أَمَرَنِي وَالدِي (عليه السلام) بِثَلاثٍ، ونَهَانِي عَنْ ثَلاثٍ، فَكَانَ فِيمَا قَال لي: يَا بُنَيَّ مَنْ يَصْحَبْ صَاحِبَ السَّوْءِ لا يَسْلمْ، ومَنْ يَدْخُل مَدَاخِل السَّوْءِ يُتَّهَمْ، ومَنْ لا يَمْلكْ لسَانَهُ يَنْدَمْ، ثُمَّ أَنْشَدَنِي :
عَوِّدْ لسَانَكَ قَوْل الخَيْرِ تَحْظَ بِهِ *** إِنَّ اللسَانَ لمَا عَوَّدْتَ مُعْتَادٌ
مُوَكَّل بِتَقَاضِي مَا سَنَنْتَ لهُ *** فِي الخَيْرِ والشَّرِّ فَانْظُرْ كَيْفَ تَعْتَادُ(2)
مسألة: يجب الإيمان وتستحب الدرجات العالية منه، والإيمان بما أمر الله بهجوانحاً وجوارحاً هو ما يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة.
فعلى الإنسان أن يتعرف على الإيمان وعلاماته ودرجاته كما هي مذكورة في الآيات والروايات، وأن يسعى لكي يكون في أعلى الدرجات منه.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ اعْرِفْ مَنَازِل الشِّيعَةِ عَلى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ ومَعْرِفَتِهِمْ، فَإِنَّ المَعْرِفَةَ هِيَ الدِّرَايَةُ للرِّوَايَةِ، وبِالدِّرَايَاتِ للرِّوَايَاتِ يَعْلو المُؤْمِنُ إِلى أَقْصَى دَرَجَاتِ الإِيمَانِ، إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ لعَليٍّ (عليه السلام) فَوَجَدْتُ فِي الكِتَابِ أَنَّ قِيمَةَ كُل امْرِئٍ وقَدْرَهُ
ص: 334
مَعْرِفَتُهُ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى يُحَاسِبُ النَّاسَ عَلى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ العُقُول فِي دَارِ الدُّنْيَا»(1).
وعَنْ عَبْدِ العَزِيزِ القَرَاطِيسِيِّ، قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا عَبْدَ العَزِيزِ إِنَّ الإِيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلةِ السُّلمِ، يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ، فَلا يَقُولنَّ صَاحِبُ الاثْنَيْنِ لصَاحِبِ الوَاحِدِ لسْتَ عَلى شَيْءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلى العَاشِرِ، فَلا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، وإِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَل مِنْكَ بِدَرَجَةٍفَارْفَعْهُ إِليْكَ بِرِفْقٍ، ولا تَحْمِلنَّ عَليْهِ مَا لا يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ، فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَليْهِ جَبْرُهُ»(2).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل وَضَعَ الإِيمَانَ عَلى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ، عَلى البِرِّ والصِّدْقِ واليَقِينِ والرِّضَا والوَفَاءِ والعِلمِ والحِلمِ، ثُمَّ قَسَمَ ذَلكَ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَنْ جَعَل فِيهِ هَذِهِ السَّبْعَةَ الأَسْهُمِ فَهُوَ كَامِل مُحْتَمِل، وقَسَمَ لبَعْضِ النَّاسِ السَّهْمَ، ولبَعْضٍ السَّهْمَيْنِ، ولبَعْضٍ الثَّلاثَةَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلى السَّبْعَةِ، ثُمَّ قَال: لا تَحْمِلوا عَلى صَاحِبِ السَّهْمِ سَهْمَيْنِ، ولا عَلى صَاحِبِ السَّهْمَيْنِ ثَلاثَةً فَتَبْهَضُوهُمْ، ثُمَّ قَال: كَذَلكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلى السَّبْعَةِ»(3).
ص: 335
مسألة: يحرم الفحش والبذاء فإنه في النار، والبذاء هو الفحش وكل كلام قبيح(1).
والمحتملات في مثل كونه في النار هي:
1: إن البذاء معصية تجر إلى النار، فالمجاز بالأوْل.
2: إن البذاء رذيلة، والرذائل في النار حقيقة، فإنه لازم صاحبه، ولم تمحه حسناته أو الشفاعة فدخل النار، وبهذا يفسر (حرم الجنة على كل فحاش بذيء) فإنها حرام عليه إلى أن يطهر منه، ويوضحه ما سلف من تطهير العصاة في عرصات المحشر أو طبقات النار أو غيرها.
3: واحتمل البعض أن المراد بالجنة، الجنة الخاصة المعدة لغير الفحاشين، فالألف واللام للعهد.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الله حرَّم الجنة على كل فحاش بذيء»(2).وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ الفُحْشَ والبَذَاءَ والسَّلاطَةَ مِنَ النِّفَاقِ»(3).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَلا
ص: 336
أُخْبِرُكُمْ بِأَبْعَدِكُمْ مِنِّي شَبَهاً، قَالوا: بَلى يَا رَسُول اللهِ، قَال: الفَاحِشُ المُتَفَحِّشُ البَذِي ءُ، البَخِيل المُخْتَال، الحَقُودُ الحَسُودُ، القَاسِي القَلبِ، البَعِيدُ مِنْ كُل خَيْرٍ يُرْجَى، غَيْرُ المَأْمُونِ مِنْ كُل شَرٍّ يُتَّقَى»(1).
مسألة: يستحب السؤال عن آثار العظيم من ذريته، كما سأل الراوي عما تركه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ابنته وبضعته الزهراء (صلى الله عليه وآله).
والعلماء السادة الآن هم ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينبغي السؤال منهم، كما ينبغي عليهم التعرف على آثار أجدادهم أكثر فأكثر، لما له من الموضوعية والطريقية.
عَنِ الحَلبِيِّ قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «هَل أَتَيْتُمْ مَسْجِدَ قُبَاءَ أَوْ مَسْجِدَ الفَضِيخِ أَوْ مَشْرَبَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ»،قُلتُ: نَعَمْ. قَال: «أَمَا إِنَّهُ لمْ يَبْقَ مِنْ آثَارِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) شَيْ ءٌ إِلا وقَدْ غُيِّرَ غَيْرَ هَذَا»(2).
ص: 337
عن الإمام الحسن (عليه السلام) عن أمه فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خياركم ألينكم مناكبه، وأكرمهم لنسائهم»(1).
-----------------------
مسألة: ينبغي(2) أن يكون الإنسان ليناً، وأن تكون أطرافه لينة(3)، فلا ينظر شزراً، ولا ينطق بجارح القول، ولا يضرب بيده زوجته وأولاده ومن أشبه، ولا يهين حتى بحركاته أو بالإشارة أحداً، وهكذا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن المؤمن ليدرك بالحلم واللين درجة العابد المتهجد»(4).
بل قال (صلى الله عليه وآله): «وعادئم الإيمان اللين والعدل، وتحقيق الإيمانإكرام ذي الفقه»(5).
ص: 338
فإن الليّن يرضخ في نفسه للحق أولاً، ويتعامل مع الناس بشكل أفضل ثانياً، وهذا يوجب حفظ إيمانه بعدم ظلمه للغير أو حتى لنفسه، كما يوجب سعادته في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لنْتَ لهُمْ وَ لوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ»(1).
ومن مصاديق اللين ما ورد في صفات المؤمن من الهش والبش(2).
ومن الواضح أن المراد اللين أمام الله وأمام عباد الله وأمام العلم وطلبه وأمام العمل ومشاقه، لا اللين في المعاصي والتساهل في ارتكابها، كما هو المشاهد في بعض الناس.
قال تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُول اللهِ وَالذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ »(3).
ويظهر من ذلك أنه كلما كانت أطرافالإنسان في جوانحه وجوارجه ألين كان هو الأفضل والأخير(4).
وقال (عليه السلام): «إِنَّ أَهْل الجَنَّةِ كُل مُؤْمِنٍ هَيِّنٍ ليِّنٍ» (5).
ص: 339
وقال (عليه السلام): «بِلينِ الجَانِبِ تَأْنَسُ النُّفُوسُ»(1).
مسألة: يستحب أن يكون الإنسان مكرماً لنسائه(2).
فإن إكرام المرأة من علامات خيار خلق الله، فالمرأة مخلوقة لله سبحانه كالرجل، وقد قال سبحانه: «وَلَهنَّ مِثْل الذي عَليْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ»(3).
لكن قسماً من الناس يتخذ ضعف المرأة سبباً للاعتداء عليها بمختلف أنحاء الاعتداءات، وظلمها وسحق حقها، وقد أكدت الشريعة على إكرامها وحرمةالاعتداء عليها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»(4).
وقال تعالى: «والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلياءُ بَعْض»(5).
مضافاً إلى العمومات والإطلاقات الشاملة للذكر والأنثى، قال سبحانه: «وَلقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَم»(6).
ص: 340
مسألة: يستحب بيان أن خير الناس ألينهم مناكب وأكرمهم لنسائه، فإن بيان ذلك يسبب سوقهم إلى الخير والسعادة في الدارين، وفي ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): أَوْصَانِي جَبْرَئِيل (عليه السلام) بِالمَرْأَةِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي طَلاقُهَا إِلا مِنْ فَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ(1).
وقال (عليه السلام): «عِيَال الرَّجُل أُسَرَاؤُهُ وَأَحَبُّ العِبَادِ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَل أَحْسَنُهُمْ صُنْعاً إِلى أُسَرَائِه»(2).
وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «كَانَتْ لأَبِي (عليه السلام) امْرَأَةٌ وكَانَتْ تُؤْذِيهِ فَكَانَ يَغْفِرُ لهَا»(3).
وقال الصادق (عليه السلام): «رَحِمَ اللهُ عَبْداً أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ زَوْجَتِهِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل قَدْ مَلكَهُ نَاصِيَتَهَا وجَعَلهُالقَيِّمَ عَليْهَا»(4).
ص: 341
مسألة: يستحب بيان مدى اهتمام الإسلام بالمرأة، بحيث إن الرسول (صلى الله عليه وآله) كما روته الصديقة الطاهرة (عليها السلام) اعتبر أن خيار المسلمين هم أكرمهم لنسائهم، كما قال: «عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «حُبِّبَ إِليَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ والطِّيبُ وجُعِل قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ»(1).
ثم إن الإنسان لو كان لين المناكب، مكرماً لنسائه(2) كان ذلك سبباً في تجنيبه معاصي كثيرة، فإن كثيراً من المعاصي تنشأ من عنف أطراف الإنسان أو من عدم إكرامه لنسائه، ولعل ذلك من وجوه قوله (صلى الله عليه وآله): «خياركم ألينكم...».
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «اتَّقُوا اللهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ يَعْنِي بِذَلكَ اليَتِيمَ والنِّسَاءَ»(3).وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «مَنِ اتَّخَذَ امْرَأَةً فَليُكْرِمْهَا»(4).
ص: 342
عن فاطمة (عليها السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله): «شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذي يأكلون ألوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام»(1).
----------------------
أقول: المراد بهم المترفون الذين لا يبالون بالشرع، من حكام وسياسيين وتجار وغيرهم، أي الذين يتنعمون بنعم الله تعالى ثم لا يطيعونه ولا يشكرون نعمه ويعصونه بلسانهم وكلامهم.
مسألة: يستحب للعظيم ولمن يُتخذ أسوة بيان خيار الناس وشرارهم، بمعنى توضيح المقاييس لهم والضوابط والعلامات والأدلة، وذلك بنحو القضية الحقيقية، وأما بنحو القضية الخارجية بتحديد المصاديق فإنه يختلف باختلاف الحالات والظروف واللوازم المترتبة والأهم والمهم، فقد يجب وقد يحرم.قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : «ليْسَ عَلى الإِمَامِ إِلا مَا حُمِّل مِنْ أَمْرِ
ص: 343
رَبِّهِ، الإِبْلاغُ فِي المَوْعِظَةِ، والاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، والإِحْيَاءُ للسُّنَّةِ، وإِقَامَةُ الحُدُودِ عَلى مُسْتَحِقِّيهَا، وإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلى أَهْلهَا»(1).
مسألة: يكره الاتصاف بصفات الشرار من رذائل الأخلاق غير المحرمة، أما المحرمة منها فلا يجوز الاتصاف بها(2).
والمستفاد عرفاً من هذه الأوصاف لشرار الأمة كراهتها، كما أنه قد يستفاد من ذكر الملزوم حكم اللازم أو العكس، وكما قد يستفاد من ذكر الخاص العموم لفهم الملاك، كما أن العموم قد يستفاد منه الخصوص.
ولا يخفى أن كون هذه صفات الشرار، إما بمعنى أنهم غالباً كذلك، أو أنه بنحو المقتضي.
كما أن من الواضح أن التغذية بالنعيم وأكل ألوان الطعام ولبس ألوان الثياب والتكلم بكلام الحق فيمالم يكن محرماً أو مكروهاً في أحد الأمور المذكورة، ليس في حد ذاته من صفات الأشرار، قال تعالى: «قُل مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللهِ التي أَخْرَجَ لعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»(3).
نعم الإيثار مستحب وفضيلة وأية فضيلة، وكذا المواساة، وكذلك التخلي عن تلك الملاذ إذا اقتضاه الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو اقتضاه
ص: 344
كونه أسوة وقدوة، أو كي يكون تأثيره في الناس أكثر لجلبهم إلى طريق الخير والصلاح، فإن الناس من طبعهم الالتفاف حول الزهاد المعرضين عن الدين، وقد بينا ذلك في بعض كتبنا.
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : «تَخَلقُوا بِالفَضْل والكَفِّ عَنِ البَغْيِ، والعَمَل بِالحَقِّ، والإِنْصَافِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، واجْتِنَابِ الفَسَادِ، وإِصْلاحِ المَعَادِ»(1).
مسألة: التشدق في الكلام حرام، والمراد به الكذب والنميمة والبهتان والطعن واللعن والهمز والغمز واللمزوالوعود الكاذبة والكلمات التحذيرية عن اتباع الحق وما أشبه ذلك، لا مجرد التكلم وإن كان بلغو الكلام، نعم ليس لغو الكلام من صفات المتقين.
كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) يَقُول : «إِيَّاكُمْ والكَذِبَ، فَإِنَ كُل رَاجٍ طَالبٌ، وكُل خَائِفٍ هَارِبٌ»(2).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مُحَرَّمَةٌ الجَنَّةُ عَلى القَتَّاتِينَ المَشَّاءِينَ بِالنَّمِيمَةِ»(3).
وقَال أَبُو الحَسَنِ (صلوات الله عليه): «مَنْ ذَكَرَ رَجُلا مِنْ خَلفِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِمَّا
ص: 345
عَرَفَهُ النَّاسُ لمْ يَغْتَبْهُ، ومَنْ ذَكَرَهُ مِنْ خَلفِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِمَّا لا يَعْرِفُهُ النَّاسُ اغْتَابَهُ، ومَنْ ذَكَرَهُ بِمَا ليْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَهُ»(1).
مسألة: يكره أكل ألوان الطعام بحيث يكون همّ الإنسان ذلك.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَال هَذَا أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ وَلا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لهُمْ فِي جُشُوبَةِ العَيْشِ، فَمَا خُلقْتُ ليَشْغَلنِي أَكْل الطَّيِّبَاتِ كَالبَهِيمَةِ المَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلفُهَا، أَوِ المُرْسَلةِ شُغُلهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلافِهَا وَتَلهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا»(2).
مسألة: يكره لبس ألوان الثياب بحيث يكون همّ الإنسان ذلك، فإن شأن الإنسان وقيمته فوق هذه الأمور، قال تعالى: «وَما خَلقْتُ الجِنَّ والإِنْسَ إِلاَّ ليَعْبُدُونَ»(3).
وبشكل عام: الإنسان إذا صار شريراً بسبب صفات فتلك الصفات مكروهة، كما أنه إذا صار خيراً بسبب صفات فإن تلك الصفات بما هي مطلوبة،
ص: 346
فتأمل.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي وَصِيَّتِهِ لهُ : «يَا أَبَا ذَرٍّ، مَنْ رَقَعَ ذَيْلهُ وخَصَفَ نَعْلهُ وعَفَّرَ وَجْهَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الكِبْرِ، يَا أَبَا ذَرٍّ مَنْ كَانَ لهُ قَمِيصَانِ فَليَلبَسْ أَحَدَهُمَا ويُلبِسُ الآخَرَ أَخَاهُ، يَاأَبَا ذَرٍّ مَنْ تَرَكَ الجَمَال وهُوَ يَقْدِرُ عَليْهِ تَوَاضُعاً للهِ كَسَاهُ اللهُ حُلةَ الكَرَامَةِ، يَا أَبَا ذَرٍّ البَسِ الخَشِنَ مِنَ اللبَاسِ والصَّفِيقَ مِنَ الثِّيَابِ لئَلا يَجِدَ الفَخْرُ فِيكَ مَسْلكَهُ»(1).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) فِي حَدِيثِ الأَرْبَعِمِائَةِ، قَال: «عَليْكُمْ بِالصَّفِيقِ مِنَ الثِّيَابِ، فَإِنَّ مَنْ رَقَ ثَوْبُهُ رَقَّ دِينُهُ، لا يَقُومَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ جَل جَلالهُ وعَليْهِ ثَوْبٌ يَشِفُّ»(2).
ص: 347
حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، ثم ثنت فأجابت، ثم ثلثت إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله.
قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراه مائة ألف دينار، أيثقل عليه؟
فقالت: لا.
فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من مل ء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول:
«إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع(1)
عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزوجل:
أيها الكافلون لأيتام آل محمد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم،
ص: 348
فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا.
فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى إن فيهم _ يعني في الأيتام _ لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم.
ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع على من يليهم».
وقالت فاطمة (عليها السلام): «يا أمة الله إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة، وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر»(1).
--------------------------
أقول: المراد ب (ثنّت ثم ثلثت) أي سألت مسألة ثانية وثالثة وهكذا في نفس المجلس، ويحتمل أنها جاءت مرة ثم أخرى وهكذا، واحتمل البعض أنها سألت وكررت السؤال عدة مرات.
قوله: ألف ألف حلة، الظاهر أنه لا تزاحم في الآخرة بين العطايا، عكس الدنيا، وذلك من خصوصيات الآخرة، فإنهذه المليون حلية من نور مثلاً ستكون كلها مفيدة نافعة له بالفعل، ويكون لبسها جميعاً مما يوصل له فائدتها
ص: 349
أجمع من غير حدوث تضايق أو تزاحم.
الظاهر أن الله تعالى جعل بعض أمور الآخرة كالدنيا في الجملة من حيث حفظ المراتب ومراعاة التسلسل في الرتب: الأولى فالأولى والأمثل فالأمثل، ولذلك خلع العلماء على من تعلم منهم، ثم خلع هؤلاء التلاميذ على تلامذتهم أي تلامذة التلاميذ، وهكذا، وتفصيل البحث في مظانه.
مسألة: الظاهر أن الأفضل رجوع المرأة إلى المرأة في مسائلها ومختلف شؤونها، فإنه أقرب للتقوى وأستر لها، وأحفظ على الحياء والحشمة، إلا لو تعذر ذلك أو تعسر، ولعل لذلك حضرت تلك المرأة عند الصديقة الطاهرة (عليها السلام).
وقد مر في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل أي شيء خير للمرأة، فقالت (صلوات الله عليها): «أن لا ترى رجلاً،ولا يراها رجل»، فضمها إليه وقال: «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ»(1)»(2).
وعَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَنَّهُ نَهَى النِّسَاءَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلى الرِّجَال، وَأَنْ يَخْرُجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ إِلا بِإِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ، وَنَهَى أَنْ يَدْخُلنَ الحَمَّامَاتِ إِلا مِنْ
ص: 350
عُذْرٍ، وَقَال: أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ خِمَارَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَدْ هَتَكَتْ حِجَابَهَا»(1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَا حَوْلاءُ لا يَحِل لامْرَأَةٍ أَنْ تُدْخِل بَيْتَهَا مَنْ قَدْ بَلغَ الحُلمَ، ولا تَمْلأَ عَيْنَهَا مِنْهُ، ولا عَيْنَهُ مِنْهَا، ولا تَأْكُل مَعَهُ ولا تَشْرَبَ إِلا أَنْ يَكُونَ مَحْرَماً عَليْهَا، وذَلكَ بِحَضْرَةِ زَوْجِهَا» الخَبَر(2).
مسألة: يجب السؤال عما يحتمل حصولاللبس به من المسائل المحتاج إليها.
عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّ عَليّاً (عليه السلام) كَانَ يَقُول: اقْتَرِبُوا اقْتَرِبُوا وَاسْأَلوا، فَإِنَّ العِلمَ يُقْبَضُ قَبْضاً، وَيَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلى بَطْنِهِ وَيَقُول: أَمَا وَاللهِ مَا هُوَ مَمْلوٌّ شَحْماً وَلكِنَّهُ مَمْلوٌّ عِلماً، وَاللهِ مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلتْ فِي رَجُل مِنْ قُرَيْشٍ وَلا فِي الأَرْضِ فِي بَرٍّ وَلا بَحْرٍ وَلا سَهْل وَلا جَبَل إِلا أَنَا أَعْلمُ فِيمَنْ نَزَلتْ وَفِي أَيِّ يَوْمٍ وَفِي أَيِّ سَاعَةٍ نَزَلتْ»(3).
ص: 351
مسألة: إذا لم يسأل المكلف تقصيراً فارتكب الحرام أو ترك الواجب وهو لا يعلم حينها أثم، فإن الجهل عن تقصير غير مرفوع.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الجهل يفسد المعاد»(1).
يظهر من قول الصديقة (صلوات الله عليها) هذا وبعض نظائره أنها (عليها السلام) كانت قد تركت وقتاً مفتوحاً للإجابة على أسئلة السائلين، وعلينا التأسي في ذلك قدر المستطاع.
وهذا من مصاديق قضاء حوائج المؤمنين أيضاً وهو مستحب مؤكد.
عَنْ رَجُل مِنْ حُلوَانَ قَال: كُنْتُ أَطُوفُ بِالبَيْتِ فَأَتَانِي رَجُل مِنْ أَصْحَابِنَا فَسَأَلنِي قَرْضَ دِينَارَيْنِ وَ كُنْتُ قَدْ طُفْتُ خَمْسَةَ أَشْوَاطٍ، فَقُلتُ لهُ: أُتِمُّ أُسْبُوعِي ثُمَّ أَخْرُجُ، فَلمَّا دَخَلتُ فِي السَّادِسِ اعْتَمَدَ عَليَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه
السلام) وَوَضَعَ يَدَهُ عَلى مَنْكِبِي، قَال: فَأَتْمَمْتُ سَبْعِي وَدَخَلتُ فِي الآخَرِ لاعْتِمَادِ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَليَّ فَكُنْتُكُلمَا جِئْتُ إِلى الرُّكْنِ أَوْمَأَ إِليَّ الرَّجُل، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «مَنْ كَانَ هَذَا يُومِئُ إِليْكَ»، قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ هَذَا رَجُل مِنْ مَوَاليكَ سَأَلنِي قَرْضَ دِينَارَيْنِ قُلتُ أُتِمُّ أُسْبُوعِي وَأَخْرُجُ إِليْكَ، قَال: فَدَفَعَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وَقَال: «اذْهَبْ فَأَعْطِهِمَا إِيَّاهُ»، قَال: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَال فَأَعْطِهِمَا
ص: 352
إِيَّاهُ لقَوْلي قَدْ أَنْعَمْتُ لهُ، فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ دَخَلتُ عَليْهِ وَعِنْدَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُحَدِّثُهُمْ، فَلمَّا رَآنِي قَطَعَ الحَدِيثَ وَقَال: «لأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لي فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَقْضِيَ لهُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَلفَ نَسَمَةٍ وَأَحْمِل عَلى أَلفِ فَرَسٍ فِي سَبِيل اللهِ مُسْرَجَةٍ مُلجَمَةٍ»(1).
مسألة: يستحب لمن تكفل الأيتام أن ينعشهم، فإن إنعاشهم من أعلى مراتب الكفالة، وإنعاش الضعيف هو تقويته وأن تقيمه وتنهضه من عثرته وكبوته كاملاً.
عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَال: جَاءَ إِلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَسَلوتِينٌ مِنْ هَمْدَانَ وحُلوَانَ، فَأَمَرَ العُرَفَاءَ أَنْ يَأْتُوا بِاليَتَامَى ، فَأَمْكَنَهُمْ مِنْ رُءُوسِ الأَزْقَاقِ يَلعَقُونَهَا وهُوَ يَقْسِمُهَا للنَّاسِ قَدَحاً قَدَحاً، فَقِيل لهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَا لهُمْ يَلعَقُونَهَا، فَقَال: «إِنَّ الإِمَامَ أَبُو اليَتَامَى وإِنَّمَا أَلعَقْتُهُمْ هَذَا بِرِعَايَةِ الآبَاءِ»(2).
وقَال (صلى الله عليه وآله): «يَا عَليُّ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ بَنَى اللهُ لهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ، مَنْ آوَى اليَتِيمَ ورَحِمَ الضَّعِيفَ وأَشْفَقَ عَلى وَالدَيْهِ ورَفَقَ بِمَمْلوكِه» (3).
ص: 353
وَقَال الإِمَامُ (عليه السلام) : «وَأَمَّا قَوْلهُ عَزَّ وجَل: «وَاليَتَامَى»(1) فَإِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: حَثَّ اللهُ عَزَّ وجَل عَلى بِرِّ اليَتَامَى لانْقِطَاعِهِمْ عَنْ آبَائِهِمْ، فَمَنْ صَانَهُمْ صَانَهُ اللهُ، ومَنْ أَكْرَمَهُمْ أَكْرَمَهُ اللهُ، ومَنْ مَسَحَ يَدَهُ بِرَأْسِ يَتِيمٍ رِفْقاً بِهِ جَعَل اللهُ لهُ فِي الجَنَّةِ بِكُل شَعْرَةٍ مَرَّتْ تَحْتَ يَدِهِ قَصْراً، أَوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا،وفِيهَا مَا تَشْتَهِي الأَنْفُسُ وتَلذُّ الأَعْيُنُ، وهُمْ فِيهَا خَالدُونَ» (2).
مسألة: يستحب للمعلمين والأساتذة طلب مزيد الأسئلة من المتعلمين، وذلك تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها)، على عكس ما يظهره بعض المعلمين أو من أشبه من التضجر لكثرة الأسئلة.
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : «وأَمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بِالعِلمِ، فَأَنْ تَعْلمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وجَل إِنَّمَا جَعَلكَ قَيِّماً عَليْهِمْ فِيمَا آتَاكَ مِنَ العِلمِ وفَتَحَ لكَ مِنْ خِزَانَتِهِ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ فِي تَعْليمِ النَّاسِ ولمْ تَخْرَقْ بِهِمْ ولمْ تَضْجَرْ عَليْهِمْ زَادَكَ اللهُ مِنْ فَضْلهِ، وإِنْ أَنْتَ مَنَعْتَ النَّاسَ عِلمَكَ أَوْ خَرِقْتَ بِهِمْ عِنْدَ طَلبِهِمُ العِلمَ مِنْكَ، كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ عَزَّ وجَل أَنْ يَسْلبَكَ العِلمَ وبَهَاءَهُ ويُسْقِطَ مِنَ القُلوبِ مَحَلك »(3).
ص: 354
مسألة: يستحب تعليل الأحكام والمواقف والأوامر والنواهي ببيان وجهها في الجملة بما يقنع السائل أو السامع أو المنقول إليه وإن لم يتطلب السائل ذلك، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها) إذ عللت إذنها بل طلبها لأن تسأل تلك المرأة منها بقولها: «أرأيت ...».
ومنه ما ورد بيان حِكَم الأحكام أو عللها، كما في مثل (علل الشرائع) للشيخ الصدوق (رضوان الله عليه).
عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ خَالدٍ الصَّيْرَفِيِّ قَال: سَأَلتُ أَبَا الحَسَنِ الأَوَّل (عليه السلام) كَيْفَ صَارَ غُسْل الجُمُعَةِ وَاجِباً، فَقَال: «إِنَّ اللهَ تَعَالى أَتَمَّ صَلاةَ الفَرِيضَةِ بِصَلاةِ النَّافِلةِ، وأَتَمَّ صِيَامَ الفَرِيضَةِ بِصِيَامِ النَّافِلةِ، وأَتَمَّ وُضُوءَ الفَرِيضَةِ بِغُسْل الجُمُعَةِ، مَا كَانَ فِي ذَلكَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نِسْيَانٍ»(1).
وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ (عليهم
السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «المَاءُ الذِي تُسْخِنُهُ الشَّمْسُ لا تَتَوَضَّئُوا بِهِ ولا تَغْتَسِلوا ولاتَعْجِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ البَرَص» (2).
ص: 355
مسألة: يستحب إجابة السائل على مسائله وإن سأل عشر مرات عن المسألة نفسها أو غيرها بدون استثقال وتبرم، فإن الجواب من الخير، وزيادة الخير مزيد خير.
وهذا عام يشمل المسائل الشرعية، وإجابة الشبهات الفكرية والعقائدية، وبيان المسائل الأخلاقية، بل وحتى ما يحتاجه المؤمن لشؤون دنياه، كالجواب على أسئلته الطبية وغيرها، لكن هذا الأخير بالملاك، فإن ظاهر الحديث ما يتعلق بشؤون الدين، نعم ربما يقال مورد الحديث ذلك والمورد لا يخصص الوارد، فتأمل.
وهذا يكون في الجواب المستحب، وربما كان الجواب بل الابتداء بالتعليم واجباً، قال تعالى: «فَسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ»(1).
وقال سبحانه: «ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ ليُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِليْهِمْ لعَلهُمْ يَحْذَرُونَ»(2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلى العُلمَاءِ أَلا يُقَارُّواعَلى كِظَّةِ ظَالمٍ وَلا سَغَبِ مَظْلوم»(3).
فإن العالم ملزم بأمرين: بيان المسائل أصولاً وفروعاً، ودفع الظلم عن
ص: 356
المظلومين قولاً وعملاً، كما في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام).
قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «سَائِلوا العُلمَاءَ وخَالطُوا الحُكَمَاءَ وجَالسُوا الفُقَرَاء»(1).
وقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليهما السلام) : «إِنَ مَنْ تَكَفَّل بِأَيْتَامِ آل مُحَمَّدٍ المُنْقَطِعِينَ عَنْ إِمَامِهِمْ، المُتَحَيِّرِينَ فِي جَهْلهِمْ، الأُسَرَاءِ فِي أَيْدِي شَيَاطِينِهِمْ، وفِي أَيْدِي النَّوَاصِبِ مِنْ أَعْدَائِنَا، فَاسْتَنْقَذَهُمْ مِنْهُمْ، وأَخْرَجَهُمْ مِنْ حَيْرَتِهِمْ، وقَهَرَ الشَّيَاطِينَ بِرَدِّ وَسَاوِسِهِمْ، وقَهَرَ النَّاصِبِينَ بِحُجَجِ رَبِّهِمْ ودَليل أَئِمَّتِهِمْ، ليُفَضَّلونَ عِنْدَ اللهِ تَعَالى عَلى العَابِدِ بِأَفْضَل المَوَاقِعِ بِأَكْثَرَ مِنْ فَضْل السَّمَاءِ عَلى الأَرْضِ، والعَرْشِ والكُرْسِيِّ والحُجُبِ عَلى السَّمَاءِ، وفَضْلهُمْ عَلى هَذَا العَابِدِ كَفَضْل القَمَرِ ليْلةَ البَدْرِ عَلى أَخْفَى كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ»(2).
مسألة: يستحب بيان أن لمجيب المسائل ثواباً جزيلاً، ويستحب ذكر أنواع المثوبات ليكون أقوى في تشيجع الناس على جواب الإسئلة والشبهات.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «مَنْ عَلمَ بَابَ هُدًى فَلهُ مِثْل أَجْرِ مَنْ عَمِل بِهِ، ولا يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، ومَنْ عَلمَ بَابَ ضَلال كَانَ عَليْهِ مِثْل أَوْزَارِ مَنْ عَمِل بِهِ، ولا يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً»(3).
ص: 357
وعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «مَنْ تَعَلمَ العِلمَ وعَمِل بِهِ وعَلمَ للهِ دُعِيَ فِي مَلكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيماً، فَقِيل: تَعَلمَ للهِ وعَمِل للهِ وعَلمَ للهِ»(1).
وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) : تَعَلمْ عِلمَ مَنْ يَعْلمُ، وعَلمْ عِلمَكَ مَنْ يَجْهَل، فَإِذَا فَعَلتَ ذَلكَ عَلمَكَ مَا جَهِلتَ ، وانْتَفَعْتَ بِمَا عَلمْت»(2).
مسألة: يستحب الإكثار من طلب العلم، فإن العلم نور، وقد فضل الله العالم على العابد بدرجات كثيرة وكبيرة كماً وكيفاً.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ تَعَلمَ حَدِيثَيْنِ اثْنَيْنِ يَنْفَعُ بِهِمَا نَفْسَهُ أَوْ يُعَلمُهُمَا غَيْرَهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِمَا كَانَ خَيْراً مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَة»(3).
وقال (صلى الله عليه وآله): «تَذَاكَرُوا وَتَلاقَوْا وَتَحَدَّثُوا، فَإِنَّ الحَدِيثَ جِلاءُ القُلوبِ، إِنَّ القُلوبَ لتَرِينُ كَمَا يَرِينُ السَّيْفُ، وَجِلاؤُهُ الحَدِيثُ»(4).
وعَنْ مَنْصُورٍ الصَّيْقَل قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: «تَذَاكُرُ العِلمِ دِرَاسَةٌ، والدِّرَاسَةُ صَلاةٌ حَسَنَةٌ»(5).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ هَذَا العِلمَ عَليْهِ قُفْل، ومِفْتَاحُهُ
ص: 358
المَسْأَلةُ»(1).
مسألة: يستحب إرشاد عباد الله إلى تكاليفهم، وقد يجب.
وفي الحديث: «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»(2).
قَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): «أَوْحَى اللهُ تَعَالى إِلى مُوسَى (عليه السلام): حَبِّبْنِي إِلى خَلقِي وحَبِّبْ خَلقِي إِليَّ. قَال: يَا رَبِّ كَيْفَ أَفْعَل، قَال: ذَكِّرْهُمْ آلائِي ونَعْمَائِي ليُحِبُّونِي، فَلأَنْ تَرُدَّ آبِقاً عَنْ بَابِي أَوْ ضَالا عَنْ فِنَائِي أَفْضَل لكَ مِنْ عِبَادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ بِصِيَامِ نَهَارِهَا وقِيَامِ ليْلهَا.
قَال مُوسَى (عليه السلام): ومَنْ هَذَا العَبْدُ الآبِقُ مِنْكَ، قَال: العَاصِي المُتَمَرِّدُ، قَال: فَمَنِ الضَّال عَنْ فِنَائِكَ، قَال: الجَاهِل بِإِمَامِ زَمَانِهِ تُعَرِّفُهُ، والغَائِبُ عَنْهُ بَعْدَ مَا عَرَفَهُ، الجَاهِل بِشَرِيعَةِ دِينِهِ تُعَرِّفُهُ شَرِيعَتَهُ ومَا يَعْبُدُبِهِ رَبَّهُ ويَتَوَصَّل بِهِ إِلى مَرْضَاتِه» (3).
وفي حَدِيثِ الأَرْبَعِمِائَةِ قَال (عليه السلام): «عَلمُوا صِبْيَانَكُمُ الصَّلاةَ وخُذُوهُمْ بِهَا إِذَا بَلغُوا ثَمَانِيَ سِنِينَ»(4).
ص: 359
مسألة: يستحب تكفل العالم تعليم الجاهل، وقد روت الصديقة (صلوات الله عليها) عن منادي الله عزوجل أنه ينادي: «أيها الكافلون لأيتام آل محمد...».
ومن المعلوم أن التكفل فوق التعليم، فإن الإنسان قد يعلم جاهلاً مسألة، وقد يتكفل بيان الأحكام له، والكافل لليتيم هو القائم بأمره المربي له، والكافل هو الذي يكفل إنساناً ويعوله، والكفيل هو الضمين، تقول: تكفل برزقه آي ضمنه.
وعلى أي، فالكافلون لأيتام آل محمد يعني المتكفلون بهدايتهم وتعليمهم وصونهم عن الانحراف العقائدي والفكري دفعاً ورفعاً، حدوثاً وبقاءً.
ويأتي هنا ما ذكر من الاستحباب والوجوب.
ثم إن غير العالم ضعيف كاليتيم، فإن الضعف قد يكون مادياً كضعف اليتيم، وقد يكون معنوياً كضعف الجاهل، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «عَوْنُكَ الضَّعِيفَ مِنْ أَفْضَل الصَّدَقَةِ»(1)، كما عبر منادي ربنا عن غير العالم بالأيتام، ووصف علماء الشيعة بأيهاالكافلون لأيتام آل محمد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم.
قَال الحَسَينُ بْنُ عَليٍّ (عليهما السلام) : «مَنْ كَفَل لنَا يَتِيماً قَطَعَتْهُ عَنَّا مِحْنَتُنَا بِاسْتِتَارِنَا، فَوَاسَاهُ مِنْ عُلومِنَا التِي سَقَطَتْ إِليْهِ حَتَّى أَرْشَدَهُ وهَدَاهُ، قَال اللهُ
ص: 360
عَزَّوجَل لهُ: يَا أَيُّهَا العَبْدُ الكَرِيمُ المُوَاسِي، أَنَا أَوْلى بِالكَرَمِ مِنْكَ»(1).
وقَال عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام): «مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالماً بِشَرِيعَتِنَا، وأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلمَةِ جَهْلهِمْ إِلى نُورِ العِلمِ الذِي حَبَوْنَاهُ بِهِ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وعَلى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ، يُضِي ءُ لأَهْل جَمِيعِ تِلكَ العَرَصَاتِ، وعَليْهِ حُلةٌ لا يَقُومُ لأَقَل سِلكٍ مِنْهَا الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»(2).
مسألة: يستحب الاعتقاد بأن الدنيا ولو ضربت في الآلاف وأعطيت للإنسان، فإنها مشوبة بالتنغيص والكدر، وأن الآخرة هي التي لا نقص فيها ولا يوجد ما يكدر نعيمها، مضافاً إلى كونها باقية حتى الدرجات الضعيفة منها، والدنيا فانية حتى في أقوى مراتب قوتها، قالت الصديقة (عليها السلام): «وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر».
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَا أَصِفُ دَاراً أَوَّلهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ، فِي حَلالهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ، مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ، وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا آتَتْهُ، وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ، وَمَنْ أَبْصَرَ إِليْهَا أَعْمَتْهُ»(3).
ص: 361
وفي الحديث: «أَوَ لا حُرٌّ يَدَعُ هَذِهِ اللمَاظَةَ لأَهْلهَا، يَعْنِي الدُّنْيَا، فَليْسَ لأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلا الجَنَّةُ فَلا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ مَنْ رَضِيَ مِنَ اللهِ بِالدُّنْيَا فَقَدْ رَضِيَ بِالخَسِيسِ»(1).وقال (عليه السلام): «يَا هِشَامُ مَثَل الدُّنْيَا مَثَل مَاءِ البَحْرِ كُلمَا شَرِبَ مِنْهُ العَطْشَانُ ازْدَادَ عَطَشاً حَتَّى يَقْتُلهُ»(2).
وقال (عليه السلام): «يَا هِشَامُ تَمَثَّلتِ الدُّنْيَا للمَسِيحِ (عليه السلام) فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ زَرْقَاءَ، فَقَال لهَا: كَمْ تَزَوَّجْتِ، فَقَالتْ: كَثِيراً، قَال: فَكُل طَلقَكِ، قَالتْ: لا بَل كُلا قَتَلتُ، قَال المَسِيحُ (عليه السلام): «فَوَيْحُ أَزْوَاجِكِ البَاقِينَ كَيْفَ لا يَعْتَبِرُونَ بِالمَاضِينَ»(3).
مسألة: يستحب للجاهل مطلقاً أن يسأل العالم عما لا يعلم، خاصة في الأحكام الشرعية وقد يجب، ثم السؤال إن اقتضى تجشم العناء بسفر أو بذل مال أو غير ذلك كان أجر السائل أعظم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يَطْلبُ عِلماً شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلفَ مَلكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لهُ»(4).عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لسْتُ أُحِبُ أَنْ أَرَى الشَّابَ مِنْكُمْ إِلا
ص: 362
غَادِياً فِي حَاليْنِ: إِمَّا عَالماً أَوْ مُتَعَلماً، فَإِنْ لمْ يَفْعَل فَرَّطَ، فَإِنْ فَرَّطَ ضَيَّعَ، وإِنْ ضَيَّعَ أَثِمَ، وإِنْ أَثِمَ سَكَنَ النَّارَ، والذِي بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) بِالحَقِّ»(1).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «العِلمُ ضَالةُ المُؤْمِنِ»(2) .
مسألة: يستحب لمن لا يتمكن من السؤال مباشرةً أن يبعث من يسأل ما يجهله، وقد يجب ذلك، وإذا توقف ذلك على أجرة استحبت أو وجبت.
عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام): «خَمْسَةٌ لوْ رَحَّلتُمْ فِيهِنَّ المَطَايَا لمْ تَقْدِرُوا عَلى مِثْلهِنَّ، لا يَخَافُ عَبْدٌ إِلا ذَنْبَهُ، ولا يَرْجُو إِلا رَبَّهُ، ولا يَسْتَحْيِي الجَاهِل إِذَا سُئِل عَمَّا لا يَعْلمُ أَنْ يَقُول لا أَعْلمُ، ولا يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ إِذَا لمْ يَعْلمْ أَنْ يَتَعَلمَ، والصَّبْرُ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلةِالرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ، ولا إِيمَانَ لمَنْ لا صَبْرَ لهُ»(3) .
ص: 363
مسألة: يستحب للشخص أن يستجيب لمن يطلب منه أن يتوسط له في السؤال عن حكم إنشائي أو مطلب إخباري.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ سَعَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ المُسْلمِ طَلبَ وَجْهِ اللهِ، كَتَبَ اللهُ عَزَّ وجَل لهُ أَلفَ أَلفِ حَسَنَةٍ يَغْفِرُ فِيهَا لأَقَارِبِهِ وجِيرَانِهِ وإِخْوَانِه»(1) .
مسألة: يستحب بيان فضل العلم والعالم على العابد أولاً، ثم على سائر الناس ثانياً.
ولا يخفى أن المراد بالعلم ما يرتبط بالعقيدة والشريعة ومكارم الأخلاق، أما سائر العلوم التي يحتاجها الناس لشؤون دنياهم فلها فضل ولكنه دون فضل العلوم الدينية.
كما لا يخفى أن فضل العلم على العبادة وعلى العمل، لا ينفي لزوم أن يكون العالم عاملاً أيضاً، فقد ورد في الحديث: «العلم يهتف بالعمل، فإنأجابه وإلا ارتحل»(2).
كما أن على العالم الإكثار من العبادة حتى في المستحبات، وخاصة بالقدر
ص: 364
الذي يحفظ له تقواه وملكة العدالة فيه، نعم لو دار الأمر بين العلم والعبادة الزائدة على ذلك فالعلم أولى دون شك، بل بما لا نسبة بينهما في الفرض المذكور، وقد وردت بذلك روايات.
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول : «اطْلبُوا العِلمَ وتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالحِلمِ والوَقَارِ، وتَوَاضَعُوا لمَنْ تُعَلمُونَهُ العِلمَ وتَوَاضَعُوا لمَنْ طَلبْتُمْ مِنْهُ العِلمَ، ولا تَكُونُوا عُلمَاءَ جَبَّارِينَ فَيَذْهَبَ بَاطِلكُمْ بِحَقِّكُمْ»(1).
وعَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) قَال: «لوْ يَعْلمُ النَّاسُ مَا فِي طَلبِ العِلمِ لطَلبُوهُ ولوْ بِسَفْكِ المُهَجِ وخَوْضِ اللجَجِ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى أَوْحَى إِلى دَانِيَال أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِليَّ: الجَاهِل المُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْل العِلمِ، التَّارِكُ للاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِليَّ: التَّقِيُّ، الطَّالبُ للثَّوَابِ الجَزِيل، اللازِمُ للعُلمَاءِ، التَّابِعُ للحُلمَاءِ، القَابِل عَنِالحُكَمَاءِ»(2).
وعَنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «مَنْ تَعَلمَ العِلمَ فِي شَبَابِهِ كَانَ بِمَنْزِلةِ النَّقْشِ فِي الحِجْرِ، ومَنْ تَعَلمَهُ وهُوَ كَبِيرٌ كَانَ بِمَنْزِلةِ الكِتَابِ عَلى وَجْهِ المَاءِ»(3).
وقال (صلى الله عليه وآله): «طَالبُ العِلمِ مَحْفُوفٌ بِعِنَايَةِ الله» (4).
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «تَعَلمِ العِلمَ ، فَإِنْ كُنْتَ غَنِيّاً زَانَكَ، وإِنْ كُنْتُ
ص: 365
فَقِيراً مَانَكَ»(1).
مسألة: يستحب بيان فضل تعليم الجاهل وإرشاد الغافل.
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه
السلام) يَقُول : «مَنْ عَلمَ خَيْراً فَلهُ مِثْل أَجْرِ مَنْ عَمِل بِهِ»، قُلتُ: فَإِنْ عَلمَهُغَيْرَهُ يَجْرِي ذَلكَ لهُ، قَال: «إِنْ عَلمَهُ النَّاسَ كُلهُمْ جَرَى لهُ»، قُلتُ: فَإِنْ مَاتَ، قَال: «وإِنْ مَاتَ»(2).
وقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ ليَلتَمِسَ بَاباً مِنَ العِلمِ ليَنْتَفِعَ بِهِ ويُعَلمَهُ غَيْرَهُ كَتَبَ اللهُ لهُ بِكُل خُطْوَةٍ عِبَادَةَ أَلفِ سَنَةٍ صِيَامَهَا وقِيَامَهَا، وحَفَّتْهُ المَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وصَلى عَليْهِ طُيُورُ السَّمَاءِ وحِيتَانُ البَحْرِ ودَوَابُّ البَرِّ، وأَنْزَلهُ اللهُ مَنْزِلةَ سَبْعِينَ صِدِّيقاً، وكَانَ خَيْراً لهُ مِنْ أَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا كُلهَا لهُ فَجَعَلهَا فِي الآخِرَةِ»(3) .
مسألة: يستحب تعريف الناس بفضل علماء الشيعة ومقامهم، وذلك بواسطة الكتب والمجلات، والخطب والمحاضرات، والأفلام وما أشبه، وفي المدارس والجامعات وغيرها.
ص: 366
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «المُؤْمِنُ العَالمُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الصَّائِمِالقَائِمِ الغَازِي فِي سَبِيل اللهِ، وإِذَا مَاتَ ثُلمَ فِي الإِسْلامِ ثُلمَةٌ لا يَسُدُّهَا شَيْ ءٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ»(1) .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ سَلكَ طَرِيقاً يَطْلبُ فِيهِ عِلماً، سَلكَ اللهُ بِهِ طَرِيقاً إِلى الجَنَّةِ، وإِنَّ المَلائِكَةَ لتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلمِ رِضًا بِهِ، وإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لطَالبِ العِلمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ ومَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحُوتِ فِي البَحْرِ، وفَضْل العَالمِ عَلى العَابِدِ كَفَضْل القَمَرِ عَلى سَائِرِ النُّجُومِ ليْلةَ البَدْرِ، وإِنَّ العُلمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً ولا دِرْهَماً، ولكِنْ وَرَّثُوا العِلمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»(2) .
مسألة: يستحب الجِدّ، خاصة في إرشاد عباد الله تعالى، بل قد يكون الجد واجباً، قال سبحانه: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِليْنا لا تُرْجَعُونَ»(3).
وورد في دعاء كميل: «وَهَبْ ليَ الجدَّفِي خَشْيَتِكَ»(4).
وفي أدعية الجمعة ونوافلها: «وَهَبْ ليَ الجِدَّ فِي طاعَتِكَ»(5).
ص: 367
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ كَتَمَ عِلماً نَافِعاً أَلجَمَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلجَامٍ مِنْ نَار»(1).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من كتم علما فكأنه جاهل»(2).
مسألة: يجب تكفل أيتام آل محمد (عليهم السلام).
ومن مصاديقه: بناء المدارس الدينية ومساكن الطلبة ووقفها عليهم أو تمليكها لهم، كي لا يكونوا في ضغط يمنعهم عن التفرغ للعلم والتزود منه، كما أن من ألوان التكفل بناء المكتبات وتوفير الكتب والأجهزة التي يحتاجونها.
مسألة: يستحب تكفل اليتيم مطلقاً، والروايات في ذلك كثيرة، منها:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ كَفَل يَتِيماً بَيْنَ المُسْلمِينَ فَأَدْخَلهُ إِلى طَعَامِهِ وشَرَابِهِ أَدْخَلهُ اللهُ الجَنَّةَ البَتَّةَ، إِلا أَنْ يَعْمَل ذَنْباً لا يُغْفَر»(3).
وقَال (صلى الله عليه وآله): «أَنَا وكَافِل اليَتِيمِ كَهَاتَيْنِ، فِي الجَنَّةِ وأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى» (4).
ص: 368
وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) في وصيته: «اللهَ اللهَ فِي الأَيْتَامِ فَلا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُم» (1).
وَقَال (صلى الله عليه وآله): «كُنْ لليَتِيمِ كَالأَبِ الرَّحِيمِ، واعْلمْ أَنَّكَ تَزْرَعُ كَذَلكَ تَحْصُدُ»(2).
مسألة: يستحب بيان أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هم آباء الأمة، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنا وعلي أبوا هذه الأمة»(3).
وحيث إن الأبوة هذه اعتبارية أمكن تعدد الآباء عرضاً وطولاً، وقد ورد في آية: «وَبِالوالدَيْنِ إِحْساناً»(4) أن المراد بهما: محمد وعلي (عليهما السلام) والأئمة من بعدهما (عليهم السلام).
في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) في قول الله عزوجل: «وَبِالوالدَيْنِ إِحْساناً»(5)، قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَفْضَل وَالدَيْكُمْ وَأَحَقُّهُمَا
ص: 369
لشُكْرِكُمْ مُحَمَّدٌ وَعَليٌّ»(1).
وفي تفسير الفرات: عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) فِي قَوْلهِ تَعَالى: «وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِشَيْئاً وَبِالوالدَيْنِ إِحْساناً»(2)، قَال: «إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَعَليَّ بْنَ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) هُمَا الوَالدَانِ»(3).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَحَدُ الوَالدَيْنِ وَعَليٌّ (عليه السلام) الآخَرُ، فَقُلتُ: أَيْنَ مَوْضِعُ ذَلكَ فِي كِتَابِ اللهِ، قَال: قَرَأَ: «اعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالوالدَيْنِ إِحْساناً»(4)»(5).
وَقَال عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام): سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «أَنَا وَعَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلحَقُّنَا عَليْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ وَالدَيْهِمْ، فَإِنَّا نُنْقِذُهُمْ إِنْ أَطَاعُونَا مِنَ النَّارِ إِلى دَارِ القَرَارِ وَنُلحِقُهُمْ مِنَ العُبُودِيَّةِ بِخِيَارِ الأَحْرَارِ»(6).
وَقَالتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام): «أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّةِ مُحَمَّدٌ وَعَليٌّ، يُقِيمَانِ أَوَدَهُمْ، وَيُنْقِذَانِهِمْ مِنَ العَذَابِ الدَّائِمِ إِنْ أَطَاعُوهُمَا، وَيُبِيحَانِهِمُ النَّعِيمَ الدَّائِمَإِنْ
ص: 370
وَافَقُوهُمَا»(1).
وَقَال الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «مُحَمَّدٌ وَعَليٌّ أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّةِ، فَطُوبَى لمَنْ كَانَ بِحَقِّهِمَا عَارِفاً، وَلهُمَا فِي كُل أَحْوَالهِ مُطِيعاً، يَجْعَلهُ اللهُ مِنْ أَفْضَل سُكَّانِ جِنَانِهِ وَيُسْعِدُهُ بِكَرَامَاتِهِ وَ رِضْوَانِهِ»(2).
وَقَال الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «مَنْ عَرَفَ حَقَّ أَبَوَيْهِ الأَفْضَليْنِ
مُحَمَّدٍ وَعَليٍّ (عليهما السلام) وَأَطَاعَهُمَا حَقَّ الطَّاعَةِ قِيل لهُ تَبَحْبَحْ فِي أَيِّ الجِنَانِ شِئْتَ.
وَقَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): «إِنْ كَانَ الأَبَوَانِ إِنَّمَا عَظُمَ حَقُّهُمَا عَلى أَوْلادِهِمَا لإِحْسَانِهِمَا إِليْهِمْ فَإِحْسَانُ مُحَمَّدٍ وَ عَليٍّ (عليهما السلام) إِلى هَذِهِ الأُمَّةِ أَجَل وَأَعْظَمُ، فَهُمَا بِأَنْ يَكُونَا أَبَوَيْهِمْ أَحَقُّ»(3).
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلمَ كَيْفَ قَدْرُهُ عِنْدَ اللهِ فَليَنْظُرْ كَيْفَ قَدْرُ أَبَوَيْهِ الأَفْضَليْنِ عِنْدَهُ مُحَمَّدٍ وَعَليٍّ (عليهما السلام)».وَقَال جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «مَنْ رَعَى حَقَّ أَبَوَيْهِ الأَفْضَليْنِ مُحَمَّدٍ وَعَليٍّ (عليهما السلام) لمْ يَضُرَّهُ مَا ضَاعَ مِنْ حَقِّ أَبَوَيْ نَفْسِهِ وَسَائِرِ عِبَادِ اللهِ، فَإِنَّهُمَا يُرْضِيَانِهِمَا بِسَعْيِهِمَا»(4).
وَقَال مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يُعَظَّمُ ثَوَابُ الصَّلاةِ عَلى قَدْرِ تَعْظِيمِ
ص: 371
المُصَلي عَلى أَبَوَيْهِ الأَفْضَليْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَليٍّ (عليهما السلام) »(1).
وَقَال عَليُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام): «أَمَا يَكْرَهُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُنْفَى عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ اللذَيْنِ وَلدَاهُ، قَالوا: بَلى وَاللهِ، قَال: فَليَجْتَهِدْ أَنْ لا يُنْفَى عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ اللذَيْنِ هُمَا أَبَوَاهُ أَفْضَل مِنْ أَبَوَيْ نَفْسِهِ»(2).
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام) إِذْ قَال رَجُل بِحَضْرَتِهِ: إِنِّي لأُحِبُّ مُحَمَّداً وَعَليّاً (عليهما السلام) حَتَّى لوْ قُطِّعْتُ إِرْباً إِرْباً أَوْ قُرِضْتُ لمْ أَزَل عَنْهُ، قَال مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «لا جَرَمَ أَنَّ مُحَمَّداً وَعَليّاً(عليهما السلام) يُعْطِيَانِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمَا مَا تُعْطِيهِمَا أَنْتَ مِنْ نَفْسِكَ، إِنَّهُمَا ليَسْتَدْعِيَانِ لكَ فِي يَوْمِ فَصْل القَضَاءِ مَا لا يَفِي مَا بَذَلتَهُ لهُمَا بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ أَلفِ أَلفِ جُزْءٍ مِنْ ذَلكَ»(3).
وَقَال الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام): «مَنْ آثَرَ طَاعَةَ أَبَوَيْ دِينِهِ مُحَمَّدٍ وَعَليٍّ (عليهما السلام) عَلى طَاعَةِ أَبَوَيْ نَسَبِهِ، قَال اللهُ عَزَّ وَ جَل: لأُوثِرَنَّكَ كَمَا آثَرْتَنِي، وَلأُشَرِّفَنَّكَ بِحَضْرَةِ أَبَوَيْ دِينِكَ كَمَا شَرَّفْتَ نَفْسَكَ بِإِيثَارِ حُبِّهِمَا عَلى حُبِّ أَبَوَيْ نَفْسِكَ، وَأَمَّا قَوْلهُ عَزَّ وَ جَل: «وَذِي القُرْبى»(4) فَهُمْ مِنْ قَرَابَاتِكَ مِنْ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، قِيل لكَ اعْرِفْ حَقَّهُمْ كَمَا أَخَذَ بِهِ العَهْدَ عَلى بَنِي إِسْرَائِيل وَأَخَذَ عَليْكُمْ مَعَاشِرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بِمَعْرِفَةِ حَقِّ قَرَابَاتِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) الذِينَ هُمُ الأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَمَنْ يَليهِمْ بَعْدُ مِنْ خِيَارِ أَهْل دِينِهِمْ»(5).
ص: 372
وَقَال عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «مَنْ لمْ يَكُنْ وَالدَا دِينِهِ مُحَمَّدٌ وَ عَليٌّ (عليهما السلام) أَكْرَمَ عَليْهِ مِنْ وَالدَيْ نَسَبِهِ فَليْسَمِنَ اللهِ فِي حِل وَ لا حَرَامٍ، وَلا قَليل وَلا كَثِيرٍ»(1).
مسألة: يستحب للإنسان أن يبذل للآخرين مما أعطاه الله، وفي الحديث: «زكاة العلم نشره»(2)، وفي رواية: «زَكَاةُ العِلمِ أَنْ تُعَلمَهُ عِبَادَ اللهِ»(3).
والأدلة على حسن البذل والعطاء والصدقة والهدية ووجوب بعضها في دار الدنيا كثيرة، وتدل هذه الرواية على أن الحال في المحشر كذلك، حيث قالت الصديقة (عليها السلام): «فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا»، و«كذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم».
ثم إن البذل على مراتب فبذل المال مقدم على بذل العرض، وبذل الدنيا مقدم على بذل الدين.
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ) فِي بَعْضِ خُطَبِهِ : «إِنَّ أَفْضَل الفِعَال صِيَانَةُالعِرْضِ بِالمَال»(4).
ص: 373
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «كَانَ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) لعَليٍّ (عليه السلام) أَنْ قَال:
«يَا عَليُّ أُوصِيكَ فِي نَفْسِكَ بِخِصَال فَاحْفَظْهَا عَنِّي... والخَامِسَةُ بَذْلكَ مَالكَ ودَمَكَ دُونَ دِينِك»(1).
وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): كَانَ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) لأَصْحَابِهِ: «اعْلمُوا أَنَّ القُرْآنَ هُدَى الليْل والنَّهَارِ، ونُورُ الليْل المُظْلمِ عَلى مَا كَانَ مِنْ جَهْدٍ وفَاقَةٍ، فَإِذَا حَضَرَتْ بَليَّةٌ فَاجْعَلوا أَمْوَالكُمْ دُونَ أَنْفُسِكُمْ، وإِذَا نَزَلتْ نَازِلةٌ فَاجْعَلوا أَنْفُسَكُمْ دُونَ دِينِكُمْ، واعْلمُوا أَنَّ الهَالكَ مَنْ هَلكَ دِينُهُ، والحَرِيبَ مَنْ حُرِبَ دِينُهُ، أَلا وإِنَّهُ لا فَقْرَ بَعْدَ الجَنَّةِ، أَلا وإِنَّهُ لا غِنَى بَعْدَ النَّارِ، لا يُفَكُّ أَسِيرُهَا ولا يَبْرَأُ ضَرِيرُهَا»(2).
مسألة: يستحب الإعادة والتكرار فيما يبذله الإنسان من الخير، من علم أعطاه، أو دعاء دعاه، أو صلة أو هدية، أو ثناء حسن أو إكرام واحترام، ومضاعفة ذلك، وقد قالت الصديقة الطاهرة (عليها السلام): (هاتي وسلي عما بدا لك).
وفي هذه الرواية ما يشجع على ذلك كثيراً، فإن الله تعالى يضاعف للباذل فوق ما كان يستحقه من الثواب، حيث نقلت الصديقة (عليها السلام) قوله
ص: 374
عزوجل: (ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على من يليهم).
عَنْ عَليِّ بْنِ جُذْعَانٍ قَال: خَرَجَ الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عليه السلام) مِنْ مَالهِ مَرَّتَيْنِ، وقَاسَمَ اللهَ مَالهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ ليُعْطِي نَعْلا ويُمْسِكُ نَعْلا، ويُعْطِي خُفّاً ويُمْسِكُ خُفّاً(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «وكَانَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام) يَخْرُجُ فِي الليْلةِ الظَّلمَاءِ فَيَحْمِل الجِرَابَ فِيهِ الصُّرَرُ مِنَ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ حَتَّى يَأْتِيَ بَاباً بَاباً فَيَقْرَعُهُ ثُمَّ يُنِيل مَنْ يَخْرُجُ إِليْهِ، فَلمَّا مَاتَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليهالسلام) فَقَدُوا ذَاكَ فَعَلمُوا أَنَّ عَليّاً (عليه السلام) كَانَ يَفْعَلهُ»(2).
وعَنْ جَابِرٍ، قَال: دَخَل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وعَليْهَا كِسَاءٌ مِنْ جِلدِ الإِبِل، فَلمَّا رَآهَا بَكَى وقَال:
«يَا فَاطِمَةُ تَعَجَّلي مَرَارَةَ الدُّنْيَا بِنَعِيمِ الآخِرَةِ غَداً».
فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى: «وَلسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى»(1)،(2).
ص: 376
عن فاطمة (عليها السلام) قالت في بيان مقام الوالدة: «الزم رجلها فإن الجنة تحت أقدامها»(1).
-----------------------------
مسألة: يستحب بيان مقام الوالدة، وأن الجنة تحت أقدامها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تحت أقدام الأمهات روضة من رياض الجنة»(2).
وإذا لاحظنا هذه الرواية وما شابهها، كقوله (صلى الله عليه وآله): «الجنة تحت ظلال السيوف»(3)، علمنا جلالة منزلةالأم.
وفي هذه الكلمة الشريفة احتمالات:
ص: 377
الأول: إن الإنسان يجب أن يكون بمنزلة الأرض التي تضع الأم قدمها عليها، فيكون متواضعاً لها غاية التواضع، فمن أراد الجنة عليه أن يتواضع لأُمه.
الثاني: إن الجنة بمنزلة الملك للأمهات، فمن رضيت عنه الأم دخل الجنة، ومن لم ترض عنه لم يدخل الجنة.
الثالث: أن يراد المعنى الحقيقي، فإن الدنيا والآخرة مقترنان، وإن غاب ذلك عن حواسنا، قال تعالى: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لمُحيطَةٌ بِالكافِرينَ»(1)، وقد ذكرنا في بعض كتبنا احتمال أن النار هي الآن محيطة بكفار الدنيا إلاّ أن منافذهم نحوها مغلقة.
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْزَمٍ قَال: خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) ليْلةً مُمْسِياً، فَأَتَيْتُ مَنْزِلي بِالمَدِينَةِ وكَانَتْ أُمِّي مَعِي، فَوَقَعَ بَيْنِي وبَيْنَهَا كَلامٌ، فَأَغْلظْتُ لهَا، فَلمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الغَدِ صَليْتُ الغَدَاةَ وأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، فَلمَّا دَخَلتُ عَليْهِ فَقَال لي مُبْتَدِئاً: «يَا أَبَا مِهْزَمٍ مَا لكَ وللوَالدَةِ، أَغْلظْتَ فِي كَلامِهَاالبَارِحَةَ، أَمَا عَلمْتَ أَنَّ بَطْنَهَا مَنْزِل قَدْ سَكَنْتَهُ، وأَنَّ حِجْرَهَا مَهْدٌ قَدْ غَمَزْتَهُ، وثَدْيَهَا وِعَاءٌ قَدْ شَرِبْتَهُ»، قَال: قُلتُ: بَلى، قَال: «فَلا تُغْلظْ لهَا»(2).
وعن الرِّضَا (عليه السلام): وَاعْلمْ أَنَّ حَقَّ الأُمِ أَلزَمُ الحُقُوقِ وأَوْجَبُ لأَنَّهَا
ص: 378
حَمَلتْ حَيْثُ لا يَحْمِل أَحَدٌ أَحَداً ووَقَتْ بِالسَّمْعِ والبَصَرِ وجَمِيعِ الجَوَارِحِ مَسْرُورَةً مُسْتَبْشِرَةً بِذَلكَ فَحَمَلتْهُ بِمَا فِيهِ مِنَ المَكْرُوهِ الذِي لا يَصْبِرُ عَليْهِ أَحَدٌ ورَضِيَتْ بِأَنْ تَجُوعَ ويَشْبَعَ وتَظْمَأَ ويَرْوَى وتَعْرَى ويَكْتَسِيَ وتُظِلهُ وتَضْحَى فَليَكُنِ الشُّكْرُ لهَا والبِرُّ والرِّفْقُ بِهَا عَلى قَدْرِ ذَلكَ وإِنْ كُنْتُمْ لا تُطِيقُونَ بِأَدْنَى حَقِّهَا إِلا بِعَوْنِ الله (1).
مسألة: يجب بر الأم ويحرم عقوقها، قالتعالى: «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً»(2).
وقال سبحانه: «وَبِالوالدَيْنِ إِحْساناً»(3).
وقال تعالى: «وَبَرًّا بِوالدَتي»(4).
وقال سبحانه: «وَبَرًّا بِوالدَيْهِ »(5).
وفي فقه الرضا (عليه السلام): «وَاعْلمْ أَنَّ حَقَّ الأُمِّ أَلزَمُ الحُقُوقِ وَأَوْجَبُ، لأَنَّهَا حَمَلتْ حَيْثُ لا يَحْمِل أَحَدٌ أَحَداً، وَوَقَتْ بِالسَّمْعِ وَالبَصَرِ وَجَمِيعِ الجَوَارِحِ مَسْرُورَةً مُسْتَبْشِرَةً بِذَلكَ، فَحَمَلتْهُ بِمَا فِيهِ مِنَ المَكْرُوهِ الذِي لا يَصْبِرُ عَليْهِ أَحَدٌ،
ص: 379
وَرَضِيَتْ بِأَنْ تَجُوعَ وَيَشْبَعَ، وَتَظْمَأَ وَيَرْوَى، وَتَعْرَى وَيَكْتَسِيَ، وَتُظِلهُ وَتَضْحَى، فَليَكُنِ الشُّكْرُ لهَا وَالبِرُّ وَالرِّفْقُ بِهَا عَلى قَدْرِ ذَلكَ، وَإِنْ كُنْتُمْ لا تُطِيقُونَ بِأَدْنَى حَقِّهَا إِلا بِعَوْنِ اللهِ»(1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِذَا كُنْتَ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ فَإِنْ دَعَاكَ وَالدُكَ فَلا تَقْطَعْهَا، وَإِنْ دَعَتْكَ وَالدَتُكَفَاقْطَعْهَا»(2).
ص: 380
عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) في حديث قالت: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: المرء يحفظ في ولده»(1).
---------------------------
مسألة: يمكن أن يكون «المرء يحفظ ..» إخباراً أريد به الإنشاء، فهو كقوله (عليه السلام): «يعيد صلاته»(2).
فمفاده الدعوة إلى حفظ المرء في ولده، وطلب لذلك لكن بقالب الإخبار، ولعل الأظهر أنه إخبار عن أمر مستقبلي وإن كان العرف يفهم منه حسن الحفظ ورجحانه.
وفي المقاتل: أنه جاء الحسين (عليه السلام) حتّى وقف على ولده علي الأكبر (عليه السلام) فقال: «قتل الله قوماً قتلوك يا بنيّ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه وآله» وانهملت عيناه بالدّموع، ثم قال: على الدنيا
ص: 381
بعدك العفاء»(1).
مسألة: حفظ المرء يكون بحفظ ولده أيضاً, وهو بين واجب ومستحب، فإن الأولاد امتداد الآباء، فحفظهم حفظ لهم أيضاً، وإذا لم يحفظوا كان معناه عدم حفظ آبائهم أيضاً.
والحاصل: إن هذه قضية اعتبارية كما هي حقيقية في جانب منها.
وفي الزيارات والمقاتل: ما يدل على أن القوم لم يحفظوا حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا حرمة الإسلام بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه).
تقرأ: «السَّلامُ عَلى مَنْ نُكِثَتْ ذِمَّتُهُ وذِمَّةُ حَرَمِهِ، السَّلامُ عَلى مَنِ انْتُهِكَتْ حُرْمَةُ الإِسْلامِ فِي إِرَاقَةِ دَمِه»(2).
وفي تفسير الإمام العسكري (عليهالسلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في حديث: «أَوَ تَدْرِي مَا هَذِهِ الرَّحِمُ التِي مَنْ وَصَلهَا وَصَلهُ الرَّحْمَنُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ، فَقِيل يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ: حَثَّ بِهَذَا كُل قَوْمٍ عَلى أَنْ يُكْرِمُوا أَقْرِبَاءَهُمْ وَيَصِلوا أَرْحَامَهُمْ، فَقَال لهُمْ: أَيَحُثُّهُمْ عَلى أَنْ يَصِلوا أَرْحَامَهُمْ الكَافِرِينَ، قَالوا: لا وَلكِنَّهُ حَثَّهُمْ عَلى صِلةِ أَرْحَامِهِمُ المُؤْمِنِينَ، قَال: فَقَال: أَوْجَبَ حُقُوقَ أَرْحَامِهِمْ لاتِّصَالهِمْ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، قُلتُ: بَلى يَا أَخَا رَسُول اللهِ، قَال: فَهُمْ
ص: 382
إِذاً إِنَّمَا يَقْضُونَ فِيهِمْ حُقُوقَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، قُلتُ: بَلى يَا أَخَا رَسُول اللهِ، قَال: فَآبَاؤُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ إِنَّمَا غَذَّوْهُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَوَقَوْهُمْ مَكَارِهَهَا وَهِيَ نِعْمَةٌ زَائِلةٌ وَمَكْرُوهٌ يَنْقَضِي، وَرَسُول رَبِّهِمْ سَاقَهُمْ إِلى نِعْمَةٍ دَائِمَةٍ وَوَقَاهُمْ مَكْرُوهاً مُؤَبَّداً لا يَبِيدُ، فَأَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ؟
قُلتُ: نِعْمَةُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَعْظَمُ وَأَجَل وَأَكْبَرُ.
قَال: فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَحُثَّ عَلى قَضَاءِ حَقِّ مَنْ صَغُرَ حَقُّهُ وَلا يَحُثَّ عَلى قَضَاءِ حَقِ مَنْ كَبُرَ حَقُّهُ.
قُلتُ: لا يَجُوزُ ذَلكَ.
قَال: فَإِذاً حَقُّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ الوَالدَيْنِ، وَحَقُّ رَحِمِهِ أَيْضاً أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ رَحِمِهِمَا، فَرَحِمُ رَسُول اللهِ(صلى الله عليه وآله) أَوْلى بِالصِّلةِ وَأَعْظَمُ فِي القَطِيعَةِ، فَالوَيْل كُل الوَيْل لمَنْ قَطَعَهَا، وَالوَيْل كُل الوَيْل لمَنْ لمْ يُعَظِّمْ حُرْمَتَهَا، أَوَ مَا عَلمْتَ أَنَّ حُرْمَةَ رَحِمِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) حُرْمَةُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَأَنَّ حُرْمَةَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) حُرْمَةُ اللهِ تَعَالى، وَأَنَّ اللهَ تَعَالى أَعْظَمُ حَقّاً مِنْ كُل مُنْعِمٍ سِوَاهُ، وَأَنَّ كُل مُنْعِمٍ سِوَاهُ إِنَّمَا أَنْعَمَ حَيْثُ قَيَّضَهُ لذَلكَ رَبُّهُ وَوَفَّقَهُ لهُ»(1).
ص: 383
مسألة: يحترم الإنسان الميت باحترامه ولده أيضاً(1)، فاحترام الأولاد لأجلهم مستحب، وذلك لإطلاق قوله (صلى الله عليه وآله)، حيث يشمل الأموات والأحياء.
مسألة: الولد يشمل البنين والبنات، والأحفاد وأحفاد الأحفاد، وهكذا.
فإن الوَلد(2) فَعَل بمعنى المفعول، ويطلق على الذكر والأنثى، والمثنى والمجموع كما قاله اللغويون(3).
مسألة: حفظ الأولاد أعم من حفظ إيمانهم وأخلاقياتهم، ومن إكرامهم وقضاء حوائجهم، ومن إدارة شؤونهم بقول مطلق.
ولعل في قوله (صلى الله عليه وآله): «يحفظ المرء في ولده» إشارة إلى أنه حيث
ص: 384
كان كذلك كان على المرء أن يهتم بحسن تربية ولده، فهو يحفظ بهم وفيهم، فلو أضاعهم فقد أضاع نفسه.
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجارَةُ عَليْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلونَ ما يُؤْمَرُون»(1).
عَنْ فَضَالةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ السَّكُونِيِّ، قَال: دَخَلتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وأَنَا مَغْمُومٌ مَكْرُوبٌ، فَقَال لي: «يَا سَكُونِيُّ مِمَّا غَمُّكَ»، قُلتُ: وُلدَتْ لي ابْنَةٌ، فَقَال: «يَا سَكُونِيُّ عَلى الأَرْضِ ثِقْلهَا وعَلى اللهِ رِزْقُهَا، تَعِيشُ فِي غَيْرِ أَجَلكَ وتَأْكُل مِنْ غَيْرِ رِزْقِكَ»، فَسَرَّى واللهِ عَنِّي، فَقَال لي: «مَا سَمَّيْتَهَا»، قُلتُ: فَاطِمَةَ، قَال: «آهِ آهِ» ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى جَبْهَتِهِ فَقَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): حَقُّ الوَلدِ عَلى وَالدِهِ إِذَا كَانَ ذَكَراً أَنْ يَسْتَفْرِهَ أُمَّهُ، وَيَسْتَحْسِنَ اسْمَهُ، ويُعَلمَهُ كِتَابَ اللهِ، ويُطَهِّرَهُ، ويُعَلمَهُ السِّبَاحَةَ، وإِذَا كَانَتْ أُنْثَى أَنْ يَسْتَفْرِهَأُمَّهَا، ويَسْتَحْسِنَ اسْمَهَا، ويُعَلمَهَا سُورَةَ النُّورِ، ولا يُعَلمَهَا سُورَةَ يُوسُفَ، ولا يُنْزِلهَا الغُرَفَ، ويُعَجِّل سَرَاحَهَا إِلى بَيْتِ زَوْجِهَا، أَمَّا إِذَا سَمَّيْتَهَا فَاطِمَةَ فَلا تَسُبَّهَا ولا تَلعَنْهَا ولا تَضْرِبْهَا»(2).
ص: 385
فإن الإنسان عادة معرّض للتكبر بمختلف معانيه ومراتبه، فإذا صلى في اليوم خمساً وشعر بعظمة الخالق وتواضع أمامه تعلم التواضع وعدم التكبر على مخلوقاته أيضاً.
قال سبحانه: «وَاسْتَعينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ»(1)، فإن الصلاة توجب التواضع، والتواضع مفتاح حل المشاكل، بالإضافة إلى أنه اتصال بالله تعالى الذي بيده كل شيء.
لا يقال: كيف ونرى بعض المصلين متكبرين.
لأنه يقال:
أولاً: ذلك بنحو المقتضي، لا العلة التامة.
ثانياً: إن الصلاة مؤثرة ولو في تقليل التكبر وتحديده، فلو كان هذا المتكبر غير مصل كان تكبره أشد وأكثر وأعمق.
ثالثاً: قد يخصص ذلك بالصلاة المقبولة، فتأمل.
قال تعالى: «فَادْخُلوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالدينَ فيها فَلبِئْسَمَثْوَى المُتَكَبِّرين»(2).
وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَكْثَرُ أَهْل جَهَنَّمَ المُتَكَبِّرُونَ»(3).
ص: 387
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لوَادِياً للمُتَكَبِّرِينَ يُقَال لهُ سَقَرُ، شَكَا إِلى اللهِ عَزَّ وجَل شِدَّةَ حَرِّهِ، وسَأَلهُ أَنْ يَأْذَنَ لهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ، فَتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ»(1).
مسألة: يجب تحصيل التقوى في مرتبة، ويستحب في مراتبها العالية، كما يلزم أن تقوى الله حق تقاته، دون التقوى السطحية أو البدائية المؤقتة.
أما السطحية التي لا تصل إلى العمق فليست بتقوى، وإنما سراب التقوى، قال تعالى: «وَ الذينَ كَفَرُوا أَعْمالهُمْ كَسَرابٍ بِقيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَ اللهُ سَريعُ الحِسابِ»(2).
وفي الرواية: «الولايات مضاميرالرجال»(3).
وفي الحديث: «عِنْدَ الامْتِحَانِ يُكْرَمُ الرَّجُل أَوْ يُهَانُ»(4).
وجاء في معاني الأخبار وتفسير العياشي: سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية(5) قال: «يُطَاعُ فَلا يُعْصَى، ويُذْكَرُ فَلا يُنْسَى، ويُشْكَرُ فَلا يُكْفَر»(6).
ص: 388
ثم إن التقوى المستمرة والثابتة هي التي تنفع الإنسان في دينه ودنياه، وعلى الإنسان أن يدعو ويسعى ليكون كذلك لتحسن عاقبته.
أما التقوى المؤقتة فمثلها مثل (الإيمان المستعار المستودع)، وفي الروايات أن الإيمان مستقر ومستودع، فكأنه وديعة سرعان ما تؤخذ وتسترجع.
قال (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ خَلقَ النَّبِيِّينَ عَلى النُّبُوَّةِ فَلا يَكُونُونَ إِلا أَنْبِيَاءَ، وَخَلقَ المُؤْمِنِينَ عَلى الإِيمَانِ فَلا يَكُونُونَ إِلا مُؤْمِنِينَ، وَأَعَارَ قَوْماً إِيمَاناً فَإِنْ شَاءَ تَمَّمَهُ لهُمْ وَإِنْ شَاءَ سَلبَهُمْ إِيَّاهُ،قَال وَفِيهِمْ جَرَتْ: «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»(1)، وقَال لي: «إِنَّ فُلاناً كَانَ مُسْتَوْدَعاً إِيمَانُهُ فَلمَّا كَذَبَ عَليْنَا سُلبَ إِيمَانُهُ ذَلكَ»(2).
ص: 389
قالت فاطمة (صلوات الله عليها): «من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله إليه أفضل مصلحته»(1).
--------------------------
مسألة: يجب الإخلاص في المعرفة، كما يجب الإخلاص في العبادة(2)، بل مطلقاً(3) في الجملة.
والإخلاص في المعرفة هو أن تكون خالصة عما لا يناسب ذاته المقدسة، من الجسمية والعرضية والصفات الزائدة والعوارض والحلول ووحدة الوجود والموجود وما أشبه، فإنه لا يتحقق الإخلاص مع تشبيه الله تعالى بخلقه في الذات أو الصفات.
قال تعالى: «وَادْعُوهُ مُخْلصينَ لهُ الدِّينَ»(4)،وفسر الدين بالطاعة،
ص: 390
والإخلاص من الشرك والرياء والسمعة.
وقال عزوجل: «فَادْعُوا اللهَ مُخْلصينَ لهُ الدِّين»(1).
وقال سبحانه: «وَما أُمِرُوا إِلاَّ ليَعْبُدُوا اللهَ مُخْلصينَ لهُ الدِّين»(2).
وتحصيل (أفضل المصلحة) من أهم ما يلزم مراعاته، وحيث إن خالص العبادة سبب لذلك كان الإخلاص كذلك.
ثم إن الإخلاص واجب في الواجبات كما هو واضح، وينبغي التحلي به في المندوبات وبدونه لا ثواب ولا أجر، بل حتى في العاديات والمباحات، فمن يبني بناءً أو يشتري شيئاً إذا كان مخلصاً لله سبحانه في ذلك(3) كان له أجر وفضيلة، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِه »(4)،على ما ذكرنا تفصيله في بعض مباحث الفقه.
ومعنى الإخلاص: الخلوص والتمحض بكونه لله تعالى، بأن لا يكون
ص: 391
رياءً ولا سمعةً، سواء في العبادة أو في سائر الأعمال، فيكون كل أخذ وعطاء وفعل وترك لأجل أمره سبحانه.
قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ): «زِينَةُ القُلوبِ إِخْلاصُ الإِيمَانِ»(1) .
وعنه (عليه السلام): «أعلى الأعمال إخلاص الإيمان وصدق الورع والإيقان »(2).
وقال (عليه السلام): «طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته»(3) .
مسألة: يستحب بيان فائدة الإخلاص من القرب إلى الله تعالى، وحبه لعبده، ومن قبول أعماله، وأنه سبحانه سيهبط إليه أفضل مصلحته.
والظاهر أن (أفضل مصلحته) شامل للأخروية والدنيوية منها، كما أنه شامل لمصلحته في نفسه وفي أسرته وفي ذريته وفي عمله وفي درسه وفي غيرها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«لا تَجْلسُوا عِنْدَ كُل دَاعٍ مُدَّعٍ يَدْعُوكُمْ مِنَ اليَقِينِ إِلى الشَّكِّ، وَمِنَ الإِخْلاصِ إِلى الرِّيَاءِ، وَمِنَ التَّوَاضُعِ إِلى الكِبْرِ، وَمِنَ النَّصِيحَةِ إِلى العَدَاوَةِ، وَمِنَ
ص: 392
الزُّهْدِ إِلى الرَّغْبَةِ، وَتَقَرَّبُوا إِلى عَالمٍ يَدْعُوكُمْ مِنَ الكِبْرِ إِلى التَّوَاضُعِ، وَمِنَ الرِّيَاءِ إِلى الإِخْلاصِ، وَمِنَ الشَّكِّ إِلى اليَقِينِ، وَمِنَ الرَّغْبَةِ إِلى الزُّهْدِ، وَمِنَ العَدَاوَةِ إِلى النَّصِيحَةِ، وَلا يَصْلحُ لمَوْعِظَةِ الخَلقِ إِلا مَنْ خَافَ هَذِهِ الآفَاتِ بِصِدْقِهِ، وَأَشْرَفَ عَلى عُيُوبِ الكَلامِ، وَعَرَفَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ، وَعِلل الخَوَاطِرِ وَفِتَنَ النَّفْسِ وَالهَوَى»(1).
ص: 393
ص: 394
عند ساعات الاحتضار 5
طلب دار السلام 5
السلام على الملائكة 6
نظم الملائكة 9
التحريض على الآخرة 10
السلام على ملك الموت.. 13
حضور الملائكة عندها 14
السلام على المعصوم 16
السلام ثلاثة أيام 17
الصلاة عليها وغفران الذنوب.. 20
الصلاة على الصديقة 21
فضل الصلاة 21
النبي وليهم \ البنت من العصبة 23
أولادها أولاد النبي. 24
أنا عَصَبتهم. 30
ص: 395
ولاء أولاد الصديقة 31
أهل البيت هم الوسيلة 33
الوسيلة إلى الله. 34
هم الوسيلة 36
خاصة الله ومحل قدسه 37
حجج الله. 38
ورثة الأنبياء 40
إني راض عنهم. 42
تعدد واقعة الكساء \ معنى أنا منهم. 43
الدعاء للأهل والأقرباء 45
العصمة المطلقة 46
إكرام الأهل. 48
تقبل الإكرام 49
ما أسرعتم في الخيانة \ إعلام الناس بوصية الرسول. 51
شأن النزول. 52
حرمة الخيانة 53
تاريخ العترة 54
الاتباع والمودة والتمسك.. 55
الكتاب والعترة \ القبض اليسير. 56
وجوب نقل حديث الثقلين. 58
وجوب بيان حديث المعية 59
الانفصال عن القرآن. 60
السؤال عن الولاية 61
ص: 396
سؤال الأجر عام إلى يوم القيامة 63
من مات على حب آل محمد \ حب محمد وآله واجب.. 65
استحباب بيان فضل المحبين. 66
معاني الشهيد. 67
الحب والعمل. 68
أسماء الأئمة الاثني عشر 70
توضيحات: 73
مجاورة الشرير 80
مجانبة الشرير 80
الخوف من غير عدل الله. 81
الخوف من عدل الله. 82
الشهادة بالله. 83
التفصيل في سرد التاريخ \ التهنئة بمولد المعصومين. 84
استحباب السؤال إلا ما استثني \ الهدية في الله وفي الخلق. 85
هدايا مادية ومعنوية 87
النظر إلى ما تحمله المرأة 88
صحة خبر جابر \ روايات في مدح جابر 89
بيان النسب.. 90
محضر المرأة 90
ما يسر أهل البيت.. 91
كتاب من الله \ طلب الحجة على أصول الدين. 92
النسخ الخطية 93
إطلاق الأُم على الجدة \ احترام المسؤول عنه 94
ص: 397
الاتقان في العمل. 95
مشي العبادة \ قراءة الكتب الدينية 96
رجاء فضل غير الله. 97
الخوف من عدل الله. 99
نصب الوصي سنة إلهية 100
الارتياب فيهم والرد عليهم. 102
حرمة الافتراء والجحد. 104
التفضيل المطلق. 105
حرمة تغيير آيات الله \ الإيمان بالأوصياء 107
محادثة النساء 109
الرواية عن النساء 111
معنى الرسول نور الله. 112
معنى سفير الله. 115
معنى حجاب الله. 116
هل للظلمة عزة 117
طلب الإخبار حتى من العالم. 118
تقديم الهدايا للصديقة 120
سرور البنت.. 124
بين الرسول والعقل. 125
استثنائية مقتل الحسين (علیه السلام) 127
الواقفية 128
ذكر مطاعن قتلة أهل البيت.. 130
هل يوجد قاصر 132
ص: 398
لا تخلو الأرض من الحجة \ سيد العابدين. 133
الحجة رحمة للعالمين. 134
عموم رحمة الإمام 136
الرحمة على الأعداء أيضاً 137
قلة قتلى الإمام 139
التهنئة بولادة المولود 140
خطاب المعصوم 140
الاستنساخ وتصوير الوثائق. 142
الحلف.. 143
تعظيم أسماء الله. 143
شكر النعمة 145
جحد الآلاء 146
وحدانية الباري. 147
العبادة توقيفية \ حسن التوكل. 148
مسائل في الاعتقاد بالمعصومين. 149
الصحيفة البيضاء 152
دعوة الإمام وإجابتها \ الأمر المولوي والإرشادي. 154
الاستعداد للاحتضار 155
التكرار 156
معنى المولى. 157
المولوية التكوينية \ حرمة إنكار المقامات.. 158
تثبيت العقيدة 159
الوقوف عند حدود الله. 160
ص: 399
عدة مسائل. 161
أنت الإمام والخليفة بعدي. 163
الإبلاغ المكرر 164
مسائل في أولوية الإمام 165
الاعتقاد بكل الأئمة 167
ولاية الإمام 168
النصرة والخذلان. 169
حياة المعصوم \ التصريح بأسماء الأئمة 170
ملامح الحكومة المهدوية 171
الحكومة العالمية 172
أئمة الحق. 173
رجال الأعراف \ مطالب عن الأعراف.. 175
على الأعراف ومن في الأعراف.. 180
تفسير الآيات.. 182
التخصص في التفسير. 183
تفسير المعصوم 184
شأن النزول \ معرفة المعصوم 185
من هم أهل الجنة \ حرمة إنكارهم. 187
صراط الله واحد ولا نسبية في الحق. 188
العرفان الحقيقي. 189
الأوصياء من ولدي. 193
لوح الأسماء المباركة \ تسمية الأولاد 194
تعدد الألواح. 195
ص: 400
معرفة فلسفة الظواهر الغيبية والمادية 196
آخرهم القائم. 197
من أحكام النساء 197
فائدة 198
إنه أبو الأئمة \ تاريخ الأسرة 200
الأذان والإقامة في أذن الطفل. 201
الطفل والتربية الدينية 202
من آداب المولود 203
الرسول وسبطه 204
الأئمة الأبرار 205
أوصاف الأئمة 206
المولود والخرقة الصفراء 207
المولود والخرقة البيضاء 208
عدد نقباء بني إسرائيل \ عدد الأئمة 210
تاسع الأئمة 213
لف الطفل في قماش \ المكروه من ثياب المولود 214
زيارة والدة الطفل. 215
للقائم إطلاقان. 216
الشفقة على السبطين \ الشفة على الأحفاد 217
الشفة على العترة الطاهرة 219
رثاء الأب.. 220
الأشد شفقة 221
مطلق الشفقة 223
ص: 401
تعويذة السبطين \ تعويذ الأولاد 224
تجنب العين. 225
تعليم العوذات.. 227
تعليم الأولاد سور القرآن. 228
التعوذ بالله. 230
التعوذ بغير الله \ أنواع التعوذ 232
ليس في بيتنا شيء 234
بعض مسائل العلاقة مع الكفار 235
الجمع بين الأعمال \ زيارة البنت.. 236
صلة الرحم. 237
خطاب الجد لأحفاده 238
زهد العترة 239
مساعدة الزوجة 241
الأطفال واللعب.. 242
الكد على العيال. 243
حفظ الأولاد 244
حمل الأطفال. 245
توريث الصفات إعجازاً أو بالأسباب.. 246
علم الإمام اللاحق. 249
التأسي بالمعصوم في صفاته 251
طلب الحاجات من المعصوم \ من مصاديق تربية الأولاد 252
الهيبة والسؤدد 254
الجرأة والشجاعة 254
ص: 402
الجود والكرم 256
نحلة الأبناء \ تعدد القضايا 257
النحلة المعنوية 258
استحباب الحلم. 259
استحباب الرحمة 260
استحباب المحبة 261
استحباب الرضا 262
أشعار للطفل. 264
تشبيه الأولاد بالأجداد 264
روايات في بيان الشبه 266
خطاب الطفل \ الطفل وعبادة الله. 267
لا توال ذا الإحن \ تحريك الصبي. 269
قراءة الشعر للطفل. 270
أنا بتسكيته أرفق \ استحباب العمل. 272
العمل اليدوي. 273
الأُم وتربية الطفل. 275
خدمة الآخرين. 276
تفويض عمل البيت.. 277
الرفق المطلق. 279
الرفق مع الطفل. 280
الطلب الحكيم. 281
انتخاب الأرفق. 282
شاطئ الفرات.. 283
ص: 403
رواية الحديث.. 283
الإخبار بمقتل الذرية الطاهرة 284
فضل شهداء الفرات .. 285
من صفات الشيعة 287
الخوف من الله. 288
موالاة أولياء الأئمة 289
طاعة العترة في الأمر والنهي. 290
الشيعي حقاً 292
السؤال مفتاح المعرفة 299
السؤال عن نفسه \ خيار أهل الجنة 300
حب العترة \ وجوب الموالاة 302
وجوب المعاداة 303
التسليم المطلق. 304
إنقاذ المحبين. 305
من فلسفة البلايا 306
الحمد على البلايا 308
تطهير المذنبين. 309
الجنة أخيراً 310
الشفاعة لكل شيعي. 312
في صفات المؤمنين. 316
الاهتمام بالأحكام 318
الرجوع إلى المعصوم 319
كراهة الإهمال وحرمته 320
ص: 404
الجار وحقوقه 321
القول الخير أو السكوت.. 323
الإنسان الخيّر \ الإنسان الحليم. 324
الإنسان العفيف.. 326
حرمة الفحش.. 327
كراهة الضنين. 328
كراهة الإلحاح. 329
استحباب الحياء 330
حفظ الآثار المعنوية 332
قول الخير. 333
الإيمان ودرجاته العالية 334
حرمة البذاء 336
آثار العظيم. 337
خيار الناس \ اللين المطلق. 338
إكرام النساء 340
خير الناس. 341
اهتمام الإسلام بالمرأة 342
شرار الأمة \ من مسؤوليات العظيم. 343
صفات الأشرار 344
التشدق في الكلام 345
من مكروهات الأكل. 346
من مكروهات الثياب.. 346
فضل علماء الشيعة 348
ص: 405
توضيح الحديث.. 349
المرأة وأحكام النساء 350
السؤال عما فيه اللبس.. 351
الجهل التقصيري. 352
إنعاش الأيتام 353
الأساتذة وطلب الأسئلة 354
تعليل الأحكام 355
إجابة السائل. 356
ثواب إجابة السؤال. 357
الإكثار في طلب العلم. 358
الإرشاد إلى التكاليف.. 359
تعليم الجاهل وتكفله 360
الدنيا والتنغيص.. 361
سؤال الجاهل. 362
إرسال من يسأل. 363
قبول التوسط \ فضل العلم والعالم. 364
فضل التعليم \ فضل علماء الشيعة 366
استحباب الجد. 367
أيتام آل محمد \ تكفل اليتيم. 368
المعصومون آباء الأمة 369
استحباب البذل. 373
الإعادة والتكرار في البذل. 374
فضل نعم الآخرة 375
ص: 406
فضل الوالدة \ مقام الوالدة 377
بر الأم 379
حفظ الأولاد 381
الإخبار والإنشاء \ بين المرء وولده 382
حرمة الميت بحرمة ولده \ الأولاد والأحفاد 384
التقوى \ حرمة التكبر. 386
التقوى ومراتبها 388
الإخلاص في العبادة \ الأخلاص في المعرفة 390
فائدة الإخلاص.. 392
الفهرس. 395
ص: 407