الفقه موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي من فقه الزهراء (علیها السلام) المجلد 10

هوية الكتاب

الفقه

موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي

من فقه الزهراء (علیها السلام)

المجلد العاشر

رواياتها (علیها السلام) -3

المرجع الديني الراحل

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2018م

تهميش وتعليق:

مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

ص: 2

الفقه

من فقه الزهراء (علیها السلام)

المجلد العاشر

رواياتها (علیها السلام)

القسم الثالث

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِيقَةُ الشَّهِيدَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَةُ المَرْضِيَّةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الفَاضِلةُ الزَّكِيَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا الحَوْراءُ الإِنْسِيَّةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المُحَدَّثَةُ العَليمَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المَظْلومَةُ المَغْصُوبَةُ

السَّلامُ عَليْكِ أَيَّتُهَا المُضْطَهَدَةُ المَقْهُورَةُ

السَّلامُ عَليْكِ يا فاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ

وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ

البلد الأمين ص278. مصباح المتهجد ص711

بحار الأنوار ج97 ص195 ب12 ح5 ط بيروت

ص: 4

مات خير فوارسي

اشارة

وقالت الصديقة فاطمة (عليها السلام):

قَدْ كُنْتَ لي جَبَلاً أَلوذُ بِظِلهِ *** فَاليَوْمَ تُسْلمُنِي لأَجْرَدِ(1) ضَاحِي

قَدْ كُنْتَ جَارَ حَمِيَّتِى مَا عِشْتَ لي *** وَ اليَوْمَ بَعْدَكَ مَنْ يُرِيشُ(2) جَنَاحِي

وَأَغُضُّ مِنْ طَرْفِي وأَعْلمُ أَنَّهُ *** قَدْ مَاتَ خَيْرُ فَوَارِسِي وسِلاحِي

حَضَرَتْ مَنِيَّتُهُ فَأَسْلمَنِي العَزَا *** وَ تَمَكَّنَتْ رَيْبَ المَنُونِ جَوَاحِي (3)

نَشَرَ الغُرَابُ عَليَّ رِيشَ جَنَاحِهِ *** فَظَللتُ بَيْنَ سُيُوفِهِ ورِمَاحِ

إِنِّي لأَعْجَبُ مَنْ يَرُوحُ ويَغْتَدِي *** وَ المَوْتُ بَيْنَ بُكُورِهِ ورَوَاحِ

فَاليَوْمَ أَخْضَعُ للذَّليل وأَتَّقِي *** ذُلي وأَدْفَعُ ظَالمِي بِالرَّاحِ

وَإِذَا بَكَتْ قُمْرِيَّةٌ شَجْناً بِهَا *** ليْلا عَلى غُصْنٍ بَكَيْتُ صَبَاحِي

فَاللهُ صَبَّرَنِي عَلى مَا حَل بِي *** مَاتَ النَّبِيُّ قَدِ انْطَفَى مِصْبَاحِي (4)

ص: 5


1- الأجرد: ما لا نبت فيه، وصخرة جرداء أي ملساء. (الضاحي): البارز للشمس، فلعل المراد تسلمني لصحراء قاحلة لا نبت فيها بارزة للشمس تحرقها بحرارتها.
2- راش السهم: ألصق به الريش. لسان العرب مادة (ريش).
3- الجائحة: الداهية الشديدة والبلية العظيمة، وجاح القوم: استئصلهم وأهلكهم.
4- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 1 ص242 فصل في وفاته (صلى الله عليه وآله).

من مصاديق المجاز

مسألة: يجوز إسناد الفعل مجازاً إلى غير ما هو له في الجملة، إذا كانمصحح للتجوز وكانت القرينة، ومنه قول الصديقة (عليها السلام) ههنا: (فاليوم تسلمني لأجرد ضاحي).

ظاهر التشاؤم

مسألة: قد يرجح التعبير بما يعبر به عادة المتشائم إذا كان المتكلم في مقام بيان عظم المصاب وجسامة الخطب على الدين وأهله، وأما حقيقة التشاؤم فإنه لا يتصور فيهم (صلوات الله عليهم)، لعصمتهم ولعلمهم بما جرى وسيجري عليهم.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، قَال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عِيسَى أَخِي، قَال: سَأَلتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَمَا يَقُول النَّاسُ فِيهِ، فَقَال: «عَنْ صَوْمِ ابْنِ مَرْجَانَةَ (لعَنَهُ اللهُ) تَسْأَلنِي ذَلكَ يَوْمٌ مَا صَامَهُ إلاّ الأَدْعِيَاءُ مِنْ آل زِيَادٍ بِقَتْل الحُسَيْنِ (صلوات الله عليه) وَهُوَ يَوْمٌ تَشَاءَمَ بِهِ آل مُحَمَّدٍ وَيَتَشَاءَمُ بِهِ أَهْل الإِسْلامِ، وَاليَوْمُ المُتَشَائِمُ بِهِ الإِسْلامُ وَأَهْلهُ لا يُصَامُ وَلا يُتَبَرَّكُ بِهِ، وَيَوْمُ الإِثْنَيْنِ يَوْمٌ نَحْسٌ قَبَضَ اللهُ فِيهِ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) وَمَا أُصِيبَ آل مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) إلاّ فِي يَوْمِ الإِثْنَيْنِ، فَتَشَاءَمْنَا بِهِ وَتَبَرَّكَ بِهِ أَعْدَاؤُنَا، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ قُتِل الحُسَيْنُ (عليه السلام) وَتَبَرَّكَ بِهِ ابْنُ مَرْجَانَةَوَتَشَاءَمَ بِهِ آل مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فَمَنْ صَامَهُمَا وَتَبَرَّكَ بِهِمَا لقِيَ اللهَ عَزَّ وَ جَل مَمْسُوحَ القَلبِ، وَكَانَ مَحْشَرُهُ مَعَ الذِينَ سَنُّوا

ص: 6

صَوْمَهُمَا وَتَبَرَّكُوا بِهِمَا»(1).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «العَيْنُ حَقٌّ، والرُّقَى حَقٌّ، والسِّحْرُ حَقٌّ، والفَأْل حَقٌّ، والطِّيَرَةُ ليْسَتْ بِحَقٍّ، والعَدْوَى ليْسَتْ بِحَقٍّ، والطِّيبُ نُشْرَةٌ، والعَسَل نُشْرَةٌ، والرُّكُوبُ نُشْرَةٌ، والنَّظَرُ إِلى الخُضْرَةِ نُشْرَة»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (صلوات الله عليه) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ، الخَطَأُ والنِّسْيَانُ ومَا أُكْرِهُوا عَليْهِ ومَا لا يَعْلمُونَ ومَا لا يُطِيقُونَ ومَا اضْطُرُّوا إِليْهِ والحَسَدُ والطِّيَرَةُ والتَّفَكُّرُ فِي الوَسْوَسَةِ فِي الخَلقِ مَا لمْ يَنْطِقْ بِشَفَةٍ»(3).

التشبيه بالجبل ونحوه

مسألة: يجوز تشبيه العظيم بالجبل ونحوه، كما يجوز تشبيه الكريم بالبحر وبالمطر، وتشبيه الجميل بالشمسوالقمر وما أشبه، لكن يلزم أن يكون التشبيه في إطاره المقبول بحيث لا تمجّه الأسماع، ولا تلفظه العقول، ولا يكون له جهة غير مشروعة.

وفي اللغة: رجل مَجْبُول: عظيم، على التشبيه بالجَبَل (4).

وفلان لجَّةٌ واسِعةٌ، على التشبيه بالبحر في سَعته(5).

ص: 7


1- تهذيب الأحكام: ج4 ص301 ب67 ح17.
2- نهج البلاغة: حِكَم أمير المؤمنين (عليه السلام) الرقم 400.
3- الخصال: ج 2 ص417 ح9.
4- لسان العرب: ج 11 ص98 مادة (جبل).
5- لسان العرب: ج 2 ص354 مادة (لجج).

في رواية: قَال جَابِرٌ: فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ فَهَل يَقَعُ لشِيعَتِهِ الانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ، فَقَال (صلى الله عليه وآله): «إِي والذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ إِنَّهُمْ يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ ويَنْتَفِعُونَ بِوَلايَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ كَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِالشَّمْسِ وإِنْ تَجَللهَا سَحَاب» الخبر (1).

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ، قَال: صَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) صَلاةَ الفَجْرِ فَلمَّا انْفَتَل مِنْ صَلاتِهِ أَقْبَل عَليْنَا بِوَجْهِهِ الكَرِيمِ عَلى اللهِ عَزَّ وجَل، ثُمَّ قَال: «مَعَاشِرَ النَّاسِ مَنِ افْتَقَدَ الشَّمْسَ فَليَسْتَمْسِكْ بِالقَمَرِ، ومَنِ افْتَقَدَ القَمَرَ فَليَسْتَمْسِكْ بِالزُّهَرَةِ، فَمَنِافْتَقَدَ الزُّهَرَةَ فَليَسْتَمْسِكْ بِالفَرْقَدَيْنِ»، ثُمَّ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَنَا الشَّمْسُ، وعَليٌّ القَمَرُ، وفَاطِمَةُ الزُّهَرَةُ، والحَسَنُ والحُسَيْنُ الفَرْقَدَانِ، وكِتَابُ اللهِ لا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوْضَ»(2).

والد البتول

مسألة: يستحب بيان موقع الرسول (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى الزهراء (عليه السلام) حيث كان (صلى الله عليه وآله) جبلاً تلوذ بظله ابنته الصديقة (عليها السلام) وكان جار حميتها.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ قَال: كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي الشِّكَايَةِ التِي قُبِضَ فِيهَا فَإِذَا فَاطِمَةُ (عليها السلام) عِنْدَ رَأْسِهِ، قَال: فَبَكَتْ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهَا فَرَفَعَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) طَرْفَهُ إِليْهَا فَقَال: حَبِيبَتِي فَاطِمَةُ مَا الذِي يُبْكِيكِ؟

ص: 8


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص253 ب23 باب نص الله تبارك وتعالى على القائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) ح3.
2- معاني الأخبار: ص114 باب معنى الشمس والقمر والزهرة والفرقدين ح1.

قَالتْ: أَخْشَى الضَّيْعَةَ مِنْ بَعْدِكَ يَا رَسُول اللهِ.

قَال: يَا حَبِيبَتِي لا تَبْكِيِنَّ فَنَحْنُ أَهْل بَيْتٍ أَعْطَانَا اللهُ سَبْعَ خِصَال لمْ يُعْطِهَا قَبْلنَا ولا يُعْطِهَا أَحَداً بَعْدَنَا، لنَا خَاتَمُالنَّبِيِّينَ وأَحَبُّ الخَلقِ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل وهُوَ أَنَا أَبُوكِ، ووَصِيِّي خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ وأَحَبُّهُمْ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل وهُوَ بَعْلكِ، وشَهِيدُنَا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ وأَحَبُّهُمْ إِلى اللهِ وهُوَ عَمُّكِ، ومِنَّا مَنْ لهُ جَنَاحَانِ فِي الجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ المَلائِكَةِ وهُوَ ابْنُ عَمِّكِ، ومِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الأُمَّةِ وهُمَا ابْنَاكِ الحَسَنُ والحُسَيْنُ، وسَوْفَ يُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ تِسْعَةً مِنَ الأَئِمَّةِ أُمَنَاءَ مَعْصُومِينَ، ومِنَّا مَهْدِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ إِذَا صَارَتِ الدُّنْيَا هَرْجاً ومَرْجاً وتَظَاهَرَتِ الفِتَنُ وتَقَطَّعَتِ السُّبُل وأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ فَلا كَبِيرٌ يَرْحَمُ صَغِيراً ولا صَغِيرٌ يُوَقِّرُ كَبِيراً فَيَبْعَثُ اللهُ عَزَّ وجَل عِنْدَ ذَلكِ مَهْدِيَّنَا التَّاسِعَ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) يَفْتَحُ حُصُونَ الضَّلالةِ وقُلوباً غُفْلا، يَقُومُ بِالدِّرَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا قُمْتُ بِهِ فِي أَوَّل الزَّمَانِ، ويَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلا كَمَا مُلئَتْ جَوْراً، يَا فَاطِمَةُ لا تَحْزَنِي ولا تَبْكِي، فَإِنَّ اللهَ أَرْحَمُ بِكِ وأَرْأَفُ عَليْكِ مِنِّي، وذَلكِ لمَكَانِكِ مِنِّي ومَوْضِعِكِ فِي قَلبِي، وزَوَّجَكِ اللهُ زَوْجاً هُوَ أَشْرَفُ أَهْل بَيْتِكِ حَسَباً، وأَكْرَمُهُمْ نَسَباً، وأَرْحَمُهُمْ بِالرَّعِيَّةِ، وأَعْدَلهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وأَنْصَرُهُمْ بِالقَضِيَّةِ، وقَدْ سَأَلتُ رَبِّي عَزَّ وجَل أَنْ تَكُونِي أَوَّل مَنْ يَلحَقُنِي مِنْ أَهْل بَيْتِي إلاّ إِنَّكِ بَضْعَةٌ مِنِّي مَنْ آذَاكِ فَقَدْ آذَانِي».

قَال جَابِرٌ: فَلمَّا قُبِضَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَاعْتَلتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) دَخَلإِليْهَا رَجُلانِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالا لهَا: كَيْفَ أَصْبَحْتِ يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ.

قَالتْ: اصْدُقَانِي هَل سَمِعْتُمَا مِنْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول:

ص: 9

فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي، قَالا: نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا ذَلكِ مِنْهُ، فَرَفَعَتْ يَدَيْهَا إِلى السَّمَاءِ وقَالتْ: «اللهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُمَا قَدْ آذَيَانِي وغَصَبَا حَقِّي»، ثُمَّ أَعْرَضَتْ عَنْهُمَا فَلمْ تُكَلمْهُمَا بَعْدَ ذَلكَ وعَاشَتْ بَعْدَ أَبِيهَا خَمْسَةً وتِسْعِينَ يَوْماً حَتَّى أَلحَقَهَا اللهُ بِهِ»(1).

إطلاقات الموت

مسألة: للموت اطلاقان، ويجوز استعماله في مورده:

1: إطلاق أعم من القتل، وعلى هذا جرى قول الصديقة (عليها السلام): (مات النبي).

2: إطلاق يقابل القتل، وعليه جرى قوله تعالى: «أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِل»(2)، وقولهسبحانه: «وَلئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلتُمْ لإِلى اللهِ تُحْشَرُونَ»(3).

من أنواع الإسناد

مسألة: ربما يصح إسناد غير الاختياري إلى من لم يصدر منه ما يؤدي إليه اختياراً، ومنه ما لو وقع أمر كالموت على شخص، وكان أثره التكويني أمر آخر، وعلى ذلك قول الصديقة (عليها السلام): (فأسلمني العزاء).

ص: 10


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: ص63 باب ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
2- سورة آل عمران: 144.
3- سورة عمران: 158.

اللوذ بالمعصوم

مسألة: يستحب أن يلوذ الإنسان بالمعصوم (عليه السلام) في حال حياته وبعد وفاته، سواء لحاجاته الدنيوية أو الأخروية.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «لمَّا نَزَلتْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لا تُكَلفُ إلاّ نَفْسَكَ، قَال: «كَانَ أَشْجَعُ النَّاسِ مَنْ لاذَ بِرَسُول اللهِ عَليْهِ وَ آلهِ السَّلامُ»(1).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «نَحْنُ نَقُول بِظَهْرِ الكُوفَةِ قَبْرٌ لا يَلوذُ بِهِ ذُو عَاهَةٍ إلاّ شَفَاهُ اللهُ عَزَّ وجَل، يَعْنِي قَبْرَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ عليه السلام»(2).

جبرئيل يلوذ برسول الله

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ بَيْنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) جَالساً وَعِنْدَهُ جَبْرَئِيل (عليه السلام) إِذْ حَانَتْ مِنْ جَبْرَئِيل نَظْرَةٌ قِبَل السَّمَاءِ فَانْتُقِعَ لوْنُهُ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ كُرْكُمٌ، ثُمَّ لاذَ بِرَسُول اللهِ(صلى الله عليه وآله) فَنَظَرَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِلى حَيْثُ جَبْرَئِيل فَإِذَا شَيْ ءٌ قَدْ مَلأَ بَيْنَ الخَافِقَيْنِ مُقْبِلا حَتَّى كَانَ كَقَابٍ مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ قَال: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي رَسُول اللهِ إِليْكَ أُخَيِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مَلكاً رَسُولا أَحَبُّ إِليْكَ أَوْ أَنْ تَكُونَ عَبْداً رَسُولا؟

ص: 11


1- بحار الأنوار: ج16 ص340 ب11 ح31 عن تفسير العياشي.
2- كتاب المزار: ص224 ب29 باب النوادر ح6.

فَالتَفَتَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِلى جَبْرَئِيل وَ قَدْ رَجَعَ إِليْهِ لوْنُهُ، فَقَال جَبْرَئِيل: بَل كُنْ عَبْداً رَسُولا، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): بَل أَكُونُ عَبْداً رَسُولا، فَرَفَعَ المَلكُ رِجْلهُ اليُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ رَفَعَ الأُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَفَعَ اليُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي الثَّالثَةِ، ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى انْتَهَى إِلى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، بَعْدَ كُل سَمَاءٍ خُطْوَةٌ، وَكُلمَا ارْتَفَعَ صَغُرَ حَتَّى صَارَ آخِرَ ذَلكَ مِثْل الصِّرِّ، فَالتَفَتَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِلى جَبْرَئِيل (عليه السلام) فَقَال: قَدْ رَأَيْتُكَ ذَعِراً وَمَا رَأَيْتُ شَيْئاً كَانَ أَذْعَرَ لي مِنْ تَغَيُّرِ لوْنِكَ؟

فَقَال: يَا نَبِيَّ اللهِ لا تَلمْنِي أَ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟

قَال: لا. قَال: هَذَا إِسْرَافِيل حَاجِبُ الرَّبِّ، وَ لمْ يَنْزِل مِنْ مَكَانِهِ مُنْذُ خَلقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضَ، وَ لمَّا رَأَيْتُهُ مُنْحَطّاً ظَنَنْتُ أَنَّهُ جَاءَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، فَكَانَ الذِي رَأَيْتَ مِنْ تَغَيُّرِ لوْنِي لذَلكَ، فَلمَّا رَأَيْتُ مَا اصْطَفَاكَ اللهُ بِهِ رَجَعَ إِليَّ لوْنِيوَنَفْسِي، أَمَا رَأَيْتَهُ كُلمَا ارْتَفَعَ صَغُرَ إِنَّهُ ليْسَ شَيْ ءٌ يَدْنُو مِنَ الرَّبِّ إلاّ صَغُرَ لعَظَمَتِهِ، إِنَّ هَذَا حَاجِبُ الرَّبِّ وَ أَقْرَبُ خَلقِ اللهِ مِنْهُ، وَ اللوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فَإِذَا تَكَلمَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالى بِالوَحْيِ ضَرَبَ اللوْحُ جَبِينَهُ فَنَظَرَ فِيهِ، ثُمَّ أَلقَاهُ إِليْنَا، فَنَسْعَى بِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ، إِنَّهُ لأَدْنَى خَلقِ الرَّحْمَنِ مِنْهُ، وَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ تِسْعُونَ حِجَاباً مِنْ نُورٍ تُقْطَعُ دُونَهَا الأَبْصَارُ مَا لا يُعَدُّ وَلا يُوصَفُ، وَإِنِّي لأَقْرَبُ الخَلقِ مِنْهُ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَلفِ عَامٍ»(1).

ص: 12


1- بحار الأنوار: ج56 ص250 ب24 ح8 عن تفسير القمي.

غض الطرف

مسألة: غض الطرف عن الأذى الذي لا مفر منه ولا محيص عنه، مرغوب إليه ومطلوب، تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) إذ قالت: (وأغض طرفي ...).

رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «لا يَكْمُل المُؤْمِنُ إِيمَانُهُ حَتَّى يَحْتَوِيَ عَلى مِائَةٍ وَثَلاثِ خِصَال، فِعْل وَعَمَل وَنِيَّةٍ وَظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ، فَقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «يَا رَسُول اللهِ مَا يَكُونُ المِائَةُ وَثَلاثُ خِصَال» فَقَال: يَا عَليُّ مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِ ... غَضَّ الطَّرْفِ، سَخِيَّ الكَفِّ»(1).

وفي غرر الحكم:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثلاث فيهن المروءة: غض الطرف، وغض الصوت، ومشي القصد»(2).

وقال (عليه السلام): «رأس الورع غض الطرف»(3).

وقال (عليه السلام): «غض الطرف خير منكثير النظر»(4).

وقال (عليه السلام): «غض الطرف من المروءة»(5).

وقال (عليه السلام): «غض الطرف من كمال الظرف»(6).

ص: 13


1- مستدرك الوسائل: ج11 ص180 ب4 ح12868.
2- غرر الحكم: ص258 علائم المروءة وآثارها ح5506.
3- غرر الحكم: ص259 غض الطرف ح5538.
4- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5539.
5- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5540.
6- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5541.

وقال (عليه السلام): «غض الطرف من أفضل الورع»(1).

وقال (عليه السلام): «من المروءة غض الطرف و مشي القصد»(2).

وقال (عليه السلام): «نعم الورع غض الطرف»(3).

وقال (عليه السلام): «لا مروة كغض الطرف»(4).

وقال (عليه السلام): «من غض طرفه أراح قلبه»(5).وهذه الروايات تشمل غض الطرف بالمعنى الأخص والأعم فتشمل ما نحن فيه أيضاً.

إظهار التعجب

مسألة: يستحب إظهار التعجب من الغافل عن الموت مع أن (الموت بين بكوره ورواح) كما صرحت الصديقة (صلوات الله عليها) بعجبها من ذلك.

وفي الشعر:

وا عجبا لامرئ ضحوك *** مستيقن أنّه يموت

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إذا صعدت روح المؤمن إلى السّماء تعجّبت الملائكة وقالت: وا عجبا له كيف نجى من دار فسد فيها خيارنا»(6).

ص: 14


1- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5542.
2- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5545.
3- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5546.
4- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5547.
5- غرر الحكم: ص260 غض الطرف ح5555.
6- غرر الحكم : ص143 في ذم الدنيا ح2555.

الإنشاء بصيغة الإخبار

مسألة: الدعاء إنشاء، ويصح الإنشاء بصيغة الإخبار، كما في قول الصديقة (صلوات الله عليها): «فالله صبرني على ما حل بي...».

ولعل من وجوهه إفادة قطعيةاستجابة الدعاء، إذ ذكره بصيغة الماضي الدال على الوقوع والتحقق.

كقوله (عليه السلام): «أصْبَحْنا وأصْبَحَتِ الأشياءُ كُلها بِجُملتِها لكَ»(1).

وكقول النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): «يَا سَلمَانُ إِذَا أَصْبَحْتَ فَقُل: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا شَرِيكَ لكَ أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ المُلكُ للهِ، قُلهَا ثَلاثاً، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَقُل مِثْل ذَلكَ، فَإِنَّهُنَّ يُكَفِّرْنَ مَا بَيْنَهُنَّ مِنْ خَطِيئَةٍ»(2).

(مثل ذلك) أي: أمسينا وأمسى الملك لله.

وهذا الكلام إنشاء في صورة الخبر، كقولك: بعت واشتريت، لأنّ المقصود به الإقرار لله سبحانه بالمملوكية والتضرّع إليه تعالى، لا الإخبار عن ذلك، فهو لا يحتمل التصديق والتكذيب(3).

ص: 15


1- الصحيفة السجادية: الدعاء رقم 6 وكان من دعائه عليه السلام عند الصباح والمساء.
2- إحقاق الحق: ج10 ص483.
3- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين: ج 2 ص213.

البكاء وإضرار النفس

اشارة

وقالت فاطمة الزهراء (عليها السلام):

أمسى بخدّي للدموع رسوم *** أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم

و الصبر يحسن في المواطن كلها *** إلا عليك فإنّه معدوم

لا عتب في حزني عليك لو *** أنّه كان البكاء لمقلتي يدوم (1)

جواز المبالغة

مسألة: تجوز المبالغة بأقسامها الأربعة، بتشبيه المعنويات بالماديات، أو الماديات بالمعنويات، أو المعنويات بالمعنويات، أو الماديات بالماديات، فيما إذا كان التشبيه عقلائياً مقبولاً لديهم.

فإنه كثيراً ما تستخدم مثل رسوم الدموع وكلوم الفؤاد على نحو المجاز والتشبيه، نعم في المقام ربما كان ذلك على نحو الحقيقة(2).

ص: 16


1- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين: ج 2 ص213.
2- إذ لا يبعد حدوث رسوم وخطوط في وجهها المبارك من كثرة بكائها (عليها السلام) على أبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

روايات في تشبيه المعنويات بالماديات:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «علي في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض، وفي السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض»(1).

وروي أنه قَامَ الأَعْوَرُ الشَّنِّيُّ إِلى عَليٍّ (عليه السلام) فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّا لا نَقُول لكَ كَمَا قَال أَصْحَابُ أَهْل الشَّامِ لمُعَاوِيَةَ، وَلكِنَّا نَقُول: زَادَ اللهُ فِي هُدَاكَ وَسُرُورِكَ، نَظَرْتَ بِنُورِ اللهِ فَقَدَّمْتَ رِجَالا وَأَخَّرْتَ رِجَالا فَعَليْكَ أَنْ تَقُول وَعَليْنَا أَنْ نَفْعَل، أَنْتَ الإِمَامُ فَإِنْ هَلكْتَ فَهَذَانِ مِنْ بَعْدِكَ يَعْنِي حَسَناً وَحُسَيْناً، وَقَدْ قُلتُ شَيْئاً فَاسْمَعْهُ، قَال: هَاتِ فَقَال:

أَبَا حَسَنٍ أَنْتَ شَمْسُ النَّهَارِ *** وَ هَذَانِ فِي الحَادِثَاتِ القَمَرْ

وَ أَنْتَ وَ هَذَانِ حَتَّى المَمَاتِ *** بِمَنْزِلةِ السَّمْعِ بَعْدَ البَصَرْ

وَ أَنْتُمْ أُنَاسٌ لكُمْ سُورَةٌ *** يُقَصِّرُ عَنْهَا أَكُفُّ البَشَرْ

يُخَبِّرُنَا النَّاسُ عَنْ فَضْلكُمْ *** وَ فَضْلكُمُ اليَوْمَ فَوْقَ الخَبَرْ

عَقَدْتَ لقَوْمٍ ذَوِي نَجْدَةٍ *** مِنْ أَهْل الحَيَاءِ وَ أَهْل الخَطَرْ

عَقَدْتَ لقَوْمٍ ذَوِي نَجْدَةٍ *** مِنْ أَهْل الحَيَاءِ وَ أَهْل الخَطَرْ

مَسَامِيحَ بِالمَوْتِ عِنْدَ اللقَاءِ *** مِنَّا وَ إِخْوَانِنَا مِنْ مُضَرْ

وَ مِنْ حَيِّ ذِي يَمَنٍ جِلةٍ *** يُقِيمُونَ فِي الحَادِثَاتِ الصَّعَرِ

فَكُل يَسُرُّكَ فِي قَوْمِهِ *** وَ مَنْ قَال: لا فَبِفِيهِ الحَجَرْ

ص: 17


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص959 الحديث الثاني و التسعون.

وَ نَحْنُ الفَوَارِسُ يَوْمَ الزُّبَيْرِ *** وَ طَلحَةَ إِذْ قِيل أَوْدَى غُدَرْ

ضَرَبْنَاهُمُ قَبْل نِصْفِ النَّهَارِ*** إِلى الليْل حَتَّى قَضَيْنَا الوَطَرْ

وَ لمْ يَأْخُذِ الضَّرْبُ إلاّ الرُّءُوسَ *** وَ لمْ يَأْخُذِ الطَّعْنُ إلاّ الثُّغَرْ

فَنَحْنُ أُولئِكَ فِي أَمْسِنَا *** وَ نَحْنُ كَذَلكَ فِيمَا غَبَرْ

فَلمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِهِ طِرْقٌ أَوْ لهُ مَيْسَرَةٌ إلاّ أَهْدَى للشَّنِّيِّ أَوْ أَتْحَفَهُ(1).

حزن القلب

مسألة: ينبغي تطابق الظاهر والباطن في العزاء على مصاب أهل البيت (عليهمالسلام)، فإن الأولى أن يبكي المؤمن عليهم وأن تجري دموعه على خده، إضافة إلى حرقة قلبه وشدة كمده وكلم فؤاده، كما قالت الصديقة (صلوات الله عليها):

(أمسى بخدي للدموع رسوم *** أسفاً عليك وفي الفؤاد كلوم)

وعلى هذا لا يكفي أن يحزن القلب وحده ولا تدمع العين وحدها، وإن كانت له مرتبة من الفضل والثواب.

كما ربما لا يكفي التظاهر بالحزن دون حرقة القلب، وإن كان التباكي على سيد الشهداء (عليه السلام) ذا أجر وفضيلة كما في الروايات.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن شعائر سيد الشهداء (عليه السلام) وإن كانت

ص: 18


1- وقعة صفين: 425.

رياءً فهي مقبولة ويثاب عليها الإنسان، كأن يبكي رياءً أو يلطم كذلك، نعم الإخلاص أعظم مرتبةً وأكثر ثواباً.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَتَبَاكَى فَلهُ الجَنَّةُ»(1).

ورُوِيَ عَنْ آل الرَّسُول (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالوا: «مَنْ بَكَى وأَبْكَى فِينَا مِائَةً فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ بَكَى وأَبْكَى خَمْسِينَ فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ بَكَى وأَبْكَى ثَلاثِينَ فَلهُالجَنَّةُ، ومَنْ بَكَى وأَبْكَى عِشْرِينَ فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ بَكَى وأَبْكَى عَشَرَةً فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ بَكَى وأَبْكَى وَاحِداً فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ تَبَاكَى فَلهُ الجَنَّةُ»(2).

كثرة البكاء ورسم الخد

مسألة: يجوز البكاء على المعصوم (عليه السلام) حتى يصير في الخد رسوم، بل وأكثر من ذلك، كما ورد عن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) في زيارة الناحية المقدسة: «ولأبكين عليك بدل الدموع دماً»(3).

وذلك لأن الإضرار القليل بالنفس غير محرم، بل وحتى الإضرار الكثير فيما إذا كانت أهمية في البين، فيكون حينئذ من قاعدة الأهم والمهم.

وقد ذكر بعض الفقهاء أن سفر الحج لو كان مشتملاً على خطر ولو مثل

ص: 19


1- كامل الزيارات: ص105 الباب الثالث والثلاثون ح2.
2- بحار الأنوار: ج 44 ص288 ب34 ح27.
3- المزار الكبير، لابن المشهدي: ص501 ب9 زيارة أخرى في يوم عاشوراء لأبي عبد الله الحسين ابن علي (صلوات الله عليه)، وبحار الأنوار: ج 98 ص238 ب18 ح37.

خطر البحر واحتمال الغرق فيه، فإنه محرم وإن كان حجة الإسلام، أما زيارة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) حتى في موضعالخطر فهي أمر جائز بل مستحب، وربما يكون ذلك من قاعدة الأهم والمهم.

ولعله لخصوصية في زيارته (عليه السلام) تفرد بها، كما كانت خصوصية في تربته (عليه السلام) حيث جاز أكلها، ولا مانعة جمع بين الوجهين، وهم (صلوات الله عليهم) قد بينوا الأهم.

وفي الحديث عن السفر إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في البحر، وأنه من المحتمل أن تكفأ السفينة، فأخبر الإمام (عليه الصلاة والسلام) بأنها تكفؤ في الجنة.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ النَّجَّارِ، قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «تَزُورُونَ الحُسَيْنَ (عليه السلام) وتَرْكَبُونَ السُّفُنَ»، فَقُلتُ: نَعَمْ، قَال: «أَمَا عَلمْتَ أَنَّهَا إِذَا انْكَفَتْ بِكُمْ نُودِيتُمْ إلاّ طِبْتُمْ وطَابَتْ لكُمُ الجَنَّةُ»(1).

ومن المعروف والمشتهر أن الذين كانوا يزورون الإمام الحسين (عليه

السلام) في أيام المتوكل، كانت تقطع أيديهم، ومع ذلك لم ينقل عن الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) النهي عن السفر لزيارة أبي عبدالله (عليه السلام)، بل كانوا يشجعون على الزيارة رغم المخاطر.

وفي الروايات التصريح باستحباب الزيارة حتى مع خوف الهلاك:

عَنْ زُرَارَةَ قَال: قُلتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَا تَقُول فِيمَنْ زَارَ أَبَاكَ عَلى

ص: 20


1- كامل الزيارات: 135 الباب التاسع والأربعون ثواب من زار الحسين (عليه السلام) راكباً أو ماشياً ومناجاة الله لزائره ح10.

خَوْفٍ، قَال: «يُؤْمِنُهُ اللهُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ وتَلقَّاهُ المَلائِكَةُ بِالبِشَارَةِ ويُقَال لهُ: لا تَخَفْ ولا تَحْزَنْ هَذَا يَوْمُكَ الذِي فِيهِ فَوْزُكَ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قُلتُ لهُ: «إِنِّي أَنْزِل الأَرَّجَانَ وقَلبِي يُنَازِعُنِي إِلى قَبْرِ أَبِيكَ، فَإِذَا خَرَجْتُ فَقَلبِي وَجِل مُشْفِقٌ حَتَّى أَرْجِعَ خَوْفاً مِنَ السُّلطَانِ والسُّعَاةِ وأَصْحَابِ المَسَالحِ، فَقَال: «يَا ابْنَ بُكَيْرٍ أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ اللهُ فِينَا خَائِفاً، أَمَا تَعْلمُ أَنَّهُ مَنْ خَافَ لخَوْفِنَا أَظَلهُ اللهُ فِي ظِل عَرْشِهِ وكَانَ مُحَدِّثُهُ الحُسَيْنَ (عليه السلام) تَحْتَ العَرْشِ وآمَنَهُ اللهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ القِيَامَةِ، يَفْزَعُ النَّاسُ ولا يَفْزَعُ، فَإِنْ فَزِعَ وَقَّرَتْهُ المَلائِكَةُ وسَكَّنَتْ قَلبَهُ بِالبِشَارَةِ»(2).وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال: «يَا مُعَاوِيَةُ لا تَدَعْ زِيَارَةَ قَبْرِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) لخَوْفٍ، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهُ رَأَى مِنَ الحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَى اللهُ شَخْصَكَ وسَوَادَكَ فِيمَنْ يَدْعُو لهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وعَليٌّ وفَاطِمَةُ والأَئِمَّةُ (عليهم السلام)، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْقَلبُ بِالمَغْفِرَةِ لمَا مَضَى ويُغْفَرُ لهُ ذُنُوبُ سَبْعِينَ سَنَةً، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وليْسَ عَليْهِ ذَنْبٌ يُتْبَعُ بِهِ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُهُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله»(3).

وعَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَال: قُلتُ لهُ: جُعِلتُ فِدَاكَ زِيَارَةُ قَبْرِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) فِي حَال التَّقِيَّةِ، قَال: «إِذَا أَتَيْتَ الفُرَاتَ فَاغْتَسِل ثُمَّ البَسْ أَثْوَابَكَ الطَّاهِرَةَ ثُمَّ تَمُرُّ بِإِزَاءِ القَبْرِ وقُل: صَلى اللهُ

ص: 21


1- كامل الزيارات: ص125 الباب الخامس والأربعون ح2.
2- كامل الزيارات: ص125 الباب الخامس والأربعون ح2.
3- كامل الزيارات: ص126 الباب الخامس والأربعون ح3.

عَليْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، صَلى اللهُ عَليْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقَدْ تَمَّتْ زِيَارَتُكَ»(1).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيل، قَال: قَال لي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ(عليهما السلام): «هَل تَأْتِي قَبْرَ الحُسَيْنِ (عليه السلام) قُلتُ: نَعَمْ عَلى خَوْفٍ ووَجَل، فَقَال: مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلى قَدْرِ الخَوْفِ، ومَنْ خَافَ فِي إِتْيَانِهِ آمَنَ اللهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لرَبِّ العالمِينَ، وانْصَرَفَ بِالمَغْفِرَةِ، وسَلمَتْ عَليْهِ المَلائِكَةُ، وزَارَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) ودَعَا لهُ وانْقَلبَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وفَضْل لمْ يَمْسَسْهُ سُوءٌ واتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ»(2) الحديث.

عدة مسائل

مسألة: الصبر حسن في المصائب بشكل عام.

مسألة: عدم الصبر بمعنى البكاء والجزع هو المستحب في مصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومصاب المعصومين (عليهم السلام).

مسألة: لا ينبغي العتب في الحزن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك على فقد المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).

والروايات فيها كثيرة، قد أشير إلى بعضها فيما سبق.

ص: 22


1- كامل الزيارات: ص126 الباب الخامس والأربعون ح4.
2- كامل الزيارات: ص126 الباب الخامس والأربعون ح5.

إذا اشتد شوقي

اشارة

وقالت فاطمة الزهراء (عليها السلام):

إِذَا اشْتَدَّ شَوْقِي زُرْتُ قَبْرَكَ بَاكِياً *** أَنُوحُ وَ أَشْكُو لا أَرَاكَ مُجَاوِبِي

فَيَا سَاكِنَ الصَّحْرَاءِ عَلمْتَنِي البُكَا *** وَذِكْرُكَ أَنْسَانِي جَمِيعَ المَصَائِبِ

فَإِنْ كُنْتَ عَنِّي فِي التُّرَابِ مُغَيّباً *** فَمَا كُنْتَ عَنْ قَلبِ الحَزِينِ بِغَائِب (1)

زيارة القبور

مسألة: زيارة القبور مستحبة، فإنها بالإضافة إلى الإطلاقات والعمومات الدالة، تدل عليها جملة من الروايات المذكورة في بابها.

قَال أَبُو ذَر (رضوان الله عليه): قَال لي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا أَبَا ذَرٍّ أُوصِيكَ فَاحْفَظْ لعَل اللهَ يَنْفَعُكَ بِهِ، جَاوِرِ القُبُورَ تَذَكَّرْ بِهَا الآخِرَةَ، وزُرْهَا أَحْيَاناً بِالنَّهَارِ، ولا تَزُرْهَا بِالليْل»(2).وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «مِنْ حَقِّ المُؤْمِنِ عَلى المُؤْمِنِ المَوَدَّةُ

ص: 23


1- بحار الأنوار: ج 22 ص547 ب2 وفاته وغسله والصلاة عليه ودفنه (صَلى اللهُ عَليْهِ وآلهِ) ح67.
2- مستدرك الوسائل: ج 2 ص363 ب45 باب استحباب زيارة القبور وطلب الحوائج عند قبر الأبوين ح4.

لهُ فِي صَدْرِهِ» إِلى أَنْ قَال: «وإِذَا مَاتَ فَالزِّيَارَةُ لهُ إِلى قَبْرِه»(1).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): المَوْتَى نَزُورُهُمْ، قَال: «نَعَمْ»، قُلتُ: فَيَعْلمُونَ بِنَا إِذَا أَتَيْنَاهُمْ، فَقَال: «إِي وَاللهِ إِنَّهُمْ ليَعْلمُونَ بِكُمْ وَ يَفْرَحُونَ بِكُمْ وَ يَسْتَأْنِسُونَ إِليْكُمْ»(2).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «زُورُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَفْرَحُونَ بِزِيَارَتِكُمْ، وَليَطْلبْ أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِ وَعِنْدَ قَبْرِ أُمِّهِ بِمَا يَدْعُو لهُمَا»(3).

وعَنْ صَفْوَانَ الجَمَّال قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه

السلام) يَقُول: «كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَخْرُجُ فِي مَلإٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِهِ كُل عَشِيَّةِ خَمِيسٍ إِلى بَقِيعِ المَدَنِيِّينَ فَيَقُول: السَّلامُ عَليْكُمْ يَا أَهْلالدِّيَارِ ثَلاثاً رَحِمَكُمُ اللهُ ثَلاثاً»(4) الحديث.

زيارة قبور المعصومين

مسألة: يستحب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبر المعصومين (عليه السلام) مطلقاً.

وفي ذلك الروايات المتواترة، كما لا يخفى على من راجع كتب المزارات وكتب الحج، المفصلة الاستدلالية وغيرها، بل وحتى الموجزة مثل مناسك الحج

ص: 24


1- مستدرك الوسائل: ج 2 ص363 ب45 باب استحباب زيارة القبور وطلب الحوائج عند قبر الأبوين ح5.
2- وسائل الشيعة: ج3 ص222 ب54 ح3463.
3- وسائل الشيعة: ج3 ص223 ب54 ح3466.
4- وسائل الشيعة: ج3 ص224 ب55 ح3469.

وما أشبه.

عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): مَا لمَنْ زَارَ قَبْرَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: «كَمَنْ زَارَ اللهَ فِي عَرْشِهِ»(1).

أي: في شدة تقربه إلى رحمة الله عزوجل.

وعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ الوَشَّاءِ، قَال: سَمِعْتُ الرِّضَا (عليه

السلام) يَقُول: «إِنَّ لكُل إِمَامٍ عَهْداً فِي عُنُقِ أَوْليَائِهِ وشِيعَتِهِ، وإِنَّ مِنْ تَمَامِ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ وحُسْنِ الأَدَاءِ زِيَارَةَ قُبُورِهِمْ، فَمَنْ زَارَهُمْ رَغْبَةًفِي زِيَارَتِهِمْ وتَصْدِيقاً بِمَا رَغِبُوا فِيهِ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ»(2).

ورُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «مَنْ زَارَنَا بَعْدَ مَمَاتِنَا فَكَأَنَّمَا زَارَنَا فِي حَيَاتِنَا، ومَنْ جَاهَدَ عَدُوَّنَا فَكَأَنَّمَا جَاهَدَ مَعَنَا، ومَنْ تَوَلى مُحِبَّنَا فَقَدْ أَحَبَّنَا، ومَنْ سَرَّ مُؤْمِناً فَقَدْ سَرَّنَا، ومَنْ أَعَانَ فَقِيرَنَا كَانَ مُكَافَاتُهُ عَلى جَدِّي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله»(3).

وَقَال (عليه السلام): «مَنْ زَارَ إِمَاماً مُفْتَرَضَ الطَّاعَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وصَلى عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَتَبَ اللهُ لهُ حِجَّةً مَبْرُورَةً وعُمْرَةً»(4).

ص: 25


1- كامل الزيارات: ص15 الباب الثاني ثواب زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ح20.
2- الكافي: ج 4 ص567 ح2.
3- المقنعة: ص485 ب37 ح1.
4- وسائل الشيعة: ج14 ص332 ب2 ح19334.

الشوق وزيارة القبور

مسألة: يستحب عند اشتداد الشوق للمعصومين (عليهم السلام) وكذا العلماء وسائر الأموات من المؤمنين، زيارة قبورهم ومشاهدهم.

ويدل عليه قول الصديقة (عليها السلام) هنا: (إذا اشتد شوقي...)، إضافة إلى الروايات الدالة بالفحوى أو الالتزام أو ما أشبه.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «لوْ يَعْلمُ النَّاسُ مَا فِي زِيَارَةِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) مِنَ الفَضْل لمَاتُوا شَوْقاً وتَقَطَّعَتْ أَنْفُسُهُمْ عَليْهِ حَسَرَاتٍ»، قُلتُ: ومَا فِيهِ؟ قَال: «مَنْ زَارَهُ شَوْقاً إِليْهِ كَتَبَ اللهُ لهُ أَلفَ حَجَّةٍ مُتَقَبَّلةٍ، وأَلفَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَةٍ، وأَجْرَ أَلفِ شَهِيدٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ، وأَجْرَ أَلفِ صَائِمٍ، وثَوَابَ أَلفِ صَدَقَةٍ مَقْبُولةٍ، وثَوَابَ أَلفِ نَسَمَةٍ أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، ولمْ يَزَل مَحْفُوظاً» الحَدِيثَ وفِيهِ ثَوَابٌ جَزِيل وفِي آخِرِهِ: «أَنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ هَؤُلاءِ زُوَّارُ الحُسَيْنِ شَوْقاً إِليْهِ»(1).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ، قَال: قُلتُ لأَبِيعَبْدِ اللهِ (عليه السلام): مَا لمَنْ أَتَى قَبْرَ الحُسَيْنِ (عليه السلام)، قَال: «مَنْ أَتَاهُ شَوْقاً إِليْهِ كَانَ مِنْ عِبَادِ اللهِ المُكْرَمِينَ، وكَانَ تَحْتَ لوَاءِ الحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ حَتَّى يُدْخِلهُمَا اللهُ الجَنَّةَ»(2).

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): «أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مَسْكَنُهُ الجَنَّةَ ومَأْوَاهُ الجَنَّةَ فَلا يَدَعْ زِيَارَةَ المَظْلومِ» قُلتُ: مَنْ هُوَ، قَال: «الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ صَاحِبُ كَرْبَلاءَ، مَنْ أَتَاهُ شَوْقاً إِليْهِ وحُبّاً لرَسُول اللهِ وحُبّاً لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ

ص: 26


1- وسائل الشيعة: ج 14 ص453 ب45 باب استحباب اختيار زيارة الحسين (عليه السلام) على الحج والعمرة المندوبين ح18.
2- كامل الزيارات: ص143 الباب السادس والخمسون ح4.

وحُبّاً لفَاطِمَةَ (صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ وآلهِ وعَليْهِمْ أَجْمَعِينَ) أَقْعَدَهُ اللهُ عَلى مَوَائِدِ الجَنَّةِ يَأْكُل مَعَهُمْ والنَّاسُ فِي الحِسَابِ»(1).

الشوق الأكثر

مسألة: يستحب التسبيب لزيادة الشوق لأهل البيت (عليهم السلام) بمختلف الطرق، كقراءة الكتب الخاصة بفضائلهم، والتدبر في الروايات التي تتحدث عن مقاماتهم، والاستفادة من علومهم، وإقامة شعائرهم، والخدمة في مجالسهم،وكثرة زيارة مشاهدهم، وبيان فضائل التشرف بحضرتهم وما أشبه.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى جَعَل لأَخِي عَليِ بْنِ أَبِي طَالبٍ فَضَائِل لا يُحْصِي عَدَدَهَا غَيْرُهُ، فَمَنْ ذَكَرَ فَضِيلةً مِنْ فَضَائِلهِ مُقِرّاً بِهَا غَفَرَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ومَا تَأَخَّرَ، ولوْ وَافَى القِيَامَةَ بِذُنُوبِ الثَّقَليْنِ، ومَنْ كَتَبَ فَضِيلةً مِنْ فَضَائِل عَليٍّ لمْ تَزَل المَلائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لهُ مَا بَقِيَ لتِلكَ الكِتَابَةِ رَسْمٌ أَوْ أَثَرٌ، ومَنِ اسْتَمَعَ إِلى فَضِيلةٍ مِنْ فَضَائِلهِ غَفَرَ اللهُ لهُ الذُّنُوبَ التِي اكْتَسَبَهَا بِالاسْتِمَاعِ، ومَنْ نَظَرَ إِلى كِتَابَةِ فَضَائِلهِ غَفَرَ اللهُ لهُ الذُّنُوبَ التِي اكْتَسَبَهَا بِالنَّظَرِ»، ثُمَّ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «النَّظَرُ إِلى عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ عِبَادَةٌ، وذِكْرُهُ عِبَادَةٌ، ولا يُقْبَل إِيمَانُ عَبْدٍ إلاّ بِوَلايَتِهِ والبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِه»(2).

وعَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، قَال: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَدَخَل عَليْهِ رَجُل فَسَلمَ عَليْهِ وجَلسَ، فَقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «مِنْ أَيِّ البُلدَانِ أَنْتَ» ،

ص: 27


1- كامل الزيارات: ص142 الباب السادس والخمسون ح2.
2- روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: ج 1 ص114.

فَقَال لهُ الرَّجُل: أَنَا رَجُل مِنْ أَهْل الكُوفَةِ، وأَنَا مُحِبٌّ لكَ مُوَال، فَقَال لهُ أَبُو جَعْفَرٍ(عليه السلام): «أَفَتَزُورُ قَبْرَ الحُسَيْنِ (عليه السلام) فِي كُل جُمُعَةٍ»، قَال: لا، قَال: «فَفِي كُل شَهْرٍ»، قَال: لا، قَال: «فَفِي كُل سَنَةٍ»، قَال: لا، فَقَال لهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنَّكَ لمَحْرُومٌ مِنَ الخَيْرِ»(1).

من موارد البكاء

مسألة: يستحب البكاء عند زيارة قبر المعصوم (عليه السلام) والنوح عليه.

والاستحباب مستفاد من العمومات، بل مما ورد من فعلهم (عليهم الصلاة والسلام) المقترن بالقرائن.

فالعمومات كقوله (عليه السلام): «يحزنون لحزننا»(2).وكقوله (عليه السلام): «مَنْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ حَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَلى النَّارِ»(3).

وكقوله (عليه السلام): «نَفَسُ المَهْمُومِ لنَا المُغْتَمِّ لظُلمِنَا تَسْبِيحٌ، وهَمُّهُ لأَمْرِنَا

ص: 28


1- كامل الزيارات: ص292 الباب السابع والتسعون ح5.
2- بحار الأنوار: ج 44 ص287 ب34 ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة (عليهم السلام) وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء ح26، عن الخصال: ج 2 ص635 علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، وغرر الحكم ودرر الكلم: ص817، وجامع الأخبارللشعيري: ص179 الفصل الحادي والأربعون والمائة في النوادر. والحديث هكذا: (قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى اطَّلعَ إِلى الأَرْضِ فَاخْتَارَنَا واخْتَارَ لنَا شِيعَةً يَنْصُرُونَنَا، ويَفْرَحُونَ لفَرَحِنَا ويَحْزَنُونَ لحُزْنِنَا، ويَبْذُلونَ أَمْوَالهُمْ وأَنْفُسَهُمْ فِينَا، أُولئِكَ مِنَّا وإِليْنَا).
3- كامل الزيارات: ص104 الباب الثاني والثلاثون ح10.

عِبَادَةٌ، وكِتْمَانُهُ لسِرِّنَا جِهَادٌ فِي سَبِيل اللهِ»(1).

مضافاً إلى كون ما ذكر يوجب رقة القلب وزيادة الالتفاف حولهم (عليهم السلام).

وذلك أعم من كون البكاء عليهم لعظيم ما جرى لهم من المصائب أو لفقدهم، أو كونه لما حدث لأتباعهم وشيعتهم، أو لسائر ما ألمّ بهم من شؤون الدين، بل والدنيا أيضاً في الجملة.

روي أنه قَال جَابِرٌ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ مَا حَقُّ المُؤْمِنِ عَلى أَخِيهِ، قَال علي بن الحسين (عليه السلام): «يَفْرَحُ بِفَرَحِهِ، ويَحْزَنُ لحُزْنِهِ، ويَتَفَقَّدُ أُمُورَهُ كُلهَا فَيُصْلحُهَا، ولا يَغْتَنِمُ بِشَيْ ءٍ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا إلاّ وَاسَاهُ بِهِ حَتَّى يَكُونَا فِيالخَيْرِ والشَّرِّ قِرَاناً وَاحِداً»(2).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «سِتُّ خِصَال مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وجَل وعَنْ يَمِينِ اللهِ» فَقِيل لهُ: مَا هُنَّ، فَقَال: «يُحِبُّ المَرْءُ لأَخِيهِ المُسْلمِ مَا يُحِبُّ لأَعَزِّ أَهْلهِ، ويَكْرَهُ لهُ مَا يَكْرَهُ لأَعَزِّ أَهْلهِ، ويُنَاصِحُهُ بِالوَلايَةِ، ويَفْرَحُ لفَرَحِهِ، ويَحْزَنُ لحُزْنِهِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُفَرِّجُ عَنْهُ وإِلا دَعَا له»(3).

ص: 29


1- الكافي: ج 2 ص226 باب الكتمان ح16.
2- الهداية الكبرى: ص231.
3- أعلام الدين: ص440.

الشكاية إلى المعصوم

مسألة: يستحب الشكاية إلى المعصوم (عليه السلام).

فإن المعصومين (عليهم السلام) أحياء عند ربهم يرزقون، كما ورد بذلك النص ودل عليه العقل، فالشكاية عندهم أمواتاً كالشكاية عندهم أحياءً، وقد ورد في الحديث أن الشكاية إلى المؤمن شكاية إلى الله سبحانه.

عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «مَنْ شَكَا إِلى مُؤْمِنٍ فَقَدْ شَكَا إِلى اللهِ عَزَّ وجَل، ومَنْ شَكَا إِلى مُخَالفٍ فَقَدْ شَكَا اللهَ عَزَّ وجَل»(1).

هذا مضافاً إلى أن «إِرَادَةُ الرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِليْكُمْ وتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُم»(2) كما ورد في الزيارة الجامعة.

إضافة إلى أن ذلك مما يوجب توثيق ارتباط الناس بالعترة الطاهرة (عليهم السلام) وهو مطلوب.

إنشاد وإنشاء الشعر

مسألة: يستحب إنشاد وإنشاء الشعر في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم، وقد دل عليه متواتر الروايات خاصة في مصاب سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).

ص: 30


1- وسائل الشيعة: ج 2 ص412 ب6 باب جواز الشكوى إلى المؤمن دون غيره ح3.
2- الكافي: ج 4 ص577 باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) ح2.

والخصوصية لأنه لا يوم كيوم الحسين (عليه السلام)(1)، والإمام الحسين (عليه السلام) مصباح هدى وسفينة نجاة(2)، وهو طريق نور على طول الخط يبدد الظلام، وهو خط حق مقابل خط الظلمة الطغاة، ومن هنا نرى أن من يوم قتله إلى يومنا هذا تحاربه الجبابرة والطغاة والمستبدون في مختلف شعائره ومواكبه وما أشبه.

عَنْ أَبِي عُمَارَةَ المُنْشِدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال لي: «يَا بَا عُمَارَةَ أَنْشِدْنِي فِي الحُسَيْنِ عليه السلام» قَال: فَأَنْشَدْتُهُ فَبَكَى، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ فَبَكَى، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ فَبَكَى، قَال: فَوَ اللهِ مَا زِلتُ أُنْشِدُهُ ويَبْكِي حَتَّى سَمِعْتُ البُكَاءَ مِنَالدَّارِ.

فَقَال لي: «يَا أَبَا عُمَارَةَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَأَبْكَى خَمْسِينَ فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَأَبْكَى أَرْبَعِينَ فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَأَبْكَى ثَلاثِينَ فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَأَبْكَى عِشْرِينَ فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَأَبْكَى عَشَرَةً فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَأَبْكَى وَاحِداً فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَبَكَى فَلهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ (عليه السلام) شِعْراً فَتَبَاكَى فَلهُ الجَنَّةُ»(3).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «مَنْ قَال فِينَا بَيْتَ شِعْرٍ بَنَى اللهُ تَعَالى لهُ بَيْتاً

ص: 31


1- الأمالي للصدوق: ص116 المجلس الرابع والعشرون ح3.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص60 ب6 باب النصوص على الرضا (عليه السلام) بالإمامة في جملة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ح29.
3- كامل الزيارات: ص105 الباب الثالث والثلاثون ح2.

فِي الجَنَّةِ»(1).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وليَجْتَهِدَنَ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وأَشْيَاعُ الضَّلالةِ فِي مَحْوِهِ وتَطْمِيسِهِ فَلا يَزْدَادُ أَثَرُهُ إلاّظُهُوراً وأَمْرُهُ إلاّ عُلوّاً»(2).

استمرار النياحة

مسألة: يستحب الاستمرار في النياحة والشكوى عند مشاهد المعصومين (عليهم السلام).

عن أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «وَارْحَمْ تِلكَ الأَعْيُنَ التِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لنَا، وَارْحَمْ تِلكَ القُلوبَ التِي جَزِعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لنَا، وَارْحَمِ الصَّرْخَةَ التِي كَانَتْ لنَا»(3).

وفي الزيارة الناحية المقدسة: «فَلأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَلأَبْكِيَنَ عَليْكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَليْكَ، وَتَأَسُّفاً عَلى مَا دَهَاكَ وَتَلهُّفاً، حَتَّى أَمُوتَ بِلوْعَةِ المُصَابِ وَغُصَّةِ الاكْتِيَابِ»(4).

وينبغي أن لا ييأس الإنسان أبداً فإن الأدعية كلها تستجاب بشكل أو

ص: 32


1- وسائل الشيعة: ج 14 ص597 ب105 باب استحباب مدح الأئمة (عليهم السلام) بالشعر ورثائهم به وإنشائه فيهم ولو في شهر رمضان ويوم الجمعة وفي الليل ح1.
2- كامل الزيارات: ص262 الباب الثامن والثمانون فضل كربلاء وزيارة الحسين (عليه السلام) ح1.
3- الكافي: ج 4 ص582 باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين عَليْهِ السَّلامُ ح11.
4- المزار الكبير، لابن المشهدي: ص501 زيارة أخرى في يوم عاشوراء لأبي عبد الله الحسين بن علي (صلوات الله عليه).

آخر،وقد قالوا: (من لج ولج)(1)، و(من أكثر طرق الباب يوشك أن يسمع الجواب).

ويقول الشاعر:

لا تقولن مضت أيامه *** إن من جد على الدرب وصل

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مَنْ طَلبَ شَيْئاً نَالهُ أَوْ بَعْضَهُ»(2).

إضافة إلى فوائد وآثار ذلك المختلفة، وإن لم تقض بحسب الظاهر هذه الحاجة بخصوصها.

ص: 33


1- عيون الحكم والمواعظ: ص456 ح8248. وفيه: عن أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مَنِ اسْتَدَامَ قَرْعَ البَابِ ولجَ وَلجَ».
2- عيون الحكم والمواعظ: ص456 ح8246.

الدفاع عن الولاية

اشارة

قالت فاطمة الزهراء (عليها السلام):

«وَمَا نَقَمُوا مِنْ أَبِي حَسَنٍ، نَقَمُوا واللهِ مِنْهُ نَكِيرَ سَيْفِهِ وشِدَّةَ وَطْأَتِهِ ونَكَال وَقْعَتِهِ، وتَنَمُّرَهُ فِي ذَاتِ اللهِ عَزَّ وجَل، واللهِ لوْ تَكَافُّوا عَنْ زِمَامٍ نَبَذَهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لاعْتَلقَهُ ولسَارَ بِهِمْ سَيْراً سُجُحاً، لا يَكْلمُ خِشَاشُهُ ولا يُتَعْتَعُ رَاكِبُهُ ولأَوْرَدَهُمْ مَنْهَلا نَمِيراً فَضْفَاضاً، تَطْفَحُ ضِفَّتَاهُ ولأَصْدَرَهُمْ بِطَاناً، قَدْ تَخَيَّرَ لهُمُ الرَّيَّ غَيْرَ مُتَحَل مِنْهُ بِطَائِل إلاّ بِغَمْرِ المَاءِ ورَدْعِهِ سَوْرَةَ السَّاغِبِ ولفُتِحَتْ عَليْهِمْ بَرَكَاتُ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وسَيَأْخُذُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»(1).

----------------------

الدفاع عن الحق

مسألة: يجب الدفاع عن الحق، وعن أئمة الدين (عليهم السلام)، وذكر مآثرهم ومناقبهم وأعمالهم وإنجازاتهم.

والوجوب فيما إذا كان الحق مما يجب إظهاره كالولاية وفروع الدين الواجبة، وإلاّ كان فضيلة واستحباباً.

نعم الحكم مشروط بعدم وجود محذور أهم كما في موارد التقية، اللهم إلاّ

ص: 34


1- معاني الأخبار: ص355.

لو كان أصل الدين في خطر، أو كانت حياة المعصوم (عليه السلام) في خطر، أوبلغت التقية الدماء، وما أشبه ذلك فلا تقية حينئذ.

عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِمْرَانَ المِيثَمِيِّ قَال: سَمِعْتُ مِيثَمَ النَّهْرَوَانِيِّ يَقُول: دَعَانِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) وقَال: «كَيْفَ أَنْتَ يَا مِيثَمُ، إِذَا دَعَاكَ دَعِيُّ بَنِي أُمَيَّةَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ، إِلى البَرَاءَةِ مِنِّي، فَقُلتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَنَا واللهِ لا أَبْرَأُ مِنْكَ، قَال: إِذاً واللهِ يَقْتُلكَ ويَصْلبُكَ، قُلتُ: أَصْبِرُ فَذَاكَ فِي اللهِ قَليل، فَقَال: يَا مِيثَمُ إِذاً تَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي»(1).

إنذار الظالم

مسألة: يجب في الجملة إنذار الظالم بأن الله سوف يعاقبه، أما إذا كان مورداً للتقية ونحوها فلا يجب وربما لا يجوز حسب الموازين المذكورة في الكتب الفقهية.

ثم لا يخفى أن عمل الإنسان مثله مثل النبات سواء كان خيراً أو شراً، ومن النبات ما ينتج بعد ثلاثة أشهر كما في القثاء والباذنجان وما أشبه، ومن النبات ما لا ينتج إلاّ بعد عدة سنوات كالتفاح والرمان وما أشبه، ونحن عادةلا نعلم بالعلاقات والأسباب الغيبية إلاّ فيما ذكرته الآيات والروايات أو أرشدت إليه الفطرة، وإن كان ربما يعلم الإنسان ببعض العلاقات المادية حسب ما يراه في الخارج ويجربه، ومن هنا نرى أن الظالم قد يعجّل له العذاب، ونرى أنه قد يؤجل، لكن عقابه قطعي عاجلاً كان أم آجلاً، كما أن الثواب للمحسن قطعي

ص: 35


1- وسائل الشيعة: ج 16 ص227 ب29 ح7.

عاجلاً أم آجلاً.

قال تعالى: «ثُمَّ قيلَ لِلَّذِينَ ظَلمُوا ذُوقُوا عَذابَ الخُلدِ هَل تُجْزَوْنَ إلاّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ»(1).

وقال سبحانه: «وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَل الظَّالمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ ليَوْمٍ تَشْخَصُ فيهِ الأَبْصَار»(2).

وقال تعالى: «وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتيهِمُ العَذابُ فَيَقُول الذينَ ظَلمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَل قَريبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُل أَولمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْل ما لكُمْ مِنْ زَوال»(3).

وقال سبحانه: «وَمِنْ قَبْلهِ كِتابُ مُوسى إِماماً ورَحْمَةً وهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لساناً عَرَبِيًّا ليُنْذِرَ الذينَ ظَلمُوا وبُشْرى للمُحْسِنين»(4).

أسباب النقمة

مسألة: يستحب وقد يجب بيان أسباب نقمة المشركين والكفار وأعداء الدين بشكل عام، من علماء الدين وأئمتهم، ومن الدين وتعاليمه وقوانينه، كما ذكرت الصديقة (صلوات الله عليها) الوجه في نقمة أولئك القوم من أمير المؤمنين

ص: 36


1- سورة يونس: 52.
2- سورة إبراهيم: 42.
3- سورة إبراهيم: 44.
4- سورة الأحقاف: 12.

(عليه الصلاة والسلام).

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (صلوات الله عليهما) أَنَّهُ قَال: «لمَّا احْتُضِرَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) غُشِيَ عَليْهِ، فَبَكَتْ فَاطِمَةُ (صلوات الله عليها) فَأَفَاقَ وهِيَ تَقُول: مَنْ لنَا بَعْدَكَ يَا رَسُول اللهِ، فَقَال: أَنْتُمُ المُسْتَضْعَفُونَ بَعْدِي واللهِ»(1).

لو قدموا علياً

مسألة: يستحب بيان أن الناس لو قدّموا علياً (عليه السلام) لفتحت عليهم بركات السماء والأرض، وغير ذلك من النعم التي ذكرتها الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها).

وذلك لوضوح أن طاعة علي (عليه السلام) هو طاعة لله سبحانه ، وطاعة الله تعالى يوجب خير الدنيا والآخرة.

وينبغي ذكر الأدلة المتنوعة والبراهين المختلفة على ذلك، ولمختلفالمستويات بما يكون جديراً بإقناع مختلف الطبقات من الأساتذة والطلاب والحضريين والقرويين والعلماء والأميين وغيرهم.

ومعنى تقديمهم علياً (عليه الصلاة والسلام) وضعه موضعه الذي وضعه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فيه، من الإمامة والخلافة والوصاية والولاية التامة العامة وإطاعة أوامره واجتناب نواهيه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَا عَمَّارُ إِنَّ عَليّاً لا يَرُدُّكَ عَنْ هُدًى،

ص: 37


1- دعائم الإسلام: ج 1 ص225.

وَلا يَرُدُّكَ إِلى رَدًى، يَا عَمَّارُ طَاعَةُ عَليٍ طَاعَتِي، وَطَاعَتِي طَاعَةُ الله»(1).

سيأخذهم الله

مسألة: يستحب بيان أن الله سيأخذهم بما فعلوا في تقديم غير علي (عليه السلام) وظلمهم علياً وفاطمة (عليهما السلام).

وقد ذكرنا أن ذكر وبيان هذه الأمور لو أوجب تقوية العقيدة أو إيجادها كان واجباً، وإلاّ كان مستحباً(2).قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «حُرِّمَتِ الجَنَّةُ عَلى مَنْ ظَلمَ أَهْل بَيْتِي، وعَلى مَنْ قَاتَلهُمْ، وعَلى المُعِينِ عَليْهِمْ، وعَلى مَنْ سَبَّهُمْ، أُولئِكَ لا خَلاقَ لهُمْ فِي الآخِرَةِ، ولا يُكَلمُهُمُ اللهُ، ولا يَنْظُرُ إِليْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ، ولا يُزَكِّيهِمْ ولهُمْ عَذابٌ أَليم»(3).

ص: 38


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 3 ص203 فصل في طاعته وعصيانه (عليه السلام).
2- حيث قد سبق من المؤلف (قدس سره) تفصيل شرح هذه الفقرة من خطبتها (عليها السلام) في البيت، فإنه قد أوجز الشرح والتعليق هنا.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2 ص34 ب31 ح65.

ما الذي يبكيك؟

اشارة

روي أن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة (عليها السلام) فرأتها باكية، فقالت لها: بأبي أنت وأمي ما الذي يبكيك؟ فقالت (عليها السلام) لها: «أسائلتي عن هنّة حلق بها الطائر، وحفي بها السائر، ورفعت إلى السماء أثراً، ورزئت في الأرض خبراً. إن قحيف تيم وأحيول عدي جاريا أبا الحسن في السباق حتى إذا تفرّيا بالخناق، أسرّا له الشنآن وطوياه الإعلان، فلما خبا نور الدين وقُبض النبي الأمين (صلى الله عليه وآله) نطقا بفورهما، ونفثا بسورهما، وأدلاّ بفدك، فيا لها كم من ملك ملك، إنها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى، ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي، وإنها لبعلم الله وشهادة أمينه، فإن انتزعا مني البلغة، ومنعاني اللمظة فأحتسبتها يوم الحشر زلفة، وليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم»(1).

---------------------

قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار(2):

توضيح: (عن هنة) أي شي ء يسيرقليل، أو قصّة منكرة قبيحة(3).

ص: 39


1- بحار الأنوار: ج 29 ص182 ب11 باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ح38.
2- بحار الأنوار: ج 29 ص183 ب11 ح38 (توضيح).
3- وهذا الثاني هو الأظهر في المقام، لعظم المصيبة، ولمناسبته للسياق.

(حلق بها الطائر): تحليق الطّائر ارتفاعه في الهواء، أي انتشر خبرها، إذ كان الغالب في تلك الأزمنة إرسال الأخبار مع الطيور.

(وحفي بها السائر): أي أسرع السائر في إيصال هذا الخبر حتى حفي وسقط خفّه ونعله، أو رقّ رجله أو رجل دابته، يقال حفي كعلم إذا مشى بلا خفّ ولا نعل، أو رقّت قدمه أو حافره، أو هو من الحفاوة وهي المبالغة في السّؤال(1).

وفي بعض النسخ: (وخفي بها الساتر).. أي لم يبق ساتر لها ولم يقدر الساترون على إخفائها.

(ورفعت إلى السماء أثراً): أي ظهرت آثاره في السماء عاجلاً وآجلاً من منع الخيرات وتقدير شدائد العقوبات لمن ارتكبها.

(ورزئت في الأرض خبراً): يقال رزأه كجعله وعمله أصاب منه شيئاً، ورزأه رزءاً أو مرزأة أصاب منه خبراً، والشيء نقصه، والرزيئة المصيبة، فيمكن أن يقرأ على بناء المعلوم.. أي أحدثت منجهة خبرها في الأرض مصائب، أو المجهول بالإسناد المجازي، والأول أنسب معنى، والثاني لفظاً، ويمكن أن يكون بتقديم المعجمة على المهملة، يقال زري عليه زرياً عابه وعاتبه فلا يكون مهموزاً.

وفي بعض النسخ: (ربت) بالراء المهملة والباء الموحّدة، أي نمت وكثرت.

وفي بعضها: (رنّت) من الرنين.

وفي نسخة قديمة: و(رويت) من الرواية.

ص: 40


1- والأول أظهر بل والأنسب باعتراضها بقولها (عليها السلام): (أسائلين..)

(إنّ قحيف تيم): لعلها (صلوات الله عليها) أطلقت عليه قحيفاً، لأنّ أباه أبو قحافة، والقحف بالكسر العظم فوق الدماغ، والقحف بالفتح قطع القحف أو كسره، والقاحف المطر يجي ء فجأة فيقتحف كل شي ء.. أي يذهب به، وسيل قحاف كغراب جزاف.

(والأحيول) تصغير الأحول، فإنه لو لم يكن أحول ظاهراً كان أحول باطناً لشركه، بل أعمى، ويقال أيضا ما أحوله.. أي ما أحيله.

(جاريا أبا الحسن (عليه السلام) في السباق): يقال جاراه أي جرى معه، والسّباق المسابقة، أي كانا يريدان أن يسبقاه في المكارم والفضائل في حياة النبيّ (صلى الله عليه و آله).

(حتى إذا تفريا بالخناق أسرّا لهالشنآن): يقال تفرّى أي انشقّ، والخناق ككتاب الحبل يخنق به، وكغراب داء يمتنع معه نفوذ النّفس إلى الرّية والقلب. وفي بعض النسخ بالحاء المهملة وهو بالكسر جمع الحنق بالتّحريك وهو الغيظ أو شدّته.

و(الشّنآن): العداوة، أي لما انشقا بما خنقهما من ظهور مناقبه وفضائله وعجزهما عن أن يدانياه في شي ء منها، أو من شدة غيظه أكمنا له العداوة في قلبهما منتهضين للفرصة.

وفي بعض النسخ: (تعريا) بالعين والراء المهملتين، فلعل المعنى بقيا مسبوقين في العراء وهو الفضاء والصحراء متلبسين بالخناق والغيظ.

وفي بعض النسخ: (ثغرا) أي توقرا وثقلا.

وفي بعضها: (تغرغرا) من الغرغرة وهي تردّد الرّوح في الحلق، ويقال

ص: 41

يتغرغر صوته في حلقه أي يتردّد، وهو مناسب للخناق.

وفي بعضها: (تقرّرا) أي ثبتا ولم يمكنهما الحركة.

وفي بعضها: (تعزّبا) بالمهملة ثم المعجمة، أي بعدا ولم يمكنهما الوصول إليه، وكان يحتمل تقديم المعجمة أيضا، والمعنى قريب من الأول.وفي بعضها: (تقربا) بالقاف والباء الموحدة ويمكن توجيهه بوجه، وكان يحتمل النون، وهو أوجه فالخناق بالخاء المكسورة أي اشتركا فيما يوجب عجزهما كأنهما اقترنا بحبل واحد في عنقهما.

وفي بعضها: (تفردا) بالفاء والراء المهملة والدال وهو أيضا لا يخلو من مناسبة.

(وطوياه الإعلان): أي أضمرا أن يعلنا له العداوة عند الفرصة، وفي الكلام حذف وإيصال.. أي طويا أو عنه، يقال طوى الحديث أي كتمه، ويقال خبت النار أي سكنت وطفئت.

(نطقا بفورهما): أي تكلما فوراً، أي بسبب فورانهما.

وفي بعض النسخ: (نطفا) بالفاء أي صبّا ما في صدورهما فوراً، أو بسبب غليان حقدهما وفوران حسدهما، ويحتمل أن تكون الباء زائدة، يقال نطف الماء أي صبّه، وفلاناً قذفه بفجور، أو لطّخه بعيب. وفي الحديث: رأيت سقفا تنطف سمناً وعسلاً، أي تقطر، وفي قصة المسيح (عليه السلام) ينطف رأسه ماء، وفار القدر فوراً وفوراناً: غلا وجاش.

(وأتوا من فورهم): أي من وجههم، أو قبل أن يسكنوا.

(ونفثا بسورهما): نفثه كضرب رمىبه، والنفث النفخ والبزق. وسورة

ص: 42

الشي ء حدّته وشدّته، ومن السّلطان سطوته واعتداؤه، وسار الشراب في رأسه سوراً دار وارتفع، والرجل إليك وثب وثار.

(وأدلا بفدك): قال الجوهري الدّل الغنج والشكل.. وفلان يدّل على أقرانه في الحرب كالبازي يدل على صيده، وهو يدل بفلان أي يثق به، والحاصل أنهما أخذا فدك بالجرأة من غير خوف.

وفي بعض النسخ: (وا ذلا بفدك) بالذال المعجمة على الندبة، ولعله تصحيف(1).

(فيا لها كم من ملك ملك): من قبيل (يا للماء) للتعجب، أي يا قوم تعجبوا لفدك. وقولها كم من ملك بيان لوجه التعجب.

وفي بعض النسخ: (فيا لها لمن ملك تيك).

وفي بعضها: (فيا لها لمزة لك تيك) واللمزة بضم اللام وفتح الميم العيّاب. و(تيك) اسم إشارة، والظاهر أن الجميعتصحيف(2).

(والنجيّ): هو المناجي المخاطب للإنسان، أي لمن خصّه الله بنجواه وسرّه، وكان أوفى الخلق بعهده وأمره.

(والصبية) بالكسر: جمع الصبي.

(والسّغب): الجوع.

ص: 43


1- ويحتمل أنهما (أولا بفدك) أي على المسلمين، فكأنهما اعتبرا غصب فدك منة منهما على المسلمين، ويحتمل أن يكون من أولى كقوله تعالى: «وتدلوا بها إلى الحكام» (سورة البقرة: 88) وبمعناه، لكن تثنيته (أوليا).
2- و(من مُلك مُلك) أي من ملك للغير تملكه آخرون، أي ملك لنا تملكوه جوراً وغصباً.

و(النجل): الولد.

و(البلغة) بالضم: ما يتبلغ به من العيش.

و(اللماظة) بالضم: ما يبقى في الفم من الطّعام. وقال الشّاعر في وصف الدّنيا: لماظة أيّام كأحلام نائم.

ويقال: ما ذقت لماظا بالفتح أي شيئاً، واللمظة بالضم كالنكتة من البياض، واللماظة هنا أنسب.

و(الزّلفة) بالضم: كالزّلفى القرب والمنزلة.. أي أعلم أنها سبب لقربي يوم الحشر، أو أصبر عليها ليكون سبباً لقربي.

قال في النهاية: وفيه من صام إيماناً واحتساباً.. أي طلباً لوجه الله وثوابه، والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدّ، وإنّما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه، لأنّ له حينئذ أن يعتدّ عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنّهمعتدّ به.. والاحتساب في الأعمال الصالحات، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البرّ و القيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجوّ منها..، ومنه الحديث «من مات له ولد فاحتسبه..» أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته.

و(سعر النار).. كمنع أوقدها.

و(الحميم) الماء الحارّ.

و(اللظى) كفتى: النار أو لهبها، و لظى معرفة جهنّم، أو طبقة منها، أعاذنا الله تعالى منها ومن طبقاتها ودركاتها. انتهى(1).

ص: 44


1- بحار الأنوار: ج29 ص183 - 189 ب11 (توضيح).

التظلم

مسألة: ينبغي التظلم، حتى عند من ليس بمقدوره أن يدفع الظلم عن المظلوم، إذا كان لغاية عقلائية كإيصال الظلامة بهذا الطريق للآخرين، وكالتنفيس عن الكرب، وكمنع الظالم من أن يظلم الآخرين لما يرى من ردود الأفعال والردع الاجتماعي.

وقد يجب فيما إذا توقف واجب عليه.

ومن المعلوم أن إظهار ظلم الظالم ليس من الاغتياب والإيذاء المحرم، فقد قال سبحانه: «لا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْل إلاّ مَنْ ظُلم»(1)، على تفصيل ذكره الشيخ (رحمه الله) في كتاب المكاسب، وغيره في غيره، في باب الغيبة.

الإخبار بظلم الظالم

مسألة: يستحب إخبار الناس بظلم الظالم بل قد يجب، وإن لم يكن مصداق التظلم، نعم ربما لا يجوز إذا ترتب عليه ضرر لا يجوز تحمله.

لا يقال: إن فاطمة (عليها الصلاة والسلام) كيف تقول: «انتزعا مني البلغة»، معوضوح أن أهل البيت (عليهم السلام) ما كانوا من أهل الدنيا ولا يرغبون في حطامها؟

والجواب: إن البلغة لا يراد بها بلغة أكلهم وشربهم، بل لعل المراد بلغتهم

ص: 45


1- سورة النساء: 148.

في إنفاق ذلك في سبيل الله كما هي عادتهم، خاصة وأنهم (عليهم السلام) كانوا ملاذ القاصي والداني من ذوي الحاجة لما عرف عنهم من الجود والكرم، ولأنهم أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً وبلغتهم في إحقاق الحق وإبطال الباطل.

مضافاً إلى أنه قد يذكر الإنسان ما لا احتياج له به، إلماعاً إلى الظلم الواقع عليه، وليتخذه الناس أسوة في التظلم والشكاية واستعادة الحقوق المسلوبة.

بالإضافة إلى احتمال أن يكون المراد من (الصبية السواغب من نجله ونسلي) الأعم من النسل المباشر وهما الحسنان (عليهما السلام) بل سائر أبنائهم إلى يوم القيامة.

كثرة بكاء الصديقة

مسألة: يستحب بيان كثرة بكاء الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها) حيث ورد: (فرأتها باكية).فإن بيان ذلك يوجب فهم الناس عمق المصاب، كما أنه يحول دون اندراس تلك الوقائع والمصائب، وذلك يهدي إلى شدة الالتفاف حول العترة الطاهرة (عليهم السلام) وكثرة أتباعهم والابتعاد عن ظالميهم.

كتمان البكاء

مسألة: ليس من جملة الفضائل كتمان البكاء فيما كان المقام يقتضيه، ومنه ما ورد في هذه الرواية من أن عائشة بنت طلحة دخلت على الصديقة الزهراء

ص: 46

(عليها السلام) فرأتها باكية.

وعلى هذا فإن البكاء والجهر به على فقد المعصومين (عليهم السلام) وظلامتهم حسن.

وكذلك البكاء وإظهاره على العلماء وما جرى عليهم، وإظهار البكاء على مظلومية أتباع أهل البيت (عليهم السلام).

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَال: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه

السلام) أُحَدِّثُهُ فَدَخَل عَليْهِ ابْنُهُ، فَقَال لهُ: مَرْحَباً وضَمَّهُ وقَبَّلهُ وقَال: «حَقَّرَ اللهُ مَنْ حَقَّرَكُمْ، وانْتَقَمَ مِمَّنْ وَتَرَكُمْ، وخَذَل اللهُ مَنْ خَذَلكُمْ، ولعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلكُمْ، وكَانَ اللهُ لكُمْ وَليّاً وحَافِظاً ونَاصِراً، فَقَدْ طَال بُكَاءُ النِّسَاءِ وبُكَاءُ الأَنْبِيَاءِوالصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ ومَلائِكَةِ السَّمَاءِ»، ثُمَّ بَكَى وقَال:

«يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِذَا نَظَرْتُ إِلى وُلدِ الحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لا أَمْلكُهُ بِمَا أَتَى إِلى أَبِيهِمْ وإِليْهِمْ، يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) لتَبْكِيهِ وتَشْهَقُ فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لوْلا أَنَّ الخَزَنَةَ يَسْمَعُونَ بُكَاءَهَا وقَدِ اسْتَعَدُّوا لذَلكَ مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا عُنُقٌ أَوْ يَشْرُدَ دُخَانُهَا فَيُحْرِقَ أَهْل الأَرْضِ فَيَحْفَظُونَهَا مَا دَامَتْ بَاكِيَةً، ويَزْجُرُونَهَا ويُوثِقُونَ مِنْ أَبْوَابِهَا مَخَافَةً عَلى أَهْل الأَرْضِ، فَلا تَسْكُنُ حَتَّى يَسْكُنَ صَوْتُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ، وإِنَّ البِحَارَ تَكَادُ أَنْ تَنْفَتِقَ فَيَدْخُل بَعْضُهَا عَلى بَعْضٍ، ومَا مِنْهَا قَطْرَةٌ إلاّ بِهَا مَلكٌ مُوَكَّل، فَإِذَا سَمِعَ المَلكُ صَوْتَهَا أَطْفَأَ نَارَهَا بِأَجْنِحَتِهِ وحَبَسَ بَعْضَهَا عَلى بَعْضٍ مَخَافَةً عَلى الدُّنْيَا ومَا فِيهَا ومَنْ عَلى الأَرْضِ، فَلا تَزَال المَلائِكَةُ مُشْفِقِينَ يَبْكُونَهُ لبُكَائِهَا ويَدْعُونَ اللهَ ويَتَضَرَّعُونَ إِليْهِ، ويَتَضَرَّعُ أَهْل العَرْشِ ومَنْ حَوْلهُ، وتَرْتَفِعُ أَصْوَاتٌ مِنَ المَلائِكَةِ بِالتَّقْدِيسِ للهِ مَخَافَةً عَلى أَهْل الأَرْضِ، ولوْ أَنَّ صَوْتاً مِنْ

ص: 47

أَصْوَاتِهِمْ يَصِل إِلى الأَرْضِ لصَعِقَ أَهْل الأَرْضِ وتَقَطَّعَتِ الجِبَال وزُلزِلتِ الأَرْضُ بِأَهْلهَا».

قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ إِنَّ هَذَا الأَمْرَ عَظِيمٌ.

قَال: «غَيْرُهُ أَعْظَمُ مِنْهُ مَا لمْ تَسْمَعْهُ»،ثُمَّ قَال لي: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيمَنْ يُسْعِدُ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، فَبَكَيْتُ حِينَ قَالهَا، فَمَا قَدَرْتُ عَلى المَنْطِقِ ومَا قَدَرَ عَلى كَلامِي مِنَ البُكَاءِ، ثُمَّ قَامَ إِلى المُصَلى يَدْعُو، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ عَلى تِلكَ الحَال، فَمَا انْتَفَعْتُ بِطَعَامٍ ومَا جَاءَنِي النَّوْمُ وأَصْبَحْتُ صَائِماً وَجِلا حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَلمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ سَكَنَ سَكَنْتُ وحَمِدْتُ اللهَ حَيْثُ لمْ تَنْزِل بِي عُقُوبَةٌ»(1).

وروي أنه قَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَحَبُّ إِليْكَ»، قَال: «الذِي يَبْكِي لفَقْدِ الصَّالحِينَ كَمَا يَبْكِي الصَّبِيُّ عَلى فَقْدِ أَبَوَيْه»(2).

بأبي أنت وأمي

مسألة: يستحب خطاب المعصوم (عليه السلام) بكلمة: (بأبي أنت وأمي).

وذلك لأن المعصوم (عليه السلام) أفضل، وحقه أكثر من أب الإنسان وأمه.وما ورد أحياناً من قولهم (عليهم الصلاة والسلام) هذا اللفظ لغير المعصومين

ص: 48


1- كامل الزيارات: ص82 الباب السادس والعشرون ح7.
2- الدعوات، للراوندي: ص241 ح676، بحار الأنوار: ج 79 ص172 ب20.

الأربعة عشر، كما قال الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) لأخيه العباس (عليه السلام): «بأبي أنت» فذلك كلمة عطف ولطف(1) وهو دليل على علو مقام أبي الفضل (عليه السلام)، لأن المعصوم لا يفدى به غير المعصوم.

من كلام لأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قاله وهو يلي غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتجهيزه:

«بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُول اللهِ، لقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإِنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ، خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلياً عَمَّنْ سِوَاكَ، وعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً، ولوْ لا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ ونَهَيْتَ عَنِ الجَزَعِ لأَنْفَدْنَا عَليْكَ مَاءَ الشُّئُونِ، ولكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلا والكَمَدُ مُحَالفاً وقَلا لكَ، ولكِنَّهُ مَا لا يُمْلكُ رَدُّهُ ولا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ، بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ واجْعَلنَا مِنْ بَالك»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «لمَّاصَعِدَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) الغَارَ طَلبَهُ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) وخَشِيَ أَنْ يَغْتَالهُ المُشْرِكُونَ، وكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى حِرَا وعَليٌّ (عليه السلام) عَلى ثَبِيرٍ، فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَقَال: مَا لكَ يَا عَليُّ، قَال: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي خَشِيتُ أَنْ يَغْتَالكَ المُشْرِكُونَ فَطَلبْتُكَ، فَقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): نَاوِلنِي يَدَكَ يَا عَليُّ، فَرَجَفَ الجَبَل حَتَّى خَطَا بِرِجْلهِ إِلى الجَبَل الآخَرِ ثُمَّ رَجَعَ الجَبَل إِلى قَرَارِهِ»(3).

ص: 49


1- أي إنه لا يراد به معناه الحقيقي بل المراد المعنى الكنائي.
2- نهج البلاغة: الخطبة 235.
3- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى الله عليهم): ج 1 ص407 ب13 ح9.

وفي زيارة عاشوراء: «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي لقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ، فَأَسْأَل اللهَ الذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ أَنْ يُكْرِمَنِي بِكَ ويَرْزُقَنِي طَلبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آل مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) اللهُمَّ اجْعَلنِي وَجِيهاً عِنْدَكَ بِالحُسَيْنِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة»(1).

وفي زيارة الإمام الرضا (عليه السلام): «وَارْحَمْ تَقَلبِي عَلى قَبْرِ ابْنِ أَخِي نَبِيِّكَ ورَسُولكَ (صلى الله عليه وآله) بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي أَتَيْتُكَ زَائِراً وَافِداً عَائِذاً مِمَّا جَنَيْتُ بِهِعَلى نَفْسِي واحْتَطَبْتُ عَلى ظَهْرِي فَكُنْ لي شَفِيعاً إِلى رَبِّكَ يَوْمَ فَقْرِي وفَاقَتِي»(2).

السؤال عن تألم المعصوم

مسألة: يستحب السؤال عن سبب تألم المعصوم (عليه السلام) وانزعاجه أو استيائه، وعن سبب بكائه.

وذلك لأن فعل المعصوم (عليه السلام) حجة يقتدى به، فالسؤال هادٍ إلى العمل الموجب للقرب من الله سبحانه.

والأمر كذلك في الجملة في شأن أتقياء العلماء ومن يقتدى بهم، بل حتى مطلق المؤمن إذا انطبق عليه عنوان من العناوين الراجحة.

قَال عُقْبَةُ بْنُ سِمْعَانَ: سِرْنَا مَعَهُ - أي مع سيد الشهداء عليه السلام - سَاعَةً فَخَفَقَ وهُوَ عَلى ظَهْرِ فَرَسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ انْتَبَهَ وهُوَ يَقُول: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِليْهِ راجِعُونَ

ص: 50


1- كامل الزيارات: ص177 الباب الحادي والسبعون ثواب من زار الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ح8.
2- كامل الزيارات: ص312 الباب الثاني والمائة زيارة قبر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ح2.

والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمِينَ، فَفَعَل ذَلكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً، فَأَقْبَل إِليْهِ ابْنُهُ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) عَلى فَرَسٍ فَقَال: مِمَّ حَمِدْتَ اللهَ واسْتَرْجَعْتَ.

فَقَال: يَا بُنَيَّ إِنِّي خَفَقْتُ خَفْقَةً فَعَنَّ لي فَارِسٌ عَلى فَرَسٍ وهُوَ يَقُول: القَوْمُيَسِيرُونَ والمَنَايَا تَصِيرُ إِليْهِمْ، فَعَلمْتُ أَنَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إِليْنَا.

فَقَال لهُ: يَا أَبَتِ لا أَرَاكَ اللهُ سُوءاً أَ لسْنَا عَلى الحَقِ، قَال: بَلى والذِي إِليْهِ مَرْجِعُ العِبَادِ.

قَال: فَإِنَّنَا إِذاً لا نُبَالي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ.

فَقَال لهُ الحُسَيْنُ (عليه السلام): جَزَاكَ اللهُ مِنْ وَلدٍ خَيْرَ مَا جَزَى وَلداً عَنْ وَالدِهِ (1).

وَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ غَيْرِ وَاحِدٍ قَالوا: كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، فَلمَّا بَلغَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ إِلى أَخْوَالهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالمَدِينَةِ تَزُورُهُمْ بِهِ وَ مَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ وَهُمْ عَلَى بَعِيرَيْنِ فَنَزَلتْ بِهِ فِي دَارِ النَّابِغَةِ فَأَقَامَتْ بِهِ عِنْدَهُمْ شَهْراً، وَ كَانَ قَوْمٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْتَلفُونَ وَ يَنْظُرُونَ، قَالتْ أُمُّ أَيْمَنَ: فَسَمِعْتُ أَحَدَهُمْ يَقُول هُوَ نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ وَ هَذِهِ دَارُ هِجْرَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلى مَكَّةَ، فَلمَّا كَانُوا بِالأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ فَقَبَرَهَا هُنَاكَ، فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّ أَيْمَنَ إِلى مَكَّةَ، ثُمَّ لمَّا مَرَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ بِالأَبْوَاءِ قَال: إِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّي فَأَتَاهُ رَسُول اللهِ (صلى

الله عليه وآله) فَأَصْلحَهُ وَبَكَى عِنْدَهُ وَبَكَىالمُسْلمُونَ لبُكَاءِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَقِيل لهُ، فَقَال: أَدْرَكَتْنِي رَحْمَةُ رَحْمَتِهَا فَبَكَيْتُ.

ص: 51


1- الإرشاد: ج 2 ص82.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة(1) قال: انتهى إلى قبر قد درس، قال: فجلس إليه ودمعت عيناه، قال: فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما يبكيك يا رسول الله، قال: فقال: لما قدمت مكة استاذنت ربي في زيارة قبر أم محمد، قال: قال: فأذن لي فى زيارتها وأذن لها في كلامي، قال: فشكت إلي، قال: فأدركني من ذاك ما يدرك الولد، فسألت ربي أن يشفعني فيها»(2).

لماذا بكت الصديقة

مسألة: يستحب بيان سبب بكاء الصديقة فاطمة (عليها السلام) في هذا المورد وسائر الموارد.

فإن معرفة السبب هنا، وهو غصب فدك وغصب الخلافة وما جرى عليها من الظلم، يوجب تجنب الناس عن الظلمة وعن الغاصبين، كما يوجب تجنبهم عن الظلموالغصب وما أشبه، مضافاً إلى ما يوجب من الالتفاف حول العترة الطاهرة (عليهم السلام) أكثر فأكثر، فالملاك آتٍ في بيان السبب.

رُوِيَ أَنَّهُ لمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بِقَتْل وَلدِهَا الحُسَيْنِ ومَا يَجْرِي عَليْهِ مِنَ المِحَنِ، بَكَتْ فَاطِمَةُ بُكَاءً شَدِيداً وقَالتْ: يَا أَبَهْ مَتَى يَكُونُ ذَلكَ؟

قَال: فِي زَمَانٍ خَال مِنِّي ومِنْكِ ومِنْ عَليٍّ، فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهَا وقَالتْ: يَا أَبَهْ

ص: 52


1- أي في طريقه إلى مكة.
2- الأصول الستة عشر: ص159.

فَمَنْ يَبْكِي عَليْهِ ومَنْ يَلتَزِمُ بِإِقَامَةِ العَزَاءِ لهُ؟

فَقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): يَا فَاطِمَةُ إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلى نِسَاءِ أَهْل بَيْتِي، ورِجَالهُمْ يَبْكُونَ عَلى رِجَال أَهْل بَيْتِي، ويُجَدِّدُونَ العَزَاءَ جِيلا بَعْدَ جِيل فِي كُل سَنَةٍ، فَإِذَا كَانَ القِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ للنِّسَاءِ، وأَنَا أَشْفَعُ للرِّجَال، وكُل مَنْ بَكَى مِنْهُمْ عَلى مُصَابِ الحُسَيْنِ أَخَذْنَا بِيَدِهِ وأَدْخَلنَاهُ الجَنَّةَ، يَا فَاطِمَةُ كُل عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاّ عَيْنٌ بَكَتْ عَلى مُصَابِ الحُسَيْنِ، فَإِنَّهَا ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بِنَعِيمِ الجَنَّةِ»(1).

قصة فدك

مسألة: يستحب بيان قضية فدك وأنها كانت عطية الرب للصديقة فاطمة (عليها السلام) ونحلة لذريتها (عليهم السلام).

فإن بيان ذلك نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعطاء المحق حقه.

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مَنْ تَرَكَ إِنْكَارَ المُنْكَرِ بِقَلبِهِ ويَدِهِ ولسَانِهِ فَهُوَ مَيِّتٌ بَيْنَ الأَحْيَاء»(2).

وفي (نهج البلاغة) في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف: «بَلى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ، مِنْ كُل مَا أَظَلتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَليْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ

ص: 53


1- بحار الأنوار: ج 44 ص292 ب34 ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة (عليهم السلام) وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء ح37.
2- تهذيب الأحكام: ج 6 ص181 ب80 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح23.

وسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، ونِعْمَ الحَكَمُ اللهُ»(1).

عقاب غصب فدك

مسألة: يستحب بيان أن من غصب فدك وأكلها ليجدنها ساعرة حميم في لظى جحيم.

وقولها (صلوات الله عليها) دليل على أنغاصبي فدك والخلافة من أهل النار.

ثم إن (يجدنها ساعرة) ظاهره أن ما غصبوه سيكون بنفسه ساغرة حميم، كما قال تعالى: «يَوْمَ يُحْمَى عَليْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ وظُهُورُهُمْ»(2).

وقوله سبحانه: «إِنَّ الذينَ يَأْكُلونَ أَمْوَالَ اليَتامَى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلونَ في بُطُونِهِمْ ناراً»(3).

فإن كثيراً من وقود جهنم هي الأشياء التي أخذت بالظلم في الدنيا، وقد بيّنا وجه ذلك في كتاب (الآداب والسنن)(4) بمناسبة.

ص: 54


1- نهج البلاغة: الرسالة 45.
2- سورة التوبة: 35.
3- سورة النساء: 10.
4- موسوعة الفقه كتاب الآداب والسنن.

إسرار البغض والشنآن

مسألة: إسرار البغض والشنآن للمعصوم (عليه السلام) محرم، بل إنه النصب، والمبغض ناصبي، وقد أشارت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) لذلك ب (أسر له الشنآن).

وفي يوم عاشوراء لمّا احتجّ الإمام الحسين (عليه السلام) في الطفّ على شذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب بما احتج إلى أن أنهى كلامه لهم بقوله: فبم تستحلون دمي؟ أجابوه بقولهم: بغضاً لأبيك (1).

وفي الرواية: دَخَلتْ أُمُّ سَلمَةَ عَلى فَاطِمَةَ (عليها

السلام) فَقَالتْ لهَا: كَيْفَ أَصْبَحْتِ عَنْ ليْلتِكِ يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ؟! قَالتْ: أَصْبَحْتُ بَيْنَ كَمَدٍ وكَرَبٍ، فُقِدَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) وظُلمَ الوَصِيُّ وهُتِكَ واللهِ حُجُبُهُ، أَصْبَحَتْ إِمَامَتُهُ مُقْتَصَّةً عَلى غَيْرِ مَا شَرَعَ اللهُ فِي التَّنْزِيل، وسَنَّهَا النَّبِيُّ فِي التَّأْوِيل، ولكِنَّهَا أَحْقَادٌ بَدْرِيَّةٌ وتِرَاتٌ أُحُدِيَّةٌ كَانَتْ عَليْهَا قُلوبُ النِّفَاقِ مُكْتَمِنَةً لإِمْكَانِ الوُشَاةِ، فَلمَّا اسْتُهْدِفَ الأَمْرُ أَرْسَلتْ عَليْنَا شَآبِيبَ الآثَارِ مِنْ مَخِيلةِ الشِّقَاقِ، فَيَقْطَعُ وَتَرَ الإِيمَانِ مِنْ قِسِيِّصُدُورِهَا، وليْسَ عَلى مَا وَعَدَ اللهُ مِنْ حِفْظِ الرِّسَالةِ وكَفَالةِ المُؤْمِنِينَ، أَحْرَزُوا عَائِدَتَهُمْ غُرُورَ الدُّنْيَا بَعْدَ انْتِصَارٍ مِمَّنْ فَتَكَ بِآبَائِهِمْ فِي مَوَاطِنِ الكُرُوبِ ومَنَازِل الشَّهَادَات (2).

وفي رواية: قَال سُليْمٌ: وَحَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) قَال:

ص: 55


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى): ج 18 ص185.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج 2 ص205.

كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي بَعْضِ طُرُقِ المَدِينَةِ فَأَتَيْنَا عَلى حَدِيقَةٍ فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ، قَال: مَا أَحْسَنَهَا ولكَ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا، ثُمَّ أَتَيْنَا عَلى حَدِيقَةٍ أُخْرَى فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ، قَال: مَا أَحْسَنَهَا ولكَ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلى سَبْعِ حَدَائِقَ أَقُول: يَا رَسُول اللهِ مَا أَحْسَنَهَا ويَقُول: لكَ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا، فَلمَّا خَلا لهُ الطَّرِيقُ اعْتَنَقَنِي ثُمَّ أَجْهَشَ بَاكِياً وقَال: بِأَبِي الوَحِيدُ الشَّهِيدُ، فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ مَا يُبْكِيكَ، فَقَال: ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ لا يُبْدُونَهَا لكَ إلاّ مِنْ بَعْدِي، أَحْقَادُ بَدْرٍ وتِرَاتُ أُحُدٍ، قُلتُ: فِي سَلامَةٍ مِنْ دَيْنِي، قَال: فِي سَلامَةٍ مِنْ دِينِكَ فَأَبْشِرْ يَا عَليُّ، فَإِنَّ حَيَاتَكَ ومَوْتَكَ مَعِي، وأَنْتَ أَخِي وأَنْتَ وَصِيِّي وأَنْتَ صَفِيِّي ووَزِيرِي ووَارِثِي والمُؤَدِّي عَنِّي، وأَنْتَ تَقْضِي دَيْنِي وتُنْجِزُ عِدَاتِي عَنِّي،وأَنْتَ تُبْرِئُ ذِمَّتِي وتُؤَدِّي أَمَانَتِي، وتُقَاتِل عَلى سُنَّتِي النَّاكِثِينَ مِنْ أُمَّتِي والقَاسِطِينَ والمَارِقِينَ، وأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، ولكَ بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إِذِ اسْتَضْعَفَهُ قَوْمُهُ وكَادُوا يَقْتُلونَهُ، فَاصْبِرْ لظُلمِ قُرَيْشٍ إِيَّاكَ وتَظَاهُرِهِمْ عَليْكَ، فَإِنَّكَ بِمَنْزِلةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ومَنْ تَبِعَهُ، وهُمْ بِمَنْزِلةِ العِجْل ومَنْ تَبِعَهُ، وإِنَّ مُوسَى أَمَرَ هَارُونَ حِينَ اسْتَخْلفَهُ عَليْهِمْ إِنْ ضَلوا فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ يُجَاهِدَهُمْ بِهِمْ وإِنْ لمْ يَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ ويَحْقِنَ دَمَهُ ولا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، يَا عَليُّ مَا بَعَثَ اللهُ رَسُولا إلاّ وأَسْلمَ مَعَهُ قَوْمٌ طَوْعاً وقَوْمٌ آخَرُونَ كَرْهاً فَسَلطَ اللهُ الذِينَ أَسْلمُوا كَرْهاً عَلى الذِينَ أَسْلمُوا طَوْعاً فَقَتَلوهُمْ ليَكُونَ أَعْظَمَ لأُجُورِهِمْ، يَا عَليُّ وإِنَّهُ مَا اخْتَلفَتْ أُمَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا إلاّ ظَهَرَ أَهْل بَاطِلهَا عَلى أَهْل حَقِّهَا وإِنَّ اللهَ قَضَى الفُرْقَةَ والاخْتِلافَ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ ولوْ شَاءَ لجَمَعَهُمْ عَلى الهُدى حَتَّى لا يَخْتَلفَ اثْنَانِ مِنْ خَلقِهِ ولا يُتَنَازَعَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِهِ ولا يَجْحَدَ المَفْضُول ذَا الفَضْل فَضْلهُ، ولوْ

ص: 56

شَاءَ عَجَّل النَّقِمَةَ فَكَانَ مِنْهُ التَّغْيِيرُ حَتَّى يُكَذَّبَ الظَّالمُ ويُعْلمَ الحَقُّ أَيْنَ مَصِيرُهُ، ولكِنْ جَعَل الدُّنْيَا دَارَ الأَعْمَال وجَعَل الآخِرَةَ دَارَ القَرَارِ، ليَجْزِيَ الذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلوا ويَجْزِيَ الذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى، فَقُلتُ: الحَمْدُ للهِ شُكْراً عَلى نَعْمَائِهِ وصَبْراً عَلىبَلائِهِ وتَسْليماً ورِضًى بِقَضَائِه (1).

نية الظلم

مسألة: تبيت النية لإعلان ظلم المعصوم (عليه السلام) محرم آخر، ، ولعله ما أشارت إليه الصديقة (عليها السلام) بقولها: (وطوياه الإعلان)، بل لعله يشمله قوله تعالى: «إِنَّ الّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشيعَ الفاحِشَةُ»(2).

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «إِذَا قَال الرَّجُل لأَخِيهِ المُؤْمِنِ: أُفٍّ، خَرَجَ مِنْ وَلايَتِهِ، وإِذَا قَال: أَنْتَ عَدُوِّي كَفَرَ أَحَدُهُمَا، ولا يَقْبَل اللهُ مِنْ مُؤْمِنٍ عَمَلا وهُوَ مُضْمِرٌ عَلى أَخِيهِ المُؤْمِنِ سُوءاً»(3).

وعَنْ عَبْدِ العَظِيمِ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه

السلام) قَال: «يَا عَبْدَ العَظِيمِ أَبْلغْ عَنِّي أَوْليَائِيَ السَّلامَ وقُل لهُمْ: لا يَجْعَلوا للشَّيْطَانِ عَلى أَنْفُسِهِمْ سَبِيلا، ومُرْهُمْ بِالصِّدْقِ فِي الحَدِيثِ» إِلى أَنْ قَال: «وعَرِّفْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لمُحْسِنِهِمْ وتَجَاوَزَعَنْ مُسِيئِهِمْ، إلاّ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ وآذَى وَليّاً مِنْ أَوْليَائِي أَوْ أَضْمَرَ لهُ سُوءاً، فَإِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ لهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ، وإِلا نَزَعَ رُوحَ الإِيمَانِ عَنْ قَلبِهِ وخَرَجَ عَنْ

ص: 57


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص569 الحديث الثاني.
2- سورة النور: 19.
3- الكافي: ج 2 ص361 باب السباب ح8.

وَلايَتِي، ولمْ يَكُنْ لهُ نَصِيبٌ فِي وَلايَتِنَا، وأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلك»(1).

الإعراب عن قصد الظلم

مسألة: الإعراب عما في الضمير من إرادة ظلم المعصوم (عليه السلام) وغصب حقه وإظهاره بأي نوع كان من أنواع الإظهار محرم ثالث، وذلك ما أشارت إليه الصديقة (عليه السلام) بقولها: (نطقا بفورهما ونفثا بسورهما).

وقد صرحت الروايات بما ورد على العترة من الظلم الكثير:

روي أنه دَخَلتْ أُمُّ سَلمَةَ عَلى فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَقَالتْ لهَا: كَيْفَ أَصْبَحْتِ عَنْ ليْلتِكِ يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ؟ قَالتْ: أَصْبَحْتُ بَيْنَ كَمَدٍ وَ كَرَبٍ، فُقِدَ النَّبِيُّ (صَلى اللهُ عَليْهِ وَ آلهِ) وَظُلمَ الوَصِيُّ، وَهُتِكَ وَاللهِ حُجُبُهُ، أَصْبَحَتْ إِمَامَتُهُ مُقْتَصَّةً عَلى غَيْرِ مَا شَرَعَ اللهُ فِي التَّنْزِيل، وَسَنَّهَا النَّبِيُّ فِي التَّأْوِيل، وَلكِنَّهَا أَحْقَادٌ بَدْرِيَّةٌ، وَتِرَاتٌ أُحُدِيَّةٌ،كَانَتْ عَليْهَا قُلوبُ النِّفَاقِ مُكْتَمِنَة»(2).

وفي دعاء الندبة: «وَأَوْدَعَ قُلوبَهُمْ أَحْقَاداً بَدْرِيَّةً وَخَيْبَرِيَّةً وَحُنَيْنِيَّةً وَغَيْرَهُنَّ، فَأَضَبَّتْ عَلى عَدَاوَتِهِ، وَأَكَبَّتْ عَلى مُنَابَذَتِه»(3) الدعاء.

ص: 58


1- مستدرك الوسائل: ج 9 ص140 باب تحريم الطعن على المؤمن وإضمار السوء له ح4.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، لابن شهرآشوب: ج 2 ص205 فصل في ظلامة أهل البيت (عليهم السلام).
3- المزار الكبير، لابن المشهدي: ص577 الدعاء للندبة.

التصريح باسم الظالم

مسألة: ربما وجب التصريح باسم الظالم أو ما يجري مجراه في الجملة، كما لو توقف الردع عليه، أو توقف إحقاق الحق أو تعريف الناس بالحق عليه، ونرى الصديقة (صلوات الله عليها) تلقب الظالم بما هو كالصريح: (قحيف تيم وأحيول عدي).

نعم للتقية أحكامها كما هو المذكور في الفقه.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: ذُكِرَتِ الخِلافَةُ عِنْدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) فَقَال: «واللهِ لقَدْ تَقَمَّصَهَا أَخُو تَيْمٍ وإِنَّهُ ليَعْلمُ أَنَّ مَحَلي مِنْهَا مَحَل القُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنْهُ السَّيْل ولا يَرْتَقِي إِليْهِ الطَّيْرُ، فَسَدَلتُ دُونَهَا ثَوْباً، وطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وطَفِقْتُ أَرْتَئِيُ مَا بَيْنَ أَنْ أَصُول بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ويَهْرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ، ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلقَى اللهَ رَبَّهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وفِي العَيْنِ قَذًى وفِي الحَلقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً، حَتَّى إِذَا مَضَى الأَوَّل لسَبِيلهِ عَقَدَهَا لأَخِي عَدِيٍّ بَعْدَهُ، فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَصَيَّرَهَا واللهِ فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَخْشُنُ مَسُّهَا ويَغْلظُ كَلمُهَا،ويَكْثُرُ العِثَارُ والاعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ عَنَّفَ بِهَا حَرَن،َ وإِنْ سَلسَ بِهَا غَسَقَ، فَمُنِيَ النَّاسُ بِتَلوُّنٍ واعْتِرَاضٍ وبَلوًى مَعَ هَنٍ وهُنَيٍّ، فَصَبَرْتُ عَلى طُول المُدَّةِ وشِدَّةِ المِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لسَبِيلهِ جَعَلهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي مِنْهُمْ، فَيَا للهِ لهُمْ وللشُّورَى، مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّل مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ بِهَذِهِ النَّظَائِرِ، فَمَال

ص: 59

رَجُل بِضَبْعِهِ وأَصْغَى آخَرُ لصِهْرِهِ وقَامَ ثَالثُ القَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلهِ ومُعْتَلفِهِ، وقَامَ مَعَهُ بَنُو أُمَيَّةَ يَهْضِمُونَ مَال اللهِ هَضْمَ الإِبِل نَبْتَةَ الرَّبِيعِ حَتَّى أَجْهَزَ عَليْهِ عَمَلهُ(1)، الخطبة.

وقد ورد لعنه على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام) وقوله بعد ذلك: «فَلوْلاهُ مَا زَنَى إلاّ شَقِيٌّ أَوْ شَقِيَّة»(2).

ص: 60


1- معاني الأخبار: ص361 باب معاني خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ح1.
2- بحار الأنوار: ج 53 ص31 ب28 ما يكون عند ظهوره (عليه السلام) برواية المفضل بن عمر.

خلوا عن ابن عمي

اشارة

روي أنه لما استخرج القوم أمير المؤمنين (عليه السلام) خرجت فاطمة (عليها السلام) حتى انتهت إلى القبر فقالت:

«خلوا عن ابن عمي، فو الله الذي بعث محمداً بالحق، لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري، ولأضعن قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسي، ولأصرخن إلى الله تعالى، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولديّ»(1).

---------------------

نشر الشعر عند الدعاء

مسألة: يستحب نشر المرأة شعرها عند الدعاء مع حفظ الموازين الشرعية، فإن قولها (صلوات الله عليها) لأنشرن شعري دليل على جوازه عند الدعاء، أما كونه مستحباً فيستفاد من جهة المقدمية أو ما أشبه.

ثم إن نشر الشعر بمعنى فتحه بحيث لا يكون ضفيرة، ومن الواضح أنه مع الأمن من الناظر الأجنبي، ولعل السبب فيه أنه نوع تذلل إلى الله سبحانه، ومن المعلوم أنه كلما كان الإنسان أكثرخضوعاً له تعالى كان أقرب إليه، وكلما قرب الإنسان إليه كان أقرب إلى استجابة دعائه.

ص: 61


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، لابن شهرآشوب: ج 3 ص339، بحار الأنوار: ج 43 ص47 ب3 مناقبها وفضائلها وبعض أحوالها ومعجزاتها (صلوات الله عليها).

عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَال: لمَّا أُخْرِجَ بِعَليٍّ (عليه السلام) خَرَجَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) وَاضِعَةً قَمِيصَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى رَأْسِهَا آخِذَةً بِيَدَيِ ابْنَيْهَا فَقَالتْ: مَا لي ومَا لكَ يَا أَبَا بَكْرٍ تُرِيدُ أَنْ تُؤْتِمَ ابْنَيَّ وتُرْمِلنِي مِنْ زَوْجِي، واللهِ لوْ لا أَنْ تَكُونَ سَيِّئَةٌ لنَشَرْتُ شَعْرِي ولصَرَخْتُ إِلى رَبِّي، فَقَال رَجُل مِنَ القَوْمِ: مَا تُرِيدُ إِلى هَذَا، ثُمَّ أَخَذَتْ بِيَدِهِ فَانْطَلقَتْ بِهِ(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «واللهِ لوْ نَشَرَتْ شَعْرَهَا مَاتُوا طُرّاً»(2).

من آداب الدعاء

مسألة: يستحب عند الدعاء أن يضع الإنسان على رأسه شيئاً محترماً عند الله عزوجل.

فإنه نوع احترام من الإنسان لما يحترمه الله سبحانه، ويكون أقرب إلى الإجابة، ومنه وضع القرآن على الرأس حال الدعاء في ليالي القدر وغيرها.هذا بالإضافة إلى أن جعل القرآن على الرأس يؤكد على كون الإنسان خاضعاً لأحكام القرآن الكريم، وكذا فيما هو بحكمه، وكلما أظهر الإنسان الخضوع والإطاعة لله سبحانه ولأحكامه كان أقرب إلى الإجابة وأدعى للترحم عليه.

عن مَوْلانَا الصَّادِقِ (صلوات الله عليه) قَال: «خُذِ المُصْحَفَ فَدَعْهُ عَلى رَأْسِكَ وقُل: اللهُمَّ بِحَقِّ هَذَا القُرْآنِ وبِحَقِّ مَنْ أَرْسَلتَهُ بِهِ وبِحَقِّ كُل مُؤْمِنٍ مَدَحْتَهُ فِيهِ

ص: 62


1- الكافي: ج 8 ص238 حديث القباب ح320.
2- الكافي: ج 8 ص238 حديث القباب ح321.

وبِحَقِّكَ عَليْهِمْ، فَلا أَحَدَ أَعْرَفُ بِحَقِّكَ مِنْكَ، بِكَ يَا اللهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَقُول بِمُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِعَليٍّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِفَاطِمَةَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِالحَسَنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِالحُسَيْنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِعَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِمُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِعَليِّ بْنِ مُوسَى عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِمُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِعَليِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِالحَسَنِ بْنِ عَليٍّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بِالحُجَّةِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وتَسْأَل حَاجَتَك (1).

وعَنْ مَوْلانَا مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (صلوات الله عليه): «خُذِ المُصْحَفَ فِي يَدِكَ وارْفَعْهُ فَوْقَ رَأْسِكَ وقُل اللهُمَّ بِحَقِّ مَنْ أَرْسَلتَهُ إِلى خَلقِكَ وبِكُل آيَةٍ هِيَ فِيهِ وبِحَقِّ كُل مُؤْمِنٍمَدَحْتَهُ فِيهِ وبِحَقِّهِ عَليْكَ ولا أَحَدَ أَعْرَفُ بِحَقِّهِ مِنْكَ يَا سَيِّدِي يَا سَيِّدِي يَا سَيِّدِي يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وبِحَقِّ مُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وبِحَقِّ كُل إِمَامٍ وتَعُدُّهُمْ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلى إِمَامِ زَمَانِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ لا تَقُومُ مِنْ مَوْضِعِكَ حَتَّى يُقْضَى لكَ حَاجَتُكَ وتَيَسَّرَ لكَ أَمْرُك»(2).

وجَاءَ رَجُل إِلى سَيِّدِنَا الصَّادِقِ (عليه السلام)، فَقَال لهُ: يَا سَيِّدِي، أَشْكُو إِليْكَ دَيْناً رَكِبَنِي وسُلطَاناً غَشَمَنِي، وأُرِيدُ أَنْ تُعَلمَنِي دُعَاءً أَغْتَنِمُ بِهِ غَنِيمَةً أَقْضِي بِهَا دَيْنِي وأُكفَى بِهَا ظُلمَ سُلطَانِي. فَقَال: «إِذَا جَنَّكَ الليْل، فَصَل رَكْعَتَيْنِ، اقْرَأْ فِي الأُولى مِنْهُمَا الحَمْدَ وآيَةَ الكُرْسِيِّ، وفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الحَمْدَ وآخِرَ الحَشْرِ (لوْ أَنْزَلنا هذَا القُرْآنَ عَلى جَبَل) إِلى خَاتِمَةِ السُّورَةِ، ثُمَّ خُذِ المُصْحَفَ فَدَعْهُ عَلى

ص: 63


1- إقبال الأعمال: ج 1 ص187.
2- إقبال الأعمال: ج 1 ص187.

رَأْسِكَ وقُل: بِهَذَا القُرْآنِ وبِحَقِّ مَنْ أَرْسَلتَهُ بِهِ، وبِحَقِّ كُل مُؤْمِنٍ مَدَحْتَهُ فِيهِ، وبِحَقِّكَ عَليْهِمْ، فَلا أَحَدَ أَعْرَفُ بِحَقِّكَ مِنْكَ، بِكَ يَا اللهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَقُول: يَا مُحَمَّدُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا عَليُّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا فَاطِمَةُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا حَسَنُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا حُسَيْنُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا عَليَّ بْنَ الحُسَيْنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَليٍّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَاجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا عَليَّ بْنَ مُوسَى عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَليٍّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا عَليَّ بْنَ مُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا حَسَنَ بْنَ عَليٍّ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا حُجَّةُ عَشْرَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ تَسْأَل اللهَ تَعَالى حَاجَتَكَ». قَال: فَمَضَى الرَّجُل وعَادَ إِليْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ، قَدْ قَضَى دَيْنَهُ، وصَلحَ لهُ سُلطَانُهُ، وعَظُمَ يَسَارُهُ(1).

الدفاع عن المظلوم

مسألة: يجب الدفاع عن المظلوم وتنويع الأساليب في ذلك.

فإن الصديقة الطاهرة (عليها الصلاة والسلام) دافعت عن أول مظلوم وهو الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) بأنواع الدفاع، كما هو مبين في مواضع من هذا الكتاب، ومنه ما سيأتي في الحديث اللاحق، ومنه ما تدل عليه هذه الرواية من تهديدها القوم بالدعاء عليهم وخروجها إلى القبر الشريف، مما شكل ضغطاً اجتماعياً هائلاً على الغاصبين، ومما أخافهم ومن معهم لما رأوا من بوادر استجابة الدعاء، كارتفاع الحيطان.

ص: 64


1- الأمالي، للطوسي: ص292 المجلس الحادي عشر ح14، وسائل الشيعة:ج 8 ص125 ب24 باب استحباب الصلاة لدفع شر السلطان ح1.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، وَعَنْ سَلمَانَ الفَارِسِيِ: «أَنَّهُ لمَّا اسْتَخْرَجَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِنْ مَنْزِلهِ، خَرَجَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) حَتَّى انْتَهَتْ إِلى القَبْرِ فَقَالتْ: خَلوا عَنِ ابْنِ عَمِّي فَوَ الذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالحَقِّ لئِنْ لمْ تُخَلوا لأَنْشُرَنَّ شَعْرِي ولأَضَعَنَ قَمِيصَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى رَأْسِي ولأَصْرُخَنَّ إِلى اللهِ تَعَالى، فَمَا نَاقَةُ صَالحٍ بِأَكْرَمَ عَلى اللهِ مِنْ وَلدَيَّ، قَال سَلمَانُ: فَرَأَيْتُ واللهِ أَسَاسَ حِيطَانِ المَسْجِدِ تَقَلعَتْ مِنْ أَسْفَلهَا حَتَّى لوْ أَرَادَ رَجُل أَنْ يَنْفُذَ مِنْ تَحْتِهَا نَفَذَ، فَدَنَوْتُ مِنْهَا وقُلتُ: يَا سَيِّدَتِي ومَوْلاتِي إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى بَعَثَ أَبَاكِ رَحْمَةً فَلا تَكُونِي نَقِمَةً، فَرَجَعَتِ الحِيطَانُ حَتَّى سَطَعَتِ الغَبَرَةُ مِنْ أَسْفَلهَا فَدَخَلتْ فِي خَيَاشِيمِنَا»(1).

وقول الصديقة (عليها السلام): «فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولديّ» يراد به كما أن الله سبحانه استجاب دعاء صالح لما عقروا الناقة فإنه سيستجيب دعائي حين أدعوه تعالى.

أو كما أن الله عزوجل استجاب دعاءالنبي صالح (عليه السلام) في حق الناقة، يستجيب دعائي في حق أولادي.

ولعل الأظهر أنه كما انتقم الله تعالى لناقة صالح بدعائه (عليه السلام) لما عقروها وظلموها، كذلك سينتقم الله سبحانه لأبنيّ هذين لما ظلموهما بإخراج أبيهما قسراً وعدواناً، وقصدهم قتله (صلوات الله عليه)، لولا تهديد الصديقة (عليها السلام) بالدعاء عليهم، حتى ورد: أن جدران المسجد ارتفعت عن الأرض كادت

ص: 65


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج 3 ص340، بحار الأنوار: ج 43 ص47 ب3 مناقبها وفضائلها وبعض أحوالها ومعجزاتها (صلوات الله عليها).

تقلب عليهم أو تخسف الأرض بهم، لولا أن أرسل الإمام علي (عليه السلام) سلمان إليها (صلوات الله عليها) يدعوها للصبر.

فإن ذلك القدر من التهديد ولما رأوه من آثار البدء بدعائها (عليها السلام) كان كافياً لارتداعهم.

وحاصل قولها (عليها السلام): كما انتقم الله لناقة صالح (عليه السلام) سينتقم لولديّ منكم، إذ ليست أكرم على الله تعالى منهما.

الصراخ إلى الله

مسألة: يستحب الصراخ إلى الله سبحانه وتعالى في الجملة.

ومن المعلوم أن الصراخ أقرب إلى الإجابة، لأنه يدل على الاستغاثة فلاينافي ذلك قوله سبحانه: «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وخُفْيَةً»(1)، وقوله تعالى: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وخيفَةً ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْل»(2)، فإن الآية في الأحوال العادية، وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وإلا ففي بعض الأحوال يستحب الصراخ.

كما ورد عنهم (عليهم السلام) بالنسبة إلى الشعائر الحسينية: «وَارْحَمْ تِلكَ الصَّرْخَةَ التِي كَانَتْ لنَا»(3).

وقد ورد في باب الحج أن جبرئيل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالعج

ص: 66


1- سورة الأعراف: 55.
2- سورة الأعراف: 205.
3- كامل الزيارات: ص117 الباب الأربعون ح2.

والثج، ثم فسّر العج بالصراخ عند قولهم: «لبيك»، والثج بإراقة الدماء في منى، وقد روي أنهم بحّت أصواتهم.

ففي الحديث: «إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لمَّا أَحْرَمَ أَتَاهُ جَبْرَئِيل (عليه السلام) فَقَال لهُ: مُرْ أَصْحَابَكَ بِالعَجِّ وَ الثَّجِّ، وَالعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلبِيَةِ، وَالثَّجُّ نَحْرُ البُدْنِ، وَقَال: قَال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: مَا بَلغْنَا الرَّوْحَاءَ حَتَّى بَحَّتْ أَصْوَاتُنَا(1).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): قَالأَبِي (عليه السلام): قَال: عَليٌّ (عليه السلام): سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَخْطُبُ بِالنَّاسِ يَوْمَ الأَضْحَى وهُوَ يَقُول: «أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا يَوْمُ الثَّجِّ والعَجِ، الثَّجُ تُهَرِيقُونَ فِيهِ الدِّمَاءَ، فَمَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ كَانَ أَوَّل قَطْرَةٍ كَفَّارَةً لكُل ذَنْبٍ، وإِنَّ العَجَّ الدُّعَاءُ فِيهِ، فَعِجُّوا إِلى اللهِ تَعَالى، فَوَ الذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) بِيَدِهِ لا يَنْصَرِفُ مِنْ هَذَا المَوْقِفِ أَحَدٌ إلاّ مَغْفُوراً لهُ، إلاّ صَاحِبُ كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ، مُصِرٌّ عَليْهَا، لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالإِقْلاعِ عَنْهَا»(2).

وفي مجمع البحرين: «أَفْضَل الأَعْمَال إِلى اللهِ تَعَالى العَجُّ والثَّجُ»، فالعج رفع الصوت في التلبية، والثَّجُ إسالة الدماء من الذبح والنحر في الأضاحي(3).

وكذلك كان أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) يصرخون حتى بحت الأصوات.

ص: 67


1- الكافي: ج4 ص336 باب التلبية ح5.
2- النوادر، للراوندي: ص42.
3- مجمع البحرين: ج 2 ص283 مادة (ثج).

قال الشاعر:

أصواتها بحّت فهن نوائح *** يندبن قتلاهن بالإيماء(1).

وفي دعاء الندبة: «فَلْيَصْرَخالصّارِخُون، وَيَضَجّ الضّاجُونَ، وَيَعِجَّ العاجُّونَ»(2) الدعاء.

حرمة الإكراه والإجبار

مسألتان: إكراه الغير وإجباره محرم في الشريعة، وتدل عليه الأدلة العقلية والنقلية. وما قام به القوم من استخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) للبيعة كرهاً، فإنه من أكبر المحرمات وأشدها.

فإن التصرف في إنسان بغير رضاه من إجلاس أو إخراج أو إدخال أو ما أشبه كله حرام، فالناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم، وأما بالنسبة إلى الوصي (عليه الصلاة والسلام) فالحرام آكد من جهات متعددة.

قال تعالى: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ»(3).

وقَال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ النَّاسَ مُسَلطُونَ عَلى أَمْوَالهِمْ»(4).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَال: سَأَلهُ رَجُل مِنْ أَهْل النِّيل عَنْ أَرْضٍاشْتَرَاهَا بِفَمِ النِّيل، وأَهْل الأَرْضِ يَقُولونَ هِيَ أَرْضُهُمْ وأَهْل الأُسْتَانِ

ص: 68


1- راجع ديوان صالح الكواز: ص18.
2- المزار الكبير، لابن المشهدي: ص578 الدعاء للندبة.
3- سورة البقرة: 256.
4- بحار الأنوار: ج 2 ص272 ب33 ما يمكن أن يستنبط من الآيات والأخبار من متفرقات مسائل أصول الفقه ح7.

يَقُولونَ هِيَ مِنْ أَرْضِنَا، فَقَال: «لا تَشْتَرِهَا إلاّ بِرِضَا أَهْلهَا»(1).

النساء والنهي عن المنكر

مسألة: يجب على النساء النهي عن المنكر، كما يجب على الرجال، ويجب عليهن الدفاع عن المظلوم كما يجب على الرجال، كل ذلك مع حفظ الموازين الشرعية.

وذلك للإطلاقات والعمومات، ويدل عليه أيضاً فعل الصديقة (صلوات الله عليها) حيث (خرجت فاطمة (عليها السلام) حتى انتهت إلى القبر) فإن فعلها كقولها وتقريرها حجة، والفعل بما هو هو وإن كان لا جهة له إلاّ أنه بالقرائن المقامية ربما يدل على الوجوب، ومنه المقام.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا ظَهَرَتِ البِدَعُ فِي أُمَّتِي فَليُظْهِرِ العَالمُعِلمَهُ فَمَنْ لمْ يَفْعَل فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ»(2).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْل الرَّيْبِ والبِدَعِ مِنْ بَعْدِي فَأَظْهِرُوا البَرَاءَةَ مِنْهُمْ، وأَكْثِرُوا مِنْ سَبِّهِمْ والقَوْل فِيهِمْ والوَقِيعَةَ وبَاهِتُوهُمْ كَيْلا يَطْمَعُوا فِي الفَسَادِ فِي الإِسْلامِ ويَحْذَرَهُمُ النَّاسُ ولا يَتَعَلمُوا مِنْ بِدَعِهِمْ، يَكْتُبِ اللهُ لكُمْ بِذَلكَ الحَسَنَاتِ ويَرْفَعْ لكُمْ بِهِ الدَّرَجَاتِ فِي الآخِرَةِ»(3).

ص: 69


1- وسائل الشيعة: ج 17 ص334 ب1 باب اشتراط كون المبيع مملوكا أو مأذونا في بيعه وعدم جواز بيع ما لا يملكه وعدم وجوب أداء الثمن وحكم بيع الخمر والخنزير ح3.
2- الكافي: ج 1 ص54 باب البدع والرأي والمقاييس ح2.
3- الكافي: ج 2 ص375 باب مجالسة أهل المعاصي ح4.

إني ابنة نبيكم

اشارة

روي أن علياً (عليه السلام) حمل فاطمة (عليها السلام) على أتان(1)، عليه كساء له خمل(2)، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار، والحسن والحسين (عليهما السلام) معها وهي تقول: «يا معشر المهاجرين والأنصار، انصروا الله فإني ابنة نبيكم، وقد بايعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ففوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ببيعتكم». قال: فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها(3).

-------------------------

الظلم وتذكير الناس

مسألة: اللازم تذكير الناس بظلم الظالم للصد عنه، أو بظلمهم، ولو مع احتمال الارتداع.فإن التذكير بالظلم والاستنصار على الظلم راجح، وهو بين مستحب

ص: 70


1- الأتان: الحمارة، وجمعها: أُتُن، وأُتْن، وأَتُن.
2- الخمل: ما هو كالزغب على وجه الكساء، أو الطنفسة أو نحوها، وهو من أصل النسيج.
3- الاختصاص: ص184 حديث فدك، بحار الأنوار: ج 29 ص191 ب11 باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ح39.

وواجب، خصوصاً إذا كان الظلم فادحاً والمظلوم هو حجة من الله على الخلق جميعاً.

فمن الواجب على الإنسان أن لا يظلم أحداً، وأن لا يقبل الظلم من أحد، قال تعالى: «لا تَظْلمُونَ ولا تُظْلمُونَ»(1).

وفي دعاء الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام): «اللهُمَّ فَكَمَا كَرَّهْتَ إِليَّ أَنْ أُظْلمَ فَقِنِي مِنْ أَنْ أَظْلم»(2)، كما في الصحيفة السجادية.

وعَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول فِي آخِرِ كَلامِهِ حِينَ أَفَاضَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلمَ أَوْ أُظْلمَ أَوْ أَقْطَعَ رَحِماً أَوْ أُوذِيَ جَاراً»(3).

وعن أَبي جَعْفَرٍ (عليه السلام) في أدعية السُّوقِ: «وأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلمَ أَوْ أُظْلمَ وأَعُوذُ بِكَ مِنْ صَفْقَةٍ خَاسِرَةٍ ويَمِينٍكَاذِبَةٍ»(4).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: إِذَا دَخَلتَ سُوقَكَ فَقُل: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ مِنْ خَيْرِهَا وخَيْرِ أَهْلهَا وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وشَرِّ أَهْلهَا اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلمَ أَوْ أُظْلمَ أَوْ أَبْغِيَ أَوْ يُبْغَى عَليَّ أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَليَّ»(5) الدعاء.

ص: 71


1- سورة البقرة: 279.
2- الصحيفة السجادية: الدعاء 14 من دعائه (عليه السلام) إذا اعتدي عليه أو رأى من الظالمين ما لا يحب.
3- الكافي: ج 4 ص467 باب الإفاضة من عرفات ح3.
4- الكافي: ج 5 ص155 باب من ذكر الله تعالى في السوق ح1.
5- الكافي: ج 5 ص156 باب من ذكر الله تعالى في السوق ح2.

وفي الدعاء: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ عِيشَةً هَنِيئَةً، ومِيتَةً سَوِيَّةً، ومَرَدّاً غَيْرَ مُخْزٍ ولا فَاضِحٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَذِل أَوْ أَضِل أَوْ أَظْلمَ أَوْ أُظْلمَ أَوْ أَجْهَل أَوْ يُجْهَل عَليَّ، يَا ذَا العَرْشِ العَظِيمِ والمَنِّ القَدِيمِ تَبَارَكْتَ وتَعَاليْتَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

فضح الظالم وغيبته

مسألة: يجوز بالمعنى الأعم فضح الظالم، ومن مصاديقه غيبته، شخصاً كان أو جماعة.

فإن الصديقة الزهراء (عليها الصلاةوالسلام) كانت إذا ذهبت إلى بيوت المهاجرين والأنصار ذكّرتهم بالظلم التي وقع عليها، وذلك فضح للظالم وغيبة له، وقد ذكر الفقهاء استثناء ذلك من حرمة الغيبة.

والجواز هنا بالمعنى الأعم فإنه قد يجب، والآية الكريمة: «لا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْل إلاّ مَنْ ظُلِمَ»(2) تجوّز الجهر به، سواء أمام الظالم أو في غيبته.

وفي آية أخرى: «وَلمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلمِهِ فَأُولئِكَ ما عَليْهِمْ مِنْ سَبيل * إِنَّمَا السَّبيل عَلى الذينَ يَظْلمُونَ النَّاسَ ويَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ»(3)

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وقوله: «لا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْل

ص: 72


1- الدروع الواقية: ص144 اليوم الثالث والعشرون.
2- سورة النساء: 148.
3- سورة الشورى: 41 - 42.

إلاّ مَنْ ظُلِمَ»(1) أي: لا يحب أن يجهر الرجل بالظلم والسوء ويظلم، إلاّ من ظلم فقد أطلق له أن يعارضه بالظلم (2).

وقال الشيخ الأعظم (قدس سره): (ويؤيد الحكم فيه إنّ في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع من التّشفى حرجاً عظيماً، ولأنّ في تشريع الجواز مظنّة ردع للظّالم وهى مصلحة خالية عن مفسدة فيثبتالجواز، لأنّ الأحكام تابعة للمصالح)(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مطل الواجد يحل عرضه وعقوبته»(4).

المبادرة إلى النهي عن المنكر

مسألة: تجب المبادرة إلى النهي عن المنكر، فإن الأمر وإن لم يدل على الفور بذاته إلاّ أنه في مثل أدلة النهي عن المنكر ظاهر في الفور، لمبغوضية المنكر من أول آناء وقوعه، والعلم بإرادة الشارع عدم تحققه أصلاً، وذلك هو الظاهر من فعل الصديقة (صلوات الله عليها) حسب هذه الرواية، فإنه (لما استخرج القوم أمير المؤمنين (عليه السلام) خرجت) وهو ظاهر في الفورية العرفية، بل وربما الدقية أيضاً.

ص: 73


1- سورة النساء: 148.
2- تفسير القمي: ج 1 ص157.
3- كتاب المكاسب: ج 1 ص348 الثاني: تظلم المظلوم وإظهار ما فعل به الظالم وإن كان متستراً به.
4- بحار الأنوار: ج 72 ص231 ب66 الغيبة.

رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «لا تَزَال أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وتَعَاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوَى، فَإِذَا لمْ يَفْعَلوا ذَلكَ نُزِعَتْ مِنْهُمُ البَرَكَاتُ وسُلطَ بَعْضُهُمْعَلى بَعْضٍ ولمْ يَكُنْ لهُمْ نَاصِرٌ فِي الأَرْضِ ولا فِي السَّمَاءِ»(1).

وقد روي: «لا يَحِل لعَيْنٍ مُؤْمِنَةٍ تَرَى اللهَ يُعْصَى فَتَطْرِفَ حَتَّى تُغَيِّرَهُ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ رَجُل شَيْخٌ نَاسِكٌ يَعْبُدُ اللهَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل، فَبَيْنَا هُوَ يُصَلي وهُوَ فِي عِبَادَتِهِ إِذْ بَصُرَ بِغُلامَيْنِ صَبِيَّيْنِ قَدْ أَخَذَا دِيكاً وهُمَا يَنْتِفَانِ رِيشَهُ فَأَقْبَل عَلى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ العِبَادَةِ ولمْ يَنْهَهُمَا عَنْ ذَلكَ، فَأَوْحَى اللهُ إِلى الأَرْضِ: أَنْ سِيخِي بِعَبْدِي، فَسَاخَتْ بِهِ الأَرْضُ فَهُوَ يَهْوِي فِي الدُّرْدُورِ أَبَدَ الآبِدِينَ ودَهْرَ الدَّاهِرِين»(3).

الفرائض والمشاهد المشرفة

مسألة: يمكن الاستفادة من المشاهد المشرفة للمعصومين (عليهم السلام) وذريتهم والصالحين من العلماء للتأكيد على الفرائض وأدائها بما يناسب تلك المقامات الطاهرة، ومنها النهي عن المنكر والتصدي للظالمينوفضحهم، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها) حيث خرجت حتى انتهت إلى القبر الشريف.

ص: 74


1- وسائل الشيعة: ج 16 ص123 ب1ح18.
2- الأمالي، للطوسي: ص55 المجلس الثاني ح45.
3- مستدرك الوسائل: ج 12 ص180 ب1 باب وجوبهما وتحريم تركهما ح10.

هذا كله مع حفظ ما يناسب تلك المشاهد من الكرامة والتعظيم، ومع رعاية حق الزوار في الزيارة والدعاء.

نعم لا ينبغي الاستفادة الشخصية للأحزاب والفئات والجهات وما أشبه ممن تريد مصالحها لا مصالح الأمة.

عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (عليهم

السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لعَليٍّ (عليه السلام): «يَا أَبَا الحَسَنِ، إِنَّ اللهَ جَعَل قَبْرَكَ وقَبْرَ وُلدِكَ بِقَاعاً مِنْ بِقَاعِ الجَنَّةِ، وعَرَصَاتٍ مِنْ عَرَصَاتِهَا، وإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل جَعَل قُلوبَ نُجَبَاءَ مِنْ خَلقِهِ وصَفْوَةٍ مِنْ عِبَادِهِ تَحِنُّ إِليْكُمْ، وتَحْتَمِل المَذَلةَ والأَذَى فِيكُمْ، فَيَعْمُرُونَ قُبُورَكُمْ ويُكْثِرُونَ زِيَارَتَهَا تَقَرُّباً مِنْهُمْ إِلى اللهِ، ومَوَدَّةً مِنْهُمْ لرَسُولهِ، أُولئِكَ يَا عَليُّ المَخْصُوصُونَ بِشَفَاعَتِي، والوَارِدُونَ حَوْضِي، وهُمْ زُوَّارِي وجِيرَانِي غَداً فِي الجَنَّةِ، يَا عَليُّ مَنْ عَمَرَ قُبُورَكُمْ وتَعَاهَدَهَا فَكَأَنَّمَا أَعَانَ سُليْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلى بِنَاءِ بَيْتِ المَقْدِسِ، ومَنْ زَارَ قُبُورَكُمْ عَدْل ذَلكَ ثَوَابُ سَبْعِينَ حَجَّةً بَعْدَ حَجَّةِ الإِسْلامِ، وخَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ زِيَارَتِكُمْ كَيَوْمَ وَلدَتْهُ أُمُّهُ، فَأَبْشِرْ يَا عَليُّ وبَشِّرْ أَوْليَاءَكَ ومُحِبِّيكَ مِنَ النَّعِيمِ بِمَا لا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولاخَطَرَ عَلى قَلبِ بَشَرٍ، ولكِنَّ حُثَالةً مِنَ النَّاسِ يُعَيِّرُونَ زُوَّارَ قُبُورِكُمْ بِزِيَارَتِكُمْ كَمَا تُعَيَّرُ الزَّانِيَةُ بِزِنَاهَا، أُولئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي لا تَنَالهُمْ شَفَاعَتِي ولا يَرِدُونَ حَوْضِي»(1).

ص: 75


1- تهذيب الأحكام: ج 6 ص107 ح5.

مراكز توجه الناس

مسألة: ينبغي الخروج إلى مراكز توجه الناس، عند إرادة التصدي للحكام الظلمة، مع ملاحظة الشروط الشرعية المذكورة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره.

قَال أبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) لأبان بن تغلب: «اجْلسْ فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ وَأَفْتِ النَّاسَ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يُرَى فِي شِيعَتِي مِثْلك»(1).

الاستنصار للحق

مسألة: يجب الاستنصار للحق، وقد يكون مستحباً، كل في مورده، وقد استنصرت الصديقة (عليها الصلاة والسلام) لأمير المؤمنين (عليه السلام) في أمر الخلافة، وهو واجب، كما استنصرت لنفسها كذلك.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث: «ومَنْ أَعَانَ ظَالماً ليُبْطِل حَقّاً لمُسْلمٍ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ الإِسْلامِ وذِمَّةِ اللهِوذِمَّةِ رَسُولهِ، ومَنْ دَعَا لظَالمٍ بِالبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللهُ، ومَنْ ظُلمَ بِحَضْرَتِهِ مُؤْمِنٌ أَوِ اغْتِيبَ وكَانَ قَادِراً عَلى نَصْرِهِ ولمْ يَنْصُرْهُ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ومِنْ رَسُولهِ، ومَنْ نَصَرَهُ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الجَنَّةَ مِنَ اللهِ تَعَالى، وإِنَّ اللهَ تَعَالى أَوْحَى إِلى دَاوُدَ (عليه السلام): قُل لفُلانٍ الجَبَّارِ إِنِّي لمْ أَبْعَثْكَ لتَجْمَعَ الدُّنْيَا عَلى الدُّنْيَا، ولكِنْ لتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ المَظْلومِ وتَنْصُرَهُ،

ص: 76


1- مستدرك الوسائل: ج 17 ص315 ب11 باب وجوب الرجوع في القضاء و الفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة فيما رووه عن الأئمة (عليهم السلام) من أحكام الشريعة لا فيما يقولونه برأيهم ح14، عن رجال النجاشي: ص10 أبان بن تغلب بن رباح.

فَإِنِّي آليْتُ عَلى نَفْسِي أَنْ أَنْصُرَهُ وأَنْتَصِرَ لهُ مِمَّنْ ظُلمَ بِحَضْرَتِهِ ولمْ يَنْصُرْه (1).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أُذِل عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ ولمْ يَنْصُرْهُ وهُوَ قَادِرٌ عَلى نَصْرِهِ، أَذَلهُ اللهُ عَلى رُءُوسِ الخَلائِقِ يَوْمَ القِيَامَة»(2).

المرأة واستنصارها

مسألة: يجوز الاستنصار بالمرأة، وطلب النصرة منها، إذا لم يترتب عليه محذور أهم، وربما وجب كما إذا توقف إحقاق الحق عليه، مع حفظ الموازين الشرعية.

كما نصرت الصديقة الصغرى زينبالكبرى (عليها السلام) أخاها الحسين في نهضته ضد الظلم والطغيان، وكان من نصرتها خطبتها في الكوفة(3)، وخطبتها في الشام(4).

نصرة العترة

مسألة: تجب نصرة أهل البيت (عليهم السلام) وإجابتهم وإعانتهم.

وقول الصديقة (عليها الصلاة والسلام) وطلبها وفاء القوم دليل عليه، وهذا الوفاء واجب كما لا يخفى، خصوصاً في مثل المقام حيث إن الظلم خطير كبير،

ص: 77


1- إرشاد القلوب: ج 1 ص76.
2- أعلام الدين: ص354.
3- الأمالي، للطوسي: ص91 المجلس الثالث ح51.
4- الاحتجاج: ج 2 ص308.

وحيث إن المظلوم هو أعظم خلائق الله وهو المعصوم (عليه السلام)، وحيث المطالب للنصرة هي الصديقة الكبرى (عليه السلام) الذي قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها»(1).

والإجابة: قبولهم الإتيان معها لأخذحقها (عليها السلام) وحق علي (عليه الصلاة والسلام).

والإعانة: المشاركة في ذلك.

والنصرة: استرجاع الحق، فهي أمور ثلاثة، وفي نهاية الحديث: «فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها».

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله):

«إِنِّي شَافِعٌ يَوْمَ القِيَامَةِ لأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ ولوْ جَاءُوا بِذُنُوبِ أَهْل الدُّنْيَا،

رَجُل نَصَرَ ذُرِّيَّتِي، ورَجُل بَذَل مَالهُ لذُرِّيَّتِي عِنْدَ المَضِيقِ، ورَجُل أَحَبَّ ذُرِّيَّتِي بِاللسَانِ وبِالقَلبِ، ورَجُل يَسْعَى فِي حَوَائِجِ ذُرِّيَّتِي إِذَا طُرِدُوا أَوْ شُرِّدُوا»(2).

وقَال أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «رَحِمَ اللهُ رَجُلا رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَليْهِ، ورَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ، وكَانَ عَوْناً بِالحَقِّ عَلى صَاحِبِهِ»(3).

وقَال (عليه السلام) فِي وَصِيَّتِهِ للحَسَنَيْنِ (عليهما السلام) عِنْدَ وَفَاتِهِ: «وقُولا

ص: 78


1- التعجب من أغلاط العامة: ص134، المعجم الكبير: ج1 ص66 ح182، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، ميزان الاعتدال: ج2 ص492 ح4560، مجمع الزوائد: ج9 ص203، كنز العمّال: ج13 ص674 ح37725.
2- الكافي:ج 4 ص60 باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ح9.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص261 ح4769.

بِالحَقِّ واعْمَلا للأَجْرِ، وكُونَا للظَّالمِ خَصْماً وللمَظْلومِ عَوْناً»(1).

خذلان العترة

مسألة: يحرم خذلان أهل البيت (عليهم السلام) وعدم نصرتهم.

والفرق بين الخذلان وعدم النصرة هو أن عدم النصرة حيادي، بينما الخذلان عمل سلبي، وكلاهما حرام، وإذا أطلقا كان أحدهما في قبال الآخر، أما إذا أطلق أحدهما فيراد به الآخر أيضاً، من قبيل: الفقير والمسكين، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.

قال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي عَليٍّ (عليه السلام): «اللهُمَّ وَال مَنْ وَالاهُ، وعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، واخْذُل مَنْ خَذَلهُ»(2).

ص: 79


1- بحار الأنوار: ج 97 ص90 ب1 وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضلهما ح75.
2- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص562 ح331، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص47 ب31 ح183، الإرشاد: ج 1 ص176، شواهد التنزيل: ج 1 ص201 ح211، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: ج 2 ص129، دلائل الصدق لنهج الحق: ج 4 ص314، تفسير الحبري: ص262 ح24 وص285- 287 ح41، تفسير الثعلبي: ج4 ص92، أسباب النزول للواحدي: ص112، تاريخ دمشق: ج42 ص237، تفسير الفخر الرازي: ج12 ص53، مطالب السؤول: ص79، فرائد السمطين: ج 1 ص158 ح120، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: ص42، الدرّ المنثور: ج3 ص117، ينابيع المودّة: ج1 ص359.

التكرار

مسألة: يستحب التكرار وقد يجب في الجملة، وذلك لاحتمال التأثير، ومع عدمه فلإتمام الحجة، فلا يكتفى بالمرة الواحدة إلاّ في موارد رجحانها، وفي هذه الرواية قام الإمام ومعه الصديقة الزهراء والسبطان (عليهم السلام) بطلب النصرة (أربعين) يوماً.

فإن التكرار يوجب قوة الدعوة، وحث الطرف، وكثيراً ما يسبب التحقق والإنجاز.

قَال أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «بِتَكْرَارِ الفِكْرِ يَتَحَاتُّ الشَّكُّ»(1).

وَكَانَ النبي (صلى الله عليه وآله) يَقُول فِي مَرَضِهِ: «نَفِّذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ» ويُكَرِّرُ ذَلك (2).

وعَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام): «أَنَّ زَيْنَ العَابِدِينَ (عليه السلام) بَكَى عَلى أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، صَائِماً نَهَارَهُ، قَائِماً ليْلهُ، فَإِذَا حَضَرَ الإِفْطَارُ جَاءَ غُلامُهُ بِطَعَامِهِ وشَرَابِهِ فَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُول: كُل يَا مَوْلايَ، فَيَقُول: قُتِل ابْنُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) جَائِعاً، قُتِل ابْنُ رَسُول اللهِ عَطْشَاناً، فَلا يَزَال يُكَرِّرُ ذَلكَ ويَبْكِي حَتَّىيُبَل طَعَامُهُ بِدُمُوعِهِ ويُمْزَجَ شَرَابُهُ بِدُمُوعِهِ، فَلمْ يَزَل كَذَلكَ حَتَّى لحِقَ بِاللهِ عَزَّ وجَل»(3).

ص: 80


1- عيون الحكم والمواعظ: ص188 ح3866.
2- إعلام الورى: ص133.
3- وسائل الشيعة: ج 3 ص282 ب87 باب جواز البكاء على الميت والمصيبة واستحبابه عند زيادة الحزن ح10.

وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) يدعو كثيراً فيقول: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ الرَّاحَةَ عِنْدَ المَوْتِ، والعَفْوَ عِنْدَ الحِسَابِ» ويكرّر ذلك (1).

الأربعون يوما

مسألة: قد يقال باستحباب أو وجوب التكرار في الاستنصار وشبهه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أربعين يوماً، إذا جمدنا على ظاهر ما صنعه أمير المؤمنين (عليه السلام) واستظهرنا الخصوصية في الأربعين(2).ويحتمل كونه من باب المصداق، لوفاء أربعين صباحاً بالمقصود، ووصولهم إلى كل من كان ينبغي أن يستنصر وإتمامهم للحجة في مثل ذلك الزمان.

نصرة الله

مسألة: يستحب بيان أن نصرة أهل البيت (عليهم السلام) نصرة الله تعالى، فإن الله سبحانه أمر بنصرتهم، ومن الواضح أن نصرتهم نصرة لمن أمر بها، ونصرة الله نصرة دينه وشريعته، قال سبحانه: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا

ص: 81


1- الإرشاد: ج 2 ص231، وسائل الشيعة: ج 7 ص10 ب2 باب استحباب إطالة سجدة الشكر وإكثار السجود ح9.
2- كما قد يستشم ذلك من مختلف النظائر وبعض الأدلة، قال تعالى: «وَبَلغَ أَرْبَعينَ سَنَةً» سورة الأحقاف: 15، وقال سبحانه: «فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعينَ ليْلةً» سورة الأعراف: 142، وكذا نصاب الغنم الأول أربعون، وشهادة أربعين مؤمناً للمؤمن المتوفى.. وهكذا.

اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ»(1).

وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ قَائِدُ البَرَرَةِ، وقَاتِل الفَجَرَةِ، مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ، مَخْذُول مَنْ خَذَلهُ، الشَّاكُّ فِي عَليٍّ هُوَ الشَّاكُّ فِي الإِسْلامِ، وخَيْرُ مَنْ أُخَلفُ بَعْدِي، وخَيْرُ أَصْحَابِي عَليٌّ، لحْمُهُ لحْمِي، ودَمُهُ دَمِي، وأَبُو سِبْطَيَّ، ومِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ تَخْرُجُ الأَئِمَّةُ التِّسْعَةُ، ومِنْهُمْ مَهْدِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ»(2).وعَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَال: سَأَلتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنِ الأَئِمَّةِ، فَقَالتْ: «كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول لعَليٍّ (عليه السلام): يَا عَليُّ أَنْتَ الإِمَامُ والخَليفَةُ بَعْدِي، وأَنْتَ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَيْتَ فَابْنُكَ الحَسَنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى الحَسَنُ فَابْنُكَ الحُسَيْنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى الحُسَيْنُ فَابْنُكَ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى عَليٌّ فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى مُحَمَّدٌ فَابْنُهُ جَعْفَرٌ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى جَعْفَرٌ فَابْنُهُ مُوسَى أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى مُوسَى فَابْنُهُ عَليٌ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى عَليٌّ فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى مُحَمَّدٌ فَابْنُهُ عَليٌ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى عَليٌّ فَابْنُهُ الحَسَنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى الحَسَنُ فَالقَائِمُ المَهْدِيُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، يَفْتَحُ اللهُ تَعَالى بِهِ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا، فَهُمْ أَئِمَّةُ الحَقِّ،

ص: 82


1- سورة محمد: 7.
2- كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: ص97.

وأَلسِنَةُ الصِّدْقِ، مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُمْ، مَخْذُول مَنْخَذَلهُم»(1).

نقض البيعة

مسألة: يحرم نقض البيعة الحقة.

فإن البيعة الصحيحة الشرعية يجب البقاء عليها والوفاء بها، فنقضها لا يجوز، على ما ذكرناه سابقاً في الحكمين في طرفي قضية واحدة، وقد دل على الحرمة روايات متعددة.

ولا يخفى أن حرمة نقض البيعة أمر آخر زائد على حرمة عدم الطاعة لمن نصبه الله ولياً وإماماً وخليفةً وقائداً، لبداهة حرمة عصيانه وإن لم تكن بيعة، أما البيعة فعقد موجب لمزيد التأكيد، لجريان عادتهم على الالتزام بها واعتبارها ملزمة، وقد أمضاها الشارع، فهي إلزام على إلزام، وهي كالقسم والحلف على أن يطيع ولي أمره وإمامه المعصوم، فلو خالف فقد عصى من جهتين.

قَال الرِّضَا (عليه السلام): «لا يَعْدَمُ المَرْءُ دَائِرَةَ السَّوْءِ مَعَ نَكْثِ الصَّفْقَةِ»(2).وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ فِي النَّارِ لمَدِينَةً يُقَال لهَا الحَصِينَةُ، أَفَلا تَسْأَلونِّي مَا فِيهَا؟ فَقِيل لهُ: ومَا فِيهَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَال: فِيهَا أَيْدِي النَّاكِثِينَ»(3).

ص: 83


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: ص95.
2- بحار الأنوار: ج 64 ص186 ب10 لزوم البيعة وكيفيتها وذم نكثها ح4.
3- بحار الأنوار: ج 64 ص186 ب10 لزوم البيعة وكيفيتها وذم نكثها ح6.

وعَنْ عَليٍّ (عليه السلام) قَال: «ثَلاثٌ مُوبِقَاتٌ، نَكْثُ البَيْعَةِ، وتَرْكُ السُّنَّةِ، وفِرَاقُ الجَمَاعَة»(1).

التذكير بالبيعة

مسألة: يستحب تذكير الناس ببيعتهم إذا نقضوها.

فإنه نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالإضافة إلى أنه من شؤون أصول الدين، على ما ألمعنا إليه في بعض البنود السابقة.

وفي قضية الشوری قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ، هَل فِيكُمْ أَحَدٌ نَصَبَهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالى، فَقَال: مَنْكُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ، اللهُمَّ وَال مَنْ وَالاهُ وعَادِ مَنْ عَادَاهُ، غَيْرِي»؟ قَالوا: لا(2).

عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن: أن علياً (عليه السلام) نشد الناس من سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، فشهد له قوم وأمسك زيد بن أرقم، فلم يشهد وكان يعلمها، فدعا علي (عليه السلام) عليه بذهاب البصر، فعمي، فكان يحدث الناس بالحديث بعد ما كف بصره(3).

ص: 84


1- مستدرك الوسائل: ج 11 ص369 ب49 باب جملة مما ينبغي تركه من الخصال المحرمة والمكروهة ح4.
2- الإحتجاج: ج 1 ص136.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4 ص74.

لا زالت الظلامة

مسألة: حيث إن مظلومية أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) لا تزال قائمة بصورها العديدة، فإن واجب النصرة على الجميع لا زال قائماً.

وفي المناقب: وَقَدْ رَوَى الكَافَّةُ عَنْهُ أي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلى قُرَيْشٍ فَإِنَّهُمْ ظَلمُونِي فِي الحَجَرِ والمَدَرِ»(1).

وفي حديث قَال عَليٌ (عليه السلام): «مَا زِلتُ مَظْلوماً مُنْذُ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) إِلى يَوْمِ الناسِ هَذَا»(2).

وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ نَجِيَّةَ، قَال: بَيْنَمَا عَليٌّ (عليه السلام) يَخْطُبُ وأَعْرَابِيٌّ يَقُول: وَا مَظْلمَتَاهْ، فَقَال (عليه السلام): «ادْنُ»، فَدَنَا، فَقَال (عليه السلام): «لقَدْ ظُلمْتُ عَدَدَ المَدَرِ والمَطَرِ والوَبَرِ، وفِي رِوَايَةِ كَثِيرِ بْنِ اليَمَانِ: وَمَا لا يُحْصَى»(3).وروى أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْل بْنُ دُكَيْنٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُرَيْثٍ قَال: إِنَّ عَليّاً (عليه السلام) لمْ يَقُمْ مَرَّةً عَلى المِنْبَرِ إلاّ قَال فِي آخِرِ كَلامِهِ قَبْل أَنْ يَنْزِل: «مَا زِلتُ مَظْلوماً مُنْذُ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله»(4).

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج:

ص: 85


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، لابن شهرآشوب: ج 2 ص115.
2- بحار الأنوار: ج28 ص372 تتميم.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، لابن شهرآشوب: ج 2 ص115.
4- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، لابن شهرآشوب: ج 2 ص115.

واعلم أنّه قد تواترت الأخبار عنه (عليه السلام) بنحو من هذا القول، نحو قوله (عليه السلام): «ما زلت مظلوما منذ قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله) حتّى يوم الناس هذا».

وقوله (عليه السلام): «اللهمّ اجز قريشاً فانّها منعتني حقّي وغصبتني أمري».

وقوله (عليه السلام): «فجزت قريشا عنّي الجوازي، فإنّهم ظلموني حقّي واغتصبوني سلطان ابن أمّي».

وقوله (عليه السلام) وقد سمع صارخاً ينادي أنا مظلوم، فقال (عليه السلام): «هلم فلنصرخ معا فإنّي ما زلت مظلوماً».

وقوله (عليه السلام): «وإنّه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرّحى».وقوله (عليه السلام): «أرى تراثي نهباً».

وقوله (عليه السلام): «أصفيا بإنائنا وحملا الناس على رقابنا».

وقوله (عليه السلام): «إنّ لنا حقّاً إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى».

وقوله (عليه السلام): ما زلت مستأثراً عليّ مدفوعاً عمّا أستحقّه وأستوجبه»(1).

ص: 86


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 9 ص306 و307.

مدى المظلومية

مسألة: يستحب بيان مدى مظلومية الصديقة فاطمة (عليها السلام) بحيث ما أعانها أحد من القوم ولا أجابها ولا نصرها.

فإن بيان ذلك فضح للظلمة، ويوجب التفاف الناس حول الصديقة (عليها السلام) أكثر فأكثر مما ينفع دين الناس ودنياهم، هذا بالإضافة إلى أن الله سبحانه قال: «قُل لا أَسْأَلكُمْ عَليْهِ أَجْرًا إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(1)، وبيان مظلوميتها هو نوع من إظهار المودة(2)

عَنْ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَال: سَأَلتُ عَليَّ بْنَ الحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ (عليهما السلام) عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: «قُل لا أَسْئَلكُمْ عَليْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(3)، قَال: «هِيَ قَرَابَتُنَا أَهْل البَيْتِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلى اللهُ عَليْهِ وآلهِ»(4).وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلهِ تَعَالى: «قُل لا أَسْئَلكُمْ عَليْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(5)، قَال: «هُمُ الأَئِمَّةُ عليهم السَّلام»(6).

ص: 87


1- سورة الشورى: 23.
2- قال في تفسير الصافي: (إلا المودة في القربى) أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، كذا في المجمع عن السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام). انظر تفسير الصافي: ج 4 ص372، ومجمع البيان: ج9 ص43.
3- سورة الشورى: 23.
4- تفسير فرات الكوفي: ص391 ح523.
5- سورة الشورى: 23.
6- الكافي: ج 1 ص413 باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولاية ح7.

وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (عليه السلام)، قَال: «خَطَبَ الحَسَنُ بْنُ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليهم السلام) حِينَ قُتِل عَليٌّ (عليه السلام) ثُمَّ قَال: وَإِنَّا مِنْ أَهْل بَيْتٍ افْتَرَضَ اللهُ مَوَدَّتَهُمْ عَلى كُل مُسْلمٍ حَيْثُ يَقُول:«لا أَسْئَلكُمْ عَليْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لهُ فِيها حُسْناً»(1) فَاقْتِرَافُ الحَسَنَةِ مَوَدَّتَنَا أَهْل البَيْتِ»(2).

نصرة الناصر

مسألة: يجب إعانة وإجابة ونصرة من ينصر أهل البيت (عليهم السلام).

فإن نصر الناصر نصر للمنصور، والأمر يشمل التسبيب أيضاً، كما أن ملاكه موجود في كل زمان ومكان.قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة غدير خم: «انصر من نصره، واخذل من خذله»(3).

وورد في مناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) طلحة بن عبيد الله: ثم إن امير المؤمنين (عليه السلام) استدعى طلحة بن عبيد الله، فقال له: إنما دعوتك يا أبا عبد الله لأذكرك ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) أما سمعته يقول: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»؟ وأنت أول من

ص: 88


1- سورة الشورى: 23.
2- مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: ص328 الإمامة و فضل الأئمة (عَليْهِم السَّلام) ح817.
3- مسند أحمد: ج1 ص192 ح967، مناقب الخوارزمي: ص80، بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية: ص77.

بايعني، ثم نكثت بيعتك لي، وقد قال الله تعالى: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ»(1)، فقال: استغفر الله، وكان أمر الله قدراً مقدوراً(2).

لا يقال: كيف استجابة دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) في ناصره وخاذله، ونحن نرى أن كثيراً من شيعة علي (عليه الصلاة والسلام) لم يُنصروا في كثير من المواقع، ولم يخُذل كثير من أعدائه وخاذليه؟

لأنه يقال:

أولاً: النصرة والخذلان بالمعنىالوافي لهما يكون في الآخرة، فالآخرة هي محط النظر الأول، قال تعالى: «وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»(3)، وقال سبحانه: «إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لهِيَ الحَيَوانُ لوْ كانُوا يَعْلمُون»(4)، والدنيا تكون في مرتبة ثانية من حيث النصرة والخذلان.

وثانياً: النصرة العظمى تكون في الدنيا في زمن الرجعة قال تعالى: «الحَقِّ ليُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلّهِ»(5).

وثالثاً: إن من الواضح أنهم (عليه الصلاة والسلام) وناصريهم نُصروا، وخاذليهم خُذلوا طول التاريخ، فالنصرة لعلي (عليه السلام) وآل علي (عليهم السلام) مشاهد في الكتب والمنابر والمآذن وغير ذلك، كما نرى أن خاذليهم خُذلوا على

ص: 89


1- سورة الفتح: 10.
2- وقعة الجمل: ص138، مروج الذهب: ج2 ص374.
3- سورة الأعلى: 17.
4- سورة العنكبوت: 64.
5- سورة التوبة : 33، سورة الفتح: 28. سورة الصف: 9.

المنابر والمآذن والكتب وغيرها، فهو من قبيل قوله سبحانه: «إِنَّا لنَنْصُرُ رُسُلنا والذينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا»(1)، وكم من مصائب دفعها الله تعالى عن شيعة علي (عليه السلام) ببركة دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ورابعاً: من مصاديق نصرة الناصرين تثبيتهم على الحق، وهل من نصرة أعظممن ذلك؟

التضحية للأهداف المقدسة

مسألة: تجب التضحية للأهداف المقدسة، وأهمها مسألة الإمامة.

والتضحية أنواع، منها التضحية بماء الوجه لأجل نصرة المظلوم، وذلك مما قامت به الصديقة (صلوات الله عليها)، إذ لا يخفى على الفطن اللبيب أنها من أصعب الأمور على ذوي المكانة والمنزلة، فكيف بالعظماء، أن يخرجوا إلى بيوت الناس فيدورون عليها بيتاً بيتاً ويستنصرونهم وهم يعلمون، وبحسب الظاهر يظنون أو يحتملون، أنهم سيجبهون بالرد والرفض.

عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): «إن علياً حمل فاطمة (عليها السلام) على حمار، وسار بها ليلاً الى بيوت الأنصار، يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار له، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فقال عليّ: أكنت أترك رسول الله ميتاً في بيته لا أجهزه، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه. وقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن إلاّ ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسبهم

ص: 90


1- سورة غافر: 51.

عليه»(1).

وفي الرواية: «فَلمَّا كَانَ الليْل حَمَل عَليٌّ (عليه السلام) فَاطِمَةَ (عليها السلام) عَلى حِمَارٍ وأَخَذَ بِيَدَيِ ابْنَيْهِ الحَسَنِ والحُسَيْنِ (عليهما السلام) فَلمْ يَدَعْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إلاّ أَتَاهُ فِي مَنْزِلهِ، فَنَاشَدَهُمُ اللهَ حَقَّهُ ودَعَاهُمْ إِلى نُصْرَتِهِ، فَمَا اسْتَجَابَ مِنْهُمْ رَجُل غَيْرُنَا الأَرْبَعَةِ، فَإِنَّا حَلقْنَا رُءُوسَنَا وبَذَلنَا لهُ نُصْرَتَنَا، وكَانَ الزُّبَيْرُ أَشَدَّنَا بَصِيرَةً فِي نُصْرَتِهِ، فَلمَّا رَأَى عَليٌّ (عليه السلام) خِذْلانَ النَّاسِ إِيَّاهُ وتَرْكَهُمْ نُصْرَتَهُ واجْتِمَاعَ كَلمَتِهِمْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وطَاعَتَهُمْ لهُ وتَعْظِيمَهُمْ إِيَّاهُ لزِمَ بَيْتَه»(2).

وَرُوِيَ أَنَّ الزهراء (عليها السلام) تُكُفِّنَتْ مِنْ بَعْدِ غُسْلهَا وحَنُوطِهَا وطَهَارَتِهَا لا دَنَسَ فِيهَا، وأَنَّهَا لمْ يَكُنْ يَحْضُرُهَا إلاّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ والحَسَنُ والحُسَيْنُ وزَيْنَبُ وأُمُّ كُلثُومٍ وفِضَّةُ جَارِيَتُهَا وأَسْمَاءُ ابْنَةُ عُمَيْسٍ، وأَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) جَهَّزَهَا ومَعَهُ الحَسَنُ والحُسَيْنُ (عليهماالسلام) فِي الليْل وصَلوْا عَليْهَا، وأَنَّهَا وَصَّتْ وقَالتْ: لا يُصَلي عَليَّ أُمَّةٌ نَقَضَتْ عَهْدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، ولمْ يُعْلمْ بِهَا أَحَداً، ولا حَضَرَ وَفَاتَهَا أَحَدٌ، ولا صَلى عَليْهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ غَيْرُهُمْ، لأَنَّهَا وَصَّتْ (عليها

السلام) وقَالتْ: لا يُصَلي عَليَّ أُمَّةٌ نَقَضَتْ عَهْدَ اللهِ وعَهْدَ أَبِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ بَعْلي وظَلمُونِي وأَخَذُوا وِرَاثَتِي وحَرَقُوا صَحِيفَتِيَ التِي كَتَبَهَا أَبِي بِمِلكِ فَدَكَ والعَوَالي وكَذَّبُوا شُهُودِي وهُمْ واللهِ جِبْرِيل

ص: 91


1- السقيفة وفدك: ص61، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص13، بحار الأنوار: ج 28 ص352.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص584 الحديث الرابع، بحار الأنوار: ج 28 ص268 ح45.

ومِيكَائِيل وأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وأُمُّ أَيْمَنَ، وطُفْتُ عَليْهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ وأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليهم

السلام) وعَليْهِ يَحْمِلنِي ومَعِيَ الحَسَنُ والحُسَيْنُ ليْلا ونَهَاراً إِلى مَنَازِلهِمْ، يُذَكِّرُهُمْ بِاللهِ ورَسُولهِ لئَلا يَظْلمُونَا ويُعْطُونَا حَقَّنَا الذِي جَعَلهُ اللهُ لنَا، فَيُجِيبُونَ ليْلا ويَقْعُدُونَ عَنْ نُصْرَتِنَا نَهَاراً، ثُمَّ يُنْفِذُونَ إِلى دَارِنَا قُنْفُذاً ومَعَهُ خَالدُ بْنُ الوَليدِ ليُخْرِجَا ابْنَ عَمِّي إِلى سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لبَيْعَتِهِمُ الخَاسِرَةِ، ولا يَخْرُجُ إِليْهِمْ مُتَشَاغِلا بِوَصَاةِ رَسُول اللهِ (صلى

الله عليه وآله) وأَزْوَاجِهِ وتَأْليفِ القُرْآنِ وقَضَاءِ ثَمَانِينَ أَلفَ دِرْهَمٍ وَصَّاهُ بِقَضَائِهَا عَنْهُ عِدَاتٍ ودَيْناً، فَجَمَعُوا الحَطَبَ بِبَابِنَا وأَتَوْا بِالنَّارِ ليُحْرِقُوا البَيْتَ، فَأَخَذْتُ بِعِضَادَتَيِ البَابِ وقُلتُ: نَاشَدْتُكُمُ اللهَ وبِأَبِي رَسُول اللهِ (عليه

السلام) أَنْ تَكُفُّوا عَنَّا وتَنْصَرِفُوا، فَأَخَذَ عُمَرُ السَّوْطَ مِنْ قُنْفُذٍ مَوْلى أَبِيبَكْرٍ، فَضَرَبَ بِهِ عَضُدِي، فَالتَوَى السَّوْطُ عَلى يَدِي حَتَّى صَارَ كَالدُّمْلجِ، ورَكَل البَابَ بِرِجْلهِ فَرَدَّهُ عَليَّ وأَنَا حَامِل فَسَقَطْتُ لوَجْهِي والنَّارُ تَسَعَّرُ، وصَفَقَ وَجْهِي بِيَدِهِ حَتَّى انْتَثَرَ قُرْطِي مِنْ أُذُنِي، وجَاءَنِي المَخَاضُ فَأَسْقَطْتُ مُحَسِناً قَتِيلا بِغَيْرِ جُرْمٍ، فَهَذِهِ أُمَّةٌ تُصَلي عَليَّ، وقَدْ تَبَرَّأَ اللهُ ورَسُولهُ مِنْهَا وتَبَرَّأْتُ مِنْهَا»(1).

ص: 92


1- الهداية الكبرى: ص178.

توبيخ من حضر بيعة السقيفة

اشارة

روي أنه لما بايع الناس أبا بكر، خرجت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) فوقفت على بابها، وقالت: «ما رأيت كاليوم قط، حضروا أسوأ محضر، وتركوا نبيهم (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أظهرنا، واستبدوا بالأمر دوننا»(1).

----------------------

فداحة الخطب

مسألة: يستحب إيضاح ما قالته الصديقة فاطمة (عليها السلام) من فداحة الخطب وهو المصاب، وأنها ما رأت مثل ذلك اليوم قط، فإن أشد الأيام على الزهراء (عليها السلام) كان يوم غصب الخلافة من علي (عليه السلام) وما قارنه من أحداث ومصائب، وهو أسوأ الأيام حيث انحرف الأمر عن محله، وتحولت القيادة من قيادة الأنبياء والأوصياء إلى قيادة المنافقين والأدعياء، وفرح الشيطان بإغواء الناس وسن الانحراف، ومن المعلوم أن التأسيس للانحراف وسنّه قد يكون أسوأ وأخطر من الاستمرار فيه، لأنه العلة والسبب، وإن كان كلاهما انحرافاً.وفي الأحاديث أن وزر كل معاصي الخلق على مرور الأزمان في عنقهما،

ص: 93


1- بحار الأنوار: ج 28 ص232 ب4 شرح انعقاد السقيفة وكيفية السقيفة ح18.

إذ «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»(1).

وعليه جرى قول الشاعر:

مولايَ ما سَنَّ الضَلال سِوى الأُلى *** هَجُوا على الطُّهرِ البتولةِ دارَها

مَنوا البتول عن النياحةِ إذ غَدَتْ *** تَبي أباهَا ليلها ونهارَها

قالوا لها قَري فَقد آذيتِنا *** أنّى وقد سَلبَ المُصابُ قرارَها

قَطوا أراكتَها ومِن أَبنائِها *** قطعتْ أُميُّ يمينَها ويسارَها

جَموا على بيتِ النّبيّ مُحمدٍ *** حَطاً و أوقَدتْ الضغائنُ نارَها

رَضّو سليلةَ أحمدٍ بالبابِ *** حتى أنبتُوا في صدرِها مسمارَها

عَصروا ابنةَ الهادي الأمينِ وأسقَطوا *** منها الجنينَ وأخرجُوا كرّارَها

قادُوهُ والزهراءُ تَعوا خلفَهم *** عَبى فليتَك تَنظُرُ استعبارَها

والعبدُ سَودَ متنَها فاستنصرتْ *** أسفاً فليتَكَ تَسعُ استنصارَها(2)

عَنْ دَاوُدَ بْنِ النُّعْمَانِ قَال: دَخَل الكُمَيْتُ فَأَنْشَدَهُ... إلى أن قال:قَال الكُمَيْتُ: يَا سَيِّدِي أَسْأَلكَ عَنْ مَسْأَلةٍ، وكَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَى جَالساً وكَسَرَ فِي صَدْرِهِ وِسَادَةً ثُمَّ قَال: سَل، فَقَال: أَسْأَلكَ عَنِ الرَّجُليْنِ، فَقَال: «يَا كُمَيْتَ بْنَ زَيْدٍ مَا أُهَرِيقَ فِي الإِسْلامِ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ، ولا اكْتُسِبَ مَال مِنْ غَيْرِ حِلهِ، ولا نُكِحَ فَرْجٌ حَرَامٌ إلاّ وذَلكَ فِي أَعْنَاقِهِمَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، حَتَّى يَقُومَ

ص: 94


1- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): ج5 ص579 ب12 يستحب إقامة السنن الحسنة وإجراء عوائد الخير ح50.
2- عيون الرثاء في فاطمة الزهراء عليها السلام: ص291.

قَائِمُنَا ونَحْنُ مَعَاشِرَ بَنِي هَاشِمٍ نَأْمُرُ كِبَارَنَا وصِغَارَنَا بِسَبِّهِمَا والبَرَاءَةِ مِنْهُمَا»(1).

وقَال الصَّادِقِ (عليه السلام): «وَاللهِ مَا أُهْرِيقَتْ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ ولا قُرِعَ عَصًا بِعَصًا، ولا غُصِبَ فَرْجُ حَرَامٍ، ولا أُخِذَ مَال مِنْ غَيْرِ حِلهِ، إلاّ ووِزْرُ ذَلكَ فِي أَعْنَاقِهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِ العَامِلينَ بِشَيْ ءٍ»(2).

وقال الصادق (عليه السلام): «فلانة كَبِيرٌ جُرْمُهَا، عَظِيمٌ إِثْمُهَا، مَا أُهْرِقَتْ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ إلاّ وإِثْمُ ذَلكَ فِي عُنُقِهَا وعُنُقِ صَاحِبَيْهِا، ولقَدْ عَهِدَ إِليْهِ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) وقَال: لا بُدَّ مِنْ أَنْ تُقَاتِل النَّاكِثِينَ وهُمْ أَهْل البَصْرَةِ، والقَاسِطِينَ وهُمْ أَهْل الشَّامِ، والمَارِقِينَ وهُمْ أَهْل النَّهْرَوَانِ، فَقَاتَلهُمْ عَليٌّ عَليْهِالسَّلامُ جَمِيعاً.

قَال القَوْمُ: إِنْ كَانَ هَذَا قَالهُ النَّبِيُّ فَقَدْ دَخَل القَوْمُ جَمِيعاً فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ.

قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): إِنَّكُمْ سَتُنْكِرُونَ.

قَالوا: إِنَّكَ جِئْتَنَا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ لا نَحْتَمِلهُ.

قَال: ومَا طَوَيْتُ عَنْكُمْ أَكْثَرَ، أَمَّا إِنَّكُمْ سَتَرْجِعُونَ إِلى أَصْحَابِكُمْ وتُخْبِرُونَهُمْ بِمَا أَخْبَرْتُكُمْ، فَتَكْفُرُونَ أَعْظَمَ مِنْ كُفْرِهِمْ»(3).

ص: 95


1- بحار الأنوار: ج 47 ص323 ب10 مداحيه (صلوات الله عليه) ح17.
2- تفسير القمي: ج 1 ص383.
3- دلائل الإمامة: ص261.

التقية ومواردها

مسألة: يجب أن يقتصر في التقية على مواردها وحدودها، فلو كانت التقية في ذكر الاسم لا الكنية اختص حكمها بالاسم، ولزمت التكنية فيما كان من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه المقام حيث أشير إلى ابن أبي قحافة بالرمز عنه بفلان، ويحتمل أن تكون التقية من الرواة اللاحقين، كما يحتمل أن تكون من الراوي الأول، كما يحتمل أن تكون من المستنسخين ومن أشبه.

وقد ذكر بعض العلماء أن إخراج علي (عليه السلام) من الدار وضرب فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) حدث ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدُ لم يقبر، أي كان ذلك في الأيام الثلاثة التي كان المسلمون يأتون فيها إلى جنازة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويصلون عليها.

لا يقال: كيف يمكن ذلك؟

لأنه يقال: كان للبيوت التي بناها الرسول (صلى الله عليه وآله) حول مسجده بابان: باب إلى الشارع وباب إلى المسجد، وبيت الزهراء (عليها السلام) لم يغلق بابه الذي إلى المسجد وبقي له بابان، بينما سائر البيوت أغلقت أبوابها التي كانت شارعة إلى المسجدفي حديث سد الأبواب، فكان الناس يأتون من المسجد إلى جثمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) الطاهر الذي كان في غرفة تلي المسجد يصلون عليه، بينما هم جاؤوا من الباب الذي كان من الشارع إلى البيت وأخرجوا علياً (عليه السلام) وهجموا على الزهراء (عليها السلام) ويؤيد ذلك قول الصديقة (عليها الصلاة والسلام): «والرسول لما يُقبر».

ص: 96

ويؤيده أيضاً الخبر الآتي حيث قالت (عليها الصلاة والسلام): «تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا» الخبر(1).

ولما ذكرناه من وجود بابين أحدهما إلى المسجد، لما كانت الصديقة (عليها السلام) تبكي كان يسمع صوت بكائها من في المسجد، ومن الطبيعي أن تبكي معها النساء والحسن والحسين (عليهما السلام) وزينب وأم كلثوم (عليهما السلام) ومن أشبه مما كان يحدث ضجة، ولذا قالوا لعلي (عليه الصلاة والسلام): إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، وكانت (عليها السلام) تخرج من المدينة إلى أحد حيث قبر حمزة (عليه السلام) أو تخرج إلى البقيع حيث بيت الأحزان وتبكي هناك.قَالتْ فضة: ثُمَّ رَجَعَتْ فاطمة (عليها السلام) إِلى مَنْزِلهَا وأَخَذَتْ بِالبُكَاءِ والعَوِيل ليْلهَا ونَهَارَهَا وهِيَ لا تَرْقَأُ دَمْعَتُهَا ولا تَهْدَأُ زَفْرَتُهَا، واجْتَمَعَ شُيُوخُ أَهْل المَدِينَةِ وأَقْبَلوا إِلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَقَالوا لهُ: يَا أَبَا الحَسَنِ إِنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) تَبْكِي الليْل والنَّهَارَ فَلا أَحَدٌ مِنَّا يَتَهَنَّأُ بِالنَّوْمِ فِي الليْل عَلى فُرُشِنَا ولا بِالنَّهَارِ لنَا قَرَارٌ عَلى أَشْغَالنَا وطَلبِ مَعَايِشِنَا، وإِنَّا نُخْبِرُكَ أَنْ تَسْأَلهَا إِمَّا أَنْ تَبْكِيَ ليْلا أَوْ نَهَاراً ... فَأَقْبَل أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حَتَّى دَخَل عَلى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وهِيَ لا تُفِيقُ مِنَ البُكَاءِ ولا يَنْفَعُ فِيهَا العَزَاءُ، فَلمَّا رَأَتْهُ سَكَنَتْ هُنَيْئَةً لهُ، فَقَال لهَا: يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِنَّ شُيُوخَ المَدِينَةِ يَسْأَلونِّي أَنْ أَسْأَلكِ إِمَّا أَنْ تَبْكِينَ أَبَاكِ ليْلا وإِمَّا نَهَاراً، فَقَالتْ: يَا أَبَا الحَسَنِ مَا أَقَل مَكْثِي بَيْنَهُمْ ومَا أَقْرَبَ مَغِيبِي مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَوَ اللهِ لا أَسْكُتُ ليْلا ولا نَهَاراً أَوْ أَلحَقَ بِأَبِي

ص: 97


1- ويحتمل كون الهجوم كان في بعض الفواصل بين صلاة وصلاة، ويحتمل أن يكون الهجوم عدة مرات قبل الدفن وبعده.

رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَقَال لهَا عَليٌّ (عليه السلام): افْعَلي يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ مَا بَدَا لكِ.

ثُمَّ إِنَّهُ بَنَى لهَا بَيْتاً فِي البَقِيعِ نَازِحاً عَنِ المَدِينَةِ يُسَمَّى بَيْتَ الأَحْزَانِ، وكَانَتْ إِذَا أَصْبَحَتْ قَدَّمَتِ الحَسَنَ والحُسَيْنَ(عليهما السلام) أَمَامَهَا وخَرَجَتْ إِلى البَقِيعِ بَاكِيَةً فَلا تَزَال بَيْنَ القُبُورِ بَاكِيَةً، فَإِذَا جَاءَ الليْل أَقْبَل أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِليْهَا وسَاقَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِلى مَنْزِلهَا ولمْ تَزَل عَلى ذَلكَ(1).

وقال الشاعر:

الواثِبنَ لظُلمِ آل مُحَمَدٍ *** وَمُحمَدٌ مُلىً بِل تَكْفنِ

و القائِلنَ لفاطِمٍ آذَيْتن *** في طول نَوٍ دائِم و حَننِ

و القاطِعين أراكَة كَيلا تُقيل *** بِظل أَوراقٍ لها وغُصونِ

وَ مُجَمِعي حَطَبٍ عَلى البَيتِ الذي *** لمْ يَجتَمِعْ لولاهُ شَمل الدينِ

و الداخِلنَ عَلى البَتلةِ بيتها *** و المُسْقطينَ لها أعَز جَننِ

و القائِدين إمامهُمْ بِنجادِهِ *** و الطُهُ تدعو خَلهمْ بِرينِ

خَلوا ابنَ عَمي أَو لأكشفَ للدُعا *** رَأسي وأشكو للإلهِ شُجوني

ماكانَ ناقةُ صالحٍ و فَصيلها *** بالفضل عِنْدَ الله إلاّ دوني

وَ رَنَتْ إلى القَبرِ الشريفِ بِمُقْلةٍ *** عَبير وقَلبٍ مُكمَدٍ مَحونِ

نادتْ و أظفارُ المُصبِ بٍقَلبِها *** أبتاهُ عزَ على العداة مُعني

أبتاهً هذا السامريُّ و عِجلهُ *** تُبعَا ومال الناسُ عن هارونِ

ص: 98


1- بحار الأنوار: ج 43 ص177 ب7 ح15.

أيَّ الرزايا أتَق بِتجَلدٍ *** هو في النوائبِ مذ حييتُ قريني

فقدي أبي أم غصبَ بَعي حَقَهُ *** أم كسرَ ضِلعِيْ أم سقوطَ جنيني

أم أخذهم إِرثي وَ فاضل نِحلتي *** أم جَههمْ حَقي وقدْ عَرفوني

قهروا يتيميك الحُسينَ و صنوَهُ *** و سألتُه حَق وقدْ نَهوني(1)

الخروج لفضح الظالم

مسألة: يلزم الخروج لفضح الظالم، بالشرائط المذكورة في الفقه.

والخروج من باب أحد المصاديق، فإن فضح الظالم ورد الظلامة واجب، سواء كان بالخروج أم بالاعتكاف في المسجد، أم البقاء في المنزل احتجاجاً واعتراضاً، أم بالاعتصام بأنواعه، وسواء كان بالقول أم بالكتابة أم بغير ذلك.

روي أنه كَتَبَ سيد الشهداء (عليه السلام) هَذِهِ الوَصِيَّةَ لأَخِيهِ مُحَمَّدٍ:

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ الحُسَيْنُ بْنُ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ إِلى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوفِ بِابْنِ الحَنَفِيَّةِ، أَنَّ الحُسَيْنَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولهُ، جَاءَ بِالحَقِّ مِنْ عِنْدِ الحَقِّ، وأَنَّ الجَنَّةَ والنَّارَ حَقٌ، وأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها، وأَنَّاللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ، وأَنِّي لمْ أَخْرُجْ أَشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفْسِداً ولا ظَالماً، وإِنَّمَا خَرَجْتُ لطَلبِ الإِصْلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلى الله عليه وآله) أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وأَبِي عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) فَمَنْ قَبِلنِي بِقَبُول الحَقِّ

ص: 99


1- للشاعر العالم الأديب الشيخ صالح الكواز (رحمه الله) ولد سنة 1233ه وتوفي في شوال عام 1290 ه وعمره 57 سنة ودفن في النجف الأشرف

فَاللهُ أَوْلى بِالحَقِّ، ومَنْ رَدَّ عَليَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ بَيْنِي وبَيْنَ القَوْمِ بِالحَقِ وهُوَ خَيْرُ الحاكِمِينَ، وهَذِهِ وَصِيَّتِي يَا أَخِي إِليْكَ، وما تَوْفِيقِي إلاّ بِاللهِ، عَليْهِ تَوَكَّلتُ وإِليْهِ أُنِيبُ»، قَال ثُمَّ طَوَى الحُسَيْنُ (عليه السلام) الكِتَابَ وخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ ودَفَعَهُ إِلى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ وَدَّعَهُ وخَرَجَ فِي جَوْفِ الليْل(1).

المرأة والدفاع عن الحق

مسألة: يجوز للمرأة أيضاً أن تخرج للدفاع عن الحق وفضح الباطل، كما سبقت الإشارة إليه في الخطبة الشريفة(2)، مراعية الموازين الشرعية.

إذ لا فرق بين الرجل والمرأة في هذا التكليف، فإن كليهما مأمورانبالواجبات وترك المحرمات والدفاع عن الحق وفضح الظالم وما أشبه، وإنما الفرق بين الرجل والمرأة في أمور خاصة(3) مذكورة في أبوابها المرتبطة بها.

وهل يشترط في خروجها للنهي عن المنكر إذن زوجها، ربما تختلف المصاديق، فإذا علم من الشرع أهمية شيء قدم الأهم، نعم يقتصر فيه على ما يتحقق به الغرض، فلو تحقق بالخروج إلى باب دارها فقط اقتصر عليه.

وفي وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام): «اللهَ اللهَ فِي ذُرِّيَّةِ نَبِيِّكُمْ، فَلا يُظْلمُنَّ بِحَضْرَتِكُمْ وبَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ وأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلى الدَّفْعِ عَنْهُم»(4).

ص: 100


1- بحار الأنوار: ج 61 ص258 ب10.
2- انظر شرح خطبة الصديقة (عليها السلام) في المسجد، المجلد الثاني إلى الخامس من هذا الكتاب.
3- كالتحجب وبعض شروط الصلاة وكمية الإرث لبعضهن وشبه ذلك.
4- الكافي: ج 7 ص52 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) ووصاياهم ح7.

التآمر لغصب الحق

مسألة: يحرم التآمر لغصب الحق من أهله، سواء أكان وراء الأبواب المغلقة، أم غيرها.

ولا فرق في حرمته كونه بين شخصين أو جهتين أو دولتين، ولا بين كونه لهدم حق أو تشييد باطل، ولا بين كونه لمصادرة حق شخص أو جماعة أو أمة، نعم درجات الحرمة تختلف شدةً وضعفاً.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَجِي ءُ كُل غَادِرٍ يَوْمَ القِيَامَةِ بِإِمَامٍ مَائِل شِدْقُهُ حَتَّى يَدْخُل النَّارَ، ويَجِي ءُ كُل نَاكِثٍ بَيْعَةَ إِمَامٍ أَجْذَمَ حَتَّى يَدْخُل النَّارَ»(1).

وعن الأَصْبَغُ قَال: صَليْنَا مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) الغَدَاةَ فَإِذَا رَجُل عَليْهِ ثِيَابُ السَّفَرِ قَدْ أَقْبَل، فَقَال (عليه السلام): «مِنْ أَيْنَ»، قَال: مِنَ الشَّامِ، قَال: «مَا أَقْدَمَكَ»، قَال: لي حَاجَةٌ، قَال: «أَخْبِرْنِي وإِلا أَخْبَرْتُكَ بِقَضِيَّتِكَ»، قَال: أَخْبِرْنِي بِهَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.

قَال: «نَادَى مُعَاوِيَةُ يَوْمَ كَذَا وكَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وكَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وكَذَا مَنْ يَقْتُل عَليّاً فَلهُ عَشَرَةُ آلافِ دِينَارٍ فَوَثَبَ فُلانٌ وقَال: أَنَا، قَال: أَنْتَ، فَلمَّا انْصَرَفَ إِلى مَنْزِلهِ نَدِمَ وقَال: أَسِيرُ إِلى ابْنِ عَمِّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَبِي وَلدَيْهِ فَأَقْتُلهُ، ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِ اليَوْمَ الثَّانِيَ: مَنْ يَقْتُل عَليّاً فَلهُ عِشْرُونَ أَلفَ دِينَارٍ، فَوَثَبَ آخَرُ فَقَال: أَنَا، فَقَال: أَنْتَ، ثُمَّ إِنَّهُ نَدِمَ واسْتَقَال مُعَاوِيَةَ فَأَقَالهُ ،

ص: 101


1- الكافي: ج 2 ص337 باب المكر والغدر والخديعة ح2.

ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِ اليَوْمَ الثَّالثَ: مَنْ يَقْتُل عَليّاً فَلهُ ثَلاثُونَ أَلفَ دِينَارٍ، فَوَثَبْتَ أَنْتَ وأَنْتَ رَجُل مِنْ حِمْيَرٍ، قَال: صَدَقْتَ، قَال: فَمَا رَأْيُكَ تَمْضِي إِلى مَا أُمِرْتَ بِهِ أَوْ مَا ذَا، قَال: لا، ولكِنْ أَنْصَرِفُ، قَال: يَا قَنْبَرُ أَصْلحْ لهُ رَاحِلتَهُ وهَيِّئْ لهُ زَادَهُ وأَعْطِهِ نَفَقَتَهُ»(1).

المحضر الأسوأ

مسألة: يستحب بيان أن القوم بحضورهم لمبايعة ابن أبي قحافة قد حضروا أسوأ محضر.

وإنما كان كذلك لأنه انقلاب على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وعلى تعاليم السماء وعلى الدين وعلى أمرالإمامة والخلافة، فهو تحريف لعامة الحق عن مجاريه، ومن الواضح أن هناك فرقاً كبيراً بين التحريف في القيادة، وبين تحريف حكم من الأحكام الفرعية.

قال تعالى: «أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِل انْقَلبْتُمْ عَلَى أَعْقابِكُمْ»(2).

وعن حَنَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «كَانَ النَّاسُ أَهْل رِدَّةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) إِلا ثَلاثَةً»، فَقُلتُ: ومَنِ الثَّلاثَةُ، فَقَال: «المِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ، وأَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ، وسَلمَانُ الفَارِسِيُّ (رَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ عَليْهِمْ) ثُمَّ عَرَفَ أُنَاسٌ بَعْدَ يَسِيرٍ، وقَال: هَؤُلاءِ الذِينَ دَارَتْ عَليْهِمُ الرَّحَى وأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتَّى

ص: 102


1- بحار الأنوار: ج 41 ص306 ب114 معجزات كلامه من إخباره بالغائبات وعلمه باللغات وبلاغته وفصاحته (صلوات الله عليه)، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 2 ص261 فصل في إخباره بالغيب.
2- سورة آل عمران: 144.

جَاءُوا بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مُكْرَهاً فَبَايَعَ، وذَلكَ قَوْل اللهِ تَعَالى: «وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسُول قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلهِ الرُّسُل أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِل انْقَلبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ومَنْ يَنْقَلبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ»(1) »(2).

ترك جنازة النبي

مسألة: يحرم ترك النبي (صلى الله عليه وآله)جنازةً والاشتغال بما اشتغلوا به.

فإن تركه (صلى الله عليه وآله) كذلك خلاف احترامه اللائق به، وقد أمر الله سبحانه باحترام رسوله (صلى الله عليه وآله) حياً وميتاً، قال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذيراً * لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصيلاً»(3).

بل ورد في المؤمن العادي أن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فكيف برسول الله (صلى الله عليه وآله).

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «حُرْمَةُ المُسْلمِ مَيِّتاً كَحُرْمَتِهِ حَيّاً سَوِيّاً»(4).

وقَال الإمام الكاظم (عليه السلام): «كَانَ أَبِي يَقُول: إِنَّ حُرْمَةَ بَدَنِ المُؤْمِنِ مَيِّتاً كَحُرْمَتِهِ حَيّا»(5).

ص: 103


1- سورة آل عمران: 144.
2- الكافي: ج 8 ص246 حديث القباب ح341.
3- سورة الفتح: 8-9.
4- تهذيب الأحكام: ج 1 ص419 ب21 باب المياه وأحكامها ح43.
5- تهذيب الأحكام: ج 1 ص445 ب23 باب تلقين المحتضرين ح85.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قُلتُ لهُ: رَجُل قَطَعَ رَأْسَ مَيِّتٍ، قَال: «حُرْمَةُ المَيِّتِ كَحُرْمَةِ الحَيِّ»(1).وعن الإمام الجواد (عليه السلام) في رواية عن أبيه الرضا (عليه السلام) قال: «فَإِنَّ حُرْمَةَ المَيِّتَةِ كَحُرْمَةِ الحَيَّة»(2).

ثم إن ترك الجنازة من أظهر مصاديق هتك حرمة النبي (صلوات الله عليه)، وذلك من أسوأ ما تعير به الأمم، هذا إضافة إلى أن تركه كذلك كان بغرض الانقلاب عليه وعلى الخلافة الشرعية.

والظاهر أن كون ذلك (أسوأ محضر) عام شامل لمختلف الجهات والأبعاد، إذ كان تأسيساً للضلال سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً وغير ذلك.

هذا والروايات كثيرة في لزوم احترام النبي (صلى الله عليه وآله) حتى عند ذكر اسمه المبارك، فكيف بحضوره وجنازته:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَنَسِيَ أَنْ يُصَليَ عَليَّ خَطَّأَ اللهُ بِهِ طَرِيقَ الجَنَّةِ»(3).

وَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلمْ يُصَل عَليَّ دَخَل النَّارَفَأَبْعَدَهُ اللهُ»(4).

ص: 104


1- وسائل الشيعة: ج 29 ص328 ب25 باب تحريم الجناية على الميت المؤمن بقطع رأسه أو غيره ح2.
2- وسائل الشيعة: ج 28 ص280 ب19 باب حد النباش ح6.
3- الكافي: ج 2 ص495 باب الصلاة على النبي محمد و أهل بيته (عليهم السلام) ح20.
4- وسائل الشيعة: ج6 ص408 ب10 ضمن ح8299.

الاستبداد بالأمر

مسألة: يحرم الاستبداد بالأمر بقول مطلق، ويشتد في الاستبداد به مقابل العترة الطاهرة (عليهم السلام) وفيما يرتبط بخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فإن الاستبداد أصل المفاسد، وقد قال علي (عليه الصلاة والسلام): «من استبدّ برأيه هلك»(1).

وذكرنا في بعض المباحث المرتبطة بالاستبداد أن (هلك) مقدمة للإهلاك أيضاً، فإن النتيجة من سنخ المقدمة، و المسبَّب من جنس السبب(2).

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ زَل»(3).

وقَال (عليه السلام): «من استبدّ برأيه فقد خاطر وغرّر»(4).

وقَال (عليه السلام): «حَقٌّ عَلى العَاقِلأَنْ يَسْتَدِيمَ الاسْتِرْشَادَ ويَتْرُكَ الاسْتِبْدَادَ»(5).

وقَال (عليه السلام): «الاستبداد برأيك يزلك ويهوّرك فى المهاوي»(6).

ص: 105


1- نهج البلاغة، الحكمة: 161.
2- يراجع (الفقه السياسة) و(الشورى في الإسلام) و(الحريات الإسلامية) و(ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين) و(طريق النجاة) للإمام المؤلف (قدس سره الشريف).
3- عيون الحكم والمواعظ: ص429 ح7303.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: ص666 ح1524.
5- عيون الحكم والمواعظ: ص233 ح4460.
6- غرر الحكم ودرر الكلم : ص81 ح1547.

من أعظم الكبائر

مسألة: غصب الخلافة من الكبائر، بل هو من أعظمها، فإن غصب الخلافة تحريف للقيادة الشرعية عن مجاريها، وذلك من أشد المحرمات، بل إن غصب إبرة وأقل من إبرة محرم فكيف بمثل الخلافة.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إلاّ هُوَ رابِعُهُمْ ولا خَمْسَةٍ إلاّ هُوَ سادِسُهُمْ ولا أَدْنى مِنْ ذلكَ ولا أَكْثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلوا يَوْمَ القِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُل شَيْ ءٍ عَليمٌ»(1)، قَال: «نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي فُلانٍ وفُلانٍ وأَبِي عُبَيْدَةَ الجَرَّاحِ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وسَالمٍ مَوْلى أَبِي حُذَيْفَةَ والمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، حَيْثُ كَتَبُوا الكِتَابَ بَيْنَهُمْ وتَعَاهَدُوا وتَوَافَقُوا لئِنْ مَضَى مُحَمَّدٌ لا تَكُونُ الخِلافَةُ فِي بَنِي هَاشِمٍ ولا النُّبُوَّةُ أَبَداً، فَأَنْزَل اللهُ عَزَّ وجَل فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ».

قَال: قُلتُ: قَوْلهُ عَزَّ وجَل: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونَجْواهُمْ بَلَى ورُسُلنا لدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»(2). قَال: وهَاتَانِ الآيَتَانِ نَزَلتَا فِيهِمْ ذَلكَ اليَوْمَ».قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «لعَلّكَ تَرَى أَنَّهُ كَانَ يَوْمٌ يُشْبِهُ يَوْمَ كَتْبِ الكِتَابِ إلاّ يَوْمَ قَتْل الحُسَيْنِ (عَليْهِ السَّلامُ)، وهَكَذَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلمِ اللهِ عَزَّ وجَل الذِي أَعْلمَهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ إِذَا كُتِبَ الكِتَابُ قُتِل الحُسَيْنُ وخَرَجَ

ص: 106


1- سورة المجادلة: 7.
2- سورة الزخرف: 79 - 80.

المُلكُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَقَدْ كَانَ ذَلكَ كُلهُ».

قُلتُ: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلوا فَأَصْلحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلى الأُخْرى فَقاتِلوا التِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلحُوا بَيْنَهُما بِالعَدْل»(1).

قَال: «الفِئَتَانِ إِنَّمَا جَاءَ تَأْوِيل هَذِهِ الآيَةِ يَوْمَ البَصْرَةِ وهُمْ أَهْل هَذِهِ الآيَةِ، وهُمُ الذِينَ بَغَوْا عَلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه

السلام) فَكَانَ الوَاجِبَ عَليْهِ قِتَالهُمْ وقَتْلهُمْ حَتَّى يَفِيئُوا إِلى أَمْرِ اللهِ، ولوْ لمْ يَفِيئُوا لكَانَ الوَاجِبَ عَليْهِ فِيمَا أَنْزَل اللهُ أَنْ لا يَرْفَعَ السَّيْفَ عَنْهُمْ حَتَّى يَفِيئُوا ويَرْجِعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ، لأَنَّهُمْ بَايَعُوا طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ وهِيَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ كَمَا قَال اللهُ تَعَالى، فَكَانَ الوَاجِبَ عَلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه

السلام) أَنْ يَعْدِل فِيهِمْ حَيْثُ كَانَ ظَفِرَ بِهِمْ كَمَا عَدَل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِي أَهْل مَكَّةَ إِنَّمَا مَنَّ عَليْهِمْ وعَفَا وكَذَلكَ صَنَعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِأَهْل البَصْرَةِ حَيْثُ ظَفِرَ بِهِمْ مِثْل مَا صَنَعَ النَّبِيُّ (صلى

الله عليه وآله) بِأَهْلمَكَّةَ حَذْوَ النَّعْل بِالنَّعْل».

قَال: قُلتُ: قَوْلهُ عَزَّ وجل: «وَالمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى»(2)، قَال: «هُمْ أَهْل البَصْرَةِ هِي المُؤْتَفِكَةُ»، قُلتُ: «وَالمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلهُمْ بِالبَيِّناتِ»(3).

قَال: «أُولئِكَ قَوْمُ لوطٍ ائْتَفَكَتْ عَليْهِمُ انْقَلبَتْ عَليْهِمْ»(4).

ص: 107


1- سورة الحجرات: 9.
2- سورة النجم: 53.
3- سورة التوبة: 70.
4- الكافي: ج 8 ص179 خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ح202.

لم تستأمرونا

اشارة

في الرواية: وإذا فاطمة (عليها السلام) واقفة على بابها، وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول: «لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا وصنعتم بنا ما صنعتم، ولم تروا لنا حقاً»(1).

----------------------

جحود الحق

مسألة: يحرم جحود الحق.

فإن الزهراء (صلوات الله عليها) كانت تعيّر القوم بجحودهم الحق: (ولم تردوا لنا حقاً)، وفعلهم تلك الأفاعيل: (وصنعتم بنا ما صنعتم)، فيدل كلامها (عليها السلام) على حرمة كلا الأمرين.

بل يحرم مجرد عدم رؤية حق لهم، لا الإنكار والجحود فقط، كما لعله ظاهر (ولم تروا لنا حقاً)، فإن عدم رؤية حق لشخص أو جمع أعم من إنكاره، فإن الإنكار نفي، وعدم الرؤية، سكوت أو جهل أو حياء، فتأمل.

ويحتمل في (ولم تروا لنا حقاً) أن المراد: عملتم عمل من لا يرى لنا حقاً،

ص: 108


1- الأمالي، للمفيد: ص50 المجلس السادس ح9، وعنه بحار الأنوار: ج 28 ص232 ب4 شرح انعقاد السقيفة وكيفية السقيفة ح17.

فتجاهلتمونا، وعملتم ما عملتم، وذلك لوضوح أنهم كانوا يعلمون بحقهم (صلوات الله عليهم).

عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... فَعَدُوُّهُمْ هُمُ الحَرَامُ المُحَرَّمُ، وأَوْليَاؤُهُمْ الدَّاخِلونَ فِي أَمْرِهِمْ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ فِيهِمُ الفَوَاحِشُ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ، والخَمْرُ والمَيْسِرُ والرِّبَا والدَّمُ ولحْمُ الخِنْزِيرِ، فَهُمُ الحَرَامُ المُحَرَّمُ، وأَصْل كُل حَرَامٍ، وهُمُ الشَّرُّ وأَصْل كُل شَرٍّ، ومِنْهُمْ فُرُوعُ الشَّرِّ كُلهِ، ومِنْ ذَلكَ الفُرُوعُ الحَرَامُ واسْتِحْلالهُمْ إِيَّاهَا، ومِنْ فُرُوعِهِمْ تَكْذِيبُ الأَنْبِيَاءِ وجُحُودُالأَوْصِيَاء»(1).

وعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلهِ: «فَمِنْكُمْ كافِرٌ ومِنْكُمْ مُؤْمِنٌ»(2)، فَقَال: «عَرَفَ اللهُ عَزَّ وجَل إِيمَانَهُمْ بِمُوَالاتِنَا، وكُفْرَهُمْ بِهَا، يَوْمَ أَخَذَ عَليْهِمُ المِيثَاقَ وهُمْ ذَرٌّ فِي صُلبِ آدَمَ».

وسَأَلتُهُ عَنْ قَوْلهِ عَزَّ وجَل: «أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَليْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولنَا البَلاغُ المُبِينُ»(3)، فَقَال: «أَمَا واللهِ مَا هَلكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ ومَا هَلكَ مَنْ هَلكَ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا (عليه السلام) إلاّ فِي تَرْكِ وَلايَتِنَا وجُحُودِ حَقِّنَا، ومَا خَرَجَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَلزَمَ رِقَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ حَقَّنَا «وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»(4)،(5).

ص: 109


1- بصائر الدرجات: ج 1 ص528 ب21 ح1.
2- سورة التغابن: 2.
3- سورة التغابن: 12.
4- سورة البقرة: 213.
5- الكافي: ج 1 ص426 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ح74.

وقَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «يَا أَبَانُ كَيْفَ يُنْكِرُ النَّاسُ قَوْل أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) لمَّا قَال: لوْ شِئْتُ لرَفَعْتُ رِجْلي هَذِهِ فَضَرَبْتُ بِهَا صَدْرَ ابْنِأَبِي سُفْيَانَ بِالشَّامِ فَنَكَسْتُهُ عَنْ سَرِيرِهِ، ولا يُنْكِرُونَ تَنَاوُل آصَفَ وَصِيِّ سُليْمَانَ عَرْشَ بِلقِيسَ وإِتْيَانَهُ سُليْمَانَ بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدُّ إِليْهِ طَرْفُهُ، أَ ليْسَ نَبِيُّنَا (صلى الله عليه وآله) أَفْضَل الأَنْبِيَاءِ ووَصِيُّهُ (عليه السلام) أَفْضَل الأَوْصِيَاءِ، أَفَلا جَعَلوهُ كَوَصِيِّ سُليْمَانَ، حَكَمَ اللهُ بَيْنَنَا وبَيْنَ مَنْ جَحَدَ حَقَّنَا وأَنْكَرَ فَضْلنَا»(1).

وعن سَلمَانَ الفَارِسِيِّ (رضوان الله عليه) قَال: قَال لي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «يَا سَلمَانُ الوَيْل كُل الوَيْل لمَنْ لا يَعْرِفُ لنَا حَقَّ مَعْرِفَتِنَا وأَنْكَرَ فَضْلنَا»(2).

من أكبر المحرمات

مسألة: من أكبر المحرمات ما صنعه القوم في حق العترة الطاهرة (عليهم السلام) بدءاً من غصب الخلافة إلى إيذاء الصديقة فاطمة (عليها السلام) وضربها حتى صار في عضدها كمثل الدملج، وكسر ضلعها وإسقاط جنينها.

فإن كل ذلك محرم حتى بالنسبة إلى الإنسان العادي فكيف بمثلها (عليها أفضل الصلاة والسلام). قال تعالى: «إِنَّ الذينَ يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولَهُ لعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهيناً»(3).

ص: 110


1- الاختصاص: ص213 صحيفة الزهراء (عليها السلام) وأخبار أخرى في فضلهم.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ص244.
3- سورة الأحزاب: 57.

وفي تفسير القمي حول هذه الآية، قال:

نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين عَليْهِ السَّلامُ حقه، وأخذ حق فاطمة عَليْها السَّلامُ وآذاها، وَقَدْ قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، كَمَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي، ومَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي كَمَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، ومَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي ومَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ» وهو قول الله: «إِنَّ الذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولَهُ» الآية. وقوله: «وَالذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ» يعني علياً وفاطمة «بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلوا بُهْتاناً وإِثْماً مُبِيناً» وهي جارية في الناس كلهم(1).

الخلفاء حقاً

مسألة: يحرم الاعتقاد بأنه ليس لأهل البيت (عليهم السلام) حق في أمر الخلافة.

وهذا مما يرتبط بشؤون أصول الدين، فهناك عمل محرم وهناك اعتقاد محرم، وعدم الاعتقاد بشؤون أصول الدين محرم، أما عدم الاعتقاد ببعض ما يتعلقبالعمل فربما لا يكون واجباً، والأمر يختلف باختلاف موارده وأدلته(2).

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «الأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، أَوَّلهُمْ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ، وَآخِرُهُمُ القَائِمُ، هُمْ خُلفَائِي وَأَوْصِيَائِي وَأَوْليَائِي وَحُجَجُ اللهِ عَلى

ص: 111


1- تفسير القمي: ج 2 ص196.
2- من وجوب أو حرمة نفسية أو غيرية، فقد لا يحرم عدم الاعتقاد بالغيري لو عمل به ولم يرجع ذلك إلى إنكار أحد الأصول اللازمة، والنفسي يختلف أيضاً باختلاف ما يستظهر من أدلته.

أُمَّتِي بَعْدِي، المُقِرُّ بِهِمْ مُؤْمِنٌ، وَالمُنْكِرُ لهُمْ كَافِرٌ»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب بهذه الخطبة إلى أكابر أصحابه وفيها كلام رسول الله صلى الله عليه وآله» وذكر الخطبة إلى أن قال: «من الولي يا رسول الله؟ قال: وليكم في هذا الزمان أنا، ومن بعدي وصيي، ومن بعد وصيي لكل زمان حجج الله»، ثم ذكر كلاماً طويلاً في الأوصياء من آدم إلى أن قال: «فلم يزل الأنبياء و الأوصياء يتوارثون ذلكحتى انتهى الأمر إليّ، وأنا أدفع ذلك إلى علي وصيي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، وإن علياً يورث ولده حيهم عن ميتهم، فمن سره أن يدخل جنة ربه فليتول علياً والأوصياء من بعده، وليسلم لفضلهم، فإنهم الهداة بعدي، أعطاهم الله فهمي وعلمي، فهم عترتي من لحمي ودمي، أشكو إلى الله عدوهم والمنكر لهم فضلهم، القاطع عنهم صلتي، فمثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له» الحديث، وفي آخره ذكر المهدي (عليه السلام) (2).

أسوأ الناس

مسألة: يستحب بيان أن القوم الذين غصبوا الخلافة والذين رضوا بالغصب هم أسوأ الناس، حيث قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام):

ص: 112


1- كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: ص146 باب ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
2- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج 2 ص224 الفصل التاسع و الأربعون.

«...أسوأ...».

فإن مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله) وخاصة في أمر مهم كالخلافة التي أدى غصبها ولا يزال يؤدي باستمرار إلى مشاكل ومصاعب ومصائب جمة لا تعد ولاتحصى، وقد تركت المسلمين يكتوون بنارها إلى اليوم، هو أسوأ عمل قام به شخص على مر التاريخ.

فليس في كلامها (عليها السلام) أدنى مبالغة، بالإضافة إلى أنه لو ترك الأمر إلى صاحبه لأدخل كل الناس في الإسلام، ووفر لهم الرفاه والازدهار وسعادة الدارين.

قال سبحانه: «وَلوْ أَنَّ أَهْل القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لفَتَحْنا عَليْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»(1).

فعلى أولئك القوم يقع وزر وإثم كل كفر وفسق وفجور.

عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْهُمَا، فَقَال: «يَا أَبَا الفَضْل مَا تَسْأَلنِي عَنْهُمَا فَوَ اللهِ مَا مَاتَ مِنَّا مَيِّتٌ قَطُّ إلاّ سَاخِطاً عَليْهِمَا، ومَا مِنَّا اليَوْمَ إلاّ سَاخِطاً عَليْهِمَا، يُوصِي بِذَلكَ الكَبِيرُ مِنَّا الصَّغِيرَ، إِنَّهُمَا ظَلمَانَا حَقَّنَا، ومَنَعَانَا فَيْئَنَا، وكَانَا أَوَّل مَنْ رَكِبَ أَعْنَاقَنَا، وبَثَقَا عَليْنَا بَثْقاً فِي الإِسْلامِ لا يُسْكَرُ أَبَداً حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا أَوْ يَتَكَلمَ مُتَكَلمُنَا».

ثُمَّ قَال: «أَمَا واللهِ لوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا أَوْ تَكَلمَ مُتَكَلمُنَا لأَبْدَى مِنْ أُمُورِهِمَا مَاكَانَ يُكْتَمُ، ولكَتَمَ مِنْ أُمُورِهِمَا مَا كَانَ يُظْهَرُ، واللهِ مَا أُسِّسَتْ مِنْ بَليَّةٍ ولا قَضِيَّةٍ تَجْرِي عَليْنَا أَهْل البَيْتِ إلاّ هُمَا أَسَّسَا أَوَّلهَا فَعَليْهِمَا لعْنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنَّاسِ

ص: 113


1- سورة الأعراف: 96.

أَجْمَعِينَ»(1).

استئمار أهل البيت

مسألة: استئمار أهل البيت (عليهم السلام) واجب في ما ألم بالأمة من الشؤون، وكذا الشؤون العامة بل مطلقاً.

وقول الصديقة (عليها السلام): (لم تستأمرونا)، لوم وتقريع للقوم بتركهم ما وجب عليهم ككبرى كلية من الاستئمار بقول مطلق.

قال الشاعر:

ولو قلدوا الموصى إليه أمورها *** لزُمَّت بمأمون على العثرات

وفي خطبتها الشريفة (عليها الصلاة والسلام) ما يدل على ذلك أيضاً.

ص: 114


1- الكافي: ج 8 ص245 حديث القباب ح340.

نزول العذاب

اشارة

روي: إن فاطمة (عليها السلام) لما أن كان من أمرهم ما كان، قالت: «أما والله فلولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له، لعلمت أني سأقسم على الله، ثم أجده سريع الإجابة»(1).

------------------------

قانون الأهم والمهم

مسألة: يجب تقديم الأهم على المهم فيما دار الأمر بين واجبين متزاحمين أو محرمين متزاحمين في الجملة، فإنه أمر عقلي وشرعي.

وقد قال سبحانه: «وَلوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لجَعَلنا لمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَليْها يَظْهَرُونَ»(2).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيمارووا عنه: «يا عائشة لو لا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين،

ص: 115


1- راجع الكافي: ج 1 ص460 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح5، وفيه: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليهما السلام) قَالا: «إِنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) لمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ أَخَذَتْ بِتَلابِيبِ عُمَرَ فَجَذَبَتْهُ إِليْهَا ثُمَّ قَالتْ: أَمَا واللهِ يَا ابْنَ الخَطَّابِ لوْلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ البَلاءُ مَنْ لا ذَنْبَ لهُ لعَلمْتَ أَنِّي سَأُقْسِمُ عَلى اللهِ ثُمَ أَجِدُهُ سَرِيعَ الإِجَابَةِ».
2- سورة الزخرف: 33.

باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة»(1).

والعقل دال على القاعدة المذكورة أيضاً، فإنه إذا دار الأمر بين أن يُقتل إنسان أو تقطع يده، قدّم قطع يده على قتله.

وذلك سواء كان الأهم والمهم من جنس واحد كما مثلناه، أو من جنسين، كما إذا دار الأمر بين الزنا بامرأة أو قطع إصبعها مثلاً، وهكذا في الأموال والأعراض والدماء، لكن اللازم ملاحظة أمرين:

الأول: كون الموضوع من الأهم والمهم.

والثاني: كون الأهم بحيث يمنع من النقيض، وإلاّ فإذا كان الأهم على نحو الترجيح لا على نحو المنع من النقيض فإنه يحكم بالتخيير، إلاّ أن تقديم الأهم يكون عندئذ أفضل.

والصديقة فاطمة (عليها الصلاة والسلام) وازنت - حسب هذه الرواية - بين الدعاء والقسم بما يوجب نزول البلاء،وبين عدم إصابة البلاء من لا ذنب له.

لا يقال: كيف يمكن أن يصيب البلاء من لا ذنب له؟

لأنه يقال: كما قال سبحانه: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الذينَ ظَلمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً»(2)، فإن من قوانين الكون أن البلاء إذا نزل يعمّ الجميع إلاّ أن يكون هنالك إعجاز، وليس من سنة الله سبحانه وتعالى الإعجاز في كل الأمور، بل إنه يجريها بأسبابها الطبيعية إلاّ ما خرج بالدليل.

ص: 116


1- العمدة: ص317.
2- سورة الأنفال: 25.

والظاهر أن البلاء كان سيحيق بمن كانوا في تلك الفترة وبالأجيال القادمة، لأنهم كانوا من نسلهم، فلو أهلكوا لهلك خلق كثير ممن يتشهد الشهادتين ويوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله في امتداد الأزمان، ولذا قالت: «لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له».

الدعاء والبلاء

مسألة: يكره الدعاء فيما لو كان يصيب البلاء من لا ذنب له.

فإن إصابة البلاء من لا ذنب له قد يكون من الأهم والمهم المانع من النقيض، وقد لا يكون، فهو جائزبالمعنى الأعم(1).

رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «لمَّا اسْتُخْرِجَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِنْ مَنْزِلهِ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ (صلوات الله عليها) خَلفَهُ، فَمَا بَقِيَتِ امْرَأَةٌ هَاشِمِيَّةٌ إلاّ خَرَجَتْ مَعَهَا حَتَّى انْتَهَتْ قَرِيباً مِنَ القَبْرِ، فَقَالتْ لهُمْ: خَلوا عَنِ ابْنِ عَمِّي، فَوَ الذِي بَعَثَ مُحَمَّداً أَبِي (صلى الله عليه وآله) بِالحَقِّ إِنْ لمْ تُخَلوا عَنْهُ لأَنْشُرَنَّ شَعْرِي ولأَضَعَنَّ قَمِيصَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَلى رَأْسِي ولأَصْرُخَنَّ إِلى اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى، فَمَا صَالحٌ بِأَكْرَمَ عَلى اللهِ مِنْ أَبِي، ولا النَّاقَةُ بِأَكْرَمَ مِنِّي، ولا الفَصِيل بِأَكْرَمَ عَلى اللهِ مِنْ وُلدِي، قَال سَلمَانُ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): كُنْتُ قَرِيباً مِنْهَا فَرَأَيْتُ واللهِ أَسَاسَ حِيطَانِ مَسْجِدِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) تَقَلعَتْ مِنْ أَسْفَلهَا حَتَّى لوْ أَرَادَ رَجُل أَنْ يَنْفُذَ مِنْ تَحْتِهَا لنَفَذَ، فَدَنَوْتُ مِنْهَا فَقُلتُ: يَا سَيِّدَتِي ومَوْلاتِي إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى بَعَثَ أَبَاكِ رَحْمَةً فَلا تَكُونِي نَقِمَةً، فَرَجَعَتْ ورَجَعَتِ الحِيطَانُ حَتَّى

ص: 117


1- الجائز بالمعنى الأعم يشمل الواجب والمستحب والمباح والمكروه.

سَطَعَتِ الغَبَرَةُ مِنْ أَسْفَلهَا فَدَخَلتْ فِي خَيَاشِيمِنَا»(1).

القسم في الأدعية المهمة

مسألة: يستحب القسم على الله تبارك وتعالى في الأدعية المهمة.

فإن القسم من القسمة، كأن الأمر يقسم بين هذا وذاك، ويتحمل كل منهما نصف الأمر، والقسم على الله سبحانه نوع من الطلب المؤكد منه ليقضي الحاجة، فكأنه يطلب منه أن يكون إلى جواره في القضية بعد أن كان منفرداً بإرادة حلها، أو أنه يقسم الأمر بين الماضي حيث كان مبتلى بالأمر وكان بعهدته، والمستقبل حيث يطلب من الله تعالى أن يكون هو المتكفل بالحل، فتأمل.

وقد ذكرنا في الأدب أن المادة الواحدة لها معنى واحد وإن اختلفت في الصيغ المختلفة، وما ذكره جملة من الأدباء من المعاني المتعددة للفظ الواحد إذا فتشنا عنها نجدها ترجع إلى معنى عام واحد هو الكلي الذي له مصاديقه المختلفة، والقسم والقسمة وما أشبه كلها باعتبار كونها مادة واحدة تكون بمعنى واحد، وتختلف مصاديقها كاختلاف أفراد الكلي.

وقد ذكرنا استحباب القسم في الأدعية المهمة، لأنه لولا الأهمية لكان الأفضل ترك القسم على الله سبحانه لاحترام الاسم الشريف، قال سبحانه: «وَلا تَجْعَلوا اللهَعُرْضَةً لأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وتَتَّقُوا وتُصْلحُوا بَيْنَ النَّاسِ»(2)، على أحد التفسيرين.

ص: 118


1- الاحتجاج: ج 1 ص86.
2- سورة البقرة: 224.

الظالم وذكر اسمه

مسألة: لا يجب التصريح باسم الظالم إذا لم يكن موضع حاجة وضرورة، ولذا نجد الصديقة (عليها السلام) صرحت في بعض الموارد دون بعض، إذ لكل فائدة، وقد جمعت (صلوات الله عليها) بين الأمرين، بالتنويع في كلماتها.

وهذا أسلوب القرآن الكريم حيث صرح أحياناً بأسماء أعداء الله كفرعون وقابيل وهامان، ولم يصرح أحياناً.

وفي رواية: بعد ما سمعت بضعة المصطفى (عليها السلام) أصواتهم، وهي تبكي حزينة كئيبة، نادت بأعلى صوتها: «يا أبت يا رسول الله: ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة»(1).

مقام الصديقة

مسألة: يستحب بيان مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) عند الله سبحانه، بحيث لو أقسمت على الله تعالى تجده سريع الإجابة.

ويدل على قولها هذا ما دل علىأنها سيدة نساء أهل الجنة(2)، ويدل عليه

ص: 119


1- راجع: الإمامة والسياسة: ج1 ص13، وأعلام النساء: ج3 ص6 و21، بحار الأنوار: ج 28 ص356.
2- انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص565 الحديث الأول، كفاية الأثر: ص124، كامل الزيارات: ص310 الباب الثاني والمائة ح2، الأمالي للصدوق: ص125 المجلس السادس والعشرون ح7، الاختصاص: ص183، الأمالي للمفيد: ص23 المجلس الثالث ح4، الأمالي للطوسي: ص85 المجلس الثالث ح36، روضة الواعظين: ج 1 ص149 مجلس في ذكر مناقب فاطمة (عليها السلام)، إعلام الورى: ص159، بشارة المصطفى: ج 2 ص277، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 3 ص323 فصل في تفضيلها على النساء، الاحتجاج: ج 1 ص278، الفضائل لابن شاذان القمي: ص135، طرف من الأنباء والمناقب: ص381، الطرائف: ج 1 ص262 ح364، وغيرها.

أيضاً قوله (صلى الله عليه وآله): «إن الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها»(1)، فإنها (عليها السلام) لو غضبت بما دعاها للدعاء عليهم لاستجاب الله لها دون ريب، كما قال عزوجل: «فَلمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعين»(2).

والنصيب قسم بكسر القاف، فأما اليمين فالقسم، قال أهل اللغة: أصلذلك من القسامة وهي الأيمان تقسم على أولياء المقتول إذا ادعوا دم مقتولهم على ناس اتهموهم به(3).

ص: 120


1- راجع الاحتجاج: ج 2 ص354، إرشاد القلوب: ج 2 ص232، بحار الأنوار: ج 43 ص21 ب3 مناقبها وفضائلها وبعض أحوالها ومعجزاتها (صلوات الله عليها) ح8.
2- سورة الزخرف: 55.
3- معجم مقاييس اللغة: ج 5 ص86 مادة (قسم).

طلب الميراث

اشارة

روي أن فاطمة (صلوات الله عليها) انطلقت إلى أبي بكر فطلبت ميراثها من نبي الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن نبي الله لا يورث!. فقالت: «قال الله: «يُوصيكُمُ اللهُ في أَوْلادِكُمْ للذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ»(1)»(2).

المطالبة بالحق

مسألة: المطالبة بالحق على قسمين، واجب ومستحب، على حسب أنواع الحق، وذلك مما يستفاد من الأدلة الخارجية.

مثلاً: إذا كان في ذمة إنسان لإنسان آخر دينار واحد، لم يجب على صاحبالحق طلبه، أما إذا كانت زوجته مختطفة فالواجب عليه طلبها، لأن ترك المختطف وهتك عرضه حرام شرعاً، بخلاف المثال الأول فإن ترك الدينار حتى عند الناهب ليس من المحرم.

ص: 121


1- سورة النساء: 11.
2- تفسير العياشي: ج 1 ص225 ح49، وسائل الشيعة: ج 26 ص97 ب2 باب أنه إذا اجتمع الأولاد ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين وكذا الإخوة والأجداد والأعمام وأولادهم عدا ما استثني ح8، بحار الأنوار: ج 29 ص119 ب11باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين عليه السلام ح12.

والظاهر أن مطالبة الصديقة (عليها السلام) ميراثها من ابن أبي قحافة كان واجباً، لكون ذلك من أهم أسباب فضح الغاصبين والظالمين، ومن أهم أدلة ظلمهم وغصبهم لحقها وحق الوصي (عليهما السلام)، ومن أهم طرق الدفاع عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «طَلبُ التَّعَاوُنِ عَلى إِقَامَةِ الحَقِّ دِيَانَةٌ وأَمَانَةٌ»(1).

وعن البَاقِرُ (عليه السلام) فِي خَبَرٍ: «أَنَّهُ رَجَعَ عَليٌّ (عليه السلام) إِلى دَارِهِ فِي وَقْتِ القَيْظِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ قَائِمَةٌ تَقُول: إِنَّ زَوْجِي ظَلمَنِي وأَخَافَنِي وتَعَدَّى عَليَّ وحَلفَ ليَضْرِبَنِي، فَقَال (عليه السلام): يَا أَمَةَ اللهِ اصْبِرِي حَتَّى يَبْرُدَ النَّهَارُ ثُمَّ أَذْهَبُ مَعَكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالتْ: يَشْتَدُّ غَضَبُهُ وحَرْدُهُ عَليَّ، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ وهُوَ يَقُول: لا واللهِ أَوْ يُؤْخَذَ للمَظْلومِ حَقُّهُ غَيْرَ مُتَعْتِعٍ، أَيْنَ مَنْزِلكِ، فَمَضَى إِلى بَابِهِ فَقَال: السَّلامُ عَليْكُمْ، فَخَرَجَ شَابٌّ، فَقَالعَليٌّ: يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ فَإِنَّكَ قَدْ أَخَفْتَهَا وأَخْرَجْتَهَا، فَقَال الفَتَى: ومَا أَنْتَ وذَاكَ، واللهِ لأُحْرِقَنَّهَا لكَلامِكَ، فَقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): آمُرُكَ بِالمَعْرُوفِ وأَنْهَاكَ عَنِ المُنْكَرِ تَسْتَقْبِلنِي بِالمُنْكَرِ وتُنْكِرُ المَعْرُوفَ، قَال: فَأَقْبَل النَّاسُ مِنَ الطُّرُقِ ويَقُولونَ: سَلامٌ عَليْكُمْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَسَقَطَ الرَّجُل فِي يَدَيْهِ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَقِلنِي عَثْرَتِي فَوَ اللهِ لأَكُونَنَّ لهَا أَرْضاً تَطَؤُنِي، فَأَغْمَدَ عَليٌّ (عليه السلام) سَيْفَهُ وقَال: يَا أَمَةَ اللهِ ادْخُلي مَنْزِلكِ ولا تُلجِئِي زَوْجَكِ إِلى مِثْل هَذَا وشِبْهِه»(2).

ص: 122


1- عيون الحكم والمواعظ: ص319 ح5563.
2- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام (لابن شهرآشوب): ج 2 ص106.

الاستدلال والاستشهاد بالكتاب العزيز

مسألة: يستحب الاستدلال والاستشهاد بآيات القرآن الكريم، وإذا توقف إحقاق الحق عليه وجب، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها)، وفي ذلك ترويج للقرآن الكريم وإحقاق للحق، وملاكه أيضاً يأتي في الأحاديث المروية عن المعصومين (عليهم الصلاة والسلام)، وهكذا بالنسبة إلى الثابت من أقوال الملائكة، وكذلك أقواله سبحانه وتعالى في الأحاديث القدسية، وكذا أقوال سائر الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) وحتى العلماء في الجملة، فالملاك في الجميع واحد وإن اختلفت مراتب الاستحباب أو الوجوب.

ثم إن استشهاد الزهراء (عليها الصلاة والسلام) بالآيات بعمومها وإطلاقها، ولا دليل على تخصيصها أو تقييدها، أما ما ذكره ابن أبي قحافة فلا شك أنه مجعول، لأدلة كثيرة ذكرها الكلاميون والفقهاء في الكتب المفصلة(1).

ص: 123


1- ومنها: إنه انقطع عند استدلال الصديقة الزهراء (عليها السلام) بالآية الشريفة، ولو كانت الرواية ثابتة لاستدل بها على تخصيص الكتاب، ومنها: أنه كيف يعقل أن لا يبلغ الرسول (صلى الله عليه وآله) هذه الرواية لمن هو محل ابتلائها أولاً وبالذات - وهم ورثته، ويطلع عليها من ليست محل لابتلائه، ومع قطع النظر عن قبح ذلك ذاتاً فإنه يوجب الاختلاف والشقاق، وما كان أسهل أن يبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) الورثة بذلك خاصة وهم سيدة نساء أهل الجنة. ومنها: أن هذه الرواية تصادم نص القرآن الكريم مثل «وَوَرِثَ سُلَيْمانُ دَاوُدَ» كما استشهدت به الصديقة الطاهرة (عليها السلام).

التفريق بين المسلمين

مسألة: تحرم التفرقة بين المسلمين في الأحكام والحقوق، بما لم ينزل الله به سلطاناً، ولذا قالت الصديقة (صلوات الله عليها): «وتحكما فينا خاصة بما لم تحكما في سائر المسلمين».

تكذيب الكتاب

مسألة: يحرم تكذيب كتاب الله تعالى، سواء بالتصريح أو التلميح، بالمطابقة أو الالتزام(1)، وسواء في العموم أو الخصوص، أو الكلي أو الجزئي.

ومنه تكذيب الأول والثاني لعموم آية الإرث بجعل حديث على خلافها، فإنه تكذيب بالحق الظاهر ويوجب العقاب في الآخرة.

وهناك في التاريخ الكثير مما يدل على جهل القوم بالآيات ومخالفتهم لها:

فلما قرأ: «وَفاكِهَةً وأَبًّا»(2) قال: ما الأب؟ثم قال: إن هذا لهو التكلف وما عليك يا ابن الخطاب إلاّ تدري ما الأب(3).

وقد أحرقوا الفجاءة المازني وهو يقول: أنا مسلم(4)، وقطعوا يسار

ص: 124


1- ومنه قول البعض بأن القرآن نزل لزمان خاص ومكان خاص! على خلاف ضرورة الإسلام، أو أن جوهره وروحه من الله أما قالبه وتعبيراته فمن الرسول! أو نظائر ذلك مما وفد إليهم من الغرب أو الشرق.
2- سورة عبس: 31.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص33.
4- راجع الطبريّ في تاريخه: ج3 ص264، وأحمد بن أعثم الكوفيّ في الفتوح: ج1 ص16، وغيرهما. وقد ذكر القصّة مفصّلا في المتن عن كامل ابن الأثير، وتعرّض لها العلامة الأميني في غديره: ج7 ص156 - 157 و170 - 171 عن عدّة مصادر، فراجع.

السارق وهو خلاف الشرع(1)، ولم يعرفوا ميراث الجدة، فَقَال: لجَدَّةٍ سَأَلتْهُ عَنْ إِرْثِهَا؟ لا أَجِدُ لكِ شَيْئاً فِي كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله)، فَأَخْبَرَهُ المُغِيرَةُ ومُحَمَّدُ بْنُ مَسْلمَةَ أَنَّ الرَّسُول (صلى الله عليه وآله) أَعْطَاهَا السُّدُسَ، وقَال: أَطْعِمُوا الجَدَّاتِ السُّدُسَ (2).ولم يعرفوا ميراث العمّة والخالة(3)، إلى غيرها مما هو كثير.

ص: 125


1- روى الأميني في الغدير: ج7 ص129 عن جمع بعدّة طرق، منها ما أورده البيهقيّ في سننه: ج8 ص273 - 274، من جهل الخليفة في قطع السارق، إذ روى أنّ رجلا سرق على عهد أبي بكر مقطوعة يده ورجله، فأراد أبو بكر أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهّر بها وينتفع بها .. وانظر أيضاً في الصراط المستقيم: ج2 ص305.
2- انظر التّرمذيّ: ج4 ص420 كتاب الفرائض ب10 ح2100 - 2101، وسنن الدّارميّ: ج2 ص359، وسنن أبي داود:ج 2 ص17، وسنن ابن ماجة: ج3 ص163، ومسند أحمد: ج4 ص224، وسنن البيهقيّ: ج6 ص234، وموطّأ مالك: ج1 ص335، وبداية المجتهد: ج2 ص344، ومصابيح السّنّة: ج2 ص22، وغيرها من المصادر. وقد ذكرها الخاصّة أيضاً، انظر: الغدير: ج7 ص104 - 105، والصّراط المستقيم: ج2 ص296، والسّبعة من السّلف: ص90، والشّافي: ج4 ص193، وتلخيصه: ج4 ص25. وقد قضى في الجدّ سبعين قضيّة، كما صرّح بذلك ابن أبي الحديد في شرحه على النّهج: ج3 ص165، وج4 ص262 (أربعة مجلدات ط مصر)، وروى مائة قضيّة كل منها ينقض الآخر، كما أخرجه البيهقيّ في سننه الكبرى: ج6 ص245 عن عبيدة، ومثله عن المتّقي الهنديّ في كنز العمّال: ج6 ص15 كتاب الفرائض، وفي المبسوط للسرخسي: ج29 ص180: والصّحيح أنّ مذهب عمر لم يستقرّ على شي ء في الجدّ. وهو القائل - كما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه:ج1 ص61، وغيره - : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنّم فليقل في الجدّ برأيه.
3- راجع الغدير: ج7 ص171.

المطالبة بالميراث

مسألة: يجوز للمرأة أن تطلب بإرثها، والجواز هنا بالمعنى الأعم كما سبق في شرح الخطبة الشريفة.

والإرث من باب المصداق، وكذلك المرأة، وإلا فالحكم شامل للمرأة والرجل، للإرث وغير الإرث.

ومن الواضح أن فدك لم تكن إرثاً بالمعنى الفقهي الأخص لأنها كانت نحلة، وإنما أريد بالإرث المعنى الأعم، أي ما وصل من الرسول (صلى الله عليه وآله) إليها (عليها السلام)، مثل قوله تعالى: «وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأَرْضِ ومَغارِبَهَا»(1) وما أشبه ذلك من إطلاق الإرث على غير المعنى الفقهي الخاص بكتاب الإرث.

وهناك احتمال آخر في الباب(2).والاستدلال بآيات الإرث ذكرناه في الفصل الثاني من هذا الكتاب(3).

ص: 126


1- سورة الأعراف: 137.
2- لعل المراد به: أن احتجاجها (عليها السلام) بالإرث، كان من باب التنزل، إذ لا سبيل لهم لإنكار الإرث لأنه الأصل، إلاّ بجعل حديث وافتراء على الدين، أما النحلة فربما يقولون بأنها خلاف الأصل وهي بحاجة إلى دليل، وعلى الرغم من وجود الأدلة الكثيرة والبينة، بل قول سيدة نساء أهل الجنة (عليها السلام) بنفسه كاف لو كانوا يعقلون أو يؤمنون، إلاّ أن إثبات ما هو طبق الأصل أسهل من إثبات ما هو خلافه، مضافاً إلى أن (اليد) دليل الملك دون شك وريب.
3- أي في شرح الخطبة.

غصب الخلافة كفر

مسألة: يستحب بيان أن ما فعله القوم من غصب حق الصديقة فاطمة (عليها السلام) كان كفراً بالله تعالى، وتكذيباً لكتابه عزوجل.

وهل المراد بالكفر هنا الكفر العملي، فالكفر قد يطلق على الاعتقادي وقد يطلق على العملي.

قال سبحانه: «لئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزيدَنَّكُمْ ولئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لشَديد»(1).

وقال تعالى: «وَللهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِليْهِ سَبيلاً ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العالمين»(2).

وإطلاق الكفر على العملي في الروايات كثير، نعم إذا كان اعتقادهم على خلاف الحق فالكفر بالمعنى الاعتقادي أيضاً.

الكفر العملي:

قال تعالى: «يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا ويُرْبِي الصَّدَقاتِ واللهُ لا يُحِبُّ كُل كَفَّارٍ أَثيم»(3).وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «سِبَابُ

ص: 127


1- سورة إبراهيم: 7.
2- سورة آل عمران: 97.
3- سورة البقرة: 276.

المُؤْمِنِ فُسُوقٌ، وقِتَالهُ كُفْرٌ، وأَكْل لحْمِهِ مَعْصِيَةٌ، وحُرْمَةُ مَالهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ»(1).

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «إِذَا قَال الرَّجُل لأَخِيهِ المُؤْمِنِ أُفٍ، خَرَجَ مِنْ وَلايَتِهِ، وإِذَا قَال أَنْتَ عَدُوِّي، كَفَرَ أَحَدُهُمَا، ولا يَقْبَل اللهُ مِنْ مُؤْمِنٍ عَمَلا وهُوَ مُضْمِرٌ عَلى أَخِيهِ المُؤْمِنِ سُوءاً»(2).

الكفر الاعتقادي

قال تعالى: «إِنَّ الذينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ويَقْتُلونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ويَقْتُلونَ الذينَ يَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَليم»(3).

وقال سبحانه: «إِنَّ الذينَ كَفَرُوا وماتُوا وهُمْ كُفَّارٌ فَلنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدِهِمْ مِل ءُ الأَرْضِ ذَهَباً ولوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهمْ عَذابٌ أَليمٌ وما لهُمْ مِنْ ناصِرين»(4).

حرمة الكفر

مسألة: يحرم الكفر بالله تعالى، فإنهمن أشد المحرمات، قال عزوجل: «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يَشاءُ»(5).

ص: 128


1- الكافي: ج 2 ص359 باب السباب ح2.
2- الكافي: ج 2 ص361 باب السباب ح8.
3- سورة آل عمران: 21.
4- سورة آل عمران: 91.
5- سورة النساء: 48 و116.

لا يقال: إن الله سبحانه ليس بمحتاج، فأي ضرر يترتب عليه في الكفر به.

لأنه يقال: لا شك في أنه غني مطلق، إلاّ أن الكافر الذي تمت عليه الحجة غير لائق لأن يحشر مع الذين أحقوا الحق وأبطلوا الباطل، فنفسيته نفسية نارية، ولذلك فإنه سيدخلها، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في بعض الكتب المرتبطة بأصول الدين(1).

ص: 129


1- ومن الوجوه: إن الجزاء هو العمل نفسه لا نتيجته فلا يعقل إلاّ أن يكون هو هو.

احتجاج على الغاصبين

اشارة

وفي حديث غصب فدك، قالت فاطمة (عليها السلام) حين أرادا انتزاعها وهي في يدها:

«أليست في يدي وفيها وكيلي، وقد أكلت غلتها ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي»، قالا: بلى، قالت: «فلم تسألاني في البينة على ما في يدي»، قالا: لأنها فيء المسلمين، فإن قامت بينة وإلاّ لم نمضها، قالت لهما - والناس حولهما يسمعون -: «أفتريدان أن تردا ما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحكما فينا خاصة بما لم تحكما في سائر المسلمين، أيها الناس اسمعوا ما ركباها».

قالت: «أرأيتما إن ادّعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم تسألونني البينة أم تسألونهم»، قالا: لا، بل نسألك.

قالت: «فإن ادّعى جميع المسلمين ما في يدي تسألونهم البينة أم تسألونني».

فغضب عمر وقال: إن هذا فيء للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلتها، فإن أقمت بينة على ما ادّعت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهبها لها من بين المسلمين وهي فيئهم وحقهم نظرنا في ذلك.

فقالت: «حسبي، أنشدكم بالله أيها الناس، أما سمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن ابنتي سيدة نساء أهل الجنة».

ص: 130

قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قالت: «أفسيدة نساء أهل الجنة تدّعي الباطل وتأخذ ما ليس لها»(1).

------------------------------

طلب الحق

مسألة: يستحب طلب الحق بالاستشهاد بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ومن الواضح أن استدلال الصديقة (عليها السلام) بكونها سيدة النساء قوي جداً، فإنه يمتنع عقلاً أن يجعل الله امرأة سيدة نساء الجنة كافة باستثناء مثل الرسول وعلي (صلوات الله عليهما) ثم تدّعي الباطل أو تحاول غصب حق لكافة المسلمين كما ادعياه!، هذا مع قطع النظر عن آية التطهير وغيرها من الأدلة التي قامت على عصمتها (عليها السلام).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «ثَلاثٌ لا يُسْتَحْيَى مِنْهُنَّ: خِدْمَةُ الرَّجُل ضَيْفَهُ، وقِيَامُهُ عَنْ مَجْلسِهِ لأَبِيهِ ومُعَلمِهِ، وطَلبُ الحَقِ، وإِنْ قَل»(2).

ص: 131


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص677 الحديث الرابع عشر، بحار الأنوار: ج 30 ض305 ح152.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص212 ح4230.

قول ذي اليد

مسألة: قول ذي اليد حجة، ويلزم الأخذ به.

وهذه قاعدة فقهية دل عليها العقل والنقل والعرف، وادعي عليها الاتفاق والاجماع بل والضرورة أيضاً، فمن يدعي خلافها يحتاج إلى البينة وما أشبه، ولا فرق في ذلك بين اليد على الشيء اليسير أو الخطير، بل لا حاجة لقول ذي اليد، إذ تكفي يده حجة إلاّ بقيام دليل أقوى.

عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه

السلام) قَال: قَال لهُ رَجُل: أَرَأَيْتَ إِذَا رَأَيْتُ شَيْئاً فِي يَدَيْ رَجُل أَيَجُوزُ لي أَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ لهُ، قَال: «نَعَمْ»، قَال الرَّجُل: أَشْهَدُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ ولا أَشْهَدُ أَنَّهُ لهُ فَلعَلهُ لغَيْرِهِ، فَقَال لهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَفَيَحِل الشِّرَاءُ مِنْهُ»، قَال: نَعَمْ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «فَلعَلهُ لغَيْرِهِ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لكَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ ويَصِيرَ مِلكاً لكَ ثُمَّ تَقُول بَعْدَ المِلكِ هُوَ لي وتَحْلفَ عَليْهِ، ولا يَجُوزُ أَنْ تَنْسُبَهُ إِلى مَنْ صَارَ مِلكُهُ مِنْ قِبَلهِ إِليْكَ»، ثُمَّ قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «لوْ لمْ يَجُزْ هَذَا لمْ يَقُمْ للمُسْلمِينَسُوقٌ»(1).

قال النراقي (رحمه الله): (ولا شكّ في صدق الكون في اليد عرفاً فيما كان تحت اختياره ويتصرّف فيه تصرفات ملكية، كالبيع والإجارة والإعارة ونحوها. وكذا فيما يستعمله وينتفع به ويتصرّف فيه بالإفساد والإصلاح، كالركوب والحمل في الدابة، والعمارة والتخريب في الدار، والغرس والزرع في الأرض، وهكذا. ومن وجوه الاستعمال: وضع متاعه أو جنس آخر بل مطلق ماله فيه،

ص: 132


1- الكافي: ج 7 ص387 ح1.

للصدق العرفي. وهل تصدق اليد على شي ء بكونه في مكانه المختص به، ملكاً أو استئجاراً أو عارية، كغلة في بيته، أو دابّة في مذوده، أو متاع في دكّته؟ الظاهر: نعم، للصدق العرفي)(1).

إقامة الدليل بعد الدليل

مسألة: يستحب وقد يجب، إقامة الدليل بعد الدليل على كون المحق محقاً، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها). وهذا غير المطالبة به كما لا يخفى.

وربما يكون من التأكيد الذي مربحثه في مطاوي الكتاب.

نقض قانون اليد

مسألة: إلجاء ذي اليد إلى إقامة الدليل على ملكيته لما يده عليه محرم، فإنه نقض لحكم الله، واطّراح للأمارة الشرعية، فنفس مطالبتها (صلوات الله عليها) بالدليل محرم، حتى مع قطع النظر عما استلزمه من إيذائها وظلمها (عليها السلام).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «مَنِ اسْتَوْلى عَلى شَيْ ءٍ مِنْهُ فَهُوَ لهُ»(2).

ص: 133


1- عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام: ص739 - 740.
2- وسائل الشيعة: ج 26 ص216 ب8 باب حكم اختلاف الزوجين أو ورثتهما في متاع البيت ح3.

فدك في يد الصديقة

مسألة: يستحب بيان أن فدك كانت في يد الصديقة فاطمة (عليها السلام) وفيها وكيلها وقد أكلت غلتها ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي.

فإن بيان مثل ذلك يوجب نصرتها (عليها السلام) وبيان بطلان حجة وموقف خصومها، فهو من نصرتهم (عليهم الصلاة والسلام)، بالإضافة إلى أنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن شؤون الولاية، ومما يوجب الهداية، إلى غيرها.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لمْ يُؤْخَذْ لضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيِّهَا بِحَقِّهِ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ»(1).

تقرير المعصوم

مسألة: تقرير المعصوم (عليه السلام) حجة، ومن أدلة الصديقة (عليها السلام) استنادها إلى تقرير النبي (صلى الله عليه وآله) إذ قالت: (وقد أكلت غلتها ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي).

ومن الواجب في الجملة أن يتصدىجمع لجمع اعترافات الخصوم بالحق في الأصول والفروع، سواء كان اعترافهم بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام، أو حتى بمثل دلالة الاقتضاء، كما فيما يلزم من الجمع بين كلامين لهم.. وهكذا، فإن في ذلك نصرة للحق.

ص: 134


1- الكافي: ج 5 ص56 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرح2.

قالوا: المقصود من تقرير المعصوم (عليه السلام) أن يفعل شخص بمشهد المعصوم وحضوره فعلا، فيسكت المعصوم عنه مع توجّهه إليه ... فإنّ سكوت المعصوم عن ردع الفاعل أو عن بيان شي ءٍ حول الموضوع لتصحيحه يسمّى تقريراً للفعل، أو إقراراً عليه، أو إمضاءً له(1).

الاستدلال غير المباشر

مسألة: الاستدلال قد يكون مباشراً، وقد يكون غير مباشر(2)، والواجب منه ماتوقف عليه إحقاق الحق، وقد يُلزم الخصم بما يلتزم به من دون علمه بأنه يستلزم كذا وكذا.

ومنه المقام حيث ألزمتهم الصديقة الطاهرة (عليها السلام) بلازم ما اعترفوا به من سماعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»(3).

ص: 135


1- أصول الفقه، للمظفر : ج3 ص61.
2- لعل المراد به: أن احتجاجها (عليها السلام) بالإرث كان من باب التنزل، إذ لا سبيل لهم لإنكار الإرث لأنه الأصل، إلاّ بجعل حديث، أما النحلة فربما يقولون بأنها خلاف الأصل وهي بحاجة إلى دليل، وعلى الرغم من وجود الأدلة الكثيرة والبينة، بل قول سيدة نساء أهل الجنة بنفسه كاف لو كانوا يعقلون أو يؤمنون، إلاّ أن إثبات ما هو طبق الأصل أسهل من إثبات ما هو خلافه، مضافا إلى أن (اليد) دليل الملك دون شك وريب.
3- بحار الأنوار: ج21 ص279 ب32.

حرمة الكذب ودرجاتها

مسألة: الكذب حرام، وتشتد حرمته إذا صدر من ذي موقع خطير بحق أو بباطل، كما تشتد الحرمة إذا كان لغمط حق الأولياء، فكيف بالأوصياء وأبناء الأنبياء (عليهم السلام).

كما تشتد إذا كان الكذب في حقٍ عظيمٍ مثل الحق الذي نحله رسول الله بضعته الزهراء (عليهما السلام).

ومن أظهر مصاديق الكذب الذي جمع كل تلك الخصال الموجبة لاشتداد الحرمة، قول الأول والثاني: لأنها - أي فدك - فيء المسلمين.

الخصم يعترف

مسألة: يستحب بيان أن خصمها (عليها السلام) قد اعترف بأن فدك كانت في يدها ومع ذلك غصب ما نحله رسول الله (صلى الله عليه وآله).

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لمَّا قُبِضَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وجَلسَ أَبُو بَكْرٍ مَجْلسَهُ، بَعَثَ إِلى وَكِيل فَاطِمَةَ (صلوات الله عليها) فَأَخْرَجَهُ مِنْ فَدَكَ»(1) الحديث.

ص: 136


1- الاختصاص: ص183 حديث فدك.

رد صنع الرسول

مسألة: يحرم رد ما صنعه الرسول (صلى الله عليه وآله) ومخالفته، سواء في ذلك ما صنعه باعتبار مقام رسالته أم باعتبار مقام حكومته أم باعتبار مقام مالكيته الشخصية، أو غيرها.

فإن ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام به واجب الاتباع في الصور المذكورة.

قال تعالى: «وَما آتاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَديدُ العِقابِ»(1).

وقال سبحانه: «أَطيعُوا اللهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُول»(2).

وقال تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ»(3).

وعَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ عَزَّ وَ جَل: «يا

أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَ للرَّسُول إِذا دَعاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ»(4). قَال: «نَزَلتْ فِي وَلايَةِ عَليٍّ عليهالسلام»(5).

ص: 137


1- سورة الحشر: 7.
2- سورة النساء : 59، سورة المائدة: 92، سورة النور: 54، سورة محمد: 33، سورة التغابن: 12.
3- سورة النساء: 80.
4- سورة الأنفال: 24.
5- الكافي: ج 8 ص248 ح349.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم قريظة: «يا معشر قريش، احفظوا وصيتي، إن علياً إمامكم بعدي، بذلك أنبأني جبرئيل (عليه السلام) عن ربي عز ذكره. إلاّ إنكم إن لم تؤتوه أموركم اختلفتم، وتولى عليكم أشراركم. إلاّ إن أهل بيتي هم الوارثون لي، والقائمون من أمتي. اللهم من أطاعهم فثبته، ومن نصرهم فانصره، ومن خالف أمري وأقام إماماً لم أقمه وترك إماماً أقمته ونصبته فأحرمه جنتك، والعنه على لسان أنبيائك»(1).

سيدة نساء الجنة

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء الجنة(2)، وأنالقوم اعترفوا بذلك وشهدوا به.

فهي (عليها السلام) مضافاً إلى كونها سيدة نساء أهل الدنيا وسيدة نساء العالمين(3)، هي سيدة أهل الآخرة أيضاً.

ص: 138


1- رجال البرقي: ص63 أبو أيوب الأنصاري.
2- راجع الأمالي للمفيد: ص22، 116، بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله): ص113، الأمالي للصدوق: ص125، الخصال: ص553، 559، 572، عيون الأخبار: ص267، كمال الدين: ص262، الإرشاد: ج1 ص36، 352، الاختصاص: ص183، المناقب لابن شهرآشوب: ج2 ص341، ج2 ص322، 394، كشف الغمّة: ج1 ص34، 255، 284، 495، ج2 ص10، الخرائج: ص209، روضة الواعظين: ص148، الاحتجاج: ص278، إرشاد القلوب: ص259، 428، إعلام الورى: ص159، البخاري: ج4 ص219.
3- علل الشرائع: ص156، شرح نهج البلاغة: ج14 ص191، ج 15 ص278، الخرائج: ص909، تفسير الإمام العسكريّ (عليه السلام): ص432، الأمالي للصدوق: ص25، 26، 57، 112، 178، 192، 467، 473، 486، معاني الأخبار: ص58، 107، 124، 306، 369، كمال الدين: ص256، 260، 305، الإرشاد: ج1 ص5، 354، ج2 ص5، الاختصاص: ص14، 90، 37، الفصول المختارة: ص168، شرح نهج البلاغة: ج1 ص30، ج9 ص174، 193، 325، ج10 ص265، ج13 ص108، ج14 ص23، 191، ج15 ص278، 279، ج16 ص17، 20، 181، المناقب: ج1 ص218، ج2 ص169، 181، 342، ج3 ص28، 323، 360، 362، كشف الغمّة: ج1 ص80، 348، 360، 366، 440، 444، 452، ج2 ص120، الإقبال: ص60، 295، 332، 335، تأويل الآيات: ص600، تفسير العياشي: ج1 ص174، روضة الواعظين: ص100، 102، 124، 149، 254، 255. الاحتجاج: ص134، 214، إرشاد القلوب: ص221، 231، 295، 315، 323، إعلام الورى: ص150، 151، 154، 158، 203، كنز الفوائد: ج2 ص12، بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله): ص16، 23، 34، دلائل الإمامة: ص10، 47، 54.

وبيان أن القوم شهدوا بذلك تقويةلجانبها (عليها السلام) ومزيد إتمام الحجة عليهم، فإن (الفضل ما شهدت به الأعداء).

التأكيد على السماع

مسألة: يستحب وقد يجب التأكيد على السامع بالسماع كي لا يدعي الغفلة بعده، ولغير ذلك، وقد قالت الصديقة (صلوات الله عليها): «أيها الناس اسمعوا ما ركباها».

قال تعالى: «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ المُنادِ مِنْ مَكانٍ قَريب»(1).

وقال عزوجل: «وَإِذا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لهُ وَأَنْصِتُوا لعَلكُمْ

ص: 139


1- سورة ق: 41.

تُرْحَمُونَ»(1).

وقال سبحانه: «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَل فَاسْتَمِعُوا لهُ»(2).

الغضب بالباطل

مسألة: يحرم الغضب بالباطل ومنه المقام حيث غضب ابن الخطاب.وفي الدعاء: «اللهُمَّ إِنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَيَجَانِ الحِرْصِ، وسَوْرَةِ الغَضَب»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَمِعْتُ أَبِي (عليه السلام) يَقُول: «أَتَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) رَجُل بَدَوِيٌّ فَقَال: إِنِّي أَسْكُنُ البَادِيَةَ فَعَلمْنِي جَوَامِعَ الكَلامِ، فَقَال: آمُرُكَ أَنْ لا تَغْضَبَ، فَأَعَادَ عَليْهِ الأَعْرَابِيُّ المَسْأَلةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى رَجَعَ الرَّجُل إِلى نَفْسِهِ فَقَال: لا أَسْأَل عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَ هَذَا مَا أَمَرَنِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إلاّ بِالخَيْرِ، قَال: وكَانَ أَبِي يَقُول: أَيُّ شَيْ ءٍ أَشَدُّ مِنَ الغَضَبِ إِنَّ الرَّجُل ليَغْضَبُ فَيَقْتُل النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ ويَقْذِفُ المُحْصَنَةَ»(4).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «الغَضَبُ مِفْتَاحُ كُل شَرٍّ»(5).

وروِي عَنِ العَالمِ (عليه السلام) أَنَّ رَجُلا سَأَلهُ فَقَال: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ (صلى

ص: 140


1- سورة الأعراف: 204.
2- سورة الحج: 73.
3- الصحيفة السجادية: الدعاء رقم 8 وكان من دعائه (عليه السلام) في الاستعاذة من المكاره وسيئ الأخلاق ومذام الأفعال.
4- الكافي: ج 2 ص303 باب الغضب ح4.
5- الكافي: ج 2 ص303 باب الغضب ح3.

الله عليه وآله) عَلمْنِي مَا يَجْمَعُ لي خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ولا تُطَوِّل عَليَّ، فَقَال: «لا تَغْضَبْ»(1).

التشكيك في فعل النبي

مسألة: يحرم التشكيك فيما صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو التوقف أو الاجتهاد في مقابل النص، وهما ما اجترحه الثاني ههنا، حيث قال: (فإن أقمت بينة على ما ادعت أن رسول الله وهبها .. نظرنا في ذلك) (2).

ص: 141


1- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): ص390.
2- للتفصيل انظر كتاب (النص والجتهاد) للمرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي.

أتراك محرقاً بابي

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام): «يا بن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي»؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك(1).

-----------------------

إلفات الظالم

مسألة: يستحب وقد يجب إلفات الظالم إلى ظلمه وجريمته وإن كان عالماً به، كما قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) للثاني: «أتراك...».

والإلفات إنما يكون لإتمام الحجة عليه وعلى الساكتين عنه أو الراضين بفعله، ولتثبيت الظلامة في صفحات التاريخ، كما في المقام، وأما في غيره فقد يكون أيضاً من جهة احتمال الانقلاع والارتداع، فقد يقدم شخص على فعل حرام أو ترك واجب فإذا نبه انقلع عن الحرام أو فَعَل الواجب، وإن كان هو بنفسه ملتفتاً، فإن للكلام تأثيراً ليس في السكوت كثيراً ما.

قال سبحانه: [وَإِذْ قَالتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلعَلهُمْيَتَّقُونَ](2).

ص: 142


1- بحار الأنوار: ج 28 ص389.
2- سورة الأعراف: 164.

ثم إن المعذرة إلى الله تعالى هي فائدة أخرى في تذكير من يعلم، فهذه فوائد خمس لتذكير الملتفت(1) لا على نحو الحصر، بل فوائده أكثر(2).

وفيما نحن فيه كانت الصديقة (عليها السلام) تعلم بأن ظالمها لا يرتدع، فإنهم أسلموا طمعاً لا طوعاً(3)، فكيفيتخلون عن مطامعهم، وهم يرون الأمور لهم

ص: 143


1- وهي: ألف: إتمام الحجة عليه. ب: إتمام الحجة على الآخرين. ج: تثبيت الظلامة في التاريخ. د: الانقلاع والارتداع. ه: المعذرة إلى الله تعالى.
2- كتشجيع الآخرين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن السلوك العملي أكبر مربٍ، وكالتلقين فإن من ينهى الظالم يقوم بإيحاء نفسي لنفسه كي لا يظلم.
3- فإنهم علموا من بعض الكهنة وعلماء اليهود ومن أشبه، أنه سيظهر دين الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسيملك العباد والبلاد، فأسلموا كي ينالوا من الدنيا بإسلامهم الظاهري ما لم يصلوا إليه بكفرهم. قال عليه السلام: «...بَل أَسْلمَا طَمَعاً وذَلكَ بِأَنَّهُمَا كَانَا يُجَالسَانِ اليَهُودَ ويَسْتَخْبِرَانِهِمْ عَمَّا كَانُوا يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ وفِي سَائِرِ الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ النَّاطِقَةِ بِالمَلاحِمِ مِنْ حَال إِلى حَال مِنْ قِصَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) ومِنْ عَوَاقِبِ أَمْرِهِ فَكَانَتِ اليَهُودُ تَذْكُرُ أَنَّ مُحَمَّداً يُسَلطُ عَلى العَرَبِ كَمَا كَانَ بُخْتَ نَصَّرُ سُلطَ عَلى بَنِي إِسْرَائِيل ولا بُدَّ لهُ مِنَ الظَّفَرِ بِالعَرَبِ كَمَا ظَفِرَ بُخْتَ نَصَّرُ بِبَنِي إِسْرَائِيل غَيْرَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَتَيَا مُحَمَّداً فَسَاعَدَاهُ عَلى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلهَ إلاّ اللهُ وبَايَعَاهُ طَمَعاً فِي أَنْ يَنَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جِهَتِهِ وَلايَةَ بَلدٍ إِذَا اسْتَقَامَتْ أُمُورُهُ واسْتَتَبَّتْ أَحْوَالهُ فَلمَّا أَيِسَا مِنْ ذَلكَ تَلثَّمَا وصَعِدَا العَقَبَةَ مَعَ عِدَّةٍ مِنْ أَمْثَالهِمَا مِنَ المُنَافِقِينَ عَلى أَنْ يَقْتُلوهُ فَدَفَعَ اللهُ تَعَالى كَيْدَهُمْ ورَدَّهُمْ (بِغَيْظِهِمْ لمْ يَنالوا خَيْراً) كَمَا أَتَى طَلحَةُ والزُّبَيْرُ عَليّاً (عليه السلام) فَبَايَعَاهُ وطَمَعَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنَال مِنْ جِهَتِهِ وَلايَةَ بَلدٍ فَلمَّا أَيِسَا نَكَثَا بَيْعَتَهُ وخَرَجَا عَليْهِ فَصَرَعَ اللهُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَصْرَعَ أَشْبَاهِهِمَا مِنَ النَّاكِثِين...». كمال الدين وتمام النعمة: ج 2 ص463 ب43 باب ذكر من شاهد القائم عليه السلام ورآه وكلمه ح21، دلائل الإمامة: ص516 معرفة من شاهده في حياة أبيه (عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام)، حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار (عليهم السلام): ج 6 ص222 الباب الخامس عشر في علمه عليه السلام، مدينة معاجز: ج 8 ص60 الخامس عشر: خبر أحمد بن إسحاق الوكيل وسعد بن عبد الله القمي وهو خبر مشهور، بحار الأنوار: ج 31 ص623 ومما ورد فيهما أو فيهم ح111، بحار الأنوار: ج 52 ص86 ب19 خبر سعد بن عبد الله ورؤيته للقائم ومسائله عنه عليه السلام ح1، رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار: ج 3 ص114 الفصل الرابع في معجزاته وفي أحوال سفرائه وتكذيب غيرهم وفيمن رآه.

مستوسقة، والدنيا بزخرفها وزبرجها عليهم مقبلة، فكان نهيها (عليها السلام) عن المنكر لأجل سائر الفوائد المذكورة.

حرق الباب

مسألة: يستحب بيان أن خصم الصديقة (عليها السلام) أحرق بابها، وقد يجب.

فإن ذلك نوع بيان للمظلومية الموجب للالتفاف حول العترة (عليهم السلام) أكثر فأكثر، والمسبب للابتعاد عن أولئك الطغاة أكثر فأكثر، وكلاهما يوجب خير الدنيا والآخرة على ما ذكرنا مثله في البنود السابقة.

فضح الظالم

مسألة: يجوز وقد يجب، ذكر اسم أو لقب أو كنية الظالم كي يعرفه الناس، فينفصلوا من حوله، وقد سبق مثله.

ص: 144

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: ذُكِرَتِ الخِلافَةُ عِنْدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) فَقَال: «أَمَا واللهِ لقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ أَخُو تَيْمٍ، وإِنَّهُ ليَعْلمُ أَنَّ مَحَلي مِنْهَا مَحَل القُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْل ولا يَرْقَى إِليَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلتُ دُونَهَا ثَوْباً وطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُول بِيَدٍ جَذَّاء...» (1).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُليْمَانَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: كَانَ عَليٌّ(عليه السلام) يَقُول: «لوْلا مَا سَبَقَنِي بِهِ بَنِي الخَطَّابِ مَا زَنَى إلاّ شَقِيٌ»(2).

استدراج الخصم ليعترف

مسألة: يجوز وقد يجب استدراج الخصم او استنطاقه ليقر بجريمته بلسانه، فإنه أقطع لعذر الجاهلين والمشككين وأقوى في الحجة، ولذلك ولغيره قالت الصديقة الطاهرة (عليها السلام): «يا ابن الخطاب أتراك محرقاً علي بابي».

وقَالتْ (عليها السلام): «نَشَدْتُكُمَا بِاللهِ هَل سَمِعْتُمَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي؟ قَالا: نَعَمْ، فَرَفَعَتْ يَدَهَا إِلى السَّمَاءِ فَقَالتْ: اللهُمَّ إِنَّهُمَا قَدْ آذَيَانِي فَأَنَا أَشْكُوهُمَا إِليْكَ وإِلى رَسُولكَ لا واللهِ لا أَرْضَى عَنْكُمَا أَبَداً حَتَّى أَلقَى أَبِي رَسُول اللهِ وأُخْبِرَهُ بِمَا صَنَعْتُمَا فَيَكُونَ هُوَ الحَاكِمَ فِيكُمَا، قَال: فَعِنْدَ ذَلكَ دَعَا أَبُو بَكْرٍ بِالوَيْل والثُّبُورِ وجَزِعَ جَزَعاً

ص: 145


1- علل الشرائع: ج 1 ص150 ب122 باب العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهدة أهل الخلاف ح12.
2- الكافي: ج 5 ص448 أبواب المتعة ح2.

شَدِيداً»(1).

وعَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَال: كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِمِنْهُمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ ومُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ وهِشَامُ بْنُ سَالمٍ والطَّيَّارُ وجَمَاعَةٌ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الحَكَمِ وهُوَ شَابٌّ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا هِشَامُ إلاّ تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وكَيْفَ سَأَلتَهُ»، فَقَال هِشَامٌ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ إِنِّي أُجِلكَ وأَسْتَحْيِيكَ ولا يَعْمَل لسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ فَافْعَلوا»، قَال هِشَامٌ: بَلغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وجُلوسُهُ فِي مَسْجِدِ البَصْرَةِ فَعَظُمَ ذَلكَ عَليَّ فَخَرَجْتُ إِليْهِ ودَخَلتُ البَصْرَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ البَصْرَةِ فَإِذَا أَنَا بِحَلقَةٍ كَبِيرَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وعَليْهِ شَمْلةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِراً بِهَا مِنْ صُوفٍ وشَمْلةٌ مُرْتَدِياً بِهَا والنَّاسُ يَسْأَلونَهُ، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ فَأَفْرَجُوا لي، ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ القَوْمِ عَلى رُكْبَتَيَّ ثُمَّ قُلتُ: أَيُّهَا العَالمُ إِنِّي رَجُل غَرِيبٌ تَأْذَنُ لي فِي مَسْأَلةٍ؟

فَقَال لي: نَعَمْ، فَقُلتُ لهُ: أَلكَ عَيْنٌ، فَقَال: يَا بُنَيَّ أَيُّ شَيْ ءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَال وشَيْ ءٌ تَرَاهُ كَيْفَ تَسْأَل عَنْهُ، فَقُلتُ: هَكَذَا مَسْأَلتِي، فَقَال: يَا بُنَيَّ سَل وإِنْ كَانَتْ مَسْأَلتُكَ حَمْقَاءَ، قُلتُ: أَجِبْنِي فِيهَا، قَال لي: سَل، قُلتُ: أَ لكَ عَيْنٌ، قَال: نَعَمْ، قُلتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا، قَال: أَرَى بِهَا الأَلوَانَ والأَشْخَاصَ، قُلتُ: فَلكَ أَنْفٌ، قَال:نَعَمْ، قُلتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ، قَال: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ، قُلتُ: أَ لكَ فَمٌ، قَال: نَعَمْ، قُلتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ، قَال: أَذُوقُ بِهِ الطَّعْمَ، قُلتُ: فَلكَ أُذُنٌ، قَال: نَعَمْ، قُلتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا، قَال: أَسْمَعُ بِهَا الصَّوْتَ، قُلتُ

ص: 146


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص869 الحديث الثامن والأربعون.

: أَلكَ قَلبٌ، قَال: نَعَمْ، قُلتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ، قَال: أُمَيِّزُ بِهِ كُل مَا وَرَدَ عَلى هَذِهِ الجَوَارِحِ والحَوَاسِّ، قُلتُ: أَوليْسَ فِي هَذِهِ الجَوَارِحِ غِنًى عَنِ القَلبِ، فَقَال: لا، قُلتُ: وكَيْفَ ذَلكَ وهِيَ صَحِيحَةٌ سَليمَةٌ، قَال: يَا بُنَيَّ إِنَّ الجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْ ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ أَوْ سَمِعَتْهُ رَدَّتْهُ إِلى القَلبِ فَيَسْتَيْقِنُ اليَقِينَ ويُبْطِل الشَّكَّ.

قَال: هِشَامٌ: فَقُلتُ لهُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللهُ القَلبَ لشَكِّ الجَوَارِحِ، قَال: نَعَمْ، قُلتُ: لابُدَّ مِنَ القَلبِ وإِلا لمْ تَسْتَيْقِنِ الجَوَارِحُ، قَال: نَعَمْ، فَقُلتُ لهُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ فَاللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى لمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّى جَعَل لهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لهَا الصَّحِيحَ ويَتَيَقَّنُ بِهِ مَا شُكَّ فِيهِ، ويَتْرُكُ هَذَا الخَلقَ كُلهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وشَكِّهِمْ واخْتِلافِهِمْ لا يُقِيمُ لهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِليْهِ شَكَّهُمْ وحَيْرَتَهُمْ، ويُقِيمُ لكَ إِمَاماً لجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِليْهِ حَيْرَتَكَ وشَكَّكَ؟

قَال: فَسَكَتَ ولمْ يَقُل لي شَيْئاً، ثُمَّ التَفَتَ إِليَّ فَقَال لي: أَنْتَ هِشَامُ بْنُ الحَكَمِ؟ فَقُلتُ: لا، قَال: أَمِنْ جُلسَائِهِ قُلتُ: لا، قَال: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ، قَال: قُلتُ: مِنْ أَهْل الكُوفَةِ، قَال: فَأَنْتَ إِذاً هُوَ، ثُمَّ ضَمَّنِي إِليْهِ وأَقْعَدَنِي فِي مَجْلسِهِ وزَال عَنْ مَجْلسِهِ ومَا نَطَقَ حَتَّى قُمْتُ.

قَال: فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وقَال: «يَا هِشَامُ مَنْ عَلمَكَ هَذَا»، قُلتُ: شَيْ ءٌ أَخَذْتُهُ مِنْكَ وأَلفْتُهُ، فَقَال: «هَذَا واللهِ مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْراهِيمَ ومُوسى»(1).

ص: 147


1- الكافي: ج 1 ص170 باب الإضطرار إلى الحجة ح3.

كفر واضح

مسألة: يحرم النفاق، وهو إبطان الكفر وإظهار الإسلام، فلو صرح بالكفر أحياناً كان كبيرة أخرى، وقول الثاني: (وذلك أقوى فيما جاء به أبوك) كفر واضح.

إنكارة الضروري

مسألة: إنكار الضروري موجب للكفر، ومن الضروريات إنكار رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكلام الثاني هذا دليل على كفره، نعم لم يرتب الرسول (صلى الله عليه وآله) بعض آثار الكفر على المنافقين ربما من باب التزاحم.

ثم إن الرسالة من أمهات الضروريات كالتوحيد والمعاد، وليس كبعض الضروريات التي اختلف في كونها موجبة للكفر بما هي أو بلحاظ عودها إلى إنكار أحد أصول الدين(1).عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قِيل لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إلاّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ مُؤْمِناً، قَال: فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللهِ، إِلى أَنْ قَال: ثُمَّ قَال: «فَمَا بَال مَنْ

ص: 148


1- للتفصيل انظر موسوعة (الفقه) كتاب الطهارة، مسألة الكافر. وأيضاً ما في المستمسك: ج 1 ص378 وهذا لفظه: (بلا خلاف ظاهر فيه في الجملة، بل ظاهر جماعة من الأعيان كونه من المسلمات، وظاهر مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه في كثير من كتب القدماء والمتأخرين، بل عن التحرير: «الكافر كل من جحد ما يعلمه من الدين ضرورة، سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدين وكذا النواصب والغلاة والخوارج»).

جَحَدَ الفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً»(1).

وقال (عليه السلام): «وَلا يُخْرِجُهُ إِلى الكُفْرِ إلاّ الجُحُودُ والاسْتِحْلال أَنْ يَقُول للحَلال هَذَا حَرَامٌ وللحَرَامِ هَذَا حَلال»(2).

إحراق الباب من أكبر الكبائر

مسألة: إحراق باب الصديقة الطاهرة (عليها السلام) كان من أكبر الكبائر، وكان مجمع جرائم ومعاصي عديدة:

منها: إرعاب أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وعليهم)، وهذه بدورها تنحل إلى معاصي عديدة بعدد من أرعبوا من العترة الطاهرة (عليهم السلام) ومن يلوذ بهم.ومنها: التصرف في ملك الغير بأسوأ أنحاء التصرف دون رضاه.

ومنها: إنه مصداق: «الذينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولهُ»(3).

ومنها: إنه مصداق: «وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ المُفْسِدينَ»(4).

ومنها: مقدمية ذلك لأكبر جرم ارتكب، وهو غصب الخلافة وإقصاء

ص: 149


1- وسائل الشيعة: ج 1 ص34 ب2 باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات ح13.
2- وسائل الشيعة: ج 28 ص355 ب10 باب جملة مما يثبت به الكفر والارتداد ح50.
3- سورة المائدة: 33.
4- سورة المائدة: 64.

الوصي الشرعي والانقلاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ومنها: هتك حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله) في ابنته الصديقة فاطمة (عليها السلام).

ومنها: هتك حرمة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإيذائه وإيذاء الصديقة الطاهرة (عليها السلام).

إلى غير ذلك.

ص: 150

من آذاها

اشارة

روي أن فاطمة (عليها السلام) قالت للأول والثاني: «أنشدكما بالله، أتذكران أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخرجكما في جوف الليل بشيء كان حدث من أمر عليّ (عليه السلام)»؟

فقالا: اللهم نعم.

فقالت: «أنشدكما بالله، هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها، من آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي»؟

قالا: اللهم نعم.

فقالت: «الحمد لله». ثم قالت: «اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما مني»(1).

--------------------------

ص: 151


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2، فاطمة (سلام الله عليها) ص887 ب51 احتجاجها (عليها السلام) على من آذاها ح101. وأيضا نقله علل الشرائع: ج 1 ص187 ب149 باب العلة التي من أجلها دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار ح2، وبحار الأنوار: ج 43 ص203 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها (صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها) ح31، مع بعض الاختلاف.

الحمد على إقرار الخصم

مسألة: يستحب حمد الله تعالى على إقرار الخصم.

فإن الحمد مستحب على كل نعمة، وعلى كل دفع لمكروه، والإقرار من الخصم هو من النعم للمقر له، وفي الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول عند كل نعمة: ­«الحمد لله على هذه النعمة»، وعند كل ما يكرهه: «الحمد لله على كل حال» أو «الحمد لله على هذه الحال».

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذَا وَرَدَ عَليْهِ أَمْرٌ يَسُرُّهُ قَال: «الحَمْدُ للهِ عَلى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وإِذَا وَرَدَ عَليْهِ أَمْرٌ يَغْتَمُّ بِهِ قَال: الحَمْدُ للهِ عَلى كُل حَال»(1).

وعَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليهم السلام) قَال: «كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ قَال: الحَمْدُ للهِ الذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالحَاتُ، وإِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَكْرَهُهُ قَال: الحَمْدُ للهِ عَلى كُل حَال»(2).

وعنه (عليه السلام): «كَانَ رَسُول اللهِ (صلىالله عليه وآله) إِذَا أَتَاهُ مَا يُحِبُّ قَال: الحَمْدُ للهِ المُحْسِنِ المُجْمِل، وإِذَا أَتَاهُ مَا يَكْرَهُهُ قَال: الحَمْدُ للهِ عَلى كُل حَال والحَمْدُ للهِ عَلى هَذِهِ الحَال»(3).

ولا يخفى أن الشكر في مقام الحمد أيضاً كذلك، لاشتراكهما في تعظيم

ص: 152


1- الكافي: ج 2 ص97 باب الشكر ح19.
2- مستدرك الوسائل: ج 5 ص307 ب20 باب استحباب كثرة حمد الله عند تظاهر النعم ح1.
3- مستدرك الوسائل: ج 5 ص311 ب20 باب استحباب كثرة حمد الله عند تظاهر النعم ح13.

المعبود وتمجيده، نعم قد يقال (الشكر) في النعم لا في المصائب، وقد قال تعالى: «لئِنْ شَكَرْتُمْ لاَزِيدَنَّكُمْ»(1).

وقد ذكر الأدباء الفرق بين الحمد والمدح والشكر في كتب البلاغة ونحوها، قال بعضهم:

(الحمد) في اللغة: الثناء على عمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار، أي حينما يؤدي شخص عملاً طيباً عن وعي، أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإننا نحمده ونثني عليه.

و(المدح) هو الثناء بشكل عام، سواء كان لأمر اختياري أو غير اختياري، كمدحنا جوهرة ثمينة جميلة. ومفهوم المدح عام، بينما مفهوم الحمد خاص.

أما مفهوم (الشكر) فأخص منالاثنين، ويقتصر على ما نبديه تجاه نعمة تغدق علينا من منعم عن اختيار.

وفي مجمع البيان: (الحمد والمدح والشكر متقاربة المعنى، والفرق بين الحمد والشكر: إن الحمد نقيض الذم، كما أن المدح نقيض الهجاء. والشكر نقيض الكفران. والحمد قد يكون من غير نعمة، والشكر يختص بالنعمة، إلاّ أن الحمد يوضع موضع الشكر، ويقال: الحمد لله شكراً، فينصب شكراً على المصدر، ولو لم يكن الحمد في معنى الشكر لما نصبه، فإذا كان الحمد يقع موقع الشكر، فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم، ويكون بالقلب وهو الأصل، ويكون أيضاً باللسان، وإنما يجب باللسان لنفي تهمة الجحود والكفران.

ص: 153


1- سورة إبراهيم: 7.

وأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إليه)(1).

عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «أَوَّل مَنْ يُدْعَى إِلى الجَنَّةِ الحَمَّادُونَ، الذِينَ يَحْمَدُونَ اللهَ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاء»(2).

وعَنِ المُفَضَّل قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): جُعِلتُ فِدَاكَ عَلمْنِي دُعَاءًجَامِعاً، فَقَال ليَ: «احْمَدِ اللهَ، فَإِنَّهُ لا يَبْقَى أَحَدٌ يُصَلي إلاّ دَعَا لكَ يَقُول: سَمِعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَهُ»(3).

وعن مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): أَيُّ الأَعْمَال أَحَبُّ إِلى اللهِ عَزَّ وجَل؟ فَقَال: «أَنْ تَحْمَدَهُ»(4).

ثقافة الحمد

مسألة: ينبغي تثقيف الناس على ثقافة الحمد والارتباط بالله تعالى في كل حال، كما ينبغي أن يذكر الإنسان نفسه بأن وراء كل مصيبة أو نازلة حكمة وتعويض إلهي تستدعي حمد الله تعالى، فكم من مصيبة كانت سبباً لزيادة الدرجات، أو حط السيئات في غير المعصوم (عليه السلام)، وقد تكون لابتلاء الإنسان وامتحانه كما قد تكون لابتلاء الآخرين به، قال سبحانه: «وَجَعَلنَا بَعْضَكُمْ لبَعْضٍ فِتْنَةً»(5).

ص: 154


1- تفسير مجمع البيان: ج1 ص55.
2- مستدرك الوسائل: ج 5 ص312 ب20 باب استحباب كثرة حمد الله عند تظاهر النعم ح17.
3- الكافي: ج 2 ص503 باب التحميد والتمجيد ح1.
4- الكافي: ج 2 ص503 باب التحميد والتمجيد ح2.
5- سورة الفرقان: 20.

توثيق الأحداث

مسألة: ينبغي توثيق الأحداث التاريخية، خاصة ما يتعلق بالظلامات، وما يرتبط بتفاصيل الأحداث والحوارات التي جرت بين جانبي الإسلام والكفر، أو الإيمان والنفاق، وقد يجب ذلك، وقد قالت الصديقة (صلوات الله عليها): «استخرجكما في جوف الليل...».

قَال الرِّضَا (عليه السلام): «مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا وبَكَى لمَا ارْتُكِبَ مِنَّا كَانَ مَعَنَا فِي دَرَجَتِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، ومَنْ ذُكِّرَ بِمُصَابِنَا فَبَكَى وأَبْكَى لمْ تَبْكِ عَيْنُهُ يَوْمَ تَبْكِي العُيُونُ، ومَنْ جَلسَ مَجْلساً يُحْيَا فِيهِ أَمْرُنَا لمْ يَمُتْ قَلبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلوب»(1).

مسائل عديدة

مسألة: يستحب تذكير الخصم بما سمع أو رأى من الحق، ولا يختص الاستحباب بصورة التأثر والتأثير، لما سبق من الغايات الأخرى.

مسألة: يستحب التأكيد في بيان الحق،وللتأكيد أنواع كثيرة، منها ما قالت الصديقة (عليها السلام): «أنشدكما بالله».

مسألة: يستحب أو يجب بيان النوعية الخاصة والاستثنائية لعلاقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بابنته الطاهرة، وأن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بضعة من الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنه منها، ومن آذاها فقد آذاه... إلى آخره.

ص: 155


1- الأمالي، للصدوق: ص73 المجلس السابع عشر ح4.

وذلك لأن دوام الرسالة كان ببضعته الطاهرة (عليها السلام) بجهات عديدة:

منها: أن الأئمة (عليهم السلام) من ذريتها (صلوات الله عليها).

ومنها: أنها بدفاعها الذي لا نظير له في التاريخ عن رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمام المنقلبين على الأعقاب، حفظت الدين من أن يمحى أو يطمس بالكلية، وإنما قلنا لا نظير له، إذ لا يوجد في التاريخ كله من دافع بمستوى دفاعها (عليها السلام) عن الرسالة والخلافة، نظريا وعمليا، وعلى مستوى (الكلمة) ومستوى (الموقف) وأيضاً على مستوى (الكيفية) و(الكمية)، وفي بعد (التضحية) أيضاً كذلك، وهذا البحث يحتاج إلى مجلد مخصص له كي يؤدى بعض حقه.

ومنها: غير ذلك مما يظهرللمتأمل(1).

ص: 156


1- كتب سماحة السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله) في مراجعته وتحقيقه لمتن الكتاب ما يلي: هذه المقاطع من تحقيق هذا الكتاب المبارك للإمام الشيرازي (قدس سره) وبعض ما بعدها وما قبلها، كتبت بحمد الله ليلة الجمعة ليلة 19 صفر 1433ه في طريقنا مشياً إلى كربلاء المقدسة في إحدى الخيم.

إيذاء الصديقة

مسألة: يحرم حرمة شديدة إيذاء فاطمة (عليها السلام) في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعد موته وشهادته.

ولا فرق في الإيذاء بين كونه بالمباشرة أو بالواسطة، فلو آذى من يؤذيها إيذاؤه كان من شدائد المحرمات، كما لا فرق في حرمة إيذائها (عليها السلام) بين كونه في حياتها أو بعد رحيلها شهيدة مظلومة.

قَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ فَاطِمَةَ شِجْنَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا ويَسُرُّنِي مَا يَسُرُّهَا»(1).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «إِنَّ فَاطِمَةَ شِجْنَةٌ مِنِّي، يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا، ويَسُرُّنِي مَا يَسُرُّهَا، وإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى ليَغْضَبُ لغَضَبِ فَاطِمَةَ ويَرْضَى لرِضَاهَا»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَنْ آذَاهَا»(3).

ص: 157


1- معاني الأخبار: ص303 باب معنى الشجنة ح1.
2- معاني الأخبار: ص303 باب معنى الشجنة ح2.
3- عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: ص384 فصل في مناقب سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام.ح785، عن صحيح مسلم الجزء السابع باب فضائل فاطمة عليها السلام ص141.

تكرار التبري في المجالس

مسألة: يستحب أو يجب بيان وتكرار أن ابن أبي قحافة وابن الخطاب قد آذيا فاطمة (عليها السلام) في حياتها وعند موتها واستشهادها.

وذلك غير خاص بالبيان لمن لا يعرف، بل يشمل أيضاً البيان والتكرار لمن يعرف، فلا يتوهم عدم الحاجة إليه في مجالس الشيعة، فإن التكرار يتضمن التأكيد، كما يوجب الاندفاع الأكثر، كما ينفع في الرسوخ الأعمق، إلى غير ذلك .

من هنا وجب التكرار في ما يجب، كقوله تعالى: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعين»(1) في الصلوات، بل ربما العديد من الشيعة لا يعرف كثيراً من هذه الحقائق رغم كثرة التكرار فكيف لو لم تتكرر.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تَجْلسُونَ وَتُحَدِّثُونَ» قُلتُ: نَعَمْ، قَال: تِلكَ المَجَالسُ أُحِبُّهَا، فَأَحْيُوا أَمْرَنَا، رَحِمَ اللهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا، يَا فُضَيْل مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ عَنْ عَيْنَيْهِ مِثْل جَنَاحِ الذُّبَابِ غَفَرَ اللهُ لهُ ذُنُوبَهُ وَلوْ كَانَتْ أَكْثَرَمِنْ زَبَدِ البَحْرِ»(2).

وخروج الدمعة عادة تكون عند ذكر مصابهم وما جرى عليهم.

وعن ميسّر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال لي: أَتَخْلونَ وَتُحَدِّثُونَ وَتَقُولونَ مَا شِئْتُمْ، فَقُلتُ: إِي وَاللهِ، فَقَال: أَمَا وَاللهِ لوَدِدْتُ أَنِّي مَعَكُمْ فِي

ص: 158


1- سورة الفاتحة: 5.
2- وسائل الشيعة: ج 12 ص20 ب10 باب استحباب اجتماع الإخوان ومحادثتهم ح1.

بَعْضِ تِلكَ المَوَاطِنِ»(1) الحديث.

والحديث في الخلوة عادة حديث لا يقال في غير الخلوة.

الإعلان عن غضبها

مسألة: يستحب أو يجب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) غضبت على ابن أبي قحافة وابن الخطاب، فلم تكلمهما كلمة، وبما أن غضبها غضب الرسول (صلى الله عليه وآله) وغضب الرسول (صلى الله عليه وآله) غضب الله، وهو من أشد المحرمات وموجب للنار.

قال تعالى: «وَمَنْ يَحْلل عَليْهِ غَضَبي فَقَدْ هَوَى»(2).وقال سبحانه: «قُل هَل أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لعَنَهُ اللهُ وغَضِبَ عَليْه...»(3).

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا لقِيتُمُ الذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلوهُمُ الأدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرِّفاً لقِتَال أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ»(4).

وقال سبحانه: «أَلمْ يَعْلمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولهُ فَأَنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ

ص: 159


1- وسائل الشيعة: ج 12 ص21 ب10 باب استحباب اجتماع الإخوان ومحادثتهم ح2.
2- سورة طه: 81.
3- سورة المائدة: 6.
4- سورة الأنفال: 15 - 16.

خَالداً فِيهَا ذَلكَ الخِزْيُ العَظِيمُ»(1).

وقال تعالى: «إِنَّ الذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولهُ لعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لهُمْ عَذَاباً مُهِيناً»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: «إِنَّ الذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولهُ لعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لهُمْ عَذاباً مُهِيناً»(3) قال: «نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه، وأخذ حق فاطمة (عليها السلام) وآذاها»(4).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي كَمَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي، ومَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي كَمَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، ومَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي ومَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ، وقوله: «والذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ» يعني علياً وفاطمة.(5)

وفي المناقب عن تَفْسِيرِ الضَّحَّاكِ ومُقَاتِل قَال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلهِ تَعَالى: «إِنَّ الذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولهُ» وذَلكَ حِينَ قَال المُنَافِقُونَ: إِنَّ مُحَمَّداً مَا يُرِيدُ مِنَّا إلاّ أَنْ نَعْبُدَ أَهْل بَيْتِ رَسُول اللهِ بِأَلسِنَتِهِمْ فَقَال: «لعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ بِالنَّارِ وأَعَدَّ لهُمْ عَذاباً مُهِيناً» فِي جَهَنَّمَ(6).

ص: 160


1- سورة التوبة: 63.
2- سورة الأحزاب: 57.
3- سورة الأحزاب: 57.
4- تفسير القمي: ج 2 ص196.
5- تفسير القمي: ج 2 ص196.
6- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 3 ص210.

الشكاية لله من كل ظالم

مسألة: يستحب الشكاية إلى الله تعالى من ظلم الظالم في الحياة الدنيا، فإنه نوع إظهار للعبودية لله سبحانه، ونوع توثيق الصلة به جل اسمه، وموجب للقرب إليه تعالى. وقد يستفاد ذلك من فسح المجال لذلك في الآخرة، فتأمل.

قال تعالى: «قال إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْني إِلى اللهِ وأَعْلمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلمُونَ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «بَكَى عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ عَلى أَبِيهِ حُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ (صلوات الله عليهم) عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ومَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إلاّ بَكَى عَلى الحُسَيْنِ، حَتَّى قَال لهُ مَوْلى لهُ: جُعِلتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُول اللهِ إِنِّي أَخَافُ عَليْكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الهَالكِينَ، قَال: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلى اللهِ وأَعْلمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلمُونَ، إِنِّي لمْ أَذْكُرْ مَصْرَعَ بَنِي فَاطِمَةَ إلاّ خَنَقَتْنِي العَبْرَةُ لذَلكَ»(2).

وفي الصحيفة السجادية: «اللهُمَّ لا أَشْكُو إِلى أَحَدٍ سِوَاكَ، ولا أَسْتَعِينُ بِحَاكِمٍ غَيْرِكَ، حَاشَاكَ، فَصَل عَلى مُحَمَّدٍ وآلهِ، وصِلدُعَائِي بِالإِجَابَةِ، واقْرِنْ شِكَايَتِي بِالتَّغْيِيرِ»(3).

ص: 161


1- سورة يوسف: 86.
2- كامل الزيارات: ص107 الباب الخامس والثلاثون بكاء علي بن الحسين على الحسين بن علي (عليهما السلام) ح1.
3- الصحيفة السجادية، من دعائه عليه السلام إذا اعتدي عليه أو رأى من الظالمين ما لا يحب.

الحرمة درجات

مسألة: ما صنعاه بالصديقة (عليها السلام) وارتكباها بمختلف أنواعه كان من أشد المحرمات، فإن للحرمة درجات، فغصب الخلافة أسوأ من غصب فدك، وكسر ضلعها ولطم وجهها مما لا يدانيه ظلم ظالم.

وفي كتاب سليم: (وَحَالتْ بَيْنَهُمْ وبَيْنَهُ فَاطِمَةُ (عليها السلام) عِنْدَ بَابِ البَيْتِ فَضَرَبَهَا قُنْفُذٌ المَلعُونُ بِالسَّوْطِ فَمَاتَتْ حِينَ مَاتَتْ وإِنَّ فِي عَضُدِهَا كَمِثْل الدُّمْلجِ مِنْ ضَرْبَتِهِ (لعَنَهُ اللهُ) ولعَنَ مَنْ بَعَث)(1).

وقال سليم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السلام): «إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة وسترين بعدي ظلماً وغيظاً حتى تُضربي ويُكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك، ولعن الله الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك»(2).

وقال سليم أيضاً: (فلقيتُ علياً (صلوات الله عليه) فسألته عما صنع ابن الخطاب، فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئاً؟ قلت: لا، قال: لأنه هوالذى ضرب فاطمة بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم فماتت (صلوات الله عليها) وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج»(3).

وفي حديث آخر: «فنظر علي عليه السلام إلى من حوله، ثمّ اغرورقت عيناه بالدموع ثمّ قال: شكر له ضربها فاطمة (عليها السلام) بالسوط فماتت وفي

ص: 162


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص586 ح4.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص907.
3- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص673 - 675.

عضدها أثره كأنه الدملج».

وقال أيضاً: «... ثمّ عاد ابن الخطاب بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثمّ دفعه ابن الخطاب فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه ...»(1).

وقال أيضاً: «... وقد كان قنفذ ... ضرب فاطمة (عليها السلام) بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها، وأرسل إليه ابن الخطاب: إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعا منجنبها، فألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت (عليها السلام) من ذلك شهيدة»(2).

ص: 163


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص763 - 865.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص584 - 588.

وقال الخصيبي في حديث عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): «فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت، فأخذت بعضادتي الباب وقلت: ناشدتكم الله وبأبي رسول الله أن تكفوا عنا وتنصرفوا، فأخذ ابن الخطاب السوط من قنفذ مولى ابن أبي قحافة فضرب به عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فرده علي وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر، وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم ...»(1).

والخصيبي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين لإحراقهم بها، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسناً ...»(2).وأيضا عنه (عليه السلام): «... فقال لها ابن الخطاب: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة، وأخذت النار في خشب الباب وإدخال قنفذ يده .. يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه، وهجوم ابن الخطاب وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقة خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهى تجهر بالبكاء وتقول: وا أبتاه، وا رسول الله، ابنتك فاطمة تُكذَّب وتُضرب ويُقتل جنين في بطنها ... وصاح أمير المؤمنين (عليه السلام) بفضة: يا فضة مولاتك فأقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب، فأسقطت محسناً ....

إلى أن قال: فبكى الصادق (عليه السلام) حتى اخضلت لحيته بالدموع ثمّ قال: «لا قرت عين لا تبكي عند هذا الذكر»(3).

وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): «ومما أنكر عليه ضربهم لفاطمة وقد روي أنهم ضربوها بالسياط، والمشهور الذى لا خلاف فيه بين الشيعة أن ابن الخطاب ضرببطنها حتى أسقطت فسمي السقط محسناً، والرواية بذلك مشهورة عندهم»(4).

ص: 164


1- الهداية الكبرى: ص178 - 179.
2- الهداية الكبرى: ص401 - 408.
3- الهداية الكبرى: ص401 - 408.
4- تلخيص الشافى: ج3 ص156.

مقاطعة الظالم

مسألتان: مقاطعة الظالم وكذلك العاصي قد تكون واجبة، وذلك إذا كانت المقاطعة أردع له، أو أبلغ في كشف حقيقة الظالم للناس بما يتطلب ذلك أو ما أشبه.

وفي شرح النهج: قال: فهجرته (ابنَ أبي قحافة) فاطمةُ فلم تكلمه حتى ماتت (1).

وقالوا: إنّ أحد علماء العامة أراد اللقاء بالعلامة الحلي (قدس سره) ليبحث معه في أمر الإمامة، فأوفد العلامة ولده فخر المحققين لاستقباله خارج البلدة، وبينما هما في الطريق التفت فخر المحققين وسأل ذلك العالم: هل حديث: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» صحيح عندكم؟ فقال: نعم، قال فخر المحققين: فهل كان لفاطمة بعد وفاة أبيها (عليها السلام) إمام أو لا؟

فحار العالم ماذا يجيب، فإن قال: لا، فهل يعقل أن تكون الزهراء قد ماتت - والعياذ بالله - ميتة جاهلية، وهي التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؟! وإن قال: نعم، فمن كان إمام زمانها؟ لا شكأنه لم يكن ابن أبي قحافة لأنها كانت مقاطعة له واجدة عليه رافضة لحكمه مُدينة له، وما رضيت حتى أن يشترك في تشييعها، وإن قال إن إمامها كان علي بن أبي طالب، فقد فحم، وهكذا حار العالم وعاد من حيث أتى دون أن يلتقي بالعلامة الحلي (قدس سره).

ص: 165


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص218.

رضا فاطمة

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام) للأول والثاني: «أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم.

فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:

«رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني»؟

قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قالت: «فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله) لأشكونكما إليه»(1).

--------------------------

ضروري المذهب

مسألة: الظاهر أن كون رضا فاطمة (عليها السلام) من رضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسخطها من سخطه(2) هي من ضروريات المذهب.

ص: 166


1- عوالم العلوم: ج 11، قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص578 ح27، وص888 ح102.
2- إشارة إلى الحديث الذي رواه الفريقان، انظر المعجم الكبير: ج1 ص66 ح182، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، ميزان الاعتدال:ج2 ص492 ح4560، مجمع الزوائد: ج9 ص203، كنز العمّال: ج13 ص674 ح37725.

عَنْ سَلمَانَ الفَارِسِيِّ قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا سَلمَانُ مَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ ابْنَتِي فَهُوَ فِي الجَنَّةِ مَعِي، ومَنْ أَبْغَضَهَا فَهُوَ فِي النَّارِ، يَا سَلمَانُ حُبُّ فَاطِمَةَ يَنْفَعُ فِي مِائَةِ مَوْطِنٍ أَيْسَرُ تِلكَ المَوَاطِنِ المَوْتُ والقَبْرُ والمِيزَانُ والمَحْشَرُ والصِّرَاطُ والمُحَاسَبَةُ، فَمَنْ رَضِيَتْ عَنْهُ ابْنَتِي فَاطِمَةُ رَضِيتُ عَنْهُ، ومَنْ رَضِيتُ عَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ومَنْ غَضِبَتْ عَليْهِ فَاطِمَةُ غَضِبْتُ عَليْهِ، ومَنْ غَضِبْتُ عَليْهِ غَضِبَ اللهُ عَليْهِ، يَا سَلمَانُ وَيْل لمَنْ يَظْلمُهَا ويَظْلمُ ذُرِّيَّتَهَا وشِيعَتَهَا»(1).

حب فاطمة كحب الرسول

مسألة: يجب حب الصديقة فاطمة (عليها الصلاة والسلام) كما يجب حب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وهو من مصاديق الحب في الله ولله وبالله، ولهذا الحب درجات، والأكمل حباً هو الأكمل إيماناً.

العمل بقول الرسول

مسألة: يجب العمل والأخذ بما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله)، من غير فرق بين قوله في الشؤون العامة أو الشؤون الخاصة، كما لا فرق بين الأمور العبادية الأخروية والأمور الدنيوية، وهل الأمر كذلك في الأوامر غير المولوية أي الإرشادية، التفصيل مذكور في محله.

ثم إن قوله (صلى الله عليه وآله) أعم مما كان إنشاءً أو إخباراً أريد به الإنشاء،

ص: 167


1- بحار الأنوار: ج 27 ص116 ب4 ثواب حبهم ونصرهم وولايتهم وأنها أمان من النار ح94، مائة منقبة: ص127 المنقبة الحادية والستون.

أو إخباراً استلزم اعتباراً وحكماً أو كان ملزومه الحكم.

قال تعالى: «وَما آتاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا واتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَديدُ العِقاب»(1).

وعَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليهما السلام) قَال: سَمِعْتُهُ يَقُول: «إِنَّ اللهَفَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ أَمْرَ خَلقِهِ ليَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: «وَما آتاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(2)،(3).

إقرار الخصم

مسألة: يستحب طلب إقرار الخصم بالحق، وينبغي التفنن فيه بما يستدرجه للإقرار، كما صنعت الصديقة (عليها السلام).

والاستحباب في مورده فيما إذا لم يكن الرجحان مانعاً من النقيض، وإلاّ وجب على ما سبق مثله في بعض المباحث الآنفة.

قال تعالى: «قُل فَللهِ الحُجَّةُ البالغَةُ فَلوْ شاءَ لهَداكُمْ أَجْمَعين»(4).

وفي خطب عاشوراء أنه «وَثَبَ الحُسَيْنُ (عليه السلام) مُتَوَكِّئاً عَلى سَيْفِهِ فَنَادَى بِأَعْلى صَوْتِهِ فَقَال: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْرِفُونِّي؟! قَالوا: نَعَمْ أَنْتَ ابْنُ رَسُول اللهِ وسِبْطُهُ!

ص: 168


1- سورة الحشر: 7.
2- سورة الحشر: 7.
3- بصائر الدرجات: ج 1 ص380 ح10.
4- سورة الأنعام: 149.

قَال: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ جَدِّي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!قَال: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ أَبِي عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ جَدَّتِي خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلدٍ أَوَّل نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ إِسْلاماً؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةَ عَمُّ أَبِي؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال فَأَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ جَعْفَرَ الطَّيَّارِ فِي الجَنَّةِ عَمِّي؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال: فَأَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ هَذَا سَيْفُ رَسُول اللهِ وأَنَا مُتَقَلدُهُ؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال: فَأَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ هَذِهِ عِمَامَةُ رَسُول اللهِ أَنَا لابِسُهَا؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال: فَأَنْشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلمُونَ أَنَّ عَليّاً كَانَ أَوَّلهُمْ إِسْلاماً وأَعْلمَهُمْ عِلماً وأَعْظَمَهُمْ حِلماً وأَنَّهُ وَليُّ كُل مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ؟! قَالوا: اللهُمَّ نَعَمْ!

قَال: فَبِمَ تَسْتَحِلونَ دَمِي وأَبِي الذَّائِدُ عَنِ الحَوْضِ غَداً يَذُودُ عَنْهُ رِجَالا كَمَا يُذَادُ البَعِيرُ الصَّادِرُ عَنِ المَاءِ ولوَاءُ الحَمْدِ فِي يَدِ جَدِّي يَوْمَ القِيَامَةِ؟!

ص: 169

قَالوا: قَدْ عَلمْنَا ذَلكَ كُلهُ ونَحْنُ غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى تَذُوقَ المَوْتَ عَطَشاً!(1).

وكما في خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خلافة عثمان(2).

تحصيل رضاها

مسألة: يجب تحصيل رضى فاطمة (عليها السلام)، فإن في رضاها رضى النبي (صلى الله عليه وآله) ورضا الله عزوجل.

والظاهر أن الوجوب فيما لو طلبت ما يرضيها، أو أحرز كون الرضا على حد المنع من النقيض، أو ما أشبه مما فيه ملاك الوجوب.

والاستحباب في سائر درجات الرضا.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا فاطمة، إن الله عز وجل يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك»(3).وفي الرواية: «رِضَى اللهِ رِضَانَا أَهْل البَيْت»(4).

ص: 170


1- الأمالي، للصدوق: ص158 المجلس الثلاثون ح1.
2- كمال الدين: ج 1 ص276 ب24 باب ما روي عن النبي (عليها السلام) في النص على القائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
3- مستدرك الصحيحين: ج3 ص153، كنز العمال:ج 7 ص111، ذخائر العقبى: ص39، كفاية الطالب: ص364.
4- بحار الأنوار: ج 44 ص367 ب37 ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ولعنة الله على ظالميه وقاتليه والراضين بقتله والمؤازرين عليه.

حرمة إسخاطها

مسألة: يحرم إسخاط الصديقة (عليها السلام) بأي وجه كان، سواء كان مباشرةً أو تسبيباً، في قضية صغيرة أم كبيرة، في نفسها أو ذريتها أو ما يرتبط بها، في حياتها أو بعد استشهادها (صلوات الله عليها).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي، ومَنْ غَاظَهَا فَقَدْ غَاظَنِي، ومَنْ سَرَّهَا فَقَدْ سَرَّنِي»(1).

وقَال (صلى الله عليه وآله): «يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللهَ يَرْضَى لرِضَاكِ ويَغْضَبُ لغَضَبِك»(2).

رضا الله بعد رضاها أم قبله؟

ولا يخفى أنه يستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله): «إن الله يرضى لرضى فاطمة، ويسخط لسخطها»، أن رضا الله من هذا الحيث بعد رضى فاطمة (عليها السلام) وأن سخطه سبحانه بعد سخطها كذلك، وذلك غاية التكريم واللطف منه عزوجلبالصديقة الطاهرة (صلوات الله عليها).

وذلك لأن رضاها وسخطها يكون حسب موازين السماء، لا للقوة الغضبية والأهواء وما أشبه كما هو واضح.

ص: 171


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص125 باب المسلم يقتل الذمي أو العبد أو المدبر أو المكاتب أو يقتلون المسلم ح5258.
2- غوالي اللئالي: ج 4 ص93 الجملة الثانية في الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله وحامليه ح132.

وهذا دليل على عصمة الصديقة (عليها السلام) التامة، ومحوريتها وجلالة شأنها، كما أنه دليل على علمها الكامل بوجوه المصالح والمفاسد مما يعبر عنه بملاكات الأحكام، وكذلك بتزاحم تلك الملاكات في كل أمر ونهي، وإلاّ فكيف يكون رضا الله تعالى بعد رضاها على إطلاقه.

وهناك تعبير آخر في المقابل، حيث قال الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في خطبته لما عزم على الخروج إلى العراق: «رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين»(1)، أي: إذا رضي الله بشيء رضينا به.

والأمران منبعثان من مبعث واحد وإن كانا في صورتين: صورة تقديم رضى الله، وصورة تقديم رضى المعصوم (عليه الصلاة والسلام)، وقد أشرنا إلى هذا البحث في بعض كتبنا.

قال النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله): «يَافَاطِمَةُ إِنَّ اللهَ ليَغْضَبُ لغَضَبِكِ ويَرْضَى لرِضَاك»(2).

ص: 172


1- كشف الغمة: ج 2 ص29.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 3 ص325 فصل في منزلتها عند الله تعالى.

كيف أصبحت؟

اشارة

قالت أم سلمة للصديقة فاطمة (عليها السلام): كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قالت: «أصبحت بين كمد وكرب، فقد النبي (صلى الله عليه وآله) وظلم الوصي (عليه السلام)، هتك والله حجابه، من أصبحت إمامته مقبضة(1)

على غير ما شرع الله في التنزيل، وسنها النبي (صلى الله عليه وآله) في التأويل، ولكنها أحقاد بدرية، وترات أحدية، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة، فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق، فيقطع وتر الإيمان من قسيّ صدورها، ولبئس - على ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين - أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد استنصار ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب ومنازل الشهادات»(2).

--------------------

ص: 173


1- وفي نسخة المناقب: متقصة.
2- بحار الأنوار: ج 43 ص156 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها (صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها) ح5، عن مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 2 ص205 فصل في ظلامة أهل البيت (عليهم السلام).

بواعث ظلم الطغاة

مسألة: يستحب وقد يجب بيان بواعث الظلمة والطغاة والعصاة على ظلمهم.

قال تعالى: «أَوَلمْ يَسيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الذينَ كانُوا مِنْ قَبْلهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وآثاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وما كانَ لهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ»(1).

وقال سبحانه: «وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُول يا ليْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُول سَبيلاً * يا وَيْلتَى ليْتَني لمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَليلاً * لقَدْ أَضَلني عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَني وَ كانَ الشَّيْطانُ للإِنْسانِ خَذُولاً»(2).

وقال (عليه السلام): «عَجِبْتُ لمَنْ يَظْلمُ نَفْسَهُ كَيْفَ يُنْصِفُ غَيْرَهُ»(3).

وعَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «للظَّالمِ مِنَ الرِّجَال ثَلاثُ عَلامَاتٍ، يَظْلمُ مَنْ فَوْقَهُ بِالمَعْصِيَةِ، وَمَنْ دُونَهُ بِالغَلبَةِ، وَيُظَاهِرُ القَوْمَ

الظَّلمَةَ»(4).

ص: 174


1- سورة غافر: 21.
2- سورة الفرقان: 27 - 29.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص330 ح5652.
4- نهج البلاغة: قصار الحكم الرقم 536.

معنى وفروق الكرب والكمد

الكرب: تكاثف الغم مع ضيق الصدر، ولهذا يقال لليوم الحار: يوم كرب، أي كرب من فيه.

والكمد: الحزن المكتوم، ومعناه حزن دائم غير مفارق(1).

والمستفاد من الكلمتين كلا جانبي الكمي والكيفي، وتدل الكلمتان على أن ما أصابها (صلوات الله عليها) بفقد النبي (صلى الله عليه وآله) وظلم الوصي (عليه السلام) من الحزن كان:

1: دائماً غير مفارق(2).

2: متكاثفاً متراكماً، إذ لم تكن مصيبة واحدة بل مصائب عديدة، ولا ظلماً واحداً بل أنواع ظلم.

3: مكتوماً لا مجال لبثه، والحزن المكتوم أشد إيلاماً للنفس، وأذىً للجسم، وتأثيراً على الأعصاب، ولا يخفىكتمانها (صلوات الله عليها) أكثر آلامها وأحزانها عن الناس، بل حتى عن المقربين إليها.

4: موجباً لضيق الصدر، فإن الحزن إذا اشتد أثر على الجسد وأورث ضيق الصدر وصعوبة التنفس وشبه ذلك.

وقد بينت الصديقة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) أن الأمر - من غصب الخلافة

ص: 175


1- الفروق اللغوية: باب الفرق بين الحزن والكرب.
2- بل لو أنها (عليها الصلاة والسلام) عاشت أبد الدهر لما فارقها الحزن، وكيف يفارقها الحزن على (ظلم الوصي) أو (فقد النبي) ولم يكن موتا بل قتلا واستشهادا بمؤامرة من القوم، وجدير بشيعتها أن يكونوا كذلك في كرب وكمد على فقد النبي وظلم الوصي (عليهما السلام) أبد الدهر.

إلى غصب فدك وغيرها - لم يكن عن منطق وعقيدة، وإنما كان عن أطماع وأحقاد، (ولكنها أحقاد بدرية وتراث أُحُدية)، حيث إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قتل أشياخهم ببدر وأُحُد دفاعاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفاظاً على الدين، وكم من فرق بين من يعمل عملاً عن اعتقاد ومنطق وإن كان خاطئاً قصوراً، وبين من يعمل عملاً عن الحقد والهوى.

بيان أنواع الظلامات

مسألة: يستحب وقد يجب بيان مختلف أنواع وشتى مصاديق مظلومية الصديقة فاطمة (عليها السلام) ووجوه كونها (صلوات الله عليها) أصبحت بين كمد وكرب.

عن أبي ذر (رحمه الله) عن النبي (صلى

الله عليه وآله) في حديث أنه قال لفاطمة (عليها السلام): «أنتِ أول من يلحقنيمظلومة مغصوبة، وسوف تظهر بعدي حسيكة النفاق، ويسمل جلباب الدين»(1).

وعَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) قَال: «بَيْنَا أَنَا وفَاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ عِنْدَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِذِ التَفَتَ إِليْنَا فَبَكَى، فَقُلتُ: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُول اللهِ؟ فَقَال: أَبْكِي مِمَّا يُصْنَعُ بِكُمْ بَعْدِي، فَقُلتُ: ومَا ذَاكَ يَا رَسُول اللهِ، قَال: أَبْكِي مِنْ ضَرْبَتِكَ عَلى القَرْنِ، ولطْمِ فَاطِمَةَ خَدَّهَا، وطَعْنَةِ الحَسَنِ فِي الفَخِذِ، والسَّمِّ الذِي يُسْقَى وقَتْل الحُسَيْنِ، قَال: فَبَكَى أَهْل البَيْتِ جَمِيعاً، فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ مَا خَلقَنَا رَبُّنَا إلاّ للبَلاءِ، قَال: أَبْشِرْ يَا عَليُّ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل

ص: 176


1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج 1 ص343 الفصل الثالث والعشرون ح287.

قَدْ عَهِدَ إِليَّ أَنَّهُ لا يُحِبُّكَ إلاّ مُؤْمِنٌ ولا يُبْغِضُكَ إلاّ مُنَافِقٌ»(1).

ظلم الوصي من أكبر الكبائر

مسألة: يحرم الظلم مطلقاً، وظلم الوصي (عليه السلام) فهو من أكبر الكبائر، بل لا كبيرة أعظم من ظلم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بعد الشرك بالله تعالى، على حسب درجات وأنواع ذلك الظلم.عَنْ أُمِّ سَلمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَالتْ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول لعَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام): «أَنْتَ أَخِي وحَبِيبِي، مَنْ آذَاكَ فَقَدْ آذَانِي»(2).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «يا عَليُّ أَنْتَ مِنِّي وأَنَا مِنْكَ، سِيطَ لحْمُكَ بِلحْمِي، ودَمُكَ بِدَمِي، وأَنْتَ السَّبَبُ فِيمَا بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ خَلقِهِ بَعْدِي، فَمَنْ جَحَدَ وَلايَتَكَ قَطَعَ السَّبَبَ الذِي فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ وكَانَ مَاضِياً فِي الدَّرَكَاتِ، يَا عَليُ مَا عُرِفَ اللهُ إلاّ بِي ثُمَّ بِكَ، مَنْ جَحَدَ وَلايَتَكَ جَحَدَ اللهَ رُبُوبِيَّتَهُ، يَا عَليُّ أَنْتَ عَلمُ اللهِ بَعْدِي الأَكْبَرُ فِي الأَرْضِ، وأَنْتَ الرُّكْنُ الأَكْبَرُ فِي القِيَامَةِ، فَمَنِ اسْتَظَل بِفَيْئِكَ كَانَ فَائِزاً، لأَنَّ حِسَابَ الخَلائِقِ إِليْكَ ومَآبَهُمْ إِليْكَ، والمِيزَانَ مِيزَانُكَ، والصِّرَاطَ صِرَاطُكَ، والمَوْقِفَ مَوْقِفُكَ، والحِسَابَ حِسَابُكَ، فَمَنْ رَكَنَ إِليْكَ نَجَا، ومَنْ خَالفَكَ هَوَى وهَلك»(3).

وعن ابن الخطاب قَال: كُنْتُ أَجْفُو عَليّاً، فَلقِيَنِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه

ص: 177


1- الأمالي، للصدوق: ص134 المجلس الثامن والعشرون ح2.
2- شواهد التنزيل: ج 2 ص150 ح778.
3- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص856 الحديث الرابع والأربعون.

وآله) فَقَال: «إِنَّكَ آذَيْتَنِي يَا عُمَرُ»، فَقُلتُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ أَذَى رَسُولهِ، قَال: «إِنَّكَ قَدْآذَيْتَ عَليّاً ومَنْ آذَى عَليّاً فَقَدْ آذَانِي»(1).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من حسد عليّاً فقد حسدني، ومن حسدني فقد كفر»(2).

حجاب الوصي

مسألة: يحرم هتك حجاب الوصي (عليه السلام)، والحجاب أعم من الحجاب المادي والاعتباري، وهو عبارة عما يحتجب به المرء من دار أو ماء وجه أو حسن سمعة أو ما أشبه.

كما أن (الهتك) أعم مما كان باليد أو باللسان أو غيرهما، وما كان في محفل خاص أو مجمع عام، بل حتى ما كان في صورة عدم وجود الغير، كما أنه أعم مما كان بالمباشرة أو بالتسبيب والتخطيط والتآمر وشبه ذلك.

وفي حديث أخذ العهد وبحضور جبرائيل، قال النبي (صلى الله عليه وآله): «يَا عَليُّ تَفِي بِمَا فِيهَا مِنْ مُوَالاةِ مَنْ وَالى اللهَ ورَسُولهُ والبَرَاءَةِ والعَدَاوَةِ لمَنْعَادَى اللهَ ورَسُولهُ والبَرَاءَةِ مِنْهُمْ عَلى الصَّبْرِ مِنْكَ وعَلى كَظْمِ الغَيْظِ وعَلى ذَهَابِ حَقِّي وغَصْبِ خُمُسِكَ وانْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ، فَقَال: نَعَمْ يَا رَسُول اللهِ، فَقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): والذِي فَلقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لقَدْ سَمِعْتُ جَبْرَئِيل (عليه السلام) يَقُول للنَّبِيِّ: يَا مُحَمَّدُ عَرِّفْهُ أَنَّهُ يُنْتَهَكُ الحُرْمَةُ وهِيَ حُرْمَةُ اللهِ وحُرْمَةُ رَسُول اللهِ (صلى الله

ص: 178


1- بحار الأنوار: ج 39 ص331 ب90 ما بيّن من مناقب نفسه القدسية.
2- رواه الهندي في كنز العمّال: ج11 ص626 ح33050: من طريق الحافظ ابن مردويه، عن أنس.

عليه وآله) وعَلى أَنْ تُخْضَبَ لحْيَتُهُ مِنْ رَأْسِهِ بِدَمٍ عَبِيط»(1).

وفي حديث قال (صلى الله عليه وآله): «اللهَ اللهَ فِي أَهْل بَيْتِي، مَصَابِيحِ الظُّلمِ، ومَعَادِنِ العِلمِ، ويَنَابِيعِ الحِكَمِ، ومُسْتَقَرِّ المَلائِكَةِ، مِنْهُمْ وَصِيِّي وأَمِينِي ووَارِثِي، وهُوَ مِنِّي بِمَنْزِلةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إلاّ هَل بَلغْتُ مَعَاشِرَ الأَنْصَارِ، إلاّ فَاسْمَعُوا ومَنْ حَضَرَ، إلاّ إِنَّ فَاطِمَةَ بَابُهَا بَابِي وبَيْتُهَا بَيْتِي، فَمَنْ هَتَكَهُ فَقَدْ هَتَكَ حِجَابَ اللهِ»، قَال عِيسَى: فَبَكَى أَبُو الحَسَنِ (عليه السلام) طَوِيلا وقَطَعَ بَقِيَّةَ كَلامِهِ وقَال: «هُتِكَ واللهِ حِجَابُ اللهِ، هُتِكَ واللهِ حِجَابُ اللهِ، هُتِكَ واللهِ حِجَابُ اللهِ، يَا أُمَّهْ صَلوَاتُ اللهِ عَليْهَا»(2).

ما شرع في التنزيل

مسألة: يجب الأخذ بما شرعه الله سبحانه في التنزيل، ولا يجوز التعلل بالأعذار الواهية لترك قوانين الله وأحكامه المشرعة في الذكر الحكيم، مثل عذر تغير الشرائط والزمان والمكان وما أشبه، كعذر سخرية الغرب أو الشرق أو غيرها.

عَنْ زُرَارَةَ، قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الحَلال والحَرَامِ، فَقَال: «حَلال مُحَمَّدٍ حَلال أَبَداً إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، لا يَكُونُ غَيْرُهُ ولا يَجِي ءُ غَيْرُهُ» وقَال: قَال عَليٌّ (عليه السلام): «مَا أَحَدٌ

ص: 179


1- الكافي: ج 1 ص282 باب أن الأئمة عليه السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه ح4.
2- بحار الأنوار: ج 22 ص477 ب1 وصيته صلى الله عليه وآله عند قرب وفاته وفيه تجهيز جيش أسامة وبعض النوادر ح27.

ابْتَدَعَ بِدْعَةً إلاّ تَرَكَ بِهَا سُنَّةً»(1).

وعَنْ حَمَّادٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «مَا خَلقَ اللهُ حَلالا ولا حَرَاماً إلاّ ولهُ حَدٌّ كَحَدِّ الدُّورِ، وإِنَّ حَلال مُحَمَّدٍ حَلال إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ وحَرَامَهُ حَرَامٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَة»(2).

وعَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَال: قُلتُ لأَبِيعَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُل»(3)، فَقَال: «نُوحٌ وإِبْرَاهِيمُ ومُوسَى وعِيسَى ومُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله)، قُلتُ: كَيْفَ صَارُوا أُولي العَزْمِ، قَال: لأَنَّ نُوحاً بُعِثَ بِكِتَابٍ وشَرِيعَةٍ، وكُل مَنْ جَاءَ بَعْدَ نُوحٍ أَخَذَ بِكِتَابِ نُوحٍ وشَرِيعَتِهِ ومِنْهَاجِهِ حَتَّى جَاءَ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) بِالصُّحُفِ وبِعَزِيمَةِ تَرْكِ كِتَابِ نُوحٍ لا كُفْراً بِهِ، فَكُل نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) أَخَذَ بِشَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ ومِنْهَاجِهِ وبِالصُّحُفِ حَتَّى جَاءَ مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ وشَرِيعَتِهِ ومِنْهَاجِهِ وبِعَزِيمَةِ تَرْكِ الصُّحُفِ، وكُل نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ مُوسَى (عليه السلام) أَخَذَ بِالتَّوْرَاةِ وشَرِيعَتِهِ ومِنْهَاجِهِ حَتَّى جَاءَ المَسِيحُ (عليه السلام) بِالإِنْجِيل وبِعَزِيمَةِ تَرْكِ شَرِيعَةِ مُوسَى ومِنْهَاجِهِ، فَكُل نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ المَسِيحِ أَخَذَ بِشَرِيعَتِهِ ومِنْهَاجِهِ حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) فَجَاءَ بِالقُرْآنِ وبِشَرِيعَتِهِ ومِنْهَاجِهِ، فَحَلالهُ حَلال إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وحَرَامُهُ حَرَامٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَهَؤُلاءِ أُولوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُل (عليهم السلام)»(4).

ص: 180


1- الكافي: ج 1 ص58 باب البدع والرأي والمقاييس ح19.
2- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى الله عليهم): ج 1 ص148 ب13 باب آخر فيه أمر الكتب ح7.
3- سورة الأحقاف: 35.
4- الكافي: ج 2 ص17 باب الشرائع ح2.

ما سنّه النبي في التأويل

مسألة: يجب الأخذ بما سنّه النبي (صلى الله عليه وآله) في التأويل ولو بنحو الكلي، ويحرم الأخذ بما لم يتصف بأي منهما(1) ولو بنحو الكلي.

قال تعالى: «وَما آتاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا واتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَديدُ العِقاب»(2).

حرمة الحقد

مسألة: يحرم الحقد في الجملة، أما الحقد على أهل البيت (عليهم السلام) فهو من أشد المحرمات.

والحقد من الصفات النفسية الاختيارية لا أقل باختيارية مقدماتها كما فصلناه فيما سبق، ولو فرض خروجه عن الاختيار ولو في مرتبة فإن الواجب عليه ترتيب آثار ضده عليه ليكون كفارة لما خرج عن اختياره وستراً وغفراناً.

قال تعالى: «وَالذينَ جاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لنا ولإِخْوانِنَا الذينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ ولا تَجْعَل في قُلوبِنا غِلاًّ للذينَآمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحيم»(3).

ص: 181


1- أي ما لم يشرع في التنزيل ولا سن في التأويل، لأن حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
2- سورة الحشر: 7.
3- سورة الحشر: 10.

وقال أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «الحِقْدُ مِنْ طَبَائِعِ الأَشْرَارِ»(1).

وقال أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «احْتَرِسُوا مِنْ سَوْرَةِ الجَهْل والحِقْدِ والغَضَبِ والحَسَدِ وأَعِدُّوا لكُل شَيْ ءٍ مِنْ ذَلكَ عُدَّةً تُجَاهِدُونَهُ بِهَا مِنَ الفِكْرِ فِي العَاقِبَةِ ومَنْعِ الرَّذِيلةِ وطَلبِ الفَضِيلةِ وصَلاحِ الآخِرَةِ ولزُومِ الحِلمِ»(2).

الحقد الباطل

مسألة: الحقد بالباطل رذيلة مؤكدة، كالحقد على مؤمن لأنه فعل الواجب أو ترك الحرام، كمن يحقد مؤمناً لأمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر، أو لأنه صلى أو صام أو حج واعتمر أو جاهد في سبيل الله، أو لأنه لم يتعاون معه على الظلم، أو لم يعنه على منكر أراد فعله.

وكلام الصديقة الطاهرة (عليها السلام) صريح في أن حقد القوم على أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حقداً بالباطل، بل كان حقداً بأسوأ أنواعالباطل، فقد حقدوا عليه لأنه جاهد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتل صناديد المشركين وأبطالهم دفاعاً عن الدين وحفظاً لسيد المرسلين.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ لا يُبْدُونَهَا لكَ إلاّ مِنْ بَعْدِي، أَحْقَادُ بَدْرٍ وتِرَاتُ أُحُدٍ، قُلتُ: فِي سَلامَةٍ مِنْ دَيْنِي، قَال: فِي سَلامَةٍ مِنْ دِينِكَ، فَأَبْشِرْ يَا عَليُّ فَإِنَّ حَيَاتَكَ ومَوْتَكَ مَعِي، وأَنْتَ أَخِي وأَنْتَ وَصِيِّي وأَنْتَ صَفِيِّي ووَزِيرِي ووَارِثِي والمُؤَدِّي عَنِّي، وأَنْتَ تَقْضِي دَيْنِي وتُنْجِزُ عِدَاتِي عَنِّي، وأَنْتَ تُبْرِئُ ذِمَّتِي وتُؤَدِّي أَمَانَتِي،

ص: 182


1- عيون الحكم والمواعظ: ص66 ح1686.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص88 ح2097.

وتُقَاتِل عَلى سُنَّتِي النَّاكِثِينَ مِنْ أُمَّتِي والقَاسِطِينَ والمَارِقِينَ وأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى»(1).

وروي أنّه: لما دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي مات فيه، بكى، فقال عليّ: «يا رسول الله، ما الذي أبكاك؟ فقال: ضغائن من قوم في صدورهم، وأحقاد من قريش لا يبدونها لك إلاّ بعد موتي حين أولي»(2).ومن رِسَالةُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «لعَمْرُ أَبِي لنْ تُحِبُّوا أَنْ تَكُونَ فِينَا الخِلافَةُ والنُّبُوَّةُ وأَنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَحْقَادَ بَدْرٍ وثَارَاتِ أُحُدٍ»(3).

حرمة النفاق

مسألة: يحرم النفاق، وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان، ولا فرق في النفاق بين أنواع متعلقه، كالكفر بالله أو بوحدانيته أو بالرسول أو بالوصي أو بالمعاد، نعم لذلك(4) إطلاقان ومرتبتان، كما مر سابقاً.

قال تعالى: «وَعَدَ اللهُ المُنافِقينَ والمُنافِقاتِ والكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالدينَ فيها هِيَ حَسْبُهُمْ ولعَنَهُمُ اللهُ ولهُمْ عَذابٌ مُقيم»(5).

ص: 183


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص569 الحديث الثاني.
2- غرر الأخبار: ص63 الفصل الرابع فيما تفرد به أمير المؤمنين (عليه السلام) من المناقب.
3- بحار الأنوار: ج 29 ص142 ب 11 باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ح30، عن الإحتجاج: ج 1 ص95 رسالة لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أبي بكر لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء (عليها السلام) فدك.
4- اي الكفر ويتبعه النفاق.
5- سورة التوبة: 68.

وقال سبحانه: «إِنَّ المُنافِقينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَل مِنَ النَّارِ ولنْ تَجِدَ لهُمْ نَصيرا»(1).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُضَيْل، قَال: كَتَبْتُإِلى أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام) أَسْأَلهُ عَنْ مَسْأَلةٍ فَكَتَبَ إِليَّ: «إِنَّ المُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وهُوَ خادِعُهُمْ وإِذا قامُوا إِلى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ ولا يَذْكُرُونَ اللهَ إلاّ قَليلا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلكَ لا إِلى هؤُلاءِ ولا إِلى هؤُلاءِ ومَنْ يُضْلل اللهُ فَلنْ تَجِدَ لهُ سَبِيلا»(2)، ليْسُوا مِنَ الكَافِرِينَ وليْسُوا مِنَ المُؤْمِنِينَ وليْسُوا مِنَ المُسْلمِينَ يُظْهِرُونَ الإِيمَانَ ويَصِيرُونَ إِلى الكُفْرِ والتَّكْذِيبِ لعَنَهُمُ اللهُ»(3).

وقال أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «شَرُّ الأَخْلاقِ الكَذِبُ والنِّفَاقُ»(4).

قطع وتر الإيمان

مسألة: يحرم قطع وتر الإيمان.

قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «فَاطِمَةُ قَلبِي، وابْنَاهَا ثَمَرَةُ فُؤَادِي، وبَعْلهَا نُورُ بَصَرِي، والأَئِمَّةُ مِنْ وُلدِهَا أُمَنَائِي وحَبْلهَا المَمْدُودُ، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِمْ نَجَا ومَنْ تَخَلفَ عَنْهُمْ هَوَى»(5).

ص: 184


1- سورة النساء: 145.
2- سورة النساء: 141- 142.
3- الكافي: ج 2 ص395 ح2.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص293 ح5214
5- الفضائل، لابن شاذان القمي: ص146 وفي ذكر اللوح المحفوظ الذي نزل به جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله ما ينفع للمستبصرين ح14.

وقَال النبي (صلى الله عليه وآله): «أَيُّهَاالنَّاسُ إِنَّ اللهَ مَوْلايَ وأَنَا مَوْلى المُؤْمِنِينَ وأَوْلى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، إلاّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ، اللهُمَّ وَال مَنْ وَالاهُ، وعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، واخْذُل مَنْ خَذَله»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «عُرِجَ بِالنَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) إِلى السَّمَاءِ مِائَةً وعِشْرِينَ مَرَّةً، مَا مِنْ مَرَّةٍ إلاّ وقَدْ أَوْصَى اللهُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) بِوَلايَةِ عَليٍّ والأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْصَاهُ بِالفَرَائِضِ»(2).

تنبيه

الإمامة منصب إلهي، يستحيل اغتصابه، كالرسالة، وما يمكن غصبه هو السلطة الظاهرية، وهذا هو المراد في قول الصديقة (صلوات الله عليها): «من أصبحت إمامته مغتصبة».

عَنِ الرِّضَا (عليه السلام): «الإِمَامُ زِمَامُ الدِّينِ، ونِظَامُ أُمُورِ المُسْلمِينَ، وعِزُّ المُؤْمِنِينَ، وبَوَارُ الكَافِرِينَ، أُسُّ الإِسْلامِ، وصَلاحُ الدُّنْيَا، والنَّجْمُ الهَادِي، والسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، المَاءُ العَذْبُ عَلى الظَّمَاءِ، والنُّورُ الدَّال عَلى الهُدَى، والمُنْجِي مِنَالرَّدَى، والسَّحَابُ المَاطِرُ، والغَيْثُ الهَاطِل، والشَّمْسُ الظَّليلةُ، والأَرْضُ البَسِيطَةُ، والعَيْنُ الغَزِيرَةُ، والأَمِينُ الرَّفِيقُ، والوَالدُ الشَّفِيقُ، والأَخُ الشَّقِيقُ، والأُمُّ البَرَّةُ بِالوَلدِ الصَّغِيرِ، وأَمِينُ اللهِ فِي خَلقِهِ، وحُجَّتُهُ عَلى عِبَادِهِ، وخَليفَتُهُ فِي بِلادِهِ، الدَّاعِي إِلى اللهِ، والذَّابُّ عَنْ حُرَمِ الله»(3).

ص: 185


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص758 ح25.
2- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى الله عليهم): ج 1 ص79 النوادر من الأبواب في الولاية ح10.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، لابن شهرآشوب: ج 1 ص246 باب الإمامة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي خُطْبَةٍ لهُ يَذْكُرُ فِيهَا حَال الأَئِمَّةِ (عليهم السلام) وصِفَاتِهِمْ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل أَوْضَحَ بِأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ أَهْل بَيْتِ نَبِيِّنَا عَنْ دِينِهِ، وأَبْلجَ بِهِمْ عَنْ سَبِيل مِنْهَاجِهِ، وفَتَحَ بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلمِهِ، فَمَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) وَاجِبَ حَقِّ إِمَامِهِ وَجَدَ طَعْمَ حَلاوَةِ إِيمَانِهِ، وعَلمَ فَضْل طُلاوَةِ إِسْلامِهِ (1)، لأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى نَصَبَ الإِمَامَ عَلماً لخَلقِهِ، وجَعَلهُ حُجَّةً عَلى أَهْل مَوَادِّهِ وعَالمِهِ، وأَلبَسَهُ اللهُ تَاجَ الوَقَارِ، وغَشَّاهُ مِنْ نُورِ الجَبَّارِ، يُمَدُّ بِسَبَبٍ إِلى السَّمَاءِ، لا يَنْقَطِعُ عَنْهُ مَوَادُّهُ، ولا يُنَال مَا عِنْدَ اللهِ إلاّ بِجِهَةِ أَسْبَابِهِ، ولا يَقْبَل اللهُ أَعْمَال العِبَادِ إلاّ بِمَعْرِفَتِهِ، فَهُوَ عَالمٌ بِمَا يَرِدُ عَليْهِ مِنْ مُلتَبِسَاتِ الدُّجَى، ومُعَمَّيَاتِالسُّنَنِ، ومُشَبِّهَاتِ الفِتَنِ، فَلمْ يَزَل اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى يَخْتَارُهُمْ لخَلقِهِ مِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) مِنْ عَقِبِ كُل إِمَامٍ يَصْطَفِيهِمْ لذَلكَ ويَجْتَبِيهِمْ، ويَرْضَى بِهِمْ لخَلقِهِ ويَرْتَضِيهِمْ، كُلمَا مَضَى مِنْهُمْ إِمَامٌ نَصَبَ لخَلقِهِ مِنْ عَقِبِهِ إِمَاماً، عَلماً بَيِّناً، وهَادِياً نَيِّراً، وإِمَاماً قَيِّماً، وحُجَّةً عَالماً، أَئِمَّةً مِنَ اللهِ «يَهْدُونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعْدِلونَ»(2) حُجَجُ اللهِ ودُعَاتُهُ ورُعَاتُهُ عَلى خَلقِهِ، يَدِينُ بِهَدْيِهِمُ العِبَادُ، وتَسْتَهِل بِنُورِهِمُ البِلادُ، ويَنْمُو بِبَرَكَتِهِمُ التِّلادُ، جَعَلهُمُ اللهُ حَيَاةً للأَنَامِ، ومَصَابِيحَ للظَّلامِ، ومَفَاتِيحَ للكَلامِ، ودَعَائِمَ للإِسْلامِ، جَرَتْ بِذَلكَ فِيهِمْ مَقَادِيرُ اللهِ عَلى مَحْتُومِهَا، فَالإِمَامُ هُوَ المُنْتَجَبُ المُرْتَضَى، وَالهَادِي المُنْتَجَى، وَالقَائِمُ المُرْتَجَى، اصْطَفَاهُ اللهُ بِذَلكَ، واصْطَنَعَهُ عَلى عَيْنِهِ فِي الذَّرِّ حِينَ ذَرَأَهُ، وفِي البَرِيَّةِ حِينَ بَرَأَهُ، ظِلاً قَبْل خَلقِ نَسَمَةٍ عَنْ يَمِينِ عَرْشِهِ، مَحْبُوّاً بِالحِكْمَةِ فِي عِلمِ الغَيْبِ عِنْدَهُ، اخْتَارَهُ بِعِلمِهِ، وانْتَجَبَهُ لطُهْرِهِ، بَقِيَّةً مِنْ آدَمَ (عليه السلام)،

ص: 186


1- الطلاوة الحسن والبهجة والقبول.
2- سورة الأعراف: 159 و181.

وخِيَرَةً مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، ومُصْطَفًى مِنْ آل إِبْرَاهِيمَ، وسُلالةً مِنْ إِسْمَاعِيل، وصَفْوَةً مِنْ عِتْرَةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)، لمْ يَزَل مَرْعِيّاً بِعَيْنِ اللهِ، يَحْفَظُهُ ويَكْلؤُهُ بِسِتْرِهِ، مَطْرُوداً عَنْهُ حَبَائِل إِبْليسَوجُنُودِهِ، مَدْفُوعاً عَنْهُ وُقُوبُ الغَوَاسِقِ(1)، ونُفُوثُ كُل فَاسِقٍ، مَصْرُوفاً عَنْهُ قَوَارِفُ السُّوءِ، مُبْرَأً مِنَ العَاهَاتِ، مَحْجُوباً عَنِ الآفَاتِ، مَعْصُوماً مِنَ الزَّلاتِ، مَصُوناً عَنِ الفَوَاحِشِ كُلهَا، مَعْرُوفاً بِالحِلمِ والبِرِّ فِي يَفَاعِهِ، مَنْسُوباً إِلى العَفَافِ والعِلمِ والفَضْل عِنْدَ انْتِهَائِهِ، مُسْنَداً إِليْهِ أَمْرُ وَالدِهِ، صَامِتاً عَنِ المَنْطِقِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ وَالدِهِ إِلى أَنِ انْتَهَتْ بِهِ مَقَادِيرُ اللهِ إِلى مَشِيئَتِهِ، وجَاءَتِ الإِرَادَةُ مِنَ اللهِ فِيهِ إِلى مَحَبَّتِهِ، وبَلغَ مُنْتَهَى مُدَّةِ وَالدِهِ (عليه السلام) فَمَضَى وصَارَ أَمْرُ اللهِ إِليْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وقَلدَهُ دِينَهُ، وجَعَلهُ الحُجَّةَ عَلى عِبَادِهِ، وقَيِّمَهُ فِي بِلادِهِ، وأَيَّدَهُ بِرُوحِهِ، وآتَاهُ عِلمَهُ، وأَنْبَأَهُ فَصْل بَيَانِهِ، واسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وانْتَدَبَهُ لعَظِيمِ أَمْرِهِ، وأَنْبَأَهُ فَضْل بَيَانِ عِلمِهِ، ونَصَبَهُ عَلماً لخَلقِهِ، وجَعَلهُ حُجَّةً عَلى أَهْل عَالمِهِ، وضِيَاءً لأَهْل دِينِهِ، والقَيِّمَ عَلى عِبَادِهِ، رَضِيَ اللهُ بِهِ إِمَاماً لهُمُ، اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، واسْتَحْفَظَهُ عِلمَهُ، واسْتَخْبَأَهُ حِكْمَتَهُ، واسْتَرْعَاهُ لدِينِهِ، وانْتَدَبَهُ لعَظِيمِ أَمْرِهِ، وأَحْيَا بِهِ مَنَاهِجَ سَبِيلهِ وفَرَائِضَهُ وحُدُودَهُ، فَقَامَ بِالعَدْل عِنْدَ تَحَيُّرِ أَهْل الجَهْل، وتَحْيِيرِ أَهْلالجَدَل بِالنُّورِ السَّاطِعِ، والشِّفَاءِ النَّافِعِ، بِالحَقِّ الأَبْلجِ، والبَيَانِ اللائِحِ، مِنْ كُل مَخْرَجٍ عَلى طَرِيقِ المَنْهَجِ، الذِي مَضَى عَليْهِ الصَّادِقُونَ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) فَليْسَ يَجْهَل حَقَّ هَذَا العَالمِ إلاّ شَقِيٌّ، ولا يَجْحَدُهُ إلاّ غَوِيٌّ، ولا يَصُدُّ عَنْهُ إلاّ جَرِيٌّ عَلى اللهِ جَل وعَلا»(2).

ص: 187


1- الوقوب: دخول الظلام، والغاسق: الليل المظلم، والنفوث كالنفخ والقرفة: التهمة.
2- الكافي: ج 1 ص203 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ح2.

رفض اعتذار القوم

اشارة

روي أنه جاء إلى الصديقة فاطمة (عليها السلام) قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن (عليه السلام) ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره، فقالت (عليها السلام): «إليكم عني، فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم»(1).

-------------------------

طرد أهل العناد

مسألة: يجوز - بالمعنى الأعم - أمر أهل الغدر والعناد بالابتعاد وطردهم، وإن أظهروا الندامة بعد أن لم يرتبوا عليها أثرها، فإن الاعتذار باللسان فقط دون مطاوعة الجوارح ودون إصلاح ما أفسدوه أشبه بالاستهزاء أو الخداع.

وقول الصديقة (عليها السلام): (إليكم عني) قد يكون حقيقياً، أي طلب البعد الجسمي ومغادرة المكان، وقد يكون كنائياً عن رفض عذرهم بقول مطلق، وإدانة عملهم بما لا يقبل الغفران بمجرد الحضور والاعتذار باللسان.

ثم المراد بالجواز في المقام الأعممن الواجب والمستحب والجائز، إذ كل من المعنيين الحقيقي والمجازي قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً وقد يكون جائزاً،

ص: 188


1- الإحتجاج: ج 1 ص109 احتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك وقولها لهم عند الوفاة بالإمامة.

كما أنه قد يكون الأمر مكروهاً فيما يكره الإبعاد الجسمي أو المجازي، كما في مؤمن لا يستحق ذلك بما لا يعد هتكاً وإهانة محرمة، وقد يحرم كبعض مسائل باب النكاح(1).

قال الإمام الحَسَنُ (عليه السلام) لأبي موسى الأشعري: «اعْتَزِل عَمَلنَا لا أُمَّ لكَ صَاغِراً وتَنَحَ عَنْ مِنْبَرِنَا»(2).

وقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) لسارق الأكفان: «تَنَحَ عَنِّي يَا فَاسِقُ إِنِّي أَخَافَ أَنْ أَحْتَرِقَ بِنَارِكَ فَمَا أَقْرَبَكَ مِنَ النَّارِ ثُمَّ لمْ يَزَل صلى الله عليه وآله يَقُول ويُشِيرُ إِليْهِ حَتَّى أَمْعَنَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْه»(3).

وعن ابن عباس قال: لما أخرج أبوذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس إلاّ يكلم أحد أباذر ولا يشيعه!، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به، فخرج به،وتحاماه الناس إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعقيلاً أخاه وحسناً وحسيناً (عليهما السلام) وعماراً فإنهم خرجوا معه يشيّعونه، فجعل الحسن (عليه السلام) يكلم أباذر، فقال له مروان: إيهاً يا حسن إلاّ تعلم أن الأمير قد نهى عن كلام هذا الرجل، فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل عليّ (عليه السلام) على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال: «تنح لحاك الله إلى النار»(4).

ص: 189


1- كإبعاد المرأة زوجها عنها بما تعد ناشزة، وكهجر الرجل زوجته دون نشوز منها بما يؤذيها.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة: ص252 إرسال الأشتر إلى الكوفة.
3- الأمالي، للصدوق: ص44 المجلس الحادي عشر ح3.
4- السقيفة وفدك: ص76.

إنهم ليسوا بمعذورين

مسألة: يجب تنبيه الأمة على عدم معذورية هؤلاء وأمثالهم ممن يحتجون بمختلف الأعذار لتبرأة ساحتهم من جناياتهم ومعاصيهم ومداهنتهم للظالمين، وما أكثرهم في كل مكان وزمان، كما نبّهت الصديقة (عليها السلام) بقولها: «إليكم عني...».

وذلك ليظهر الحق ويبطل الباطل، وإذا كان الرجحان فقط بحيث لم يمنع عن نقيضه كان مستحباً.

ثم إن كلامها (عليها الصلاة والسلام) نوع من إبطال الباطل وإحقاق الحق والنهي عن المنكر، لأن ما فعلوه كان من أشد المنكرات.

ولا يخفى أن كلامهم كان مجرد عذر غير مقبول، لأنهم كانوا قد علموا بأن علياً (صلوات الله عليه) هو الخليفة الشرعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة الغدير وغيرها كما يدل عليه متواتر الروايات، ولهذا صح عتابهم بقولها (عليها السلام): «فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم»، والحاصل إنهم كانوا مقصرين غير قاصرين.

قال تعالى: «فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الذينَ ظَلمُوا مَعْذِرَتُهُمْ ولاهُمْ يُسْتَعْتَبُون»(1). وقال سبحانه: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالمينَ مَعْذِرَتُهُمْ ولهُمُ اللعْنَةُ ولهُمْ سُوءُ الدَّار»(2).

ص: 190


1- سورة الروم: 57.
2- سورة غافر: 52.

وعن ابن عبّاس وكعب الأحبار في حديث قال: قال عبد الله بن عمر: ولمّا دنت وفاة أبي كان يغمى عليه تارة ويفيق أخرى، فلمّا أفاق قال: يا بنيّ أدركني بعليّ بن أبي طالب قبل الموت، فقلت: وما تصنع بعليّ بن أبي طالب، وقد جعلتها شورى، وأشركت عنده غيره؟

قال: يا بنيّ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ في النار تابوتاً يحشر فيه اثنا عشر رجلاً من أصحابي، ثمّ التفت إلى أبي بكر، وقال: احذر أن تكون أوّلهم، ثمّ التفت إلى معاذ بن جبل وقال: إيّاك يا معاذ أن تكون الثاني، ثمّ التفت إليّ ثمّ قال: يا عمر إيّاك أن تكون الثالث، وقد أغمي عليه فأفاق.

ثمّ قال: عليّ بابني، ورأيت التابوت وليس فيه إلاّ أبو بكر ومعاذ بن جبل وأنا الثالث لا أشكّ فيه.

قال عبد الله: فمضيت إلى عليّ بن أبي طالب وقلت: يا ابن عمّ رسول الله إنّ أبي يدعوك لأمر قد أحزنه، فقام عليّ (عليهالسلام) معه، فلمّا دخل عليه قال له:

يا ابن عمّ رسول الله إلاّ تعفو عنّي وتحللني عنك، وعن زوجتك فاطمة، واسلم إليك الخلافة؟ فقال له علي: نعم غير أنّك تجمع المهاجرين والأنصار، وأعط الحقّ الذي خرجت عليه من ملكه، وما كان بينك وبين صاحبك من معاهدتنا، وأقرّ لنا بحقّنا، وأعفو عنك، وأحللك، وأضمن لك عن ابنة عمّي فاطمة.

قال عبد الله: فلمّا سمع ذلك أبي حوّل وجهه إلى الحائط، وقال: النار يا أمير المؤمنين ولا العار، فقام علي (صلوات الله عليه) وخرج من عنده، فقال له ابنه:

ص: 191

لقد أنصفك الرجل يا أبت، فقال له: يا بنيّ إنّه أراد أن ينشر أبا بكر من قبره، ويضرم له ولأبيك النار، وتصبح قريش موالين لعلي بن أبي طالب، والله لا كان ذلك أبداً.

قال: ثمّ إنّ عليّاً قال لعبد الله بن عمر: ناشدتك بالله يا عبد الله بن عمر ما قال لك حين خرجت من عنده؟ قال: أما إذا ناشدتني الله وما قال لي بعدك فإنّه قال: إنّ أصلع قريش يحملهم على المحجّة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم.

قال: يا ابن عمر فما قلت له عند ذلك؟

قال: قلت له: فما يمنعك أنتستخلفه؟

قال: وما ردّ عليك؟

قال: ردّ عليّ، اكتمه.

قال عليّ (عليه السلام): فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني به في حياته، ثمّ أخبرني في ليلة وفاته، فأنشدتك الله يا ابن عمر إن أنا أخبرتك به لتصدّقني.

قال: إذا سألت، قال: إنّه قال لك حين قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه؟

قال: يمنعني الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد في الكعبة، فسكت ابن عمر، فقال له عليّ: سألتك بحقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سكتّ عنّي.

قال أبي، سليم: رأيت ابن عمر في ذلك المحل قد خنقته العبرة، ودمعت عيناه، ثمّ إنّ عمر تأوّه ساعة ومات آخر ليلة التاسع من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وقيل لأربع بقين من ذي الحجّة من السنة المذكورة

ص: 192

والأوّل أصحّ، وله يومئذ ثلاث وسبعون سنة(1).

التقصير المحرم

مسألة: يحرم التقصير عن نصرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته وبعد استشهاده، وتقصير القوم عن نصرته كان من أشد الكبائر.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَعَاشِرَ النَّاسِ فَاتَّقُوا اللهَ وتَابِعُوا عَليّاً أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ والحَسَنَ والحُسَيْنَ والأَئِمَّةَ، كَلمَةً بَاقِيَةً، يُهْلكُ اللهُ مَنْ غَدَرَ، ويَرْحَمُ مَنْ وَفَى، «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَليْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»(2)»(3).

وعَنْ عَليِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِدِينِي، ويَرْكَبَ سَفِينَةَ النَّجَاةِ بَعْدِي، فَليَقْتَدِ بِعَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ، وليُعَادِ عَدُوَّهُ، وليُوَال وَليَّهُ، فَإِنَّهُ وَصِيِّي وخَليفَتِي عَلى أُمَّتِي فِي حَيَاتِي وبَعْدَ وَفَاتِي، وهُوَ إِمَامُ كُل مُسْلمٍ وأَمِيرُ كُل مُؤْمِنٍ بَعْدِي، قَوْلهُ قَوْلي، وأَمْرُهُ أَمْرِي، ونَهْيُهُ نَهْيِي، وتَابِعُهُ تَابِعِي، ونَاصِرُهُ نَاصِرِي، وخَاذِلهُ خَاذِلي».

ص: 193


1- مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر: ج 2 ص95 التسعون ومائتان علمه (عليه السلام) بما قاله أبو بكر وعمر ومعاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى حذيفة عند موتهم، وما في ذلك من المعجزات ح420.
2- سورة الفتح: 10.
3- روضة الواعظين: ج 1 ص99 مجلس في ذكر الإمامة وإمامة علي ابن أبي طالب وأولاده (صلوات الله عليهم أجمعين).

ثُمَّ قَال (عليه السلام): «مَنْ فَارَقَ عَليّاًبَعْدِي لمْ يَرَنِي ولمْ أَرَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ومَنْ خَالفَ عَليّاً حَرَّمَ اللهُ عَليْهِ الجَنَّةَ، وجَعَل مَأْوَاهُ النَّارَ وبِئْسَ المَصِيرُ، ومَنْ خَذَل عَليّاً خَذَلهُ اللهُ يَوْمَ يُعْرَضُ عَليْهِ، ومَنْ نَصَرَ عَليّاً نَصَرَهُ اللهُ يَوْمَ يَلقَاهُ ولقَّنَهُ حُجَّتَهُ عِنْدَ المُسَاءَلةِ». ثُمَّ قَال (عليه السلام): «الحَسَنُ والحُسَيْنُ إِمَامَا أُمَّتِي بَعْدَ أَبِيهِمَا، وسَيِّدَا شَبَابِ أَهْل الجَنَّةِ، وأُمُّهُمَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالمِينَ، وأَبُوهُمَا سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، ومِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ، تَاسِعُهُمُ القَائِمُ مِنْ وُلدِي، طَاعَتُهُمْ طَاعَتِي، ومَعْصِيَتُهُمْ مَعْصِيَتِي، إِلى اللهِ أَشْكُو المُنْكِرِينَ لفَضْلهِمْ، والمُضِيعِينَ لحُرْمَتِهِمْ بَعْدِي، وكَفى بِاللهِ وَليًّا ونَاصِراً لعِتْرَتِي وأَئِمَّةِ أُمَّتِي، ومُنْتَقِماً مِنَ الجَاحِدِينَ لحَقِّهِمْ، «وَسَيَعْلمُ الذِينَ ظَلمُوا أَيَّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلبُون»(1)»(2).

العهد مع الظالم باطل

مسألة: إبرام العهد مع الظالم الغاصب وإحكام العقد معه لغو لا شرعية له ولا اعتبار ولا قيمة ولا آثار، فإن عهد الله قبل عهدهم، والقسم عليه باطل لاغ،وخلفه واجب ولا كفارة عليه.

فاعتذار القوم بقولهم: (لو كان أبو الحسن (عليه السلام) ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره) احتجاج بما لا حجية له ولا شرعية فيه، ويدل عليه صريح قولها (صلوات الله عليها) : ولا أمر بعد تقصيركم.

ص: 194


1- سورة الشعراء: 227.
2- كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص260 ب24 باب ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النص على القائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) ح6.

أبشروا آل محمد

اشارة

روي أن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر فقالت: لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات، وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى، ثم قرأت عليه قوله تعالى: [وَاعْلمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَللرَّسُول وَلذِي القُرْبَى](1)، قالت (عليها السلام): سمعته (صلى الله عليه وآله) يقول لما أنزلت هذه الآية: «أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى»(2).

---------------------

البشارة بإقبال الغنى

مسألة: يستحب البشارة بإقبال الغنى، كما يستحب التسبيب لغنى الناس، فإن الغنى لمن هو أهله ولا يطغى بسببه من أهم البشارات.

وفي الحديث: «نِعْمَ العَوْنُ عَلى تَقْوَىاللهِ الغِنَى»(3)، فإن الإنسان بالغنى

ص: 195


1- سورة الأنفال: 41.
2- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة سلام الله عليها ص886 ب49 احتجاجها (عليها السلام) على من غصبها حقها في فدك ح98، وراجع السقيفة وفدك: ص114 القسم الثاني: فدك، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص230 الفصل الأول فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم لا من كتب الشيعة ورجالهم.
3- الكافي: ج 5 ص71 باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ح1.

والثروة والمال يمكنه أن يساعد الفقراء والمرضى والمساكين ويزوج العزاب والعازبات ويبني المؤسسات الخيرية كالمدارس والمساجد والحسينيات والمستوصفات والمستشفيات والمعاهد العلمية وما أشبه ذلك، ولذا سمّى الله سبحانه المال بالخير، قال تعالى: «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالدَيْنِ والأَقْرَبين»(1) الآية.

والحاصل: إن الغنى لآل محمد (عليهم السلام) طريقي، وهو للآخرة قبل أن يكون للدنيا، على أن ما يكون للدنيا في الجملة مما حبذ إليه الله تعالى إن كان من حل وأنفق في محله، قال جل اسمه: «قُل مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللهِ التي أَخْرَجَ لعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُل هِيَ للذينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا خالصَةً يَوْمَ القِيامَةِ كَذلكَ نُفَصِّل الآياتِ لقَوْمٍ يَعْلمُونَ»(2).

تبشير المؤمنين

مسألة: يستحب تبشير الإنسان إذا جاءه ما يسبب حسن حاله.فإن التبشير عبارة عن إدخال السرور في قلب المبشَّر بالفتح، ومن الواضح أن إدخال السرور في قلب المؤمن من أكبر المستحبات.

ويندرج في ذلك نشر الأخبار المبشرة للمؤمنين، بواسطة الجرائد والمجلات والإذاعة والتلفاز.

ومنه أيضاً نقل الأخبار المبشرة في داخل العوائل والمنظمات وغيرها، كنقل

ص: 196


1- سورة البقرة: 180.
2- سورة الأعراف: 32.

خبر نجاح أحدهم في تأسيس مؤسسة ما، أو في الامتحان، أو في تأسيس شركة، أو في إصلاح ذات البين، أو البشارة بشفاء مريض أو هداية ضال أو ما أشبه، فإن ذلك مضافاً إلى إدخاله السرور في قلوب المؤمنين، يسبب تماسكهم أكثر فأكثر، كما يسبب التشجيع على عمل الخير.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «مَنْ فَرَّحَ مُسْلماً خَلقَ اللهُ مِنْ ذَلكَ الفَرَحِ صُورَةً حَسَنَةً تَقِيهِ آفَاتِ الدُّنْيَا وأَهْوَال الآخِرَةِ، تَكُونُ مَعَهُ فِي الكَفَنِ والحَشْرِ والنَّشْرِ حَتَّى تُوقِفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَيَقُول لهُ: مَنْ أَنْتَ فَوَ اللهِ لوْ أَعْطَيْتُكَ الدُّنْيَا لمَا كَانَتْ عِوَضاً لمَا قُمْتَ لي بِهِ، فَيَقُول: أَنَا الفَرَحُ الذِي أَدْخَلتَهُ عَلى أَخِيكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا»(1).وعَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَال: «مَنْ أَدْخَل السُّرُورَ عَلى مُؤْمِنٍ فَقَدْ أَدْخَلهُ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ومَنْ أَدْخَلهُ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَدْ وَصَل ذَلكَ إِلى اللهِ، وكَذَلكَ مَنْ أَدْخَل عَليْهِ كَرْباً»(2).

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَاليِّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ سَرَّ مُؤْمِناً فَقَدْ سَرَّنِي، ومَنْ سَرَّنِي فَقَدْ سَرَّ اللهَ»(3).

وعَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ (صلوات الله عليه) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَال إِلى اللهِ عَزَّ وجَل إِدْخَال السُّرُورِ عَلى المُؤْمِنِينَ»(4).

ص: 197


1- مصادقة الإخوان: ص64 باب ثواب من فرح أخاه ح1.
2- الكافي: ج 2 ص192 باب إدخال السرور على المؤمنين ح14.
3- الكافي: ج 2 ص188 باب إدخال السرور على المؤمنين ح1.
4- الكافي: ج 2 ص189 باب إدخال السرور على المؤمنين ح4.

وعَنْ مُفَضَّل بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لا يَرَى أَحَدُكُمْ إِذَا أَدْخَل عَلى مُؤْمِنٍ سُرُوراً أَنَّهُ عَليْهِ أَدْخَلهُ فَقَطْ، بَل واللهِ عَليْنَا، بَل واللهِ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)»(1).

لا لإشاعة الفاحشة

مسألة: من ذلك يظهر أن ما جرى عليه ديدن الغرب، وتبعه الشرق من شدة الترويج في وسائل الإعلام للأخبار المحزنة والتركيز عليها بشكل كبير جداً، كحريق هنا، وقتل هناك، وسرقة أو غصب أو اغتصاب أو احتيال أو غرق أو ضياع أو ما أشبه، مما لا يصح، فإن كثيراً من ذلك مصداق لإشاعة الفاحشة، ويعد - عن قصد أو لا قصد - طريقاً لترويجها وإزالة قبحها من الأذهان، لتكون عادية لدى الناس.

بل إنها تجرؤ الكثيرين، خاصة بعض الشباب عليها.

إضافة إلى ما تسببه من مرض الكآبة في الذين يمطرون بمئات من هذه الأخبار طوال السنة، دون طائل.

نعم لا بد من ذكر بعض ما يرتبط بالبشرية من الجرائم والمصائب بالقدر الذي يحفزهم على التعاون، أو يذكرهم بالآخرة، أو يوضح لهم الأسباب والنتائج، ويحذرهم من الشرور والآثام، وما يكون مصداقاً لقوله (عليه السلام): «العالم بزمانه لا تهجم عليهاللوابس»(2).

ولهذا البحث تفصيل في علم الاجتماع وعلم الأخلاق.

ص: 198


1- الكافي: ج 2 ص189 باب إدخال السرور على المؤمنين ح6.
2- الكافي: ج 1 ص26 كتاب العقل والجهل ح29.

عن مَسْعَدَةُ بْنُ زِيَادٍ، قَال: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) وقَدْ سُئِل عَنْ قَوْلهِ تَعَالى: «فَللهِ الحُجَّةُ البالغَةُ»(1)، فَقَال: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ قَال اللهُ تَعَالى للعَبْدِ: أَ كُنْتَ عَالماً، فَإِنْ قَال نَعَمْ قَال لهُ أَفَلا عَمِلتَ بِمَا عَلمْتَ، وإِنْ قَال كُنْتُ جَاهِلا قَال لهُ: أَ فَلا تَعَلمْتَ، فَيَخْصِمُهُ، فَتِلكَ الحُجَّةُ البَالغَةُ للهِ عَزَّ وجَل عَلى خَلقِه»(2).

وقال (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأبي ذر: «عَلى العَاقِل أَنْ يَكُونَ بَصِيراً بِزَمَانِه»(3).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل عَيَّرَ أَقْوَاماً بِالإِذَاعَةِ فِي قَوْلهِ عَزَّ وَجَل «وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ» فَإِيَّاكُمْ والإِذَاعَةَ»(4).وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَذَاعَ فَاحِشَةً كَانَ كَمُبْتَدِئِهَا، ومَنْ عَيَّرَ مُؤْمِناً بِشَيْ ءٍ لا يَمُوتُ حَتَّى يَرْكَبَهُ»(5).

ص: 199


1- سورة الأنعام: 149.
2- الأمالي، للمفيد: ص292 المجلس الخامس والثلاثون ح1.
3- الخصال: ج 2 ص525 الخصال التي سأل عنها أبو ذر (رحمه الله) رسول الله (صلى الله عليه وآله) ح13.
4- الكافي: ج 2 ص369 باب الإذاعة ح1.
5- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص247.

وجوب الخمس

مسألة: يجب إعطاء الخمس لصريح قوله تعالى: «فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وللرَّسُول ولذِي القُرْبى...»(1)، كما أن انتشار الفقر في كثير من السادة(2) نتيجة منع الخمس.

فإذا كان الناس ملتزمين بدفع الحقوق الشرعية من الأخماس والزكوات والكفارات والنذورات وما أشبه لم يبق محتاج كما وردت بذلك النصوص المستفيضة، وعلى ما يظهر من كتابي الخمس والزكاة، وقد ذكرنا بعض تفصيل ذلك في كتاب (الفقه: الاقتصاد)(3).

ولا يخفى أنه إنما يُعطى الخمس للسيد إذا لم يكن غنياً فعلاً ولا قوّةً(4)، ولم يكن في دفع الخمس له إعانة على الإثم(5)، وتفصيله في بابه.

ص: 200


1- سورة الأنفال: 41.
2- ولا يخفى أن عدد السادة من بني الزهراء (عليها السلام) في العالم يبلغ الآن عشرات الملايين، وقيل إن عددهم يبلغ ما يقارب مائة مليون.
3- موسوعة الفقه: ج107 - 108 كتاب الاقتصاد.
4- الغني بالقوة هو من يملك قوت سنته عبر راتب له أو عمل تدريجي يحصل به مؤونته وإن لم يكن عنده الآن مؤنة سنته نقداً.
5- قال في العروة: (يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم، ولا سيما إذا كان في المنع الردع عنه) ووافقه المحشون. انظر العروة، كتاب الخمس فصل2 في قسمة الخمس. وقال الإمام المؤلف (قدس سره) في الحاشية: (إعطاء الخمس لابن السبيل العاصي بسفره مشكل، فلا يترك الاحتياط، خصوصاً إذا كان الإعطاء مصداقاً للإعانة على الإثم أو التعاون عليه). وقال أيضاً: (الأحوط عدم إعطاء المتجاهر - أي بالمعصية - خصوصاً بالمعاصي الشديدة).

وهكذا في الزكاة حيث اشترط الفقهاء أن لا يصرفها في الحرام وأن يصرف على الموالين.

عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ يُجْبِرُ عِبَادَهُ عَلى المَعَاصِي أَوْ يُكَلفُهُمْ مَا لا يُطِيقُونَ فَلا تُعْطُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً»(1).

وعَنْ بِشْرِ بْنِ بَشَّارٍ، قَال: قُلتُ للرَّجُل يَعْنِي أَبَا الحَسَنِ (عليه السلام): «مَا حَدُّ المُؤْمِنِ الذِي يُعْطَى الزَّكَاةَ، قَال: يُعْطَى المُؤْمِنُ ثَلاثَةَ آلافٍ، ثُمَّ قَال: أَوْ عَشَرَةَ آلافٍ، ويُعْطَى الفَاجِرُ بِقَدَرٍ، لأَنَّ المُؤْمِنَ يُنْفِقُهَا فِي طَاعَةِ اللهِ والفَاجِرَ فِي مَعْصِيَةِاللهِ»(2).

ص: 201


1- وسائل الشيعة: ج 9 ص228 ب7 باب عدم جواز دفع الزكاة إلى المخالف في الاعتقاد الحق من الأصول كالمجسمة والمجبرة والواقفية والنواصب ونحوهم ح1.
2- وسائل الشيعة: ج 9 ص249 ب17 باب عدم جواز دفع الزكاة إلى شارب الخمر وعدم اشتراط العدالة في مستحق الزكاة ح2.

فضيلة أسماء وأم أيمن

اشارة

في حديث قالت فاطمة (عليها السلام): «ألم تسمعا من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنة». فقالا: بلى(1).

----------------------

تزكية الشاهد العادل

مسألة: يجب في مورده تزكية الشاهد العادل، رجلاً كان أم امرأة، فيما يصح شهادتها فيه، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عيلها).

هذا وفي الروايات من كان ظاهره العدالة تقبل شهادته، فكيف بمن وثقته الزهراء (عليها السلام) وهي المعصومة الصديقة.

عَنْ عَلقَمَةَ قَال: قَال الصَّادِقُ (عليه السلام) وَقَدْ قُلتُ لهُ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ أَخْبِرْنِي عَمَّنْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ وَمَنْ لا تُقْبَل، فَقَال: «يَا عَلقَمَةُ كُل مَنْ كَانَ عَلى فِطْرَةِ الإِسْلامِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ» قَال: فَقُلتُ لهُ: تُقْبَل شَهَادَةُ مُقْتَرِفٍ بِالذُّنُوبِ، فَقَال: «يَا عَلقَمَةُ لوْ لمْ تُقْبَل شَهَادَةُ المُقْتَرِفِينَللذُّنُوبِ لمَا قُبِلتْ إلاّ شَهَادَةُ الأَنْبِيَاءِ والأَوْصِيَاءِ (عليهم السلام) لأَنَّهُمُ المَعْصُومُونَ دُونَ سَائِرِ الخَلقِ، فَمَنْ لمْ تَرَهُ بِعَيْنِكَ يَرْتَكِبُ ذَنْباً أَوْ لمْ يَشْهَدْ عَليْهِ بِذَلكَ شَاهِدَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْل العَدَالةِ والسَّتْرِ وشَهَادَتُهُ

ص: 202


1- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ج 1 ص249 فيما جرى على فاطمة (عليها السلام) من الأذى والظلم ومنعها من فدك.

مَقْبُولةٌ وإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُذْنِباً، ومَنِ اغْتَابَهُ بِمَا فِيهِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ وَلايَةِ اللهِ دَاخِل فِي وَلايَةِ الشَّيْطَانِ»(1).

وعَنْهُمْ (عليهم السلام): «أَنَّهُ لا بَأْسَ بِشَهَادَةِ المَمْلوكِ إِذَا كَانَ عَدْلاً»(2).

وعَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَليٍّ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ عَامَل النَّاسَ فَلمْ يَظْلمْهُمْ، وحَدَّثَهُمْ فَلمْ يَكْذِبْهُمْ، ووَعَدَهُمْ فَلمْ يُخْلفْهُمْ، فَهُوَ مِمَّنْ كَمَلتْ مُرُوءَتُهُ، وظَهَرَتْ عَدَالتُهُ، ووَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ، وحَرُمَتْ غِيبَتُهُ»(3).

منزلة المرأة في الإسلام

مسألة: يستحب بيان اهتمام الإسلام بمقام المرأة، فإن لذلك الموضوعية، كما له الطريقية أيضاً لإبطال دعاويالمغرضين والجاهلين وأعداء الدين، كما يجب أن لا يزاد على ما ذكره الإسلام، ولا ينقص منه خوفاً من إعلام الشرق والغرب، قال تعالى: «تَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ»(4).

الإشارة بأصحاب الفضل

مسألة: يستحب بيان فضائل أصحاب الفضل من المؤمنين والمؤمنات، كما بينت الصديقة (عليها السلام) كون أسماء وأم أيمن (رضوان الله عليهما) من أهل الجنة.

ص: 203


1- وسائل الشيعة: ج 27 ص395 ب41 باب ما يعتبر في الشاهد من العدالة ح13.
2- وسائل الشيعة: ج 27 ص395 ب41 باب ما يعتبر في الشاهد من العدالة ح4.
3- وسائل الشيعة: ج 27 ص396 ب41 باب ما يعتبر في الشاهد من العدالة ح15.
4- سورة الأحزاب: 37.

فإن ذكر أصحاب الفضل يسبب جعلهم أسوة، والتفاف الناس حولهم، وقبول شهادتهم وما إلى ذلك، كما أنه يشجعهم على العمل الصالح والتمسك بالفضلية أكثر، كما أن ذكر نقائص أهل النقص يوجب عكس كل ذلك.

وفي القرآن الحكيم ورد القسمان من تفضيل المفضَّلين وتنقيص المبطلين، كذكر الأنبياء (عليهم السلام) بالفضيلة وذكر الفراعنة بالرذيلة.

ص: 204

أول الأهل لحوقاً

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه ميت، فبكيت، ثم أخبرني (صلى الله عليه وآله) أني أول أهله لحوقاً به فضحكتُ»(1).

--------------------------

إظهار الحزن عند مقتضيه

مسألة: يستحب إظهار الحزن إذا سمع الإنسان شيئاً محزناً، فكيف إذا كان أمراً عظيماً كوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فإن ذلك من مظاهر الإنسانية، وقد قال الصادق (عليه السلام): «المُؤْمِنُونَ فِي تَبَارِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَل الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى تَدَاعَى لهُ سَائِرُهُ بِالسَّهَرِ والحُمَّى»(2)، وهذا إنشاء في صورة الإخبار وهو من أساليب البلاغة(3).وأما بالنسبة إليهم (صلوات الله عليهم) فتدل عليه أدلة خاصة، مثل: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى اطَّلعَ إِلى الأَرْضِ فَاخْتَارَنَا واخْتَارَ لنَا شِيعَةً يَنْصُرُونَنَا، ويَفْرَحُونَ

ص: 205


1- عوالم العلوم: ج 11، قسم2، فاطمة (سلام الله عليها) ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح108.
2- المؤمن: ص39 ب3 ح92، مستدرك الوسائل: ج 12 ص424 ب32 باب استحباب البر بالمؤمن والتعاون على البر ح10.
3- ويحتمل كونه إخباراً عن إنشاء في مرتبة سابقة أو لاحقة.

لفَرَحِنَا ويَحْزَنُونَ لحُزْنِنَا، ويَبْذُلونَ أَمْوَالهُمْ وأَنْفُسَهُمْ فِينَا، أُولئِكَ مِنَّا وإِليْنَا»(1).

وعَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «نَفَسُ المَهْمُومِ لنَا المُغْتَمِّ لظُلمِنَا تَسْبِيحٌ، وهَمُّهُ لأَمْرِنَا عِبَادَةٌ، وكِتْمَانُهُ لسِرِّنَا جِهَادٌ فِي سَبِيل اللهِ»(2).

وعَنْ مِسْمَعِ بْنِ عَبْدِ المَلكِ كِرْدِينٍ البَصْرِيِّ، قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) في حديث: «إِنَ المُوجَعَ لنَا قَلبُهُ ليَفْرَحُ يَوْمَ يَرَانَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَرْحَةً لا تَزَال تِلكَ الفَرْحَةُ فِي قَلبِهِ حَتَّى يَرِدَ عَليْنَا الحَوْضَ، وإِنَّ الكَوْثَرَ ليَفْرَحُ بِمُحِبِّنَا إِذَا وَرَدَ عَليْهِ حَتَّى إِنَّهُ ليُذِيقُهُ مِنْ ضُرُوبِ الطَّعَامِ مَا لا يَشْتَهِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ، يَا مِسْمَعُ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً، ولمْ يَسْتَقِ بَعْدَهَاأَبَداً، وهُوَ فِي بَرْدِ الكَافُورِ ورِيحِ المِسْكِ وطَعْمِ الزَّنْجَبِيل أَحْلى مِنَ العَسَل وأَليَنَ مِنَ الزُّبْدِ وأَصْفَى مِنَ الدَّمْعِ وأَذْكَى مِنَ العَنْبَرِ، يَخْرُجُ مِنْ تَسْنِيمٍ ويَمُرُّ بِأَنْهَارِ الجِنَانِ يَجْرِي عَلى رَضْرَاضِ الدُّرِّ واليَاقُوتِ، فِيهِ مِنَ القِدْحَانِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، يُوجَدُ رِيحُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلفِ عَامٍ، قِدْحَانُهُ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وأَلوَانِ الجَوْهَرِ، يَفُوحُ فِي وَجْهِ الشَّارِبِ مِنْهُ كُل فَائِحَةٍ حَتَّى يَقُول الشَّارِبُ مِنْهُ، يَا ليْتَنِي تُرِكْتُ هَاهُنَا لا أَبْغِي بِهَذَا بَدَلاٌ ولا عَنْهُ تَحْوِيلاٌ»(3).

ص: 206


1- الخصال: ج 2 ص635 علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه ح10.
2- الكافي: ج 2 ص226 باب الكتمان ح16.
3- كامل الزيارات: ص102 الباب الثاني والثلاثون ثواب من بكى على الحسين بن علي (عليهما السلام) ح6.

إظهار السرور لدى توفر علله

مسألة: يستحب إظهار السرور في محضر العظيم إذا سمع منه ما يفيد ارتباطه به أو لحوقه به في شأن من الشؤون الدنيا أو الآخرة.

وهذا كالسابق دليلاً ومدلولاً.

ثم المراد بالضحك هنا التبسم لا الضحك بصوت، لأن الضحك بصوت خلاف شأن الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام) وفي الحديث: «بل كان ضحكه (عليه السلام) التبسّم»(1).

ولعل قوله سبحانه وتعالى: «ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ»(2) أيضاً من هذا القبيل، وإن كانت شؤون الآخرة لا تقاس بشؤون الدنيا.

أما قوله تعالى: «فَليَضْحَكُوا

قَليلاً وليَبْكُوا كَثيراًجَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُون»(3)، فإنه تهديد لهم، أي للمنافقين وهم المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيلزم عليهم أن لا يسروا ولا يبتسموا فإن عذاب

ص: 207


1- وسائل الشيعة: ج 12 ص209 ب122 باب وجوب أداء حق المؤمن وجملة من حقوقه الواجبة والمندوبة ح14، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص184 ب44 باب في ذكر أخلاق الرضا (عليه السلام) الكريمة ووصف عبادته ح7. وذكر في أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله): جُل ضِحْكِهِ التَّبَسُّم، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص317 ب29 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في صفة النبي (صلى الله عليه وآله) ح1.
2- سورة عبس: 39.
3- سورة التوبة: 82.

جهنم لهم بالمرصاد، «قُل نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا»(1)، والحاصل: ليضحكوا في الدنيا قليلاً وليبكوا في الآخرة طويلاً.

قال تعالى: «فَاليَوْمَ الذينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُون»(2).

وعَنْ أَبِي الحَسَنِ الأَوَّل (عليه السلام) قَال: «كَانَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا (عليهما السلام) يَبْكِي ولا يَضْحَكُ، وكَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (عليهما السلام) يَضْحَكُ ويَبْكِي، وكَانَ الذِي يَصْنَعُ عِيسَى (عليه السلام) أَفْضَل مِنَ الذِي كَانَ يَصْنَعُ يَحْيَى (عليه السلام)»(3).

وجوه الحكمة في ضحكها

ثم إن ضحك الصديقة (صلوات الله عليها) عند ما أخبرها أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهل بيته لحوقاً به، قد يكون لبعض أو جميع الوجوه التالية أو غيرها:1: لأصل الالتحاق بشخصه الكريم (صلوات الله عليه)، فإنه مطلوب بذاته ومحبوب بنفسه، إذ أي شيء أفضل وأكمل وأجمل من أن يكون الإنسان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة.

2: لتضمنه تبشيرها بأعلى المراتب في دار الآخرة، حيث لحوقها به (صلى الله عليه وآله)، إذ الظاهر من اللحوق أنه في درجته ومنزلته، لا مجرد الجنة والنعيم المقيم.

ص: 208


1- سورة التوبة: 81.
2- سورة المطففين: 34.
3- الكافي: ج 2 ص665 باب الدعابة والضحك ح20.

3: لكشفه عن انتهاء أمد امتحانها في هذه الدار الدنيا، ونجاحها بأبلغ نجاح وأكمله وأتمه وأعلاه وأسماه وأجمله وأكمله, والذي يدل عليه تقدير الله تعالى لها (صلوات الله عليها) بأن تلتحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) في أعلى درجات جنان الخلد.

4: لتضمنه التحاق أهل بيته وهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) به (صلى الله عليه وآله) في أعلى مراتب الجنان أيضاً، فإنهم أهل بيته بالمعنى الأخص وبالدرجة الأولى، قال تعالى: «إِنَّما يُريدُ اللهُ ليُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْل البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً»(1).

5: ولعله لأن لحوقها به من غير طول مكث يستلزم عدم توارد مصائب أخرىعليها، فإن البقاء مع مجموعة من الأعداء يزيد الإنسان كرباً على كرب، وحزناً على حزن، فتأمل.

6: ويحتمل أن يكون لما عرفته (عليها السلام) مما فرح أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسرعة التحاقها به، فإن الميت يسر بالتحاق أهله به، كما أن سروره قد يكون لسرعة انتهاء مصائبها (عليها السلام) بسرعة اللحاق به.

رُوِيَ أَنَّهُ دَخَل النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) يَوْماً إِلى فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَهَيَّأَتْ لهُ طَعَاماً مِنْ تَمْرٍ وقُرْصٍ وسَمْنٍ، فَاجْتَمَعُوا عَلى الأَكْل هُوَ وعَليٌّ وفَاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ (عليهم السلام) فَلمَّا أَكَلوا سَجَدَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأَطَال سُجُودَهُ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ جَلسَ، وكَانَ أَجْرَأَهُمْ فِي الكَلامِ عَليٌّ (عليه السلام) فَقَال: يَا رَسُول اللهِ رَأَيْنَا مِنْكَ اليَوْمَ مَا لمْ نَرَهُ قَبْل ذَلكَ، فَقَال (صلى الله عليه وآله):

ص: 209


1- سورة الأحزاب: 33.

إِنِّي لمَّا أَكَلتُ مَعَكُمْ فَرِحْتُ وسُرِرْتُ بِسَلامَتِكُمْ واجْتِمَاعِكُمْ فَسَجَدْتُ للهِ تَعَالى شُكْراً، فَهَبَطَ جَبْرَئِيل (عليه

السلام) يَقُول: سَجَدْتَ شُكْراً لفَرَحِكَ بِأَهْلكَ، فَقُلتُ: نَعَمْ، فَقَال: إلاّ أُخْبِرُكَ بِمَا يَجْرِي عَليْهِمْ بَعْدَكَ، فَقُلتُ: بَلى يَا أَخِي يَا جَبْرَئِيل، فَقَال: أَمَّا ابْنَتُكَ فَهِيَ أَوَّل أَهْلكَ لحَاقاً بِكَ بَعْدَ أَنْ تُظْلمَ ويُؤْخَذَ حَقُّهَا وتُمْنَعَ إِرْثَهَا ويُظْلمَ بَعْلهَا ويُكْسَرَ ضِلعُهَا، وأَمَّا ابْنُ عَمِّكَ فَيُظْلمُ ويُمْنَعُ حَقَّهُويُقْتَل، وأَمَّا الحَسَنُ فَإِنَّهُ يُظْلمُ ويُمْنَعُ حَقَّهُ ويُقْتَل بِالسَّمِّ، وأَمَّا الحُسَيْنُ فَإِنَّهُ يُظْلمُ ويُمْنَعُ حَقَّهُ وتُقْتَل عِتْرَتُهُ وتَطَئُوهُ الخُيُول ويُنْهَبُ رَحْلهُ وتُسْبَى نِسَاؤُهُ وذَرَارِيُّهُ ويُدْفَنُ مُرَمَّلا بِدَمِهِ ويَدْفِنُهُ الغُرَبَاءُ، فَبَكَيْتُ وقُلتُ: وهَل يَزُورُهُ أَحَدٌ، قَال: يَزُورُهُ الغُرَبَاءُ، قُلتُ: فَمَا لمَنْ زَارَهُ مِنَ الثَّوَابِ، قَال: يُكْتَبُ لهُ ثَوَابُ أَلفِ حَجَّةٍ وأَلفِ عُمْرَةٍ كُلهَا مَعَكَ، فَضَحِكَ(1).

ص: 210


1- بحار الأنوار: ج 98 ص44 ب5 أن زيارته (عليه الصلاة والسلام) تعدل الحج والعمرة والجهاد والإعتاق ح84.

الأول لحوقاً

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني أول أهله لحوقاً به(1).

-----------------------------

الإخبار عن المستقبل

مسألة: يجوز الإخبار عن المستقبل إذا قُطع به ولو عن طريق الغيب، كما يجوز الإخبار الظني أو الاحتمالي بعنوان أنه محتمل ومظنون، ولا يعتبر ذلك من (الكهانة) فإن الكهانة هي تعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الأيام بما يأتيه به الجن أو الشيطان.

ولا يخفى أن المراد ب (أهله) من كان يعيش آنذاك في الدنيا، وإلاّ فمحسن (عليه السلام) السقط قد استشهد قبل أمه فاطمة (عليها السلام) على أثر هجوم القوم على دارها (عليها السلام) وضربها وعصرها بين الحائط والباب.

قال تعالى: «عالمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إلاّمَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُول فَإِنَّهُ يَسْلكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلفِهِ رَصَداً»(2).

ص: 211


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2، فاطمة (سلام الله عليها): ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح109.
2- سورة الجن: 26-27.

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «مَا كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ ولا ضَللتُ ولا ضُل بِي»(1).

هل يفعل المعصوم المكروه؟

المراد بالجواز في المسألة الإخبار عن الغيب الأعم من الأحكام الثلاثة، لأنه قد يجب الإخبار، وقد يستحب، وقد يباح، ويضاف إلى ذلك الكراهة أحياناً في غيرهم (عليهم الصلاة والسلام)، لأنهم (صلوات الله عليهم) لا يفعلون حتى المكروه.

ولذا قال الفقهاء إنه إذا رأينا أنهم (عليهم السلام) فعلوا ما ظاهره الكراهة فإنه ليس بمكروه، لأن المكروه إنما يكون بعلة وملاك، لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات، وهم (عليهم السلام) يعرفون الملاكات الواقعية ومكان العلة وعدمها، فما فعلوه ليس بمكروه في حقهم ولو بطرو عنوان حاكم أهم(2).بل ذكرنا في بعض كتبنا العقائدية والأصولية أنهم (عليهم الصلاة والسلام) لا يصدر منهم حتى ترك الأولى، فهم (صلوات الله عليهم) معصومون من الذنب والمكروه وترك الأولى، ومن الخطأ والسهو والنسيان وما أشبه.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «أَنَا وعَليٌّ والحَسَنُ والحُسَيْنُ وتِسْعَةٌ مِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُونَ»(3).

ص: 212


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص368 الخطبة152 في الإخبار عن الغيب صادقاً.
2- راجع موسوعة (الفقه) كتاب البيع: ج5 ص247 في تنزيه الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمه (عليهم السلام)، و(من فقه الزهراء عليها السلام): ج1 المقدمة، وص187- 191 وص249 - 253، والفقه العقائد: ص27 .
3- كفاية الأثر: ص19 باب ما جاء عن عبد الله بن العباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «أَنَا سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ، وعَليٌّ سَيِّدُ الأَوْصِيَاءِ، وسِبْطَايَ خَيْرُ الأَسْبَاطِ، ومِنَّا الأَئِمَّةُ المَعْصُومُونَ مِنْ صُلبِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) ومِنَّا مَهْدِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَقَامَ إِليْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ كَمِ الأَئِمَّةُ بَعْدَكَ، قَال: عَدَدَ الأَسْبَاطِ وحَوَارِيِّ عِيسَى ونُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيل»(1).وعن عَليُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلى القَضِيبِ الأَحْمَرِ الذِي غَرَسَهُ اللهُ بِيَدِهِ ويَكُونَ مُتَمَسِّكاً بِهِ، فَليَتَوَل عَليّاً والأَئِمَّةَ مِنْ وُلدِهِ، فَإِنَّهُمْ خِيَرَةُ اللهِ عَزَّ وجَل وصَفْوَتُهُ، وهُمُ المَعْصُومُونَ مِنْ كُل ذَنْبٍ وخَطِيئَةٍ»(2).

ص: 213


1- كفاية الأثر: ص113 باب ما جاء عن أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
2- الأمالي، للصدوق: ص583 المجلس الخامس والثمانون ح26.

لا تبكي

اشارة

وفي رواية أخرى:

قالت فاطمة (عليها السلام): قال لي أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تبكي، فإنك أول أهلي لاحق بي»(1).

--------------------------

تسلية الباكي

مسألة: يستحب تسلية الباكي بما يفرحه.

فإن تسلية المصاب بمصيبة والباكي لأجل مصيبته من المستحبات شرعاً، كما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ عَزَّى مُصَاباً فَلهُ مِثْل أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِ المُصَابِ شَيْئاً»(2).

وقال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ عَزَّى ثَكْلى كُسِيَ بُرْداً فِي الجَنَّةِ»(3).وقال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ عَزَّى حَزِيناً كُسِيَ فِي المَوْقِفِ حُلةً يُحَبَّرُ بِهَا»(4).

إضافة إلى عمومات استحباب إدخال السرور في قلب المؤمن.

ص: 214


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح110.
2- الكافي: ج3 ص205 باب ثواب من عزى حزيناً ح2.
3- مستدرك الوسائل: ج2 ص349 ب40 ح2163.
4- الكافي: ج3 ص205 باب ثواب من عزى حزيناً ح1.

والنهي في (لا تبكي) إرشادي، رأفة بها (عليها السلام) ورحمة، والتعليل خير شاهد ودليل.

(لا تبكي) نهي أو حنان

ولا يخفى أن قوله (صلى الله عليه وآله) «لا تبكي» لا يدل على مرجوحية البكاء، بل هو عطف وحنان، ومثله ما ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) على ما سبق حيث قال لابنته: لا تبكي، أو قال لأخته العقيلة زينب الكبرى (صلوات الله عليها) ذلك.

وهذا متعارف عند ما يرى الإنسان أحد أقربائه أو أصدقائه يبكي، فإنه يقول له: لا تبك، تعطفاً عليه ورحمةً به، لا أن بكاءه مرجوح كما هو واضح، بل إن عدم البكاء قد يكون مرجوحاً.

ثم إنه هل كانت القضية واحدة، والروايات وكيفية بيانها مختلفة، فلا تعدد لحادثة بكائها (عليها السلام) ولا تعدد لقوله (صلى الله عليه وآله): لا تبكي، خاصة مع قوة أن ضحكها (عليها السلام) بعدإخباره بلحوقها به، كان لمرة واحدة، أم لا، فالتعدد محتمل بل له وجه، لاستمرار مرضه (صلى الله عليه وآله) عدة أيام، ومن الطبيعي أن يتكرر بكاء ذوي المريض بين فترة وأخرى كلما اشتد بالمريض المرض أو شاهدوه يتألم مرة إثر أخرى، هذا إذا كان المريض عادياً فكيف إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله).

الشوق للآخرة

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر المعصومين (عليهم السلام) مشتاقون لدار الآخرة، وأن الدنيا

ص: 215

لاتهمهم إلاّ لأداء مسؤولياتهم الشرعية وهداية الناس.

ومن هنا فرحت الصديقة (عليها السلام) لما أخبرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقرب رحيلها إلى دار الجنان.

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «وَاللهِ لابْنُ أَبِي طَالبٍ آنَسُ بِالمَوْتِ مِنَ الطِّفْل بِثَدْيِ أُمِّه»(1).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ أَكْرَمَ المَوْتِ القَتْل، والذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالبٍ بِيَدِهِ لأَلفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَليَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلى الفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِالله»(2).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «شَوِّقُوا أَنْفُسَكُمْ إِلى نَعِيمِ الجَنَّةِ تُحِبُّوا المَوْتَ وتَمْقُتُوا الحَيَاةَ»(3).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «فِي المَوْتِ رَاحَةُ السُّعَدَاءِ»(4).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «لا مُرِيحَ كَالمَوْتِ»(5).

وقال سيد الشهداء (عليه السلام): «وَإِنِّي لا أَرَى المَوْتَ إلاّ سَعَادَة»(6).

ص: 216


1- نهج البلاغة، الخطبة: 5 خلقه وعلمه.
2- نهج البلاغة، الخطبة: 123 من كلام له (عليه السلام) قاله لأصحابه في ساحة الحرب بصفين.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص297 ح5304.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص354 ح6011.
5- عيون الحكم والمواعظ: ص532 ح9695.
6- بحار الأنوار: ج 44 ص192 ب26 مكارم أخلاقه وجمل أحواله وتاريخه وأحوال أصحابه (صلوات الله عليه).

رفيق الجنة

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنت أول أهلي لحوقاً بي، وأنت رفيقي في الجنة»(1).

------------------------

التمهيد لمرافقة الصالحين في الجنة

مسألة: يستحب استحباباً مؤكداً أن يعمل الإنسان ما يوجب مرافقته لعباد الله الصالحين في الجنان، بل أن يكون من أئمة المتقين وقادتهم.

وهذا يستفاد من مختلف الآيات والروايات، قال الله تعالى: «وَالذينَ يَقُولونَ رَبَّنا هَبْ لنا مِنْ أَزْواجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلنا للمُتَّقينَ إِماماً»(2).

وقال سبحانه: «وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَ الرَّسُول فَأُولئِكَ مَعَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَ الصَّالحينَوَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً»(3).

وقال علي (عليه الصلاة والسلام): «المرء يطير بهمته كما يطير الطائر

ص: 217


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها): ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح111.
2- سورة الفرقان: 74.
3- سورة النساء: 69.

بجناحيه»(1).

وفي الأدعية: «اللهُمَّ ارْزُقْنَا مَنَازِل الشُّهَدَاءِ وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»(2).

وأيضاً: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ ثَوَابَ الشَّاكِرِينَ وَ مَنْزِلةَ المُقَرَّبِينَ وَ مُرَافَقَةَ النَّبِيِّينَ»(3).

وأيضاً: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ إِيمَاناً لا يَرْتَدُّ وَ نَعِيماً لا يَنْفَدُ وَ مُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ صَلوَاتُكَ عَليْهِ وَ آلهِ فِي أَعْلى جَنَّةِالخُلدِ»(4).

جلب المنفعة الكبيرة لازم

بل ربما يمكن أن يقال: إنه مع الإمكان قد يلزمه العقل به، لأنه كما يوجب العقل دفع الضرر الكثير، كذلك يوجب جلب النفع الكثير خاصة إذا كان بأبسط العمل وأقل الجهد، بالقياس إلى عظيم الأجر وجزيل الثواب، إلاّ ترى أنه لو دار أمر الإنسان بين أن يكون في (الأعراف) أو في (الجنة)، أوجب عليه العقل أن يعمل عملاً يدخل الجنة، وإن كان (الأعراف) أيضاً مكاناً حسناً.

نعم المشهور بين الفقهاء أنهم لا يقولون بوجوب جلب المنفعة، وإن قالوا

ص: 218


1- انظر عيون الحكم والمواعظ: ص68 ح1728: وفیه: «المَرْءُ بِهِمَّتِهِ لا بِزِينَتِه»، وفي غرر الحكم: ص125 ح2191: «المَرْءُ بِهِمَّتِهِ لا بِقُنْيَتِه». وفي مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج 1 ص177 فصل في معراجه (عليه السلام) وعنه بحار الأنوار: ج 18 ص380 ب3 إثبات المعراج ومعناه وكيفيته وصفته وما جرى فيه ووصف البراق ح86: «المَرْءُ يَطِيرُ بِهِمَّتِه».
2- الكافي: ج 2 ص575 باب الدعاء عند قراءة القرآن ح1.
3- الكافي: ج 2 ص593 باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة ح33.
4- تهذيب الأحكام: ج 3 ص75 ب5 باب الدعاء بين الركعات ح5.

بوجوب دفع المفسدة في الجملة، لكن الوجوب الذي أشرنا إليه عقلي لا يستتبع استحقاق العقاب بتركه، والوجوب الذي نفوه، القدر المتيقن منه هو الوجوب الشرعي الذي يستتبع استحقاق العقاب بالترك، فتأمل.

قال تعالى: «وَابْتَغِ فيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِليْكَ ولا تَبْغِ الفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدين»(1).

الصديقة رفيق الرسول

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة (صلوات الله عليها) رفيق رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجنان.

ورفيق فعيل بمعنى مرافق، وأقوى منه دلالة، إذ المرافق قد لا يكون رفيقاً، فحيثما كان (صلى الله عليه وآله) من الجنة كانت (عليها السلام) مرافقة له، وهكذا علي والحسنان (عليهم السلام).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي، تركتك لنفسي أنت أخي ووصيي، وأنت معي في الجنة في قصر مع فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة ابنتي، ومع الحسن والحسين ابنيّ وابنيكما»(2).

وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «أَنْتَ أَوَّل مَنْ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْهُ وأَنْتَ مَعِي، وقَال لهُ: أَنَا عِنْدَ الحَوْضِ وأَنْتَ مَعِي، وقَال لهُ: أَنَا أَوَّل مَنْ يَدْخُل

ص: 219


1- سورة القصص : 77.
2- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (عليهم السلام): ج 2 ص477 ح838.

الجَنَّةَ وأَنْتَ مَعِي، تَدْخُلهَا والحَسَنُ والحُسَيْنُ وفَاطِمَة»(1).وفي رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي (عليه السلام): «أنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي» ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ»(2)،(3).

ص: 220


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج 1 ص398 فصل في ذكر مناقب شتى وأحاديث متفرقة أوردها الرواة والمحدثون وأخبار وآثار دالة على ما نحن بصدده من ذكر فضله.
2- سورة الحجر: 47.
3- انظر البرهان في تفسير القرآن: ج 3 ص374، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج2ص638 ح1085، فرائد السمطين: ج1 ص115ح80 وج1 ص121ح 83، ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر: ج 1 ص123ح138.

نعم الخلف

اشارة

عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنك أول أهل بيتي لحوقاً بي، ونعم الخلف أنا لك»(1).

--------------------------

نعم الخلف والأسوة

مسألة: يستحب أن يعمل الإنسان ما يوجب أن يكون نعم الخلف.

والنسبة بين مفهوم (نعم الخلف) ومفهوم (القدوة الأسوة) هو العموم من وجه، إذ قد يكون نعم الخلف ولا يكون أسوة أو قدوة، وقد يكون قدوة من غير أن يكون نعم الخلف، فتأمل.

وعلي أي، فإن كلاً من (القدوة والأسوة) و(الكون نعم الخلف) مما يوجب جلب النفع المعنوي له، قال (صلى الله عليه وآله): «مَنِ اسْتَنَّ خَيْراً فَاسْتُنَّ بِهِ فَلهُ أَجْرُهُ وَ مِثْل أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِمُنْتَقَصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ»(2).

وفي مقابل ذلك (السيئة) حيث قال (صلى الله عليه وآله): «وَمَنِ اسْتَنَّ شَرّاً

ص: 221


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها): ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح112.
2- مستدرك الوسائل: ج 12 ص231 ب15 باب استحباب إقامة السنن الحسنة وإجراء عادات الخير والأمر بها وتعليمها وتحريم إجراء عادات الشر ح14، عن مجمع البيان: ج5 ص449.

فَاسْتُنَّ بِهِ فَعَليْهِ وِزْرُهُ وَمِثْل أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ مُنْتَقَصٍ مِنْ أَوْزَارِهِ»(1).

ولعل قوله (صلى الله عليه وآله): (نِعْمَ) يشير إلى أنه (صلى الله عليه وآله) في عالم الآخرة مأذون له بإيصال مطلق وجوه النفع إليها (صلوات الله عليها)، أما في عالم الدنيا فحيث إنه عالم ابتلاء وامتحان، فإنه لم يؤذن لأمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك من حيث الكم والكيف، إذ كان (عليه السلام) مأموراً بالصبر، فتأمل(2).

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام):«فَصَبَرْتُ وفِي العَيْنِ قَذًى وفِي الحَلقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْبا»(3).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلى قُرَيْشٍ ومَنْ أَعَانَهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وأَكْفَئُوا إِنَائِي، وأَجْمَعُوا عَلى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلى بِهِ مِنْ غَيْرِي، وقَالوا إلاّ إِنَّ فِي الحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وفِي الحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً، فَنَظَرْتُ فَإِذَا ليْسَ لي رَافِدٌ ولا ذَابٌّ ولا مُسَاعِدٌ إلاّ أَهْل بَيْتِي، فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ المَنِيَّةِ، فَأَغْضَيْتُ عَلى القَذَى، وجَرِعْتُ رِيقِي عَلى الشَّجَا، وصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ العَلقَمِ، وآلمَ للقَلبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَار»(4).

ص: 222


1- مستدرك الوسائل: ج 12 ص232 ب15 باب استحباب إقامة السنن الحسنة وإجراء عادات الخير والأمر بها وتعليمها وتحريم إجراء عادات الشر ح14، عن مجمع البيان: ج5 ص449.
2- ربما إشارة إلى أن (نعم الخلف) لا يتضمن إلاّ البعد الإيجابي وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
3- معاني الأخبار: ص361 باب معاني خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ح1.
4- نهج البلاغة، الخطبة: 217 من كلام له (عليه السلام) في التظلم والتشكي من قريش.

الأعظم رزية

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن جبرئيل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني بالقرآن العام مرتين، ولا أراني إلاّ حضر أجلي، وإنكِ أول أهل بيتي لحاقاً بي، فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك، يا بنية إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم رزية منك، فلا تكوني من أدنى امرأة صبراً، إنك أول أهل بيتي لحوقاً بي»(1).

------------------------

الأمر بالتقوى وبالصبر

مسألة: يستحب الأمر بالتقوى وبالصبر.

والاستحباب فيما كانا من المستحب، وإلا فقد يجب الأمر بهما من باب الأمر بالمعروف الواجب، وحيث إن الزهراء (عليها الصلاة والسلام) كانت دون شك في أعلى درجات الصبر والتقوى، حملنا الأمر على الاستحباب، قال سبحانه: «وَتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْر»(2).

أو يقال إن أمره إياها بالتقوى والصبر نظير أمر الله تعالى لنبيه (صلى اللهعليه

ص: 223


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح113.
2- سورة العصر: 3.

وآله) بالصبر والتقوى، قال عزوجل: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ الله»(1).

وقال سبحانه: «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُل»(2).

ولعل من وجوهه أن للتقوى والصبر عرضاً عريضاً، ودرجات لا تتوقف عند حد، والأمر بهما علة معدة للارتقاء أعلى فأعلى فأعلى، أو لعل ذلك كله من باب التعليم للغير، كما قالوا: (إياك أعني واسمعي يا جارة)، أو من باب الأسوة والتأسي.

قال سبحانه: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا اللهَ لعَلكُمْ تُفْلحُون»(3).

وقال تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى واتَّقُونِ يا أُولي الأَلباب»(4).

وقال تعالى: «وَأَطيعُوا اللهَ وَرَسُولهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلوا وَتَذْهَبَ ريحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرين»(5).

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَال: قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لمَّا حَضَرَتْ أَبِي عَليَّ بْنَ الحُسَيْنِ (عليهما السلام) الوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلى صَدْرِهِ وقَال: يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَانِي بِهِ أَبِي حِينَ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ وبِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ بِهِ يَا بُنَيَّ اصْبِرْ عَلى الحَقِ وإِنْ

ص: 224


1- سورة الأحزاب: 1.
2- سورة الأحقاف: 35.
3- سورة آل عمران: 200.
4- سورة البقرة: 197.
5- سورة الأنفال: 46.

كَانَ مُرّاً»(1).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِذَا ابْتُليتَ فَاصْبِرْ»(2).

وقَال (عليه السلام): «التَّقْوَى رَأْسُ الحَسَنَاتِ»(3).

وقَال (عليه السلام): «الجَئُوا إِلى التَّقْوَى فَإِنَّهَا جُنَّةٌ مَنِيعَةٌ، مَنْ لجَأَ إِليْهَا حَصَّنَتْهُ، ومَنِ اعْتَصَمَ بِهَا عَصَمَتْهُ»(4).

إخبارات الكتاب والسنة

مسألة: يستحب بيان ونقل إخبارات القرآن وإخبارات الرسول (صلى الله عليه وآله)، سواء منها ما تعلق بأحوال الدنيا والأمم والرسل وغيرها، أم ما كان عن المستقبل وما يرتبط بالآخرة، ومن إخباراته (صلى الله عليه وآله) ما نقلته عنه الصديقة الزهراء (عليها السلام) ههنا من أن جبرئيل (عليه السلام) كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة ثم عارضه آخر سنةمن حياته مرتين.

ولعل من أسباب معارضته كل سنة مرة، أنه كان يأتيه كل مرة مع تنزيله وتأويله، وفيه المستجد، أما السنة الأخيرة فلكونها السابقة على التحول العظيم بانقطاعه الظاهري عن الدنيا، وكثرة المستجدات الكبرى، فلزم معارضته مرتين بتنزيله وتأويله مما يستجد، والله العالم.

ص: 225


1- الكافي: ج 2 ص91 باب الصبر ح13.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص133 ح3006 .
3- عيون الحكم والمواعظ: ص20 ح94.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص88 ح2103.

إخبار الأسرة بقرب الرحيل

مسألة: يستحب للقائد أو من أشبهه كرب الأسرة، إذا علم بقرب أجله أن يخبر بذلك، كي يستعد الأتباع والأهل لرحيله، بما يحفظهم من الأعداء ويصونهم من الضياع، وبما يوجب استعدادهم النفسي لوفاته، أو لما أشبه ذلك من وجوه المنافع والفوائد.

روى القمي في تفسيره:

«فَلمَّا كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْزَل: اللهُ «إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ»، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): نُعِيَتْ إِليَّ نَفْسِي، ثُمَّ نَادَى: الصَّلاةَ جَامِعَةً فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَليْهِ»(1)، الحديث.

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال: قَال لي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لمَّا رَجَعَ مِنْ حِجَّةِ الوَدَاعِ: يَا ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ قَرُبَ الأَجَل ونُعِيَتْ إِليَّ نَفْسِي فَمَنْ لذَلكَ بَعْدِي فَأَقْبَلتُ أَعُدُّ عَليْهِ رَجُلا رَجُلا، فَبَكَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ قَال: ثَكِلتْكَ الثَّوَاكِل فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ، لمَ لا تُقَدِّمُهُ عَلى الخَلقِأَجْمَعِين»(2).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: لمَّا نَزَلتْ هَذِهِ السُّورَةُ دَعَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَقَال: إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِليَّ نَفْسِي، فَبَكَتْ، فَقَال: لا تَبْكِينَ

ص: 226


1- تفسير القمي: ج 1 ص173.
2- تفسير القمي: ج 1 ص175.

فَإِنَّكِ أَوَّل أَهْلي لحُوقاً بِي، فَضَحِكَت»(1).

وقَال عُقْبَةُ بْنُ سِمْعَانَ: فَسِرْنَا مَعَ الحسين (عليه السلام) سَاعَةً فَخَفَقَ وهُوَ عَلى ظَهْرِ فَرَسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ انْتَبَهَ وهُوَ يَقُول: «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليْهِ راجِعُونَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمِينَ» فَفَعَل ذَلكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً، فَأَقْبَل إِليْهِ ابْنُهُ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ، فَقَال: مِمَّ حَمِدْتَ اللهَ واسْتَرْجَعْتَ، قَال: «يَا بُنَيَّ إِنِّي خَفَقْتُ خَفْقَةً فَعَنَّ لي فَارِسٌ عَلى فَرَسٍ وهُوَ يَقُول: القَوْمُ يَسِيرُونَ والمَنَايَا تَسِيرُ إِليْهِمْ، فَعَلمْتُ أَنَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إِليْنَا»، فَقَال لهُ: يَا أَبَتِ لا أَرَاكَ اللهُ سُوءاً أَلسْنَا عَلى الحَقِ، قَال: «بَلى واللهِ الذِي مَرْجِعُ العِبَادِ إِليْهِ»، فَقَال: فَإِنَّنَا إِذاً مَا نُبَالي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ، فَقَال لهُ الحُسَيْنُ (عليه السلام): «جَزَاكَ اللهُ مِنْ وَلد»(2).

مسألتان

مسألة: يستحب أن يخاطب الأب ابنته بقوله: يا بنية، تأسياً برسول الله (صلى الله عليه وآله).

مسألة: يستحب التكرار والتأكيد فيما يقتضيهما، كما قال (صلى الله عليه وآله) إنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، ثم كرره مؤكداً بالجملة نفسها في آخر الكلام.

وقد أشير إليهما فيما سبق.

ص: 227


1- تفسير فرات الكوفي: ص614 ح771.
2- بحار الأنوار: ج 44 ص379 ب37 ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته (صلوات الله عليه) ولعنة الله على ظالميه وقاتليه والراضين بقتله والمؤازرين عليه.

الوصية العهدية والتمليكية

مسألة: يستحب الوصية مطلقاً، والمراد الأعم من الوصية العهدية والوصية التمليكية، وقد تجب(1).

عن أبي الصباح الكناني، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنِ الوَصِيَّةِ، فَقَال: «هِيَ حَقٌّ عَلى كُل مُسْلمٍ»(2).

قَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «الوَصِيَّةُ حَقٌّ وَقَدْ أَوْصَى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فَيَنْبَغِي للمُسْلمِ أَنْ يُوصِيَ»(3).

الإخبار برزايا المستقبل

مسألة: يستحب الإخبار بما يحدث من الرزايا، سواء ما يحدث للأفراد أم العوائل أم الجماعات أم الدولة أمالأمة، وسواء كان ما سيحدث مما يتعلق بالأنفس أو الأموال أو الأعراض أو غيرها، إذا كان في الإخبار الفائدة، ولم يزاحم بأمر أهم، ومنه إخبار العظيم والقائد ورب الأسرة بتلك الأمور.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَأْتِي عَلى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالي الرَّجُل مَا تَلفَ مِنْ دِينِهِ إِذَا سَلمَتْ لهُ دُنْيَاهُ»(4).

ص: 228


1- كما في الوصية العهدية إذا خاف ضياع الصغار القاصرين بدونها، أو فوت صلواته دون من يقضيها لولا الوصية، يقول الإمام المؤلف (قدس سره) في رسالته العملية: (لكن إذا كانوا هم أو حقهم يضيع لعدم وجود قيم، وجب تعيين قيم أمين عليهم) المسائل الإسلامية: المسألة رقم 3172.
2- الكافي: ج 7 ص3 باب الوصية وما أمر بها ح4.
3- الكافي: ج 7 ص3 باب الوصية وما أمر بها ح5.
4- تحف العقول: ص52.

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام): «يَأْتِي عَلى النَّاسِ زَمَانٌ يَرْتَفِعُ فِيهِ الفَاحِشَةُ، ولتُصَنَّعُ وتُنْهَتَكُ فِيهِ المَحَارِمُ، ويُعْلنُ فِيهِ الزِّنَا، ويُسْتَحَل فِيهِ أَمْوَال اليَتَامَى، ويُؤْكَل فِيهِ الرِّبَا، ويُطَفَّفُ فِي المَكَايِيل والمَوَازِينِ، ويُسْتَحَل الخَمْرُ بِالنَّبِيذِ، والرِّشْوَةُ بِالهَدِيَّةِ، والخِيَانَةُ بِالأَمَانَةِ، ويَشْتَبِهُ الرِّجَال بِالنِّسَاءِ، والنِّسَاءُ بِالرِّجَال، ويُسْتَخَفُّ بِحُدُودِ الصَّلاةِ، ويُحَجُّ فِيهِ لغَيْرِ اللهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلكَ الزَّمَانُ انْتَفَخَتِ الأَهِلةُ تَارَةً حَتَّى يُرَى الهِلال ليْلتَيْنِ، وخَفِيَتْ تَارَةً حَتَّى يُفْطَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ فِي أَوَّلهِ ويُصَامَ للعِيدِ فِي آخِرِهِ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ حِينَئِذٍ مِنْ أَخْذِ اللهِ عَلى غَفْلةٍ، فَإِنَّ مِنْ وَرَاءِ ذَلكَ مَوْتٌ ذَرِيعٌ يَخْتَطِفُ النَّاسَ اخْتِطَافاً، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلليُصْبِحُ سَالماً ويُمْسِي دَفِيناً، ويُمْسِي حَيّاً ويُصْبِحُ مَيِّتاً، فَإِذَا كَانَ ذَلكَ الزَّمَانُ وَجَبَ التَّقَدُّمُ فِي الوَصِيَّةِ قَبْل نُزُول البَليَّةِ، ووَجَبَ تَقْدِيمُ الصَّلاةِ فِي أَوَّل وَقْتِهَا خَشْيَةَ فَوْتِهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا، فَمَنْ بَلغَ مِنْكُمْ ذَلكَ الزَّمَانَ فَلا يَبِيتَنَّ ليْلةً إلاّ عَلى طُهْرٍ، وإِنْ قَدَرَ أَنْ لا يَكُونَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالهِ إلاّ طَاهِراً فَليَفْعَل، فَإِنَّهُ عَلى وَجَل لا يَدْرِي مَتَى يَأْتِيهِ رَسُول اللهِ لقَبْضِ رُوحِهِ، وقَدْ حَذَّرْتُكُمْ وعَرَّفْتُكُمْ إِنْ عَرَفْتُمْ ووَعَظْتُكُمْ إِنِ اتَّعَظْتُمْ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي سَرَائِرِكُمْ وعَلانِيَتِكُمْ، «وَلا تَمُوتُنَّ إلاّ وأَنْتُمْ مُسْلمُونَ»(1)، «وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلنْ يُقْبَل مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ»(2)»(3).

ص: 229


1- سورة آل عمران: 102.
2- سورة آل عمران: 85.
3- فضائل الأشهر الثلاثة: ص91 كتاب فضائل شهر رمضان ح70.

أعظم المصائب

مسألة: يستحب تجديد إحياء ذكرى ما جرى من المصائب على الصديقة الزهراء (عليها السلام) وبيان أن مصائبها (صلوات الله عليها) التي جرت بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي أعظم المصائب التي جرت أو تجري على النساء، كما قال (صلى الله عليه وآله) بأنها أعظم النساء رزية، خاصة مع لحاظ ما منحها الله سبحانه من مقامات عالية لا يضاهيها مقام، مضافاً إلى كونها (عليها السلام) قد خلقت من طينة رفيعة جداً، ومن ثمار الجنة(1) ومع ذلك قد صبرت على أعظم الرزايا.

ومن المعلوم أن الإيذاء بالنسبة إلى الرفيع مقامه يكون آلم وأشد وأكبر وأدهى وأمر وأعظم من نفس الأذى لو وجه إلى الشخص العادي فكيف بمتسافل الدرجات، ومثل ذلك مثل الشعرة التي تنبت في العين فإنها أشد وأصعب من النابتة في غيرها، بل قد لا تكون للأخيرة شدة أو صعوبة.

وفي حديث قال الصادق (عليه السلام): «ولا كيوم محنتنا بكربلاء، وإن كان يومالسقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم (عليهم السلام) وفضّة؛ وقتل محسن بالرفسة، أعظم وأدهى وأمرّ، لأنّه أصل يوم العذاب»(2).

وَقَالتِ الزَّهْرَاءُ (عليها السلام):

ص: 230


1- فلقد خلق بدنها (عليها السلام) من الطينة الرفيعة جداً وخلقت نفسها من ثمار الجنة.
2- عوالم العلوم: ج 11 ق2 ص567 ح18.

قُل للمُغَيَّبِ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى *** إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَرْخَتِي ونِدَائِيَا

صُبَّتْ عَليَ مَصَائِبُ لوْ أَنَّهَا **** صُبَّتْ عَلى الأَيَّامِ صِرْنَ ليَاليَا(1)

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إلاّ هُوَ رابِعُهُمْ ولا خَمْسَةٍ إلاّ هُوَ سادِسُهُمْ ولا أَدْنى مِنْ ذلكَ ولا أَكْثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلوا يَوْمَ القِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُل شَيْ ءٍ عَليمٌ»(2)، قَال: نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي فُلانٍ وفُلانٍ وأَبِي عُبَيْدَةَ الجَرَّاحِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وسَالمٍ مَوْلى أَبِي حُذَيْفَةَ والمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حَيْثُ كَتَبُوا الكِتَابَبَيْنَهُمْ وتَعَاهَدُوا وتَوَافَقُوا لئِنْ مَضَى مُحَمَّدٌ لا تَكُونُ الخِلافَةُ فِي بَنِي هَاشِمٍ ولا النُّبُوَّةُ أَبَداً فَأَنْزَل اللهُ عَزَّ وجَل فِيهِمْ هَذِهِ الآيَة.

قَال: قُلتُ: قَوْلهُ عَزَّ وجَل «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونَجْواهُمْ بَلى ورُسُلنا لدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»(3).

قَال: وهَاتَانِ الآيَتَانِ نَزَلتَا فِيهِمْ ذَلكَ اليَوْمَ، قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): لعَلكَ تَرَى أَنَّهُ كَانَ يَوْمٌ يُشْبِهُ يَوْمَ كَتْبِ الكِتَابِ إلاّ يَوْمَ قَتْل الحُسَيْنِ (عليه السلام) وهَكَذَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلمِ اللهِ عَزَّ وجَل الذِي أَعْلمَهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)

ص: 231


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، لابن شهر آشوب: ج 1 ص242.
2- سورة المجادلة: 7.
3- سورة الزخرف: 79 – 80.

أَنْ إِذَا كُتِبَ الكِتَابُ قُتِل الحُسَيْنُ وخَرَجَ المُلكُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَقَدْ كَانَ ذَلكَ كُله (1).

التناسب بين المصيبة والصبر والمقام

ثم إنه لا يخفى أن الله تعالى جعل التناسب بين علو المقام من جهة، وبين فداحة المصائب وجميل الصبر من جهة أخرى، ويصح أن يستدل من بعضها على البعض الآخر في الجملة، وفي الحديث:«أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل»(2).

وفي رواية: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: إِنَّ فِي كِتَابِ عَليٍّ (عليه السلام): «أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً النَّبِيُّونَ ثُمَّ الوَصِيُّونَ ثُمَّ الأَمْثَل فَالأَمْثَل»(3).

من هنا يدل أيضاً على علو مقامها وأنه لا يضاهيها من نساء المسلمين أحد، قوله (صلى الله عليه وآله): (إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم رزية منك).

وربما يقال إن مراده (صلى الله عليه وآله) من (نساء المسلمين) ما يشمل مثل مريم وآسية لكونهما مسلمين أيضاً، فإن القرآن الكريم أطلق الإسلام على من أسلم وجهه لله مطلقاً، وسمى الأنبياء السابقون بالمسلمين.

قال سبحانه: «ما كانَ إِبْراهيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنيفاً مُسْلماً

ص: 232


1- الكافي: ج 8 ص180 خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ح202.
2- الأمالي، للطوسي: ص466 المجلس السادس عشر ح37.
3- الكافي: ج 2 ص259 باب شدة ابتلاء المؤمن ح29.

وَما كانَ مِنَ المُشْرِكينَ»(1).

وفي قصة نوح (عليه السلام): «وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَمِنَ المُسْلمينَ»(2).

وقال تعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ ديناً مِمَّنْ أَسْلمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً»(3). وقال سبحانه: «بَلى مَنْ أَسْلمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَليْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ»(4).

وقال تعالى: «رَبَّنا وَاجْعَلنا مُسْلمَيْنِ لكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلمَةً لكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَليْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ»(5).

وقال سبحانه: «وَوَصَّى بِها إِبْراهيمُ بَنيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلمُونَ»(6).

وأما إذا أريد المعنى المصطلح للإسلام فوجهه (المورد) لا الحصر، فلا مفهوم له، كما في قوله تعالى: «وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتي دَخَلتُمْ بِهِنَّ»(7).

بل إن اللقب مطلقاً لا مفهوم له إلاّ بمعونة القرائن.

ص: 233


1- سورة آل عمران: 67.
2- سورة يونس: 72، وسورة النمل: 91.
3- سورة النساء: 125.
4- سورة البقرة: 112.
5- سورة البقرة: 128.
6- سورة البقرة: 132.
7- سورة النساء: 23.

اصبر يا علي

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) قالت: «يا أبا الحسن، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إليّ وحدّثني: إني أول أهله لحوقاً به، ولابد مما لابد منه، فاصبر لأمر الله تعالى وارض بقضائه»(1).

-----------------------

إخبار العالم وفوائده

مسألة: إخبار العالم بالأمر قد يكون راجحاً، ولا لغوية فيه، رغم علمه به، وذلك لوجوه شتى:

منها: التأكيد.

ومنها: إعلام الغير.

ومنها: طلب التقرير(2).

ومنها: إرادة التفريع(3).

وفي الروايات والآيات نماذج عديدة.

ص: 234


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح114.
2- أي تقرير السامع العالم للخبر الملقى إليه، ليطمئن المخبر أو لغير ذلك.
3- أي تفريع بعض اللوازم أو المطالب أو الطلبات عليه.

ثقل المصيبة

مسألة: يستحب بيان مدى ثقل مصيبة فراق الصديقة فاطمة (عليها السلام) وفداحة ما جرى عليها من ظلم القوم إياها، على أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، إلى درجة استدعت منها أن توصيه به: «اصبر لأمر الله وارض بقضائه».

فإن الصبر على تلك الداهية العظمى والرزية الكبرى، من ضرب ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله) وعصرها بين الحائط والباب وقتل محسنها (عليه السلام) مع قدرة الإمام على دحرهم، فإنه الذي قلع باب خيبر، وهو القائل: «لو تظاهرت العرب على قتالي ما وليت عنها»(1)، هذا الصبر مما يحتاج إلى عزيمة أقوى مما يطيقه بشر، لو لا أنه (صلوات الله عليه) كان الوتر في صفاته والفرد في عظمته، كرسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل هو نفسه قال عزوجل: «وَأَنْفُسَنا َأَنفُسَكُمْ»(2).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

فِرَاقُكِ أَعْظَمُ الأَشْيَاءِ عِنْدِي *** وَفَقْدُكِ فَاطِمُ أَدْهَى الثُّكُول

سَأَبْكِي حَسْرَةً وأَنُوحُ شَجْواً *** عَلى خَل مَضَى أَسْنَى سَبِيل

أَلا يَا عَيْنُ جُودِي وأَسْعِدِينِي *** فَحُزْنِي دَائِمٌ أَبْكِي خَليلي (3)

ص: 235


1- نهج البلاغة، الرسائل: 45، ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها: (وَاللهِ لوْ تَظَاهَرَتِ العَرَبُ عَلى قِتَالي لمَا وَليْتُ عَنْهَا).
2- سورة آل عمران: 61.
3- بحار الأنوار: ج 43 ص179 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها.

وقال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «فَصَبَرْتُ وفِي العَيْنِ قَذًى وفِي الحَلقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً»(1).

وروى العامة عن جابر: إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) رَأَى عَلى فَاطِمَةَ كِسَاءً مِنْ أَوْبَارِ الإِبِل وهِيَ تَطْحَنُ فَبَكَى وقَال: يَا فَاطِمَةُ اصْبِرِي عَلى مَرَارَةِ الدُّنْيَا لنَعِيمِ الآخِرَةِ غَداً. ونَزَلتْ «وَلسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى»(2)»(3).

معنى القضاء والقدر

مسألة: يستحب الأمر بالرضا بقضاء الله تعالى.

ولعل قولها (عليها السلام): «فاصبر لأمر الله وارض بقضائه» من تتمة كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليها، خاصة بقرينة قولها: (عهد إليّ)، إذ ما سبقه(4) كان من حديثه لها، فعهده إليها إيصاؤها (عليها السلام) بأن توصيه (عليه السلام) بالصبر والرضا.

ثم إن القضاء بمعنى الحكم، والقدر بمعنى التقدير، فالمهندس يهندس البناء ويقدره بالكمية والكيفية الخاصة فيكون تقديراً، وحيث إن الله سبحانه خلق كل شيء من الخلق بتقدير، كما قال تعالى: «إِنَّا كُل شَيْ ءٍ خَلقْناهُ بِقَدَرٍ»(5)، لذلك

ص: 236


1- علل الشرائع: ج 1 ص151 ب122 باب العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهدة أهل الخلاف ح12.
2- سورة الضحى: 5.
3- جمع الجوامع، للسيوطي: ج2 ص331 مسند جابر.
4- أي (إني أول أهله لحوقاً به، ولابد مما لا بد منه).
5- سورة القمر: 42.

يقال: في كل شيء القدر، أما القضاء فهو الحكم، كما أن المهندس بعد التقدير يأمر العمال بالبناء على ما قرره وهندسه وقدره، وهذا المثال للتقريب.

القدر نوعان

ثم إن التقدير قد يكون تقديراً خاصاً لا يتمكن الإنسان من تجاوزه،كتقديره خلق الذكر ذكراً والأنثى أنثى، وخلق الإنسان محتاجاً إلى الحيّز وما أشبه، وقد يكون التقدير فضفاضاً يتمكن الإنسان معه من البدائل(1).

والقضاء في كلا الأمرين حسب ما قدّر، فالقضاء في التقدير الضيق مضيق، وفي التقدير الواسع موسّع، وفي بعض الروايات تقديم القضاء على القدر، وفي بعضها العكس، وربما يستظهر أن التقدير مقدم على القضاء، وقد ذكرنا تفصيل البحث في بعض الكتب الكلامية(2).

ص: 237


1- كالقوة والضعف والذكاء والبلادة والصحة والمرض، في بعض درجاتها، حيث إنه بمقدور الإنسان بواسطة حسن اختياره لأنواع المأكول، وبواسطة الرياضة والتمارين وغيرها، تغييرها في الجملة، وإن شئت قلت: التقدير قد يكون مرناً وقد يكون جامداً.
2- لعل مقصود الإمام المؤلف (قدس سره) في وجه الجمع: أن التقدير العام الإجمالي مقدم على القضاء، ثم إن التقدير التفصيلي هو المؤخر عنه، ولتقريب الذهن: قد تخطبر ببال المهندس إجمالاً صورة قصر أو كوخ فيقضي بذلك ويأمر به، ثم يحدد بالتفصيل مفاصله ومرافقه ومعالمه. هذا وقد ذكر المؤلف (رحمه الله) في (الوصائل إلى الرسائل): ج 1 ص194: أقول: في غالب الروايات تقديم القدر على القضاء، نعم في بعض الروايات تقديم القضاء على القدر. والقدر: عبارة عن تقدير الأشياء. والقضاء: عبارة عن إيجادها في التكوينيات، قال سبحانه: (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ...) وللامر بها في التشريعيات، قال سبحانه: (وَقَضى رَبُّكَ إلاّ تَعْبُدُوا إلاّ إِيَّاهُ وَبِالوالدَيْنِ إِحْساناً) ولعل الأصل في (قضى): الإجراء، فبناء البيت: إجراء، والأمر بكذا: إجراء، بل وحتى الإعلام بشي ء في المستقبل: إجراء، قال سبحانه: (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيل فِي الكِتابِ لتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ....) والمثال السهل للقدر والقضاء في الأمور العادية هو: أنه إذا قدّر المالك حدود الدار، التي يريد بناءها وسائر خصوصياتها، من الغرف وغيرها، يسمّى (تقديراً) ثم إذا أمر ببنائها، أو شرع المهندس في بنائها، سمّي كل واحد من الأمرين (قضاءً). والله سبحانه (قدّر الكون) ثم (أوجده في الخارج)، هذا في الأمور التكوينية. و(قدّر خصوصيات الصلاة والصوم والحج وغيرها) ثم أمر بها، وهذا في الأمور التشريعية. ثم إنه إنّما نهى عن الخوض في مسائل القضاء والقدر، لأن الخائض إذا لم يكن من العلماء العارفين، أمكن أن ينتهي الأمر به إلى الجبر، أو التجسم له سبحانه، أو انه ظالم والعياذ بالله، إلى غير ذلك. وراجع أيضاً للمؤلف: (القول السديد فى شرح التجريد): ص301 (مسألة) في القضاء والقدر، و(من فقه الزهراء عليها السلام): ج 2 ص212 التقدير الإلهى الحتمي، و(الفقه.. العقائد): ص237 نسبة الأفعال إلى القضاء والقدر.

التسليم لما لابد منه

مسألة: يلزم التسليم لأمر الله التشريعي والتكويني، ومنه ما لابد منه.

و(لابد) في عبارة الصديقة (صلوات الله عليها) بمعنى لزوم التسليم(1)، أو هو تأكيد(2).

ص: 238


1- أي حيث إنه لا مناص ولا مفر مما هو حتمي فلابد من التسليم له والتأقلم معه.
2- أي كأنه عبارة أخرى عن قولك: ما هو حتمي فهو حتمي ولا يحتمل تخلفه، ويتفرع عليه كذلك لزوم التسليم.

والفرق بين أن يسلم الإنسان أو لا يسلم فيما لابد منه ولا مفر منه: أنه إذا سلم وكان راضياً نفساً فإنه يقع الأمر عليه وقوعاً خفيفاً، وله أجر كبير لرضاه، بخلاف أن لا يكون كذلك، كما إذا جزع وفعل ما لا يناسب المسلمين لإرادة المولى عزوجل والراضين بقضائه.

قال (عليه السلام): «فَمَنْ غَلبَ جَزَعُهُ عَلى صَبْرِهِ، حَبِطَ أَجْرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلكَ»(1).

وعَنْ زُرَارَةَ، عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام)قَال: «مَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ حَبِطَ أَجْرُهُ»(2).

وعَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَال: «الصَّبْرُ عَلى قَدْرِ المُصِيبَةِ، ومَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ أَجْرُهُ»(3).

الرضا سر السعادة

مسألة: إذا عمل الناس بهذه الوصية: (الرضا والتسليم لما لا بد منه) كانوا سعداء، بل وأسعدوا من حولهم.

فمثلاً المريض الذي لا علاج له، والمعوق وناقص الخلقة، واليتيم، والفقير الذي فشل كلما حاول في النهوض، والطريد أو المنفي أو السجين ظلماً، إذا لم يقدر أي منهم وذووهم أن يغيروا ما بهم، فإنهم جميعاً ومن شابههم إذا

ص: 239


1- تحف العقول: ص456.
2- وسائل الشيعة: ج 3 ص270 ب81 باب تأكد كراهة ضرب المصاب يده على فخذه ح1.
3- وسائل الشيعة: ج 3 ص271 ب81 باب تأكد كراهة ضرب المصاب يده على فخذه ح4.

صبروا على البلاء ورضوا بالقضاء وسلموا لما لا بد منه، من غير تقصير في تسبيب الأسباب للخلاص والعلاج والتغيير، لأحرزوا رضا الله تعالى، وقمعوا الشيطان الذي يستغل مثل تلكالمصائب ليجر الناس للكفر أو اليأس من روح الله، وكانوا أهدأ بالاً، وأربط جأشاً، وأقوى نفساً، وأفضل أعصاباً، وأحب لذويهم، وهانت عليهم المصيبة، ولعل الله بذلك يخفف عنهم، ويرفع عنهم البلاء أو درجات منه، وإلا عوضهم في الآخرة بلا حساب، كما قال عزوجل: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).

وقَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ رُزِقَ خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ: الرِّضَا بِالقَضَاءِ، والصَّبْرُ عَلى البَلاءِ، والشُّكْرُ عَلى الرَّخَاءِ»(2).

وقَال (عليه السلام): «الرِّضَا ثَمَرَةُ اليَقِينِ»(3).

وقَال (عليه السلام): «الدِّينُ شَجَرَةٌ أَصْلهَا التَّسْليمُ والرِّضَا»(4).

وقَال (عليه السلام): «الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ يُهَوِّنُ عَظِيمَ الرَّزَايَا»(5).

الصبر والرضا

مسألة: يستحب الأمر بالصبر، إضافة إلى الأمر بالرضا، وخاصة في المصائب الكبيرة، وقولها لعلي (عليهما السلام) دليل على أن المصيبة بلغت الغاية في

ص: 240


1- سورة الزمر: 10.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص212 ح4223.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص19 ح87.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص46 ح1164.
5- عيون الحكم والمواعظ: ص49 ح1239.

الفداحة، كما لا يخفى.

ثم إن مرحلة الرضا أعظم من مرحلة الصبر، فإذ رضي الإنسان بقضاء الله سبحانه كان أجره أعظم، أما إذا صبر بدون الرضا القلبي فإنه أقل أجراً بالنسبة إلى الراضي في الآخرة، بالإضافة إلى أنه قد تفوته منافع عديدة في الدنيا، فالرضا يوجب اطمئنان النفس وسكينة الروح وهدوء البال، وكل ذلك مما يؤثر في صحة الإنسان وسلامته، وتقدم الإلماع إلى أن كل واحد من الروح والبدن يؤثر أحدهما في الآخر في كثير من الموارد، كما أنهما يؤثران في العقل وكماله ويتأثران به.

قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «حَقُّ اللهِ عَليْكُمْ فِي اليُسْرِ البِرُّ والشُّكْرُ، وفِي العُسْرِ الرِّضَا والصَّبْرُ»(1).

وقَال (عليه السلام): «مَنْ أَحْسَنَ رِضَاهُ بِالقَضَاءِ حَسُنَ صَبْرُهُ عَلى البَلاءِ»(2).ورُوِيَ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) سَأَل رَبَّهُ سُبْحَانَهُ ليْلةَ المِعْرَاجِ فَقَال: يَا رَبِّ أَيُّ الأَعْمَال أَفْضَل، فَقَال اللهُ تَعَالى: ليْسَ شَيْ ءٌ أَفْضَل عِنْدِي مِنَ التَّوَكُّل عَليَّ والرِّضَا بِمَا قَسَمْت»(3).

ص: 241


1- عيون الحكم والمواعظ: ص232 ح4438.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص436 ح7544.
3- إرشاد القلوب: ج 1 ص199.

الشدة تصيب ولدي

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام): «أخبرني النبي (صلى الله عليه وآله) أنه مقبوض فبكيت، ثم أخبرني أن بنيّ سيصيبهم بعدي شدة فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقاً به فضحكت»(1).

------------------------

البكاء مستحب وواجب

مسألة: يجوز البكاء للخبر المحزن، والجواز هنا بالمعنى الأعم فيشمل الاستحباب والوجوب، كل في مورده.

وبكاؤها (صلوات الله عليها) دليل على جواز البكاء على النبي (صلى الله عليه وآله) بل على رجحانه، وبكاؤها ثانياً يدل على جواز البكاء على الشدائد التي أصابت أهل البيت (عليهم السلام)، ويدل أيضاً على جواز البكاء على المصاب المتوقع المستقبلي.

كما أن تقرير النبي (صلى الله عليه وآله) لبكائها (عليها السلام) يدل على ذلك كله.

ثم إنه لا منافاة بين ما ذكر في هذا الخبر، وبين ما ذكر في الأخبارالأخر،

ص: 242


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح115.

لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر بالأمرين أي: بما يلاقيها (عليها الصلاة والسلام) من الشدة، وبما يلاقي أبناءها أيضاً، وأن من الحكمة أن ينقل الناقل في كل مرة بعض الحديث مما يناسب المقام.

ثم إن البكاء حالة ممدوحة، فإنه دليل الكمال، كما أنه سبيل الكمال، ومنه البكاء من خوف الله تعالى.

والبكاء غير الجزع، فلا يكون مكروهاً لذلك، بل حتى وإن كان بعض البكاء جزعاً فإنه مطلوب في مصاب العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم) بل هو من أفضل المستحبات، كما تقدم الإلماع إلى ذلك.

قال تعالى: «أُولئِكَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومِمَّنْ حَمَلنا مَعَ نُوحٍ ومِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهيمَ وإِسْرائيل ومِمَّنْ هَدَيْنا واجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَليْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وبُكِيًّا»(1).

وعَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَال: قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) لأَبِي بَصِيرٍ: «إِنْ خِفْتَ أَمْراً يَكُونُ أَوْ حَاجَةً تُرِيدُهَا فَابْدَأْ بِاللهِ ومَجِّدْهُ وأَثْنِ عَليْهِ كَمَا هُوَ أَهْلهُ، وصَل عَلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وسَل حَاجَتَكَ وتَبَاكَ ولوْ مِثْل رَأْسِ الذُّبَابِ، إِنَّ أَبِي (عليه السلام) كَانَ يَقُول إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وجَل وهُوَ سَاجِدٌبَاكٍ»(2).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَوْحَى اللهُ إِلى مُوسَى (عليه السلام) أَنَّ عِبَادِي لمْ يَتَقَرَّبُوا إِليَّ بِشَيْ ءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ ثَلاثِ خِصَال، الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، والوَرَعِ عَنِ

ص: 243


1- سورة مريم: 58.
2- الكافي: ج 2 ص483 باب البكاء ح10.

المَعَاصِي، والبُكَاءِ مِنْ خَشْيَتِي، فَقَال مُوسَى: يَا رَبِّ فَمَا لمَنْ صَنَعَ ذَلكَ، قَال اللهُ تَعَالى: أَمَّا الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا فَأُحَكِّمُهُمْ فِي الجَنَّةِ، وأَمَّا المُتَوَرِّعُونَ عَنِ المَعَاصِي فَمَا أُحَاسِبُهُمْ، وأَمَّا البَاكُونَ مِنْ خَشْيَتِي فَفِي الرَّفِيقِ الأَعْلى»(1).

وَقَال (عليه السلام): «مَنْ خَرَجَ مِنْ عَيْنَيْهِ مِثْل الذُّبَابِ مِنَ الدَّمْعِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ آمَنَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ حَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَلى النَّارِ»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ولوْ مِثْل جَنَاحِ الذُّبَابِ غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ ولوْ كَانَتْ مِثْل زَبَدِ البَحْرِ»(4).

الضحك بين جائز ومحرم

مسألة: يجوز الضحك للخبر المفرح.

فإن الضحك مطلقاً جائز إذا لم يؤد إلى محرم، كالتشجيع على المعصية أو الازدراء بالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، أو إهانة المؤمن وهتكه وما أشبه.

وربما استحب الضحك أو التبسم للخبر المفرح، كما فيما كان مصداقاً

ص: 244


1- الزهد: ص77 ب13 باب البكاء من خشية الله ح207.
2- بحار الأنوار: ج 90 ص336 ب19 فضل البكاء وذم جمود العين ح30.
3- كامل الزيارات: ص104 الباب الثاني والثلاثون ثواب من بكى على الحسين بن علي (عليه السلام) ح10.
4- المحاسن: ج 1 ص63 ب86 ثواب من دمعت عينه في آل محمد ح110.

لقوله (عليها السلام) «يفرحون لفرحنا»(1).

ولا يخفى أن كل ما صدر منهم (عليهمالسلام) فإنه يحمل على أفضل وجه، فقد ذكرنا في بعض المباحث أن المعصوم (عليه السلام) وخاصة النبي وآله الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) لا يصدر منه حتى ترك الأولى، فكل ما يأتي به هو الصواب بل أفضل وجوهه، التزاماً بمثل قوله تعالى: «وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها»(2)، وهو مقتضى الإمامة بقول مطلق، قال تعالى: «إِنِّي جاعِلكَ للنَّاسِ إِماماً»(3)، وقال سبحانه: «وَاجْعَلنا للمُتَّقينَ إِماماً»(4)، وكون المرء إماماً في كل الجهات أنه أولى وأفضل من غيره في كلها، ومنه كونه إماماً في اتخاذ الأحسن مطلقاً.

ثم الظاهر من قولها (عليها السلام) فضحكت هو التبسم، كما سبق.

الذرية الطاهرة وما ورد عليها

مسألة: يستحب بيان ما ورد على ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة (عليهم السلام) من الشدة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، تأسياً به (صلى الله

ص: 245


1- قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى اطَّلعَ إِلى الأَرْضِ فَاخْتَارَنَا واخْتَارَ لنَا شِيعَةً يَنْصُرُونَنَا، ويَفْرَحُونَ لفَرَحِنَا، ويَحْزَنُونَ لحُزْنِنَا، ويَبْذُلونَ أَمْوَالهُمْ وأَنْفُسَهُمْ فِينَا، أُولئِكَ مِنَّا وإِليْنَا». بحار الأنوار: ج 44 ص287 ب34 ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة عليهم السلام وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء ح26، عن الخصال: ج 2 ص635.
2- سورة الأعراف: 145.
3- سورة البقرة: 124.
4- سورة الفرقان: 74.

عليه وآله) في بيانه ذلك، وقد سبق.

عَنِ الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)قَال: قَال لفُضَيْل: تَجْلسُونَ وَ تُحَدِّثُونَ، قَال: نَعَمْ جُعِلتُ فِدَاكَ، قَال: «إِنَّ تِلكَ المَجَالسَ أُحِبُّهَا فَأَحْيُوا أَمْرَنَا، يَا فُضَيْل فَرَحِمَ اللهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا، يَا فُضَيْل مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِثْل جَنَاحِ الذُّبَابِ غَفَرَ اللهُ لهُ ذُنُوبَهُ وَلوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ»(1).

ص: 246


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص187 ثواب من ذكر عنده أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فخرج من عينه دمعة ح2.

شكايتها في منامها

اشارة

روي أنه رأت فاطمة (عليها السلام) في منامها النبي (صلى الله عليه وآله)، قالت: فشكوت إليه ما نالنا من بعده، قالت: فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لكم الآخرة التي أعدت للمتقين، وإنك قادمة علي عن قريب»(1).

------------------------

الشكاية إلى الرسول

مسألة: يستحب الشكاية إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته وبعد وفاته، فإنه حي عند ربه مرزوق، يرى ويسمع، ويغيث الملهوف، ويقضي الحوائج بإذن الله تعالى، كما تستحب الشكاية إلى الله عزوجل.

قَال (عليه السلام): «مَنْ شَكَى إِلى مُؤْمِنٍ فَقَدْ شَكَى إِلى اللهِ، ومَنْ شَكَى إِلى مُخَالفٍ فَقَدْ شَكَى اللهَ»(2).

وفي حديث عليّ (عليه السلام): «أشكوإلى الله عجري وبجري»(3).

ص: 247


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص890 ب56 حديثها (عليها السلام) في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها أول أهله لحوقاً به ح116.
2- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): ج1 ص221 ب6 تجوز الشكوى إلى المؤمن دون غيره.
3- بحار الأنوار: ج 34 ص416 ب36 باب آخر نادر في ذكر ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من الأشعار.

وعنه (عليه السلام) قال: «وَاللهِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِليْنَا يَا مُفَضَّل مَعَاشِرَ الأَئِمَّةِ ونَحْنُ بَيْنَ يَدَيْ جَدِّنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) نَشْكُوا إِليْهِ مَا نَزَل بِنَا مِنَ الأُمَّةِ بَعْدَهُ، ومَا نَالنَا مِنَ التَّكْذِيبِ والرَّدِّ عَليْنَا وسَبِّنَا ولعْنِنَا وتَخْوِيفِنَا بِالقَتْل، وقَصْدِ طَوَاغِيتِهِمُ الوُلاةِ لأُمُورِهِمْ إِيَّانَا مِنْ دُونِ الأُمَّةِ، وتَرْحِيلنَا عَنْ حَرَمِهِ إِلى دِيَارِ مُلكِهِمْ، وقَتْلهِمْ إِيَّانَا بِالحَبْسِ وبِالسَّمِّ وبِالكَيْدِ العَظِيمِ، فَيَبْكِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) ويَقُول: يَا بُنَيَّ مَا نَزَل بِكُمْ إلاّ مَا نَزَل بِجَدِّكُمْ قَبْلكُمْ، ولوْ عَلمَتْ طَوَاغِيتُهُمْ ووُلاتُهُمْ أَنَّ الحَقَّ والهُدَى والإِيمَانَ والوَصِيَّةَ والإِمَامَةَ فِي غَيْرِكُمْ لطَلبُوهُ.

ثُمَّ تَبْتَدِئُ فَاطِمَةُ (عليها السلام) بِشَكْوَى مَا نَالهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ، مِنْ أَخْذِ فَدَكَ مِنْهَا ومَشْيِهَا إِليْهِمْ فِي مَجْمَعِ الأَنْصَارِ والمُهَاجِرِينَ وخِطَابِهَا إِلى أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرِ فَدَكَ، ومَا رَدَّ عَليْهَا مِنْ قَوْلهِ: إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لا وَارِثَ لهُمْ، واحْتِجَاجِهَا عَليْهِ بِقَوْل اللهِ عَزَّ وجَل بِقِصَّةِ زَكَرِيَّا ويَحْيَى: «فَهَبْ لي مِنْ لدُنْكَ وَليًّا * يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْآل يَعْقُوبَ واجْعَلهُ رَبِّ رَضِيًّا»(1) وقَوْلهِ بِقِصَّةِ دَاوُدَ وسُليْمَانَ: «ووَرِثَ سُليْمانُ داوُدَ»(2)، وقَوْل عُمَرَ لهَا: هَاتِي صَحِيفَتَكِ التِي ذَكَرْتِ أَنَّ أَبَاكِ كَتَبَهَا لكِ عَلى فَدَكَ وإِخْرَاجِهَا الصَّحِيفَةَ وأَخْذِ عُمَرَ إِيَّاهَا مِنْهَا ونَشْرِهِ لهَا عَلى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ مِنْ قُرَيْشٍ والمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ وسَائِرِ العَرَبِ وتَفْلهِ فِيهَا وعَرْكِهِ لهَا وتَمْزِيقِهِ إِيَّاهَا، وبُكَاءِهَا ورُجُوعِهَا إِلى قَبْرِ أَبِيهَا (صلى الله عليه وآله) بَاكِيَةً تَمْشِي عَلى رَمْضَاءَ وقَدْ أَقْلقَتْهَا واسْتِغَاثَتِهَا بِأَبِيهَا»(3).

ص: 248


1- سورة مريم: 5 - 6.
2- سورة النمل: 16.
3- الهداية الكبری: ص405.

سر تعدد شكواها

الظاهر أن سر تعدد شكوى الصديقة (عليها السلام) وتكرر بثها آلامها، هو فضح الظالمين، وتسجيل الظلامات للأجيال القادمة، والحيلولة دون محاولات القوم لطمس الحقائق، بل تغيير الوقائع، وقد ذكرنا في بعض كتبنا أن الله تعالى جعل معادن ومخازن ومنابع لكل شيء في الماديات والمعنويات، ففي الماديات هنالك معدن للذهب، ومنجم للألماس وشبه ذلك، كما أن البحار هي مخازن للمياه والأسماك وهكذا، وكذلك المعنويات، فهنالك مخازن للعلم كما قال تعالى: «بَل هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الذينَ أُوتُوا العِلمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلاّ الظَّالمُون»(1)، وهناك مخازن ومعادن ومظاهر للأخلاق والورع والفضيلة والصبر والرضا بالقضاء(2)، وهكذا.

وقد جعل الله تعالى سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) مظهراً لا نظير له، لرفض الظلم ومقارعة الظالم، وذلك بواسطة سلاحي الكلمة والعاطفة، فسلاح الكلمة تجلى في خطبتها في المسجد وغيرها، وسلاح العاطفة تجلى في شكاواها لرسول الله (صلى الله عليه وآله)وبكائها، حال حياته وبعد استشهاده.

وبذلك يظهر أن تكرار شكاواها من القوم في كل محفل ومجلس، خاص أو عام، في اليقظة والمنام، كان على أبلغ وجوه الحكمة.

ص: 249


1- سورة العنكبوت: 49.
2- وهم الأنبياء والمرسلون والأئمة المعصومون (عليهم السلام).

شكواها حجة على القوم

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة (عليها السلام) شكت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما نالها من بعده، فإن شكواها حجة على القوم، وفيها إبطال الباطل وإحقاق الحق، وبيانه أيضاً نوع انتصار للمظلوم، ونوع تبكيت للظالم(1).

خاصة إذا قورنت بما ورد في حقها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):

فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «إِنَّ فَاطِمَةَ شِجْنَةٌ مِنِّي، يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا، ويَسُرُّنِي مَا يَسُرُّهَا، وإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى ليَغْضَبُ لغَضَبِ فَاطِمَةَ، ويَرْضَى لرِضَاهَا»(2).

سادة المتقين

مسألة: يستحب بيان أن الآخرة التي أعدت للمتقين هي لأهل البيت (عليهم السلام)، فإنهم سادة المتقين وقادتهم وأئمتهم.

عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى اللهعليه وآله) يقول: «أنا سيد النبيين، وعلي سيد الوصيين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، والأئمة بعدهما سادة المتقين، ولينا ولي الله وعدونا عدو الله، وطاعتنا طاعة الله، ومعصيتنا معصية الله»(3).

ص: 250


1- التبكيت لغة: التقريع والتعنيف.
2- معاني الأخبار: ص303 باب معنى الشجنة ح2.
3- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج 2 ص106 الفصل الثامن ح302.

وفي الزيارة: «السَّلامُ عَليْكُمْ أَئِمَّةَ المُؤْمِنِينَ، وسَادَةَ المُتَّقِينَ، وكُبَرَاءَ الصِّدِّيقِينَ، وأُمَرَاءَ الصَّالحِينَ، وقَادَةَ المُحْسِنِينَ، وأَعْلامَ المُهْتَدِينَ، وأَنْوَارَ العَارِفِينَ، ووَرَثَةَ الأَنْبِيَاءِ، وصَفْوَةَ الأَوْصِيَاءِ، وشُمُوسَ الأَتْقِيَاءِ، وبُدُورَ الخُلفَاءِ، وعِبَادَ الرَّحْمَنِ، وشُرَكَاءَ القُرْآنِ، ومَنْهَجَ الإِيمَانِ، ومَعَادِنَ الحَقَائِقِ، وشُفَعَاءَ الخَلائِقِ، ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ»(1).

حجية منامات المعصومين

مسألة: ما يراه المعصوم (عليه السلام) في المنام حجة شرعاً.

فإنهم (عليهم الصلاة والسلام) لا يرون الباطل في المنام، ولا يتمثل لهمالشيطان في منامهم، أما ما ورد من أن فاطمة (عليها السلام) رأت في المنام أنهم أكلوا شاةً فماتوا، وأن جبرئيل (عليها السلام) قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا محمد هذا شيطان يقال له الدهار، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين يا يغتمون به)(2)، فإن صح السند، ولم يُطرح لمعارضته بالأقوى، فلعله

ص: 251


1- المزار الكبير: ص293 زيارة جامعة لسائر الأئمة صلوات الله عليهم.
2- هذا نص الحديث على ما رواه العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار: عن تفسير القمي في الآية الشريفة: «إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ ليَحْزُنَ الذِينَ آمَنُوا وَليْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إلاّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلى اللهِ فَليَتَوَكَّل المُؤْمِنُونَ»، قال: فإنه حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة (عليها السلام) رأت في منامها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) همّ أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) من المدينة، فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة، فتعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة كبراء وهي التي في إحدى أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما أكلوا ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة باكية ذعرة(1) فلم تخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك(2) ، فلما أصبحت جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحمار فأركب عليه فاطمة (عليها السلام) وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) من المدينة كما رأت فاطمة في نومها، فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض له طريقان، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين كما رأت فاطمة، حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة كما رأت فاطمة (عليها السلام) فأمر بذبحها فذبحت وشويت، فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي(3) مخافة أن يموتوا (4) ، فطلبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وقع عليها وهي تبكي، فقال: ما شأنك يا بنية، قالت: يا رسول الله إني رأيت البارحة كذا وكذا في نومي، وقد فعلت أنت كما رأيته فتنحيت عنكم فلا أراكم تموتون(5) ، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى ركعتين ثم ناجى ربه، فنزل عليه جبرئيل فقال: يا محمد هذا شيطان يقال له الدهار وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا، ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به(6) ، فأمر جبرئيل فجاء به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا؟ فقال: نعم يا محمد، فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع(7) ، ثم قال جبرئيل لمحمد: قل يا محمد إذا رأيت في منامك شيئاً تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: "أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت ومن رؤياي" ويقرأ الحمد والمعوذتين و(قل هو الله) ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لا يضره ما رأى، وأنزل الله على رسوله: «إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ» الآية. وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: رأت فاطمة (عليها السلام) في النوم كأن الحسن والحسين (عليها السلام) ذبحا أو قتلا، فأحزنها ذلك، فأخبرت به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رؤيا، فتمثلت بين يديه، قال: أنت أريت فاطمة هذا البلاء، قالت: لا، فقال: يا أضغاث أنت أريت فاطمة هذا البلاء، قالت: نعم يا رسول الله، قال: فما أردت بذلك، قالت: أردت أن أحزنها، فقال لفاطمة: اسمعي ليس هذا بشي ء(8). 1) ذُعِرَ الرجل فهو مَذْعُور مُنْذَعِر، أي: أخيف. والذُّعْر: الفزع، وهو الاسم. كتاب العين: ج 2 ص96 مادة (ذعر). 2) ولعله كي لا تحزنه. 3) لعلها لم ترد التحذير الصريح خشية كونه مخالفاً للتأدب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان في البكاء ما يكفي للتحذير. 4) لأن أعمالهم (عليهم السلام) مبنية على الظواهر، وقد كلفوا بأن لا يعملوا - إلاّ فيما استثني - بعلمهم الغيبي، وعلى ذلك جرى بكاؤهم وضحكهم وأكل ما فيه السم وما أشبه. 5) أي إن تنحيها عنهم هو السبب ظاهراً في عدم أكلهم وعدم موتهم. 6) وذلك هو من مقتضيات عالم الابتلاء والامتحان. 7) فإن ذلك عالم من سنخ آخر، والمؤثرات والمتأثرات به من نوع آخر، ويقربه للذهن تأثير أنواع الأشعة ومنها الليزر وغير ذلك. 8) لعل تصويره ذبحهما أو قتلهما بأنه يحدث عاجلاً وهو الذي ليس بشيء.

ص: 252

كان لأجل التنبيه على شيء أهم(1)، وهو أن لا يحزن الإنسان بما يراهفي المنام إذا كان مرعباً أو مخيفا أو سيئاً، فإن كثيراً من الناس يتأذى بالمنام السيء كثيراً ويتطير بالشر، فالقصة كانت من باب التعليم(2)، كما ذكرنا مثل ذلك في قصة الإمامين الحسنين (عليهما الصلاة والسلام) حيث توضئا لتعليم الشيخ، بل ذكرنا في (التفسير) احتمال أن تكون قصة موسى والخضر (عليهما السلام) أيضاً من باب التعليم لا من باب الجد، على تفصيل ذكرناه هناك.

عَنِ الوَشَّاءِ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: «رَأَيْتُ أَبِي (عليه

ص: 253


1- أو يراد أنهم لا يرون الباطل في المنام إلاّ وهم عالمون ببطلانه، أو أن ذلك (لا يرون الباطل في منامهم) كان بعد هذه الواقعة عقوبة للشياطين، كما أن بولادة النبي (صلى الله عليه وآله) ملئت السماء حرساً شديداً وشهباً، أو أن ذلك هو الأصل، وهذا كان استثناء لحكمة أهم، أو غير ذلك، كما يحتمل أن الرؤيا كانت من عالم المحو والإثبات، لا من اللوح المحفوظ، فكانت في مرحلتها تلك حقاً، وكان المؤذي تعمد إراءتها ذلك. وأما عدم تمثل الشيطان فإنه لم يتمثل لها (عليها السلام) بل أراها الرؤيا الباطلة، فتأمل.
2- ومن أفضل أنواع التعليم هو التمثيل.

السلام) فِي المَنَامِ فَقَال: يَا بُنَيَّ إِذَا كُنْتَ فِي شِدَّةٍ فَأَكْثِرْ أَنْ تَقُول: يَا رَءُوفُ يَا رَحِيمُ، والذِي تَرَاهُ فِي المَنَامِ كَمَا تَرَاهُ فِي اليَقَظَة»(1).وقال إِسْحَاقُ عَنِ الأَقْرَعِ: كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَسْأَلهُ عَنِ الإِمَامِ هَل يَحْتَلمُ، وقُلتُ فِي نَفْسِي: بَعْدَ مَا فَصَل الكِتَابُ الاحْتِلامُ شَيْطَنَةٌ وقَدْ أَعَاذَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى أَوْليَاءَهُ مِنْ ذَلكَ، فَوَرَدَ الجَوَابُ: «حَال الأَئِمَّةِ فِي المَنَامِ حَالهُمْ فِي اليَقَظَةِ، لا يُغَيِّرُ النَّوْمُ مِنْهُمْ شَيْئاً، وقَدْ أَعَاذَ اللهُ أَوْليَاءَهُ مِنْ لمَّةِ الشَّيْطَانِ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «طَلبَ أَبُو ذَرٍّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَقِيل لهُ: إِنَّهُ فِي حَائِطِ كَذَا وكَذَا، فَمَضَى يَطْلبُهُ فَدَخَل إِلى الحَائِطِ والنَّبِيُّ نَائِمٌ، فَأَخَذَ عَسِيباً يَابِساً وكَسَرَهُ ليَسْتَبْرِئَ بِهِ نَوْمَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: فَفَتَحَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) عَيْنَهُ وقَال: أَتَخْدَعُنِي عَنْ نَفْسِي يَا أَبَا ذَرٍّ، أَ مَا عَلمْتَ أَنِّي أَرَاكُمْ فِي مَنَامِي كَمَا أَرَاكُمْ فِي يَقَظَتِي»(3).

وعَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «الأَنْبِيَاءُ عَلى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ مِثْل صَوْتِ السِّلسِلةِ فَيَعْلمُ مَا عُنِيَ بِهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُنَبَّأُ فِي مَنَامِهِ مِثْليُوسُفَ وإِبْرَاهِيمَ، ومِنْهُمْ مَنْ يُعَايِنُ، ومِنْهُمْ مَنْ يُنْكَتُ فِي قَلبِهِ، ويُوقَرُ فِي أُذُنِهِ»(4).

ص: 254


1- مهج الدعوات ومنهج العبادات: ص333 ومن كتاب تعبير الرؤيا لمحمد بن يعقوب الكليني.
2- الكافي: ج 1 ص509 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ح12.
3- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى الله عليهم): ج 1 ص421 ب1 باب في صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) فيما أعطوا من البصر وخصوا به من دون الناس ما يرون من الأعمال في النوم واليقظة ح9.
4- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى الله عليهم): ج 1 ص369 ب1 باب في الفرق بين الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام) ومعرفتهم وصفتهم وأمر الحديث ح6.

هل تضمن الوصية؟

روي أنه لما حضرت الصديقة فاطمة (عليها السلام) الوفاة دعت علياً (صلوات الله عليه)، فقالت: إما تضمن وإلاّ أوصيت إلى ابن الزبير، فقال علي (عليه السلام): أنا أضمن وصيتك يا بنت محمد، قالت: سألتك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أنا مت إلاّ يشهداني ولا يصليا علي، قال: فلكِ ذلك(1).

-------------------------

الوصية بعدم حضور الجنازة

مسألة: يحق للمعصوم (عليه السلام) أن يوصي بأن لا يحضر جنازته من لا يرغب بحضوره، كالمنافقين، ويجب تنفيذ ذلك.

أما غير المعصوم حتى العلماء العدول، فليس ذلك من حقوقهم، ولا يلزم تنفيذ مثل هذه الوصية، فإذا وصى شخص بأن لا يحضر فلان جنازته ولا يشارك فيتشييعه، فإنه ليس مما يجب العمل به ورعايته، بل الناس أحرار في حضورهم

ص: 255


1- بحار الأنوار: ج 29 ص192 ب11 باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين عليه السلام ح39. انظر الواقعة في حلية الأولياء: ج2 ص43، المستدرك للحاكم: ج3 ص163، أسد الغابة: ج5 ص254، الاستيعاب: ج2 ص751، المقتل للخوارزميّ: ج1 ص83، إرشاد السّاريّ للقسطلاني: ج6 ص362، الإصابة: ج4 ص378 و380، تاريخ الخميس: ج1 ص313 وغيرها.

الجنازة وعدم الحضور، لإطلاق (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم).

فإذا قال شخص غير المعصوم: إني لا أرضى أن يحضر ابن عمي أو أحد أقربائي أو فلان جنازتي، لا يجب على ذلك الشخص الالتزام بمثل هذه الوصية، وكذلك لو قال إمام الجماعة: إني لا أرضى أن يحضر صلاة جماعتي فلان، أو قال مرجع التقليد: إني لا أرضى أن يقلدني فلان، أو ما أشبه ذلك، فإن هذه الأوامر والوصايا لا يلزم تنفيذها، إذ لا ولاية له على غيره.

نعم إذا وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أو الصديقة الزهراء (عليها السلام) أو سائر المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) بهذه الوصايا فالواجب تنفيذها، إذ ليس الأمر فيهم كالأمر في غيرهم، فإن لهم (صلوات الله عليهم) الولاية المطلقة دون غيرهم، ويدل عليه قوله تعالى: «أَطيعُوا اللهَ وأَطيعُوا الرَّسُول وأُولي الأَمْرِ ِمِنْكُم»(1)، فإن لزوم طاعتهم عام شامل في كل شيء كإطاعة الله تعالى، وقد ذكرنا تفصيله في بحث البيع في باب الولاية.ثم إن تكليف الوصي يختلف عن تكليف غيره، فإذا أوصى إنسان عادي بمثل ذلك وقبل الوصي وأمكنه أن يفعل ما يوجب التنفيذ بأن يذهب بالجنازة في طريق لا يعلم به ذلك الشخص الموصى بعدم حضوره، وجب عليه ذلك(2)، فإنه ليس تصرفاً في حق إنسانٍ آخر حتى ينافي: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)، بل هو مقتضى (الناس مسلطون) فإنه تنفيذ للوصية بلا ضغط على حرية الآخرين المشروعة في حدودها الإسلامية، وقد ورد التأكيد على تنفيذ

ص: 256


1- سورة النساء: 59.
2- ما لم يكن ضررياً أو حرجياً.

الوصية.

عَنْ عَليِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَال: كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) إِلى جَعْفَرٍ ومُوسَى: وفِيمَا أَمَرْتُكُمَا مِنَ الإِشْهَادِ بِكَذَا وكَذَا نَجَاةٌ لكُمَا فِي آخِرَتِكُمَا وإِنْفَاذٌ لمَا أَوْصَى بِهِ أَبَوَاكُمَا وبِرٌّ مِنْكُمَا لهُمَا، واحْذَرَا أَنْ لا تَكُونَا بَدَّلتُمَا وَصِيَّتَهُمَا ولا غَيَّرْتُمَاهَا عَنْ حَالهَا لأَنَّهُمَا قَدْ خَرَجَا مِنْ ذَلكَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وصَارَ ذَلكَ فِي رِقَابِكُمَا وقَدْ قَال اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى فِي كِتَابِهِ فِي الوَصِيَّةِ: «فَمَنْ بَدَّلهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلى الذِينَ يُبَدِّلونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ»(1)»(2).وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُل أَوْصَى بِمَالهِ فِي سَبِيل اللهِ، قَال: أَعْطِهِ لمَنْ أَوْصَى لهُ بِهِ وإِنْ كَانَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً، إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل يَقُول: «فَمَنْ بَدَّلهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلى الذِينَ يُبَدِّلونَهُ»(3)»(4).

العقود الاجتماعية مستثناة

مسألة: هذا كله في غير العقود الاجتماعية، أما فيها فاللازم العلم بمقتضى العقد، فلو أسس مجموعة من الناس نقابة أو حزباً أو جمعية ووضعوا شروطاً

ص: 257


1- سورة البقرة: 181.
2- الكافي: ج 7 ص14 باب إنفاذ الوصية على جهتها ح3.
3- سورة البقرة: 181.
4- وسائل الشيعة: ج 19 ص337 ب32 باب وجوب إنفاذ الوصية الشرعية على وجهها وعدم جواز تبديلها ح1.

للانتساب إليها، في قبال الحقوق، فإنه لا يصح أن يدخل شخص نفسه في ذلك التجمع بدون الالتزام بتلك الشروط وبدون رضاهم(1)، وليس هذا من (الوصية) فهو كالاستثناء المنفصل.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المؤمنون عند شروطهم»(2).وقال (صلى الله عليه وآله) : «المسلمون عند شروطهم»(3).

العمل بالوصية رغم المصاعب

مسألة: ينبغي تحمل المشاكل في طريق الحق، وتحمل المصائب في سبيل الله، كما تحمل أمير المؤمنين (عليه السلام) تبعات تطبيق تلك الوصية الشريفة.

حيث كان العمل بتلك الوصية، يشكل تحدياً كبيراً للسلطات الجائرة، إذ كان يعني سلب شرعيتهم وفضحهم، وإثبات أن السيدة الزهراء (عليها السلام) ماتت ساخطة عليهم، وأنها لم ترض عنهم حتى آخر حياتها بعد أن سخطت عليهم، كما كانوا يحاولون البرهنة على ذلك.

والحاصل أن العمل بتلك الوصية كان يسبب أكبر المحاذير والمخاطر لأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، كما حصلت تلك المحاذير حيث أجج ذلك عداء الشيخين لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ويدل عليه ما فعله النفران صبيحة دفنها إذ فعلوا ما فعلوا.

ص: 258


1- كما هو المتداول عند بعض الأعراف.
2- تهذيب الأحكام: ج 7 ص371 ب31 باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح66.
3- الكافي: ج 5 ص169 باب الشرط والخيار في البيع ح1.

وعلى كل مؤمن خصوصاً إذا كانإنساناً رفيعاً، أن يتأسى به (صلوات الله عليه) وأن يتحمل مشاكل مقاطعة الظالمين ومقارعتهم وفضحهم، فإنه (صلى الله عليه وآله) قال: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات»(1).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «المَكَارِمُ بِالمَكَارِهِ»(2).

وقال (عليه السلام): «بِالمَكَارِهِ تُنَال الجَنَّةُ»(3).

وصية الزوجة للزوج

مسألة: يستحب للزوجة أن توصي إلى زوجها، تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها)، هذا في الوصية العهدية، وكذا في الوصية التمليكية للإطلاقات، ولأنه مما يوجب توثيق صلتها به وقربها لديه وزيادة المحبة بينهما وهو محبوب مطلوب شرعاً، كما يستفاد من الروايات الشريفة ذلك.

وقد ذكرنا في الفقه(4) أن الفرقبينهما(5) مجرد اصطلاح.

كما يجوز العكس بأن يوصي الرجل إلى امرأة.

عَنْ عَليِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَال: سَأَلتُ أَبَا الحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ رَجُل أَوْصَى إِلى امْرَأَةٍ فَأَشْرَكَ فِي الوَصِيَّةِ مَعَهَا صَبِيّاً، فَقَال: «يَجُوزُ ذَلكَ وتُمْضِي المَرْأَةُ الوَصِيَّةَ ولا يُنْتَظَرُ بُلوغُ الصَّبِيِّ، فَإِذَا بَلغَ الصَّبِيُّ فَليْسَ لهُ أَنْ لا يَرْضَى إلاّ مَا كَانَ مِنْ

ص: 259


1- بحار الأنوار: ج 67 ص78 ب46 ترك الشهوات والأهواء ح12.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص36 ح750.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص187 ح3822.
4- الفقه: ج61 ص8 كتاب الوصية.
5- أي بين الوصية العهدية والتمليكية.

تَبْدِيل أَوْ تَغْيِيرٍ فَإِنَّ لهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلى مَا أَوْصَى بِهِ المَيِّتُ»(1).

أَمَّا مَا رَوَاهُ السَّكُونِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «المَرْأَةُ لا يُوصَى إِليْهَا، لأَنَّ اللهَ تَعَالى يَقُول «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالكُمُ»(2)»(3).

فَالوَجْهُ فِي هَذَا الخَبَرِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ نَحْمِلهُ عَلى ضَرْبٍ مِنَ الكَرَاهِيَةِ دُونَ الحَظْرِ، والثَّانِي أَنْ نَحْمِلهُ عَلى التَّقِيَّةِ لأَنَّهُ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ العَامَّةِوإِنَّمَا قُلنَا ذَلكَ لإِجْمَاعِ عُلمَاءِ الطَّائِفَةِ عَلى الفَتْوَى بِمَا تَضَمَّنَهُ الخَبَرُ الأَوَّل(4).

الضمان على العمل بالوصية

مسألة: يستحب وقد يجب أخذ الضمان في الوصايا المهمة، من باب التأسي بالصديقة (صلوات الله وسلامه عليها) وبجهة المقدمية.

ولا يخفى أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت تعلم بأن علياً (عليه السلام) يعمل بكامل وصيتها وبأفضل ما يمكن، وأنه لا يكون أحد مثل علي (عليه السلام) في تطبيق الوصية، ولكنها أرادت أن تبين للتاريخ أهمية وصيتها، وأن موقفها من الشيخين نهائي لا رجعة فيه.

هذا إضافة إلى أن أخذ الضمان منه (عليه السلام) لعله كان لأجل حفظه (صلوات الله عليه)، فإنه يكون معذوراً عند القوم، نظراً لعمله أيضاً بوصيتها

ص: 260


1- الكافي: ج 7 ص46 باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه الصغير ح1.
2- سورة النساء: 5.
3- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص226 باب كراهية الوصية إلى المرأة ح5533.
4- الاستبصار: ج 4 ص140 ب87 باب أنه يجوز أن يوصى إلى امرأة ح2.

وأخذها الضمان منه، فلا يتلقى كموقف عنيف من شخصه العظيم.

وبذلك كان الجمع بين الحقين والواجبين، ضرورة مقاطعة الشيخين وفضحهما، وضرورة حفظ الإمام من أن يتعرض بسوء قدر المستطاع.

الملاك في الشروط هو حال التعاقد

مسألة: يجوز أو يجب أو يحرم، التعامل والتعاقد مع المكلفين على حسب وضعهم الحالي، من عقل وإسلام وإيمان وعدالة، أو أضدادها، فإن حال التعاقد والتعامل وحال العمل هو المدار، لا ما بعدهما، وإن علم انسلاخه بعدها عما يشترط في صحة العقد أو العمل، أو علم اتصافه بعدها بأضدادها.

ومن ذلك يظهر أن جعلها (صلوات الله عليها) خيار الوصية لابن الزبير، قسيماً للوصية له (صلوات الله عليه) كان على مقتضى القاعدة، لكونه آنذاك مؤمناً مجاهداً، بل إن الأمر في التكوين أيضاً كذلك، ويدل عليه قوله سبحانه: «وَاتْل عَليْهِمْ نَبَأَ الذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ»(1)، ومن ذلك يظهر حال الشهادة ومرجعية التقليد وغيرها.

ص: 261


1- سورة الأعراف: 175.

عدم التضييق على الوصي

مسألة: ينبغي عدم التضييق على الوصي قدر المستطاع ولو بتخييره، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها)، حيث خيرته (عليه السلام) بين أن يضمن الوصية أو أن توصي غيره.

وفي الروايات أن الوصية بالثلث كثير.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) يَقُول: لأَنْ أُوصِيَ بِخُمُسِ مَالي أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ، وَلأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلثِ، وَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلثِ فَلمْ يَتَّرِكْ فَقَدْ بَالغَ، قَال: وَقَضَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي رَجُل تُوُفِّيَ وَأَوْصَى بِمَالهِ كُلهِ أَوْ أَكْثَرِهِ، فَقَال: إِنَّ الوَصِيَّةَ تُرَدُّ إِلى المَعْرُوفِ غَيْرِ المُنْكَرِ، فَمَنْ ظَلمَ نَفْسَهُ وَأَتَى فِي وَصِيَّتِهِ المُنْكَرَ وَالحَيْفَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلى المَعْرُوفِ وَيُتْرَكُ لأَهْل المِيرَاثِ مِيرَاثُهُمْ، وَقَال: مَنْ أَوْصَى بِثُلثِ مَالهِ فَلمْ يَتَّرِكْ وَقَدْ بَلغَ المَدَى، ثُمَّ قَال لأَنْ أُوصِيَ بِخُمُسِ مَالي أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ»(1).

قبول الوصية

مسألة: يستحب قبول الوصية والوعد بالعمل بها، حتى إن كان فيها المشقة والعناء في الجملة، فإنه قضاء حاجة مؤمن، وإدخال السرور على قلبه، إضافة للأدلة الخاصة.

ص: 262


1- الكافي: ج7 ص11 باب ما للإنسان أن يوصي به بعد موته وما يستحب له من ذلك ح4.

عَنْ عَليِّ بْنِ الرَّيَّانِ قَال: كَتَبْتُ إِلى أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام): رَجُل دَعَاهُ وَالدُهُ إِلى قَبُول وَصِيَّتِهِ هَل لهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُول وَصِيَّةِ وَالدِهِ، فَوَقَّعَ (عليه السلام): «ليْسَ لهُ أَنْ يَمْتَنِعَ»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي الرَّجُل يُوصِي إِلى الرَّجُل بِوَصِيَّةٍ فَيَكْرَهُ أَنْ يَقْبَلهَا، فَقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «لا يَخْذُلهُ عَلى هَذِهِ الحَال»(2).

لا يُقر الظالم على ظلمه

مسألة: يجب أن لا يقر الظالم على ظلمه، ويلزم أن يفضح، خاصة إذا كان ظلمه مرتبطاً بمسألة الولاية، فإن الصديقة فاطمة (عليها السلام) بموقفهاوبوصيتها المؤكدة أرادت أن تفرز الحق من الباطل إلى يوم القيامة، وتفضح الطغاة وغاصبي الخلافة.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم»(3).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللهُ بِهِ أَوْليَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنَائِهِ عَلى الأَحْبَارِ، إِذْ يَقُول: «لوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ والأَحْبارُ عَنْ قَوْلهِمُ الإِثْمَ»(4)، وقَال: «لعِنَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيل» إِلى قَوْلهِ:

ص: 263


1- الكافي: ج7 ص7 باب الرجل يوصي إلى آخر ولا يقبل وصيته ح6.
2- الكافي: ج7 ص6 باب الرجل يوصي إلى آخر ولا يقبل وصيته ح5.
3- نهج البلاغة، الخطبة: 3 مبايعة علي (عليه السلام).
4- سورة المائدة: 63.

«لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلونَ»(1)، وإِنَّمَا عَابَ اللهُ ذَلكَ عَليْهِمْ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَّلمَةِ الذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ المُنْكَرَ والفَسَادَ فَلا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلك»(2).

وقال (عليه السلام): «العُلمَاءُ فِي أَنْفُسِهِمْ خَانَةٌ إِنْ كَتَمُوا النَّصِيحَةَ، إِنْ رَأَوْا تَائِهاً ضَالا لا يَهْدُونَهُ، أَوْ مَيِّتاً لا يُحْيُونَهُ، فَبِئْسَ مَا يَصْنَعُونَ، لأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى أَخَذَ عَليْهِمُ المِيثَاقَ فِي الكِتَابِأَنْ يَأْمُرُوا بِالمَعْرُوفِ وبِمَا أُمِرُوا بِهِ، وأَنْ يَنْهَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ وأَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى، ولا يَتَعَاوَنُوا عَلى الإِثْمِ والعُدْوان»(3).

السؤال بحق الرسول

مسألة: يستحب للإنسان إذا أراد أن يسأل شيئاً من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يسأله بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنه أقرب للإجابة، ويشمل ذلك الحاجات التي تطلبها الناس الآن منه (صلوات الله عليه) فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون.

وهل المراد حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو حقه عليها (عليهما السلام)، أو حقه على الأمة، أو حقه على الخلق كلهم، الظاهر الأول، لمناسبة الحكم والموضوع(4).

ص: 264


1- سورة المائدة: 78 - 79.
2- بحار الأنوار: ج 97 ص79 ب1 وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضلهما ح37.
3- الكافي: ج 8 ص54 رسالة أبي جعفر (عليه السلام) إلى سعد الخير ح16.
4- إذ مقتضى حقه عليه تنفيذه وصية ابنته ومن كانت روحه التي بين جنبيه.

هل ذكرت الصديقة الأسماء؟

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت غاضبة عليهما، ولم ترض عنهما أبداً، وقد يجب ذلك، كما فيما إذا توقفت الهداية عليه، مراعياً في ذلك موازين التقية.

ثم إن قولها (عليها السلام): (ألا يشهداني ولا يصليا علي) يحتمل فيه أن يكون تقية من الرواة أو أحدهم أو الكاتب والمستنسخ، إذ يستبعد تقيتها (صلوات الله عليها) من ذكر اسمهما، لأنها جاهرت ببغضهما وكراهتهما حتى في وجههما، فكيف بذكرهما في وصيتها، نعم يحتمل أن لا تكون ذكرت الأسماء كراهة التلفظ باسم الأعداء، والله العالم.

مقارعة الظلمة حتى آخر نفس

مسألة: يلزم على من يقارع الظلمة أن يصمد حتى آخر أنفاسه، بل وأن يحافظ على جهاده وثمرات جهاده حتى بعد وفاته، بالتخطيط والوصية والكتابة وغير ذلك، كما صنعت الصديقة الطاهرة (عليها

السلام)، فلا يتوهم أن بالموت ينتهي تكليف مقارعة الظالم، فإنه وإن صح أنه لا تكليف بعد الموت إلاّ أنه لا ينفي وجوب ما يمتد تأثيره لما بعدالموت في حال(1) الحياة.

كما أن في ذلك عبرة للمجاهدين، فإن كثيراً منهم يستسلمون في أواخر أعمارهم ويتراجعون عن النهي عن المنكر أو عن مقارعة الظالم، إما لتعب أو

ص: 265


1- هذا متعلق ب (وجوب).

نصب، أو إغراء أو حتى شبهة، فإن أعوان الظلمة ووعاظ السلاطين جرى ديدنهم على محاولة خداع المجاهدين، إما بإلقاء شبهة حول جهادهم، كإقناعهم بلغويته وعدم فائدته، أو حتى محاولة تبرأة السلطان وأعوانه من الظلم وأنهم معذورون، أو بعنوان الأهم والمهم، أو غير ذلك.

كما جرى دأب أعوان الظلمة على تهديد المجاهدين أو استمالتهم بالمال أو المنصب أو الشهرة أو بعض المنافع الأخرى، ولذا فإن من الضروري جداً تنبيه المجاهدين والناهين عن المنكر بما فعلته الصديقة الطاهرة (عليها السلام) من الجهاد والصمود رغم كل المصائب والمصاعب حتى استشهدت في سبيل الله.

قال (عليه السلام): «وكُونَا للظَّالمِ خَصْماً، وللمَظْلومِ عَوْناً»(1).

ص: 266


1- بحار الأنوار: ج 42 ص256 ب127 كيفية شهادته (عليه السلام) ووصيته وغسله والصلاة عليه ودفنه ح58.

ما عهدتني كاذبة

اشارة

في حديث مرض الصديقة فاطمة (عليها السلام) أنها قالت:

«يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني...».

ثم قالت: «جزاك الله عني خير الجزاء يا بن عم، أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لابد لهم من النساء...».

ثم قالت: «أوصيك يا بن عم، أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا صورته».

فقال لها: «صفيه إليّ»، فوصفته، فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد.

ثم قالت: «أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي، فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا تترك أن يصلي عليّ أحد منهم، ولا من أتباعهم، وادفني في الليل، إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار»(1).

------------------------

ص: 267


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص1066 ح13، روضة الواعظين: ج 1 ص151 مجلس في ذكر وفاة فاطمة (عليها السلام)، بحار الأنوار: ج 43 ص191 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها (صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها) ح20.

الوصية بالزواج بعد وفاة أحد الزوجين

مسألة: يجوز وصية الزوجة الزوج بالتزويج بعدها بامرأة خاصة.

والجواز هنا بالمعنى الأعم على ما عرفت، ووصيتها (عليها السلام) تدل على الرجحان، ومنه يعرف جواز الوصية على عكسه(1) بالعدم، بأن لا يتزوج من فلانة مثلاً.

وكذا بالنسبة إلى الزوج، فيوصي زوجته أن تتزوج بعده بفلان، أو لا تتزوج بفلان.

والوصية بالتزويج راجحة نظراً لاستحباب الزواج في حد ذاته، واستحباب السعي في ذلك، والوصية بالمستحب راجح، خاصة في بعض المجتمعات التي لها تقاليد على خلاف الزواج، حيث تضغط المرأة على نفسها، أو تضغط أسرتها أو أسرة زوجها أو عشيرتها عليها كي لا تتزوج بعد وفاة زوجها أبداً، أو إلاّ بعد مضي فترة طويلة كسنة أو أكثر، فإن كل ذلك مرجوح، ولو سبب لها أو لأولادها الضر والإيذاء فحرام على مرتكبه.والظاهر أنه إذا قبل أحدهما وصية الآخر ولم يُبلغه الرد وجب التنفيذ ولزمته الوصية، لبعض الروايات، وكذا لو رد بعد الوفاة فإنه لا أثر لرده وعليه العمل(2)، لإطلاقات الوصية.

ص: 268


1- أي عكس التزويج.
2- قال في المسالك: (إن بطلان الوصية مشروط بأن يبلغ الموصي الرد، فلو لم يبلغه لزمت، كما لو رد بعد الوفاة، وظاهرهم الاتفاق على هذا الحكم) قال الإمام المؤلف (رحمه الله) في (الفقه): (أقول: ويدل على عدم قبول الرد إذا لم يبلغ الموصي الرد بعض الروايات، نعم الظاهر أن ذاك في غير الماليات وغير العسر والضرر...) الفقه: ج61 كتاب الوصية ص417.

وعلى أي، فإن للموصى إليه رد الوصية وإن كان قد قبلها ما دام الموصي حياً، بشرط أن يبلغه الرد، كما ذكرناه في كتاب الوصية(1).

الوصية باتخاذ النعش أو العماري

مسألة: تجوز الوصية باتخاذ النعش أو التابوت أو العماري أو ما أشبه، تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) في مورده، وملاكاً في غيره، ولأن كل ذلك داخل في عموم الوصايا الجائزة بالمعنى الأعم على ما تقدم.ووجه الاستحباب أن فيه صوناً للمؤمن وإكراماً له وتعظيماً وستراً.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «للهِ عَزَّ وجَل فِي بِلادِهِ خَمْسُ حُرَمٍ، حُرْمَةُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وحُرْمَةُ آل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وحُرْمَةُ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَل، وحُرْمَةُ كَعْبَةِ اللهِ، وحُرْمَةُ المُؤْمِنِ»(2).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً سوياً»(3).

وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَكْرَمَ مُؤْمِناً فَإِنَّمَا يُكْرِمُ اللهَ عَزَّ وجَل»(4).

ص: 269


1- الفقه: ج61 كتاب الوصية ص416.
2- الكافي: ج 8 ص107 حديث أبي بصير مع المرأة ح82.
3- الوافي: ج 6 ص62.
4- المؤمن: ص54 ب5 باب ثواب قضاء حاجة المؤمن وتنفيس كربه وإدخال الرفق عليه ح138.

جواز الوصية بالدفن ليلاً

مسألة: تجوز الوصية بالدفن ليلاً، وأما أصل الجواز لشمولها عمومات الوصية.

كما يجوز الوصية بالدفن نهاراً ، أو صباحاً ، أو مساءً، أو ظهراً، أو بعد أيام إذا لم يوجب ذلك إهانة للميت المحترم بتعفن الجسد مثلاً، وإلا فليس للإنسان الحق في أن يوصي بالتأخير حتى يتعفن جسده، فإنه من الهتك والإذلال، وفي الحديث: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى فَوَّضَ إِلى المُؤْمِنِ كُل شَيْ ءٍ إلاّ إِذْلال نَفْسِهِ»(1).

وأما ما تعارف في هذه الأزمنة من وضع الجسد في الثلاجة المخصصة للأموات، تمهيداً لنقله إلى العتبات العاليات، أو لغير ذلك من الأغراض العقلائية، فهو جائز بالمعنى الأعم، مراعياً عدم الهتك لطول مدة وغيره، فتأمل، وقد أجاز بعض الفقهاء ذلك حتى مع طول المدة وما أشبه.

مخالفة الزوجة لزوجها

مسألة: مخالفة الزوجة زوجها حرام فيالأمور الواجبة عليها، وقد حصرها الفقهاء في أمرين: الاستفراش، والخروج بدون إجازته، لكنا ذكرنا في (الفقه) أن المتيقن من حرمة المخالفة في الأمر الثاني هو فيما إذا لم يكن الزوج مانعاً عن صلة رحمها وما أشبه، فاللازم صدق المعاشرة بالمعروف.

ص: 270


1- الكافي: ج 5 ص63 باب كراهة التعرض لما لا يطيق ح3.

وذكرنا هناك أن ما روي من أن امرأة سافر زوجها، فأمرها رسول الله (صلى

الله عليه وآله) أن لا تخرج من بيتها، فمرض أبوها إلى أن مات، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تخرجي من البيت(1)،فإن ذلك من قبيل ما لا نعرف وجهه، إذ لعله كان حكماً لعنوان ثانوي(2)، لمصلحة مزاحمة أهم، وربما كان المقصود بيان أهمية طاعة الزوج وما أشبه، لا عدم جواز الخروج كحكم عام أولي لمثل هذه الأمور.

أما الاستفراش فواجب عليها إطاعته مطلقاً إلاّ ما خالف الشرع أو لزم منه الضرر المرفوع بلا ضرر وما أشبه.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلى المَرْأَةِ؟ فَقَال لهَا: أَنْ تُطِيعَهُ ولا تَعْصِيَهُ، ولا تَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِهِ إلاّ بِإِذْنِهِ، ولا تَصُومَ تَطَوُّعاً إلاّ بِإِذْنِهِ

ص: 271


1- وهذه نص الرواية: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) خَرَجَ فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ، فَعَهِدَ إِلى امْرَأَتِهِ عَهْداً إلاّ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى يَقْدَمَ، قَال: وإِنَّ أَبَاهَا مَرِضَ فَبَعَثَتِ المَرْأَةُ إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالتْ: إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ وعَهِدَ إِليَّ أَنْ لا أَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي حَتَّى يَقْدَمَ وإِنَّ أَبِي قَدْ مَرِضَ فَتَأْمُرُنِي أَنْ أَعُودَهُ؟ فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): لا، اجْلسِي فِي بَيْتِكِ وأَطِيعِي زَوْجَكِ. قَال: فَثَقُل فَأَرْسَلتْ إِليْهِ ثَانِياً بِذَلكَ فَقَالتْ: فَتَأْمُرُنِي أَنْ أَعُودَهُ؟ فَقَال: اجْلسِي فِي بَيْتِكِ وأَطِيعِي زَوْجَكِ. قَال: فَمَاتَ أَبُوهَا فَبَعَثَتْ إِليْهِ: إِنَّ أَبِي قَدْ مَاتَ فَتَأْمُرُنِي أَنْ أُصَليَ عَليْهِ؟ فَقَال: لا، اجْلسِي فِي بَيْتِكِ وأَطِيعِي زَوْجَكِ. قَال: فَدُفِنَ الرَّجُل، فَبَعَثَ إِليْهَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): أَنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لكِ ولأَبِيكِ بِطَاعَتِكِ لزَوْجِكِ». الكافي: ج 5 ص513 باب ما يجب من طاعة الزوج على المرأة ح1.
2- ولعله كان حكماً ولائياً، فتأمل.

، ولا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وإِنْ كَانَتْ عَلى ظَهْرِ قَتَبٍ، ولا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إلاّ بِإِذْنِهِ، وإِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ لعَنَتْهَا مَلائِكَةُ السَّمَاءِ ومَلائِكَةُ الأَرْضِ ومَلائِكَةُ الغَضَبِ ومَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ حَتَّى تَرْجِعَ إِلى بَيْتِهَا. فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقّاً عَلى الرَّجُل؟ قَال: وَالدُهُ. فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقّاً عَلى المَرْأَةِ؟ قَال: زَوْجُهَا. الحديث(1).وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وزَوْجُهَا عَليْهَا سَاخِطٌ فِي حَقٍّ، لمْ تُقْبَل مِنْهَا صَلاةٌ حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا، وأَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لغَيْرِ زَوْجِهَا لمْ تُقْبَل مِنْهَا صَلاةٌ حَتَّى تَغْتَسِل مِنْ طِيبِهَا كَغُسْلهَا مِنْ جَنَابَتِهَا»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «ثَلاثَةٌ لا يُرْفَعُ لهُمْ عَمَل، عَبْدٌ آبِقٌ، وامْرَأَةٌ زَوْجُهَا عَليْهَا سَاخِطٌ، والمُسْبِل إِزَارَهُ خُيَلاءَ»(3).

خيانة الزوجة

مسألة: خيانة الزوجة زوجها حرام، سواء في نفسها أو في ماله ومنزله وبستانه أو سائر أماناته وشؤونه، كما في ائتمانه إياها على أولاده، وكائتمانه إياها على أسراره.

وكذلك العكس، فلا يجوز للزوج خيانة زوجته بما يخالف الشرع، فالخيانة محرمة مطلقاً، لإطلاق أدلة حرمتها.

ص: 272


1- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح1.
2- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح2.
3- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح3.

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُول وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلمُون»(1).

قال (عليه السلام): «رَأْسُ النِّفَاقِ الخِيَانَةُ»(2).

وقال (عليه السلام): رَأْسُ الكُفْرِ الخِيَانَةُ»(3).

قال (عليه السلام): «إِيَّاكَ والخِيَانَةَ فَإِنَّهَا شَرُّ مَعْصِيَةٍ، وإِنَّ الخَائِنَ لمُعَذَّبٌ بِالنَّارِ عَلى خِيَانَتِهِ»(4).

نعم خيانة الزوجة زوجها أشد حرمة، خاصة في الخيانة الزوجية بالمعنى المعهود.

قال (صلى الله عليه وآله): «وَأَمَّا العَنْكَبُوتُ فَمُسِخَتْ لأَنَّهَا كَانَتْ خَائِنَةً للبَعْل وكَانَتْ تُمَكِّنُ فَرْجَهَا سِوَاهُ»(5).

وقال (صلى الله عليه وآله): «وَأَمَّا العَنْكَبُوتُ فَكَانَتِ امْرَأَةً تَخُونُ زَوْجَهَا»(6).

ص: 273


1- سورة الأنفال: 27.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص264 ح4806.
3- عيون الحكم والمواعظ: ص263 ح4792.
4- عيون الحكم والمواعظ: ص96 ح2219.
5- الاختصاص: ص137 المسوخ وسبب مسخها.
6- الخصال: ج 2 ص494 المسوخ ثلاثة عشر صنفا ح2.

الكذب على الزوج

مسألة: الكذب على الزوج حرام، بل مطلقاً.

وربما يكون الوجه في تأكيد الصديقة الزهراء (صلوات الله عليها) في وصيتها هذه الأمور: (ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني) هو أن تُتخذ أسوة للنساء في ذلك.

لوضوح أن كثيراً من الزوجات يخالفن الزوج، وبعض الزوجات يخُنّ الزوج، وكثيراً من الزوجات يكذبن على الزوج وما أشبه، وإلا فالموصية والوصي (صلوات الله عليهما) أبر وأتقى من كل ذلك.

ونظيره وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) للحسنين (عليهما السلام) بقوله: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ وأَلا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وإِنْ بَغَتْكُمَا ولا تَأْسَفَا عَلى شَيْ ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وقُولا بِالحَقِّ واعْمَلا للأَجْرِ وكُونَا للظَّالمِ خَصْماً وللمَظْلومِ عَوْناً أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلدِي وأَهْلي ومَنْ بَلغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللهِ ونَظْمِ أَمْرِكُمْ وصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا صلى الله عليه وآله يَقُول صَلاحُ ذَاتِ البَيْنِ أَفْضَل مِنْ عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَام»(1).

ص: 274


1- نهج البلاغة، الرسائل: 47 ومن وصية له (عليه السلام) للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله).

أنواع الخيانة

مسألة: الخيانة المحرمة أعم من خيانة البصر بالنظر، أو خيانة السمع أو اللمس أو سائر الجوارح، ومن معاني الخيانة: المالية وغيرها.

وأيضاً هي أعم من خيانة الشخص والأسرة والجماعة والحزب والعشيرة والأمة والدولة، فكل ما هو خيانة شرعاً فهو حرام.

أما الخيانة العرفية فبحسب مواردها.

وهذه نماذج من الخيانة بالمعنى الأعم:

عن أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ السِّتَّةَ بِالسِّتَّةِ، العَرَبَ بِالعَصَبِيَّةِ، والدَّهَاقِينَ بِالكِبْرِ، والأُمَرَاءَ بِالجَوْرِ، والفُقَهَاءَ بِالحَسَدِ، والتُّجَّارَ بِالخِيَانَةِ، وأَهْل الرَّسَاتِيقِ بِالجَهْل»(1).

وفي الرواية: «يَا دَاوُدُ نُحْ عَلى خَطِيئَتِكَ كَالمَرْأَةِ الثَّكْلى عَلى وَلدِهَا، لوْ رَأَيْتَ الذِينَ يَأْكُلونَ النَّاسَ بِأَلسِنَتِهِمْ وقَدْ بَسَطْتُهَا بَسْطَ الأَدِيمِ وضَرَبْتُ نَوَاحِيَ أَلسِنَتِهِم بِمَقَامِعَ مِنْ نَارٍ ثُمَّ سَلطْتُ عَليْهِمْ مُوَبِّخاً لهُمْ يَقُول: يَا أَهْل النَّارِ هَذَافُلانٌ السَّليطُ فَاعْرِفُوهُ كَمْ رَكْعَةٍ طَوِيلةٍ فِيهَا بُكَاءٌ بِخَشْيَةٍ قَدْ صَلاهَا صَاحِبُهَا لا تُسَاوِي عِنْدِي فَتِيلا حَيْثُ نَظَرْتُ فِي قَلبِهِ فَوَجَدْتُهُ إِنْ سَلمَ مِنَ الصَّلاةِ وبَرَزَتْ لهُ امْرَأَةٌ وعَرَضَتْ عَليْهِ نَفْسَهَا أَجَابَهَا وإِنْ عَامَلهُ مُؤْمِنٌ خَانَهُ»(2).

وعَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «لعَنَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه

ص: 275


1- وسائل الشيعة: ج 15 ص372 ب57 باب تحريم التعصب على غير الحق ح6.
2- عدة الداعي: ص38.

وآله) رَجُلا يَنْظُرُ إِلى فَرْجِ امْرَأَةٍ لا تَحِل لهُ، ورَجُلا خَانَ أَخَاهُ فِي امْرَأَتِهِ، ورَجُلا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلى نَفْعِهِ فَسَأَلهُمُ الرِّشْوَةَ»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ خَانَ جَارَهُ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ جَعَلهُ اللهُ طَوْقاً فِي عُنُقِهِ مِنْ تُخُومِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ حَتَّى يَلقَى اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ مُطَوَّقاً إلاّ أَنْ يَتُوبَ ويَرْجِع»(2).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنِ اسْتَهَانَ بِالأَمَانَةِ ورَتَعَ فِي الخِيَانَةِ ولمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ ودِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَل بِنَفْسِهِ الخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وهُوَ فِي الآخِرَةِ أَذَل وأَخْزَى، وإِنَّ أَعْظَمَ الخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأُمَّةِ، وأَفْظَعَ الغِشِّ غِشُّ الأَئِمَّةِ والسَّلامُ»(3).

مخالفة الزوج

مسألة: قد يستفاد من قول الصديقة (عليها السلام): (ولا خالفتك منذ عاشرتني) مبغضوية مخالفة الزوج مطلقاً، فهو أعم من البالغ حد الحرمة وعدمه، وسواء أكان في الأمور الشخصية أم في الحياة العائلية أم غيرها، وذلك كله في ما كان مرجوحاً كما لا يخفى.

ويتضح وجه التعميم مع أن له (عليه الصلاة والسلام) خصوصية بالبداهة، وكان كلامها (صلوات الله عليها) بنحو القضية الخارجية، من ضم الروايات التي تتكلم عما هو مطلوب ومحبوب شرعاً من كون الزوجة عليه.

ص: 276


1- الكافي: ج 5 ص559 باب نوادر ح14.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص12 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968.
3- بحار الأنوار: ج 93 ص92 ب9 أدب المصدق ح90.

الدعاء للزوج وللآخرين

مسألة: يستحب الدعاء للزوج، كما قالت الصديقة (عليها السلام): (جزاك الله عني خير الجزاء يا بن عم).

وهذا إخبار أريد به الإنشاء وهو الدعاء، ومن وجوه الحكمة في ذكر الإنشاء بقالب الإخبار، هو اعتبار المدعو به محقق الوقوع، فإن كان المخبر المنشئ مثلها (صلوات الله عليها) دل على حتمية وقوع المدعو به، وإن كان من عامة الناس دل على آكدية الطلب وشدة الرجاء.

بل الدعاء لمطلق المؤمن مستحب، وفي الحديث:

«أَنَّ اللهَ قَال لمُوسَى (عليه السلام): ادْعُنِي عَلى لسَانٍ لمْ تَعْصِنِي بِهِ، فَقَال: يَا رَبِّ أَنَّى لي بِذَلكَ، قَال: ادْعُنِي عَلى لسَانِ غَيْرِكَ»(1).

ثم إن الملائكة تقول لمن يدعو لغيره: لك مثل ذلك، أو مثلاه، أو أكثروفي بعض الروايات مائة ألف.

والظاهر أن المضاعفة لا تختص فيما لو دعا لواحد، بل لو دعا لاثنين أو عشرة أو ألف أو كل المؤمنين كان له ضعف ذلك(2).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، عَنْ رَسُول اللهِ (صلى

ص: 277


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص109 ب41 باب استحباب الدعاء للمؤمن بظهر الغيب والتماس الدعاء منه ح12، عن عدة الداعي: ص183، وراجع بحار الأنوار: ج 90 ص360 ب22 من يستجاب دعاؤه ومن لا يستجاب ح23.
2- أي ضعف المجموع.

الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «مَنْ دَعَا لمُؤْمِنٍ بِظَهْرِ الغَيْبِ قَال المَلكُ: ولكَ مِثْل ذَلكَ»(1).

وقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «أَسْرَعُ الدُّعَاءِ نُجْحاً للإِجَابَةِ دُعَاءُ الأَخِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ، يَبْدَأُ بِالدُّعَاءِ لأَخِيهِ، فَيَقُول لهُ مَلكٌ مُوَكَّل بِهِ: آمِينَ ولكَ مِثْلاهُ»(2).

ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ نَادَاهُمَلكٌ مِنَ السَّمَاءِ: ولكَ مِثْلاهُ»(3).

وعن عَلي عَنْ أَبِيهِ، قَال: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُنْدَبٍ فِي المَوْقِفِ فَلمْ أَرَ مَوْقِفاً كَانَ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفِهِ، مَا زَال مَادّاً يَدَيْهِ إِلى السَّمَاءِ ودُمُوعُهُ تَسِيل عَلى خَدَّيْهِ حَتَّى تَبْلغَ الأَرْضَ، فَلمَّا صَدَرَ النَّاسُ قُلتُ لهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا رَأَيْتُ مَوْقِفاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفِكَ، قَال: واللهِ مَا دَعَوْتُ إلاّ لإِخْوَانِي وذَلكَ أَنَّ أَبَا الحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) أَخْبَرَنِي أَنَّ مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ نُودِيَ مِنَ العَرْشِ: ولكَ مِائَةُ أَلفِ ضِعْفٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَ مِائَةَ أَلفٍ مَضْمُونَةً لوَاحِدَةٍ لا أَدْرِي تُسْتَجَابُ أَمْ لا»(4).

ص: 278


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص109 ب41 باب استحباب الدعاء للمؤمن بظهر الغيب والتماس الدعاء منه ح10.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص107 ب41 باب استحباب الدعاء للمؤمن بظهر الغيب والتماس الدعاء منه ح3.
3- وسائل الشيعة: ج 7 ص107 ب41 باب استحباب الدعاء للمؤمن بظهر الغيب والتماس الدعاء منه ح5.
4- الكافي: ج 2 ص508 باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب ح6.

وقَال (عليه السلام): «إِذَا دَعَا الرَّجُل لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ نُودِيَ مِنَ العَرْشِ: ولكَ مِائَةُ أَلفِ ضِعْفِ مِثْلهِ، وإِذَا دَعَا لنَفْسِهِ كَانَتْ لهُ وَاحِدَةٌ، فَمِائَةُ أَلفٍ مَضْمُونَةٌ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدَةٍ لا يُدْرَى يُسْتَجَابُ لهُ أَمْ لا»(1).

كما أن الزهراء (عليها الصلاة والسلام) بنفسها كانت تدعو طول الليل للآخرين،ولما سألها ولدها الإمام الحسن (عليه السلام) عن السبب؟ قالت: «الجار ثم الدار»(2).

ولا يخفى أن ذلك إضافة إلى كونه من أسباب جلب رضا الله سبحانه وتعالى، فإنه أيضاً يوجب تماسك المجتمع وتكاتف الناس وتضامنهم، فإن من يدعو للمؤمنين بظهر الغيب أكثر استعداداً فكرياً ونفسياً لمد يد العون إليهم، وكف الأذى عنهم، كما أنه أبعد عن اغتيابهم والسعي فيهم، والوقيعة بينهم، وظلمهم والتعدي عليهم، كما أنه أقرب لغفران ذنبهم والحلم عن شططهم والعفو عن خطئهم.

ص: 279


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص212 باب فضائل الحج ح2185.
2- عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ فَاطِمَةَ الصُّغْرَى، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ، عَنْ أَخِيهِ الحَسَنِ (عليهم السلام) قَال: رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا ليْلةَ جُمُعَتِهَا، فَلمْ تَزَل رَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّى اتَّضَحَ عَمُودُ الصُّبْحِ، وسَمِعْتُهَا تَدْعُو للمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ وتُسَمِّيهِمْ، وتُكْثِرُ الدُّعَاءَ لهُمْ ولا تَدْعُو لنَفْسِهَا بِشَيْ ءٍ، فَقُلتُ لهَا: يَا أُمَّاهْ لمَ لا تَدْعُوِنَّ لنَفْسِكِ كَمَا تَدْعُوِنَّ لغَيْرِكِ، فَقَالتْ: يَا بُنَيَّ الجَارَ ثُمَ الدَّارَ. وسائل الشيعة: ج 7 ص113 ب42 باب استحباب اختيار الإنسان الدعاء للمؤمن على الدعاء لنفسه ح7، عن علل الشرائع: ج 1 ص181 ب145 باب العلة التي من أجلها كانت فاطمة (عليها السلام) تدعو لغيرها ولا تدعو لنفسها ح1.

جري المعصومين على الظاهر

ثم لا يخفى أنه لا منافاة بين تصوير الملائكة للنعش لها كما في هذه الرواية، وبين تصوير أسماء النعش لها كما في بعض الروايات، فإنه في كثير من الأحيان مع علم المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) بالشيء من الغيب، كانوا يريدون إظهار الأمر حسب الموازين العرفية.

وبذلك يفسر أيضاً سؤال الرسول (صلى الله عليه وآله) وسائر الأئمة (عليهم السلام) من الناس كثيراً من الأمور.

وأيضاً منه:

ما رُوِيَ عَنْهُ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «إِنَّ القُرْآنَ نَزَل جَمِيعُهُ عَلى مَعْنَى إِيَّاكِ أَعْنِي واسْمَعِي يَا جَارَة»(1).

وعن بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «نَزَل القُرْآنُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي واسْمَعِي يَا جَارَةُ»(2).وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَعْنَاهُ مَا عَاتَبَ اللهُ عَزَّ وجَل بِهِ عَلى نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله) فَهُوَ يَعْنِي بِهِ مَا قَدْ مَضَى فِي القُرْآنِ، مِثْل قَوْلهِ: «وَلوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِليْهِمْ شَيْئاً قَليلا»(3) عَنَى بِذَلكَ

ص: 280


1- غوالي اللئالي: ج4 ص15 الجملة الثانية في الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله وحامليه ح179.
2- الكافي: ج 2 ص631 باب النوادر ح14.
3- سورة الإسراء: 74.

غَيْرَه»(1).

العلم من غير الطرق الطبيعية

مسألة: هل يجوز لمن علم من الناس أمراً من غير طرقه الطبيعية أن يرتب عليه الأثر، أو يحرم، أو عليه أن يعمل حسب مقتضى الظواهر الطبيعية؟

للمسألة صور وتفصيل:

منها: أنه لو قطع مما لا حجية له(2) أنه لو سار في هذا الطريق قتل، وكانت الظواهر وإخبار أهل الخبرة الثقات بل العدول، تدل على أن الطريق آمن، فحيث إن للقطع على المشهور حجيته الذاتية، وجب عليه الاحتراز، فلا يشبه تكليف عامة الناس تكليف المعصومين (عليهم السلام) فيما علموا به من عالم الغيب.

بل لو ظن ظناً شخصياً بالخطر الدنيوي الكبير بخلاف الحجج المؤمّنةظاهراً، فعليه الاحتياط، فتأمل.

ومنها: عكس ذلك.

ومنها: ما لو قطع القاضي من دون شهود أو إقرار وما أشبه، بأن زيداً سرق، فهل له أن يجري عليه حكم السرقة.

المسألة تبتني على جواز قضاء القاضي بعلمه وعدمه، وقد فصلناها في كتاب القضاء من (الفقه)، ويجري البحث في كلتا صورتي علمه بالواقع عن طرق

ص: 281


1- الكافي: ج 2 ص631 باب النوادر ح14.
2- كالرؤى والأحلام حيث لا حجية فيها.

طبيعي كما لو شاهده يسرق، أو غير طبيعي كما لو قطع من الرمل والاسطرلاب أو من الأحلام، فتأمل(1).

الاهتمام بالأولاد

مسألة: يستحب الاهتمام بالأولاد والوصية بهم، فإنهم ودائع بيد الإنسان، قال تعالى: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْليكُمْ ناراً»(2).

والظاهر أن الأمر بالوقاية لا يختص بما يسببها حال الحياة، بل كل ما يبعث على الوقاية وإن كان ظرفه بعد الممات، فإنه واجب فعله أو قوله حال الحياة، لإطلاق «قوا» وغيره، فتأمل.

عَنْ عَبْدِ الأَعْلى مَوْلى آل سَامٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لمَّا نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ «يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْليكُمْ ناراً» جَلسَ رَجُل مِنَ المُسْلمِينَ يَبْكِي، وقَال: أَنَا عَجَزْتُ عَنْ نَفْسِي كُلفْتُ أَهْلي، فَقَال رَسُول اللهِ

ص: 282


1- قال الإمام المؤلف (قدس سره) في الوصائل إلى الرسائل: ج 1 ص44 المقصد الاول في القطع: (المجتهد القاطع من سبب خاص، هو المأذون في الرجوع اليه، لا مطلق المجتهد فإنه (لا) يجوز الرجوع إلى من علم الحكم (من مثل الرمل والجفر)، وسمي رملاً لأن أول اكتشاف للمجهول بطرق الرمل كان بالتخطيط في رمال الأرض، كما أنه سمي جفراً لأن الجفر عبارة عن جلد السخل وكان أول كتابة هذا العلم في جلده، وكلاهما اتخذا طريقاً لكشف المجهولات، ومثلهما في زماننا: الكمبيوتر والانترنيت. (فإن القطع الحاصل من هذه) الأسباب غير المتعارفة (وإن وجب على القاطع) المجتهد (الأخذ به في عمل نفسه) لما تقدم من أن القطع حجة عقلية من أي سبب، ولأيّ أحد حصل (إلا أنه لا يجوز للغير تقليده في ذلك) المقطوع به، المكتشف بهذه الأسباب، وإن كان المجتهد جامعاً لشرائط الفتوى).
2- سورة التحريم: 6.

(صلى الله عليه وآله): حَسْبُكَ أَنْ تَأْمُرَهُمْ بِمَا تَأْمُرُ بِهِ نَفْسَكَ، وتَنْهَاهُمْ عَمَّا تَنْهَى عَنْهُ نَفْسَكَ»(1).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْليكُمْ ناراً» قُلتُ: كَيْفَ أَقِيهِمْ، قَال: تَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَ اللهُ وتَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللهُ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ كُنْتَ قَدْ وَقَيْتَهُمْ، وإِنْعَصَوْكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ مَا عَليْكَ»(2).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْليكُمْ ناراً» كَيْفَ نَقِي أَهْلنَا، قَال: «تَأْمُرُونَهُمْ وتَنْهَوْنَهُمْ»(3).

وَسُئِل الصَّادِقُ (عليه السلام) عَنْ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْليكُمْ ناراً»: كَيْفَ نَقِيهِنَّ، قَال: تَأْمُرُونَهُنَّ وتَنْهَوْنَهُنَّ قِيل لهُ: إِنَّا نَأْمُرُهُنَّ ونَنْهَاهُنَّ فَلا يَقْبَلنَ، قَال: «إِذَا أَمَرْتُمُوهُنَّ ونَهَيْتُمُوهُنَّ فَقَدْ قَضَيْتُمْ مَا عَليْكُمْ»(4).

ص: 283


1- الكافي: ج 5 ص62 ح1.
2- الكافي: ج 5 ص62 ح2.
3- الكافي: ج 5 ص62 ح3.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص442 باب حق المرأة على الزوج ح4533.

مسائل عديدة

اشارة

مسألة: يستحب لمن تتوفى زوجته أن يتزوج، فإن الرجال لابد لهم من النساء، وهكذا العكس كما سبق، أما ما جرت عليه بعض الأعراف من التأخير سنة أو أقل أو أكثر فلا وجه له.

مسألة: يستحب اتخاذ النعش للميت، ويستحب أن يوصى بذلك، تأسياً بها (صلوات الله عليها)، ولأنه من الإتقان والستر وما أشبه.

مسألة: يستحب بيان ما أوصته الصديقة فاطمة (عليها السلام) لعلي (صلوات الله عليه)، كما يستحب بيان كافة وصايا المعصومين (عليهم السلام) لأهاليهم أو أصحابهم أو حتى أعدائهم، ومن الحري أن تجمع هذه الوصايا في كتب، وأن تكتب حولها البحوث والمقالات والموسوعات.

مسألة: يجب الاعتقاد بأن من ظلمها (عليها السلام) هم أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل أعداء الله تعالى، ويستحب بيان ذلك.

هذا لمن التفت لذلك(1)، أما غيرهفهل عليه تحصيل العلم به مطلقاً(2)، أو فيما كان طريقاً(3)، لا ريب في وجوب الثاني، أما ما عداه فيعود إلى مبحث نفسية الوجوب في مثل ذلك.

ص: 284


1- أي التفت إلى أن من ظلمها هم أعداء رسول الله وأعداء الله، فيجب عليه أن يعتقد بذلك.
2- فلو احتمل أن القوم ظلموها أو علم أنهم ظلموها صغرى، لكن احتمل أن من ظلمها فهو عدو لله ولرسوله كبرى، فهل يجب عليه تحصيل العلم بذلك.
3- أي في خصوص ما كان مقدمة للهداية والخروج من الضلالة، بنحو المقدمة الموصلة.

مسألة: يحرم إتباع الظالم وأتْباعِه، قال تعالى: «يُريدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»(1)، وقال عزوجل: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقين»(2).

والفرق بين اتّباع الظالم واتّباع أتباعه، وإن كان الثاني يعود بالمآل إلى الأول، المباشرة وغيرها، والعرفية وعدمها، إذ قد يفرق بعدم صدق عنوان أعوان الظلمة على اتّباع الأتباع في غير جهة تابعيتهم للظالم.

روايات في الباب

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَالأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «تَزَوَّجُوا فَإِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَال: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَّبِعَ سُنَّتِي فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِيَ التَّزْوِيجَ»(3).

وعن سليمان بن خالد، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنْ أَوَّل مَنْ جُعِل لهُ النَّعْشُ، قَال: «فَاطِمَةُ عليها السلام بِنْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله»(4).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «أَوَّل نَعْشٍ أُحْدِثَ فِي الإِسْلامِ نَعْشُ

ص: 285


1- سورة النساء: 60.
2- سورة الزخرف: 54.
3- الكافي: ج 5 ص329 باب كراهة العزبة ح5.
4- وسائل الشيعة: ج 3 ص219 ب52 باب استحباب اتخاذ النعش لحمل الميت ويتأكد في المرأة ح1.

فَاطِمَةَ (عليه السلام) إِنَّهَا اشْتَكَتْ شَكَاتَهَا التِي قُبِضَتْ فِيهَا وقَالتْ لأَسْمَاءَ: إِنِّي نَحَلتُ فَذَهَبَ لحْمِي إلاّ تَجْعَلينَ لي شَيْئاً يَسْتُرُنِي، فَقَالتِ الأَسْمَاءُ: إِنِّي إِذْ كُنْتُ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ رَأَيْتُهُمْ يَصْنَعُونَ شَيْئاً أَفَلا أَصْنَعُ لكِ فَإِنْ أَعْجَبَكِ صَنَعْتُ لكِ، قَالتْ: نَعَمْ، فَدَعَتْ بِسَرِيرٍ فَأَكَبَّتْهُ لوَجْهِهِ ثُمَّ دَعَتْ بِجَرَائِدَ فَشَدَّدَتْهُ عَلى قَوَائِمِهِ ثُمَّ جَللتْهُ ثَوْباً، فَقَالتْ: هَكَذَا رَأَيْتُهُمْ يَصْنَعُونَ، فَقَالتِ: اصْنَعِي لي مِثْلهُ اسْتُرِينِي سَتَرَكِ اللهُ مِنَ النَّارِ»(1).وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: مَرِضَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) مَرَضاً شَدِيداً فَقَالتْ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إلاّ تَرَيْنَ إِلى مَا بَلغْتُ فَلا تَحْمِلينِي عَلى سَرِيرٍ ظَاهِرٍ، فَقَالتْ: لا لعَمْرِي ولكِنْ أَصْنَعُ نَعْشاً كَمَا رَأَيْتُ يُصْنَعُ بِالحَبَشَةِ، قَالتْ: فَأَرِينِيهِ، فَأَرْسَلتْ إِلى جَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَقُطِّعَتْ مِنَ الأَسْوَاقِ ثُمَّ جَعَلتْ عَلى السَّرِيرِ نَعْشاً، وهُوَ أَوَّل مَا كَانَ النَّعْشُ، فَتَبَسَّمَتْ ومَا رَأَيْتُهَا مُتَبَسِّمَةً إلاّ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ حَمَلنَاهَا فَدَفَنَّاهَا ليْلا(2).

وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَالتْ لهَا: إِنِّي قَدِ اسْتَقْبَحْتُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ، إِنَّهُ يُطْرَحُ عَلى المَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا لمَنْ رَأَى، فَقُلتُ: يَا بِنْتَ رَسُول اللهِ أَنَا أَصْنَعُ لكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، قَالتْ: فَدَعَوْتُ بِجَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فَحَبَسْتُهَا ثُمَّ طَرَحْتُ عَليْهَا ثَوْباً، فَقَالتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وأَجْمَلهُ، لا تُعْرَفُ بِهِ المَرْأَةُ مِنَ الرَّجُل، فَإِذَا مِتُّ فَاغْسِلينِي أَنْتِ، إِلى أَنْ قَال: فَلمَّا مَاتَتْ (عليها السلام) غَسَّلهَا عَليٌّ وأَسْمَاءُ(3).

ص: 286


1- وسائل الشيعة: ج 3 ص220 ب52 باب استحباب اتخاذ النعش لحمل الميت ويتأكد في المرأة ح2.
2- وسائل الشيعة: ج 3 ص220 ب52 باب استحباب اتخاذ النعش لحمل الميت ويتأكد في المرأة ح5.
3- وسائل الشيعة: ج 3 ص221 ب52 باب استحباب اتخاذ النعش لحمل الميت ويتأكد في المرأة ح6. وراجع مستدرك الوسائل: ج 2 ص358 ب43 باب استحباب اتخاذ النعش لحمل الميت ويتأكد في المرأة.

وفي وصية فاطمة (عليها السلام): (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَتْ بِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَوْصَتْ وهِيَ تَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلاّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولهُ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ والنَّارَ حَقٌ (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ)، يَا عَليُّ أَنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ زَوَّجَنِيَ اللهُ مِنْكَ لأَكُونَ لكَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، أَنْتَ أَوْلى بِي مِنْ غَيْرِي، حَنِّطْنِي وغَسِّلنِي وكَفِّنِّي بِالليْل، وصَل عَليَّ وادْفِنِّي بِالليْل، ولا تُعْلمْ أَحَداً، وأَسْتَوْدِعُكَ اللهَ وأَقْرَأُ عَلى وُلدِيَ السَّلامَ إِلى يَوْمِ القِيَامَة»(1).

وفي زيارة الجامعة: «وَمَنْ خَالفَكُمْ فَالنَّارُ مَثْوَاهُ، ومَنْ جَحَدَكُمْ كَافِرٌ، ومَنْ حَارَبَكُمْ مُشْرِكٌ، ومَنْ رَدَّ عَليْكُمْ فِي أَسْفَل دَرْكٍ مِنَ الجَحِيمِ، أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا سَابِقٌ لكُمْ فِيمَا مَضَى، وجَارٍ لكُمْ فِيمَا بَقِي»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِعَزَّ وجَل: «وَلا تَرْكَنُوا إِلى الذِينَ ظَلمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ»(3) قَال: «هُوَ الرَّجُل يَأْتِي السُّلطَانَ فَيُحِبُّ بَقَاءَهُ إِلى أَنْ يُدْخِل يَدَهُ إِلى كِيسِهِ فَيُعْطِيَهُ»(4).

ص: 287


1- بحار الأنوار: ج 43 ص214 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص613 زيارة جامعة لجميع الأئمة (عليهم السلام).
3- سورة هود: 113.
4- الكافي: ج 5 ص109 باب عمل السلطان وجوائزهم ح12.

يا بن العم

اشارة

لما نعي إلى فاطمة (عليها السلام) نفسها، أرسلت إلى أم أيمن، وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها، فقالت لها: يا أم أيمن إن نفسي نُعيت إلي فادعي لي علياً (عليه السلام)، فدعته لها، فلما دخل عليها قالت له: يا ابن العم، أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها علي. فقال لها: قولي ما أحببت.

قالت له: تزوج أمامة تكون لولدي مربية من بعدي مثلي، واعمل نعشاً رأيت الملائكة قد صوّرته لي.

فَقَال لهَا عَليٌّ: أَرِينِي كَيْفَ صُورَتُهُ، فَأَرَتْهُ ذَلكَ كَمَا وُصِفَ لهَا، وكَمَا أُمِرَتْ بِهِ، ثُمَّ قَالتْ: فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ نَحْبِي فَأَخْرِجْنِي مِنْ سَاعَتِكَ أَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ مِنْ ليْل أَوْ نَهَارٍ، ولا يَحْضُرَنَّ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ وأَعْدَاءِ رَسُولهِ للصَّلاةِ عَليَّ أَحَد. قال علي (عليه السلام): أفعل(1).

--------------------

انتخاب الثقاة لمهمام الأمور

مسألة: يجب انتخاب الثقاة من الناس للتصدي لمهام الأمور التي تتوقف على الوثاقة مما يعد غيره تفريطاً بحق واجب، أو تسبيباً لأمر محرم، بل ينبغي انتخاب الأوثق من الناس فالأوثق، قال تعالى: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ

ص: 288


1- علل الشرائع: ج 1 ص188 ب149 باب العلة التي من أجلها دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار ح2.

الأَمين»(1).

وقال سيد الشهداء (عليه السلام) لما بعث مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة: «وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم»(2).

وقال أبو الحسن الهادي (عليه السلام): «العَمْرِيُّ ثِقَتِي، فَمَا أَدَّى إِليْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي، ومَا قَال لكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُول، فَاسْمَعْ لهُ وأَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ المَأْمُون»(3).

وقال أبو محمد العسكري (عليه السلام): «العَمْرِيُّ وابْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِليْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، ومَا قَالا لكَ فَعَنِّي يَقُولانِ، فَاسْمَعْ لهُمَا وأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَاالثِّقَتَانِ المَأْمُونَان»(4).

توثيق الثقاة

مسألة: ينبغي توثيق الثقاة لمن تمس حاجته إليه، ومنه ما قام به علماء الرجال في كتبهم.

والملاحظ في الحاجة ليس حاجة من يحيط بالإنسان فقط، بل حاجة مطلق القريب والبعيد، والحاضر والغائب، كما أن المدار فيها ليس على حاجة

ص: 289


1- سورة القصص: 26.
2- وقعة الطف: ص96.
3- الكافي: ج 1 ص330 باب في تسمية من رآه (عليه السلام) ح1.
4- الكافي: ج 1 ص330 باب في تسمية من رآه (عليه السلام) ح1.

المعاصرين، بل يشمل حاجة الأجيال الآتية.

كما هو ديدن القدماء والمتأخرين من علمائنا، من الكشي والنجاشي والطوسي والبرقي والصدوق والعلامة وابن داوود وغيرهم.

رضاها رضا الله

مسألة: من الأدلة(1) على أن رضا الصديقة (عليها السلام) رضا الله سبحانه، وأنه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها(2)، قول أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه) في هذا الحديث: «قولي ما أحببت»، فإن قوله ذلك وهو باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3) وهو المعصوم فكراً وقولاً وعملاً، يشهد بذلك.

ص: 290


1- كما أنه يتقوى به أيضاً ويعضده.
2- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها». راجع من كتب العامة: المعجم الكبير: ج1 ص66 ح182، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، ميزان الاعتدال: ج2 ص492 ح4560، مجمع الزوائد: ج9ص203، كنز العمّال: ج13 ص674 ح37725.
3- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أَنَا مَدِينَةُ العِلمِ وعَليٌ بَابُهَا». عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص66 ب31 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة ح298. ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): «أَنَا مَدِينَةُ العِلمِ، وعَليٌ بَابُهَا، ولنْ تُدْخَل المَدِينَةُ إلاّ مِنْ بَابِهَا». المجازات النبوية: ص199، مائة منقبة: ص41، التوحيد: ص307، الخصال: ص574، بشارة المصطفى: ص24، تفسير القمي: ج1 ص68، تفسير نور الثقلين: ج1 ص178 ح624، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص127، مجمع الزوائد: ج9 ص114، وفيهما: (فمن أراد العلم فليأت الباب)، كنز العمال: ج13 ص148، وفيه: (فمن أراد المدينة)، كشف الخفاء: ج1 ص235.

الإيصاء بالأولاد

مسألة: يستحب للزوجة أن توصي زوجها برعاية أولادها بعدها واتخاذ زوجة تربيهم كأمهم، ويتأكد الاستحباب إذا شاهدت علائم الموت.

فإنه قد توصي الزوجة زوجها بالتزويج على سبيل الإطلاق والكلية، وقد توصي بالتزويج من امرأة خاصة، كما أنها قد توصي بالتزويج من إحدى المرأتين أو إحدى النساء المعهودات، فإن كل ذلك جائز، وربما استحب إذا كانت هناك جهة راجحة مرجحة، للإطلاقات، وتأسياً بها (صلوات الله عليها)، حيث ورد:

«فَبَقِيَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَرْبَعِينَ ليْلةً، فَلمَّا اشْتَدَّ بِهَا الأَمْرُ دَعَتْ عَليّاً (عليه السلام) وقَالتْ: يَا ابْنَ عَمِّ مَا أَرَانِي إلاّ لمَا بِي وأَنَا أُوصِيكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنْتَ أُخْتِي زَيْنَبَ تَكُونُ لوُلدِي مِثْلي»(1).

قال تعالى: «كُتِبَ عَليْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالدَيْنِ والأَقْرَبينَ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلى المُتَّقين»(2).

وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهماالسلام) قَال: «مَنْ لمْ يُوصِ عِنْدَ مَوْتِهِ لذَوِي قَرَابَتِهِ فَقَدْ خَتَمَ عَمَلهُ بِمَعْصِيَة»(3).

ص: 291


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص870.
2- سورة البقرة: 180.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص182 باب ما جاء فيمن لم يوص عند موته لذي قرابته ممن لا يرث بشي ء من ماله قل أو كثر ح5415.

حسن الانتخاب

مسألة: ينبغي حسن الانتخاب، بل انتخاب الأحسن فالأحسن، في كافة الشؤون، خاصة المهمة منها، كالعناية بالأولاد وتربيتهن، ولعله يظهر من كلام الصديقة (صلوات الله عليها) أن من أهم غايات الزواج حسن تربية الأولاد، فمن تحلت بهذه الصفة فهي الأجدر بأن تنتخب كزوجة.

قال تعالى: «وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُريكُمْ دارَ الفاسِقين»(1).

وقال سبحانه: «فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها»(2).

التعرف الطريقي

مسألة: حيث يتوقف حسن انتخاب الزوجة ومن أشبه ممن ينتخب لشأن من الشؤون، على التعرف على أحوال الناس، ربما يكون التعرف على أحوالهم وشؤونهم بمقدار طريقيته مستحباً أو واجباً، على حسب ذي المقدمة، وذلك ما لم يشتمل على محرم أو محذور.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول:«إِنَّمَا المَرْأَةُ قِلادَةٌ، فَانْظُرْ إِلى مَا تَقَلدُهُ»، قَال: وَسَمِعْتُهُ يَقُول: «ليْسَ للمَرْأَةِ خَطَرٌ لا لصَالحَتِهِنَّ ولا لطَالحَتِهِنَّ، أَمَّا صَالحَتُهُنَّ فَليْسَ خَطَرُهَا الذَّهَبَ والفِضَّةَ بَل هِيَ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وأَمَّا طَالحَتُهُنَّ فَليْسَ التُّرَابُ

ص: 292


1- سورة الأعراف: 145.
2- سورة النساء: 86.

خَطَرَهَا بَل التُّرَابُ خَيْرٌ مِنْهَا»(1).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَنْكِحُوا الأَكْفَاءَ وانْكِحُوا فِيهِمْ واخْتَارُوا لنُطَفِكُمْ»(2).

حمل الميت في النعش

مسألة: تستحب الوصية بحمل الميت في النعش، خاصة إذا كان من النساء، لأنه أستر وأقرب للعفة والاحتشام.

فإنّ حمل الميت يجوز بدون اتخاذ نعش، كالحمل على خشبة أو في فراش أو ما أشبه ، والاستحباب يكون آكد فيما إذا كانت هناك جهة مرجحة، حيث إن الزهراء (عليها

الصلاة والسلام) أرادت أن لا يرى الرجال حتى حجم جسدها، بل حتى شبح حجم جسدها(3)، تلك الرجال القلائل الذين كانوا يحضرون نعشها في وسطالليل، وفي ذلك عبرة لنساء المؤمنين، بأن يسترن حتى الحجم عن أنظار الرجال الأجانب بالعباءة الفضاضة وما أشبه، بل الأكثر من ذلك قدر المستطاع(4).

ولعل احتمال رؤيتهم لحجم الجسد أو شبحه كان بسبب ضوء القمر

ص: 293


1- الكافي: ج 5 ص332 باب اختيار الزوجة ح1.
2- الكافي: ج 5 ص332 باب اختيار الزوجة ح3.
3- فإنه في ظلام الليل لا يرى إلاّ شبح الشيء.
4- إذ الوصية التمليكية وكذا العهدية بمثل القيمومة وبكل ما يترتب عليه أثر مالي، موقوفة على شهادة عادلين، أو رجل وامرأتين، أو أربعة نساء، ونظائر ذلك، أما العهدية بغير أمثال القيمومة وبغير الماليات فلا تشمله الأدلة.

الضعيف أو القوي(1) أو أنوار النجوم أو أنوار بعض المصابيح من بعض البيوت.

استحباب الوصية

مسألة: يستحب لمن علم بموته أن يرسل إلى بعض أقربائه أو أحبائه ليوصيه بوصاياه، بل ربما يستحب أن يرسل إليهم ليحضروا عنده ليتزودوا منه ويتزود منهم.

قال (عليه السلام): «مَنْ ماتَ بِغَيرْ وَصِيَّةٍماتَ مِيتَةً جاهِليَّةً»(2).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلمٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُول: «لمَّا حَضَرَ الحَسَنَ بْنَ عَليٍّ (عليهما السلام) الوَفَاةُ قَال للحُسَيْنِ (عليه السلام): يَا أَخِي إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا، إِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ثُمَّ وَجِّهْنِي إِلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) لأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلى أُمِّي (عليها السلام) ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالبَقِيعِ واعْلمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنْ عَائِشَةَ مَا يَعْلمُ اللهُ والنَّاسُ صَنِيعُهَا وعَدَاوَتُهَا للهِ ولرَسُولهِ وعَدَاوَتُهَا لنَا أَهْل البَيْت»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «لمَّا حَضَرَتْ أَبِي (عليه السلام) الوَفَاةُ قَال: يَا جَعْفَرُ أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً، قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ واللهِ لأَدَعَنَّهُمْ

ص: 294


1- وذلك للاختلاف في يوم شهادتها هل هو الثالث من جمادى الأولى، أو الثالث عشر من جمادى الثانية، أو غير ذلك.
2- المقنعة: ص666 ب1 باب الوصية ووجوبها، وعنه وسائل الشيعة: ج 19 ص259 ب1 باب وجوب الوصية على من عليه حق أو له واستحبابها لغيره ح8.
3- الكافي: ج 1 ص300 باب الإشارة والنص على الحسين بن علي (عليه السلام) ح1.

والرَّجُل مِنْهُمْ يَكُونُ فِي المِصْرِ فَلا يَسْأَل أَحَداً»(1).

وقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لمَّاحَضَرَتْ أَبِي عَليَّ بْنَ الحُسَيْنِ (عليه السلام) الوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلى صَدْرِهِ وقَال: يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَانِي بِهِ أَبِي حِينَ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وبِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ بِهِ: يَا بُنَيَّ اصْبِرْ عَلى الحَقِّ وإِنْ كَانَ مُرّاً»(2).

الصديقة ورؤية الملائكة

مسألة: دلت الأدلة العديدة على أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت ترى الملائكة وتسمعهم، ومنها هذه الرواية (واعمل نعشاً رأيت الملائكة قد صورته لي).

ولا يناقش بأن ذلك من مختصات الأنبياء (عليهم السلام)؟

إذ يقال: إن نزول الوحي النبوي بواسطة الملك ورؤيته لذلك هو من مختصاتهم، ولا دليل على عدم غيره لغيره.

ص: 295


1- الكافي: ج 1 ص306 باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليهما) ح2.
2- الكافي: ج 2 ص91 باب الصبر ح13.

من أدوار الملائكة

مسألة: الظاهر من مختلف الروايات بل ومن بعض الآيات، ومن هذه الرواية، أن الملائكة تقوم - في الجملة - بدور المرشد والموجه للناس بالإلهام وشبهه.

فإن ما يخطر ببال الإنسان من التفكر الحسن وما أشبه، قد يكون من إلهامهم، كما أن ما يدور في ذهنه من الوساوس قد يكون من تسويلات إبليس وشياطينه.

وفي رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إِنَّ ابْنَتِي فَاطِمَةَ مَلأَ اللهُ قَلبَهَا وجَوَارِحَهَا إِيمَاناً إِلى مُشَاشِهَا، فَتَفَرَّغَتْ لطَاعَةِ اللهِ (عَزَّ وجَل) فَبَعَثَ اللهُ مَلكاً اسْمُهُ (رَوْفَائِيل) وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: (رَحْمَةٌ)، فَأَدَارَ لهَا الرَّحَى، فَكَفَاهَا اللهُ (عَزَّ وجَل) مَئُونَةَ الدُّنْيَا مَعَ مَئُونَةِ الآخِرَةِ»(1).

وفي رواية قال (صلى الله عليه وآله): «يَا أَبَا ذَرٍّ لا تَعْجَبْ فَإِنَّ للهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ مُوَكَّلونَ بِمَعُونَةِ آل مُحَمَّدٍ»(2).

وَرُوِيَ أَنَّ فاطمة (عليها السلام) رُبَّمَا اشْتَغَلتْ بِصَلاتِهَا وعِبَادَتِهَا فَرُبَّمَا بَكَىوَلدُهَا فَرُؤِيَ المَهْدُ يَتَحَرَّكُ وكَانَ مَلكٌ يُحَرِّكُه (3).

ص: 296


1- دلائل الإمامة: ص139 أخبار في مناقبها(صلوات الله عليها) ح47.
2- بحار الأنوار: ج43 ص45 ب3 باب مناقبها وفضائلها.. ضمن الرقم 44.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 3 ص337 فصل في معجزاتها (عليها السلام).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال سَمِعْتُهُ يَقُول: «كَانَ عَليٌّ (عليه السلام) واللهِ مُحَدَّثاً قَال: قُلتُ لهُ: اشْرَحْ لي ذَلكَ أَصْلحَكَ اللهُ قَال: يَبْعَثُ اللهُ مَلكاً يَنْقُرُ فِي أُذُنِهِ كَيْتَ وكَيْتَ وكَيْتَ»(1).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً بَعَثَ اللهُ إِليْهِ مَلكاً مِنْ خُزَّانِ الجَنَّةِ فَيَمْسَحُ صَدْرَهُ فَتَسْخَى نَفْسُهُ بِالزَّكَاةِ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَل وَكَّل مَلكاً بِالبِنَاءِ يَقُول لمَنْ رَفَعَ سَقْفاً فَوْقَ ثَمَانِيَةِ أَذْرُعٍ أَيْنَ تُرِيدُ يَا فَاسِقُ»(3).

ص: 297


1- بصائر الدرجات: ج 1 ص323 ب6 باب في أن المحدّث كيف صفته وكيف يصنع به وكيف يحدث الأئمة ح8.
2- الجعفريات: ص53 كتاب الزكاة.
3- الكافي: ج 6 ص529 باب تشييد البناء ح1.

مع أسماء بنت عميس

اشارة

عن أسماء بنت عميس، قالت: أوصتني فاطمة (عليها السلام) أن لا يغسّلها إذا ماتت إلاّ أنا وعلي، فغسّلتها أنا وعلي (عليه السلام)(1).

----------------------

تغسيل المعصوم

مسألة: المعصوم والمعصومة لا يغسلها إلاّ المعصوم، وذلك من مقاماتهم (صلوات الله عليهم) وقد يكون من الأدلة على العصمة أو الإمامة، كما في قضية تنحية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) عمه عن الصلاة على أبيه العسكري (عليه السلام)(2).

ص: 298


1- كشف الغمة: ج 1 ص500 ذكر وفاتها وما قبل ذلك من ذكر مرضها ووصيتها (صلوات الله عليها)، بحار الأنوار: ج 43 ص185 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها (صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها) ح18.
2- راجع كمال الدين: ج 2 ص475، الثاقب في المناقب: ص607، الخرائج والجرائح: ج3 ص1101 ح23 بحار الأنوار: ج50 ص332 ح4. وفيه: (حَدَّثَ أَبُو الأَدْيَانِ قَال: كُنْتُ أَخْدُمُ الحَسَنَ بْنَ عَليِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَليِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ عليه السلام وأَحْمِل كُتُبَهُ إِلى الأَمْصَارِ، فَدَخَلتُ عَليْهِ فِي عِلتِهِ التِي تُوُفِّيَ فِيهَا (صلى الله عليه وآله) فَكَتَبَ مَعِي كُتُباً وقَال: امْضِ بِهَا إِلى المَدَائِنِ فَإِنَّكَ سَتَغِيبُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً وتَدْخُل إِلى سُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ الخَامِسَ عَشَرَ وتَسْمَعُ الوَاعِيَةَ فِي دَارِي وتَجِدُنِي عَلى المُغْتَسَل، قَال أَبُو الأَدْيَانِ فَقُلتُ: يَا سَيِّدِي فَإِذَا كَانَ ذَلكَ فَمَنْ، قَال: مَنْ طَالبَكَ بِجَوَابَاتِ كُتُبِي فَهُوَ القَائِمُ مِنْ بَعْدِي، فَقُلتُ: زِدْنِي، فَقَال: مَنْ يُصَلي عَليَّ فَهُوَ القَائِمُ بَعْدِي، فَقُلتُ: زِدْنِي، فَقَال: مَنْ أَخْبَرَ بِمَا فِي الهِمْيَانِ فَهُوَ القَائِمُ بَعْدِي، ثُمَّ مَنَعَتْنِي هَيْبَتُهُ أَنْ أَسْأَلهُ عَمَّا فِي الهِمْيَانِ، وخَرَجْتُ بِالكُتُبِ إِلى المَدَائِنِ وأَخَذْتُ جَوَابَاتِهَا ودَخَلتُ سُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ الخَامِسَ عَشَرَ كَمَا ذَكَرَ لي (عليه السلام) فَإِذَا أَنَا بِالوَاعِيَةِ فِي دَارِهِ وإِذَا بِهِ عَلى المُغْتَسَل وإِذَا أَنَا بِجَعْفَرِ بْنِ عَليٍّ أَخِيهِ بِبَابِ الدَّارِ والشِّيعَةُ مِنْ حَوْلهِ يُعَزُّونَهُ ويُهَنُّونَهُ، فَقُلتُ فِي نَفْسِي: إِنْ يَكُنْ هَذَا الإِمَامُ فَقَدْ بَطَلتِ الإِمَامَةُ، فَتَقَدَّمْتُ فَعَزَّيْتُ وهَنَّيْتُ فَلمْ يَسْأَلنِي عَنْ شَيْ ءٍ، ثُمَّ خَرَجَ عَقِيدٌ فَقَال: يَا سَيِّدِي قَدْ كُفِّنَ أَخُوكَ فَقُمْ وصَل عَليْهِ، فَدَخَل جَعْفَرُ بْنُ عَليٍّ والشِّيعَةُ مِنْ حَوْلهِ يَقْدُمُهُمُ السَّمَّانُ والحَسَنُ بْنُ عَليٍّ قَتِيل المُعْتَصِمِ المَعْرُوفُ بِسَلمَةَ، فَلمَّا صِرْنَا فِي الدَّارِ إِذَا نَحْنُ بِالحَسَنِ بْنِ عَليٍّ (صلوات الله عليه) عَلى نَعْشِهِ مُكَفَّناً، فَتَقَدَّمَ جَعْفَرُ بْنُ عَليٍّ ليُصَليَ عَلى أَخِيهِ، فَلمَّا هَمَّ بِالتَّكْبِيرِ خَرَجَ صَبِيٌّ بِوَجْهِهِ سُمْرَةٌ بِشَعْرِهِ قَطَطٌ بِأَسْنَانِهِ تَفْليجٌ، فَجَبَذَ بِرِدَاءِ جَعْفَرِ بْنِ عَليٍّ وقَال: تَأَخَّرْ يَا عَمِّ فَأَنَا أَحَقُّ بِالصَّلاةِ عَلى أَبِي، فَتَأَخَّرَ جَعْفَرٌ، وقَدِ ارْبَدَّ وَجْهُهُ واصْفَرَّ، فَتَقَدَّمَ الصَّبِيُّ وصَلى عَليْهِ، ودُفِنَ إِلى جَانِبِ قَبْرِ أَبِيهِ (عليه السلام) ثُمَّ قَال: يَا بَصْرِيُّ هَاتِ جَوَابَاتِ الكُتُبِ التِي مَعَكَ، فَدَفَعْتُهَا إِليْهِ، فَقُلتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ بَيِّنَتَانِ، بَقِيَ الهِمْيَانُ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلى جَعْفَرِ بْنِ عَليٍّ وهُوَ يَزْفِرُ، فَقَال لهُ حَاجِزٌ الوَشَّاءُ: يَا سَيِّدِي مَنِ الصَّبِيُّ لنُقِيمَ الحُجَّةَ عَليْهِ، فَقَال: واللهِ مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ ولا أَعْرِفُهُ، فَنَحْنُ جُلوسٌ إِذْ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ قُمَّ فَسَأَلوا عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ (عليه السلام) فَعَرَفُوا مَوْتَهُ فَقَالوا: فَمَنْ نُعَزِّي، فَأَشَارَ النَّاسُ إِلى جَعْفَرِ بْنِ عَليٍّ، فَسَلمُوا عَليْهِ وعَزَّوْهُ وهَنَّوْهُ وقَالوا: إِنَّ مَعَنَا كُتُباً ومَالا فَتَقُول مِمَّنِ الكُتُبُ وكَمِ المَال، فَقَامَ يَنْفُضُ أَثْوَابَهُ ويَقُول: تُرِيدُونَ مِنَّا أَنْ نَعْلمَ الغَيْبَ، قَال: فَخَرَجَ الخَادِمُ فَقَال: مَعَكُمْ كُتُبُ فُلانٍ وفُلانٍ وفُلانٍ وهِمْيَانٌ فِيهِ أَلفُ دِينَارٍ وعَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِنْهَا مَطْليَّةٌ، فَدَفَعُوا إِليْهِ الكُتُبَ والمَال وقَالوا: الذِي وَجَّهَ بِكَ لأَخْذِ ذَلكَ هُوَ الإِمَامُ، فَدَخَل جَعْفَرُ بْنُ عَليٍّ عَلى المُعْتَمِدِ وكَشَفَ لهُ ذَلكَ، فَوَجَّهَ المُعْتَمِدُ بِخَدَمِهِ فَقَبَضُوا عَلى صَقِيل الجَارِيَةِ فَطَالبُوهَا بِالصَّبِيِّ فَأَنْكَرَتْهُ، وادَّعَتْ حَبْلا بِهَا لتُغَطِّيَ حَال الصَّبِيِّ، فَسُلمَتْ إِلى ابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ القَاضِي، وبَغَتَهُمْ مَوْتُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ فَجْأَةً وخُرُوجُ صَاحِبِ الزِّنْجِ بِالبَصْرَةِ، فَشُغِلوا بِذَلكَ عَنِ الجَارِيَةِ، فَخَرَجَتْ عَنْ أَيْدِيهِمْ والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمِينَ).

ص: 299

فالمراد في هذه الرواية أن أسماء (رضوان الله عليها) كانت تصب الماء أو تحضر لوازم التغسيل والتكفين أو تقوم ببعض المقدمات وما أشبه.

ولعل وصيتها (عليها السلام) بأن لا يغسلها إلاّ هي وعلي (عليه الصلاة والسلام) حتى تبعد بعض النساء غير المرغوبات عن احتمال الاشتراك في الغسل، وذلك نوع من إظهار غضبها (عليها السلام) عليهن، وأما من خرج فقد خرج بالدليل.إضافة إلى أن مثل هذه الوصية منعت أولئك القوم وتلك النسوة من الاستناد إلى مشاركتهن في التغسيل أو التشييع لنفي وجود فاصل بينها وبينهن، ونفي غضبها عليهن وعلى رجالهن.

عَنِ المُفَضَّل، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قُلتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «مَنْ غَسَل فَاطِمَةَ، قَال: ذَاكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، وكَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذَلكَ مِنْ قَوْلهِ فَقَال: كَأَنَّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ، قَال: فَقُلتُ: قَدْ كَانَ ذَاكَ جُعِلتُ فِدَاكَ، قَال: فَقَال: لا تَضِيقَنَّ فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ ولمْ يَكُنْ يَغْسِلهَا إلاّ صِدِّيقٌ، أَمَا عَلمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لمْ يَغْسِلهَا إلاّ عِيسَى»(1).

وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الحَلال أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ الرِّضَا (عليه

السلام) قَال: قُلتُ لهُ: إِنَّهُمْ يُحَاجُّونَّا يَقُولونَ: إِنَّ الإِمَامَ لا يُغَسِّلهُ إلاّ الإِمَامُ، قَال: فَقَال: «مَا يُدْرِيهِمْ مَنْ غَسَّلهُ، فَمَا قُلتَ لهُمْ»، قَال: فَقُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ قُلتُ لهُمْ: إِنْ قَال مَوْلايَ إِنَّهُ غَسَّلهُ تَحْتَ عَرْشِ رَبِّي فَقَدْ صَدَقَ، وإِنْ قَال غَسَّلهُ فِي تُخُومِ الأَرْضِ فَقَدْ صَدَقَ، قَال: «لا هَكَذَا»، قَال: فَقُلتُ فَمَا أَقُول لهُمْ، قَال: «قُل

ص: 300


1- الكافي: ج 1 ص459 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) ح4.

لهُمْ: إِنِّي غَسَّلتُهُ»،فَقُلتُ أَقُول لهُمْ: إِنَّكَ غَسَّلتَهُ، فَقَال: «نَعَمْ»(1).

وعن أَبي مَعْمَرٍ قَال: سَأَلتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنِ الإِمَامِ يُغَسِّلهُ الإِمَامُ، قَال: «سُنَّةُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام»(2).

الاستعانة في الغسل

مسألة: يجوز أن يُعيّن الإنسان معاوناً للغاسل، كما تجوز الوصية بأكثر من مُعين واحد.

تفاصيل التجهيز

مسألة: ينبغي أن يهتم الإنسان بتفاصيل تجهيزه مما فيه جهة رجحان، مثل أنه بما ذا يكفن، وأين يدفن، إلى غير ذلك، كما اهتمت الصديقة (صلوات الله عليها) بتفاصيل ما بعد استشهادها في وصيتها.

حجية خبر المرأة

مسألة: المرأة إذا كانت ثقة فإن إخبارها حجة كالرجل الثقة، ولا فرق في ذلك بين نقل الرواية وغير ذلك إلاّ فيما خرج بالدليل.

وقد أخبرت أسماء (رضوان الله عليها) عن إيصاء الزهراء (عليها السلام) لها بتلك

ص: 301


1- الكافي: ج 1 ص384 باب أن الإمام لا يغسله إلاّ إمام من الأئمة (عليهم السلام) ح1.
2- الكافي: ج 1 ص385 باب أن الإمام لا يغسله إلاّ إمام من الأئمة (عليهم السلام) ح2.

الوصية، فإنها ليست تمليكية ولا عهدية بمثل القيمومة(1)، خاصة وأن إخبارها مما يوجب العلم.

أما أحكام شهادة المرأة فمذكورة في بابها تفصيلاً.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي العُذْرَةِ وكُل عَيْبٍ لا يَرَاهُ الرِّجَال»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَنَّهُ سُئِل هَل تُقْبَل شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ فَقَال: تَجُوزُ إِذَا كَانَ مَعَهُنَّ رَجُل وكَانَ عَليٌّ (عليه السلام) يَقُول: لا أُجِيزُهَا فِي الطَّلاقِ قُلتُ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَالرَّجُل فِي الدَّيْنِ قَال: نَعَمْ وسَأَلتُهُ عَنْ شَهَادَةِ القَابِلةِ فِي الوِلادَةِ قَال: تَجُوزُ شَهَادَةُ الوَاحِدَةِ وقَال: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الدَّيْنِ وفِي المَنْفُوسِ والعُذْرَةِ وحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الدَّيْنِ مَعَ يَمِينِ الطَّالبِ يَحْلفُ بِاللهِ إِنَّ حَقَّهُ لحَقٌّ»(3).

ص: 302


1- كان تخرج لحوائجها في وقت لا يراها فيه الرجال، فإن العباءة وإن سترت إلاّ أنها تشكف عن الحجم العام في الجملة، وليس بحرام ذلك إلاّ أن الأقرب للحشمة والعفاف أن لا يعرف الأجانب أنها طويلة أو قصيرة، بدينة أو نحيفة أو شبه ذلك.
2- الكافي: ج 7 ص391 باب ما يجوز من شهادة النساء وما لا يجوز ح7.
3- الكافي: ج 7 ص390 باب ما يجوز من شهادة النساء وما لا يجوز ح2.

وصية فاطمة (علیها السلام)

اشارة

عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال:

«هذه وصية(1) فاطمة بنت محمد (صلى

الله عليه وآله) أوصت بحوائطها السبع(2): العواف والدلال والبرقة والمثيب والحسنى والصافية وما لأم إبراهيم، إلى علي بن أبي طالب (عليه

السلام)، فإن مضى عليّ فإلى الحسن بن علي (عليه السلام) وإلى أخيه الحسين (صلوات الله عليه)، وإلى الأكبر فالأكبر من ولد رسولالله (صلى الله عليه وآله)، ثم إني أوصيك في نفسي وهي أحب الأنفس إليّ(3)

بعد رسول الله (صلى

ص: 303


1- سيأتي من الإمام المؤلف (رحمه الله) لاحقاً إلى احتمال كون الوصية هذه تمليكية أو عهدية بالتولية.
2- الحوائط السبع كانت ل (مخيريق) وهو من أحبار اليهود، ثم أسلم وحسن إسلامه واستشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معركة أحد، وكان قد أوصى بحوائطه السبع حين خرج المعركة وقال: إن أصبت فأموالي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يضعها حيث شاء، ثم وهبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة الزهراء (عليها السلام).
3- لعل الصحيح هو (إليك)، ويحتمل أن يكون (وهي أحب الأنفس إليّ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله) من كلام علي (عليه السلام)، فكأنه بين قوسين من وصيتها، وأما لو كانت النسخة كما هي ههنا فالمراد إما الحصر الإضافي اي لا بالإضافة إلى علي عليه السلام)، كما يحتمل أنه من باب أنهما من نور واحد فحيث كانت نفسها أحب إليها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان علي (عليه السلام) أيضا أحب إليها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنهما نور واحد، كما يحتمل أن يكون المراد بعد الرسول وبعد علي (عليهما السلام) لأن علياً هو نفس الرسول (صلى الله عليه وآله) بشهادة (وأنفسنا وأنفسكم) فقولها (وهي أحب الأنفس إلي بعد رسول الله) لو قصدت نفسها لدل على حبها لعلي أكثر من حبها لنفسها لأن علياً (عليه السلام) هو نفس الرسول (صلى الله عليه وآله).

الله عليه وآله)، إذا متُّ فغسّلني بيدك، وحنّطني وكفّني وادفني ليلاً، ولا يشهدني فلان وفلان ولا زيادة عندك في وصيتي إليك، واستودعتك الله تعالى حتى ألقاك، جمع الله بيني وبينك في داره، وقرب جواره»، وكتب ذلك علي (عليه السلام) بيده(1).

---------------------

الوصية بالمال

مسألة: يستحب الوصية بالمال، سواء أكان من المنقول أم من غير المنقول،كثيراً كان أم قليلاً.

وفي القرآن الحكيم: «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ»(2)، وقد فسّر (الخير) في الروايات والتفاسير بالمال(3)، ولا شك أن المال خير من قبل الله تعالى إن لم يصرف في الحرام، كما قال تعالى: «أَلمْ تَرَ إِلى الذينَ بَدَّلوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً»(4) فكيف لو صرف في المصارف التي عينها الله سبحانه على سبيل الوجوب أو على

ص: 304


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص1060 ح2.
2- سورة البقرة: 180.
3- عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: سَأَلتُهُ عَنْ قَوْل اللهِ: «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ» قَال: «حَقٌ جَعَلهُ اللهُ فِي أَمْوَال النَّاسِ لصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ، قَال: قُلتُ: لذَلكَ حَدٌّ مَحْدُودٌ، قَال: نَعَمْ، قُلتُ: كَمْ، قَال: أَدْنَاهُ السُّدُسُ وأَكْثَرُهُ الثُّلث». مستدرك الوسائل: ج 14 ص143 ب69 باب نوادر ما يتعلق بأبواب كتاب الوصايا ح8، وتفسير العياشي: ج 1 ص76 ح163، وتفسير الصافي: ج 1 ص217، والبرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص380، وبحار الأنوار: ج 100 ص199 ب1 فضل الوصية وآدابها وقبول الوصية ولزومها ح30.
4- سورة إبراهيم: 28.

سبيل الاستحباب(1).

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليهما السلام) أَنَّهُمَا قَالا: «الخَيْرُ هَاهُنَا المَال،قَال اللهُ عَزَّ وجَل: «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ»(2) يَعْنِي مَالا فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَطِيعُ الكَسْبَ والتَّصَرُّفَ فَهُوَ مِمَّنْ فِيهِ خَيْرٌ(3).

وعَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «صَاحِبُ المَال أَحَقُّ بِمَالهِ مَا دَامَ فِيهِ شَيْ ءٌ مِنَ الرُّوحِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ»(4).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «المَيِّتُ أَوْلى بِمَالهِ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ»(5).

وعَنْهُ (عليه السلام) قَال: «الإِنْسَانُ أَحَقُّ بِمَالهِ مَا دَامَ الرُّوحُ فِي بَدَنِهِ»(6).

التسمية مع التعدد

مسألة: ينبغي في الوصية تسمية الممتلكات إذا تعددت، بل مطلقاً، بمايميزها عن بعضها أو عن ممتلكات الغير، كأن يسمي دكاكينه أو دوره أو بساتينه أو غيرها، استناداً إلى إقرارها (صلوات الله عليها) تلك التسميات أو تسميتها لها.

ص: 305


1- بل المال في حد ذاته خير من قبل الله تعالى، فإنه كأية نعمة أخرى، كالسمع والبصر والعقل وماء الوجه.
2- سورة البقرة: 180.
3- دعائم الإسلام: ج 2 ص310 ح1169.
4- الكافي: ج 7 ص7 باب أن صاحب المال أحق بماله ما دام حياً ح1.
5- الكافي: ج 7 ص7 باب أن صاحب المال أحق بماله ما دام حياً ح3.
6- الكافي: ج 7 ص8 باب أن صاحب المال أحق بماله ما دام حياً ح9.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ لمْ يُحْسِنْ عِنْدَ المَوْتِ وَصِيَّتَهُ كَانَ نَقْصاً فِي مُرُوءَتِهِ وعَقْلهِ»(1).

الكتابة والإملاء

مسألة: تجوز كتابة الوصية بيد الشخص، كما يجوز إملاؤها على من يوثق به ليكتبها، كما أملت الصديقة على علي (عليهما السلام)، ولعل إملاءها عليه لعدم قدرتها على الكتابة لما أصابها من القوم من جرح وضرب وشدة مرضها، أو للتأكيد على أن علياً (عليه السلام) هو الأولى بشؤونها كلها.

والكتابة أعم من الكتابة بالقلم أو بالحك والنحت أو بالأجهزة(2)، وهل يشمل التسجيل الصوتي أو التصويري، الظاهر أن الملاك واحد، لو كانتبإتقان الكتابة(3).

وفي العروة: (الأقوى في تحقّق الوصيّة كفاية كل ما دل عليها من الألفاظ، ولا يعتبر فيه لفظ خاصّ، بل يكفي كل فعل دال عليها حتّى الإشارة والكتابة)(4).

عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «دَخَلتُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ وقَدِ اعْتُقِل لسَانُهُ فَأَمَرْتُهُ بِالوَصِيَّةِ فَلمْ يُجِبْ، قَال: فَأَمَرْتُ بِطَشْتٍ فَجُعِل فِيهِ الرَّمْل فَوُضِعَ، فَقُلتُ لهُ: خُطَّ بِيَدِكَ فَخَطَّ وَصِيَّتَهُ

ص: 306


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص183 باب ما جاء فيمن لم يحسن وصيته عند الموت ح5416.
2- كالآلة الطابعة والحاسوب.
3- أي كانت بنفس درجة الإتقان المتحقق في الكتابة.
4- العروة الوثقى: ج 2 ص883 فصل في معنى الوصية وأحكامها وشرائطها المسألة: 9.

بِيَدِهِ فِي الرَّمْل ونَسَخْتُ أَنَا فِي صَحِيفَةٍ»(1).

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيِّ، قَال: كَتَبْتُ إِلى أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام) رَجُل كَتَبَ كِتَاباً بِخَطِّهِ ولمْ يَقُل لوَرَثَتِهِ هَذِهِ وَصِيَّتِي ولمْ يَقُل إِنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ إلاّ أَنَّهُ كَتَبَ كِتَاباً فِيهِ مَا أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ هَل يَجِبُ عَلى وَرَثَتِهِ القِيَامُ بِمَا فِي الكِتَابِ بِخَطِّهِ ولمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلكَ، فَكَتَبَ (عليه السلام): «إِنْ كَانَ لهُ وُلدٌ يُنْفِذُونَ كُلشَيْ ءٍ يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ أَبِيهِمْ فِي وَجْهِ البِرِّ وغَيْرِه»(2).

فرع

الظاهر أن الفضولية أيضاً تأتي في الوصية كما ذكرناه في الفقه(3)، بأن يكتب شخص وصية لآخر فضولة، ثم إذا أجازها الثاني جازت، فإن الفضولية تدخل في كل شيء إلاّ ما خرج بالدليل(4)، على ما ذكرناه في مبحثه في (الفقه).

تعين خلفاء الوصية

مسألة: يستحب تعيين خليفةٍ للوصي، وخليفةٍ لخليفته، وهكذا، سواء أكان التعيين بالاسم أم بعنوان مشير بما يمنع اللبس، ك (الأكبر) و (الأصغر) وما أشبه.

ص: 307


1- وسائل الشيعة: ج 19 ص372 ب48 باب جواز الوصية بالكتابة مع تعذر النطق ح1.
2- وسائل الشيعة:ج 19 ص372 ب48 باب جواز الوصية بالكتابة مع تعذر النطق ح2.
3- والمقصود ما كان عقداً منها لا إيقاعاً، إذ الإيقاع لا تجري فيه الفضولية، فتأمل.
4- فإنه اعتبار عقلائي لم يردع عنه الشارع.

وذلك فيما اقتضى بما لا يكون عبثاً، سواء في العقارات أم غيرها.

ويتأكد الاستحباب فيما يكون عرضةللتلف أو الغصب أو التضييع ما لم يبلغ حد الحرمة، وإلا وجب التعيين.

ومن الجائز تعيين الوصي فقط بالقيد السابق.

ثم إنه إذا لم يعين وصياً(1) أو مات الوصي أو عجز أو ما أشبه، فالأمر راجع إلى الحاكم الشرعي على تفصيل مذكور في (الفقه).

كما أنه يجوز التشريك في الوصية، أو التوحيد فيها، في كل الطبقات أو بعضها دون بعض، فإن كل ذلك مشمول لملاك قوله (صلى الله عليه وآله): «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»(2).

ولو شرّك فمات أحدهم انحصر الأوصياء في الباقين، إلاّ أن يفعل أو يقول ما يفيد غير ذلك فإنه من حقه.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «قَضَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي رَجُل أَوْصَى لآِخَرَ والمُوصَى لهُ غَائِبٌ فَتُوُفِّيَ الذِي أُوصِيَ لهُ قَبْل المُوصِي، قَال: الوَصِيَّةُ لوَارِثِ الذِي أُوْصِيَ لهُ، قَال: ومَنْ أَوْصَى لأَحَدٍشَاهِداً كَانَ أَوْ غَائِباً فَتُوُفِّيَ المُوصَى لهُ قَبْل المُوصِي فَالوَصِيَّةُ لوَارِثِ الذِي أُوصِيَ لهُ إلاّ أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ قَبْل مَوْتِهِ»(3).

ص: 308


1- في الوقف العام أو الخاص وفي مثل رعاية أبنائه الصغار.
2- الكافي: ج 7 ص37 باب ما يجوز من الوقف والصدقة والنحل والهبة والسكنى والعمرى والرقبى وما لا يجوز من ذلك على الولد وغيره ح34.
3- الكافي: ج 7 ص13 باب من أوصى بوصية فمات الموصى له قبل الموصي أو مات قبل أن يقبضها ح1.

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ السَّابَاطِيِّ، قَال: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ رَجُل أَوْصَى إِليَّ وأَمَرَنِي أَنْ أُعْطِيَ عَمّاً لهُ فِي كُل سَنَةٍ شَيْئاً فَمَاتَ العَمُّ، فَكَتَبَ (عليه السلام): أَعْطِهِ وَرَثَتَهُ»(1).

كتابة الوصية

مسألة: تستحب كتابة الوصية، وهذا غير استحباب أصل الوصية، فإن الكتابة أكثر إتقاناً، وإن كانت الوصية الشفهية أيضاً نافذة، وقد قال (صلى الله عليه وآله): «رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه»(2)، فكل ما كان مصداقاً للإتقانكان مستحباً، كما في الإشهاد، أو الإثبات عند القاضي، أو ما أشبه.

وقد ورد في أصلها: عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَال: سَأَلتُهُ عَنِ الوَصِيَّةِ، فَقَال: «هِيَ حَقٌّ عَلى كُل مُسْلمٍ»(3).

وقَال أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «الوَصِيَّةُ حَقٌّ وقَدْ أَوْصَى رَسُول اللهِ (صلى الله

ص: 309


1- الكافي: ج 7 ص13 باب من أوصى بوصية فمات الموصى له قبل الموصي أو مات قبل أن يقبضها ح2
2- راجع الكافي: ج 3 ص263 باب النوادر ح45، وفيه: (إِذَا عَمِل أَحَدُكُمْ عَمَلا فَليُتْقِن) وعنه وسائل الشيعة: ج 3 ص229 ب60 باب استحباب إتقان بناء القبر وغيره من الأعمال وأن يشرج اللبن ويسوى الخلل ح1. وفي رواية: (وَلكِنَّ اللهَ يُحِبُّ عَبْداً إِذَا عَمِل عَمَلا أَحْكَمَهُ) وسائل الشيعة: ج 3 ص230 ب60 باب استحباب إتقان بناء القبر وغيره من الأعمال وأن يشرج اللبن ويسوى الخلل ح2، عن علل الشرائع: ص309 ب262 ح4، وأمالي الصدوق: ص385 ح2 باختلاف في الألفاظ.
3- الكافي: ج 7 ص3 باب الوصية وما أمر بها ح4.

عليه وآله) فَيَنْبَغِي للمُسْلمِ أَنْ يُوصِيَ»(1).

المحبة في الخطاب

مسألة: يستحب للزوجة أن تخاطب زوجها بما يدل على محبتها له، كما قالت الصديقة (عليها السلام) لعلي (عليه السلام): «أحب الأنفس».

نعم ينبغي أن لا تتجاوز الزوجة الصدق في قولها إلاّ في حدود المبالغة الجائزة بل والإغراق.كما ينبغي لكل من الزوج والزوجة أن يسعى لتوفير الفضائل في نفسه بما يجعله الأحب لشريكه.

رُوِيَ: «أَنَّ قَوْل الرَّجُل للمَرْأَةِ: إِنِّي أُحِبُّكِ، لا يَذْهَبُ مِنْ قَلبِهَا أَبَداً»(2).

وقَال الصادق (عليه السلام): «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ أَوْ أَخَاهُ

فَليُعْلمْهُ»(3).

وقَال الصَّادِقُ (عليه السلام): «إِذَا أَحْبَبْتَ أَحَداً مِنْ إِخْوَانِكَ فَأَعْلمْهُ ذَلكَ»(4).

ص: 310


1- الكافي: ج 7 ص3 باب الوصية وما أمر بها ح5.
2- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): ج5 ص144 ح919.
3- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): ج5 ص144 ح917.
4- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام): ج5 ص144 ح918.

المؤمن والمحبة

مسألة: ينبغي أن يحب الإنسان المؤمنُ اللهَ تعالى، فالرسول (صلى الله عليه وآله)، فالمعصومين (عليهم السلام)، أكثر من حبه للمال والجمال وزينة الحياة الدنيا.

قالت الصديقة (صلوات الله عليها): «أوصيك في نفسي وهي أحب الأنفس إليك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله»(1).

وقال تعالى: «وَالذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ»(2).

وفي الحديث: «وهل الدين إلاّ الحب»(3).

وقال عليه السلام: «حُبُ عَليٍ حَسَنَةٌ لا تُضِرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ، وبُغْضُ عَليٍّ سَيِّئَةٌ لا تَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَة»(4).بل لعل المستفاد من «المرء مع من أحب»(5)، كون ذلك على حسب

ص: 311


1- بحار الأنوار: ج 100 ص186 ب1 الوقف وفضله وأحكامه ح14.
2- سورة البقرة: 165.
3- الكافي: ج 8 ص80 وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) ح35، وسائل الشيعة: ج 16 ص171 ب15 باب وجوب الحب في الله والبغض في الله والإعطاء في الله والمنع في الله ح17.
4- غوالي اللئالي: ج 4 ص86 الجملة الثانية في الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله وحامليه ح103، ينابيع المودة: ص300، في المودة السادسة، ، وفي المناقب للخوارزمي: ص35، الفصل السادس في محبة الرسول إيّاه وتحريضه على محبته وموالاته.
5- الكافي: ج 2 ص127 باب الحب في الله والبغض في الله ح11 وفيه: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلمَ أَنَّ فِيكَ خَيْراً فَانْظُرْ إِلى قَلبِكَ، فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ أَهْل طَاعَةِ اللهِ ويُبْغِضُ أَهْل مَعْصِيَتِهِ فَفِيكَ خَيْرٌ واللهُ يُحِبُّكَ، وإِنْ كَانَ يُبْغِضُ أَهْل طَاعَةِ اللهِ ويُحِبُّ أَهْل مَعْصِيَتِهِ فَليْسَ فِيكَ خَيْرٌ واللهُ يُبْغِضُكَ، والمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَ». وأيضا ورد: عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إِنَّ الرَّجُل ليُحِبُّ وَليَّ اللهِ ومَا يَعْلمُ مَا يَقُول فَيُدْخِلهُ اللهُ الجَنَّةَ، وإِنَّ الرَّجُل يُبْغِضُ وَليَّ اللهِ ومَا يَدْرِي مَا يَقُول فَيَمُوتُ فَيَدْخُل النَّارَ». وسائل الشيعة: ج 16 ص184 ب18 باب وجوب حب المطيع وبغض العاصي وتحريم العكس ح3. وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِ قَال: سَمِعْتُ الرِّضَا (عليه السلام) يَقُول: «مَنْ أَحَبَّ عَاصِياً فَهُوَ عَاصٍ، ومَنْ أَحَبَّ مُطِيعاً فَهُوَ مُطِيعٌ، ومَنْ أَعَانَ ظَالماً فَهُوَ ظَالمٌ، وَمَنْ خَذَل ظَالماً فَهُوَ عَادِل، إِنَّهُ ليْسَ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، ولا تُنَال وَلايَةُ اللهِ إلاّ بِالطَّاعَةِ» الحديث. وسائل الشيعة: ج 16 ص185 ب18 باب وجوب حب المطيع وبغض العاصي وتحريم العكس ح6.

الدرجات أيضاً.

الموت وتوديع الأحبة

مسألة: يستحب لمن أشرف على الموت أن يودّع أقرباءه وأن يقول لهم: «أستودعكم الله»، بقصد التأسي بالصديقة (صلوات الله عليها) وسائر المعصومين (عليهمالسلام).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «حَفِظَكُمُ اللهُ مِنْ أَهْل بَيْتٍ وحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ وأَقْرَأُ عَليْكُمُ السَّلامَ»(1).

الاستوداع عند الله

مسألة: يستحب أن يستودع المحتضر أهله عند الله، أي أن يجعلهم وديعة عند الباري تعالى، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها) إذ قالت: «أستودعتك الله تعالى حتى ألقاك»، فإن الله لا تضيع لديه الودائع.

ص: 312


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2 ص927 الحديث التاسع والستون.

و(استودع) باب استفعال يفيد طلب أن يكون هذا وديعة عند الطرف الآخر، فهو دعاء، والظاهر أنه إنشاء وليس إخباراً.

كما أن أصل الاستوداع عند الله مستحب وإن لم يكن حين الموت، وفي الرواية: «أَخَذَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) بِيَدِ عَليٍّ فَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ بِأَصَابِعِهِ، فَحَمَل النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) الحَسَنَ وحَمَل الحُسَيْنَ عَليٌّ وحَمَلتْ فَاطِمَةُ أُمَّ كُلثُومٍ وأَدْخَلهُمُ النَّبِيُّ بَيْتَهُمْ ووَضَعَ عَليْهِمْ قَطِيفَةً واسْتَوْدَعَهُمُ اللهَثُمَّ خَرَجَ وصَلى بَقِيَّةَ الليْل...»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَا اسْتَخْلفَ رَجُل عَلى أَهْلهِ خَليفَةً أَفْضَل مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا إِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ إِلى سَفَرِهِ ويَقُول: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وأَهْلي ومَالي وذُرِّيَّتِي ودُنْيَايَ وآخِرَتِي وخَاتِمَةَ عَمَلي، إلاّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا سَأَل»(2).

وفي الحديث: فَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُول: «أَسْتَوْدِعُكَ الذِي أَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى، فَبَكَتْ نَرْجِس عليها السلام»(3).

ختم الوصية

مسألة: يستحب ختم الوصية بما يفيد انتهاءها ويرفع احتمال وجود غيرها، دفعاً للخطأ والوهم وانتحال المنتحلين ودعاويهم، وقد صنعت الصديقة

ص: 313


1- علل الشرائع: ج 1 ص186 ب149 باب العلة التي من أجلها دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار ح2.
2- تهذيب الأحكام: ج 5 ص49 ب5 باب العمل والقول عند الخروج ح15.
3- روضة الواعظين: ج 2 ص259 مجلس في ذكر ولادة القائم صاحب الزمان (عليه السلام).

(صلوات الله عليها) ذلك في وصيتها هذه، إذ قالت:«ولا زيادة عندك في وصيتي إليك».

التقية ومواردها

مسألة: تجوز التقية - وقد تجب - من المتكلم ومن الراوي ومن الكاتب والناسخ ومن أشبه، فإذا كان الإمام (عليه السلام) في حال التقية جازت له، وإذا كان الراوي في حال التقية أو الكاتب جاز له أن ينقل من الكلام بعضه.

ولعل قولها (عليها السلام): (ولا يشهدني فلان وفلان) من تقية الرواة أو الكتّاب أو النسّاخ، إذ لا وجه للتقية في وصيتها لعلي (عليهما السلام)، خاصة وأنها كانت مجاهرة بالبراءة منهم.

ولعل ما ورد في (نهج البلاغة) من: «أما والله لقد تَقَمَّصها ابن أبي قحافة»(1)،في بعض النسخ من تقية الرواة أو الكتبة.

ص: 314


1- علل الشرائع: ج 1 ص150 ب122 باب العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهدة أهل الخلاف ح12، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج 1 ص287 الخطبة الشقشقية، الجمل: ص126و171، تقريب المعارف: ص240و329، الأمالي (للطوسي): ص372 المجلس الثالث عشر ح54، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب: ج 2 ص204 فصل في ظلامة أهل البيت عليهم السلام، الاحتجاج: ج 1 ص191، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 17 ص152، طرف من الأنباء والمناقب: ص419، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ج 2 ص420، بحار الأنوار: ج 29 ص505 ب15 باب شكاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه عمن تقدمه ح3.

الدعاء وقت الموت

مسألة: يستحب الدعاء في آخر لحظات الحياة لنفسه ولغيره، تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) حيث قالت (عليها السلام): «جمع الله بيني وبينك في داره وقرب جواره»، وللإطلاقات أيضاً.

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: «إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُول اللهِ (عليها السلام) مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) سِتِّينَ يَوْماً ثُمَّ مَرِضَتْ فَاشْتَدَّتْ عَليْهَا فَكَانَ مِنْ دُعَائِهَا فِي شَكْوَاهَا: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ فَأَغِثْنِي، اللهُمَّ زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ وأَدْخِلنِي الجَنَّةَ وأَلحِقْنِي بِأَبِي مُحَمَّدٍ" فَكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُول: يُعَافِيكِ اللهُ ويُبْقِيكِ، فَتَقُول: يَا أَبَا الحَسَنِ مَا أَسْرَعَ اللحَاقَ بِاللهِ، وأَوْصَتْ بِصَدَقَتِهَا ومَتَاعِ البَيْتِ وأَوْصَتْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي العَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَال: ودَفْنِهَا ليْلاً»(1).

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) حَضَرَ شَابّاً عِنْدَ وَفَاتِهِ فَقَال لهُ: قُل لا إِلهَ إلاّ اللهُ،قَال: فَاعْتُقِل لسَانُهُ مِرَاراً، فَقَال: لامْرَأَةٍ عِنْدَ رَأْسِهِ هَل لهَذَا أُمٌّ، قَالتْ: نَعَمْ أَنَا أُمُّهُ، قَال: أَفَسَاخِطَةٌ أَنْتِ عَليْهِ قَالتْ: نَعَمْ مَا كَلمْتُهُ مُنْذُ سِتِّ حِجَجٍ، قَال لهَا: ارْضَيْ عَنْهُ، قَالتْ: رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَا رَسُول اللهِ بِرِضَاكَ عَنْهُ، فَقَال لهُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): قُل لا إِلهَ إلاّ اللهُ، فَقَالهَا، فَقَال لهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): مَا تَرَى، قَال: أَرَى رَجُلا أَسْوَدَ الوَجْهِ قَبِيحَ المَنْظَرِ وَسِخَ الثِّيَابِ

ص: 315


1- بحار الأنوار: ج 78 ص233 ب5 آداب الاحتضار وأحكامه ح 8.

نَتِنَ الرِّيحِ قَدْ وَليَنِي السَّاعَةَ وأَخَذَ بِكَظَمِي، فَقَال لهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): قُل: "يَا مَنْ يَقْبَل اليَسِيرَ ويَعْفُو عَنِ الكَثِيرِ اقْبَل مِنِّي اليَسِيرَ واعْفُ عَنِّي الكَثِيرَ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ"، فَقَالهَا الشَّابُّ، فَقَال لهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): انْظُرْ مَا ذَا تَرَى، قَال: أَرَى رَجُلا أَبْيَضَ اللوْنِ حَسَنَ الوَجْهِ طَيِّبَ الرِّيحِ حَسَنَ الثِّيَابِ قَدْ وَليَنِي وأَرَى الأَسْوَدَ قَدْ تَوَلى عَنِّي، فَقَال لهُ: أَعِدْ، فَأَعَادَ، فَقَال لهُ: مَا تَرَى، قَال: لسْتُ أَرَى الأَسْوَدَ وأَرَى الأَبْيَضَ قَدْ وَليَنِي، ثُمَّ طَفَا عَلى تِلكَ الحَال»(1).

وعن الرِّضَا (عليه السلام): «إِذَا حَضَرَتِ المَيِّتَ الوَفَاةُ فَلقِّنْهُ شَهَادَةَ أَنْ لا إِلهَإلاّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُول اللهِ والإِقْرَارَ بِالوَلايَةِ لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ والأَئِمَّةِ (عليهم السلام) وَاحِداً وَاحِداً، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُلقَّنَ كَلمَاتِ الفَرَجِ، وهُوَ: "لا إِلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ الكَرِيمُ، لا إِلهَ إلاّ اللهُ العَليُّ العَظِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، ورَبَّ الأَرَضِينَ السَّبْعِ، ومَا فِيهِنَّ ومَا بَيْنَهُنَّ، ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، وسَلامٌ عَلى المُرْسَلينَ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمِينَ"»(2).

التأسي في بيان الوصية

مسألة: يستحب بيان وصية فاطمة (عليها السلام) كما ذكرها الإمام الحسن (عليه السلام)، ومما في وصيتها أن فلاناً وفلاناً أي ابن أبي قحافة وابن الخطاب في قمة أعدائها الذين آذوها، فلم ترض عنهما أبداً، كما منعتهما من الحضور في

ص: 316


1- الأمالي، للمفيد: ص287 المجلس الرابع والثلاثون ح6.
2- بحار الأنوار: ج 78 ص233 ب5 آداب الاحتضار وأحكامه ح9.

جنازتها.

بين اللا اقتضائي والاقتضائي

مسألة: اللا اقتضائي لا يزاحم الاقتضائي، وهي قاعدة مسلمة، وعلى هذا فلا يمكن التمسك باستحباب عمل للقيامبه إذا عارضه الاقتضائي، كنهي من له الحق في النهي.

وفي المقام فإن منعها (صلوات الله عليها) أن يشهد ابن أبي قحافة وابن الخطاب ومن أشبههما جنازتها، يفيد التحريم، من غير أن يعارضه استحباب حضور جنازة الميت في حد ذاته.

التعيين في الوصية

مسألة: ينبغي في الوصية التعيين بما يرفع اللبس والاشتباه، كتعيين الشخص الموصي وأنه فلان، والموصى إليه والموصى به(1)، والزمان والمكان إن اعتبرهما الموصي بنحو ما، وكذا سائر الشرائط بحيث لا يبقى إبهام.

نعم قد يوصي بشيء كلي يجعل مصداقه بيد الوصي، وهذا لا بأس به، كالوصية بالتصدق على فقير مطلق، أو تزويج شاب كذلك، وهكذا.

وقد يكفي لرفع اللبس ذكر اسم الشخص واسم أبيه، كما صنعت (صلوات الله عليها) إذا قالت: «هذه وصية فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)».

ص: 317


1- سيأتي إفراد عدد من هذه العناوين في مسائل لاحقة.

الحوائط السبعة

اشارة

قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا أقرؤك وصية فاطمة (عليها السلام)؟

قال: قلت: بلى، فأخرج حقاً أو سفطاً(1)، فأخرج منه كتاباً فقرأ:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله (عليها السلام)، أوصت بحوائطها السبعة: العواف، والدلال، والبرقة، والمثيب، والحسنى، والصافية وما لأم إبراهيم، إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإن مضى عليّ فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي، شهد الله على ذلك(2)، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3).

---------------------

قراءة وصية المعصوم

مسألة: يستحب قراءة وصية المعصوم(عليه السلام) ووصية كل عظيم إذ فيه الفائدة، كما قد يستحب استعلام الطرف الآخر عن رغبته في قراءة الوصية

ص: 318


1- السَفَط: وعاء الطيب ونحوه، ولعل الحق والسفط نوعان من أنواع أوعية الطيب.
2- الظاهر أن (شهد الله) إخبار عن شهادته تعالى، إذ لا يعزب عن علمه شيء، ويحتمل كونه استشهاداً له، على بُعد، وأما (شهد المقداد...) فيحتمل فيه كل من الإنشاء والإخبار.
3- الكافي: ج 7 ص48 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) ووصاياهم ح5.

عليه، ولعل ما صنعه الإمام الباقر (عليه السلام) من سؤاله: (ألا أقرؤك وصية فاطمة عليها السلام) كان لجلب انتباه الطرف الآخر إليه أكثر واهتمامه بشكل أكبر.

ولا يخفى أن الغرض من قراءة الوصية قد يتحقق بتلاوتها على المذعن بها، كما في هذه الرواية، وقد يتحقق بتلاوتها على المخالف المنكر، إتماماً للحجة أو لغيره.

التصريح بالموصى به والموصى له

مسألة: ينبغي التصريح في الوصية بذكر الموصى به بحيث لا يلتبس الأمر، فإن الصديقة (عليها السلام) لم تكتف بذكر الحوائط السبع إجمالاً بل ذكرتها تفصيلاً.

مسألة: ينبغي في الوصية ذكر الموصى له بنحو لا يوقع في اللبس كي لا يكون مثاراً للنزاع، سواء كانت بذكر اسم يمنع منه، أو بذكر صفة أو شبه ذلك، ولذا أوصت (صلوات الله عليها) بتعيين علي ثم الحسن ثم الحسين (عليهم السلام) ثم الأكبر من ولدها، و(الأكبر) مما يدفع اللبسكما هو واضح.

حفظ الوصية

مسألة: يجب حفظ الوصية بما يحفظها عن التلف ويصونها عن الضياع، ومنه حفظها في حق أو سفط، نعم ذلك لا موضوعية له، بل له الطريقية، فلو ضمن العمل بالوصية من دون حفظ ورقها، لم يجب حفظه من هذه

ص: 319

الجهة(1).

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثم قال: اللهم أعنه، ثم ذكر الوصية»(2).

وقال الراوي: دَخَلتُ عَلى جَعْفَرٍ، ومُوسَى وَلدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وهُوَ يُوصِيهِ بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ، فَكَانَ مِمَّا حَفِظْتُ مِنْهُ أَنَّ قَال: «يَا بُنَيَّ احْفَظْ وَصِيَّتِي واحْفَظْ مَقَالتِي»(3).

الإشهاد على الوصية

مسألة: يستحب الإشهاد على الوصية،بنفر أو نفرين كما في هذا الحديث، حيث إن المقداد والزبير كانا شاهدين، ومن المعلوم أن الزبير كانت حالته حسنة حتى نشأ ابنه عبد الله فحرّفه عن الطريق، فلا يقال: كيف وصّت الزهراء (عليها الصلاة والسلام) بشهادة الزبير مع أنه من المنحرفين.

ولا يخفى أن الإشهاد قد يكون واجباً، كما لو أدى عدم الإشهاد على الوصية بالقيمومة مثلاً إلى ضياع الصغار حيث لم يكون للقيم شهود، مما يستلزم إنكار قيمومته من أهله أو قبيلته وضياع الصغار بالمآل.

وكلمة (شهد الله) في أمثال هذه المواضع من باب الإتقان، وإلا فلا تحتاج شهادة الله إلى الذكر، إذ هي تحصيل حاصل، فهي مثل قوله سبحانه: «شَهِدَ

ص: 320


1- نعم قد يجب حفظها من جهة أخرى، ككونها أمانة وملكاً ذا مالية للغير.
2- إثبات الهداة: ج 3 ص26 الفصل الأول ح96.
3- كشف الغمة: ج 2 ص157 وأما مناقبه وصفاته.

اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إلاّ هُوَ والمَلائِكَةُ وأُولوا العِلمِ قائِماً بِالقِسْطِ»(1)، فإن نفس وجود الله شهادة على وجوده سبحانه(2)، وعلى صفاته الجمالية والجلالية، وقد ورد في دعاء الصباح: «يا من دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسةمخلوقاته»(3).

كما أن وجود الملائكة شهادة على وجود الله سبحانه وقدرته وحكمته وعظمته، وكذلك أهل العلم يشهدون بوجودهم، وأيضاً بشهادتهم اللفظية.

ويحتمل أن يكون الله تعالى أيضاً قد شهد هناك باللفظ، أي بخلق الكلام والصوت، ونحوه من سائر المبرزات، وكذلك الملائكة يحتمل أن يكونوا شهدوا باللفظ ونحوه.

ص: 321


1- سورة آل عمران: 18.
2- كما أن نفس وجود النور شهادة عليه من غير حاجة إلى نور آخر، عكس غيره إذ يحتاج إلى النور لرؤيته مثلاً.
3- بحار الأنوار: ج 84 ص339 ب13 نافلة الفجر وكيفيتها وتعقيبها والضجعة بعدها ح19، وج 91 ص243 ب40 أحراز مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وبعض أدعيته وعوذاته ومن جملتها دعاء الصباح والمساء له (عليه السلام) وما يناسب ذلك المعنى وفي مطاويها بعض أدعية النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً ح11.

الحنان على الأولاد

اشارة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).. أوصت بصدقتها ومتاع البيت، وأوصته (عليه السلام) أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص، وقالت: بنت أختي وتحنّ على ولدي»(1).

---------------------------

مسائل في زواج الرجل بعد موت زوجته

مسألة: يستحب تزوّج الرجل بعد موت زوجته.

ودلالة هذا الحديث نظراً لفهم عدم الخصوصية، وإحرازاً للملاك، بالإضافة إلى الأدلة العامة، فإن العزوبة مكروهة مطلقاً(2)، سواء لم يتزوج بعد،أم تزوج وحصل الفراق بموت الزوجة أو طلاقها أو فسخ العقد أو ما أشبه(3)، وسواء للرجل أو للمرأة في الجملة.

ص: 322


1- بحار الأنوار: ج 43 ص217 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها ح49. وفيه (تحنن) بدل (تحن).
2- وأما «حصوراً» فهو استثناء خاص بمورده، هذا بناء على إرادة عدم إتيانه النساء، أما لو أريد به من يحصر نفسه عن الشهوات، أو عن الأباطيل، فلا، اي لا يكون حتى هذا استثناءً.
3- كما لو انقطع الزوج عن زوجته لسفر أو غيره، فإنه يستحب له التزوج بما يحصنه ويحفظه عن الحرام.

مسألة: يستحب تزوّج الرجل بعد موت زوجته بمن تحنّ على أولادها، سواء أكانوا منهما أم كانوا منه فقط، بل حتى لو كانوا منها فقط.

والظاهر أنه لا خصوصية للأقرباء بل المطلوب التي تحن، وربما يكون ذلك من تعدد المطلوب، نعم إذا دار الأمر بين من تحن وبين القريبة كانت من تحن أولى، وإن كان القريب بالنظر الآخر من حيث القرابة مع الأولاد أقرب، فالأمر دائر بين الأهم والمهم.

ثم إن أمامة مضافاً إلى حنانها كانت قريبة من علي (عليه

الصلاة والسلام) على رأي(1)، والأقرباء أولى، حيث قالسبحانه: «وَأُولوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ الله»(2).

وما عند بعض الناس من كراهة تزوج الأقرباء لأنه يوجب المشاكل وعلى الأقل في الأولاد، غير ظاهر الوجه، فقد تزوج علي (عليه الصلاة والسلام) بفاطمة (عليها السلام) ، وكذلك الإمام الباقر (عليه الصلاة والسلام)، وهكذا نرى على طول التاريخ الإسلامي أن ابن العم وبنت العم يتزوجان وكانت الحياة أسعد من حياة الناس هذا اليوم، وكذلك كان الزواج منتشراً كثيراً بين سائر الأقرباء، وفي الحديث

ص: 323


1- فإنها أمامة بنت أبي العاص، وأمها زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما في مجالس المفيد على ما رواه عنه بحار الأنوار، لكن هذا على أحد الرأيين في بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما لا يخفى، وإليه أشار المصنف بقوله (على رأي) إذ الرأي الآخر أن غير فاطمة (صلوات الله عليها) كن بنات بالتبني لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
2- سورة الأنفال: 75، سورة الأحزاب: 6.

:

أَنَّ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) نَظَرَ إِلى وَلدَيْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ الحَسَنِ والحُسَيْنِ (صلوات الله عليهم) وبَنَاتِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالبٍ (صلوات الله عليه) فَقَال: «بَنُونَا لبَنَاتِنَا وبَنَاتُنَا لبَنِينَا»(1).والظاهر إمكان التمسك بقوله (صلى الله عليه وآله) لتعميم الترغيب في مثل ذلك من زواج الأقارب وإن كان من المحتمل وجود خصوصية في بنونهم وبناتهم (عليهم السلام).

أما المشاكل التي نراها هذا اليوم والتي كثرت في زواج الأقرباء، فهي مشاكل الحضارة الحديثة التي دخلت عالمنا، لكثرة المعاصي ومخالفة الموازين والسنن الكونية والإعراض عن أوامر الشارع الوجوبية والندبية، بل والإرشادية أيضاً.

وهذه المشاكل الحادثة ليست خاصة بالزواج بل هي عامة لكل شؤون الحياة، ولذا كثرت الأمراض وشاع القلق وجاع كثير من الناس وافتقروا، وما أشبه ذلك من المشاكل التي ذكرناها في بعض مؤلفاتنا(2).

ص: 324


1- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): ص355، مستدرك الوسائل: ج 14 ص187 ب23 باب أنه يجوز للرجل الشريف الجليل القدر أن يتزوج امرأة دونه حسباً ونسباً وشرفاً حتى الأُمة بل يستحب ذلك ح3. وفي رواية: نَظَرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) إِلى أَوْلادِ عَليٍّ وجَعْفَرٍ (عليه السلام) فَقَال: «بَنَاتُنَا لبَنِينَا وبَنُونَا لبَنَاتِنَا». من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص393 باب الأكفاء ح 4384، وسائل الشيعة: ج 20 ص74 ب27 باب أنه يجوز للرجل الشريف الجليل القدر أن يتزوج امرأة دونه حسبا ونسبا وشرفا حتى الأمة بل يستحب ذلك ح7.
2- انظر كتاب الأزمات وحلولها، للإمام الشيرازي (قدس سره).

الوصية بمتاع البيت

مسألة: يستحب الوصية بجميع ما يملكه الإنسان حتى متاع البيت، نعم نفوذها في غير الثلث موقوف على إجازة الورثة، هذا فيما أوصى به لما بعد الموت، كما هو المعهود من الوصية.

أما الوصية بالبذل حال حياته(1) فإنها بعد تنفيذها تكون كالبذل والبهة المحققة فهي نافذة بشروطها.

وأما رجحانها على تركها لكي تبقى إرثاً، فمنوط بملاحظة التزاحم والأهم والمهم.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي الرَّجُل يُعْطِي الشَّيْ ءَ مِنْ مَالهِ فِي مَرَضِهِ، قَال: «إِنْ أَبَانَ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وإِنْ أَوْصَى بِهِ فَهُوَ مِنَ الثُّلثِ»(2).وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «للرَّجُل عِنْدَ مَوْتِهِ ثُلثُ مَالهِ، وإِنْ لمْ يُوصِ فَليْسَ عَلى الوَرَثَةِ إِمْضَاؤُهُ»(3).

ص: 325


1- قال الإمام المؤلف (قدس سره) في (الفقه): ج61 كتاب الوصية ص7: (وكل من العهد في حال الحياة وبعد الممات يقال له وصية، مثل قوله عليه السلام: (أوصيكم عباد الله)، نعم الكتب الفقهية تستعمل الوصية بمعنى الوصية بعد الموت، وهذا اصطلاح خاص لعله سبب كونها حقيقة فقهية).
2- وسائل الشيعة: ج 19 ص273 ب10 باب جواز الوصية بثلث المال للرجل والمرأة بل استحبابها وعدم جواز الوصية بما زاد عن الثلث في غير الواجب المالي ح4.
3- وسائل الشيعة: ج 19 ص273 ب10 باب جواز الوصية بثلث المال للرجل والمرأة بل استحبابها وعدم جواز الوصية بما زاد عن الثلث في غير الواجب المالي ح7.

من وصاياها

اشارة

رُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَخْرَجَ سَفَطاً أَوْ حُقّاً(1) وأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَاباً فَقَرَأَهُ وفِيهِ وَصِيَّةُ فَاطِمَةَ (عليها السلام): بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَتْ بِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) أَوْصَتْ بِحَوَائِطِهَا السَّبْعَةِ إِلى عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ فَإِنْ مَضَى فَإِلى الحَسَنِ فَإِنْ مَضَى فَإِلى الحُسَيْنِ فَإِنْ مَضَى فَإِلى الأَكَابِرِ مِنْ وُلدِي شَهِدَ المِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ والزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ وكَتَبَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ(2).

-------------------------

حفظ الكتب الهامة

مسألة: يستحب حفظ الكتب المهمة فيما يحفظها عن التلف أو العبث بها أو ضياعها، كما فعل الإمام الباقر (عليه السلام) حيث حفظ الكتاب المتضمن

ص: 326


1- لعل الوجه في وضعه (عليه السلام) الوصية في حق أو سفط، وهما قارورة الطيب غالبا، حفظها من أيدي الحكومة الجائرة، إذ لم يكن الإمام مأموناً من هجومهم على داره، كما حدث مراراً للعديد من الأئمة (عليهم السلام) ومصادرة ما فيه من الكتب والأوراق أو إتلافها، كما لعله كان لأجل المزيد من التكريم والاحترام، بوضع الكتاب في قارورة الطيب ليكون معطراً، ولعله كان من الجلد ونحوه مما كان معهوداً ذلك الزمان.
2- بحار الأنوار: ج 43 ص185 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها ح18.

لوصية فاطمة الزهراء (عليها السلام) في سفط أو حق.

وهكذا ينبغي حفظ كل أثر عن كل عظيم، بل حفظ آثار المؤمنين إن كانت فيها الفائدة لهم أو لغيرهم.

عَنِ المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «اكْتُبْ وبُثَ عِلمَكَ فِي إِخْوَانِكَ، فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لا يَأْنَسُونَ فِيهِ إلاّ بِكُتُبِهِمْ»(1).

وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِليْهَا»(2).

وقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «المُؤْمِنُ إِذَا مَاتَ وتَرَكَ وَرَقَةً وَاحِدَةً عَليْهَا عِلمٌ تَكُونُ تِلكَ الوَرَقَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ سِتْراً فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ النَّارِ، وأَعْطَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى بِكُل حَرْفٍ مَكْتُوبٍعَليْهَا مَدِينَةً أَوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، ومَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَقْعُدُ سَاعَةً عِنْدَ العَالمِ إلاّ نَادَاهُ رَبُّهُ عَزَّ وجَل: جَلسْتَ إِلى حَبِيبِي وعِزَّتِي وجَلالي لأَسْكَنْتُكَ الجَنَّةَ مَعَهُ ولا أُبَالي»(3).

القراءة المباشرة

مسألة: ينبغي قراءة الوصية ونظائرها من الأمور المهمة من الكتاب مباشرة، وإن كان القارئ لها حافظاً لها، فإن الإمام الباقر (عليه السلام) كان دون

ص: 327


1- الكافي: ج 1 ص52 باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب ح11.
2- الكافي: ج 1 ص52 باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب ح10.
3- الأمالي، للصدوق: ص37 المجلس العاشر ح3.

شك حافظاً للوصية، لكنه قرأها من الكتاب نفسه، ولعل السامع كان ضعيف الإيمان، أو لعل خلافاً حدث فأنكر بعض الوصية أو بعض حدودها، أو لعل القصد كان إثبات الأمر لمن سيأتي، أو لغير ذلك.

الوصية للزوج

مسألة: يستحب الوصية بجملة من الأموال للزوج الصالح، وكذلك لو كان يوجب ذلك صلاحه، وهل كانت هذه بعنوان الوصية أو بعنوان الوقف، احتمالان.

ثم إنها إذا كانت وصية فالأكثر منالثلث مشروط برضا سائر الورثة(1)، وهل الصديقة (عليها الصلاة والسلام) كانت تملك ما يكون هذا من ثلثها، أو كان ذلك برضا سائر الورثة، لا شك في رضاهم (عليهم السلام) ، وربما يقال يقال: إنها (عليها السلام) حيث كانت تملك فدك والعوالي وإن كانتا قد غصبتا من قبل القوم، فالحوائط السبعة كانت بقدر الثلث أو أقل منها، أو ما أشبه.

وربما كان الأمر تصرفاً ولائياً، فإنها (صلوات الله عليها) حجة الله على الحجج (عليهم السلام)، وفي الحديث عن الإمام العسكري (عليه السلام): «نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة (عليها السلام) حجة الله علينا»(2). وأمرها نافذ عليهم،

ص: 328


1- أما الوقف الآن - إذ لا يصح التعليق في الوقف - فنافذ في الكل، اللهم إلاّ لو كان في مرض الموت على رأي بعض.
2- عوالم العلوم، مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص1030 باب أن الأئمة (عليهم السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام)، عن أطيب البيان: ج13 ص225.

كنفوذ أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) قال تعالى: «النَّبِيُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»(1).

عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ رَوْحٍ القَصِيرِ، عَنْأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْل اللهِ عَزَّ وجَل: «النَّبِيُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وأُولوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ»(2) فِيمَنْ نَزَلتْ، فَقَال: نَزَلتْ فِي الإِمْرَةِ، إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ جَرَتْ فِي وُلدِ الحُسَيْنِ (عليهم السلام) مِنْ بَعْدِهِ فَنَحْنُ أَوْلى بِالأَمْرِ وبِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، قُلتُ: فَوُلدُ جَعْفَرٍ لهُمْ فِيهَا نَصِيبٌ، قَال: لا، قُلتُ: فَلوُلدِ العَبَّاسِ فِيهَا نَصِيبٌ، فَقَال: لا، فَعَدَدْتُ عَليْهِ بُطُونَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلبِ كُل ذَلكَ يَقُول: لا، قَال: ونَسِيتُ وُلدَ الحَسَنِ (عليه السلام) فَدَخَلتُ بَعْدَ ذَلكَ عَليْهِ فَقُلتُ لهُ: هَل لوُلدِ الحَسَنِ (عليه السلام) فِيهَا نَصِيبٌ، فَقَال: لا واللهِ، يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ مَا لمُحَمَّدِيٍّ فِيهَا نَصِيبٌ غَيْرَنَا»(3).

وعَنْ سُليْمِ بْنِ قَيْسٍ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ يَقُول: (كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ أَنَا والحَسَنُ والحُسَيْنُ وعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ وعُمَرُ ابْنُ أُمِّ سَلمَةَ وأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَجَرَى بَيْنِي وبَيْنَ مُعَاوِيَةَ كَلامٌ، فَقُلتُ لمُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُول: «أَنَا أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَخِي عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ عَليٌّ فَالحَسَنُ بْنُ عَليٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ

ص: 329


1- سورة الأحزاب: 6.
2- سورة الأحزاب: 6.
3- الكافي: ج 1 ص288 ح2.

أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ مِنْ بَعْدِهِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وسَتُدْرِكُهُ يَا عَليُّ، ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَليٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وسَتُدْرِكُهُ يَا حُسَيْنُ، ثُمَّ يُكَمِّلهُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةً مِنْ وُلدِ الحُسَيْنِ، قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ: واسْتَشْهَدْتُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ وعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ وعُمَرَ ابْنَ أُمِّ سَلمَةَ وأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَشَهِدُوا لي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، قَال سُليْمٌ: وقَدْ سَمِعْتُ ذَلكَ مِنْ سَلمَانَ وأَبِي ذَرٍّ والمِقْدَادِ، وذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلكَ مِنْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله) (1).

الوصية إلى الأكابر

مسألة: يستحب الوصية إلى الأكابر من الولد على حسب مقتضى الحكمة، وقد تقتضي الوصيةَ لمن يليهم، تأسياً بها (صلوات الله عليها)، ولأن فيه تكريماً لهم، كما أنه من أسباب تماسك الأسرة عادة.

النقل بالمضمون

مسألة: يجوز النقل بالمضمون، ما دام غير مخل بالمعنى، وعلى ذلك عمل العديد من الرواة، وبذلك ظهر وجه من وجوه اختلاف الروايات.

وعلى ذلك فإن الظاهر أن الاختلاف في بعض كلمات الروايات السابقة(2)

ص: 330


1- الكافي: ج 1 ص529 ح4.
2- إذ جاء في الرواية عن الإمام الحسن (عليه السلام) : (هذه وصية فاطمة بنت محمد ...) وجاء في الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): (هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله).

ناشئ من الرواة أنفسهم، إذ كانوا يعتمدون على الحافظة غالباً.

كما يحتمل أن تكون الصديقة الطاهرة (عليها السلام) أوصت مراراً عديدة، وكتبها علي (عليه السلام) أكثر من مرة، توثيقاً للأمر كي لا ينكره منكر، ولعل وصيتها كانت تارة بدون شهود، ثم طلبت من أمير المؤمنين (عليه السلام) كتابتها مرة أخرى بحضور الشهود، والله العالم.

ص: 331

الوصية للنساء

اشارة

في الرواية: إن فاطمة (عليها السلام) أوصت لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لكل واحدة منهن باثنتي عشرة أوقية(1)، ولنساء بني هاشم مثل ذلك، وأوصت لأمامة بن أبي العاص بشيء(2).

----------------------------

الوصية للأقرباء والأنسباء

مسألة: يستحب الوصية للأقرباء والأنسباء.

وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل، قال سبحانه: «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالدَيْنِ والأَقْرَبينَ»(3)، وهذه الرواية أيضاً من تلك الأدلة الدالة على استحباب مثل هذه الوصية.كما أنها تدل استحباب الوصية بالنسبة إلى الأنسباء، لأنها أوصت لأزواج النبي (صلوات الله عليه وآله) أيضاً، وهن أنسباء فاطمة (عليها الصلاة والسلام)، وحيث

ص: 332


1- الأوقية بضم الهمزة وتشديد الدال: أربعون درهماً، وقيل إنها نقلت بعدها في متعارف الناس وعند الأطباء إلى عشرة دراهم وخمسة أسباع الدرهم.
2- دلائل الإمامة: ص130 وصية فاطمة (صلوات الله عليها)، بحار الأنوار: ج 43 ص218 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها (صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها) ح50.
3- سورة البقرة: 180.

الملاك يعرف منه استحباب الوصية لمطلق الأنسباء فلا خصوصية لأزواج الأب.

هذا بالإضافة إلى استحباب مطلق الإحسان، قال سبحانه: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْل وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى»(1).

وقد ذكرنا في بعض الكتب الفقهية أن الإحسان منه واجب ومنه مستحب، وهذه الآية تصلح دليلاً لذلك، إذ كان (الاحسان) فيها متعلقاً لمادة الأمر.

وقال سبحانه: «إِنَّ اللهَ مَعَ الذينَ اتَّقَوْا والذينَ هُمْ مُحْسِنُون»(2)، وإن أمكن حملها على درجات الفضل والندب، فلا يلزم نفي أصل المعية بانتفاء الإحسان، لكن قرينية (الذين اتقوا) قد تكون وافية بالمراد، فتأمل.

إلى غيرها من الآيات والروايات.

وظاهر الإطلاق في (أوصت لأزواجالنبي) شمول الوصية بإعطاء اثني عشر أوقية لأمثال عائشة وحفصة أيضا، ولعل وجهه المزيد من إتمام الحجة عليهن بالإحسان إليهن مالياً لكي لا يكون حرمانهن ذريعة لهن لعدائهن مع الصديقة الزهراء (عليها السلام).

ص: 333


1- سورة النحل: 90.
2- سورة النحل: 128.

الوصية لنساء الأقارب

مسألة: تستحب الوصية للنساء من الأقارب ومن أشبه، كما أوصت الصديقة (عليها السلام) لهن، وهل الاستحباب خاص للمرأة أن توصي للنساء أم تشمل الرجل أيضاً، لا يبعد الأعم.

أما ما ورد من النهي عن ذلك فمحمول على غير الرشيدة أو ما أشبه، أو يراد أن تكون هي الوصي(1).

الوصية المتساوية والمتفاضلة

مسألة: تستحب الوصية بنحو المساواة بين المتساويين من جهة أو من جهات، إلاّ إذا كانت جهة مرجحة خارجية، كما تستحب المفاضلة بين المتفاضلين على حسب فضلهم، إلاّ إذا كانت جهة مزاحمة أقوى تقتضي المساواة، كما لو كان ذلك يوجب الفتنة أو الحسد أو شبه ذلك.

ولعل لذلك أوصت الصديقة (عليها السلام) بالمساواة بين أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) رغم تفاضلهن، وبمساواتهن مع نساء بني هاشم رغم اختلافهن، والحاصل لزوم مراعاة الحكمة في الوصية، فقد تقتضي المساواة وقدتقتضي المفاضلة.

قال تعالى: «وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً»(2)، فهذا الدليل

ص: 334


1- انظر من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص226 باب كراهية الوصية إلى المرأة ح5533.
2- سورة البقرة: 269.

حاكم على ما ربما يستفاد من مثل: (الناس سواء كأسنان المشط)(1)، و«فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لكَ فِي الخَلق»(2)، لو فرض أن له دلالة التزامية باستحباب المساواة حتى في مثل الوصية.كما أنه حاكم على مثل ما يفيد إيتاء كل ذي فضل فضله، نعم ذلك في غير ما نص عليه الشارع كالإرث، فإنه لا يجوز تقسيمه إلاّ كما حدده الشارع.

عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَعْقُوبَ قَال: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُل يَمُوتُ مَا لهُ مِنْ مَالهِ، فَقَال: «لهُ ثُلثُ مَالهِ، وللمَرْأَةِ أَيْضاً»(3).

ص: 335


1- تحف العقول: ص368، كما ورد قوله: (النَّاسُ كَأَسْنَانِ المُشْطِ سَوَاءٌ) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص379 ومن ألفاظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموجزة التي لم يسبق إليها ح5798، وقوله: (النَّاسُ كُلهُمْ سَوَاءٌ كَأَسْنَانِ المُشْط) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص39.
2- نهج البلاغة: الرسائل 53، تحف العقول: ص127 عهده (عليه السلام) إلى الأشتر حين ولاه مصر وأعمالها، بحار الأنوار: ج 33 ص600 ب30 باب الفتن الحادثة بمصر وشهادة محمد بن أبي بكر ومالك الأشتر (رضي الله عنهما) وبعض فضائلهما وأحوالهما وعهود أمير المؤمنين (عليه السلام) إليها ح742، وج 74 ص241 ب10 عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأشتر (رحمه الله) حين ولاه مصر ح1، مستدرك الوسائل: ج 13 ص161 ب42 باب ما ينبغي للوالي العمل به في نفسه ومع أصحابه ومع رعيته، جامع أحاديث الشيعة: ج 22 ص640 ب41 باب ما ينبغى للوالي العمل به في نفسه ومع أصحابه ومع رعيته ح16.
3- الكافي: ج 7 ص11 باب ما للإنسان أن يوصي به بعد موته وما يستحب له من ذلك ح3.

الوصية للمعصوم

مسألة: يستحب الوصية بشيء للمعصوم (عليه السلام) كما أوصت الصديقة (عليها السلام) لعلي (صلوات الله عليه)، ولا يختص ذلك بحال حياة المعصوم بل يستحب أن يوصي لمشهده الشريف، وما يتعلق به كالمساجد أو الحسينيات أو المكتبات التي باسمه المبارك، أو شبه ذلك، فيصرف فيها وفيما يرتبط به من شؤونه (عليه السلام)، ومنها هداية الناس إلى معرفته ومعرفة حقوقه ونشر علومه عن طريق طباعة الكتب وتكثير الأشرطة وغيرها.

كما تستحب أصل الوصية لنفسه ولأقربائه ولمطلق الخير.

قال تعالى: «كُتِبَ عَليْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالدَيْنِ والأَقْرَبينَ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلى المُتَّقين»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال:

«كَانَ البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيُ بِالمَدِينَةِ، وكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِمَكَّةَ، وإِنَّهُ حَضَرَهُ المَوْتُ وكَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِمَكَّةَ وأَصْحَابُهُ والمُسْلمُونَ يُصَلونَ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَوْصَى البَرَاءُ إِذَا دُفِنَ أَنْ يُجْعَل وَجْهُهُإِلى تِلقَاءِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) إِلى القِبْلةِ، وأَوْصَى بِثُلثِ مَالهِ، فَجَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ»(2).

وعَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) قَال: «مَنْ

ص: 336


1- سورة البقرة: 180.
2- الكافي: ج 7 ص10 باب ما للإنسان أن يوصي به بعد موته وما يستحب له من ذلك ح1.

لمْ يُوصِ عِنْدَ مَوْتِهِ لذَوِي قَرَابَتِهِ فَقَدْ خَتَمَ عَمَلهُ بِمَعْصِيَةٍ»(1).

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ بَعْضِ الأَئِمَّةِ (عليهم السلام) قَال: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى يَقُول: ابْنَ آدَمَ تَطَوَّلتُ عَليْكَ بِثَلاثٍ، سَتَرْتُ عَليْكَ مَا لوْ يَعْلمُ بِهِ أَهْلكَ مَا وَارَوْكَ، وأَوْسَعْتُ عَليْكَ فَاسْتَقْرَضْتُ مِنْكَ فَلمْ تُقَدِّمْ خَيْراً، وجَعَلتُ لكَ نَظِرَةً عِنْدَ مَوْتِكَ فِي ثُلثِكَ فَلمْ تُقَدِّمْ خَيْراً»(2).

ص: 337


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص182 باب ما جاء فيمن لم يوص عند موته لذي قرابته ممن لا يرث بشي ء من ماله قل أو كثر ح5415.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص181 باب حجة الله عز وجل على تارك الوصية ح5410.

قراءة الوصية

عن أبي بصير، قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إلاّ أقرؤك وصية فاطمة (عليها السلام)؟ قلت: بلى. قال: فأخرج إليّ صحيفة: «هذا ما عهدت فاطمة بنت محمد (عليها السلام) في أموالها إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإن مات فإلى الحسن (عليه السلام)، فإن مات فإلى الحسين (عليه السلام)، فإن مات فإلى الأكبر من ولدي دون ولدك: الدلال، والعواف، والمبيت، والبرقة، والحسنى، والصافية، وما لأم إبراهيم». شهد الله عزوجل على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام(1).

-------------------------------

إقراء الوصية

مسألة: يستحب إقراء الناس وصية عظماء الدين.

فإن مثل هذا الإقراء يوجب معرفة الناس بالأحكام الشرعية التي دلت عليها الوصية، سواء بالدلالة المطابقية أو التضمنية أو الالتزاميةأو غيرها(2)، كما أنه يوجب تعرف الناس على الأسلوب في الوصية لتتخذ أسوة.

قول الصديقة (عليها الصلاة والسلام): «شهد الله عزوجل» فيه محتملات

ص: 338


1- بحار الأنوار: ج 43 ص235 ب10 أوقافها وصدقاتها (صلوات الله عليها) ح30، عن الكافي: ج 7 ص49 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) ووصاياهم ح6.
2- كدلالة الاقتضاء، مثل (شهد) أي بعدم تكذيبه وعدم ردعه خارجاً.

ومعان:

المعنى الأول: إنه تعالى شهيد بعلمه وقيموميته وإحاطته على ذلك، فإنه سبحانه شهيد على كل شيء سواء أشهده الإنسان أو لم يشهده، لكنه بقوله يكون آكد إثباتاً(1)، وإن كان في عالم الثبوت مما لا يختلف.

المعنى الثاني: بمعنى جعلته سبحانه شهيداً على ذلك.

فالمعنى الأول إخبار وهذا المعنى إنشاء، وليس تحصيلاً للحاصل إذ إنه اعتبار يوجد بإنشائه.

المعنى الثالث: الشهادة التكوينية، كما في مثل قوله سبحانه: «وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً»(2)، فإنه استدلال على صدق الرسول (صلى الله عليه وآله) بعدم ردع الله تعالى، إذ لو لم يكن صادقاً - والعياذ بالله - لكان على الله ردعه أوفضحه، فعدم الردع والفضح دليل على تصديقه له، فهو شهادته له، فكيف بما إذا أيده بمختلف المعاجز، ومنها القرآن الحكيم النازل تحدياً للبشر بأنه لا يمكن أن يأتي بمثله بكامله، بل ولا بعشر سور من سوره، بل ولا بسورة واحدة، ولا بحديث مثله.

لكن المعنى الثالث مستبعد في المقام.

ثم إن السبب في تحديد الصديقة (عليها السلام) (الأكبر من ولدي دون ولدك) هو أن ولدها - وهم أولاده أيضاً كما هو واضح - هم الذين فيهم الأئمة (عليهم السلام) دون أولاده (عليه السلام) من غيرها.

ص: 339


1- اي إنه مثل سائر الإخبارات عن الحقائق الخارجية، كما تقول عن الناظر إلى فعل ما إنه شاهد على ذلك أو إنه من الشهود عليه.
2- سورة النساء: 79 و166، سورة الفتح: 28.

قولي ما أحببت

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): يا ابن العم أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها علي.

فقال لها: قولي ما أحببت.قالت له: تزوّج فلانة، تكون مربية لولدي من بعدي مثلي، واعمل نعشاً رأيت الملائكة قد صورته لي...

قال علي (عليه السلام): أفعل(1).

-----------------------------

حفظ الوصية

مسألة: يجب حفظ الوصية، خاصة وصية المعصوم (عليه السلام)، والمراد من (احفظ علي) إما حفظها مقدمة للعمل بها، أو هو كناية عن العمل نفسه أي فاعمل بها.

ص: 340


1- انظر علل الشرائع: ج 1 ص188 ب149 باب العلة التي من أجلها دفنت فاطمة عليها السلام بالليل ولم تدفن بالنهار ح2.

ما يقال للمحتضر

مسألة: يستحب أن يقال للمحتضر أن يوصي بما أحب، كما قال علي (عليه السلام) للصديقة (عليها السلام): «قولي ما أحببت».

فإنه نوع من الإكرام للمؤمن ونوع من الإحسان وكلاهما مستحب، إضافة إلى التأسي بهم (صلوات الله عليهم).

التلفظ بالوصية

مسألة: ينبغي تلفظ الإنسان بوصاياه.

ولا يخفى أن كلاً من التلفظ والإشارة والكتابة داخل في جامع استحباب الوصية، وإن كان للتلفظ مزية وللإشارة مزية وللكتابة مزية، كل في مورده.

فمزية التلفظ أنه إقرار فهو داخل في (إقرار العقلاء على أنفسهم) فتأمل(1)، وأنه يسمعه ويفهمه من يعرف القراءة ومن لا يعرف، وأن احتمال نفي نسبته لقائله في المباشر، أقل عكسالكتابة.

ومزية الإشارة أنها عمل جوارحي، والعمل الجوارحي ربما يكون أدل، فقد يقول الإنسان شيئاً ربما يحتمل المجاز، وقد يعمل شيئاً لا يحتمل المجاز

ص: 341


1- لعل وجهه أن الوصية تتضمن أو تستلزم الإقرار، فإن مسلك الإمام المصنف (قدس سره) أن الإقرار ليس من العقود والإيقاعات وليس بإنشاء، انظر (الفقه): ج73 ص253. أما الوصية فيرى المصنف (رحمه الله) أن بعضها عقود وبعضها إيقاعات وبعضها وعود وبعضها استدعاء، راجع (الفقه): الوصية ج61 ص8.

كالإشارة باليد أو بالرأس بأن يأتي أو لا يأتي.

ومزية الكتابة أنها تبقى، وفي الحديث: «قيّدوا العلم بالكتابة»(1).

وفي حديث آخر: «قَيِّدُوا العِلمَ بِالكِتَابِ»(2).

ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: «قَيِّدُوا العِلمَ، قِيل: ومَا تَقْيِيدُهُ، قَال: كِتَابَتُه»(3).

كما أنها لا تحتمل عادة التغيير بالقياس إلى اللفظ المحتمل فيه ذلك أكثر، لخطأ الحافظة في بعض الأحيان.

ولعل الكتابة هنا أرجح من اللفظ، واللفظ أرجح من الإشارة، نعم تجب أحياناً الكتابة إذا توقف عليها إثبات الحقوق، كما ذكرناه في الفقه بابالوصية(4).

وأما قولها (عليها السلام): (تكون مربية لولدي من بعدي مثلي)، فإنه يراد بكونها مثلها إما المجاز بإرادة أقرب المعاني الممكنة للحقيقة، إذ لا يعقل أن يكون غيرها مثلها (صلوات الله عليها) في التربية، أو الحقيقة بإرادة المعنى الظاهري المادي الملموس من التربية، لا المعنوي الروحي العلمي وشبه ذلك.

ص: 342


1- أعلام الدين: ص82، بحار الأنوار: ج 58 ص124.
2- تحف العقول: ص36.
3- منية المريد: ص267.
4- راجع موسوعة (الفقه): ج61 كتاب الوصية.

الأصلح في تربية الأبناء

مسألة: ينبغي انتخاب الأصلح والأفضل لتربية الأبناء عند الزواج بامرأة أخرى بعد وفاة الأولى أو طلاقها أو شبه ذلك(1).

كما ورد انتخاب الأصلح في أصل الزواج واختيار المرضعة.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُول: «إِنَّمَا المَرْأَةُ قِلادَةٌ فَانْظُرْ إِلى مَا تَقَلدُهُ، قَال: وَسَمِعْتُهُ يَقُول: «ليْسَ للمَرْأَةِ خَطَرٌ لا لصَالحَتِهِنَّ ولا لطَالحَتِهِنَّ، أَمَّا صَالحَتُهُنَّ فَليْسَ خَطَرُهَا الذَّهَبَ والفِضَّةَ، بَل هِيَ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وأَمَّا طَالحَتُهُنَّ فَليْسَ التُّرَابُ خَطَرَهَا بَل التُّرَابُ خَيْرٌ مِنْهَا»(2).

وقَامَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) خَطِيباً فَقَال: «أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وخَضْرَاءَ الدِّمَنِ».

قِيل: يَا رَسُول اللهِ ومَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ، قَال: «المَرْأَةُ الحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ السَّوْءِ»(3).وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «لا تَسْتَرْضِعُوا الحَمْقَاءَ فَإِنَّ اللبَنَ يُعْدِي، وإِنَّ الغُلامَ يَنْزِعُ إِلى اللبَنِ يَعْنِي إِلى الظِّئْرِ فِي الرُّعُونَةِ والحُمْقِ»(4).

ص: 343


1- كغيبتها مدة طويلة لتهجير أو سجن أو شبه ذلك.
2- الكافي: ج 5 ص332 باب اختيار الزوجة ح1.
3- الكافي: ج 5 ص332 باب اختيار الزوجة ح4.
4- الكافي: ج 6 ص43 باب من يكره لبنه ومن لا يكره ح8.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) يَقُول: لا تَسْتَرْضِعُوا الحَمْقَاءَ فَإِنَّ اللبَنَ يَغْلبُ الطِّبَاعَ، وَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): لا تَسْتَرْضِعُوا الحَمْقَاءَ فَإِنَّ الوَلدَ يَشِبُّ عَليْهِ»(1).

رؤية الملائكة

مسألة: الظاهر أن الصديقة (عليها السلام) وسائر المعصومين (عليهم السلام) يرون الملائكة، ولكنهم لا يوحى إليهم بالوحي النبوي كما هو واضح، وأما تكلمهم مع الملائكة وتكلمها معهم فهو ممكن وواقع، وليس هو بالوحي المصطلح أي ما يوحى للنبي بما هو نبي.

وفي روايات كثيرة أن الملائكة تختلف عليهم (صلوات الله عليهم):قَال عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ (عليه السلام): «ما يَنْقِمُ النَّاسُ مِنَّا فَنَحْنُ واللهِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وبَيْتُ الرَّحْمَةِ ومَعْدِنُ العِلمِ ومُخْتَلفُ المَلائِكَةِ»(2).

وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) قَال: قَال أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّا أَهْل البَيْتِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ ومَوْضِعُ الرِّسَالةِ ومُخْتَلفُ المَلائِكَةِ وبَيْتُ الرَّحْمَةِ ومَعْدِنُ العِلمِ»(3).

وعَنْ خَيْثَمَةَ قَال: قَال لي أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «يَا خَيْثَمَةُ نَحْنُ شَجَرَةُ

ص: 344


1- الكافي: ج 6 ص43 باب من يكره لبنه ومن لا يكره ح9.
2- الكافي: ج 1 ص221 باب أن الأئمة عليهم السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة ح1.
3- الكافي: ج 1 ص221 باب أن الأئمة عليهم السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة ح2.

النُّبُوَّةِ وبَيْتُ الرَّحْمَةِ ومَفَاتِيحُ الحِكْمَةِ ومَعْدِنُ العِلمِ ومَوْضِعُ الرِّسَالةِ ومُخْتَلفُ المَلائِكَةِ ومَوْضِعُ سِرِّ اللهِ، ونَحْنُ وَدِيعَةُ اللهِ فِي عِبَادِهِ، ونَحْنُ حَرَمُ اللهِ الأَكْبَرُ، ونَحْنُ ذِمَّةُ اللهِ، ونَحْنُ عَهْدُ اللهِ، فَمَنْ وَفَى بِعَهْدِنَا فَقَدْ وَفَى بِعَهْدِ اللهِ، ومَنْ خَفَرَهَا فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللهِ وعَهْدَهُ»(1).وفي زيارة الجامعة: «السَّلامُ عَليْكُمْ يَا أَهْل بَيْتِ النُّبُوَّةِ ومَوْضِعَ الرِّسَالةِ ومُخْتَلفَ المَلائِكَةِ ومَهْبِطَ الوَحْيِ ومَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وخُزَّانَ العِلمِ ومُنْتَهَى الحِلمِ وأُصُول الكَرَم»(2).

ص: 345


1- الكافي: ج 1 ص221 باب أن الأئمة (عليهم السلام) معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة ح3.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص610 زيارة جامعة لجميع الأئمة (عليهم السلام).

الدفن ليلاً

روي أن فاطمة (صلى الله عليه وآله) أوصت: أن تدفن ليلاً.

-------------------------

مسألة: يستحب أو يجب الوصية بالدفن ليلاً إذا كان الدفن في النهار مقدمة لمحذور من المحرمات أو المكروهات، أو كان في الدفن ليلاً مصلحة ملزمة أو راجحة.

والمحذور قد يكون العدو أو الحيوان أو ما أشبه.

والمصلحة قد تكون فضح الظالم وإظهار البراءة منه كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها).

وفي العكس أيضاً كذلك، كما إذا كان في دفن الليل محذور فإنه يستحب أو يجب الدفن نهاراً، وكذلك بالنسبة إلى ساعات الليل والنهار على حسب القواعد العامة.

وإلا فالأفضل التعجيل بتجهيز الميت على ما ذكر في أحكامه.

قَال ابْنُ طَلحَةَ: فَلمَّا مَاتَ علي (عليه السلام) غَسَّلهُ الحَسَنُ والحُسَيْنُ، ومُحَمَّدٌ يَصُبُّ المَاءَ، ثُمَّ كُفِّنَ وحُنِّطَ وحُمِل ودُفِنَ فِي جَوْفِ الليْل بِالغَرِي (1).

ص: 346


1- كشف الغمة: ج 1 ص437 في ذكر قتله ومدة خلافته وذكر عدد أولاده صلوات الله عليه.

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا مَعْشَرَ النَّاسِ لا أَلقَيَنَ رَجُلا مَاتَ لهُ مَيِّتٌ ليْلا فَانْتَظَرَ بِهِ الصُّبْحَ، ولا رَجُلا مَاتَ لهُ مَيِّتٌ نَهَاراً فَانْتَظَرَ بِهِ الليْل، لا تَنْتَظِرُوا بِمَوْتَاكُمْ طُلوعَ الشَّمْسِ ولا غُرُوبَهَا، عَجِّلوا بِهِمْ إِلى مَضَاجِعِهِمْ يَرْحَمُكُمُ اللهُ، قَال النَّاسُ: وأَنْتَ يَا رَسُول اللهِ يَرْحَمُكَ اللهُ»(1).

ص: 347


1- وسائل الشيعة: ج 2 ص472 ب47 باب استحباب تعجيل تجهيز الميت ودفنه ليلا مات أو نهارا مع عدم اشتباه الموت ح1. وراجع الكافي: ج 3 ص137 باب تعجيل الدفن ح1، تهذيب الأحكام: ج 1 ص427 ب23 باب تلقين المحتضرين ح4، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص140 باب غسل الميت ح386.

السرير الطاهر

اشارة

روي أنه: أوصت فاطمة (عليها السلام) أن تحمل على سرير طاهر.

----------------------------

سرير الميت

مسألة: يستحب الوصية بالحمل على سرير طاهر.

مسألة: لا تشترط الطهارة في السرير الذي يحمل عليه الميت وإن كانت مستحبة، نعم لا تجوز النجاسة المسرية إلى كفن الميت أو جسده.

ثم إنه هل الطهارة تشمل المعنى الأعم أي المعنوية أيضاً، بأن لا يكون السرير وشبهه مغصوباً، أو تختص بالطهارة الظاهرية بأن لا يكون نجساً، الإطلاق يقتضي الأعم، وإن كان الانصراف يقتضي الأخص(1).

كما أن الطهارة الظاهرية تشمل الطهارة عن القذارة وإن لم تكن نجسة، وعن النجاسة كما لا يخفى.

قال تعالى: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَيُحِبُّالمُتَطَهِّرين»(2).

ص: 348


1- ويحتمل أن يكون إطلاقه على غير الأخص مجازاً، نظراً لأن إطلاق الطاهر على الطاهر من الغصب بعلاقة مصححة، وفيه: إن الطاهر للجامع، والقرينة معينة.
2- سورة البقرة: 222

دعاء عند الوفاة

اشارة

قالت أسماء: فرأيتها - أي الصديقة فاطمة (عليها السلام) - رافعةً يديها إلى السماء وهي تقول: «اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى وشوقه إليّ، وببعلي علي المرتضى وحزنه عليّ، وبالحسن المجتبى وبكائه عليّ، وبالحسين الشهيد وكآبته عليّ، وببناتي الفاطميات وتحسّرهن عليّ، أن ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد وتدخلهم الجنة، إنك أكرم المسؤولين وأرحم الراحمين»(1).

----------------------------

الدعاء بالخمسة الطيبة

مسألة: يستحب الدعاء بالخمسة الطيبة (عليهم السلام)، كما سألت الصديقة (عليها السلام) الباري عزوجل بهم في دعائها.

وقد أمر الله أنبياءه (عليهم السلام) في الأمم السابقة بالتوسل بهم (صلوات الله عليهم) كما دلت على ذلك متواتر الروايات، بل هذا موجود في روايات العامة أيضاً.

عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله):

ص: 349


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص891 ب58 كلامها ودعاؤها (عليها السلام) عند وفاتها ح120.

«إِنَّهُيُكْرَهُ للعَبْدِ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ ولكِنِّي أَقُول: إِنَّ آدَمَ (عليه السلام) لمَّا أَصَابَ الخَطِيئَةَ كَانَتْ تَوْبَتُهُ أَنْ قَال: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ لمَّا غَفَرْتَ لي، فَغَفَرَهَا لهُ.

وإِنَّ نُوحاً (عليه السلام) لمَّا رَكِبَ السَّفِينَةَ وخَافَ الغَرَقَ قَال: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ لمَّا أَنْجَيْتَنِي مِنَ الغَرَقِ، فَأَنْجَاهُ اللهُ مِنْهُ.

وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) لمَّا أُلقِيَ فِي النَّارِ قَال: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ لمَّا أَنْجَيْتَنِي مِنْهَا، فَجَعَلهَا اللهُ عَليْهِ بَرْداً وسَلاماً.

وإِنَّ مُوسَى (عليه السلام) لمَّا أَلقَى عَصَاهُ وأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً قَال: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ لمَّا آمَنْتَنِي، فَقَال لهُ اللهُ عَزَّ وجَل: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى»(1).

وعَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَال: إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) أَكْثَرُ مَا يُلحُّ بِهِ فِي الدُّعَاءِ عَلى اللهِ بِحَقِ الخَمْسَةِ، يَعْنِي رَسُول اللهِ وأَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وفَاطِمَةَ والحَسَنَ والحُسَيْنَ عليهم السلام»(2).وعَنِ المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ، عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) فِي قَوْلهِ تَعَالى «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلماتٍ»(3)، قَال: «هِيَ الكَلمَاتُ التِي تَلقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ فَتَابَ عَليْهِ، وهُوَ أَنَّهُ قَال: يَا رَبِّ أَسْأَلكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وعَليٍّ وفَاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَيْنِ

ص: 350


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص100 ب37 باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد (عليهم السلام) ح6.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص97 ب37 باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد (عليهم السلام) ح1.
3- سورة البقرة: 124.

إلاّ تُبْتَ عَليَّ فَتَابَ عَليْهِ»(1) الحديث.

وعَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ قِصَّةِ يُوسُفَ يَقُول فِي آخِرِهِ: «هَبَطَ جَبْرَئِيل عَلى يَعْقُوبَ فَقَال: إلاّ أُعَلمُكَ دُعَاءً يَرُدُّ اللهُ بِهِ بَصَرَكَ ويَرُدُّ عَليْكَ ابْنَيْكَ، قَال: بَلى، قَال: فَقُل: مَا قَالهُ أَبُوكَ آدَمُ فَتَابَ اللهُ عَليْهِ، ومَا قَالهُ نُوحٌ فَاسْتَوَتْ سَفِينَتُهُ عَلى الجُودِيِّ ونَجَا مِنَ الغَرَقِ، ومَا قَالهُ أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ خَليل الرَّحْمَنِ حِينَ أُلقِيَ فِي النَّارِ فَجَعَلهَا اللهُ عَليْهِ بَرْداً وسَلاماً، قَال يَعْقُوبُ: وَمَا ذَلكَ يَا جَبْرَئِيل.

فَقَال: قُل: اللهُمَ إِنِّي أَسْأَلكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وعَليٍّ وفَاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَيْنِ (عليهم السلام) أَنْ تَأْتِيَنِي بِيُوسُفَ وبِنْيَامِينَ جَمِيعاً وتَرُدَّ عَليَّ عَيْنِي، فَقَالهُ فَمَااسْتَتَمَّ يَعْقُوبُ هَذَا الدُّعَاءَ حَتَّى جَاءَ البَشِيرُ فَأَلقَى قَمِيصَ يُوسُفَ عَليْهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً»(2).

لوحات سليمانية

ونقل أنه وجد أخيراً في الحرب العالمية الأولى سنة 1916م، عندما كان بعض الجنود البريطانيين يحفرون ملاجئ لهم في الحرب في قرية (أونتره) التي تبعد بضعة كيلو مترات عن مدينة القدس أنهم عثروا على لوح فضية مرصعة حواشيها بالمجوهرات الثمينة قد رسمت في وسطها حروف مذهبة، فأخذ الجنود تلك اللوح

ص: 351


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص99 ب37 باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد (عليهم السلام) ح4.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص97 ب37 باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد (عليهم السلام) ح7.

إلى قائدهم(1) وكلما حاول هذا القائد فهم تلك الخطوط لم يتمكن، لكنه أدرك أن اللوحة كتبت بلغة قديمة جداً، ثم تناقلت هذه اللوحة أيد كثيرة إلى أن وصلت إلى يد القائد الجيش(2) وبعد جمع عدة من العلماء في اللغات القديمة من بريطانيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وجملة من الدول الأوروبيةكشفوا(3) أن هذه لوحة كتب في زمان سليمان (عليه الصلاة والسلام) وهو كلامه، ففي اللوح كتب هذا الكلام:

«يا أحمد أغثني، يا علي أعني، يا بتول اطفي عليّ(4)، يا حسن أكرمني(5)، يا حسين سرني(6)، هذا سليمان يستغيث الآن بهذه العظماء الخمسة، وعليٌّ هو قدرة الله»(7).

وقد سببت هذه اللوحة إسلام جماعة من الغربيين(8).

ص: 352


1- وهو مَجَري واسمه (اين كرنول).
2- وهو كلادستون.
3- وقد تمت الترجمة في 3 / 1 / 1920.
4- أو برعايتك.
5- أو بكرمك.
6- أو أحسن.
7- وكان من المقرر وضع هذه اللوحة في المتحف الملكي البريطاني إلاّ أن الأسقف الأعظم (لورد ريشوب) أصر على اخفائه ووضعه في أمانة السر للكنيسة البريطانية وقال ما ملخصه: ( إذا صارت هذه اللوحة أمام أنظار الناس فسوف يتضعضع أساس المسيحية وسوف يشيع المسيحيون بأنفسهم جنازة المسيحية ويدفنونها في مقبرة النسيان). وللمزيد من التفاصيل عن هذه القضية يراجع الصفحة 249 من كتاب Wahder fulstories of islam ومجلة كرانيكل - لندن 30 ديسمبر 1926 م.
8- ومنهم (تامس) و(وليام).

لوحات سفينة نوح

ونقل أيضاً في قصة مشابهة في شهر حزيران من عام 1951م كانت من مجموعة من خبراء المناجم الروس تبحث عن منجم فاشتغلوا بحفر الأرض، وعند ذلك عثروا على بعض الألواح الخشبية القديمة التي نخرتها الأرض وأثرت أثرها فيها، وبعدما حفروا أكثر وجدوا قطعاً كثيرة تحت الأرض قد أصبحت خاوية بسبب مرور الزمن عليها، ومن العلامات الموجودة عليها أدركوا بأنها لابد أن تتكون من الخشب غير العادي وتشتمل على بعض الرموز، ولذا أخذوا ينبشون الأرض بدقة كاملة فرأوا قطعاً من الخشب البالي وأشياء أخرى ثم رأوا خشبة مستطيلة الشكل قد حيّرتهم جميعاً لأنها كانت صحيحة سالمة لم تؤثر الأرض فيها بخلاف سائر الخشب.

ثم إن الدولة الروسية لما علمت بهذا الحادث شكلت(1) لجنة بالتحقيق حول هذه الخشبة، وقد شكلت اللجنة بعضوية جملة من خبراء الآثار وأساتذة اللغات القديمة وبالنتيجة وبعد ثمانية أشهر من التحقيق انكشفت لدى اللجنة أسرار هذه الخشبة، وتبين لها أن هذه الخشبة هي قطعة من سفينة نوح (عليه السلام) قدكتب عليها بعض الكلمات باللغة السامانية، للاستنجاد والتيمن، وكان الرسم بشكل كف اليد، وكان قد علقها على صدر السفينة، وكان المكتوب عليها بترجمتنا العربية له:

«يا رب يا معيني، بلطفك ورحمتك وبالذوات المقدسة محمد، إيليا،

ص: 353


1- شكلت اللجنة في 27 شباط 1953م.

شبّر، شبير، وفاطمة (عليهم السلام) خذ بيدي، هذه الذوات الخمسة المقدسة هي أعظم من كل أحد، ويجب احترامها، وخُلق كل العالم لأجلها، إلهي بواسطة أسمائهم أسعفني، إنك قادر على أن تهدي الناس إلى الصراط المستقيم»(1).

ثم لا يخفى استدلالنا على عظمة الخمسة الطيبة وسائر المعصومين (عليهم السلام) ومكانتهم هو بالعقل والمعجزات والقرآن والنقل المتواتر، الصيحح سنداً، والصريح دلالةً، وبالبراهين العلمية، وأما ما نقلناه فيصلح دليلاً أو مؤيداً حتى للمشكك، فإنه لا مجال لاستبعاد ذلك بل إن وجود اللوحين هو على القاعدة(2).

ص: 354


1- المصدر: مجلة weekly mimmor ديسمبر 1953 م. ومجلة taoalle h306 نوفمبر، موسكو.
2- فإن الناس يستغيث بعضهم ببعض، كما يستنجدون بالشرطة وقوات الدرك وغيرها، وكما تستنجد المراكب في البحار والطائرات في الأجواء وغيرها بقوات خفر السواحل وغيرها وعبر الإشارات اللاسلكية أو الرسائل الصوتية أو المكتوبة أو إرسال سفير ومندوب أو غير ذلك، مع عدم علمهم بوصول رسالة الاستنجاد أو علمهم بالوصول أو شكهم في قدرة المستنجد بهم على فعل شيء. وإذا كان ذلك حال الناس يفعلونه بفطرتهم واضطرار عقولهم، فلماذا لا يستنجد الأنبياء (علهيم السلام) وهم سادة العقلاء بإله الأرضين والسماوات، ولما ذا لا يستشفعون بأحب الخلق إليه تعالى، قال عزوجل: «وَ لوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لهُمُ الرَّسُول لوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحيم» سورة النساء: 64.

التوسل بالفاطميات

مسألة: يستحب التوسل والدعاء بالنساء الفاطميات، كالسيدة الجليلة زينب الكبرى (صلوات الله عليها).

ومنه يعلم استحباب التوسل بالسيدة الجليلة أم البنين (عليها السلام)، والسيدة الجليلة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) وأمهات المعصومين (صلوات الله عليهم)، ومن أشبه من الصالحات المنتسبات إلى أهل البيت (عليهم السلام).

وذلك لعدم القول بالفصل، بل لإلغاء الخصوصية في أصل القضية وإن كانت ذات مدخلية في درجاتها، وسائر الأدلة بإطلاقها شاملة للمقام، مثل قوله تعالى: «وَابْتَغُوا إِليْهِ الوَسيلة»(1).

كما قالت الصديقة (عليها الصلاة والسلام): «وببناتي الفاطميات».

ثم إن إتيانها بصيغة الجمع (ببناتي) فيه احتمالان:

الأول: المراد هو الجمع المنطقي والعرفي حيث يصدق على الاثنين، فيراد بها زينب وأم كلثوم (عليهما السلام). وإطلاق الجمع على الاثنين كثير، كما لا يخفى على من له إلمام باللغةالعربية، بل وحتى سائر اللغات.

الاحتمال الثاني: ما ذكره بعض المؤرخين من أن الصديقة فاطمة (عليها الصلاة والسلام) ولدت لعلي (عليه الصلاة والسلام) ثلاث بنات: زينب وأم كلثوم وبنت ثالثة، فالجمع لغوي أيضاً، لا منطقي عرفي فقط.

ص: 355


1- سورة المائدة: 35.

ولا يبعد شمول الملاك في ما ذكر من التوسل بهن (عليهن السلام) لسائر المقربين إلى الله سبحانه من العلماء والزهاد والعباد ومن أشبه.

السبط وكثرة البكاء على الأُم

مسألة: يستحب بيان أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان كثير البكاء على أُمه فاطمة (عليها السلام)، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) كثير الكآبة عليها (صلوات الله وسلامه عليها).

وهذا يدل على شدة ارتباطهما بأُمهما فاطمة (عليها السلام) ورقة قلبهما.

ويستحب التأسي بهما في ذلك أيضاً.

والكآبة هي الغم والانكسار من الحزن، وتتجلى بعض التجلي على ملامح الوجه وغيره، من دون بكاء أو مع قلته، وأما البكاء فهو المظهر الأظهر للحزن، ولعل الكآبة أخص مطلقاً منالحزن(1).

وهكذا كان سائر المعصومين (عليهم السلام).

البكاء على الميت

مسألة: يستحب كثرة الكآبة والبكاء لميت يستحق ذلك كالأُم الصالحة، فيكف إذا كانت من العارفات الكاملات، إلاّ إذا زوحم ذلك بالأهم.

هذا مضافاً إلى فوائد البكاء الكثيرة.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّيْقَل، عَنْ أَبِيهِ، قَال: شَكَوْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللهِ

ص: 356


1- فإن الكآبة هي الغم والانكسار من الحزن.

(عليه السلام) وَجْداً وَجَدْتُهُ عَلى ابْنٍ لي هَلكَ حَتَّى خِفْتُ عَلى عَقْلي، فَقَال: «إِذَا أَصَابَكَ مِنْ هَذَا شَيْ ءٌ فَأَفِضْ مِنْ دُمُوعِكَ فَإِنَّهُ يَسْكُنُ عَنْكَ»(1).

وقَال (عليه السلام): «مَنْ خَافَ عَلى نَفْسِهِ مِنْ وَجْدٍ بِمُصِيبَةٍ فَليُفِضْ مِنْ دُمُوعِهِ فَإِنَّهُ يَسْكُنُ عَنْهُ»(2).

ذكر الوصف

مسألة: يستحب ذكر الوصف فيما يقتضيه، وقد ذكرت الصديقة (صلوات الله عليها) في كل واحد من الأسماء اللقب وإحدى خصوصياته المناسبة للمقام. وهكذا نجد في القرآن الكريم وسائر الروايات.

قال تعالى: «الذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجيل يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ويُحِل لهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَليْهِمُ الخَبائِثَ ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأَغْلال التي كانَتْ عَليْهِمْ فَالذينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبَعُوا النُّورَ الذي أُنْزِل مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفْلحُون»(3).

وعَنْ بُرَيْدَةَ، قَال: أَمَرَنَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) أَنْ نُسَلمَ عَلى عَليٍ (عليه السلام) بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِينَ(4).

ص: 357


1- الكافي: ج 3 ص250 باب النوادر ح3..
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص187 باب النوادر ح568.
3- سورة الأعراف: 157.
4- الأمالي، للطوسي: ص331 المجلس الثاني عشر ح1.

وعن أَبِي ذَرٍّ قَال: أَمَرَنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ نُسَلمَ عَلى عَليٍ (عليه السلام)، وقَال: سَلمُوا عَلى أَخِي، وخَليفَتِي، ووَارِثِي فِي قَوْمِي، ووَليِّ كُل مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ مِنْ بَعْدِي سَلمُوا عَليْهِ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ وَليُّ كُل مَنْ سَكَنَ الأَرْضَ إِلى يَوْمِ العَرْضِ، ولوْ قَدَّمْتُمُوهُ لأَخْرَجَتْ لكُمُ الأَرْضُ بَرَكَاتِهَا فَإِنَّهُ أَكْرَمُ كُل مَنْ عَليْهَا مِنْ كُل أَهْلهَا، قَال أَبُو ذَرٍّ:فَرَأَيْتُ عُمَرَ قَدْ تَغَيَّرَ لوْنُهُ وقَال: أَحَقٌّ مِنَ اللهِ؟ قَال: نَعَمْ، أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وقَال: أَحَقٌّ مِنَ اللهِ؟ قَال: نَعَمْ، أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي، وذَلكَ حَقٌّ مِنَ اللهِ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، فَقَامَ وسَلمَ عَليْهِ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَقْبَل عَلى أَصْحَابِهِمَا وقَالوا مَا قَالاه(1).

الدعاء لعامة الناس

مسألة: يستحب الدعاء لعموم الناس، ويتأكد في حالات الشدة والحزن، للأدلة الخاصة، ولأقربية استجابة الدعاء حينئذ حيث انكسار القلب، وفي الحديث القدسي: «أنا عند المنكسرة قلوبهم»(2)، ولما يستفاد من الروايات أن المريض والمبتلى قد يكون أقرب إلى رحمة الله تعالى.

كما يشمله أيضاً عموم استحباب الدعاء، قال سبحانه: «وَقال رَبُّكُم ادْعُوني أَسْتَجِبْلكُمْ»(3).

ص: 358


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام): ص122.
2- راجع منية المريد: ص123، وفي حديث سُئِل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أَيْنَ اللهُ، فَقَال: «عِنْدَ المُنْكَسِرَةِ قُلوبُهُم». الدعوات للراوندي: ص120 ح282. بحار الأنوار: ج 70 ص157 ب125 الغفلة واللهو وكثرة الفرح والإتراف بالنعم ح3.
3- سورة غافر: 60.

وقال تعالى: «قُل ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لوْ لا دُعاؤُكُم»(1).

وفي الحديث: «الدعاء سلاح المؤمن»(2).

وقال عليه السلام: «الدعاء مخ العبادة»(3).

إلى غير ذلك مما رواه العلامة المجلسي (رحمه الله) في كتاب الدعاء من البحار، وألمعنا إلى جملة منها في بعض كتبنا.

شهادة الحسين والتأكيد عليها

مسألة: يستحب التأكيد على شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) ومظلوميته، كما قالت (عليها السلام): «وبالحسين الشهيد».

وهكذا كان التأكيد من قبل سائر المعصومين (عليهم السلام):روي أن الإمام الحسن (عليه السلام) قال للإمام الحسين (عليه السلام): «إِنَّ الذِي يُؤْتَى إِليَّ سَمٌّ يُدَسُّ إِليَّ فَأُقْتَل بِهِ، ولكِنْ لا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله»(4).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: لمَّا اشْتَدَّ بِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) مَرَضُهُ الذِي مَاتَ فِيهِ ضَمَّ الحُسَيْنَ (عليه السلام) إِلى صَدْرِهِ يَسِيل مِنْ عَرَقِهِ عَليْهِ وهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ ويَقُول: مَا لي وليَزِيدَ، لا بَارَكَ اللهُ فِيهِ، اللهُمَّ العَنْ يَزِيدَ، ثُمَّ غُشِيَ عَليْهِ

ص: 359


1- سورة الفرقان: 77.
2- الكافي: ج 2 ص468 باب أن الدعاء سلاح المؤمن ح1.
3- وسائل الشيعة: ج 7 ص27 ب2 باب استحباب الإكثار من الدعاء ح9 و14.
4- الأمالي، للصدوق: ص116 المجلس الرابع والعشرون ح3.

طَوِيلا وأَفَاقَ وجَعَل يُقَبِّل الحُسَيْنَ (عليه السلام) وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ويَقُول: أَمَا إِنَّ لي ولقَاتِلكَ مُقَاماً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وجَل»(1).

كثرة البكاء على المعصوم

مسألة: يستحب كثرة البكاء والكآبة والتحسر على فقد المعصوم (عليه السلام)، وخاصة الصديقة فاطمة (عليها السلام)كما كانوا (عليهم السلام) كذلك في فقدها (عليهم السلام).

ولا يتوهم أن ذلك خاص بسنة دونأخرى أو مكان دون آخر، نعم في المناسبات يتأكد الاستحباب، فإن كل ذلك مشمول لأدلة المواساة وأدلة البكاء والحزن، مثل:

«وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمةً لنا»(2).

و: «تلك الصرخة التي كانت لنا»(3).

و: «يحزنون لحزننا»(4).

ص: 360


1- بحار الأنوار: ج 44 ص266 ب31 ما أخبر به الرسول وأمير المؤمنين والحسين (صلوات الله عليهم) بشهادته (صلوات الله عليه) ح24.
2- الكافي: ج 4 ص582 باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ح11.
3- كامل الزيارات: ص117 الباب الأربعون ح2.
4- بحار الأنوار: ج 44 ص287 ب34 ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة (عليهم السلام) وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء ح26، عن الخصال: ج 2 ص635 علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، غرر الحكم ودرر الكلم: ص817، جامع الأخبار، للشعيري: ص179 الفصل الحادي والأربعون والمائة في النوادر.

و: «وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا»(1).

البكاء على فقد الأُم

مسألة: يستحب كثرة البكاء والكآبةوالتحسر على فقد الأُم.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَال: أَقْبَل عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) بَاكِياً وهُوَ يَقُول: «إِنَّا للهِ وإِنَّا إِليْهِ راجِعُونَ»، فَقَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَهْ يَا عَليُّ»، فَقَال عَليٌّ (عليه السلام): «يَا رَسُول اللهِ مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ» قَال: فَبَكَى النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ قَال: «رَحِمَ اللهُ أُمَّكَ يَا عَليُّ، أَمَا إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لكَ أُمّاً فَقَدْ كَانَتْ لي أُمّاً»(2) الحديث.

استحباب الشفاعة

مسألة: تستحب الشفاعة للمذنبين، وقد سبق الكلام عن ذلك في بعض أجزاء الكتاب.

مسألة: يستحب الدعاء للشفاعة وشمولها للمذنبين.

ثم إن المراد من (تغفر للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وآله) هو من له قابلية أن تشمله المغفرة، ومن له صلاحية أن يشفع له، إذ من الواضح خروج أقوام من ذلك كالناصبي ومنكر الولاية عن عناد وإصرار، أما القاصر منهمفيعاد امتحانه يوم القيامة.

ص: 361


1- الكافي: ج 4 ص582 باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ح11.
2- الأمالي، للصدوق: ص314 المجلس الحادي والخمسون ح14.

والحاصل: إن (العصاة) هنا منصرف إلى من ارتضى الله الشفاعة له، لا مطلقاً.

قال تعالى: «لا يَشْفَعُونَ إلاّ لمَنِ ارْتَضى»(1).

وفي الرواية: «لا تنال شفاعتنا مستخفاً بصلاته»(2).

ص: 362


1- سورة الأنبياء: 28.
2- الوافي: ج 20 ص637 ح14، وأيضاً بألفاظ أخرى مثل: (إِنَّ شَفَاعَتَنَا لا تَنَال مُسْتَخِفّاً بِصَلاتِه) فلاح السائل: ص127، و(إِنَّ شَفَاعَتَنَا لا تَنَال مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاةِ) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص206 باب فرض الصلاة ح218، و(إِنَّ شَفَاعَتَنَا لنْ تَنَال مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاة) مستدرك الوسائل: ج 3 ص25 ب6 باب تحريم الاستخفاف بالصلاة والتهاون بها ح2.

من أدعية الصديقة

اشارة

كان من دعاء الصديقة فاطمة (عليها السلام) في شكواها(1):

«يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ فَأَغِثْنِي، اللهُمَّ زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ، وَأَدْخِلنِي الجَنَّةَ، وَأَلحِقْنِي بِأَبِي مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)». فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لها: «يعافيك الله ويبقيك». فتقول: «يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق بالله»(2).

----------------------------

طلب الجنة

مسألة: يستحب طلب الجنة، والزحزحة عن النار.

لا يقال: إن الصديقة (عليها السلام) كانت تعرف أنها تدخل الجنة وتزحزح عن النار، فما فائدة الدعاء بذلك؟

لأنه يقال: هذا من الضراعة إلى اللهوالتواضع والعبودية له عزوجل(3)،

ص: 363


1- أي في مرضها الذي أصابها جراء ظلم القوم لها.
2- بحار الأنوار: ج 43 ب217 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها (صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها) ح49.
3- ونظيره من وجه آخر تكرار الرسول (صلى الله عليه وآله) في الصلاة: «اهدنا الصراط المستقيم»، وقد ذكر المصنف (رحمه الله) لذلك وجوها أخرى في مظانها.

وهو مطلوب جداً، كما تدل على ذلك الآيات والروايات، إضافة إلى أنه يوجب مزيد نعيم الجنة ورفع الدرجات، وقد دعا إبراهيم (عليه السلام) بمثل ذلك إذ قال: «وَاجْعَلني مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيم»(1).

ثم إن ذلك يوجب مزيداً من الزلفى إلى الله سبحانه، كما ذكروا في الصلوات على محمد وآله (عليهم السلام)، وقد مثل له بعض العلماء للتقريب بأنه تكون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مثلاً حديقة كبيرة تحتوي على مليار ورد، مع ذلك تخلق بكل صلاة عليه وردة جديدة، وكذلك إذا كانت هناك ألف مليون شمعة فكل واحدة من الصلوات توجب شمعة جديدة، وهكذا بالنسبة إلى سائر نعيم الجنة، لأن نعم الله تعالى لا تُحصى ولا آخر لها، قال عزوجل: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها»(2).

الاستغاثة بأسماء الله

مسألة: يستحب الاستغاثة بالله تعالى بأسمائه، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «يا حي يا قيوم».

ومناسبة الاستغاثة بهذين الاسمين أن الحي القائم على كل شيء قيامَ خلق وتصرف تدبير حدوثاً وبقاءً هو الذي يمكنه الإغاثة وهو الذي ينبغي أن يستغاث به.

قال تعالى: «وَللهِ الأَسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وذَرُوا الذينَ يُلحِدُونَ في

ص: 364


1- سورة الشعراء: 85.
2- سورة النحل: 18، سورة إبراهيم: 34.

أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلون»(1).

وعَنِ الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَليٍّ (عليهم السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «للهِ عَزَّ وجَل تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ اسْماً مَنْ دَعَا اللهَ بِهَا اسْتُجِيبَ لهُ، ومَنْ أَحْصَاهَا دَخَل الجَنَّةَ، وقَال اللهُ عَزَّ وجَل: (وَللهِ الأَسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها)»(2).

وَقَال الرِّضَا (عليه السلام): «إِذَا نَزَلتْ بِكُمْ شَدِيدَةٌ فَاسْتَعِينُوا بِنَا عَلى اللهِ عَزَّ وجَل، وهُوَ قَوْلهُ (وَللهِ الأَسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها)»(3).

من الدعاء المستحب

مسألة: يستحب الدعاء بالالتحاق بالرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) في الجنان، كما طلبت الصديقة (عليها السلام) أن يلحقها الله تعالى بأبيها محمد (صلى الله عليه وآله).

ومن فوائد الدعاء أن يوفقه الله للعمل بما يوجب له الالتحاق بركبهم في الجنة، كما أن من فوائده تفضله تعالى عليه بذلك حسب مشيئته.

وفي الأدعية: «اللهُمَّ واحْشُرْنَا مَعَ الأَئِمَّةِ الهُدَاةِ مِنْ آل رَسُولكَ نُؤْمِنُ بِسِرِّهِمْ وعَلانِيَتِهِمْ وشَاهِدِهِمْ وغَائِبِهِم»(4).

ص: 365


1- سورة الأعراف: 180.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص140 ب63 ح1.
3- الاختصاص: ص252.
4- كتاب المزار، للمفيد: ص95 ب47 باب الصلاة يوم الغدير ودعائه.

وكذلك: «وَاحْشُرْنَا مَعَ أَئِمَّتِنَا فَإِنَّا بِهِمْ مُؤْمِنُونَ مُوقِنُونَ ولهُمْ مُسَلمُونَ آمَنَّا بِسِرِّهِمْ وعَلانِيَتِهِمْ وشَاهِدِهِمْ وغَائِبِهِمْ وحَيِّهِمْ ومَيِّتِهِمْ»(1).

وورد: «اللهُمَّ اجْعَل مَحْيَايَ مَحْيَاهُمْ ومَمَاتِي مَمَاتَهُمْ واجْعَلنِي مَعَهُمْ فِي المَوَاطِنِ كُلهَا ولا تُفَرِّقْ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ إِنَّكَ عَلى كُل شَيْ ءٍ قَدِير»(2).وكذلك: «اللهُمَّ أَحْيِنِي حَيَاةَ مُحَمَّدٍ وذُرِّيَّتِهِ وأَمِتْنِي مَمَاتَهُمْ وتَوَفَّنِي عَلى مِلتِهِمْ واحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ ولا تُفَرِّقْ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً فِي الدُّنْيَا والآخِرَة»(3).

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَاليِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ سَرَّ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي ويَمُوتَ مَمَاتِي، ويَدْخُل جَنَّةَ رَبِّي جَنَّةَ عَدْنٍ مَنْزِلي، قَضِيبٌ مِنْ قُضْبَانِهَا غَرَسَهَا اللهُ رَبِّي بِيَدِهِ، فَليَتَوَل عَليّاً والأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ، فَإِنَّهُمْ أَئِمَّةُ الهُدَى، أَعْطَاهُمُ اللهُ فَهْماً وعِلماً، فَهُمْ عِتْرَتِي مِنْ لحْمِي ودَمِي، إِلى اللهِ أَشْكُو مَنْ عَادَاهُمْ مِنْ أُمَّتِي، واللهِ ليَقْتُلنَّ ابْنِي لا أَنَالهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي»(4).

ص: 366


1- إقبال الأعمال: ج 1 ص473 فصل فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد مما رويناه بصحيح الأسانيد.
2- الكافي: ج 2 ص544 باب الدعاء قبل الصلاة ح1.
3- مصباح المتهجد: ج 2 ص780 شرح زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) في يوم عاشوراء من قرب أو بعد.
4- بصائر الدرجات: ج 1 ص49 ب22 باب في الأئمة (عليهم السلام) وما قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن الله أعطاهم فهمي وعلمي ح4.

الدعاء بالعافية

مسألة: يستحب أن يدعو الإنسان للمريض بالعافية والبقاء حتى إذا علم بقرب وفاته(1).

فالعافية لحاجة الإنسان إليها في كل لحظة لحظة من حياته وبعد وفاته إلى الأبد، وفي الدعاء: «وَارْزُقْنِي العَافِيَةَ ودَوَامَ العَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين»(2).

والبقاء لإمكان أن يستجيب الله دعاءه، فربما كان الأجل في لوح المحو والإثبات، لا لوح أم الكتاب، وقد قال سبحانه: «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتاب»(3).

ثم إن الدعاء مطلوب حتى مع العلم بعدم استجابته بخصوصه، وذلك لأنه تعالى يعوض عما لم يستجب له بعطاء آخر أعظم مما فات إما في الدنيا أو في الآخرة، كما دلت عليه الروايات، إضافة إلى أن الدعاء في حد ذاته مقرب إلى الله، ونوع تحبب وتضرع له، وهومطلوب لنفسه(4).

وتفصيل البحث في علم الكلام أردنا الإشارة فقط.

ص: 367


1- بأمارات قطعية، أو بإخبار من يوجب قوله القطع.
2- تهذيب الأحكام: ج 3 ص95 الدعاء في الزيادة تمام المائة ركعة ح29.
3- سورة الرعد: 39.
4- وقد جعل الله تعالى الحاجات دافعاً لعبيده كي يدعوه فيتقربوا إليه، ويكون ربحهم بالقرب إليه أعظم من ربحهم بقضاء حاجاتهم لو كانوا يعلمون.

وقد ورد: «وَارْزُقْنِي العَافِيَةَ إِلى مُنْتَهَى أَجَلي»(1).

وورد: «وَارْزُقْنِي العَافِيَةَ والسَّلامَةَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين»(2).

وَقِيل للنَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله): «إِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ليْلةَ القَدْرِ فَمَا أَسْأَل رَبِّي، قَال (صلى الله عليه وآله): العَافِيَة»(3).

ص: 368


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص490 باب دعاء قنوت الوتر ح1409.
2- إقبال الأعمال: ج 1 ص488 فصل فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد.
3- مستدرك الوسائل: ج 7 ص458 ب22 باب استحباب الجد والاجتهاد في العبادة وأنواع الخير في ليلة القدر وفي العشر الأواخر ح12.

يا أماه إني مقبوضة

اشارة

عن أم سلمة في حديث، قالت لها فاطمة (عليها السلام): «يا أماه إني مقبوضة الآن، فلا يكشفني أحد ولا يغسّلني أحد»(1).

----------------------------

أقول: أي لا يغسلها أحد غير علي (عليه السلام).

أمهات المؤمنين

مسألة: يستحب خطاب نساء النبي (صلى الله عليه وآله) الصالحات بالأُم، كما يجوز خطاب المرأة الكبيرة بالأُم احتراماً لها، وإن لم تكن أُماً حقيقية.

وأما قوله تعالى: «وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ»(2)، فالمراد منه أنها أُم من جهة حرمة الزواج منها، وإلا فليست أُماً حقيقية، ولذا لا يجوز النظر لها من دون حجاب، كما لا يرث منها المسلمون ولا ترثهم بادعاء أنها أُم لهم، كما لا يجوز الأكل من بيوتهن بدون إذنهنلعامة المسلمين(3).

ص: 369


1- عوالم العلوم: ج 11 قسم2 فاطمة (سلام الله عليها) ص892 ب59 حديث إخبارها (عليها السلام) بقبض روحها الطاهرة ح122.
2- سورة الأحزاب: 6.
3- إشارة إلى قوله تعالى: «أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم» سورة النور: 61.

قال تعالى: «وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلكُمْ أَطْهَرُ لقُلوبِكُمْ وَقُلوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا»(1).

ورُوِيَ: أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا إِلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَوْمَ البَصْرَةِ فَقَالوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْسِمْ بَيْنَنَا غَنَائِمَهُمْ قَال: أَيُّكُمْ يَأْخُذُ أُمَ المُؤْمِنِينَ فِي سَهْمِه (2).

كما أن شرف (أمهات المؤمنين) ما دامت في طاعة الله(3)، كما ورد في الحديث الشريف(4).وقد ورد في حوار أنه قَال مُعَاوِيَةُ: يَا شَيْخُ الحَقُّ مَعَ عَليٍّ أَمْ مَعَ عَائِشَةَ؟ قَال الشَّيْخُ: بَل مَعَ عَليٍّ. قَال مُعَاوِيَةُ: يَا شَيْخُ أَ لمْ يَقُل اللهُ: «وَأَزْواجُهُ

ص: 370


1- سورة الأحزاب: 53.
2- علل الشرائع: ج 1 ص154 ب123 باب العلة التي من أجلها قاتل أمير المؤمنين عليه السلام أهل البصرة وترك أموالهم ح2.
3- قال ابن قتيبة في عيون الأخبار ج1 ص202: «دخلت أمّ أفعى العبدية على عائشة، فقالت: يا أمّ المؤمنين! ما تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيراً؟ قالت: وجبت لها النار! قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا؟! [أي عدد من قتلوا في وقعة الجمل] قالت: خذوا بيد عدوّة الله».
4- ورد هذا المضمون في الإكمال عن القائم (عليه السلام) وفي غيره أيضاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يَا أَبَا الحَسَنِ إِنَّ هَذَا الشَّرَفَ بَاقٍ لهُنَّ مَا دُمْنَ للهِ عَلى الطَّاعَةِ، فَأَيَّتُهُنَّ عَصَتِ اللهَ بَعْدِي بِالخُرُوجِ عَليْكَ فَأَطْلقْ لهَا فِي الأَزْوَاجِ وَأَسْقِطْهَا مِنْ شَرَفِ أُمُومَةِ المُؤْمِنِينَ). كمال الدين: ج2 ص459 ب43 ح21. ودلائل الإمامة: ص276، ومنتخب الأنوار: ص149، وبحار الأنوار: ج38 ص88 ب60 ح10 والبحار: ج52 ص83 ب19 خبر سعد بن عبد الله ورؤيته ح1.

أُمَّهاتُهُمْ»(1) وقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) هِيَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ؟

قَال الشَّيْخُ: أَ لمْ يَقُل اللهُ تَعَالى «يا نِساءَ النَّبِيِ» إِلى قَوْلهِ: «وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِليَّةِ الأُولى»(2) وقَال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): «أَنْتَ يَا عَليُّ خَليفَتِي عَلى نِسَائِي وأَهْلي وطَلاقُهُنَّ بِيَدِكَ» أَفَتَرَاهَا خَالفَتْ اللهَ تَعَالى فِي ذَلكَ عَاصِيَةً اللهَ ورَسُولهُ خَارِجَةً مِنْ بَيْتِهَا وهِيَ فِي ذَلكَ سَفَكَتْ دِمَاءَ المُسْلمِينَ وأَذْهَبَتْ أَمْوَالهُمْ، فَلعْنَةُ اللهِ عَلى القَوْمِ الظَّالمِينَ...)(3).

كراهة الكشف

مسألة: يكره الكشف عن المرأة الميتة، إذا لم يكن في الكشف مصلحة، والكراهة للمَحرَم أو النساء، أما الأجنبي فلا يجوز.

ثم إن العقل يدل على ما ذكر مضافاً إلى الشرع، لأن الإنسان العادي إذا مات خصوصاً المرأة تتغير معالمها كثيراً.

وهناك احتمالات في سبب وصيتها (عليها السلام) بعدم الكشف عنها.

منها: إنه لعلها أرادت بذلك أن تبين الحكم الكلي مما يسمى بضرب القانون العام، وإلاّ فإنها (عليها الصلاة والسلام) لم تتغير معالمها بالموت لعصمتها وطهارتها، وأنهم (عليهم السلام) في حال حياتهم كحال مماتهم، وفي حال مماتهم كحال حياتهم، قال تعالى: «إِنَّما يُريدُ اللهُ ليُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْل البَيْتِ

ص: 371


1- سورة الأحزاب: 6.
2- سورة الأحزاب: 32 - 33.
3- الفضائل، لابن شاذان القمي: ص79 خبر الشيخ معاذ بن جبل مع معاوية بن أبي سفيان.

ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرا»(1).

ومثله تغسيل النبي (صلى الله عليه وآله) وهو طاهر مطهر حياً وميتاً، وقد سُئل علي (عليه الصلاة والسلام) بعد ذلك، فقال (عليه السلام): «جرت به السنة».

عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدٍ قَال: كَتَبْتُ إِلى الصَّادِقِ (عليه

السلام): هَل اغْتَسَل أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حِينَ غَسَّل رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَال: كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) طَاهِراً مُطَهَّراً، ولكِنْ فَعَل أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) ذَلكَ وجَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ(2).

ومعنى جريان السنة ضرب القانون، حيث إن القانون إذا ضرب يجب أن يشمل الجميع، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب الفقه القانون.

نعم إذا كان في الكشف مصلحة من المصالح لوحظ الأهم والمهم من الأمرين.

ومن الاحتمالات: إنها (عليها السلام) أوصت أن لا يكشفها أحد، كي لا تأتي ابنتها زينب وأولادها الآخرين فيكشفوا عنها قبل حضور أمير المؤمنين (عليه السلام) مما يشكل صدمة نفسية كبيرة لهم حيث المفاجأة بموتها(3).

ومن الاحتمالات: إنه ربما كان السبب هو رعاية لزوجها وبنيها عن رؤية ما كان على جسدها ووجهها من آثار الضرب والمسمار وكسر الضلع والدملج، فإنالقوم (لعنهم الله) ضربوها بقصد القتل، وذلك عندما رأوا منها الدفاع الشديد

ص: 372


1- سورة الأحزاب: 33.
2- تهذيب الأحكام: ج 1 ص469 ب23 باب تلقين المحتضرين ح186.
3- إما بتوهم أنها مريضة فيفاجأون عندئذ بموتها، أو مع العلم بموتها فيتألمون لذلك.

عن بعلها أمير المؤمنين (صلوات الله عليها) فخافوا على كرسيهم وخلافتهم التي اغتصبوها، فخططوا للقضاء عليها وقتلها. فأمر ابن أبي قحافة بالهجوم على دارها وحرقها وقتل من فيها، وقام ابن الخطاب بالهجوم والإحراق والضرب وإسقاط الجنين.

وذلك كله مضافاً إلى الهجوم عليها بعد ما خرجت وهي تحمل صك فدك حيث اعترضها ابن الخطاب في الطريق بأمر ابن أبي قحافة وأخذ منها الصك ومزقه ثم ضربها أشد الضرب على وجهها وجسدها حتى وقعت على الأرض مغشياً عليها.

والظاهر أنهم هجموا على الزهراء (صلوات الله عليها) أكثر من هجمة، وضربها أكثر من شخص، كان على رأسهم ابن الخطاب وكان أكثرهم وأشدهم ضرباً لها (صلوات الله عليها)، حتى تيقنوا بأنها ستموت من علتها، فلا يبقى من يدافع عن حق علي (صلوات الله عليه) في الخلافة، إضافة إلى شفائهم أحقادهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وفي الاحتجاج:

قَال: فَذَهَبَ إِليْهِمْ عُمَرُ فِي جَمَاعَةٍ مِمَّنْ بَايَعَ، فِيهِمْ أُسَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ وسَلمَةُ بْنُسَلامَةَ فَأَلفَوْهُمْ مُجْتَمِعِينَ فَقَالوا لهُمْ: بَايِعُوا أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ بَايَعَهُ النَّاسُ، فَوَثَبَ الزُّبَيْرُ إِلى سَيْفِهِ، فَقَال عُمَرُ: عَليْكُمْ بِالكَلبِ العَقُورِ فَاكْفُونَا شَرَّهُ، فَبَادَرَ سَلمَةُ بْنُ سَلامَةَ فَانْتَزَعَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ عُمَرُ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ فَكَسَرَهُ، وأَحْدَقُوا بِمَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ومَضَوْا بِجَمَاعَتِهِمْ إِلى أَبِي بَكْرٍ، فَلمَّا حَضَرُوا قَالوا: بَايِعُوا أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ بَايَعَهُ النَّاسُ، وايْمُ اللهِ لئِنْ أَبَيْتُمْ ذَلكَ

ص: 373

لنُحَاكِمَنَّكُمْ بِالسَّيْفِ(1).

وفيه أيضاً: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ احْتَزَمَ بِإِزَارِهِ وجَعَل يَطُوفُ بِالمَدِينَةِ ويُنَادِي: إلاّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ بُويِعَ لهُ فَهَلمُّوا إِلى البَيْعَةِ، فَيَنْثَال النَّاسُ يُبَايِعُونَ، فَعَرَفَ أَنَّ جَمَاعَةً فِي بُيُوتٍ مُسْتَتِرُونَ فَكَانَ يَقْصِدُهُمْ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ ويَكْبِسُهُمْ ويُحْضِرُهُمُ المَسْجِدَ فَيُبَايِعُونَ، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَيَّامٌ أَقْبَل فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ إِلى مَنْزِل عَليٍّ (عليه

السلام) فَطَالبَهُ بِالخُرُوجِ فَأَبَى، فَدَعَا عُمَرُ بِحَطَبٍ ونَارٍ وقَال: والذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ ليَخْرُجَنَّ أَوْ لأُحْرِقَنَّهُ عَلى مَا فِيهِ، فَقِيل لهُ: إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُول اللهِ ووُلدَ رَسُول اللهِ وآثَارَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) فِيهِ وأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلكَ مِنْ قَوْلهِ، فَلمَّا عَرَفَإِنْكَارَهُمْ قَال: مَا بَالكُمْ أَ تَرَوْنِي فَعَلتُ ذَلكَ؟ إِنَّمَا أَرَدْتُ التَّهْوِيل، فَرَاسَلهُمْ عَليٌّ (عليه السلام) أَنْ ليْسَ إِلى خُرُوجِي حِيلةٌ لأَنِّي فِي جَمْعِ كِتَابِ اللهِ الذِي قَدْ نَبَذْتُمُوهُ وأَلهَتْكُمُ الدُّنْيَا عَنْهُ وقَدْ حَلفْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي ولا أَدَعَ رِدَائِي عَلى عَاتِقِي حَتَّى أَجْمَعَ القُرْآنَ، قَال: وخَرَجَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) إِليْهِمْ فَوَقَفَتْ خَلفَ البَابِ ثُمَّ قَالتْ: «لا عَهْدَ لي بِقَوْمٍ أَسْوَأَ مَحْضَراً مِنْكُمْ، تَرَكْتُمْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) جَنَازَةً بَيْنَ أَيْدِينَا وقَطَعْتُمْ أَمْرَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ ولمْ تُؤَمِّرُونَا ولمْ تَرَوْا لنَا حَقّاً كَأَنَّكُمْ لمْ تَعْلمُوا مَا قَال يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، واللهِ لقَدْ عَقَدَ لهُ يَوْمَئِذٍ الوَلاءَ ليَقْطَعَ مِنْكُمْ بِذَلكَ مِنْهَا الرَّجَاءَ ولكِنَّكُمْ قَطَعْتُمُ الأَسْبَابَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ نَبِيِّكُمْ واللهُ حَسِيبٌ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة»(2).

وهناك هجمة أخرى أحرقوا فيها الدار، قال في الاحتجاج: فَغَضِبَ عُمَرُ

ص: 374


1- الاحتجاج، للطبرسي: ج 1 ص73.
2- الاحتجاج: ج 1 ص80.

وقَال: مَا لنَا وللنِّسَاءِ ثُمَّ أَمَرَ أُنَاساً حَوْلهُ فَحَمَلوا حَطَباً وحَمَل مَعَهُمْ فَجَعَلوهُ حَوْل مَنْزِلهِ وفِيهِ عَليٌّ وفَاطِمَةُ وابْنَاهُمَا (عليهم

السلام) ثُمَّ نَادَى عُمَرُ حَتَّى أَسْمَعَ عَليّاً (عليه السلام): واللهِ لتَخْرُجَنَّ ولتُبَايِعَنَّ خَليفَةَ رَسُول اللهِ أَوْ لأُضْرِمَنَّ عَليْكَ بَيْتَكَنَاراً، ثُمَّ رَجَعَ فَقَعَدَ إِلى أَبِي بَكْرٍ وهُوَ يَخَافُ أَنْ يَخْرُجَ عَليٌّ بِسَيْفِهِ لمَا قَدْ عَرَفَ مِنْ بَأْسِهِ وشِدَّتِهِ ثُمَّ قَال لقُنْفُذٍ: إِنْ خَرَجَ وإِلا فَاقْتَحِمْ عَليْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَأَضْرِمْ عَليْهِمْ بَيْتَهُمْ نَاراً.

فَانْطَلقَ قُنْفُذٌ فَاقْتَحَمَ هُوَ وأَصْحَابُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وبَادَرَ عَليٌّ إِلى سَيْفِهِ ليَأْخُذَهُ فَسَبَقُوهُ إِليْهِ فَتَنَاوَل بَعْضَ سُيُوفِهِمْ فَكَثُرُوا عَليْهِ فَضَبَطُوهُ وأَلقَوْا فِي عُنُقِهِ حَبْلا أَسْوَدَ وحَالتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) بَيْنَ زَوْجِهَا وبَيْنَهُمْ عِنْدَ بَابِ البَيْتِ فَضَرَبَهَا قُنْفُذٌ بِالسَّوْطِ عَلى عَضُدِهَا فَبَقِيَ أَثَرُهُ فِي عَضُدِهَا مِنْ ذَلكَ مِثْل الدُّمْلوجِ مِنْ ضَرْبِ قُنْفُذٍ إِيَّاهَا، فَأَرْسَل أَبُو بَكْرٍ إِلى قُنْفُذٍ اضْرِبْهَا فَأَلجَأَهَا إِلى عِضَادَةِ بَيْتِهَا فَدَفَعَهَا فَكَسَرَ ضِلعاً مِنْ جَنْبِهَا وأَلقَتْ جَنِيناً مِنْ بَطْنِهَا فَلمْ تَزَل صَاحِبَةَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَتْ مِنْ ذَلكَ شَهِيدَةً (صلوات الله عليها)(1).

وفي البحار قال العلامة المجلسي (رحمه الله): وَجَدْتُ أَيْضاً فِي كِتَابِ سُليْمِ بْنُ قَيْسٍ، بِرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْهُ، قَال: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ وَمَعَنَا جَمَاعَةٌ مِنْ شِيعَةِ عَليٍّ (عليه السلام) فَحَدَّثَنَا فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا أَنْ قَال:

يَا إِخْوَتِي تُوُفِّيَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليهوآله) يَوْمَ تُوُفِّيَ فَلمْ يُوضَعْ فِي حُفْرَتِهِ حَتَّى نَكَثَ النَّاسُ وَارْتَدُّوا وَأَجْمَعُوا عَلى الخِلافِ، وَاشْتَغَل عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه السلام) بِرَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) حَتَّى فَرَغَ مِنْ غُسْلهِ وَتَكْفِينِهِ وَتَحْنِيطِهِ

ص: 375


1- الاحتجاج: ج 1 ص83.

وَوَضَعَهُ فِي حُفْرَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَل عَلى تَأْليفِ القُرْآنِ وَشَغَل عَنْهُمْ بِوَصِيَّةِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَ لمْ يَكُنْ هِمَّتُهُ المُلكَ لمَا كَانَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَخْبَرَهُ عَنِ القَوْمِ، فَافْتَتَنَ النَّاسُ بِالذِي افْتَتَنُوا بِهِ مِنَ الرَّجُليْنِ، فَلمْ يَبْقَ إلاّ عَليٌّ (عليه السلام) وَبَنُو هَاشِمٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَالمِقْدَادُ وَسَلمَانُ فِي أُنَاسٍ مَعَهُمْ يَسِيرٍ، فَقَال عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: يَا هَذَا إِنَّ النَّاسَ أَجْمَعِينَ قَدْ بَايَعُوكَ مَا خَلا هَذَا الرَّجُل وَأَهْل بَيْتِهِ وَهَؤُلاءِ النَّفَرَ فَابْعَثْ إِليْهِ، فَبَعَثَ إِليْهِ ابْنُ عَمٍّ لعُمَرَ يُقَال لهُ: قُنْفُذٌ، فَقَال لهُ: يَا قُنْفُذُ انْطَلقْ إِلى عَليٍّ فَقُل لهُ: أَجِبْ خَليفَةَ رَسُول اللهُ.

فَانْطَلقَ فَأَبْلغَهُ، فَقَال عَليٌّ (عليه السلام): مَا أَسْرَعَ مَا كَذَبْتُمْ عَلى رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَارْتَدَدْتُمْ، وَاللهِ مَا اسْتَخْلفَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) غَيْرِي، فَارْجِعْ يَا قُنْفُذُ فَإِنَّمَا أَنْتَ رَسُول فَقُل لهُ: قَال لكَ عَليٌّ (عليه السلام) وَاللهِ مَا اسْتَخْلفَكَ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَإِنَّكَ لتَعْلمُ مَنْ خَليفَةُ رَسُول اللهِ، فَأَقْبَل قُنْفُذٌ إِلى أَبِي بَكْرٍ فَبَلغَهُ الرِّسَالةَ.فَقَال أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ عَليٌّ، مَا اسْتَخْلفَنِي رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله).

فَغَضِبَ عُمَرُ وَوَثَبَ وَقَامَ، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: اجْلسْ، ثُمَّ قَال لقُنْفُذٍ: اذْهَبْ إِليْهِ فَقُل لهُ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَقْبَل قُنْفُذٌ حَتَّى دَخَل عَلى عَليٍّ (عليه السلام) فَأَبْلغَهُ الرِّسَالةَ، فَقَال (عليه السلام): كَذَبَ وَاللهِ انْطَلقْ إِليْهِ فَقُل لهُ: لقَدْ تَسَمَّيْتَ بِاسْمٍ ليْسَ لكَ، فَقَدْ عَلمْتَ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُكَ.

فَرَجَعَ قُنْفُذٌ فَأَخْبَرَهُمَا، فَوَثَبَ عُمَرُ غَضْبَانَ فَقَال: وَاللهِ إِنِّي لعَارِفٌ بِسَخْفِهِ وَضَعْفِ رَأْيِهِ، وَإِنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ لنَا أَمْرٌ حَتَّى نَقْتُلهُ، فَخَلنِي آتِيكَ بِرَأْسِهِ.

فَقَال أَبُو بَكْرٍ: اجْلسْ، فَأَبَى فَأَقْسَمَ عَليْهِ فَجَلسَ، ثُمَّ قَال: يَا قُنْفُذُ انْطَلقْ

ص: 376

فَقُل لهُ أَجِبْ أَبَا بَكْرٍ.

فَأَقْبَل قُنْفُذٌ فَقَال: يَا عَليُّ أَجِبْ أَبَا بَكْرٍ، فَقَال عَليٌّ (عليه السلام): إِنِّي لفِي شُغُل عَنْهُ وَمَا كُنْتُ بِالذِي أَتْرُكُ وَصِيَّةَ خَليلي وَأَخِي، وَانْطَلقْ إِلى أَبِي بَكْرٍ وَمَا اجْتَمَعْتُمْ عَليْهِ مِنَ الجَوْرِ.

فَانْطَلقَ قُنْفُذٌ فَأَخْبَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَوَثَبَ عُمَرُ غَضْبَانَ فَنَادَى خَالدَ بْنَ الوَليدِ وَقُنْفُذاً فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْمِلا حَطَباً وَنَاراً، ثُمَّ أَقْبَل حَتَّى انْتَهَى إِلى بَابِ عَليٍّ (عليه السلام)، وَفَاطِمَةُ (عليها السلام) قَاعِدَةٌ خَلفَالبَابِ قَدْ عَصَبَتْ رَأْسَهَا وَنَحَل جِسْمُهَا فِي وَفَاةِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فَأَقْبَل عُمَرُ حَتَّى ضَرَبَ البَابَ ثُمَّ نَادَى: يَا ابْنَ أَبِي طَالبٍ افْتَحِ البَابَ، فَقَالتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام): يَا عُمَرُ مَا لنَا وَلكَ لا تَدَعُنَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ.

قَال: افْتَحِي البَابَ وَإِلا أَحْرَقْنَا عَليْكُمْ، فَقَالتْ: يَا عُمَرُ أَمَا تَتَّقِي اللهَ عَزَّ وَجَل، تَدْخُل عَلى بَيْتِي وَ تَهْجُمُ عَلى دَارِي، فَأَبَى أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ عَادَ عُمَرُ بِالنَّارِ فَأَضْرَمَهَا فِي البَابِ فَأَحْرَقَ البَابَ، ثُمَّ دَفَعَهُ عُمَرُ فَاسْتَقْبَلتْهُ فَاطِمَةُ (عليها

السلام) وَصَاحَتْ يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُول اللهِ، فَرَفَعَ السَّيْفَ وَهُوَ فِي غِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا فَصَرَخَتْ، فَرَفَعَ السَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا فَصَاحَتْ يَا أَبَتَاهْ، فَوَثَبَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ (عليه

السلام) فَأَخَذَ بَتَلابِيبِ عُمَرَ ثُمَّ هَزَّهُ فَصَرَعَهُ وَوَجَأَ أَنْفَهُ وَرَقَبَتَهُ وَهَمَّ بِقَتْلهِ، فَذُكِّرَ قَوْل رَسُول اللهِ (عليه السلام) وَمَا أَوْصَى بِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالطَّاعَةِ، فَقَال: وَالذِي كَرَّمَ مُحَمَّداً (صلى

الله عليه وآله) بِالنُّبُوَّةِ يَا ابْنَ صَهَّاكَ لوْ لا كِتَابٌ مِنَ اللهُ سَبَقَ لعَلمْتَ أَنَّكَ لا تَدْخُل بَيْتِي، فَأَرْسَل عُمَرُ يَسْتَغِيثُ فَأَقْبَل النَّاسُ حَتَّى دَخَلوا الدَّارَ وَسَل خَالدُ بْنُ الوَليدِ السَّيْفَ ليَضْرِبَ بِهِ عَليّاً (عليه السلام) فَحَمَل عَليٌّ (عليه السلام)

ص: 377

عَليْهِ بِسَيْفِهِ فَأَقْسَمَ عَلى عَليٍّ فَكَفَّ، وَأَقْبَل المِقْدَادُ وَسَلمَانُ وَأَبُوذَرٍّ وَعَمَّارٌ وَبُرَيْدَةُ الأَسْلمِيُّ حَتَّى دَخَلوا الدَّارَ أَعْوَاناً لعَليٍّ (عليه السلام) حَتَّى كَادَتْ تَقَعُ فِتْنَةٌ، فَأُخْرِجَ عَليٌّ (عليه السلام) وَتَبِعَهُ النَّاسُ وَاتَّبَعَهُ سَلمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالمِقْدَادُ وَعَمَّارٌ وَبُرَيْدَةُ وَهُمْ يَقُولونَ: مَا أَسْرَعَ مَا خُنْتُمْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَأَخْرَجْتُمُ الضَّغَائِنَ التِي فِي صُدُورِكُم (1)، الحديث.

ص: 378


1- بحار الأنوار: ج28 ص297، كتاب سليم بن قيس: ص862 ح48.

هاتي طيبي

اشارة

قالت فاطمة (عليها السلام) لأسماء بنت عميس حين توضأت وضوءها للصلاة: «هاتي طيبي الذي أتطيب به، وهاتي ثيابي التي أصلي فيها، فتوضأت ثم وضعت رأسها، فقالت لها: اجلسي عند رأسي فإذا جاء وقت الصلاة فأقيميني، فإن قمت وإلاّ فأرسلي إلى علي عليه السلام»(1).

----------------------------

من آداب المحتضر

مسألة: يستحب الجلوس عند رأس المحتضر.

ولعل وجه الجلوس عند الرأس أن يكون أقرب إلى المحتضر والمحتضر أقرب إليه، فلعل للمحتضر حاجة أو وصية، ولعل صوته لا يصل إليه إذا كان بعيداً أو أنه يجهده ذلك، وكذا الجالس فربما يريد أن يسأله عن شيء أو يوصيه بإبلاغ السلام إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو سائر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) حيثإنه قادم عليهم.

ص: 379


1- بحار الأنوار: ج 43 ص185 ب7 ما وقع عليها من الظلم وبكائها وحزنها وشكايتها في مرضها إلى شهادتها وغسلها ودفنها وبيان العلة في إخفاء دفنها (صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها) ح18، عن كشف الغمة: ج 1 ص500 ذكر وفاتها وما قبل ذلك من ذكر مرضها ووصيتها (صلوات الله عليها).

هذا إضافة إلى أن الجلوس عند الرأس يوجب الأنس الأكثر بما لا يحصل مثله في الجلوس إلى أحد الجنبين أو الرجلين.

والمراد بالجلوس عند الرأس: أطراف الرأس، لا خصوص القمة، كما هو الظاهر.

ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أنه يستحب للمحتضر أن يطلب ذلك، بأن يجلس أحد عند رأسه، فإن القضية وإن كانت شخصية إلاّ أنه قد يفهم منها الملاك والجامع عرفاً، فتأمل.

كما تستحب قراءة بعض الأدعية والسور عند رأسه.

عَنْ سُليْمَانَ الجَعْفَرِيِّ قَال: رَأَيْتُ أَبَا الحَسَنِ يَقُول لابْنِهِ القَاسِمِ: قُمْ يَا بُنَيَّ فَاقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِ أَخِيكَ «والصَّافَّاتِ صَفًّا»(1) حَتَّى تَسْتَتِمَّهَا، فَقَرَأَ فَلمَّا بَلغَ «أَهُمْ

أَشَدُّ خَلقاً أَمْ مَنْ خَلقْنا»(2) قَضَى الفَتَى، فَلمَّا سُجِّيَ وخَرَجُوا أَقْبَل عَليْهِ يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَال لهُ: كُنَّا نَعْهَدُ المَيِّتَ إِذَا نُزِل بِهِ يُقْرَأُ عِنْدَهُ «يس والقُرْآنِ الحَكِيمِ»(3) وصِرْتَ تَأْمُرُنَا بِالصَّافَّاتِ، فَقَال: «يَا بُنَيَّ لمْ يُقْرَأْ عِندَ مَكْرُوبٍ مِنْمَوْتٍ قَطُّ إلاّ عَجَّل اللهُ رَاحَتَهُ»(4).

ص: 380


1- سورة الصافات: 1.
2- سورة الصافات: 11.
3- سورة يس: 1- 2.
4- الكافي: ج 3 ص126 باب إذا عسر على الميت الموت واشتد عليه النزع ح5.

الوضوء عند الموت

مسألة: يستحب الوضوء استعداداً للموت.

ومنه يعلم استحباب الغسل لمن كان جنباً أو ما أشبه، وكذلك استحباب التيمم بدل الوضوء إذا لم يتمكن من الوضوء أو من الغسل.

وذلك كله مشمول للإطلاقات أيضاً، قال تعالى: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرين»(1)، فبإطلاقه شامل للطهارة من الخبث والحدث والذنوب بالتوبة.

وربما يقال باستحباب أن يغسله أهله إذا لم يتمكن هو من ذلك.

عَنْ ذَرِيحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، قَال: ذُكِرَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، فَقَال: «كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وكَانَ مُسْتَقِيماً، قَال: «فَنَزَعَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَغَسَّلهُ أَهْلهُ ثُمَّ حَمَلوهُ إِلى مُصَلاهُ فَمَاتَ فِيهِ»(2) الحديث.

الطيب عند الموت

مسألة: يستحب التطيب عند الموت.

والاستحباب يفهم بالإضافة إلى مثل هذا الحديث، عن مثل ما ورد من أن الملائكة تستقبل روح الميت وأن العطر تكريماً لهم، هذا بالإضافة إلى إطلاقات

ص: 381


1- سورة البقرة: 222.
2- وسائل الشيعة: ج 2 ص464 ب40 باب استحباب نقل من اشتد عليه النزع إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه ح5.

التطيب الشامل لكل حال حتى حالة الاحتضار، إلاّ ما لم يكن مشروعاً.

رُوِيَ إِطْلاقُ المِسْكِ فَوْقَ الكَفَنِ وَعَلى الجِنَازَةِ، لأَنَّ فِي ذَلكَ تَكْرِمَةَ المَلائِكَةِ، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُقْبَضُ رُوحُهُ إلاّ تَحْضُرُ عِنْدَهُ المَلائِكَة(1).

وعن مَوْلى لجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) قَال: «مَرِضَ بَعْضُ مَوَاليهِ فَخَرَجْنَا إِليْهِ نَعُودُهُ ونَحْنُ عِدَّةٌ مِنْ مَوَالي جَعْفَرٍ، فَاسْتَقْبَلنَا جَعْفَرٌ (عليه السلام) فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَال لنَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ، فَقُلنَا: نُرِيدُ فُلاناً نَعُودُهُ. فَقَال لنَا: «قِفُوا»، فَوَقَفْنَا، فَقَال: «مَعَ أَحَدِكُمْ تُفَّاحَةٌ أَوْ سَفَرْجَلةٌ أَوْ أُتْرُجَّةٌ أَوْ لعْقَةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْ عُودِ بَخُورٍ»، فَقُلنَا: مَا مَعَنَا شَيْ ءٌ مِنْ هَذَا، فَقَال: «أَمَا تَعْلمُونَ أَنَ المَرِيضَ يَسْتَرِيحُ إِلى كُل مَا أُدْخِل بِهِ عَليْهِ»(2).وعَنْ أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَال: «الطِّيبُ مِنْ أَخْلاقِ الأَنْبِيَاءِ»(3).

وعَنِ العَبَّاسِ بْنِ مُوسَى قَال: سَمِعْتُ أَبِي (عليه السلام) يَقُول: «العِطْرُ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلينَ»(4).

ص: 382


1- بحار الأنوار: ج78 ص316 ب9 باب التكفين وآدابه وأحكامه.
2- الكافي: ج 3 ص118 باب في كم يعاد المريض وقدر ما يجلس عنده وتمام العيادة ح3.
3- وسائل الشيعة: ج 2 ص142 ب89 باب استحباب التطيب ح3.
4- وسائل الشيعة: ج 2 ص142 ب89 باب استحباب التطيب ح4.

ملابس الصلاة

مسألة: يستحب للمحتضر أن يلبس ملابسه للصلاة، فإنه مضافاً إلى كونه تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) فإن لبس تلك الثياب يوجب التخفيف ونزول الرحمة، كما يدل على ذلك أيضاً نقل المحتضر الذي يشتد به النزع إلى مصلاه.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِذَا عَسُرَ عَلى المَيِّتِ مَوْتُهُ ونَزْعُهُ قُرِّبَ إِلى مُصَلاهُ الذِي كَانَ يُصَلي فِيهِ»(1).

وعَنْ زُرَارَةَ قَال: «إِذَا اشْتَدَّتْ عَليْهِ النَّزْعُ فَضَعْهُ فِي مُصَلاهُ الذِي كَانَ يُصَلي فِيهِ أَوْ عَليْهِ»(2).

وعَنْ ليْثٍ المُرَادِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال: «إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَدْ رَزَقَهُ اللهُ هَذَا الرَّأْيَ، وإِنَّهُ قَدِ اشْتَدَّ نَزْعُهُ، فَقَال: احْمِلونِي إِلى مُصَلايَ، فَحَمَلوهُ فَلمْ يَلبَثْ أَنْ هَلكَ»(3).ومن الحكم المذكور قد يستفاد بالملاك وضع القرآن والأدعية وما أشبه إلى جانب المحتضر، كما تدل عليه أدلة أخرى بإطلاقها أو بدلالتها الالتزامية عرفاً، قال تعالى: «وَنُنَزِّل مِنَ القُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ للمُؤْمِنينَ»(4).

ص: 383


1- الكافي: ج 3 ص125 باب إذا عسر على الميت الموت واشتد عليه النزع ح2.
2- الكافي: ج 3 ص126 باب إذا عسر على الميت الموت واشتد عليه النزع ح3.
3- الكافي: ج 3 ص126 باب إذا عسر على الميت الموت واشتد عليه النزع ح4.
4- سورة الإسراء: 82.

كما يفهم ذلك مما دل على استحباب بعض هذه الأمور بالنسبة إلى الميت، حتى قال السيد بحر العلوم (قدس سره):

وسن أن يكتب بالأكفان *** شهادة الإسلام والإيمان

وهكذا كتابة القرآن *** والجوشن المنعوت بالأمان

وفي الفقه الرضوي: «فَإِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَاحْضُرُوا عِنْدَهُ بِالقُرْآنِ وذِكْرِ اللهِ والصَّلاةِ عَلى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله»(1).

المرأة وثياب الصلاة

مسألة: يستحب أن تكون للمرأة التي تربي أولاداً صغاراً ثياب خاصة لصلاتها، بل إن الاستحباب أعم، فينبغي لكل إنسان أن يتخذ ثياباً نظيفة طاهرة خاصة لصلاته، فإن ملابس الإنسان العادية تتعرض عادة للقذارات المادية والمعنوية في كثير من الأحيان، والإنسان إذا وقف أمام الله سبحانه استحب له حتى التزين والتنظيف، قال سبحانه: «خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِد»(2)، ومنه أيضاً استحباب لبس الزينة للمرأة إذا أرادت الصلاة، فإن الله تعالى وإن كان غنياً عن كل ذلك وعن جميع العالمين، لكنه نوع أدب ترجع فائدته للإنسان نفسه، إذ يؤكد ذلك في نفسه أنه يذهب إلى العظيم ويقف بين يدي من يخضع له كل عظيم، فيزداد خضوعاً وخشوعاً والتفاتاً واهتماماً.

ص: 384


1- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): ص181 ب24 باب آخر في غسل الميت والصلاة عليه، وعنه بحار الأنوار: ج 78 ص234 ب5 آداب الاحتضار وأحكامه.
2- سورة الأعراف: 31.

والمؤيد للإطلاق أن الصديقة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وأولادها (عليهم السلام) مشمولون لآية التطهير، فليسوا كسائر الأطفال، ومن المعلوم أن السيدة زينب وأم كلثوم (عليهما الصلاة والسلام) كانا في غاية الطهارة والنزاهة.

المرأة والطيب

مسألة: يستحب أن يكون للمرأة طيب تستخدمه فيما يرضي الرب عزوجل، لا بحيث يشمه الأجانب.

قَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وزَوْجُهَا عَليْهَا سَاخِطٌ فِي حَقٍّ لمْ تُقْبَل مِنْهَا صَلاةٌ حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا، وأَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لغَيْرِ زَوْجِهَا لمْ تُقْبَل مِنْهَا صَلاةٌ حَتَّى تَغْتَسِل مِنْ طِيبِهَا كَغُسْلهَا مِنْ جَنَابَتِهَا»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أَيُّ امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا فَهِيَ تُلعَنُ حَتَّى تَرْجِع»(2).

وعَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: قَال رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله): «طِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لوْنُهُ وخَفِيَ رِيحُهُ، وطِيبُ الرِّجَال مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وخَفِيَ لوْنُهُ»(3).

ص: 385


1- الكافي: ج 5 ص507 باب حق الزوج على المرأة ح2.
2- الكافي: ج 5 ص518 باب التستر ح2.
3- الكافي: ج 6 ص512 باب الطيب ح17.

التنبيه للصلاة

مسألة: يستحب تنبيه الآخرين عند أول وقت الصلاة وإيقاظ النائم منهم وإلفات الغافل وتعليم الجاهل ونصح المتساهل، فإن للصلاة في أول الوقت أجراً عظيماً، والدال على الخير كفاعله.

ويدل عليه أمر الصديقة (صلوات الله عليها) أسماء أن تقيمها إذا جاء وقت الصلاة، وكذلك ما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين(1)، وما فعله الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء عند وقت الصلاة(2)، وقوله (عليه

السلام) لمن ذكر

ص: 386


1- وسائل الشيعة: ج 4 ص246 ب41 باب استحباب الاهتمام بمعرفة الأوقات وكثرة ملاحظة أوقات الفضيلة ح2، عن إرشاد القلوب: ج 2 ص217 فصل في عبادته وزهده. وفيه: (كَانَ عَليٌّ (عليه السلام) يَوْماً فِي حَرْبِ صِفِّينَ مُشْتَغِلا بِالحَرْبِ والقِتَال وهُوَ مَعَ ذَلكَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يُرَاقِبُ الشَّمْسَ، فَقَال لهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الفِعْل، قَال: أَنْظُرُ إِلى الزَّوَال حَتَّى نُصَليَ، فَقَال لهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وهَل هَذَا وَقْتُ صَلاةٍ إِنَّ عِنْدَنَا لشُغُلا بِالقِتَال عَنِ الصَّلاةِ، فَقَال (عليه السلام): عَلى مَا نُقَاتِلهُمْ إِنَّمَا نُقَاتِلهُمْ عَلى الصَّلاةِ، قَال: ولمْ يَتْرُكْ صَلاةَ الليْل قَطُّ حَتَّى ليْلةَ الهَرِيرِ).
2- ورد أنه لما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكرتَ الصلاة جعلك الله من المصلين نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي فقال الحصين بن نمير: إنها لا تقبل! فقال حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا ختار فحمل عليه حصين بن نمير وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله: تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف. وروي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين (عليه السلام) يمينا وشمالا قام بين يديه فما زال يرمى به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك السلام عني وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك ثم مات (رضوان الله عليه) فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح. بحار الأنوار: ج 45 ص21 بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته (صلوات الله عليه).

الصلاة: (ذكرتَ الصلاة جعلك الله من المصلين)(1).قال تعالى: «وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا»(2).

وقال سبحانه: «وَأْمُرْ أَهْلكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَليْها لا نَسْئَلكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقِبَةُ للتَّقْوى»(3).

وفي رواية تسليم الوتر: «تُوقِظُ الرَّاقِدَ وَتَأْمُرُ بِالصَّلاةِ»(4).

وعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَالمٍ أَنَّهُ سَأَل أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُل يَقُومُ مِنْ آخِرِ الليْل فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ، فَقَال: «يَنْبَغِي للرَّجُل إِذَا صَلى فِي الليْل أَنْ يُسْمِعَ أَهْلهُ لكَيْ يَقُومَ القَائِمُ ويَتَحَرَّكَ المُتَحَرِّكُ»(5).

ص: 387


1- وقعة الطف: ص22، بحار الأنوار: ج 45 ص21 بقية ب37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته (صلوات الله عليه).
2- سورة مريم: 55.
3- سورة طه: 132.
4- تهذيب الأحكام: ج2 ص128 ب8 ح 256.
5- تهذيب الأحكام: ج 2 ص124 ب8 باب كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها والتسبيح في ركوعها وسجودها والقنوت فيها والمفروض من ذلك والمسنون ح240.

وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «رَحِمَ اللهُ عَبْداً قَامَ مِنَ الليْل فَصَلى وأَيْقَظَ أَهْلهُ فَصَلوْا»(1).وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَال: «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُل أَهْلهُ مِنَ الليْل وتَوَضَّئَا وصَليَا كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً والذَّاكِرَاتِ»(2).

وفي أخلاق أمير المؤمنين (عليه السلام): أَنَّهُ يَتَفَقَّدُ النَّائِمِينَ فِي المَسْجِدِ ويَقُول للنَّائِمِ: الصَّلاةَ يَرْحَمُكَ اللهُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ عَليْكَ، ثُمَّ يَتْلو (عليه السلام): «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ»(3)، فَفَعَل ذَلكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلهُ عَلى جَارِي عَادَاتِهِ مَعَ النَّائِمِينَ فِي المَسْجِد(4).

ص: 388


1- مستدرك الوسائل: ج 6 ص440 ب11 باب استحباب الإيقاظ للصلاة وحكم من تركها مستحلا أو غير مستحل ح3.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص257 ب9 باب جواز إيماء المصلي وتنحنحه وإشارته ورفع صوته بالتسبيح لتنبيه الغافل وصفقه بيده للحاجة وضرب الحائط لإيقاظ النائم وحكم التلبية ح10.
3- سورة العنكبوت: 45.
4- مستدرك الوسائل: ج 5 ص115 ص34 باب كيفية النوم وجملة من أحكامه ح3.

الصلاة أول الوقت

مسألة: يستحب استحباباً مؤكداً الصلاة في أول وقتها، واشتهر: «الصلاة في أول الوقت جزور وفي آخر الوقت عصفور».

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ (عليه السلام) قَال: «مَنْ صَلى الصَّلوَاتِ المَفْرُوضَاتِ فِي أَوَّل وَقْتِهَا فَأَقَامَ حُدُودَهَا رَفَعَهَا المَلكُ إِلى السَّمَاءِ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وهِيَ تَهْتِفُ بِهِ: حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي واسْتَوْدَعَكَ اللهُ كَمَا اسْتَوْدَعْتَنِي مَلكاً كَرِيماً، ومَنْ صَلاهَا بَعْدَ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عِلةٍ فَلمْ يُقِمْ حُدُودَهَا رَفَعَهَا المَلكُ سَوْدَاءَ

مُظْلمَةً وهِيَ تَهْتِفُ بِهِ: ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي ولا رَعَاكَ اللهُ كَمَا لمْ تَرْعَنِي»(1).

وعَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ قَال: قَال الرِّضَا (عليه السلام): «يَا فُلانُ إِذَا دَخَل الوَقْتُ عَليْكَ فَصَلهِمَا فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا يَكُونُ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَال: «إِنَ فَضْل الوَقْتِ الأَوَّل عَلى الآخِرِ كَفَضْل الآخِرَةِ عَلى الدُّنْيَا»(3).وقَال أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «لفَضْل الوَقْتِ الأَوَّل عَلى الأَخِيرِ خَيْرٌ للرَّجُل مِنْ وَلدِهِ ومَالهِ»(4).

ص: 389


1- الأمالي، للصدوق: ص256 المجلس الرابع والأربعون ح10.
2- تهذيب الأحكام: ج 2 ص272 ب13 باب المواقيت ح119.
3- الكافي: ج 3 ص274 باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ح6.
4- الكافي: ج 3 ص274 باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ح7.

الفهرس

مات خير فوارسي. 5

من مصاديق المجاز 6

ظاهر التشاؤم 6

التشبيه بالجبل ونحوه 7

والد البتول. 8

إطلاقات الموت.. 10

من أنواع الإسناد 10

اللوذ بالمعصوم 11

جبرئيل يلوذ برسول الله. 11

غض الطرف.. 13

إظهار التعجب.. 14

الإنشاء بصيغة الإخبار 15

البكاء وإضرار النفس.. 16

جواز المبالغة 16

روايات في تشبيه المعنويات بالماديات.. 17

حزن القلب.. 18

كثرة البكاء ورسم الخد 19

إذا اشتد شوقي. 23

زيارة القبور 23

ص: 390

زيارة قبور المعصومين. 24

الشوق وزيارة القبور 26

الشوق الأكثر 27

من موارد البكاء 28

الشكاية إلى المعصوم \ إنشاد وإنشاء الشعر 30

استمرار النياحة 32

الدفاع عن الولاية \ الدفاع عن الحق. 34

إنذار الظالم. 35

أسباب النقمة 36

لو قدموا علياً 37

سيأخذهم الله. 38

ما الذي يبكيك؟ 39

التظلم \ الإخبار بظلم الظالم. 45

كثرة بكاء الصديقة \ كتمان البكاء 46

السؤال عن تألم المعصوم 50

لماذا بكت الصديقة 52

قصة فدك. 53

عقاب غصب فدك. 54

نية الظلم 57

الإعراب عن قصد الظلم 58

التصريح باسم الظالم. 59

خلوا عن ابن عمي. 61

نشر الشعر عند الدعاء 61

الدفاع عن المظلوم 64

ص: 391

الصراخ إلى الله. 66

حرمة الإكراه والإجبار 68

النساء والنهي عن المنكر 69

إني ابنة نبيكم 70

الظلم وتذكير الناس. 70

فضح الظالم وغيبته 72

المبادرة إلى النهي عن المنكر 73

الفرائض والمشاهد المشرفة 74

مراكز توجه الناس \ الاستنصار للحق. 76

المرأة واستنصارها \ نصرة العترة 77

خذلان العترة 79

التكرار 80

الأربعون يوما \ نصرة الله. 81

نقض البيعة 83

التذكير بالبيعة 84

مدى المظلومية 87

نصرة الناصر 88

التضحية للأهداف المقدسة 90

توبيخ من حضر بيعة السقيفة \ فداحة الخطب.. 93

التقية ومواردها 96

الخروج لفضح الظالم. 99

المرأة والدفاع عن الحق. 100

التآمر لغصب الحق. 101

المحضر الأسوأ 102

ترك جنازة النبي. 103

ص: 392

الاستبداد بالأمر 105

من أعظم الكبائر 106

لم تستأمرونا \ جحود الحق. 108

من أكبر المحرمات.. 110

الخلفاء حقاً 111

أسوأ الناس. 112

نزول العذاب \ قانون الأهم والمهم 115

الدعاء والبلاء 117

القسم في الأدعية المهمة 118

الظالم وذكر اسمه \ مقام الصديقة 119

طلب الميراث \ المطالبة بالحق. 121

الاستدلال والاستشهاد بالكتاب العزيز 123

التفريق بين المسلمين. 124

تكذيب الكتاب.. 124

المطالبة بالميراث.. 126

غصب الخلافة كفر \ الكفر العملي. 127

الكفر الاعتقادي \ حرمة الكفر 128

احتجاج على الغاصبين. 130

طلب الحق. 131

قول ذي اليد 132

إقامة الدليل بعد الدليل \ نقض قانون اليد 133

فدك في يد الصديقة \ تقرير المعصوم 134

الاستدلال غير المباشر 135

حرمة الكذب ودرجاتها \ الخصم يعترف.. 136

ص: 393

رد صنع الرسول. 137

سيدة نساء الجنة 138

التأكيد على السماع. 139

الغضب بالباطل. 140

التشكيك في فعل النبي. 141

أتراك محرقاً بابي. 142

حرق الباب \ فضح الظالم. 144

استدراج الخصم ليعترف.. 145

كفر واضح. 148

إنكارة الضروري \ إحراق الباب من أكبر الكبائر 149

من آذاها 151

ثقافة الحمد 154

توثيق الأحداث \ مسائل عديدة 155

إيذاء الصديقة 157

تكرار التبري في المجالس.. 158

الإعلان عن غضبها 159

الشكاية لله من كل ظالم. 161

مقاطعة الظالم. 165

رضا فاطمة \ ضروري المذهب.. 166

حب فاطمة كحب الرسول \ العمل بقول الرسول. 167

إقرار الخصم 168

حرمة إسخاطها \ رضا الله بعد رضاها أم قبله؟ 171

كيف أصبحت؟ 173

بواعث ظلم الطغاة 174

معنى وفروق الكرب والكمد 175

ص: 394

بيان أنواع الظلامات.. 176

ظلم الوصي من أكبر الكبائر 177

ما سنّه النبي في التأويل \ حرمة الحقد 181

الحقد الباطل. 182

حرمة النفاق. 183

قطع وتر الإيمان. 184

رفض اعتذار القوم \ طرد أهل العناد 188

إنهم ليسوا بمعذورين. 190

التقصير المحرم 193

العهد مع الظالم باطل. 194

أبشروا آل محمد 195

تبشير المؤمنين. 196

لا لإشاعة الفاحشة 198

وجوب الخمس.. 200

فضيلة أسماء وأم أيمن \ تزكية الشاهد العادل. 202

منزلة المرأة في الإسلام 203

أول الأهل لحوقاً 205

إظهار الحزن عند مقتضيه 205

إظهار السرور لدى توفر علله 207

وجوه الحكمة في ضحكها 208

الأول لحوقاً \ الإخبار عن المستقبل. 211

هل يفعل المعصوم المكروه؟ 212

لا تبكي \ تسلية الباكي. 214

(لا تبكي) نهي أو حنان. 215

ص: 395

الشوق للآخرة 215

رفيق الجنة \ التمهيد لمرافقة الصالحين في الجنة 217

جلب المنفعة الكبيرة لازم 218

الصديقة رفيق الرسول. 219

نعم الخلف.. 221

الأعظم رزية 223

الأمر بالتقوى وبالصبر. 223

إخبارات الكتاب والسنة 225

إخبار الأسرة بقرب الرحيل. 226

مسألتان. 227

الوصية العهدية والتمليكية \ الإخبار برزايا المستقبل. 228

أعظم المصائب.. 230

التناسب بين المصيبة والصبر والمقام 232

اصبر يا علي \ إخبار العالم وفوائده 234

ثقل المصيبة 235

معنى القضاء والقدر 236

القدر نوعان. 237

التسليم لما لابد منه 238

الرضا سر السعادة 239

الصبر والرضا 240

الشدة تصيب ولدي \ البكاء مستحب وواجب.. 242

الضحك بين جائز ومحرم 244

الذرية الطاهرة وما ورد عليها 245

شكايتها في منامها \ الشكاية إلى الرسول. 247

سر تعدد شكواها 249

ص: 396

شكواها حجة على القوم \ سادة المتقين. 250

حجية منامات المعصومين. 251

هل تضمن الوصية \ الوصية بعدم حضور الجنازة 255

العقود الاجتماعية مستثناة 257

العمل بالوصية رغم المصاعب.. 258

وصية الزوجة للزوج. 259

الضمان على العمل بالوصية 260

الملاك في الشروط هو حال التعاقد 261

عدم التضييق على الوصي \ قبول الوصية 262

لا يُقر الظالم على ظلمه 263

السؤال بحق الرسول. 264

هل ذكرت الصديقة الأسماء \ مقارعة الظلمة حتى آخر نفس.. 265

ما عهدتني كاذبة 267

الوصية بالزواج بعد وفاة أحد الزوجين. 268

الوصية باتخاذ النعش أو العماري. 269

جواز الوصية بالدفن ليلاً \ مخالفة الزوجة لزوجها 270

خيانة الزوجة 272

الكذب على الزوج. 274

مخالفة الزوج. 276

الدعاء للزوج وللآخرين. 277

جري المعصومين على الظاهر 280

العلم من غير الطرق الطبيعية 281

الاهتمام بالأولاد 282

يا بن العم \ انتخاب الثقاة لمهمام الأمور 288

ص: 397

توثيق الثقاة 289

رضاها رضا الله. 290

الإيصاء بالأولاد 291

حسن الانتخاب \ التعرف الطريقي. 292

حمل الميت في النعش.. 293

استحباب الوصية 294

الصديقة ورؤية الملائكة 295

من أدوار الملائكة 296

مع أسماء بنت عميس \ تغسيل المعصوم 298

الاستعانة في الغسل \ تفاصيل التجهيز \ حجية خبر المرأة 301

وصية فاطمة (علیها السلام) 303

الوصية بالمال. 304

التسمية مع التعدد 305

الكتابة والإملاء 306

فرع \ تعين خلفاء الوصية 307

كتابة الوصية 309

المحبة في الخطاب.. 310

المؤمن والمحبة 311

الموت وتوديع الأحبة \ الاستوداع عند الله. 312

ختم الوصية 313

التقية ومواردها 314

الدعاء وقت الموت.. 315

بين اللا اقتضائي والاقتضائي \ التعيين في الوصية 317

الحوائط السبعة \ قراءة وصية المعصوم 318

التصريح بالموصى به والموصى له \ حفظ الوصية 319

ص: 398

الإشهاد على الوصية 320

الحنان على الأولاد \ مسائل في زواج الرجل بعد موت زوجته 322

الوصية بمتاع البيت.. 325

من وصاياها \ حفظ الكتب الهامة 326

القراءة المباشرة 327

الوصية للزوج. 328

الوصية إلى الأكابر \ النقل بالمضمون. 330

الوصية للنساء \ الوصية للأقرباء والأنسباء 332

الوصية لنساء الأقارب \ الوصية المتساوية والمتفاضلة 334

الوصية للمعصوم 336

قراءة الوصية \ إقراء الوصية 338

قولي ما أحببت \ حفظ الوصية 340

ما يقال للمحتضر \ التلفظ بالوصية 341

الأصلح في تربية الأبناء 343

رؤية الملائكة 344

الدفن ليلاً. 346

السرير الطاهر \ سرير الميت.. 348

دعاء عند الوفاة 349

الدعاء بالخمسة الطيبة 349

لوحات سليمانية 351

لوحات سفينة نوح. 353

التوسل بالفاطميات.. 355

السبط وكثرة البكاء على الأُم \ البكاء على الميت.. 356

الدعاء لعامة الناس. 358

ص: 399

شهادة الحسين والتأكيد عليها 359

كثرة البكاء على المعصوم 360

البكاء على فقد الأُم \ استحباب الشفاعة 361

من أدعية الصديقة \ طلب الجنة 363

الاستغاثة بأسماء الله. 364

الدعاء بالعافية 367

يا أماه إني مقبوضة \ أمهات المؤمنين. 369

كراهة الكشف.. 371

هاتي طيبي. 379

من آداب المحتضر 379

الوضوء عند الموت \ الطيب عند الموت.. 381

ملابس الصلاة 383

المرأة وثياب الصلاة 384

المرأة والطيب.. 385

التنبيه للصلاة 386

الصلاة أول الوقت.. 389

الفهرس. 390

ص: 400

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.