الفقه موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي من فقه الزهراء (علیها السلام) المجلد 8

هوية الكتاب

الفقه

موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي

من فقه الزهراء (علیها السلام)

المجلد الثامن

رواياتها (علیها السلام) 1

المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى للناشر

1439 ه 2018 م

تهميش وتعليق:

مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

ص: 2

الفقه

من فقه الزهراء (علیها السلام)

المجلد الثامن

رواياتها (علیها السلام)

القسم الأول

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِيقَةُ الشَّهِيدَةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَةُ المَرْضِيَّةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْفَاضِلَةُ الزَّكِيَةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الحَوْراءُ الإِنْسِيَّةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا المُحَدِّثَةُ العَلِيمَةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا المَظْلُومَةُ المَغْصُوبَةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا المُضْطَهَدَةُ المَقْهُورَةُ

السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ

وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ

البلد الأمين ص278. مصباح المتهجد ص711

بحار الأنوار ج97 ص195 ب12 ح5 ط بيروت

ص: 4

المقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.

أما بعد، فإن ممن روى عن الصديقة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) من المعصومين (عليهم السلام) حسب ما وجدت, ولعلّ المتتبع يجد الأكثر، هم: علي أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، والسجاد، والباقر، والصادق، والعسكري (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

كيفية رواية المعصومين عن آبائهم

ورواية الأربعة الأواخر (عليهم السلام) عن الصديقة (عليها السلام) إما مباشرة من باب حضورهم، إذ هم (عليهم السلام) خُلقوا قبل الخلق(1)؛ فقد جعلهم الله

ص: 5


1- فقد ورد في الاختصاص عنهم (عليهم السلام): «إن الله خلقنا قبل الخلق بألفي ألف عام، فسبّحنا فسبّحت الملائكة لتسبيحنا». بحار الأنوار: ج25 ص1 ب1 ح2.

سبحانه أنواراً حول عرشه محدقين(1)،

كما في الزيارة الجامعة وغيرها(2), وقد ورد: إن علياً (عليه السلام) كان مع الأنبياء (عليهم السلام) سرّاً، ومع محمد (صلى الله عليه وآله) جهراً(3).وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «كنتُ نبياً وآدم بين الماء والطين»(4).

ص: 6


1- وفي زيارة الجامعة: «أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى، وجارٍ لكم فيما بقي، وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت بعضها من بعض، خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين، حتى مَنّ علينا بكم، فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه». من لايحضره الفقيه: ج2 ص613 ح3213 الزيارة الجامعة.
2- من ذلك ما حدثت به حبابة الوالبية حيث قالت له - أي لأبي جعفر (عليه السلام) -: بالذي أخذ ميثاقكم على النبيين أي شيء كنتم في الأظلة؟ قال: «يا حبابة، نوراً بين يدي العرش قبل أن يخلق الله عز وجل آدم (عليه السلام)، وأوحى الله تبارك وتعالى إلينا فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا». الهداية الكبرى: ص240 الباب7. وسأل المفضل الإمام الصادقَ (عليه السلام): ما كنتم قبل أن يخلق الله السماوات والأرضين؟ قال (عليه السلام): «كنّا أنواراً حول العرش نسبّح الله ونقدّسه حتى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم: سبّحوا، فقالوا: يا ربنا لا علم لنا، فقال لنا: سبّحوا، فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا». بحار الأنوار: ج25 ص21 ب1 ح34.
3- حلية الأبرار، للسيد هاشم البحراني: ج2 ص17 ب2 ح5 وفيه: «يا علي إن الله أيّد بك النبيين سرّاً، وأيدني بك جهراً».
4- وهو من الأحاديث المشهورة الواردة في كتب الفريقين ومن مصادره: مناقب آل أبي طالب: ج1 ص183 فصل في اللطائف، والجامع الصغير للسيوطي: ج2 ص296 ح6424. كما ورد بألفاظ قريبة منه: قول السائل: متى كنت نبياً؟ قال (صلى الله عليه وآله): «وآدم بين الروح والجسد». أخرجه جماعة منهم: الحاكم وصححه في المستدرك: ج2 ص608، وقريب منه قوله: متى جعلت نبياً؟ .. إلى آخره. كما في مسند أحمد: ج4 ص66، وكذا قوله: متى كتبت نبياً؟.. إلى آخره. كما في مسند أحمد: ج5 ص59 وقد رواه الطبراني كذلك، وهكذا أحاديث أخرى متقاربة اللفظ والمعنى.

إلى غيرها من الروايات الكثيرة المفيدة لهذا الشأن.

وعلى هذا، فربما قد تلّقوا (عليهم السلام) من الصديقة (عليها السلام) مباشرةً بنحو يلائم العطاء والأخذ والتفهيم والتفهّم في ذلك العالم.

وقد يكون سماعاً، أو إلقاءً في القلب، أو غيرها(1).وإما من باب علمهم (عليهم السلام) بما كان(2).

وإما من باب التسلسل عن آبائهم (عليهم السلام)، وإن حذفوا السند, كما قال (عليه السلام): «حديثي عن أبي عن جدي ..»(3).

ص: 7


1- وكما في الرؤى الصادقة، فإنها تكون بشروطها حجة، وكما في الرواية بالإجازة عن مصحفها (عليها السلام) الذي كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) بإملاء منها، والذي كان عند الأئمة (عليهم السلام)، وكما عن طريق روح القدس الموكّل بهم، فقد جاء في رواية ولادة الإمام المهدي (عليه السلام): قالت حكيمة (عليها السلام): قلت فما هذا الطير؟ قال (عليه السلام): «هذا روح القدس الموكّل بالأئمة (عليهم السلام) يوفّقهم ويسدّدهم ويربّيهم العلم». مدينة المعاجز: ج8 ص19، إلى غيرها من الاحتمالات.
2- فقد روى الشيخ الجليل الثقة محمد بن الحسن الصفّار وغيره جملةً من الأحاديث في هذا الباب، ومن ذلك ما رواه الصفّار في بصائره: ج3 ص147148 الباب السادس (في علم الأئمة بما في السماوات والأرض والجنة والنار وما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة) وفيه ستة أحاديث، وفي ص149150 الباب السابع (في الأئمة عليهم السلام أنهم أُعطوا علم ما مضى وما بقي إلى يوم القيامة) وفيه أربعة أحاديث، فراجع، وغيرها فيه وفي غيره.
3- فعن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيرهما قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديث رسول الله قول الله عزوجل». الكافي: ج1 ص53 باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب ح14.

ويحتمل فيه ظاهره(1)، كما يحتمل نقل بعضهم لبعض بطرق أخرى غير السماع، كما لعلّه يستظهر من بعض الأحاديث(2). وإما من باب أنهم (عليهم السلام) سمعوا عن مثل جابر، كما نُصّ بذلك في بعض الروايات(3)، وحذفوا

ص: 8


1- من سماعهم عن آبائهم (عليهم السلام) كلّما نقلوه عنهم.
2- مثل: ما ورد من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضع لسانه في فم علي (صلوات الله عليه) فنقل إليه علومه، وقد ورد في حديث كيفية ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه: «وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسانه في فيه، فانفجرت اثنتا عشرة عيناً، قال: فسمي ذلك اليوم يوم التروية». بحار الأنوار: ج35 ص18 ب1 ح14. ومثل ذلك حصل مع الحسين (عليه السلام)، فقد ورد أنه: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتيه في كل يوم فيضع لسانه في فم الحسين (عليه السلام) فيمصه حتى يروى، فأنبت الله تعالى لحمه من لحم رسول الله (صلى الله عليه وآله)». علل الشرائع: ج1 ص206 ب156 ح3.
3- وربما كان من أسباب روايتهم (عليهم السلام) عن بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) الأخيار: لكراماته وجلالته عندهم، وليقبل حديثهم بين الناس خصوصاً مع تشدّد العامة في مسألة الأسانيد وعدم اعتقادهم بعصمة الائمة (عليهم السلام)، ويدّل على ذلك ما رواه الشيخ الكليني في الكافي: ج1 ص469470 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ح2، بإسناده عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو معتجر بعمامة سوداء، وكان ينادي: يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله ما أهجر، ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنك ستدرك رجلاً مني اسمه اسمي، وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول. قال: فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مرّ بطريق في ذاك الطريق كُتّاب فيه محمد بن علي (عليه السلام) فلما نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: شمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي نفسي بيده، يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين، فأقبل عليه يقبل رأسه ويقول: بأبي أنت وأمي، أبوك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام ويقول ذلك .. فكان محمد بن علي (عليه السلام) يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فجلس (عليه السلام) يحدثهم عن الله تبارك وتعالى، فقال أهل المدينة: ما رأينا أحداً أجرأ من هذا؟! فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال أهل المدينة: ما رأينا أحداً قط أكذب من هذا يحدثنا عمن لم يره؟! فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله، قال: فصدّقوه، وكان جابر بن عبد الله يأتيه فيتعلم منه».

السند. إلى غيرذلك من المحتملات(1).ذلك من المحتملات(2).وأيضاً من الرواة عن الصديقة فاطمة (عليها السلام): السيدة خديجة أم

ص: 9


1- كاطّلاعهم (عليهم السلام) على أحاديث الصديقة (صلوات الله عليها) عن طريق النكت في القلوب أو النقر في الأسماع أو عن طريق عمود النور، كما دلّت الروايات على ذلك. روي عن محمد بن الفضيل، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلب، ونقر في الأسماع، قال: فأما الغابر فما تقدم من علمنا، وأما المزبور فما يأتينا، وأما النكت في القلوب فالهام، وأما النقر في الأسماع فإنه من الملك». وروي عن علي السائي، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن مبلغ علمهم. فقال (عليه السلام): «مبلغ علمنا ثلاث وجوه: ماضٍ وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع، وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا». بصائر الدرجات: ج7 ص238239 ب4 ح2و3. وروي عن إسحاق بن عمار قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أودعه، فقال: «اجلس شبه المغضب»، ثم قال: «يا إسحاق كأنك ترى أنا من هذا الخلق، أما علمت أن الإمام منّا بعد الإمام يسمع في بطن أمه، فإذا وضعته أمه كتب الله على عضده الأيمن: وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فإذا شبّ وترعرع نصب له عمود من السماء إلى الأرض ينظر به إلى أعمال العباد». بصائر الدرجات: ج7 ص453454 ب7 ح9.
2- كاطّلاعهم (عليهم السلام) على أحاديث الصديقة (صلوات الله عليها) عن طريق النكت في القلوب أو النقر في الأسماع أو عن طريق عمود النور، كما دلّت الروايات على ذلك. روي عن محمد بن الفضيل، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلب، ونقر في الأسماع، قال: فأما الغابر فما تقدم من علمنا، وأما المزبور فما يأتينا، وأما النكت في القلوب فالهام، وأما النقر في الأسماع فإنه من الملك». وروي عن علي السائي، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن مبلغ علمهم. فقال (عليه السلام): «مبلغ علمنا ثلاث وجوه: ماضٍ وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع، وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا». بصائر الدرجات: ج7 ص238239 ب4 ح2و3. وروي عن إسحاق بن عمار قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أودعه، فقال: «اجلس شبه المغضب»، ثم قال: «يا إسحاق كأنك ترى أنا من هذا الخلق، أما علمت أن الإمام منّا بعد الإمام يسمع في بطن أمه، فإذا وضعته أمه كتب الله على عضده الأيمن: وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فإذا شبّ وترعرع نصب له عمود من السماء إلى الأرض ينظر به إلى أعمال العباد». بصائر الدرجات: ج7 ص453454 ب7 ح9.

المؤمنين (عليها السلام)، والسيدة زينب بنت علي (عليه السلام)، وأبو ذر، وابن أبي مليكة، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وأبو عمرو، وأنس بن مالك، وأسماء بنت عميس، وأم سلمة، وأم كلثوم, وبشر بن زيد, وجابر بن عبد الله الأنصاري، والحكم بن أبي نعيم, وربعي بن فراش، وزينب بنت أبي رافع، وسلمان الفارسي، وسهل بن سعد الأنصاري, والساعدي، وشبيب بن أبي رافع، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن الحسن، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وعائشة بنت أبي بكر، وعائشة بنت طلحة، وعوامة بن الحكم، وفاطمة بنت الحسين (عليها السلام)، والقاسم بن أبي سعيد الخدري, ونساء المهاجرين والأنصار حيث عدنها في مرضها وروين عنها, وهارون بن خارجة، وهشام بن محمد، ويزيد بن عبد الملك، وغيرهم(1).والتفصيل في العوالم والبحار وغيرهما من المجاميع وغيرها.

وفي هذا الفصل نذكر بعض الروايات المروية عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) وما تيسر من الاستنباط الفقهي منها، فإنها (عليها السلام) الحجة على الحجج (عليهم السلام).

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 10


1- أقول: كعمرو بن أبي الشريك أو عمرو بن الشريد. انظر (وسائل الشيعة): ج5 ص88 ب52 من أبواب أحكام الملابس ح2. ومثل: الحسن بن الحسن. انظر (مسند أحمد): ج6 ص283، وجعفر بن عمرو بن أمية. نفس المصدر، وسلمى أم رافع زوج أبي رافع ، انظر (تهذيب الكمال): ج35 ص248، وغيرهم، وإن يظهر من بعضهم الرفع إليها (صلوات الله عليها).

يا أماه لا تحزني

اشارة

قالت خديجة (عليها السلام): «وا خيبة من كذّب محمداً (صلى الله عليه وآله)، وهو خير رسول ونبي, فنادت فاطمة (عليها السلام) من بطنها: يا أُماه لا تحزني, ولا ترهبي, فإن الله مع أبي»(1).

-------------------------------------------

تسلية المحزون

مسألة: يستحب تسلية المحزون، تأسّياً بفاطمة الزهراء (عليها السلام)، إذ سلّمتعلى أُمها، أو لغير ذلك(2).

ص: 11


1- وبداية هذا الحديث نقله المرجع الكبير السيد المرعشي (رحمه الله) عن العلامة الشيخ عبد الله الحنفي المتوفى بعد سنة 800ه في كتاب (الرقائق) المعروف بالإخوانيات: ص 250 مخطوط، قال: وروي عن بعض الرواة الكرام أن خديجة الكبرى (عليها السلام) تمنّت يوماً من الأيام على سيد الأنام أن تنظر إلى بعض فاكهة دار السلام، فجاء جبرئيل إلى المفضّل على الكونين بتفاحتين. وقال: يا محمد يقول لك من جعل لكل شيء قدراً: كُلْ واحدة وأَطعمْ الأخرى لخديجة الكبرى وأَغشها، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء، ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمره، فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: «واخيبة من كذّب محمداً، وهو خير رسول ونبي، فنادت فاطمة من بطنها: يا أماه لاتحزني ولا ترهبي فإن الله مع أبي ..». شرح إحقاق الحق: ج4 ص474475.
2- لما في تسلية المحزون من عناوين عامة مستحبة، بل وأحياناً قد تكون واجبة، من نصرة المؤمنين وإدخال الفرح في قلوبهم وغير ذلك.

روي أن داود (عليه السلام) قال: «إلهي ما جزاء من يعزي الحزين على المصاب ابتغاء مرضاتك، قال: جزاؤه أن أكسوه رداء من أردية الإيمان أستره به من النار»(1).

وروي أن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه فقال: «أي رب ما جزاء من بَلَّ الدمع وجهه من خشيتك، قال: صلواتي ورضواني، قال: فما جزاء من يُصبّر الحزين ابتغاء وجهك، قال: اكسوه ثياباً من الإيمان يتبوأ بها الجنة، ويتقي بها النار»(2).

و(العمل) وإن كان لا جهة له، إلاّ أنه قد يكون ذا جهة بالقرائن الحالية.

ثم إن نفي الحجة عنه لا يراد به النفي المطلق، بل مطلق النفي؛ إذ عمل المعصوم (عليه السلام) له جهة من حيثنفيه الحرمة بل والكراهة بل والإباحة، نعم لا جهة له من حيث الوجوب والندب، كما قد لا تكون له جهة من حيث العنوان الأولي أو الثانوي، والمرجع عندئذٍ القواعد والأصول.

وهذا الاستحباب إنما هو في الحزن الحق لا الباطل، فتأمل.

فالأول: كالحزن على الدين أو الدنيا الصحيحة.

والثاني: كالحزن على دنيا فاسدة، كمن يحزن لفوت خمر أو بغاء أو قمار أو قتل محرم، مما يدل على سوء سريرته، وليس لحزنه هذا ثواب، ولا تستحب تسليته.

وقد وردت الروايات بأجر المحزون على أمر مشروع ديناً أو دنياً.

ص: 12


1- مستدرك الوسائل: ج2 ص349 ب40 من أبواب الدفن وما يناسبه ح8.
2- مستدرك الوسائل: ج2 ص349 ب40 من أبواب الدفن وما يناسبه ح9.

عن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه سُئل ما بلغ وجد يعقوب على ابنه (عليهما السلام) قال: «وجد سبعين ثكلى». قيل: فما كان له من الأجر، قال: «أجر مائة شهيد، وما ساء ظنه بالله ساعة من ليل أو نهار»(1).وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من طال حزنه على نفسه في الدنيا، أقرّ الله عينه يوم القيامة وأحلّه دار المقامة»(2).

وعن عمار الدهني، قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: «إن الله يحب كل قلب حزين»(3).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «نفس المهموم لنا، المغتم لمظلمتنا تسبيح، وهمّه لأمرنا عبادة»(4).

تسلية الكافر

فرع: هل يستحب تسلية الكافر المحزون على الدنيا حزناً غير محرم؟

لا يبعد الجواز، بل الاستحباب, لملاك الإطلاقات، مثل قوله تعالى:

«لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ

ص: 13


1- الدر المنثور: ج4 ص31، والظاهر أن أساس حزن النبي يعقوب على يوسف (عليهما السلام) كان أيضاً على عدم معرفة أخوته لقدره لكونه نبياً كريماً على الله، فحزنه حزن على الدين والنبوة، والله العالم.
2- عيون الحكم والمواعظ: ص427 الباب24 حرف الميم الفصل الأول: (مَن).
3- الكافي: ج2 ص99 باب الشكر ح30.
4- وسائل الشيعة: ج16 ص249 ب34 من أبواب الأمر والنهي ح10.

تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ»(1).وقوله (صلى الله عليه وآله): «لكل كبد حراء(2) أجر»(3)، وما أشبه ذلك.

التسلية على الباطل

فرع: وهل تستحب تسليته على الباطل عندنا والصحيح عنده، من باب قاعدة الإلزام؟

الظاهر: لا، لأنهم مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالأصول، وقاعدة الإلزام لا تسري للقابل بل لا تشمل الفاعل، أما قاعدة الإمضاء فلا تشمل القابل منطوقاً، والملازمة(4) ممنوعة ولو للإنصراف.

التسلية الفعلية

فرع: ثم إن التسلية كما تحصل بالقول، كذلك تحصل بالفعل، لأنه من

ص: 14


1- سورة الممتحنة: 8.
2- لفظ (حرّاء) وإن ورد في بعض المصادر الفقهية، إلا أن الصحيح (حرّى)، لأنه مؤنث حرّان، وهو شديد العطش، كما في كتب اللغة، قال الشيخ الطريحي في مجمع البحرين: ج1 ص486 باب حرّى: (والحرّان: العطشان، والأنثى حرّى مثل عطشان وعطشى. ومنه الحديث: (أفضل الصدقة إبراد كبد حرّى)، و(لكل كبد حرّى أجر)، والمعنى أن في سقي كل كبد حرّى أجر، وقيل: أراد بالكبد الحرّى حياة صاحبها، لأنه إنما يكون كبد حرّى إذا كان فيه حياة، والمعنى أن في سقي كل ذي روح من الحيوان أجر) انتهى. هذا فضلاً عن ورود لفظ (حرّى) في بعض النصوص.
3- غوالي اللئالي: ج1 ص95 الفصل6 ح3.
4- لعلّ المراد: الملازمة بين جوازه له عندنا، أي إمضاء فعله، وبين صحة التسلية وشبهها.

مصاديقه، كغيره مما أشبه(1)، نعم خُرّج في الشرع الفعل في بعض الموارد حيث لايسدّ مسدّ القول، كالنكاح والطلاق فلا ينعقد إلاّ بالقول, في غير الأخرس ونحوه(2)، وقد ورد: «إنما يُحلّل الكلام ويُحرّم الكلام»(3).

كما أنه يلزم أن يكون كل من القول والفعل مصداقاً, فإذا قال: (بعتُ) مريداً به الصلح، أو (طلقتكما) مريداً به الواحدة، أو بالعكس, لم يصح على ما هو المذكور في الفقه.

وكذلك الفعل, كما إذا وضع يده على الحائط مريداً به البيع، إلاّ إذا صار ذلك إشارة، إلى غير ذلك.

التسلية والأدوات الحديثة

فرع: وتصدق (التسلية) إذا كانت بالأدوات الحديثة، كالمسجل والراديو والتلفزيون والبرقية والفاكس وما أشبه، للصدق العرفي، كما أن كثيراً من الأمور مثل التسلية في الصدق. وقد قال القرآن الحكيم: «لا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي»(4).

ولا يخفى أنه لا منافاة بين مثل ذلك، ومثل قوله سبحانه: «لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ»(5)، لأن المراد بالنفي: الخوف من المخوف الواقعي كالنار ونحوها,

ص: 15


1- ربما يكون المراد: لأن القول من مصاديق الفعل، كغيره القول.
2- كالعاجز عن النطق لمرض أو لغيره.
3- الكافي: ج5 ص201 باب الرجل يبيع ما ليس عنده ح6.
4- سورة القصص: 7.
5- سورة يونس: 62.

والمراد ب (لا تخافي): الشيء العالق بالنفس من الأسباب الخارجية التي هي أسباب تكوينية فلا تضارب.

ومنه يظهر وجه قوله: «إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ»(1).

و: «أَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ»(2).

وما أشبه ذلك(3).

وقد يجاب بوجه آخر(4).

التفجع وإظهار الحزن على المعاصي

مسألة: يجوز التفجّع وإظهار الحزن على ما يصنعه العصاة، بل قد يستحب، لأنه نوع مواساة(5)، كما قالت السيدة خديحة (عليها السلام): (وا خيبة

ص: 16


1- سورة القصص: 34.
2- سورة يوسف: 13.
3- كقوله تعالى: «فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ» سورة القصص: 18.
4- ربما كان المراد من الوجه الآخر: هو الخوف لا على النفس بل على الآخرين من المؤمنين أو الخوف على الدين.
5- والاستحباب آكد في الحزن على ما يفعله العصاة والمجرمين بالدين وأهله، وهذا ما ورد حتى في روايات العامة: روى أحمد بن حنبل والحاكم النيسابوري والطبراني وغيرهم أنه أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم آت الحجر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله». انظر مسند أحمد: ج5 ص422، والمستدرك على الصحيحين: ج4 ص515، وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، والمعجم الكبير: ج4 ص158 وغيرها من المصادر.

من كذّب محمداً).

والظاهر أنه ملحوق بتقرير الزهراء (عليها السلام)، إذ النهي الإرشادي لأجل التسلية، وأن يقوّى قلبها (عليها السلام) ولا تحزن، لا للنهي عن إظهار التفجّع، فإنه نوع مواساة.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له كما في (نهج البلاغة):«ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم ولا أريق لهم دم، فلو أن امرئً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً. فيا عجباً والله يميت القلب ويجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرّقكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون. وتُغزون ولا تَغزون. ويُعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ أمهلنا يسبخ عنّا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القرّ أمهلنا ينسلخ عنّا البرد، كل هذا فراراً من الحرّ والقرّ، فإذا كنتم من الحرّ والقرّ تفرّون فإذا أنتم والله من السيف أفرّ.

يا أشباه الرجال ولا رجال. حلوم الأطفال. وعقول ربّات الحجال. لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرّت ندماً وأعقبت سدماً، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرّعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان،حتى لقد قالت قريش:

ص: 17

"إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب"، لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراساً وأقدم فيها مقاماً مني؟! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين. ولكن لا رأي لمن لا يطاع»(1).

حرمة تكذيب النبي

مسألة: يحرم تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) في صغائر الأمور وكبارها، وفي ما نطق به من شؤون الدين والدنيا، وهو واضح، والظاهر أن لتكذيبه الأثر الوضعي.

فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال علي بن الحسين (عليهما السلام): «موت الفجأة تخفيف على المؤمن، وأسف على الكافر، وإن المؤمن ليعرف غاسله وحامله، فإن كان له عند ربه خيراً ناشد حملته بتعجيله، وإن كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به».

فقال ضمرة بن سمرة: يا علي إن كانكما تقول لقفز من السرير، فضحك وأضحك.

فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «اللهم إن كان ضمرة بن سمرة ضحك وأضحك من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخذه أخذ أسف».

فعاش بعد ذلك أربعين يوماً ومات فجأة.

فأتى علي بن الحسين (عليهما السلام) مولى لضمرة فقال: أصلحك الله إن

ص: 18


1- نهج البلاغة: الخطبة 27، وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا، وفيها يذكر فضل الجهاد، ويستنهض الناس، ويذكر علمه بالحرب، ويلقي عليهم التبعة لعدم طاعته.

ضمرة عاش بعد ذلك الكلام الذي بينك وبينه أربعين يوماً ومات فجأة، وإني أقسم بالله لسمعت صوته، وأنا أعرفه كما كنت أعرفه في الدنيا وهو يقول: الويل لضمرة بن سمرة، تخلّى منه كل حميم، وحلّ بدار الجحيم، وبها مبيته والمقيل.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): «الله أكبر هذا جزاء من ضحك وأضحك من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)» (1).

الإيمان بخير رسول

مسألة: يجب الإيمان بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو خير رسولونبي.

بل إنه (صلى الله عليه وآله) خير خلقه مما يُعلم وما لا يُعلم، وعلى ذلك متواتر الروايات.

منها ما رواه الشيخ الصدوق، قال: «لما بعث الله عز وجل موسى بن عمران (عليه السلام) واصطفاه نجياً وفلق له البحر ونجى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح ورأي مكانه من ربه عز وجل فقال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحداً قبلي، فقال الله جل جلاله : يا موسى أما علمت أن محمداً أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي»(2).

ص: 19


1- مختصر البصائر: ص279280 باب ما جاء في التسليم لما جاء عنهم (عليهم السلام) وفي من ردّه وأنكره.
2- علل الشرائع: ج2 ص417 ب157 ح3.

التذكير بالله

مسألة: يستحب شدّ قلوب المؤمنين والمؤمنات بتذكيرهم بالله تبارك وتعالى، ليكون اعتمادهم عليه، ورجاؤهم به, وقد قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) لأمها (عليها السلام) في هذا الحديث: «فإن الله مع أبي», ولم تقل مثلاً: إنهم يخيبون في مقاصدهم, ونحو ذلك.

ومن المعلوم التلازم بين الأمرين عرفاً، فبالدلالة الالتزامية وبالأدلة الأخرى دلّ كلامها (صلوات الله عليها) على أن الأعداء يخيبون في مقاصدهم، فتأمل.

الاعتماد على الله

مسألة: يجب الاعتماد على الله عزّ وجل.

وقولها (عليها الصلاة والسلام): «لا ترهبي» ملازم لذلك عرفاً أو لازم.

وإنما يلزم الاعتماد على الله عزّ وجلّ؛ لأنه الواقع, فإن الأمور كلها بيد الله سبحانه, وإنما ما يعمله الإنسان فهو أسباب ظاهرية، قد تطابق الواقع فيقع, وقد لا تطابق الواقع فلا يقع.

وفي الآية الشريفة: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَحَسْبُهُ»(1).

وفي الحديث الشريف: «من وثق بالله أراه السرور، ومن توكّل عليه كفاه

ص: 20


1- سورة الطلاق: 3.

الأمور»(1).

قال السبزواري:

أزمّة الأمور طراً بيده *** والكل مستمدة من مدده

ثم الظاهر أن حزنها ورهبتها كانت غير اختيارية، فلا ينافيان توكلّها على الله.

كما أن ظاهر قولها (عليها لسلام): «لا تحزني ولا ترهبي» أنه نهي تنزيهي، والمستظهر أن مثل هذا النهي يفيد الإخبار بعدم وجوب ما يقتضيهما، فيفيد التسلية بذلك(2) تكويناً، كما إذا كانا إراديين.

والحاصل: إن الحزن والرهبة إذا حصل بأسبابهما التكوينية، أمكن رفعهما بأسباب تكوينية أخرى عادة، ومنها الإخبار بل ومنها نفس الإنشاء حقيقةً أو تنزيلاً.

يا أماه

مسألة: يستحب للبنت أن تخاطب أُمها بكلمة: «يا أُماه»، كما خاطبت الزهراء (عليها السلام) أمها (عليها السلام) في هذا الحديث.

وهل هذا من باب الخصوصية أو أنه أحد المصاديق؟

لا يبعد الثاني.

نعم، يظهر منه عرفاً أن ذكر اسم الأم والخطاب بمثل: «يا خديجة» غير

ص: 21


1- بحار الأنوار: ج68 ص151 ب63 بعد ح51.
2- كما صرّحت (عليها السلام) بذلك بعده بقولها: «إن الله مع أبي».

مناسب لإكرامها وإعظامها واحترامها، وقد يستثنى من ذلك ما لو كان التلفظ بالاسم أحب للأُم في بعض الصور، أو كانت جهة خارجية مزاحمة.

ناصر النبي

مسألة: يستحب الإعلان عن أن الله تبارك وتعالى مع الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو ناصره، كما قالت (عليها السلام): «فإن الله مع أبي».

وتختلف «مع» في هذه الرواية عن «مع» في قوله سبحانه: «وَهُوَ مَعَكُمْ»(1)، وفي قوله: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا»(2)، إذ الآية في مقام بيانحضور الله سبحانه مع كل شيء، دون إفادة النصرة والتأييد له، وذلك بقرينة ما بعده حيث قال عزوجل: «فَأَنْزَلَ اللهُ سَكينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها»(3)، حيث إفراد الضمير دون تثنيته.

أما ما نحن فيه، فإن المراد به النصرة كما هو واضح.

ذكر الأسباب

مسألة: يستحب ذكر السبب والعلة أو الحكمة إذا

كان مفيداً، كما قالت (صلوات الله عليها): «لا تحزني ولا ترهبي» ثم قالت: «فإن الله مع أبي» والفاء للتعليل.

ص: 22


1- سورة الحديد: 4.
2- سورة التوبة: 40.
3- سورة التوبة: 40.

وفي العديد من آيات القرآن الحكيم وكلمات البلغاء ذكر العلة أو الحكمة ولو بكلمة، مقدماً، مثل قوله تعالى: «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا»(1)، وقوله سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ»(2).

أو مؤخراً، مثل قوله تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِيأَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»(3)، وقوله سبحانه: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»(4).

ص: 23


1- سورة النساء: 160.
2- سورة آل عمران: 159.
3- سورة قريش: 34.
4- سورة طه: 14.

قومي يا أماه

اشارة

روي: أن خديجة (عليها السلام) كانت تصلي يوماً، فقصدت أن تسلّم في الثالثة، فنادتها فاطمة (عليها السلام) من بطنها: «قومي يا أماه فإنك في الثالثة»(1).

-------------------------------------------

تنبيه الشاك

مسألة: يستحب تنبيه الشاك(2)، ويدل على الرجحان - وقدره المتيقن الاستحباب - فعلها (صلوات الله عليها).

ويراد بالشاك هنا الأعم من الظانوالواهم(3), فيما إذا لم يكن الظن حجة,

ص: 24


1- عوالم العلوم والمعارف: ج2 ص855.
2- وقد يجب، فيما لو كان شكه وغفلته تؤديان به إلى الهلاك، قال العلامة الحلي (رحمه الله) في كشف المراد: ص479 تحقيق الآملي: (واستدل المصنف رحمه الله على وجوب البعثة في كل وقت بأن دليل الوجوب يعطي العمومية، أي دليل وجوب البعثة يعطي عمومية الوجوب في كل وقت، لأن في بعثته زجراً عن القبائح، وحثّاً على الطاعة فتكون لطفاً، ولأن فيه تنبيه الغافل وإزالة الاختلاف ودفع الهرج والمرج، وكل ذلك من المصالح الواجبة التي لا تتم إلاّ بالبعثة فتكون واجبة في كل وقت).
3- الشك: خلاف اليقين. الصحاح للجوهري: ج4 ص1594 باب (شكك)، معجم مقاييس اللغة: ج3 ص173 وغيرها.

كما ذكروا حجيته(1) في القبلة(2) وفي عدد الركعات, وقد ذكرنا في (الأصول): أن الظن العقلائي حجة في الجملة، لبنائهم عليه من غير رادع, وذكرنا معنى الآيات في الردع عن الظن فراجع.

و(التنبيه) يحصل بكل مصداق يكون من ذلك الكلي، كما هو كذلك في كل كلي له مصاديق لم يردع عن بعضها الشارع.

وبذلك ظهر أنه يستحب التنبيه فيما كان للشك الأثر، كما في عدد الركعات، وهو مورد الرواية، مضافاً للعقلائية من غير ردع من الشارع، إلا أن يدخل في محذور مثل الوسوسة وما أشبه.

أما نهي الإمام (عليه السلام) عن الذي نبّهه عن بقاء لمعة من بدنه جافاً(3)،فقد ذكرنا في الفقه الوجه والإشكال فيه روايةً وحكماً.

وإذا تأذى الشاك أو الغافل أو الناسي من التنبيه لم يستحب في الجملة؛ لأن الأذية من الاقتضائية، والاستحباب لا اقتضائي، وهو لا يقاومه، كما قرّره الشيخ (قدس سره) في المكاسب، وذكرنا تفصيله في كتاب البيع.

وهل يستحب التنبيه لو كان للعامل ظن معتبر؟

ص: 25


1- أي الظن المطلق.
2- قال الشيخ الطوسي في العُدة: (وأما الظن فعندنا أنه ليس بفاصل في الشريعة تنسب الأحكام إليه وإن كان تقف أحكام كثيرة عليه، نحو تنفيذ الحكم عند شهادة الشاهدين، ونحو جهات القبلة وما يجري مجراه) انتهى. عنه هداية المسترشدين: ج3 ص682.
3- عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة بيده». وسائل الشيعة: ج3 ص487 ب47 من أبواب النجاسات والأواني والجلود ح2.

قد يقال: بالانصراف(1) عن مثله، وقد يفصّل بين العالم بالخلاف، والظان اجتهاداً، أو تقليداً به، لبناء العقلاء على الأول دون الثاني، فتأمل.

اعتماد الشاك

مسألة: يجوز أن يعتمد الشاك على مخبره بأحد الطرفين أو الأطراف في الجملة.وإنما يصح ذلك إذا كان من البينة الشرعية، أو أوجب الاطمئنان، أو كان ثقةً، وقلنا بجواز الاعتماد على قوله وإن كان واحداً، كما لا يبعد ذلك, وإلاّ فقد قال البعض بعدم حجية قول الواحد(2).

والظاهر حجية قول الثقة الواحد في غير باب المنازعات والقضاء مما هي بحاجة إلى البينة، ولذا يعتمد المتشرعة على الثقة في الأموال والأعراض والدماء فيسلّمون كل ذلك إلى الطيّار والسفّان والسائق بمجرد الوثاقة.

وادعاء أنهم يطمئنون غير تام، لأنه كثيراً ما لا يعرفونهم فمن أين الاطمئنان؟

اللهم إلا أن يقال: إن الاطمئنان من القرائن المكتنفة، فتأمل.

هذا بالإضافة إلى قوله (عليه الصلاة والسلام): «إلا أن تستبين»(3) وقول الثقة من

ص: 26


1- أي انصراف أدلة إرشاد الجاهل عما لو عمل بظن معتبر، وإن كان في رأي مخالفه في الاجتهاد مخطئاً وجاهلاً إذ ليس بجاهل عرفاً.
2- كما هو المنسوب إلى السيد المرتضى (رحمه الله) وجماعة والمختار من ابن ادريس (رحمه الله) وغيره.
3- إشارة إلى ما رواه الشيخ الكليني بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته (عليه السلام) يقول: «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعلّه حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة». الكافي: ج5 ص313 - 314 باب النوادر ح40. فجعل الاستبانة موازية للبينة دليل على كونها طريقاً تعبدياً مثلها مثل البينة في معرفة الأشياء.

الاستبانة.

تنبيه المشتبه

مسألة: يستحب تنبيه المشتبه, كما يدل عليه قول الصديقة (عليها السلام): «قومي يا أُماه».

والمشتبه أعم من الشاك، إذ يشمل الغالط والقاطع(1).

الطفل والأحكام التكليفة

مسألة: يستحب للطفل أيضاً ما سبق، وقد ذكرنا في (الفقه) أن الأحكام التكليفية تجري على الطفل في الجملة، كما تجري عليه الأحكام الوضعية كذلك أو مطلقاً.

العصمة الصغرى

مسألة: ربما يستفاد من هذا الحديث ومن غيره أن درجة عصمة الصديقة (عليها السلام) أعلى من أمها خديجة (عليها السلام)، فإن العصمة الكبرى لا يتطرّق في شأنه السهو والنسيان والغفلة.

ص: 27


1- المشتبه يشمل الغالط واضح، وأما أنه يشمل القاطع فيراد به الجاهل بالجهل المركب.

الشهادات الثلاث

اشارة

ورد في ولادة الصديقة فاطمة (عليها السلام) أنها نطقت بالشهادات الثلاث بالتوحيد والنبوة والولاية, وقالت: «أشهد أن لا إله إلا الله, وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء, وأن بعلي سيد الأوصياء, ووُلدي سادة الأسباط»(1).

-------------------------------------------

الاعتقاد بالربوبية

مسألة: يجب الاعتقاد بوحدانية الله تعالى، بمعانيها الأربعة: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، وتوحيد العبادة، وتجب الشهادة بها في الجملة، وقد أشرنا إلى ذلك في خطبتها (عليها السلام) الشريفة في المسجد.

ثم إن الاعتقاد بوحدانية الله تعالى اتساق مع الواقع, فإن الواقع اذا انعكس في نفس الإنسان قلباً ولساناً وعملاً يوجب تنسيق الإنسان نفسه مع الكون, في ذلك السير الصحيح إلى آخر المطاف وهو الجنة, وإلاّ كان ذلك موجباً للعطب.

أما إذا خالف الإنسان القوانين العامة لله سبحانه وتعالى، فإنه يصيبهالهلاك والعطب، أو العذاب والنَصَب، قريباً أو بعيداً.

ص: 28


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص691 المجلس87 ح1.

تلقين الطفل

مسألة: يستحب تلقين الطفل - مهما أمكن ومتى أمكن في الجملة - بالشهادة بالوحدانية والنبوة والإمامة؛ تأسياً بالصديقة (صلوات الله عليها) أو بملاكه.

ومنه استحباب الأذان والإقامة في أذنه اليمنى واليسرى.

قال (عليه السلام): «المولود إذا ولد يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَلْيُؤَذِّنْ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى بِأَذَانِ الصَّلاةِ، وَلْيُقِمْ فِي الْيُسْرَى فَإِنَّهَا عِصْمَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»(2).

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام) قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليهم السلام)، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ (عليها السلام): «لَمَّا حَمَلْتُ بِالْحَسَنِ (عليه السلام) وَوَلَدْتُهُ جَاءَ النَّبِيُّ (صلى الله عليهوآله) فَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ هَلُمِّي ابْنِي فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ فِي خِرْقَةٍ صَفْرَاءَ فَرَمَى بِهَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) وَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى»(3).

ص: 29


1- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص299 ح911.
2- الكافي: ج6 ص24 باب ما يفعل بالمولود من التحنيك وغيره إذا وُلد ح6.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص25 ب31 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة ح5.

الاعتقاد بالرسالة

مسألة: يجب الاعتقاد التفصيلي بنبوة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولايكفي الاعتقاد الإجمالي(1)، وتجب الشهادة بذلك في الجملة.

وكما وجب الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى يجب الاعتقاد بنبوة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) ونبوة سائر الأنبياء (عليهم السلام)، قال عزوجل: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ»(2).

فإن الاعتقاد يكون تفصيلياً كما في من عرفناهم من الأنبياء، وإجمالياً فيمن لم نعرفه منهم، على ما ثبت في علم الكلام.

بل الاعتقاد بمراتب المفاضلة أيضاً كذلك، مثلاً لا يجوز أن يعتقد الإنسان بتساوي منزلة عيسى ومحمد (صلوات الله عليهما) أو يعتقد أن عيسى (عليه السلام) أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله)، فإن هذا اعتقاد باطل وهو محرّم في الشريعة(3).

الاعتقاد بالولاية

مسألة: يجب الاعتقاد بولاية علي أمير المؤمنين والأئمة من ولده (صلوات الله عليهم أجمعين).

وقد تجب الشهادة بذلك بعنوان عارض، وإن كانت مستحبة في نفسها.

ص: 30


1- بأن يعرف إجمالاً بوجود خاتم للأنبياء من غير أن يدري من هو؟.
2- سورة البقرة: 285.
3- لأنه خلاف قوله تعالى: «وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ» سورة الإسراء: 55.

وكذلك الاعتقاد بالصديقة الزهراء (عليها الصلاة والسلام)، وهكذا مريم الصديقة، وأوصياء الأنبياء مجملاً أو مفصّلاً على ما ذكر في علم الكلام.

العطف في الشهادة

مسألة: يكفي في الشهادة الثانية والثالثة العطف، ولا لزوم لتكرار لفظ الشهادة، كما صنعت الزهراء (عليها السلام) في الحديث، والظاهر أنه لا رجحان لتكرار اللفظ إلا لجهة خارجية، أو وروده في نص والتقيد به.

من صيغ الشهادة

مسألة: هل يستحب لذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقولوا في الشهادة - في غير مثل الصلاة(1) - : (وأشهد أن جديمحمداً رسول الله)؟.

قد يقال: (نعم) تأسياً بها (صلوات الله عليها) إذ قالت: «وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء»، ولعلّ فيه نوعاً من ترويج الحق، فتأمل(2).

فضائل الوصي

مسألة: يستحب أو يجب، كل في مورده: بيان فضائل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قالت (سلام الله عليها): «سيد الأوصياء»(3).

ص: 31


1- دليل الاستثناء واضح، لكون الصلاة من الواجبات العبادية الموقوفة على النص.
2- لاحتمال خصوصية هكذا خطاب لها (عليها السلام).
3- والروايات الدالة على ذلك كثيرة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) برواية عائشة وغيرها: «ذكر علي عبادة». انظر: مناقب آل أبي طالب: ج3 ص5 باب فيما يتعلق بالآخرة من مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام)، والجامع الصغير، للسيوطي: ج1 ص665 ح4332. مضافاً إلى أن ذكر فضائله وفضائل أهل بيته (عليهم السلام) من إحياء أمرهم - كما هو واضح - وإحياء أمرهم محبوب عند المولى ومستحب بل قد يكون واجباً، فعن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «تجلسون وتحدثون»، قال: قلت: نعم جعلت فداك. قال: قال: «تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا، يا فضيل فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر». جامع أحاديث الشيعة: ج16 ب55 من أبواب أحكام العشرة ح5.

وكون الإمام علي (عليه السلام) هو سيد الأوصياء، يراد به بالنسبة إلى سائر الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) فهو أفضلهم، وكذلك بالنسبة إلى جميع أوصياء سائر الأنبياء (عليهم السلام).

وقد ورد في الأحاديث أنه كان لكل نبي وصي(1)، وهذا مضافاً إلى كونه شرعياً، هو عقلي أيضاً، لوضوح استمرار خلافة الله سبحانه وتعالى في الأرض، فلا يعقل أن يرحل النبي بلا وصي.قال تعالى: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»(2)، وهو ظاهر في الاستمرار

ص: 32


1- عن سلمان قال: قلت: يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك؟ فسكت عنّي فلما كان بعدُ رآني، فقال: «يا سلمان»، فأسرعت إليه قلت: لبيك، قال: «تعلم من وصي موسى؟» قلت: نعم يوشع بن نون، قال: «لم؟» قلت: لأنه كان أعلمهم، قال: «فإن وصيي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب». المعجم الكبير للطبراني: ج6ص221. وفي دلائل الإمامة، لابن جرير: ص90: ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): «أيها الناس، اسمعوا قول نبيكم، إن الله بعث أربعة آلاف نبي، لكل نبي وصي، وأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء».
2- سورة البقرة: 30.

والدوام، لمكان اسم الفاعل(1)، مع مناسبة الحكم والموضوع، ولو خلا زمن من خليفة لما كان جاعلاً فيه خليفة، ولكان اللازم التقييد ببعض الأزمان، بأن يقول (إني جاعل في بعض الأزمان في الأرض خليفة) مثلاً.

فضائل الأئمة

مسألة: يستحب أو يجب - كلٌّ في مورده - بيان فضائل الأئمة المعصومين (عليهمالسلام)، حيث قالت (سلام الله عليها): «سادة الأسباط»(2).

ص: 33


1- قال المباركفوري - وهو من علماء العامة - في كتابه (تحفة الأحوذي في شرح صحيح الترمذي) نقلاً عن الطيبي: ج10 ص12: (لأن اسم الفاعل إذا أسند إلى الله تعالى يفيد الاستمرار من بدأ الخلق إلى الأبد، كما تقول: الله قادر عالم فلا تقصد زماناً دون زمان). وقال أبو السعود في تفسيره: ج2 ص109: (صيغة اسم الفاعل المنبئة عن الاستمرار). وقال الآلوسي في تفسيره: ج1 ص375: (وصيغة اسم الفاعل الدال على الاستمرار). وقال نجم الأئمة (رحمه الله) في شرحه على الكافية في النحو: ج2 ص221: (أو لم يكونا - أي اسم الفاعل أو المفعول - لأحد الأزمنة، بل كانا للإطلاق المستفاد منه الاستمرار، نحو: زيد ضامر بطنه).
2- ومن الروايات الواردة في استحباب ذكر فضلهم (عليهم السلام) ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن من الملائكة الذين في السماء ليطّلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد، قال: فتقول: أما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم وكثرة عدوهم يصفون فضل آل محمد (صلى الله عليه وآله)، قال: فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم». جامع أحاديث الشيعة: ج16 ص34 ب55 من أبواب أحكام العشرة ح10. وفي ص35 من نفس الباب ح13 ورد عن عباد بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني مررت بقاص يقص وهو يقول: هذا المجلس لا يشقى به جليس، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «هيهات هيهات أخطأت أستاههم الحفرة، إن لله ملائكة سياحين سوى الكرام الكاتبين، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمداً وآل محمد قالوا: قفوا فقد أصبتم حاجتكم، فيجلسون فيتفقهون معهم، فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم وتعاهدوا غائبهم، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس». وفي نفس الصفحة الحديث14 عن أبي المغرا، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الأخوان في الله بعضهم لبعض، قال: وان المؤمنين يلتقيان فيذكران الله ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدد، حتى أن روحه لتستغيث من شدة ما يجد من الألم، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب إلاّ لعنه، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً». وغيرها من الأحاديث الكثيرة في ذلك.

والأسباط يشمل سائر أسباط رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل علي الأكبر (عليه السلام)، والسيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام)، والسيد محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن أشبه، فإن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هم سادة على جميعهم، وكذلك يشمل أسباط سائر الأنبياء الذين أشير إليهم في القرآن الكريم(1)، فإن الأئمة (عليهم السلام) أفضلمن جميعهم.

ص: 34


1- قد ذكر لفظ الأسباط في القرآن الكريم في موارد عديدة، منها سورة البقرة الآية 136 والآية 140، وسورة آل عمران الآية 84، وسورة النساء الآية 163. ومن الأسباط إخوة يوسف (عليه السلام) أولاد النبي يعقوب (عليه السلام) وأحفاد النبي إسحاق وإبراهيم الخليل (عليهما السلام) فقد ورد في رواية أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «ثم صارت - أي النبوة - بعد يوسف في الأسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى بن عمران». وأما عدتهم فقد جاء في نفس الخبر السابق: «إن الله تبارك وتعالى أرسل الأسباط اثني عشر بعد يوسف». التفسير الصافي: ج2 ص223 - 224. وقد ورد بهذا المعنى أيضاً عند العامة فقد قال الشيخ في التبيان: ج1 ص482: وقال قتادة: (الأسباط يوسف وإخوته ولد يعقوب اثني عشر رجلاً فولد كل واحد منهم أمة من الناس فسمّوا الأسباط)، وبه قال: السدي والربيع وابن إسحاق. والسبط بالمعنى اللغوي والعرفي: ولد البنت وحفيده، فإنه يطلق على عدة من الأنبياء، منهم النبي عيسى (عليه السلام) لأنه ابن مريم وهي من أحفاد الأنبياء (عليهم السلام).

مراتب المعصومين

مسألة: يستحب ذكر مراتب المعصومين (عليهم السلام) العليا, مثل: «سيد الأنبياء», «سيد الأوصياء», «سادة الأسباط»، وهكذا (1).

وقد قال سبحانه: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»(2).

ومن المعلوم أن الأمر والتفضيل ليس خاصّاً بالرسل الذين ذُكروا في الآية المباركة؛ إذ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

لأن الله سبحانه وتعالى: «أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»(3).

وقد أعطى كل شيء حسب قابليته، سواء قيل بمقالة ابن سينا: (ما جعل الله المشمش مشمشاً بل أوجده)(4), أم لم يقل بمقالته، على بحث مفصّل في الحكمة.

ص: 35


1- انظر الزيارة الجامعة المروية عن الإمام الهادي (عليه السلام)، وفيها بيان العديد من مراتب المعصومين (عليهم السلام).
2- سورة البقرة: 253.
3- سورة طه: 50.
4- إشارة لإثبات الجعل البسيط للشيء ونفي الجعل المركب لاستحالته بين الذات ونفسها أو الذات وذاتياتها.

الشهادة الثالثة

مسألة: يستحب أو يلزم أن يقترن بالشهادتين، الشهادة الثالثة بولاية علي (عليه السلام) والأئمة من ولده (عليهم السلام) مطلقاً، وفي كل الحالات والأزمان، كلمّا تشهّد بالأُوليين، ومنه الأذان والإقامة.

والأقوى عندنا أن الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة جزء، كما ذكرناه في الفقه(1)..

ص: 36


1- قال الإمام المؤلف (أعلى الله مقامه) في (الفقه) الصلاة: ج19 ص331 - 334: (وأما الشهادة لعلي عليه السلام بالولاية وأمرة المؤمنين فالظاهر أنها جزء من الأذان والاقامة كسائر الفصول، وإن قال المصنف أي السيد اليزدي: إنها ليست جزءاً منهما، أما وجه العدم فلأنه لم ترد هذه الشهادة في الروايات السابقة - أي الروايات المحددة لفصول الأذان والإقامة - وأما وجه الجزئية فلأنه ورد ذلك في جملة من الروايات التي ليست هي بأقل شأناً من روايات كثير من المستحبات، وعدم ذكرها في الروايات السابقة لا يضر، كيف وكل الأمور المركبة الشرعية لا تجدها مجموعة في رواية إلا شاذاً، فهل هيكل الصلاة بواجباتها ومستحباتها ونواقضها أو مفطرات الصيام أو أحكام الحج أو غيرها مذكورة مجموعة في رواية واحدة؟ أما الروايات فقد روى الشيخ عبد العظيم في كتابه السياسة الحسينية في مخطوط بالمكتبة الظاهرية بدمشق يسمى بالسلافة في أمر الخلافة تأليف الشيخ عبد الله المراغي من أعلام السنة في القرن السابع الهجري، قال: وفيه روايتان مضمون إحداهما أنه أذّن الفارسي فرفع الصحابة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه زاد في الأذان: أشهد أن علياً ولي الله، فجبههم النبي (صلى الله عليه وآله) بالتوبيخ والتأنيب اللاذع وأقرّ لسلمان هذه الزيادة، ومضمون الأخرى أنهم سمعوا أبا ذر الغفاري بعد بيعة الغدير يهتف بها في الأذان، فرفعوا ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال (صلى الله عليه وآله) لهم: أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعلي بالولاية، أما سمعتم قولي في أبي ذر: وما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر الغفاري، إنكم لمنقلبون بعدي على أعقابكم، إلخ - إلى أن يقول - : وعلى هذا فظاهر المجلسي والمستند والحدائق وظاهر الجواهر الميل إليه).

كما أن جماعة من أعاظم الفقهاء(1)ذكروا أن الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة جزء، فلسنا منفردين في هذه الفتيا.

وأما في التشهد فالمشهور لم يقولوا به، ولكن يحتمل الجواز ولعلّه الأقرب(2)، لوجود رواية خاصة.

قال الإمام الرضا (عليه السلام): «فَإِذَا صَلَّيْتَ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ فَقُلْ فِي تَشَهُّدِكَ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالأَسْمَاءُ الْحُسْنَى كُلُّهَا لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ الزَّاكِيَاتُ الْغَادِيَاتُ الرَّائِحَاتُ التَّامَّاتُ النَّاعِمَاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّالِحَاتُ لِلَّهِ مَا طَابَ وَ زَكَى وَ طَهُرَ وَ نَمَى وَ خَلَصَ وَ مَا خَبُثَ فَلِغَيْرِ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ نِعْمَ الرَّبُّ، وَأَنَّ مُحَمَّداً نِعْمَ الرَّسُولُ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ نِعْمَ الْوَلِيُّ»(3).

ص: 37


1- كالعلامة المجلسي في بحاره: ج81 ص111، واستحسنه المحقق البحراني في حدائقه: ج7 ص404، وظاهر السيد صاحب الرياض في رياضه: ج1 ص151، وظاهر السيد مهدي بحر العلوم في درته، وظاهر المحقق النراقي في مستند الشيعة: ج4 ص487، والسيد محمد قليخان المفتي والد السيد حامد صاحب العقبات، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في تعليقته على العروة الوثقى: ج2 ص412، وغيرهم. ومن المعاصرين: المرجع الديني الكبير السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، واستقربه المرجع الكبير السيد محمد صادق الروحاني (دام ظله) في تعليقته على العروة الوثقى ج1 ص368، وغيرهما.
2- وقد أفتى بذلك سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، راجع كتاب (استفتاءات) باللغة الفارسية: ج2 ص 109 المسالة 64.
3- مستدرك الوسائل: ج5 ص6 ب2 ح5237، وجامع أحاديث الشيعة: ج5 ص331 ب16 ح8 عن فقه الرضا (عليه السلام): ص108.

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قالت له: لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: اللَّهُ سَمَّاهُ وَهَكَذَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ»(1) وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولِي وَأَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ»(2).

أقول: أنزل أي في تأويله ومعناه، وإلا فالكتاب العزيز لم ينقص منه حتى حرف واحد كما أنه لم يزد فيه شيء على ما فصلناه في بعض كتبنا(3).

وعن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزوجل: «فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها»(4)، قال: «هِيَ التَّوْحِيدُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَ أَنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ»(5).

وفي كثير من الزيارات والأدعية وردت الشهادات الثلاث، ففي زيارة الإمام الرضا (عليه السلام):

«أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَلَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عَلِيّاً وَلِيُّ اللَّهِ»(6).

ص: 38


1- سورة الأعراف: 172.
2- الكافي: ج1 ص412 باب نادر ح4.
3- راجع (متى جمع القرآن) وموسوعة (الفقه): ج98 (حول القرآن الكريم).
4- سورة الروم: 30.
5- اليقين: ص188 باب 40.
6- كامل الزيارات: ص310 باب102 ح2.

الشهادة بأصول الدين

مسألة: رجحان الشهادة بأصول الدين.

وإنما ذكرنا الرجحان دون الوجوب أو الاستحباب لكونه أعم حتى يطابق أيّاً منهما, والظاهر أنه هنا استحباب لا وجوب، لأن الصغير لا يجب عليه ذلك حسب القواعد الفقهية, وإن كانوا (عليهم الصلاة والسلام) صغيرهم كبير في واقعه، إلاّ أن الكلام في الأحكام الظاهرية.

وقد قال عيسى (عليه السلام) وهو طفل في المهد: «إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا»(1).

ولعلّه مما يؤيد الاستحباب وعدم الوجوب أنها (صلوات الله عليها) لم تنطق هنا بالمعاد، مع أن المعاد من أصول الدين، وتسمية المقام بالشهادتين من جهة أن الإمامة امتداد النبوة، بل هي لازمة لها.

ولعلّ عدم ذكرها للمعاد من جهة أن الاعتقاد بالألوهية يلازم الاعتقاد بالمعاد أيضاً.

ص: 39


1- سورة مريم: 30.

الله هو السلام

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «إن الله هو السلام, ومنه السلام، وإليه السلام»(1).

-------------------------------------------

الثناء على الله توقف

مسألة: يستحب أو يجب الثناء على الله بما هو أهله، ولا فرق في ذلك بين أن يسمعه أحد أو لا، كما لا فرق فيه بين الإسرار أو الإجهار.

قال سبحانه في محكم كتابه الكريم:«هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ»(2).

ص: 40


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص175 المجلس6 ح295، ونص الحديث بالكامل هكذا: عن بريد العجلي، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: «لما توفيت خديجة (رضي الله عنها) جعلت فاطمة (صلوات الله عليها) تلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وتدور حوله، وتقول: يا أبه، أين أمي؟ قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام، وتقول لها: إن أمك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة (عليها السلام): إن الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام».
2- سورة الحشر: 23.

وينبغي على المؤمن أن يثني على ربه عزوجل في جملة ما يثني عليه بثنايا مركّزة وجميلة وشاملة, كما قالت (عليها السلام): «إن الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام».

ومن المحتملات القريبة في نحو: «إن الله هو السلام» أنه مثل: «إن الله عدل» ونحوه(1).

ولعلّ ذكرها (عليها الصلاة والسلام) لهذا الاسم، من جهة أهمية (السلام) في كل الشؤون, فإن (منه السلام) أي في جميع الجهات والأزمان، بمعنى أن كل ما كان منه تعالى فهو سلام.قال عزوجل: «مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ»(2).

أما الإنسان فقد يولد سالماً وقد لا يولد سالماً, وقد يبقى سالماً وقد لا يبقى سالماً, وقد يموت سالماً وقد لا يموت سالماً، وقد يحشر سالماً وقد لا يحشر سالماً، وقد ينتهي أمره إلى السلام في جنة عدن ورضوان من الله سبحانه وتعالى أكبر, وقد ينتهي أمره إلى غير السلام.

ثم إنه قد يكون سالماً من جهة دون أخرى، كأن يسلم في نفسه ويسقم في جسمه، أو يسلم من المعصية ولا يسلم من المرض، أو يكون سليماً في اقتصاده

ص: 41


1- والنعت بالمصدر يفيد المبالغة والتأكيد وما أشبه مما ذكر في البلاغة، قال ابن عقيل في شرحه: النعت بالمصدر على خلاف الأصل لأنه يدل على المعنى لا على صاحبه، ومع ذلك ورد كثيراً ولذا قال ابن مالك في ألفيته: ونعتوا بمصدر كثيراً * فالتزموا الافراد والتذكيرا. أقول: الإخبار نحو من أنحاء النعت كما لا يخفى فحكمه واحد، فضلاً عن أن العلة التي ذكرها النحاة من دلالة النعت على الحدث لا على صاحبه موجودة في الإخبار أيضاً.
2- سورة القدر: 4-5.

دون سياسته، وهكذا وكل ذلك من الله وبفضله.

وربما يكون المراد بأن الله سبحانه (هو السلام) أنه سالم من التغيّر، والجسمانية، والنقص، والحلول، والاتحاد(1)، والعينية(2)، والجهل(3)،والظلم،

ص: 42


1- لا كما قاله بعض الفلاسفة والعرفاء من وحدة الوجود بل وحدة الموجود. قال في الحكمة المتعالية: ج2 ص71: (ومما يجب أن يعلم أن إثباتنا لمراتب الوجودات المتكثرة ومواضعتنا في مراتب البحث والتعليم على تعددها وتكثرها لا ينافي ما نحن بصدده من ذي قبل إن شاء الله من إثبات وحدة الوجود والموجود ذاتاً وحقيقةً، كما هو مذهب الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين، وسنقيم البرهان القطعي على أن الوجودات وإن تكثرت وتمايزت إلاّ أنها من مراتب تعينات الحق الأول وظهورات نوره وشؤونات ذاته لا أنها أمور مستقلة وذوات منفصلة). وجاء في الهامش تعليقاً على هذا الموضوع: (القائل بالتوحيد إما أن يقول بكثرة الوجود والموجود جميعاً مع التكلم بكلمة التوحيد لساناً واعتقاداً بها إجمالاً، وأكثر الناس في هذا المقام، وإما أن يقول بوحدة الوجود والموجود جميعاً وهو مذهب بعض الصوفية، وإما أن يقول بوحدة الوجود وكثرة الموجود، وهو المنسوب إلى أذواق المتألهين، وعكسه باطل، وإما أن يقول بوحدة الوجود والموجود جميعاً في عين كثرتهما، وهو مذهب المصنف والعرفاء الشامخين). وهذا كله باطل عقلا ونقلاً ومخالف لما ورد عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
2- ذكر بعض الفلاسفة أن صدور الأشياء منه لازم لذاته يستحيل انفكاكها عنه، لذا فالعالم قديم بنظرهم.
3- ذكر بعض الفلاسفة أنه تعالى جاهل بالأشياء على الوجه التفصيلي، بل علمه بها هو على النحو الإجمالي فقط. قال في نهاية الحكمة: الفصل11 من المرحلة12 ص350 - 356: في علمه تعالى أقوال عدة، أوصلها إلى عشرة أقوال وأشكل عليها بأجمعها، كان منها: (القول السابع: ما ينسب إلى أكثر المتأخرين، أن له تعالى علماً تفصيلياً بذاته، وهو علم إجمالي بالأشياء قبل الإيجاد، وأما علمه التفصيلي بالأشياء فهو بعد وجودها.

والقسر، وما أشبه ذلك.

عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (عليهم السلام) قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى الرِّضَا (عليه السلام) فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ صِفْ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّ مَنْ قِبَلَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْنَا.

فَقَالَ الرِّضَا (عليه السلام): «إِنَّهُ مَنْ يَصِفُ رَبَّهُ بِالْقِيَاسِ لَا يَزَالُ الدَّهْرَ فِي الِالْتِبَاسِ، مَائِلًا عَنِ الْمِنْهَاجِ، ظَاعِناً فِي الِاعْوِجَاجِ، ضَالًا عَنِ السَّبِيلِ، قَائِلًا غَيْرَ الْجَمِيلِ، أُعَرِّفُهُ بِمَا عَرَّفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَأَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ صُورَةٍ، لا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ، وَلا يُقَاسُ بِالنَّاسِ، مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ تَشْبِيهٍ، وَمُتَدَانٍ فِي بُعْدِهِ لا بِنَظِيرٍ، لا يُمَثَّلُ بِخَلِيقَتِهِ، وَلا يَجُورُ فِي قَضِيَّتِهِ، الْخَلْقُ إِلَى مَا عَلِمَ مُنْقَادُونَ، وَعَلَى مَا سَطَرَ فِي الْمَكْنُونِ مِنْ كِتَابِهِ مَاضُونَ، وَلا يَعْمَلُونَ خِلَافَ مَا عَلِمَ مِنْهُمْ، وَلا غَيْرَهُ يُرِيدُونَ، فَهُوَ قَرِيبٌ غَيْرُ مُلْتَزِقٍ، وَبَعِيدٌ غَيْرُ مُتَقَصٍّ، يُحَقَّقُ وَلَا يُمَثَّلُ، وَيُوَحَّدُ وَلَا يُبَعَّضُ، يُعْرَفُ بِالْآيَاتِ، وَيُثْبَتُ بِالْعَلَامَاتِ، فَلا إِلَهَ غَيْرُهُ، الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ»(1).

وعَنْ فَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام)أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنَ التَّوْحِيدِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ: قَالَ جَعْفَرٌ وَإِنَّ فَتْحاً أَخْرَجَ إِلَيَّ الْكِتَابَ فَقَرَأْتُهُ بِخَطِّ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام):

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ الْحَمْدَ، وَفَاطِرِهِمْ عَلَى مَعْرِفَةِ رُبُوبِيَّتِهِ، الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ، وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِهِ، وَبِأَشْبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لا شِبْهَ لَهُ، الْمُسْتَشْهِدِ آيَاتِهِ عَلَى قُدْرَتِهِ، الْمُمْتَنِعِ مِنَ

ص: 43


1- التوحيد: ص47 ب2 ح9.

الصِّفَاتِ ذَاتُهُ، وَمِنَ الْأَبْصَارِ رُؤْيَتُهُ، وَمِنَ الْأَوْهَامِ الْإِحَاطَةُ بِهِ، لَا أَمَدَ لِكَوْنِهِ، وَلا غَايَةَ لِبَقَائِهِ، لا يَشْمَلُهُ الْمَشَاعِرُ، وَلا يَحْجُبُهُ الْحِجَابُ، فَالْحِجَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ لِامْتِنَاعِهِ مِمَّا يُمْكِنُ فِي ذَوَاتِهِمْ، وَلِإِمْكَانِ ذَوَاتِهِمْ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ ذَاتُهُ، وَلِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَالْمَصْنُوعِ، وَالرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ، والْحَادِّ وَالْمَحْدُودِ، أَحَدٍ لَا بِتَأْوِيلِ عَدَدٍ، الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ، السَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ، الْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ، الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ، الْبَائِنِ لا بِبَرَاحِ مَسَافَةٍ، الْبَاطِنِ لا بِاجْتِنَانٍ، الظَّاهِرِ لا بِمُحَاذٍ، الَّذِي قَدْ حَسَرَتْ دُونَ كُنْهِهِ نَوَاقِدُ الْأَبْصَارِ، وَامْتَنَعَ وُجُودُهُ جَوَائِلَ الْأَوْهَامِ، أَوَّلُ الدِّيَانَةِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ الْمَعْرِفَةِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ التَّوْحِيدِ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ الْمَوْصُوفِ أَنَّهُ غَيْرُالصِّفَةِ، وَشَهَادَتِهِمَا جَمِيعاً عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْبَيْنَةِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا الْأَزَلُ، فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ، وَمَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ، وَمَنْ قَالَ عَلَامَ فَقَدْ حَمَلَهُ، وَمَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ، وَمَنْ قَالَ إِلَامَ فَقَدْ وَقَّتَهُ، عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومَ، وَخَالِقٌ إِذْ لَا مَخْلُوقَ، وَرَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبَ، وَإِلَهٌ إِذْ لَا مَأْلُوهَ، وَكَذَلِكَ يُوصَفُ رَبُّنَا وَهُوَ فَوْقَ مَا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فِي شَيْ ءٍ أَوْ مِنْ شَيْ ءٍ أَوْ عَلَى شَيْ ءٍ فَقَدْ أَشْرَكَ، لَوْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى شَيْ ءٍ لَكَانَ مَحْمُولًا، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْ ءٍ لَكَانَ مَحْصُوراً، وَلَوْ كَانَ مِنْ شَيْ ءٍ لَكَانَ مُحْدَثاً»(2).

وعن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: ذُكِرَ عِنْدَهُ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ

ص: 44


1- التوحيد: ص56 ب2 ح14.
2- التوحيد: ص178 ب128 ح9.

وَتَعَالَى لا يَنْزِلُ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ، إِنَّمَا مَنْظَرُهُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ سَوَاءٌ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَرِيبٌ، وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ بَعِيدٌ، وَلَمْ يَحْتَجْ بَلْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَهُوَ ذُو الطَّوْلِ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، أَمَّا قَوْلُالْوَاصِفِينَ إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ فَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَنْسُبُهُ إِلَى نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَكُلُّ مُتَحَرِّكٍ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ يُحَرِّكُهُ أَوْ يَتَحَرَّكُ بِهِ، فَظَنَّ بِاللَّهِ الظَّنُونَ فَهَلَكَ، فَاحْذَرُوا فِي صِفَاتِهِ مِنْ أَنْ تَقِفُوا لَهُ عَلَى حَدٍّ، تَحُدُّوهُ بِنَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ تَحَرُّكٍ أَوْ زَوَالٍ أَوْ نُهُوضٍ أَوْ قُعُودٍ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِينَ وَنَعْتِ النَّاعِتِينَ وَتَوَهُّمِ الْمُتَوَهِّمِينَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»(1).

السلم في الحياة

مسألة: يستحب أو يجب - كل في مورده - السِّلم والتسالم، وقد قالت (صلوات الله عليها): «ومنه السلام».

وقال تعالى: «ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً»(2).

ومن المعلوم أن كل خير وشرّ من الله سبحانه، فإنه مسبب الأسباب، كما قال تعالى: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً»(3)، و(السلام) من الخيرات، ولا ينافي هذا قوله: «فَمِنْنَفْسِكَ»(4) إذ هو من (الأمر بين الأمرين)(5).

ص: 45


1- التوحيد: ص183 ب128 ح18.
2- سورة البقرة: 208.
3- سورة الأنبياء: 35.
4- سورة النساء: 79 وتمام الآية: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ».
5- فقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين»، قال الراوي: قلت: وما أمر بين أمرين؟ قال: «مَثل ذلك: رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية». الكافي: ج1 ص160 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ح13.

وعلى أي، فإن الشر الصادر من الإنسان كالمعاصي، حيث لم يكن بالقسر بل بإرادة منه واختيار، لذا صحّت نسبته إليه حقيقة، كما صحّت عقوبته، كما يصحّ القول في الوقت ذاته: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً».

ثم إن كل شيء منه سبحانه وتعالى إما بلا واسطة، أو بواسطة من يعمله بإذن الله التكويني، سواء كان معه إذنه التشريعي أم لا(1)، كإماتة ملك الموتللناس وغير ذلك.

قال سبحانه: «أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ»(2).

وقال تعالى: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى»(3).

مصدر السلام

مسألة: يستحب بيان أن السلام والسلامة في كل شيء, وبين كل شيء وشيء آخر, فهو من الله عزّ وجل.

ص: 46


1- فالعامل بالطاعات يتمتع بالاثنين، والعاصي لا إذن تشريعي له بالمعصية، وإن كان له إذن تكويني إذ لو لم يعطه الله القدرة أو لو حال دونه لما أمكنه أن يفعل. راجع كفاية الأصول، نهاية مبحث الطلب والارادة.
2- سورة الواقعة: 64.
3- سورة الأنفال: 17.

وقولها (صلوات الله عليها): (منه السلام) مطلق شامل لكل شيء، فيستحب التذكير بذلك بكل مناسبة.

فمثلاً: السلام بعد الحرب، والسلامة بعد المرض، كله من الله عزّ وجلّ، وكذا السلام الحاكم بين الناس بعضهم مع بعض, وبين الحيوانات بعضهم مع بعض, وبين الإنسان والحيوان, والإنسان والنبات, والحيوان والنبات, والنبات والنبات، وبين سائر الموجودات مما يرى وما لا يرى.

وكذا السلامة في السفر والحضر، والسلامة في الأغذية والأشربة، والسلامةفي الأجسام والعناصر، والسلامة في الهواء والنور وغيرها، فمصدرها الباري عزّ وجلّ وهو الذي خلقها وأمر بها، وهي بإرادته.

التأكيد المناسب

مسألة: يستحب التأكيد فيما يحتاج إلى التأكيد، تأسياً بها (صلوات الله عليها) إذ قالت: (إن الله هو السلام, ومنه السلام، وإليه السلام)(1).

ص: 47


1- فإن في الجملة عدة تأكيدات كما لا يخفى منها: الحرف المشبه بالفعل، وضمير الفصل أو العماد، وإعادة لفظ الخبر بنفسه.

عمر النبي (صلی الله علیه و آله)

اشارة

روت الصديقة فاطمة (عليها السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أخبرها وقال: «لا أراني إلاّ ذاهباً على رأس الستين»(1).

-------------------------------------------

القول التقريبي

مسألة: يجوز القول التقريبي فيما يناسبه, فإنه صدق أيضاً، كما قال (صلى الله عليه وآله) «على رأس الستين»، مع أن المشهور أنه (صلى الله عليه وآله) فارق الدنيا في الثالثة والستين(2).

ويحتمل في كلمة «رأس» معنى آخر، مثل مد كل العشرة إلى العشرة الثانية, وحينئذ لا يلزم منه التقريب.ويحتمل أن (العشرة) تقسّم إلى رأس ووسط وآخر(3).

ص: 48


1- المعجم الكبير للطبراني: ج22 ص418.
2- قال الفتال النيسابوري في روضة الواعظين: ص71 مجلس في وفاة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله): اعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قبض بالمدينة مسموماً يوم الاثنين: لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته وهو ابن ثلاث وستين سنة. كما أن العامة اتفقوا على ذلك أيضاً، فقد روى البخاري في صحيحه: ج4 ص163 باب وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين، وإن رووا أيضاً عن ابن عباس أن عمره كان خمسة وستين سنة، إلا أن هذا خلاف المشهور عندهم. انظر (مسند أحمد) ج1 ص215.
3- فالرأس من الواحد للثلاثة، والوسط من الأربعة للسبعة، والبواقي من الأخير.

كما يحتمل إرادة الستين السنة الشمسية لا القمرية، نظير قوله تعالى: «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ» فإنها شمسية «وَازْدَادُوا تِسْعًا»(1) قمرية(2).

وأما احتمال (البداء) فالظاهر أنه ضعيف.

وفائدة الإخبار بالإضافة إلى أنه بيان الواقع: التهيؤ والاستعداد من السامعين, فإن موت العظماء يحتاج إلى استعداد من الناس حتى لا يقعوا في مشاكل مواجهة المجهول الشامل، قال سبحانه: «أَفَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»(3).

وقالت الصديقة الطاهرة (صلوات الله عليها)في خطبتها: «أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا»(4).

حياة العظماء

مسألة: يستحب الإخبار بعمر العظيم، فإنه ذو فائدة بل فوائد.

ولعلّ وجه الرجحان أن الدنيا معلومات وقياسات, ومن الواضح أن

ص: 49


1- سورة الكهف: 25.
2- ففي تفسير البغوي ج2 ص158: روي عن علي (عليه السلام) أنه قال عن أهل الكهف: إنهم لبثوا ثلاثمائة شمسية، والله تعالى ذكر ثلاثمائة قمرية والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة ثلاث سنين فيكون في ثلاثمائة تسع سنين، فلذلك قال: «وَازْدَادُوا تِسْعًا».
3- سورة آل عمران: 144.
4- سورة التوبة: 49، شرح الأخبار: ج3 ص36.

العلم بعمر العظيم من المعلومات الرفيعة، كما أن بمثل هذا العلم تقاس الأشياء، حيث يعرف أن العظيم في هذا العمر كم أنتج من الإنتاج للدنيا والآخرة؟ فيكون أسوة للآخرين.

من هنا يتلهّف الناس على معرفة أحوال العظماء وأعمارهم، فمثلاً كم عاش العلامة الحلي (قدس سره)؟ وكم عمّر العلامة المجلسي (قدس سره)؟ وهكذا، وحينئذ يكون إنتاجه الغزير في هذا العمر القصير نسبياً أسوة لمن أراد التقدم.

تواريخ الأولياء

مسألة: يستحب الاهتمام بحفظ وبيان ما يرتبط بأعمار المعصومين (عليهم السلام)، وتواريخ مواليدهم ووفياتهم، ومايرتبط بحياتهم الشخصية، كأسمائهم - بالمعنى الأعم مما يشمل الكنى والألقاب - ومكان سكنهم وعدد أولادهم ذكوراً وإناثاً، ومعجزاتهم، وحتى بيعهم وشرائهم وعملهم وزراعتهم وتجارتهم(1) وغير ذلك.

وهكذا الأمر بالنسبة إلى ذوي المعصومين (عليهم السلام) وكبار العلماء وصالح المؤمنين، حيث ورد: «من ورخ مؤمناً فقد أحياه»(2).

الإخبار بما يحزن

مسألة: الإخبار بما يُحزن ينقسم إلى الأحكام الخمسة، فإنه إن استلزم إيذاء

ص: 50


1- ذكر الإمام المؤلف (قدس سره) في (الفقه: المال) روايات حول إن الإمام (عليه السلام) أعطى أموالاً لأشخاص ليتجروا بها.
2- مستدرك سفينة البحار: ج10 ص279.

للمؤمن - دون مزاحم أهم - كان حراماً أو مكروهاً، وإن توقف عليه إحقاق حق كان واجباً مقدمياً، وإن كانت فيه جهة راجحة فمستحب، نعم قد يتأمل في وجود المباح(1)، فتأمل.

النبي عيسى

قالت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن عيسى بن مريم لبث في بني إسرائيل أربعين سنة»(2).

أخبار الماضين

مسألة: يستحب بيان أخبار الماضين بتفصيلها، خصوصاً أخبار الأنبياء (عليهم السلام) والأولياء.

وقد بيّنت الصديقة فاطمة (عليها السلام) بعض أخبار النبي عيسى (عليه السلام) في روايتها هذه.

ولعلّ الأربعين تقريبي, وهل المراد مكثه فيهم، أو فترة تبليغه(3)، أو ما أشبه؟

ص: 51


1- لأنه من الأفعال التي تلازم التأثير في الغير ولو بالواسطة، وعليه ينقسم إلى الأحكام الاقتضائية.
2- فضائل سيدة النساء، لابن شاهين: ص19.
3- وهذا هو الظاهر، كما نص عليه الخبر التالي، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله): «يا فاطمة ! إنه لم يبعث نبي إلاّ عمر الذي بعد نصف عمره، وإن عيسى ابن مريم بعث رسولاً لأربعين، وأني بعثت لعشرين». أي تقريباً.

وعلى بعض الوجوه لا يتنافى مع غيره، مضافاً إلى عدم المنافاة بين المثبتين كما ذكر في علم الأصول، وأن العدد لا مفهوم له.وربما يراد بالأربعين الكثرة، فلا يقال: الروايات في ذلك مختلفة، والله أعلم بحقائق الأمور.

ولا يخفى أن التاريخ عبرة وعظة، وقد سبق أنه ورد: «من ورَّخ مؤمناً فقد أحياه».

فإن الحياة قد تكون مادية، كحياة الإنسان في هذه الدنيا في عمر طبيعي، وقد تكون حياة معنوية، كحياة الإنسان بذكره الحَسَن، كما قال تعالى: «وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ»(1)، أو بأولاده في الدنيا، أو حياته في القبر، أو في القيامة، أو في الجنة.

أما النار، فقد قال سبحانه: «لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا»(2) والعياذ بالله.

وقال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): «وسر في ديارهم وآثارهم»(3).

وقد أكثر القرآن الحكيم من التاريخ للاعتبار, وذلك كي يعرف الإنسان مثلاً أن بني إسرائيل كيف فعلوا؟ وما هي أسباب نجاحهم وهلاكهم؟وأنّ آل فرعون ما ذا حلّ بهم؟ وهكذا بالنسبة إلى سائر الأقوام والملل, وفوائد التاريخ كثيرة مذكورة في الكتب المعنية بهذا الشأن.

ص: 52


1- سورة الشعراء: 84.
2- سورة طه: 74.
3- نهج البلاغة: ومن وصية له (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) وقد جمع من كل حكمة طرفاً.

ابن مريم

مسألة: قد يقال باستحباب وصف النبي عيسى (عليه السلام) بكونه (ابن مريم)، تأسياً بها (صلوات الله عليها)، ولما فيه من الدلالة والتذكير بالإعجاز والكرامة(1).

عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لِأَيِّ عِلَّةٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ آدَمَ (عليه السلام) مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، وَخَلَقَ عِيسَى (عليه السلام) مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَخَلَقَ سَائِرَ النَّاسِ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؟

فَقَالَ: لِيَعْلَمَ النَّاسُ تَمَامَ قُدْرَتِهِ وَكَمَالَهَا، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ خَلْقاً مِنْ أُنْثَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِير»(2).

ص: 53


1- أقول: ولاتباع ما جاء في القرآن الكريم، فقد ذكره بالأوصاف التالية: «عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» اثنتي عشرة مرة، و«الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» خمس مرات، و«الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» ثلاث مرات، و«ابْنُ مَرْيَمَ» مرتين.
2- علل الشرايع: ج1 ص15 باب12 العلة التي من أجلها خلق الله عز وجل آدم من غير أب وأم، وخلق عيسى من غير أب، وخلق سائر الخلق من الآباء والأمهات ح1.

لبث الأنبياء في أقوامهم

مسألة: التذكير بمدة لبث النبي (عليه السلام) في قومه مستحب، لما فيه من العبرة والحثّ على الصبر والتأسي والاقتداء، ولأنه نوع إحياء لأمرهم (عليهم السلام)، ولعل ما سبق وغيره(1) كان من جهات تحديدها (صلوات الله عليها) مدة مكثه (عليه السلام) في بني إسرائيل.

ص: 54


1- ومن تلك الجهات ما جاء في تتمة الخبر المذكور آنفاً، فقد جاء فيه: «يا فاطمة ! إنه لم يبعث نبي إلاّ عمر الذي بعد نصف عمره، وإن عيسى ابن مريم بعث رسولاً لأربعين، وأني بعثت لعشرين».

دفاعاً عن أبيها

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) قالت: «اجتمعت قريش في الحجر، فقالوا: إذا مرّ محمد علينا فليضربه كل واحد منّا ضربة، فسمعته(1) (عليها السلام) فدخلت على أبيها فذكرت ذلك له»(2).

-------------------------------------------

دفعاً لكيد الأعداء

مسألة: يستحب أو يجب - كل بحسبه - إعلام الشخص بكيد الناس له، والحكم بين الاقتضائي وغيره حسب اختلاف مراتب الكيد، فإن كان الكيد ضاراً ضرراً بالغاً وجب، من جهة وجوب حفظ المؤمنين وإنقاذهم فإنه من ضرورة الشريعة، بالإضافة إلى أنه من باب دفع المنكر, أما إذا كان الضرر خفيفاً مما لم يُعلم من الشارع وجوب دفعه، فيستحب الإعلامبالمكيدة.

ص: 55


1- أي سمعت قولهم واتفاقهم.
2- وتتمة الحديث: وهي تبكي وتقول: «تركت الملأ من قريش قد تعاقدوا في الحجر فحلفوا باللات والعزى ومناة وإساف ونائلة إذا هم رأوك يقومون إليك فيضربونك بأسيافهم فيقتلونك». فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا بنية اسكتي - وفي لفظ لا تبكي» - ثم خرج (صلى الله عليه وآله) أي بعد أن توضأ فدخل عليهم المسجد فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال: «شاهت الوجوه» فما أصاب رجلاً منهم إلا قتل ببدر.

فضح المؤامرات

مسألة: يجوز وقد يجب، الاستماع إلى الأقوال المتضمنة للمؤامرة على المؤمن، وهذا من موارد استثناء حرمة التجسس، فإنه يجوز على الأعداء، إذ بدون الاستماع لا يتيسر دفع الأذى عن المؤمن أو إعلامه به.

والظاهر أنها (عليها الصلاة والسلام) استمعت إلى أقوالهم، لصريح (فسمعته)، لا أنها علمت ذلك بالغيب, وإن كانت هي (عليها السلام) عالمة بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

الاجتماع المحرم

مسألة: الاجتماع للتآمر ضد الدين والمؤمنين محرم، من باب المقدمة، بل قد يقال بحرمته ذاتاً(1) وإن لم يكنموصلاً، لما علم من كونه مبغوضاً للشارع،

ص: 56


1- وقد يكون التآمر ضد الدين نوع من النجوى - أي الإسرار والكلام الخفي - والنجوى بالمعصية محرمة بذاتها لقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» سورة المجادلة: 810. كما أنه من أنواع الغدر والخيانة، وكلاهما من العناوين المحرمة بذاتها، قال تعالى: «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ» سورة الأنفال: 58، وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ» سورة الحج: 38، فضلاً عن اتصاف التآمر بعناوين أخرى مثل الظلم والإفساد في الأرض ومحاربة الله ورسوله وغيرها من العناوين المحرمة.

ولعقوبة العقلاء عليه بذاته، فتأمل.

عن علي بن الحسين (عليه السلام) في حديث: «وَإِيَّاكُمْ وَصُحْبَةَ الْعَاصِينَ وَمَعُونَةَ الظَّالِمِينَ وَمُجَاوَرَةَ الْفَاسِقِينَ احْذَرُوا فِتْنَتَهُمْ وَتَبَاعَدُوا مِنْ سَاحَتِهِم»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَنْ أَعَانَ عَلَى مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَتِي»(2).

تحرير الأماكن المقدسة

مسألة: يجب استنقاذ (الحجر)(3) وسائر الأماكن المقدسة من أيدي الحكام الجائرين، ومن أيدي الظلمة والمفسدين.

عن الحلبي قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): لِمَ جُعِلَ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ أَخَذَ مِيثَاقَ بَنِي آدَمَ دَعَا الْحَجَرَ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَمَرَهُ فَالْتَقَمَ الْمِيثَاقَ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ بِالْمُوَافَاةِ»(4).

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام): أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَبَّلُ

ص: 57


1- الكافي: ج 8 ص14 صحيفة علي بن الحسين (عليه السلام) وكلامه في الزهد ح2.
2- الكافي: ج 2 ص368 باب من أخاف مؤمناً ح3.
3- جاء في مجمع البحرين ج1 ص463: (الحجر: الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي، وحكى فتح الحاء، وكله من البيت أو ستة أذرع منه أو سبعة أقوال . نقل إن إسماعيل بن إبراهيم النبي (عليهما السلام) دفن أمه في الحجر فحجره عليها لئلا توطأ . وفي الحديث عن الصادق (عليه السلام): «دفن في الحجر مما يلي الركن الثالث عذارى بنات إسماعيل عليه السلام» . وفيه: «الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل عليه السلام»).
4- وسائل الشيعة: ج13 ص317 ب13 ح17834.

الْحَجَرُ وَيُسْتَلَمُ لِيُؤَدَّى إِلَى اللَّهِ الْعَهْدُ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ، وَإِنَّمَا يُسْتَلَمُ الْحَجَرُ، لِأَنَّ مَوَاثِيقَ الْخَلَائِقِ فِيهِ، وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ فَاسْوَدَّ مِنْ خَطَايَابَنِي آدَمَ، وَلَوْ لَا مَا مَسَّهُ مِنْ أَرْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إِلَّا بَرَأَ»(1).

وعن محمد بن سنان قال: إنَّ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا (عليهما السلام) كَتَبَ إِلَيْهِ فِيمَا كَتَبَ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ: عِلَّةُ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخَذَ مَوَاثِيقَ بَنِي آدَمَ الْتَقَمَهُ الْحَجَرُ، فَمِنْ ثَمَّ كُلِّفَ النَّاسُ بِتَعَاهُدِ ذَلِكَ الْمِيثَاقِ، وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ عِنْدَ الْحَجَرِ: أَمَانَتِي أَدَّيْتُهَا وَمِيثَاقِي تَعَاهَدْتُهُ لِتَشْهَدَ لِي بِالْمُوَافَاةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ سَلْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيَجِيئَنَّ الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ أَبِي قُبَيْسٍ، لَهُ لِسَانٌ وَشَفَتَانِ، وَيَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ بِالْمُوَافَاةِ»(2).

حفظ المعصوم

مسألة: يجب دفع الأذى عن المعصوم (عليه السلام)

والوجوب هنا آكد من الوجوب بالنسبة إلى سائر الناس، فإن دفع الأذى عن الناس واجب أيضاً في الجملة، بشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفع المنكر.

أما دفع الأذى عن المعصوم (عليه الصلاةوالسلام) فإنه يجب بوجوب أكبر, ويتأكد بتأكد أكثر، وذلك من التخلّق بأخلاق الله سبحانه وتعالى، مضافاً إلى سائر الأدلة العقلية والنقلية(3).

ص: 58


1- وسائل الشيعة: ج13 ص318 ب13 ح17836.
2- وسائل الشيعة: ج13 ص318 ب13 ح17837.
3- قال تعالى: «وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ»- سورة القصص: 20 - وقد قامت سيرة المتشرعة على الدفاع عن المعصوم عليه السلام، بل هو من ضروريات الدين.

قال سبحانه: «إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا»(1).

وفي الحديث: «تخلّقوا بأخلاق الله»(2).

ودفع الأذى قد يكون باللفظ, وقد يكون بالكتابة، وقد يكون مباشرة, وقد يكون تسبّباً، إلى غير ذلك من مصاديق الدفع الواجب.

المسارعة في الانقاذ

مسألة: تجب المسارعة لإنقاذ المؤمن أو لاستنقاذ الحق، فكيف إذا كان معصوماً، كما صنعت (صلوات الله عليها).

والظاهر وجوبه مقدمةً، فإذا كان التأخير سبباً لضياع الحق كلاً أو بعضاً أو تعرضه لبعض الأذى حرم، وإلا كانتالمسارعة مستحبة.

قال تعالى «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ»(3).

وقال سبحانه: «فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ»(4).

ص: 59


1- سورة الحج: 38.
2- بحار الأنوار: ج58 ص129.
3- سورة آل عمران: 133.
4- سورة البقرة: 148 وسورة المائدة: 48.

اغتياب المشرك

مسألة: لا غيبة للمشرك، حيث ذكرت (عليها السلام) ما قالوه للرسول (صلى الله عليه وآله) .

لوضوح أن قوله سبحانه: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا»(1)، يراد بالأخ فيه المؤمن، للانصراف ولغيره(2)، وإن كان ربما يطلق الأخ على الكافر والمشرك ومن أشبه أيضاً، ولكن الإطلاق بالمعنى الأعم.

قال سبحانه: «وَإِخْوَانُ لُوطٍ»(3).

وقال تعالى: «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا»(4).وقال سبحانه: «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا»(5).

إلى غير ذلك، وقد ذكرنا تفصيل الغيبة حرمةً وجوازاً في (الفقه: المكاسب

ص: 60


1- سورة الحجرات: 12.
2- قال الإمام المؤلف (قدس سره) في (الفقه: المكاسب المحرمة): ج1 ص260261: (شرائط الغيبة، ثم إن تحقق الغيبة موضوعاً وحرمتها حكماً يتوقف على أمور وشرائط، الشرط الأول: أن يكون المغتاب بالفتح أخاً في الدين كما في الآية - والتي مرت في صدر هذا الموضوع - وفي رواية عبد الرحمان بن سيابة عن الصادق (عليه السلام): «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، وأما الأمر الظاهر مثل الحِدة والعجلة فلا، والبهتان أن تقول ما ليس فيه» إلى غير ذلك من هذا القبيل من الروايات ومن اشتراط كونه أخاً يخرج الكافر والمنافق ونحوهما).
3- سورة ق: 13.
4- سورة الأعراف: 65.
5- سورة الأعراف: 73.

المحرمة) وغيرها(1).

ومن نافلة القول: إن المشركين أرادوا من قولهم (فليضربه كل واحد منّا ضربة) تضييع دمه (صلى الله عليه وآله) بينهم كي لا يمكن الأخذ بثأره، نظير ما حشدوا له في ليلة المبيت، مع احتمال أن يكون ذلك أيضاً للتشفي(2).

حرمة تضييع الحق

مسألة: يحرم تضييع الحق كما أرادوا تضييع دمه (صلوات الله عليه) بأن يشتركوا جميعاً في ضربه.

لكنه هل هو محرم آخر زائداً على حرمة أصل الفعل، قد يقال بذلك لملاك: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ»(3) وللارتكاز(4)،فتأمل.

ص: 61


1- الفقه، المكاسب المحرمة: ج1 ص258289.
2- أي ليأخذ كل منهم قسطه من التشفي بضربه.
3- سورة التوبة: 32، فاطفاء نور الله له مصاديق عديدة منها ابطال الحقوق وتضييعها.
4- أي الارتكاز العقلائي أو ارتكاز المتشرعة، والعقلاء يذمون بل يعاقبون من ضيع حق الآخرين باخفاء أو ما شابه.

سرّ الرسول (صلی الله علیه و آله)

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «ما كنت لأفشي سرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).

-------------------------------------------

حرمة إفشاء السر

مسألة: إفشاء سرّ الغير حرام شرعاً وعقلاً, بل قد يحرم حتى بالنسبة إلى أسرار الإنسان نفسه في الجملة، قال يعقوب (عليه السلام) ليوسف (عليه السلام): «لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ»(2).

ولأن (السرّ) حق عرفاً، وإفشاؤه تضييع له.

ويدل عليه قاعدة التسلط: (الناس مسلطون)، والتي تشمل حقوقهم أيضاً.

ولا يبعد أن يكون الفرق: أن إفشاء الإنسان سرّ نفسه يحرم أحياناً ويكره أحياناً, وأما إفشاء سرّ غيره المحترم السرّ فإنه يحرم إلا بإذنه فيجوز، إن لم تكن فيه مفسدة أو انطباق عنوان إشاعة الفاحشة(3).

ص: 62


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص692 المجلس87 ح942.
2- سورة يوسف: 5.
3- كما لو فعل حراماً سرّاً فإن الإعلان عنه إشاعة فاحشة.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أفشى سراً استودعه فقد خان»(1).

وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قَالَ: قَالَ لَهُ: (عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَرَامٌ)، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: يَعْنِي سُفْلَيْهِ، قَالَ: لَيْسَ هُوَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِنَّمَا هُوَ إِذَاعَةُ سِرِّهِ»(2).

وعن الإمام الصادق (صلوات الله عليه): «إِفْشَاءُ السِّرِّ سُقُوط»(3).

وفي وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (رضوان الله عليه): «يَا أَبَا ذَرٍّ، الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ، وَإِفْشَاؤُكَ سِرَّ أَخِيكَ خِيَانَةٌ فَاجْتَنِبْ ذَلِك»(4).

سرّ النبي

مسألة: يحرم إفشاء ما يعدّ سرّاً للنبي (صلى الله عليه وآله).

وقول الصديقة (عليها السلام): (ما كنت) وإن كان إخباراً، إلاّ أنه مبنيعلى الحكم التكليفي في رتبة سابقة في اللفظ كاشف عنه عرفاً.

فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوجب احتراماً من سائر الناس، فالحديث دالّ على شدّة حرمة إفشاء سرّه، وكذلك الأشدية والآكدية في سائر ما يرتبط بالنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وجوباً وتحريماً واستحباباً وكراهةً بالنسبة إلى الناس.

ص: 63


1- عيون الحكم والمواعظ: ص446 ب24 الفصل1.
2- معاني الأخبار: ص255 باب معنى قول العالم عليه السلام: عورة المؤمن على المؤمن حرام ح2.
3- تحف العقول: 315.
4- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص538 المجلس19 ح1.

ويفهم من هذا الحديث: أن للنبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً سرّاً وعلانيةً بالمعنى الصحيح، وإنما قلنا (أيضاً): لأن لكثير من الأشياء والأفراد سرّاً وعلانية، نعم ربما يوجد في بعض الخلق ما ليس له - ظاهراً - سرّ وعلانية، كما يشاهد في مثل الزجاج، وبعض الحيوانات، فقد رؤي بعض الأسماك يظهر باطنه من ظاهره وظاهره من باطنه، وكذلك ما قد ورد في صفات بعض قصور الجنة أو الحور.

هذا بالنظرة الأولى، إلا أنه لا يخفى على المتدبّر أن لتلك الأشياء سرّاً وعلانيةً(1)، وحكم العلانية يختلف باختلافموارده.

أسرار الجماعة

مسألة: وكما يحرم إفشاء سرّ الأفراد كأفراد، يحرم إفشاء سرّ الجماعات، كالعوائل والعشائر والجمعيات والأحزاب والمرجعيات والنقابات وغيرها بالشروط المذكورة، والمستثنى هناك مستثنى هنا أيضاً.

وهل يحرم إفشاء سر الدولة؟

إذا كانت الأسرار مما يضر إفشاؤها المواطنين المؤمنين فمشمول للاضرر.

وإلا فالحكومات الظالمة كما هي الغالب في الدول المعاصرة، لا حرمة لها ولا لأسرارها، بل قد يجب الإفشاء لو كان ردعاً للظلم، ومما تقتضيه مصالح الناس، إذا رعاية مصلحة الرعية هي الأهم.

ص: 64


1- (الزجاج) مثلاً يتركب من ذرات وأجزاء، وكل ذرة تتركب من إلكترون وبروتون، إلى غير ذلك، وحقيقتها وماهيتها سر وقد اكتشف العلم الحديث بعضه لا غير.

بين السرّ والعلانية

مسألة: يستحب أن يكون للإنسان سر وعلانية بالمعنى الصحيح، فإنه من الحكمة والإتقان وما أشبه، فإن كثيراً من الأمور ينبغي أن تكون سرّاً لأن من شأنها أن تُكتم(1)، أو لأن كل الناس لا يتحمّلون العلانية.

ولذا ورد: «استر ذهبك وذهابك ومذهبك»(2), فإن الذهب إذا كان ظاهراً كان معرضاً للسرقة، أو لإثارة الحسد أو العين أو ما أشبه، والذهاب إذا كان ظاهراً كان معرضاً لانتهاز الفرصة من قبل اللصوص أو الأعداء أو القتلة, والمذهب إذا كان ظاهراً في موضع التقية كان معرضاً للإهانة والأذى وربما القتل.

عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال، سنة من ربه، وسنة من نبيه، وسنة من وليه، فالسنة من ربه كتمانسره، قال الله عز وجل: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(3)»(4).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كتمان سرنا جهاد في سبيل الله»(5).

ص: 65


1- كما فيما يدور بين الزوجين فإن نقله قبيح وقد يحرم.
2- جاء في التحفة السنية للسيد عبد الله الجزائري: ص330: (وورد في وصايا الحكماء: استر ذهبك وذهابك ومذهبك).
3- سورة الجن: 26 - 27.
4- بحار الأنوار: ج72 ص68 ب45 ح2.
5- بحار الأنوار: ج72 ص70 ب45 ح7.

قبح إفشاء السر

مسألة: يقبح إفشاء السرّ مطلقاً.

فإن إفشاء السرّ قد يكون حراماً، وقد لا يصل إلى حد الحرمة فيكون مكروهاً.

ثم إن هذه مسألة كلامية إن دار البحث عن قبح إفشاء ما يتعلق بأصول الدين(1)، وإلا فأخلاقية.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «جُمِعَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فِي كِتْمَانِ السِّرِّ، وَمُصَادَقَةِ الأَخْيَارِ، وَجُمِعَ الشَّرُّ فِي الإِذَاعَةِ وَمُؤَاخَاةِ الأَشْرَارِ»(2).

وعن عبد الله بن سنان، قال: قالت لأبي عبد الله (عليه السلام): «عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَرَامٌ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: يَعْنِي سَبِيلَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِنَّمَا هُوَ إِذَاعَةُ سِرِّهِ»(3).

وعن الصادق (عليه السلام): أنه قال: «مَنِ اطَّلَعَ مِنْ مُؤْمِنٍ عَلَى ذَنْبٍ أَوْ سَيِّئَةٍ فَأَفْشَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكْتُمْهَا وَلَمْ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لَهُ، كَانَ عِنْدَ اللَّهِ كَعَامِلِهَا،وَعَلَيْهِ وِزْرُ ذَلِكَ الَّذِي أَفْشَاهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَغْفُوراً لِعَامِلِهَا وَكَانَ عِقَابُهُ مَا أَفْشَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مَسْتُوراً عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ يَجِدُ اللَّهَ أَكْرَمَ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِ عِقَاباً فِي الْآخِرَةِ»(4).

ص: 66


1- كأسرار النبوة.
2- الاختصاص: ص218.
3- مستدرك الوسائل: ج9 ص134 ب137 ح10469.
4- الاختصاص: ص32.

وقال (عليه السلام) في وصيته لولده الحسن (عليه السلام): «وَلا تَخُنْ مَنِ ائْتَمَنَكَ وَإِنْ خَانَكَ، وَلا تُذِعْ سِرَّهُ وَ إِنْ أَذَاعَ سِرَّكَ»(1).

أسرار النبوة

مسألة: يستحب بيان إعلام واطلاع النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) على بعض أسراره، بل كلّها وأسرار النبوة، وهذا مما يدلّ على مدى قربها (عليها السلام) منه (عليها السلام).

فإنها(2) بضعة منه(3)،

ص: 67


1- بحار الأنوار: ج74 ص208 ب8 ح1.
2- دليل على التعميم لكل الأسرار.
3- حديث (البضعة) له ألفاظ عديدة وموارد متعددة مروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذه بعض مصادر الإمامية (أعزهم الله تعالى): منها قوله (صلى الله عليه وآله): «أشهد أنك بضعة مني» ، انظر (النوادر، للراوندي): ص119 عن الجعفريات. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إنها بضعة مني»، انظر (دعائم الإسلام): ج2 ص214 -215 ح792 -793. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إن فاطمة بضعة مني»، انظر (النوادر، للراوندي) ص119 عن الجعفريات. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «وهي بضعة مني» انظر (الخصال): ص573 أبواب السبعين وما فوقه ح1. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «وهي بضعة مني وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي الحوراء الأنسية»، انظر(الأمالي، للشيخ الصدوق): ص175 المجلس24 ح2، و(بشارة المصطفى: ج6 ص306- 307 ح6. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إن فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني وثمرة فؤادي يسؤني ما ساءها ويسرني ما سرها»، انظر(الأمالي، للشيخ الصدوق): ص575 المجلس73 ح18، و(بشارة المصطفى): ص275 ح89. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي»، انظر(علل الشرائع): ج1 ص186- 187 ب149 ح2. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «يا أباذر، إنها بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني»، انظر (كفاية الأثر): ص37 وص65 و(كتاب سليم بن قيس): ص391. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «ألا إنك بضعة مني، من آذاك فقد آذاني»، انظر (كفاية الأثر): ص64. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»، انظر (دلائل الإمامة): ص135 ح43، والاستغاثة: ج1 ص11. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إن فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن غاضها فقد غاضني، ومن سرها فقد سرني»، انظر (الاعتقادات، للشيخ المفيد): ص105. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إن فاطمة بضعة مني وهي روحي التي بين جنبي، يسؤوني ما ساءها، ويسرني ما سرها»، انظر (الاعتقادات، للشيخ المفيد): ص105، إلى غيرها من الموارد.

وروحه التي بين جنبيه(1)، وهي منه وهو منها(2).

ص: 68


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص175 المجلس24 ح2 ونصه: «وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».
2- علل الشرائع: ج1 ص186 ب149 ح2، ونصه: «إن فاطمة بضعة مني، وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، من آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي».

ويدلّ عليه أيضاً: ما دلّ علىمساواتها لعلي (صلوات الله عليهما) بل وحتى ما دلّ على كونها تالية في الفضل له.

بيان السرّ المستحب

مسألة: ربما يستحب اطلاع الغير إذا كان أهلاً على سرّ الإنسان مع ترتب الفائدة فيه(1).وقد يجب إذا كان في تركه محذور محرم، فتأمل.

وكذلك الأمر في الجماعات، شرط إحراز رضى الجميع، أو كونه في ضمن عهد أو عقد جرى بناؤهم عليه، وأما الدول فلا حق لها في إفشاء أسرارها

ص: 69


1- ولذا كان للأئمة (عليهم السلام) وللعلماء ولأهل الفضل في كل الأوقات ما يعرف بأصحاب السر، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج1 ص40 - 41 ب4 ح29: عن محمد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) قبل أن يحمل العراق بسنة، وعلي ابنه (عليه السلام) بين يديه، فقال لي: «يا محمد» فقلت: لبيك، قال: «إنه سيكون في هذه السنة حركة تجزع منها» ثم أطرق ونكت بيده في الأرض ورفع رأسه إلي وهو يقول: «ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء»، قلت: وما ذاك جعلت فداك؟ قال: «من ظَلَم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي، كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) حقه وجحد إمامته بعد محمد عليه السلام»، فعلمت أنه قد نعى إليّ نفسه ودلّ على ابنه، فقلت: والله لئن مدّ الله في عمري لأسلمن إليه حقه ولأقرن له بالإمامة وأشهد أنه من بعدك حجه الله تعالى على خلقه والداعي إلى دينه، فقال لي: «يا محمد يمد الله في عمرك وتدعو إلى إمامته وإمامة من يقوم مقامه من بعده»، فقلت: من ذاك جعلت فداك؟، قال: «محمد ابنه» قال: قلت: فالرضا والتسليم، قال: «نعم، كذلك وجدتك في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام): أما إنك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء». ثم قال: «يا محمد إن المفضل كان اُنسي ومستراحي، وأنت أنسهما ومستراحهما حرام على النار أن تمسك أبداً».

التي هي من حقوق شعوبها، لسائر الدول إلاّ برضى الناس أو ممثليهم.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ: مَجْلِسٌ سُفِكَ فِيهِ دَمٌ حَرَامٌ، وَمَجْلِسٌ اسْتُحِلَّ فِيهِ فَرْجٌ حَرَامٌ، وَمَجْلِسٌ اسْتُحِلَّ فِيهِ مَالٌ حَرَامٌ بِغَيْرِ حَقِّهِ»(1).

أمانة صاحب السر

مسألة: ينبغي ملاحظة الأمانة في من ينقل إليه السرّ، كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) حيث نقل إلى الزهراء (عليها السلام) دون نسائه مثلاً أسراره، فإنه إذا كان لابدّ من نقل السر, يستحب أويلزم - كل في مورده - أن ينقله إلى أمين أو أمينة..

أما نقل الإنسان سرّه إلى غير الأمين، فإنه تفريط بالسر؛ إذ هو السبب في إذاعته، فقد أفشى سرّه بنفسه(2)، ولا يلومنّ إلاّ نفسه إذا وقع في محذور من تلك الجهة.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أربعة يذهبن ضياعاً: مودة تمنحها من لا وفاء له، ومعروف عند من لا يشكر له، وعلم عند من لا استماع له، وسر تودعه عند من لا حصافة له»(3).

ص: 70


1- الأمالي، للشيخ الطوسي: ج2 ص52 المجلس الثاني ح40.
2- وقد ذهب علماء الرجال إلى أن التعبير عن راو من الرواة بأنه: (صاحب سر الإمام أو كان من خواصه أو حواريه وما شابه) دلالة على وثاقة الراوي إن لم يدل على الأعلى من ذلك.
3- الخصال: ص264باب الأربعة ح144.

التحدث عن النفس وفضائلها

مسألة: يجوز للإنسان أن يتحدث عن نفسه، بل أن يبيّن فضائلها، خاصة إذا كان فيه الفائدة، من تحريض على صفةٍ فاضلة، أو حثٍّ على عمل خير أو ما أشبه، والجواز هنا بالمعنى الأعم، ولذا قالت الصديقة (عليها السلام): «ما كنت لأفشي سر رسول الله (صلى الله عليه وآله)»، فإنها أسوة وحجة يتمسك بفعلها وقولها وتقريرها (عليها السلام).

والفرق بين (ما كنت لأفشي) و(لا أفشي): أن الأول يدل على الصفة النفسية والحالة أو الملكة، دون الثاني.

وإنما قلنا إن الجواز هنا بالمعنى الأعم، لأنه قد يكون واجباً, كما إذا توقف معرفة الغير، الواجبة على ذلك(1)،مثل: قوله سبحانه: «إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(2).

وما ورد في أحاديث عرض الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه على القبائل، وكان (صلى الله عليه وآله) يبيّن أنه رسول من قبل الله سبحانه وتعالى(3).

وكذلك ما ورد في إخبار أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) عن نفسه

ص: 71


1- وكذا من باب تثبيت الحجة وإلزامهم، وكذا من باب تذكيرهم علّهم نسوا أو تناسوا فضله فذكرهم به، ويستحسن فيما لو كان ذكر الفائدة مطلوبة ومستحسنة، كما في ذكر الراوي الثقة فضل نفسه عن لسان المعصوم (عليه السلام)، وهذا الوجه أحد الوجوه التي يدفع به قول من ذهب إلى أن ذلك يدل على سوء نفسية الراوي.
2- سورة الأعراف: 158.
3- راجع بحار الأنوار: ج19 ص5 - 14 ب5 ح5.

وفضائلها(1).

وما ذكره الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في كربلاء من قوله:

أنا الحسين بن علي *** آليت آن لا أنثني

الأبيات(2).

وروى الشيخ الصدوق في أماليه: ثم وثب الحسين (عليه السلام) متوكئاً على سيفه، فنادى بأعلى صوته، فقال: «أنشدكم الله، هل تعرفوني؟».

قالوا: نعم، أنت ابن رسول الله وسبطه.

قال: «أنشدكم الله، هل تعلمون أن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟».

قالوا: اللهم نعم.

قال: «أنشدكم الله، هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)؟».

قالوا: اللهم نعم.

ص: 72


1- وله موارد عديدة، منها حديث احتجاجه (عليه السلام) على جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار، انظر نصه في الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج1 ص210 - 225.
2- انظر (مناقب آل أبي طالب): ج3 باب إمامة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ص258.

قال: «أنشدكم الله، هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟».

قالوا: اللهم نعم.

قال: «أنشدكم الله، هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد (عليه االسلام)، أول نساء هذه الأمة إسلاما؟».

قالوا: اللهم نعم.

قال: «أنشدكم الله، هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة (عليه السلام) عم أبي؟».

قالوا: اللهم نعم.

قال: «فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفراً (عليه السلام) الطيار في الجنة عمي؟».

قالوا: اللهم نعم.

قال: «فأنشدكم الله، هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا متقلده؟».

قالوا: اللهم نعم.

قال: «فأنشدكم الله، هل تعلمون أنهذه عمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا لابسها؟».

قالوا: اللهم نعم.

قال: «فأنشدكم الله، هل تعلمون أن علياً (عليه السلام) كان أولهم إسلاماً، وأعلمهم علماً، وأعظمهم حلماً، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟».

إلى آخر الحديث(1).

من مصاديق كشف السر

مسألة: من مصاديق كشف السرّ: إظهار الأمر قبل أن يستحكم، فإنه مفسدة له كما في الحديث، وكليّه إظهار السرّ قبل أن يحين وقته.

ص: 73


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص222 - 223 المجلس30 ح1.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له»(1).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا تَعَجَّلُوا الْأَمْرَ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَتَنْدَمُوا»(2).

وقال (عليه السلام): «وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَبِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا»(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الْأُمُورُ مَرْهُونَةٌ بِأَوْقَاتِهَا»(4).

العرف وكشف السر

مسألة: كشف السرّ أمر عرفي، يختلف باختلاف الأعراف والأزمنة والظروف والحالات والاعتبارات.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ يَكْتُمُهُ صَاحِبُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثِقَةً أَوْ ذِكْراً لَهُ بِخَيْرٍ»(5).

ص: 74


1- المحاسن: ج2 ص603 باب كتمان الوجع ح31.
2- تحف العقول: ص112.
3- نهج البلاغة: ص444 كتاب53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي (رحمه الله)
4- غوالي اللئالي: ج1 ص293 الفصل العاشر ح180، وعنه بحار الأنوار: ج74 ص165 ب7 ح2.
5- الكافي: ج 2 ص660 باب المجالس بالأمانة ح3.

من آداب النوم

اشارة

عن فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) قالت: «دخل عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد افترشت فراشي للنوم, فقال: يا فاطمة لا تنامي إلاّ وقد عملت أربعة: ختمت القرآن, وجعلت الأنبياء شفعاءك, وأرضيت المؤمنين عن نفسك, وحججت واعتمرت, قال هذا وأخذ في الصلاة, فصبرت حتى أتمّ صلاته. قلت: يا رسول الله أمرت بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال! فتبسّم (صلى الله عليه وآله) وقال: إذا قرأت: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ثلاث مرات فكأنك ختمت القرآن, وإذا صليت عليّ وعلى الأنبياء قبلي كنّا شفعاءك يوم القيامة, وإذا استغفرت للمؤمنين رضوا كلهم عنك, وإذا قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر, فقد حججت واعتمرت».

-------------------------------------------

مستحبات النوم

مسألة: المستحبات في وقت المنام كثيرة، منها: ما ورد في هذه الرواية، وقد ذكر الحاج النوري (رحمه الله) في (دار السلام) كثيراً منها, ولا يخفى أن بعضها متزاحمة، ولا بأس بذلك في المستحب، حيث إنه لا اقتضائي فلا محذور فيه من وجوب الإتيان بجميعها.

وربما كان ذكر المستحبات الكثيرة في الوقت الواحد، كمستحبات مثل ليلة القدر، مما لا يمكن الجمع بينها عادة، ليأخذ كل شخص بطرف منها، حسب

ص: 75

إقباله ورغبته وقابليته.

وقد يكون التنويع لمكان التنوع في الثواب عليه وأجرها.

نعم لا يصح تنجّز الوجوب في المتزاحمين، فيما لا يسع الوقت لهما، ولا يمكن جمعهما، لما حقّق في (الأصول) من قبح التكليف بما لا يسعه الوقت أو لا يطيقه الشخص.

افتراش الفرش

مسألة: هل يستحب افتراش الفراش أم الأفضل أن ينام حيث تيسر؟

لعلّ الأول أرجح، تأسياً بها (صلوات الله عليها)، ولما فيه من النظم، وقد أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام): (أوصيكم .. ونظم أمركم)(1)، ولغير ذلك(2).

وقد يستثنى من ذلك المجاهدون فيما لو زوحم بجهادهم وعملهم أو نخبة حركتهم وسرعة استجابتهم أو انتباههم ويقظتهم.

التعبيرات المجازية

مسألة: يجوز التعبير المجازي، ولا يعدّ المجاز من الكذب، كما هو مبيّن في علم البلاغة، وربما يستحسن مع مراعاة العلقة المشترطة على ما هو مذكور في

ص: 76


1- نهج البلاغة: ومن وصية له (عليه السلام) بعدما ضربه ابن ملجم: «أوصيكم وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم.. ».
2- مثل ما في النوم في الفراش من الهدوء والسكينة، وما فيه من حفظ حق الزوج ورعايته أمر الزوجة.

مظانها، حيث قال (صلى الله عليه وآله): «ختمتِ القرآن» وقصد ما يكون كختم القرآن، ويحتمل كونه بنحو الحقيقة الادعائية.

وقد يطلق (العمل) على (الكلام)، كما أنه ربما يطلق العمل على العمل القلبي بالتفكّر والتذكّر وما أشبه, فإن كل واحد من اللسان والقلب إذا تحرّك كان عملاً، وهكذا بالنسبة إلى الأذن والشم، فإنّ ما يصدر منهما أعمال صادرة من النفس والجوارح، كما حقّق في علم التشريح.

فالعمل أعم من الجوارحي بأقسامه، والجوانحي كذلك.

التكلم مع المصلي

مسألة: يكره التكلم مع المصلي وهو في حال الصلاة، ويستحب الصبر إلى حينما يفرغ، ولعلّه يستفاد ذلك من قولها (عليها السلام): «فصبرت حتى أتمّ صلاته»، بالاستفادة العرفية.والصبر وإن كان فعلاً لا جهة له، إلا أنه قول ههنا.

ثم (لا جهة له) ليس مطلقاً، بل من حيث تحديد الوجوب والندب؛ لأنه ينفي الحرمة والكراهة بل والإباحة أيضاً؛ إذ لا يعملون (عليهم السلام) إلاّ الواجب والمستحب وقد سبق.

والحكم بالكراهة إذا لم تكن هناك جهة محرّمة أو جهة موجبة, فالجهة المحرّمة كما إذا أوجب الكلام معه إيذاءه من جهة وقوعه في الاشتباه وما أشبه، فيدخل في ضمن الإيذاء المحرّم, كما أنه قد يجب الكلام معه فيها إذا كان هناك خطر عليه من عقرب أو حيّة أو ما أشبه, فإذا لم ينبهه وقع في ما لا يجوز الوقوع

ص: 77

أو الإيقاع - ولو بترك التنبيه - فيه، وذلك لأن حفظ الإنسان لغيره واجب أيضاً في الجملة، إذا كان عدم حفظه يؤدي إلى ضرره ضرراً بالغاً، وكان الحفظ مقدوراً له.

استحباب السؤال

مسألة: يستحب السؤال عن (المجمل) في الجملة, كما سألت (عليها السلام) أباها (صلى الله عليه وآله) بقولها: «قلت: يا رسول الله ..».

والحكم بوجوب السؤال عن المجملوالمبهم في الجملة، لقوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).

بل السؤال مطلقاً في مثل مورد الآية وما يتعلق بالتكاليف.

وأما استحبابه فلكون العلم كمالاً ونوراً فيستحب مطلقاً إلاّ ما ثبت من الشرع مرجوحيته على نحو الحرمة كالسحر(2) والقيافة في الجملة(3)، أو الكراهة كعلم الأنساب غير النافعة(4).

ص: 78


1- سورة النحل: 43.
2- قال الشيخ الأنصاري في المكاسب ج1 ص257: (المسألة العاشرة: السحر حرام في الجملة بلا خلاف بل هو ضروري).
3- قال الشيخ الأنصاري في المكاسب ج2 ص7: (المسألة السابعة عشر: القيافة حرام في الجملة، نسبه في الحدائق إلى الأصحاب، وفي الكفاية: لا أعرف خلافا، وعن المنتهى: الإجماع والقائف - كما عن الصحاح والقاموس والمصباح -: هو الذي يعرف الآثار. وعن النهاية ومجمع البحرين زيادة: أنه يعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه). والحرمة تكون فيما إذا رتب عليها أثراً واعتبرها حجة.
4- لما فيه من إضاعة الوقت والعمر. وقد ورد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: ما هذا؟ فقالوا: علاّمة يا رسول الله، فقال: وما العلامة؟ قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية وبالأشعار، فقال (صلى الله عليه وآله): ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه. ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): " إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة. وما خلاهن فهو فضل» الكافي: ج1 ص32 باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ح1.

قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1).

وأما المباح فكالرمل(2) والاسطرلاب(3)إن لم يترتب عليه جهة حرمة أو

ص: 79


1- سورة المائدة: 101.
2- ذهب السيد الكلبايكاني (قدس سره) في إرشاد السائل ص98: إلى عدم جواز تعلم الرمل، قال في جواب السؤال التالي: هل يجوز تعلم علمي الجفر والرمل، وهل يجوز الاعتقاد في صحة نتائجهما؟ قال قدس سره: بسمه تعالى: يجوز تعلم الجفر ولكن الجفر الكامل عند الأئمة " عليهم السلام " والذي عند الناس ناقص خطأه أكثر من صوابه، وأما الرمل فالظاهر عدم جوازه، والله العالم. وقالوا في تعريف الرمل: (هو علم يعرف به الاستدلال على أحوال المسألة حين السؤال بأشكال الرمل، وهي اثنا عشر شكلاً على عدد البروج، وأكثر مسائل هذا الفن أمور تخمينية مبنية على التجارب فليس بتام الكفاية، لأنهم يقولون كل واحد من البروج يقتضي حرفاً معيناً وشكلاً من أشكال الرمل، فإذا سئل عن المطلوب فحينئذ يقتضي وقوع أوضاع البروج شكلاً معيناً فيدل بسبب المدلولات وهى البروج على أحكام مخصوصة مناسبة لأوضاع تلك البروج، لكن المذكورات أمور تقريبية لا يقينية). كشف الظنون: ج1 ص912. وقيل: إنه علم علمه جبرئيل لإدريس (عليه السلام)، انظر (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب): ج1 ص210.
3- قال الشيخ صاحب الذريعة (قدس سره): ج2 ص58: (الاسطرلاب: لفظ يوناني معناه ميزان الشمس، أو معرب فارسيه (استاره ياب) كما استظهره بعض مهرة الفن، وعلى كل فهو اسم للآلة المشهورة التي يتوسل بها إلى معرفة كثير من أحوال النجوم وأحكامها، وقد ألفت في صنعة هذه الآلة وتحقيق كيفية استعمالها لاستخراج تلك الأحوال والاحكام كتب كثيرة مختصرة ومبسوطة). وقال المحدث الشيخ عباس القمي (رحمه الله) في الكنى والألقاب: ج2 ص75: (قيل: إن أول من وضعه بطليموس صاحب المجسطي المعروف في الهيئة الذي قد حرره الخواجة نصير الدين الطوسي (قدس سره) .. قيل: إن بطليموس كان تلميذ جالينوس، وجالينوس تلميذ بليناس، وبليناس تلميذ أرسطو، وأرسطو تلميذ أفلاطون، وأفلاطون تلميذ سقراط، وسقراط تلميذ بقراط، وبقراط تلميذ جاماسب، وجاماسب أخو كشتاسب وهو من تلامذة لقمان الحكيم، مثل فيثاغورث الحكيم المشهور) انتهى.

كراهة، فتأمل(1).

الأصل الحكم التكليفي

مسألة: ظاهر النهي والأمر، الحرمة والوجوب التكليفيين، وأما إرادة

ص: 80


1- للتأمل وجه وجيه، فأما من ناحية علم الرمل فقد مرّ ما فيه، وأما علم الاسطرلاب فقد يقال برجحانه أو لزومه في بعض الحالات، لما فيه من مقدمة لمعرفة القبلة وأوقات الصلاة ووجهات السفر وما شابه، قال الشهيد الثاني في (روض الجنان): ص176: (ومن الطرق الدقيقة التي يعلم بها الزوال الأسطرلاب). وقال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج81 ص86 ب10 تعليقاً لما أورده من (رسالة إزاحة العلة في معرفة القبلة) للشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل: (أقول: إنما أوردت الرسالة بتمامها، لاشتهارها بين علمائنا المتأخرين، و تعويلهم عليها في أحكام القبلة، لكن العلامات التي ذكرها (رحمه الله) كثير منها مخالفة للتجربة، والقواعد الهيئاوية، بل لا يوافق بعضها بعضاً، ولم نتكلم في ذلك، لأن استيفاء القول فيها يوجب بسطاً لا يناسب الكتاب والرجوع إلى القواعد الرياضية، والآلات المعدة لذلك من الأسطرلاب والهندسة أضبط وأقوى، والتعويل عليها أحوط وأولى..).

الكراهة أو الندب، أو كونهما إرشاديين لا مولويين فبالقرينة.

وفي المقام حيث نهى (صلى الله عليه وآله) عن النوم إلاّ بعمل الأربعة المتضمن للأمر المحمول على الاستحباب، يحمل النهي والأمر على الندب أو الإرشاد، للإجماع على عدم الوجوب، ولما يستشعر من التعليل في آخر الرواية(1).

استحباب التبسّم

مسألة: يستحب التبسّم عند الإجابة في الجملة, وربما يكون مستحباً عند الخطاب والتكلم، وربما يكون مستحباً في الأعم مما ذكر، فإن من علامات المؤمن التبسّم، ولما فيه من إدخال السرور على قلب المؤمن، ولكونه (أحبولة المودة) كما قالوا(2).

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «المؤمن يكون صادقاً في الدنيا، لطيف اللسان ، كثير التبسم ..»(3).

ومن أسماء رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الضحوك» كما ورد في بحار الأنوار(4)،فإن الضحك والتبسم من مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير

ص: 81


1- قيل: (إن النهي المعلل يفيد الكراهة).
2- الأحبولة تعني: المصيدة، الشرك، الحيلة.
3- مستدرك الوسائل: ج11 ص174 ب4 من أبواب جهاد النفس ح11.
4- فقد ورد عن ابن عباس قال: لما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكعب بن أسد ليضرب عنقه فأخرج، وذلك في غزوة بني قريظة، نظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: «يا كعب أما نفعك وصية ابن حواش الحبر المقبل من الشام؟» فقال: (تركت الخمر والخمير، وجئت إلى البؤس والتمور؛ لنبي يبعث، هذا أوان خروجه، يكون مخرجه بمكة، وهذه دار هجرته، وهو الضحوك القتال، يجتزئ بالكسرة والتميرات، ويركب الحمار العاري، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي بمن لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر)، قال كعب: قد كان ذلك يا محمد، ولولا أن اليهود تعيرني أني جبنت عند القتل لآمنت بك وصدقتك، ولكني على دين اليهودية عليه أحيى وعليه أموت. بحار الأنوار: ج15 ص206 ب2 ح24.

المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، بل من كل شريك وصديق ومعلّم ووالد وقريب وغيرهم، يوجب انجلاء الغمّة عن النفس وإدخال السرور.

وفي الرواية: «كان ضحك النبي (صلى الله عليه وآله) التبسم»(1).

وقال لقمان لابنه: «وأكثر التبسم في وجوههم»(2).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «من ضحك في وجه أخيه المؤمن تواضعاً لله عزوجل أدخله الجنة»(3).

وقال (عليه السلام) : «تبسم المؤمن في وجه المؤمن حسنة»(4).

النهي عن الضحك

أما قوله سبحانه: «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا»(5)، فهو لما أفاده تعالى بقوله: «جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(6)، فهو تنبيه وإرشاد، فإن المسيء

ص: 82


1- الأمالي للشيخ الطوسي: ص522 المجلس18 ح63.
2- الكافي: ج8 ص348 ح547.
3- فقه الرضا (عليه السلام): ص398.
4- وسائل الشيعة: ج12 ص120 ب84 ح15822. ومشكاة الأنوار: ص180 الفصل23.
5- سورة التوبة: 82.
6- سورة التوبة: 82.

يجب عليه أن يكون محزوناً لا أن يكون ضاحكاً، فقد ورد في الحديث: «من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي».

وفي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام)، قال: «كَانَ ضَحِكُ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) التَّبَسُّمَ فَاجْتَازَ ذَاتَ يَوْمٍ بِفِتْيَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَإِذَا هُمْ يَتَحَدَّثُونَ وَيَضْحَكُونَ مِلْ ءَ أَفْوَاهِهِمْ، فَقَالَ: مَهْ يَا هَؤُلَاءِ، مَنْ غَرَّهُ مِنْكُمْ أَمَلُهُ وَقَصَرَ بِهِ فِي الْخَيْرِ عَمَلُهُ فَلْيَطَّلِعِ الْقُبُورَ وَلْيَعْتَبِرْ بِالنُّشُورِ وَاذْكُرُوا الْمَوْتَ فَإِنَّهُ هَادِمُ اللَّذَّاتِ»(1).

من أحكام التبسم

وقد يستحب الضحك والتبسّم لطرو عنوان خاص، كما في قوله:

هو البكّاء في المحراب ليلاً هوالضحّاك إذا اشتد الضراب(2)

ص: 83


1- وسائل الشيعة: ج12 ص119 ب83 ح15817.
2- من قصيدة للشاعر المعروف بابن الفارض المصري، انظر: مستدرك سفينة البحار: ج8 ص181، ومن أبياتها: بآل محمد عرف الصواب * وفي أبياتهم نزل الكتاب وهم حجج الإله على البرايا * بهم وبجدّهم لا يستراب ولا سيما أبو حسن علي * له في الحرب مرتبة تهاب طعام سيوفه مهج الأعادي * وفيض دم الرقاب لها شراب وضربته كبيعته بخم * معاقدها من القوم الرقاب علي الدر والذهب المصفى * وباقي الناس كلهم تراب هو البكاء في المحراب ليلا * هو الضحاك إذا اشتد الضراب هو النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الخطاب.

وهل ضحكه (عليه السلام) إذا اشتد الضراب، لأجل تثبيت المؤمنين وشدّ قلوبهم، إضافة إلى ظهور كونه علامة فرح ورضى بامتثال أمر الله تعالى في شدة الأهوال، وأن نفسه هاشة باشة بذلك رغم الشدائد والتعب والجراحات، لا يبعد ذلك.

ثم إن التبسّم قد يكون لأجل المخاطب، وقد يكون لأجل غيره من الآخرين، وقد يكون للغائبين أيضاً، كما قد يكون لنفسه.قال تعالى: «فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا»(1).

من الجمع المستحب

مسألة: قد يقال باستحباب أن يجمع الإنسان كلما أمكن في المقام الواحد بين ما يرتبط بربه، وما يرتبط بوسائطه في خلقه أي الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وما يرتبط بسائر المؤمنين، ومايرتبط بنفسه.

ويشمل ذلك الإطلاقات، وقد يستفاد من هذا الحديث تنقيح المناط؛ فإن الأعمال الأربعة ترتبط بالجهات الأربعة الآنفة كما هو واضح.

قراءة سورة الإخلاص

مسألة: يستحب قراءة سورة التوحيد مطلقاً, وذلك لأهمية هذه السورة البالغة, حيث تعدل ثلاثة منها القرآن كله(2)، كما يتأكد الاستحباب في مقامات

ص: 84


1- سورة النمل: 19.
2- روى الشيخ الصدوق في الأمالي: ص86 المجلس9 ح5 قال سلمان: لكني سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام): «يا أبا الحسن، مثلك في أمتي مثل سورة التوحيد (قُلْ هُو اللهُ أَحَدٌ) فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن، فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الإيمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الإيمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان، والذي بعثني بالحق يا علي لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لك لما عُذب أحد بالنار، وأنا أقرأ (قُلْ هُو اللهُ أَحَدٌ) في كل يوم ثلاث مرات».

منها: المذكور في هذه الرواية.

عن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال: «كل من قرأ "قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ" وآمن بها فقد عرف التوحيد»(1).

وعن معاذ بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تدع أن تقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ) و(قُلْ يا أَيُّها الْكَافِرُونَ) في سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفجر، وركعتي الزوال، وركعتين بعد المغرب، وركعتين في أول صلاة الليل، وركعتي الإحرام، والفجر إذا أصبحت بها، وركعتي الطواف»(2).

وقال المحقق الهمداني في مصباحه:

(عن صفوان الجمال قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تجزيفي خمسين صلاة»(3)، إذ الظاهر أن المقصود بالرواية بيان فضل (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وكونها مجزية في الصلوات بأسرها من حيث الكمال لا مجرد الصحة التي يشاركها فيها سائر السور، وأوضح منه دلالة عليه ما رواه الكليني،

ص: 85


1- التوحيد: ص284 باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد ح3.
2- الكافي: ج3 ص316 باب قراءة القرآن ح22.
3- تهذيب الأحكام: ج2 ص96 باب كيفية الصلاة وصفتها .. ح360.

باسناده عن صفوان الجمال، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «صلاة الأوابين الخمسون كلها بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(1)، وعن الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن عمران بن الحصين: إن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث سرية واستعمل عليها علياً (عليه السلام) فلما رجعوا سألهم فقالوا: كل خير، غير أنه قرأ بنا في كل الصلوات بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فقال: «يا علي لِمَ فعلت هذا؟» قال: «لحبي بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «ما أحببتها حتى أحبك الله»(2)، ويكره ترك قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) في جميع الفرائض لما رواه الكليني بإسناده عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال: «من مضى به يوم واحد فصلى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيها بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قيل له: يا عبد الله لست من المصلين»(3)، ويظهر من جملة من الأخبار استحباب القراءة في الفرائض مطلقاً بالقدر والتوحيد حتى الفجر، واختيارهما على غيرهما، كخبر علي بن راشد قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك إنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أن أفضل ما يقرأ في الفرائض (إنّا أَنْزَلْناهُ) و(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وإن صدري يضيق بقراءتهما في الفجر، فقال (عليه السلام): «لا يضيقن صدرك فإن الفضل والله فيهما»(4)، وعن الصدوق مرسلا قال: حكى من صحب الرضا (عليه السلام) إلى خراسان أنه كان يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة الأولى الحمد وإنا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وعنه في

ص: 86


1- الكافي: ج3 ص314 باب قراءة القرآن ح13.
2- التوحيد: ص94 باب تفسير (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إلى آخرها ح11.
3- ثواب الأعمال: ص127 ثواب قراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
4- انظر جامع أحاديث الشيعة: ج5 ص148 ب13 من أبواب القراءة في الصلاة ح10.

العيون بإسناده عن رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا (عليه

السلام) نحوه(1)، وفي خبر عمر بن أذينة الوارد فيكيفية صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة المعراج أنه تعالى أمره في الركعة الأولى بعد الحمد بقراءة التوحيد، فقال: «اقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فإنها نسبتي ونعتي»، وفي الثانية بعد ما قرأ الحمد قال: «اقرأ إنّا أَنْزَلْناهُ فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة»(2)..)(3).

ولعلّ وجه أهمية سورة الإخلاص اشتمالها على ما يرتبط بأصول الدين أي: المبدأ تعالى.

ومن المعلوم أن أصول الدين بالمعنى الأعم ثلاثة - وإن كان من الصحيح أن تعد خمساً أيضاً -: التوحيد بما يشمل العدل, والنبوة بما يشمل الإمامة, والمعاد.

ولعلّ استحباب تكرار الإخلاص ثلاثة من جهة ملئ هذين الفراغين, أي ما كان في موضع النبوة والمعاد، أو غير ذلك.

ولعلّ كونها تعدل ثلث القرآن من جهة أن القرآن لبيان: التوحيد والنبوة والمعاد، وهي الأصول المتضمنة للأصلين الآخرين أيضاً, وسورة التوحيد تبيّن أحد هذه الثلاثة أي ثلثها, وحيثإنها تعدل ثلث القرآن تكون ثلاثة منها بمثابة القرآن كله، والله العالم.

ص: 87


1- وسائل الشيعة: ج6 ص79 ب23 من أبواب القراءة في الصلاة ح3.
2- انظر علل الشرائع: ج2 ص316 ب1 ح1.
3- مصباح الفقيه: ج2 ق1 ص307 ما يستحب قراءته من السور في الصلاة.

الصلاة على الأنبياء

مسألة: يستحب الصلاة على الأنبياء (عليهم أفضل الصلاة والسلام) في مختلف الأوقات والأزمنة، ويتأكد في أوقات كما فيما قبل النوم، وذلك للأهمية الكبيرة للصلاة على محمد وآله والأنبياء من قبله (عليهم السلام) باعتبار الشفاعة وغيرها(1).

مضافاً إلى أن الصلاة عليهم نوع من الشكر لما قاموا به من هداية البشر(2).

ص: 88


1- كالأثر الوضعي للصلاة عليهم؛ على الجوارح والجوانح، وعلى الأجواء والطبيعة.
2- لا يقال: إن الزهراء (عليها السلام) أفضل من الأنبياء (عليهم السلام) ما عدا أبيها (صلى الله عليه وآله) فكيف يكون الأنبياء (عليهم السلام) شفعاء لها (عليها السلام) وهي الأفضل. فيقال: أولاً: الشفاعة المذكورة لا تكون لها (عليها السلام) بالخصوص، فهي غنية عن الشفاعة، لأن الجنة والنار والسماوات والأرضين خلقت لأجلها، بل شفاعة الأنبياء (عليهم السلام) لها باعتبارها شفيعة لنساء أمة النبي الأعظم (صلوات الله عليه وآله) أو لشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) كما ورد هذان المعنيان في الروايات، ولا ضير في اجتماعهما، فشفاعتهم (عليهم السلام) شفاعة لمن تشفع فيهم، كما أن قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) محمول على هذا المعنى أيضاً، ومن المعلوم أن بعض المؤمنين في دار الحق يحتاج إلى شفاعات متعددة ليصل إلى مراتب الجنة سواء أدناها أو أعلاها. ثانياً: إن الشفاعة مقام محبوب بذاته، ليرقى الإنسان من خلاله لمراتب أعلى وأعلى، والزهراء (صلوات الله عليها) وإن كانت في أعلى المراتب بلا شك ولا ريب، ولكن بزيادة شفاعة الأنبياء (عليهم السلام) لها (عليها السلام) تزداد علواً ومقاماً.

الاستغفار للمؤمنين

مسألة: يستحب الاستغفار للمؤمنين وخاصة الأموات منهم، لأن الاستغفار يوجب رضاهم وإدخال السرور عليهم وقضاء حوائجهم، بالإضافة إلى أن الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من حق الأموات علينا، وهو من أسباب القرب إلى الله سبحانه وتعالى ورضاه.

ورد عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): «أحبب لغيرك ما تحب لنفسك»(1)، وفي حديث: «وهل الدين إلاّ الحب»(2) الدال على: أهمية الحب في الشريعة, سواء حب الله وأنبيائه وأوليائه، أو حب سائر المؤمنين، أو حب عمل الخير أوما أشبه، فالحصر إضافي.

كما أن من استغفر للناس استغفروا له، بإلهام من الله أو تموج من القلوب أو ما أشبه.

وقد أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله) بالاستغفار للمؤمنين، قال تعالى: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ»(3).

وقال سبحانه: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ»(4).

كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: «من استغفر للمؤمنين والمؤمنات

ص: 89


1- نهج البلاغة: ج3 ومن وصية له (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام).
2- المحاسن: ج1 ص263 باب الحب والبغض في الله ح327.
3- سورة محمد: 19.
4- سورة الحشر: 10.

كتب الله به بكل مؤمن ومؤمنة حسنة».

وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِلاّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ»(1).

معرفة آداب النوم

مسألة: يستحب تعليم وتعلّم المستحبات مطلقاً، ومنها: آداب النوم.

وكذلك بالنسبة إلى المكروهات والمباحات، فإن الواجب من الأحكام الخمسة الاقتضائية يجب تعليمها وتعلمها، أما المستحب والمكروه والمباح فيستحب، لأن استحباب المقدمة أو وجوبها حسب غايتها للتلازم العرفي بينهما، بالإضافة إلى الأدلة العامة المذكورة في الفقه.

نعم قد تجب معرفة غير الواجب والحرام من باب حفظ الشريعة، فإنها(2) أعم من الاقتضائيات.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ إِلَّا لِمُسْتَمِعٍ وَاعٍ أَوْ عَالِمٍ نَاطِق»(3).

وقال (صلى الله عليه وآله): «أَعْلَمُ النَّاسِ مَنْ جَمَعَ عِلْمَ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ قِيمَةً أَكْثَرُهُمْ عِلْماً، وَأَقَلُّ النَّاسِ قِيمَةً أَقَلُّهُمْ عِلْماً، وَأَوْلَى النَّاسِ

ص: 90


1- وسائل الشيعة: ج7 ص116 ب43 ح8891.
2- أي (الشريعة) أعم من الاقتضائي، فتشمل اللا اقتضائي (الإباحة والندب والكراهة)، وحفظ الشريعة بكلها واجب.
3- نوادر الراوندي: ص18.

بِالْحَقِّ أَعْمَلُهُمْ بِهِ، وَأَحْكَمُ النَّاسِ مَنْفَرّ َمِنْ جُهَّالِ النَّاس»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): رَحِمَ اللَّهُ مَنْ تَعَلَّمَ فَرِيضَةً أَوْ فَرِيضَتَيْنِ فَيَعْمَلُ بِهَا أَوْ يُعَلِّمُهَا مَنْ يَعْمَلُ بِهَا فَيَنْطَوِي عَلَيْهَا ثُمَّ يَحْمِلُهَا إِلَى أَخٍ لَهُ مُسْلِمٍ يُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا وَإِنَّهَا لَتَعْدِلُ عِبَادَةَ سَنَة»(2).

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مَنْ عَلَّمَ خَيْراً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ، قُلْتُ: فَإِنْ عَلَّمَهُ غَيْرَهُ يَجْرِي ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: إِنْ عَلَّمَهُ النَّاسَ كُلَّهُمْ جَرَى لَهُ، قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ، قَالَ وَإِنْ مَاتَ»(3).

السؤال للتعليم

مسألة: يستحب السؤال عما يعلمه الإنسان إذا كان ذلك لتعليم الآخرين, فإنه نوع تعليم، فإن الصديقة الطاهرة (عليها السلام) كانت تعلم ما قصده الرسول (صلى الله عليه وآله) ومع ذلك سألت لتعليم الناس.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«النَّاسُ ثَلَاثَةٌ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ

وَغُثَاءٌ»(4).

و(غثاء): بضم الغين المعجمة والثاء المثلثة والمد، ما يحمله السيل من الزبد والوسخ وغيره.

وعن أبي حمزة الثمالي، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «اغْدُ

ص: 91


1- روضة الواعظين: ج1 ص8.
2- مجموعة ورام (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر): ج2 ص212.
3- الكافي: ج1 ص35 باب ثواب العالم والمتعلم ح3.
4- الكافي: ج 1 ص34 باب أصناف الناس ح2.

عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ أَحِبَّ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَلا تَكُنْ رَابِعاً فَتَهْلِكَ بِبُغْضِهِمْ»(1).

وعن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «يَغْدُو النَّاسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ، عَالِمٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَغُثَاءٍ، فَنَحْنُ الْعُلَمَاءُ وَشِيعَتُنَا الْمُتَعَلِّمُونَ وَسَائِرُ النَّاسِ غُثَاءٌ»(2).

سؤال العارف

مسألة: قد يكون سؤال العارف في نفسه مستحباً، مع قطع النظر عن فائدة تعليم الآخرين، بل الاستحباب بالنسبة إلى نفس الإنسان، وذلك من جهة التكرار الموجب لقوة الملكة والتأكيد وما أشبه.

عن أبي جعفر (عليه السلام): «عالمينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»(3).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إِنَّ النَّاسَ آلُوا (4) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِلَى ثَلَاثَةٍ، آلُوا إِلَى عَالِمٍ عَلَى هُدًى مِنَ اللَّهِ قَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ بِمَا عَلِمَ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ، وَجَاهِلٍ مُدَّعٍ لِلْعِلْمِ لا عِلْمَ لَهُ مُعْجَبٍ بِمَا عِنْدَهُ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا وَفَتَنَ غَيْرَهُ، وَمُتَعَلِّمٍ مِنْ عَالِمٍ عَلَى سَبِيلِ هُدًى مِنَ اللَّهِ وَنَجَاةٍ ثُمَّ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خَابَ مَنِ افْتَرَى»(5).

ص: 92


1- الكافي: ج 1 ص34 باب أصناف الناس ح3.
2- الكافي: ج 1 ص34 باب أصناف الناس ح4.
3- الكافي: ج 1 ص33 باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ح8.
4- أي رجعوا.
5- الكافي: ج 1 ص33 باب أصناف الناس ح1.

استحباب البيان ورجحان الإجابة

مسألة: يستحب البيان، وترجّح الإجابة على سؤال من يعلم لأجل تعليم الآخرين، وللفوائد الأخرى المذكورة وغيرها، كما صنع الرسول (صلى الله عليه وآله) حين بيّن المستحبات للزهراء (سلام الله عليها) مع أنها كانت تعلم بذلك، وذلك تعليماً للناس.

وهكذا الاستحباب بالنسبة إلى نفس المعلَّم - بالفتح - من جهة التركيز في ذهنه أو ما أشبه.

وقد ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان كثيراً ما يبيّن الحكم مرات، ويجيب مرات.

وقبل ذلك ذكر القرآن الحكيم بعض الآيات مكرراً(1)، مثل قوله سبحانه: «فَبِأَيِّ آَلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»(2)، وإن كانت المصاديق في كل آية مختلفة، وكذلك الدلالاتالمقارنة، على القول بها(3).

وكذلك كرّر سبحانه قوله: «فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»(4).

وهكذا نزلت بعض الآيات مكرراً، كقوله سبحانه: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ

ص: 93


1- رغم علم السامع بها باستماع قوله تعالى أول مرة.
2- سورة الرحمن: 13- 16- 18- 21- 23- 25- 28- 30- 32- 34- 36- 38- 40- 42- 45- 47- 49- 51- 53- 55- 57- 59- 61- 63- 65- 67- 69- 71- 73- 75- 77.
3- وهو ما احتمله الآخوند (قدس سره) في الكفاية.
4- سورة القمر: 15- 17- 22- 32- 40- 51.

عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)، حيث نزلت في أكثر من مناسبة(2).

ص: 94


1- سورة الأحزاب: 33.
2- فقد نزلت هذه الآية المباركة في بيت أمير المؤمنين (عليه السلام): فعن ابن حبان في صحيحه: ج15 ص432 - 433 باب مناقب الحسن والحسين (عليهما السلام): عن واثلة بن الأسقع قال: سألت عن علي في منزله، فقيل لي: ذهب يأتي برسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ جاء فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخلت، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه، وعلياً عن يساره، وحسناً وحسيناً بين يديه، وقال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» «اللهم هؤلاء أهل بيتي». * ونزلت في بيت أم سلمة، فعنها (رضوان الله عليها) أنها قالت: في بيتي نزلت «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت»، قالت: فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: «هؤلاء أهل بيتي». قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. المستدرك: ج3 ص146 مناقب أهل البيت (عليهم السلام). * ونزلت في بيت عائشة، فعن عائشة قالت: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهما، ثم جاء علي فأدخله معهم، ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. المستدرك: ج3 ص147 مناقب أهل البيت (عليهم السلام). * ونزلت في بيت صفية، فعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، قال: لما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الرحمة هابطة، قال: «أدعوا لي أدعوا لي». فقالت صفية: من يا رسول الله؟ قال: «أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين». فجيء بهم فألقى عليهم النبي (صلى الله عليه وآله) كساءً ثم رفع يديه. ثم قال: «اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد» . وأنزل الله عز وجل «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. المستدرك: ج3 ص148.

وقد ورد أن سورة الحمد أيضاً نزلت مكرراً، ولذا سميت بالسبع المثاني(1).بل: إن القرآن كلّه نزل على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من مرة(2).

ختم القرآن

مسألة: يستحب ختم القرآن مطلقاً.

وذلك لجملة متواترة من الروايات، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من ختم القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه ولكنه لا يوحي إليه»(3).هذا بالإضافة إلى أنه عقلي، فإن الإنسان الذي يكرّر قراءة القرآن ويختمه ينتقش القرآن في ذهنه أكثر فأكثر, مضافاً إلى أن الإنسان يلتذ بالكلام الحسن

ص: 95


1- قال الفخر الرازي في تفسيره: ج1 ص176 في ذكر الأسباب في تسمية الفاتحة بالسبع المثاني، قال: (الثامن: سميت مثاني لأن الله أنزلها مرتين).
2- عن حفص ابن غياث، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): أخبرني عن قول الله عز وجل: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ»، كيف أنزل القرآن في شهر رمضان؟ وإنما أنزل القرآن في مدة عشرين سنة، أوله وآخره. فقال (عليه السلام): «أنزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم أنزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة». الأمالي للشيخ الصدوق: ص119 المجلس15 ح5. وعن ابن عباس قال: اُنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم اُنزل بعد ذلك بعشرين سنة، «وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا»، «وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا». المستدرك: ج2 ص222.
3- الكافي: ج2 ص604 باب فضل حامل القرآن ح5.

الجميل وتتنور روحه به، فكيف بمثل القرآن الذي هو أرفع الكلام وأعلاه، قال المتنبي في أصل التلذذ بالكلام:

أسامياً لم تزده معرفةً *** وإنما لذة ذكرناها(1)

بالإضافة إلى أن تكرار القرآن يوجب عمق التدبّر، كما قال سبحانه: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(2).

ومن الواضح أن التدبّر في القرآن غير التفسير بالرأي، لأن معنى التدبّر اكتشاف ما أراده القرآن, والتفسيربالرأي هو أن يقول في القرآن برأيه، فلا منافاة بين قوله سبحانه: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ»(3) وبين ما ورد من أن «من فسّر القرآن برأيه فليتبؤ مقعده من النار»(4).

القرآن في عهد رسول الله

مسألة: يستحب بل قد يجب بيان أن القرآن قد جمع في عهد رسول الله

ص: 96


1- قالها أبو الطيّب المتنبي في قصيدته الهائية عند ما ورد على عضد الدولة البويهي بشيراز في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وفي قصيدته: وقد رأيت الملوك قاطبة * وسرت حتى رأيت مولاها ومن مناياهم براحته * يأمرها فيهم وينهاها أبا شجاع بفارس عضد * الدولة فنا خسرو شهنشاها أساميا لم تزده معرفة * وإنما لذة ذكرناها
2- سورة محمد: 24.
3- سورة النساء: 82 وسورة محمد (صلى الله عليه وآله): 24.
4- غوالي اللئالي: ج4 ص104 ح154.

(صلى الله عليه وآله) بهذا الشكل الموجود بين أيدينا، من دون زيادة ولا نقيصة ولا تحريف حتى في كلمة واحدة.

وعلى ذلك الأدلة الكثيرة على ما فصّلناه في بعض كتبنا(1).

ومما يؤيد ذلك: إطلاق كلمة (الختم) في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن جانبه (صلى الله عليه وآله) على القرآن، فلولا أنه مجموع كامل، لما صدق عليه الختم، فإن الختم يصدق على ما له أول وآخر.وفي هذه الرواية الشريفة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا قرأت: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» ثلاث مرات فكأنك ختمت القرآن».

وقال (صلى الله عليه وآله): «من ختم القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه ولكنه لا يوحي إليه»(2).

إلى غير ذلك.

تحصيلاً للشفاعة

مسألة: يجب أن يفعل الإنسان ما يوجب له شفاعة الأنبياء (عليهم السلام).

فإن النجاة من النار والفوز بالجنة من أوجب الواجبات عقلاً وشرعاً, والشفاعة مقدمة للأمرين، ومقدمة الواجب واجبة عقلاً، وقال جمع من الأصوليين: بأنها كذلك شرعاً، على ما ذكرناه في الأصول.

ص: 97


1- راجع كتاب (متى جمع القرآن) للإمام الشيرازي (قدس سره).
2- الكافي: ج2 ص604 باب فضل حامل القرآن ح5.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: «فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»(1)، قال: «الشَّافِعُونَ الْأَئِمَّةُ وَالصَّدِيقُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2).وقال أبو جعفر (عليه السلام): «إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) شَفَاعَةً فِي أُمَّتِهِ»(3).

إرضاء الناس

مسألة: يستحب إرضاء الناس، مهما كان إلى ذلك سبيل، ما دام لم يزاحم بالأهم ولم يوجب سخط الباري عزوجل.

فإن إرضاءهم يوجب تماسك الاجتماع وقوته، وكلما كان الاجتماع أقوى تماسكاً يكون أرضى لله سبحانه وتعالى.

قال سبحانه: «وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»(4).

إلى غير ذلك من الآيات والروايات المتواترة المذكورة في علمي الفقه والأخلاق.

نعم لا يجوز إرضاء الناس إذا كان بإسخاط الله، فإنه: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»(5).

ص: 98


1- سورة الشعراء: 100 - 101.
2- المحاسن: ج1 ص184 ب45 ح187.
3- المحاسن: ج1 ص184 ب45 ح188.
4- سورة الأنفال: 46.
5- دعائم الإسلام: ج1 ص350 ذكر ما يجب للأمراء وما يجب عليهم.

تبسّم الأب

مسألة: يستحب تبسّم الأب في وجه ابنته.

وهذا من باب المصداق لكلي استحباب التبسّم، وربما يكون آكد وأكثر أهمية وأفضل نسبة، بالنسبة للأقارب والأرحام وخاصّة الأب مع أولاده وبالأخص مع ابنته.

والحاصل: إن التبسّم مستحب مطلقاً، إذا لم يكن هناك محذور, والتبسّم بالنسبة إلى الأرحام أكثر استحباباً حيث إنه نوع صلة الرحم، وقد قالوا: إن التبسّم أحبولة المودة, وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبتسّم بكثرة حتى لُقب بالضحوك, كما ورد خبر بذاك في «البحار»(1).

وهكذا ورد بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)(2)، حتى عابوا عليه أن به دعابة(3).

ص: 99


1- قال ابن عباس: (اسمه في التوراة أحمد الضحوك، القتال، يركب البعير، ويلبس الشملة، ويجتزي بالكسرة، سيفه على عاتقه). بحار الأنوار: ج16 ص114115 ب6 ح44.
2- انظر(الأنوار البهية): ص72.
3- عن ابن عباس قال: إني لأطوف بالمدينة مع عمر ويده على جنحي إذ زفر زفرة كادت تطير بأضلاعه فقلت: سبحان الله والله ما أخرج هذا منك إلا هم شديد؟ قال: أي والله هم شديد، قلت: ما هو؟، قال: هذا الأمر، لا أدري فيمن أضعه؟ ثم نظر إليّ فقال: لعلك تقول: إن علياً صاحبها، قال: قلت: إي والله إني لأقول ذاك وإني به أخبر الناس، فقال: وكيف ذاك؟ قال: قلت: لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصهره وسابقته و علمه وبلائه في الإسلام، فقال: إنه لكما تقول ولكنه رجل فيه دعابة. الإيضاح: ص162164.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تبسّم المؤمن في وجه المؤمن حسنة»(1).

الحج والعمرة

مسألة: الحج والعمرة راجحان، وجوباً أو استحباباً، كل في مورده.

نعم قد يحرمان لعارض، كنهي المولى أو الزوج أو ما أشبه ذلك في المستحب منهما، وفي بعض أقسام الواجب كما لو عرّض نفسه لخطر القتل بذلك، أو رأى الفقيه في الذهاب للحج في سنة من السنين محذوراً ثانوياً(2).أما إذا ابتليا بالضد فليسا بمحرّمين من جهة الأمر بالضد، لما حققه الأصوليون من أن الأمر بالشيء لا ينهي عن ضدّه, نعم ذكر ذلك جماعة من الأصوليين والفقهاء, لكن الرأي الأوفق في التحقيق هو ما ذكره المتأخرون(3).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيمَانٌ لَا شَكَ فِيهِ وَغَزْوٌ لَا غُلُولَ فِيهِ وَحَجٌّ مَبْرُور»(4).

وفي الرواية: «حَجَّ الْحَسَنُ (عليه السلام) خَمْسَ عَشْرَةَ حِجَّةً مَاشِياً وَإِنَّ الْجَنَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ»(5).

ص: 100


1- جامع أحاديث الشيعة: ج15 ص544 ب8 من أبواب العشرة ح1.
2- كما حرّم السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره) الذهاب للحج مؤقتاً لهتك الحكومة السعودية حرمة الحجاج وقتلها (أبا طالب) الحاج الإيراني.
3- راجع ما ذكره الإمام المؤلف (أعلى الله درجاته) في الأصول: ج3 ص346 -350.
4- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص28 ب31 ح20.
5- بحار الأنوار: ج43 ص347 ب16 20.

وَعَنْ عَلِيٍّ (صلوات الله عليه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَالَ: «مَنْ أَرَادَ دُنْيَا أَوْ آخِرَةً فَلْيَؤُمَ هَذَا الْبَيْتَ، مَا أَتَاهُ عَبْدٌ فَسَأَلَ اللَّهَ دُنْيَا إِلَّا أَعْطَاهُ مِنْهَا أَوْ سَأَلَهُ آخِرَةً إِلَّا ادَّخَرَ لَهُ مِنْهَا، أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَتَابِعُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا يَغْسِلَانِ الذُّنُوبَ كَمَا يَغْسِلُ الْمَاءُ الدَّرَنَ، وَيَنْفِيَانِ الْفَقْرَ كَمَا تَنْفِي النَّارُخَبَثَ الْحَدِيدِ»(1).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِحَجِّ هَذَا الْبَيْتِ فَأَدْمِنُوهُ فَإِنَّ فِي إِدْمَانِكُمُ الْحَجَّ دَفْعَ مَكَارِهِ الدُّنْيَا عَنْكُمْ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَة»(2).

الاستغفار للأموات

مسألة: يستحب الاستغفار للمؤمنين الأموات كما يستحب للمؤمنين الأحياء، ولا يختص الغفران بالذنب لتنحصر فائدة الاستغفار فيمن له ذنب، بل يكون الاستغفار عن المكروه، وعن ترك الأولى، بل وعن القصور أيضاً، كما فصّلنا في الجواب عن شبهة معصية الأنبياء واستغفارهم، فإنه - كما بينا - عن القصور لا عن المكروه ولا عن ترك الأولى فهم (عليهم السلام) منزهون عن كل ذلك.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «يَلْزَمُ الْحَقُّ

ص: 101


1- دعائم الإسلام: ج1 ص295.
2- مستدرك الوسائل: ج8 ص49 باب استحباب الحج والعمرة عينا فی كل عام وإدمانها ولو بالاستنابة ح9045.

لِأُمَّتِي فِي أَرْبَعٍ يُحِبُّونَ التَّائِبَ وَيَرْحَمُونَالضَّعِيفَ وَيُعِينُونَ الْمُحْسِنَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُذْنِبِ»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَنْ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَاً وَعِشْرِينَ مَرَّةً: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مَضَى وَبِعَدَدِ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَقِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَسَنَةً وَمَحَا عَنْهُ سَيِّئَةً وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً»(2).

وعن الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ مَضَى مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ أَوْ هُوَ آتٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهُمْ شُفَعَاءُ لِمَنْ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُسْحَبُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ يَا رَبَّنَا هَذَا الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَنَا فَشَفِّعْنَا فِيهِ فَيُشَفِّعُهُمُ اللَّهُ فَيَنْجُو»(3).

من لطف الباري عزوجل

مسألة: يستحب بيان لطف الله تعالى بأن جعل بعض ما يستسهل فعله بمنزلة مايصعب فعله من حيث الأجر والثواب.

ولذلك أمثلة كثيرة، من أبرزها ما يرتبط بالشعائر الحسينية المقدسة، من بكاء وإبكاء وتباك والزيارة، والمشي للزيارة، واللعن على أعداء وقاتلي الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنها أمور بسيطة مقارنة بالثواب الذي تستوجبه.

ص: 102


1- بحار الأنوار: ج90 ص384 ب 26 ح7.
2- بحار الأنوار: ج90 ص384 ب 26 ح5.
3- بحار الأنوار: ج90 ص385 ب 26 ح10.

والتفصيل مذكور في مثل (كامل الزيارات) لابن قولويه القمي (رضوان الله عليه).

ثم إن اللطف الإلهي شمل كل شيء، حتى الحيوانات والجمادات، تشريعاً وتكويناً.

قال الصادق (عليه السلام): «انْظُرْ يَا مُفَضَّلُ إِلَى لُطْفِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ بِالْبَهَائِمِ كَيْفَ كُسِيَتْ أَجْسَامُهُمْ هَذِهِ الْكِسْوَةَ مِنَ الشَّعْرِ وَ الْوَبَرِ وَ الصُّوفِ، لِيَقِيَهَا مِنَ الْبَرْدِ وَكَثْرَةِ الْآفَاتِ، وَأُلْبِسَتِ الأَظْلافَ وَالْحَوَافِرَ وَالأَخْفَافَ لِيَقِيَهَا مِنَ الْحَفَاءِ، إِذْ كَانَتْ لا أَيْدِيَ لَهَا وَلا أَكُفَّ وَلا أَصَابِعَ مُهَيَّأَةً لِلْغَزْلِ وَالنَّسْجِ، فَكُفُوا بِأَنْ جُعِلَ كِسْوَتُهُمْ فِي خِلْقَتِهِمْ بَاقِيَةً عَلَيْهِمْ مَا بَقُوا، لا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَجْدِيدِهَا وَالاسْتِبْدَالِ بِهَا»(1).

ص: 103


1- توحيد المفضل: ص106.

طعام الملائكة

اشارة

عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: «يا رسول الله هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتهليل، فما طعامنا؟ قال: والذي بعثني بالحق ما اقتبس في آل محمد نار منذ ثلاثين يوماً, وقد أتانا أعنز فإن شئت أمرت لك بخمسة أعنز, وإن شئت علّمتك خمس كلمات علمنيهنّ جبرئيل. قالت: بل علّمني الخمس كلمات التي علمكهنّ جبرئيل. قال: يا فاطمة قولي: "يَا أوَّلَ الأوّلِينَ، وَيَا آخِرَ الآخِرِينَ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ المَتِينِ، وَيَا رَاحِمَ المَسَاكِينَ، وَيَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

-------------------------------------------

ص: 104


1- ورد في كتاب الدعاء للطبراني: ص319 ح1047: عن سويد بن غفلة، قال: أصابت علياً (عليه السلام) فاقة، فقال لفاطمة (عليها السلام): «لو أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألتيه» وكان عند أم أيمن، فدقت الباب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لأم أيمن: «إن هذا لدق فاطمة، ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها فقومي فافتحي لها الباب»، قالت: ففتحت لها الباب فقال: «يا فاطمة لقد أتيتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها»، فقالت: «يا رسول الله هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتمجيد، فما طعامنا؟» قال: «والذي بعثني بالحق ما اقتبس في آل محمد نار منذ ثلاثين يوما، وقد أتانا أعنز فإن شئت أمرت لك بخمسة أعنز، وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهن جبريل (عليه السلام) آنفاً». قالت: «بل علّمني الخمس كلمات التي علمكهن جبريل عليه السلام». قال: قولي: «يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، ذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين». قال: فانصرفت حتى دخلت على علي (عليه السلام) فقالت: «ذهبت من عندك إلى الدنيا وأتيتك بالآخرة، قال: «خيراً يأتيك، خيراً يأتيك».

مراقد المعصومين

مسألة: كما يستحب الدخول على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) للتزود منهم والانتفاع بهم، كذلك يستحب الدخول إلى مراقدهم المطهرة، لتوسيطهم لدى الله تعالى للحاجات، وللدعاء بقول مطلق، ولنيل رحمة الله وثوابه.

كما يستحب الدخول إلى ما يتعلق بهم، كمنازلهم أو محاريب عبادتهم،كبيت علي (عليه السلام) ومحرابه بمسجده، وكمحل ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).

الدعاء المأثور

مسألة: يستحب قراءة هذا الدعاء المأثور.فإن الدعاء مستحب مطلقاً، مأثوراً أم غير مأثور، نعم الدعاء المأثور أو الدعاء بالمأثور أفضل(2).

ص: 105


1- وهو الآن مكتبة، وقد أغلقت من قبل السلطات السعودية.
2- وذلك لاشتمال المأثور على جهات من المحبوبية، فمنها: بألفاظ صدرت عن عيبة علم الله ومحل أسراره ومن هم أعرف بالله وبكيفية قبوله عز وجل للدعاء من غيرهم، ومنها انطباق سلوك المؤمن بآثار المعصومين (عليهم السلام) والتأسي بهم، ومنها تطبيق محورية المعصومين (عليهم السلام)، ومنها: تنور الإنسان بكلامهم، فإن كلامهم نور كما ورد في الزيارة الجامعة، إلى غيرها، ومنها الاطمئنان بصحة ما يقوم به وأنه كما ينبغي في الدعاء.

قال أبو جعفر (عليه السلام): «أفضل العبادة الدعاء»(1).

وعن سيف التمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «عليكم بالدعاء فإنكم لا تقربون بمثله»(2).

وعن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه

السلام) يقول: «الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراماً، فأكثر من الدعاء، فإنه مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة، ولا ينال ما عند الله عز وجل إلابالدعاء، وأنه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه»(3).

والدعاء المأثور قد يكون في الكتاب مثل: «رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»(4).

و: «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (5).

و: «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ»(6).

و: «رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ

ص: 106


1- الكافي: ج2 ص466 باب فضل الدعاء والحث عليه ح1.
2- الكافي: ج2 ص467 باب فضل الدعاء والحث عليه ح6.
3- الكافي: ج2 ص470 باب فضل الدعاء والحث عليه ح7.
4- سورة البقرة: 201.
5- سورة البقرة: 128.
6- سورة إبراهيم: 40.

الْوَهَّابُ»(1).

و: «رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»(2).

وقد يكون في السنة المطهّرة الواردة عن المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) وهي كثيرة، ومن أهمها ما وردفي الصحيفة السجادية المقدّسة.

وهل بعض الأدعية التي هي من تأليف العلماء والصالحين كذلك؟

احتمالان.

الدعاء في غير زمانه

مسألة: هل يستحب قراءة الدعاء المأثور حتى في غير زمانه ومكانه وشرائطه؟

مثل أدعية أيام شهر رمضان، وأدعية أيام رجب وما أشبه، إذا قرأها في غير أوقاتها, ومثل أدعية الطواف والسعي ونحوها مما هو مأثور أصلاً.

وكذلك إذا قرأ دعاء الافتتاح في غير ليالي شهر رمضان، أو قرأ أدعية رجب في شعبان وهكذا؟

لا ينبغي الإشكال في أنه جائز، وربما كان مستحباً من باب مطلق الدعاء،

ص: 107


1- سورة آل عمران: 8.
2- سورة البقرة: 286.

وإن لم يكن مأثوراً بمعنى الكلمة، بل كان مأثوراً في الجملة، إذ الظاهر أن الزمان والمكان لم يؤخذا إلا من باب تعدد المطلوب، لأقوائية تأثير الدعاء فيها أو لشبه ذلك.

التلطف في السؤال

مسألة: ينبغي التلطّف في السؤال، كماتلطّفت الصديقة (صلوات الله عليها) في سؤالها الطعام بقولها: «يا رسول الله هذه الملائكة.. »وهو من مصاديق (الحكمة) و(الأخلاق الحسنة).

عن العيص بن القاسم، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربه وليمدحه، فإن الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا الله العزيز الجبار وامدحوه وأثنوا عليه، تقول: يا أجودَ مَن أعطَى، ويا خيرَ مَن سُئل، يا أرحم مَن استُرحم، يا أحدُ يا صمدُ، يا مَن لم يَلِدْ ولم يُولَد ولم يكن له كفواً أحد، يا مَن لم يَتَّخِذْ صاحِبةً ولا وَلَداً، يا مَن يَفْعلُ ما يَشاء وَيحَكُمُ ما يُريد ويَقْضي ما يُحِبّ، يا مَن يَحولُ بَينَ المَرْءِ وقَلْبه، يا مَن هُو بِالمَنْظَرِ الأعلى، يا مَن لَيسَ كَمِثلِه شَيء، يا سميعُ يا بصيرُ، وأكثر من أسماء الله عز وجل فإن أسماء الله عز وجل كثيرة، وصلّ على محمد وآل محمد وقل: اللهم أَوْسِعْ عَليَّ مِنْ رِزقِكَ الحلال ما أَكُفُّ به وَجْهي، وَأُؤَدّي بِه عَني أمانتي، وأَصِلْ به رَحِمي، ويَكُونُ عَوْناً لي في الحج والعُمرة، وقال: إن رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين ثم سأل الله عز وجل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عجل العبد ربه، وجاء آخر فصلى

ص: 108

ركعتين ثم أثنى على الله عز وجل وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سل تعط»(1).

عالم الغيب

مسألة: يستحب - في الجملة - التطرّق لما في عالم الغيب من الخصوصيات بالقدر الذي ذكر في الروايات، فإنهم (عليهم السلام) يعلمون الغيب، مثل ذكر الملائكة وأوصافهم وخصوصياتهم ، كما صنعت الصديقة (صلوات الله عليها) إذ ذكرت نوع طعام الملائكة.

ومثل ما ورد في خصوصيات الجنة والنار وما أشبه.

تخيير السائل

مسألة: يستحب تخيير السائل والمحتاج بين ما يريده وبين ما ينفعه أكثر.

ومن مصاديقه: ما إذا طلب شيئاً مادياً، وكان الأمر المعنوي أهم, فإنه يخيّر بين الشيء وبين ما هو أفضل منه واقعاً, ليختار ما شاء، فإن لهذا التخيير ثم الاختيار الذي يقع بعده تأثيراً إيجابياً في النفس.

وإنما يستفاد الرجحان الشرعي لهذا التخيير، لأن النبي (صلى

الله عليه وآله) فعله بل قاله، كما يستفاد الاستحباب من القرائن الحافّة أيضاً، كما أن هذا الأسلوب يعد نوعاً من أنواع التعليمووسيلة من وسائل التربية.

وكأن الصديقة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) بقولها: «يا رسول الله هذه

ص: 109


1- وسائل الشيعة: ج7 ص80 ب31 من أبواب الدعاء ح2.

الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتهليل، فما طعامنا؟» أرادت الطعام, ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «والذي بعثني بالحق..» إلى آخره.

ولعلّ السرّ في أنهم (عليهم السلام) كانوا لا توقد في دورهم النار في فترات متفاوتة، والمصرّح به في هذه الرواية: (منذ ثلاثين يوماً)، هو أنهم كانوا في ثورة عملية علمية ونهضة دينية، وكان هدفهم الأهم تقديم الأمة إلى الأمام وانتشالها من الهلكة والخسران، ومن الواضح حال الثائرين والناهضين في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومسكنهم.

فإن كل همهم هو تقديم الأمة إلى الأمام، فسائر الأمور لم تكن مهمة لديهم، كما يشاهد ذلك في أحوال الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) مما وصل إلينا من أخبارهم.

وكذلك في من تأسّى بهم من العلماء الصالحين، وكبار المنقذين في مختلف المجتمعات.

هذا إضافة إلى زهدهم (صلوات الله عليهم) الذاتي وإعراضهم عن ملذات الحياةالدنيا، وإضافة إلى أنهم أرادوا التعليم أيضاً.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى دَنَاءَةِ الدُّنْيَا، أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ زَوَاهَا عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ نَظَراً وَاخْتِيَاراً، وَبَسَطَهَا لِأَعْدَائِهِ فِتْنَةً وَاخْتِبَاراً، فَأَكْرَمَ عَنْهَا مُحَمَّداً نَبِيَّهُ (صلى

الله عليه وآله) حِينَ عَصَبَ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ، وَحَمَاهَا مُوسَى نَجِيَّهُ الْمُكَلَّمَ وَكَانَتْ تُرَى خَضِرَةُ الْبَقْلِ مِنْ صِفَاقِ بَطْنِهِ مِنَ الْهُزَالِ، وَمَا سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ أَوَى إِلَى الظِّلِّ إِلَّا طَعَاماً يَأْكُلُهُ لِمَا جَهَدَهُ مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلًا فَقُلْ ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلًا فَقُلْ مَرْحَباً بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ،

ص: 110

وَصَاحِبِ الرُّوحِ وَالْكَلِمَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (عليه السلام) إِذْ قَالَ: إِدَامِيَ الْجُوعُ، وَشِعَارِيَ الْخَوْفُ، وَلِبَاسِيَ الصُّوفُ، وَدَابَّتِي رِجْلَايَ، وَسِرَاجِي بِاللَّيْلِ الْقَمَرُ، وَصَلَايَ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ، وَفَاكِهَتِي مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ لِلْأَنْعَامِ، أَبِيتُ وَلَيْسَ لِي شَيْ ءٌ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّي، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَمَا أُوتِيَ مِنَ الْمُلْكِ إِذْ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَيُطْعِمُ أُمَّهُ الْحِنْطَةَ، وَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ لَبِسَ الْمُسُوحَ وَغَلَّ يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَبَاتَ بَاكِياً حَتَّى يُصْبِحَ، وَيُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَإِنْ لَمْ تَغْفِرْلِي وَتَرْحَمْنِي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَهَؤُلَاءِ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَأَصْفِيَاؤُهُ تَنَزَّهُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزَهِدُوا فِيمَا زَهَّدَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ مِنْهَا، وَأَبْغَضُوا مَا أَبْغَضَ، وَصَغَّرُوا مَا صَغَّرَ، ثُمَّ اقْتَصَّ الصَّالِحُونَ آثَارَهُمْ وَسَلَكُوا مِنْهَاجَهُمْ، وَأَلْطَفُوا الْفِكَرَ وَانْتَفَعُوا بِالْعِبَرِ، وَصَبَرُوا فِي هَذَا الْعُمُرِ الْقَصِيرِ مِنْ مَتَاعِ الْغُرُورِ، الَّذِي يَعُودُ إِلَى الْفَنَاءِ، وَيَصِيرُ إِلَى الْحِسَابِ، نَظَرُوا بِعُقُولِهِمْ إِلَى آخِرِ الدُّنْيَا وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى أَوَّلِهَا، وَإِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى ظَاهِرِهَا، وَفَكَّرُوا فِي مَرَارَةِ عَاقِبَتِهَا فَلَمْ يَسْتَمْرِئْهُمْ حَلَاوَةُ عَاجِلِهَا، ثُمَّ أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الصَّبْرَ، وَأَنْزَلُوا الدُّنْيَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهَا إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ إِلَيْهَا، وَأَكَلُوا مِنْهَا بِقَدْرِ مَا أَبْقَى لَهُمُ النَّفَسَ وَأَمْسَكَ الرُّوحَ، وَجَعَلُوهَا بِمَنْزِلَةِ الْجِيفَةِ الَّتِي اشْتَدَّ نَتْنُهَا، فَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِهَا أَمْسَكَ عَلَى فِيهِ، فَهُمْ يَتَبَلَّغَونَ بِأَدْنَى الْبَلَاغِ، وَلَا يَنْتَهُونَ إِلَى الشِّبَعِ مِنَ النَّتْنِ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنَ الْمُمْتَلِي مِنْهَا شِبَعاً، وَالرَّاضِي بِهَا نَصِيباً» الحديث(1).

ص: 111


1- بحار الأنوار: ج70 ص110 ب122 ضمن ح 110.

أهمية المعنويات

مسألة: يستحب إفهام الآخرين أن المعنويات أهم من الماديات، وأن الإنسان بحاجة إليها أكثر وبها الحياة الخالدة، وذلك بالتصريح أو بالتلميح، بالدلالة المطابقية أو الالتزامية أو غيرهما.

في الحديث القدسي: «يَا عِيسَى لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَكُنْ مِنِّي عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تَغْتَرَّ بِالصِّحَّةِ، وَلَا تُغَبِّطْ نَفْسَكَ فَإِنَّ الدُّنْيَا كَفَيْ ءٍ زَائِلٍ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْهَا كَمَا أَدْبَرَ، فَنَافِسْ فِي الصَّالِحَاتِ جُهْدَكَ، وَ كُنْ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُمَا كَانَ، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَأُحْرِقْتَ بِالنَّارِ، فَلَا تَكْفُرْ بِي بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ، وَلَا تَكُنْ مَعَ الْجَاهِلِينَ»(1).

ترجيح المعنويات

مسألة: يستحب تفضيل وترجيح المعنويات على الماديات, بدليل: قول الصديقة (صلوات الله عليها): «علّمني الخمس كلمات».

فإن المعنويات أهم، وإن كانت الماديات لابد منها، ولكن يؤخذ منها بقدر الضرورة و(البلاغ)، لما ورد منأنه: «من لا معاش له لا معاد له».

وقبل ذلك قال القرآن الحكيم: «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»(2).

ص: 112


1- بحار الأنوار: ج14 ص299 ب21.
2- سورة قريش: 1 - 4.

وقال عزوجل: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ»(1).

إلى غير ذلك مما ورد في الآيات والروايات مستثنىً ومستثنى منه.

بيان المعنويات

مسألة: ينبغي توفير الأجواء المعنوية للأفراد كالأفراد وللمجتمع كمجتمع؛ فإن الإنسان كفرد، والمجتمع كمجموعة بحاجة إلى المعنويات كما هو بحاجة إلى الماديات، وقد تكفّل الإسلام في كتابه العزيز وسيرة المعصومين (عليهم السلام) ببيان الجانبين كاملاً، وهذا يعتبر من أهم ما يميّز الإسلام على سائر القوانين الوضعية، فإن القانون الوضعي ناقص حتى في تقنين الماديات، كما أنه خالٍّ عما يرتبط بالمعنويات تماماً.

كما أن ذلك مما يميّز الإسلام على الأديان كالمسيحية والبوذية، حيث اقتصرتا على مجموعة قليلة منالتعاليم الروحية والأخلاقية وبعض القوانين المحدودة.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، وَاللَّهِ مَا مِنْ شَيْ ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا مِنْ شَيْ ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، أَلَا وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلْ أَحَدَكُمْ

ص: 113


1- سورة الأعراف: 32.

اسْتِبْطَاءُ شَيْ ءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِغَيْرِ حِلِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»(1).

اليمين وأحكامه

مسألة: يجوز الحلف, والجواز هنا بالمعنى الأعم(2), لقوله (صلى الله عليه وآله): «والذي بعثني..»، وقد ذكرنا في المجلدات السابقة من هذا الكتاب ما يرتبط بأحكام اليمين وأقسامه.فإنه قد يجب الحلف لإنقاذ حق واجب الإنقاذ, وقد حلف القرآن الكريم مراراً، قال سبحانه: «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا»(3).

وقال سبحانه: «لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ»(4).

نعم لا يجوز الحلف الكاذب، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله»(5).

كما أنه يكره بعض أقسام الحلف(6)، قال سبحانه: «وَلا تَجْعَلُوا اللهَ

ص: 114


1- الكافي: ج2 ص74 باب الطاعة والتقوی ح2.
2- الشامل للوجوب والندب والإباحة، بل والكراهة أيضاً، إلا أن حلفه (صلى الله عليه وآله) يصلح دليلاً على أحد الثلاثة الأول بل الأولين فقط.
3- سورة الشمس: 1 - 2.
4- سورة الحجر: 72.
5- وسائل الشيعة: ج23 ص203 ب4 من أبواب كتاب الأيمان ح3.
6- وهو الحلف بالله صادقاً لكن لا لضرورة توجبه، وعليه روايات كثيرة فقد روى الحر العاملي في وسائله: ج23 ص197 - 200 باب كراهة اليمين الصادقة وعدم تحريمها، أحد عشر حديثاً بهذا الشأن، منها الحديث السابع: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تحلفوا بالله صادقين ولاكاذبين فان الله عز وجل قد نهى عن ذلك فقال عز وجل: «وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ» ».

عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ»(1).

الحلف بسائر الأسماء والصفات

مسألة: يجوز الحلف بأي اسم من أسماء الله تعالى، وبأية صفة من صفاته، مفردةً ومركبة، كما قال صلى الله عليه وآله: «والذي بعثني بالحق».

والجواز غير الانعقاد كما لا يخفى.

وفي انعقاد القسم يشترط أن يكون بلفظ الجلالة أو الاسماء والصفات المختصة بالباري، او ما تطلق عليه تعالى بكثرة كالخالق والرازق.

كما أن الحلف في مقام الدعاوي والقضاء لا يصح إذا كان بغير الله، إلا لغير المؤمن بالله على تفصيل ذكرناه في محله.

عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْيَمِينُ الَّتِي تُكَفَّرُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: لا وَاللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) اسْتَحْلَفَ يَهُودِيّاً بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى (عليه السلام)»(3).

ص: 115


1- سورة البقرة: 224.
2- وسائل الشيعة: ج23 ص263 ب30 بَابُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْحَلْفُ وَلا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ الْخَاصَّة ح29531.
3- وسائل الشيعة: ج23 ص266 ب32 بَابُ حُكْمِ اسْتِحْلافِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يَعْتَقِدُونَه ح29539.

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «قَضَى عَلِيٌّ (عليه السلام) فِيمَنِ اسْتَحْلَفَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِيَمِينِ صَبْرٍ أَنْ يُسْتَحْلَفَ بِكِتَابِهِ وَمِلَّتِهِ»(1).

وعَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام): أَنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) كَانَ يَسْتَحْلِفُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِكِتَابِهِمْ وَيَسْتَحْلِفُ الْمَجُوسَ بِبُيُوتِ نِيرَانِهِمْ»(2).

بيان طعام الملائكة

مسألة: يستحب معرفة ما يرتبط بعظمة الباري عزّ وجلّ في خلقه، ومن خلقه الملائكة، وما يرتبط بشؤونهم وأحوالهم، ومنها: طعامهم.

ومن المستحب بيان أن طعام الملائكة التهليل والتسبيح والتحميد؛ فإنه نوع من العلم, والعلم أفضل من الجهل في كل الأبعاد - إلاّ ما خرج بالدليل كالسحر لو عدّ علماً - خصوصاً فيما يرتبط بالملائكة حيث يجب علينا الإيمانبهم.

وفي ذلك فوائد أخر، من معرفة مخلوقات الباري عزّ وجلّ ومعرفة عظمته تعالى وما أشبه.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا مفضل، إِنَّ الشُّكَّاكَ جَهِلُوا الْأَسْبَابَ

ص: 116


1- وسائل الشيعة: ج23 ص267 ب32 بَابُ حُكْمِ اسْتِحْلافِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يَعْتَقِدُونَه ح29543.
2- وسائل الشيعة: ج23 ص268 ب32 بَابُ حُكْمِ اسْتِحْلافِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يَعْتَقِدُونَه ح29547.

وَالْمَعَانِيَ فِي الْخِلْقَةِ، وَقَصُرَتْ أَفْهَامُهُمْ عَنْ تَأَمُّلِ الصَّوَابِ وَالْحِكْمَةِ، فِيمَا ذَرَأَ الْبَارِي جَلَّ قُدْسُهُ وَبَرَأَ، مِنْ صُنُوفِ خَلْقِهِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالسَّهْلِ وَالْوَعْرِ، فَخَرَجُوا بِقَصْرِ عُلُومِهِمْ إِلَى الْجُحُودِ، وَبِضَعْفِ بَصَائِرِهِمْ إِلَى التَّكْذِيبِ وَالْعُنُودِ، حَتَّى أَنْكَرُوا خَلْقَ الْأَشْيَاءِ، وَادَّعَوْا أَنَّ تَكَوُّنَهَا بِالْإِهْمَالِ، لا صَنْعَةَ فِيهَا وَلَا تَقْدِيرَ، وَلَا حِكْمَةَ مِنْ مُدَبِّرٍ وَلا صَانِعٍ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَصِفُونَ، وَقاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، فَهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ وَغَيِّهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ بِمَنْزِلَةِ عُمْيَانٍ دَخَلُوا دَاراً قَدْ بُنِيَتْ أَتْقَنَ بِنَاءٍ وَأَحْسَنَهُ، وَفُرِشَتْ بِأَحْسَنِ الْفُرُشِ وَأَفْخَرِهِ، وَأُعِدَّ فِيهَا ضُرُوبُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَآرِبِ الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا وَلا يُسْتَغْنَى عَنْهَا، وَوُضِعَ كُلُّ شَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ، عَلَى صَوَابٍ مِنَ التَّقْدِيرِ، وَحِكْمَةٍ مِنَ التَّدْبِيرِ، فَجَعَلُوا يَتَرَدَّدُونَ فِيهَا يَمِيناً وَشِمَالًا، وَيَطُوفُونَ بُيُوتَهَا إِدْبَاراً وَإِقْبَالًا، مَحْجُوبَةً أَبْصَارُهُمْ عَنْهَا، لَا يُبْصِرُونَ بُنْيَةَ الدَّارِ وَمَا أُعِدَّ فِيهَا، وَرُبَّمَا عَثَرَ بَعْضُهُمْ بِالشَّيْ ءِ الَّذِي قَدْ وُضِعَمَوْضِعُهُ، وَأُعِدَّ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَهُوَ جَاهِلٌ لِلْمَعْنَى فِيهِ، وَلِمَا أُعِدَّ وَلِمَا ذَا جُعِلَ كَذَلِكَ، فَتَذَمَّرَ وَتَسَخَّطَ وَذَمَّ الدَّارَ وَبَانِيَهَا، فَهَذِهِ حَالُ هَذَا الصِّنْفِ فِي إِنْكَارِهِمْ مَا أَنْكَرُوا، مِنْ أَمْرِ الْخِلْقَةِ وَثَبَاتِ الصَّنْعَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا عَزَبَتْ أَذْهَانُهُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ فِي الْأَشْيَاءِ، صَارُوا يَجُولُونَ فِي هَذَا الْعَالَمِ حَيَارَى، فَلَا يَفْهَمُونَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ إِتْقَانِ خِلْقَتِهِ، وَحُسْنِ صَنَعْتِهِ، وَصَوَابِ هَيْئَتِهِ، وَرُبَّمَا وَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّيْ ءِ يَجْهَلُ سَبَبَهُ وَالْإِرْبَ فِيهِ، فَيُسْرِعُ إِلَى ذَمِّهِ وَوَصْفِهِ بِالْإِحَالَةِ وَالْخَطَأ، كَالَّذِي أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ الْمَنَانِيَّةُ الْكَفَرَةُ، وَجَاهَرَتْ بِهِ الْمُلْحِدَةُ الْمَارِقَةُ الْفَجَرَةُ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ، الْمُعَلِّلِينَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمُحَالِ، فَيَحِقُّ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَهَدَاهُ لِدِينِهِ، وَوَفَّقَهُ لِتَأَمُّلِ التَّدْبِيرِ فِي صَنْعَةِ الْخَلَائِقِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى مَا خُلِقُوا لَهُ مِنْ لَطِيفِ التَّدْبِيرِ، وَصَوَابِ التَّقْدِيرِ

ص: 117

، بِالدَّلَالَةِ الْقَائِمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صَانِعِهَا، أَنْ يُكْثِرَ حَمْدَ اللَّهِ مَوْلَاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَرْغَبَ إِلَيْهِ فِي الثَّبَاتِ عَلَيْهِ والزِّيَادَةِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ يَقُولُ: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ»(1)»(2).

التهليل والتسبيح

مسألة: يستحب التهليل والتسبيح والتحميد لله عزّ وجلّ مطلقاً.

ومما يدل على رجحانه أنه طعام الملائكة، فإنهم: «يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(3)، بدعوى أن أمرهم بشيء دال على رجحانه ذاتاً، على تأمل.

والاستحباب في ما ذكر في الجملة، وإلاّ فقد يكون واجباً، كالتهليل والتشهّد مما هو من شرائط الإيمان، حيث يقرّ المرء بالشهادتين.

ومما يدلّ على استحباب الثلاثة مطلقاً متواتر الروايات، بالإضافة إلى رجحانها العقلي.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أكثروا من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة لهن مقدمات ومؤخرات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات»(4).

ص: 118


1- سورة إبراهيم: 7.
2- توحيد المفضل: ص44.
3- سورة النحل: 50، سورة التحريم: 6.
4- وسائل الشيعة: ج7 ص186 ب31 من أبواب الذكر ح3.

سيرة آل محمد

مسألة: يستحب بيان سيرة آل محمد (عليهم السلام) وزهدهم وتفانيهم في الله، ومنه أنه حدث ذات مرة، ولعلّه حدث ذلك مراراً، أنه ما اقتبس في آل محمد (صلى الله عليه وآله) نار منذ ثلاثين يوماً، وربما كان ذلك واجباً.

فإنهم (صلوات الله عليهم) أسوة، فإذا عرف الناس حياتهم تأسّوا بهم، ومن أهم الأمور الإقتداء بهم في الزهد، وخاصّة للولاة والعلماء، فإن الزهد لازم عليهم.

وقد ورد في دعاء الندبة: «بعد أن شرطتَ عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة وزُخْرفها وزِبْرجها»(1).

ثم إن الزهد لا يكون أمراً راجحاً مستحباً أو واجباً فقط، بل هو حلال للمشاكل، ويوجب راحة البال واطمئنان النفس والضمير، فإن الإنسان الحريص ونحوه يقع في متاعب كثيرة مما لا تحصى حتى في حياته الدنيوية.

كما أن الزهد اقتصادياً وخاصةً من قبل الحكام والوزراء والمسؤولين، يوفّر الشيء الكثير للناس, فإن المادةمحدودة فإذا قسّمت بين الجميع استفاد الكل, وأما إذا لم تقسّم وحجزها الحكام ومن أشبههم، لم ينتفع بها إلا البعض وحرُم منها الآخرون، قال (عليه الصلاة والسلام): «ما رأيت نعمةً موفورةً إلاّ وإلى جانبها حق مضيّع».

وكم رأينا في الحكام من التبذير والإسراف وسرقة أموال الناس، وفي

ص: 119


1- إقبال الأعمال: ج1 ص504.

المقابل الشعب يعالج السكرات من شدّة الفقر في كل أبعاد الحياة، من الأكل والشرب، والبيت والعمل، والسفر والحضر، والزواج وسائر المتطلبات.

فإن الحكام يبنون لأنفسهم ما لا ضرورة له، من عشرات القصور بما يكلف المليارات، والشعب محروم حتى من شبرٍ واحد من الأرض التي أحلّها الله للجميع، حيث «الأرض لله ولمن عمرها»(1)، والحال أنه لا يحق للدولة أن تمنع الناس من إحياء الأرض، كما لا يحق لها أن تمنعهم من استنشاق الهواء.

بيان المصادر

مسألة: يستحب بيان المصدر في الأقوال وما أشبه عند نقلها كلما أفاد الحثالأكثر على فعل الخيرات، تأسّياً به (صلوات الله عليه) حيث قال في هذا الحديث: «علمنيهنّ(2) جبرئيل»، وحيث نقلت ذلك عن أبيها (صلوات الله عليهما).

ص: 120


1- الكافي: ج5 ص279 باب في إحياء أرض الموات ح2.
2- ذكر النحاة عدم جواز الإتيان بالضمير منفصلاً مع إمكان إتيانه متصلاً، ولكن يستثنى من هذه القاعدة ثلاثة موارد، قال ابن مالك في ألفيته: وفي اختيار لا يجي المنفصل * إذا تأتى أن يجي المتصل وصل أو افصل هاء سلنيه وما * أشبهه، في كنته الخلف انتمى كذاك خلتنيه ، واتصالا * أختار ، غيري اختار الانفصالا والمورد الأول المستثناة من باب (سلنيه) وهو كل فعل يتعدّى إلى مفعولين وكان الأول أخص من الثاني، بأن كان الأول ضمير متكلم أو خطاب والثاني غائب، ولم يكن الثاني خبراً في الأصل، وحينئذ يجوز وصل الضميرين ويجوز فصلهما، فلك أن تقول: سلنيه أو سلني إياه. وجاء في الحديث تارة: (علمنيهن جبرئيل)، و(علمكهن جبرئيل) وتارة: (علمني الخمس) و(علمتك خمس كلمات)، وبهذا يُرد ظاهر قول سيبويه بأن الواجب الاتصال والانفصال مخصوص بالشعر. راجع (شرح ابن عقيل): ج1 ص102- 103.

فإن ذكر المصدر يوجب التأكيد الأكثر، والتوثيق الأكبر، ولو عند البعض، وهو نوع من الإتقان ومقتضى الحكمة، ولجبرئيل (عليه السلام) خصوصيةأنه (أمين وحي الله)(1).

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم، فإن كان حقاً فلكم، وإن كان كذباًفعليه»(2).

ص: 121


1- قال تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» سورة التكوير: 1921 حيث فسرت هذه الآيات بجبرئيل عليه السلام، انظر (تفسير السيد عبد الله شبر): ص550. ثم إن من المسلّم أن المعصومين (عليهم السلام) هم أعلم من الملائكة بل هم معلمو الملائكة، كما في الروايات. وقد سأل المفضل الصادق (عليه السلام) ما كنتم قبل أن يخلق الله السماوات والأرضين؟ قال (عليه السلام): «كنا أنوارا حول العرش نسبح الله ونقدسه حتى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم: سبحوا، فقالوا: يا ربنا لا علم لنا، فقال لنا: سبحوا، فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا». بحار الأنوار: ج25 ص21 ب1 ح34. والجمع بين ما ذكر في الرواية السابقة من أن جبرئيل علّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين ما ذكر من وجوه: منها: إن هذا من باب تعلّم العالم من غيره، لبيان مكانة الطرف. ومنها: رعاية لفهم عقول الناس. ومنها: الفرق بين التعليم الإجمالي والتفصيلي. ومنها: الفرق بين المصاديق، وبين علم وعلم.
2- الكافي: ج1 ص52 باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب ح7.

أول الأولين

مسألة: يجب الاعتقاد بأن الله تعالى هو أوّل الأولين، ويستحب بيان ذلك، وربما وجب، وهكذا بالنسبة إلى سائر صفاته عز وجل على ما هو مذكور في علم الكلام.

قال أبو عبد الله (عليه السلام) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ»(1)، فَقَالَ (عليه السلام): «الْأَوَّلُ لا عَنْ أَوَّلٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَلا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ، وَالْآخِرُ لا عَنْ نِهَايَةٍ، كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَكِنْ قَدِيمٌ أَوَّلٌ آخِرٌ، لَمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ، بِلا بَدْءٍ وَلا نِهَايَةٍ، لا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ، وَلا يُحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ»(2).

آخر الآخرين

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله تعالى هو آخر الآخرين، ويستحب بيان ذلك، وربما وجب.

وكونه سبحانه آخر الآخرين بالنسبة إلى الدنيا واضح، فإن الدنيا ومافيها زائلة فانية، ويبقى الله سبحانه وتعالى دون غيره.

قال عزوجل: «وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَ الْإِكْرامِ»(3).

ص: 122


1- سورة الحديد: 3.
2- التوحيد: ص314 باب47 باب معنى الأول والآخر ح1.
3- سورة الرحمان: 27.

وأما كونه آخر الآخرين بالنسبة إلى امتداد الجنة والنار حيث إنهما لا آخر لهما كما ثبت في ضرورة الإسلام، فالمراد به الآخر بالذات, وأما الجنة والنار فهما آخران بالغير.

ذو القوة المتين

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله تعالى ذو القوة المتين، ويستحب بيان ذلك، وربما وجب.

ومعنى قوته حسب ما نفهمه إجمالاً(1): أنه ليس بضعيف.

ومتانة القوة: ما لا يشوبها ضعف في أية جهة من الجهات، ومن الضعف إسناد القوة للغير، فهو القادر بالذات، وهو تعالى صاحب القوة المطلقة.

قال تعالى: «أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَميعاً»(2).وقال سبحانه: «إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتينُ»(3).

راحم المساكين

مسألة: يلزم الاعتقاد بكون الله تعالى راحم المساكين، ويستحب بيان ذلك، وربما وجب.

ص: 123


1- وذلك لما ثبت في علم الكلام بأن صفاته عين ذاته، ولا يمكن أن يعلم أحد ذاته تفصيلاً وهكذا صفاته.
2- سورة البقرة: 165.
3- سورة الذاريات: 58.

ثم إن إضافة الرحمة للمساكين من باب المصداق، وإلاّ فهو سبحانه وتعالى راحم للكل سواء كانوا مساكين أم غير مساكين، وفي القرآن الحكيم: «رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»(1).

مضافاً إلى أن الكلّ بالنسبة إليه مسكين وفقير، كما هو واضح، ولعلّ تخصيص المساكين بالذكر أحياناً كما في هذا الحديث، لأوضحية حاجتهم للرحمة، أو لأشديتها، أو تحقق جهة حاجة إضافية على الجهات المشتركة مع الكل.

أرحم الراحمين

مسألة: يلزم الاعتقاد بكون الله تعالى أرحم الراحمين، ويستحب بيان ذلك،وربما وجب. ثم إن الرحمة من الله عزوجل، وإذا صدق الراحم على غيره، فإنه مستمد منه سبحانه وبإذنه، ومع ذلك فإنه تعالى أرحم من كل راحم, كما أنه أرأف من كل رؤوف، وأكثر عطاءً ورزقاً من كل رازق وهكذا.

ولذا ورد: «خَيرُ الرَّازِقِينَ»(2). وهكذا بالنسبة إلى بعض صفات جماله تعالى، مثل: «أَحْسَنُ الخَالِقِينَ»(3)، حيث إن غيره سبحانه أيضاً خالق بالمعنى

ص: 124


1- سورة الأعراف: 163.
2- سورة المائدة: 114، سورة الحج: 58، سورة المؤمنون: 72، سورة سبأ: 39، سورة الجمعة: 11.
3- سورة المؤمنون: 14، سورة الصافات: 125.

اللغوي، قال عيسى (عليه الصلاة والسلام): «أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ»(1) وهكذا.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَشَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحْمَتَهُ حَتَّى يَطْمَعَ إِبْلِيسُ فِي رَحْمَتِهِ»(2).

وقيل للامام زين العابدين (عليه السلام) يوماً: إنّ الحسن البصري قال: ليس العجب ممّن هلك كيف هلك وإنّماالعجب ممّن نجا كيف نجا، فقال عليه السلام: «أنا أقول: ليس العجب ممّن نجا كيف نجا، وإنّما العجب ممّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة اللّه تعالى»(3).

وعَنِ الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «اللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ»(4) قَالَ: «الْمُخْتَصُ بِالرَّحْمَةِ نَبِيُ اللَّهِ وَوَصِيُّهُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا) إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ تِسْعٌ

وَتِسْعُونَ رَحْمَةً عِنْدَهُ مَذْخُورَةٌ لِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) وَعَلِيٍّ (عليه السلام) وَعِتْرَتِهِمَا، وَرَحْمَةٌ وَاحِدَةٌ مَبْسُوطَةٌ عَلَى سَائِرِ الْمَوْجُودِين»(5).

ص: 125


1- سورة آل عمران: 56.
2- بحار الأنوار: ج 7 ص287 باب14 ما يظهر من رحمته تعالى يوم القيامة ح1
3- إعلام الورى بأعلام الهدى: ج 1 ص489.
4- سورة البقرة: 105.
5- بحار الأنوار: ج 24 ص62 ب29 ح45.

الإنسان القوي

مسألة: يستحب أن يكون المؤمن قوياً لا يطمع فيه الأعداء، ويمكن استفادة استحباب القوة من هذا الدعاء استناداً إلى قوله (عليه السلام): «تخلّقوا بأخلاق الله»(1).

فإن لله سبحانه قسمين من الصفات: قسم لا يجوز للإنسان الاتصاف بها لكونها من اختصاصاته عزّ وجل، لما ورد من مثل قوله (عليه الصلاة والسلام): «لا يعذّب بالنار إلا ربّ النار»(2)، ومثل: (المميت) و(المتكبر)، وما أشبه ذلك.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قال الله تعالى: يا موسى، إن الفخر ردائي، والكبرياء إزاري، فمن نازعني في شيء منهما عذبته بناري»(3).

وقسم ينبغي للإنسان أن يتخلّق بها كالرحمة والعطف على الآخرين والعفو عن المسيئين وما أشبه.

ومن المستحب أن يسعى الإنسان حتىيتخلّق بما يمكن أن يصل إليه من تلك الصفات ومراتبها حسب الإمكان الشرعي والعقلي.

روي في مناقب الإمام زين العابدين(عليه السلام): وكان (عليه السلام) إذا دخل شهر رمضان، يكتب على غلمانه ذنوبهم، حتّى إذا كان آخر ليلة دعاهم، ثمّ أظهر الكتاب، وقال: «يا فلان، فعلت كذا ولم أؤدّبك»، فيقروّن أجمع. فيقوم وسطهم، ويقول لهم: «ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين، ربّك قد

ص: 126


1- جامع السعادات: ج3 ص116، بحار الأنوار: ج58 ص129.
2- الصراط المستقيم: ج2 ص305.
3- مستدرك الوسائل: ج12 ص30 ب58 من أبواب جهاد النفس ح14.

أحصى عليك ما عملت، كما أحصيت علينا، ولديه كتاب ينطق بالحقّ، لايغادر صغيرة ولا كبيرة، فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك، الّذي لا يظلم مثقال ذرّة وكفى بالله شهيداً، فاعف واصفح، يعف عنك المليك، لقوله تعالى: «وَلْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ»، ويبكي وينوح، «وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)، مع كمال قدرته، فتخلّقوا بأخلاقه»(2).

العطف على الآخرين

مسألة: يستحب أن يرحم الإنسانالمسكين, و(الرحمة) تشمل من حيث المتعلق: الماديات والمعنويات، فتشمل إعطاءه المال، أو الوساطة لحلّ مشكله، أو تعليمه ما ينفعه لدينه أو دنياه، إلى غير ذلك.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»(3).

ويأتي هنا ما ذكرناه في المسألة السابقة فإن المعيار واحد.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَضَعُ اللَّهُ الرَّحْمَةَ إِلاّ عَلَى رَحِيمٍ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا رَحِيمٌ، قَالَ: «لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ خَاصَّةً، وَلَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُسْلِمِينَ»(4).

ص: 127


1- سورة النور: 22.
2- تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب: ج 9 ص267.
3- غوالي اللئالي: ج1 ص361 المسلك 2 من الباب1 ح42.
4- مستدرك الوسائل: ج9 ص54 ب107 ح3 م10182.

وقال (صلى الله عليه وآله): «لا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ»(1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) «يَا نَوْفُ ارْحَمْ تُرْحَمْ»(2).

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)قال: «تَوَاصَلُوا وَتَبَاذَلُوا وَتَبَارُّوا وَتَرَاحَمُوا وَكُونُوا إِخْوَاناً بَرَرَةً كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى»(3).

الرحمة دائماً

مسألة: يستحب أن يتّصف الإنسان بالرحمة مطلقاً، إلا ما خرج بالدليل، أي فيما لا يكون منافياً للشرع.

قال سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ»(4).

و: «إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»(5).

كما قال سبحانه: «وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ»(6).

و: «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ»(7).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قَالَ تَعَالَى إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ رَحْمَتِي

ص: 128


1- مستدرك الوسائل: ج9 ص55 ب107 ح7 م10186.
2- مستدرك الوسائل: ج9 ص55 ب107 ح6 م10185.
3- مستدرك الوسائل: ج9 ص54 ب107 ح2 م10181.
4- سورة آل عمران: 159.
5- سورة هود: 119.
6- سورة النور: 2.
7- سورة الفتح: 29.

فَارْحَمُوا»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): «مَنْ لا يَرْحَمِالنَّاسَ لا يَرْحَمْهُ اللَّهُ»(2).

ف: (تخلّقوا بأخلاق الله) تعالى يستثنى منه ما لا يمكن، مثل: كونه أول الأولين وآخر الآخرين، ويستثنى منه ما نهى عنه الشرع كما ذكرناه, ويستثنى منه أيضاً صفات الباري المختصة كالكبرياء.

وفي ما عدا ذلك يكون من المستحب التخلّق بأخلاق الله سبحانه، وربما كان التخلّق ببعضها واجباً، كالصدق، فإنه يجب أن يكون الإنسان صادقاً فيما لو توقف عليه إحقاق الحق، ويحرم عليه الكذب.

ص: 129


1- مستدرك الوسائل: ج9 ص54 ب107 ح3 م10182.
2- مستدرك الوسائل: ج9 ص54 ب107 ح4 م10184.

حسبي الله وكفى

اشارة

عن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة إذا أخذت مضجعك فقولي: «الحَمْدُ لِلهِ الكَافي, سُبْحَانَ اللهِ الأعْلَى, حَسْبِيَ اللهُ وَكَفَى, مَا شَاءَ اللهُ قَضَى, سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعَا, لَيْسَ مِنَ اللهِ مَلْجَأٌ, وَلاَ مِنْ وَرَاءِ اللهِ مُلْتَجَأ, تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبّي وَرَبِّكُم, مَا مِنْ دَابّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إنَّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم, الحَمْدُ للهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلّيٌ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً». قالت فاطمة (عليها السلام): «ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): ما من مسلم يقولها عند منامه ثم ينام وسط الشياطين والهوام فيضره»(1).

-------------------------------------------

نقل النصوص

مسألة: يستحب نقل نصوص الروايات، وإن كان النقل بالمضمون جائزاً أيضاً ما لم يخلّ بالمعنى كما في بعض الروايات(2)،والظاهر أنها (صلوات الله عليها)

ص: 130


1- روي هذا الحديث في كتب العامة أيضاً: انظر كنز العمال: ج15 ص340- 341 ح41303 عن ابن السني، وص513 ح42000 عن الديلمي، وكشف الخفاء: ج1 ص357 ح1135 نسبه إليهما، والدر المنثور: ج4 ص208 عنهما.
2- في الفوائد الرجالية: ص225 (كيفية نقل الحديث): ومن لا يعلم مقاصد الألفاظ وما يختل به معانيها ومقادير التفاوت بينها لم يجز له رواية الحديث بالمعنى بغير خلاف، بل يقتصر على رواية ما سمعه باللفظ الذي سمعه، وإن كان عالماً بذلك جاز على الأصح، كما يشهد به أحوال الصحابة والسلف وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا بألفاظ مختلفة، والأخبار ورد في ذلك. منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال : قلت لأبي عبد الله: أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال: «إن كنت تريد معانيه فلا بأس». مضافا إلى أن التعبير للعجمي بلسان العجم جائز اتفاقاً فبالعربية أولى، فتدبر.

نقلت نص كلامه (صلوات الله عليه وآله).

عن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْكَ فَأَزِيدُ وَأَنْقُصُ، قال: «إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مَعَانِيَهُ فَلا بَأْسَ»(1).

وعن داود بن فرقد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إِنِّي أَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْكَ فَأُرِيدُ أَنْ أَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ فَلا يَجِي ءُ، قَالَ: فَتَعَمَّدُ ذَلِكَ(2)، قُلْتُ: لا،فَقَالَ: تُرِيدُ الْمَعَانِيَ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلا بَأْسَ»(3).

أدعية النوم

مسألة: يستحب الدعاء بالمأثور وقت النوم للحفظ من الشياطين والهوام، بل يتأكد لكثرة ما ورد من الروايات حول ذلك، كما يستحب الدعاء بغير المأثور أيضاً.

ص: 131


1- الكافي: ج1 ص51 ح2.
2- في بعض النسخ (فتتعمد ذلك) بالتائين، وحذف إحداهما للتخفيف، والتعمد القصد، يقال: تعمدت الشي ء أي قصدته، يعني أتتعمد ترك حفظ الألفاظ وعدم المبالاة بضبطها، أو أنت نسيت فيقع ذلك منك بغير تقصير، أو المعنى أفتقصد وتريد أن ترويه كيف ما يجي ء زائداً على إفادة المعنى المقصود أو ناقصاً عنه. انظر مرآة العقول: ج1 ص175.
3- الكافي: ج1 ص51 ح3.

والدعاء وضعه(1) على ألوان:

منها: للحفظ من الشياطين والهوام.

ومنها: لتحصيل ثواب العبادة.

ومنها: للقيام للعبادة والطاعة.

ومنها: لغير ذلك(2)، كما لا يخفى على من راجع الروايات في هذا الباب.

ص: 132


1- أي الغرض منه والهدف من وضعه وإنشائه.
2- فمن تلك الجهات: * غفران الذنوب، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات: "الحمد لله الذي علا فقهر، والحمد لله الذي بطن فخبر، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء وهو على كل شيء قدير". خرج من الذنوب كهيئة يوم ولدته أمه». ثواب الأعمال: ص153 ثواب من قال هذا القول حين يأخذ مضجعه. * ومنها: تحصيل الثواب، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قال حين يأوي إلى فراشه: "لا إله إلا الله" مائة مرة، بنى الله له بيتاً في الجنة، ومن استغفر الله حين يأوي إلى فراشه مائة مرة تحاتت ذنوبه كما يسقط ورق الشجر». الخصال: ص594 أبواب الثمانين وما فوقه ح6. * ومنها: الأمن من الفزع، فعن محمد بن مسلم قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «إذا توسّد الرجل يمينه فليقل: "بسم الله اللهم إني أسلمتُ نفسي إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، وتوكلت عليك، رهبة منك ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجأ منك إلاّ إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت" ثم سبح تسبيح الزهراء فاطمة (عليها السلام)، ومن أصابه فزع عند منامه فليقرأ إذا آوى إلى فراشه: المعوذتين وآية الكرسي». تهذيب الأحكام: ج2 ص116 باب كيفية الصلاة وصفتها .. ح435. * ومنها: الأمن من العذاب، فعن درست، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأ «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ» عند النوم وقي فتنة القبر».مصباح المتهجد: ص121 ما يستحب فعله بعد العشاء الآخرة. * ومنها: الأمن من اللص، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وليقل: "بسم الله وضعتُ جنبي لله وعلى ملة إبراهيم (عليه السلام) ودين محمد (صلى الله عليه وآله) وولاية من افترض الله طاعته، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أشهد أن الله على كل شيء قدير"، فإن من قال ذلك عند منامه حفظ من اللص والهدم، وتستغفر له الملائكة. ومن قرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» عند مضجعه وكّل الله به خمسين ملكاً يحرسونه ليلته». بحار الأنوار: ج10 ص108 ب7 ضمن ح1. وروي أن من خاف اللصوص فليقرأ عند منامه: «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ» إلى آخره السورة. مكارم الأخلاق: ص289 الفصل2 من الباب10 فيمن خاف من اللصوص. * ومنها: الأمن من الجنابة، فعن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا خفت الجنابة فقل في فراشك: "اللهم إني أعوذ بك من الاحتلام ومن سوء الأحلام ومن أن يتلاعب بي الشيطان في اليقظة والمنام"».مفتاح الفلاح: ص221 لدفع الاحتلام وسقوط البيت. * ومنها: الأمن من هدم الدار عليه، فعن أبي الحسن الرضا عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «لم يقل أحد قط إذا أراد أن ينام «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا» إلى آخر الآية - سورة فاطر - فسقط عليه البيت». مفتاح الفلاح: ص211- 212 لدفع الاحتلام وسقوط البيت. * ومنها: لدفع الأرق والسهر، قال الشيخ الطبرسي في مكارم الأخلاق: 290 الفصل2 من الباب10 في خوف الأرق: (إذا خفت الأرق فقل عند منامك: "سبحان الله ذي الشأن، دائم السلطان، عظيم البرهان، كل يوم هو في شأن "، ثم قل: " يا مشبع البطون الجائعة، ويا كاسي الجنوب العارية، ويا مسكن العروق الضاربة، ويا منوم العيون الساهرة، سكّن عروقي الضاربة، وائذن لعيني أن تنام عاجلا". (دعاء آخر): اقرأ " آية الكرسي" و«إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ» إلى آخر الآية، و«وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا».

ولعلّه يستفاد من (عند) الاتصال العرفي، فلو فصل كما لو حدث له طارئ فهل تستحب الإعادة، لا يبعد ذلك.

عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «لا يدع الرجل أن

ص: 133

يقول عند منامه: "أعيذ نفسي وذريتي وأهل بيتي ومالي بكلمات الله التامات، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة"، فذلك الذي عوّذ به جبرئيل الحسن والحسين عليهما السلام»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «من بات على تسبيح فاطمة (عليها السلام) كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات»(2).

وعن الصادق (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «من أراد شيئاً من قيام الليل وأخذ مضجعه فليقل: "اللهم لا تؤمني مكرك، ولا تنسني ذكرك، ولا تجعلني من الغافلين، أقوم ساعة كذا وكذا " فإنه يوكل الله عز وجل به ملكاً ينبهه تلك الساعة»(3).

من أنواع البلاغة

مسألة: يصح خطاب الغائب, كما يدل عليه: (وربكم) مع فرض عدم مخاطب في البين ظاهراً، هذا إن لم يقصد من يسمعه من الملائكة والجن، بل حتى وإن قصد فإن (ربكم) المراد به الأعم ممن يسمعه.

وهو من أبواب البلاغة كما ذكره العلماء في كتبها(4), وقد يكون من باب

ص: 134


1- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص470 ح1352.
2- جامع أحاديث الشيعة: ج17 ص72 باب14 من أبواب طلب الرزق وأسبابه ح4.
3- مكارم الأخلاق: ص291 الفصل2 من الباب10 فيمن أراد الانتباه للصلاة.
4- أي كتب البلاغة، وهو الانتقال من خطاب الحاضر إلى الغائب أو العكس، قال الشريف الرضي في حقائق التأويل ص35: (لأن للعرب مذهباً في خطاب الحاضر، ثم الانتقال عنه إلى خطاب الغائب، وعلى ذلك قوله سبحانه: «حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» ..).

التحزّن أو ما أشبه.

أما في ما نحن فيه فهو اقتباس من الآية الشريفة(1).

وهذا ما يدل على استحباب الاقتباس من الآيات الكريمة، ومن كلمات العظماء، على ما ذكرناه في المجلدات السابقة في شرح الخطبة الشريفة.

أحوال الشياطين

مسألة: يستحب بيان أحوال الشيطان، ليحذر منه الإنسان(2).

ثم إنه على نسخة (وسط الشيطان) بالمفرد، قد يستفاد من الحديث أن الشيطان ربما يبسط جسمه بحيث يحيط بالشخص، فإنه جسم خفيف كالدخان مثلاً.

نعم من الممكن أن يكون المراد بالشيطان جنسه، فإن اللام قد تأتي للجنس(3)، فيراد به الشياطين لا الشيطان الواحد, فإن المفرد المحلى قد يأتي للجنس، مثل قوله: «الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» على المشهور بين البلغاء بأن المراد جنس الحمد، كما أن المفرد غير المحلى قد يراد به الجنس مثل: «تمرة خير من

ص: 135


1- قال تعالى في سورة هود: 56 على لسان النبي هود (عليه السلام) في خطابه لقومه: «إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
2- فمعرفة أحواله وما يقوم به من أعمال وخطوات مقدمة لعدم اتباع ألاعيبه وحبائله، قال تعالى: «وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» سورة البقرة: 168، 208، سورة الأنعام: 142.
3- بل الأصل في اللام كما قيل أن تكون لإفادة الجنس. انظر (منتهى الدراية في شرح الكفاية): ج3 ص441 - 442، قال صاحب الكفاية: (لأن الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس).

جرادة» ومثل: «رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً»(1)، حيث: إن المراد بهما جنس التمرةوالجرادة(2)، وجنس الحسنة، إلى غير ذلك مما ذكرناه في الأصول.

وعلى هذا قد يستفاد من الحديث وجود مجموعة شياطين يحيطون بالإنسان وقت نومه، لقوله (صلى الله عليه وآله): (وسط الشيطان).

وربما يستفاد من الحديث أن الشيطان يضرّ بالإنسان مادياً أيضاً، فإنه لا شك في أنه يضر الإنسان معنوياًبإضلاله وتحريفه عن العقائد الصحيحة والأخلاق الطيبة وما أشبه ذلك، لكنه قد يضره مادياً أيضاً كما ورد بذلك الروايات، والقصص في ذلك كثيرة.

والعكس بالنسبة إلى الملائكة، حيث إنها تنفع الإنسان مادياً ومعنوياً، كما قال سبحانه: «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا»(3)، وكما في قصة

ص: 136


1- سورة البقرة: 201.
2- قال المحقق المدقق صاحب الفصول الحائري في فصوله ص172: (وأما في المفرد فهي ظاهرة في الإشارة إلى الحقيقة من حيث تعينها الجنسي حيث لا يكون تعين عهدي، نعم قد يؤخذ الحقيقة المشار إليها بالاعتبار الأول باعتبار تحققها في جميع الأفراد لا بدلالة اللام أو المعرف بها عليه، إذ ليس مدلولهما كما عرفت إلا الإشارة والحقيقة، بل بدلالة أمر آخر عليه كقرينة الاستثناء في الآية ونحوها، فيفيد العموم بمعونته، بل كما يؤخذ الحقيقة المشار إليها باللام المدلول عليها بلفظ معرف باعتبار تحققها في جميع الأفراد، ويدل عليه بأمر خارج، كذلك يؤخذ الحقيقة المجردة عن الإشارة المدلول عليها بلفظ منكر بالاعتبار المذكور، ويدل عليه بأمر خارج، كما في قوله تعالى: «عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ»، وقولهم (تمرة خير من جرادة)، فلا فرق في استفادة الاستغراق من المفردين بين معرفة ومنكرة، فكما أن المفيد له في الثاني غير لفظه فكذلك في الأول).
3- سورة فصلت: 30.

بدر(1)، وقصة حنين(2)، وغيرهما من سائر القصص.

المراد بالشيطان

الظاهر أن المراد ب (الشيطان) هو المخلوق المعهود من نسل إبليس الذييجري من ابن آدم مجرى الدم من جسده(3)، والذي يوسوس له(4)، ويزين له فعل الآثام(5)، وليس المراد به (الميكروب) كما ذكره البعض، والظاهر أن تفسيرهم

ص: 137


1- قال تعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ» سورة: آل عمران: 123125.
2- قال تعالى: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» سورة التوبة: 2526.
3- عن ابن بكير، عن أبي عبد الله أو عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال: «إن آدم (عليه السلام) قال: يا رب سلّطت عليّ الشيطان وأجريته مني مجرى الدم فاجعل لي شيئاً، فقال: يا آدم جعلت لك أن من همّ من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة ومن همّ منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشراً، قال: يا رب زدني، قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له، قال: يا رب زدني، قال: جعلت لهم التوبة - أو قال: بسطت لهم التوبة - حتى تبلغ النفس هذه، قال: يا رب حسبي». الكافي: ج2 ص440 باب فيما أعطى الله عز وجل آدم ( عليه السلام ) وقت التوبة ح1.
4- إشارة إلى قوله تعالى: «مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ» سورة الناس: 45.
5- إشارة إلى قوله تعالى: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» سورة الأنعام: 43.

بذلك ناشئ من ضيق الأفق حيث استبعدوا مخلوقاً غيبياً ففسروه بأمر مادي، ولو فتح باب التأويل هذا، لما استقر حجر على حجر، ولما بقي منالغيبيات عين ولا أثر، وتفصيل ذلك في موضعه.

الحذر من الهوام

مسألة: يستحب أو يلزم الوقاية من الهوام(1)، كلٌّ في مورده، وذلك بالسبل المادية كالأدوية، والمعنوية كالأدعية.

والاستحباب فيما إذا كان الضرر قليلاً، والوجوب إذا كان الضرر كثيراً، فإن: «لا ضرر»(2) يراد به الإنشاء أيضاً، ويدل على وجوب الاجتناب عن الضرر الكثير، على ما ذكرناه في بابه(3).

كما يجب على (الدولة) وقاية المدن والناس من الهوام والحشرات والجراثيم الضارة بالصحة العامة، بالتشجير والتعقيم وطمّ المستنقعات وغير ذلك؛فإنها موضوعة للمصالح العامة، كما أن ما يقي من الضار منها يحتسب من (النفقة)، وكذا كل ما عدّ من شأنه وإن لم يكن ضاراً ضرراً بالغاً.

ويجوز قتل الهوام المضرة حتى في الصلاة مع حفظ صورة الصلاة وعدم

ص: 138


1- الهوام: ما كان من خشاش الأرض - الخشاش بكسر الخاء وهي الحشرات - نحو العقارب وما أشبهها، الواحدة (هامة) لأنها تهمّ أي تدبّ وهميمها دبيبها. لسان العرب: ج12 ص621 همم.
2- مصادر حديث (لا ضرر ولا ضرار) كثيرة، منها ما رواه الشيخ الكليني في الكافي: ج5 ص280 باب الشفعة ح4، وج5: ص292 -293 باب الضرار ح2 وص294 ح6، وغيرها.
3- راجع موسوعة (الفقه) كتاب القواعد الفقهية، قاعدة لا ضرر.

الإخلال بشروطها، فعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون في الصلاة فيرى الحية أو العقرب يقتلهما إن آذياه؟ قال: «نعم»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الْبَقَّةَ وَالْبُرْغُوثَ وَالْقَمْلَةَ وَالذُّبَابَ فِي الصَّلَاةِ، أَيَنْقُضُ صَلَاتَهُ وَوُضُوءَهُ، قَالَ: «لا»(2).

وعن أبان، عن محمد، قال: (كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) إِذَا وَجَدَ قَمْلَةً فِي الْمَسْجِدِ دَفَنَهَا فِي الْحَصَى)(3).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِذَا كُنْتَ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فَرَأَيْتَ غُلَاماًلَكَ قَدْ أَبَقَ، أَوْ غَرِيماً لَكَ عَلَيْهِ مَالٌ، أَوْ حَيَّةً تَخَافُهَا عَلَى نَفْسِكَ، فَاقْطَعِ الصَّلَاةَ وَاتْبَعِ الْغُلَامَ أَوْ غَرِيماً لَكَ وَاقْتُلِ الْحَيَّةَ»(4).

فوائد الأدعية

مسألة: يستحب بيان الفوائد والآثار المترتبة على الأدعية، كما قال (صلى الله عليه وآله): «ما من مسلم يقولها..».

فإن في ذكرها الترغيب والتشجيع لقراءتها، ولكن لا يجوز اختراع فوائد للأدعية من عند نفسه، كما لا يجوز اختراع الأدعية ونسبتها إلى المعصوم (عليه

ص: 139


1- الكافي: ج3 ص367 باب المصلي يعرض له شيء من الهوام فيقتله ح1.
2- الكافي: ج 3 ص367 باب المصلي يعرض له شيء من الهوام فيقتله ح2.
3- الكافي: ج 3 ص367 باب المصلي يعرض له شيء من الهوام فيقتله ح4.
4- الكافي: ج 3 ص367 باب المصلي يعرض له شيء من الهوام فيقتله ح5.

السلام)، نعم يجوز أن يدعو بما شاء من دون النسبة.

عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «سَتُصِيبُكُمْ شُبْهَةٌ فَتَبْقَوْنَ بِلَا عَلَمٍ يُرَى، ولَا إِمَامٍ هُدًى، وَلَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الْغَرِيقِ»، قُلْتُ: كَيْفَ دُعَاءُ الْغَرِيقِ؟ قَالَ: «يَقُولُ: يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ،قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ وَلَكِنْ قُلْ كَمَا أَقُولُ لَكَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك»(1).

وقال رجل للإمام الصادق (عليه السلام): إِنِّي اخْتَرَعْتُ دُعَاءً، فَقَالَ: «دَعْنِي مِنِ اخْتِرَاعِكَ»(2).

روايات من بلغ

مسألة: الثواب المذكور على دعاء بعينه يترتب عليه للعامل به، وإن كان السند ضعيفاً، لعموم «من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه»(3)، و«من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له ذلك وإن لم يكن على ما بلغه»(4)، ولا ضرورة للتحقيق عن سند تلك الروايات، وذلك للتسامح في أدلة السنن.

ص: 140


1- كمال الدين وتمام النعمة: ج 2 ص351 ب33 ح50.
2- هداية الأمة إلی أحكام الأئمة (عليهم السلام): ص126 ب8 ح763.
3- الكافي: ج2 ص87 باب من بلغه ثواب من الله على عمل ح2.
4- الكافي: ج2 ص87 باب من بلغه ثواب من الله على عمل ح1.

عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى شَيْ ءٍ مِنَ الْخَيْرِ فَعَمِلَهُ، كَانَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لَمْ يَقُلْهُ»(1).

وعَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: مَنْ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) شَيْ ءٌ مِنَ الثَّوَابِ فَعَمِلَهُ كَانَ أَجْرُ ذَلِكَ لَهُ وإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لَمْ يَقُلْهُ(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) شَيْ ءٌ مِنَ الثَّوَابِ فَفَعَلَ ذَلِكَ طَلَبَ قَوْلِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) كَانَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) لَمْ يَقُلْهُ»(3).

وعن أَحْمَدُ بْنُ فَهْدٍ فِي (عُدَّةِ الدَّاعِي) قَالَ: رَوَى الصَّدُوقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بِطُرُقِهِ إِلَى الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام): «أَنَّ مَنْ بَلَغَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَعَمِلَ بِهِ كَانَ لَهُ مِنَالثَّوَابِ مَا بَلَغَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نُقِلَ إِلَيْهِ»(4).

وعَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَعَمِلَ بِهِ كَانَ لَهُ

ص: 141


1- وسائل الشيعة:ج 1 ص80 ب18 بَابُ اسْتِحْبَابِ الإِتْيَانِ بِكُلِّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ رُوِيَ لَهُ ثَوَابٌ عَنْهُمْ عليهم السلام ح182.
2- وسائل الشيعة: ج1 ص81 ب 18 بَابُ اسْتِحْبَابِ الإِتْيَانِ بِكُلِّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ رُوِيَ لَهُ ثَوَابٌ عَنْهُمْ عليهم السلام ح184.
3- وسائل الشيعة: ج1 ص81 ب 18 بَابُ اسْتِحْبَابِ الإِتْيَانِ بِكُلِّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ رُوِيَ لَهُ ثَوَابٌ عَنْهُمْ عليهم السلام ح185.
4- وسائل الشيعة: ج1 ص81 ب 18 بَابُ اسْتِحْبَابِ الإِتْيَانِ بِكُلِّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ رُوِيَ لَهُ ثَوَابٌ عَنْهُمْ عليهم السلام ح189.

أَجْرُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا بَلَغَهُ»(1).

إلى غيرها من الروايات.

حمد الباري

مسألة: يستحب الحمد لله مطلقاً، أي من دون تقييده بنعمة دون أخرى، وهذا لا ينافي استحباب الحمد على نعمة خاصة، وقد ورد في الدعاء الإطلاق والتقييد، ولكلٍ فضل.

وقد ذكروا في قوله سبحانه: «الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(2) أن اللام للاستغراق أو للجنس وكلاهما يفيد الإطلاق والشمول.

وكلما كان الحمد أشمل كان أقرب إلى الواقع بقدر إمكان الإنسان، وإلاّ فاستيعاب الحمد غير ممكن مطلقاً.عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ فَلْيُكْثِرِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» الحديث(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نِصْفُ الْمِيزَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يَمْلَؤُهُ»(4).

وعن الهيثم بن واقد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مَا أَنْعَمَ

ص: 142


1- وسائل الشيعة: ج1 ص81 ب 18 بَابُ اسْتِحْبَابِ الإِتْيَانِ بِكُلِّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ رُوِيَ لَهُ ثَوَابٌ عَنْهُمْ (عليهم السلام) ح190.
2- سورة الفاتحة: 2.
3- وسائل الشيعة: ج 7 ص174 ب22 بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَظَاهُرِ النِّعَمِ ح9039.
4- وسائل الشيعة: ج 7 ص174 ب22 بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَظَاهُرِ النِّعَمِ ح9040.

اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهَا إِلَّا كَانَ حَمْدُهُ لِلَّهِ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَأَعْظَمَ وَأَوْزَنَ»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ لَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ الْمُحْتَسِبِ، وَالْمُعَافَى الشَّاكِرُ مِثْلُ الْمُبْتَلَى الصَّابِرِ»(2).

وقَالَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): «يَا إِسْحَاقُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَعَرَفَهَا بِقَلْبِهِ وَجَهَرَ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَيْهَا فَفَرَغَ مِنْهَاحَتَّى يُؤْمَرَ لَهُ بِالْمَزِيدِ»(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: «شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وإِنْ عَظُمَتْ أَنْ تَحْمَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»(4).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَنْ أَلَحَّ عَلَيْهِ الْفَقْرُ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَإِنَّهُ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ شِفَاءٌ مِنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دَاءً أَدْنَاهَا الْهَمُّ»(5).

ص: 143


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص174 ب22 بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَظَاهُرِ النِّعَمِ ح9041.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص174 ب22 بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَظَاهُرِ النِّعَمِ ح9042.
3- وسائل الشيعة: ج 7 ص175 ب22 بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَظَاهُرِ النِّعَمِ ح9043.
4- وسائل الشيعة: ج 7 ص175 ب22 بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَظَاهُرِ النِّعَمِ ح9044.
5- وسائل الشيعة: ج 7 ص175 ب22 بَابُ اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَظَاهُرِ النِّعَمِ ح9045.

الله الكافي

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله تعالى هو الكافي.

فالوجوب في مورده والاستحباب في مورده، كما أشير إليه فيما سبق.

قال تعالى: «أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ»(1).

فإن الله سبحانه وتعالى يكفي عبده من كل شيء, بلطفه الخفي والجلي، لكن كفاية الله سبحانه وتعالى للإنسان مثل سائر صفاته تحتاج إلى قابلية المكان, فالفيض من جانب الفيّاض مطلق، لكن الأمكنة القابلة تختلف في قبول ذلك الفيض، كما قال سبحانه: «أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا»(2).

وما يتصور من أنه تعالى قد لا يكفي عبده بحسب الظاهر، فربما يكون للتعويض بالأفضل في الدنيا لاحقاً أو في الآخرة، أو لدفع بلاء آخر أعظم، بل قد يكون ما لم يفعله الله تعالى متوهّماً عدم كفايته، مع أن عدم فعله هو بالكفاية حقاً.

وفي دعاء الافتتاح: «ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي، لعلمك بعاقبةالأمور»(3).

ص: 144


1- سورة الزمر: 36.
2- سورة الرعد: 17.
3- مصباح المتهجد: ج 2 ص579.

تسبيح الباري

مسألة: يستحب التسبيح بأن يقول: «سبحان الله».

والفرق بين (الحمد) و(التسبيح): أن الحمد ذكر الصفات الكمالية، والتسبيح تنزيه لله سبحانه عن النقائص، وإن كان كل واحد منهما ربما يطلق على الآخر إن انفردا بالذكر.

وذلك مثل: (الظرف والجار والمجرور)، و(الفقير والمسكين)، فإنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دَرَجَةٍ، وَيَخْلُقُ مِنْهَا طَائِراً فِي الْجَنَّةِ يُسَبِّحُ وَكَانَ أَجْرُ تَسْبِيحِهِ لَهُ»(1).

وقِيلَ لِلصَّادِقِ (عليه السلام): إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةَ عَارِضَيْهِ، فَقَالَ: «وَمَا فِي هَذَا مِنَ السَّعَادَةِ، إِنَّمَا السَّعَادَةُ خِفَّةُ مَاضِغَيْهِ بِالتَّسْبِيحِ»(2).وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ وَمَنِ اسْتَغْفَرَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ»(3).

ص: 145


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص182 ب29 بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْبِيحِ ح9063.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص182 ب29 بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْبِيحِ ح9064.
3- وسائل الشيعة: ج 7 ص183 ب29 بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْبِيحِ ح9065.

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَدْ أَنِفَ لِلَّهِ وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَنْصُرَهُ»(1).

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَعَجُّبٍ، خَلَقَ اللَّهُ مِنْهَا طَائِراً أَخْضَرَ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّ الْعَرْشِ يُسَبِّحُ فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(2).

هو الأعلى

مسألة: يجب الاعتقاد بأن الله تعالى هو الأعلى.

ومن الواضح أنه لا أعلى من الله سبحانه وتعالى.وربما تكون تكبيرة الإحرام : (الله أكبر) إشارة إلى ذلك، فإن حذف المتعلق يفيد العموم.

وكلما تواضع الإنسان أكثر في ظاهره وباطنه وراعى العبودية أزيد، يدرك علوّ الله سبحانه وتعالى أكثر، فيزداد بذلك درجات.

وقد ورد أنه لما نزلت كلمة (الأعلى) في الآية المباركة, قال النبي (صلى الله عليه وآله): «اجعلوها في سجودكم»(3).

ففي السجود يكون الإنسان في غاية التواضع لله عزّ وجلّ، فعليه أن يذكر الله سبحانه بقوله: «سبحان ربي الأعلى وبحمده».

ص: 146


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص183 ب29 بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْبِيحِ ح9066.
2- وسائل الشيعة: ج 7 ص183 ب29 بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْبِيحِ ح9067.
3- علل الشرائع: ج2 ص333 ب30 ح6.

حسبي الله

مسألة: يلزم الإعتقاد بأن الله حسبه وكفى.

ومعنى (حسبه) أنه لا يحتاج إلى غيره واقعاً إطلاقاً، فإن الله سبحانه وتعالى هو القادر على أن يفيض على الإنسان كل ما يحتاج إليه، فإن (حسبي) مشتق من الحساب، ومعنى: (حسبه وكفى): كفاه عن غيره، فهو في الحساب كافٍ للإنسان، وهذا لا ينافي العلل الطبيعية، فإنها بإذن الله، وهي في طول إذنه ومشيئته عزوجل.

قال تعالى: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ»(1).

وقال سبحانه: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ»(2).

ما شاء الله

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن ما شاء الله قضى.

فإن مشيئة الله سبحانه وتعالى ماضية في كل ما أراده عزّ وجلّ، إذ له الخلق والأمر، فما شاء سبحانه قضاه، أما ما شاء غيره فربما يكون وربما لا يكون،حسب إذن الله وعدمه.

وقد ذكرنا في بعض كتبنا الفرق بين القضاء والقدر(3)، وأن القدر

ص: 147


1- سورة الأنفال: 17.
2- سورة الإنسان: 30.
3- راجع موسوعة (الفقه) كتاب العقائد.

كالهندسة حيث يقدّر المهندس الأبعاد والحدود وغيرها، وأما القضاء فهو الإنفاذ.

وإن كانت له معان عديدة أخرى، وأنه الجامع بين القضاء التشريعي كما في «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ»(1).

والتكويني ك: «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ»(2)، وقد فُسّر الأول ب (حَكَمَ) أو (أَمَرَ)(3) والثاني ب (خَلَقَ)(4).

سميع الدعاء

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله سبحانه سميع الدعاء.

فإنه عزّ وجلّ سميع لكل صوت، دعاءً وغير دعاء, أما أنه سميع الدعاء فهو من باب المصداق، فكل ما يقبل السمع فإنه تعالى يسمعه، كما أن كل ما يقبل البصر فالله يبصره، وكذلك كلما يقبل العلم فالله يعلمه وهكذا، ولا يبعد أن يكون لفظ (سميع) قد أُشرب معنى الاستجابة، إضافة إلى دلالة (فعيل) على الكثرة.

ص: 148


1- سورة الإسراء: 23.
2- سورة فصلّت: 12.
3- قال الشيخ الكفعمي في المصباح: ص345: (ومنه: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ» أي حكم وأمر ووصى).
4- قال الشيخ علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: ج2 ص263: وقد سُئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) عمّن كلّم الله لا من الجن ولا من الأنس، فقال: «السماوات والأرض في قوله: «اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ» أي فخلقهن «سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ» ».

فعّال أو مفعال أو فعول *** في كثرة عن فاعل بديل

فيستحق ما له من عمل *** وفي فعيل قلّ ذا وفعل(1)

لا ملجأ إلا إليه

مسألة: يلزم الاعتقاد بأنه ليس من الله ملجأ، ولا من ورائه ملتجأ.

فإنه تعالى وحده هو الذي يتمكن منإجارة من التجأ إليه, أما غيره فربما يلتجأ الإنسان إليه وهو يريد أن يجيره لكنه لا يتمكن من إجارته, أو يتمكن من إجارته لكنه لا يجيره.

والعقل هو الحاكم بأنه «لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاّ إِلَيْهِ»(2) مطلقاً، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، وما يتصور ملجأً غيره فإنه في ظاهر الأمر دون باطنه، مضافا إلى كونه ليس بالاستقلال كما هو واضح.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام):

«إِذَا تَوَسَّدَ الرَّجُلُ يَمِينَهُ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ، رَهْبَةً مِنْكَ وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، ثُمَّ سَبَّحَ تَسْبِيحَ الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)

ص: 149


1- شرح ابن عقيل: ج2 ص111، وقد قال في شرح هذين البيتين: (يصاغ للكثرة: فعال، ومفعال، وفعول، وفعيل، وفعل، فيعمل عمل الفعل على حد اسم الفاعل، وإعمال الثلاثة الأول أكثر من إعمال فعيل وفعل، وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعل).
2- سورة التوبة: 118.

وَمَنْ أَصَابَهُ فَزَعٌ عِنْدَ مَنَامِهِ فَلْيَقْرَأْ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ»(1).

التوكّل على الله

مسألة: يستحب التوكّل على الله تعالى.

ومعنى التوكّل أن يعمل الإنسان بقانون الأسباب والمسببات التي سنها الباري عزوجل، ويكل إليه سبحانه كلما ليس بيده ليكفيه.

وفي الآية الكريمة: «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ»(2).

وقد لخّص النبي (صلى الله عليه وآله) مورد التوكل بقوله: «اعقل وتوكل»(3).

أما إذا كان الإنسان لا يعمل ما بإمكانه أن يعمله ثم يقول: توكّلت على الله، فهو ليس من التوكّل في شيء.

قال تعالى: «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا»(4).

وفي الأثر: «أبى الله أن يجري الأمور إلاّ بأسبابها»(5).

وكلما ازداد توكل الإنسان على الله تعالى، كان حظّه من كفايته أكبر وأكثر.

ص: 150


1- وسائل الشيعة: ج6 ص447 ب12 باب استحباب الدعاء بالمأثور عند النوم ح8405.
2- سورة الطلاق: 3.
3- غوالي اللئالي: ج1 ص75 ح149.
4- سورة الكهف: 89، 91.
5- شرح أصول الكافي: ج8 ص209.

كل الأمور بيده

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن جميع الأمور بيد الله تعالى، «مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا»(1).

والاستحباب والوجوب كل في مورده كما سبق في مباحث سابقة.

ثم «مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا» من باب المثال, وإلاّ فكل شيء بيده سبحانه وتعالى، دابة كانت أو غيرها, كما قال الحاج السبزواري:

أزمة الأمور طُرّاً بيده والكل مستمدة من مدده

والأخذ بالناصية كناية عن التوجيه كيف يشاء، لأن الإنسان إذا أخذ بناصية إنسان أو حيوان يكون زمامه بيده يوجهه إلى حيث شاء، ذات اليمين وذات الشمال، والخلف والأمام، والفوق والتحت من الجهات الست.

وتخصيص (الدابة) للذكر ربما لكونها مجال توهم لأن أمرها بيدها دون الجامدات، فاقتضى التنصيص عليها(2).

ومن الواضح أن (آخِذٌ) نص في القيمومة الفعلية، وبذلك وغيره -وبالعقل أيضاً - يُنفى (التفويض) المطلق.

قال تعالى: «للهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد»(3).

ص: 151


1- سورة هود: 56.
2- أي على الدابة.
3- سورة الروم: 4.

وقال سبحانه: «قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للهِ»(1).

وفي نهج البلاغة: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ الْآنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ، وَأَحْضَرُهُمْ بِالْكِفَايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ، وَتَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ، وَتَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ، فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ، إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ الْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ، وَإِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى الِاسْتِجَارَةِ بِكَ، عِلْماً بِأَنَّ أَزِمَّةَ الْأُمُورِ بِيَدِكَ، وَمَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ، اللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي، وَخُذْ بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُكْرٍ مِنْ هِدَايَاتِكَ، وَلَا بِبِدْعٍ مِنْ كِفَايَاتِكَ، اللَّهُمَّ احْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ، وَلا تَحْمِلْنِي عَلَى عَدْلِك»(2).

صراط الله

مسألة: يجب الاعتقاد بأن الصراط الصحيح هو: صراط الله.

قال سبحانه: «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»(3).

أما الصراط الذي هو من غير الله سبحانه، فإنه صراط منحرف. وما كان من الله، أعم من كونه بالفطرة أو بما يستقل به العقل أو بالإلهام الصحيح أو

ص: 152


1- سورة آل عمران: 154.
2- نهج البلاغة: ص349 الخطبة 227 من دعاء له (عليه السلام) يلجأ فيه إلى اللّه ليهديه إلى الرشاد.
3- سورة الأنعام: 153.

بالنقل عبر الرسل والأوصياء (عليهم السلام).

ثم إن الصراط وإن كان يمكن أن يكون ملتوياً, لكن الله سبحانه لا صراط ملتوي له إطلاقاً، فإن صراط الله مستقيم, وصراط غير الله سبحانه وتعالى منحرف لا يوصل إلى المقصود أبداً.

والصراط المستقيم لله عزّوجل هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كما في الروايات.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ» قال: «هو أمير المؤمنين عليه السلام»(1). لأنهم (عليهم

السلام) الصراط إلى الله، والأدلاء على الله.

وعن بريدة في قول الله: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ» قال:«صراط محمد وآله»(2).

وعن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الله واحد، أحد، متوحّد بالوحدانية، متفرّد بأمره، خلق خلقاً ففوّض إليهم أمر دينه، فنحن هم يا ابن أبي يعفور، نحن حجة الله في عباده، وشهداؤه على خلقه، وأمناؤه على وحيه، و خزّانه على علمه، ووجهه الذي يؤتي منه وعينه في بريته، ولسانه الناطق، وقلبه الواعي، وبابه الذي يدل عليه، ونحن العاملون بأمره، والداعون إلى سبيله، بنا عُرف الله، وبنا عُبد الله، نحن الأدلاء على الله، ولولانا ما عبد الله»(3).

ص: 153


1- معاني الأخبار: ص32 ح3.
2- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص271.
3- ففي كتاب التوحيد ص152 باب تفسير قول الله عز جل «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» ح9.

ولا يخفى أن القول بأن صراط الله هو صراط علي (عليه السلام)، متضمن أو لازم لكونه صراط رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه، لأن علياً (عليه السلام) باب مدينة علم الرسول(1)، ووصيه ووارثه(2)،فالتصريح بهذا يتضمن ذاك وزيادة في مرحلة الإثبات وإن كان في الثبوت صراط واحد يشار إليه بتعبيرين.

ثم إن الاعتقاد إجمالاً بأن صراط الله هو الصراط المستقيم واجب، وأما الاعتقاد التفصيلي فقد يفرق بين الواجب والمستحب، لكن الظاهر وجوب الاعتقاد بأن كل ما شرّعه الله واجباً كان أو مستحباً أو غيرهما فهو صحيح.

لا ولد له

مسألة: يحرم القول بأن الله عزّ وجلّ اتخذ ولداً.

وكذلك يحرم القول بأن الله اتخذ أباً أو أخاً أو أماً أو ما أشبه من الأقرباء، وكذلك الوزراء ونحوهم, بل ذلك من (الكبائر) التي أوجب عليها الله تعالى النار.

وهذا مربوط بالاعتقاد وليس بالعمل فقط.قال تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ

ص: 154


1- روى الحاكم النيسابوري في المستدرك، وغيره في غيره، هذا الحديث المشهور، وقد رواه بعدة أسانيد عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب (فليأتها من بابها)». انظر (المستدرك على الصحيحين): ج3 ص126127.
2- فقد روى ابن عساكر في تاريخه ج42 ص392 عن بريدة أنه قال: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «إن لكل نبي وصياً ووارثاً وإن علياً وصيي ووارثي».

وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1).

وقال سبحانه: «وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(2).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً»(3)، قَالَ: هَذَا حَيْثُ قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّ لِلَّهِ وَلَداً وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَدّاً عَلَيْهِمْ: «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» أَيْ عَظِيماً «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ...» مِمَّا قَالُوا «أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً» فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً»(4) وَاحِداً وَاحِداً»(5).

وعَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه

السلام) يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْيَلِدْ فَيُورَثَ، وَلَمْ يُولَدْ فَيُشَارَكَ»(6).

ص: 155


1- سورة المائدة: 73.
2- سورة التوبة: 30.
3- سورة مريم: 88.
4- سورة مريم: 89 - 95.
5- بحار الأنوار: ج3 ص255 ب8 ح1.
6- بحار الأنوار: ج3 ص255 ب8 ح2.

لا شريك له

مسألة: يحرم القول بأن لله شريك.

فإنه سبحانه وتعالى «لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا»(1).

سواء كانت شركة في الذات، أم شركة في الصفات، أم شركة في الأفعال، أم شركة في العبادة، شريكاً قوياً، أم شريكاً ضعيفاً، موجوداً معه منذ الأزل أم لاحقاً به، وهذا في قبال الوثنيين والثنويين وغيرهم ممن يجعلون لله شريكاً.

قال تعالى: «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(2).

وقال سبحانه: «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ باللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً»(3).

وعَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام): «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» مَا مَعْنَى الْأَحَدِ، قَالَ: «الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، أَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْمَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر

ص: 156


1- سورة الإسراء: 111.
2- سورة آل عمران: 64.
3- سورة النساء: 48.

َ لَيَقُولُنَّ اللهُ» بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ شَرِيكٌ وَصَاحِبَةٌ؟!»(1).

لا ولي له من الذل

مسألة: يحرم القول بأن لله ولي من الذل.

فإن الولي قد يكون ولياً ناشئاً من الذل، حيث إن الإنسان ذليل فيحتاج إلى الولي، وهذا المعنى لا يتصور بالنسبة إلى الباري عز وجل، فإنه الغني المطلق كما هو بديهي.

أما (ولي الله) بمعنى ولي من الله، أو المنسوب إلى الله، أو المجعول من قبل الله، أو بمعنى نصير الله أي نصير دين الله(2) فهذا صحيح، فإن كل مؤمن هو ولي من أولياء الله تعالى، كما قال سبحانه :«أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»(3)، ولكن الفرق بالدرجات، ومثل الرسول وعلي وآلهما (عليهم جميعاً صلوات الله) هم أولياء الله(4) بقولمطلق بكل تلك المعاني السابقة.

ص: 157


1- بحار الأنوار: ج3 ص208 ب6 ح1.
2- وكذا بمعنى (محب الله).
3- سورة يونس: 62.
4- فقد روى الشيخ الكليني في الكافي: ج4 ص579 باب القول عند قبر أبي الحسن موسى وأبي جعفر الثاني (عليهما السلام) وما يجزئ من القول عند كلهم (عليهم السلام) ح2 عن الرضا (عليه السلام) قال: «سُئل أبي، عن إتيان قبر الحسين (عليه السلام) فقال: صلّوا في المساجد حوله ويجزئ في المواضع كلها أن تقول: " السلام على أولياء الله وأصفيائه، السلام على أمناء الله وأحبائه، السلام على أنصار الله وخلفائه، السلام على محالّ معرفة الله، السلام على مساكن ذكر الله، السلام على مظاهر أمر الله ونهيه، السلام على الدعاة إلى الله، السلام على المستقرين في مرضات الله، السلام على الممحصين في طاعة الله، السلام على الأدلاء على الله، السلام على الذين من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جهلهم فقد جهل الله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ومن تخلّى منهم فقد تخلّى من الله، اُشهد الله أني سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم مؤمن بسرّكم وعلانيتكم، مفوّض في ذلك كله إليكم، لعن الله عدو آل محمد من الجن والإنس، وأبرؤ إلى الله منهم، وصلى الله على محمد وآله».

ومن الواضح انه إذا كان (الولي) من هذا الجانب صادقاً، يكون من الجانب الآخر أيضاً صادقاً، لأنه من المتضايفين، فكلما تحقق أحدهما تحقق الآخر وصحت النسبة.

قال تعالى: «وَقُلِ الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً»(1).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): فيتفسير الآية(2): «لَمْ يَذِلَّ فَيَحْتَاجَ إِلَى وَلِيٍّ فَيَنْصُرَهُ»(3).

استحباب التكبير

مسألة: يستحب التكبير، وربما وجب.

والتكبير عبارة عن أن يكبّر الإنسان الله سبحانه وتعالى في قلبه وفي لسانه ويجسده في عمله.

ص: 158


1- سورة الإسراء: 111.
2- سورة الإسراء: 111.
3- تفسير القمي: ج2 ص30.

ويوضّح ذلك ما ورد من أدعية النبي (صلى الله عليه وآله)(1)، والصديقة فاطمة (صلوات الله عليها)(2)، والأئمة الطاهرين (عليهم الصلاةوالسلام)(3)، فإن فيها تكبير الله عزّ وجلّ.

بين المقتضي والعلة التامة

مسألة: الظاهر أن (فيضرّه) من باب المقتضي لا العلة التامة، ويمكن توجيهه حتى عليها، وذلك بما يوجّه به مثل: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ»(4)، من التعميم في الاستجابة إلى ما يشمل البديل.

ص: 159


1- وهي كثيرة لا تحصى، ومن أهمها ما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة: ج6 ص123 ب51 من أبواب القراءة في الصلاة ح3، عن محمد بن عمران في حديث أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال: «إنما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عز وجل فدهش فقال: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر" فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة».
2- روى الشيخ البرقي في المحاسن: ج1 ص36 باب ثواب تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) ح35 ما نصه: عن محمد بن عذافر، قال: دخلت مع أبي على أبي عبد الله (عليه السلام)، فسأله أبي عن تسبيح فاطمة (عليها السلام)، فقال: «الله أكبر»، حتى أحصاها أربعة وثلاثين، ثم قال: «الحمد لله»، حتى بلغ سبعة وستين، ثم قال: «سبحان الله»، حتى بلغ مائة، يحصيها بيده جملة واحدة.
3- فلا يخلو عادة دعاء لهم (عليهم السلام) من التكبير، فانظر مثلاً: مصباح المتهجد، مصباح الكفعمي، مفاتيح الجنان، الدعاء والزيارة، وغيرها.
4- سورة غافر: 60.

يا أعز مذكور

اشارة

روى الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) عن أمه فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها قالت: «قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة ألا أعلمك دعاءً لا يدعو به أحد إلاّ استجيب له, ولا يحيك في صاحبه سم ولا سحر, ولا يعرض له شيطان بسوء, ولا ترد له دعوة, وتقضى حوائجه التي يرغب فيها إلى الله تعالى كلها عاجلها وآجلها.

قلت: أجل يا أبة، لَهذا واللهِ أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها.

قال: تقولين: "يَا اللهُ، يَا أعَزَّ مَذْكُورٍ وَأقْدَمَهُ قِدَماً في الْعِزِّةِ وَالجَبَرُوتِ، يَا اللهُ، يَا رَحِيمَ كُلِّ مُسْتَرْحِمٍ، وَمَفْزَعَ كُلِّ مُلْهُوفٍ، يَا اللهُ، يَا رَاحِمَ كُلِّ حَزِين يَشْكُو بَثَّه وَحُزْنَهُ إلَيْهِ، يَا اللهُ، يَا خَيْرَ مَنْ طُلِبَ المَعْرُوفُ مِنْهُ وَأسْرَعَهُ إعْطَاءً، يَا اللهُ، يَا مَنْ تخَافُ المَلائِكَةُ المُتَوَقِّدَةُ بِالنّورِ مِنْهُ، أَسْأَلُكَ بِالأَسْماءِ الّتي يَدْعُوكَ بِها حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَمَنْ حَوْلَ عَرْشِكَ، يُسَبِّحُونَ بها شَفَقَةً مِنْ خَوْفِ عَذابِكَ، وَبِالأَسماءِ الّتي يَدْعُوكَ بِها جَبْرَئيلُ وَميكائيلُ وَإسْرافيلُ إلاّ أَجَبْتَني وَكَشَفْتَ يا إلهي كُرْبَتي وَسَتَرْتَ ذُنُوبي، يَا مَنْ أَمَرَ بِالنَّصيحَةِ في خَلْقِهِ فَإذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ يُحْشَرونَ، أَسْأَلُكَ بِذلِكَ الاسْمِ الَّذي تُحْيي بِهِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيم، أَنْ تُحْييَ قَلْبي وَتَشْرَحَ صَدْري وَتُصْلِحَ شَأْني، يَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهَ بِالْبَقاءِ، وَخَلَقَ لِبَريّتِهِ الْمَوْتَ وَالْفَناءَ، يَا مَنْ فِعْلُهُ قَوْلٌ، وَقَوْلُهُ أَمْرٌ، وَأَمْرُهُ ماضٍ عَلَى مَا يَشَاءُ، أَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الَّذي دَعَاكَ بِهِ خَلِيلُكَ حينَ أُلْقِيَ في النَّارِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَقُلْتَ: يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى

ص: 160

إِبْراهِيمَ، وَبِالاسْمِ الَّذي دَعَاكَ بِهِ مُوسَى مِنْ جَانِبِالطّورِ الأَيْمَنِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ دُعاءَهُ، وَبِالاسْمِ الَّذي كَشَفْتَ بِهِ عَنْ أيّوبَ الضُّرَ، وَتُبْتَ بِهِ عَلَى داوُدَ، وَسَخَّرْتَ بِهِ لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ تَجْري بِأَمْرِهِ وَالشّياطِينَ، وَعَلَّمْتَهُ مَنْطِقَ الطَّيرِ، وَبِالاسْم الَّذي وَهَبْتَ بِهِ لِزَكَريّا يَحْيى، وَخَلَقْتَ عِيسَى مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ مِنْ غَيرِ أَبٍ، وَبِالاسْمِ الَّذي خَلَقْتَ بِهِ الْعَرْشَ وَالْكُرْسِيّ، وَبِالاسْمِ الَّذي خَلَقْتَ بِهِ الرُّوحانِيّينَ، وَبِالاسْمِ الَّذي خَلَقْتَ بِهِ الجِنَّ وَالإنْسَ، وَبِالاسْمِ الَّذي خَلَقْتَ بِهِ جَميع الخَلْقِ، وَجَمِيعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ شَيْ ءٍ، وَبِالاسْمِ الَّذي قَدَرْتَ بِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الأسْماءِ لمَاّ أَعْطَيْتَني سُؤْلي وَقَضَيْتَ بِها حَوَائِجِي يَا كَرِيمُ".

فإنه يقال لك: يا فاطمة، نعم نعم»(1).

-------------------------------------------

أدعية الاستجابة والحفظ

مسألة: يستحب قراءة الأدعية المأثورة لاستجابة الدعاء والحفظ من الشرور.

وقد سبق أن المراد في أمثال هذه الروايات الاقتضاء لا العلية التامة.

فإن المعنويات كالماديات، فكما أنه إذا قيل: الدواء الفلاني علاج المرض الفلاني، لا يراد على إطلاقه, بل المراد مع توفر الشرائط وانتفاء الموانع، كذلك بالنسبة إلى الدعاء.

وبعبارة أخرى: يراد أنه مع توفركافة الشروط وانتفاء الموانع، الظاهرة والباطنة، لا بد من حصوله، لكنه بمفرده مقتضٍ.

ص: 161


1- دلائل الإمامة: ص73 - 75 مسندها (عليها السلام) ح12.

ثم إنه يلزم العمل أيضاً في كل موضع حسب ما يقتضيه، مضافاً إلى الدعاء، حتى يستجاب للإنسان ويحفظ من الشرور، أما مجرد الدعاء الخالي عن العمل فإنه بوحده لا يكفي.

فإن الله سبحانه وتعالى جعل المعنويات والماديات متقارنة أحدهما بجنب الآخر, وجعل لكل منهما أسباباً، فإذا عمل الإنسان في الماديات والمعنويات عبر أسبابها وصل إلى الهدف المطلوب.

وهكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، ولذا أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بكل أسباب الفوز المادية في حرب بدر(1) وغير بدر، وفي

ص: 162


1- فقد ورد في بحار الأنوار: ج19 ص221- 222 ب10 غزوة بدر الكبرى: قال ابن عباس: لما كان يوم بدر واصطّف القوم للقتال قال أبو جهل: اللهم أولانا بالنصر فانصره، واستغاث المسلمون، فنزلت الملائكة ونزل قوله: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ» إلى آخره، وقيل: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض». فما زال يهتف ربه مادّاً يديه حتى سقط رداؤه من منكبه، فأنزل الله تعالى: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ» الآية. وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ولما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجنّه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس، وكانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا تثبت فيه قدم، فأنزل الله عليهم المطر رذاذاً حتى لبد الأرض - لبد أي لصق بعضه ببعض - وثبتت أقدامهم، وكان المطر على قريش مثل العزالي، - جمع العزلاء وهو مصبّ الماء من القربة ونحوها إشارة إلى كثرة المطر وشدّته - وألقى الله في قلوبهم الرعب، كما قال: «سُألْقِي فِي قُلوبِ الذينَ كَفَرُوا الرُّعبَ» الآية». ثم قال العلامة المجلسي (رحمه الله): قوله: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ» أي تستجيرون بربكم يوم بدر من أعدائكم و تسألونه النصر عليهم لقلتكم وكثرتهم، فلم يكن لكم مفزع إلاّ التضرّع إليه، والدعاء له في كشف الضر عنكم، «فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ» أي مرسل إليكم مدداً لكم «بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ» أي متبعين ألفاً آخر من الملائكة، لأن مع كل واحد منهم ردف له، وقيل: معناه مترادفين متتابعين، وكانوا ألفاً بعضهم في أثر بعض، وقيل: بألف من الملائكة جاؤوا على آثار المسلمين، «وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ» أي ما جعل الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر، ولتسكن به قلوبكم، وتزول الوسوسة عنها، وإلاّ فملك واحد كاف للتدمير عليهم كما فعل جبرئيل (عليه السلام) بقوم لوط فأهلكهم بريشة واحدة).

نفس الوقت كان يدعو أيضاً بل ويكثرمن الدعاء.

أما توهم أن الدعاء بوحده يكفي عن العمل، أو العمل بوحده يكفي عن الدعاء، فهو خلاف الآيات والروايات، وخلاف الحكمة والعقل والسنن الإلهية، وخلاف التجربيات الكثيرة في قصص غير محصورة.

وهذا حسب الأصل، وكما أن لكل قاعدة استثناءً، فهما أيضاً قابلان للاستثناء لمصالح، فقد يستجاب الدعاء وحده، وقد ينفع العمل وحده، والتفصيل موكول إلى المفصلات.

ثم إن العمل بدون الدعاء قد يوصل للمطلوب، لكنه لو كان مع الدعاء لخلا من المفاسد المقارنة والأضرار اللاحقة.

الدعاء للماديات

مسألة: يستحب الدعاء للماديات أيضاً، كما قال (صلى الله عليه وآله): «لايحيك في صاحبه سمّ ولا سحر»، ولإطلاقات أدلة الأدعية، مثل قوله تعالى: «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ»(1).

ص: 163


1- سورة الفرقان: 77.

كما يستحب الدعاء لنفسه ولغيره، لكل صغيرة وكبيرة، للإطلاقات وغيرها، وفي الحديث: الأمر بالدعاء حتى في قطعشسع نعله، وفي علف شاته وملح عجينه وطعامه.

قال النبي (صلى الله عليه وآله): «سلوا الله عز وجل ما بدا لكم من حوائجكم حتى شسع النعل، فإنه إن لم ييسره لم يتيسر»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع»(2).

وفي الحديث القدسي: «يا موسى سلني كلما تحتاج إليه حتى علف شاتك وملح عجينك»(3).

وربما يقال: بوجوب الدعاء فيما لو كان المحتمل خطيراً، وكان الاحتمال بدفعه بالدعاء عقلائياً، بل وإن كان ضعيفاً في الجملة، حسب قاعدة (الاحتمال الضعيف في المحتمل الخطير منجز) أي إذا كان في الشؤون الخطيرة، لكن يضعفه عدم القول به، فتأمل(4).

ص: 164


1- مكارم الأخلاق: ص270.
2- مستدرك الوسائل: ج5 ص172 ب4 ح3 م5596.
3- عدة الداعي: ص134.
4- لعل من وجونه التأمل ما ذكره السيد مرتضى الفيروز آبادي في عناية الأصول: ج3 ص278: (ومن هنا يظهر أن العبرة في حكم العقل بوجوب الدفع وعدمه هو قوة المحتمل وعدم قوته، لا قوة الاحتمال وعدم قوته، كما هو ظاهر الأصحاب، حيث أطبقوا على وجوب دفع الضرر المظنون واختلفوا في المحتمل منه وأطبقوا على عدم وجوب دفع موهومه).

حفظ النفس

مسألة: يستحب أو يجب حفظ النفس من السم والسحر ومن أن يعرض له الشيطان بسوء.

والاستحباب فيما إذا كان الضرر قليلاً, أما إذا كان الضرر كثيراً فالواجب حفظ النفس من ذلك, نعم يمكن أن يقال: بوجوب حفظ النفس من السحر ولو كان ضرره قليلاً باعتبار أن السحر محرم، والتحفّظ عن المحرم واجب من باب المقدمة فتأمل(1)، فإنه يحتاج إلى نوع تأويل والتواء والمقدمية في عمل السحر لا في تعلقه.

وفي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام): «ثُمَّ أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ لِنَفْسِكَ مِنْ قَرْنِكَ إِلَى قَدَمِكَ، عَلَى اخْتِلافِ جَوَارِحِكَ، فَجَعَلَ لِبَصَرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِسَمْعِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِلِسَانِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِيَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِرِجْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِبَطْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِفَرْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، فَهَذِهِ الْجَوَارِحُ السَّبْعُ الَّتِي بِهَا تَكُونُالْأَفْعَال»(2).

وروي أنَّ سَلْمَانَ (رضوان الله عليه) جَاءَ زَائِراً لِأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُبْتَذِلَةً، فَقَالَ مَا شَأْنُكِ، قَالَتْ: إِنَّ أَخَاكَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، قَالَ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَحَّبَ بِسَلْمَانَ وَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَاماً، فَقَالَ لَهُ

ص: 165


1- إشارة إلى ما هو المشهور بين الأصوليين من أن مقدمة الحرام ليست بمحرمة، إلا أن البعض قال بالتفصيل بين مقدمة الحرام التوليدية وغيرها.
2- مستدرك الوسائل: ج11 ص154 ب3 بَابُ جُمْلَةٍ مِمَّا يَنْبَغِي الْقِيَامُ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَة ح12664.

سَلْمَانُ: اطْعَمْ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا طَعِمْتَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: وَبَاتَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْلُ قَامَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَحَبَسَهُ سَلْمَانُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى أَبُو الدَّرْدَاءِ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ سَلْمَانُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ سَلْمَان (1).

يا أبه

مسألة: يستحب للبنت أن تخاطب أباهابكلمة «يا أبة»(2).

وبتنقيح المناط يفهم استحباب أن يخاطب بعض الأرحام بعضهم بلفظ يوجب الاحترام ويشدّ أواصر المحبة، بل لعله يفيد الأعم من ذلك في خطاب بعض الناس بعضهم.

ويؤيده إطلاقات أدلة احترام الغير، خصوصاً إذا كان الخطاب باللفظ المجرّد عن الاحترام موجباً للأذية لهم، فقد يكون ذلك واجباً بمعنى حرمة الأذية.

وحيث قد مضى في الأجزاء السابقة التفصيل، نكتفي بهذا القدر.

ص: 166


1- تنبيه الخواطر: ج1 ص2.
2- يا أبة: العرب تأتي بعلامة التأنيث عوضاً عن ياء الإضافة وكذا في الأم تقول: يا أمة، وتقف عليها بالهاء، إلا في القرآن الكريم فإنك تقف عليها بالتاء اتباعاً للرسم القرآني.

بين الدعاء والدنيا

مسألة: يستحب أن يكون الدعاء والارتباط بالله عزوجل أحبّ إلى الإنسان من الدنيا وما فيها.

قال تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»(1).

فإن الارتباط المعنوي بالله سبحانه وتعالى موجب للقرب إليه تعالى، بل هو نوع شكر لنعمه سبحانه، ثم إنه ألّذ شيء للإنسان لو عقل وشعر، مما ليست الدنيا وما فيها شيئاً من تلك اللذة المعنوية، والإنسان بفطرته وبعقله يطلب اللّذة ويدفع الألم سواء، لجسده أم لروحه.

وإن كان هناك خلاف في أن اللذة تقابل الألم, أو أنها عدم الألم، وهو بحث حِكَمي لا يرتبط بالمقام(2).

لا يقال: كون الدعاء أو غيره أحب، غير اختياري فلا يصح الحكم باستحبابهأو وجوبه؟

لأنه يقال: بل هو اختياري باختيارية مقدماته، ومنها التلقين والإيحاء وما

ص: 167


1- سورة التوبة: 24.
2- كشف المراد: ص250 المقصد 2، الفصل 5، المسالة 24، الحكمة المتعالية: ج4 ص117 الفصل 4.

أشبه.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) رَجُلاً دَعَّاءً»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي رِسَالَةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوهُ، وَقَدْ وَعَدَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ الِاسْتِجَابَةَ، وَاللَّهُ مُصَيِّرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُمْ عَمَلًا يَزِيدُهُمْ فِي الْخَيْرِ»(2).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «الدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ بَعْدَ مَا أُبْرِمَ إِبْرَاماً، فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ مِفْتَاحُ كُلِّ رَحْمَةٍ، وَنَجَاحُ كُلِّ حَاجَةٍ، وَلَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِالدُّعَاءِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بَابٌ يُكْثَرُ قَرْعُهُ إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبِهِ»(3).وقَالَ الْبَاقِرُ (عليه السلام): «وَلا تَمَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ»(4).

وقَالَ الْبَاقِرُ (عليه السلام) لِبُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقَدْ سَأَلَهُ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ أَمْ كَثْرَةُ الدُّعَاءِ، فَقَالَ: «كَثْرَةُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ»، ثُمَّ قَرَأَ: «قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ»(5)»(6).

ص: 168


1- وسائل الشيعة: ج 7 ص26 ب2 بَابُ اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاء ح8609.
2- وسائل الشيعة: ج7 ص26 ب2 بَابُ اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاء ح8612.
3- وسائل الشيعة: ج7 ص27 ب2 بَابُ اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاء ح8613.
4- وسائل الشيعة: ج7 ص27 ب2 بَابُ اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاء ح8617.
5- سورة الفرقان: 77.
6- وسائل الشيعة: ج7 ص31 ب3 بَابُ اسْتِحْبَابِ اخْتِيَارِ الدُّعَاءِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمُسْتَحَبَّة ح8630.

وعَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ادْعُ وَلا تَقُلْ قَدْ فُرِغَ مِنَ الأَمْرِ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(1)»(2).

الأدعية الطويلة

مسألة: يستحب الدعاء بالأدعية الطويلة، كما يستحب بالقصيرةوالمتوسطة، فإن في كل منها فوائد.

فالأدعية الطويلة تحتوي على تكلّم الإنسان مع رب الأرباب الله سبحانه أكثر، وعلى فترة أطول في تضرعه وعبادته، وهو مطلوب.

لكن من الواضح أن الدعاء الوارد إذا كان قصيراً لا ينبغي أن يزيد الإنسان عليه، بل عليه أن يلتزم باتباع الوارد.

بالإضافة إلى ما ورد من نهي الإمام (عليه الصلاة والسلام) من إضافة كلمة في الدعاء، فعن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق»، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول: «يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»، فقلت: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، قال: إن الله عز وجل مقلب

ص: 169


1- سورة غافر: 60.
2- وسائل الشيعة: ج7 ص34 ب6 بَابُ كَرَاهَةِ تَرْكِ الدُّعَاءِ اتِّكَالًا عَلَى الْقَضَاء ح8640.

القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»(1).

والحاصل: إن الأدعية توقيفية(2)،ولعلّ من أسباب ذلك أن الباب لو فتح للإضافة والنقيصة أو التغيير لأوجب الخراب والفساد في بناء الدعاء ومادته، أو في هيئته وصورته، وهو كخراب البناء المادي قبيح.

الدعاء المشتمل على أسماء الله

مسألة: يستحب الدعاء بمختلف أسماء الله تعالى، كما يستفاد ذلك من هذا الدعاء وأدعية أخرى(3).ومن المعلوم أن كل اسم لله سبحانه وتعالى منشأ أثر من الآثار، كما أشرنا

ص: 170


1- كمال الدين: ص352 ب33 ح49.
2- فإن الدعاء هو العبادة بل أفضلها، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل يقول: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»، قال: هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء»، قلت: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»، قال: «الأواه هو الدعّاء». الكافي: ج2 ص466 باب فضل الدعاء والحثّ عليه ح1.
3- قال الفيض الكاشاني (رحمه الله) في تفسيره الصافي: ج3 ص227 سورة الإسراء: («قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ» سموا الله بأي الاسمين شئتم فإنهما سيان في حسن الإطلاق والمعني بهما واحد «أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» أي: أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم فهو حسن فوضع موضعه، (فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه، فإنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها، و(ما) مزيدة مؤكدة للشرط، والضمير في (له) للمسمى، لأن التسمية له لا للاسم، ومعنى كون أسمائه أحسن الأسماء استقلالها بمعاني التمجيد والتعظيم والتقديس ودلالتها على صفات الجلال والإكرام).

إليه سابقاً, فقد ذكر بعض العلماء أن الإنسان إذا كرّر اسماً من أسماء الباري عزّ وجلّ أفاده فائدة خاصة متجانسة مع ما ترتبط بمعناه, مثلاً إذا قال كثيراً: يا عالم، أو يا كريم، أثّر في أن يكون المكرّر - بالكسر - عالماً أو كريماً، وهكذا في غيرهما من الأسماء، وذلك ليس من باب التلقين والإيحاء النفسي فقط، بل له الأثر الغيبي والوضعي.

عَنِ الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْماً، مَنْ دَعَا اللَّهَ بِهَا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَمَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ: «وَللهِ الْأَسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها»(1)»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ الْحَاجَةَ فَلْيُثْنِ عَلَى رَبِّهِ»، إِلَى أَنْ قَالَ: «وَأَكْثِرْ مِنْأَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ»(3).

ص: 171


1- سورة الأعراف: 180.
2- وسائل الشيعة: ج7 ص140 ب63 بَابُ اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ح8646.
3- وسائل الشيعة: ج7 ص140 ب63 بَابُ اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ح8647.

الدعاء والآيات القرآنية

مسألة: يستحب أن يتضمن الدعاء آيات قرآنية.

قال في الجواهر: (وأحسن الأدعية: الأدعية القرآنية، ثم الأدعية المأثورة عن النبي والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)، فهي شفاء لصدور العالمين، ونجاح لمطالب العابدين)(1).

فإن الآيات القرآنية فيها نور وشفاء وخواص عديدة أخرى، مضافاً إلى كونها من كلام الباري عزوجل، فإذا تضمّن الدعاء الآيات كان أقرب للإجابة.

ويرجح ذكر الآيات حتى في الأدعية غير الواردة، فإذا أراد الإنسان أن يدعو بدعاء من نفسه فمن المستحب أن يضمّنه آيات كريمة.

فإن اتباعهم (عليهم الصلاة والسلام) في كل شيء ومنه ما نحن فيه، مشمول لأدلة مطلق الاتباع، كقوله تعالى: «فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ»(2)، وقوله سبحانه: «وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»(3).ومن هنا كانت الأدعية المختصة بمكان أو زمان كأدعية مسجد الكوفة وغيره وأدعية الجمعة وغيرها، تقرأ في أماكنها وأوقاتها اتباعاً وتأسّياً، وإن جاز قراءتها في غيرهما على ما سبق من باب تعدد المطلوب.

كما يستحب أن يضمّن أدعيته غير الواردة، بعض الأدعية الواردة؛

ص: 172


1- جواهر الكلام: ج7 ص203.
2- سورة آل عمران: 31.
3- سورة الحشر: 7.

للإطلاقات.

مسائل عديدة أخرى

مسألة: يستحب الاستعلام لدى قصد التعليم، كما قال (صلى الله عليه وآله): «ألا أعلّمك»، وأما مع احتمال الإجابة بالنفي فيما ينبغي تعليمه، فلا.

مسألة: يستحب الحضّ في ضمن الاستعلام، فإن «ألا أعلمك» يتضمن الحث لمكانة (ألا).

مسألة: يستحب بيان فوائد الأدعية، حتى يكون ترغيباً في قراءتها، وفي تكرار ذكر الفوائد كلما اقتضى الأمر مزيد الثواب.

مسألة: يستحب قراءة الأحراز المأثورة في دفع الشيطان والعدو والأضرار المادية والمعنوية، وكلما أكثر منها كان أفضل، إلا أن يزاحم بالأهم.مسألة: يستحب تقبّل العلم والإصغاء إليه وإبداء الحبّ للتعلّم والرغبة فيه، كما فعلت الصديقة فاطمة (عليها السلام) حيث أظهرت حبها الشديد للدعاء بقولها: (لَهَذا والله أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها).

فائدة:

لا شك أن (وتقضى حوائجه التي يرغب فيها إلى الله تعالى) يراد به ما كان لصالحه منها دنيا وأخرى، لكن هل يشمل ذلك ما يدعوه الإنسان وهو في علم الله بضرره ديناً أو دنياً؟

قد يقال بالانصراف، خاصة مع وروده (وأصلح شأني) في الدعاء نفسه؛

ص: 173

فإن ما يتوهم من صلاح شأنه من باب الخطأ في التطبيق، لا يغيّر الواقع، لأن الألفاظ موضوعة لمسمياتها الثبوتية.

وقد يقال: إن مقتضى كرم الكريم، وقد ختم الدعاء ب (يا كريم)(1)، أن يقضي ما فيه نفع عبده دون ما يضرّه، وإن تصوّر العبد نفعه فيه، لكن للتأمل في ذلك مجال.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّأعزّ مذكور، وذلك مصداق، إذ إنه أعزّ من كل مذكور وغير مذكور.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ الأقدم، حيث كان ولم يكن شيء، والمراد ب (القدم) الذاتي أيضاً لا الزماني فقط.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن لله عزّ وجلّ العزّ والجبروت، وفي مثل هذا الاعتقاد الطريقية، إضافة إلى ما فيه من الموضوعية.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ رحيم كل مسترحم، ومثل هذا الاعتقاد يزيد الأمل بالله فيزيد الرغبة في الدعاء.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ مفزع كل ملهوف، وكونه مفزعاً شامل - في أصل الشمول، وان اختلاف النسب - المؤمن به والكافر، إذ رحمته وسعت كل شيء.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ راحم كل حزين.

والظاهر في هذه الثلاثة أنها أعم من البشر وغيرهم، والانصراف إن كان

ص: 174


1- وردت هذه الإضافة فيما رواه الشيخ الكفعي في مصباحه: ص303.

فبدوي.مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ خير من سُئل.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ الأسرع إعطاءً، وكلما حسن ظن الإنسان بالله تعالى أكثر كان أقرب إليه تعالى، وكانت دعواته أقرب للاستجابة.

مسألة: يستحب أن يكون الإنسان رحيماً للمسترحمين، ومفزعاً للملهوفين، وراحماً للمحزونين، وأن يعطي من سأله سريعاً، إلى غيرها من محاسن الأخلاق؛ نظراً لما ورد من «تخلّقوا بأخلاق الله» (1).

وعلى الإنسان إن لم يكن كذلك أن (يتطبع) كما ورد: «إن لم تكن حليماً فتحلّم»(2).

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ تخافه الملائكة المتوقدة بالنور، والباء يحتمل كونها سببية، ويحتمل كونها بمعنى (مع)، أما كيفية ذلك فمجهولة لنا.مسألة: ينبغي الخوف من الله عز وجل كما تخافه الملائكة، وهذا يعني الدوام، آناء الليل وأطراف النهار مدةً، وشدة الخوف كيفاً.

مسألة: يستحب دعاء الله بأسمائه التي تدعوه بها حملة العرش ولو إجمالاً، أي وإن لم يعلم تلك الأسماء تفصيلاً، بل يقول: كما ورد في هذا الدعاء.

ص: 175


1- بحار الأنوار: ج58 ص129.
2- قال عليه السلام: «إن لم تكن حليماً فتحلم، فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلاّ أوشك أن يكون منهم». نهج البلاغة: ج4 باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) ح207.

مسألة: يستحب الدعاء بالأسماء التي يدعو بها: جبرئيل و ميكائيل وإسرافيل (عليهم السلام)، ولو إجمالاً على ما سبق.

والظاهر: وجود خصوصية خاصة لتلك الأسماء أوجبت أن يلهموا بها أو يؤمروا بها خاصة.

مسألة: يستحب الدعاء بكشف الكربة، سواء كانت خاصة أم كانت عامة.

مسألة: يستحب الدعاء بستر الذنوب حتى الصغيرة منها، فإنه نوع اعتذار واستغفار.

مسألة: يستحب نداء الباري بما يذكّر بعظمته وعلوّ شأنه وجبروت سلطانه، كقوله: (يا من أمر بالصيحة..)، وفي ذلك تعظيم لله تعالى، وتحفيز على الخوف منه، وعلى طاعته واجتناب سخطه.مسألة: يستحب نداء الباري بما يتضمّن ما يدل على ضعف الإنسان كقوله: (أسألك بذلك الاسم الذي تحيي به العظام وهي رميم).

وقوله : (يا من خصّ نفسه بالبقاء، وخلق لبريته الموت والفناء)، فإن كل ما يذكّر الإنسان بضعفه أو يذكره بقدرة وعظمة خالقه، حسن مطلوب، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»(1).

مسألة: يستحب أن تشتمل الأدعية على المعارف مما يرتبط بأصول الدين وما أشبه.

مسألة: ينبغي في الحوزات العلمية وغيرها أن (تُدرَس) الأدعية و(تُدرَّس)،

ص: 176


1- سورة فاطر: 15.

كما يُدرّس المنطق والبلاغة، بل كما يُدرّس الفقه والأصول، لما فيها من المعارف، ولما توجبه من تهذيب النفس وحفظها عن الوقوع في المعاصي.

مسألة: يستحب وقد يجب ترويج الأدعية بالطبع والنشر والتوزيع وغيرها، كما ينبغي شرحها والتعليق عليها وترجمتها وغير ذلك.

مسألة: يستحب أن يدعو الإنسان بإحياء قلبه، وقد وردت في ذلك أدعية خاصة،منها ما ورد من تعليمه (صلى الله عليه وآله) دعاءً لمن شكى موت قلبه، فقرأه فاحتيى قلبه.

حيث روى الكفعمي في مصباحه: إن رجلاً رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه فقال يا رسول الله علمني شيئاً يحيي به الله تعالى قلبي، فقال: قل: «يَا حَيُ يَا قَيُّومُ، يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُحْيِيَ قَلْبِي، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد» فقال ذلك ثلاثة أيام، فأحيا الله تعالى قلبه(1).

مسألة: يستحب الدعاء بشرح الصدر، فإن شرح الصدر مطلوب، ويوجب المحبة في قلوب المؤمنين بل وسائر الناس، كما يوجب القرب إليه تعالى، قال تعالى: «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي»(2).

مسألة: يستحب الدعاء بإصلاح الشأن، والمراد به الأعم من شأنه الفردي والعائلي، ومن شأنه المادي والمعنوي وغيرها.

مسألة: يستحب أن يشتمل الدعاء على ما يدل على قدرة الله تعالى، وسائر صفاته الجمالية أو الجلالية حسب اقتضاء المقام، كقوله: (يا من فعله

ص: 177


1- مصباح الكفعمي: ص198، المجتنى: ص20.
2- سورة طه: 2526.

قول، وقوله أمر..).

مسألة: يستحب أن يُقسم الإنسان على الله بأسمائه التي دعا بها الأنبياء من إبراهيم (عليه السلام) وموسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله)، وفي ذلك نوع ربط للإنسان بأنبياء الله العظام.

مسألة: يستحب بيان قصة إبراهيم (عليه السلام) وكيف أن الباري عزّ وجلّ نجّاه من النار، استجابةً لدعائه.

مسألة: يستحب التذكير بقصة موسى (عليه السلام) وتأثير دعائه في الإجابة.

مسألة: يستحب الإرشاد بقصة عيسى (عليه السلام) وأن من أسمائه تعالى ما يكون به الخلق.

مسألة: يستحب توضيح قصة داود (عليه السلام) وأن من أسمائه ما يكون به التوبة.

مسألة: يستحب الإعلام بقصة سليمان (عليه السلام) وما سخّر الله له، وأن من أسمائه ما يسخّر به الكون أو بعضه للإنسان.

مسألة: يستحب معرفة ما يرتبط بالعرش والكرسي بمقدار ما ورد وما يستوعبه الإنسان، إذ كلما تعرّف الإنسان على عالم الغيب أكثر، سمى عن عالم المادةأكثر.

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ هو الذي خلق العرش والكرسي، ولا ينفي ذلك كونه تعالى خلقهما من بعض أنوار المعصومين (عليهم السلام) كما وردت بذلك روايات عديدة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فلما أراد الله تعالى أن ينشئ الصنعة فتق

ص: 178

نوري فخلق منه العرش، فنور العرش من نوري، ونوري خير من نور العرش. ثم فتق نور أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فخلق منه نور الملائكة، فنور الملائكة من نور علي، فنور علي أفضل من الملائكة. ثم فتق نور ابنتي فاطمة (عليها السلام) فخلق منه نور السماوات والأرض، فنور ابنتي فاطمة أفضل من نور السماوات والأرض. ثم فتق نور ولدي الحسن (عليه السلام) فخلق منه الشمس والقمر، فنور ولدي الحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور ولدي الحسين (عليه السلام) فخلق منه الجنة والحور العين فنور ولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين»(1).

وفي حديث آخر: «ثم خلق من نور محمد (صلى الله عليه وآله) جوهرة، وقسمهاقسمين، فنظر إلى القسم الأول بعين الهيبة فصار ماء عذباً، ونظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منها العرش فاستوى على وجه الماء، فخلق الكرسي من نور العرش، وخلق من نور الكرسي اللوح، وخلق من نور اللوح القلم»(2).

وعن جابر بن عبد الله، قال: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: «نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير، ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله، ثم جعله أقساماً، فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله، ثم جعله أقساماً فخلق القلم من

ص: 179


1- مدينة المعاجز: ج3 ص222223.
2- بحار الأنوار: ج15 ص29.

قسم، واللوح من قسم والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله، ثم جعله أجزاء فخلق الملائكة من جزء، والشمس من جزء، والقمر والكواكب من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله، ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء، والعلم والحلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاءالله، ثم نظر إليه بعين الهيبة، فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء، فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين»(1).

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ هو الذي خلق جميع الخلق، وأن كل ما يخلقه الخلق فهو بإذن الله تعالى وبإقداره، فإنه وإن صح إطلاق (خالق) على بعضهم لكنه في طول إرادته تعالى لا في عرض، «فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(2).

مسألة: يلزم الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ هو الذي خلق الجن والإنس، والجن يراد به كل ما استتر ، لا خصوص ذلك الموجود المعهود، فيشمل حتى مثل الجراثيم(3) مثلاً، كما يشمل أصناف الملائكة وغيرهم.

مسألة: يلزم الاعتقاد بوجود الجن، لتصريح القرآن الكريم بوجودهم، أما

ص: 180


1- بحار الأنوار: ج25 ص2122 ب1 ح37.
2- سورة المؤمنون: 14.
3- جمع جرثوم وجرثومة، كائن حي صغير جداً، لا يرى بالعين المجردة، منتشر في التراب والماء والهواء والأجسام.

ما يقوله البعض من أنه خرافة فهوباطل، والإنكار دليل جهل وغرور، كما هو دليل ضيق الأفق.

مسألة: يستحب نداء الباري في الأدعية بقول: (يا كريم).

مسألة: يستحب طلب الحوائج من الله تعالى والإلحاح في ذلك، كما ورد في هذا الدعاء: (لما أعطيتني سؤلي وقضيت بها حوائجي).

فائدة:

الحديث نص في أن الملائكة وغيرها من الكائنات، تجيب الصديقة فاطمة (عليها السلام) عند دعائها بهذا الدعاء، ب (يا فاطمة نعم نعم).

وهل يستفاد منه التعميم لكل داع وداعية ولو بنسبة، بأن يُجاب كل من دعى به باسمه، فيقال: (يا فلان نعم نعم).

لا يبعد نظراً لظاهر صدر الحديث: (لا يدعو به أحد إلا استجيب له ..)، مع احتمال اختصاص الخطاب والتسمية بها (عليها السلام) لما لها من الخصوصية.

مسألة: يستحب التدبّر في كلمات المعصومين (عليهم السلام)، وقد يجب فإنها نور(1) ومفتاح السعادة في الدنياوالآخرة.

إلى غيرها من المسائل الكثيرة التي يمكن استنباطها من هذا الدعاء الشريف المروي عن الصديقة فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام).

ص: 181


1- ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة: «فما أحلى أسماءكم، وأكرم أنفسكم، وأعظم شأنكم، وأجلّ خطركم، وأوفى عهدكم، كلامكم نور، وأمركم رشد، ووصيتكم التقوى، وفعلكم الخير، وعادتكم الإحسان، وسجيتكم الكرم..». عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص309 ب68 زيارة أخرى جامعة للرضا علي بن موسى عليه السلام ولجميع الأئمة عليه السلام ح1.

تسبيح الزهراء (علیها السلام)

اشارة

عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) ابنة النبي (صلى الله عليه وآله)، أنها انطلقت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تسأله خادماً، فقال (صلى الله عليه وآله): «ألا أدلّك على ما هو خير لك من ذلك؟ إذا آويت إلى فراشك فسبّحي ثلاثاً وثلاثين, واحمدي ثلاثاً وثلاثين, وكبري أربعاً وثلاثين, فهو خير لك من ذلك, أرضيت يا بنية»، قالت: «قد رضيت»(1).

-------------------------------------------

طلب الحاجة من أهلها

مسألة: طلب الحاجة من غير أهلها مكروه وربما كان محرماً، أما طلبها من أهلها فجائز بالمعنى الأعم، الشامل للواجب والمندوب والمباح.

نعم قد يكره مطلق الطلب حتى من أهله، لمن بمقدوره أن يفعل من غير ضرورة ولا مزاحم أهم، كما يستفاد من بعض الروايات.

فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينصح المؤمنين أن لا يسألوا الناس شيئاً، فكان أحدهم إذا سقط سوطه ينزل لتناوله، ولا يسأل من بحضرته منالمشاة أن يناوله(2).

ص: 182


1- الذرية الطاهرة النبوية: ص138139 ح173.
2- التحفة السنية، للسيد عبد الله الجزائري: ص227 كتاب الكسب.

عن ثوبان، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من يتقبل لي واحدة أتقبل له الجنة»، فقال: «إنا لا نسأل الناس شيئاً»، فكان ثوبان إذا سقط سوطه لم يأمر أحداً أن يناوله و ينزل هو فيأخذه(1).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) عَلِّمْنِي عَمَلًا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجَنَّةِ، قَالَ: لا تَغْضَبْ، وَلا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئاً، وَارْضَ لِلنَّاسِ مَا تَرْضَى لِنَفْسِك»(2).

وقال سلمان الفارسي: أَوْصَانِي خَلِيلِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى

الله عليه وآله) بِسَبْعٍ لا أَدَعُهُنَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَنْ أُحِبَّ الْفُقَرَاءَ وَأَدْنُوَ مِنْهُمْ، وَأَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَصِلَ رَحِمِي وَإِنْ كَانَتْ مُدْبِرَةً، وَأَنْ لا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً، وَأَوْصَانِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ وَ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِالْجَنَّةِ»(3).

التسبيحات وقت النوم

مسألة: تستحب التسبيحات وقت النوم، وخاصة تسبيح الصديقة فاطمة (عليها السلام).

والظاهر أن استحباب التسبيح وقت النوم وغيره، وبالعدد المذكور والكيفية المأثورة من باب أفضل الأفراد، أو تعدد المطلوب الاستحبابي، وليس

ص: 183


1- مجموعة ورام: ج1 ص45.
2- مستدرك الوسائل: ج7 ص222 ب30 ح8088.
3- وسائل الشيعة: ج9 ص442 ب 32 ح12445.

للوقت حيثية تقيدية ولا مقوماً، وإلاّ فكل ذكر لله سبحانه وتعالى تسبيحاً وتحميداً وتكبيراً ولو لم يبلغ هذا العدد ولو لم يكن وقت النوم فهو مستحب.

كما ذكروا مثله في باب المستحبات الخاصة أنها من باب المستحب في المستحب، مثل: زيارة الحسين (عليه السلام) يوم عرفة, ودعاء الافتتاح ليالي شهر رمضان، إلى غير ذلك، نعم الثواب الخاص قد يتوقف على العمل بخصوصياته، ، كما أن هناك خصوصية في تسبيح الصديقة (عليها السلام) فهي أفضلها وأكثرها ثواباً.

تحصيل الخادم

مسألة: يجوز أخذ الخادم وربما استحب أو وجب، كما أنه قد يحرم.

وإنما يستحب تحصيل الخادم لما طلبته الصديقة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) فإنه رفق بالإنسان نفسه(1)، ويشمله قوله سبحانه: «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ»(2)، وهو نوع من الاستفادة من رخص الله تعالى، وقد ورد: «إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه»(3).

إضافة إلى أن اتخاذ الخادم، خدمة للخادم نفسه من جهة توفير عمل له

ص: 184


1- فإن الصديقة الطاهرة (عليها السلام) سألت الخادم حينما مجلت يداه - وهو ما إذا ثخن جلدها وتعجّر وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة - فقد روي عن أم سلمة أنها قالت: جاءت فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشكو الخدمة فقالت: «يا رسول الله، لقد مجلت يدي من الرحى، أطحن مرة وأعجن أخرى..».
2- سورة البقرة: 185.
3- وسائل الشيعة: ج16 ص232 باب29 من أبواب الأمر والنهي ح20.

وإعطائه لقمة العيش، وما أشبه ذلك.

وأما حرمة اتخاذ الخادم، ففي المواطن التي يكون اتخاذه سبباً للفساد والإفساد في العوائل، سواء كانخادماً أو خادمة، والحرمة مقدمية كما لا يخفى.

وكما في الخادم كذلك (السائق) وشبهه، وعليه فاللازم إذا اتخذ خادماً أو خادمةً أن يراعي الاحتياط البالغ في عدم اختلاطه أو اختلاطهما بالأجنبي والأجنبية من أهل المنزل ومن سائر الخدم والحشم ومن أشبه.

كما أنه قد يكره إذا سبّب كسلاً أو ترهّلاً أو ما أشبه، والكراهة إرشادية وقد تكون مولوية، فتأمل.

وقد ورد في الدعاء عن الصادق (عليه السلام): «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والجبن والبخل والغفلة والقسوة والفترة والمسكنة»(1).

بين الدعاء والخادم

مسألة: الدعاء المأثور خير من اتخاذ الخادم في الجملة، وذلك لأنه ترك الشيء إلى الأفضل، وذلك فيما لم يُزاحَم بالأهم.ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يعطها (عليها السلام) خادماً، للتعليم والتأسي لمن كان في حال القيادة والإصلاح والتقدّم، فإنه يلزم أن يكون في تعب ونصب, وإلاّ فالذين يريدون الراحة لا يتمكنون من التقدّم.

ص: 185


1- الكافي: ج2 ص586 باب دعوات موجزات لجميع الحوائج ح24. وقد أورد الشيخ الكليني في الفروع باباً خاصاً سمّاه (باب كراهية الكسل) وأورد فيه تسعة أحاديث راجع: ج5 ص8586.

كما أن من كان في موقع القيادة فالناس ينظرون إليه، فعليه أن يعيش كأضعفهم، مواساةً لهم «كي لا يتبيغ بالفقير فقره».

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره»(1).

وقال (عليه السلام): «إن الله جعلني إماماً لخلقه، ففرض عليّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس، كي يقتدي الفقير بفقري، ولايطغى الغنى غناه»(2).

قال سبحانه: «مَا كَانَ لأهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ»(3).

ص: 186


1- نهج البلاغة: من كلام له في أن نعيم الدنيا يؤدي إلى الآخرة إن صلحت فيه النية وحسن العمل. والبيغ: ثوران الدم. تاج العروس: ج12 ص11 وهي كناية منه (عليه السلام) بهياج ألم الفقر بالفقير بهيجان الدم وثورانه ولذا ورد عنه (صلى الله عليه وآله) قوله في الحجامة: «احتجموا فإن الدم ربما يتبيغ بصاحبه فقتله». التحفة السنية: ص344.
2- حلية الأبرار: ج2 ص215 ب26 ح1.
3- سورة التوبة: 120.

رضا الطرف

مسألة: يستحب السؤال عن الرضا، إذا عُوّض الإنسان عن طلب بآخر، كما لو عوّضه عن مادي بأمر معنوي, ويدل عليه قوله (صلى الله عليه وآله): «أرضيت يا بنية»؟ فإنه نوع تطييب للخاطر، وائتلاف للقلوب.

وهذا ليس خاصّاً بالأمر المعنوي، بل في المادي أيضاً كذلك، بل قد يقال: باستحباب السؤال عن الرضا في الأعم من ذلك كلما أوجب تأليف القلوب وإدخال السرور في قلب المؤمن.

ولا يخفى أن رضا الطرف يترتّب عليه كثير من الأحكام الشرعية، ففي مثل العقود لولاه لما صح العقد، إذ (لا يحلّ مال امرئ إلاّ بطيب نفسه)(1).

ثم إن الرضا إنما ينفع فيما لا يحتاج إلى الإنشاء, وإلاّ فلا ينفع الرضا وحده, وقد ذكرنا في (الفقه) أن العقود والإيقاعات لا ينفع فيها الرضا المجرد بل يحتاج إلى المبرز وهوإنشاء الإيجاب فيهما، وإنشاء القبول في العقود، نعم قد يكون الإنشاء بغير اللفظ.

وأما (إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام)(2) فذلك في النكاح والطلاق مما لا ينبغي الارتياب فيه كما ذكرناه في (الفقه)، لكن استظهرنا أن عقوداً كالبيع تكفي فيها المعاطاة، وهي نوع مبرز وإنشاء فعلي.

ص: 187


1- ورد في تحف العقول: ص34 خطبته (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع: «ولا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه». وفي غوالي اللئالي: ج3 ص424 - 425 ح16 قال النبي (صلى الله عليه وآله): «المسلم أخو المسلم لا يحل له ماله إلاّ من طيب نفس منه».
2- تهذيب الأحكام: ج7 ص50 باب البيع بالنقد والنسيئة ح16.

السؤال من العظيم

مسألة: يستحب السؤال من العظيم فيما من شأنه أن يسأل فيه، كما سألت الصديقة فاطمة (عليها السلام) من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

فإن السؤال من الرسول (صلى الله عليه وآله) سؤال من الله سبحانه لأنه عزوجل أمر به, قال تعالى: «وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ»(1).

وقال سبحانه: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا»(2)، وهذا من مصاديق السؤال.

نعم ينبغي أن لا يكون السؤال من العظيم مما يزاحمه الأهم، أو يشغله عن الأهم، أو عما ليس من شأنه السؤال عنه، أو ما أشبه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في جمهور الناس في الكوفة: «سلوني قبل أن تفقدوني»(3).وقال (عليه السلام): «إن ههنا علماً جمّاً» - وأشار بيده الشريفة إلى صدره

ص: 188


1- سورة النساء: 32.
2- سورة النساء: 64.
3- هذه من الروايات المستفيضة أو المتواترة، وقد نقلها الفریقين: كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص802 ، الأصول الستة عشر: ص242 ، الغارات: ج1 ص6 ، تفسير فرات الكوفي: ص68، تفسير العياشي: ج2 ص282 ، الغيبة للنعماني: ص87 ، كامل الزيارات: ص74 الباب الثالث والعشرون ، الأمالي والتوحيد للصدوق، بصائر الدرجات، نهج البلاغة: الخطبة 189 من كلام له عليه السلام في الإيمان ووجوب الهجرة، وغيرها وغيرها.

المبارك - «لو أصبت له حملة»(1).

إلى غيرها من الروايات، حيث كان (عليه السلام) يحض الناس ويحثهم على سؤاله قبل رحيله وشهادته.

إرشاد السائل

مسألة: يستحب دلالة السائل وإرشاده إلى ما هو خير له مما سأله(2)، وكما في السائل بالفعل كذلك السائل بالقوة، كما أنه لا فرق في السائل بين كونه فرداً أو جماعة(3). وقد دلّ الرسول (صلى اللهعليه وآله) فاطمة (عليها الصلاة والسلام) على خير مما سألته.

لا يقال: لماذا لم يعطِ الرسول (صلى الله عليه وآله) ما طلبته فاطمة (عليها السلام) مع أنها العزيزة عنده، ورضاها من رضا الله سبحانه وتعالى؟

لأنه يقال: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) أراد أن يعلّم الأمة أن تكون في حالة تقشّف وتأهّب دائم لتتمكن من إنقاذ الناس من الظلمات إلى النور.

قال علي (عليه الصلاة والسلام): «تخفّفوا تلحقوا»(4).

ص: 189


1- الإرشاد، للشيخ المفيد: ج1 ص228.
2- ومثل ذلك ذكره علماء البلاغة في المحسنات المعنوية، وهو: (إجابة السائل بما ينبغي له حاله أن يسأل عنه)، كما في قوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» سورة البقرة: 189، فهم سألوا عن سبب اختلاف أحوال القمر ومراحله، ولكن أجيبوا ببيان الهدف منه والغرض.
3- كمركز دراسات أو جامعة أو دولة أو شبه ذلك.
4- انظر (نهج البلاغة): ومن خطبة له (عليه السلام) في أول خلافته.

ولكي يكونوا أسوة وقدوة، ولكي يُحتج بهم على الحكام والأمراء والملوك الذين: «اتخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً»(1).

وربما لم يعطها (صلوات الله عليهما) لما يعلم أنه في قرارة نفسها لم يكن طلبها إلا لتعليم الناس، أو لردّ تقوّلاتالبعض بأن النبي (صلى الله عليه وآله) يستفرد بالخدم لأهل بيته ولقرابته، أو لغيرها من الأسباب.

رضا السائل

مسألة: يستحب تحصيل رضا السائل(2)، بل من المستحب تحصيل رضا مطلق الناس في غير معاصي الله تعالى؛ إذ من الواضح أن اللاقتضائي لا يزاحم الاقتضائي.

ويدلّ على ذلك اهتمام رسول الله (صلى الله عليه وآله) برضى الناس مهما أمكن، وقد قال لذلك الأعرابي الذي غضب عليه من دون حق: قل لأصحابي: إنك رضيت عني.

وقد ورد أن علياً (عليه الصلاة والسلام) قال لبعض الناس: «ما أرضاني عنك إن أنت أرضيت الناس عن نفسك»(3).

ص: 190


1- انظر (نهج البلاغة): ومن كتاب له (عليه السلام) إلى أهل مصر مع الأشتر، ونصه: «ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجّارها، فيتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً».
2- الفرق بين هذه والمسألة السابقة واضح، إذ هذه عن (تحصيل رضا السائل)، وتلك عن (سؤال الطرف عن رضاه) وهي أسبق رتبة.
3- كشف الغمة: ج1 ص164 في وصف زهده في الدنيا وفيه: «ثم أتى أصحاب التمر فإذا خادمة تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم فردوه موالي فأبى أن يقبله فقال: «خذ تمرك وأعطها درهمها فإنها خادمة ليس لها أمر»، فدفعه فقلت: أتدري من هذا؟ قال: لا، قلت: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين فصبّ تمره وأعطاها درهمها، وقال: أحب أن ترضى عني، فقال: «ما أرضاني عنك إذا وفيتهم حقوقهم».

كما يدل عليه عمومات استحباب قضاء حاجات المؤمن والناس(1).

رضا فاطمة (علیها السلام)

مسألة: يجب تحصيل رضا الصديقة فاطمة (عليها السلام) ويحرم إغضابها، فإن رضاها (صلوات الله عليها) رضا الله، ولابدّ من تحصيله.

ويدل على ذلك متواتر الروايات(2):

قال النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث: «أرضيت يا بنية؟ فقالت: قد رضيت».

وفي الحديث: «إن الله يرضى لرضا فاطمة، ويغضب لغضبها»(3).

ص: 191


1- راجع كتاب وسائل الشيعة: ج16 ص357 - 374 باب25 استحباب قضاء حاجة المؤمن والاهتمام بها، باب26 استحباب اختيار قضاء حاجة المؤمن على غيرها، باب27 استحباب السعي في قضاء حاجة المؤمن، باب28 استحباب اختيار السعي في حاجة المؤمن، باب29 استحباب تفريج كرب المؤمن وغيرها من الأبواب.
2- يستفاد مطلوبية رضاها أيضاً من حديث البضعة، وقد تقدم.
3- ورد هذا الحديث بألفاظ متعددة في مصادر الإمامية (أعزهم الله تعالى)، انظر الأمالي للشيخ المفيد: ص95 المجلس11 ح4، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص51 ب31 ح176، والتعجب: ص55، وإعلام الورى: ج1 ص294، والاحتجاج: ج2 ص103 باب قول النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك، وغوالي اللئالي: ج4 ص93 ح132، وغيرها من المصادر. ومن مصادر العامة بألفاظ متقاربة في كل من: (تهذيب الكمال): ج35 ص250، و(الإصابة): ج8 ص265، و(المستدرك على الصحيحين): ج3 ص153 وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، و(مجمع الزوائد): ج9 ص203 وقال عنه: رواه الطبراني واسناده حسن، و(الآحاد والمثاني): ج5 ص363 ح2959، و(الذرية الطاهرة النبوية): ص119، و(المعجم الكبير): ج1 ص108 ح182 وج22 ص401، و(تاريخ دمشق): ج3 ص156، و(أسد الغابة): ج5 ص522، و(ذيل تاريخ بغداد): ج2 ص140-141، وغيرها من المصادر.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها»(1).ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إن فاطمة بضعة مني، وهي روحي التي بين جنبي، يسؤوني ما ساءها، ويسرني ما سرها»(2).

كما أن هذه المسألة تعدّ من توابع أصول الدين بوجه، ومن فروع الدين

ص: 192


1- انظر هذا الحديث وأشباهه في كل من: (قرب الإسناد): ص113 ح389 بلفظ: «إنما فاطمة شجنة مني، يسرني ما سرها، ويسؤوني ما ساءها»، و(معاني الأخبار): ص303 باب معنى الشجنة ح2 بلفظ: «إن فاطمة شجنة مني يؤذيني ما آذاها ويسرني ما يسرها»، ومن كتب العامة: (مسند أحمد): ج4 ص332 بلفظ: «فاطمة شجنة مني يبسطني ما بسطها ويقبضني ما قبضها»، و(الآحاد والمثاني): ج5 ص362 ح2956 بلفظ: «فاطمة شجنة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها»، و(المعجم الكبير): ج22 ص405 بلفظ: «إن فاطمة شجنة مني يغضبني ما أغضبها، ويبسطني ما يبسطها»، والمستدرك على الصحيحين للحاكم: ج3 ص154 بلفظ: «إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها»، وتاريخ دمشق: ج70 ص21 بلفظ: «إنما فاطمة شجنة مني يرضيني ما أرضاها، ويسخطني ما أسخطها»، وغيرها من المصادر.
2- انظر (الاعتقادات، للشيخ المفيد): ص105.

بوجه آخر(1).

الرضا والشمولية الزمانية

مسألة: تحصيل رضا الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها) غير خاص بزمان حياتها؛لأنهم «أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(2)، فإرضاؤها بإقامة مجالس عزاء ولدها الحسين (عليه السلاة والسلام) وبسائر مصاديق التولي والتبري وبنشر علومها وعلوم أبيها وبعلها وأبنائها، كل ذلك مما يرضى الله به لذاته ولرضاها به، بل من قصد ذلك ولو ارتكازاً فله أجران.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي»(3).

المؤسسات والشخصيات الحقوقية

مسألة: كما يستحب وقد يجب على الأفراد الحقيقيين تحصيل رضا الزهراء (عليها السلام) ويحرم عليهم إغضابها، كذلك يلزم على المؤسسات تحصيل رضاها ويحرم عليها إسخاطها، فإن للمؤسسات وجوداً اعتبارياً، وهكذا بالنسبة إلى

ص: 193


1- تعد من الأصول لأن الاعتقاد بأن رضا الله من رضاها وغضبه من غضبها يدل على مكانتها ومكانة النبوة والإمامة التي هي محورهما، وتعد من فروع الدين لأن تحصيل رضاها نوع من تولي المؤمن لأولياء الله والتولي من فروع الدين، ولغيرها من الحيثيات.
2- سورة آل عمران: 169.
3- علل الشرائع: ج1 ص186-187 ب149 ح2.

الأشخاص الحقوقيين.لا يقال: ليست بعاقلة(1) لتُكلّف؟

إذ يقال: أمرها بيد القائمين عليها، كولي من لا ولي له، والحاصل: إن الفرد مسؤول عن نفسه، كما هو مسؤول عن مؤسسته، لتحقيق رضاها (عليها السلام) بواسطة ما يفعله بنفسه، وما تنتجه مؤسسته.

ويتضح ذلك بلحاظ ما تصدره الجامعات من إصدارات، أو ما تحدده من (كرسي) لبعض العظماء، أو ما تقرره من منح دراسية، أو ما تحدده من مادة البحث، فإن ذلك وغيره، قد يكون في طريقٍ يرضيها (عليها السلام)، وقد يكون فيما يسخطها(2).

بيان أهمية رضاها

مسألة: يستحب أو يجب بيان أهمية رضاية الصديقة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وما لها من الأثر على دنيا الإنسان وآخرته.

عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا سلمان، من أحبفاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن، أيسر تلك المواطن: الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيتُ عنه، ومن رضيتُ عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبتُ عليه، ومن

ص: 194


1- أي المؤسسات.
2- كالتمجيد بأعدائها وغاصبي حقوقها ونشر سننهم وما أشبه.

غضبتُ عليه غضب الله عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها»(1).

تأكيد الكلام بأدواته

مسألة: يستحب التأكيد في الجواب، أو الكلام مطلقاً إذا كان فيه الفائدة، والتأكيد يكون بأدواته وبغيرها، كما قالت (سلام الله عليها): «قد رضيت»، فإن (قد) من أدواته إذا دخلت على الماضي، وقد سبقت نظائره فلا نعيد.

التسبيح باللسان

مسألة: ظاهر - بل لعله نص - (فسبّحي) هو التسبيح باللسان، فلا يكفي إخطارهبالذهن والقلب، نعم كل من الجهر والإخفات مصداق ولكل منهما فضل.

وظاهر الذكر المستحب هو ما يذكره بلسانه.

وربما يكون للجهر فضل أكثر وإن كان للإخفات فضل، لما فيه من الفوائد الجمة، كتقوية النفس وتلقينها، وإشاعة التقوى والعبادة بين الناس، وغيرها.

ص: 195


1- بحار الأنوار: ج27 ص117 ب4 من أبواب ولايتهم وحبهم وبغضهم (صلوات الله عليهم) ح94.

عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) إنه قال: «علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنها تذهب بالنفاق»(2).

ص: 196


1- تهذيب الأحكام: ج6 ص52 باب فضل زيارته (عليه السلام) ح37.
2- الكافي: ج2 ص493 باب الصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ح13.

علم فاطمة (علیها السلام)

اشارة

عن حارثة بن قدامة(1) قال: حدّثني سلمان الفارسي، قال: حدّثني عمّار وقال: أُخبرك عجباً؟

قلت: حدّثني يا عمار, قال: نعم, شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ولج(2) على فاطمة (عليها السلام), فلما بصرت به نادت: «أدن لأحدثك بما كان وما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة».

قال عمار: فرأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يرجع القهقرى، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي (صلى الله عليه وآله), فقال له: «أدن يا أبا الحسن», فدنا فلما أطمأن به المجلس قال له: «تحدثني أم أحدثك»؟

فقال: «الحديث منك أحسن يا رسول الله».

فقال (صلى الله عليه وآله): «كأني بك وقد دخلت على فاطمة وقالت لك:كيت وكيت, فرجعت».

ص: 197


1- حارثة بن قدامة التميمي السعدي أبو عمرو، وقيل: جارية - واختاره جماعة واعتبروا أن الأول تصحيف كابن إدريس وغيره، ولم يستبعد المامقاني أن يكونا أخوين - وعلى كل، فهو من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وكان نبيلاً شريفاً في قومه، وعدّه ابن إدريس من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان صاحب السرايا والألوية والخيل يوم صفين، وكان شجاعاً فتّاكاً في الحروب، وكان ممن يعتمد عليه الأمير (عليه السلام) في سراياه وحروبه مع أتباع معاوية.
2- أي دخل.

فقال علي (عليه السلام): «نور فاطمة من نورنا»؟

فقال (صلى الله عليه وآله): «أو لا تعلم»؟

فسجد علي (عليه السلام) شكراً لله تعالى.

قال عمار: فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت بخروجه, فولج على فاطمة (عليها السلام) وولجت معه فقالت: «كأنك رجعت إلى أبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته بما قلته لك»؟

قال: «كان كذلك يا فاطمة».

فقالت: «اعلم يا أبا الحسن، إن الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله جل جلاله, ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت, فلما دخل أبي (صلى الله عليه وآله) الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل فأودعني الله تعالى صلب أبي (صلى الله عليه وآله) ثم أودعني خديجة بنت خويلد (عليها السلام) فوضعتني وأنا من ذلك النور, أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى»(1).

-------------------------------------------

معنى العلم بما لم يكن

المراد من قولها (عليها السلام): «وما لم يكن»، أي يُزعم أنه يكون ولكنه ليس بكائن، والله العالم.

وذلك لأنه حسب ما قاله أهل المعقول: (لا يعقل الإخبار عن الأعدام،ولا العلم بالأعدام بما هي أعدام)، وقد ذكر الحكماء: (إن العدم بما هو عدم لايوصف ولا يكون مؤثراً ولا متأثراً ولا يخبر عنه).

ص: 198


1- عيون المعجزات: ص46 - 47 تحدّث أمير المؤمنين عليه السلام بما كان ويكون.

وفي المقام ليس الأمر عدمياً محضاً، فإن العدم بلحاظ كونه مزعوماً، له حظ من الوجود، دون العدم المطلق.

وإذا رأينا ما ظاهره الإخبار عن العدم، مثل: (شريك الباري ليس بموجود)، فالمراد ما ذكره العلامة الحلي (قدس سره) في (شرح التجريد) وغيره في غيره: إن الشيء الذي يتصور في الذهن(1) ليس له انطباق في الخارج(2)، إلى غير ذلك.

وبعبارة أخرى: (ما لم يكن) أي مما أُحتمل(3) أنه كائن، مثل ما لو احتملالعلماء أن يطول عمر الفرد في العالم: خمسين مليوناً مثلاً ولكنه في علم الله لم يكن كذلك، فهذا غير كائن ولم يكن في الواقع كذلك، ومثل ما لو احتمل أن يكون لآدم (عليه الصلاة والسلام) عدداً أكبر من البنين والبنات مما لم يكن في الواقع كذلك.

وإلا فإذا أريد بها الأعدام، فإنها لا حصر لها ولا عدّ(4)، ولا يمكن الإحاطة بها إلاّ لعلاّم الغيوب، فتأمل(5).

ص: 199


1- أي الذي يتصور في الذهن أنه شريك الباري تعالى.
2- قال العلامة الحلي في كشف المراد (تحقيق الآملي) ص44: (لا يقال: العدم أمر معقول، وقد قضى العقل بمنافاته له، فكيف يصح قوله على الإطلاق أنه لا ينافيها؟ لأنا نقول: نمنع أولاً: كون العدم المطلق معقولاً، والعدم الخاص له حظ من الوجود، ولهذا افتقر إلى موضوع خاص كافتقار الملكة إليه).
3- لا يخفى أن هذا الاحتمال أعم من السابق إذ الاحتمال أعم من الزعم.
4- إضافة إلى أن العلم بها ليس فضلاً على إطلاقه.
5- وذلك لما يقال: بإمكان الإحاطة بالأعدام بمشيئة الله تعالى وإرادته.

كما يحتمل في (ما لم يكن) الأعدام الإضافية(1)، كعدم اتصاف زيد بكذا وكذا، أو عدم اتصاف هذه الجماعة أو هذه الأمة أو الدولة بكذا وكذا، أو عدم حصولهم على كذا وكذا، فإنها متناهية وإن بدت لا متناهية، كما أنها عدوم نافعة ولو من جهة.

ويحتمل في (ما لم يكن) إرادة ما كان فيه (البداء)، أي كل ما كان مسجلاًفي (لوح المحو والإثبات) أنه يكون، ولم يكن كذلك في (اللوح المحفوظ)، فإنها (عليها السلام) عالمة به، مما يعني إحاطتها - بإذن الله تعالى - بما في اللوح المحفوظ مما كان مغايراً لما في لوح المحو والإثبات(2).

النظر بنور الله

مسألة: النظر بنور الله سبحانه، قد يكون بحسب الموازين الطبيعية من قانون الأسباب والمسببات، وهذا في الأمور الظاهرة منها، لأن المؤمن له موازين الحياة ويتنبأ المستقبل باطلاعه على الأسباب الظاهرية التي أودعها الله في الكون، ولذا ورد في الحديث: «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس»(3).

وقال (عليه السلام): «المؤمن كيّس فطن حذر»(4).

ص: 200


1- الفرق أن الأعدام التي سبق في المتن أنها ليست متناهية، يراد بها الأعم من العدم الإضافي والعدم المطلق، أي عدم الجوهر أيضاً.
2- كما يحتمل في (ما لم يكن) البدائل التي كان يمكن أن تكون فلم تكن، مما يعبّر عنه اليوم ب (السيناروهات) المتعددة للحدث الواحد المحتمل حدوثها في المستقبل.
3- تحف العقول: ص356 حِكَمُه - أي الصادق عليه السلام - ودرر كلامه.
4- بحار الأنوار: ج64 ص307 ب14 ح40.

فالمؤمن الكامل الذي ينظر بنور الله هو الذي يعرف النتائج من أسبابها، أما غيره فلا يعرف تلك المسببات عن الأسباب، حالهما حال الخبير الطبي أو الهندسي أو ما أشبه وحال الإنسان العادي, حيث إن الخبير يعرف من النتائج من أسبابها مما لا يعرفه الإنسان العادي.

وقد يكون التنبؤ بنور الله سبحانه وتعالى في غيرها بأسباب الغيب، وذلك بإلقاء المَلَك في القلب وما أشبه، كما ورد بذلك الأحاديث، وحينئذ يكون معنوياً أي بالأسباب المعنوية.

وبالنسبة إلى المعصوم (عليه السلام) فبالعلم اللدني، وعمود النور، وما أشبه(1) مما منحهم الله تعالى.

ولا يخفى أن المراد بالمؤمن الذي ينظر بنور الله هنا، وكذلك لفظ المؤمن في بعض الروايات هو الكامل في إيمانه، وليس ذلك إلاّ المعصوم (عليه السلام), بدليل أن النظر بتلك الصورة التي شرحتها الصديقة الزهراء (عليها السلام) ليس إلاّ للمعصوم (عليه السلام).

ولا يخفى أن ولفظ (المؤمن) له إطلاقات ثلاث أو أكثر:1: مقابل (الكافر).

2: ومقابل (المخالف).

3: ومقابل (غير كامل الإيمان).

ويحتمل أن يكون للنظر بنور الله مراتب ودرجات، وهي تتبع درجات

ص: 201


1- كالنقر في الأسماع والنكت في القلب كما ورد في بعض الروايات. وقد مرّت الإشارة إليها في هذا الكتاب.

الإيمان، فكلما كان إيمانه أقوى، كان نظره بنور الله أوسع وأشمل.

الطعام الطيّب الحلال

مسألة: يستحب أكل الطعام الطيّب الموجب لطيب المولد والولد, فإن الطعام يؤثّر في الطيّب والخبث, وذلك لأن (شبه الشيء منجذب إليه)(1)، كماقرره الله سبحانه وتعالى وسنّه في الكون, فآكل لحم الخنزير يُبتلى جسماً بالأمراض من جهة الجراثيم الموجودة في لحم الخنزير, كما يُبتلى روحاً بعدم الغيرة، لأن الخنزير لا غيرة له، ولهذا ذكر علماء الحيوان أن الخنزير لا يهمّه أن يتقدّم فحل آخر إلى شريكته.

وهكذا ذكروا في انتقال الصفات بالنسبة إلى لحم الغنم ولحم البقر ولحم الإبل، لأن صفات هذه الحيوانات تنتقل إلى آكلها على نحو المقتضي، وهكذا بالنسبة إلى آكل اللبن، وآكل الشيء الحرّيف(2), فإن اللبن يؤثر هدوء

ص: 202


1- نُسبت هذه الكلمة للغزالي المتوفى سنة 505ه، إلا أن الصحيح أنه من كلام المتنبي المتوفى سنة 354ه من قصيدة له في مدحه المغيث بن علي العجلي: فؤاد ما تسليه المدام * وعمر مثل ما يهب اللئام ودهر ناسه ناس صغار * وإن كانت لهم جثث ضخام وما أنا منهم بالعيش فيهم * ولكن معدن الذهب الرغام وشبه الشيء منجذب إليه * وأشبهنا بدنيانا الطغام ولو لم يعل إلا ذو محل * تعالى الجيش وانحط القتام ولو حيز الحفاظ بغير عقل * تجنب عنق صيقله الحسام. انظر (يتيمة الدهر) للثعالبي ت429ه: ج1 ص262.
2- في لسان العرب: بصل حِريف: يحرق الفم وله حرارة، وقيل: كل طعام يحرق فم آكله بحرارة مذاقه، حريف بالتشديد للذي يلذع اللسان بحرافته . انظر لسان العرب: ج9 ص45 مادة حرف.

الأعصاب، والشيء الحرّيف كالفلفل يؤثر هيجان الأعصاب(1).

وإذا علمنا أن كل واحد من الروح والبدن يؤثّر في الآخر، علمنا بأن الشيء الطيّب يؤثر في الروح أيضاً،والشيء الخبيث يؤثّر في الجسم أيضاً, ولذا قالوا: (العقل السليم في الجسم السليم)، وذلك على نحو الاقتضاء لا العليّة التامّة، كما هو في كثير من الأشياء.

ثم إن الاستحباب ممكن في هذا الطرف(2)، وإن كان قسيمه - أي أكل الطعام المغصوب أو النجس مثلاً - محرماً؛ إذ لا ضير في وجود حكمين للطرفين بعد العقلائية، أو يقال بأن قسيم أكل الطعام الطيب، هو أكل ما فيه شبهة وإن جاز، أو أكل المكروه كالجبن وحده نهاراً(3) أو ما أشبه.

ص: 203


1- لا يخفى أن هذا الأمر من باب المقتضي كما نبه عليه السيد المصنف (قدس سره) وإلا فقد يكون الأمر بالعكس في بعض الأحيان.
2- المراد ب (الطرف) الفعل، وقسيمه الترك، أو العكس.
3- يكره أكل الجبن في النهار لوحده، وترتفع الكراهة إما بأكله في الليل، أو أكله مع الجوز، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) بإسناده عن عن محمد بن الفضل النيسابوري، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سأله رجل عن الجبن، فقال: «داء لا دواء فيه». فلما كان بالعشي دخل الرجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فنظر إلى الجبن على الخوان، فقال: جعلت فداك سألتك بالغداة عن الجبن، فقلت لي: إنه هو الداء الذي لا دواء له، والساعة أراه على الخوان؟ قال: فقال لي: «هو ضار بالغداة، نافع بالعشي ويزيد في ماء الظهر». الكافي: ج6 ص340 باب الجبن ح3. كما يدل على ذلك ما رواه كذلك بإسناده عن عبد العزيز العبدي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «الجبن والجوز إذا اجتمعا في كل واحد منهما شفاء، وإن افترقا كان في كل واحد منهما داء». وقريب منه ما رواه كذلك باسناده عن عبيد بن زرارة، عن الصادق (عليه السلام)، راجع: الكافي: ج6 ص340 باب الجبن والجوز ح2 وح3.

الأصل الأسوة

مسألة: الظاهر أن الأصل في أفعال النبي (صلى الله عليه وآله) هو (الأسوة)، لإطلاق قوله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(1)، فيشمل أفعاله التي جرت وقت الإسراء والمعراج، وما فعله في الجنة وغيرها فيما يمكن فيه التأسي ولو في جامعه، إلا أن يقال بالانصراف، فتأمل.

ومن ذلك ما ورد من توسطه لتخفيف الله تعالى بعض التشريعات(2)، ومن

ص: 204


1- سورة الأحزاب: 21.
2- عن زيد بن علي (عليه السلام)، قال: سألت أبي سيد العابدين (عليه السلام) فقلت له: يا أبه، أخبرني عن جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لما عُرج به إلى السماء وأمره ربه عز وجل بخمسين صلاة، كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران (عليه السلام): ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك؟ فقال: «يا بني، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقترح على ربه عز وجل ولا يراجعه في شيء يأمره به، فلما سأله موسى (عليه السلام) ذلك وصار شفيعاً لأمته إليه، لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى (عليه السلام)، فرجع إلى ربه يسأله التخفيف، إلى أن ردها إلى خمس صلوات». قال: فقلت له: يا أبه ، فلِمَ لم يرجع إلى ربه عز وجل ولم يسأله التخفيف من خمس صلوات، وقد سأله موسى (عليه السلام) أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف؟ فقال: «يا بني، أراد (صلى الله عليه وآله) أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقول الله عز وجل: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا»، ألا ترى أنه (صلى الله عليه وآله) لما هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول: إنها خمس بخمسين، «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» ».الأمالي، للشيخ الصدوق: ص544 المجلس70 ح6.

ذلكالمقام حيث اقتطف (صلى الله عليه وآله) الثمرة من شجرة الجنة، فإن ذلك وإن لم يكن ممكناً بخصوصيته، لكن الجامع ممكن وهو الثمرة الطيبة المغروسة في أرض حلال المسقية بماء حلال، الموتى عاملُها أجرَها، والمشتراة من غير غش وتدليس، إلى غير ذلك.

نعم قد يستشكل باستبعاد استظهار ذلك من مثل ذلك الكلام عرفاً، فيبقى الاستشعار والتأييد وسائر القرائن.

الصحابة النجباء

مسألة: يستحب بيان قرب عمّار (رضوان الله عليه) ومن أشبهه من الصحابة الأخيار من أهل البيت (عليهم السلام), ولذا دخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) بيته وفيها الصديقة الزهراء (عليها السلام).

ويحتمل عدم دخوله أولاً، بل إنه شاهد الإمام (عليه السلام) وهو يدخل فقط، وسمع صوت الصديقة (عليها السلام) وهي تناديه، ولعل المستظهر من (شهدت .. وقد ولج) هو ذلك، كما لعلّه ظاهر (فلما بصرت به نادت) إذ الإبصار هو بمجرد الدخول من الباب، نعم في المرة الثانية الظاهر أنه دخل معه.

فإن هؤلاء الأطهار (عليهم السلام) لم يكن قريباً منهم إلاّ أفراد قلائل، كسلمان وعمّار والمقداد وحذيفة ومن أشبه.

ص: 205

وذكرنا في بعض كتبنا أن حديث: «ارتد الناس(1) إلاّ ثلاث(2) أو أربع(3) أوخمس(4)»(5)، إما يراد به غير ظاهره، أيإنه مؤول، أو إنه مختلق(6).

كيف وكثير من الناس - داخل المدينة المنورة وخارجها - لم يرضوا بالخلافة

ص: 206


1- والظاهر أن المقصود من الارتداد هو الارتداد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن الاعتقاد بولايته الحقة، لا الارتداد المقابل للإسلام، ويدل على ذلك ما ورد في ذيل رواية الاختصاص الآتية، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «ارتد الناس إلاّ ثلاثة نفر: سلمان، وأبو ذر، و المقداد. قال: فقلت: فعمار؟ فقال: «قد كان جاض جيضة - حاد ومال -، ثم رجع، ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض، أن عند ذا يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) اسم الله الأعظم لو تكلّم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا، فلبب ووجئت في عنقه حتى تركت كالسلعة - كالغدة في الجسد - ومرّ به أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع، فبايع، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسكوت ولم يكن تأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلاّ أن يتكلم فمرّ به عثمان فأمر به، ثم أناب الناس بعدُ فكان أول من أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وفلان حتى عقد سبعة، ولم يكن يعرف حق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا هؤلاء السبعة».
2- وهم سلمان المحمدي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي (رضوان الله تعالى عليهم).
3- بإضافة عمار بن ياسر (رضوان الله تعالى عليه).
4- بإضافة أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري، ويدل عليه رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ارتد الناس إلا ثلاثة: أبو ذر، وسلمان، والمقداد، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «فأين أبو ساسان، وأبو عمرة الأنصاري؟». التحرير الطاووسي: ص663.
5- انظر (الاختصاص): ص10.
6- الظاهر عدم الاختلاق حتى مع الاحتمال الذي ذكره السيد المؤلف (قدس سره) لاحتمال - بل هو الظاهر من الروايات حين الجمع - أن المقصود من الناس ليس كل الناس، بل المتواجدين في المدينة المنورة في ذلك الوقت، وهذا الانصراف كما لا يخفى يزيل الإطلاق في الرواية، وسيأتي مزيد توضيح من المصنف (قدس سره) فانتظر.

المستحدثة بالقوة، والمغتصبة ظلماً، بل كانوا على ولائهم لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) كمالك بن نويرة وجماعته، إلى غيرهم(1) مما شهد به التاريخ.

وإما يأوّل حديث: «إرتد الناس» بأنهم لم يبقوا في الدرجة العالية من الإيمان والفضيلة, فإن الارتداد يمكن أن يحصل عن الإسلام مطلقاً، أو عن بعض أصوله، أو عن بعض فروعه، أو عن بعض مراتبه الكمالية، قال سبحانه: «إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا»(2)، مع وضوح أن المؤمن ليس منحصراً بمثل هؤلاء، وإنما ذكر ذلك من باب ذكر الدرجات العالية من الإيمان، فتأمل.كما يمكن أن يراد بالحديث الإضافة، لا الإطلاق، أي لوحظ فيه خصوص الموجودين في المدينة، وخصوصاً من شهد، دون من كان خارج المدينة، ودون من كان بالمدينة ولم يشهد، فتأمل.

كما يحتمل(3) أن المراد ب (الناس) غير المؤمنين أي المنافقون، وهؤلاء هم الذين ارتدوا، ولذا ورد (ارتد الناس) وليس ارتد الشيعة أو المؤمنون، وقد يستأنس لذلك بمثل قوله تعالى: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ»(4)،(5).

ص: 207


1- وكخالد بن سعيد الأموي وغيره.
2- سورة الأنفال: 2.
3- أقول: وعلى هذا الاحتمال يكون الاستثناء منقطعاً، فيكون المعنى: ارتد المنافقون إلا ثلاثة من المؤمنين أو أربعة أو خمسة.
4- سورة آل عمران: 173.
5- في بحار الأنوار: ج20 ص43: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) في المعني بالناس الأول ثلاثة أقوال: أحدها: إنهم الركب الذين دسهم أبو سفيان إلى المسلمين ليجبنوهم عند منصرفهم من أحد لما أرادوا الرجوع إليهم، عن ابن عباس وابن إسحاق وقد مضت قصتهم. والثاني: إنه نعيم بن مسعود الأشجعي، وهو قول أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام). والثالث: إنهم المنافقون عن السدي. (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) المعني به أبو سفيان و أصحابه عند أكثر المفسرين، أي جمعوا جموعا كثيرة لكم، وقيل جمعوا الآلات و الرجال. انتهى.

خطاب العالم ليَعْلَم الآخرون

مسألة: يستحب توجيه الكلام إلى من يعلمه لأجل أن يسمعه الآخرون, كما وجّهت الصديقة الزهراء (عليها السلام) الكلام لأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام), بقولها: «إعلم»، وإلاّ فعليّ (عليه السلام) كان يعلم. وهذا من فنون البلاغة، وقد ذكروا ذلك في «إياك أعني وأسمعي يا جارة»(1) كما سبق.

ص: 208


1- وقد جاء القرآن الكريم على هذا المعنى أيضاً في جملة من آياته، كما ورد عن طرق الخاصة والعامة، فعن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة». وفي رواية أخرى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما عاتب الله عز وجل به على نبيه (صلى الله عليه وآله) - فهو يعني به ما قد مضى في القرآن مثل قوله: «وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا» - عنى بذلك غيره». الكافي: ج2 ص641 باب النوادر من كتاب فضل القرآن ح14. ومن العامة ما قاله السمرقندي في تفسيره: ج2 ص132: (لأن القرآن نزل عليه بمذاهب العرب وهم يخاطبون الرجل بشيء ويريدون به غيره، كما قالوا: إياك أعني واسمعي يا جارية)، والنسفي في تفسيره: ج3 ص330 قال: (هذا خطاب للملائكة وتقريع للكفار وارد على المثل السائر " إياك أعني واسمعي يا جارة" وغيرهم)، إلى غيرها.

وربما كان الخطاب مع من يعلم لأغراض أخر, كالأنس، مثل قول موسى (عليه الصلاة والسلام): «هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى»(1).

وكثير من نصائح الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) أو نصائح الأئمة (عليهم السلام) بعضهم لبعض من هذا القبيل.

نور الزهراء

مسألة: يستحب بيان أن نور الصديقة الزهراء (عليها السلام) من ذلك النور القدسي الذي كان يسبّح الله عزّ وجلّ، وأنه من نورهم (عليهم السلام) أي من تلك الأنوار الطاهرة المعصومة.

وقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة أن أمثال ما ذكر إذا ارتبط بأصول الدين الواجبة كان من الواجب بيانه.

والمراد بتسبيح النور قد يكون بنفس وجوده، أو بنفس نورانيته، فإنه ينزّه الله تعالى بذلك عن كل نقص، أو بإنارته، أو بصوت لا نسمعه، أو بتأثير يؤثّره(2)، أو بغير ذلك، ولا يخفى ظهور كون ذلك النور حيّاً مدركاً شاعراً،ولعلّه كان نفس روحه (صلوات الله عليه) أو ما اشتقت منه.

وتسبيح هذه الأنوار الطاهرة كان قمة التسبيح لله عز وجل، كأفضل وأقوى وأسمى ما يكون التسبيح ويمكن.

ص: 209


1- سورة طه: 18.
2- أي غير الإنارة.

وإلاّ فكل شيء يسبّح بحسبه، قال سبحانه: «يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(1).

فكل ما في الكون وكل ما سواه تعالى، له تسبيح معنوي، بمعنى دلالته على تنزيه الله عن النقص في وجوده وعلمه وقدرته(2) وما أشبه ذلك, كما أن لكل شيء تسبيحاً من جنسه, ولذا قال سبحانه: «وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»(3)، مع وضوح أن التسبيح التكويني مما يفقهه الإنسان الملتفت، فربما يكون المراد من «لَا تَفْقَهُونَ» نوعاً من تسبيحهم لا نفقهه.

وفي القرآن الحكيم دلالة على وجود علم وفهم حتى للجماد والحيوان، كماقال سبحانه: «قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ»(4).

وقال تعالى: «يَا جِبَالُ أَوِّبِي»(5).

وقال سبحانه: «فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ»(6).

ص: 210


1- سورة الحشر: 24.
2- (تنزيه الله) أي تبعيده عما لا يجوز عليه من النقائص، والنزاهة البعد عن المكروه - كما في مجمع البحرين: ج4 ص299 مادة (نزه).
3- سورة الإسراء: 44.
4- سورة فصّلت: 11.
5- سورة سبأ: 10.
6- سورة النازعات: 14. وقد ورد عن محمد بن عبد الله بن الحسين أنه قال: دخلت مع أبي على أبي عبد الله ( عليه السلام) فجرى بينهما حديث .. فقال له أبي: يقول الله عز وجل: «فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة» أي شيء أراد بهذا؟فقال: «إذا انتقم منهم وماتت الأبدان، بقيت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت». مختصر البصائر للحلي: ص134- 135 ح42.

وقال تعالى: «مَا لِيَ لَا أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أو لَأَذْبَحَنَّهُ أو لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ»(1).

وقوله سبحانه: «قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًامِنْ قَوْلِهَا»(2).

بل قد يفهم من بعضها وجود إرادة - بدرجة ما - للجماد أيضاً، وقد ذكرنا شيئاً من تفصيله في بعض كتبنا المرتبطة بهذه الأمور.

ص: 211


1- سورة النمل: 20- 28.
2- سورة النمل: 18- 19.

علم التاريخ وعلم المستقبل

مسألة: يستحب الحديث بما كان وهو (علم التاريخ)، وما هو كائن وهو (علم المستقبل)، وما لم يكن وهو (علم الاحتمالات والأضداد)، لأهله، وإذا كان فيه الفائدة.

وربما وجب ذلك، كما قد يحرم أو يكره حسب اختلاف الموارد.

وهذا بالنسبة لهم، وأما بالنسبة لنا فعلى قدر ما نعرف، وبذلك يظهر أن مطالعة التاريخ وتدوينه والتفكير في المستقبل ودراسة محتملاته، مطلوب ومرغوب فيه وربما وجب، كما إذا توقف عليه إنقاذ المسلمين من واقعهم المأساوي ونجاتهم من الطغاة والفراعنة(1).

تقديم الأشرف

مسألة: يستحب تقديم الغير إذا كان أشرف منه، بل مطلقاً إذا انطبق عليه عنوان مثل: توقير المؤمن واحترامه، أو عنوان مثل: عنوان الرحمة، كما في:«ارحموا صغاركم»(2).

وقد قال علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحديث منك أحسن».

وأحسنيته لأقوائيته، وكلما كان الشيء أقوى في الخير كان أحسن.

ص: 212


1- راجع (الفقه: فلسفة التاريخ)، و(الفقه: المستقبل) للإمام المؤلف (قدس سره).
2- من خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان، انظر (الأمالي، للشيخ الصدوق): ص154 المجلس20 ح4.

ومن ذلك يظهر استحباب مثل: تقديم الغير في شرب الماء على نفسه، وكذا في الخروج من المنزل أو غيره، وغيرها.

الاستماع للرسول

مسألة: يلزم الاستماع إلى حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) للأدلة العامة، واستناداً إلى فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحديث منك أحسن»، ثم استمع إليه.

ومنه: ما لو كان المتحدث يذكر رواياته (صلوات الله عليه) بل وإذا كان ينقل عنه (صلى الله عليه وآله) بعض الوقائع والأحداث.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال : «جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله ما العلم؟ قال: الإنصات، قال: ثم مه؟ قال: الاستماع، قال: ثم مه؟ قال: الحفظ، قال: ثم مه؟ قال: العمل به، قال: ثم مه يا رسول الله؟ قال : نشره»(1).

الإخبار الإجمالي

مسألة: يجوز الإخبار الإجمالي عن الشيء،كما قال (صلى الله عليه وآله): «كيت وكيت».

وهذه المفردة يراد بها إجمال عن تفاصيل لا يريد المتكلم التفرّغ لها.

وقد يستحب أو يجب، حسب الموارد، كما لو كان في الإخبار الإجمالي

ص: 213


1- الكافي: ج1 ص48 باب النوادر من كتاب فضل العلم ح4.

اقتصاداً في الوقت، كما هو ظاهر المقام، أو إثارة اهتمام أكثر، بل أو كتم سرّ يفرّ من بيانه بالإجمال أو ما أشبه ذلك.

سؤال العالم

مسألة: يستحب سؤال العالم في الجملة، وقد يكون تقريرياً، كما قال (عليه السلام): «نور فاطمة من نورنا».وقد سبق أن السؤال قد يكون للتعلّم, وقد يكون للتعليم، كما له أقسام أخرى أيضاً.

وكان علي (عليه الصلاة والسلام) يعلم ذلك وإنما سأل لتعليم الغير تعليماً يكون عن لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) وإلا فكلام علي (عليه السلام) بنفسه حجة.

سجدة الشكر

مسألة: يستحب سجدة الشكر على النعم، وعلى ما يسمعه الإنسان من فضائل أهل البيت (عليهم السلام) بصورة خاصة.

وفي الروايات استحباب سجدة الشكر لكل نعمة تتجدّد على الإنسان، أو يتذكّرها الإنسان، والفرق هو أن الأول ثبوت، والثاني إثبات.

عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن الباقر (عليه

السلام): «إن أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل وفيها سجود إلاّ سجد، ولا دفع الله تعالى عنه

ص: 214

سوءاً يخشاه أو كيد كايد إلاّ سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد، ولا وُفق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسُمّي السجادلذلك»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في سفر يسير على ناقة إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلما ركب قالوا: يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم، استقبلني جبريل (عليه السلام) فبشرني ببشارات من الله عز وجل فسجدت لله شكرا، لكل بشرى سجدة»(2).

وعن هشام بن أحمر قال: كنت أسير مع أبي الحسن (عليه السلام) في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجليه عن دابته فخر ساجداً فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته، فقلت: جعلت فداك، قد أطلت السجود، فقال (عليه السلام): «إني ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ فأحببت أن أشكر ربي»(3).

وعن يونس بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا ذكر أحدكم نعمة الله عز وجل فليضع خده على التراب شكراً لله، وإن كان راكباً فلينزل فليضع خده على التراب، وإن لم يكن يقدر علىالنزول للشهرة فليضع خده على قربوسه، فإن لم يقدر فليضع خده على كفه، ثم ليحمد الله على ما أنعم عليه»(4).

ص: 215


1- علل الشرائع: ج1 ص233 ب166 ح1.
2- مكارم الأخلاق: ص265 الفصل8 من الباب9.
3- وسائل الشيعة: ج7 ص19 ب7 من أبواب سجدتي الشكر ح4.
4- الكافي: ج2 ص98 باب الشكر ح25.

مراجعة العظيم

مسألة: يستحب السؤال من العظيم والاستفادة منه والمراجعة إليه في الأمور المهمة، بل في مطلق الأمور، لإطلاق الأدلة، إلا مع التزاحم وما أشبه.

ومن وجوه ذلك: إن ذلك وضعٌ للشيء في موضعه، وأن الرجوع إليه في المهم من الأمور يؤكد محوريته وهو المطلوب، إذ لا بد للناس من محاور فإن لم تكن هي الصحيح - وهم من هم أهل ومحل - كانت هي الباطلة أو الضالة.

الخطاب بالكنية

مسألة: يستحب للزوجة أن تخاطب زوجها بالكنية احتراماً، كما قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام): «يا أبا الحسن»، وقد سبق ذلك في الفصل الأول(1) والثاني(2) من هذا الكتاب.

ولعلّ ذلك من باب رجحان احترام مطلق الناس، والخصوصية الآكد في الزوجة وزوجها فإنهما أحق بالاحترام.

ص: 216


1- ما يرتبط بحديث الكساء، في المجلد الأول.
2- ما يرتبط بالخطبة الشريفة.

بيان كيفية الخلق

مسألة: يستحب بيان كيفية خلق الصديقة فاطمة (عليها السلام)، فإن فيها بيان فضائلها (صلوات الله عليها)، وذلك يعتبر نوع عبادةٍ؛ فإن ذكر فضائلهم عبادة، إضافة إلى أن فيه تثبيتاً للإيمان وتقوية للارتباط بالرسول وأهل بيته الأطهار (عليهم الصلاة والسلام).

عن أم المؤمنين أم سلمة (رضوان الله عليها)، أنها قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «ما اجتمع قوم يذكرون فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلاّ هبطت عليهم ملائكة السماء حتى تحفّ بهم، فإذا تفرقوا عرجت الملائكة إلى السماء، فيقول لهم الملائكة: إنا نشم من رائحتكم ما لا نشمه من الملائكة، فلم نر رائحة أطيب منها، فيقولون: كنا عند قوم يذكرون محمداً وأهل بيته (عليهم السلام)، فعلق علينا من ريحهم فتعطرنا، فيقولون: اهبطوا بنا إليهم، فيقولون: تفرقوا ومضى كل واحد منهم إلى منزله، فيقولون: اهبطوا بنا حتى نتعطر بذلك المكان»(1).وكذلك يستحب بيان كيفية مطلق الخلق, لأنها تدل على عظمة الله عزّ وجلّ، وفي القرآن الحكيم والروايات المتواترة كثير من أمثال هذه الأمور.

قال تعالى: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ»(2).

ص: 217


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص189 حديث في ذكر فضل علي (عليه السلام).
2- سورة الأنعام: 75.

وقال سبحانه: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»(1).

نور فاطمة (عليها السلام) والجنان

مسألة: يستحب بيان أن نور فاطمة (عليها السلام) ينير ما حولها حتى الجنة.

فإن الجنة أيضاً تحتاج إلى الإضاءة، إذ لولا الضياء يكون الظلام في كل مكان، خصوصاً على القول بأن الظلام عدم والعدم سابق على الوجود، أما إذا قيل بأن الظلمات أيضاً مجعولة ومخلوقة كما لعلّه المستفاد من الآية الكريمة: «وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ»(2).

وكما قال به بعض الحكماء، فلعلّالضياء جعل أشد بحسبه هو، أو مقيساً بالظلام، وإن تساوت الأمور بالنسبة إليه تعالى، كما هو كذلك في المخلوقات الشديدة والضعيفة، قال سبحانه: «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا»(3)، فإن الجعل لا يختلف بالنسبة إلى الله تعالى فإنه يقول: كن فيكون، والاختلاف إنما هو في (المجعول).

ص: 218


1- سورة آل عمران: 191.
2- سورة الأنعام: 1.
3- سورة الصافات: 11.

نظام الأسباب والمسببات في الجنة

مسألة: يظهر من هذه الرواية والكثير غيرها، أن نظام الأسباب والمسببات جارٍ في الجملة في الجنة، ولو بنحو آخر، فكما أن إضاءة الأرض هو بالشمس، كذلك إضاءة الجنة بنور فاطمة (عليها السلام)، ولعلّ الفرق أن الأرض مادية وجماد، فكانت إضاءتها بأمر مادي لا روح له، وأما (الجنة) فهي كما قال تعالى: «وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ»(1)، فاحتاجت إلى إنارة أعلى وأسمى، أي إلى إنارة مادية معنوية ظاهرية بالجنة، أي إلى نور هو المظهر الأسمى للحياة والحيوان، وهو نور فاطمة (صلوات الله عليها).

النظر بنور الله

مسألة: يستحب بيان أن المؤمن ينظر بنور الله، وقد سبق أنه تارة يكون بأسباب غيبية وأخرى بأسباب ظاهرية، وكلها من الله تعالى.

فإن المؤمن (كيّس فطن) ذكي وعالم، ومن الواضح أن العالم يعرف النتائج من المقدمات، على عكس غيره، قالسبحانه: «وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ»(2).

وقال تعالى: «وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ»(3).

ص: 219


1- سورة العنكبوت: 64.
2- سورة المنافقون: 8.
3- سورة المنافقون: 7.

فإن المنافق والكافر يحصرون علمهم في بعض الماديات، ومن الواضح أن من علمه على هذا فهو مضيّق ولا يتمكن معه أن ينظر إلى الأوسع.

عدة مسائل

مسألة: يستحب أن يشهد الإنسانُ المعصومَ (عليه السلام) ويحضر عنده، كما حضر (عمّار) في هذه الرواية.

كما يستحب أن يحضر مشهد المعصوم (عليه السلام) ومرقده بعد وفاته، وذلك لما في الحضور لديه من البركة واللطف الإلهي والفائدة، وقد يكون نوع نصرة.

مسألة: يستحب الخوض في الكلام مع القادم بعد أن يطمئن به المجلس، ولعلّه يستفاد ذلك من فعله (عليه السلام) وقولها: (فلما اطمأن به المجلس).

ولعلّ من أسبابه أن في ذلك إحرازاً لتركيز السامع أكثر وفهمه واستيعابه لما يقال تماماً، ولما فيه من الاحتراموالتوقير، ولا ينافي ذلك الاستثناء مع جهة راجحة كما في: (فلما بصرت به نادت ..)، إذ قد يكون في ذلك مزيد الإلفات، وعلامة شدة الأهمية التي اقتضت المسارعة وعدم التريّث وشبه ذلك.

مسألة: يستحب فسح المجال للطرف الآخر حتى يتكلم إذا احتمل أنه يريد الكلام، لا أن يستفرد الإنسان بالحديث ويكون متكلماً وحده، حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله): «تحدّثني أم أحدّثك».

مسألة: يستحب الخروج بخروج العظيم والدخول بدخوله في الجملة، كما

ص: 220

قال (عمّار): (وخرجت بخروجه)(1).

مسألة: يجوز السماع والاستماع إلى صوت المرأة إذا لم يكن بتلذذ وريبة، وكذلك يجوز الإسماع منها كلما دعت الحاجة لذلك، وأما من دون حاجة وفائدة فمرجوح، ومع التلذذ والريبة فمحرم.

مسألة: (الفراسة)(2) أمر جائز بالمعنىالأعم، وكذلك إظهارها، وقد تجب، وقولها (عليها السلام): «كانت .. ». إما فراسة أو علم غيب.

فائدة:

الوحي على أقسام، منه الإلهام، كما قالت: «أوحى الله تعالى إليه إلهاماً»، وقد ذكرنا أقسامه في بعض المباحث السابقة.

ص: 221


1- وذلك إذا كان الدخول والخروج معه أو بعده نوع تأس واتباع أو نوع توقير واحترام.
2- الفراسة، بالكسر: اسم من التفرس، وهو التوسم، يقال تفرس فيه الشيء، إذا توسمه، وقال ابن القطاع: الفراسة بالعين: إدراك الباطن، وبه فسر الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله). قال ابن الأثير: يقال بمعنيين، أحدهما: ما دل ظاهر الحديث عليه، وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلموا أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس، والثاني: نوع يعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق، فتعرف به أحوال الناس، وللناس فيه تآليف قديمة وحديثة. تاج العروس: ج8 ص395.

مدح النفس

مسألة: مدح الإنسان نفسه وذكر فضائله قد يكون مستحباً إذا كان فيه الفائدة، كما لو كان أسوة حسنة، حتى يعلم الناس الحق من الباطل، ويلتفّوا حوله، ولعلّ ذلك من أسباب قولها لعلي (صلوات الله عليهما): «أدن لأحدثك ..».

وقد ورد في القرآن قوله (صلوات الله عليه وآله): «إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(1).

وهكذا بالنسبة إلى ما ورد من سائر الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) من بيان فضائلهم.

ومن الواضح أن ذلك ليس من باب الفخر والمباهاة والاستعلاء، وإنما من باب بيان الحقائق والمقدمية للهداية، حيث إن الناس يحتاجون إلى فهم تلك الحقائق، لما لها من القيمة في حدّ ذاتها، ولما فيها من الباعثية على الإطاعة والتأسي والعمل والهداية.

ص: 222


1- سورة الأعراف: 158.

فضائل النبي

مسألة: يستحب أو يجب، كلٌّ في مورده: بيان فضائل الرسول (صلى الله عليه وآله)، حيث قالت (سلام الله عليها): «فلما دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً..»(1).

فإن دخوله (صلى الله عليه وآله) الجنة قبل قيام القيامة وفي حياته؛ إذ الظاهر أنه كان في المعراج، فضيلة، ووحي الله إليه إلهاماً فضيلة أخرى، واختصاصه بأمر الله أن يقتطف تلك الثمرة فضيلة ثالثة، وإيداع نور فاطمة (عليها السلام) في صلبه فضيلة رابعة، وهكذا.

كما أن من فضائله (صلى الله عليه وآله) التي يستحب بيانها: أنه (سيد الأنبياء).

والمراد بكونه (صلى الله عليه وآله) سيد الأنبياء، أنه أفضلهم جميعاً، كما يلزم الاعتقاد بأنه الأفضل.

وفي روايات متواترة أن الأنبياء (عليهم السلام) كانوا يعترفون بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وبأنه سيدهم، وكانوا يتوسّلون به إلى الله سبحانه وتعالى في قضاء حوائجهم، كما ورد في قصة آدم، ونوح، وإبراهيم (عليهم السلام)وغيرهم.

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، «قال: قال آدم (عليه السلام): يا رب بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، إلا تبت عليّ،

ص: 223


1- بحار الأنوار: ج43 ص8 ب1 ح11.

فأوحى الله إليه: يا آدم، وما علمك بمحمد؟ فقال: حين خلقتني، رفعت رأسي، فرأيت في العرش مكتوباً، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين»(1).

وفي الحديث: «فهبط جبرئيل (عليه السلام) على يعقوب (عليه السلام) فقال: يا يعقوب، ألا أعلمك دعاءً يرد الله عليك به بصرك، ويرد عليك ابنيك؟

قال: بلى.

قال: قل ما قاله أبوك آدم (عليه السلام) فتاب الله عليه، وما قاله نوح (عليه السلام) فاستوت به سفينته على الجودي ونجا من الغرق، وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) حين ألقي في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.

فقال يعقوب (عليه السلام): وما ذاك يا جبرئيل؟

فقال: قل: يا رب، أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، أنتأتيني بيوسف وابن يامين جميعاً، وترد علي عيني.

فما استتم يعقوب (عليه السلام) هذا الدعاء حتى جاء البشير، فألقى قميص يوسف (عليه السلام) عليه فارتد بصيراً. فقال لهم: «قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(2)»(3).

وعن الإمام العسكري (عليه السلام) أنه قال في قوله تعالى: «وَإِذِ اسْتَسْقَى

ص: 224


1- مستدرك الوسائل: ج5 ص238 ب35 من أبواب الدعاء ح14.
2- سورة يوسف: 96- 98.
3- الأمالي للشيخ الصدوق: ص323 المجلس43 ح7.

مُوسَى لِقَومِهِ»(1)، قال: «واذكروا يا بني إسرائيل، إذ استسقى موسى لقومه، طلب لهم السقي، لما لحقهم العطش في التيه، وضجوا بالبكاء إلى موسى، وقالوا: هلكنا بالعطش، فقال موسى: إلهي بحق محمد سيد الأنبياء، وبحق علي سيد الأوصياء، وبحق فاطمة سيدة النساء، وبحق الحسن سيد الأولياء، وبحق الحسين أفضل الشهداء، وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء، لما سقيت عبادك هؤلاء.

فأوحى الله تعالى: يا موسى «اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ» فضربه بها، «فَانْفَجَرَتْ

مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَكُلُّ أُنَاسٍ»، كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب، «مَشْرَبَهُمْ»(2)، فلا يزاحم الآخرين في مشربهم»(3).

ص: 225


1- سورة البقرة: 60.
2- سورة البقرة: 60.
3- مستدرك الوسائل: ج5 ص236 ب35 من أبواب الدعاء ح12.

مصحف فاطمة (علیها السلام)

اشارة

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) لما توفي أبوها (صلى الله عليه وآله) قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام): «إني لأسمع من يحدثني بأشياء ووقائع تكون في ذريتي». قال: «فإذا سمعتيه فأمليه عليّ»، فصارت تمليه وهو يكتبه.

فروي: أنه بقدر القرآن ثلاث مرات ليس فيه شيء من القرآن، فلما كمّله سمّاه مصحف فاطمة (عليها السلام) لأنها كانت محدَّثة تحدثها الملائكة(1).

-------------------------------------------

ليس مصحف فاطمة قرآناً آخر

مسألة: يستحب أو يجب كل في مورده، بيان أن مصحف الصديقة فاطمة (عليها السلام) ليس هو القرآن، ولا هو بديل عنه، كما يتهم البعض الشيعة بذلك ويقولون: إن لهم قرآناً آخر(2)، بل هو كتاب يشتمل على تلك الوقائع والعلوم المستقبلية التي أخبرت الملائكة فاطمة (عليها السلام).ولا يخفى أن دفع (التهمة) عن الدين والمذهب التي توجب وهنه وإعراض الناس عنه من أهم الواجبات(3).

ص: 226


1- المحتضر: ص233 فضائل الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ح306307.
2- وهذه التهم كمن يقول: إن (البخاري) عند أهل السنة هو (القرآن الكريم) أفهل يقبلون؟
3- قال السيد المصنف (قدس سره) في كتابه (من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام): (المصحف الفاطمي) مصحف فاطمة (عليها السلام) كتاب من تأليف الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يتضمن علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو اليوم عند ولدها الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف). وهذا المصحف ليس القرآن بل هو كتاب كسائر الكتب التي كتبها الأئمة الطاهرون (عليهم السلام).. قال الإمام الصادق (عليه السلام) عن مصحف فاطمة (عليها السلام): «إن فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام) ». وقال الصادق (عليه السلام): «وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليها السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة». وعن حماد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال في حديث: «تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام) قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ، فأرسل الله إليها ملكاً يسلي غمها ويحدّثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا، ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون». وفي حديث عن الصادق (عليه السلام): «مصحف فاطمة (عليها السلام) ما فيه شيء من كتاب الله وإنما هو شيء اُلقي عليها بعد موت أبيها صلى الله عليهما».

إيضاح:

قوله: (ليس فيه شيء من القرآن) لأن القرآن وإن اشتمل على الأسس والكليات والإشارات ونحوها إلاّ أنه بظاهره لا يشتمل على تلك الأحداث، فإن المستفاد من تلك الإشارات بالنسبة إلى الأناس العاديين ليس إلاّ ظواهرها، ولذا

ص: 227

يحتاج إلى تفسير الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).

مضافاً إلى كون القرآن معجزة حتى في أسلوبه وفصاحته وبلاغته وهو مشتمل على التحدي حتى بآية واحدة، مما لا يكون غيره كذلك.

وذلك مثل (الحديث القدسي) فإنه من الله تعالى لكن (ليس فيه شيء من القرآن)، وككثير من أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكغالب نهج البلاغة والصحيفة السجادية.

ويوضح ذلك قولها: (ووقائع تكون في ذريتي) فإن الأحاديث التي تجري على ذريتهم (صلوات الله عليهم) غير مذكورة في ظاهر الكتاب، وهي أحداث كثيرة جداً على امتداد مئات السنين.

ولا يخفى احتمال أن يكون (وقائع..) عطف بيان ل (أشياء)، ويحتمل أن يكون عطفاً للخاص على العام، ويحتمل كونه عطفاً للمباين بإرادة غير الأحداث من (الأشياء)(1).

استحباب الكتابة

مسألة: تستحب الكتابة وضبط المطالب المهمة، وإن أمكن حفظها في الذهن، فإن (ما كتب قرّ وما حفظ فرّ)(2).

إذ الكتابة تبقى بينما المحفوظ حتى إذا بقي في ذهن الحافظ لا ينتقل إلى ذهن سائر الناس غالباً إلاّ بالمذاكرة والإلقاء، وفائدتهما ليست كفائدة الكتابة، حيث

ص: 228


1- كالمسائل العلمية مثلاً.
2- قول مشهور.

إن الكتابة غير محدودة بينما الحفظ والإلقاءمحدودان غالباً.

وقد ورد الأمر بالكتابة في أحاديث عديدة، منها ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «قيدوا العلم بالكتابة»(1).

وعن أبي بصير قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) «اكْتُبُوا فَإِنَّكُمْ لا تَحْفَظُونَ إِلا بِالْكِتَابِ»(2).

وعن أبي بصير قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَسَأَلُونِي عَنْ أَحَادِيثَ وَكَتَبُوهَا، فَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْكِتَابِ، أَمَا إِنَّكُمْ لَنْ تَحْفَظُوا حَتَّى تَكْتُبُوا»(3).

وإنما قلنا: (المطالب المهمة) لوضوح أن الجزئيات لا حصر لها ولا عدّ ولا ينفع في الأكثر كتابتها.

ثم إن الظاهر: أن الكتابة على الورق لا موضوعية لها، فيكفي كل ما يكتب فيه، مما كان قديماً أو استحدث جديداً، فالقديم كأوراق البردي(4)،والجديد كمختلف الأجهزة الحديثة(5).

ص: 229


1- السرائر: ج1 ص44.
2- مستدرك الوسائل: ج17 ص285 ب8 ح21359.
3- مستدرك الوسائل: ج7 ص49 - 50 ب1 ح7623.
4- الفافير أو ورق البردي نوع قديم من الورق المصنوع من نبات البردي، وهو نبات طويل من جنس السعد تمتد سيقانه إلى أعلاه، وهي ذات مقطع مثلث الشكل، وأزهاره خيمية الشكل، ويرتفع نبات البردي من خمسة إلى تسعة أمتار، وكان المصريون القدامى يستخدمون هذا الورق لكتابة الهيروغليقية وتسجيل أحداثهم وعلومهم وآدابهم.
5- كالحاسوب والأقراص المدمجة أو غيرها.

استحباب الإملاء

مسألة: هل يستحب (الإملاء) أيضاً؟

الظاهر إنه طريقي.

ولعلّ إملائها عليه (صلوات الله عليهما)، كان لمزيد التوثيق والتأكيد، وإلا فإن من الكافي قطعاً كتابتها (صلوات الله عليها).

ومنه يظهر استحباب الإتقان والتوثيق في مثل تلك الأعمال، وقد سبق تفصيله في بعض الأجزاء السابقة.

كما أن المستظهر من (لمّا توفي) أن سماعها من يحدثها كان بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) بلا فصل أو بلا فصل معتد به، وكأنه كان لتعويضها عن فقد أبيها (صلوات الله عليهما).

اسم الكتاب

مسألة: يستحب تسمية الكتاب باسم، فلا يترك بلا عنوان، كما صنع علي (عليه السلام) حيث سمّى الكتاب باسم (مصحف فاطمة).

وهذا ليس خاصاً بالكتاب، فإن من المستحب تسمية الأشياء، كما ورد في روايات عديدة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسمي كل شيء مرتبط به حتىالعصا والفرس والحمار وغير ذلك(1).

ص: 230


1- روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج16 ص97- 98 ب6 ح36، عن خصال الشيخ الصدوق، بسنده عن ابن عباس، قال: قدم يهوديان فسألا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أشياء، وسألا عن وصف النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال فيما قال: «كان عمامته السحاب، وسيفه ذو الفقار، وبغلته دلدل، وحماره يعفور، وناقته العضباء، وفرسه لزاز، وقضيبه الممشوق» الخبر. قال العلامة المجلسي توضيحاً: (بيان: قال في النهاية: فيه إنه كان اسم عمامة النبي (صلى الله عليه وآله) السحاب، سميت به تشبيهاً بسحاب المطر، لانسحابه في الهواء. وقال: دلدل في الأرض: ذهب ومرّ، يدلدل ويتدلدل في مشيه: إذا اضطرب، ومنه الحديث: كان اسم بغلته دلدل. وقال: فيه إن اسم حمار النبي (صلى الله عليه وآله) عفير، وهو تصغير تحقير لأعفر، من العفرة وهي الغبرة، ولون التراب، وفي حديث سعد بن عبادة أنه خرج على حماره يعفور ليعوده. قيل: سمي يعفوراً للونه من العفرة، كما قيل في أخضر: يخضور، وقيل: سمي به تشبيهاً في عدوه باليعفور وهو الظبي، وقيل: الخشف. وقال: فيه كان اسم ناقته العضباء، هو علم لها، منقول من قولهم: ناقة عضباء، أي مشقوقة الأذن، ولم تكن مشقوقة الأذن، وقال بعضهم: إنها كانت مشقوقة الأذن، والأول أكثر. وقال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي القصيرة اليد. وقال: فيه كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فرس يقال له: اللزاز، سمي به لشدة تلززه واجتماع خلقه، ولزبه الشيء، أي لزق به، كأنه يلزق بالمطلوب لسرعته. وقال الفيروزآبادي: جارية ممشوقة: حسنة القوام، وقضيب ممشوق: طويل دقيق).انتهى. وفي رواية أخرى رواها الحر العاملي في وسائل الشيعة: ج26 ص102- 103 ب4 من أبواب موجبات الإرث ح8، قال الحسن بن علي الوشاء: سألت مولانا أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): هل خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير فدك شيئاً؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلف حيطاناً بالمدينة صدقه، وخلف ستة أفراس، وثلاث نوق: العضباء والصهباء والديباج، وبغلتين: الشهباء والدلدل، وحماره اليعفور، وشاتين حلوبتين، وأربعين ناقة حلوباً، وسيفه ذا الفقار، ودرعه ذات الفضول، وعمامته السحاب، وحبرتين يمانيتين، وخاتمه الفاضل، وقضيبه الممشوق، ومراتب من ليف، وعباءتين قطوانيتين، ومخاداً من أدم، فصار ذلك إلى فاطمة (عليها السلام) ما خلا درعه وسيفه وعمامته وخاتمه، فإنه جعلها لأمير المؤمنين عليه السلام». وجاء من وصف أمير المؤمنين للنبي (صلى الله عليه وآله) قوله: «سريره أم غيلان مرمل بالشريف، كان له عمامتان إحداهما تدعى السحاب، والأخرى العقاب، وكان سيفه ذا الفقار، ورايته الغراء، وناقته العضباء، وبغلته دلدل، وحماره يعفور، وفرسه مرتجز، وشاته بركة، وقضيبه الممشوق، ولواؤه الحمد.. »الرياض النضرة: ج3 ص163.

ص: 231

وذلك من مصاديق الإتقان، وقد ورد«رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه»(1)، وفيه فوائد عديدة أخرى(2).

وقد ذكر جملة من المفسرين في قوله سبحانه: «وَعَلَّمَ

آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»(3) أنها أسماء جميع المسميات(4)، هذا بالإضافة إلى ماورد في تفسير الآية

ص: 232


1- راجع أمالي الشيخ الصدوق: ص468 المجلس61 ح2، بإسناده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: «أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب، فلما أن حنط وكفن وحمل على سريره، تبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى لحده وسوى اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً، يسد به ما بين اللبن، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه.. »الخبر.
2- كالاقتصاد في الوقت؛ فإن عدم التسمية أو جهل الاسم سبب في إضاعة وقت قليل أو كثير في التعريف بالشيء أو البحث عنه.
3- سورة البقرة: 31.
4- ما عرفه البشر وما لم يعرفه. قال الشيخ الطبرسي في تفسير جوامع الجامع: ج1 ص92: (أي أسماء المسميات كلها، فحذف المضاف إليه لكونه معلوماً مدلولاً عليه بذكر الأسماء، لأن الاسم لابد له من مسمى، وعوض منه اللام كقوله: «واشتعل الرأس شيباً»، وليس التقدير: وعلم آدم مسميات الأسماء، فيكون حذفاً للمضاف، لأن التعليم يتعلق بالأسماء لا بالمسميات، لقوله: «أنبئوني بأسماء هؤلاء»، ومعنى تعليمه أسماء المسميات أنه أراه الأجناس التي خلقها، وعلمه أن هذا اسمه فرس وهذا اسمه كذا، وعلمه أحوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية). وقد ورد في تفسير العياشي: ج1 ص32- 33 ح11وح13 ما يلي: عن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) سألته عن قول الله: «وعلم آدم الأسماء كلها» ماذا علمه؟ قال: «الأرضين والجبال والشعاب والأودية»، ثم نظر إلى بساط تحته فقال: «وهذا البساط مما علمه». وعن داود بن سرحان العطار قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بالخوان، فتغدينا ثم جاؤوا بالطشت والدست سنانه فقلت: جعلت فداك قوله: «وعلم آدم الأسماء كلها» الطشت والدست سنانه منه؟ فقال: «والفجاج والأودية وأهوى بيده كذا وكذا».

من أن المراد بالأسماء أسامي الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، والظاهر أنه من باب أظهر المصاديق فلا تنافي.

عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: « «وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا» أسماء أنبياء الله، وأسماء محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والطيبين منآلهما (عليهم السلام) وأسماء خيار شيعتهم وعتاة أعدائهم»(1).

والغالب أنّا لا نحفظ الأسماء حتى بالقدر الموجود بأيدينا، فكيف بغيره، مثلاً: ذكر جماعة من علماء الأحياء أن عدد أصناف الحيوان والأشجار في العالم هو ثلاثون مليوناً، مع وضوح أن هذه الثلاثين مليوناً لا اسم لأكثرها، وما له اسم منها لا يحفظ إلاّ في أمهات الكتب المعنية بها.

وكذلك الحال في أسماء الألوان، وقد ذكر بعض العلماء أن عدد الألوان

ص: 233


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص217.

في العالم الحاصلة من تركيب بعضها ببعض أربع وعشرون مليون لون، وهكذا بالنسبة إلى المشمومات مثلاً: رائحة الدهن ورائحة العطور على اختلافها، وكذلك كثير من الأشياء التي لها رائحة خاصة لا اسم لها، أو لا نعرف لها اسماً، ويتضح الأمر أكثر لو علمنا أن بعض العلماء قدّر ما يوجد في المعاجم الكبيرة جداً وغيرها مليون كلمة! وكم منّا يحيط بها كلها؟

الوحي وحديث الملائكة

ولا يخفى أن حديث الملائكة معها(عليها السلام)، يختلف عن الوحي إلى الأنبياء (عليهم السلام) بعنوان النبوة، فإن الوحي أيضا على أقسام، فما نحن فيه من قبيل:«وَإِذْ قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ»(1)، إلى غير ذلك.

وقد يطلق الوحي على الإلقاء في القلب مثل: «إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى»(2)، ومثل قوله سبحانه: «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ»(3) وهكذا، فإن الملائكة كانت وتكون تحدّث الأولياء (عليهم السلام) فكيف بمثل الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام)، وقد قال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ»(4) إلى غير ذلك مما في الآيات والروايات.

أما الوحي بمعنى ما يوحى إلى الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) بما هم أنبياء، أو

ص: 234


1- سورة آل عمران: 42.
2- سورة طه: 38.
3- سورة النحل: 68.
4- سورة فصلت: 30.

بعنوان النبوة، فإنه مختص بهم (عليهم السلام).

فضائل الصديقة وأنها محدثة

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة(صلوات الله عليها) كانت مرتبطة بعالم الغيب، وأنها محدَّثة تحدثها الملائكة.

فكما أن الملائكة كانت تحدّث مريم (عليها السلام) كذلك الصديقة فاطمة (عليها السلام).

قال سبحانه: «وَإِذْ قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ»(1).

ثم إن بيان فضائلها (عليها السلام) ومنها كونها محدثة، له جانب موضوعي وجانب طريقي.

أما الموضوعي: فإنه بنفسه عبادة، لظهور بعض روايات فضائلهم في ذلك.

وأما الطريقي: فإنه يوجب تعلّق الناس بعالم الغيب وارتباطهم به أكثر، كما يوجب شدة التفاف الناس حولها (عليها السلام) واستفادتهم من كلماتها، واتخاذها أسوة فيما ينفع الدين والدنيا.

ص: 235


1- سورة آل عمران: 42- 43.

عدة مسائل

* مسألة: يستحب كتابة ما يعلم به الإنسان عبر الطرق المعتبرة شرعاً من الأمور المستقبلية، حتى وإن كانت الاستفادة محدودة جداً أو لأفراد قلائل.

* مسألة: يستحب كتابة ما يمليه العظيم، من معصوم (عليه السلام) أو عالم أو خبير أو ما أشبه. وربما يكون منه ما تعارف اليوم من كتابة التقريرات، والكتابة تنفع في تثبيت العلوم في الذهن، وفي الإيحاء للنفس، كما تنفع الآخرين عند نشرها، وقد ورد: «زكاة العلم نشره»(1).

* مسألة: يستحب أن يهتم الزوج بما تقوله زوجته إذا كان في ذلك الفائدة، واستفادة ذلك من الرواية مبني على تعدد المطلوب في مثل استجابته لها (صلوات الله عليهما) واهتمامه بما ذكرته، كما لعله لا يبعد، دون ما لو استفيدت الحيثية التقييدية، وأن مقامها وخصوصياتها (عليها السلام) هي تمام العلة للاهتمام.* مسألة: يستحب أن تستجيب الزوجة لما يطلبه الزوج، ضمن الموازين الشرعية، حيث قال (عليه السلام): فإذا سمعتيه فأمليه عليّ، ففعلت، نعم لا تجب الاستجابة في غير حقيه المعروفين(2).

وأما مثل قوله (عليه السلام): «فأمليه» فهل يدل على الوجوب وأنه مولوي؟ لا يبعد كونه طلباً إرشادياً، مع ملاحظة مقامها وأنها كفوه (عليهما السلام).

ص: 236


1- مستدرك الوسائل: ج7 ص46 ب16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح6.
2- أي حق الاستفراش وحق الخروج من المنزل.

* مسألة: ينبغي رعاية حق الغير العقلي والشرعي والعرفي وما أشبه، فإن الإمام (صلوات الله عليه) مع أنه هو الذي كتب الكتاب لكن سمّاه باسم مصحف فاطمة (عليها السلام) حيث أخذه منها، وقد ذكرنا في (الفقه) أن الحق عرفي وما عدّ حقاً حرم انتهاكه.

* مسألة: يستحب بيان علة الشيء وحكمته، فإن الإمام (عليه السلام) بين وجه التسمية بقوله: لأنها كانت محدثة.

* مسألة: يستحب بيان بعض تفاصيل الشيء إذا كان في ذكره الفائدة، حيث ذكر الإمام (عليه السلام) شيئاً عن مصحف فاطمة (عليها السلام) وأنه بقدر القرآن ثلاث مرات وأنه ليس فيه شيء منه.* مسألة: يجب كتمان الأسرار عن غير أهلها، ويجب أو يستحب إيداعها عند أهلها؛ ولذا لم تقل (عليها السلام) ذلك لغيره، ولم يشهده (عليه السلام) للكل بل كتمه وأخفاه إلا عند أبنائه المعصومين (عليهم السلام) يتوارثونه.

ص: 237

حين خطبها أمير المؤمنين (علیهما السلام)

اشارة

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت: «رضيتُ بالله رباً، وبك يا أبتاه نبياً، وبابن عمي علي بعلاً وولياً»(1).

-------------------------------------------

رضا البنت بالزوج

مسألة: يستحب رضى البنت بالخاطب إذا كان رضياً، وأن لا تتعلل لرد هذا أو ذاك، بما تعارف التعلل به رغم كون الخاطب ممن يُرضى دينه وخلقه.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه «إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ»(2)»(3).

وإنما يستفاد الاستحباب لأن قولهم وفعلهم وتقريرهم (عليهم السلام) كلها حجة، وفاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) صديقة مصدقة كسائر الصديقين (صلوات الله عليهم أجمعين).

هذا بالإضافة إلى الأدلة العامة التي تدل على استحباب إجابة الداعي، خصوصاً إذا كان الداعي معصوماً، ومثلعلي (عليه الصلاة والسلام)، واستفادة

ص: 238


1- بحار الأنوار: ج43 ص151 ب6 ذيل ح6.
2- سورة الأنفال: 73.
3- الكافي: ج5 ص347 باب آخر منه ح2.

الأعم من الأخص موقوفة على تعدد المطلوب في مثل ذلك كما سبق.

ذكر الله والنبي والآل

مسألة: يستحب التأكيد في المناسبات المختلفة، وفي المناسبات الخاصة والعامة على الانقياد لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

فإن قول الصديقة (عليها الصلاة والسلام): «رضيتُ بالله رباً، وبك يا أبتاه نبياً»، يدل على ذلك ولو بدلالة الاقتضاء بالمعنى الأعم، إذ قد يطلق الاقتضاء على ما هو اصطلاح أصولي وهو ما يتوقف صدق الكلام أو صحته عليه، وقد يطلق بالمعنى اللغوي، أي إذا ألقي إلى العرف يفهمه.

وبعبارة أخرى: بتنقيح المناط العرفي يفهم الاستحباب مطلقاً.

ولا يخفى أن التأكيد المذكور مما يشمله عموم الآيات والروايات مثل قوله سبحانه: «اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»(1).

وقوله تعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ»(2).إلى غير ذلك.

ص: 239


1- سورة الأحزاب: 41.
2- سورة البقرة: 152.

الاعتقاد والرضا بالتوحيد

مسألة: يجب الاعتقاد والرضا بربوبية الله تعالى، وقد دلت الأدلة العقلية والنقلية على وجوب ذلك.

أما الاعتقاد بالربوبية فلا إشكال فيه، فغير المعتقد ليس بمسلم وإن تلفظ بلفظ الشهادة.

وأما الرضا فمطلوب للانسياق الكوني، على ما تقدمت الإشارة إليه، وفي الأحاديث: «رضي بالله رباً».

والرضا القلبي اختياري باختيارية مقدماته، قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ»(1).

وقال سبحانه: «رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ»(2).

وقال تعالى: «أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ»(3).

وقال سبحانه: «وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ»(4).

فلا يقال: كيف يتعلق الحكم التكليفي (الأعم من اللاقتضائي واللاقتضائي) بغير المقدور.وتفصيل الكلام في علم الكلام.

ص: 240


1- سورة التوبة: 59.
2- سورة التوبة: 87.
3- سورة التوبة: 38.
4- سورة الأحزاب: 51.

الاعتقاد والرضا بالرسالة

مسألة: يجب الاعتقاد والرضا بنبوة الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، وقد تقدم وجه وجوب الاعتقاد والرضا.

وفي الأحاديث(1) بعد (رضيت بالله رباً): «وبمحمد نبياً».

ولا يخفى أن للرضا القلبي بنبوته (صلى الله عليه وآله) وكذا إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر المعتقدات الحقة، تأثيراً تكوينياً على الجسم والنفس والروح والعقل، بل وعلى الطبيعة أيضاً.

وعن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا»(2) الآية، قال: «إن رهطاً من اليهود أسلموا، منهم : عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا : يا نبي الله ، إن موسى (عليه السلام) أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله، ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْرَاكِعُونَ»(3)، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا. فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم، هذا الخاتم. قال: من أعطاك؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال: على أي حال أعطاك؟

ص: 241


1- أمالي الشيخ الصدوق: ص186 المجلس26 ح4.
2- سورة المائدة: 55.
3- سورة المائدة: 55.

قال: كان راكعاً. فكبر النبي (صلى الله عليه وآله) وكبر أهل المسجد ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): علي بن أبي طالب وليكم بعدي، قالوا: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبعلي بن أبي طالب ولياً. فأنزل الله عز وجل: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»(1)». فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتماً وأنا راكع، لينزل فيّ ما نزل في علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما نزل.

الاعتقاد والرضا بالولاية

مسألة: يجب الاعتقاد والرضا بولاية علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد تقدم دليل ذلك فيما سبق، وفي الأحاديث: «وبعلي إماماً».

كما يجب الاعتقاد بولاية سائرالأئمة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام).

وقد تقدم في بعض المباحث السابقة وجوب الاعتقاد بعصمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) والرضا بأنها ولي الله وحجة الله، فإن نورهم واحد، ولها الولاية أيضاً، بل هي حجة الله على الحجج.

وقد سبق أن الرضا وإن كان قلبياً إلا أنه اختياري، ولا تنافيه أخبار الطينة؛ لأنها مقتضية، ولا تبلغ حد الإلجاء، بل ربما كانت الطينة لسبق عصيانه أو تباطؤه في عوالم سابقة.

ص: 242


1- سورة المائدة: 56.

التلفظ بالمعتقدات الحقة

مسألة: يستحب التلفظ بهذه الكلمات المباركة مطلقاً، وعند الخطوبة، على ما يستفاد من قول الصديقة فاطمة (عليها السلام) في خطبتها، وفي ذلك الخير والبركة واللطف الإلهي.

ومن ذلك يعرف أن ما تعارف عند الكثير من العوائل المتدينة من قراءة حديث الكساء أو غيره في مجلس العقد أو الزواج في محله، إذ تشمله الإطلاقات.

كما أن كلامها (صلوات الله عليها) ههنا قد يصلح مستنداً لذلك أيضاً، استناداً إلى دلالته عرفاً على عدم الخصوصية ومطلوبية الجامع.

الشهادة الثالثة

مسألة: يستحب أو يلزم أن يقرن الإنسان الشهادتين بالشهادة الثالثة مطلقاً(1)،ومنه في ابتداء الحديث، أو الخبر، أو التدريس أو الخطبة أو ما أشبه.

ص: 243


1- روى القاسم بن معاوية قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله، محمد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: «سبحان الله غيروا كل شيء حتى هذا " قلت: نعم. قال: «إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل السماوات كتب في أكتافها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الجبال كتب في رؤوسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه السلام». الاحتجاج: ج1 ص230231.

كما أن منه في الأذان والإقامة، حيث بينا أن الشهادة الثالثة جزء منهما، وتفصيله في (الفقه)، وقد ذكر العديدمن الفقهاء أن الشهادة الثالثة جزء من الأذان(1).

ص: 244


1- مرّت الإشارة إلى هذا البحث سابقاً فراجع.

ليلة العرس ومتاع الجنة

اشارة

في حديث: قالت النساء: من أين لك هذا يا فاطمة؟

فقالت: «من أبي»، فقلن: من أين لأبيك؟

قالت: «من جبرئيل»، فقلن: من أين لجبرئيل؟

قالت: «من الجنة»، الخبر(1).

-------------------------------------------

متاع الزواج

مسألة: يستحب إهداء الأب متاع الزواج لابنته، كما أهدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابنته الصديقة (عليها السلام) ذلك، على ما يستفاد من هذا

ص: 245


1- وتمام الحديث ما نقله الشيخ الأميني (رحمه الله) في الغدير: ج2 ص319 قال: وفي نزهة المجالس ج2 ص226 عن العقائق: إن فاطمة (عليها السلام) بكت ليلة عرسها، فسألها النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فقالت له: «تعلم أني لا أحب الدنيا ولكن نظرت إلى فقري في هذه الليلة أن يقول لي علي: بأي شيء جئت؟!» فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «لك الأمان فإن علياً لم يزل راضياً مرضياً». ثم بعد ذلك تزوجت امرأة من اليهود وكانت كثيرة المال فدعت النساء إلى عرسها، فلبسن أفخر ثيابهن، ثم قلن: نريد أن ننظر إلى بنت محمد وفقرها، فدعونها، فنزل جبريل بحلة من الجنة، فلما لبستها واتزرت وجلست بينهن رفعت الإزار فلمعت الأنوار، فقالت النساء: من أين لك هذا يا فاطمة؟! فقالت: «من أبي». فقلن: من أين لأبيك؟، قالت: «من جبريل». قلن: من أين لجبريل، قالت: «من الجنة». فقلن: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فمن أسلم زوجها استمرت معه وإلا تزوجت غيره.

الحديث الشريف.

مضافاً إلى الأدلة العامة الدالة على صلة الرحم، وعطف الوالد على أولاده، وما أشبه، بالإضافة إلى روايات الهدية ونحوها، هذا في غير ما عدّ من نفقتها، وإلاّ وجب.

مصدر الأمتعة

مسألة: يجوز السؤال عن مصدر أمتعة الزواج، كما هو متعارف بين بعض الأسر، بل الجواز في مطلق الأمتعة، بل الأعم منها، إلاّ ما خرج بالدليل، كما فيما لو سبّب الإيذاء، فإن إيذاء المؤمن محرم.

والجواز مستفاد من هذا الحديث، لا أكثر من الجواز، نعم قد يستفاد الرجحان من مناسبات الحكم والموضوع، أو من انطباق عنوان راجح كما في المقام، إذا أريد منه إظهار فضلها (عليها السلام) وكرامتها لدى الله تعالى.

نعم قد لا يجوز السؤال، أو يكونمكروهاً، كما قال سبحانه: «لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1).

كما أنه قد يجب السؤال بالنسبة إلى الأحكام الشرعية المبتلى بها أو نحو ذلك، قال سبحانه: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2).

ص: 246


1- سورة المائدة: 101.
2- سورة النحل: 43.

متاع من الجنة

مسألة: يستحب بيان أن متاعها (سلام الله عليها) ليلة عرسها كان من الجنة.

فإن بيان ذلك يوجب شدة الالتفاف حولها، مما يوجب سعادة الإنسان الملتف ديناً ودنياً وآخرةً.

ولا يخفى أن المراد بمتاعها بعض المتاع، لا كل المتاع، وإلاّ فقد ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بشراء المتاع لها، فبعض المتاع كان من الجنة، وبعضها قد اشتري(1).

ص: 247


1- قال السيد المؤلف (قدس سره) في كتاب (من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام) تحت عنوان (الجهاز البسيط): كان جهاز الصديقة فاطمة (عليها السلام) من ثياب وأثاث بيت وما أشبه، جهازاً بسيطاً عادياً جداً، جُلّ ذلك من الخزف، أما ما تعارف اليوم من ضرورة إعداد جهاز فخم فهو مما سبّب تأخير الزواج وبقاء الشباب والفتيات في العزوبة. قال علي (عليه السلام): ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قم فبع الدرع، فقمتُ فبعته وأخذت الثمن ودخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسكبت الدراهم في حجره، فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته، ثم قبض قبضة ودعا بلالاً فأعطاه فقال: ابتع لفاطمة (عليها السلام) طيباً، ثم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الدراهم بكلتا يديه فكانت ثلاثة وستين أو ستة وستين، فأعطاها أم أيمن وبعض الأصحاب لابتياع متاع البيت، فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وسرير مزمل بشريط، وفراشين من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر، وستر من صوف، وحصير هجري، ورحى لليد، ومخضب من نحاس، وسقاء من أدم، وقعب للبن، وشن للماء، ومطهرة مزفتة، وجرة خضراء، وكيزان خزف، فلما عرض المتاع على رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل يقلّبه بيده ويقول: بارك الله لأهل البيت». وفي رواية: «أنه لما وضع بين يديه (صلى الله عليه وآله) بكى ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف».

ولعلّ من أسرار كون متاعها (عليها السلام) من الجنة: تعويضاً عن فقدها أمها خديجة الكبرى (صلوات الله عليها)، وإظهار فضلها ومقامها لدى الله تعالى، للموافق كي يزداد إيماناً، وللمخالف لتكون الحجة عليه أتم، ولتأكيد كون أصل زواجها بعلي (عليهما السلام) بأمر الله تعالى، إضافة إلى ما لمتاع الجنة من الآثار التكوينية الوضعية.

ص: 248

نزول المائدة من السماء

اشارة

وفي الحديث(1): ثم وثبت فاطمة بنت محمد (عليها السلام) حتى دخلت إلى مخدع لها، فصفّت قدميها فصلّت ركعتين، ثم رفعت باطن كفيها إلى السماء وقالت: «إلهي وسيدي، هذا محمد نبيك، وهذا علي ابن عم نبيك، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيك، إلهي أنزل علينا مائدة من السماء كما أنزلتها على بني إسرائيل(2)، أكلوا منها وكفروا بها(3)، اللهم أنزلها علينا فإنا بها مؤمنون».

ص: 249


1- وهو حديث طويل نقله العلامة المجلسي في بحاره ج43 ص6974 ب3 ح61، وقريب منه رواه الشيخ فرات الكوفي في تفسيره ص525526 ح676.
2- إشارة إلى قوله تعالى: «إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ» سورة المائدة: 112115.
3- جاء في تفسير الإمام العسكري عليه السلام ص565: «قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله ان قوم عيسى لما سألوا عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله وتعالى: «اني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين» فأنزلها عليهم، فمن كفر بعد منهم مسخه الله اما خنزيرا، واما قردا واما دبا وأما هرا، واما على صورة بعض من الطيور والدواب التي في البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ».

قال ابن عباس: والله ما استتمت الدعوة فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها(1)، وإذا قتارها أزكى من المسك الأذفر(2)،

فاحتضنتها، ثم أتت بها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام).

فلما أن نظر إليها علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال لها: يا فاطمة، من أين لك هذا؟ ولم يكن عهد عندها شيئاً.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): كُل يا أبا الحسن ولا تسأل، الحمد لله الذي لم يمتني حتى رزقني ولداً، مثلها مثل مريم بنت عمران، «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(3).

قال: فأكل النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) ..

-------------------------------------------

الدعاء لطلب الرزق

مسألة: يستحب طلب الرزق من الله عز وجل.

فإن مطلق الطلب من الله سبحانه وتعالى مستحب، وفي الآية الكريمة: «وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ»(4)، وهذا الطلب مطلوب طريقياً كما هو مطلوب موضوعياً.

ص: 250


1- القتار: ريح الشواء. الصحاح للجوهري: ج2 ص785 مادة(قتر).
2- الذفر بالتحريك: كل ريح ذكية من طيب أو نتن، يقال: مسك أذفر بين الذفر. الصحاح للجوهري: ج2 ص663 مادة (ذفر).
3- سورة آل عمران: 37.
4- سورة النساء: 32.

والمراد بالرزق: الأعم مما يؤكل أو يشرب أو يلبس أو الزوجة أو الجاه أو المال أو المنصب أو غير ذلك، فإنها كلها من رزق الله عز وجل على العباد.

ولا فرق في حسن طلب الرزق بين الصغير والكبير، والخطير والحقير في عرف الناس، فقد ورد أن الله تعالى أوصى موسى (عليه السلام) أن يطلب منه جميع حاجاته حتى علف شاته، وملح عجينه(1).

وفي الروايات طلب الحوائج حتى شسع النعل لو انقطع(2).

اتخاذ المخدع

مسألة: يستحب اتخاذ (المخدع)(3) في البيت للزوجين تأسياً بها (صلوات الله عليها)، ولأنه أستر وأقوى في إيجاد الطمأنينية والاستقرار وتوفير الراحة وأدعى للألفة.

ص: 251


1- انظر جامع أحاديث الشيعة: ج15 ص200 ب2 من أبواب الدعاء ح10 عن عدة الداعي: ففي الحديث القدسي: «يا موسى سلني كلما تحتاج إليه حتى علف شاتك وملح عجينك».
2- انظر جامع أحاديث الشيعة: ج15 ص200 ب2 من أبواب الدعاء ح11: وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «سلوا الله عز وجل ما بدا لكم من حوائجكم حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لم يتيسر»، وقال: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع».
3- المخدع: بيت صغير داخل بيت كبير (مخدع النوم) قسم أجوف من غرفة يوضع فيه سرير. وفي تاج العروس: ج11 ص87: (والمخدع كمنبر ومحكم: الخزانة،.. والمراد بالخزانة البيت الصغير يكون داخل البيت الكبير.. وأصل المخدع من الإخداع، وهو الإخفاء).

النظام والإتقان

مسألة: يستحب النظام والإتقان في كل شيء، وقد يجب، سواء في الشؤون الدنيوية أم الآخروية.

وهذا ما يستفاد من الكثير من النصوص بالمطابقة أو الالتزام أو بذكرها المصداق، ومنه فعلها (صلوات الله عليها) ههنا حيث (صفّت قدميها) حيث يستفاد منه استحباب ذلك في الصلاة.

ثم الصف أعم من صف الأبدان ومن صف الأرواح أو القلوب أو غيرها، قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»(1).

بل عالم الملأ الأعلى كذلك، قال تعالى: «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا»(2).

وفي تفسير الصافي عن القمي (رحمه الله)(3) قال: الملائكة والأنبياء ومن صف لله وعبده(4).

ص: 252


1- سورة الصف: 4.
2- سورة الصافات: 1.
3- تفسير القمي: ج2 ص218.
4- التفسير الصافي: ج4 ص264.

المسارعة والمبادرة

مسألة: تستحب المسارعة في طلب الحاجة من الله تعالى، كما يستفاد ذلك من فعلها (صلوات الله عليها) إذ (وثبت).

مسألة: تستحب المبادرة إلى توفير مقدمات الضيافة، سواء كانت مقدمات مادية أو غيبية، كما بادرت (عليها السلام) إذ (وثبت).

منزلة أهل البيت

مسألة: يستحب، وقد يجب إظهار منزلة أهل البيت (عليهم السلام) للآخرين، كما أظهرت (عليها السلام) منزلتهم بتوسلها بهم لنجح الطلبة والحاجة، بل كما أظهرت منزلتهم بهذه الكرامة (أي بطلب تعلم أن الله لا يردها فيه فيظهر بذلك فضلها وفضل أبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام)، وكما أظهر النبي (صلى الله عليه وآله) فضلهم بقوله: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى رزقني ولداً .. ».

فإن إظهار منزلتهم (عليهم الصلاة والسلام) يوجب التفاف الناس حولهم، ومن المعلوم أن التفاف الأمة حول القيادة الصحيحة الإلهية يوجب خير الدنيا والآخرة.وقد ورد في حديث الأركان الخمسة: «ولم يُنادَ بشيء كما نودي بالولاية»(1).

وكل ما نراه من الانحراف في الدنيا أو العذاب الموعود به في الآخرة، فإنما

ص: 253


1- الكافي: ج2 ص18 باب دعائم الإسلام ح1 وح3.

هو بسبب عدم الالتفاف حولهم (عليهم السلام) وعدم الانقياد للولاية الشرعية التي جعلها الله سبحانه وتعالى للمعصومين (صلوات الله عليهم).

قال سبحانه: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1).

وقال تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2).

محورية الرسول

مسألة: يلزم أن يجعل الرسول (صلى الله عليه وآله) المحور في كل الأمور، في التشريع والدعاء والأخبار وغير ذلك حسب اقتضاء المقام.

ومن ذلك: المحورية في التعبير فيبدأ الكلام به(3)، وإرجاع غيره إليه،كما صنعت (صلوات الله عليها) حيث ابتدأت به (صلى الله عليه وآله) ثم أرجعت غيره إليه: «هذا محمد نبيك، وهذا علي ابن عم نبيك، وهذا الحسن والحسين سبطا نبيك».

ص: 254


1- سورة الأعراف: 96.
2- سورة المائدة: 55.
3- قال القاضي عياض وهو من علماء العامة في كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): ج2 ص68: ومن مواطن الصلاة التي مضى عليها عمل الأمة ولم تنكرها: الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) في الرسائل وما يكتب بعد البسملة، ولم يكن هذا في الصدر الأول، وأحدث عند ولاية بنى هاشم فمضى به عمل الناس في أقطار الأرض ومنهم من يختم به أيضا الكتب، وقال (صلى الله عليه وآله): «من صلى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمى في ذلك الكتاب» انتهى.

من مستثنيات الغيبة

مسألة: من مستثنيات الغيبة قوم عاقبهم الله تعالى أو كفروا بنعمة من نعمه، فيذكر ذلك للتنبيه والاعتبار، وقد قالت الصديقة (عليها السلام): «أكلوا منها وكفروا بها».

وقد تكرر في القرآن الكريم ذكر أمثال ذلك بالنسبة للأقوام والملل الطاغية أو العاصية المتجبّرة.

الولد والذرية

مسألة: (الولد) وكذا (الذرية) يطلق كل منهما على الابن والبنت، كما قال (صلى الله عليه وآله) هنا: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرزقني ولداً».

وكما في الآية الشريفة: «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ»(1).

وعلى هذا فكل حكم شرعي كان موضوعه الولد فإنه شامل لهما معاً، إلا ما خرج بالدليل، كقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»(2).

ص: 255


1- سورة الأنعام: 84 - 85.
2- سورة النساء: 11.

استفهام العارف

مسألة: يرجح استفهام العارف إذا كان لغرض عقلائي، ومنه التحبيب والتحبب، ومنه إظهار الإجابة للآخرين، إلى غير ذلك.

السؤال من الزوجة

مسألة: ينبغي السؤال من الزوجة عما أتت به إذا لم يعهده الزوج في بيته من قبل، في غير ما كان على الأصول والقواعد، كلما كان في دائرة الإتقان(1)، ويكفي إذا كان في دائرة الوقاية(2).

نعم كان سؤال الإمام (عليه السلام) للتعليم وبيان فضل الصديقة فاطمة (عليها السلام).

ثم إن السؤال من الزوجة هو مقتضىالإتقان في العمل(3)، وهو مقتضى قوّامية الرجل على زوجته، حيث لابد من مدير للأسرة، وحيث اللازم - في غير المعصوم والمعصومة (عليهما السلام) - إلتفاته إلى مداخلها ومخارجها وسائر أفعالها حتى لا تنحرف أو تشط أو تتخبط، كل ذلك في إطار «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ»(4) ، وكلما كان مصداقاً للإتقان أو الوقاية، لا الوسوسة وسوء

ص: 256


1- إشارة إلى قوله (صلى الله عليه وآله): «رحم الله امرءً عمل عملاً فاتقنه».
2- إشارة إلى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»سورة التحريم: 6.
3- وفي إدارة العائلة كمؤسسة صغيرة.
4- سورة النساء: 19.

الظن.

وأهل البيت أسوة فيما يرتبط بمسائل الأسرة وإن لم يحتمل في حقهم أدنى خطأ أو زلل لأنهم طاهرون مطهرون معصومون.

وأما قول النبي (صلى الله عليه وآله) فقد يكون لأن علياً (عليه الصلاة والسلام) كان يعلم ذلك، فإنهم (عليهم السلام) يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة(1).وبعبارة أخرى: الظاهر أن قوله (صلى الله عليه وآله): «كل يا أبا الحسن ولا تسأل» من باب النهي الإرشادي التحبيبي، ومثله في العرف غير قليل.

الصلاة قبل الداء

مسألة: يستحب الصلاة ركعتين قبل الدعاء، ويدل عليه مضافاً إلى ما ورد في هذا الحديث، بعض الروايات الأخر المذكورة في باب الدعاء.

عن أبي كهمس، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «دخل رجل المسجد فابتدأ قبل الثناء على الله والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال : النبي (صلى الله عليه وآله): عجل العبد ربه ، ثم دخل آخر فصلى وأثنى على الله عزوجل، وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال رسول الله (صلى الله عليه

ص: 257


1- روى الشيخ الجليل الثقة محمد بن الحسن الصفار وغيره جملة من الأحاديث في هذا الباب، ومن ذلك ما رواه الصفار في بصائره: ج3 ص147- 148 ب6 باب في علم الأئمة بما في السماوات والأرض والجنة والنار وما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفي هذا الباب روى ستة أحاديث، وفي ص149 -150 ب7 باب في الأئمة (عليهم السلام) أنهم أُعطوا علم ما مضى وما بقي إلى يوم القيامة، وفيه أربعة أحاديث فراجع.

وآله): سل تعطه، ثم قال: إن في كتاب علي (عليه السلام): إن الثناء على الله والصلاة على رسوله قبل المسألة، وإن أحدكم ليأتي الرجل يطلب الحاجة فيحب أن يقول له خيراً قبل أن يسأله حاجته»(1).

من آداب الدعاء

مسألة: يستحب رفع باطن الكفين إلى السماء حين الدعاء، وذلك للتأسي بها (صلوات الله عليها) ولغير ذلك.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا فرغ أحدكم من الصلاة ، فليرفع يديه إلى السماء ، ولينصب في الدعاء»، فقال عبد الله بن سبأ: يا أمير المؤمنين، أليس الله في كل مكان؟ قال: «بلى»، قال: فلم يرفع العبد يديه إلى السماء؟ قال: «أما تقرأ: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»(2)، فمن أين يطلب الرزق إلاّ من موضعه؟ وموضع الرزق وما وعد الله عز وجل السماء»(3).

هذا بالإضافة إلى أنه نوع احترام.

ثم إن هذا الاستحباب قد لا يكون مطلقاً في الدعاء، بل أحياناً يستحب تقليب اليدين عند الدعاء، وأحياناً جعل ظهرهما إلى السماء، ولا تزاحم بين المستحبات.

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

ص: 258


1- الكافي: ج2 ص485 - 486 باب الثناء قبل الدعاء ح7.
2- سورة الذاريات: 22.
3- مستدرك الوسائل: ج5 ص184 - 185 ب11 ح1.

«ذكر الرغبة: وأبرز باطن راحتيه إلى السماء.وهكذا الرهبة: وجعل ظهر كفيه إلى السماء.

وهكذا التضرع: وحرك أصابعه يميناً وشمالاً.

وهكذا التبتل:

ويرفع أصابعه مرة ويضعها مرة.

وهكذا الابتهال: ومد يده تلقاء وجهه إلى القبلة، ولا تبتهل حتى تجري الدمعة»(1).

وعن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت، والابتهال أن تبسطهما وتقدمهما، والرغبة أن تستقل براحتيك السماء وتستقبل بهما وجهك، والرهبة أن تكفئ كفيك فترفعهما إلى الوجه، والتضرع أن تحرك إصبعيك وتشير بهما».

وفي حديث آخر: «إن البصبصة أن ترفع سبابتيك إلى السماء وتحركهما وتدعو»(2).

الشفعاء عند الله

مسألة: يستحب ذكر أسماء أهل البيت (عليهم السلام) قبل الدعاء، وأن يجعلهم شفعاء عند الله تعالى، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «هذا محمد.. وهذا علي.. وهذان الحسن والحسين».

ص: 259


1- وسائل الشيعة: ج7 ص49 ب13 من أبواب الدعاء ح4.
2- معاني الأخبار: ص370 باب معنى الرغبة والرهبة والتبتل والابتهال والتضرع والبصبصة في الدعاء ح2.

قال تعالى: «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ»(1).

والظاهر استحباب ذلك عند أية حاجة حتى إذا طلبت من سائر الناس.

وقد ورد في متواتر الأحاديث(2) استحباب ذكرهم (عليهم الصلاة والسلام) وجعلهم شفعاء، فإن الخيرات تنزل من الله سبحانه وتعالى إلى الإنسان بواسطتهم، كما دل على ذلك العقل والنقل.

قال سبحانه: «وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِرَاغِبُونَ»(3).

وكذلك في بعض الآيات الأخر كقوله تعالى: «وَمَا نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ»(4).

ولعل المستفاد من مناط هذه الرواية وغيرها استحباب إلحاق ذكر أسمائهم (عليهم السلام) فيما لو نسي الابتداء بها، بل الإطلاقات تشمله.

روي عن سلمان الفارسي قال : سمعت محمدا (صلى الله عليه وآله) يقول:

ص: 260


1- سورة المائدة: 35.
2- فمن تلك الروايات التي ذكر بعضها الحر العاملي (رحمه الله) في وسائل الشيعة: ج7 ص97 - 103 الباب37 من أبواب الدعاء، حيث روى ثلاثة عشر حديثاً، ثم قال: أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جداً من طريق العامة والخاصة أو في الأدعية المأثورة دلالة على ذلك لأنها مليئة بالتوسل بهم (عليهم السلام). وكذلك روى الميرزا النوري (رحمه الله) في مستدرك الوسائل: ج5 الباب35 من أبواب الدعاء ص228 - 239 خمسة عشر حديثاً.
3- سورة التوبة: 59.
4- سورة التوبة: 74.

«إن الله عز وجل يقول: يا عبادي، أوليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلا أن يتحمل عليكم بأحب الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعهم؟ ألا فاعلموا أن أكرم الخلق علي وأفضلهم لدي محمد وأخوه علي ومن بعده الأئمة الذين هم الوسائل إلى الله، فليدعني من همته حاجة يريد نفعها، أو دهمته داهية يريد كشف ضرها بمحمد وآله الطيبين الطاهرين، أقضها له أحسن ما يقضيها من (تستشفعون له) بأعز الخلق إليه»(1).

مثيلات النعم

مسألة: يستحب في الدعاء أن يُذكر نعم الله تعالى، وأنه قد أنعم بمثل ما يدعو به على بعض العباد، كما قالت (عليها السلام): «كما أنزلتها على بني إسرائيل».

فإنه نوع شكر له سبحانه، فإن إنزال النعمة على أمة من الأمم كبني إسرائيل، فضل من الله تعالى على الإنسان بما هو إنسان، وذكر فضل الله سبحانه على الإنسان نوع من شكره عزوجل، بل إن الثناء على المنعم ولو على نعمه التي لم تصل لهذا العبد يعد نوعاً من شكر المنعم وشكر النعمة، والمراد جنسها لا صنفها ههنا(2).

ص: 261


1- وسائل الشيعة: ج7 ص101 ب37 من أبواب الدعاء ح8.
2- المراد بصنفها: النعمة مضافة لهذا العبد.

استجابة الدعوة

مسألة: يستحب بيان فضائل الصديقة (عليها السلام) وأنها كانت مستجابة الدعوة.

وذلك لما تقدم مكرراً من أن بيان فضائلهم (عليهم الصلاة والسلام) يوجب التفاف الناس حولهم أكثر فأكثر مما يفيد الدين والدنيا.

شكر الوالد

مسألة: يستحب للوالد أن يشكر الله تعالى ويحمده على ما أنعم به على أولاده.

وكذلك بالنسبة إلى سائر الأقرباء، كما يفهم ذلك من ملاك هذا الحديث، وهذا الشكر حيث يستدرّ عليهم رحمة الله ونعماً مشابهة أو أخرى، قد يعدّ نوعاً من صلة الرحم.

بل على البشرية كافة أن يشكروا الله على ما أنعم به على البشرية مطلقاً، سابقاً أو مقارناً أو لاحقاً بما ينعم عليهم في المستقبل، على ما ذكرناه من الملاك المتقدم وأنه نوع من الشكر.

ثم بيان أن كون الصديقة فاطمة (عليها السلام) مثل مريم (عليها السلام) يوجب التفاف الإنسان حولها (عليها الصلاة والسلام)كما يلتف حول مريم (عليها السلام) في اتباعها مما يوجب قوة العقيدة والعمل، وذلك ينفع ديناً ودنياً.

ص: 262

الكافور المنزل من السماء

اشارة

روي أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت لأسماء: «إن جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة، فقسّمه أثلاثاً: ثلث لنفسه، وثلث لعلي، وثلث لي، وكان أربعين درهماً»(1).

-------------------------------------------

تهيئة الكافور

مسألة: يستحب تهيئة الكافور قبل الموت، وذلك لتغسيل الميت به.

وربما يشمل الحكم السدر، واختصاص الحكم لأجل أن الكافور كان من الجنة محتمل، لكن العرف يرى الأعم.

بل ظاهر جملة من الروايات استحباب تجهيز وإعداد كل الأمور المرتبطة بالموت من الكفن وغيره، فإنه تهيؤ للموت، وهو مستحب.

وفي بعض الروايات أنهم (عليهم الصلاة والسلام) كانوا يوصون بمن يغسّلهم، وفي أين يدفنون، وما إلى ذلك، فالأسوة تقتضي الاستحباب.

ويستفاد من هذا الحديث وجودالكافور أيضاً في الجنة، ويدل - بمساعدة

ص: 263


1- مستدرك الوسائل: ج2 ص210 ب2 من أبواب الكفن ح4.

سائر القرائن والأدلة كقوله تعالى: «وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا»(1) - على أن الجنة مشتملة على كل ما اشتملت عليه الدنيا وزيادة.

وهل أن الكافور الذي أُتي به هو كافور الجنة عيناً وصورةً، أم كافور الجنة الذي ألبس الملبس الدنيوي، إذ الأشياء لها قوالب وملابس، فللإنسان مثلاً ملبس في هذه الدنيا، وملبس أو قالب آخر في القبر، وملبس في المحشر، وملبس في الآخرة في الجنة أو النار، والمراد بالملبس الصورة فقط، ولذا قال سبحانه: «فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ»(2)، وعلم ذلك عندهم (عليهم الصلاة والسلام).

نقل الحديث

مسألة: يستحب نقل هذا الحديث المشتمل على قصة كافور الجنة، كما نقلته (صلوات الله عليها) لأسماء، وفعلها (عليها السلام) حجة على ما سبق.

والحكمة في الاستحباب قد تقدمت.

رواية النساء

مسألة: يستحب للنساء أيضاً نقل الأحاديث، وتفصيله قد مرّ في الفصل الأول.

فإنه لا فرق بين الرجال والنساء في كل الأحكام إلا ما خرج بالدليل، وذلك لاشتراك الأحكام على ما ذكر في الأصول والفقه.

ص: 264


1- سورة البقرة: 25.
2- سورة الانفطار: 42.

التقسيم بالسوية

مسألة: يستحب التقسيم بالسوية في كلما لم يكن العدل على خلافه، وقد ورد في الرواية: «القاسم بالسوية»(1).

توثيق حياة المعصوم

مسألة: يستحب توثيق وتسجيل وكتابة وذكر ونشر كل تفاصيل ما يتعلق بحياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله الطيبين (عليهم السلام) حتى ما قد يتوهم أنه لا فائدة فيه الآن.

فإن ذلك يؤكد محوريتهم (عليهم السلام) في شؤون الدين والدنيا، ويؤكد مرجعيتهم، وفي ذلك صلاح الدنيا والآخرة، بل إن ذكرهم بمختلف مصاديقه (عبادة).

ص: 265


1- المزار، للشيخ محمد بن المشهدي: ص255، مقطع من زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام).

عروجها إلى السماء

اشارة

في حديث أن فاطمة (عليها السلام) قالت:

«بينا أنا بين النائمة واليقظى بعد وفاة أبي (صلى الله عليه وآله) بأيام، إذ رأيت كأن أبي قد أشرف عليّ، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه، انقطع عنّا خبر السماء».

«فبينا أن كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفاً، يقدمها ملكان حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيّدة، وبساتين وأنهار تطرد، وقصر بعد قصر، وبستان بعد بستان، وإذا قد اطّلع عليّ من تلك القصور جواري كأنهم اللعب، وهن يتباشرن ويضحكن إلي ويقلن: مرحباً بمن خلقت الجنة وخلقنا من أجل أبيها»(1).

-------------------------------------------

إظهار الشوق إلى العظيم

مسألة: لا ضير في عدم تمالك النفس أمام اللقاء بالعظيم جداً، وذلك بإظهار شدة الشوق إليه بما لا يزعجه.

فإنه من المستحب أن يتمالك الإنسان نفسه ويكون مؤدباً مراعياً لمختلف الموازين، أما أمام العظيم وعند اللقاء به وخاصة بعد فراق طويل، فقد يكون

ص: 266


1- دلائل الإمامة: ص131 ح42.

الاستحباب في إظهار الاشتياق،كما يستفاد ذلك من أخبار أخر أيضاً، وإظهار الاشتياق عرفي فقد يكون بالبكاء أو الاحتضان أو غيرها حسب المناسب للمقام.

وهكذا يكون الأمر بالنسبة إلى الأضرحة الشريفة إذا كان الزائر بعيد العهد بها، فلا يتمالك نفسه من إظهار شدة شوقه إلى سادته وأئمته (عليهم السلام).

و(العظيم) يشمل الأب والأم والمعلّم في الجملة أو مطلقاً، وكل ذلك على درجات.

العروج إلى السماء

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) عرجت إلى السماء، ولا ينبغي الإصغاء لمن يخاف من إظهار الحقائق والجهر بالفضائل، بل قد يكون مصداق: «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا»(1).

وهل كان عروجها إلى السماء (عليها الصلاة والسلام) كعروج الحجة (عليه السلام) جسماً وروحاً، أو روحاً فقط، احتمالان، وكلاهما ممكن بل واقع، كما عرج بعيسى (عليه الصلاة والسلام) إلى السماء جسماًوروحاً، وكما عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله) جسماً وروحاً، وقد ورد في دعاء الندبة: «وعرجت به إلى سمائك»(2)، وأما ما ورد في بعض النسخ «وعرجت بروحه إلى سمائك»(3) فيراد

ص: 267


1- سورة النحل: 83.
2- المزار، للشيخ محمد بن المشهدي: ص573 الدعاء للندبة.
3- قال الميرزا محمد تقي الأصفهاني في كتابه القيم مكيال المكارم: ج2 ص9192: (اعلم أن قوله: وعرجت به إليك موافق للنسخة التي نقلها العالم الرباني الحاج ميرزا حسين النوري (رضي الله عنه) في كتاب تحية الزائر عن كتاب المزار القديم، ومزار الشيخ محمد بن المشهدي (رضي الله عنه) ومصباح الزائر للسيد ابن طاووس (رضي الله عنه) ومأخذ الكل كتاب محمد بن علي بن أبي قرة، لكن قد وقعت في زاد المعاد: وعرجت بروحه إليك، والظاهر أنه تصحيف وقع في المصباح الذي نقل منه المجلسي (رضي الله عنه)، ثم اشتهر وصار سبباً لشبهة بعض القاصرين والمعاندين مع أن المعراج الجسماني من ضروريات المذهب بل الدين، وتواترت به الروايات عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ونطق به القرآن المبين. تنبيه نبيه: قد ألهمت عند تأملي في تلك العبارة أن هذا الدعاء بنفسه يشهد ويدل على أن الأصل الصحيح هو ما نقلناه وذكرناه وأن في عبارة زاد المعاد تصحيفاً، لعله وقع من بعض أهل العناد، وجه الدلالة والاستشهاد أن اقتران كلمة وسخرت له البراق بقوله وعرجت به إليك، يظهر منه بالتأمل التام لأولي الأفهام، صحة ما قلنا لأن عروج الروح لا حاجة به إلى البراق، ولا يخفى ذلك على من سلم قلبه من الشرك والنقاق. وإن قيل: إن المقام مقام تعداد فضائل سيد المرسلين والعطف بالواو لا يقتضي كون العروج إلى السماء بتوسط البراق. قلنا فالعبارة على فرض كونها بروحه لا تدل على نفي المعراج الجسماني لأنه فضيلة لا ينافي ثبوتها ثبوت فضيلة أخرى لسيد الورى. ويمكن أن يقال: بعدم منافاة هذه العبارة لما دل على كون العروج ببدنه الشريف لوجه آخر، وهو أن إطلاق الروح على البدن وارد في لغات العرب والعجم. أما الأول: فكما ورد في الزيارة، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، إذ الظاهر أن أبدان الشهداء حلت بفنائه وسكنت في جواره. وأما الثاني: فكقول أملح الشعراء وأفصحهم العارف السعدي: جانا هزاران آفرين بر جانت از سر تا قدم * صانع خدائي كاين وجود آورد بيرون از عدم).

به الأعم منالجسم، وليس نفياً للجسم، فإن كل واحد من الجسم والروح يطلق إطلاقاً خاصاً على خصوصه، وإطلاقاً عاماً على الأعم منه، ولذا يتعارف الآن عند العرب قولهم: (جاءني بروحه) و(ذهب بروحه) و(تكلم بروحه) ونحو ذلك وهم يقصدون الأعم من الروح والجسد(1).

ص: 268


1- أو يقال: إنه من باب ذكر الحال وإرادة المحل، لأن الروح كما ذكره علماء اللغة وغيرهم هي التي يقوم به الجسد وتكون به الحياة، فمحل الروح هو الجسد، واطلاق الحال وإرادة المحل من الاستعمالات البلاغية الشائعة في كلام الفصحاء، كما أنها وردت في القرآن الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام. فمن الاستعمالات الشائعة: تسمية العذرة باسم الغائط، والسمحاق وهي الشجة التي تصل إلى القشرة الرقيقة فوق عظم الرأس، وفي الزيارات ورد في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «أشهد أنك جنب الله» فقد قيل: المراد أنه أنت أقرب أفراد الخلق إلى الله تعالى. وجاء في كتاب البرهان للزركشي: ج2 ص282 قوله: (السابع عشر إطلاق اسم الحال على المحل كقوله تعالى: «وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون»، أي في الجنة لأنها محل الرحمة. وقوله: «بل مكر الليل والنهار»، أي في الليل. وقال الحسن في قوله: «إذ يريكهم الله في منامك»، أي في عينك، واستبعده الزمخشري وقدر: يعني في رؤياك. وقوله: «رب اجعل هذا البلد آمنا»، وصف البلد بالأمن، وهو صفة لأهله. ومثله: «وهذا البلد الأمين»، و«إن المتقين في مقام أمين». وقوله: «بلدة طيبة»، وصفها بالطيب وهو صفة لهوائها. وقد اجتمع هذا والذي قبله في قوله تعالى: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد»، وذلك لأن أخذ الزينة غير ممكن، لأنها مصدر فيكون المراد محل الزينة، ولا يجب أخذ الزينة للمسجد نفسه، فيكون المراد بالمسجد الصلاة، فأطلق اسم المحل على الحال، وفي الزينة بالعكس).

مسألة: ينبغي التصدّي بالحكمة والموعظة الحسنة لشبهات أولئك الذينيشككون في المعاجز والكرامات، سواء كان تشكيكهم عن علم وعمد، أم عن جهل وضعف إيمان، فإن الناس ليسوا سواء في الإيمان والمعرفة، ولعل قوماً ينكرون مجموعة من المعجزات، وآخرين ينكرون عليهم ذلك وهم مبتلون بمثل ما أنكروه!

عن الإمام محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) قال: «من تكفّل بأيتام آل محمد، المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم، الأسارى في أيدي شياطينهم

ص: 269

وفي أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقَهَر الشياطين برد وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم، ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء»(1).

وقال علي بن محمد (عليهما السلام): «لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباكإبليس ومردته ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء

الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل»(2).

وعنه (عليه السلام) قال: «يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها، فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه أخرجوه إلاّ تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلو حتى تحاذي بهم فوق الجنان، ثم ينزلهم على منازلهم المعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم وبحضرة أئمتهم الذين كانوا إليهم يدعون، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلاّ عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس

ص: 270


1- الاحتجاج: ج1 ص10- 11.
2- الاحتجاج: ج1 ص18.

لسانه وتحول عليه أشد من لهب النيران، فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية فيدعونهم إلى سواءالجحيم»(1).

التفريج عن المهموم

مسألة: يستحب التفريج عن المهموم المغموم.

فإن تفريج هَمّ المهموم وكشف غم المغموم من أهم المستحبات، كما دل على ذلك متواتر الروايات، مع قطع النظر عن دلالة العقل والإجماع على ذلك.

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال : «أيما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة، قال: ومن يسّر على مؤمن وهو معسر، يسر الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن ستر على مؤمن عورة، ستر الله عليه سبعين عورة من عوراته التي يخلفها في الدنيا والآخرة، قال: وإن الله لفي عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه المؤمن، فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير»(2).

ص: 271


1- الاحتجاج: ج1 ص18.
2- مستدرك الوسائل: ج12 ص413 ب29 من أبواب فعل المعروف ح1 وقد أورد الميرزا النوري في هذا الباب والذي أسماه باب استحباب تفريج كرب المؤمنين: ص413 - 417 أربعة عشر حديثاً، وهكذا فعل من قبله الحر العاملي في وسائله: ج16 ص370- 374 باب استحباب تفريج كرب المؤمن، وقد أورد أحد عشر حديثاً.

نداء الرسول

مسألة: يستحب نداء الرسول (صلى الله عليه وآله) عند مناجاته ومخاطبته في دعاء أو خطابة أو غيرهما بهذه الكلمات: «يا رسول الله انقطع عنا خبر السماء»، كما نادته الصديقة (عليهما السلام) بها، أو نظيره.

فإن كل ما يُذكّر الناس بمقام الرسول (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه وجسيم الخطب الفادح بفقده، حسن ممدوح ومحبوب للمولى ومطلوب(1).والمراد بانقطاع خبر السماء: الأخبار المرتبطة بالتشريع، أي تشريع الرسالة والنبوة كما لا يخفى، وإلاّ فقد كانت الملائكة تنزل على المعصومين (عليهم السلام) وتخبرهم بأخبار السماء والأرض وما كان وما هو كائن وما يكون، كما دلت على ذلك روايات متواترة، ولعلّ نحو النزول كان مختلفاً، والله العالم.

ص: 272


1- روى الدارمي وهو من علماء العامة في سننه: ج1 ص39 - 40، قال: أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة.. قال: وجعلت أم أيمن تبكي، فقيل لها: يا أم أيمن تبكين على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: إني والله ما أبكي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أن أكون اعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكني أبكي على خبر السماء انقطع، قال حماد: خنقت العبرة أيوب حين بلغ ههنا. وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنف: ج8 ص567 باب ما جاء في وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ح7: عن أنس قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) قال أبو بكر لعمر أو عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، فانطلقا إليها، فجعلت تبكي، فقالا لها: يا أم أيمن، إن ما عند الله خير لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: قد علمت أن ما عند الله خير لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكني أبكي على خبر السماء انقطع عنا، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.

وبعبارة أخرى (انقطع عنّا خبر السماء) أي ما كان يأتي عن طريقك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله).

خيرات الآخرة

مسألة: يستحب بيان خيرات الآخرة وأنها بحيث يكون النظر إليها مفرجاً للهموم والغموم.

ولعله هو من أسرار أخذ الملائكة فاطمة (عليها السلام) إلى السماء و... وكذلك لعله هو من أسرار أخذ الملائكة للإمام الحجة (عجل الله فرجه) إلى السماء ثمإرجاعه إلى الأرض(1).

وهل يجوز (الأدب التصويري) أو ما يقرب من لسان الحال؟

ص: 273


1- روضة الواعظين: ص259 مجلس في ذكر ولادة القائم صاحب الزمان (عليه السلام): فصاح بي أبو محمد (عليه السلام)، وقال: «يا عمة تناوليه وهاتيه»، فتناولته وأتيت به نحوه، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي فسلم على أبيه فتناوله الحسن (عليه السلام) منى والطير يرفرف على رأسه ويناوله لسانه فيشرب منه، ثم قال: «امض به إلى أمه لترضعه ورديه إلي» قالت: فناولته أمه فأرضعته ورددته إلى أبي محمد، والطير يرفرف على رأسه، فصاح طير منها فقال له: «أحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً»، فتناوله الطير وطار به في جو السماء واتبعه سائر الطيور، فسمعت أبا محمد يقول: «أستودعك الذي أودعته أم موسى»، فبكت نرجس فقال: «اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلاّ من ثديك وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أم موسى، وذلك قول الله عز وجل: «فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن» » قالت حكيمة: قلت فما هذا الطير؟ قال: «هذا روح القدس الموكل بالأئمة (عليهم السلام) يوفقهم ويسددهم ويربيهم العلم».

الظاهر نعم حسب ما ذكرناه في الفقه(1).

الترحيب بالضيف

مسألة: يستحب الترحيب بالضيف مطلقاً.

عن مسعدة بن صدقة قال : حدثني جعفر بن محمد ، عن آبائه (عليهم السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بقبر يحفر، وقد انبهر الذي يحفره فقال له: «لمن تحفر هذا القبر»، فقال: لفلان بن فلان. فقال: «وما للأرض تشدد عليك؟ إن كان ما علمت لسهلا حسن الخلق» . فلانت الأرض عليه حتى كان ليحفرها بكفيه. ثم قال: «لقد كان يحب إقراء الضيف، ولا يقرئ الضيف إلاّ مؤمن تقي»(2).

فإن الترحيب مستحب لكل قادم، ضيفاً كان أو غير ضيف، كمن كان في الصحراء ثم يرى إنساناً مقبلاً عليه وإن لم يكن ضيفاً، وإطلاقات أدلة الترحيب: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا»(3)، و(للبادئ سبعون حسنة)(4)، وإطلاق بُشر المؤمن(5)،

ص: 274


1- راجع موسوعة (الفقه): ج3 كتاب الصوم، مبحث الكذب.
2- قرب الإسناد، عن الإمام الصادق (عليه السلام): ص74 - 75 أحاديث متفرقة ح240.
3- سورة النساء: 86.
4- قال الإمام الحسين (عليه السلام): «للسلام سبعون حسنة، تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد». تحف العقول: ص248 في قصارى كلماته (عليه السلام).
5- عن عبد العظيم الحسني، عن محمد بن علي الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم». وسائل الشيعة: ج12 ص161 ب107 من أبواب أحكام العشرة ح8.

ونحو ذلك(1) يشمل كل هذه الأصناف.

ولا يخفى أن الترحيب أعم من القول والفعل، فيشمل حتى رفع اليد وما أشبه ذلك من الإشارات، فلا يلزم أن يكون باللفظ، وكذلك يشمل في ما إذا قدم للضيف ونحوه مأكلاً أو مشرباً أو عطراً أو نحو ذلك، نعم ما تعارف الجمع بين عدد من أنواعه لا يكتفى فيه ببعضها.

والترحيب هنا مستفاد من فعل الملائكة، حيث رحبت بالصديقة (عليها السلام) .. وقد نقلته الصديقة (عليها السلام) لنا.

أوصاف الجنة

مسألة: يستحب بيان أوصاف الجنة مطلقاً، ويتأكد الاستحباب في الخطباءوالوعّاظ، بل ينبغي أن لا يتركوا مناسبة إلاّ وأشاروا إلى الجنة، وحرضوا الناس على اكتسابها بالعمل الصالح، والابتعاد عن النار بتجنب سيء الأعمال.

كما ينبغي كتابة القصص والروايات عنها، وتخصيص مواقع بالانترنت لها(2).

ص: 275


1- كإطلاقات استحباب إدخال السرور في قلوب المؤمنين، فعن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من سر مؤمناً فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله». الكافي: ج2 ص188 باب إدخال السرور على المؤمنين ح1.
2- وأيضاً تأسيس قناة فضائية خاصة بالجنة وبيان اوصافها وقصصها ورواياتها وما يوصل إليها، والنار وأوصافها وقصصها ورواياتها وما يوجبها.

فإن ذكر أوصاف الجنة تشويق للإنسان إلى الإيمان والعمل الصالح حتى ينال الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما في الحديث(1).وقبل ذلك قال تعالى في الآية الكريمة: «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ»(2). كما أن ذكر أوصاف الجنة، هو نوع تعظيم للخالق سبحانه وتعالى.

أوصاف الحور العين

مسألة: يستحب بيان أوصاف الحور العين(3)، حسب المذكور في الآيات

ص: 276


1- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يا أبا الحسن إن الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة وعرصات من عرصاتها، وإن الله عز وجل جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم إلى الله ومودة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون حوضي، وهم زواري وجيراني غداً في الجنة، يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر يا علي وبشر أولياءك ومحبيك من النعيم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي، لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي». تهذيب الأحكام: ج6 ص107 باب من الزيادات ح5.
2- سورة السجدة: 17.
3- قال الشريف المرتضى في رسائله ج4 ص58: (حور: جمع حوراء، من الحور الذي هو شدة بياض العين وشدة سواد سوادها، وقيل: بل هو أن يكون البياض محدقاً بالسواد، وإنما يكون ذلك في البقر والظباء، ويستعار للناس).

والروايات، وحسب اقتضاء المقام.

ووجه الاستحباب ما تقدم في البند السابق، لأن الحور من نعم الآخرة.

ولا يخفى أن الحور من النساء هنّ من نعم الجنة التي ينعم الله تعالى بها على الرجال، أما النساء المؤمنات فماذالهن؟ هل هناك من الولدان المخلدين من يتزوجهن؟

أو لهن حور من الرجال؟

أو لهن أزواجهن المؤمنون في الدنيا؟

أو يتزوجهن رجال من المؤمنين من أهل الجنة وإن لم يكونوا أزواجاً لهنّ في الدنيا، فإن المرأة قد تكون أعلى درجة من زوجها، أو يكون زوجها في النار - والعياذ بالله - فتتزوج في الآخرة برجل مؤمن آخر يكون كفواً لها وحسب رضاها.

احتمالات.

وقد ذكر بعض العلماء، أن (الحور) على قسمين، بتقريب أنه جمع حوراء وأحور(1)، فالحوراء تعطى للرجال، والأحور يعطى للنساء.

ومقتضى عموم نعم الجنة أن يكونللنساء أيضاً كل ما يشتهين ومنه

ص: 277


1- قال الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القرآن: ص135 مادة (حور): وقوله تعالى (حور مقصورات في الخيام)، (وحور عين) جمع أحور وحوراء، والحور قيل ظهور قليل من البياض في العين من بين السواد، وأحورت عينه وذلك نهاية الحسن من العين، وقيل حورت الشيء بيضته ودورته. وقال الزبيدي في تاج العروس: ج6 ص313 مادة (حور): والحور جمع أحور وحوراء، يقال: رجل أحور، وامرأة حوراء.

الزوج، أما هل أنهن يشتهين الرجال المؤمنين، أو الولدان المخلدين، أو غير ذلك، فهو غير معلوم لنا، والله العالم.

والحاصل: إن الكبرى التي أشار إليها سبحانه بقوله: «وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ»(1) معلومة، أما الصغرى وهي مصاديق ما يشتهين، فغير معلومة لنا.

استقبال العظيم

مسألة: يستحب التشرّف بمحضر العظيم، كما قالت: (أتتني الملائكة)، حيث تشرفت الملائكة بالحضور بإذن الله تعالى لدى الصديقة فاطمة (عليها السلام)، كما يستحب حسن الاستقبال له.

لأن الاستقبال له والتشرّف بمحضره نوع من الاحترام والتكريم، كما أن المشايعة أيضاً كذلك.

ويدل على كل ذلك - استقبالاً وحضوراً ومشايعةً - متواتر الروايات، بل يستفاد من بعض الروايات استحباب الاستقبال والمشايعة حتى بالنسبة لغير العظيم وحتى لغير المسلم، وقد شيّع أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام)ذلك اليهودي في الطريق، حيث كان الإمام (عليه السلام) يقصد الكوفة وذلك اليهودي يقصد الحيرة، ولما أراد الانفصال في الطريق شيّعه علي (عليه

الصلاة والسلام)(2)، وإن

ص: 278


1- سورة الزخرف: 71.
2- انظر الكافي: ج 2 ص670 بَابُ حُسْنِ الصِّحَابَةِ وَحَقِّ الصَّاحِبِ فِي السَّفَر ح5، وفيه: عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام): «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) صَاحَبَ رَجُلًا ذِمِّيّاً فَقَالَ لَهُ الذِّمِّيُّ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ الْكُوفَةَ، فَلَمَّا عَدَلَ الطَّرِيقُ بِالذِّمِّيِّ عَدَلَ مَعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ الذِّمِّيُّ: أَلَسْتَ زَعَمْتَ أَنَّكَ تُرِيدُ الْكُوفَةَ، فَقَالَ لَهُ: بَلَى، فَقَالَ لَهُ الذِّمِّيُّ: فَقَدْ تَرَكْتَ الطَّرِيقَ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتُ، قَالَ: فَلِمَ عَدَلْتَ مَعِي وَقَدْ عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): هَذَا مِنْ تَمَامِ حُسْنِ الصُّحْبَةِ أَنْ يُشَيِّعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ هُنَيْئَةً إِذَا فَارَقَهُ، وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا (صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ لَهُ الذِّمِّيُّ: هَكَذَا، قَالَ: قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الذِّمِّيُّ: لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَبِعَهُ مَنْ تَبِعَهُ لِأَفْعَالِهِ الْكَرِيمَةِ، فَأَنَا أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِكَ، وَرَجَعَ الذِّمِّيُّ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَلَمَّا عَرَفَهُ أَسْلَمَ».

احتمل أنه لم يكن لرجحان المشايعة في ذاتها، والفعل لا جهة له، بل لما قصده من هدايته بذلك، أو هداية غيره، أو تقريبهم للدين، أو لإيجاد حسن انطباع لهم عن الدين وأئمته، فالأمر تابع للجهات والعناوين الطارئة.ثم إن ما ذكر من استحباب استقبال زائريه، هو أعم مما لو كان عظيماً بالمعنى كالعلم والتقوى، أو كان عظيماً بالمادة كالمال والسياسة، إلى غير ذلك.

النظم في الأمور

مسألة: يستحب النظم في كل شيء(1)، وهو ما يستفاد من مختلف الآيات والروايات، ومن عموم صنع الله تعالى كذلك، ومنه ما ورد في هذا الحديث: (أتتني الملائكة صفوفاً يقدمها ملكان).

قال سبحانه: «مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ»(2).

ص: 279


1- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في نهج البلاغة: من وصية له بعدما ضربه ابن ملجم: «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم».
2- سورة الحجر: 19.

وفي الآية الكريمة: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا»(1).

وقال عزوجل: «صُنْعَ اللهَ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ»(2).

ومن المعلوم أن النظم في كل شيء أقرب إلى الجمال وهو مستحب، وإلىتحقق الهدف المنشود، وهو بين واجب ومستحب، وإذا كان مباحاً أو مكروهاً أو حراماً تبعته مقدمته(3) في الحكم.

نقل الرواية

مسألة: يستحب نقل هذا الخبر كما نقلته (صلوات الله عليها).

سواء كان نقلاً باللفظ، وما في معناه من الكتابة والإشارة والتمثيل، أو نقلاً بالمعنى، وذلك لعموم ما دل على جواز نقل الحديث بالمعنى، وإن كان النقل باللفظ أحسن، لأنه أشد إتقاناً، وقد أشرنا إلى هذه المسألة في البحوث السابقة.

القيادة السياسية

مسألة: يستحب وقد يجب - كل حسب مورده وغايته - اتخاذ القائد والقادة في مختلف شؤون الحياة، ومنها السياسية.

وتدل على ذلك روايات عديدة، قال (عليه السلام) في نهج البلاغة:

ص: 280


1- سورة الصف: 4.
2- سورة النمل: 88.
3- وهي (النظم) في مفروض السؤال.

«لابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَ يَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَ يُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَ يُجْمَعُ بِهِالْفَيْ ءُ وَ يُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَ تَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَ يُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر» (1).

كما يستشعر من هذه الرواية ذلك، حيث إن الملائكة جاءت صفوفاً لكن كان يقدمها ملكان، والمستظهر أنهما كانا القائدين وبقية الملائكة الجنود والأعوان.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الْوِلَايَاتُ مَضَامِيرُ الرِّجَالِ»(2).

وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي فَحَسُنَتْ سَرِيرَتُهُ لَهُمْ، رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْهَيْبَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَمَنْ بَسَطَ كَفَّهُ لَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ رُزِقَ الْمَحَبَّةَ مِنْهُمْ، وَمَنْ كَفَّ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَفَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالَهُ، وَمَنْ أَخَذَ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ مُصَاحِباً، وَمَنْ كَثُرَ عَفْوُهُ مُدَّ فِي عُمُرِهِ، وَمَنْ عَمَّ عَدْلُهُ نُصِرَ عَلَى عَدُوِّهِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إِلَى عِزِّ الطَّاعَةِ آنَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ أَنِيسٍ، وَأَعَانَهُ بِغَيْرِ مَالٍ»(3).

وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام):«أَسَدٌ حَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ سُلْطَانٍ ظَلُومٍ، وَسُلْطَانٌ ظَلُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتَنٍ تَدُومُ»(4).

وعَنْ أَحَدِهِمْ (عليهم السلام): أَنَّهُ قَالَ: «الدِّينُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمَانِ، لَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَالدِّينُ أُسٌّ وَالسُّلْطَانُ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ

ص: 281


1- نهج البلاغة: من كلام له (عليه السلام) في الخوارج يبين أن لا بد للناس من أمير.
2- نهج البلاغة: الكلمات القصار 441.
3- أعلام الدين: ص184.
4- كنز الفوائد: ج1 ص135.

مُنْهَدِمٌ، وَمَا لَا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ»(1).

وروي أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام) الْعِرَاقَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: أَمَا تَرَى حَالِي وَمَا أَنَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْلِيَاءَ مَعَ أَوْلِيَاءِ الظَّلَمَةِ لِيَدْفَعَ بِهِمْ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَنْتَ مِنْهُمْ يَا عَلِيُّ»(2).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أُوحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي مَمْلَكَةِ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ أَنِ ائْتِ هَذَا الْجَبَّارَ فَقُلْ لَهُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْكَ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَاتِّخَاذِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكَ لِتَكُفَ عَنِّي أَصْوَاتَ الْمَظْلُومِينَ فَإِنِّي لَنْ أَدَعَ ظُلَامَتَهُمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّاراً»(3).

العلة الغائية

مسألة: يستحب بيان أن العلة الغائية من خلق الجنة والملائكة والحور، هي: الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرون (صلوات الله عليهم أجمعين).

فإن بيان هذه الحقيقة يوجب التفاف الناس حولهم أكثر فأكثر، والالتفاف موجب لسعادة الناس في الدنيا والآخرة.

وقول الحوريات: «من أجل أبيها» يفيد نفس مفاد الحديث القدسي المشهور: «خلقت الأشياء لأجلك»(4)،

ص: 282


1- بحار الأنوار: ج72 ص354 ب81 ح67 عن الاختصاص.
2- رجال الكشي: ص433.
3- الكافي: ج2 ص333 باب الظلم ح14.
4- رسائل الكركي: ج3 ص162 ونصه: (يا إنسان خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي).

و«لولاك لما خلقت الأفلاك»(1)، ويؤيده كما يعتضد به وبما أشبه ذلك.

وقد ذكرنا في بعض كتبنا وجه ما ورد من: «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(2) حتى أنه لو لم يكن ورد ذلك، لكان العقل يدل عليه.

عدة مسائل

مسألة: يستحب بيان تفاصيل الأحداث والقصص إذا كان مشتملاً على الفائدة ولم يكن هناك محذور، كما قالت الصديقة (عليها السلام): (بينما أنا بين النائمة واليقظانة).

والفائدة في المقام: أن لا يتصور أن ذلك كان مجرد منام ورؤيا، ولعلّ السر في كونها بين الحالتين هو أن تلك الحالة هي أفضل حالة للانتقال إلى عوالم أخرى.

ومن المحذور ما لو كان التطويل ثقيلاً على السامعين، ومنفراً لهم عن استماع الحكم والمواعظ-، فعلى الخطيب والواعظ والمؤلف أن يراعي ذلك.

مسألة: يستحب بيان أخبار الأموات وذكر أحوالهم وما يرتبط بهم، وخاصة إذا كان من المعصومين (عليهم السلام).

مسألة: يستحب للبنت أن تنادي والدها بقولها: يا أبتاه، وكذا يا أبه،

ص: 283


1- مجمع النورين، للمرندي: ص14.
2- مستدرك سفينة البحار: ج3 ص169.

وما شابه، فإنه أقرب للعلقة والصلة، وأوجب للمحبة من خطابه باسمه أو بألقابه.

مسألة: الأصل أن يكون الإنسان مستبشراً ضاحكاً لدى ملاقاته الإخوان.

تنبيه:

هذه الرواية ونظائرها تدل على أن الجنة مخلوقة، وأنها جاهزة لاستقبال المؤمنين والمؤمنات، وهو الظاهر بالنسبة إلى جنة الدنيا وعالم البرزخ، أما جنة ما بعد القيامة فالمستظهر أنها كذلك أيضاً، ويظهر ذلك من روايات أن الجنة خلقت من نور الإمام الحسين.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فنور ولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين»(1).

ص: 284


1- مدينة المعاجز: ج3 ص223 الفصل1 من الباب2.

الحور تشتاق إلى فاطمة (علیها السلام)

اشارة

عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت:

«يا سلمان، جفوتني بعد وفاة أبي صلى الله عليه وآله».

قلت: حبيبتي أأجفاكم؟(1).

قالت: «فمه، اجلس واعقل ما أقول لك:

إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق وأنا أفكر في انقطاع الوحي عنّا وانصراف الملائكة عن منزلنا، فإذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد، فدخل عليّ ثلاث جوار لم ير الراؤون بحسنهن، ولا كهيئتهن، ولا نضارة وجوههن، ولا أزكى من ريحهن.

فلما رأيتهن قمت إليهن متنكرة لهن، فقلت: بأبي أنتن من أهل مكة أم من أهل المدينة؟

فقلن: يا بنت محمد، لسنا من أهل مكة، ولا من أهل المدينة، ولا من أهل الأرض جميعاً، غير أننا جوار من الحور العين من دار السلام، أرسلنا رب العزة إليك، يا بنت محمد، إنا إليك مشتاقات(2).

-------------------------------------------

ص: 285


1- هكذا في بحار الأنوار عن كتاب مهج الدعوات، البحار: ج43 ص66 ب3 ح59، وفيه عن نفس الكتاب في ج92 ص37 ب56 ح22: (حبيبتي لم أجفكم).
2- بحار الأنوار: ج43 ص66 ب3 ح59، عن مهج الدعوات. ولكن ورد في كتاب (الثاقب في المناقب) لابن حمزة الطوسي: ص297 - 300 فصل5 من الباب4 ح253 بهذا اللفظ: عن عاصم بن الأحول، عن زر بن حبيش، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلقيني علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال لي: يا سلمان جفوتنا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله؟، فقلت: حبيبي يا أمير المؤمنين، مثلك لا يخفى عليه، غير أن حزني على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي منعني من زيارتكم. فقال لي: يا سلمان، ائت منزل فاطمة فإنها إليك مشتاقة، وتريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنة. قال سلمان: قلت: يا أمير المؤمنين أتحفت بتحفة من الجنة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟، قال: نعم يا سلمان. قال: فهرولت هرولة إلى منزل فاطمة (عليها السلام)، وقرعت الباب، فخرجت إلي فضة فأذنت لي، فدخلت وإذا فاطمة جالسة، وعليها عباءة قد اعتجرت بها واستترت، فلما رأتني قالت: يا سلمان، اجلس واعقل واعلم أني كنت جالسة بالأمس مفكرة في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحزن يتردد في صدري، وقد كنت رددت باب حجرتي بيدي، فانفتح من غير أن يفتحه أحد، وإذا أنا بأربع جواري فدخلن علي، لم ير الراؤن بحسنهن ونظارة وجوههن، فلما دخلن قمت إليهن مستنكرة لهن، فقلت: أنتن من أهل المدينة أم من أهل مكة؟ فقلن: لا من أهل المدينة ولا من أهل مكة، ولا من أهل الأرض، نحن من الحور العين، أرسلنا إليك رب العالمين يا ابنة رسول الله لنعزيك بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله). قالت فاطمة (عليها السلام): فقلت لإحداهن: ما اسمك؟ قالت: ذرة. قلت: حبيبتي لم سميت ذرة، قالت: سميت ذرة لأبي ذر الغفاري، صاحب أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقلت للأخرى: وأنت ما اسمك؟ قالت: أنا سلمى. فقلت: لم سميت سلمى؟ قالت: لأني لسلمان الفارسي، صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقلت للأخرى: ما اسمك؟ قالت: مقدودة. فقلت: حبيبتي، ولم سميت مقدودة؟ قالت: لأني للمقداد بن الأسود الكندي، صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقلت للأخرى: ما اسمك؟ قالت: عمارة. قلت: ولم سميت عمارة؟ قالت: لأني لعمار بن ياسر، صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله). فأهدين إلي هدية، أخبأت لك منها، ثم أخرجت لي طبقا أبيض، فيه رطب أكبر من الخشكنانج، أبيض من الثلج، وأذكى من المسك، وأعطتني منها عشر رطبات، عجزت عن حملها، فقالت: كلهن عند إفطارك، وعد إلي بعجمهن. قال سلمان: فخرجت من عندها أريد منزلي، فما مررت بأحد ولا بجمع من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا قالوا: يا سلمان، رائحة المسك الأذفر معك. قال سلمان: كتمت أن معي شيئاً حتى أتيت منزلي، فلما كان وقت الإفطار أفطرت عليهن، فلم أجد لهن عجما، فغدوت إلى فاطمة، وقرعت الباب عليها، فأذنت لي بالدخول، فدخلت وقلت: يا بنت رسول الله، أمرتني أن آتيك بعجمته، وأنا لم أجد لها عجما، فتبسمت، ولم تكن ضحكت عليها السلام. ثم قالت: يا سلمان، هي من نخيل غرسها الله تعالى لي في دار السلام بدعاء علمنيه أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كنت أقول غدوة وعشية، قلت: علميني الكلام سيدتي. قالت: إن سرك أن تلقى الله تعالى وهو عنك راض غير غضبان، ولا تضرك وسوسة الشيطان ما دمت حيا، فواظب عليه. وفي رواية أخرى: إن سرك أن لا تمسك الحمى ما عشت في دار الدنيا، فواظب عليه، فقال سلمان: فقلت: علميني. قالت عليها السلام: (بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد الله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور بقدر مقدور على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالخير مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور). قال سلمان: فتعلمته، وقد لقنت أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكة ممن بهم علل الحمى، وكلهم برئوا بإذن الله تعالى.

ص: 286

المجاملات الكلامية

مسألة: المجاملات الكلامية المتعارفة جائزة وربما كانت مستحبة، وإن لم تكن له إرادة جدّية واقعاً، كما هو المتعارف بين بعض الناس حيث يقول لأخيه المؤمن: تفضّل عندنا، وإن لم يكن يقصد استضافته في الوقت نفسه، بل هو - في بعض الأعراف - نوع إظهار محبة وتودد لفظي.

ص: 287

وقول الصديقة (عليها السلام): «بأبي أنتن» قد يكون من ذلك، فإنها كلمة تفدية عرفية للمجاملة، وليست بقصدالفداء حقيقة، فإن الكلام قد يستعمل ويراد به المعنى اللغوي، وقد يستعمل ويراد به المعنى العرفي الكنائي، وذلك كما في الكنايات نحو: (كثير الرماد) و(طويل نجاد السيف) و(جبان الكلب) ومثل: (اقطع لسانه) و(اقطع رجله) وما أشبه ذلك مما ذكره البلغاء في كتبهم البلاغية.

ويحتمل أن يكون ما بعد (بأبي) جملة استفهامية استئنافية و(بأبي) قسماً، أي أقسم عليكم بأبي هل أنتن من أهل مكة ..

أقسام الحب

مسألة: الحب قسمان: الحب لله وفي الله وبالله، والحب الشهوي.

والأول راجح وقد يجب، عكس الثاني فإنه مرجوح في الجملة وربما كان حراماً.

وذلك كحب العالم أو المؤمن لله، ولأنه عالم بالله، وبما أوجبه الله، لا حباً شهوياً كما إذا كان ذا جمال فيحبه لجماله.

وقول سلمان: (حبيبتي)(1) على بعضالنسخ، هو من هذا القسم كما هو واضح.

ثم إن حب الأنبياء والأئمة والأولياء (عليهم السلام) للنساء هو من هذا القبيل أيضاً، أي إنه لله وفي الله.

وقد يجوز الحبّان، كحب الزوجة الصالحة.

ص: 288


1- وفي بعض النسخ: هذا القول موجه من سلمان لأمير المؤمنين عليه السلام.

وقد يحرمان، كحب الكافرة أو الفاسقة الجميلة لكفرها ولجمالها.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما أحب من دنياكم إلا النساء والطيب»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَا أَظُنُّ رَجُلاً يَزْدَادُ فِي هَذَا الْأَمْرِ خَيْراً إِلاّ ازْدَادَ حُبّاً لِلنِّسَاءِ»(2).

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «مِنْ أَخْلاقِ الأَنْبِيَاءِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ) حُبُّ النِّسَاءِ»(3).

إظهار الحب

مسألة: يستحب إظهار الحب والمودة والاشتياق للصديقة فاطمة (عليها السلام)، فإن حبها فرض من الله عز وجل على الجميع، وذلك كما ذكره سلمان (رضوان الله عليه)، وقوله مقرر من قبلها (صلوات اللهعليها) وتقريرها حجة على ما ذكرناه في الأصول.

وقد ذكرنا فيما سبق أن دلالة الاقتضاء العرفية حجة، وإن لم تكن مطابقةً ولا تضمناً ولا التزاماً بالمعنى المنطقي لها، كما أن دليل الاقتضاء بهذا المعنى غير دليل الاقتضاء الأصولي على ما تقدم، أو يقال: (دليل الأسوة) يرشدنا إلى ذلك.

ص: 289


1- الكافي: ج5 ص321 باب حب النساء ح6.
2- الكافي: ج5 ص321 باب حب النساء ح5.
3- الكافي: ج5 ص320 باب حب النساء ح1.

جفاء الأطهار

مسألة: يحرم جفاء أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة الصديقة فاطمة (عليها السلام)، وكيف يجوز جفاء من مودتهم أجر الرسالة؟.

قال تعالى: «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1).

ثم إن الجفاء اللا اختياري قد يعد جفاءً أيضاً، لأن معناه الابتعاد، ولذا قالت (عليها السلام): (جفوتني) مع أن سلماناً كان منشغلاً بامتثال أوامر أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يتمكن من زيارتها (عليها السلام).

ويحتمل أنه (رضوان الله عليه) ارتكب ما يخالف الأولى من مراتب الجفاء، فإن الجفاء محرم ومكروه، وقد يكون منه ما هو ترك الأولى، وذلك بأن كان المتوقع أن يضغط على نفسه أكثر من الحد الطبيعي، وإن كان ربما يشق عليه، فإن تركه خلاف الأولى من مثله بالنسبة لها (صلوات الله عليها).

كما يحتمل أن يكون قولها (عليها السلام): (جفوتني بعد وفاة أبي) استفهاماً لا إخباراً، أي هل جفوتني إذلم تزرني أم ماذا؟ ويقصد بالاستفهام تبرئة ساحته بجوابه، وإدانة غيره وإلزامه.

أو يراد به بيان منزلة سلمان وإظهار شوق المعصوم (عليه السلام) إلى مثله من المؤمنين، فإن سلمان كان رجلاً صالحاً زاهداً شيخاً كبير السن، وفي قمة الصلاح والتقوى، كما ورد بذلك الأخبار، وكان سلمان من خواص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن حواري (أهل البيت) منزلةً، حيث قال (صلى الله عليه وآله): «سلمان

ص: 290


1- سورة الشورى: 23.

منا أهل البيت»(1).

جواز العتاب

مسألة: يجوز العتاب إذا كان فيه الفائدة، كما عاتبت (عليها السلام) سلمان.

فإن العتاب نوع إظهارٍ للمحبة، كما أنه يوجب التفاف الأحباء بعضهم حول بعض والتقرب الأكثر، يقول الشاعر:

وعاتبته وفي عتبي صواب *** ويبقى الود ما بقي العتاب

كما أن (العتاب) يعد من طرق التحريض على الاستقامة، أو التحفيز على

ص: 291


1- هذه من الروايات المشهورة بين الخاصة والعامة: فمن مصادر الخاصة ما روي عن الفضل بن عيسى الهاشمي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وأبي عيسى، فقال له: أمن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان رجل منا أهل البيت؟ فقال: نعم، فقال: أي من ولد عبد المطلب، فقال: منا أهل البيت، فقال له: أي من ولد أبي طالب، فقال: منا أهل البيت، فقال له: إني لا أعرفه، فقال: فاعرفه يا عيسى فإنه منا أهل البيت، ثم أومى بيده إلى صدره، ثم قال: ليس حيث تذهب، إن الله خلق طينتنا من عليين وخلق طينة شيعتنا من دون ذلك فهم منا، وخلق طينة عدونا من سجين وخلق طينة شيعتهم من دون ذلك وهم منهم، وسلمان خير من لقمان». بصائر الدرجات: ج1 ص37 - 38 ب9 ح13. ومن مصادر العامة: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين: ج3 ص599، عن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خط الخندق عام حرب الأحزاب حتى بلغ المذاحج، فقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، فاحتج المهاجرون سلمان منا، وقالت الأنصار سلمان منا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان منا أهل البيت.

العمل الأكثر والعطاء الأوفر، كما أن في هذا العتاب، بيان مكانة سلمان (رضوان الله عليه).

ويدل أيضاً على عدم جواز جفاء الصديقة (عليها السلام) وغيرها من الأحكام.

حب المعصوم

مسألة: يجب حب المعصومين وودّهم، فإن ذلك فرض من الله تعالى.

قال سبحانه: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1)، أي قربى الرسول (صلى الله عليه وآله) وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) والتسعة المعصومون من ذرية الحسين (عليهم السلام) كما ثبت في متواتر الروايات.

والظاهر أن الفرق بين الحب والود: أن القلبي فقط حب، فإذا ظهر يسمى وداً، وقد سبق أن الحب اختياري باختيارية مقدماته في الجملة.

درجات المحبة

مسألة: الظاهر أن الواجب من حبهم (عليهم السلام) هو ما يصدق عليه عرفاً أنه حب أو محبة، أما الدرجات العالية فمستحبة ينبغي أن يسعى الإنسان إليها.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): «إِنَّ حُبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَحُطُّ الذُّنُوبَ عَنِ الْعِبَادِ كَمَا يَحُطُّ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الْوَرَقَ عَنِ الشَّجَرِ»(2).

ص: 292


1- سورة الشورى: 23.
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص187.

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَرَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ حُبَّ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَقَدْ أَصَابَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَا يَشُكَّنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، فَإِنَّ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِي عِشْرِينَ] خَصْلَةً، عَشْرٌ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَعَشْرٌ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا الَّتِي فِي الدُّنْيَا: فَالزُّهْدُ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْوَرَعُ فِي الدِّينِ، وَالرَّغْبَةُ فِي الْعِبَادَةِ، وَالتَّوْبَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالنَّشَاطُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَالْحِفْظُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّاسِعَةُ بُغْضُ الدُّنْيَا، وَالْعَاشِرَةُ السَّخَاءُ، وَأَمَّا الَّتِي فِي الْآخِرَةِ: فَلَا يُنْشَرُ لَهُ دِيوَانٌ، وَلَا يُنْصَبُ لَهُ مِيزَانٌ، وَيُعْطَى كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُكْتَبُ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ، وَيُكْسَى مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَيَشْفَعُ فِي مِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ، وَيُتَوَّجُ مِنْ تِيجَانِ الْجَنَّةِ، وَالْعَاشِرَةُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَطُوبَى لِمُحِبِّي أَهْلِ بَيْتِي»(1).

وعَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى أَوَّلِ النِّعَمِ، قِيلَ: وَمَا أَوَّلُ النِّعَمِ، قَالَ (صلى الله عليه وآله): طِيبُ الْوِلَادَةِ، وَلا يُحِبُّنَا إِلاّ مَنْ طَابَتْوِلَادَتُهُ»(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ يَجِدُ بَرْدَ حُبِّنَا عَلَى قَلْبِهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى بَادِئِ النِّعَمِ، قِيلَ: وَمَا بَادِئُ النِّعَمِ، قَالَ: طِيبُ الْمَوْلِدِ»(3).

ص: 293


1- الخصال: ج 2 ص515 ابواب العشرين ح1.
2- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: ج 2 ص176.
3- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: ج 2 ص176.

وعن زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «يَا عَلِيُّ مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّكَ وَأَحَبَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى طِيبِ مَوْلِدِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّنَا إِلَّا مَنْ طَابَتْ وِلَادَتُهُ، وَلَا يُبْغِضُنَا إِلَّا مَنْ خَبُثَتْ وِلَادَتُهُ»(1).

خطاب المعصوم

مسألة: يستحب للإنسان أن يخاطب المعصومين (عليه السلام) بالحبيب ونظائره، وقد يستند إلى تقريرها (عليها السلام) كلام سلمان ههنا.

وفي الأحاديث استحباب أن يظهرالإنسان حبه لمن يحبه، ولفظ الحب من أظهر مصاديق ذلك.

ويؤيده ما ورد في قصة جابر الأنصاري حيث زار الإمام الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين، فلما رمى بنفسه على القبر الشريف، نادى ثلاثاً: حبيبي حسين(2).

ص: 294


1- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: ج 2 ص177.
2- عن عطية العوفي، قال: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتزر بإزار وارتدى بآخر، ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه، ثم لم يخط خطوة إلاّ ذكر الله تعالى، حتى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه، فألمسته، فخر على القبر مغشياً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق قال: يا حسين ثلاثاً، ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه. ثم قال: وأنى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنك ابن خاتم النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكسا وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء، ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الإيمان وفطمت بالإسلام، فطبت حياً وطبت ميتاً، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك، ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا. بشارة المصطفى: ص125 ح72.

كما قد يستند إلى خطاب الرسول (صلىالله عليه وآله) لفاطمة والحسنين (عليهما السلام) بذلك(1).

ص: 295


1- قال: وجعل الحسين (عليه السلام) يبكي ويتوسل، ويسأل الله عند قبر جده (صلى الله عليه وآله) إلى قرب الفجر، فنعس، فرأى في منامه جده (صلى الله عليه وآله) قد أقبل إليه في كبكبة من الملائكة، وهم عن يمينه وشماله، وضم الحسين (عليه السلام) إلى صدره وقبل ما بين عينه، وقال: يا حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب وأنت مرمل بدمائك، مذبوح من قفاك، مخضب شيبك بدمائك، وأنت وحيد غريب بأرض كربلاء، بين عصابة من أمتي تستغيث فلا تغاث، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وقد استباحوا حريمك، وذبحوا فطيمك، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يا حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا علي وهم إليك مشتاقون، وإن لك في الجنان لدرجة عالية، لن تنالها إلاّ بالشهادة فأسرع إلى درجتك. مدينة المعاجز: ج3 ص483 -484 الفصل42 من الباب ح53، وقريب منه في كتاب الفتوح: ج5 ص19. وعن الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد: ج10 ص89: وروى ابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يزيد، لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان، أما إنه نعي إلي حبيبي حسين، أتيت بتربته، ورأيت قاتله، أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه إلا عمهم الله بعقاب). وعن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: سأل عمر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المهدي، فقال: يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ قال: (أما اسمه فلا، إن حبيبي وخليلي عهد إليّ أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله عز وجل وهو مما استودع الله عز وجل رسوله في علمه). الإمامة والتبصرة: ص117 - 118 باب في النهي عن تسميته (عليه السلام) ح111. وعن جابر: لما قال قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة قبل النبي (صلى الله عليه وآله) بين عينيه وقال: (يا حبيبي أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها). ذخائر العقبى: ص215.

اشتياق الحور إليها

مسألة: يستحب بيان أن الحور تشتاق إلى فاطمة (عليها السلام)، والظاهر أن شوقهن وليد معرفتهم بها (عليها السلام) بإلهام من الله تعالى، وكذلك اشتياقهن إلى سائر المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين)، بل في الروايات اشتياقهن إلى المؤمنين(1)، وإظهار ذلك يوجب التفاف الناس حولهم أكثر فأكثر.كما أن بيان أن الحور تشتاق إلى المؤمن يوجب التفاف الإنسان حول الدين وأهله، عقيدةً وعملاً، ليفوز بتلك المنزلة الرفيعة في الآخرة.

ترابط العالمين

مسألة: ينبغي الحديث عن ترابط عالم الدنيا وعالم الآخرة بأنحاء عديدة، ومنها ما يظهر من هذه الروايات السابقة واللاحقة، ومن مصاديقه اشتياق الحور

ص: 296


1- قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ج9 ص344: عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين، علي وعمار وسلمان). وعن زيد النرسي في أصله: قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يحدث عن أبيه: (إن الجنة والحور لتشتاق إلى من يكسح المسجد، أو يأخذ منه القذى). مستدرك الوسائل: ج3 ص385 ب25 من أبواب أحكام المساجد ح1.

العين للمؤمنين وللأئمة المعصومين ولفاطمة الزهراء (عليهم السلام).

بين الشوق والحب

مسألة: يستحب الاشتياق إلى المعصومين (عليهم السلام) وإظهار الشوق لهم بزيارتهم واللقاء بهم والأخذ من علومهم والكسب من نورهم ...

ومن المعلوم أن الشوق غير الحب، فإن الاشتياق مزيدٌ على أصل الحب، وإن شئت قلت: إن الاشتياق فعلي، بينما الحب انفعالي بالنسبة إلى النفس، أو هو نوع هيجان للمحبة.

الرسول وتعريف نفسه

مسألة: ينبغي لمن أُرسل أن يُعرّف نفسه، وأن يذكر أنه من قبل من أُرسل، وأن يبين من خصوصياته كل ما له دخل في حسن أداء الرسالة، فإنه نوع من الإتقان، كما عرفت الحور نفسها وأنها أرسلت من قبل رب العزة جل جلاله.

هذا كله مع اشتمال الأمر على الفائدة وعدم وجود محذور في البين.

وعلى أيٍ، فمطلوبيته طريقية، تتبع في الوجوب أو الاستحباب وجوب ذيها أو استحبابه.

ص: 297

عدة مسائل

مسألة: لا يجوز جفاء الصديقة الزهراء (عليها السلام) بأي نوع من أنواع الجفاء، مثل عدم الكتابة عنها في الصحف والجرائد والمجلات، وعدم ذكرها بالذكر الكافي في المنابر والمحافل، وعدم تسمية البنات باسمها الطاهر، وعدم إحياء مولدها وأيام شهادتها بالشكل المناسب.

وكأن الزهراء (عليها السلام) أرادت بهذا القول أن تبيّن أو تشير إلى ما جرى عليها من قبل؛ من غصب الخلافة وظلمها.

فإذا كان التعبير عن عدم زيارة سلمان (رضوان الله عليه) لها بالجفاء، فكيف بمن ظلمها وهاجم دارها وضربها بالسوط وكسر ضلعها وأسقط جنينها، وأي ظلم أعظم من ذلك؟

* مسألة: يستحب التأدب في قبال العظيم، وقد قال سلمان: أأجفوكم، ولم يقل: لا.

* مسألة: يستحب الجلوس بمحضر العظيم ومنه العالم والمعصوم (عليه السلام) والاستفادة منه، وقد يستحب الوقوف، كل حسب اقتضاء المقام، تأدباً وتعظيماً، أو تسهيلاً وألفةً.مسألة: يستحب التفكير في رزية انقطاع الوحي، وأنها مصيبة عظيمة، وإن جعل الله تعالى خليفةً وتعويضاً بالأوصياء، فالوصي حي موجود في زماننا، إلاّ أن غيبته عنّا وبتقصير منا وإسراف على أنفسنا وتكالب الأعداء علينا، هي مصيبة أخرى.

ص: 298

مسألة: يلزم الاعتقاد بالغيب ومنه ما يرتبط بالملائكة، حيث قالت (عليها السلام): (فإذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد، فدخل علي ...).

مسألة: يستحب القيام للقادم، وإن كان أدنى منزلة، كما قامت الصديقة (عليها السلام) للجواري اللاتي دخلن عليها، وإن كان الفعل لا جهة لها، لكنه يدل على الرجحان، للقرينة الخارجية(1).

مسألة: يستحب السؤال عن القادم وأنه من أي بلدة، والتعرف عليه، والظاهر الاستحباب في الجملة وإن كان السائل عارفاً بالجواب فإنه نوع تحبيب وتقريب.

مسألة: يستحب إظهار الاشتياق إلى المعصوم (عليه السلام) على ما أشير إليه سابقاً، كما قالت الحور: (إنا إليكمشتاقات).

ص: 299


1- فإن المعصوم (عليه السلام) لا يفعل غير الواجب والمستحب.

طيب من السماء

اشارة

في حديث عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت:

«والله لقد أتاني من السماء طيب مع جوار من الحور العين، وإن فيهن جارية حسناء كأنها القمر ليلة البدر، فقلت: من بعث بهذا الطيب؟ فقالت: دفعه إلي رضوان خازن الجنان، وأمر هؤلاء الجواري أن ينحدرن معي، ومع كل واحدة منهن ثمرة من ثمار الجنان في اليد اليمنى، وفي اليد اليسرى نخبة من رياحين الجنة.

فنظرت (عليها السلام) إلى الجواري وإلى حسنهن، فقلت: لمن أنتن؟

فقلن: نحن لك ولأهل بيتك ولشيعتك من المؤمنين.

فقلت: أفيكن من أزواج ابن عمي أحد؟

قلن: أنت زوجته في الدنيا والآخرة، ونحن خدمك وخدم ذريتك»(1).

-------------------------------------------

زوجات المؤمن في الجنة

مسألة: يستحب بيان أن في الآخرة زوجات للرجال من الحور العين، كما لهم زوجات من الإنس، والظاهر أن لكل من الطائفتين خصوصية ولذة، وإن كان الظاهر أن الزوجات المؤمنات الأنسيات أعلى مرتبة وأشد حظوة.

ص: 300


1- دلائل الإمامة: ص104 خبر الطيب33.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا وهن أجمل من الحور العين» (1).

قُدُرات المؤمن في الجنة

ثم إنه ربما يستفاد من بعض الأحاديث: أن الإنسان يتمكن من إيجاد أمثاله في الآخرة بإذن الله تعالى، حيث تكون روحه ذات قوة هائلة فتوجد أمثال جسمه.عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك وتعالى أهدى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هريسة من هرائس الجنة، غرست في رياض الجنة، وفركها الحور العين، فأكلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فزاد في قوته بضع أربعين رجلاً، وذلك شئ أراد الله عز وجل أن يسر به نبيه محمداً (صلى الله عليه وآله) (2).

ص: 301


1- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص469 ح4631. ومما سألت أم المؤمنين أم سلمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها قالت: قلت: يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، قلت: يا رسول الله وبما ذاك؟ قال: بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب يقلن: ألا ونحن الخالدات فلا نموت أبدا * ألا ونحن الناعمات فلا نبؤس أبدا * ألا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا * ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا * طوبى لمن كن له وكان لنا * انظر مجمع الزوائد: ج7 ص119.
2- الكافي: ج6 ص320 باب الهريسة ح4.

وهذه في الدنيا فكيف بالدار الآخرة.

وقد ورد شبه ذلك بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنه كان في ليلة واحدة في أربعين مكاناً في وقت واحد(1).

وأن علياً (عليه الصلاة والسلام) شيّع جنازة نفسه(2).

كما ورد في قصة طائر ذي القرنين الذي كبّر نفسه حتى ملأ المكان (3).فلا يقال: إن الإنسان في الآخرة ما ذا يفعل بهذه الكثرة من الجواري،

ص: 302


1- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: ج1 ص353، رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار (عليهم السلام): ج1 ص26 ب1.
2- بحار الأنوار: ج 42 ص300 ب127.
3- روي في بحار الأنوار: ج57 ص114- 115 في حديث ذي القرنين: (فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعَسْكَرِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَحْدَهُ حَتَّى دَخَلَ الْقَصْرَ فَإِذَا حَدِيدَةٌ قَدْ وُضِعَتْ طَرَفَاهَا عَلَى جَانِبِ الْقَصْرِ مِنْ هَاهُنَا وَ هَاهُنَا وَ إِذَا بِطَائِرٍ أَسْوَدَ شَبِيهٍ بِالْخُطَّافِ مَزْمُومٍ بِأَنْفِهِ إِلَى الْحَدِيدَةِ مُعَلَّقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ، فَلَمَّا سَمِعَ الطَّائِرُ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ قَالَ: مَنْ هَذَا، قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ الطَّائِرُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ أَمَا كَفَاكَ مَا وَرَاكَ حَتَّى وَصَلْتَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ الطَّائِرُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدِّثْنِي، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: سَلْ، فَقَالَ: هَلْ كَثُرَ بِنَاءُ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ فِي الأَرْضِ، قَالَ: نَعَمْ، فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ انْتِفَاضَةً ثُمَّ انْتَفَخَ فَبَلَغَ ثُلُثَ الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ هَلْ كَثُرَتِ الْمَعَازِفُ، قَالَ: نَعَمْ، فَانْتَفَضَ الطَّيْرُ وَامْتَلَأَ حَتَّى مَلَأَ مِنَ الْحَدِيدَةِ ثُلُثَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ كَثُرَتْ شَهَادَاتُ الزُّورِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ: نَعَمْ، فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ انْتِفَاضَةً فَمَلَأَ الْحَدِيدَةَ وَسَدَّ مَا بَيْنَ جِدَارَيِ الْقَصْرِ، فَخَشِيَ وَخَافَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَفَرِقَ فَرَقاً شَدِيداً، فَقَالَ الطَّائِرُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ لَا تَخَفْ حَدِّثْنِي، قَالَ: سَلْ، قَالَ: هَلْ يَتْرُكُ النَّاسُ شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ، قَالَ: لا، قَالَ: فَانْضَمَّ الطَّائِرُ ثُلُثاً، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ هَلْ تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بَعْدُ، قَالَ: لَا، قَالَ: فَانْضَمَّ الطَّائِرُ ثُلُثاً، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ هَلْ تَرَكَ النَّاسُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ بَعْدُ، قَالَ: لَا، قَالَ فَصَارَ الطَّائِرُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ قَالَ: اسْلُكْ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ هَذِهِ الدَّرَجَةَ دَرَجَةً إِلَى أَعْلَى الْقَصْرِ) الحديث.

وهذه الكثرة من المنازل والقصور، ونحو ذلك؟

كما أنه يستفاد من بعض الأخبار: أن الإنسان - الصالح والطالح - يتضاعفحجمه ويكبر في الآخرة كبراً عظيماً يتناسب مع تلك الدار، حتى أنه يكون كل سن من أسنان الكافر في جهنم بقدر جبل(1)، وهكذا بالنسبة إلى طول الحوريات وعرضها مما يستشم منها ذلك(2).

وبالجملة فإنه شاء الله أن يرى المؤمن في الآخرة ما لا عين رأت ولا أذنسمعت ولا خطر على قلب بشر(3)، وهذه تقريبات نحتملها احتمالاً، وإن كان لها بعض الشواهد كما ذكرناها، والله العالم.

ص: 303


1- راجع بحار الأنوار: ج7 ص50 ب3 وفيه: (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ كَأَمْثَالِ الذَّرِّ، وَأَنَّ ضِرْسَ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُد).
2- في خبر مسائل ابن سلام عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فصف لي الحور العين، قال: يا بن سلام، الحور العين بيض الوجوه، فحام العيون، بمنزلة جناح النسر، صفاؤهن كصفاء اللؤلؤ الأبيض الذي في الصدف الذي لم تمسه الأيدي. مستدرك سفينة البحار: ج2 ص463. وفي حديث عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل (وحور عين)، قال: حور بيض عين ضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسور، قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل: (كأنهن الياقوت والمرجان)، قال: صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي، قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قول الله: (فيهن خيرات حسان)، قال خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قالت: قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قوله تعالى: (كأنهن بيض مكنون)، قال: رقتهن كرقة الجلد الذي في داخل البيضة مما يلي القشر.
3- انظر الأمالي، للشيخ الصدوق: ص281 المجلس38 ح1. وفيه: (... فحقيق على الله أن يجمع بينكم وبين نبيكم، فينتهي بهم إلى منازلهم، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

التهادي بالطيب

مسألة: يستحب التهادي بالطيب والرياحين(1).

فإن الهدية مطلقاً مستحبة، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث مروي عنه: «تهادوا تحابوا»(2).

وهل يستفاد من هذا الحديث خصوصية التهادي بالطيب والرياحين؟ أو أنهما من باب بعض المصاديق؟ احتمالان، وإن كان يمكن التقريب لكل منهما بوجه أو أكثر.

الرائحة الطيبة

مسألة: يستحب أن يتعطر الإنسان، وأن يكون ذا رائحة طيبة، لفضل ذي الرائحة الطيبة على فاقدها، في صورة تساويهمافي سائر الجهات، أو من هذا الحيث.

فإن من المعلوم أن ذا الفضيلة الجسمية والروحية هو أفضل من فاقدها، هذا إضافة إلى أن الرائحة الطيبة توجب هدوء النفس، وتزيل توتر الأعصاب، وتنفع في الصحة، وتزيد في الحافظة، كما أنها توجب تماسك الأفراد وتوادّهم،

ص: 304


1- بل ورد كراهية رد هدية الطيب، فقد روى الشيخ الكليني في الكافي: ج6 ص513 باب كراهية رد الطيب ح4: عن علي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان لا يرد الطيب والحلواء.
2- عن السكوني، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): تهادوا تحابوا، تهادوا فإنها تذهب بالضغائن. الكافي: ج5 ص144 باب الهدية ح14.

وذلك مطلوب شرعاً ومحبوب.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من تطيب أول النهار لم يزل عقله إلى الليل»(1).

وعن علي بن رئاب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) أنا مع أبي بصير، فسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الريح الطيبة تشد القلب وتزيد في الجماع»(2).

وقال علي بن إبراهيم: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب»(3).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينفق فيالطيب أكثر مما ينفق في الطعام»(4).

نعم الجنة لعباد الله

مسألة: يستحب بيان أن كل ما في الجنة فهو لعباد الله الصالحين، وقد قالت الصديقة (عليها السلام): «لمن أنتن».

ثم إن قولها (عليها الصلاة والسلام): «أفيكن من أزواج ابن عمي أحد؟» ليس على سبيل الغيرة الدنيوية، وإنما كان من قبيل سؤال العارف لبيان حكمة

ص: 305


1- الكافي: ج6 ص510 - 511 ح7.
2- الكافي: ج6 ص510 باب الطيب ح3.
3- الكافي: ج6 ص511 باب الطيب ح7.
4- الكافي: ج6 ص512 باب الطيب ح18.

وفائدة، فهي أعرف وأعلم بما كان وما يكون.

وقولهن: «أنت زوجته في الدنيا والآخرة» قد يظهر منه أنها (عليها الصلاة والسلام) هي زوجته الوحيدة، وربما يراد المفضلة، فهي المفضلة على غيرها على الإطلاق.

وقد سبق أن كل ما في الجنة فهو لعباد الله، لكن لا تنحصر الاستفادة والتلذذ منها في بُعد خاص من أبعاد الإنسان، وإنما الاستفادة أعم من استفادة العين والأذن والذوق والفم والجنس وغيرها من الأبعاد التي لا نعلمها، ولعلها تبلغ الألوف أو الملايين في عالم الآخرة؛ إذ ما أوتينامن العلم إلاّ قليلاً، ولعل منافذ الإنسان للعالم تبلغ ذلك أو أكثر.

وهذا يظهر من مختلف الأخبار والآيات، ومن قرأ كتاب المعاد من (البحار)(1)، وكتاب (اللئالي) للتوسركاني (قدس سره)(2) وما أشبه، لاكتشف شيئاً كثيراً من خصوصيات الجنة وأحوالها.

حكم اليمين

مسألة: يجوز الحلف، والجواز بالمعنى الأعم، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «والله...»، وقد سبق تفصيل ذلك في الفصل الأول من هذا الكتاب(3).

فإن الحلف إذا لم يكن حراماً انقسم إلى الأحكام الأربعة من الوجوب والاستحباب والكراهة وربما الإباحة، كما ذكروا مثل ذلك في جملة من الأحكام

ص: 306


1- بحار الأنوار: أبواب المعاد وما يتبعه، ج6 ص 295 إلى نهاية الكتاب، وج7 من البداية.
2- كتاب (لئالي الأخبار والآثار)، للعلامة المحقق الشيخ محمد نبي التوسيركاني (رحمة الله عليه).
3- في شرح حديث الكساء، كما أشير إليه في شرح الخطبة أيضاً.

الأولية التي تصادق الأمور الثانوية.

ولعل قسمها (عليها السلام) لدفع استغراب بعض النفوس الضعيفة لمثل هذه الكرامة.

وذلك من أسباب كثرة القسم في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: «فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ»(1).

وقوله سبحانه: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ»(2).

السؤال عن المُهدي

مسألة: يستحب السؤال عن المُهدي، كما سألت: من بعث بهذا الطيب؟

فإن السؤال عنه نوع احترام له، بل وإن كان المُهدى إليه يعرف المُهدي ولو في الجملة.

ويفهم بالملاك حال مطلق خدمة إنسان لإنسان آخر، حيث إن السؤال عن الذي خدمه واحترمه نوع احترام له.

هذا إضافة إلى أن معرفة المُهدي لازمة عادة لشكره، وشكر المنعم حسن، وهو بين مستحب وواجب.

ص: 307


1- سورة الذاريات: 23.
2- سورة القلم: 1 - 2.

الجنة لشيعتها

مسألة: يستحب بيان أن الجواري، بل مطلق النعم في الجنة مختصة بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها (عليها السلام) وشيعتهم.

والمراد بالشيعة أعم ممن جاء بعدهم (عليهم الصلاة والسلام) وممن كان قبلهم من المؤمنين بالله سبحانه وتعالى مثل أنبيائه ورسله، فإن هذه المجموعة الموالية لله سبحانه وتعالى وأنبيائه وأوصيائه وأوليائه كلهم شيعة لكلهم.

قال سبحانه: «قُولُوا آَمَنَّا باللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ»(1) الآية.

وقال تعالى: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ»(2).

وقد دلت الروايات الكثيرة على أن إبراهيم وسائر الأنبياء (عليهم

السلام) كانوا محبين موالين معتقدين وشيعة لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فلا يتوهم منافاة ذلك لما دل على دخول المؤمنين من سائر الأمم إلى الجنة، أو المسلمين غير الشيعة غير المعاندين، إذ المستظهر جمعاً بين الروايات: أنهم يدخلون الجنة بعدتعريفهم في عالم الآخرة بالمعصومين (عليهم السلام)، ولا يستغرب ذلك بعد أن كانوا (عليهم السلام) هم العلة الغائية لخلق العالم(3).

ص: 308


1- سورة البقرة: 136.
2- سورة الصافات: 83.
3- راجع الجزء الأول من هذا الكتاب حول أن الكون خلق لأجلهم.

زوجته في الدنيا والآخرة

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها) هي زوجة أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في الدنيا والآخرة.

وهذا تكريم لها وله (صلوات الله عليهما) حيث يدل ذلك على أنه لا يوجد لها كفؤ غيره، ولا له كفؤ غيرها، كما ورد في الحديث: «لولا أن الله خلق أمير المؤمنين لم يكن لفاطمة كفؤ، على ظهر الأرض، آدم فمن دونه»(1).

ولا يتوهم أن هذه قضايا خاصة؛ إذ معرفتها نافعة، فإن فيها تكريساً لمحورية أهل البيت (عليهم السلام) في الحياة، ويظهر ذلك بوضوح عند ملاحظة أن كثيراً من الناس يملؤون فراغ أنفسهم بمعرفة أمثال ذلك عن الناس العاديين، أو عمن يسمونهم بالنجوم ممن لا قيمة لهم في ميزان العقل أو المنطق.

خدمة أهل البيت

مسألة: ينبغي خدمة أهل البيت (عليهمالسلام) وقد تجب.

فإن خدمة كل مؤمن لها فضيلة، وقد تكون واجبة إذا قورنت بما يوجب، فكيف بخدمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام).

وفي هذا الحديث تتشرف الملائكة بخدمة الصديقة فاطمة (عليها السلام)، حيث لها: (نحن خدمك وخدم ذريتك).

ولعل المستظهر أن خدمة المؤمن ذات أجر وأثر عظيم في العوالم الأخرى

ص: 309


1- تهذيب الأحكام: ج7 ص470 باب من الزيادات في فقه النكاح ح1882.

أيضاً لا في الدنيا فحسب.

خدمة ذرية فاطمة

مسألة: تستحب خدمة ذرية فاطمة (صلوات الله عليها).

فإن خدمة ذريتها خدمة لها (عليها وعليهم السلام)، وفيه إدخال السرور على قلبها.

قال سبحانه: «أَلحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ»(1)، فإن إلحاق ذرية المرء به فيه سرور له، وأي سرور مع أنهم قد لا يكونون من مقامه ومستواه - في غير المعصوم (عليه السلام) - .

وفي الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حث على إكرام ذريته، وقال: «أحبوا أولادي، الصالحون لله، والطالحونلي»(2)، ومن الواضح أن المراد بالطالحين ليس الكفار أو من أشبههم والعياذ بالله، لو فرض أن في الذرية حصل مثل أولئك.

وروي عنه (صلى الله عليه وآله): «المرء يحفظ في ولده»(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا

ص: 310


1- سورة الطور: 21.
2- مستدرك الوسائل: ج12 ص376 ب17 من أبواب فعل المعروف ح8.
3- كتاب سليم بن قيس: ص390.

طردوا أو شردوا»(1).

وقال الصادق (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمداً (صلى الله عليه وآله)يكلمكم ، فتنصت الخلائق، فيقوم النبي (صلى الله عليه وآله) فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافئه، فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا وأي يد أو أي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحداً من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافئه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله تعالى: يا محمد يا حبيبي، قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم من الجنة حيث شئت، قال: فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته (عليهم السلام)(2).

ويتضح ذلك أكثر لدى ملاحظة ما أجبنا به في (الفقه: الاقتصاد) عن شبهة أوردها الشيوعيون ضد الإرث، وأنه كيف يحصل المرء على ما لم يبذل جهداً فيه؟

كان من الأجوبة: إن وصول الإرث للأولاد، هو ناتج جهد الأب، فكما لا يصح الاعتراض على المُهدي وأنه كيف يعطي الهدية لمن لم يبذل جهداً، كذلك الإرث.

ص: 311


1- وسائل الشيعة: ج16 ص332 ب17 من أبواب فعل المعروف ح2. وقريب منه في مصادر العامة، انظر كنز العمال: ج15 ص868 ح43456: «أربع أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه».
2- من لا يحضره الفقيه: ج2 ص65 ح1727.

والحاصل: إن الحق في الأخذ تارة يكون من الاستحقاق، وأخرى يكون من جهة حق المعطي في التصرف في ماله كيف يشاء.

نعم الشرع قد يوسع أو يضيق، لأنه المولى الحقيقي، فليس للمالك أن يورّث لورثته أكثر أو أقل من السهام المقررة لكل منهم مثلاً، وإن جاز في الجملة بعناوين أخرى كالهدية حال الحياة، والوصية بالثلث بعد الممات وما أشبه.

الملائكة خدام الصديقة

مسألة: يستحب بيان أن الجواري والملائكة في خدمة الزهراء (سلام الله عليها) وذريتها.

فإن بيان أمثال هذه الأمور يستلزم تقوية العقيدة، ويوجب التفاف الناس حولهم (عليهم السلام) مما يسعد دنياهم وآخرتهم، فإنه كل ما التف الإنسان حول أولياء الله سبحانه وتعالى تحسنت دنياه وآخرته.

والمستظهر أن خدمتهم لها (صلوات الله عليها) ليس خاصاً بالآخرة، بل في الدنيا أيضاً، كما ظهر من هذا الحديث وغيره.

ص: 312

عدة مسائل

مسألة: يستحب بيان حسن حور الجنة وأنهن كالقمر ليلة البدر، وهذا التشبيه من ضيق التعبير ومحدودية مشاعرنا، وإلاّ فإن حسنهن فوق الوصف.

مسألة: يستحب تقديم الهدايا للعظماء، ومنهم المعصومون (عليهم السلام)، كما أهدى رضوان بأمر الله تعالى الطيب وبعثه للصديقة فاطمة (عليها السلام).

وربما يكون منه ما ينفقه الإنسان باسم الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ويصرفه في مجالسهم ومراقدهم الطاهرة وحسينياتهم، وكذا ما يرتبط بنشر علومهم، أو يعطيه للأيتام والفقراء باسمهم، كما أن منه إهداء ثواب الصلاة والصوم والحج والزيارة وقراءة القرآن الكريم لهم، خاصة للإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وما أشبه.

مسألة: يستحب رعاية الشؤون اللائقة بالطرف في تقديم الهدية إليه، بحيث يتناسب مع شأنه واحترامه ومكانته، كما بعث رضوان الطيب وأمر الجواري أن ينحدرن تشريفاً للصديقة فاطمة (عليها السلام) وفي يد كل واحدة ثمرة وريحان.مسألة: يستحب بيان منزلة شيعة فاطمة (عليها السلام) في الجنان، فإن ذلك يوجب تثبيتهم على الإيمان والولاية والبراءة، كما أنه يرغب الآخرين أيضاً بأن يكونوا من شيعتها (صلوات الله عليها).

ص: 313

أنتِ مني وأنا منكِ

اشارة

عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: «لما نزلت على النبي (عليه السلام): «لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا»(1)، قالت فاطمة (عليها السلام): فتهيّبت النبي (صلى الله عليه وآله) أن أقول له: يا أبة، فجعلت أقول له: يا رسول الله، فأقبل عليّ، فقال لي: يا بنية لَمْ تنزل فيك ولا في أهلك من قبلُ، أنتِ مني وأنا منكِ، وإنما في أهل الجفاء والبذخ والكبر، قولي: يا أبة، فإنه أحب للقلب وأرضى للرب، ثم قبّل النبي (صلى الله عليه وآله) جبهتي، ومسحني بريقه، فما احتجت إلى طيب بعده»(2).

-------------------------------------------

تقبيل البنت

مسألة: يستحب أن يقبل الأب جبين ابنته.

وقبلة الجبين نوع تكريم وإظهار محبة، وهو من باب أحد المصاديق، وإلاّ فالرسول (صلى الله عليه وآله) كان يقبّل حتى يد الزهراء (عليها السلام) كما ورد في

ص: 314


1- سورة النور: 63.
2- شرح إحقاق الحق: ج19 ص94 - 95 قوله (صلى الله عليه وآله): (أنت مني وأنا منك).

الحديث.

عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن لكم لنوراً تعرفون به في الدنيا، حتى أن أحدكم إذا لقى أخاه قبله في موضع النور من جبهته»(1).

وروي عن عائشة أنها قالت: (ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه)(2).

والظاهر أن للصديقة فاطمة (عليها السلام) خصوصية خاصة(3)، فلا يتعدى منهاإلى تقبيل الآباء أيدي بناتهم تنقيحاً للمناط، والعرف يرى اختلاف تقبيل الجبين عن تقبيل اليد، فتأمل.

محبة البنت والعطف عليها

مسألة: يستحب عطف الأب على بناته، وإظهار ذلك بشتى الأنواع المشروعة، ومن ذلك أن يخصص وقتاً لهن باستمرار يستمع فيه إليهن ويتحدث إليهن بما فيه خير الدنيا والآخرة، وذلك من أسباب تماسك الأسر واستقامة

ص: 315


1- وسائل الشيعة: ج12 ص234235 ب134 من أبواب أحكام العشرة ح6.
2- هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص154، السنن الكبرى: ج7 ص101، وغيرهما.
3- ففاطمة الزهراء (عليها السلام) هي بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه، وسيدة نساء العالمين، وكانت بمثابة الوالدة له (صلى الله عليه وآله) ولذا كان يكنيها بأم أبيها، إلى ما لا يحصى من خصوصيات وفضائل لها (صلوات الله وسلامه عليها).

الأولاد وسعادتهم في مستقبل الأيام.

ثم إن مطلق العطف والحنان وتفقد الأولاد والأرحام شيء ندب إليه الإسلام، وما نحن فيه من أظهر مصاديقه، مضافاً إلى خصوصية الزهراء وفضلها وهي سيدة نساء العالمين (صلوات الله عليها).

نداء الأب بما يحب

مسألة: يستحب أن ينادي الإنسان أباه بالصورة التي يحبه ويكون أحب لقلبه.

فلا يناديه كنداء سائر الناس مِن وصل الألقاب والمقدمات والمؤخراتباسمه، فمثلاً يقول: (يا أبة)، ولا يقول: (حضرة الوجيه، العلامة...)، نعم لو فرض أن ذلك أحب إليه رجح، وكذلك الحال في نداء الأم، بل في نداء مطلق المؤمن القريب إليه جداً.

ريق النبي وعرقه

مسألة: يستحب بيان أن ريق فم النبي (صلى الله عليه وآله) ليس كريق سائر الناس، وكذلك عرقه وغيرها، بل كان رقيقاً لطيفاً معطراً جداً، وبدون أي نوع من الوسخ أبداً، وذلك لآية التطهير وغيرها.

ولذا مسح (صلى الله عليه وآله) به الزهراء (عليها السلام)، وقالت: (فما احتجت إلى طيب بعده)، كما دلت على ذلك الروايات المتعددة.

ثم إنه قد ثبت علمياً أن ماء فم الإنسان معقم ومطهر له من المكروبات الضارة بما جعل الله سبحانه وتعالى له من الخواص، ولكن بشرط السواك ونحو

ص: 316

ذلك حتى لا يكن ملوثاً بما يرد عليه من الطعام وبقاياه وشبهها.

بل قد ذكرنا سابقاً أن دمه (صلى الله عليه وآله) أيضاً طاهر مبارك، وتدل عليه رواية شرب دم حجامته (صلى الله عليه وآله) وغيرها.

امتثال الآيات الشريفة

مسألة: يجب تطبيق الآيات الشريفة والعمل بها، سواء في الحياة الشخصية أم العائلية أم الاجتماعية أم غيرها، ولا يخفى أن ما فعلته (سلام الله عليها) بعد نزول آية «لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ»(1) كان للتعليم وبقصد التفهيم.

والمراد بوجوب التطبيق؛ العمل وفق الآية في الواجبات والمستحبات والمكروهات والمباحات والمحرمات، وسائر الأحكام الوضعية وغيرها.

قال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ»(2).

فلا يتوهم أن المراد وجوب العمل بالمستحبات أيضاً، بل بعض المراد أن لا يأتي بالمستحب مثلاً مدعياً وجوبه، أو مبتدعاً كراهة ما لا دليل على كراهته، وأيضاً أن لا يتعمد إهمال كل المستحبات والإتيان بكل المكروهات، وأيضاً أن لا يمحو ذكرها وأثرها.

ص: 317


1- سورة النور: 63.
2- سورة النساء: 64.

التهيب من العظماء

مسألة: يستحب التهيب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن كل عظيم.

فإن التهيب نوع احترام للعظماء الإلهيين، وهو من الأمور الواقعية الممكن تحصيلها بالتلقين وما أشبه، لأن الإنسان يتعود الخير والفضيلة بالإيحاء إلى نفسه، وكلما ازداد الإنسان معرفة بالعظيم ازداد تهيباً منه.

نعم، ينبغي أن لا يحول التهيّب دون أداء المستحب أو الواجب، كالسؤال عما يحتاجه من المسائل، وكإعطاء المشورة في مواطن وجوبها أو استحبابها، في غير المعصوم (عليه السلام).

مسألة: الاحتياط حسن على كل حال(1)، إلا إذا عورض باحتياط آخر، أو استلزم محذوراً كصدق اللعب في العبادة مثلاً، أو كان مقدمة أو سبباً للوسوسة وما أشبه.

وعلى أيٍ، فإن تهيبها (صلوات الله عليها)من أن تقول له: (يا أبه)، لعله كان نوع احتياط.

والأصل في الحكم الشمول لو شك في خروج مصداق عنه.

ثم إن الآية الشريفة: «لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا»(2) منصرفة عنها (عليها السلام) كما صرح الرسول (صلى الله عليه وآله) ب- (لم

ص: 318


1- عن داود ابن القاسم الجعفري، قال: سمعت الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) يقول: إن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال لكميل بن زياد فيما قال: يا كميل، أخوك دينك، فاحتط لدينك بما شئت. الأمالي، للشيخ الطوسي: ص110 المجلس4 ح22.
2- سورة النور: 63.

تنزل فيك ولا في أهلك من قبل)، ولا يخفى علمها (عليها السلام) بذلك وأن الحكم لا يشملها، إلا أن احتياطها كان ليصل إلينا وإلى غيرنا علم ذلك بتصريحه (صلوات الله عليه وآله).

حرمة الرسول

مسألة: الواجب رعاية حرمة واحترام الرسول (صلى الله عليه وآله) في حياته وبعد مماته، فلا يصح (دعاؤه) الآن كدعاء بعضنا لبعض، سواء في الكلام أم الكتاب أم التمثيل أم غيرها.

وبذلك يظهر أن مثل قول ذلك الجاهل: (عصاي هذه خير من محمد)(1)

ص: 319


1- نص العبارة كما نقلها السيد الأمين (رحمه الله) في كشف الارتياب: ص127: عن خلاصة الكلام ص230: كان محمد عبد الوهاب يقول عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنه طارش، وإن بعض أتباعه كان يقول: عصاي هذه خير من محمد، لأنه ينتفع بها في قتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع، وإنما هو طارش ومضى، وكان يقال ذلك بحضرته أو يبلغه فيرضى. وهكذا نقل ذلك أحمد زيني دحلان ت1304ه- في (الدرر السنية في الرد على الوهابية) ص42: وكان ينتقص النبي (صلى الله عليه وآله) كثيراً بعبارات مختلفة، ويزعم أن قصده المحافظة على التوحيد! فمنها أن يقول: إنه طارش، وهو في لغة أهل المشرق بمعنى الشخص المرسل من قوم إلى آخرين، فمراده أنه (صلى الله عليه وآله) حامل كتب أي غاية أمره إنه كالطارش الذي يرسله الأمير أو غيره في أمر للناس ليبلغهم إياه ثم ينصرف، ومنها أنه كان يقول نظرت في قصة الحديبية فوجدت بها كذا كذا كذبة، إلى غير ذلك مما يشبه هذا حتى أن أتباعه كانوا يفعلون مثل ذلك أيضاً ويقولون مثل قوله، بل أقبح مما يقول ويخبرونه بذلك فيظهر الرضا، وربما أنهم قالوا ذلك بحضرته فيرضى به، حتى أن بعض أتباعه كان يقول: عصاي هذه خير من محمد لأنها ينتفع بها في قتل الحية ونحوها ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلاً وإنما هو طارش وقد مضى، قال بعض من ألف في الرد عليه إن ذلك كفر في المذاهب الأربعة بل هو كفر عند جميع أهل الإسلام.

تعتبر من أعظم المنكرات(1).مسألة: هل ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) على امتداد الزمن داخلون في المستثنى منه، أو في المستثنى(2)، لا يبعد الإلحاق للمناط.ولا يتوهم شمول (أهلك)، لوجود(3) (من قبل)، إلاّ أن يقال: القيد

ص: 320


1- بل ربما يعدّ ذلك نوع ارتداد وكفر، وقد مرت عبارة أحمد دحلان في كتابه السابق، وقال أبو حامد بن مرزوق في كتابه (التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وجهلة الوهابيين) ص106107: فهم منتكهون حرمته (صلى الله عليه وآله) تطبيقاً لما أسسه لهم شيخهم ابن عبد الوهاب في قوله: (محمد (صلى الله تعالى عليه وآله) طارش)، أي أدى الرسالة وذهب، فلا حرمة ولا قيمة له، نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان، ولذلك كره الصلاة عليه (صلى الله تعالى عليه وآله) وتأذى من سماعها ونهى عنها، وقتل ذلك الصالح المؤذن الضرير لأجلها، وعليه فيذكرونه (صلى الله تعالى عليه وآله) بمجرد اسمه بدون شيء يدل على احترامه حتى يطبقوا على أنفسهم نهيه تعالى الموجه للمنافقين والجفاة الأجلاف: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً). وقال الشيخ حسن السقاف في (القول العطر في نبوة سيدنا الخضر) هامش ص29: فمن قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبارة عن حامل رسالة كساعي بريد أو طارش بلغة قوم فقد ارتد وخرج من الاسلام وتزندق، لأنه استهان واستخف بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال تعالى: (فالذين آمنوا وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف: 157، ومعنى عزروه: عظموه ووقروه.
2- أي في عموم الآية الشريفة: «لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ»، أم في تخصيصه (صلوات الله عليه وآله) للآية وإخراج فاطمة وأهلها (عليها وعليهم السلام).
3- هذا تعليل ل- (لايتوهم).

إضافي(1) فلا يمنع الإطلاق(2)؛ فالقصد أن الآية لم تنزل لتوبيخ أهلك على ما صنعوا من قبل، فتأمل.

موارد الآيات وشأن نزولها

مسألة: يستحب بيان موارد نزول الآيات وشأنها.

فإن الآيات القرآنية نزلت في مناسبات مختلفة وموارد عديدة، زماناً ومكاناً وجهةً وخصوصيةً ومزيةً، كما دل على ذلك جملة من الروايات، وكما هو الشأن بالنسبة إلى الكلام البليغ، فكيف بكلام الله سبحانه وتعالى الذي هو أبلغ البلغاء.

ثم إن بيان هذا الأمر يوجب الالتفاف حول القرآن أكثر فأكثر، فإنه كلما كان وجه الحكمة أوضح يكون الإنسان أكثر تمسكاً به والتفافاً حوله.

إنهم مني وأنا منهم

مسألة: يستحب بيان أن فاطمة (سلام الله عليها) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والرسول (صلى الله عليه وآله) منها (عليها السلام)، كما قال (صلى الله عليه وآله): «أنتِ مني وأنا منكِ».

وهكذا قالها لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام)(3).

ص: 321


1- أي قيد (من قبل).
2- إطلاق (أهلك) وشموله للآيتين.
3- ورد هذا النص من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشأن أمير المؤمنين (عليه السلام) في روايات عديدة رواها الخاصة والعامة: منهم الصدوق في أماليه: ص57 المجلس2 ح7 بنص: (علي مني وأنا من علي)، وفي ص266 المجلس4 ح8 بنص: (يا علي أنت مني وأنا منك)، وفي ص88 المجلس9 ح10 بنص: (إن علياً مني وأنا من علي)، وفي ص156 المجلس21 ح1 بنص: (ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك)، وفي ص342 المجلس45 ح18 بنص: (لأنك مني وأنا منك)، وفي ص757 المجلس76 ح12 بنص: (علي مني وأنا من علي)، إلى غيرها من المصادر. ومن مصادر العامة أيضاً: مسند أحمد: ج1 ص108، وصحيح البخاري: ج3 ص168 كتاب الصلح، وج4 ص207 باب مناقب المهاجرين وفضلهم، وج5 ص85 باب عمرة القضاء، إلى غيرها من المصادر.

فإن بيان ذلك يوجب الالتفاف حول الصديقة الزهراء (عليها

السلام) اعتقاداً بها وخدمةً لها وإطاعة أكثر فأكثر، هذا بالإضافة إلى أن مثل ذلك معرفة من أسمى المعارف، والبشر جبلوا على حبالعلم والمعرفة، إضافة إلى أن المعرفة كمال في حد ذاتها وتزداد أهميةً وكمالاً بلحاظ المتعلّق.

والمراد بأنها منه وأنه منها (عليهما السلام): أنهما من نور واحد، وأن من أراد إتّباع النبي (صلى الله عليه وآله) لابد أن يكون متّبعاً للصديقة (عليها السلام)، فليس المراد من حيث الجسمية فقط التي هي حاصلة بين كل أب وبنت.

وهكذا في قوله (صلى الله عليه وآله): «حسين مني وأنا من حسين»(1).

وكذلك في قوله (صلى الله عليه وآله): «أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر

ص: 322


1- كامل الزيارات: ص116 ب14 ح11 وتتمته: (أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط). ورواه من العامة جماعة منهم: أحمد في مسنده: ج4 ص172، وسنن ابن ماجه: ج1 ص51 ح144، وفي الزوائد إسناده حسن رجاله ثقات، وسنن الترمذي: ج5 ص324 ح3864 وقال: هذا حديث حسن، والمستدرك على الصحيحين: ج3 ص177 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إلى غيرها من المصادر.

الناس من شجر شتى»(1).وما أشبه، مما يدل على أنه لا يمكن للإنسان أن يكون على نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ إذا كان على نهج أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).

ويحتمل في معنى (أنت مني وأنا منك) ونظائره لحاظ حال الامتداد والاستمرارية، ف- (أنا منك) لأن ذكره (صلوات الله عليه وآله) ودينه وشريعته كانت ستمحى أو تحرف كاملاً لو لم تكن الصديقة الزهراء (عليها السلام) موجودة وذريتها بجهادهم وجهودهم، وهو ما أشار إليه سيد الشهداء (عليه السلام) بقوله، أو بلسان حاله:

إن كان دين محمد لم يستقم *** إلا بقتلي يا سيوف خذوني

وما أشار إليه القائل بقوله: (الإسلام محمدي الوجود، حسينيالبقاء)(2)، ويصح (علوي البقاء) و(فاطمي البقاء) أيضاً.

ص: 323


1- عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خلق الناس من شجر شتى، وخلقت أنا وابن أبي طالب من شجرة واحدة، أصلي علي وفرعي جعفر». الخصال: ص21 ح72. كما رواه علماء العامة، منهم الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين: ج2 ص241: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: يا علي الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد) سورة الرعد: 4. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وكذا الطبراني في المعجم الأوسط: ج4 ص263، وتفسير القرطبي: ج9 ص283، والدر المنثور: ج4 ص44، وتاريخ مدينة دمشق: ج42 ص64، إلى غيرها من المصادر.
2- نسب قريب من هذه الكلمة إلى العلامة كاشف الغطاء، انظر (الكشكول المبوب): ص44.

الخطاب الأحب للقلب

مسألة: يستحب الخطاب بما يكون أحب للقلب.

فإن التحبيب للناس فضيلة، فكيف بالتحبيب إليهم (عليهم الصلاة والسلام).

إضافة إلى كونه إدخالاً للسرور في قلب المؤمن، وقد أشرنا إلى مثل ذلك في بعض المباحث السابقة.

الخطاب الأرضَى للرب

مسألة: يستحب الخطاب بما يكون أرضى للرب، بل ينبغي رعاية ذلك في كل فعل وقول وحركة وسكون.

ومعنى الأرضى للرب: أن الله سبحانه وتعالى يعطي عليه أفضل الجزاء، إذ الله سبحانه وتعالى لا يرضى كرضى الناس، كما لا يغضب كغضبهم، فإن الرضا والغضب من الحوادث والطوارئ والحالات النفسية، جل جلاله عنها، بل كما ذكروا في علم الكلام: (خذ الغايات واترك المبادي).

ص: 324

سيدة النساء

اشارة

عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين»(1).

وفي حديث آخر: «سيدة نساء أمتي»(2).

وفي رواية أخرى: «يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين؟»(3).وفي رواية رابعة: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟»(4).

ص: 325


1- فضائل سيدة النساء: ص25، وفي مسند أبي داود الطيالسي: ص197 زيادة: (أو سيدة نساء هذه الأمة).
2- عن أبي هريرة قال: أبطأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنا يوماً صدر النهار، فلما كان العشي قال له قائلنا: يا رسول الله قد شق علينا لم نرك اليوم، قال: (إن ملكاً من السماء لم يكن رآني فاستأذن الله في زيارتي فأخبرني أو بشرني أن فاطمة ابنتي سيدة نساء أمتي، وأن حسناً وحسيناً سيدا شباب أهل الجنة). السنن الكبرى: ج5 ص146 ح8515. وعن أبي هريرة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن ملكاً من السماء لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي فبشرني أو أخبرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي). المعجم الكبير: ج22 ص403، مجمع الزوائد: ج9 ص201.
3- انظر صحيح البخاري: ج7 ص142 كتاب الاستئذان، بزيادة: (أو سيدة نساء هذه الأمة)، وصحيح مسلم: ج7 ص143 وص144، وسنن ابن ماجه: ج1 ص518 ح1621، وفضائل الصحابة للنسائي: ص77، وغيرها من المصادر.
4- صحيح البخاري: ج4 ص183 باب علامات النبوة في الإسلام، وفيه زيادة: (أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك).

وفي رواية خامسة: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة؟»(1).

وفي رواية سادسة: إنه (صلى الله عليه وآله) نظر يوماً إلى فاطمة (عليها السلام) فقال لها : «يا فاطمة، إنك سدت نساء أمتي كما سادت مريم ابنة عمران على نساء عالمها»(2).

وفي رواية سابعة: «أنت سيدة نساء أهل الجنة(3)، لا مريم البتول»(4).وفي رواية عائشة: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال، وهو في مرضه الذي توفي فيه: (يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمة، وسيدة نساء المؤمنين)(5).

-------------------------------------------

ص: 326


1- انظر مسند أحمد: ج6 ص282، وفيه زيادة: (أو نساء المؤمنين، قالت: فضحكت لذلك)، والسنن الكبرى للنسائي: ج5 ص146 ح8516.
2- شرح الأخبار: ج3 ص24 ح959، ومن مصادر العامة: المعجم الكبير ج22 ص417 ونصه: (أما ترضين أن زوجك أول المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً، فإنك سيدة نساء أمتي كما سادت مريم نساء قومها).
3- بهذا المقطع دون الزيادة، وردت في مصادر الإمامية منها الاحتجاج: ج1 ص414.
4- مصادر هذا الحديث جاء بنص: (إلا مريم البتول). منها: جامع البيان لابن جرير الطبري: ج3 ص359. ويحتمل أن بعض الأعداء صحفوا (لا) وزادوا الإلف، وبعض المحققين ذهب إلى أن المقصود من (إلا) العاطفة لا الاستثنائية، كما في قوله تعالى: (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) سورة البقرة: 150، وقوله تعالى: (لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظَلَم ثم بدّل حسناً بعد سوء) سورة النمل: 11.
5- المستدرك على الصحيحين: ج3 ص156 ثم قال: هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه هكذا.

أحاديث متعددة

الظاهر أن هذه التعابير المختلفة هي أحاديث متعددة، صدرت منه (صلوات الله عليه وآله) في أوقات مختلفة، وليست نسخاً مختلفة لحديث واحد، فمرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السلام): (سيدة نساء العالمين)، ومرة أخرى قال لها: (سيدة نساء أهل الجنة) وهكذا.

ولعل من الأسباب في ذلك، إضافةً إلى اقتضاء لكل مقام مقالاً وصفةً، أن بعضها عن سيادتها في الجنة، وبعضها عن سيادتها في الدنيا، وهما متغايران كما هو واضح، ثم بعضها عن سيادة المؤمنين وبعضها عن سيادة هذه الأمة والثاني أعم، ولو اقتصر عليه فلربما ادعى شخص الاستثناء أو الانصراف، بل لعل النسبة هي (من وجه) إذ يراد ب- (المؤمنين) الأعم من مؤمني هذه الأمة وب- (الأمة) الأعم من مؤمنيها، فيفترقان في مؤمني الأمم السابقة وفي فساق هذه الأمة.

وأما (العالمين) فهو أعم من عالم المادة وعالم المعنى، ومن عوالم الجن والأنس والملك وغيرها.

مسائل عديدة

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين ويلزم الاعتقاد بذلك.

مسألة: يستحب بيان أنها (عليها السلام) سيدة نساء أمة الرسول (صلى الله عليه وآله) ويلزم الاعتقاد بذلك.

ص: 327

مسألة: يستحب بيان أنها (عليها السلام) سيدة نساء المؤمنين ويلزم الاعتقاد بذلك.

مسألة: يستحب بيان أنها سيدة نساء أهل الجنة (عليها السلام) ويلزم الاعتقاد بذلك.

وهذه الألقاب الشريفة: (سيدة نساء العالمين)، و(سيدة نساء الأمة)، و(سيدة نساء المؤمنين)، و(سيدة نساء أهل الجنة)، و(سيدة نساء الأولين والآخرين)(1)، و(سيدة نساء الأكوان)، إلى غير ذلك من الأمور المتصورة فيهاالسيادة هي على القاعدة، وصحيحة كبرى وصغرى، أما الصغرى فلهذه الأحاديث وما يقرب من مضمونها وهي كثيرة، وأما الكبرى فلأن الله سبحانه جعل لكل شيء سيداً، كما جعل في كل شيء وسطاً ومعياراً، وكذلك جعل أيضاً سلّماً للرقيّ.

والمراد بالسيادة: الأفضلية والأشرفية، ولزوم المعرفة والطاعة والتأسي والاقتداء به، نعم في بعض الموارد يراد للقرينة الخارجية القدر الأوسط الأشرف.

ففي الأحاديث: «إن سيد الأيام يوم الجمعة»(2)، وليس المراد بسيادة

ص: 328


1- عن عمرو بن ميمون الأودي، إنه ذكر عنده علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: إن قوماً ينالون منه، أولئك هم وقود النار، ولقد سمعت عدة من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) منهم حذيفة بن اليمان وكعب بن عجرة يقول كل رجل منهم: لقد أعطي علي ما لم يعطه بشر، هو زوج فاطمة سيدة نساء الأولين والآخرين. الأمالي، للشيخ الطوسي: ص558 المجلس20 ح8.
2- المجازات النبوية للشريف الرضي: ص311، وعقّب عليه بقوله: وهذا القول مجاز، والمراد أن ليوم الجمعة شرفا ونباهة يبين بهما من سائر الأيام، فيكون مقدماً لها، وعالياً عليها لما يختص به من صلاة الجماعة التي ينشر ذكرها، ويعظم أجرها، كما يتقدم السيد على من دونه بعلو القدر، ونباهة الذكر.

الجمعة كل تلك الأمور حتى الإطاعة والمعرفة(1)، فتأمل(2)، فالسيادة في كلمورد بحسبه الممكن.

مراتب السيادة

ثم إن السيادة ذات مراتب، فلا يقال: كيف يمكن أن تكون الصديقة (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين، ويكون الرسول (صلى الله عليه وآله) سيداً عليها أيضاً؟

فإن مرتبتها في السيادة بعد مرتبة الرسول (صلى الله عليه وآله)، كما أن مرتبتها في السيادة مساوية لمرتبة علي (عليه الصلاة والسلام) كما يفهم من الأحاديث أنهما متساويان في الفضل.

قال الله عزّ وجلّ في حديث قدسي: «لو لم أخلق علياً (عليه السلام) لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه»(3).

وروي أنه عوتب النبي (صلى الله عليه وآله) في أمر فاطمة (عليها

السلام) فقال:

ص: 329


1- فلا يراد من سيادته أنه يجب على سائر الأيام معرفة يوم الجمعة وإطاعته مثلاً.
2- إشارة إلى إمكان ذلك واقعاً، فإننا لا نعلم حقيقة الزمن وحقيقة الأيام، ولا نعرف أدوار وتكاليف الممكنات، قال تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) سورة الإسراء: 44، والظاهر أن لكل نوع تسبيحاً معيناً، قال عزوجل: (ائتيا طوعاً أو كرهاً) سورة فصلت: 11، وهكذا.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص203 ب21 ح3.

«لو لم يخلق الله علي بن أبيطالب ما كان لفاطمة كفو»(1).

وفي خبر آخر: «لولاك لما كان لها كفو على وجه الأرض»(2).

وروى المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لولا أن الله تعالى خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن لفاطمة (عليها السلام) كفو على ظهر الأرض، آدم فمن دونه»(3).

فإن السلّم يبتدئ من جانب العلو بالرسول الأعظم (صلى

الله عليه وآله)، ثم أمير المؤمنين علي والصديقة فاطمة (عليهما السلام)، ثم الحسن (عليه السلام)، ثم الحسين (عليه السلام)، ثم الأئمة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام)، وفي بعض الأحاديث أن تاسعهم وهو الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أفضل ممن سبقه من الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) ومن بعده(4)، كما لا يخفى على من راجع(معالم الزلفى) للسيد هاشم البحراني (قدس سره) وغيره من الكتب المعنية بشأن أخبار الأصول.

وإنما خلق الله الأشياء مختلفة المراتب، لأنه سبحانه يعطي كل قابل للخلق خلقه، وكل ذي فضل فضله، كما قال سبحانه: «الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ

ص: 330


1- روضة الواعظين: ج1 ص146 باب في ذكر تزويج فاطمة الزهراء (عليها السلام).
2- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص29 باب ما تفرد من مناقبه (عليها السلام).
3- تهذيب الأحكام: ج7 ص470 باب من الزيادات في فقه النكاح ح90.
4- قال السيد المرتضى (قدس سره) في رسائله: ج1 ص281: (الأئمة في الفضل سواء بعد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أم يتفاضل بعضهم على بعض؟. الجواب: الفضل في الدين لا يقطع عليه إلاّ بالسمع القاطع. وقد روي أن الأئمة (عليهم السلام) مساوون في الفضل. وروي أن كل إمام أفضل ممن يليه سوى القائم (عليه السلام)، فإنه أفضل من المتقدمين عليه، فالأولى التوقف في ذلك، فلا دليل قاطع عليه).

ثُمَّ هَدَى»(1) أي: هداه إلى مصالحه.

وهذا ليس خاصاً بالنبات أو الحيوان أو الإنسان أو الملك أو الجن أو الشيطان، وإنما حتى سائر ذرات الكون أيضاً كذلك، لأن الله تعالى أخذ بناصية الجميع إلى حيث المصلحة حسب مقتضى الحكمة، كما قال سبحانه: «إِلاّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا»(2).

وقال تعالى: «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ»(3).

وقد تقدم في بعض المباحث: أنهيستفاد من القرآن الكريم والروايات الشريفة أن كل شيء له شيء من الإدراك والمعرفة والعلم والحياة والنطق وما أشبه، كل بحسبه، هذا في الدنيا التي كثير من الأشياء في حالة شبه النوم، كما يبدو لنا، بينما في الآخرة: «فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ»(4)، وآنذاك: «تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا»(5) وما أشبه.

وفي آيات متعددة نسبة التسبيح إلى كل شيء، قال تعالى: «سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(6).

ص: 331


1- سورة طه: 50.
2- سورة هود: 56.
3- سورة فصلت: 11.
4- سورة النازعات: 14.
5- سورة الزلزلة: 4.
6- سورة الحديد: 1.

وقال سبحانه: «يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ»(1).

وقال عزوجل: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»(2).

بين الصديقتين

ثم إن التوفيق بين ما ورد من قوله تعالى بالنسبة إلى مريم (عليها

السلام):«وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(3)، وبين كون الصديقة فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين، مع لحاظ ما ثبت أن فاطمة (عليها السلام) أفضل منها، يقتضي أن يكون المراد بكون مريم (عليها السلام) سيدة نساء العالمين أي نساء عالمها.

وهذا تعبير شائع فيقال: إن الدولة الفلانية أقوى الدول، ولا يراد به الأقوى المطلق بالنسبة إلى السابق واللاحق، بل يراد بقول مطلق بالنسبة إلى الدول المعاصرة.

عن الحسن بن زياد العطار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، أسيدة نساء عالمها، قال: ذاك مريم، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين.

فقلت: فقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟

ص: 332


1- سورة الجمعة: 1.
2- سورة الإسراء: 44.
3- سورة آل عمران: 42.

قال: «هما والله سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين» (1).

لا يقال: فلماذا لم تذكر فاطمة (عليها الصلاة والسلام) في القرآن الحكيمبينما ذكرت مريم؟

لأنه يقال: إن فاطمة (عليها الصلاة والسلام) لم تتهم بمثل اتهام مريم حتى يلزم الدفاع عنها، بينما مريم اتهمت كما ورد في القرآن الحكيم: «وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا»(2).

هذا بالإضافة إلى أنه لم يذكر في القرآن الحكيم بالصراحة الواضحة أسامي من عاصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ في نفرين، وهما: زيد، في قوله سبحانه: «فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا»(3)، وأبو لهب في قوله تعالى: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ»(4).

إضافة إلى أجوبة عديدة أخرى. وقد ذكر بعض المفسرين تبعاً لبعض الروايات أن علياً (عليه الصلاة والسلام) أيضاً ذكر في القرآن صراحة، في موارد عديدة: منها قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا»(5).

وقوله سبحانه: «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ»(6).

ص: 333


1- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص187 المجلس26 ح7.
2- سورة النساء: 156.
3- سورة الأحزاب: 37.
4- سورة المسد: 1.
5- سورة مريم: 50.
6- سورة الزخرف: 4.

نعم قد ذكر القرآن في عشراتالآيات بل مئاتها مما تدل على فضائل علي (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) وأنهم الأوصياء من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما ورد في شأن فاطمة (عليها الصلاة والسلام) آيات كثيرة(1).

السيادة والمسؤولية

الظاهر أن (السيادة) تستلزم (المسؤولية)، فكلما منح الله شخصاً أو شيئاً مرتبة من السيادة، تحمّل قدراً من المسؤولية.

كما أن (السيادة) نعمة تستوجب الشكر القولي والعملي، ولذلك ورد في الحديث: «عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه»(2).

ولعل المستظهر أنها (صلوات الله عليها)كانت تحمل من المسؤولية بقدر ما كان منحها الله تعالى من السيادة، كما يدل عليه تصديها بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) للدفاع عن الإمامة بما لا نظير له، ولولاها (عليها السلام) لانطمس الدين وانمحى، وما خفي علينا من اضطلاعها بمسؤولياتها أعظم.

ص: 334


1- راجع (فاطمة عليها السلام في القرآن) لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، فقد ذكر سماحته فيه أكثر من (260) آية من (68) سورة نزلت في حق الزهراء (عليها السلام) إما بشكل خاص أو عام أي ضمن العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين).
2- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا كان يوم القيامة لم تزل قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعما اكتسبه من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت». تحف العقول: ص56 في قصارى كلماته (صلى الله عليه وآله).

بيان أنها السيدة

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) هي سيدة كل النساء على الإطلاق.

ولا يخفى أن ذكر النساء من باب المجانسة، وإلاّ فهي سيدة الرجال أيضاً ما عدا الرسول وعلي (عليهما الصلاة والسلام)، فهي سيدة البشر وسائر المخلوقات إطلاقاً باستثناء هذين المعصومين (عليهما السلام)، وحتى أنها سيدة بالنسبة إلى أولادها المعصومين (عليها السلام)،

قال الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام):

«فأبي شمس وأُمي قمر *** فأنا الكوكب وابن القمرين»(1).

وقال أيضاً: «أُمّي خير مني»(2).

دفع دخل ورفع إشكال

مسألة: يستحب دفع الاحتمال غير الصحيح ودفع الدخل إذا كان فيه الفائدة، سواء في الأمور الدينية أو غيرها، كما قال (صلى الله عليه وآله): «لا مريم البتول».فإن دفع الدخل نوع من إعطاء الكلام حقه، وسد باب الإشكال، وهو من الإتقان.

ص: 335


1- بحار الأنوار: ج45 ص48.
2- عوالم العلوم، الإمام الحسين (عليه السلام): ص246.

نعم ربما يكتفي المتكلم بذكر جانب من الكلام فقط لحكمة، إما لأنه الأكثر أهمية، أو لأنه الأكثر ابتلاءً، أو لغير ذلك، كما في جملة من الآيات والروايات.

مثلاً ورد: (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال)(1).

وفي بعض الروايات: (ثلاث خصال)(2).

كما قال سبحانه: «إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَل-َحْمَ الْخِنْزِيرِ»(3).

وما أشبه ذلك من الآيات والروايات التي لم تكن بصدد بيان كل الأحكام، أو كل ما يرتبط بالكلام حتى يأتي بالاستثناءات والخصوصيات.

رضا الصديقة

مسألة: يستحب بل يجب، كل في مورده، تحصيل رضا فاطمة (صلوات الله عليها)، وذلك لقوله (صلى الله عليه وآله): «أما ترضين»، «ألا ترضين»؟.

فإذا كان الرضا في مقابل الغضب فهو واجب، أما الرضا في مقابل الحياد فمستحب في بعض موارده، وربما وجب أيضاً.

ومن ذلك بذل المزيد من العناية والرعاية بذريتها (صلوات الله عليها) بالسعي لقضاء حوائجهم ورعايتهم، وتنميتهم وتزكيتهم بالعلم والعمل الصالح، إضافة

ص: 336


1- روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام، والشراب، والنساء، والارتماس في الماء». من لا يحضره الفقيه: ج2 ص107 ح1853.
2- تهذيب الأحكام: ج4 ص202 ب54 ح1.
3- سورة النحل: 115.

إلى تكفّل شؤونهم الدنيوية وإكرامهم واحترامهم.

ومن الضروري أن يسعى كل واحد من ذراريها (عليها السلام) ليكون الأفضل أخلاقاً، والأكمل إيماناً، والأشمل علماً، والأكثر عملاً، فإن ذلك من خير ما يرضي أمهم الصديقة الزهراء (صلوات الله عليها) عنهم.

كما أن كل من يساهم في ذلك بتدريس أو تنظيم أو تربية أو تأسيس مؤسسات لهم أو غير ذلك، فإنه يحرز بذلك رضى سيدة النساء (عليها السلام)، و(الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها)(1).

ص: 337


1- انظر بحار الأنوار: ج30 ص347 ب20.

إنها سيدة النساء لا مريم

اشارة

في رواية عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) قالت: أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه يموت، فبكيت، ثم حدثني: «أني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فضحكت»(1).

وفي رواية أخرى قالت (عليها السلام) : «أخبرني (صلى الله عليه وآله) أنه ميت من وجعه هذا، فبكيت، ثم أكببت عليه، فأخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به، وأني سيدة نساء أهل الجنة، لا مريم بنت عمران فضحكت».

-------------------------------------------

أقول: المراد بالبعدية في الرواية الأولى، البعدية الزمانية لا البعدية الرتبية، لما تقدم من أنها (عليها السلام) سيدة حتى على مريم (عليها السلام).

تسلية المحزون

مسألة: يستحب تسلية المحزون، وربما كان ذلك ببيان بعض فضائله وميزاته التي منحه الله تعالى، سواء كان إعلاماً أو تذكيراً، كما سلّى النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) وقال لها: إنها «سيدة نساء أهل الجنة».ولعله لا فرق في ذلك في الجملة بين المحزون لأمر أخروي والمحزون لأمر دنيوي كمن فقد ماله، مع أن التسلية تختلف باختلاف المقام وسبب الحزن

ص: 338


1- انظر من كتب العامة: السنن الكبرى للنسائي: ج5 ص145 ح8513، والمعجم الكبير: ج22 ص422.

وشخصية الحزين، فقد يسلى فاقد المال بأن يقال له: إنه امتحان لك فإذا نجحت نلت كذا من الدرجات، وقد يسلى بأن الله يدفع بمثل هذا البلاء ما هو أعظم، كما أن التسلية قد تكون بالقول مثل ما سبق، وقد تكون بالفعل بأن يعطيه في المثال السابق بعض المال ليتجر به ويعوّض خسارته مثلاً.

التبسّم

مسألة: يستحب التبسم في وجه الأب، خاصةً في المواطن الصعبة، وخصوصاً إذا كان يرغب بذلك بقول يقوله أو عمل يعمله، ولعله كان من بعض السر في ضحكها وتبسمها (عليها السلام).

واستحباب ما ذكر إما من باب الخصوصية بالنسبة إلى سائر الأرحام، فيكون أفضل من غيره، أو من باب أحد الأفراد، وعلى أي فالرواية دالة على أصل الاستحباب بملاحظة مختلف القرائن، هذا بالإضافة إلى الأدلة العامة التي تدل على استحباب أن يكون: «بِشرالمؤمن في وجهه وحزنه في قلبه»(1).

ثم إن المراد بالضحك في أمثال هذه الموارد بالنسبة إليهم (عليهم الصلاة

ص: 339


1- لهذا الحديث نصان: الأول: (إن بشر المؤمن في وجهه، وقوته في دينه، وحزنه في قلبه). عيون الحكم والمواعظ: ص151. الثاني: (المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذل شيء نفساً، يكره الرفعة، ويشنو السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكره، ضنين بخلته، سهل الخليقة، لين العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد). نهج البلاغة: ج4 من حِكَم أمير المؤمنين (عليه السلام) ومواعظه ح333.

والسلام) التبسّم، لا الضحك الذي يشوبه الصوت العالي، فإن ذلك مكروه شرعاً كما في الروايات.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «القهقهة من الشيطان»(1).

ولذا ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يضحك بصوت قط، وإن كان من ألقابه الشريفة كما في البحار (الضحوك)(2)، لأنه كان كثير الضحك التبسمي حتى يبدد خوف الناس أو همومهم.وعن علي (عليه السلام) قال: «كان ضحك النبي (صلى الله عليه وآله) التبسم، فاجتاز ذات يوم بفيئة من الأنصار، وإذا هم يتحدثون ويضحكون ملء أفواههم، فقال: مه يا هؤلاء، من غره منكم أمله وقصر به في الخير عمله فليطلع القبور، وليعتبر بالنشور، واذكروا الموت فإنه هادم اللذات»(3).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ضحك المؤمن تبسم»(4).

وكذلك كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يضحك كثيراً أي بالتبسم، كما ورد في الشعر المشهور:

هو البكاء في المحراب ليلاً هو الضحاك إذا اشتد الحراب

وقال (عليه السلام) في وصف المتقين: «وإن ضحك لم يعل صوته»(5).

وقد ثبت علمياً أن الضحك ليس مظهراً فقط، بل يسبب تبديد الهموم عن

ص: 340


1- وسائل الشيعة: ج12 ص114 ب81 من أبواب أحكام العشرة ح3.
2- مرّ بيان مصدره فراجع.
3- وسائل الشيعة: ج12 ص119 ب83 من أبواب أحكام العشرة ح13.
4- وسائل الشيعة: ج12 ص115 ب81 من أبواب أحكام العشرة ح3.
5- نهج البلاغة: من خطبة له (عليه السلام) في وصف المتقين.

النفس، كما يبدد هموم الطرف الآخر، ويؤثر على الأعصاب والعضلات، وعلى حسنعمل أجهزة البدن كالقلب والمعدة وغيرها، وقد ذكرنا في مبحث سابق أن كل واحد من الروح والبدن يؤثر أحدهما في الآخر، صحةً وسقماً وحزناً وسروراً، إلى غير ذلك.

البكاء في فقد الأب

مسألة: يستحب البكاء على موت الأب، وعند السماع بخبر موته، ويستظهر من فعلها (صلوات الله عليها) استحباب البكاء حتى قبل موته إذا علم بذلك أو أخبر به.

بل قد ورد استحباب البكاء لموت مطلق المؤمن وإن لم يكن يعرفه، وذلك لأنه من المشاركة الوجدانية والإنسانية التي هي محبوبة لله سبحانه وتعالى ومرضية عند أوليائه الطاهرين (عليهم السلام)، إضافة إلى أنه مظهر من مظاهر الرحمة، ثم إنه انفعال لو كُبت لأضر بالعقل والجسم والأعصاب، كما يدل على ذلك ولو بدلالة الإشارة والاقتضاء جملة من الروايات.

البكاء في فقد العظماء الربانيين

مسألة: يستحب البكاء عند سماع خبر موت العظيم الرباني بطريق أولى،وكذلك في تذكر فقده(1).

ص: 341


1- كما هو الواقع في فقدنا لمولى الورى وغيبته (عجل الله فرجه الشريف وفرجنا بظهوره المبارك) ففي دعاء الندبة: (إلى متى أحار فيك يا مولاي، وإلى متى، وأي خطاب أصف فيك وأي نجوى، عزيز علي أن أجاب دونك وأناغى، عزيز علي أن أبكيك ويخذلك الورى، عزيز علي أن يجري عليك دونهم ما جرى، هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى، هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى، هل يتصل يومنا منك بغده فنحظى). المزار لابن المشهدي: ص581 -582.

فإن العظيم الإلهي أولى من سائر المؤمنين بالبكاء عليه، ويشمله أيضاً قوله (عليه الصلاة والسلام): «يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا»(1)، وما ورد في دعاء الندبة(2) وغيره.وكما يستحب البكاء التلقائي على موت العظماء الالهيين، يستحب البكاء المخطط له، ومنه عقد المجالس وقراءة العزاء وبيان المصائب، والظاهر أن التباكي أيضاً مستحب لمن لا يمكنه البكاء.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «وإن لم يبك فليتباك»(3).

وقال (عليه السلام): «إن لم تكن بك بكاء فتباك»(4).

ص: 342


1- عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمسمع، المشهور بكردين البصري، قال: «رحم الله دمعتك، أما أنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا». كامل الزيارات: ص203 - 204 ب32 ح7.
2- حيث ورد: (فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما، فليبك الباكون، وإياهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضج الضاجون، ويعج العاجون، أين الحسن، أين الحسين، أين أبناء الحسين، صالح بعد صالح، وصادق بعد صادق، أين السبيل بعد السبيل، أين الخيرة بعد الخيرة، أين الشموس الطالعة، أين الأقمار المنيرة، أين الأنجم الزاهرة، أين أعلام الدين وقواعد العلم). إقبال الأعمال: ج1 ص508.
3- إرشاد القلوب: ج1 ص93 ب22.
4- الكافي: ج2 ص483 باب البكاء ح8.

وقال (عليه السلام): «إن لم يجئك البكاء فتباك، فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ»(1).

البكاء في فقد النبي الأعظم

مسألة: يستحب البكاء عند سماع خبر موت الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلى موته (صلى الله عليه وآله) بطريق أولى.

فإن فاجعة موت رسول الله (صلى الله عليهوآله) أعظم كل الفجائع، كما يدل عليه العقل والنقل، والبكاء عند سماع خبر موته (صلى الله عليه وآله) وعلى فقده من أفضل القربات، ولا يختص ذلك بزمن دون آخر، بل يستحب ذلك كلما تجدد ذكر موته (صلوات الله عليه وآله) نعم، يتأكد الاستحباب في بعض الأوقات مثل يوم شهادته من كل سنة.

عن أبي عبد الله (عليه السلام): «مَا مِنْ شَيْ ءٍ إلاّ وَلَهُ كَيْلٌ وَوَزْنٌ، إِلاّ الدُّمُوعُ فَإِنَّ الْقَطْرَةَ مِنْهَا تُطْفِئُ بِحَاراً مِنَ النَّارِ، فَإِذَا اغْرَوْرَقَتِ الْعَيْنُ بِمَائِهَا لَمْ يَرْهَقْ وَجْهَهُ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، فَإِذَا فَاضَتْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، وَلَوْ أَنَّ بَاكِياً بَكَى فِي أُمَّةٍ لَرُحِمُوا»(2).

ص: 343


1- الكافي: ج2 ص483 باب البكاء ح11.
2- الكافي: ج2 ص482 باب البكاء ح5.

الإخبار عن المستقبل

مسألة: يستحب الإخبار عن المستقبل للمطلع عليه إما بعلم أو بعلمي وظن معتبر، وذلك مع وجود الفائدة فيه.

وإخبار القائد أو الرئيس أو من أشبه بموته هو من مصاديق ذلك، ولايخفى أن الإخبار عن المستقبل يفيد الاستعداد له والتهيؤ، وفي ذلك أكبر الفوائد.

الإخبار بالموت

مسألة: يستحب للعظيم أن يخبر أنه يموت إذا كان فيه الفائدة، فإن الإخبار موعظة وذكرى وإفادة لأن يتهيأ كل إنسان للموت.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أكثر من مرة: «إِنِّي أَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا مَا ذَا تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): «إِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَأَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَقَدْ تَرَكْتُفِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِ، كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»(2).

وقال (صلى الله عليه وآله): «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ نَبَّأَنِيَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُ لَنْ

ص: 344


1- بحار الأنوار: ج23 ص108 ب7 ح12.
2- کمال الدين: ج1 ص335 ب22 ح49.

يُعَمَّرَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي يَلِيهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ، وَإِنِّي لَأَظُنُّنِي أَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي مَسْئُولٌ وَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ، فَهَلْ بَلَّغْتُكُمْ فَمَا ذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ، قَالُوا: نَشْهَدُ بِأَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَنَصَحْتَ وَجَاهَدْتَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْراً، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَلَمْ تَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ مَوْلايَ وَأَنَا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَلا مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاه»(1).

الخبر المحزن والمفرح

مسألة: ربما يكون من الراجح البكاءللخبر المحزن، وذلك على حسب نوع الخبر وسائر المكتنفات به، كما لو بلغه خبر قتل مسلم أو تعذيب أو نبأ مصيبة حلّت بشخص أو عائلة أو بمقدس من المقدسات كالبقيع الغرقد.

والأمر كذلك في الضحك التبسمي للخبر المفرح، كما لو بلغه نبأ نجاة مؤمن من الأسر أو القتل، أو بلغه نبأ هداية شخص إلى الدين المبين، أو تأسيس مؤسسة دينية نافعة.

وهل يدل هذا الخبر على استحباب ذلك، أو لا دلالة فيه إلاّ على أصل الجواز؟

لا يبعد الأول، وخاصة بمعونة القرائن.

ص: 345


1- تفسير العياشي: ج1 ص4 ح3، وبحار الأنوار: ج23 ص141 ب7 ح92.

وربما يؤيدهما قوله سبحانه: «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ»(1) في جانب البكاء، وقوله تعالى: «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(2) في جانب الضحك.

سبب الموت

مسألة: يستحب بيان سبب الموت، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من وَجَعِهِ»، وقد يجب لوجود جهة تقتضيه،كما إذا كان الموت بسبب أعداء الدين، كما في سم معاوية للمؤمنين بالعسل، وذلك إذا سبّب كشفه ردعاً أو وقايةً(3) أو ما أشبه.

وقوله: (وجعه) يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان ذا وجع في مرضه الذي توفي فيه، ولا يخفى أن هذا الوجع كان مسبباً عن السم الذي سُقي على يد فلانة وفلانة بأمر الأول والثاني(4)، ولعل في تغيير التعبير من (مرضه) إلى (وجعه) دلالة وإلفاتاً لذلك.

وتفصيل الأمر مذكور في المفصلات كالبحار وغيره.

ص: 346


1- سورة الدخان: 29.
2- سورة التوبة: 82.
3- (الردع) للكافر والظالم عن أن يفعل مثل ذلك، و(الوقاية) للمؤمن حيث إذا عرف طرق القتل سرّاً توقاها.
4- عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: تدرون مات النبي (صلى الله عليه وآله) أو قتل؟، إن الله يقول: «أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» (آل عمران: 144)، فسم قبل الموت، إنهما سمتاه، فقلنا: إنهما وأبويهما شر من خلق الله. بحار الأنوار: ج28 ص20 - 21 ب1 من كتاب الفتن والمحن ح28.

الأسرع لحوقاً

مسألة: يستحب بيان أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) كانت أسرع أهله (صلى الله عليه وآله) لحوقاً به، وذلك لما ورد عليها من الظلم وكسر الضلع وإسقاط الجنين، وفي ذلك إحقاق الحق وفضح للظلم والظالم وهو نوع ودفاع عن المظلوم.

قابلية الأمة للنعم

مسألة: ينبغي - وجوباً أو استحباباً كل في مورده - توفير القابلية في النفس وفي الناس لتلقي نعم الله تعالى ثم لاستمرارها، كما يحرم أو يكره ما يسبب فقد تلك القابلية.

ومن أعظم النعم وجود المعصوم (عليه السلام) بيننا ظاهراً غير مستتر، فاللازم السعي لتوفير القابلية في النفوس كي يأذن الله تعالى لوليه الأعظم المنتظر (عليه السلام) بالظهور.

التأثر بخبر الموت

مسألة: يستحب أن يتأثر الإنسان عند ما يسمع بأنه سيموت، عكس من لا يهتم ويكون جامد الشعور، فإن التأثر مقدمة إصلاح الحال، ويستحب أن يكبّ على والدهحينئذ مع مراعاة الشؤون اللازمة بحيث لا يضر بصحته ولا يؤذيه.

ص: 347

التاريخ

مسألة: يستحب وقد يجب حفظ تاريخ الأنبياء والأوصياء والأولياء (عليهم السلام)، وكذلك تاريخ الطغاة والعصاة في الجملة، فإن في ذلك الهداية والعبرة وإرشاد الجاهل وردع الظالم وغير ذلك.

ص: 348

الزهد والصدقات

اشارة

في رواية: «إن فاطمة (عليها السلام) نزعت قلادتها، وقرطيها، ومسكتيها، ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقالت للرسول (صلى الله عليه وآله): قل له: تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله»(1).

-------------------------------------------

ص: 349


1- تمام الحديث هو: عن محمد بن قيس، قال: «كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة (عليها السلام) فدخل عليها، فأطال عندها المكث، فخرج مرة في سفر فصنعت فاطمة (عليها السلام) مسكتين من ورق وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها (عليهما السلام)، فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون أيقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عرف شبه الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر، فظنت فاطمة (عليها السلام) أنه إنما فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها، ونزعت الستر، فبعثت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقالت للرسول: قل له (صلى الله عليه وآله): تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله. فلما أتاه وخبره، قال (صلى الله عليه وآله): فعلت فداها أبوها - ثلاث مرات - ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى منها كافراً شربة ماء، ثم قام فدخل عليها». الأمالي للشيخ الصدوق: ص305 المجلس41 ح7. وفي إسناد هذا الحديث عدد من محدثي العامة ورواتهم، من هنا يحتمل فيه بعض الزيادة والتغيير.

المسارعة للاستجابة

مسألة: تستحب المبادرة وقد تجب، إلى إرضاء الرسول والأئمة والأولياء (عليهم السلام) بفعل الواجب أو المستحب الذي رغبوا فيه، وهو عنوان زائد على أصل عنوان وجوبه واستحبابه وقربه إلى الله عزوجل.

وذلك لاستحباب قضاء حاجة المؤمن، وهو غير عنوان (الاستجابة) و(الإطاعة) الذي اشتهر أنه إرشادي.

وهذا ما يستفاد من فعل الصديقة (عليها السلام) حيث إنها إذ علمت برغبته (صلوات الله عليه وآله) سارعت إلى نزع قلادتها وقرطيها .. إلى آخره.

استحباب التزين

مسألة: يستحب للمرأة أن تتزين بالقلادة والقرط والمسكة وما أشبه لزوجها، تأسياً بالصديقة الزهراء (عليها السلام) إذ فعلت ذلك.

وأما نزعها وإرسالها كل ذلك للرسول (صلى الله عليه وآله) ليتصدّق به فلعنوان طارئ.

وهل الاستحباب خاص بما إذا كان للزوج، أم يشمل حتى ما لو كانت بمفردها، ربما يحتمل الثاني للإطلاقات، ولمثل: (إن الله عز وجل جميل يحبالجمال)(1)، هذا كله مع حفظ الموازين الشرعية.

ص: 350


1- دعائم الإسلام: ج2 ص155 كتاب اللباس والطيب ح521.

إبلاغ السلام

مسألة: يستحب إبلاغ السلام مطلقاً(1)، على ما يستفاد من جملة من الروايات.

كما أنه يستحب إبلاغ التحية والإكرام ونحوهما من ألفاظ الاحترام.

وهكذا يستحب إرسال الهدايا، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تهادوا تحابوا»(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَ يَقُولُ: تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تَسُلُّ السَّخَائِمَ وَتُجْلِي ضَغَائِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْأَحْقَادِ»(3).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مِنْ تَكْرِمَةِ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَقْبَلَ تُحْفَتَهُ وَ يُتْحِفَهُ بِمَا عِنْدَهُ وَ لَا يَتَكَلَّفَ لَهُ شَيْئاً»(4).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قالأمير المؤمنين (عليه السلام): «لَأَنْ أُهْدِيَ لِأَخِي الْمُسْلِمِ هَدِيَّةً تَنْفَعُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا»(5).

ص: 351


1- كما أن إبلاغ السلام نوع من الأمانة ويلزم أداء الأمانة قال تعالى: ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها.
2- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص299 باب الهدية ح4067.
3- الكافي: ج5 ص 143 باب الهدية ح7.
4- الكافي: ج5 ص 143 باب الهدية ح8.
5- الكافي: ج5 ص 144 باب الهدية ح12.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تَهَادَوْا بِالنَّبِقِ تَحْيَا الْمَوَدَّةُ وَ الْمُوَالَاةُ»(1).

وهل يشمل أجر السلام (للمبتدئ سبعون حسنة وللراد حسنة)(2)، إبلاغ السلام من بعيد بواسطة الرسول؟ احتمالان، من الإطلاق، ومن الانصراف.

إنفاق الزائد

مسألة: يستحب الإنفاق وإعطاء الزائد عن المؤونة اللازمة، في سبيل الله.

وهذا الاستحباب يؤكد في وقت الحاجة والضرورة عند الناس، كما كان في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ويدل على المطلوبية - الأعم منالاستحباب والوجوب - آيات الانفاق وآيات الجهاد بالأموال كقوله تعالى: «أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ»(3).

وقوله سبحانه: «وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله»(4).

ومن مصاديق ذلك ما اعتاده بعض الناس من جمع التحفيات في منازلهم أو محلاتهم أو غيرها، فإن الأفضل إنفاقها.

ثم لا يخفى أن كثيراً من أعمال المعصومين (عليهم السلام) كان على سبيل

ص: 352


1- الكافي: ج5 ص 144 باب الهدية ح13، والنبق (بفتح النون وكسر الباء وقد يسكن): ثمر السدر، واحدتها نبقة.
2- قال الإمام الحسين (عليه السلام): «للسلام سبعون حسنة، تسع وستون للمبتدئ، وواحدة للراد».تحف العقول: ص248 في قصارى كلماته (عليه السلام).
3- سورة البقرة: 254.
4- سورة التوبة: 41.

التعليم للآخرين، ومن قبيل (إياك أعني واسمعي يا جارة)، ومنه قصة هذه الرواية، حيث علقت (عليها السلام) ستراً في بيتها، وإلاّ فهي أعرف من أن تفعل ما لا يرضاه الرسول (صلى الله عليه وآله)، فكان تعليق الستر ونزعه لتعليم الآخرين.

بعث الصدقات للأئمة والعلماء

مسألة: يستحب بعث الصدقات وغيرها إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حتى ينفقوها في مواردها، فهم أعلم من غيرهم بالأصلح من مصارفها.وهكذا الأمر بالنسبة إلى وكلائهم الفقهاء العدول في زمن الغيبة، كي يقسموها بأنفسهم على من يرون، تقوية لشوكة الدين، وللقادة الربانيين، لذا أرسلت الصديقة (عليها السلام) صدقاتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله).

وهذا لا ينافي استحباب أن يتصدّق الإنسان مباشرة كما لا يخفى.

والمراد بالصدقات: كلما يدفعه الإنسان في سبيل الخير، سواء كانت صدقة واجبة أو مستحبة أو تبرعاً أو نذراً أو ثلثاً أو ثمار وقف أو نحو ذلك، لوجود الملاك فيها.

كما أن الصدقة تشمل (الأعيان) و(الأموال) و(المنافع)، فمن الصدقة أيضاً تعليم القرآن الكريم و الحديث الشريف، وتدريبه على الصنعة والحرفة وغير ذلك.

ثم إن ملاك ما ذكرناه جار في كل من كان محل احترام الله سبحانه وتعالى

ص: 353

ممن يريد شوكته، أو لأجل أمر آخر كتأليف القلوب ونحو ذلك مما يستفاد من الأدلة العامة.

الإيثار

مسألة: يستحب الإيثار في سبيل الله، كما نزعت الصديقة (عليها السلام) قرطيهاوقلادتها ومسكتيها والستر.

قال سبحانه: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»(1).

ومن الواضح أن الملاك في هذه الأمور جارٍ في غيرها أيضاً، إذ العرف لا يفهم خصوصية فيها بما هي هي.

وإذا كان جماعة في سبيل الإصلاح وتقديم الأمة إلى الأمام يكون الاستحباب بالنسبة إليهم آكد، بل ربما وجب من باب المقدمية.

سلام البنت لأبيها

مسألة: يستحب للبنت أن تبلغ السلام لأبيها وأمها، فإن إبلاغ السلام مستحب مطلقاً، وللأقرباء - الأقرب فالأقرب - أكثر استحباباً، فإنه من مصاديق صلة الرحم والبرّ بالوالدين، والإبلاغ قد يكون برسالة.

ص: 354


1- سورة الحشر: 9.

إبلاغ السلام للمعصوم

مسألة: يستحب إبلاغ السلام إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذلك إبلاغ التحية إلى سائر المعصومين (عليهم الصلاة والسلام).

من غير فرق في ذلك بين حال حياتهم وبعد مماتهم، فيستحب أن يحمّل المقيمُ المسافرَ إلى المشاهد المشرفة سلامه للمعصومين ومن يرتبط بهم (عليهم السلام) عندما يتشرف إلى الحرم أو إلى المشهد، وهناك روايات متواترة تدل على تبليغ بعضهم البعض السلام.

وكذلك يستحب إبلاغ السلام إلى من هو في طريق أهل البيت (عليهم السلام) ممن تصدى للصلاح والإصلاح والإرشاد والهداية، ويتأكد في الغرباء منهم وأولئك الذين تصدوا للظلمة فاضطهدوا وحوربوا وحوصروا، فإن إبلاغ السلام ونحوه يشدّ من عزمهم ويثبت أقدامهم.

وفي بعض الأدعية: «فبلّغه منا تحية وسلاماً»(1).

استحباب الصدقة للمرأة

مسألة: يستحب للمرأة إعطاء الصدقات،تأسياً بالصديقة الطاهرة (صلوات الله عليها)، كما يستحب ذلك للرجل.

فإن إعطاء الصدقات لا يختص بالرجال، بل للنساء أيضاً نصيب في هذا الشأن.

ص: 355


1- مقطع من دعاء الافتتاح، انظر (إقبال الأعمال): ج1 ص512.

كما يدل عليه أيضاً عموم أدلة المشاركة في الأحكام بين الرجل والمرأة إلاّ ما خرج، وروايات أخر كإعطاء السيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) وغيرها من النساء الفضليات الصدقات.

الزهد في الدنيا

مسألة: يستحب الزهد في الدنيا، خاصة لمن يكون أسوة لغيره.

وفي دعاء الندبة: «بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك فعلمت منهم الوفاء فقبلتهم وقرّبتهم».

حيث إن الله سبحانه وتعالى قبلهم (عليهم السلام) وقرّبهم لما قبلوا الزهد.

وللزهد مصاديق كثيرة؛ منها الزهد في الشهرة، ومنها الزهد في الرياسة، ومنها الزهد في الأموال والثروات، ومنها الزهد في الملذات الأخرى.

ومن المعلوم أن الزهد عبارة عما ذكره أمير المؤمنين (عليه

الصلاة والسلام)بأن لا يملكه شيء، لا أن لا يملك شيئاً، على تفصيل مذكور في كتب الأخلاق، نعم ينبغي الالتفات إلى أن لا يخدع الإنسان نفسه بأنه ممن لا تملكه أشياؤه وأمواله وهو غارق فيها وفي ملذات الدنيا.

ص: 356

إيثار الصديقة

اشارة

قالت الصديقة فاطمة (عليها السلام) لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام): «والذي أكرم أبي (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، وأكرمك بالوصية، ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابنيّ هذين الحسن والحسين.

فقال علي (عليه السلام): يا فاطمة ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً.

فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه»(1).

-------------------------------------------

أقول: لا يخفى أن أهل البيت (عليهم السلام) لاشتغالهم بالإصلاح، لا يهمهم ما عدا ذلك، وهكذا ينبغي أن يكون من يريد إصلاح الأمة.

الحياء من الله

مسألة: يستحب الحياء من الله تعالى، كما يستحب الحياء من الزوج، بل يستحب الحياء مطلقاً، فإنه من الفضائل.

وقد ورد: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد حياءً من العذراء في

ص: 357


1- بحار الأنوار: ج43 ص59 ب3 ح51.

خدرها)(1).

وقالت (صلوات الله عليها): «إني لأستحيي من إلهي».

ومن مصاديق الحياء من الله تعالى، الحياء منه عند المعاصي فيتجنبها، ومن الحياء أن لا يترك نصرة دينه، ولا يخذل أولياءه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قلة الحياء كفر»(2).

وقيل له (صلى الله عليه وآله): أوصني، قال: «استحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك»(3).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «والحياء سبب إلى كل جميل»(4).

صبر الزوجة

مسألة: يستحب صبر الزوجة على مشاق الحياة الزوجية، وعلى الزوج حتى إن لم يقدر على الإنفاق الواجب، وإن جاز لها أن تطلب الطلاق من حاكم الشرعوبالشروط المقررة، لكنه مرجوح.

والزوجة الصابرة لها أجر عظيم، وقد قال تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(5).

ص: 358


1- مستدرك الوسائل: ج8 ص465 ب93 من أبواب أحكام العشرة ح16.
2- مستدرك الوسائل: ج8 ص466 ب93 ح10027.
3- مستدرك الوسائل: ج8 ص466 ب93 ح10027.
4- مستدرك الوسائل: ج8 ص466 ب93 ح10029.
5- سورة الزمر: 10.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته»(1).

ومن أعلى درجات الصبر أن لا تخبر الزوجة أحداً بشظف عيشها (2) ومشاقها، ما دام غير قادر أو غير متيسر له حلّ مشكلتها، وهي (صلوات الله عليها) لم تخبر زوجها بأنه لا طعام لهم حتى الخبز، رغم مضي حوالي اليومين حتى حدث ما أوجب أن تخبره.

تكليف الزوج بما يصعب عليه

مسألة: يكره تكليف الزوج بما لا يقدر أو يصعب عليه.

والمراد بما لا يقدر حسب العرف، لا القدرة الحقيقية، فإنها شرط كل تكليف عقلاً، فالعبارة عرفية تستعمل في أمثال هذه الموارد، ويراد بها تكليفه بمايشق عليه ويوقعه في عسر أو حرج.

استحباب الإيثار

مسألة: يستحب الإيثار مطلقاً، وإيثار الزوجة زوجها على نفسها كالعكس أكثر استحباباً من الغريب. نعم لعلّ الأولى أن يؤثر الأقوى الأضعف على نفسه، إذ (عونك الضعيف من أفضل الصدقة)(3)، وأصل الاستحباب مستفاد من الآية

ص: 359


1- الكافي: ج5 ص9 باب جهاد الرجل والمرأة ح1.
2- شظف العيش: خشونته.
3- جامع أحاديث الشيعة: ج16 ص173 ب94 من أبواب العشرة ح4.

الكريمة: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»(1)، كما يستفاد من متواتر الروايات.

لكن يلزم أن لا يزاحم هذا الإيثار الحق الواجب، فإذا كانت نفقة واجبة على إنسان كنفقة الوالد بالنسبة إلى أولاده، وكالزوج بالنسبة إلى زوجته، لم يستحب للزوج والوالد الإيثار من سهم الولد والزوجة إلاّ برضا منهما، فإنه حق لهما لا يجوز تضييعه، لأن الأدلة الاقتضائية لا تزاحمها الأدلة اللااقتضائية.

واحتمال بعض الفقهاء أن الإيثار خاص بهم (عليهم الصلاة والسلام) أو خاصبزمانهم غير ظاهر الوجه.

وكما يستحب للكبار الإيثار، يستحب للصغار أيضاً أن يؤثروا على أنفسهم تأسياً بالإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) في قصة «هَلْ أَتَى».

وأيضا كما يستحب الإيثار بالنسبة إلى المؤمن، يستحب الإيثار بالنسبة إلى الكافر، فإن الأسير في آية «هَلْ أَتَى» لم يكن مسلماً وإلاّ لم يكن أسيراً، وفي الحديث «على كل ذي كبد حرّى أجر»(2).

وفي حديث آخر: «على كل كبد رطبة أجر»(3).

وفي رواية آخرى: «في كل كبد رطبة أجر»(4).

ص: 360


1- سورة الحشر: 9.
2- غوالي اللئالي: ج2 ص260 باب الديون ح15.
3- غوالي اللئالي: ج1 ص95 الفصل6 ح3.
4- بحار الأنوار: ج62 ص65 ب1: وتمام الحديث: (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله قَالَ: بَيْنَمَا امْرَأَةٌ تَمْشِي بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهَا الْعَطَشُ فَنَزَلَتْ بِئْراً فَشَرِبَتْ ثُمَّ صَعِدَتْ فَوَجَدَتْ كَلْباً يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَتْ لَقَدْ بَلَغَ بِهَذَا الْكَلْبِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، ثُمَّ نَزَلَتِ الْبِئْرَ فَمَلَأَتْ خُفَّهَا وَأَمْسَكَتْهُ بِفِيهَا ثُمَّ صَعِدَتْ فَسَقَتْهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهَا ذَلِكَ وَغَفَرَ لَهَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ).

ثم إن الإيثار درجة أعلى منالمواساة، لأن المواساة تفيد التعادل بمادة الكلمة نظراً للاشتقاق المتوسط (الأوسط؟)(1).

مثلاً: لو كان عنده قرص فأكل نصفه وأعطى نصفه الآخر لإنسان آخر فهذه هي المواساة، وأما الإيثار فهو أن يعطي كل القرص للسائل ابتداءً، كما أن الأمرين غير إنفاق الفضل من المال كما في الأحاديث، إذ قال (عليه الصلاة والسلام): «أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من لسانه»(2).

ص: 361


1- الاشتقاق الصغير: ما تطابقت مادة الحروف وترتيبها في المشتق والمشتق منه، ك- (نصر) والمشتق منه (ناصر). والاشتقاق الوسط أو الأوسط: ما تطابقت المادة دون الترتيب، كالمقام حيث إن (ساوى) تتطابق مع (واسى) في الحروف دون الترتيب، ومثل (جبذ) من (جذب)، وهذا ما سماه البعض بالكبير . والاشتقاق الكبير أو الأكبر: أن يختلف بعض الحروف، مثل (نعق) من (نهق). قال القزويني (رحمه الله) في تعليقته على معالم الأصول: ج2 ص388: إن المشتق إن وافق المبدأ في الحروف الأصلية وترتيبها فهو الاشتقاق الصغير وقد يسمى بالأصغر، وإلاّ فإن كانت المخالفة في الترتيب فقط فهو الاشتقاق الكبير ك- (جبذ) من (الجذب)، وإن كانت في الحروف الأصلية فقط فهو الاشتقاق الأكبر ك- (نعق) من (النهق).
2- نهج البلاغة: باب المختار من حكم أمير المؤمين (عليه السلام) ح123: وفيه: «طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت خليقته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من لسانه، وعزل عن الناس شره، ووسعته السنة، ولم ينسب إلى البدعة».

كنية الزوج

مسألة: يستحب للزوجة أن تخاطب زوجها بالكنية احتراماً، كما قالت الصديقة (عليها السلام): «يا أبا الحسن»، وقد مر تفصيله.

والزوجة من باب المصداق، وإلاّ فالحكم كذلك بالنسبة إلى غيرها، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكني أصحابه احتراماً لهم، من غير فرق بين أن يكون المخاطِب بالكسر أرفع أو أخفض أو مساوياً، وإن كان بعض المناط في الفضل مختلفاً حسب المخاطب بالكسر، والمخاطب بالفتح.

ص: 362

تحمل المشاق والأذى

اشارة

في الرواية: جاءت الصديقة فاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشكو الخدمة، فقالت: «يا رسول الله، لقد مجلت يدي من الرحى، أطحن مرة وأعجن أخرى».(1).

-------------------------------------------

الشكاية إلى الأب

مسألة: تجوز الشكاية إلى الأب، وقد تحسن وترجح.

بل الشكاية إلى سائر الأقرباء والمؤمنين كذلك، فمن شكى إلى مؤمن فقد شكى إلى الله سبحانه وتعالى كما في بعض الأحاديث.

عن أبي معاوية، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من شكى إلى مؤمن فقد شكى إلى الله عز وجل، ومن شكى إلىمخالف فقد شكا الله عز وجل»(2).

ص: 363


1- وردت هذه الرواية في مصادر العامة أيضا، وتتمتها كما في كنز العمال: ج15 ص496 ح41967: فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن يرزقك الله شيئا يأتك وسأدلك على خير من ذلك، إذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، وكبري ثلاثا وثلاثين، واحمدي أربعا وثلاثين، فذلك مائة، وهو خير لك من خادم».
2- وسائل الشيعة: ج2 ص412 ب6 من أبواب الاحتضار ح3.

ووجه حسن الشكاية في الجملة: إنها نوع تنفيس، وهو نافع في تخفيف أو رفع الضغط النفسي والتوتر، والذي يؤدي إلى سوء الخلق عادةً، كما أن الشكوى تنفع في بعث الآخرين للتعاون أو الإعانة على حل المشكلة، كما أنه قد تنفع بلحاظ أن الشاكي بشكايته يتطلب النصيحة، وأنه كيف يعمل حتى لو لم يكن بمقدور المشكي إليه حل المعضلة.

عن الحسن بن راشد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا حسن، إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف، ولكن اذكرها لبعض إخوانك، فإنك لن تعدم خصلة من خصال أربع: إما كفاية بمال، وإما معونة بجاه، أو دعوة تستجاب، أو مشورة برأي»(1).

نعم كثيراً ما تكون الشكاية مرجوحة إذا تضمنت الجوانب السلبية دون مزاحم مرجّح، وقد تكون محرمة إذا كانت تتضمن إيذاءً أو تهمةً أو غيبةً غير مستثناة أو ما أشبه.ولعلها (عليها الصلاة والسلام) لم تُرد بذلك استخدام خادم، وإنما أرادت بذلك إظهار ما تعانيه من المشكلات البيتية وغيرها حتى تتخذ أسوة لسائر النساء المؤمنات، فإنه كثيراً ما كان الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) يظهرون ما يكونون به أسوة عند الناس.

ص: 364


1- وسائل الشيعة: ج2 ص412 ب6 من أبواب الاحتضار ح2.

أنواع الإضرار بالنفس

مسألة: الإضرار بالنفس على أنواع، فبعضه حرام وبعضه جائز.

ومن هذا الحديث يفهم أن الضرر اليسير جائز تحمله، كما يعرف عنه حال الصغرى أيضاً، وأن مجل اليد وخروج الدم منه ضرر جائز، فإن «لا ضرر» لا يشمله، بل المراد به ثلاثة أمور:

الأول: عدم تشريع الضرر من قبل الله سبحانه وتعالى لعباده في الأحكام الموضوعة، إلاّ ما خرج بقانون الأهم والمهم، كالجهاد والخمس والزكاة وما أشبه ذلك، هذا مع قطع النظر عن القول بأن الخمس والزكاة ليست ضرراً حتى بالمنطق الدنيوي، لما فيهما من المنافع للمجتمع وللشخص نفسه على ما فصلناه في الفقه الاقتصاد وغيره.

الثاني: عدم جواز ضرر بعض الناس لبعض حتى ضرر صغير قابل للتحمل، إلاّ إذا رضي الطرف بذلك الضرر الذي يجوز تحمّله شرعاً.

الثالث: عدم جواز الضرر الكثير، سواء بالنسبة إلى غيره أو بالنسبة إلى نفسه، فإنه لا يجوز حتى إذا رضي المتضرر بذلك، سواء كان الضار نفسه أو غيره.أما الأضرار الصغيرة فيجوز للإنسان تحملها، سواء كانت في عبادة أم في معاملة أم غيرهما، كمن يمشي إلى مسجد بعيد أو يمشي للتفريح ويسبب ذلك إضرار الشمس به ضرراً يسيراً، وكذلك بالنسبة إلى المصارعة ونحوها مما يجوز إضرار الغير برضاه أضراراً قليلةً.

ص: 365

أما الأضرار الكثيرة مثل: فقد قوة أو إتلاف عضو أو قتل أو ما أشبه، فلا يجوز حتى إذا رضي الطرف بذلك، كمصارعة من يسبب كسر أنفه أو فقع عينه أو صلم أذنه أو نحو ذلك.

ويمكن إدراجه في الأول بأن يقال: إن الله لم يشرع جواز إضرار بعض الناس لبعض ضرراً كثيراً أو قليلاً إلاّ إذا رضيا في خصوص القليل، كما لم يشرع جواز إضرار الشخص بنفسه ضرراً كبيراً، وذلك كي لا يقال: إن الأول نفي، والثاني والثالث نهي(1)، ولا يمكن استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فتأمل(2).

والحاصل: إن الله لم يشرع حكماً ضررياً، ومنه جواز إضرار بعض الناسلبعض.

تفصيل الشكاية

مسألة: يجوز تفصيل الشكاية، كما يدل عليه: «لقد مجلت يدي...».

وإنما يستفاد ذكر التفصيل استحباباً أو جوازاً حسب الأدلة العامة المنطبقة على هذه الصغرى من قولها (عليها الصلاة والسلام): «لقد مجلت يدي من الرحى، أطحن مرة وأعجن أخرى»، ومن المعلوم أن الإنسان الذي يدير الرحى يسبب ذلك ضرراً في يده، إذ اللازم أن يطحن طحناً كثيراً في كل يوم، بالإضافة إلى سائر أعماله من الكنس والغسل وما أشبه.

ص: 366


1- أي (لا ضرر) بمعنى نفي الضرر، أي لا ضرر موجود أو ثابت في الإسلام، أو (لا ضرر) بمعنى النهي عنه أي لا تَضُرّ.
2- على ما بينا تفصيل المسألة في (الأصول).

وفي رواية أخرى: قالت فاطمة (عليها السلام): «يا رسول الله لقد مجلت يداي من الرحى»(1)، حيث إن الإنسان إذا عملبيده اليمنى فتعب يعمل بيده اليسرى، وهكذا.

العمل البيتي

مسألة: يستحب أن تعمل المرأة في بيت زوجها ولو أصابها تعب ونصب ومشقة، ولو قصدت بعملها التأسي بفاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كان أجرها مضاعفاً، فإنه عنوان حسن، وهو اعتبار عقلائي آخر.

وعلى هذا فلو فرض القول بأن أوامرالتأسي كأوامر الإطاعة إرشادية

ص: 367


1- رواها أبناء العامة أيضاً: عن علي (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما زوجه فاطمة (عليها السلام) بعث معه بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف ورحيين وسقاء وجرتين، فقال علي لفاطمة (عليهما السلام) ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، قال: وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ما جاء بك أي بنية، قالت: جئت لأسلم عليك واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتيناه جميعاً فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة (عليها السلام): قد طحنت قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد جاءك الله بسبي وسعة فاخدمنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا أعطيكما وادع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم، فرجعا فأتاهما النبي (صلى الله عليه وآله) وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا فقال: مكانكما، ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني، قالا: بلى، فقال: كلمات علمنيهن جبريل (عليه السلام)، فقال: تسبحان في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا. مسند أحمد: ج1 ص106 - 107.

لا مولوية، أو بدعوى اللغوية، أو تحصيل الحاصل، أو غير ذلك، مع قطع النظر عن نقاشنا في ذلك، فإنه بهذا الاعتبار يخرج عن تلك المحاذير، فتدبر(1).

واستحباب عمل الزوجة في بيت زوجها مما يستفاد من متعدد الروايات، بل يستحب عمل كل إنسان زوجاً أو زوجةً أو ولداً أو بنتاً أو ما أشبه في البيت المرتبط بهم، فإنه من التعاون على البر، ونوع صلة رحم.

ولا يخفى أن الله سبحانه وتعالى جعل في العمل البدني - بالإضافة إلى التقدم التكويني والوصول إلى الأهداف - الصحة الجسدية، فإن مزاولة الأعمال توجب صحة الجسد كما توجب صحة الروح أيضاً، لأن البدن يؤثر في الروح، وكذلك العكس.

هذا بالإضافة إلى أن العمل البيتي يوجب تقوية الألفة بين الأقرباء، بل وكذلك العمل بين الأصدقاء فيما إذا كانوا في مكان واحد كمتجر أو مؤسسة أو كانوا في سفر أو ما أشبه، فإنالأمر لا يختص بالبيت، كما ذكره علماء النفس وعلماء الاجتماع.

ثم إن بالتعاون على أداء أعمال البيت يستغني غالب الناس عن استخدام خادم أو خادمة، ومن الواضح أن وجود أحدهما في البيت يسبب في غالب الأحيان مشاكل جانبية، وقد يسبب انحرافاً وفساداً، إضافة إلى أنه إثقال لكاهل الأسرة اقتصادياً.

ص: 368


1- إذ يراد ب- (التأسي) عندئذٍ العمل بالمأمور به مع قصد أنه متلون بلون الاقتداء والتأسي وهو عنوان قصدي آخر فليس تحبيذه لغواً أو تحصيلاً للحاصل.

لباس الزاهدين

اشارة

دخلت السيدة فاطمة (عليها السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله): وقالت: «يا رسول الله إن سلمان تعجب من لباسي، فوالذي بعثك بالحق مالي ولعلي (عليه السلام) منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف»(1).

-------------------------------------------

بيت النبوة

مسألة: يستحب للإنسان أن يتخذ من بيوت الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) الدليل والمرشد والأسوة والقدوة لكيفية الحياة والمعيشة، وكمية المقتنيات والأثاث وكيفيتها، ونوع الملابس وغير ذلك، على عكس من يتخذ من قصور الفراعنة والأكاسرة الأسوة والمرشد.

والذي يظهر أن تعجّب سلمان من لباسها (صلوات الله عليها) لم يكن فقط لمقارنته بلباس الملوك والأمراء، بل كان بالمقارنة لملابس عامة الناس، ويؤكد ذلك قولها (عليها السلام): (مالي ولعلي..).

ص: 369


1- بحار الأنوار: ج43 ص88 ب4 ح9.

النظر إلى ثوب الأجنبية

مسألة: الثوب ليس من العورة، فيجوز للمرأة أن تنظر إلى ثوب الرجل، وكذا العكس، إذا لم يكن خوف افتتان أو ما أشبه، ولم يكن الثوب ضيقاً بحيث يبرز مفاتن الجسد.

أما مع خوف الافتتان فقد ذكر العلماء الإجماع على عدم الجواز، كما في الجواهر وغيره في مسألة الريبة واللذة، وقد ذكرنا في الكتب الفقهية أن الشارع جعل للخوف في كثير من الموارد الحكم، مثل: خوف الضرر، وفي آيات متعددة إشارة إلى ذلك:

قال سبحانه: «إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ»(1).

وقال تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ»(2).

إلى غير ذلك.

ولا تختص الحرمة مع الخوف بالأجنبيين، بل تشمل المحارم كالأخ والأخت ومن أشبه، لوحدة الملاك.

ثم إنه لا دليل على أن سلمان رأى ملابسها (صلوات الله عليها) وهي مرتدية لها، إذ من المحتمل أنه رأى بعض ملابسها موضوعة أو معلقة في جانب من الغرفةلدى زيارته لأمير المؤمنين (عليه السلام) مثلاً، فأظهر تعجبه عن بساطتها الشديدة، وإن كان لا يبعد الأول.

ص: 370


1- سورة النساء: 101.
2- سورة البقرة: 229.

الاكتفاء بالقدر اللازم

مسألة: يستحب الاكتفاء بالقدر اللازم مما يرتبط بالدنيا من الثياب والأثاث وما أشبه، كما كان كذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) والصديقة فاطمة (عليها السلام)(1).

فإنهما (عليهما الصلاة والسلام) مع قدرتهما كانا يقتنعان بأقل ما يمكن.

هذا بالإضافة إلى روايات استحباب القناعة والزهد وما أشبه.

ثم إنه قد تقدم أنهم (عليهم الصلاة والسلام) كانوا في حالة إصلاح وتغيير، ومن يريد الإصلاح والتغيير لا يتنعم بالملذات، فإن الجهاد والملذات كالضرتين، يقول أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): «وإياكم والتنعم والتلهّي»(2)، مع أن النعمة مباحة كما قال سبحانه: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِوَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ»(3)، والتلهي كذلك ليس بمحرم إلاّ بالحرام وبآلات اللهو ونحوه كما ذكر الشيخ المرتضى (قدس سره) في المكاسب، وغيره في غيره.

وقد ورد في السيرة الطاهرة أن علياً (عليه الصلاة والسلام) كان كثيراً ما ينام على تراب الأرض حتى لقبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبي تراب(4).

ص: 371


1- الجدير بالذكر أن الإمام المؤلف (قدس سره) كان في حياته لا يملك إلا (عمامة) واحدة، و(صاية) واحدة، وعباءة واحدة فقط، اقتداءً بجده أمير المؤمنين وجدته سيدة نساء العالمين (صلوات الله عليهما).
2- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص516 باب صلاة العيدين ح1482.
3- سورة الأعراف: 32.
4- علل الشرائع: ج 1 ص155 باب 125 العلة التي من أجلها كنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أبا تراب ح1. وفي بحار الأنوار: ج 43 ص146 ب 6 ح1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله عليه وآله) الْفَجْرَ ثُمَّ قَامَ بِوَجْهٍ كَئِيبٍ وَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى صَارَ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ (صلوات الله عليها) فَأَبْصَرَ عَلِيّاً (عليه السلام) نَائِماً بَيْنَ يَدَيِ الْبَابِ عَلَى الدَّقْعَاءِ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ (صلی الله عليه وآله) فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: قُمْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا أَبَا تُرَابٍ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَدَخَلَا مَنْزِلَ فَاطِمَةَ (عليها السلام). وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار: ص120 باب معنى أبي تراب ح1: عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ: لِمَ كَنَّى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَلِيّاً (عليه السلام) أَبَا تُرَابٍ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى أَهْلِهَا بَعْدَهُ، وَبِهِ بَقَاؤُهَا وَإِلَيْهِ سُكُونُهَا، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَرَأَى الْكَافِرُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِشِيعَةِ عَلِيٍّ مِنَ الثَّوَابِ وَالزُّلْفَى وَالْكَرَامَةِ قَالَ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً، أَيْ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ: «وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً».

وجاءه إنسان في بيته في الكوفة فلم ير في البيت شيئاً، وإنما شاهد أرضاً غبراء فقط، فقال: يا أمير المؤمنين أين الفُرُش؟ قال (عليه الصلاة والسلام): بعثناها إلى الدار الأخرى، أي الآخرة.

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في زهد الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والصديقة الزهراء (عليها السلام) وأولادهم الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) مما يجب أن يتخذوا أسوة لمن يريد التغيير والإصلاح.

زهد الأسوة

مسألة: يتأكد استحباب الزهد لمن كان أسوة، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للعلاء في البصرة، إذ يكون للزهد حينئذٍ جانب طريقي إضافة إلى

ص: 372

موضوعيته.

قال (عليه السلام) في نهج البلاغة: «كيلا يتبيغ بالفقير فقره»(1).

ولا يتوهم أن الزهد ينافي الهيبةوالعظمة والقدرة وما أشبه.

وإنما لا ينافي الزهد الهيبة والقدرة لوضوح أن القدرة المعنوية أكبر حتى في نظر الآخرين من القدرة المادية، والإنسان قوي النفس أكثر هيبةً وعظمةً وقدرةً في الأنظار من الذي ليس كذلك، ولذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم الناس هيبة على الإطلاق، وكذلك بعده أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، وكذلك الأئمة المعصومون (عليهم السلام)، فإن العزة لله سبحانه تعالى يمنحها من يشاء من عباده الصالحين.

قال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا»(2).

وقال الإمام الحسن (عليه السلام): «إذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عزوجل»(3).

وقال الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام): «من أراد عزاً بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبةً بلا سلطان فلينقل من ذلّ معصية الله إلى عز طاعته»(4).

وقال الفرزدق الشاعر:

يُغضِي حَياءً وَيُغْضَى مِنْ مَهابَتِهِ... فلا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ

ص: 373


1- نهج البلاغة: الخطبة 209.
2- سورة فاطر: 10.
3- بحار الأنوار: ج44 ص138 ب22.
4- الخصال: ص169 ح222.

الاستفادة الأكثر

مسألة: ربما يرجح الاستفادة من الشيء الواحد في مختلف الحاجات، فإنه من الاقتصاد الوارد فيه عدد من الروايات، قال (عليه السلام): «ما عال من اقتصد»(1).

وأصل الجواز للأدلة العامة قبل هذا الحديث، وأما هذا الحديث فقد قالت (عليها الصلاة والسلام): (إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف).

ومن الواضح أن المرفقة أيضاً توضع تحت الرأس، وكذلك كانوا يضعونها تحت جسمهم في وقت الجلوس، قال علي (عليه الصلاة والسلام): «لو ثنيت لي الوسادة»(2)فكانوا يتكئون عليها وقت الجلوس، إلى غير ذلك.

والظاهر أنه كان زهداً وتعليماً واقتصاداً، إضافة إلى كشفه عن أن علياً (عليه السلام) كان قد خصص كل أوقاته للعمل والجهاد في سبيل الله، وإلاّ فإنه ما كان أيسر عليه من أن يعمل قليلاً في الزراعة أو التجارة أو الصناعة ليحصل على

ص: 374


1- عدة الداعي: ص74 في بيان فضيلة الكسب وآدابه.
2- التوحيد للشيخ الصدوق: ص305 ب43 ح1، وفيه: «أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية: «يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب» سورة الرعد: 39».

ما يكفي شؤون المنزل ويفيض، بل إن سهمه من الغنائم كان يعادل الشيء الكثير، ولو ادّخره أو بعضه لنفسه لكان منزله بأوسط الحال أو بأفضل الأحوال.

ومن هنا يستفاد أن العاملين والمؤسسات الدينية عليها بذل كل طاقاتها وجهودها في سبيل نصرة الدين، دون الاهتمام بالملبس والمأكل والمشرب والمركب وغير ذلك.

كما يستفاد أيضاً أن من الضروري على العاملين والمؤسسات أن تستفيد من أجهزتها وممتلكاتها أكبر الاستفادة في سبيل الله، فمثلاً المسجد أو الحسينية أو المكتبة أو الموقوفة يجب ملؤهابالبرامج المنوعة آناء الليل وأطراف النهار بالاستفادة متعددة الجوانب منها، وذلك هو مقتضى التأسي والحكمي، ومدعاة للأجر الأعظم والثواب الأجزل.

زهد المعصومين

مسألة: يستحب بيان زهد العترة الطاهرة (عليهم السلام) وأنه ما كان لها (سلام الله عليها) ولعلي (عليه السلام) منذ كذا سنة إلاّ ما ذكرته (صلوات الله عليها).

فإن ذلك يوجب اتخاذهم أسوة في عدم الإكثار من مباهج الدنيا وزينتها، فإنه عادة من اشتغل في الدنيا زيادةً في جانب، تسبب النقيصة في جانب آخر، وكذا الحال في الدنيا والآخرة حيث إن كل انشغال بالدنيا يوجب نقصاً من حظ الإنسان ونصيبه من الآخرة، وقد قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): «ما رأيت نعمة موفورة إلاّ وإلى جانبها حق مضيّع».

ص: 375

القناعة في أمتعة الزواج

مسألة: يستحب القناعة وعدم التشريفات في الزواج وما يتخذ من المتاع له، بخلاف ما هو المتعارف الآن حيث التعقيد والتجمل وكثرة الأمتعة وما أشبه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أفضل نساء أمتي أقلهن مهراً»(1).

ولعله قد كُنِّيَ بالمهر عن: كل تشريف يراد بهذا الشأن، وإذا أريد بالمهر الاصطلاح الخاص فيفهم منه الملاك في سائر الشؤون، فإن من أسباب تأخير الزواج أو عدمه هو كثرة النفقات والكماليات التي لا يتمكن منها كثير من الناس.

ص: 376


1- مستدرك الوسائل: ج14 ص216 ب39 من أبواب مقدمات النكاح ح2.

مقاسمة الخدمة مع مولاتها

اشارة

قال سلمان (رضوان الله عليه): كانت فاطمة (عليها السلام) جالسة، قدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، قد أفضى إلى الحجر فحات مني التفاتة، فإذا أنا بالحسن بن علي في ناحية من الدار يتضور من الجوع، فقلت: جعلني الله فداك يا بنت رسول الله قد دبرت كفاك من طحن الشعير وفضة قائمة. فقالت: نعم يا أبا عبد الله، أوصاني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تكون الخدمة لها يوم ولي يوم، فكان أمس يوم خدمتها واليوم يوم خدمتي(1).

-------------------------------------------

تقسيم الخدمة

مسألة: يستحب تقسيم خدمة البيت بين السيدة والخادمة، كما قسمت الصديقة (عليها السلام) العمل بينها وبين فضة خادمتها.

وهذا يستفاد من الرواية المذكورة، مضافاً إلى ما روي من عموم أدلة الإنصاف، فقد ورد في أحاديث كثيرة التحريض على الإنصاف، ومن صغرياته ما نحن فيه.

ص: 377


1- دلائل الإمامة: ص140141 أخبار في مناقبها صلوات الله عليها.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن أعظم المثوبة مثوبة الإنصاف»(1).

وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ فِي آخِرِ خُطْبَتِهِ: طُوبَى لِمَنْ طَابَ خُلُقُهُ وَطَهُرَتْ سَجِيَّتُهُ وَ صَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَ حَسُنَتْ عَلَانِيَتُهُ وَ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ وَ أَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ»(2).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَنْ يَضْمَنُ لِي أَرْبَعَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْيَاتٍ فِي الْجَنَّةِ، أَنْفِقْ وَلا تَخَفْ فَقْراً، وَأَفْشِ السَّلامَ فِي الْعَالَمِ، وَاتْرُكِ الْمِرَاءَ وَإِنْ كُنْتَ مُحِقّاً، وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ»(3).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سَيِّدُ الأَعْمَالِ ثَلَاثَةٌ، إِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى لا تَرْضَى بِشَيْ ءٍ إِلاّ رَضِيتَ لَهُمْ مِثْلَهُ، وَمُوَاسَاتُكَ الأَخَ فِي الْمَالِ، وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»(4).وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: «أَلا إِنَّهُ مَنْ يُنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاّ عِزّاً»(5).

لا يقال: إن ما ورد في حديث الصديقة (عليها السلام) وصية خاصة لشخص خاص فمن أين التعميم؟

ص: 378


1- جامع أحاديث الشيعة: ج14 ص297 ب70 من أبواب كتاب جهاد النفس.. ح12.
2- الكافي: ج2 ص 144 باب الإنصاف والعدل ح1.
3- الكافي: ج2 ص 144 باب الإنصاف والعدل ح2.
4- الكافي: ج2 ص 144 باب الإنصاف والعدل ح3. والمؤاساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق، وأصلها الهمزة قلبت واواً تخفيفاً.
5- الكافي: ج2 ص 144 باب الإنصاف والعدل ح4.

إذ يقال: المستظهر أن الوصية بتقسيمها (صلوات الله عليها) الخدمة، كان من باب المصداق، وانطباق الجامع عليها، وليس من باب الخصوصية، ولأن الأصل في عملهم الأسوة، وكذلك الأصل في وصاياهم.

وكذلك يستحب تقسيم الخدمة بين السيد والعبد، وهكذا السيد والخادم لوحدة الملاك، وكذلك في كل مورد اقتضى الإنصاف ذلك.

وقد ورد في الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «لا يقولن أحدكم: عبدي وأمَتي، ولكن: فتاي وفتاتي»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله) في خطبة له: «الله الله فيما ملكت أيمانكم، أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإنهم لحم ودم وخلق أشكالكم، فمن ظلمهم فأنا خصمهموالله حاكمهم»(2).

وفي حديث آخر أنه: «كسي أبو ذر بردين، فاتزر بأحدهما وارتدى بشملة وكسا غلامه أحدهما، ثم خرج إلى القوم، فقالوا له: يا أبا ذر لو لبستهما جميعاً كان أجمل، قال: أجل ولكني سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون»(3).

وهكذا كان المسلمون الأوائل وكثير من المسلمين على طول التاريخ الإسلامي، يعملون بوصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواجبة والمستحبة، كما كانوا يتركون المحرمات والمكروهات، بل وأحياناً المباحات أيضاً تزهداً وتعففاً..

ص: 379


1- تفسير مجمع البيان: ج5 ص40.
2- مستدرك الوسائل: ج13 ص379 ب16 من أبواب بيع الحيوان ح6.
3- الأمالي، للشيخ الطوسي: ص403 المجلس14 ح50.

وقد نقل أنه رؤي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام فقال له الرائي: يا رسول الله لماذا كان السابقون أصحاب كرامات ونحن لسنا بتلك المنزلة؟ فقال (صلى الله عليه وآله): - حسب هذه الرؤيا المنقولة في بعض الكتب -: إن السابقين كانوا يقسمون الأحكام إلى قسمين فيفعلون كلما أمرت به من واجب أو مستحب، ويتركون كل ما نهيت عنه منحرام ومكروه، وأما أنتم فلا تعملون ذلك، بل تجعلون الأحكام خمسة.

وهذا الكلام كناية عن أن الناس غالباً يتركون المستحبات ويفعلون المكروهات، ومن المعلوم أن للمكروهات والمستحبات تأثيرهما في طهارة النفس وسموها، وصلاح الجسد وعافيتها، إلى غيرها من فلسفتهما العقلية والشرعية، وقد ذكرنا جملة من ذلك في كتاب الآداب والسنن.

الأمر المولوي أو الإرشادي

مسألة: هل وصيته (صلوات الله عليه) لها (عليها السلام) بتقسيم الخدمة من باب الإرشاد أو المولوية؟

وعلى الثاني فهل هي من باب الوجوب أو الاستحباب؟

الظاهر أنه لم يكن واجباً، وأما الإرشاد أو الاستحباب فظاهره المولوي، وإن ربما يقال: بأن ظاهر الوصايا الإرشاد، فتأمل.

ص: 380

العمل الدؤوب

مسألة: يستحب الدأب على العمل والمثابرة عليه وعدم الملل منه، وإن كان فيه أذى النفس، كما يدل عليه استمرارها في العمل رغم خروج الدم من يدها الشريفة، إذ قد رأى سلمان (رضوان الله عليه) أن: (وعلى عمود الرحى دم سائل).

فإن الناس الذين تصدوا للإصلاح، وخاصة إصلاح المجتمع الكبير لابد وأن يكونوا على هذه الوتيرة من العمل الدؤوب وقمة التضحية.

كما أنه ورد عن الإمام المهدي (عليه السلام) في الشعائر الحسينية المقدسة: «ولأبكين عليك بدل الدموع دماً»(1)، وهو أيضاً تحريض على البكاء على الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) وإقامة مآتمه.

وقد ورد أن السيدة زينب (عليها الصلاة والسلام) نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رُؤي الدم على عمود المحمل(2).

إلى غير ذلك، وقد ذكر جملة منهاالأخ السيد حسن (رحمه الله) في كتابه (الشعائر الحسينية)(3).

ص: 381


1- المزار لابن المشهدي: ص501.
2- العوالم، الإمام الحسين (عليه السلام): ص372-374 باب فيما وقع من دخول أهل البيت الكوفة.
3- يقع الكتاب في 160صفحة، ويشتمل على العناوين التالية: (رجحان الشعائر الحسينية، البكاء، التباكي، المأتم، لبس السواد، شق الجيب، اللطم، ضرب السلاسل، التمثيل، التطبير). ألفه في كربلاء المقدسة عام 1384 ه-، طبع عدة مرات في دول مختلفة، كالعراق ولبنان وإيران والكويت وسوريا و...

أكل الشعير

مسألة يستحب أكل خبز الشعير تأسياً بمولانا أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنين (عليهم السلام)، وقد ثبت في العلم الحديث أن للشعير فوائد كثيرة، منها أنه يبني غضاريف البدن ويرممها مما ينتفع به المصابون بأمراض المفاصل والظهر(1) وشبهها.

عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «فضل خبز الشعير على البر كفضلنا على الناس، وما من نبي إلاّ وقد دعا لآكل الشعير وبارك عليه، وما دخل جوفاً إلا وأخرج كل داء فيه، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار، أبى الله تعالىوعن أبي عبد الله (عليه السلام): «مَا زَالَ طَعَامُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) الشَّعِيرَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ»(2).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي شَيْ ءٍ شِفَاءً أَكْثَرَ مِنَ الشَّعِيرِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ غِذَاءَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام»(3).

وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ بِأَمْرِ نُوحٍ نَبِيِّ اللَّهِ، إِنَّهُ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَاماً يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، فَكَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: لا أُمْسِي، وَ إِذَا أَمْسَى قَالَ: لا أُصْبِحُ، وَ

ص: 382


1- وخاصة المرض المسمى ب- (الديسك).
2- مستدرك الوسائل: ج16 ص333 ب2 ح20062.
3- مستدرك الوسائل: ج16 ص334 ب2 ح20064.

كَانَ لِبَاسُهُ الشَّعْرَ، وَطَعَامُهُ الشَّعِيرَ، وَ إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ بِأَمْرِ دَاوُدَ (عليه السلام) خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، كَانَ لِبَاسُهُ الشَّعْرَ وَطَعَامُهُ الشَّعِيرَ، وَ إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ بِأَمْرِ سُلَيْمَانَ (عليه السلام) مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ، كَانَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَيُطْعِمُ النَّاسَ الْحُوَّارَى».

إلى أن قال: «وَإِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ بِأَمْرِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ (عليه السلام) كَانَالصادق (عليه السلام) قال: «كَانَ سُلَيْمَانُ (عليه السلام) يُطْعِمُ أَضْيَافَهُ اللَّحْمَ بِالْحُوَّارَى وَيَأْكُلُ هُوَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ»(1).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في خبر: «كَانَ يَعْنِي عَلِيّاً (عليه السلام) لَيُطْعِمَ خُبْزَ الْبُرِّ وَاللَّحْمَ وَيَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالزَّيْتَ وَالْخَلَّ».

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: «إِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ مِنْ غَيْرِ أُدْمٍ»(2).

ص: 383


1- مستدرك الوسائل: ج16 ص335 ب2 ح20067، عن الدعوات للراوندي: ص142 ح363.
2- مستدرك الوسائل: ج16 ص335 ب2 ح20068، عن المناقب: ج2 ص99.

حقوق الخدم

مسألة: يستحب بيان حقوق الخادم والخادمة في البيت، وربما وجب.

والنبي (صلى الله عليه وآله) هو صاحب تشريع أكمل الحقوق الإنسانية، وما يسمى اليوم بحقوق الإنسان، فإن الصحيح منها نجده في الإسلام، كما أن أصلها وتطبيقها الكامل عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).

وهذا التقسيم في عمل البيت بينها (صلوات الله عليها) وبين خادمتها من شواهد ذلك.

ثم إن الحقوق بين واجبة ومستحبة، وهذا الحق المذكور في خدمة البيت من الحقوق المستحبة.

ولا يخفى أن مصداق الحق قد يذكر في الآيات والروايات، وقد يستفاد من العرف، فإذا استفيد الحق من العرف كان العمل عليه كما أستفيد ضمن الأطر الشرعية، لأن الموضوعات مأخوذة من العرف والأحكام من الشرع.

وقوله (عليه الصلاة والسلام): «لا يبطل حق المسلم»(1) أو «لا تبطل حقوق المسلمين»(2)أو «لا يتوى حق امرء مسلم»(3) دليل على ما ذكر، وتفصيل الكلام

ص: 384


1- انظر وسائل الشيعة: ج27 ص339 ب18من أبواب كتاب الشهادات ح3، وفيه: «لا يبطل حق رجل مسلم».
2- انظر وسائل الشيعة: ج20 ص279 ب من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح9، وفيه: «ولا تبطل حقوق المسلمين فيما بينهم».
3- انظر مستدرك الوسائل: ج17 ص447 ب46 من أبواب كتاب الشهادات ح5، وفيه: «لئلا يتوى حق امرئ مسلم».

في الفقه.

ثم إن ما ذكر من أن الرسول (صلى الله عليه وآله) هو صاحب تشريع الحقوق الإنسانية الكاملة، وأنه أبو حقوق الإنسان، لأن الأنبياء السابقين (عليهم السلام) أيضاً كانوا آباء الحقوق ومشرِّعيها حسب إلهام الله سبحانه وتعالى ووحيه لهم، بدءًا من آدم (عليه السلام) وانتهاءً بالرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله)، وكذلك الأوصياء ومنهم الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وهكذا السيدة الزهراء والسيدة مريم (عليهما الصلاة والسلام)، فإن كلهم من نور الله سبحانه وتعالى، والمعصومون الأربعة عشر (عليهم السلام) كلهم نور واحد كما ورد في الخبر، وكلهم جاؤوا لإسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة، وبيان حقوقه وتضمينها.

امتثال أوامر المعصوم

مسألة: يستحب أو يجب - كل في مورده - العمل بوصايا وأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن استلزم أذى النفس، فإن أفضل الأعمال أحمزها.

قد ذكرنا في هذا الكتاب الجمع بين قوله تعالى: «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(1)، وبين قوله (صلى الله عليه وآله): «أفضل الأعمال أحمزها»(2)، مما لا يحتاج إلى التكرار.

ولذا فإن من الضروري طباعة وصاياه ووصايا سائر المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) في كتب مستقلة أو في أوراق متعددة وتوزيعها على الناس أو لصقها

ص: 385


1- سورة البقرة: 185.
2- بحار الأنوار: ج67 ص191.

في الأماكن المخصصة على جدران المساجد والحسينيات والمدارس والشركات والمنازل وغيرها لتكون بمرأى من الناس ومنظر مما يسبب عملهم بها أكثر فأكثر، فإن ذلك كله من الدعوة إلى الإيمان والخير والصلاح، ومن مصاديق الأمر بالمعروف.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا إِنِ اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ لَمْ تَهْلِكُوا وَلَمْ تَضِلُّوا، قَالُوا: بَلَى يَابْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَازِرُوهُ وَنَاصِحُوهُ وَصَدِّقُوهُ فَإِنَّ جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) أَمَرَنِي بِذَلِك»(1).

تحمل الضرر اليسير

مسألة: يجوز تحمل الضرر اليسير، فإن «لا ضرر» منصرف عنه على ما سبق، كما يظهر من هذه الرواية أن إدماء البدن، لأي غرض صحيح بل مطلقاً ملاكاً لا إشكال فيه.

بالإضافة إلى أن إضرارهم (عليهم الصلاة والسلام) لأنفسهم في العبادة وفي العمل، كما يستفاد من متواتر الروايات يوجب الانصراف المذكور أو التخصيص.

ص: 386


1- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: ج 2 ص177.

تقسيم الأعمال

مسألة: يستحب تقسيم الأعمال بالسوية بين الشركاء وكذا بين السيد والخادم(1).

فإنه نوع من التواضع، ونوع من تنظيم الأعمال، ونوع من إكرام الخادم والترفيه عنه، وقد قالوا: (من أكرم خادمه أمن).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أطعموهم مما تطعمون وألبسوهم مما تلبسون»(2).

إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة بهذا الشأن.

ثم إن (التقسيم) له أنواع ومصاديق، وما ذكر في وصية الرسول (صلى

الله عليه وآله) هو مصداق منها، بأن يكون لها يوم ولخادمتها يوم آخر، ويمكن التقسيم بأنحاء أخرى كأن يكون لكل منهما يومان مثلاً، أو تكون الخدمةصباحاً على إحداهما وعصراً على الأخرى.

وهذا التقسيم كله من حيث الزمن، كما يمكن التقسيم بنوع الأعمال أو بالتعاون فيها وإن كان التقسيم الزمني ربما أكثر دقة من حيث ضمان المساواة.

ص: 387


1- في هذه المسألة مزيد على السابقة منها، إذ السابقة كانت تقسيم الخدمة، وهذه رعاية المساواة في تقسيمها، فلا يكفي وجود نوع من التقسيم، إضافة إلى أن في هذه المسألة إضافة التقسيم بين الشركاء.
2- مكارم الأخلاق: ص10.

المسكين واليتيم والأسير

اشارة

في حديث عن ابن عباس، حاصله(1) أنه:

ص: 388


1- الحديث متواتر بين الفريقين، وقد ورد بألفاظ مختلفة متقاربة، انظر: مناقب آل أبي طالب: ج3 ص147 - 149 باب إمامة السبطين (عليهما السلام)، وتفسير الثعلبي: ج10 ص99- 102، وغيرها من المصادر. كما أنه قد روى الشيخ الصدوق هذا الحديث بألفاظ متقاربة بإسنادين: الأول: عن ابن عباس، والثاني: عن الإمام الصادق، عن أبيه، الباقر عليهما السلام، انظر (الأمالي): ص329 - 333 المجلس44 ح13 وهذا نصه: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيي الجلودي البصري، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا شعيب بن واقد، قال: حدثنا القاسم بن بهرام عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس. وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا الحسن بن مهران، قال: حدثنا سلمة بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، في قوله عز وجل: «يوفون بالنذر»، قال: مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما. فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عز وجل، وكذلك قالت فاطمة (عليها السلام)، وقال الصبيان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام. فانطلق علي (عليه السلام) إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال: نعم. فأعطاه فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة (عليها السلام) فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعاً من الشعير، فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) المغرب، ثم أتى منزله، فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي (عليه السلام) إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع اللقمة من يده، ثم قال: فاطم ذات المجد واليقين * * يا بنت خير الناس أجمعين أما ترين البائس المسكين * * جاء إلى الباب له حنين يشكو إلى الله ويستكين * * يشكو إلينا جائعا حزين كل امرئ بكسبه رهين * * من يفعل الخير يقف سمين موعده في جنة رحيم * * حرمها الله على الضنين وصاحب البخل يقف حزين * * تهوي به النار إلى سجين شرابه الحميم والغسلين فأقبلت فاطمة (عليها السلام) تقول: أمرك سمع يا بن عم وطاعة * * ما بي من لؤم ولا وضاعة غذيت باللب وبالبراعة * * أرجو إذا أشبعت من مجاعة أن ألحق الأخيار والجماعة * * وأدخل الجنة في شفاعة وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعاً، وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلا الماء القراح. ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي (عليه السلام) المغرب مع النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أتى منزله، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي (عليه السلام) إذا يتيم من يتامى المسلمين، قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة. فوضع علي ( عليه السلام ) اللقمة من يده، ثم قال: فاطم بنت السيد الكريم * * بنت نبي ليس بالزنيم قد جاءنا الله بذا اليتيم * * من يرحم اليوم فهو رحيم موعده في جنة النعيم * * حرمها الله على اللئيم وصاحب البخل يقف ذميم * * تهوي به النار إلى الجحيم شرابها الصديد والحميم فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول: فسوف أعطيه ولا أبالي * * وأؤثر الله على عيالي أمسوا جياعا وهم أشبالي * * أصغرهما يقتل في القتال بكربلاء يقتل باغتيال * * لقاتليه الويل مع وبال يهوي في النار إلى سفال * * كبوله زادت على الأكبال ثم عمدت فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح، وأصبحوا صياما. وعمدت فاطمة (عليها السلام) فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي (عليه السلام) المغرب مع النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أتى منزله، فقرب إليه الخوان، وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي (عليه السلام) إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا، فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده، ثم قال: فاطم يا بنت النبي أحمد * * بنت النبي سيد مسود قد جاءك الأسير ليس يهتد * * مكبلا في غله مقيد يشكو إلينا الجوع قد تقدد * * من يطعم اليوم يجده في غد عند العلي الواحد الموحد * * ما يزرع الزارع سوف يحصد فأعطني لا تجعليه ينكد فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول: لم يبق مما كان غير صاع * * قد دبرت كفي معه الذراع شبلاي والله هما جياع * * يا رب لا تتركهما ضياع أبوهما للخير ذو اصطناع ** عبل الذراعين طويل الباع وما على رأسي من قناع * * إلا عبا نسجتها بصاع وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه، وباتوا جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ. قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا أبا الحسن، شد ما يسوءني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة (عليها السلام). فانطلقوا إليها وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمها إليه وقال: وا غوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أرى، فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد، خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك. قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر» حتى إذا بلغ «إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً». وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى دخل منزل فاطمة (عليها السلام) فرأى ما بهم فجمعهم، ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى، وأنا غافل عنكم، فهبط جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآيات: «إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً، عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً»، قال: هي عين في دار النبي (صلى الله عليه وآله) تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين «يوفون بالنذر» يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجاريتهم «ويخافون يوما كان شره مستطيرا»، يقول: عابساً كلوحاً «يطعمون الطعام على حبه» يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له «مسكينا» من مساكين المسلمين «ويتيما» من يتامى المسلمين «وأسيراً» من أسارى المشركين،ويقولون إذا أطعموهم: «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً»، قال: والله ما قالوا هذا لهم، ولكنهم أضمروه في أنفسهم،فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد منكم جزاءً تكافؤننا به ولا شكوراً تثنون علينا به، ولكنا إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه. قال الله تعالى ذكره: «فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة» في الوجوه «وسروراً» في القلوب «وجزاهم بما صبروا جنة» يسكنونها «وحريراً» يفترشونه ويلبسونه «متكئين فيها على الأرائك» والأريكة السرير عليه الحجلة «لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا». قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة: يا رب، إنك قلت في كتابك: «لا يرون فيها شمسا» فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل، فيقول: ليس هذه بشمس، ولكن علياً وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت «هل أتى» فيهم إلى قوله تعالى: «وكان سعيكم مشكوراً».

ص: 389

ص: 390

ص: 391

صلى علي (عليه السلام) المغرب مع النبي (صلى الله عليه وآله) ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم، فجاء سائل أو مسكين فوقف على الباب وقال:

السلام عليكم يا أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.

قالت فاطمة (عليها السلام):

أطعمه و لا أبالي الساعة ** أرجو إذا أشبعت ذا مجاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة ** وأدخل الخلد ولي شفاعة

فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.

ولما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة (عليها السلام) من الشعير وصنعت منه خمسة أقراص، وصلى علي (عليه السلام) المغرب وجاء إلى المنزل، فجاء يتيم فوقف على الباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، يتيم من أيتام المهاجرين استشهد والدي، أطعموني مما رزقكم الله، أطعمكم الله من موائد الجنة؟

فقالت فاطمة (عليها السلام):

إني أطعمه ولا أبالي ** وأوثر الله على عيالي

أمسوا جياعاً وهم أشبالي

ص: 392

فرفعوا الطعام وناولوه إياه، ثم أصبحوا وأمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الأول.

فلما كان في اليوم الثالث طحنت فاطمة (عليها السلام) باقي الشعير ووضعته، فجاء علي (عليه السلام) بعد المغرب، فجاء أسير فوقف على البابوقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أسير محتاج، تأسرونا ولا تطعمونا، أطعمونا من فضل ما رزقكم الله.

فقالت فاطمة (عليها السلام):

لم يبق عندي اليوم غير صاع ** قد مجلت كفي مع الذراع

إبناي والله من الجياع ** أبوهما للخير ذو اصطناع

ثم رفعوا الطعام وأعطوه للأسير.

فلما كان اليوم الرابع دخل علي (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) يحمل ابنيه كالفرخين، فلما رآهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: وأين ابنتي؟

قال: في محرابها.

فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل عليها ولقد لصق بطنها بظهرها وغارت عيناها من شدة الجوع، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): واغوثاه بالله، آل محمد يموتون جوعاً.

فهبط جبرئيل وهو يقرأ: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ»(1).

-------------------------------------------

ص: 393


1- سورة الإنسان: 7.

كراهة اتخاذ الحاجب

مسألة: يكره اتخاذ الحاجب الذي يمنع الناس من الوصول إلى القادة أو الرؤساء أو الأكابر، ولذا نجد المسكين واليتيم والأسير يقفون على باب بيت فاطمة الزهراء وعلى أمير المؤمنين (عليهما السلام) ويخاطبونهم ثم يأخذون منهم دون حاجب أو رادع أو مانع أو وسيط، وقد وردت روايات عديدة في كراهة اتخاذ الحاجب.

عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله عز وجل بينه وبين الجنة سبعين ألف سور، ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام»(1).

وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، ملعون ملعون من اتهم أخاه، ملعون ملعون من غش أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون ملعون من احتجب عنأخيه، ملعون ملعون من اغتاب أخاه»(2).

وعن محمد بن سنان، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) فقال لي: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَى وَاحِدٌ مِنْهُمُ الثَّلَاثَةَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي مَنْزِلِ أَحَدِهِمْ فِي مُنَاظَرَةٍ بَيْنَهُمْ، فَقَرَعَ الْبَابَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْغُلَامُ فَقَالَ: أَيْنَ مَوْلَاكَ، فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ فِي الْبَيْتِ.

ص: 394


1- الكافي: ج2 ص364 باب من حجب أخاه المؤمن ح1.
2- وسائل الشيعة: ج12 ص231 ب130 من أبواب أحكام العشرة ح5.

فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَدَخَلَ الْغُلامُ إِلَى مَوْلاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ كَانَ الَّذِي قَرَعَ الْبَابَ، قَالَ: كَانَ فُلانٌ فَقُلْتُ لَهُ لَسْتَ فِي الْمَنْزِلِ، فَسَكَتَ وَلَمْ يَكْتَرِثْ وَلَمْ يَلُمْ غُلَامَهُ وَلا اغْتَمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِرُجُوعِهِ عَنِ الْبَابِ، وَأَقْبَلُوا فِي حَدِيثِهِمْ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ بَكَّرَ إِلَيْهِمُ الرَّجُلُ فَأَصَابَهُمْ وَقَدْ خَرَجُوا يُرِيدُونَ ضَيْعَةً لِبَعْضِهِمْ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنَا مَعَكُمْ، فَقَالُوا: نَعَمْ، وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إِلَيْهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مُحْتَاجاً ضَعِيفَ الْحَالِ. فَلَمَّا كَانُوا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا غَمَامَةٌ قَدْ أَظَلَّتْهُمْ فَظَنُّوا أَنَّهُ مَطَرٌ فَبَادَرُوا، فَلَمَّا اسْتَوَتِ الْغَمَامَةُ عَلَى رُءُوسِهِمْ إِذَا مُنَادٍ يُنَادِي مِنْ جَوْفِ الْغَمَامَةِ أَيَّتُهَا النَّارُ خُذِيهِمْ وَأَنَا جَبْرَئِيلُ رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا نَارٌ مِنْ جَوْفِالْغَمَامَةِ قَدِ اخْتَطَفَتِ الثَّلَاثَةَ نَفَرٍ،وَبَقِيَ الرَّجُلُ مَرْعُوباً يَعْجَبُ بِمَا نَزَلَ بِالْقَوْمِ، وَلا يَدْرِي مَا السَّبَبُ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَقِيَ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَمَا رَأَى وَمَا سَمِعَ، فَقَالَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ سَخِطَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَنْهُمْ رَاضِياً وَذَلِكَ بِفِعْلِهِمْ بِكَ، قَالَ: وَمَا فِعْلُهُمْ بِي، فَحَدَّثَهُ يُوشَعُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَنَا أَجْعَلُهُمْ فِي حِلٍّ وَأَعْفُو عَنْهُمْ، قَالَ:لَوْ كَانَ هَذَا قَبْلُ لَنَفَعَهُمْ وَأَمَّا السَّاعَةَ فَلَا، وَعَسَى أَنْ يَنْفَعَهُمْ مِنْ بَعْدُ»(1).

عدم اتخاذ الحراس

مسألة: الأصل عدم اتخاذ الحراس، فإنهم تكلفة مالية وإثقال أولاً، ثم إنهم يفصلون القائد عن الناس بوجودهم وتصرفاتهم وما يبعثونه في الناس من الخوف والهيبة، إضافة إلى أنهم عادةً يوجبون كِبراً ورفعةً واستعلاءً في النفس، إلى غير ذلك.

ص: 395


1- بحار الأنوار: ج72 ص191 - 192 ب61 ح4.

ولذا لم نجد الرسول والأئمة (عليهم السلام) يتخذون حراساً عادةً، رغم كثرة أعدائهم وإحاطتهم بهم، ونجد في هذه الرواية أن دار علي وفاطمة (عليهما

السلام) كانت بلا حراسة، رغم أنها كانت بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) وكان علي(عليه السلام) نائبه ووصيه ويده اليمنى، ورغم كثرة أعدائهما من اليهود والمشركين وغيرهم.

نعم اتخذ معاوية الحرس، وجعلها(1) ملوكية(2).

إيثار السائل ولو كان كافراً

مسألة: يستحب إيثار السائل على النفس حتى إذا كان السائل كافراً، كما يظهر من إيثارهم (الأسير) على أنفسهم، وكانم الأسير كافراً.

وللروايات العامة مثل: (لكل كبد حرّى أجر)(3).

و: (فإنهم - أي الناس - صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك فيالخَلْقِ)(4).

ص: 396


1- أي الخلافة.
2- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: ج3 ص157: (قال الزبير بن بكار: كان معاوية أول من اتخذ الديوان للختم، وأمر بالنيروز والمهرجان، واتخذ المقاصير في الجامع، وأول من قتل مسلماً صبراً، وأول من قام على رأسه حرس، وأول من قيدت بين يديه النجائب، وأول من اتخذ الخدام الخصيان في الاسلام، وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة، وكان يقول: أنا أول الملوك).
3- المعتبر، للمحقق الحلي: ج2 ص581.
4- نهج البلاغة: ومن عهد له (عليه السلام) إلى الأشتر النخعي عندما ولاه مصر. وفيه: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق».

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «أفضل الصدقة إبراد كبد حرى»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان من أحيا نفساً، «وَمَنْ أحْياهَا فَكَأنَّما أَحَيَا النّاسَ جَمِيعاً»(2)»(3).

وعن مصادف، قال : كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بين مكة والمدينة فمررنا على رجل في أصل شجرة وقد ألقى بنفسه، فقال: «مل بنا إلى هذا الرجل فإني أخاف أن يكون قد أصابه عطش»، فملنا فإذا رجل من الفراسين طويل الشعر فسأله: «أعطشان أنت»؟ فقال: نعم. فقال لي: «انزل يا مصادف فاسقه»، فنزلت وسقيته ، ثم ركبت وسرنا، فقلت : هذانصراني فتتصدق على نصراني؟ فقال: «نعم إذا كانوا في مثل هذا الحال»(4).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحري، ومن سقى كبداً حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله يوم لا ظل إلاّ ظله»(5).

ثم إن الاستحباب ليس خاصاً بمن سأل، بل يستحب الإيثار للمحتاج وإن لم يكن سائلاً.

ص: 397


1- تهذيب الأحكام: ج4 ص110 ح319.
2- سورة المائدة: 32.
3- مكارم الأخلاق: ص135 الفصل1 من الباب7.
4- خاتمة المستدرك: ج5 ص268.
5- الكافي: ج4 ص58 باب سقي الماء ح6.

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لله عز وجل جنة لا يدخلها إلاّ ثلاثة: رجل حكم في نفسه بالحق، ورجل زار أخاه المؤمن في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله عز وجل»(1).

وقد ورد في أحوال مولانا أبي الفضل العباس (عليه الصلاة والسلام) أنه «آثر أخاه»(2)، حيث لم يشرب الماء عندماالمشرعة، بل رمى الماء على الماء إيثاراً لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وأطفاله وأهل بيته على نفسه(3).

وقال:

ص: 398


1- الخصال: ص131 ح136.
2- قال الإمام السجاد (عليه السلام): (رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة). الأمالي، للشيخ الصدوق: ص548 المجلس70 ح10.
3- وقد ورد في المقاتل: إنه (عليه السلام) ركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات، فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات، ورموه بالنبال فكشفهم، وجعل يقول: لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أواري في المصاليت لقى نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا *** إني أنا العباس أغدو بالسقا ولا أخاف الشر يوم الملتقى وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلاً حتى دخل الماء، فلما أراد أن يشرب غرفةً من الماء ذكر عطش الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، وقال: يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أو تكون هذا حسين وارد المنون *** وتشربين بارد المعين فرمى الماء على الماء ولم يشربه، وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن، وتوجّه نحو الخيام. للتفصيل انظر (من حياة الإمام الحسين عليه السلام) للسيد المؤلف (أعلى الله درجاته).

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أو تكوني

هذا حسين وارد المنون *** وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقين

ومنه(1) يعلم أن الإيثار ليس خاصاً بما إذا كان هناك شيء واحد موجود - تملكاً أو تصرفاً أو شبه ذلك - دار أمره بين الإنسان نفسه وبين غيره، بل يشمل حتى مثل العطش فيما إذا كان الطرف الآخر عطشاناً، وإن كان الماء متوفراً لديه، وربما سمي هذا بالمواساة، كما في مولانا العباس (عليه الصلاة والسلام).

وبعبارة أخرى: الإيثار أعم من الإيجاب والسلب، ومن أن يعطي ما عنده أو أن يمتنع عن الاستفادة منه ليكون كغيره في الحرمان.

ثم إن استحباب الإيثار ولو بالنسبة إلى الكافر، إنما هو في غير المحارب الذي إذا أمددناه سبّب شدة ضراوته وقتاله وحربه وما أشبه، أما إذا لم يسبب الإيثار ذلك، تشمله عمومات الإيثار أيضاً، كما آثر الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) بالماء أهل الكوفة(2)،وكذلك آثر النبي (صلى الله عليه وآله) أهل مكة حين

ص: 399


1- أي ومن ورود (آثر أخاه).
2- نزل الإمام الحسين (عليه السلام) بذي جشم ونزل في مقابله الحر بين يزيد الرياحي مع جيشه، وكان فيها عين صغير للماء لا يكفي إلاّ لعدد قليل، فجاء جيش الحر وهم عطاشى وأرادوا الماء، فقال لهم الإمام (عليه السلام): «هذه العين صغيرة لا تكفي لهذا الجيش»، ثم سأل (عليه السلام) أخاه العباس (عليه السلام): «كم لنا من الماء»؟ قال: «القرب كلها مليئة». فقال الحسين (عليه السلام): «اسقوا القوم وخيولهم»!. ولولا أن سقاهم الإمام (عليه السلام) لمات جيش الحر من شدة الحر والعطش. فقال الإمام الحسين (عليه السلام) لفتيانه: «اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفاً»، ففعلوا. وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقي آخر حتى سقوها عن آخرها. انظر (من حياة الإمام الحسين عليه السلام) للإمام المؤلف (قدس سره).

كفرهم ببعض ما غنمه من خيبر، كما في بعض التواريخ.

ويحتمل جواز إيثار الكافر وربما استحبابه مطلقاً(1)، وذلك لغرض أهم، كرعاية الإنسانية وما أشبه، كما قد يستفاد ذلك من بعض قصص المعصومين (عليهم السلام) حتى في الحروب، كقصة سقي أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحاب معاوية، وعدم منعهم من الماء معتقويّهم بالماء كما هو واضح، إلا أن يقال: العمل لا جهة له، ولعله كان لأجل فضح معاوية وإظهار الفرق الكبير بين حسن قيادة أهل البيت (عليهم السلام) وقيادة المنحرفين عن منهجهم من أمثال معاوية، كما لعله كان لهداية الكثير من الناس في ذلك الزمن والأزمنة اللاحقة، حيث إن بمثل هذه الأخلاق دخل الكثير في دين الله ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) أفواجاً، فتأمل.

القيام بأعمال البيت

مسألة: يستحب القيام بأعمال البيت(2).

وقد ورد أنه لا يخدم في البيت إلاّ الصديقون، والمراد بالصديق هنا: الذي يُصدق بالله وبأحكامه، فإن من أحكام الله سبحانه وتعالى خدمة البيت على سبيل الاستحباب.

ص: 400


1- راجع موسوعة (الفقه): كتاب الجهاد، وكتاب (السلم والسلام).
2- لما سيأتي من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته.

وبذلك يظهر أنه لا يصح التعلل بالأعمال الكثيرة والمسؤوليات الخطيرة للفرار من العمل بالبيت، ومن يا ترى هو أعظم من أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) مكانة وموقعاً ومسؤولية، وكذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع ذلك نجدهم (صلوات الله عليهم)يعلفون الناضح وغير ذلك(1)، ونجدها (صلوات الله عليها) تطحن الشعير وغير ذلك.

والمراد بالبيت الأعم من بيت الحجر أو المدر أو الفسطاط أو غير ذلك من الأبنية وغيرها، حتى بيوت السُفُن، فهناك من الأسر من يعيش في السفينة دائماً فهي بيتهم، وذلك لوضوح الملاك.

ولا فرق في الاستحباب بين الأب والأم والأولاد والإخوة والأخوات والأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ومن أشبه ممن يسكنون بيتاً واحداً.

عدم سجن الأسير

مسألة: يجوز إطلاق الأسير، بحيث يخرج من السجن ثم يرجع إليه إذا لم يخش منه، أو بأن لا يسجن أصلاً، بل يحكم على الأسير بعدم ذهابه إلى بلد الكفار فقط، فلا يسجن في مكان بل يكون حالهحال سائر المسلمين.

ص: 401


1- قال أبو سعيد الخدري لابن أبي سلمة: (وعالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعالج في بيته: كان يعلف الناضح، ويعقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشتري الشيء من السوق ولا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه، فينقلب إلى أهله) بحار الأنوار: ج70 ص208 ب130.

فإن هذا الأسير الكافر الذي استجدى منهم كان مطلقاً غير مقيد ولا سجين، كسائر الأسراء الكفار في المدينة المنورة، في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن من شأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يقيد الأسراء ويحبسهم، نعم في بعض التواريخ أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يأمر أحياناً بحبس الأسير ليلة واحدة أو ثلاثة أيام في غرفة على باب المسجد كما في قصة ثمامة بن أثال(1).

حيث روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل قبل نجد سرية، فأسروا واحداً اسمه ثمامة بن أثال الحنفي سيد اليمامة، فأتوا به وشدوه إلى سارية من سواري المسجد، فمر به النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: خير، إن قتلت قتلت ذا دما، وإن مننت مننت علي شاكر، وإن أردت مالاً قل تعط ما شئت، فتركه ولم يقل شيئاً، فمر به اليوم الثاني فقال مثل ذلك، ثم مر به اليوم الثالث، فقال مثل ذلك ولميقل النبي (صلى الله عليه وآله) شيئاً، قال: أطلقوا ثمامة، فأطلقه، فمر واغتسل وجاء وأسلم، وكتب إلى قومه فجاؤوا مسلمين(2).

وإنما قيدنا الأمر بأنه إذا لم يُخش منه، لوضوح أنه إذا خشي منه لم يجز إطلاقه حتى يفعل ما يشاء من باب (قانون الأهم والمهم). وبذلك يعلم أن الإسلام سبق بأكثر من ألف عام، بعض الدول الغربية التي لا تسجن المجرم، أو من يعد مجرماً عندهم، بل تمنعه من الخروج من البلدة أو ما أشبه ذلك(3).

ص: 402


1- ثمامة بن أثال بن النعمان اليمامي الحنفي أبو أمامة كان سيد أهل اليمامة ثم أسلم، ولما ارتد أهل اليمامة في فتنة مسيلمة الكذاب ثبت على إسلامه، ثم قاتل المرتدين وقتل سنة 12ه-.
2- مستدرك الوسائل: ج2 ص514 ب12 من أبواب الأغسال المسنونة ح4.
3- كأن يضعوا في يده طوقاً يرسل إشارات لاسلكية للجهات المعنية لو تجاوز حدّاً معيناً.

صلاة الجماعة

مسألة: يستحب مؤكداً الالتزام والمواظبة على صلاة الجماعة.

وهذا يستفاد من تكرار ما ورد في هذه الرواية الشريفة من أن علياً (عليه الصلاة والسلام) صلى جماعة مع النبي (صلى الله عليه وآله) مضافاً إلى سائر الروايات المختلفة(1).

فالالتزام والمواظبة على حضور صلاة الجماعة مستحب آخر بالإضافة إلى أصل استحبابها، فهي مستحبة بذاتها، وتستحب أيضاً المواظبة عليها.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من صلى الخمس في جماعة فظنوا به خيراً»»(2).

وقال (صلى الله عليه وآله): «من صلى الخمس في الجماعة وحافظ على الجمعة فقد اكتال الأجر بالمكيال الأوفى وقال تعالى: «ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى»(3)»(4).وعن زرارة والفضيل، قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال (عليه السلام): «الصلوات فريضة، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها، ولكنها سنة، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة

ص: 403


1- انظر وسائل الشيعة: ج8 ص283 أبواب صلاة الجماعة، باب تأكد استحبابها في الفرائض.
2- الكافي: ج3 ص371 باب فضل الصلاة في الجماعة ح3.
3- سورة النجم: 41.
4- مستدرك الوسائل: ج6 ص448 ب1 من أبواب صلاة الجمعة ح19.

لا صلاة له»(1).

فالحضور جماعة في الأوقات الخمس يدل على الثقافة الدينية وطيب نفسي وملكة راسخة تبعث على ذلك، ولذا نشاهد قديماً وحديثاً، أن الذين يحضرون الجماعة ويواظبون عليها غالباً لهم حالة عدالة وعفاف وملكة تقوى وفضيلة، والخارج شاذ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «وَمَنْ مَشَى إِلَى مَسْجِدٍ يَطْلُبُ فِيهِ الْجَمَاعَةَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَيُرْفَعُ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَعُودُونَهُ فِي قَبْرِهِ وَيُبَشِّرُونَهُ وَيُؤْنِسُونَهُ فِي وَحْدَتِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُبْعَثَ»(2).الْجَمَاعَةِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ رَكْعَةً، كُلُّ رَكْعَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عِبَادَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً»(3).

وقال (عليه السلام): «فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ مَشَى إِلَى الْجَمَاعَةِ إِلاّ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ»(4).

وقَالَ (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ سَأَلَهُ حَاجَتَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ حَتَّى يَقْضِيَهَا»(5).

ص: 404


1- الكافي: ج3 ص372 باب فضل الصلاة في الجماعة ح6.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص17 باب ذکر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) ح4968.
3- وسائل الشيعة: ج8 ص288 باب1 ح10684.
4- وسائل الشيعة: ج8 ص288 باب1 ح10684.
5- وسائل الشيعة: ج8 ص289 باب1 ح10689.

وقال الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح اللمعة: «الْجَمَاعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْفَرِيضَةِ، مُتَأَكِّدَةٌ فِي الْيَوْمِيَّةِ، حَتَّى إِنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا تَعْدِلُ خَمْساً أَوْ سَبْعاً وَعِشْرِينَ صَلَاةً مَعَ غَيْرِ الْعَالِمِ، وَمَعَهُ أَلْفاً، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي مَسْجِدٍ تَضَاعَفَ بِمَضْرُوبِ عَدَدِهِ فِي عَدَدِهَا، فَفِي الْجَامِعِ مَعَ غَيْرِ الْعَالِمِ أَلْفَانِ وَسَبْعُمِائَةٍ وَمَعَهُ مِائَةُ أَلْفٍ»(1).المأموم، فلو تعدّد تضاعف في كلّ واحد بقدر المجموع في سابقه ثم لا يحصيه إلا الله تعالى(2).

إنشاد الشعر وانشاؤه

مسألة: إنشاد الشعر مستحب في الجملة، وكذلك إنشاء الشعر، وربما كان مكروهاً.

والاستحباب فيما إذا كان دفاعاً عن الحق أو إظهار فضيلة أو ما أشبه، والظاهر أنها (صلوات الله عليها) أنشأت هذه الأشعار إنشاءً، ويستفاد منه استحبابه في مثل هذا الموطن حيث تضمن النصيحة والتوجيه وما أشبه.

وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أحاديث في إنشاده أو إنشائه، ومنه ما في (نهج البلاغة):

ص: 405


1- انظر وسائل الشيعة: ج8 ص289 باب1 ح10690، عن (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) المحشى للمرحوم الكلانتر: ج 1 ص790 الفصل الحادي عشر في الجماعة.
2- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، المحشى للمرحوم الكلانتر: ج 1 ص790 الفصل الحادي عشرفي الجماعة.

«شتان ما يوم على كورها ** ويوم حيّان أخي جابر»(1).وديوانه (عليه السلام) مشهور(2).منها الكفار للخدش في القرآن الحكيم، حيث قال سبحانه: «وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ»(3)، وأحياناً كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد ذكر شعر قلّبه بتقديم وتأخير، كما ورد في التواريخ.

ص: 406


1- نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية. قال السيد المرتضى في رسائله: ج2 ص109 - 110: وأما إنشاده (عليه السلام): (شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر) فهذا البيت لأعشى قيس من جملة قصيدة، أولها: (علقم ما أنت إلى عامر * الناقض الأوتار والواتر)، فأما حيان أخو جابر، فهو رجل من بني حنيفة، فأراد ما أبعد ما بين يومي على كور المطية أدأب وأنصب في الهواجر والصنابر وبين يومي وادعا قارا منادما لحيان أخي في نعمة وخفض وأمن وخصب. وروي: أن حيان هذا كان شريفاً معظماً عتب على الأعشى، كيف نسبه إلى أخيه وعرفه به؟! واعتذر الأعشى أن القافية ساقته إلى ذلك. والغرض في تمثيله (صلوات الله عليه) بهذا البيت، تباعد ما بينه عليه السلام وبيت القوم، لأنهم قلدوا بآرائهم ورجعوا بطلابهم، وظفروا بما قصدوه واشتملوا على ما اعتمدوه، وهو (عليه السلام) في أثناء ذلك كله مجفو في حقه مكمد من نصيبه، فالبعد كما رآه عنهم، واختلاف شديد، والاستشهاد بالبيت واقع في موقعه ووارد في موضعه.
2- قال المحقق المتتبع الشيخ آغا بزرك الطهراني (قدس سره) في الذريعة: ج9 ق1 ص101- بتصرف: ديوان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لقد عددت الذين قاموا بعمل حول ديوان علي (عليه السلام) في (فهرست كتابخانه ي دانشكَاه تهران): ج2 ص116 - 125، سبعة عشر شخصاً، منهم من جمع الديوان، ومنهم من شرحها، وكان أول من جمع ديوانه أبو أحمد عبد العزيز الجلودي ت332ه- وسماه ب- (شعر علي عليه السلام) كما نقل عنه النجاشي.
3- سورة يس: 69.

وذكر البعض أنه قال النبي (صلى الله عليه وآله):

أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب(1)

لكنه لم يقرأه على أسلوب الشعر بل قرأه على أسلوب النثر.

ولعل كراهة الشعر في الجملة لما كان فيه من الأهواء والأباطيل والأكاذيب وما أشبه، قال تعالى: «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ»(2).

اللحوق بجماعة الخير

مسألة: يستحب السعي للحوق بجماعة الخير والحق والأخيار، وهذا ما يستفادومهما كان الإنسان متقدماً في شؤون الخير والعمل الصالح، فإن المؤمن ينظر إلى الأعلى منه دائماً، ويسعى لكي يكتمل ويتزود من (دار الدنيا) أكثر فأكثر، قال تعالى: «وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى»(3).

ص: 407


1- الإرشاد، للشيخ المفيد: ج1 ص143 ما بان من فضله وشجاعته (عليه السلام) في غزوة حنين.
2- سورة الشعراء: 224 - 226.
3- سورة النجم: 42.

إطعام الفقير

مسألة: يستحب إطعام الفقير والمسكين.

وقد ذكروا الفرق بينهما في الآية الكريمة(1)، وأشرنا إليه في بعض مباحث الكتاب وفي (الفقه: الزكاة).

بل يستحب الإطعام مطلقاً حتى لغير الفقير، وقد ورد: «إن الله يحب إطعام الطعام»(2)، ومضمونه متواتر في الروايات(3).

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المنجيات إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام»(4).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسارى، فقدم منهم رجلاً ليضرب عنقه، فقال له: جبرئيل، يا محمد ربك يقرؤك السلام ويقول: إن أسيرك هذا يطعم الطعام ويقري الضيف، ويصبر على النائبة، ويحتمل الحمالات، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل أخبرني عنك عن الله بكذا وكذا وقد أعتقتك، فقال له: وإن ربك ليحب هذا، فقال: نعم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والذي بعثك بالحق

ص: 408


1- في قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» سورة التوبة: 60.
2- المحاسن: ج2 ص388 ب1من كتاب المآكل ح7 عن أبي جعفر (عليه السلام).
3- انظر المحاسن: ج2 ص387 - 396 كتاب المآكل باب الإطعام، وفيه ثلاثة وستين حديثاً.
4- المحاسن: ج2 ص387 ب1 من كتاب المآكل ح1.

لا رددت عن مالي أحداً أبداً»(1).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أشبع كبداً جائعة وجبت له الجنة»(2).

وباسناده قال: «من أشبع جائعاً أجري له نهر في الجنة»(3).

نعم يجب إطعامه وجوباً كفائياً إذا خيف عليه التلف، هذا بالنسبة لعامة الناس، وأما بيت المال فإن الواجب أن ينفق منه على الفقير والمسكين ونحوهما لأن بيت المال معدّ لمصالحالمسلمين.

صلاحية الشفاعة

مسألة: يستحب السعي لتحصيل صلاحية الشفاعة لشؤون الدنيا والآخرة، في الدنيا والآخرة.

وهذا ما يستفاد من قول الصديقة (عليها السلام): (أرجو .. أن أدخل الخلد والشفاعة).

ولا يخفى أن للشفاعة درجات ومراتب وأنواعاً، وكلما عمل الإنسان من الصالحات أكثر، وأنفق على الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين أكثر، رزقه الله تعالى شفاعة جديدة، فلا يقال: كيف تقول (صلوات الله عليها) ذلك وهي التي لا شك في أن لها من مراتب الشفاعة أعلاها، ومن مصاديقها أكثرها وأسناها.

ص: 409


1- المحاسن: ج2 ص388389 ب1 من كتاب المآكل ح14.
2- المحاسن: ج2 ص390 ب1 من كتاب المآكل ح22.
3- المحاسن: ج2 ص390 ب1 من كتاب المآكل ح22.

إطعام اليتيم

مسألة: يستحب إطعام اليتيم.

وإطعام اليتيم الفقير أفضل، كما أن إطعام اليتيم الغني أفضل من إطعام الغني غير اليتيم.

ومثل ما تقدم في البحثين السابقين يأتي الكلام في الأسير ولو كان كافراً، كما يظهر من الآية المباركة، حيث إنه إذا كان مسلماً لم يكن أسيراً، ويفيد هذا الأمر - كما سبق - أن الأسير آنذاك لم يكن مقيداً، ولذا كان مطلقاً يدور على البيوت.

الإنفاق مما تحبون

مسألة: يستحب للإنسان أن يتصدق ويُطعم مما يأكله هو أو يلبسه، لا من الإضافات وما لا يريده.

قال سبحانه: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»(1).

والمراد البر الكثير، وإلاّ فأصل الإنفاق مطلقاً يوجب الثواب والأجر.

الإحصاء والعد

مسألة: يستحب الإحصاء والعدّ لما يمتلكه الإنسان في المنزل وغيره، فإنه من الإتقان، ويحول دون الإسراف، إلى غير ذلك، وقد شاهدنا في الرواية قوله:

ص: 410


1- سورة آل عمران: 92.

(لم يبق عندي اليوم غير صاع) حيث كان مقدار الموجود من الطعام محدداً بالدقة، هذا بالعنوان الأولي.

وقد يجب الإحصاء والعدّ، كما في باب الزكاة والخمس والاستطاعة، فإن الفحص لازم في هذه الأبواب وشبهها حتى على القول بعدم لزومه في الشبهات الموضوعية، مع أننا نقول بوجوبه مطلقاً إلاّ في مثل الطهارة والنجاسة.

كما قد يجب إذا كان مقدمة لمنع التبذير أو الإسراف المحرم.

سؤال الوالد عن أولاده

مسألة: يستحب للوالد أن يسأل عن ابنته وصحتها، وإن انتقلت إلى بيت زوجها أو إلى بلد آخر، وكذلك بالنسبة إلى الأرحام بعضهم عن بعض، خصوصاً إذا كانوا واجبي النفقة، وإذا كانوا من أهل الفضيلة والتقوى.

الصلاة في المحراب

مسألة: يستحب الإكثار من العبادة فيالمحراب صلاةً وتضرعاً لله تعالى، خاصةً عند الصعاب والشدائد.

وأفضلية المحراب لأنه المحل المعتاد فيه للعبادة، وفي الآية الكريمة: «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا»(1)، وسمي بالمحراب لأنه محل محاربة الشيطان على ما ذكره البعض.

ص: 411


1- سورة آل عمران: 37.

المساواة والعدالة

مسألة: (المساواة) إن لم تكن مخالفة للعدالة أمر مطلوب، وقد تكون واجبة، وقد يستظهر أن الأقراص الخمسة كانت كذلك على الرغم من أن الحسنين (عليهما السلام) كانا صغيرين، فتأمل(1).

تحمل الضرر والجوع

مسألة: يجوز تحمل الضرر والجوع الشديد في سبيل الله، والجواز هنا بالمعنى الأعم، وإن وصل ذلك إلى حد أن يلتصق البطن بالظهر، وأن تغور العينان من شدة الجوع، بل حتى وإن أشرف على الموت، كما قال (صلى الله عليه وآله): «وآل محمد يموتون جوعاً».

والمراد من قوله (صلى الله عليه وآله): «يموتون جوعاً» أنهم يشرفون على الموت(2)، والظاهر أنها عبارة عرفية ومن باب المجاز بالأوْل أو المشارفة.

ولا يخفى أن ذلك خاص بالذين هم أسوة أو في مقام إصلاح شديد أو ماأشبه ذلك، كما يفسره ما ذكره أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) للعلاء وعاصم في البصرة.

في (نهج البلاغة): من كلام له (عليه السلام) بالبصرة وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه، يعوده، فلما رأى سعة داره قال:

ص: 412


1- إذ يحتمل كون الأقراص بأحجام مختلفة.
2- مع الاطمئنان بعدمه وإلاّ كان تعريضاً للنفس للتهلكة.

«مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِهِ الدَّارِ فِي الدُّنْيَا، أَمَا وَأَنْتَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ، وَبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ، تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ، وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ، وَتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا، فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ.

فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ.

قَالَ: وَمَا لَهُ؟

قَالَ: لَبِسَ الْعَبَاءَةَ وَتَخَلَّى عَنِ الدُّنْيَا.

قَالَ: عَلَيَّ بِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ، أَمَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ، أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا، أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَجُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ.

قَالَ: وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِ (الْعَدْلِ خ ل)يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُه»(1).

حرمة صوم الوصال

مسألة: لا يجوز صوم الوصال(2)، ومن الواضح أن صومهم ثلاثة أيام

ص: 413


1- نهج البلاغة: الخطبة 209.
2- قال المحقق النراقي (رحمه الله) في مستند الشيعة: ج10 ص511 - 512: (السادس: صوم الوصال، وهو حرام بلا خلاف، للمستفيضة من الأخبار، كروايتي الزهري والرضوي، ووصية النبي (صلى الله عليه وآله)، وصحيحة منصور. وإنما الخلاف في تفسيره، فعن الشيخين والصدوق والشرائع والنافع والإرشاد والمختلف، بل الأكثر كما صرح به جماعة: أن يؤخر عشاءه إلى سحوره، وتدل على ذلك المعنى صحيحتا الحلبي والبختري: الأولى: (الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره). والثانية: (المواصل يصوم يوماً وليلة، ويفطر السحر). وعن الاقتصاد والسرائر والمعتبر وظاهر نكاح المبسوط: أنه صوم يومين بليلة. وتدل عليه رواية محمد بن سليمان: (وإنما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا وصال في صيام، يعني: لايصوم الرجل يومين متوالين من غير إفطار). وفي المسالك والروضة والحدائق: حصوله بكل منهما، للجمع بين الروايات، وهو حسن. انتهى.

لم يكن منه، لأنهم أفطروا على الماء القراح.

نزول سورة الإنسان

مسألة: يستحب بيان أن سورة الإنسان نزلت في فضل الصديقة فاطمة (عليها السلام) وفضل بعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين)، كما يستحب إحصاء وتعداد وتفصيل الآيات التي نزلت في شأنهم (عليهم السلام) وما أكثرها(1).

فإن بيان هذه الفضائل يوجب التفاف الناس حولهم أكثر فأكثر، مما يوجب لهم خير الدنيا والآخرة، إضافة إلى كون ذكرها في حد ذاته عبادة، كما ألمعنا إليه في جملة من المباحث السابقة.

لون واحد من الطعام

مسألة: هل يستحب الاقتصار على لون واحد من الطعام، كما هو ظاهر اكتفائهم لقرص واحد؟

قد يقال: إن الظاهر أن اكتفاءهم به كان من جهة عدم امتلاكهم غيره،

ص: 414


1- راجع كتاب (أهل البيت في القرآن) و(علي في القرآن) و(فاطمة في القرآن) لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله).

فالمرجع عمومات الزهد، و«قُلْ مَنْ حَرَّمَ»(1)،بعد ملاحظة النسبة بينهما.

التصدق والإيثار بنفقة الطفل

مسألة: يجوز التصدق والإيثار حتى بأكل الطفل ونفقته مع رضايته إذا كان مميزاً لذلك.

هذا إذا لم يكن هناك محذور، وإلا فالاستحباب لا يكون معارِضاً لما هو واجب عليه، كما ذكر في بحث تعارض الاقتضائي واللااقتضائي، فإن الاقتضائيات لا تضع مجالاً للااقتضائيات.

وقد ذكرنا في الفقه بأن المصلحة للطفل أعم من المصلحة المادية، فتعليم الطفل على المعنويات والفضائل والصفات الحسنة من ضمن مسؤوليات الولي.

السكوت أو حسن الإجابة

مسألة: يستحب السكوت أو الإجابة بالحسنى لدى تهجم أحدهم على الإنسان بما ليس هو مسؤولاً عنه.

وهذا ما يستفاد من سكوتهم (عليهم السلام) على تهجّم الأسير عليهم إذ قال: (تأسرونا ولا تطعمونا)، مع أن الأسر كان بسوء فعله، إذ لولا مشاركته في المعركة ضد المسلمين لما أسر.ثم الظاهر أنه لم يكن أسوأ حالاً من بعض من لم يكن أسيراً، لعموم

ص: 415


1- سورة الأعراف: 32.

الفقر في المسلمين آنذاك، وعلى أقل الفروض لم يكن أسوأ حالاً من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) إذ آثروه على أنفسهم، فلم يبق لديهم طعام للإفطار أبداً.

الاستغاثة بالله

مسألة: يستحب الغوث بالله تعالى، حيث قال (صلى الله عليه وآله): «واغوثاه بالله»(1).

وفي الأدعية: «يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ، يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، يَا كَاشِفَ كُرَبِ الْمَكْرُوبِينَ، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَيَا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِين»(2).

فإن الله سبحانه يجير ويغيث ويتفضل على من يلتجأ إليه بقضاء حوائجه وتسهيل مهماته.

ص: 416


1- روضة الواعظين: ج 1 ص163.
2- بحار الأنوار: ج98 ص296 ب24.

الفهرس

المقدمة 5

كيفية رواية المعصومين عن آبائهم 5

يا أماه لا تحزني. 11

تسلية المحزون. 11

تسلية الكافر 13

التسلية على الباطل. 14

التسلية الفعلية 14

التسلية والأدوات الحديثة 15

التفجع وإظهار الحزن على المعاصي. 16

حرمة تكذيب النبي. 18

الإيمان بخير رسول. 19

التذكير بالله. 20

الاعتماد على الله. 20

يا أماه 21

ناصر النبي 22

ذكر الأسباب.. 22

قومي يا أماه 24

تنبيه الشاك. 24

ص: 417

اعتماد الشاك. 26

تنبيه المشتبه 27

الطفل والأحكام التكليفة 27

العصمة الصغرى. 27

الشهادات الثلاث.. 28

الاعتقاد بالربوبية 28

تلقين الطفل. 29

الاعتقاد بالرسالة 30

الاعتقاد بالولاية 30

العطف في الشهادة 31

من صيغ الشهادة 31

فضائل الوصي. 31

فضائل الأئمة 33

مراتب المعصومين. 35

الشهادة الثالثة 36

الشهادة بأصول الدين. 39

الله هو السلام 40

الثناء على الله توقف.. 40

السلم في الحياة 45

مصدر السلام 46

التأكيد المناسب.. 47

عمر النبي (صلی الله علیه و آله) 48

القول التقريبي. 48

حياة العظماء 49

تواريخ الأولياء 50

ص: 418

الإخبار بما يحزن. 50

النبي عيسى. 51

أخبار الماضين. 51

ابن مريم. 53

لبث الأنبياء في أقوامهم 54

دفاعاً عن أبيها 55

دفعاً لكيد الأعداء 55

فضح المؤامرات.. 56

الاجتماع المحرم 56

تحرير الأماكن المقدسة 57

حفظ المعصوم 58

المسارعة في الانقاذ 59

اغتياب المشرك. 60

حرمة تضييع الحق. 61

سرّ الرسول (صلی الله علیه و آله) 62

حرمة إفشاء السر 62

سرّ النبي (صلی الله علیه و آله) 63

أسرار الجماعة 64

بين السرّ والعلانية 65

قبح إفشاء السر 66

أسرار النبوة 67

بيان السرّ المستحب.. 69

أمانة صاحب السر 70

التحدث عن النفس وفضائلها 71

ص: 419

من مصاديق كشف السر 73

العرف وكشف السر 74

من آداب النوم 75

افتراش الفرش. 76

التعبيرات المجازية 76

التكلم مع المصلي. 77

استحباب السؤال. 78

الأصل الحكم التكليفي. 80

استحباب التبسّم 81

النهي عن الضحك.. 82

من أحكام التبسم 83

من الجمع المستحب.. 84

قراءة سورة الإخلاص.. 84

الصلاة على الأنبياء 88

الاستغفار للمؤمنين. 89

معرفة آداب النوم 90

السؤال للتعليم 91

سؤال العارف.. 92

استحباب البيان ورجحان الإجابة 93

ختم القرآن. 95

القرآن في عهد رسول الله. 96

تحصيلاً للشفاعة 97

إرضاء الناس. 98

تبسّم الأب.. 99

الحج والعمرة 100

ص: 420

الاستغفار للأموات.. 101

من لطف الباري عزوجل. 102

طعام الملائكة 104

مراقد المعصومين. 105

الدعاء المأثور 105

الدعاء في غير زمانه 107

التلطف في السؤال. 108

عالم الغيب.. 109

تخيير السائل. 109

أهمية المعنويات.. 112

ترجيح المعنويات.. 112

بيان المعنويات.. 113

اليمين وأحكامه 114

الحلف بسائر الأسماء والصفات.. 115

بيان طعام الملائكة 116

التهليل والتسبيح. 118

سيرة آل محمد 119

بيان المصادر 120

أول الأولين. 122

آخر الآخرين. 122

ذو القوة المتين. 123

راحم المساكين. 123

أرحم الراحمين. 124

الإنسان القوي. 126

ص: 421

العطف على الآخرين. 127

الرحمة دائماً 128

حسبي الله وكفى. 130

نقل النصوص.. 130

أدعية النوم 131

من أنواع البلاغة 134

أحوال الشياطين. 135

المراد بالشيطان. 137

الحذر من الهوام 138

فوائد الأدعية 139

روايات من بلغ 140

حمد الباري. 142

الله الكافي. 144

تسبيح الباري. 145

هو الأعلى. 146

حسبي الله. 147

ما شاء الله. 147

سميع الدعاء 148

لا ملجأ إلا إليه 149

التوكّل على الله. 150

كل الأمور بيده 151

صراط الله. 152

لا ولد له 154

لا شريك له 156

لا ولي له من الذل. 157

ص: 422

استحباب التكبير. 158

بين المقتضي والعلة التامة 159

يا أعز مذكور 160

أدعية الاستجابة والحفظ. 161

الدعاء للماديات.. 163

حفظ النفس.. 165

يا أبه 166

بين الدعاء والدنيا 167

الأدعية الطويلة 169

الدعاء المشتمل على أسماء الله. 170

الدعاء والآيات القرآنية 172

مسائل عديدة أخرى. 173

فائدة: 173

تسبيح الزهراء (علیها السلام) 182

طلب الحاجة من أهلها 182

التسبيحات وقت النوم 183

تحصيل الخادم 184

بين الدعاء والخادم 185

رضا الطرف.. 187

السؤال من العظيم 188

إرشاد السائل. 189

رضا السائل. 190

رضا فاطمة (علیها السلام) 191

الرضا والشمولية الزمانية 193

ص: 423

المؤسسات والشخصيات الحقوقية 193

بيان أهمية رضاها 194

تأكيد الكلام بأدواته 195

التسبيح باللسان. 195

علم فاطمة (علیها السلام) 197

معنى العلم بما لم يكن. 198

النظر بنور الله. 200

الطعام الطيّب الحلال. 202

الأصل الأسوة 204

الصحابة النجباء 205

خطاب العالم ليَعْلَم الآخرون. 208

نور الزهراء 209

علم التاريخ وعلم المستقبل. 212

تقديم الأشرف.. 212

الاستماع للرسول. 213

الإخبار الإجمالي. 213

سؤال العالم. 214

سجدة الشكر 214

مراجعة العظيم 216

الخطاب بالكنية 216

بيان كيفية الخلق. 217

نور فاطمة (عليها السلام) والجنان. 218

نظام الأسباب والمسببات في الجنة 219

النظر بنور الله. 219

عدة مسائل. 220

ص: 424

فائدة: 221

مدح النفس.. 222

فضائل النبي. 223

مصحف فاطمة (علیها السلام) 226

ليس مصحف فاطمة قرآناً آخر 226

إيضاح: 227

استحباب الكتابة 228

استحباب الإملاء 230

اسم الكتاب.. 230

الوحي وحديث الملائكة 234

فضائل الصديقة وأنها محدثة 235

عدة مسائل. 236

حين خطبها أمير المؤمنين (علیهما السلام) 238

رضا البنت بالزوج. 238

ذكر الله والنبي والآل. 239

الاعتقاد والرضا بالتوحيد 240

الاعتقاد والرضا بالرسالة 241

الاعتقاد والرضا بالولاية 242

التلفظ بالمعتقدات الحقة 243

الشهادة الثالثة 243

ليلة العرس ومتاع الجنة 245

متاع الزواج. 245

مصدر الأمتعة 246

متاع من الجنة 247

ص: 425

نزول المائدة من السماء 249

الدعاء لطلب الرزق. 250

اتخاذ المخدع. 251

النظام والإتقان. 252

المسارعة والمبادرة 253

منزلة أهل البيت.. 253

محورية الرسول. 254

من مستثنيات الغيبة 255

الولد والذرية 255

استفهام العارف.. 256

السؤال من الزوجة 256

الصلاة قبل الداء 257

من آداب الدعاء 258

الشفعاء عند الله. 259

مثيلات النعم 261

استجابة الدعوة 262

شكر الوالد 262

الكافور المنزل من السماء 263

تهيئة الكافور 263

نقل الحديث.. 264

رواية النساء 264

التقسيم بالسوية 265

توثيق حياة المعصوم 265

عروجها إلى السماء 266

إظهار الشوق إلى العظيم 266

ص: 426

العروج إلى السماء 267

التفريج عن المهموم 271

نداء الرسول. 272

خيرات الآخرة 273

الترحيب بالضيف.. 274

أوصاف الجنة 275

أوصاف الحور العين. 276

استقبال العظيم 278

النظم في الأمور 279

نقل الرواية 280

القيادة السياسية 280

العلة الغائية 282

عدة مسائل. 283

الحور تشتاق إلى فاطمة (علیها السلام) 285

المجاملات الكلامية 287

أقسام الحب.. 288

إظهار الحب.. 289

جفاء الأطهار 290

جواز العتاب.. 291

حب المعصوم 292

درجات المحبة 292

خطاب المعصوم 294

اشتياق الحور إليها 296

ترابط العالمين. 296

ص: 427

بين الشوق والحب.. 297

الرسول وتعريف نفسه 297

طيب من السماء 300

زوجات المؤمن في الجنة 300

قُدُرات المؤمن في الجنة 301

التهادي بالطيب.. 304

الرائحة الطيبة 304

نعم الجنة لعباد الله. 305

حكم اليمين. 306

السؤال عن المُهدي. 307

الجنة لشيعتها 308

زوجته في الدنيا والآخرة 309

خدمة أهل البيت.. 309

خدمة ذرية فاطمة 310

الملائكة خدام الصديقة 312

عدة مسائل. 313

أنتِ مني وأنا منكِ.. 314

تقبيل البنت.. 314

محبة البنت والعطف عليها 315

نداء الأب بما يحب.. 316

ريق النبي وعرقه 316

امتثال الآيات الشريفة 317

التهيب من العظماء 318

حرمة الرسول. 319

موارد الآيات وشأن نزولها 321

ص: 428

إنهم مني وأنا منهم 321

الخطاب الأحب للقلب.. 324

الخطاب الأرضَى للرب.. 324

سيدة النساء 325

مراتب السيادة 329

بين الصديقتين. 332

السيادة والمسؤولية 334

بيان أنها السيدة 335

دفع دخل ورفع إشكال. 335

رضا الصديقة 336

إنها سيدة النساء لا مريم. 338

تسلية المحزون. 338

التبسّم 339

البكاء في فقد الأب.. 341

البكاء في فقد العظماء الربانيين. 341

البكاء في فقد النبي الأعظم 343

الإخبار عن المستقبل. 344

الإخبار بالموت.. 344

الخبر المحزن والمفرح. 345

سبب الموت.. 346

الأسرع لحوقاً 347

قابلية الأمة للنعم 347

التأثر بخبر الموت.. 347

التاريخ. 348

ص: 429

الزهد والصدقات.. 349

المسارعة للاستجابة 350

استحباب التزين. 350

إبلاغ السلام 351

إنفاق الزائد 352

بعث الصدقات للأئمة والعلماء 353

الإيثار 354

سلام البنت لأبيها 354

إبلاغ السلام للمعصوم 355

استحباب الصدقة للمرأة 355

الزهد في الدنيا 356

إيثار الصديقة 357

الحياء من الله. 357

صبر الزوجة 358

تكليف الزوج بما يصعب عليه 359

استحباب الإيثار 359

كنية الزوج. 362

تحمل المشاق والأذى. 363

الشكاية إلى الأب.. 363

أنواع الإضرار بالنفس.. 365

تفصيل الشكاية 366

العمل البيتي. 367

لباس الزاهدين. 369

بيت النبوة 369

النظر إلى ثوب الأجنبية 370

ص: 430

الاكتفاء بالقدر اللازم 371

زهد الأسوة 372

الاستفادة الأكثر 374

زهد المعصومين. 375

القناعة في أمتعة الزواج. 376

مقاسمة الخدمة مع مولاتها 377

تقسيم الخدمة 377

الأمر المولوي أو الإرشادي. 380

العمل الدؤوب.. 381

أكل الشعير. 382

حقوق الخدم 384

امتثال أوامر المعصوم 385

تحمل الضرر اليسير. 386

تقسيم الأعمال. 387

المسكين واليتيم والأسير. 388

كراهة اتخاذ الحاجب.. 394

عدم اتخاذ الحراس. 395

إيثار السائل ولو كان كافراً 396

القيام بأعمال البيت.. 400

عدم سجن الأسير. 401

صلاة الجماعة 403

إنشاد الشعر وانشاؤه 405

اللحوق بجماعة الخير. 407

إطعام الفقير. 408

ص: 431

صلاحية الشفاعة 409

إطعام اليتيم 410

الإنفاق مما تحبون. 410

الإحصاء والعد 410

سؤال الوالد عن أولاده 411

الصلاة في المحراب.. 411

المساواة والعدالة 412

تحمل الضرر والجوع. 412

حرمة صوم الوصال. 413

نزول سورة الإنسان. 414

لون واحد من الطعام 414

التصدق والإيثار بنفقة الطفل. 415

السكوت أو حسن الإجابة 415

الاستغاثة بالله. 416

الفهرس. 417

ص: 432

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.