أضواءٌ علی نهج البلاغه المجلد 4

هوية الکتاب

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2015م

العراق : كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل : 16633 078150

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

أَضوَاءٌ عَلَی نَهجِ البَلاغَةِ

اَلجُزءُ الرَّابِع

ص: 1

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثاق

وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2015-913

ص: 2

أَضوَاءٌ عَلَی نَهجِ البَلاغَةِ

بشرح ابن أبي الحدید في استشهاداته الشعریة

الجُزءُ الرَّابِعُ

تألیف: الدکتور علی الفتال

إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1639 ه - 2015م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل: 07815016633

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرر: محمد محبوبی

ص: 4

مطالب لغوية و بلاغية و تشمل:

توضیح مفردة

الإسناد اللغوي

النحو

لزوم ما لا يلزم

الاقتباس

التشبيه

الاستعارة

الطباق والمقابلة

التخلص والاستطراد

الجناس

الكناية

ص: 5

ص: 6

توضیح مفردة

ص: 7

ص: 8

لقوله عليه السلام:

«الْحمد للَّه الذی لا یبلغ مدحته القائلون» (55/1).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الخنساء بنت عمرو بن الشريد (600059/1):

فما بلغت کف امريءٍ متناول *** بها المجد إلا و الذي نلت أطول

و لا خبَّر المثنون في القول مدحة *** و إن طنبوا إلا و ما فيك أفضل

و بقول أحد الفضلاء في خطبة و أرجوزة علمية بخصوص ما ورد في قوله

عليه السلام من (الحمد) (60/1):

الحمد لله بقدر الله *** لا قدر وسع العبد ذي التناهي

و الحمد لله الذي ينكره *** فإنما ينكر من يصوره

و لقوله عليه السلام:

«الذی لیس لصفته حد محدود، و لا نعت موجود، و لا وقت معدود، و لا أَجل ممدود» (57/1).

ص: 9

استشهد ابن أبي الحديد بقول محمد بن هانيء في قدومه المعز أبي تميم معد بن المنصور العلوي فيما يخص (فن الإحاطة) (61/1):

أتبعته فِكَري حتى إذا بلغت *** غاياتها بين تصويب و تصعيد

رأيت موضع برهان يلوح و ما *** رأيت موضع تكييف وتحديدِ

و لقوله عليه السلام:

«فصاحبها كراكب الصعبه إِن أَشنق لها خرم و إِن أَسلس لها تقحم» (162/1)

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر، على أن أشنق بمعنى شقق :

ليس شتى على المنون بباقٍ *** غير وجه المسبح الخلاق

ساءها ما لها تبيّن في الأيد *** ي و إشناقها إلى الأعناق

و قد كان زارته بنية صغيرة إسمها (هند)، و هو في الحبس - حبس النعمان - و يداه مغلولتان إلى عنقه، فأنكرت ذلك وقالت:

- ما هذا الذي في يدك و عنقك يا أبت؟

و بكت و قالت هذا الشعر (172/1):

و لقد غمّني زيارة ذي قر *** بي صغير لقربنا مشتاق

ساءها ما لها تبيّن في الأيد *** ي و إشناقها إلى الأعناق

فاذهبي يا أميم غير بعيد *** لا يؤاتي العناق من في الوثاق

و اذهبي يا أميم إن يشأ الله *** بنفس من أزم هذا الخناق

ص: 10

و لقوله عليه السلام:

«فمُنيِ - لعمر اللّه - بِخبط و شماسٍ».

منیت بزمَّرۡدة كالعصا *** الص و أخبث من کندش

على أن «مُني» بمعنى «بُلي».

و لأن في أخلاق عمر و ألفاضه جفاء و عنجهية ظاهرة كالكلمة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه و آله، و كان الأحسن أن يقول «مغمور» أو

«مغلوب بالمرض».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أعرابي في رجزه و كانت سنة قحط (183/1):

رب العباد ما لنا و ما لكا *** قد كنت تسقينا فما بدا لكا

أنزل علينا القطر لا أبا لكا

و عندما سمعه سليمان بن عبد الملك قال:

- أشهد أن لا أبا له و لا صاحبة و لا ولد.

و لقوله عليه السلام:

«من وثق بِماءٍ لم یظمأْ».

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (211/1- 212):

و ما صبابة مشتاقٍ على أملٍ *** من اللقاء كمشتاق بلا أمل

باعتبار أن الظمأ الذي يكون عند عدم الثقة بالماء، وليس يريد النفي المطلق؛ لأن الواثق بالماء قد يظمأ، ولكن لا يكون عطشه على حد عطش الكائن

ص: 11

عند عدم الماء، وعدم الوثوق بوجوده.

و لقوله عليه السلام:

«فتواکلتم و تخاذلتم و ثقل علیکم قولی، و اتخذتموه وراءکم ظهرِیا».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الفرزدق (79/2):

تميم بن مرٍ لا تكونن حاجتي *** بظهرٍ و لا يعيا عليك جوابها

أي رميتم به وراء ظهوركم، أي لم تلتفتوا إليه، يقال في المثل:

لا يجعل حاجتي منك بظهر، أي لا تطرحها غير ناظر إليها. و لقوله عليه السلام:|

«... و بقی رجال غضَّ أَبصارهم ذکر المرجعِ و أَراق دموعهم خوف المحشرِ... أَفواههم ضامرهٌ و قلوبهم قرِحهٌ...» (175/2).

استشهد ابن أبي الحديد بقول بشر بن أبي خازم:

لقد ضمزت بحرتها سليم *** فخافتنا كما ضمز الحمار

و لقوله عليه السلام:

«كما حُمِّل فاضطلع».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (141/6-142):

فقلت له أبا الملحاء خذها *** كما أوسعتنا بغياً وعدوا

باعتبار أن الكاف في «كما حُمِّل» هنا تعليلية بمعنى لأجل أن يحمل.

و لقوله عليه السلام:

ص: 12

«فهو أمينك المأمون» (141/6-142).

استشهد ابن أبي الحديد بقول کعب بن زهير:

سقاك أبو بكر بكأس روية *** و أنهلك المأمون منك و علکا

باعتبار أن العبارة من القاب الرسول صلى الله عليه وآله،، أي يمينك على وجهك.

و لقوله عليه السلام:

«.. و عظم الشفق».

استشهد ابن أبي الحديد بقول إسحاق بن خلف (251/6):

تهوى حياتي و أهوى موتها شفقاً *** و الموت أكرم نزّال على الحرم

باعتبار أن الشفق و الشفقة بمعنى و هو الاسم من الإشفاق و هو الخوف و الحذر.

و لقوله عليه السلام :

«وروية الارتياد، و أناة المقتبس المرتاد».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الحطيأة (252/6-253):

و أكريت العشاء إلى سهيل *** أو الشِعرى فطال بي الإناء

باعتبار أن الأناة تعني التؤدة و الانتظار، مثل القناة. و جاء الأناء بالمد و الفتح على فعال.

و لقوله عليه السلام:

ص: 13

«و ربما نظر قدماً أمامه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (264/6 و 267):

غضي إذا زجرت عن سوأة قدماً *** كأنها هَدَمٌ في الجفر منقاض

باعتبار أن العبارة تعني: نظر ما بين يديه مقدماً لم ينثن و لم يعرج.

و لقوله عليه السلام:

«يتشعبهم ريب المنون».

استشهد ابن أبي الحديد بقول لبيد (205/7):

لمعفّرٍ فهد تنازع شِلوَه *** غبسٌ کواسب لا يمن طعامها

و لقوله عليه السلام:

«بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له». (أي لا حسن له).

استشهد ابن أبي الحديد بقول بلعاء بن قیس (73/13):

و الرأس مرتفع فيه مشاعره *** يهدي السبيل له سمع و عينان

و لقوله عليه السلام:

«نجا جریضا». (أي قد غص بالريق من شدة الجهد و الكرب).

استشهد ابن أبي الحديد بقول امريء القيس (150/16):

كأن الفتى لم يغن في الناس ليله *** إذا اختلف اللحيان عند الجريض و قوله:

و أفلتهن علباء جریضأ *** و لو أدركنه صفر الوطاب

ص: 14

و لقوله عليه السلام:

«و لا أؤخر لكم حقاً عن محله و لا أقف به دون مقطع».

استشهد بقول زهير (16/17-17):

فإن الحق مقطعه ثلاث *** يمين أو نفار أو جلاء

إذ إن الحق، هنا، غير العطاء. بل الحكم. و مقصوده عليه السلام؛ متى تعين الحكم حكمت به و قطعت و لا أقف ولا أتحبس.

و لقوله عليه السلام:

«و احذر صحابة من يفيل رأيه».

استشهد بقول طرفة (48/18):

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فإن القرين بالمقارن يقتدي

باعتبار الصحابة بفتح الصاد: مصدر صحبت، و الصحابة بالفتح أيضا جمع صاحب. و المراد هاهنا الأول.

و لقوله عليه السلام:

«و لك منهم شافياً فرارهم من الهدي و الحق، و إيضاعهم إلى العمي و الجهل».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (52/18-53):

باعتبار أن الإيضاع يعني الإسراع. وضع البعير أي أسرع و أوضعه صاحبه.

و لقوله عليه السلام:

ص: 15

«و إياك و الغضب فإنه طيرة من الشيطان».

استشهد بقول الكميت (70/18):

و حلمك عزَّ إذا ما حَلُمتۡ *** و طيرتك الصاب و الحنظل

باعتبار أن الطيره، هنا، تعني، بفتح الطاء و سكون الياء، خفة وطيش.

و لقوله عليه السلام: ذاك استشهد بقول الشاعر (26/2):

من يأمن الحدثان بعد *** صبيرة القرشي ماتا

سبقت منيته المشي *** ب و كان ميتته افتلاتا

يعني بغتة، وزلة، في قول ثان.

استشهد بهما بحديث عمر المعروف بحديث «الفلتة» إذ قال عمر:

- إن بيعة أبي بکر کانت فلتة و في الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

و لقوله عليه السلام:

«عالم السر من ضمائر المضمرين ونجوى المتخافتين».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (22/7 و 25): أخاطب جهراَ إذ لهن تخافت *** و شتان بين الجهر و المنطق الخفتِ

لورود كلمة المتخافتين في قوله عليه السلام الأنف ذكره و لقوله عليه السلام:

«الباسط بالجود يده».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (84/7):

ص: 16

فإن ترجع الأيام بيني و بينها *** فإن لها عندي يدأ لا أضيعها

واليد هنا تعني النعمة.

و لقوله عليه السلام:

«إن عوازم الأمور أفضلها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (93/9-94):

لقد غدوتُ خلق الثياب *** أحمل عدلين من التراب

لعوزم وصبية سغاب *** فأكلٌ و لاحسٌ وآبي

و لقوله عليه السلام:

«و إنما هم مطايا الخطيئات، و زوامل الآثام».

استشهد ابن أبي الحديد بقول مروان بن سليمان بن حفصة (218/9 -219):

زوامل أشعار و لا علم عندهم *** بجيِّدها إلا كعلم الأباعر

العمرك ما يدري البعير إذا غدا *** بأوساقه أو راح ما في الغرائر

باعتبار أن زوامل الآثام: جمع زاملة و هي بعير يستظر به الإنسان يحمل متاعه.

و لقوله عليه السلام:

«فاتقوا سكرات النعمه» (137/9).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

ص: 17

خمس سكرات الموت إذا مني *** المرء بها صارت عرضة للزمان

سكرة المال و الحداثة و العشق *** و سكر الشراب و السلطان

و سكرات النعمة: ما تحدثه النعمة عند أربابها من الغفلة والمشابهة للسكر.

و لورود كلمة «البكاليِّ» في رواية نوفي البكالي.

استشهد ابن أبي الحديد بقول الكميت (76/9 -80):

يقولون يورثه و لولا تراثه *** فقد شركت فيه بكيل و أرحب

و لورود كلمة «ثفنة بعير» في الرواية نفسها.

استشهد ابن أبي الحديد بقول دعبل (76/9 - 80):

دیار علي و الحسين و جعفر *** و حمزة و السجاد ذي الثفنات

ص: 18

الإسناد اللغوي

ص: 19

ص: 20

لقوله عليه السلام، عن الخالق جل و علا:

«و غمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته».

استشهد ابن أبي الحديد بقول خبيب الصحابي عند صلبه (407/6- 408):

و ذلك في ذات الإله و إن يشأ *** يبارك على أوصال شلو موزع

لإسناد إيراده عليه السلام كلمة «ذاته».

و قول النابغة للغرض نفسه 408/1:

محلتهم ذات الإله و دينهم *** قديم فما يخشون غير العواقب

و لقوله عليه السلام:

«و ظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، و أعلام حکمت».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي العتاهية (412/6):

فوا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يحمده الجاحد؟

و في كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

ص: 21

و لقوله عليه السلام، وقد وردت فيه كلمة «تستك»:

«ووراء ذلك الرجع الذي تستك منه الأسماع سبحات نور تردع منه الأبصار، عن بلوغها فتقف خاسئة على حدودها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول النابغة (427/6):

و نبأت خير الناس أنك لمتني *** و تلك التي تستك منها المسامع

و لقوله عليه السلام:

«و سكن هيج ارتمائه، إذ وطئته بکلکلها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر لورود كلمة «کلکل»:

كأن مهواها على الكلكل *** موضع كفيۡ راهب مصلي

و لورود كلمة «الحكمة» في قوله عليه السلام:

«و في حَكمَة الذل منقادة أبداً».

استشهد ابن أبي الحديد بقول زهير بن أبي سلمي (440/6):

القائد الخيل منکوباً دوابرها *** قد أحكمت كلمات القِدّ و الابكا

و لورود كلمة «بأوه» في قوله عليه السلام:

«و سكنت الأرض مدحوة في لجة تياره، وردت من نحوه بأوه و اعتلاله».

استشهد ابن أبي الحديد بقول حاتم (440/6):

فما زارنا بأواً على ذي قرابةٍ *** غنانا ولا أزرى بإحساننا الفقر

و لورود كلمة «فزع» في قوله عليه السلام:

ص: 22

«ألف غمامها بعد افتراق لمعه و تباين فزعه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول ذي الرمة يصف فلاة (447/6):

ترى عصب القطا هلأ عليه *** كأن رعاله فزع الجهام

و لورود كلمة «بواني» في قوله عليه السلام:

«فلما ألقت السحاب برك بوانيها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (444/6):

أصبر من ذي ضاغط عركرك *** ألقى بواني زوره للمبرك

و لورود كلمة «باع» في قوله عليه السلام:

«باع ما استقلت به من العبء المحمول عليه». استشهد بقول امريء القيس (440/6):

و ألقى بصحراء الغبيط باعه *** نزول اليماني بالعياب المثقل

و لورود كلمة «زعر» في قوله عليه السلام:

«أخرج به من هواق الأرض النبات و من زعر الجبال الأعشاب»

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (444/6):

من يك ذا رمة يرجعها *** فإنني غير ضائري زعري

و لورود كلمة قرن في قوله عليه السلام، عن الخالق جل شأنه:

«بل تعاهدهم بالحجج على أسن الحيرة من أنبيائه، و متحملي و دائع رسالاته، قرناً فقرنا».

ص: 23

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (6/7):

إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم *** و خُلِّفت في قرنٍ فأنت غريب

و لورود كلمة «اقران» في قوله عليه السلام عن الخالق جل شأنه:

«ووصل بالموت أسبابها، و جعله خالجاً لأشطانها، و قاطعاً لمرائر أقرانها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (21/7-22):

أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه *** أني لدى الباب كالمشدود في قرن

و لورود كلمة «أيم الله» في قوله عليه السلام:

«و أيم الله لتجدُنَّ بني أمية لكم أرباب سوء بعد كالناب الضروس، تعزم بغيها وتخبط بيده» (45/7):

استشهد بقول الشاعر (54/7):

فقال فريق القوم لما نشدتهم *** نعمۡ و فريق أيمنُ الله ما ندري

باعتبار أن «أيمن» اسم وضع للقسم هكذا بألف وصل، و يضم الميم و النون، قالوا: و لم تأت في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها. و تدخل عليها اللام التأكيد الابتداء. كما في قول الشاعر المار ذكره. و تحذف نونه فيصير «أيم الله» كما في قول الإمام عليه السلام.

و ذهب أبو عبيدة و ابن کیسان و ابن درستويه إلى أن «أيمن» جمع يمين و الألف همزة قطع. و إنما خففت و طرحت في الوصل لكثرة الاستعمال، قالوا: و كانت العرب تحلف باليمين فتقول: يمين الله لا أفعل.

ص: 24

قال امرؤ القيس (55/7):

فقلت يمين الله أبرح قاعداً *** و لو قطعوا رأسي لديك و أوصالي

و اليمين تجمع على أيمن، قال زهير:

فتجمع أيمن منا و منكم *** بمقسمة تمور بها الدماء

و لورود كلمة الثاوي في قوله عليه السلام:

«انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، الصادفين عنها، فإنها و الله عما قليل تزيل الثاوي الساكن. و تفجع المترف الآمن» (105/7).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأعشی (105/7):

أثوى و قصّر ليله ليزوِّدا *** فمضت و أخلف من قتيلة موعدا

و من معاني الثاوي: المقيم، و جاء «أثويت بالمكان» لغة في ثویت.

و لورود كلمة «السلب» في قوله عليه السلام، عن الفتن في المستقبل:

«أهلها قوم شديد كلبُهُم قليل سلبهم.

استشهد بقول أبي تمام (103/7-104):

إن الأسود أسود الغاب همّتها *** يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

و لورود كلمة «مشوب» في قوله عليه السلام:

«سرورها مشوب بالحزن».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

«و ماء قدور في القصاع مشيب».

ص: 25

باعتبار أن مشوب مخلوط و جاء مشيب في قول الشاعر المار ذكره.

و لورود كلمة «مأدبة» في قوله عليه السلام، و هو يتحدث عن خلقه تعالی:

«سبحانك خالقاً و معبوداً، بحسن بلائك عند خلقك خلقت داراً، و جعلت فيها مأدبة» (200/7).

استشهد ابن أبي الحديد بقول طرفة، و هو يذكرها بصيغة «الأدب» إذ المأدبة بالفتح و الضم: الطعام يدعى الإنسان إليه. و الآدب الداعي إلى طعامه. قال طرفة (207/7):

نحن في المشتاة ندعوا لجفلى *** لاترى الآدب فينا ينتقر

و لورود كلمة «منون» في قوله عليه السلام عن الملائكة:

«و لم يخلقوا من ماءٍ مهين، و لم يتشعبهم ريب المنون».

استشهد ابن أبي الحديد بقول لبيد (205/7):

لمُفَّرٍ فهد تنافر شِلۡوَه *** عُبۡسٌ کواسب لا يمن طعامها

و لورود كلمة «رهون» في قوله عليه السلام:

«و المرء قد عَلِقت رهونه بها» (201/7).

استشهد ابن أبي الحديد بقول زهير (209/7): و فارقتك برهنٍ لا فكاك له *** يوم الوداع فأمسي الرهن قد غلقا

باعتبار أن الإنسان، و هو مشرف على مفارقة الدنيا، صارت أموالها مرتهنة لغيره.

ص: 26

و لورود كلمة «أرجفها» في قوله عليه السلام:

«حتى إذا بلغ الكتاب أجله.. و جاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه، أماد السماء و فطرها، و أرجّ الأرض و أرجفها» (201/7).

استشهد ابن أبي الحديد بقول مطرود بن کعب الخزاعي (210/7):

المطعمون اللحم كل عشية *** حتى تغيب الشمس في الرجاف والرجفة: الارتعاد.

و لورود كلمة «قطران» في قوله عليه السلام، و هو يتحدث عن أصحاب المعصية: «و ألبسهم سرابيل القطران» (202/7).

استشهد بقول امريء القيس (211/7):

أيقتلني و قد شغفت فؤادها *** كما قطر المهنوئة الرجل القالي

و لورود كلمة «حري» في قوله عليه السلام و هو يذكر الدنيا:

«و حريٌ إذا أصبحت له منتصرة، أن تمسي له متنكره» (7/م 226):

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (230/7):

و هن حري أن لا يثبنك نقرة *** و أنت حري بالنار حين تشيب

و لقوله عليه السلام:

«اجعلوا ما افترض الله عليكم من طلبتكم، و اسألوه من أداء حق كما سألكم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول عمرو بن كلثوم (246/7- 248):

ص: 27

ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

و هو سؤال لأجل المقابلة بين اللفظين.

و لورود كلمة «حدابير» في قوله عليه السلام في الاستسقاء:

«اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السني» (262/7).

استشهد ابن أبي الحديد بقول ذي الرمة (263/7):

حدابير لا تنفك إلا مناخة *** على الخسف أو نرمي بها بلداً قفراً

إذ أن حدابير جمع حدبار و هي الناقة التي أنضاها السير، فتشبهت بها السنة

التي فشا فيها الجرب.

و لإسناد دعاء عرب الجزيرة في الاستسقاء، استشهد ابن أبي الحديد بقول

أُميَّة بن أبي الصلت (265/7):

أجاعلٌ أنت بيقوراً مسلّمة *** ذريعة لك بين الله و المطر

إذ إنهم إذا أصابهم المحل استسقوا بالبهائم، و دعوا الله بها و استرحموه لها، و منهم من كان يجعل في أذناب البقر السلع و العُشر يصعد بها الجبال و التلال العالية و كانوا يسقون بذلك.

و لورود كلمة «حفافيها» في قوله عليه السلام، و هو يحث أصحابه على القتال (3/8):

«... فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون برایاتهم و يكتنفونها حفافيها».

ص: 28

استشهد ابن أبي الحديد بقول طرفة (4/8):

كأن ضاحي مضرحيِّ تكنفا *** حفافيه شُكاّ في المسيب بمبرد

و لورود كلمة «الخلائب» في قوله عليه السلام، و هو يحث أصحابه على القتال في صفين:

«و حتى يُرموا بالمناسر تتبعها المناسر، و يُرجموا بالكتائب تقفوها الحلائب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول جعفر بن علبة الحارثي (8/8):

ألهفا بقريّ سحبل حين أسلبت *** علينا الولايا و العدو المباسل

و لورود كلمتي «حشاش النار» في قوله عليه السلام و هو يخاطب الخوارج:

«لبئس حشاش نار الحرب انتم» (104/8).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (107/8):

أ في أن أحشَّ الحرب فيمن يُحشُّها *** ألام، و في إلاّ أقر المخازيا !

و لورود كلمة «برح» في قوله عليه السلام:

«أفٍ لكم لقد لقيت منکم برحا».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (108/8):

أجدّك هذا عمرك الله كلما *** دعاك الهوى برحٌ لعينيك بارح

و لورود كلمة «سمير» في قوله عليه السلام:

«أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وُلّيت عليه؟ و الله لا أطور به ما سَمَرَ سمير» (109/8).

ص: 29

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشنفري:

هنالك لا أرجو حياة تسرني *** سمير الليالي مبسلاً بالجرائر

و لورود كلمة «وليصبر» في قوله عليه السلام:

«فمن أتاه الله مالاً ... فليصبر نفسه على الحقوق و النوائب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول عنترة يذكر حرباً (74/9 -75):

فصبرت عارفة لذلك حرة *** ترسو إذا نفس الجبان تطلّع

و لورود كلمة «فوز» في قوله عليه السلام:

«فإن فوزاً بهذه الخصال شرف مکارم الدنيا».

استشهد ابن أبي الحديد بقول سلم بن ربيعة (74/4-75):

إن شواء و نشوة *** و خبب البازل الأمون

من لذة العيش و الفتى *** للدهر، و الدهر ذو شؤون

إذ لم يقل (إن الشواء و النشوة) كأنه جعل من الشواء شخصاً من جملة أشخاص، كما أن الإمام عليه السلام أراد بالفوز المنكور التعميم و ليس التخصيص.

و لورود كلمة «بواء» في قوله عليه السلام:

«فيكون الثواب جزاءً، و العقاب بواءً».

استشهد ابن أبي الحديد بقول ليلى الأخيلية (84/9- 85):

فإن تكن القتلى بواءً فإنكم *** فتى ما قتلتم آل عون بن عامر

ص: 30

و لورود كلمة «ذمامة» في قوله عليه السلام و هو يجيب سائلاً:

«و لك بعد، ذمامة الصهر، و حق المسألة ..».

استشهد ابن أبي الحديد بقول ذي الرمة (241/9-242):

تكن عوجة يجزيكها الله عنده *** بها الأجر أو تقضي ذمامة صاحب

و لورود كلمة «سيِّقه» في قوله عليه السلام يخاطب عثمان بن عفان:

«فلا تكونن لمروان سيِّقة يسوقك حيث شاء».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (262/9-263):

فما أنا إلا مثل سيقة العدى *** إن استقدمت نجرٌ و إن حبّات مقر

و لورود كلمة «داري» في قوله عليه السلام يصف ذنب الطاووس:

«كأنه قلع داريّ، عَنَجهُ نوتيُّه».

استشهد بقول الشاعر (269/9):

إذا التاجر الداري جاء بفأرة *** من المسك راحت في مفارقهم تجري

إذ إن الداري جالب العطر في البحرين من دارين، و هي فرضة في البحرين،

فيها سوق يحمل إليها المسك من الهند.

و لورود كلمة «زيفان» في قوله عليه السلام يصف الطاووس:

«يختال بألوانه، و يميس بزيفانه».

استشهد بقول عنترة (269/9):

ينباع من ذفری غضوب جرّه *** زيّافة مثل الفنيق المكدم

ص: 31

إذ إن الزيفان يعني التبختر.

و لورود كلمة «مداري» في قوله عليه السلام:

«تخال قصبه مداري من فضة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول النابغة يصف الثور و الكلاب (271/3):

شك الفريصة بالمدري فأنفذها *** شکُّ المبيطر إذ يشفي من العضد

و كذلك المدراة، و يقال المدري لشيء كالمسلة تُصلح بها الماشطة شعور النساء، قال الشاعر (272/9):

تهلك المدراة في أكتافه *** و إذا ما أرسلته يعتفر

و لورود كلمة «صيصية» في قوله عليه السلام:

«و قد نجمت من طنوب ساقه صيصية خفية».

استشهد ابن أبي الحديد بقول دريد بن الصمة (274/9):

فجئت إليه و الرماح تنوشه *** كوقع الصياصي في النسيج الممدد

و لورود كلمة «عبدان» في قوله عليه السلام:

«قد ثارت معهم عبدانهم».

استشهد بقول الشاعر (292/9):

أنشب العبد إلى آبائه *** أسود الجلدة من قوم عُبُد

و العبدان بالكسر جمع عب۟د. و جاء أعبد و عباد و عبدّان، مشدودة الدال، و عبدا بالمد، و عبدی بالقصر، و معبوداء بالمد. و عُبُد بالضم.

ص: 32

و لورود كلمة «فياله» في قوله عليه السلام:

«فإنهم إن تحملوا على فياله هذا الرأي، انقطع نظام المسلمين» (295/9).

استشهد بقول الشاعر (297/9):

بني رب الجواد فلا تغيلوا *** فما أنتم لنعذركم لفيل

و كذلك قول الشاعر:

رأيتك يا أخيطل إذ جرينا *** و جربت الفراسة كنت فالا

و لورود كلمة «أحفها» في قوله عليه السلام:

«و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فاحفها بالسؤال و استخبرها الحال» (265/10).

عن إخواننا الأراقم يفلو *** ن علينا في قيلهم احفاء

و لورود كلمة «سبّابين» في قوله عليه السلام:

«إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين».

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد الرحمن بن حسان (21/11):

لا تسبّنني فلست بسبي *** إن سبّي من الرجال الكريم

و لورود كلمة «أتلعوا» في قوله عليه السلام:

«لقد أتلعوا أعناقهم إلى أمر لم يكونوا أهله فوقعوا دونه» (123/11).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأعشی (126/11):

يوم تبديلنا قتيلة عن جي *** دٍ تليع تزينه الأطواق

ص: 33

و لورود كلمة «عيُّوا» في قوله عليه السلام يذكر الموتی:

«فلو كانوا ينطقون بما لعيّوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا» (151/11).

عيّوا بأمرهم كما *** عيّت بيضتها الحمامه

جعلت لها عودين من *** نشم و آخر من تمامه

وروي «لَعيوا» بالتخفيف كما تقول «حيُوا». قالوا: ذهبت الياء الثانية الالتقاء الساكنين لأن الواو ساكنة، و ضمت الياء الأولى لأجل الواو، قال الشاعر:

و كنا حسبناهم فوارس کهمسٍ *** حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا

و لورود كلمة «اهدام» في قوله عليه السلام:

«و لبسنا أهدام البلي» (151/11).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أوس (160/11):

و ذات هدمٍ عار نواشرها *** تصمت بالماء قولباً جذعا

و لورود كلمة «استكت» في قوله عليه السلام و هو يذكر الموتى أيضاً:

«و قد ارتسخت أسماعهم بالهوام فاستكت» (151/11).

استشهد ابن أبي الحديد بقول النابغة (162/11):

و نبئت خير الناس أنك لمتني *** و تلك التي تستك منها المسامع

و استکت: أي ضاقت

و لقول عمر بن الخطاب:

ص: 34

«و كانت قابية قوب عامها و الحج بهاء من بهاء الله».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الكميت (122/12):

لهن و للمشيب و من علاه *** من الأمثال قابية وقوب

و القابية قشرة البيضة إذا خرج منها الفرخ. و القوب: الفرخ.

و لورود كلمة «كذبت» في قول عمر بن الخطاب:

«كذبت عليكم الحج».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (128/12):

كذبت عليك و لا تزال تفوقني *** كم فاق آثار الوثيقة فائق

و قول البارقي:

و ذبيانية وصت بنيها *** بأن كذب القواطف و القروف

و لقوله عليه السلام: في الأمم الماضية ورود كلمة (اعنقوا):

«حتى أعنقوا في حنادس جهالته».

استشهد ابن أبي الحديد بقول ابن النجم العجلي (148/13)

يا ناق سیري عنقاً فسيحا *** إلى سليمان فتستريحا

و لورود كلمة «أقزام» في شأن الحكمين و ذم أهل الشام في قوله عليه السلام:

«جفاة طغام، عبيد أقزام».

و قد روي (قزام).

ص: 35

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (310/13):

أحصنوا أمهم من عبدهم *** تلك أفعال القزام الوكعة

و لورود كلمة «آذربيجان» في كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قیس عامله علیها:

استشهد ابن أبي الحديد بقول حبیب (33/14):

و اذریجان احتيال بعدما *** كانت معرّس عبرة و نكال

و قول الشماخ:

تذكرتها وهناً و قد حال دونها *** قرى اذربيجان المالح و الجال

و لأن العرب تسمي الطواعين رماح الجن.

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (250/15):

لعمرك ما حشيت على أبيٍ *** رماح بني مقيدة الحمار

ولكني خشيت على أبيٌ *** رماح الجن أو إياك حار

و قول العماني الراجز:

قد رفع الله رماح الجن *** و أذهب التعذيب و التجني

و لورود كلمة «رحلت» في قوله عليه السلام من كتاب له إلى أهل البصرة:

«فها أنذا قد قربت جيادي، و رحلت رکابي».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأعشى (4/16):

رحلت سمية غدوة أجمالها *** غضبي عليك فما تقول بدالها

ص: 36

و رحلت بمعنى: شددت على ظهورها.

و لورود كلمة «رهينة» في قوله عليه السلام:

«و رهينة الأيام».

استشهد بقول الشاعر:

أما ترى جسمي خلاء قد رهن *** هزلاً و ما مجد الرجال في السِّمن

و لورود كلمة «الموت» في قوله عليه السلام:

«و أسير الموت، و حليف الهموم، و قرين الأحزان، و نصب الآفات، و سريع الشهوات».

استشهد بقول طرفة (54/16):

لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى *** لكا لطول المرضى و ثنياه باليد

و لورود كلمة «كذب» في قوله عليه السلام:

«و صدق لا يشوبه کذب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول زهير (61/16):

ليث بعثرة يصطاد الليوث إذا *** ما كذب الليث عن أقرانه صدقا

و لورود كلمة «أهجر» في قوله عليه السلام:

«من أكثر أهجر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشماخ (99/16):

كما جدة الأعراق قال ابن جدةٍ *** عليها كلاماً جار فيه و أهجرا

ص: 37

أهجر الرجل: إذا أفحش في المنطق.

و لورود كلمتي «كلا و لا» في قوله عليه السلام:

«فاقتتلوا کلا و لا».

أي شيئا قليلاً، و المعروف عند أهل اللغة «كلا و ذا» قال ابن هاني المغربي (149/16):

و أسرع في العين من لحظةٍ *** و أقصر السمع من لا و ذا

و لورود كلمة «مَقٍرة» في قوله عليه السلام:

«و لهي في عيني أهون من عفصة مَقِرة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول لبيد (207/16):

ممقر مرَّ على أعدائه *** و على الأدنين حلو كالعسل

و لورود كلمة «مظانها» في قوله عليه السلام:

«مظانها في غد جدث».

استشهد ابن أبي الحديد في قوله عليه السلام:

فإن يك عامر قد قال جهلاً *** فإن مظِنّة الجهل الشباب

فالمظنان جمع مظنة، و هو موضع الشيء و مألفة الذي يكون فيه.

و لقوله عليه السلام:

«الذراع من العضد».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الراجز (290/16):

ص: 38

یا بکر بکرین و یا خلب الكبد *** أصبحت مني كذراع من عَضُد

و لورود كلمة «إن» في قوله عليه السلام:

«لقد آن لك أن تنتفع باللمع الباجر من عيان الأمور». استشهد بقول الشاعر (23/18):

ألم يأن لي أن تُجلَ عني عمايتي *** و أقصر عن ليلين بلى قد أن ليا

إذ آن و أنى لك بمعنى.

و لورود كلمة «خجوج» في قوله عليه السلام:

«إن الله أوصى إلى إبراهيم عليه السلام أن ابن لي بيتاً في الأرض، فضاق بذلك ذرعاً، فأرسل الله إليه السكينة، و هي ريح خجوج، فتطوقت حول البيت کالحجفة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول ابن احمر (130/19):

هو جاء رعبلة الرواج خجو *** جاة الغُدوّ رواحها شهر

و لورود كلمتي «كذبت» «ولقت» في قوله عليه السلام:

«كذبت و الله وَوَلَق۟ت».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (126/19):

الخلابة العينين كذابة المني *** و هي من الأحلاف و الولعان

و لورود كلمة «مبلح» في قوله عليه السلام:

«إن من ورائكم أموراً، متماحلة ردحاً، و بلاء مکلماً مبلّحا».

ص: 39

استشهد بقول الأعشی (127/19):

و إذا حمل عبئاً بعضهم *** و اشتكى الأوصال منه و بلح

و لقوله عليه السلام:

«و السرائر مبلوّة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأحوص (207/19):

ستبلى لها في مضمر القلب و الحشا *** سريرة حب يوم تبلى السرائر

و لورود كلمة «رز» في قوله عليه السلام:

«و من وجد في بطنه رزاً فلينصرف و ليتوضأ».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الراجز (128/19):

كان في ربابة الكبار *** رزَّ عشار جلن في عشار

والرز: يعني الصوت في البطن من القرقرة.

و لورود كلمة «مودون» في قوله عليه السلام في ذي الثدي المقتول في النهروان:

«مودون اليد».

استشهد ابن أبي الحديد بقول حسان يذم رجلاً (129/19):

و أمك سوداء مودونة *** كأن أناملها الحُنظُب

المودون اليد: القصيرها.

و لورود كلمة «عذراتكم» في قوله عليه السلام:

ص: 40

«ما لكم لا تنظفون عذراتكم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الحطيأة (130/19):

العمري لقد جربتكم فوجدتكم *** قباح الوجوه سيئي العذرات

ولورود كلمة «أصعل» في قوله عليه السلام :

(استكثروا الطواف في هذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع حمش الساقين قاعداً عليها وهي تُهدم).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عنترة يصف ظليمة (120/19):

صعلٌ يلوذ بذي العشيرة بيضه *** كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

وكلام العرب «صعل» وهو الصغير الرأس.

ولورود كلمة «قِهز» في قوله عليه السلام:

استشهد ابن أبي الحديد بقول ذي الرمة يصف البزاة البيض (122/19):

من الوُرق أو صقع كأن رؤوسها *** من القِهز والقوهي بيض المقانع

والقِهز بكسر القاف: ثياب بيض يخالطها حرير.

ولقوله عليه السلام:

«طبيب دوّار بطبه، قد أحكم مراهمه، وأحمی مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوب عمي و آذان صم و أسنة بكم، متبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الخير» (183/7).

استشهد بقول البحتري باعتباره من التقسيمات الفاسدة (185/7):

ص: 41

ذاك وادي الآراك فاحبس قليلاً *** مقصرة في ملاة أو مطیلا

قف مشوقاً أو مسعداً أو حزيناً *** أو معيناً، أو عاذراً، أو عذولا

إذ يرى ابن أبي الحديد أن التقسيم في البيت الأول صحيح، وفي الثاني يكون غير صحيح، لأن المشوق يموت حزيناً، والمسعد يكون معيناً. فكذلك يكون عاذراً، ويكون مشوقاً ويكون حزيناً.

وقول المتنبي (185/7):

فافخر فإن الناس فيك ثلاثة *** مستعظم أو حاسد أو جاهل

فإن المستعظم يكون حاسداً، والحاسد يكن مستعظماً، كما يقول ابن أبي الحديد.

وقول عبد الله بن همام السلولي (185/7):

و أنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً *** فخنت، وأما قلت قولاً بلا علم

فأنت من الأمر الذي قد أتيته *** بمنزلة بين الخيانة والإثم

إذ يقول ابن أبي الحديد: إن الخيانة أخص من الإثم، والإثم شامل لأنه أعم منها، فقد دخل أحد القسمين في الآخر.

وقول البحتري - الذي أجاد في هذا المعنى (186/7):

غادرتهم أيدي المنية صبحا *** للقنا بین رکّع و سجود

فهم فرقتان بين قتيل *** قبضت نفسه بحدٍ الحديد

أو أسير غدا له السجن لحداً *** فهو حيِّ في حالة الملحود

ص: 42

فرقة للسيوف ينفذ فيها ال *** حكم قسراً أو فرقة للقيود

و قول أبي تمام إذ صحّح القسمة (186/7):

جمعت لنا فرق الأماني فيكم *** يا برّ من روح الحياة و أوصلِ

کالمزن من ماضي الشباب و مقبل *** متنظرٍ و مخيمٍ متمهّل

فصنيعة في يومها وصنيعة *** قد أحولت، وصنيعة لم تحولٍ

ص: 43

ص: 44

النحو

اشارة

ص: 45

ص: 46

يتناول الأمور الآتية :

- منع صفين من الصرف

- شتان

- فتح وكسر اللام

- جزاء الشرط

- تعدية اللازم

- تقدير ذو

- تقدير فعل

- تشكيل اعتراضي

- جمع نوء

- أوه

- حذف إن

- تقديم الجار والمجرور على الحال

- بينات بينما

- خبر المبتدأ المحذوف

- وظيفة (من)

- تعدية (صبر)

- الفعل المقدر

- تکرار (بين)

- إياك

- تبادل الحروف

ص: 47

صفین

ممنوع من الصرف للتأنيث والتذكير (132/1).

كقول الحميري:

إني أدين بما دان الوصي به *** يوم الخريبة من قتل المُحلِّينا

وبالذي دان يوم النهر دنت به *** وشارکت کفه کفي بصفينا

تلك الدماء معا يا رب في عنقي *** ثم اسقني مثلها آمين أمينا

وضع اللام موضع (على) (162/1) :

قال عليه السلام :

«حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده».

استشهد ابن أبي الحديد بقول جابر بن متى التخبلي:

تناوله بالرمح ثم أنثنى له *** فخر صريعاً لليدين وللفم

على أن اللام تأتي بمعنى (على) و تقدير قوله عليه السلام «مضى على سبيله».

ص: 48

شتان

و تمثل الإمام عليه السلام ببيت أعشى قيس في قوله الآنف ذكره:

شتان ما يومي على كورها *** و يوم حيان أخي جابر

و هو من القصيدة التي قالها في مفاخرة علقمة بن علاقة و عامر بن الطفيل و أولها:

علقم ما أنت إلى عامر *** النافر الأوتار و الواتر

يقول فيها:

و قد أسلّي الهم إذ يعتري *** بحسرةٍ دوسرةٍ عاقر

زيافة بالرحل خطارة *** تُلوي بشرخي ميسة فاتر

شتان ما يومي على كورها *** و يوم حيان أخي جابر

أرمي بها البيداء إذ هجّرت *** و أنت بين القرو و العاصر

في مجدل شيد بنيانه *** يزل عنه ظفر الطائر

و قال ابن أبي الحديد (167/1):

تقول: شتان ماهما، وشتان هما. و لا يجوز: شتان ما بينهما، إلا على قول ضعيف. و شتان أصله: يشتت، کوشکا ذا خروجاً من و شك.

و استشهد بمجيء شتان بخلاف القاعدة بقول البعيث (168/1): الشتان ما بيني و بين ابن خالد *** أمية في الرزق الذي الله

يقارع أتراك ابن خاقان ليله *** إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم

ص: 49

و آخذها حمراء كالمسك ريحها *** لها أرج من دونها يُتسّم

إذ جاء هنا: (شتان ما بيني و بين ابن خالد) خلاف القاعدة.

فتح و كسر اللام

و لقوله عليه السلام:

«حتى إذا مضى لسبیله، جعلها في ستة زعم أني أحدهم! فيا لله و للشوری! متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى أقرن إلى هذه النظائره».

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد الله بن مسلم بن جندب (184/1): يا للرجال ليوم الأربعاء و ما *** ينفك يحدث لي بعد النهى طربا

على أن اللام في «يا لَله» مفتوحة، واللام في «و لِلشوری» مکسورة؛ لأن الأولى للمدعو و الثانية للمدعو إليه.

جزاء الشرط

و لقوله عليه السلام:

«و صلوا السيوف بالخطی».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (170/5):

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها *** خطانا إلى أعدائنا فنضارب

على أنهم قالوا بكسر (نضارب) لأنه معطوف على موضع جزاء الشرط

الذي هو (إذا). و فيه محاكاة للخطى أيضاً.

ص: 50

وضع (عن) موضع (بعد)

و لقوله عليه السلام:

«جعل لكم أسماعاً لتعي ما عناها، وأبصاراً لتجلو عن عشاها» . استشهد ابن أبي الحديد بقول الحارث بن عباد (258/6):

قرِّبا مربط النعامة عني *** لفحت حرب وائل عن حيالي

أي بعد حيالي، فيكون قد حذف المفعول، و حذفه جائز، لأنه فضله؛ و يكون التقدير: التجلو الأذى بعد عشاها.

تعدية اللازم

و لقوله عليه السلام:

«لا يسبقك من طلبت، و لا يفلتك من أخذت» (194/7).

استشهد ابن أبي الحديد بقول کعب بن سعد الغنوي (198/7):

وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندا *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

و قول الشاعر:

أستغفر الله ذنباً لست محصية *** رب العباد إليه الوجه و العمل

فقد عدّى عليه السلام فعل (يفلت) و هو فعل لازم بتقدير (لا يفلت منك) و الشاهد في البيتين: (يستجبه) أي يستجيب له. و (أستغفر الله ذنباً) أي: من الذنب (197/7-198)

ص: 51

تقدیر ذو

و لقوله عليه السلام:

«أنت لابد فلا أمد لك» (194/7).

استشهد ابن أبي الحديد بقول علقمة (199/7):

تراد على دمن الحياض فإن تعف *** فإن المندّى رحلةُ فركوب

و قال عنه ابن أبي الحديد:

إن له في العربية محملين؛ أحدهما أن المراد به (أن ذو لابد) كما قالوا: رجل خال، أي رجل ذو خال. والخال: الخيلاء. و رجل داء: أي به داء. و رجل مال، أي ذو مال.

و المحمل الثاني، أنه لما كان الأزل و الأبد لا ينفكان عن وجوده سبحانه ، جعله عليه السلام كأنه أحدهما بعينه، كقولهم : أنت الطلاق، لما أراد المبالغة في البينونة. جعلها كأنها الطلاق نفسه.

تقدیر فعل

و لقوله عليه السلام: بحق الدنيا:

«أن تمسي له متنكرة، وإن جانب منها اعذوذب و احلولى، أمر منها جانب فأوبی».

استشهد بقول الشاعر (226/7-230):

ألا إنما الدنيا غضارة أيكةٍ *** إذا اخضر منها جانب جف جانب

ص: 52

فلا تكتحل عيناك منها بعبرةٍ *** على ذاهب منها فإنك ذاهب

و قال ابن أبي الحديد عن جانب المرفوع بعد (إن) لأنه فاعل فعل مقدر يفسره الظاهر، أي: و إن أعذوذب جانب منها لأن (إن) تقتضي الفعل و تطلبه فهي ك (إذا) في قوله تعالی:

«إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت».

(و هذا ما لا أوافقه عليه - أنا علي الفتال - لأن التقدير هنا لا موجب له في قوله عليه السلام و في قوله تعالى؛ ففي قوله عليه السلام (جانب) و هو فاعل قد سبق فعله (اعذوذب). وكذلك فعل الآية تأخر عن فاعله، فالأصل: (و إن اعذوذب و احلولی جانب).

(و إذا انشقت السماء) فلا تقدير و لا تخريج.

تشكيل اعتراضي

و لقوله عليه السلام:

«ألا وفي غد - و سيأتي غد بما لا تعرفون - يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساويء أعمالها». .

استشهد ابن أبي الحديد بمجموعة من أقوال الشعراء قد تضمنت تشکیلات اعتراضية، التي يسميها النحاة "جملة اعتراضية". وأنا - علي الفتال - أسميها "تشکیل اعتراضي" لأن ما يسمى هنا ب "الجملة" لا تتوافر في أغلبه شروط الجملة، بل هو تشکیل اعتراضي، يعترض سياق الكلام - لتوضيح المراد

ص: 53

و تأكيده، و أحياناً شموليته .

و من هذه الأشعار التي استشهد بها ابن أبي الحديد:

قول جریر (43/9):

و لقد أراني - و الجديد إلى البلى- *** في موكب بيض الوجوه کرام

فقوله "و الجديد إلى البلى" اعتراض و المراد تعزیته عما مضى من تلك اللذات.

و قول كثير (43/9):

لو أن الباحثين – وأنت منهم- *** رأوك تعلموا منك المطالا

فقوله "و أنت منهم" اعتراض؛ و فائدته أن لا تظن أنها ليست باطلة. و قول أسوار بن مضرب السعدي (44/9):

فلو سألت سراة الحي سلمى *** - على أن قد تلون بي زماني -

لخبرها ذوو أحساب قومي *** و أعدائي فكل قد بلاني

بذبّي الذم عن حسبي و مالي *** و زبّونات أشوس تيّماني

و إني لا أزال أخا حروب *** إذا لم أجن كنت مجنّ جان

فقوله "على أن قد تلون بي زماني" اعتراض، و فائدته الإخبار عن الألسن قد أخذت منه و تغیّرت بطول العمر أوصافه.

و قول أبي تمام (44/9):

و إن الغنى لي أن لحظت مطابي *** من الشعر -إلا في مديحك- أطوع

ص: 54

فالاعتراض فيه قوله : "ألا في مديحك" هذا ما ذهب إليه ابن أبي الحديد، و أضاف :«و لیس قوله "إن لحظت مطالبي" اعتراضاً كما زعم ابن الأثير الموصلي الأن فائدة البيت معلقة عليه، لأنه لا يريد أن الغني لي على كل حال أطوع من الشعر.. و مراده أن الغني لي بشرط أن تلحظ مطالبي من الشعر أطوع لي؛ ألا في مديحك، فإن الشعر، في مديحك أطوع لي منه. و إذا كانت الفائدة معلقة بالشرط المذكور لم يكن اعتراضاً».

(و إنني - علي الفتال - أرى أن لا اعتراض في بيت أبي تمام سوى "ألا في مديحك" بخلاف ما يرى ابن الأثير الموصلي.

أما عبارة "إن لحظت مطالبي من الشعر" فقد تقدمت على خبر «إن» «أطوع» و إن جملة البيت - لولا الوزن - هي:

«و إن مديحك لي أطوع - في مديحك - إن لحظت مطالبي من الشعر».

بخلاف ما يرى ابن أبي الحديد، وإن كان كلامه قريباً من هذا).

وكذلك وهم ابن الأثير - كما يقول ابن أبي الحديد - في قول امريء القيس (45/9):

فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة *** كفاني ولم أطلب قليل من المال

ولكنما أسعى لمجد مؤثل *** وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

فقال ابن الأثير : إن قوله "و لم أطلب" اعتراض، و ليس بصحيح، لأن فائدة البيت مرتبطة به، و تقديره: لو سعيت لأن آكل و أشرب لكفاني القليل، و لم

ص: 55

أطلب الملك. فكيف يكون قوله "و لم أطلب الملك" اعتراضاً، و من شأن الاعتراض أن يكون فضلة ترد لتحسين و تكملة، و ليس فائدة أصلية! انتهى قول ابن أبي الحديد.

(في رأيي - أنا على الفتال - أن "و لم أطلب" جملة في رأسها توكد قوله "فلو أن ما أسعى لأدنی معيشة" و لم تكن اعتراضية بمعنى الاعتراض كما ذهب إليه ابن الأثير، و لا هي تقديرية كما ذهب ابن أبي الحديد. بل هي جملة أخرى مضافة إلى الجملة الأولى لغرض التأكيد).

و قال ابن أبي الحديد، و قد يأتي الاعتراض و لا فائدة فيه، و هو غير

مستحسن، نحو قول النابغة (45/9):

يقول رجال يجهلون خليقتي *** لعل زياداً - لا أبا لك - غافل

فقوله "لا أبا لك" اعتراض لا معنى له هاهنا..

و مثله قول زهير:

سئمت تكاليف الحياة و من يعش *** ثمانين حولاً - لا أبا لك - يسأم

فإن جاءت "لا أبا لك" تعطي معنى يليق بالموضوع فهي اعتراض جيد، نحو قول أبي تمام (45/9):

«عتابك عني - لا أبا لك و اقصدي».

فإنه أراد زجرها و ذمها لما أسرفت في عتابه.

و قد يأتي الاعتراض على غاية من القبح و الاستهجان، و هو على سبيل

ص: 56

التقديم و التأخير كقول الشاعر (46/9):

فقد - و الشك - بين لي عناء *** بوشك فراقهم صُرَدٌ فصبح

أبا

و لقوله عليه السلام:

«لا أبا لغيركم، ما تنتظرون بنصركم، و الجهاد على حقکم» (67/10).

استشهد ابن أبي الحديد بقول نهار بن توسعة اليشكري (68/10):

أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم

و قول الشاعر:

إن أباها و أبا أباها *** قد بلغا في المجد غايتاها

يقول ابن أبي الحديد: إن الأفصح "لا أب" بحذف الألف، و قد خرجها أبو

البقاء بقوله: يجوز فيها وجهان آخران؛ أحدهما أنه أشبع فتحة الباء فنشأت الألف و الاسم باقٍ على تنكيره، و الثاني أن يكون استعمل "أبا" على لغة من قالها "أبا" في جميع أحوالها مثل "عصا".

جمع نوء

و لقوله عليه السلام:

«و ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء وانهطال السماء .

استشهد ابن أبي الحديد بقول حسان بن ثابت (86/10-88):

ص: 57

و يثرب تعلم أنّا بها *** إذا قحط القطر نوآنها

باعتبار أن جمع نوع أنواء و يأتي نوآن مثل بطن وبطنان وعبد وعبدان.

أین

و لقوله عليه السلام:

«و لا ينظر بعين، ولا يُحدُّ بأين».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر :

ليت شعري وأين منِّيَ ليتُ *** إن لله ليتاً لله و إن لله لوّاً لله

باعتبار أن أين في الأصل مبنية على الفتح فإذا نكَّرتَها صارت اسماً متمكناً.

أوه

و لقوله عليه السلام :

«أوه على إخواني الذين قرؤوا القرآن فأحكموه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (110/10):

فأوهٍ لذكراها إذا ما ذكرتها *** و من بعد أرض دونها وسماء

إنهم ربما قلبوا الواو ألفا فقالوا: آهٍ من كذا، آهٍ على كذا.

و ربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا: أو من كذا. بلا قد. و قد يقولون: آوّه: بالمد و التشديد و فتح الألف و سكون الهاء. لتطويل الصوت بالشكاية. وربما أدخلوا فيه الياء تارة يمدّونه، و تارة لا يمدونه، فيقولون: "أويّاه".

ص: 58

و قد أوّه الرجل تأويها، و تأوه تأوها، إذا قال : "أوه" و الاسم منه الآهة

بالمد.

قال المنقب العبدي:

إذا ما قمت أرحلها بليل *** تأوه آهة الرجل الحزين

حذف إن

و لقوله عليه السلام:

(أملكوا عني هذا الغلام لا يهدّني؛ فإنني أنفس بهذين، يعني الحسن و الحسين عليه السلام، على الموت).

استشهد ابن أبي الحديد بقول طرفة (25/11-26):

ألا أيها الزاجري احذر الوغى *** و أن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

و أصله "لئلا يهدني" فحذف كما حذف طرفة.

تقديم الجار و المجرور على الحال

و لقوله عليه السلام:

«وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب، تفضلاً منه، و توسعاً بما هو من

المزيد أهله»

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (88/11-91):

لأن كان برد الماء حران صاديا *** إليَّ حبيباً إنها لحبيب

ص: 59

أي : بما هو أهله من المزيد، فقدم الجار و المجرور و موضعه نصب على الحال، و فيه دلالة على أن حال المجرور تتقدم عليه كقول الشاعر أيضاً.

و لقوله تعالى:

{.. يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوُ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَ لا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ }.

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (178/12):

ليبك يزيد صارع لخصومة *** و مختبط مما تطيح الطوائح

إن من قرأ «يسبح له فيها» بفتح الباء ارتفع "رجال" بوجهين:

أحدهما: أن يضمر له فعل يكون هو فاعله، تقديره "يسبحه رجال" و دل على (يسبحه) يسبّح كقول الشاعر "ليبك" أي: يبكيه. ضارع و دل على "يبكيه" و "يبك".

و الثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره المسبحون رجال .

و من قرأ: «یسبح له فيه» بكسر الباء ف "رجال" فاعل.

و القراءة الأخيرة -عندي أنا علي الفتال- هي الصحيحة اذا ابتعدنا عن

تمحلات النحاة في تقديراتهم و تخريجاتهم التي لا موجب لها.

بينا = بينما

و لقوله عليه السلام:

(و إن أهل الدنيا کرکب بینا هم حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا).

ص: 60

استشهد ابن أبي الحديد بقول ثلاثة شعراء (52/20-53):

الأول لأبي ذؤيب:

بينا تعنِّفه الكماة وروغه *** يوماً أتيح له جريءٌ سلفع

و الثاني لأحدهم:

بينما الناس على عليائها *** إذ هووا في هونةٍ منها ففاروا

و الثالث للحرقة بنت النعمان بن المنذر:

بينا نسوس الناس والأمر أمرنا *** إذا نحن فيهم سوقة نتصف

و قال ابن أبي الحديد: و بينا هي بين نفسها. ووزنها "فعلى" أشبعت فتحة النون فصارت ألفاً. ثم قالوا "بينا" فزادوا "ما" و المعنى واحد. و كان الأصمعي يخفظ بعد "بينا" إذا صلح في موضعه "بين" و ينشد بيت أبي ذؤيب (الأول) بالكسر، و غيره يرفع ما بعد "بينما" و بينا، على الابتداء و الخير.

فأما "إذ" و"إذا" فإن أكثر أهل العربية يمنعون من مجيئها بعد بينا و بينما، و منهم من يجيزه، و عليه جاء كلام أمير المؤمنين، و أنشدوا القول الثاني: "بينما الناس.." و القول الثالث "وبينا نسوس..".

الا حر

الا حرُّ

و لقوله عليه السلام:

«ألا حرٌّ يدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا مها.

ص: 61

باعتبار أن "ألا حر" مبتدأ و خبره محذوف، أي: في الوجود.

(و عندي - أنا علي الفتال - أن همزة "ألا" استفهامية و "لا" على وظيفتها، و "حر" مبتدأ و خبره عبارة «يدع هذه اللماظة لأهلها». فلا حذف و لا تقدیر)

من

و لقوله عليه السلام:

«و الاعتذار منها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (171/1):

أمن رسم دار مُربَع ومصيف *** لعينيك من ماء الشؤون وكيف

على أن "من" يمكن أن تكون على أصلها، يعني أن عمراً كان كثيراً ما يحكم بالأمر ثم ينقضه، و يفتي الفتيا ثم يرجع عنها، و يعتذر من أفتى به أولاً. و يمكن أن تكون "من" هاهنا للتعليل و السببية. أي: و يكثر اعتذار الناس عن أفعالهم، و حركاتهم لأجلها، أي: لأجل أن رسم المربع و المصيف هذه الدار و كف دمع عينيك.

أصبر

و لقوله عليه السلام:

«فاستدركوا بقية أيامكم، و اصبروا لها أنفسكم».

ص: 62

استشهد ابن أبي الحديد بقول عنترة (354/6):

فصبرت عارفة لذلک حرةٌ *** ترسو إذا نفس الجبان تطلَّعُ

على أن "اصبر" يتعدى فينصب.

الفعل المقدر

و لقوله عليه السلام:

«و سينتقم الله ممن ظلم، فأكلاً بمأكل، و مشرباً بمشرب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي تمام:

فبما قد أراه دیَّان مکسوَّ *** المعاني من كل حسن وطيب

باعتبار أن مأكلاً منصوب بفعل مقدر، أي: يأكلون مأكلاً.

بین

و لقوله عليه السلام:

«بين ناقة وبين فصيلها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (156/15):

بين السحاب و بين الريح ملحمة *** قعاقع وظبي في الجو تخترط

و قول آخر:

بين النديِّ وبين برقة صاحك *** غيث الضريك وفارس مقدام

و من شعر الحماسة و هو للمقنع الكندي:

ص: 63

و إن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني أمي لمختلف جدا

باعتبار أن الأفصح حذف الثانية، لأن الاسمين ظاهرين، وإنما تکرارها إذا جاءت بعد المضمر.

إیاک

و لقوله عليه السلام:

«ثم وإياكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها».

إذ سبق "تهزيع" واو، و هو الأكثر. فيما جاء بلا واو في البيت الآتي، فقد جاء "المراء" بلا واو (29/10):

إياك إياك المراء فإنه *** إلى الشر دعّاءٌ وللشر جالب

تبادل الحروف

و لقوله عليه السلام:

«يعتصم إليها».

أي: بها، فأناب "إلى" مناب الباء.

و استشهد ابن أبي الحديد بقول طرفة:

و إن يلتقي الحي الجميع تلاقني *** إلى ذروة البيت الرفيع المصّدِ

ص: 64

البلاغة

اشارة

البلاغة

وتشتمل على:

لزوم ما لا يلزم

الاقتباس

التشبيه

الاستعارة

الطباق والمقابلة

التخلص والاستطراد

الجناس

الكناية

ص: 65

ص: 66

لزوم ما لا يلزم

و لقوله عليه السلام:

«و استعينه فاقة في كفايته .. فإنه أرجح ما وزن وأفضل ما خزن».

استشهد بقول الشاعر (132/1-135):

إن التي زعمت فؤادك ملها *** خلقت هواك كما خلقت هوى لها

بيضاء باكرها النعيم فصاغها *** بلباقة فأدقها و أجلّها

حجبت تحيتها فقلت لصاحبي *** ما كان أكثرها لنا و أقلها

و إذا وجدت لها وساوس سلوة *** شفع الضمير إلى الفؤاد فسلّها

باعتباره عليه السلام لزم الزاي في "وزن وحزن " من الباب المسمى "لزوم ما لا يلزم" و هو أحد أنواع البديع. و ذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفاً واحداً؛ وهذا في المنثور. أما في المنظوم فأن تتساوى الحروف قبل الروي مع كونها ليست بواجبة التساوي. کالأبيات التي مر ذكرها. في حين أن لزوم الباء في قول الراجز:

ص: 67

و فيشةُ ليست کهذي الفِيشِ *** قد مُلِئَت من نزقٍ وطيشِ

إذا بدت قلت أمير الجيشِ *** من ذاقها يعرف طعم العيشِ

قبل حرف الراوي ليس من هذا الباب، لأنه لزوم واجب، ألا ترى أنه لوقال في هذا الرجز: البطش و الفرش و العرش لم يجز. لأن الردف لا يجوز أن يكون حرفاً خارجاً عن حروف العلة.

و قد صنع أبو العلاء كتاباً في اللزوم من نظمه، فأتي فيه بالجيد و الرديء و أكثره متكلف، و من جيد قوله:

لا تطلبن بآلة لك حالة *** قلم البليغ بغير حظٍ مغزل

سكن السما كان السماء كلاهما *** هذا له رمح وهذا أعزل

ص: 68

الاقتباس

لقوله عليه السلام :

«لكني أسففت إذ أسفّوا، وطرت إذ طاروا فصغا رجلٌ منهم لضغنه، و مال الآخر لصهره، مع هن وهن».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (184/1):

أرى ابن نزار قد جفاني وملّني *** على هنوات شرها متتابع

لورود (هن وهن) في كلامه عليه السلام.

و لقوله عليه السلام:

«اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، و اتخذهم له أشراكاً .. فنظر بأعينهم و نطق بألسنتهم» أي صار الاثنان کالواحد.

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب (228/1-229):

ما الخل إلا من أود بقلبه *** وأری بطرف لا يرى بسوائه

ص: 69

و قول الآخر:

کنا مع المساعده *** فیاً بروح واحدة

و قول الآخر:

جبلت نفسك من نفسٍ كما *** تجبل الخمرة بالماء الزلال

فإذا مسّك شيء مسّني *** فإذا أنت أنا في كل حال

ص: 70

رأی

قال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام:

«اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً. واتخذهم له أشراكاً».

"يجوز أن يكون أشراكاً جمع شريك؛ کشریف وأشراف، و يجوز أن يكون

جمع شَرَك كجبل و أجبال».

و يرى على الفتّال: "إن الشَرَك هو الذي أراده الإمام عليه السلام لأن الشيطان يجعل من مريديه أشراكاً لتوريط الآخرين، و لاصطيادهم في طريق الشر والمعصية".

و لقوله عليه السلام:

«و قد أرعدوا و أبرقوا ومع هذين الأمرين الفشل، ولسنا نرعد حتى نوقع، و لا نسيل حتى نمطر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الكميت (237/1):

أرعد و أبرق يا بريد *** فما وعيدك لي بضائر

ص: 71

و لقوله عليه السلام، عن الدنيا:

«فلم يبق منها سحلة كسحلة الأداة، أو جرعة كجرعة المقلة لو تحزّزها الصديان لم ينقع».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (332/3-333):

قذفوا سيدهم في ورطة *** قذفك المقلة وسط المعترك

و المقلة بفتح الميم و تسكين القاف: حصاة القَسَم التي تلقى في الماء ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم؛ و ذلك عند قلة الماء في المفاوز.

ص: 72

الاقتباس

و لقوله عليه السلام:

«المقدور على أهلها الزوال».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (333/3):

و اعلم بأن ذا الجلال قد قدر *** في الصحف الأولى الذي كان سطر

لاقتباس كلمة "المقدور".

و لقوله عليه السلام، في استبطاء أصحابه إذنه لهم بالقتال:

«فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، و تعشو إلى ضوئي».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الحطيأة (12/4):

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خير موقد

الاقتباس كلمة "تعشو" من قوله عليه السلام.

و لقوله عليه السلام، و هو يكلم الخوارج:

ص: 73

«أصابكم حاصب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول تميم بن أبي مقيل، و هو من دهاة العرب (130/4):

فإذا خلت من أهلها وقطينها *** فأصابها الحصباء و السّقانُ

و الحاصب: الريح الشديد التي تثير الحصباء، و هو صغار الحصى؛ و يقال لها، أيضاً حصبة. قال لبيب:

صبرت عليها إذ خوت من أهلها *** أذيالها كل مصوف حصبه

و لقوله عليه السلام: / لما خُوِّف من الفيلة:

«و إن عليَّ من الله جُنَّة حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عني و أسلمتني؛ فحينئذٍ لا يطيش السهم و لا يبرأ الكلم».

استشهد ابن أبي الحديد بالشعر المنسوب إلى الإمام عليه السلام في قوله (132/5):

من أي يومیَّ من الموت أفر *** أيومَ لم يُقدَر أو يوم قُدِر؟

فيوم لا يقدر لا أرهبه *** و يوم قد قُدِّر لا يُعني الحذر

إذ يعني "الجنة" هاهنا الأجل فاقتبس معناها.

و بقول صاحب الزنج:

و إذا تنازعني أقول لها قَرِي *** موت يريحك أو صعود المنبر

ما قد قضي سيكون فاصطبري له *** و لكِ الأمان من الذي لم يقدر

ص: 74

و مثله:

قد علم المستأخرون في الوهل *** إن الفرار لا يزيد في الأجل

و الأصل في هذا كله مقتبس من قوله تعالی:

«وَ مَا كَانَ لِنَفسٍ أَن تَمُوتَ إِلاّ بِإِذنِ اللهِ كِتَاباً مُؤجَلاً».

و لقوله عليه السلام، لأصحابه في بعض أيام صفين:

«و الحظوا الخَزَر، و اطعنوا الشزر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (170/5-171):

إذا تخازرت و ما بي من خزر *** ثم كسرت العين ما بي من عور

الفيتني ألوي بعيد المستمر *** أحمل ما حُمّلت من خير و شر

إذ اقتبس "الخزر" من قوله عليه السلام.

(و أحسب أن إسکان زاء "حزر" أصح من تحريكها، و إن الراجز جاء بها محرّكة لضرورة شعرية. ع. ف).

و لقوله عليه السلام:

«واطعنوا الشزر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول المنخل اليشكري:

يطوف بي عكبٌ في معدّ *** و يطعن بالصحلة في قفيّا

للتدليل على أن عين "طعنوا " مضمومة، يقال: طعُنت بالرمح. و طعُن بالضم، وطعنت نسبة إلى طعن بالفتح، أي قدحت.

ص: 75

و لقوله عليه السلام:

«وصلوا السيوف بالخط».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها *** خطانا إلى أعدائنا فنضارب

و قول الآخر:

تصل السيوف إذا قصرت بخطونا *** يوما وتلحقها إذا لم تلحق

و يقول النابغة بن لحارث بن کعب:

إن تسألي عنا سميّ فإنه *** يسم إلى قمم العلا أونانا

وتبيت جارتنا حصاناً عفة *** ترضى ويأخذ حقه مولانا

و تقوم إن طرق المنون بسُحرةٍ *** لوصاة والدنا الذي أوصانا

أن لا نفر إذا لكتيبة أقبلت *** حتى تدور رحاهم ورحانا

و تعيش في أحلامنا أشياخنا *** مرداً وما وصل الوجوه لحانا

و إذا السيوف قصرن طولها لنا *** حتى تناول ما نريد خطانا

و بقول حميد بن ثور الهلالي:

إلى أن نزلنا بالفضاء و ما لنا *** به معقل إلا الرماح الشواجر

و وصل الخطا بالسيف والسيف بالخطا *** إذا ظن أن المرء ذا السيف قاصر

و يقول أبي سعيد المخزومي:

رب نار رفعتها ودجى اللي *** ل على الأرض مسبل الطيلسان

ص: 76

و أمون نحرتها لضيوف *** وألوف نفذتهن لجاني

وحروب شهدتها جامع القل *** ب فلم تنكر الكماة مكاني

و إذا ما الحسام كان قصيراً *** طولته إلى العدو بناني

و قول أحدهم يمدح صخر بن عمر بن شريد الأسلمي:

ان ابن عمرو بن الشريد *** له فخار لا يرام

وحجأ إذا عدم الحجا *** وندى إذا بخل الغمام

يصل الحسام بخطوه *** في الروع إن قصر الحسام

و قول الراجز:

يخطو إذا ما قصر العضب الذكر *** خطواً ترى منه المنايا تبتدر

و قول السمؤال:

و إنا لقوم ما نرى القتل سبة *** إذا ما رأته عامر وسلول

يقصر ذكر الموت آجالنا لنا *** وتكرهه آجالهم فتطول

و قول الآخر:

و إن قصرت أسيافنا كان وصلها *** خطانا إلى أعدائنا فتطول

و قول وداك بن شميل المازني:

مقاديم وصالون في الروع وصلهم *** بكل رقيق الشفرتين يماني

إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم *** لأية حرب أم بأي مكان

و قول آخر:

ص: 77

إذا الكماة تنحوا أن يصبهم *** حد السيوف وصلنا ما بأيدينا

و قول آخر:

وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا *** على الهول حتى مكنتنا المضارب

و قول الراجز:

الطاعنون في النحور والكلى *** والواصلون للسيوف بالخطا

و قول النابغة:

فبت كأني ساورتني ضئيلة *** من الرقش عن أنيابها السم ناقعُ

استشهد بهذا اليت لقول أم سلمة:

«لنهشت به نهش الرقشاء المطرقه».

و هي تخاطب عائشة لتلزم بيتها و لا تخرج إلى البصرة مطالبة بدم عثمان (224/6)

و لورود كلمة (المطرقة) في قول أم سلمة الآنف ذكره باعتبار أن الأفعی يوصف بالإطراق (224/6).

استشهد بقول الشاعر:

أصم اعمي ما يجيب الرقي *** من طول إطراق وإسبات

و لقوله عليه السلام:

«ما أصف من دار أولها عناء و آخرها فنا».

استشهد بن أبي الحديد بقول الرضي (238/6):

ص: 78

و أولنا العناء إذا طلعنا *** إلى الدنيا و آخرنا الذهابُ

و لقوله عليه السلام:

«في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (239/6):

الدهر يومان فيوم مضى *** عنك بما فيه و يوم جديد

حلال يوميك حساب و في *** حرام يوميك عذاب شديد

تجمع ما يأكله وارث *** و أنت في القبر وحيد فريد

إني لغيري واعظ تارك *** نفسي و قولي من فعالي بعيد

حلاوة الدنيا و لذاتها *** تكلف العاقل ما لا يريد

و قول الشاعر:

حلالها حسرة تفضي إلى ندم *** و في المحارم منها الغم منذور

و لقوله عليه السلام:

(و من أبصر بما أبصرته، و من أبصر إليها أعمته).

استشهد ابن أبي الحديد بقوله هو (239/6):

دنياك مثل الضوء تدني إليك *** الضوء لكن دعوة المهلك

إن أنت أبصرت إلى نورها *** تعش، و إن تبصر به تدرك

و لقوله عليه السلام:

«علا بحوله ودنا بطوله».

ص: 79

استشهد ابن أبي الحديد بقول البحتري (242/6):

دنوت تواضعاً وعلوت قدراً *** فشأنان انخفاض و ارتفاع

و لقوله عليه السلام:

«عليهم لبوس الاستكانة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول بیهق الفزاري (250/6):

إلبس لكل حالة لبوسها *** اما نعيمها و أما بؤسها

و لقوله عليه السلام:

«و حذركم عدو نفذ في الصدور خفياً، و نفث في الآذان نجيا».

استشهد ابن أبي الحديد بقول سحيم بن وثيل اليربوعي (286/6):

إني إذا ما القوم كانوا أنجيه *** واضطرب القوم اضطراب الأرشية

هناك أوصيني ولا توصِ بيه

[كان على الراجز حذف حرف العلة لولا الوزن الذي جعله يُضَحِّي

بالقاعدة النحوية].

و النجي: الذي يساره و الجمع الأنجيه، و قد يكون النجي جماعة مثل

الصديق.

قال الله تعالی: «لصوا نجيّا».

و لقوله عليه السلام: في صفة خلق الإنسان:

«دهمته فجعات المنية في غُبَّر جماحة، وسنن مراحة».

ص: 80

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي كبير الهذلي (251/6):

ومبرّا من كل غُبرَّ حيضة *** و فساد مرضعة وداء مقيل

و لقوله عليه السلام، في صفة خلق الإنسان أيضاً:

«و لا موتة ناجزة و لا سنة مسلية، بين أطوار الموتات».

استشهد ابن أبي الحديد بقول ابن الرعلاء الضباني (273/6):

ليس من مات فاستراح بميتٍ *** إنما الميت ميّت الأحياء

و يعني بالموتات: الآلام العظيمة.

و لقوله عليه السلام:

«احذروا الذنوب المورطة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول رؤية (276/6):

نحن جمعنا الناس بالملطاط *** فأصبحوا في ورطة الأوراط

والذنوب المورطة: التي تلقي أصحابها في الورطة.

و لقوله عليه السلام:

«وإنظار التوبة، وانفساح الحوبة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الفرزدق (277/6):

فهب لي خنبساً واتخذنيه منه *** لحوبة أم ما مايسوغ شرابها

و لقوله عليه السلام:

«فليصل العامل منكم في أيام مهله، قبل ارهاق أجله».

ص: 81

استشهد ابن أبي الحديد بقول الكميت (351/6):

تندى أكفهم وفي أبياتهم *** ثقة المجاور والمضاف المرهق

حيث اقتبس كلمة "مرهق" من قوله عليه السلام.

و لقوله عليه السلام:

(فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حیوان).

استشهد ابن أبي الحديد بقول زهير (374/6):

وكائن ترى من صامت لك معجب *** زيادته أو نقصه في التكلم

لسان الفتى نصف و نصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم و الدم

و لقوله عليه السلام: وهو ينصح:

«و تنفسوا قبل ضيق الخناق».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (396/6):

اختم وطينك رطب إن قدرت و كم *** قد أمكن الختم أقواماً و ما ختموا

فهو المعنى ذاته الذي أراده الإمام عليه السلام.

لقوله عليه السلام:

«من لم يعنه الله على نفسه حتى يجعل منها واعظاً و زاجراً لم ينفعه الزجر والوعظ من غيرها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (397/6):

و أقصرت عما تعهدين وزاجرٌ *** من النفس خير من عتاب العواذل

ص: 82

و لقوله عليه السلام:

«.. و تنفس الدر و حصيد المرجان».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (403/6):

أدمى له المرجان صفحة خدّه *** و بكى عليه اللؤلؤ المكنون

و لقوله عليه السلام: عن قدرة الله تعالی:

«فظهرت في البدائع التي له، و دليلاً عليه، و إن كان خلقاً صامتاً، فحجته بالتدبير ناطقة، و دلالته على المبدع قائمة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (412/6):

فوا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

و لقوله عليه السلام، في صفة الملائكة:

«... ووراء ذلك الرجيح الذي تستك منه الأسماع سُبُحات نور تردع الأبصار عن بلوغها فتقف خاسئة على حدودها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول النابغة (427/6):

و نبنت خير الناس أنك لمتني *** و تلك التي تستك منها المسامع

و لقوله عليه السلام:

«تستطيلون أيام البلاء».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (53/7):

ص: 83

فأيام الهموم مفصصات *** و أيام السرور تطير طيرا

و قول أبي تمام:

ثم انبرت أيام هجر أردفت *** بجوى أسئ فكأنها أعوام

و لقوله عليه السلام:

«إن حضر أطاعه، و إن غاب سبعه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب (56/7):

أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني *** و لا أعاتبه صفحاً وإهوانا

وهكذا كنت في أهلي وفي وطني *** إن النفيس نفيس أينما كانا

و معنى سبعه: ثلمه و شتمه.

و لقوله عليه السلام:

«و صمته لسان».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأعشی (69/7):

إني أتتني لسان لا أسرّ بها *** من عَلوَ لا كذب فيها و لا سخر

و لقوله عليه السلام:

«و نسأله المعافات في الأديان، كما نسأله المعافات في الأبدان».

استشهد بقول محمود الوراق (81/7):

و إذا مرضت من الذنوب فداوها *** بالذكر إن الذكر خير دواء

والسقم بالأبدان ليس بضائر *** والسقم في الأديان شر بلاء

ص: 84

و لقوله عليه السلام:

«الدنيا التاركة لكم و إن لم تحبوا ترکها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (82/7):

كل دمع يسيل منها عليها *** وبفك اليدين منها تخلى

و لقوله عليه السلام:

«بطيء القيام، سريع إذا قام».

أي: هو متأنٍ متثبت في أحواله؛ فإذا نهض جدَّ و بالغ

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (85/7):

و ما قلت للبدر أنت اللجين *** و لا قلت للشمس أنت الذهب

فيفلق منه البعيد الأناة *** و يغضب منه البطين الغضب

و قول ابن هاني المغربي (86/7):

و كل أناة في المواطن سؤدد *** و لا كأناة من قدير محکم

و من يتبين أن للصفح موضعا *** من السيف يصفح عن كثير و يحلمِ

و ما الرأي إلا بعد طول تثبتٍ *** و لا الحزم إلا بعد طول تلوِّم

و قول الشنفري:

مسبلٌ في الحي أحوى رفَلُّ *** و إذا يغزو فسِمعٌ أزلُّ

و لقوله عليه السلام:

«قليل سلبهم». أي همهم القتل لا السلب.

ص: 85

استشهد بقول أبي تمام (104/7):

إن الأسود أسود الغاب همتها *** يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

و لقوله عليه السلام: في الدنيا:

«لا يرجع ما تولى منها فأدبر، و لا يُدري ما هو آت منها، فينتظر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (106/7):

وأضيع العمر لا الماضي انتفعت به *** و لا حصلت على علم من الباقي

و لقوله عليه السلام: «فبادروا العلم من قبل تصویح نبته».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي علي البصير (168/7):

لعمر أبيك ما نسب المعلّى *** إلى كرمٍ و فی الدنيا كريم

ولكن البلاد إذا اقشعرت *** وصوح نبتها رعي الهشيم

و لقوله عليه السلام:

«استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متعظ».

استشهد بقول أبي الأسود الدؤلي (168/7):

لا تنه عن خلق و تأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

و لقوله عليه السلام:

«ولكل أجل كتاب، ولكل غيبةٍ إياب».

استشهد بقول عبيد بن الأبرص (190/7):

وكل ذي غيبة يؤوب *** وغائب الموت لا يؤوب

ص: 86

و لقوله عليه السلام:

«فلا منجى منك إلا إليك».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الفرزدق (199/7)

إليك فررت منك و من زیادٍ *** و لم أحسب دمي لكما حلالا

و لقوله عليه السلام:

«و من عشق شيئاً أعشی بصره».

استشهد بقول عبد الله بن معاوية (207/7):

و عين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا

و لقوله عليه السلام:

«فهو عبد لها ولمن في يديه شيء منها».

استشهد بقول ابن درید (207/7):

عبيد ذي المال و إن لم يطمعوا *** من ماله في نفيه تشفي الصدا

وهم لمن أملقوا أعداء و إن *** شاركهم فيها أفاد وحوى

و لقوله عليه السلام:

«حيثما زالت زال إليها، و حيثما أقبلت أقبل عليها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (208/7):

ما الناس إلا مع الدنيا و صاحبها *** فكيفما انقلبت يوماً به انقلبوا

يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت *** يوماً عليه بما لا يشتهي وثبوا

ص: 87

و لقوله عليه السلام، عن الأموال:

«قد لزمته تبعات جمعها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (209/7):

أكلت حنيفة ربها *** زمن التقحم والمجاعة

لم يحذروا من ربهم *** سوء العواقب والتباعة

و لقوله عليه السلام: عن الدنيا:

«إن تمسي له متنكرة، و إن جانب منها اعذوذب واحلولى، أمر منها جانبه فأوبی».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (230/7):

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة *** إذا اخضر منها جانب جف جانب

فلا تكتحل عيناك منها بعبرةٍ *** على ذاهب منها فإنك ذاهب

و لقوله عليه السلام:

«و لا يمسي منها في جناح آمنٍ، إلا أصبح قوادم خوف».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي نواس (231/7):

تغطيت من دهري بظل جناحه *** فصرت أرى دهري وليس برائي

فلو تسأل الأيام ما اسمي فما درت *** و أين مكاني ما عرفن مكاني

و لقوله عليه السلام، عن الدنيا:

«وضعضعتم بالنوائب».

ص: 88

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

و تجلدي للشامتين أريهم *** أني لريب الدهر لا أتضعضعوا و لقوله عليه السلام: عن الموتی:

«فهم جيرة لا يجيبون داعياً، و لا يتزاورون، و قريبون لا يتقاربون».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشريف الرضي (234/7):

بادون في صور الجميع وإنهم *** متفردون تفرّد الآحاد

و يقول الشريف الرضي أيضاً:

قربت ضرائحهم على زوارها *** ونأوا على الطلاب أي تناءِ

و قول عبد الله بن ثعلبة الحنفي:

هم جيرة الأحياء أما مزارهم *** فدانٍ، وأما الملتقى فبعيد

و لقوله عليه السلام:

«إن الزاهدين في الدنيا تبكي قلوبهم وإن ضحكوا».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (248/7):

کم فاقة مستورة بمروءةٍ *** و ضرورة قد غطيت بتجمل

و من ابتسام تحته قلب شيخٍ *** قد خامرته لوعة ما تنجلي

و لقوله عليه السلام:

«ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه، و لا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه».

ص: 89

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشريف الرضي (249/7):

نقص الجديدين من عمري يزيد على *** ما ينقصان على الأيام من مالي

دهر تؤثر في جسمي نوائبه *** فما اهتمامي إن أودي بسربالي

و لقوله عليه السلام:

«يجمع ما لا يأكل، و يبني ما لا يسكن».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (256/7):

أموالنا لذوي الميراث نجمعها *** ودورنا لخراب الدهر نبنيها

و قول الآخر:

ألم تر حوشباً أمسى يبنّي *** بناء نفعه لبني بُقَيله

يومِّل أن يعمِّر عمر نوحٍ *** وامر الله يطرق كل ليلة

و لقوله عليه السلام:

«لا جاء يرد، و لا ماضٍ يرتد»، أي يسترد و يرجع.

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي العتاهية (256/7):

فلا أنا راجع ما قد مضى لي *** و لا أنا دافع ما سوف يأتي

و لقوله عليه السلام:

«ما أقرب الحي من الميت للحاقه به، و ما أبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (256/7-257)

ص: 90

يا بعيداً عني وليس بعيداً *** من لحاقي به سميع قريب

صرت بين الورى غريباً كما أن *** ك تحت الثرى وحيد غريب

و لقوله عليه السلام:

«ليس شيء بشرِّ من الشر إلا عقابه، و ليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (257/7):

خير البضائع للإنسان مكرمة *** تنمي و تزكو إذا بارت بضائعه

فالخير خير، و خير منه *** و الشر شر، و شر منه صانعه

و لقوله عليه السلام:

«و كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، و كل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (257/7):

اهتز عند تمني وصلها طرباً *** ورب أمنية أحلى من الظفر

و لقوله عليه السلام:

«و اعلموا أن ما نقص من الدنيا و زاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة و زاد في الدني».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب المتنبي (258/7):

كلما لم يكن من الصب في الأنف *** س سهل فيها إذا هو كانا

و لأبي الطيب أيضاً (258/7-259):

ص: 91

بلاد ما اشتهيت رأيت فيها *** فليس يفوتها إلا كرام

فهلا كان نقص الأهل فيها *** كأن لأهلها منها التمام

و لقوله عليه السلام:

«الرجاء مع الجائي، و اليأس مع الماضي».

ما مضى فات و المقدر غيب *** ولك الساعة التي أنت فيها

و لقوله عليه السلام:

«وأخذوا بأطراف الأرض».

استشهد بقول الفرزدق (259/7):

أخذنا بأطراف السماء عليكم *** لنا قمراها والنجوم الطوالع

و لقوله عليه السلام:

«إن أكرم الموت القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من ميتة على الفراش في غير طاعة الله».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (301/7):

لو لم يمت بين أطراف الرماح إذاً *** لمات -إذ لم يمت- من شدة الحَزَن

و قول الآخر (302/7):

يستعذبون مناياهم كأنهم *** لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا

و لقوله عليه السلام:

«قد خليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوم».

ص: 92

استشهد ابن أبي الحديد بقول الحصين بن الحمام المري (305/7):

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد *** لنفسي حياة مثلما أتقدما

و قول قطري ابن الفجاءة (305/7):

لا يركنن أحد إلى الإحجام *** يوم الوغى متخوفاً لحمام

فلقد أراني للرماح دريئة *** من عن يميني تارة و أمامي

حتى خضبت بما قدرت من دمي *** أكناف سرجي أو عنان لجامي

ثم انصرفت و قد أصبت و لم أصب *** جرح البصيرة قارح الأقدام

و قول المتنبي (305/07):

يقتل العاجز الجبان و قد یع *** جز عن قطع عنق المولود

و يوقى الفتى المخيشن و قد خو *** ض في ماء لبة الصنديد

و لقوله عليه السلام:

«و إن الفار لغير مزيد في عمره».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الراجز (16/8):

قد علمت حسناء دعجاء المقل *** إن الفرار لا يزيد في الأجل

و لقوله عليه السلام:

«إنهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعنٍ دِرَكٍ يخرج منه النسيم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول قيس بن الخطيم (8/8):

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر *** لها نفذ لولا الشعاع أضاءها

ص: 93

ملكت بها كفي فانهرت فتقها *** يرى قائم من دونها ما وراءها

و لقوله عليه السلام:

«فرب دائب مضيع، و رب كادح خاسر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأكثر ما يجني عليه اجتهاده

و مثله:

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** أتته الرزايا من وجوه الفوائد

و لقوله عليه السلام:

«كل شيء مملول إلا الحياة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب (288/8):

و لذيذ الحياة أنفس في النف *** س وأشهى من أن يملُّ وأحلى

و إذا الشيخ قال أفٍ فما ملّ *** حياة ولكن الضعف ملاّ

و لقوله أيضاً:

أرى كلنا يبقي الحياة لنفسه *** حريصاً عليها مستهاباً بها صبّا

فحب الجبان النفس أورده البقا *** و حب الشجاع النفس أورده الحربا

و قول أبي العلاء:

فما رغبت في الموت کدر مسيرها *** إلى الورد خمساً ثم تشرين من أجن

يصادفن صقراً كل يوم و ليلةٍ *** ويلقين شراً من مخالبه الحجن

ص: 94

و لا قلقات الليل باتت كأنها *** من الابن و الأدلاج بعض القنا اللدن

ضربن مليعاً بالسنابك أربعاً *** إلى الماء لا يقدر منه على معن

و خوف الردى آوى إلى الكهف أهله *** وكلف نوحاً وابنه عمل السفن

و ما استعذبته روح موسى و آدم *** و قد وعدا من بعده جنتا عدن

و بقول ابن أبي الحديد نفسه، و قد خاطب رجلين فرّا من الحرب:

عذرتكما إن الحمام لمبغض *** و إن بقاء النفس للنفس محبوب

و يكره طعم الموت و الموت طالب *** فكيف يلذ الموت و الموت مطلوب؟

و قول أبي الطيب أيضاً:

طيب هذا النسيم أوفر في الأن *** فس إن الحمام مرُّ المذاق

والأسى قبل فرقة الروح عجزٌ *** والأسى لا يكون بعد الفراق

و قول البحتري:

ما أطيب الأيام إلا أنها *** يا صاحبي إذا مضت لم ترجع

و قول آخر:

أوفي يصفق في الجناح مفلساً *** و يصيح من طرب إلى الندمان

يا طيب لذة هذه الدنيا لنا *** لو أنها بقيت على الإنسان

و قول آخر:

أرى الناس يهوون البقاء سفاهة *** و ذلك سيء ما إليه سبيل

و من يأمن الأيام أما بلاؤها *** فجمٌّ، و أما خيرها فقليل

ص: 95

و لقوله عليه السلام: لمن سأله: ما أكثر حب الناس للدنيا؟

«هم أبناؤها، أيلام الإنسان على حب أمه؟».

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول محمد بن وهيب الحميري (290/8):

و نحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها *** و ما كنت منه فهو شيء محبّب

و قول آخر:

ياموت ما أفجاك من نازلٍ *** تنزل بالمرء على رغمه

تستلب العذراء من خدرها *** و تأخذ الواحد من أُمه

و قول أبي الطيب:

و هي معشوقة على الغدر لا تح *** فظ عهداً و لا تتمم وصلا

كل دمع يسيل منها عليها *** ويفك اليدين عنها تُخلّى

شيم الغانيات فيها فلا أد *** ري لذا أنَّت الناس اسمها أم لا؟

و قال ابن أبي الحديد:

فإن قلت: قد ذكرت ما قيل في حب الحياة و كراهية الموت، فهل قيل في عکس ذلك و نقيضه شيء؟

قلت: نعم؛ فمن ذلك قول أبي الطيب (29/8):

كفى بك داء أن ترى الموت شافياً *** و حسب المنايا أن يكنّ أمانيا

تمنيتها لما تمنيت أن ترى *** صديقاً فاعيا، أو عدواً مداجيا

و قول آخر:

ص: 96

قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا *** في الموت ألف فضيلة لا تُعرف

منها أمان لقائه بلقائه *** و فراق كل معاشر لاينصف

و قول إبراهيم بن مهدي:

و إني و إن قدمت قبلي لعالمٍ *** بأني و إن أبطأت عنك قريب

و إن صباحاً نلتقي في مسائه *** صباح إلى قلب الغداة حبيب

و قول الشاعر:

جزى الله عنا الموت خيراً فإنه *** أبرُّ بنا من كل برِّ وأرأف

يعجّل تخليص النفوس من الأذى *** و يدني من الدار التي هي أشرف

وقول آخر:

من كان يرجو أن يعيش فإنني *** أصبحت أرجو أن أموت لأعتقا

في الموت ألف فضيلة لوأنها *** عُرفت لكان سبيله أن يُعشقا

و قول أبي العلاء:

جسمي و نفسي لما استجمعا صنعا *** شراً إلي، فجل الواحد الصمد

فالجسم يعذل فيه النفس مجتهداً *** و تلك تزعم أن الظالم الجسد

إذا ما بعد طول الصحبة افترقا *** فإن ذاك لأحداث الزمان يد

و قول أبي العتاهية:

المرء يأمل أن يعي *** ش و طول عمر قد يضرّه

تغني بشاشته و يب *** قي بعد طول العيش مرّه

ص: 97

و تخونه الأيام حت *** ي لا يرى شيئاً يسرّه

کم شامت بي إن هلك *** ت و قائل: لله درّه

و قول إبن المعتز:

ألست ترى ياصاح ما أعجب الدهرا *** فذا ماله لكن للخالق الشكرا

لقد حبب الموت البقاء الذي أرى *** فيا حسداً مني لمن يسكن القبرا

و لقوله عليه السلام، في شأن طلحة و الزبير:

«و قد زاح الباطل عن نصابه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحد المحدثين (34/9):

قد رجع الحق إلى نصابه *** و أنت من دون الورى أولى به

و لقوله عليه السلام، عن الحرب:

«حلواً رضاعها، علقماً عاقبتها».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (41/9):

الحرب أول ما تكون فتية *** تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها *** عادت عجوزاً غير ذات حليل

شمطاء جزّت رأسها و تنكرت *** مكروهة للشم و التقبيل

و لقوله عليه السلام:

«لقد مضت أصول عن فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله».

استشهد ابن أبي الحديد بقول لبيد (93/9):

ص: 98

فإن أنت لم تصدقك نفسك فانتسب *** لعلك تهديك القرون الأوائل

فإن لم تجد من دون عدنان ولداً *** و دون معد فلتذعك العواذل

و قول الشاعر:

فعددت آبائي إلى عرق الثرى *** فدعوتهم فعلمت أن لم يسمعوا

لابد من تلف مصيب فانتظر *** أبأرض قومك أم بأخرى تصرع

و قول أبي العتاهية:

كل حياة إلى ممات *** و كل ذي جدة يحول

كيف بقاء الحروف يوماً *** و قد ذوت قبلها الأصول

و لقوله عليه السلام: قبل وفاته:

« غدا ترون أيامي، و يكشف لكم عن سرائري، و تعرفونني بعد خلوِّ مكاني و قيام غيري مقامي».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي تمام (124/9):

راحت وفود الأرض عن قبره *** قارعة الأيدي ملاء القلوب

قد علمت ما رزئت إنما *** يعرف قدر الشمس بعد الغروب

و قول أبي الطيب:

و نذمّهم و بهم عرفنا فضله *** و بضدّها تتبين الأشياء

و لقوله عليه السلام:

«فلا تستبطئوا ما يجيء به الغد؛ فكم من مستعجل بما أن أدركه ودَّ أن لم

ص: 99

يدركه، و ما أقرب اليوم من تباشير غد».

استشهد ابن أبي الحديد بقول القائل:

و إن غداً للناظرين قريب

و قول الآخر:

غدٌ ما غدٌ ما أقرب اليوم من غد

و قول أبي العتاهية:

من عاش لاقى مايسو *** ء من الأمور و ما يسرّ

ولرب حتف فوقه *** ذهب و ياقوت و درُّ

و قول الآخر:

فلا تتمنَّين الدهر شيئاً *** فكم أمنية جلبت منيّة

و لقوله عليه السلام:

«حتى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدة البلاء، حملوا بصائرهم على أسيافهم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (131/9):

راحوا بصائرهم على أكتافهم *** و بصيرتي يعدو بها عند وأي

و لقوله عليه السلام، عن الفتنة:

«تبدأ في مدارج خفية، و تؤول إلى فظاعة جليه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (140/9):

ص: 100

و لرب هاج الكبير *** من الأمور لك الصغير

و قول نصر بن يسار:

فإن النار بالعودین تذکى *** و إن الحرب أولها كلام

و قول أبي تمام:

رب قليل بدا كثيراً *** کم مطر بدؤه مطير

و قوله أيضاً:

لا تذيلن صغير همك وانظر *** كم بذي الأسل دوحة من قضيب

و لقوله عليه السلام، يصف الفتنة أيضاً:

«شبابها کشباب الغلام، و آثارها كآثار السلام».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (141/9):

والحب مثل الحرب أو *** لها التخيل و النشاط

وختامها أم الربي *** ق التكز والضرب القطام

و لقوله عليه السلام:

«فليصدق رائد أهله».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (177/9):

أخيَّ إذا خاصمت نفسك فاحتشد *** لها وإذا حدّثت نفسك فاصدقٍ

و لقوله عليه السلام:

«وصاروا إلى مصائر الغايات».

ص: 101

استشهد ابن أبي الحديد بقول الكميت (203/9):

فالآن صرت إلى أمي *** ة والأمور إلى مصائر

و لقوله عليه السلام:

«الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (211/9):

مات من مات والثريا الثريا *** والسماك السماك والنسر نسر

و نجوم السماء تضحك منا *** كيف تبقى من بعدنا وتمرُّ

و قول آخر:

فما الزهر إلا كما الزمان الذي مضى *** و لا نحن إلا كالقرون الأوائل

و لقوله عليه السلام:

«لايعود ما قد ولّى عنه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول البحتري (211/9):

ما أحسن الأيام إلا أنها *** يا صاحبي إذا مضت لم ترجع

و لقوله عليه السلام:

«و لا يبقی سرمداً مافيه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول عدي (211/9):

ليس شيء على المنون بباقِ *** غير وجه المهيمن الخلاق

و لقوله عليه السلام:

ص: 102

«و يشيب فيه الأطفال».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب (215/9):

والهم يخترم الجسيم نحافة *** ويشيب ناصية الصبي ويهرم

و لقوله عليه السلام، عن الملائكة:

«و حفاظ صدق».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (216/9):

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت، ولكن قل: عليَّ رقيب

و لقوله عليه السلام:

«و إن غداً من اليوم قريب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (216/9):

فإن يك صدر هذا اليوم ولّى *** فإن غداً لناظره قريب

و لقوله عليه السلام:

«فجعل من خوفه من العباد نقداً، وخوفه من خالقه ضماراً و وعداً».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

و أنضاءٍ أُنخينَ إلى سعيد *** طروقاً ثم عجّلن ابتكارا

حمدن مزاره و أصبن منه *** عطاءً لم يكن عدة ضمارا

و لقوله عليه السلام:

«هيهات إن من يعجز عن صفات ذي الهيأة والأدوات، فهو عن صفات

ص: 103

خالقه أعجز».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (260/9):

رأيت الوری يدّعون الهدى *** و كم يدّعي الحق خلق كثير

و ما في البرايا امرؤ عنده *** من العلم بالحق إلا اليسير

خفيٌّ فما ناله ناظر *** و ما إن أشار إليه مشير

و لا شيء أظهر من ذاته *** و كيف يرى الشمس أعمى ضرير

و لقوله عليه السلام:

«فرحم الله امرءً نزع عن شهوته، وقمع هوى نفسه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي ذؤيب (17/10):

و النفس راغبة إذا رغّبتها *** و إذا ترد إلى قليل تقنع

و للكلام المروي عنه عليه السلام:

«أيها الناس إن هذه النفوس طلعة فإلاً تقرعوها تنزع بكم إلى شر غاية».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (18/10):

و ما النفس إلا حيث يجعلها الفتى *** فإن أطمعت تاقت إلاٌ تسلّتِ

و لقوله عليه السلام: في ذم أصحابه:

«و إن أحبَّ ما أنا لاقٍ إلىَّ الموت».

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (72/10):

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا *** وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا

ص: 104

تمنيتها لما تمنيت أن ترى *** صديقاً فاعياً أو عدواً مداجيا

و لقوله عليه السلام:

«تالين الأجزاء القرآن يرتلوها ترتيلا، يحزنون به أنفسهم و يستثيرون به دواء دائهم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (95/10):

فقلت لها إن البكاء لراحة *** به يشتفي من ظن أن لا تلاقيا

و قول الآخر:

شجاك من ليلتك الطول *** فالدمع من عينيك مسدول

و هو إذا أنت تأملته *** حزن على الخدين مملول

و لقوله عليه السلام:

«قد براهم الخوف بري القداح».

استشهد ابن أبي الحديد بقول ليلى الأخيلية (145/10):

يا أيها السَّدِم الملوِّس رأسه *** ليقود من أهل الحجاز بريما

أتريد عمر بن الخليع و دونه *** کعب، إذن لوجدته مرؤوما

و مخرَّق عنه القميص تخاله *** بين البيوت من الحياء سقيما

حتى إذا دفع اللواء رأيته *** تحت اللواء على الخميس زعيما

و بقول الشاعر:

ضعيفة كر الطرف تحسب أنها *** حديثة عهد بالإفاقة من سقم

ص: 105

و لقوله عليه السلام:

«و من أعمالهم مشفقون».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي تمام (145/10):

يتجنب الآثام ثم يخافها *** فكأنها حسناته آثام

و لقوله عليه السلام:

«و القول و العمل». أي لا يقتصر على القول.

استشهد ابن أبي الحديد بقول متمم بن نويرة (158/10):

لقد كفَّن المنهال تحت ردائه *** فتىً غير مبطان العشيات أروعا

و قول الشاعر (157/10):

و أراك تفعل ما تقول و بعضهم *** حذق اللسان يقول ما لايفعل

و لقوله عليه السلام:

«منزوراً أكله». أي قليلاً.

استشهد ابن أبي الحديد بقول أعشى باهلة (158/10):

تكفيه حزة فلذ إن ألم بها *** من الشواء و يكفي شربة الغمر

و لقوله عليه السلام:

«و لا يشمت بالمصائب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (160/10):

فلست تراه شامتاً بمصيبة *** و لا جزعاً من طارق الحدثان

ص: 106

و لقوله عليه السلام:

«حسرة الرخاء و مؤكد البلا».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب (167/10):

و كأنما لم يرض فينا بريب ال *** دهر حتى أعانه من أعانا

كلما ركب الزمان قناة *** ركب المرء في القناة سنانا

و لقوله عليه السلام، عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

«فكان يأمر أهله، و يصبر نفسه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول عنترة (205/10)

فصبرت عارفة لذلك حرة *** ترسو إذا نفس الزمان تطلع

و لقوله عليه السلام:

«و استخبرها الحال».

استشهد ابن أبي الحديد بقول جرير (270/10):

و يقضى الأمر حين تغيب تيم *** و لا يستأذنون وهم شهود

و لقوله عليه السلام:

«لا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، و لا أدفع عن نفسي محذوراً من المرض أو الموت إلا ما دفعته عني».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (86/11):

لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي *** نوائب هذا الدهر أم كيف يحذر؟

ص: 107

يرى الشر مما يتقي فيخافه *** و مما يرى مما يقي الله أكثر

و قول عبد الله بن سليمان بن وهب:

كفاية الله أقدر من توقینا *** و عادة الله في الأعداء تكفينا

كاد الأعادي فما أبقوا و لا تركوا *** عيباً وطعناً وتقبيحاً وتهجينا

و لم نزد نحن في سر و فی علن *** على مقالتنا: الله يكفينا

و كان ذاك - ورد الله حاسدنا *** بغيظه - لم ينل مأموله فينا

و لقوله عليه السلام:

«و اقتحمته العيون». أي: احتقرته وازدرته.

استشهد بقول ابن دريد:

و منه ماتقتحم العين فإن *** ذقت جناه ساغ عذباً في اللها

و لقوله عليه السلام:

«فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، و لا تتحفظوا في بما يتحفظ به عند أهل البادرة».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي تمام في محمد بن عبد الملك (105/11-106)

وزير حق، و والي شرطة ورحا *** دیوان ملك، و شيعيٌ و محتسب

کالأرحبي المذكي سيره المرطي *** و الوخذ و الملح و التقريب و الخبب

عود تساجله أيامه فبها *** من مسّه و به من مسّها جُلَب

ص: 108

ثبت الخطاب إذا اصطكت بمظلمةٍ *** في رحله السن و الأقوام والركب

لا المنطق اللغو يزكو في مقاومه *** يوماً، و لا حجة الملهوف تُستلب

كأنما هو في نادي قبيلته *** لا القلب يهفو و لا الأحشاء تضطرب

و قول أبي الجهم الدوري:

نقلبه لنخبر حالتيه *** فنخبر منهما كرماً ولينا

نميل على جوانبه كأنا *** إذا ملنا نميل على أبينا

و لقوله عليه السلام:

«و برق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق»

استشهد ابن أبي الحديد بقول البحتري (138/11):

خطرت في النوم منها خطرة *** خطرة البرق بدا ثم اضمحل

أي زور لك لو قصدأ ترى *** و ملمٌ بك لو حقاً فعل

و لقوله عليه السلام، يحث فيه أصحابه على الجهاد:

«و اطووا فضول الخواصر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (142/11-143):

کلوا في بعض بطنكم و عفوا *** فإن زمانكم زمن خميص

و قول أعشى باهلة:

طاوي المصير على العزاء منصلت *** بالقوم ليلة لا ماء و لا شجر

و قول الشنفري:

ص: 109

و أطوي على الخمص الحوايا كما انطوت *** خيوطة ماري تغار و تفتل

و لقوله عليه السلام:

«لا تجتمع عزيمة و وليمة، ما انقضى النوم لعزائم اليوم! و أمحي الظلم، التذاكير الهمم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحد المحدثين إلى ولده:

خدمة السلطان والكا *** سات في أيدي الملاح

ليس يلتامان فاطلب *** رفعة أو شرب راح

و قول آخر إلى ولده:

ما للمطيع هواه *** من الملام ملاذ

فاختر لنفسك هذا *** مجد، و هذا التذاذ

و قول آخر:

و ليس فتى الفتيان من راح و اغتدى *** لشرب صبوح أو شرب غدوق

ولكن فتى الفتيان من راح و اغتدى *** لضر عدوٍ أو لنفع صديق

و قول الآخر:

فتى لا ينام على عزمه *** ومن صمم العزم لم يرقد

و لقوله عليه السلام:

«ذهبتم في أعقابهم جهالا، تطؤون في هامهم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي العلاء المعري (148/11):

ص: 110

خفف الوطء ما أظن أديم ال *** أرض إلا من هذه الأجساد

ربَّ لحدٍ قد صار لحداً مراراً *** ضاحك من تزاحم الأضداد

و دفين على بقايا دفينٍ *** من عهود الآباء و الأجداد

صاحٍ هذي قبورنا تملأ الأر *** ض فأين القبور من عهد عاد

سر إن اسطعت في الهواء رويداً *** لا اختيالاً على رفات العباد

و لقوله عليه السلام، عن الموتى:

«لا يتعارفون لليلٍ صباحاً، و لا لنهارٍ مساء».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (156/11):

لابد من يوم بلا ليلة *** أو ليلة تأتي بلا يوم

و لقوله عليه السلام:

«واكتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت».

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (163/11):

يدفِّن بعضنا بعضاً ويمشي *** أواخرنا على هام الأوالي

و كم عين مقبلة النواصي *** كحيل بالجنادل و الرمال

و مفض كان لا يفضي لخطب *** وبال كان يفكر في الهزال

و لقوله عليه السلام:

«جديد بلی».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (163/11):

ص: 111

يادار غادرني جديد بلاكِ *** رث الجديد فهل رثيت لذاكِ

و لقوله عليه السلام:

«في ظل عيش غفول».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (164/11):

وكان المرء في غفلات عيشٍ *** كأن الدهر منها في وثاق

و قول الآخر:

ألا إن أحلى العيش ما سمحت به *** صروف الليالي و الحوادث نوَّم

و لقوله عليه السلام:

«وارحل مطايا التمشير».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأعشى (245/11):

رحلت سمية غدوة اجمالها *** غضبى عليك فما تقول بدا لها

و خطب السفاح أول يوم صعد فيه المنبر فارتج عليه فقام عمه داود بن علي، فقال:

«أيها الناس إن أمير المؤمنين يكره أن يتقدم قوله فيكم فعله، و لأثر الأفعال أجدى عليكم من تنسيق المقال، و حسبكم كتاب الله علماً فيكم، و ابن عم الرسول صلى الله عليه و آله.

خليفة عليكم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (17/13):

ص: 112

و ما خير من لا ينفع الدهر عيشه *** و إن مات لم یحزن علیه أقاربه

کهام على الأقصى کليل لسانه *** و فی بشر الأدنى حديد مخالبه

و قول احيحة بن الحلاج:

و الصمت أجمل بالفتى *** ما لم يكن عيّ يشينه

و القول ذو خطل إذا *** ما لم يكن لبٌّ يزينه

و لقوله عليه السلام: في تقسيم الناس:

«.. فتام الرواء و ناقص العقل».

و الرواء بالهمز والمد: المنظر الجميل.

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (20/13-21)

عقله عقل طائر *** و هو في خلقة الجمل

و قول أبي الطيب:

و ما الحسن في وجه الفتى شرف له *** إذا لم يكن في فعله و الخلائق

و قول الآخر:

و ما ينفع الفتيان حسن وجوههم *** إذا كانت الأخلاق غير حسان

فلا يغررنك المرء راق رواؤه *** فما كل مصقول الغرار يماني

و قول قراد بن حنش الصاردي:

لقومي أرعى للعلا من عصابة *** من الناس يا حار بن عمرو تسودها

و أنت سماء يعجب الناس رزها *** بآبدة تنحى شديد وئيدها

ص: 113

تقطع أطناب البيوت بحاجب *** و أقرب شيء برقها ورعودها

فويل امها خيلاً بهاءً وشارة *** إذا لاقت الأعداء لولا صدودها

و منه ایضاً:

وكاثر بسعدٍ إن سعداً كثيرة *** ولا ترجُ من سعدٍ وفاءً ولا نصرا

يروعك من سعد بن زيد جسومها *** و تزهد فيها حين تقتلها خُبرا

و لقوله عليه السلام: في صفة الناس:

«و قريب القعر بعيد السبر».

استشهد ابن أبي الحديد بقول العباس بن مرداس (22/13): ترى الرجل النحيف فتزدريه *** و في أثوابه أسد مزير

و يعجبك الطرير فتبتليه *** فيخلف ظنك الرجل الطّرير

و قيل لبعض الحكماء:

ما بال القصار من الناس أدهى و أحذق؟

قال:

لقرب قلوبهم من أدمغتهم.

فاقتبس الشاعر هذا القول فقال (22/12):

(و) إن لا يكن عظمي طويلاً *** له بالخصال الصالحات وصول

و لا خير في حسن الجسوم و طولها *** إذا لم تزن حسن الجسوم عقول

فما عظم الرجال لهم بفخرٍ *** ولكن فخرهم کرم و خير

ص: 114

ضعاف الطير أطولها جسوماً *** و لم تطل البزاة و لا الصقور

بغاة الطير أكثرها فراخاً *** وأم الصقر مقلات نزور

لقد عظم البعير بغير لبٍ *** فلم يستغن بالعظم البعير

و لقوله عليه السلام: و هو يلي غسل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و تجهيزه:

«خصصت حتى صرت مسلياً عمن سواک».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (25/13-26):

رزئنا أبا عمر و لا حيّ مثله *** فلله در الحادثات بمن تقع

فإن تك قد فارقتنا و تركتنا *** ذوي خلة ما في انسداد لها طمع

لقد جر نفعاً فقدنا لك إننا *** أمنا على كل الرزايا من الجزع

و قول آخر:

أقول للموت حين نازله *** والموت مقدامة على البُهم

اظفر بمن شئت إن ظفرت به *** ما بعد يحيى للموت من ألم

و قول ابن أبي الحديد مما كتبه إلى صديق غاب عنه من جملة أبيات:

و قد كنت أخشى من خطوب غوائلٍ *** فلما نأى عني أمنت من الحذر

فأعجب لجسم عاش بعد حياته *** و أعجب النفع حاصل جرذه ضرر

و قول اسحق بن خلف يرثي بنتاً له:

أمست أميمة معموراً بها الرجم *** لقا سعيد عليها الترب مرتكم

ص: 115

يا شقة النفس إن النفس والهة *** حرّى عليك و إن الدمع منسجم

قد كنت أخشى عليها أن تقدمني *** إلى الحمام فيبدي وجهها العدم

فالآن نمت فلاهم يؤرقني *** تهدا العيون إذا ما أورت الحُرم

للموت عندي أيا لست أكفرها *** أحيا سروراً و بي مما أتى ألم

و قول آخر:

فلو أنها إحدى يدي رزيتها *** ولكن يدي بانت على إثرها يدي

فأكبت لا آسى على أثر هالك *** قدى الآن من حزن على هالك قدي

و قول آخر:

تغدو المنايا حيث شاءت فإنها *** محللة بعد الفتى ابن عقيل

فتىً كان مولاه يحل بنجوۃٍ *** فحل الموالي بعده بمسيل

و لقوله عليه السلام: و هو يحذر من طاعة الأسياد:

«الذين تكبروا عن حَسَبهم».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (149/13):

ما بال من أوله نطفة *** وجيفة آخره يفخر

يصبح لا يملك تقديم ما *** يرجو ولا تأخير ما يحذر

و لقوله عليه السلام:

«يا ابن عباس، ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغرب، أقبل و أدبر، بعث إلىَّ أن أخرج ثم بعث إلىَّ أن أقدم».

ص: 116

استشهد ابن أبي الحديد بقول العباس بن مرداس (297/13):

أراك إذا أصبحت للقوم ناضحاً *** يقال له بالغرب أدبر و أقبل

و لقوله عليه السلام:

«ألا ترون إلى بلادكم تٌغزى، و إلى صفاتکم ترمی».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (313/13):

و الدهر يوتر قوسه *** يرمي صفاتك بالمقابل

و لقوله عليه السلام: مخبراً عن شدة اتحاد ولده به:

«وجدتك بعضي».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (61/16):

و إنما أولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الأرضِ

لو هبت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني من الغمضِ

و قول الطرماح، و قد غضب على امرأته فشفع فيها ولده منها صمصام، و هو غلام لم يبلغ عشراً.

أصمصام إن تشفع لأمك تلقها *** لها شافع في الصدر لم يتزحزح

هل الحب إلا أنها لو تعرضت *** لذبحك يا صمصام قلت لها: اذبحي

أحاذر يا صمصام إن مت أن يلي *** تراثي و إياك امرؤ غير مصلح

إذا حك وسط القوم رأسك حكة *** يقول له الناهي: ملكت فأسجحِ

و قول أعرابية في ترقيص ولدها:

ص: 117

يا حبذا ريح الولد *** ريح الخزامي في البلد

أهكذا كل ولد *** أم لم يلد قبلي أحد

و قول الرياشي:

من سرّه الدهر أن يرى الكبدا *** يمشي على الأرض فليرَ الولدا

و لقوله عليه السلام:

«و أعرض عليه أخبار الماضين».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

سل عن الماضين إن نطقت *** عنهم الأحداث و التُرَكُ

أيّ دار للبلی نزلوا *** و سبيل للردی سلكوا

و لقوله عليه السلام:

«و إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء قبلته».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (67/16):

اختم وطينك رطب إن قدوركم *** قد أمكن الختم أقوام فما ختموا

و لقوله عليه السلام:

«فالمال لا يبقى لك و لا تبقى له».

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب (88/16):

أين الجبابرة الأكاسرة الأولى *** كنزوا الكنوز فلا بقين و لا بقوا

و لقوله عليه السلام: يوصي ولده:

ص: 118

«فخفض في الطلب».

و هو أصلاً مقتبس من قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم:

«إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فأجملوا في الطلب».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (94/16):

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله *** عوضاً و لا نال الغني بسؤال

و إذا النوال إلى السؤال قرنته *** رجح السؤال وخف كل نوال

و قول آخر:

رددت رونق وجهي عن صحيفته *** رد الصقال بهاء الصارم الخذم

و ما أبالی و خیر القول أصدقه *** حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي

و قول آخر:

و إني لأختار الزهيد على الغنى *** و أجزأ بالمال القراح على المحض

و لقوله عليه السلام:

«و حرارة اليأس خير من الطلب إلى الياس».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (98/16):

و إن كان طعم اليأس مراً فإنه *** ألذ و أحلى من سؤال الأراذل

و قول البحتري:

و اليأس إحدى الراحتين ولن ترى *** تعباً لظن الخائب المغرور

ص: 119

و لقوله عليه السلام:

«المرء أحفظ لسره»

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر:

إذا ضاق صدر المرء عن حفظ سره *** فصدر الذي بُستودع السر أضيق

و قول الآخر:

عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن مقتدِ

و لقوله عليه السلام:

"إذا كان الرفق خرقاً كان الخرق رفقا"

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر عمرو بن كلثوم (101/16) (121):

ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

و لقوله عليه السلام:

"و ربما كان الدواء داءً، والداء دواءً".

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي نواس (101/16):

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء *** وداوني بالتي كانت هي الداء

و قول الشاعر:

تداويت من ليلي بليلى فلم يكن *** دواءً ولكن كان سقماً مخالفا

و لقوله عليه السلام:

"إياك والاتكال على المني فإنها بضائع النَوَكي".

ص: 120

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي تمام (102/16):

من كان مرعي عزمه وهمومه *** روض الأماني لم يزل مهزولا

و لقوله عليه السلام:

"ليس كل طالب يصيب"

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (103/16):

ما كل وقت ينال المرء ما طلبا *** ولا يسوغه المقدار ما وهبا

و لقوله عليه السلام:

"و لا كل غائب يثوب"

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبيد (103/16):

و كل ذي غيبة يؤوب *** و غائب الموت لا يشوب

و لقوله عليه السلام:

"رب يسير أثمن من كثير"

استشهد ابن أبي الحديد بقول الفرزدق (104/16):

فإن تميماً قبل أن يلد الحصا *** أقام زماناً وهو في الناس واحد

و لقوله عليه السلام:

"لا خير في معين مهين، و لا في صدیق ظنين"

إذا تكفيت بغير كافِ *** وجدته اللهم غير شافِ

و قول الآخر:

ص: 121

فإن من الأحزان من شحط النوى *** به فهو راعٍ للوصال أعين

و منهم صديق العين أما لقاؤه *** فحلو و أما غيبه فظنين

و لقوله عليه السلام:

"ساهل الدهر ما ذل لك قعوده"

استشهد ابن أبي الحديد بقول القائل (106/16):

و در مع الدهر كيفما دارا

و يقول الآخر:

و من قاصر الأيام عن ثمراتها *** فأحرى بها أن تنجلي ولها العمر

و قول الآخر:

إذا الدهر أعطاك العنان فسر به *** رويدا فلا تعنف فيصبح شاما

و لقوله عليه السلام:

"إحمل نفسك من أخيك عند صرفه على الصلة. و عند صدوده على اللطف و المقاربة؛ و عند جحوده على البذل. و عند تباعده على الدنو، و عند شدته على اللين، و عند جرمه على العذر، حتى كأنك له عبد، و كأنه ذو نعمة عليك؛ و إياك أن تضع ذاك في غير موضعه، و أن تفعله بغير أهله".

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (107/16):

و إن الذي بيني و بين بني أبي *** و بين بني أمي لمختلف جدا

فأن أكلوا لحمي و فرت لحومهم *** و إن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ص: 122

و إن زجروا طيرا بنحس تمر بي *** زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا

و لا أحمل الحقد القديم عليهم *** و ليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

و قول عروة المرجي:

إني و إن كان ابن عمي كاشحا *** المقاذف من خلفه وورائه

و مفيده نصري و إن كان امرءاً *** متزحزحا في أرضه و سمائه

و أكون و الي سره و أصونه *** حتى يحق علي وقت أدائه

و إذا الحوادث أجحفت بسوامه *** قرنت صحيحته إلى جربائه

و إذا دعا باسمي ليركب مركبا *** صعبا قعدت له على سيمائه

و إذا أجن خليقة في خدره *** لم أطلع مما وراء خبائه

و إذا إتى ثوبا جميلا لم أقل *** يا ليت أن علي فضل ردائه

لقوله عليه السلام:

"لا تتخذن عدو صديقك صديقا لك فتعادي صديقك".

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (107/16):

صديق صديقي داخل في صداقتي *** و خصم صديقي ليس لي بصديق

و قول الآخر:

تود عدوي ثم تزعم أنني *** صديقك إن الرأي عنك لعازب و لقوله عليه السلام:

"و لا تضيعن حق أخيك، إتكالا على ما بينك و بينه فأنه ليس لك بأخ من

ص: 123

أضعت حقه".

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (110/16):

إذا خنتم بالغيب عهدي فما لكم *** تدلون إدلال المقيم على العهد

حلوا و افعلوا فعل المدل بوصله *** و إلا فصدوا و افعلوا فعل ذي الصد

و لقوله عليه السلام:

"لا ترغبن فيمن زهد فيك".

استشهد ابن أبي الحديد بقول العباس بن الأحنف (110/16):

ما زلت أزهد في مودة راغب *** حتى ابتليت برغبة في زاهد هذا هو الداء الذي ضاقت به *** حيل الطبيب و طال يأس العائد

و قول تأبط شرا:

إني إذا خلة ظنت بنائلها *** و أمسكت بضعيف الحبل أحذاقي نحوت منها نجائي من بجيلة إذ *** ألقيت ليلة خبت الرهط أرواقي

و لقوله عليه السلام:

"إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك".

و هو مقتبس من قول رسول الله صلى الله عليه و آله:

"يا ابن آدم ليس لك من مالك إلا ما أملت فأفنيت، و لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت".

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي العتاهية (116/16):

ليس للمتعب الكادح من دن *** ياه إلا الرغيف و الطمران

ص: 124

و لقوله عليه السلام:

"و إن كنت جازعا على ما تفلت من يديك فاجزع على ما لم يصل إليك".

استشهد بقول الشاعر:

و ذي إبل يسقي ويحسبها له *** أخي تعب في رعيها ودؤوب

غدت و غدا رب سواه يسوقها *** و بدل أحجارا وجال قليب

و لقوله عليه السلام:

"ما استدل على ما لم يكن بما كان، فأن للأمور أشباهها".

قال أبو الطيب في سيف الدولة:

ذکی تظنيه طليعة عيشه *** يرى قلبه في يومه ما يرى غدا

و لقوله عليه السلام:

"و لا تكونن ما لا تنفعه العظة، إذا بالغت في إيلامه، فأن العاقل يتعظ بالآداب، و البهائم لا تتعظ إلا بالضرب".

قال ابن المفرغ:

العبد يقرع بالعصا *** و الحر تكفيه الملامة

و لقوله عليه السلام:

"الصديق من صدق غيبه".

قال أبو نواس (117/16):

هل لك والهل خبر *** فيمن إذا غبت حضر

ص: 125

أو مالك اليوم أثر *** فإن رأى خيرا شكر

أو كان تقصيرا عذر

و لقوله عليه السلام:

"رب بعيد أقرب من قريب و قريب أبعد من بعيد".

قال الشاعر (118/16):

لعمرك ما يضر البعد يوما *** إذا دنت القلوب من القلوب

و قال البحتري:

ز نازحة والدار منها قريبة *** و ما قرب ثاو في التراب مغيب

و لقوله عليه السلام: عن الدنيا:

"من أمن الزمان خانه، و من أعظم أهانه".

قال أبو الطيب (120/16):

هي معشوقة على الغدر لا تح *** فظ عهداً و لا تتمم وصلا

شيم الغانيات فيها فلا أد *** ري لذا أنت أسمها أم لا

و لقوله عليه السلام:

"إياك و التغاير في غير موضع غيرة".

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (127/16):

يا أيها الغائر مه لا تقر *** إلا لما تدركه بالبصر

ما أنت في ذلك إلا كمن *** بيّته الدب لرمي الحجر

ص: 126

قال مسكين الدارمي:

ما أحسن الغيرة في حينها *** و أقبح الغيرة في غير حين

من لم يزل متهما عرسه *** مناصبا فيها لرجم الظنون

يوشك أن يغريَها بالذي *** يخاف، أو ينصبها للعيون

حسبك من تحصينها ضمها *** منك إلى خيم کريم ودين

لا تظهرن يوما على عورة *** فيتبع المقرون حبل القرين

و لقوله عليه السلام:

"والله، الله في جيرانكم، فأنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم".

قال الشاعر (8/17):

ألا من يشتري دارا برخص *** كراهة بعض جيرتها تباع

و قال قيس بن زهير (10/17):

أطوف ما أطوف ثم آوي *** إلى جار كجار أبي دوادِ

و قول مسكين الدارمي:

ما ضر جارا لي أجاوره *** ألا يكون لبابه ستر

أعمى إذا ما جارتي خرجت *** حتى يواري جارتي الخدر

ناري ونار الجار واحدة *** و إليه قبلي ينزل القدر

و لقوله عليه السلام:

ص: 127

"و لا يكون المحسن و المسيء عندك بمنزلة سواء".

قال أبو الطيب (46/17):

شر البلاد بلاد لا صديق بها *** و شر ما يكسب الإنسان ما يصم

و شر ما قبضته راحتي قنصٍ *** شهب البزاة سواء منهمو الرخم

و لقوله عليه السلام:

"و لا تسرف نفسه على طمع".

قال الليث (59/17):

و من مضر الحمراء إسراف أنفس *** علينا وحياها علينا تمضرا

و قال عروة بن أذنية:

لقد علمتُ و ما الأشراف من خلقي *** إن الذي هو رزقي سوف يأتيني

و لقوله عليه السلام، يوصي أحد عماله:

"ثم انظر في حال كتّابك؛ فول على أمورك خيرهم".

قال أحدهم:

"لا تخف صولة الأمير مع رضا الكاتب، و لا تثقن برضا الأمير مع سخط الكاتب"

و قال أبو الفضل بن العميد (80/17):

و زعمت أنك لست تتكر بعد ما *** علقت يداك بذمة الأمراء

هيهات قد كذبتك فكرتك التي *** قد أوهمتك غني عن الوزراء

ص: 128

لم تغن عن أحد سماء لم تجد *** أرضا و لا أرض بغير سماء

و لقوله عليه السلام، من كلام يوصي به شریح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام:

"و اعلم أنك إن لم تروع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه، سمت بك الأحوال إلى كثير من الضرر".

قال حاتم الطائي (139/17):

فإنك إن أعطيت بطنك سؤلها *** و فرجك نالا منتهی الذم أجمعا

و لقوله عليه السلام:

"و من نام لم ينم عنه".

قال الشاعر (226/17):

لله درك ما أردت بثائر *** حران ليس عن التراث براقد

أسهرته ثم اضطجعت فلم ينم *** حنقا عليك و كيف نوم الحاقد و لقوله عليه السلام:

"أذری بنفسه من استشعر بالطمع، و رضي بالذل من كشف عن ضره".

قال الشاعر (85/18):

رأيت مخيلة فطمعت فيها *** و في الطمع المذلة للرقاب

و لقوله عليه السلام:

"وهانت عليه نفسه من أمرّ عليها لسانه".

ص: 129

قال الشاعر (86/18):

يموت الفتى من عثرة بلسانه *** و ليس يموت المرء من عثرة الرجل

و لقوله عليه السلام:

"و الجبن منقصة".

قال أبو دلامة (88/18):

إني أعوذ برَوح أن يقدمني *** إلى القتال فتشفي بي بنو أسد

إن المهلب حبُّ الموت أورثهم *** و لم أرث رغبة في الموت عن أحد

و لقوله عليه السلام:

"الفقر يخرس الفطِن عن حاجته".

قال الشاعر (88/18):

سأُعجل نص العيس حتى يكفني *** غنى المال يوما أو غنى الحدثان

فللموت خير من حياة يرى لها *** على الحر بالإقلال و سم هوان

متى يتكلم يلغ حكم كلامه *** و إن لم يقل قالوا: عديم بيان

كأن الغنى عن أهله يورد الغنى *** بغیر لسان ناطق بلسان

و لقوله عليه السلام:

"و المقل غريب في بلدته".

قال خلف الأحمر (88/18):

لا تظني أن الغريب هو النا *** ئي ولكن الغريب المقلُ

ص: 130

و لقوله عليه السلام:

"من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه".

قال الشاعر (100/18):

أرى كل إنسان يرى عيب نفسه *** و يعمى عن العيب الذي هو فيه

و ما خير من تخفى عليه عيوبه *** و يبدو له العيب الذي بأخيه

و لقوله عليه السلام:

"إن قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه".

قال (ابن أبي الحديد) 109/18:

إن الأماني أكساب الجهول فلا *** تقنع بها فاركب الأهوال والخطرا

و اجعل من الفعل جهلا و اطّرح نظرا *** في الموبقات و لا تستشعر الخدرا

و إن قدرت على الأعداء منتصرا *** فاشكر بعفوك عن أعدائك الظفرا

و لقوله عليه السلام:

"أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، و أعجز منه من ضيع من ظفر به منهم".

قال ابن الأعرابي (112/18):

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة *** ولكن إخوان الصفاء الذخائر

و لقوله عليه السلام:

"إذا وصلت إليكم أطراف النعم، فلا تنفّروا أقصاها بقلة الشكر".

ص: 131

قال البحتري (116/18):

فإن أنا لم أشكر لنعماك جاهدا *** فلا نلت نعمي بعدها توجب الشكرا

و قوله أيضا:

سأجهد في شكري لنعماك أنني *** أرى الكفر للنعماء ضرباً من الكفر

و لقوله عليه السلام:

"ما كل مفتون يحاسب".

قال المتنبي (119/18):

فما كل فعّال يجازی بفعله *** و لا كل قوّال لدي يجاب

و ربَّ كلام مرَّ فوق مسامعي *** كما طن في لفح الهجير ذباب

و لقوله عليه السلام:

"من جرى في عنان أمله عثر بأجله".

قال الشاعر (127/18):

من تمنى المني فأغرق فيها *** مات من قبل أن ينال مناه

ليس من مال في تتابع الل *** ذات فضل عن نفسه لثراه

و لقوله عليه السلام:

"قرنت الهيبة بالخيبة، و الحياء بالحرمان، و الفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير".

قال الشاعر (131/18):

ص: 132

ليس للحاجات إلا *** من له وجه وقاح

و لسان طرمذي *** و غدو و رواح

فعليه السعي فيها *** و على الله النجاح

و لقوله عليه السلام:

"ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه، و صفحات وجهه".

قال الشاعر (137/18):

تخبر في العينان ما القلب كاتم *** و ما جن بالبغضاء و النظر الشزر

و قال آخر:

و في عينيك ترجمة أراها *** تدل على الضغائن و الحقود

و أخلاق عهدت اللين فيها *** غدت و كأنها زبر الحديد

و قد عاهدتني بخلاف هذا *** و قال الله: لله أوفوا بالعقود

و لقوله عليه السلام:

"أفضل الزهد إخفاء الزهد".

قال الشاعر (139/18):

معشر أثبت الصلاة عليكم *** لجباه يشقها المحراب

عمروا موضع التصنع منهم *** و مكان الإخلاص منهم خراب

و لقوله عليه السلام:

"فاعل الخير خير منه، و فاعل الشر شر منه".

ص: 133

قال ابن أبي الحديد:

خير البضائع للإنسان مكرمة *** تنمي و تزكو إذا بارت بضائعه

فالخير خير و خير منه فاعله *** و الشر شر و شر منه صانعه

و لقوله عليه السلام، لابنه الحسن عليه السلام:

"يا بني إياك و مصادقة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك".

قال ابن أبي الحديد (157/18):

حياتك لا تصاحبن الجهول *** فلا خير في صحبة الأخرق

يظن أخو الجهل إن الظلال *** عين الرشاد فلا يتقي

و يكسب صاحبه حمقه *** فيَسرق منه و لا يُسرقُ

و أقسم أن العدو اللبيب *** خير من المشفق الأحمق

و لقوله عليه السلام:

"احذروا صولة الكريم إذا جاع، و اللئيم إذا شبع".

قال الشاعر (179/18):

و يصبر الحر تحت ضيم *** و إنما يصبر الحمار

و لقوله عليه السلام:

"قلوب الرجال وحشية، فمن تألّفها أقبلت عليه".

قال الشاعر (180/18):

و إني لوحشيُّ إذا ما زجرتني *** و إني إذا ألفيتني لألوف

ص: 134

و قال عمار بن عقيل، الذي عكس المراد:

تبحثتمُ سخطي فكدر بحثكم *** نخيلة نفس كان صفرا ضميرها

و لم يلبث التخشين نفسا كريمة *** على قومها أن يستمر مريرها

و ما النفس إلا نطفة بقرارة *** إذا لم تكدر كان صفوا غديرها

و لقوله عليه السلام:

"السخاء ما كان ابتداءً، فإذا كان عن مسألة فحياء وتذمم".

قال ابن حيوس على سبيل الإعجاب (184/18):

إني دعوت ندى الكرام فلم يجب *** فلأشكرن ندى أجاب و ما دعي

و من العجائب و العجائب جمة *** شكر بطيء ن ندى المتسرع

و قال آخر:

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله *** عوضا و لو نال الغنى بسؤال

و إذا النوال إلى السؤال قرنته *** رجع السؤال وخف كل نوال

و لقوله عليه السلام:

"الغني في الغربة وطن، و الفقر في الوطن غربة".

قال الشاعر (190/18):

يا دائب الفقر ألا تزدجر *** عيب الغنى أكبر لو تعتبر

إنك تعصي الله تبغي الغنى *** و ليس تعصي الله كي تفتقر

و لقوله عليه السلام:

ص: 135

"القناعة مال لا ينفد". ويروى أنه للنبي صلى الله عليه و آله و سلم.

قال الشاعر:

و ما الناس إلا واحد غير قانع *** بأرزاقه أو طالب غير واجد

و لقوله عليه السلام:

"المال مادة الشهوات".

قال الشاعر (194/18):

و صاحب صدق ليس ينفع قربه *** و لا وده حتى تفارقه عمدا و قال الحريري:

و ليس يغني عنك في المضايق *** إلا إذا فرَّ فرار الآبق

و قال آخر:

ألم تر أن المال يهلك ربه *** إذا جم آتیه وسد طريقه

و من جاوز البحر الغزير بقحمة *** و سد طريق الماء فهو غريقه

و لقوله عليه السلام:

"سَبُعٌ إن خُلّي عنه عقر".

قال الشاعر (199/18):

هي العوجاء لست تقيمها *** ألا أن تقويم الضلوع انكسارها

يجمعن ضعفا و اقتدارا على الغنى *** أليس عجيبا ضعفها و اقتدارها

و قال طفيل الغنوي:

ص: 136

إن النساء كأشجار نبتن معاً *** هن المُرار و بعض المر مأكول إن النساء متى ينهين عن خلق *** فإنه واجب لا بد مفعول

و لقوله عليه السلام:

"الشفيع جناح الطالب".

قال أبو الطيب (205/18):

إذا عرضت حاج إليك فنفسه *** إلى نفسه فيها شفيع مشفع

و قال آخر:

إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة *** فلا خير في ود يكون بشافع

و قال دعبل:

و إن امرئ أسدى إلي بشافع *** إليه ويرجو الشكر مني لأحمق

و قال آخر:

مضى زمني و الناس يستشفعون بي *** فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع

و قال المجنون:

و نبئت ليلى أرسلت بشفاعة *** إلي، فهلا نفس ليلى شفيعها

أأكرم من ليلى عليَّ فتبتغي *** به الجاه أم كنت امرءً لا يطيعها

و قال آخر:

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالدٍ *** شفيعا له عند الخليقة ينجح

و قال آخر:

ص: 137

و إذا امرؤ أسدى إليك صنيعة *** من جاهه، فكأنها من ماله

و قال آخر:

و عطاء غيرك إن بذلت *** عناية فيه عطاؤك

و لقوله عليه السلام:

"فقد الأحبة غرية".

قال الشاعر (210/18):

فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى *** (و) لكن من تنأين عنه غريب

و قال آخر:

أسرة المرء والداه وفيما *** بين حضنيهما الحياة تطيب

و إذ وليا عن المرء يوما *** فهو في الناس أجنبي غريب

و لقوله عليه السلام:

"العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني".

قال الشاعر (213/18):

فإذا افتقرت فلا تكن *** متخشعا و تجمّلِ

و قال آخر:

أقسم بالله لمصقُّ النوى *** و شرب ماء القلَّب المالحة

أحسن بالإنسان من ذلة *** و من سؤال الأوجه الكالحة

فاستغن بالله تكن ذا غنى *** مغتبطا بالصفقة الرابحة

ص: 138

طوبى لمن تصبح ميزاته *** يوم يلاقي ربه راجحة

و قال آخر، و قد وقف على كنيف و أسفله کنّاف:

و أكرم نفسي عن أمور كثيرة *** ألا إن إكرام النفوس من العقل

و أبخل بالفضل المبين على الأولى *** رأيتهم لا يكرمون ذوي الفضل

و ما شانتي كنس الكنيف و إنما *** يشين الفتى أن يجتدي نائل النذل

و أقبح مما بي وقو في مؤملا *** نوال فتى مثلي، وأي فتى مثلي

و لقوله عليه السلام:

"قيمة كل امرئ ما يحسنه".

قال الشاعر (231/18):

تعلم فليس المرء يخلق عالماً *** و ليس أخو علم كمن هو جاهل

و إن كبير القوم لا علم عنده *** صغير إذا التفت عليه المحافل

و لقوله عليه السلام:

"لا يرجونَّ أحد منكم إلا ربه".

قال أبو العتاهية:

و الله لا أرجو سوا *** ك و لا أخاف سوى ذنوبي

و لقوله عليه السلام:

"رأي الشيخ أحب من جلد الغلام".

قال أبو الطيب (237/18):

ص: 139

الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مرة *** بلغت من العلياء كل مكان

و لربما طعن الفتى أقرانه *** بالرأي قبل تطاعن الأقران

لولا العقول لكان أدنى ضيغم *** أدنى إلى شرف من الإنسان

و لما تفاضلت الرجال و دبرت *** أيدي الكماة عوالي المران

و قال لقيط بن يعمر الأيادي (238/18):

و قلدوا أمركم لله دركم *** رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفا إن رضاء العيش ساعده *** و لا إذا عض مکروه به خشبا

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره *** یکون متبِّعا طورا و متبِّعا حتى استمر على شزر مريرته *** مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا

و لقوله عليه السلام:

"و من أصلح أمر آخرته، أصلح أمر دنياه".

قال الشاعر (242/18):

أنا شاكر أنا مادح أنا حامد *** أنا خائف أنا جائع أنا عارٍ

هي ستة و أنا الضمين بنصفها *** فكن الضمين بنصفها يا باري

و لقوله عليه السلام:

"لا يستقیم قضاء الحوائج إلا بثلاث، باستصغارها لتعظم، و باستكتامها لتظهر، و بتعجيلها لتهنأ".

ص: 140

قال أبو تمام (259/18):

و كان المطل في بدءٍ وعودٍ *** دخاناً للصنيعة و هي نار

نسيب البخل مذ كانا و إلا *** يكن نسب فبينهما جوارٌ

لذلك قيل بعض المنع أدنى *** إلى جود، و بعض الجود عارٌ و لقوله عليه السلام:

"إذا استوى الصلاح على الزمان و أهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه حوبة فقد ظلم، و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله، فأحسن رجل الظن برجل فقد غرّر".

قال الشاعر (278/18):

أسأت إذا أحسنت ظني بكم *** و الحزم سوء الظن بالناس

و قال آخر:

و قد كان حسن الظن بعض مذاهبي *** فأدبني هذا الزمان و أهله

و قال ابن المعتز:

تفقد مساقط لحن المريب *** فإن العيوب وجوه القلوب

و طالع بوادره في الكلام *** فأنك تجني ثمار العيوب

و قيل له عليه السلام:

- كيف تجدك أمير المؤمنين؟

فقال:

ص: 141

"كيف يكون حال من يفني ببقائه، و يسقم بصحته، ويؤتى من مأمنه".

قال عبدة بن الطبيب (280/18):

أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ *** و حسبك داء أن تصح و تسلما

و لن يلبث العصران يوم و ليلة *** إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما و قال آخر:

كانت قناتي لا تلين لغامز *** فأنها الإصباح و الإمساء

و دعوت ربي بالسلامة جاهدا *** ليصحني فإذا السلامة داء

و لقوله عليه السلام:

"شتان ما بين عملين؛ عمل تذهب لذته، و تبقى تبعته، و عمل تذهب مؤونته، و يبقى أجره".

قال الشاعر (310/18):

تفني اللذاذة ممن نال بغيته *** من الحرام و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار

و لقوله عليه السلام:

"لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث، في نكبته، و غيبته، ووفاته"

قال الشاعر (330/18):

و إذا الفتى حسنت مودته *** في القرب ضاعفها على البعد

ص: 142

و قال آخر:

و إني لأستحييه و الترب بيننا *** كما كنت أستحييه وهو يراني

و قال أبو العلاء:

أزرت بكم يا ذوي الألباب أربعة *** يتركن أحلامكم نهب الجهالات

ودّ الصديق و علم الكيمياء و أح *** كام النجوم، و تفسير المنامات

و لقوله عليه السلام:

"ما عال من اقتصد"

قال أبو العلاء (338/18):

و إن كنت تهوى العيش فابغِ توسطا *** فعند التناهي پنصر المتطاول

و لقوله عليه السلام:

"والهم نصف الهرم".

قال الشاعر (341/18):

هموم قد أبت إلا التباسا *** تبثُّ الشيب في رأس الوليد

و تقعد قائماً بشجا حشاه *** و تطلق للقيام حبا القعود

و أضحت خشّعا منها نزار *** مركبة الرواجب في الخدود

و قال أبو تمام:

شاب رأسي و ما رأيت مشيب ال *** رأس من فضل شيب الفؤاد

و كذاك القلوب في كل بؤسٍ *** ونعيم طلاع الأجساد

ص: 143

طال إنكاري البياض و لو عَمَّر *** تُ شيئا أنكرت لون السواد و لقوله عليه السلام:

"ينزل الصبر على قدر المصيبة" و "عليكم بالصبر فإن به يأخذ الحازم، و يعود إليه الجازع".

قال أبي خراش الهذلي يذكر أخاه عروة (342/18):

تقول أراه بعد عروة... *** و ذلك رزءٌ لو علمت جليل

فلا تحسبي أني تناسيت عهده *** ولكن صبر يا أميم جميل

و قال عمرو بن معد يكرب:

كم من أخ لي صالح *** برأته بيديَّ لحدا

ألبسته أكفانه *** وخلقت -يوم خلقت- جلدا

و قال الشاعر:

أيا عمرو لم أصبر ولي فيك حيلة *** ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر

تصبّرت مغلوبا و أني لموجع *** كما صبر القطان في البلد القفر

و لقوله عليه السلام:

"المرء مخبوء تحت لسانه".

قال الشاعر (353/18):

و كان أخلائي يقولون مرحباً *** فلما رأوني مقترا مات مرحب

و قول الآخر:

ص: 144

و كائن ترى من صامت لك معجب *** زیادته أو نقصه في التكلم

لسان الفتى نصف و نصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم و الدم

و لقوله عليه السلام:

"لكل امرئ عاقبة حلوة أو مرة".

قال الطائي (361/18):

فكانت لوعة ثم استقرت *** كذاك لكل سائلة قرار

و قال الكميت:

فالآن صرت إلى أمي *** ة و الأمور إلى مصاير

و لقوله عليه السلام:

"لكل مقبل إدبار، و ما أدبر كأن لم يكن".

قال الشاعر (363/18-365):

ما طار طير و ارتفع *** إلا كما طار وقع

و قال الآخر:

في هذه الدار في هذا الرواق على *** هذي الوسادة كان العز فانقرضا

و قال الآخر:

إن الأمور إذا دنت لزوالها *** فعلامة الأدبار فيها تظهر

و قال الآخر:

أفٍ لدنيا إذا كانت كذا *** أنا منها في هموم و أذى

ص: 145

إن صفا عيش امرئ في صبحها *** جرعته محسيا كأس القذي

و لقد كنت إذا ما قيل من *** أنعم العالم عيشا؟ قيل: ذا

و قال أهاب بن هام صعصعة المجاشعي:

لعمر أبيك فلا تكذبن *** لقد ذهب العمر إلا قليلا

و قد فتن الناس في دينهم *** و خلى ابن عفان شرا طويلا

و قال أبو العتاهية:

يعمر بيت بخراب بيت *** يعيش حي بتراب ميت

و قال شاعر:

رب يوم بكيت منه فلما *** صرت في غيره بكيت عليه

و قول الآخر:

إنما الدنيا دول *** راحل قيل نزل

نازل قيل رحل

و قالت الحرقة بنت النعمان بن المنذر لخالد بن الوليد عندما فتح عين التمر و سأل عنها قالت:

فبينا نسوس الناس و الأمر أمرنا *** إذا نحن فيها سوقة نتنصف

فأفٍ لدنيا لا يدوم نعيمها *** تقلب قارات بنا و تصَرَّف

و قال سعد بن أبي وقاص، و قد جاء الحرقة بنت النعمان بن المنذر مرة فلما رآها قال:

ص: 146

- قاتل الله عدي بن زيد، كأنه كان ينظر إليها حيث قال لأبيها:

إن للدهر صرعة فاحذرنها *** لا تبيتن قد أمنت الدهورا

قد يبيت الفتي معافي فيردي *** و لقد كان آمنا مسرورا

و لقوله عليه السلام:

"لا يعدم الصبور الظفر و إن طال به الزمان".

قال الشاعر:

و الصبر بالأرواح يعرف فضله *** صبر الملوك و ليس بالأجسام

و لقوله عليه السلام:

"عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه".

قال محمود الوراق (378/18-379):

إني شكرت لظالمي ظلمي *** و غفرت ذاك له على علم

و رأيته أهدى إليَّ يدا *** لما أبان بجهله حلمي

رجعت إساءته إليه و إح *** ساني فعاد مضاعف الجرم

و غدوت ذا أجرٍ و محمدةٍ *** و غدا بكسب الظلم و الإثم

فكأنما الإحسان كان له *** و أنا المسيء إليه بالحكم

ما زال يظلمني و أرحمه *** حتی بكيت له من الظلم

و لقوله عليه السلام:

"من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن".

ص: 147

قال الشاعر (380/18):

و زعمت أنك لا تلوط فقل لنا *** هذا القرطّق واقفا ما يصنع شهدت ملاحته عليك بريبة *** و على المريب شواهد لا تدفع

و لقوله عليه السلام:

"من ملك استأثر".

قال أبو الطيب (381/18):

و الظلم من شيم النفوس فإن تجد *** ذا عفة فلعلة لا يظلم

و لقوله عليه السلام:

"من استبد برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها عقولها".

قال بشار (383/18):

إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن *** بعزم نصيح أو مشورة حازم

و لا تجعل الشورى عليك غضاضة *** فإن الخوا فی عدة للقوادم

و لقوله عليه السلام:

"الموت الفقر الأكبر".

قال الشاعر (386/18):

خلق المال و اليسار لقوم *** و أراني خلقت للإملاق

أنا فيما أرى بقية قوم *** خلقوا بعد قسمة الأرزاق

و قال السيواسي:

ص: 148

ليت شعري لما بدا يقسم ال *** أرزاق في أي مطبق كنت

و قال من كتب على جانب دینار:

قرنت بالنجح و بي كلما *** يراد من ممتنع يوجد

و على الجانب الآخر:

و كل من کنت له آلفا *** فالإنس و الجن له عبد

و قال آخر:

و إذا رأيت صعوبة في مطلب *** فاحمل صعوبته على الدينار

تردد كما الظهر الذلول فإنه *** حجر يليِّن قوة الأحجار

و لقوله عليه السلام:

"من قضى حق من لا يقضي حقه فقد عبّده".

قال الشاعر، و هو نقيض هذا القول يخاطب صاحبا له (388/18):

كن كمن لم تلاقني قط في النا *** س و لا تجعلن ذكراي شوقا

و تيقن بأنني غير داءٍ *** لك حقا حتى ترى لي حقا

و بأني مفوق ألف سهم *** لك إن فوقت يمينك فوقا

و لقوله عليه السلام:

"الإعجاب يمنع من الازدياد".

قال المتنبي (393/18):

و من جهلت نفسه قدره *** رأي غيره منه مالا يرى

ص: 149

و لقوله عليه السلام:

"الأمر قریب و الاصطحاب قليل".

قال أبو العلاء (394/18):

نفسي و جسمي لما استجمعا صنعا *** شرا إليَّ فجل الواحد الصمد

فالجسم يعزل فيه النفس مجتهدا *** و تلك تزعم أن الظالم الجسد

إذا هما بعد طول الصحبة افترقا *** فإن ذاك لأحداث الزمان يد

و أصبح الجوهر الحساس في محن *** موصولة واستراح الآخر الجحد

و لقوله عليه السلام:

"قد أضاء الصبح لذي عينين".

قال ابن هانئ (395/8):

فاستيقضوا من رقدة و تنبهوا *** ما بالصباح عن العيون خفاء

ليست سماء الله ما ترونّها *** لكن أرضا تحتويه سماء

و لقوله عليه السلام:

"كم من أكلة تمنع أكلات".

قال أبوالعلاف في سنور له يرثیه (397/18):

أردت أن تأكل الفراخ و لا *** يأكلك الدهر أكل مضطهد

يا من لذيذ الفراخ أوقعه *** ويحك هلا قنعت بالغدد

كم أكلة خامرت حشا شرهٍ *** فأخرجت روحه من الجسد

ص: 150

و لقوله عليه السلام:

"أزجر المسيء بثواب المحسن".

قال ابن هاني المغربي (410/18):

لولا انبعاث السيف و هو مسلط *** في قتلهم قتلتهم النعماء

و قال أبو العتاهية:

إذا جازيت بالإحسان قوما *** زجرت المذنبين عن الذنوب

فما لك و التناول من بعيد *** و يمكنك التناول من قريب

و لقوله عليه السلام:

"ثمرة التفريط الندامة، و ثمرة الحزم السلامة".

قال أبو الأسود و هو يرد على زياد -و قد أسن-:

"لولا ضعفك لاستعملناك على بعض أعمالنا".

فقال:

- أ للصراع يريدني الأمير؟

قال زیاد:

- إن للعمل مؤونة، و لا أراك إلا تضعف عنه.

فقال أبو الأسود (414/18):

زعم الأمير أبو المغيرة أنني *** شيخ كبير قد دنوت من البلى

صدق الأمير فقد كبرت و إنما *** نال المكارم من يدي على العصا

ص: 151

یا ابا المغيرة رب أمر مبهم *** فرجتُه بالحزم مني والدها

و أنشد یزید بن معاوية لما نزل بأبيه الموت فرآه مسکتا لا يتكلم بکی و أنشد:

لوفات شيئ يرى لفات أبو *** حيان لا عاجز و لا وكل

الحوّل القلّب الأريب و لا *** تدفع يوم المنية الحيل

و لقوله عليه السلام:

"إن من لم ينجه الصبر، أهلکه الجزع".

قال الشاعر (415/18):

و إني لأدري أن في الصبر راحة *** ولكن إنفاقي على الصبر من عمري

و قال أبو العلاء يستبطئ بعض الرؤساء:

فإن قيل صبراً فلا صبر للذي *** غدا بيد الأيام تقتله صبرا

و إن قيل لي عذرا فوالله ما أرى *** لمن ملك الدنيا إذا لم يجد عذرا

و لقوله عليه السلام:

"وا عجباً أن تكون الخلافة بالصحابة و لا تكون بالصحابة و القرابة"

قيل ما روي للشريف الرضي (رحمه الله) (416/18):

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم *** فكيف بهذا و المشيرون غيّب

و إن كنت بالقربي حججت خصيمهم *** فغيرك أولى بالنبي و أقرب

و لقوله عليه السلام:

ص: 152

"يا ابن آدم ما کسبت فوق قوتك، فأنت فيه خازن لغيرك".

قال الشاعر (10/19):

ما لي أراك الدهر تجمع دائباً *** البعل عرسك لا أبا لك تجمع

و لقوله عليه السلام، و قد مر بقَدرٍ على مزبلة:

"هذا ما بخل به الباخلون".

قال المتنبي (13/19):

لو أفكر العاشق في منتهى *** حسن الذي يسبيه لم يسبه

و لقوله عليه السلام، و قد أتي بجان و معه غوغاء فقال:

"لا مرحبا بوجوه لا تُرى إلا عند كل سوءة".

قال الشاعر (20/19):

و إني لأستبقي امرأ السوء عدة *** العدوة عريّض من الماس جائب

أخاف كلاب الأبعدين و هرشها *** إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب

و لقوله عليه السلام:

"و السلو عوضك ممن غدر".

قال الشاعر (32/19):

أعتقني سوء ما صنعت من ال *** رق فيا بردها على كبدي

قصدت عبدا للسوء فيك و ما *** أحسن سوء قبلي إلى أحد

و لقوله عليه السلام:

ص: 153

"و المودة قرابة مستفادة، و لا تأمنن ملولا".

قال العباس بن الأحنف (32/19):

لو كنت عاتبته لسكن عبرتي *** أملي رجاك وزرت غير مراقب

لكن مللت فلم يكن لي حيلة *** صد الملوك خلاف صد العاتب

و لقوله عليه السلام:

"الخلاف يهدم الرأي".

قال دريد بن الصمة (36/19):

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى *** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

فلما عصوني كنت منهم و قد أرى *** غوايتهم و إنني غير مهتدٍ

و لقوله عليه السلام:

"في تقلب الأحوال، علم جواهر الرجال".

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره *** يكون متبِّعا طورا و متبِّعا

حتى استمرت على شزر مريرته *** مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا

و لقوله عليه السلام:

"من أشرف أفعال الكريم غفلته عما يعلم".

قال أبو تمام (44/19):

ليس الغبي بسيد في قومه *** لكن سيد قومه المتغابي

و قال طاهر بن الحسن بن مصعب:

ص: 154

و يكفيك من قوم شواهد أمرهم *** فخذ صفوهم قبل امتحان الضمائر

فإن امتحان القوم يوحش منهم *** و ما لك إلا ما ترى في الظواهر

و إنك إن كشفت لم تر مخلصاً *** و أبدى لك التجريب خبث السرائر

و لقوله عليه السلام:

"من كساه الحياء ثوبه، لم يرَ الناس عيبه".

قال الشاعر (45/19):

يجري الحياء الفض في قسماتهم *** في حين يجري في أكفهم الدم

و قول الآخر:

كريم يغض الطرف فضل حيائه *** و يدنو و أطراف الرماح دوانِ

و قول الآخر:

صلابة الوجه لم تغلب على أحد *** إلا تكامل فيها الشر و اجتمعا

و لقوله عليه السلام:

"و باحتمال المؤمن يجب السؤدد".

قال أبو تمام (48/19):

و الحمد شهد لا ترى مشتاره *** يجنيه إلا من نقيع الحنظل

غل لحامله و يحسبه الذي *** لم يوه عانقه خفيف المحمل

و لقوله عليه السلام:

"الطمع في وثاق الذل".

ص: 155

قال البحتري:

و اليأس إحدى الراحتين و لن ترى *** تعباً لظن الخائب المكدود

و لقوله عليه السلام:

"شاركوا الذين قد أقبل عليهم الرزق، فإنه أخلق للغنى، و أجدر بإقبال الحظ".

قال الرضي (57/19):

أسيغ الغيظ من نوب الليالي *** و ما يحفلن بالحنق المغيظ

و أرجو الرزق من خرق دقيق *** يسد بسلك حرمان غليظ

و أرجو ليس في كفيَّ منه *** سوى عظ اليدين على الحظوظ

و لقوله عليه السلام:

"خيار خصال النساء شرار خصال الرجال، الزهو و الجبن و البخل".

قال الطغرائي (65/19):

الجود و الإقدام في فتيانهم *** و البخل في الفتيات و الإشفاق

و الطعن في الأحداق دأب رماتهم *** و الراميات سهامها الأحداق

و له أيضا:

قد زاد طيب أحاديث الكرام بها *** و بالكرائم من جبن و من بخل

و لقوله عليه السلام:

"و الحجر الغصب رهن على خرابها".

ص: 156

قال ابن بسام لأبي علي بن مقلة لما بنى داره بالزاهر، ببغداد من الغصب و ظلم الرعية (72/19):

بجنبك داران مهدومتان *** و دارك ثالثة تهدم

فليت السلامة للمنصفين *** دامت فكيف لم يظلم

و قوله فيه أيضا:

قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا *** فإنما أنت في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور الناس مجتهدا *** دارا ستنقض أيضا بعد أيام

و لقوله عليه السلام:

"إذا كثرت المقدورة قلت الشهوة"

استشهد بقول الشاعر (19م78):

و أخٍ كثرت عليه حتى ملني *** و الشيء مملوك إذا هو يرخص

يا ليته إذ باع ديناً باعه *** ممن يزيد عليه لا من ينقص

و لقوله عليه السلام:

"الكرم أعطف من الرحم".

قال أبو تمام لابن الجهم (81/19):

إلا يكن نسب يؤلف بيننا *** أدب أقمناه مقام الوالد

أو يختلف ماء الوصال فماؤنا *** عذب تحدر من غمام واحد

و قال ابن أبي الحديد في بعض أغراضه:

ص: 157

و وشائج الآداب عاطفة ال *** فضلاء فوق و شائج النسب

و لقوله عليه السلام:

"الرداء الدَّين".

قال الشاعر (125/19):

إن لي حاجة إليك فقالت *** بين أذني و عاتقي ما تريد

و لقوله عليه السلام:

"أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يغيظك يوماً ما و أبغض بغيظك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما".

قال الشاعر: (156/19):

فأحببت ما أحببت حباً مقارباً *** فإنك لا تدري متى أنت نازع

و أبغض ما أبغضت غير مباين *** فإنك لا تدري متى أنت راجع

و قال عدي بن زيد:

و لا تأمنن من مبغض قرب داره *** و لا من محب أن يمل فيبعدا

و لقوله عليه السلام:

"قطع العلم عذر المتحللين".

استشهد بقول الشاعر (176/19):

قدمت على الكريم بغير زاد *** من الأعمال ذا ذنب عظيم

و سوء الظن أن تعتد زادا *** إذا كان القدوم على الكريم

ص: 158

و لقوله عليه السلام:

"ينام الرجل على الثكل و لا ينام على الحرب".

قال الشاعر (213/19):

لنا أبل غر يضيق فضاؤها *** و يغبر عنها أرضها و سماؤها

فمن دونها أن تستباح دماؤنا *** و من دوننا أن تستباح دماؤها حمى و قرى فالموت دون مرامها *** و أيسر يوم يوم حق فناؤها

و لقوله عليه السلام:

"مودة الآباء قرباء بين الأبناء، و القرابة أحوج إلى المودة من المودة إلى القرابة".

قال الشاعر (214/19):

أبقى الضغائن آباء لنا سلفوا *** فلن تبيد و للأباء أبناء

و لقوله عليه السلام:

"اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله تعإلى جعل الحق على ألسنتهم". قال أبو الطيب (215/19):

ذكي تظنيه طليعة عينه *** يرى قلبه في يومه ما يرى غدا

و قال أوس بن حجر:

الألمعي الذي يظن بك الظن *** و كأن قد رأى و قد سمعا

و لقوله عليه السلام:

ص: 159

"ردوا الحجر من حيث جاء، فإن الشر لا يدفعه إلا الشر".

قال عمرو بن كلثوم (221/19):

ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

و قال الفند الزماني:

فلما صرح الشر *** فأمسى و هو عريان

فلم يبق سوى العدوا *** ن دناهم كما دانوا

و بعض العلم عند الجه *** ل للذلة إذعان

و في الشرنجاة حي *** ن لا ينجيك إحسان

قال الأحنف:

و ذي ضعف أمت القول عنه *** بحلمي فاستمر على المقال و من يحلم و ليس له سفيه *** يلاقي المعضلات من الرجال

و قال الراجز:

لا بد للسؤدد من أرماح *** و من عديد يتقي بالراح

و من سفيه دائم النباح

و قال آخر:

و لا يلبث الجهال أن يتهضموا *** أخا العلم ما لم يستعن بجهول

و قال آخر:

و لا أتمنى الشر و الشر تاركي *** ولكن متى أحمل على الشر راكب

ص: 160

و لقوله عليه السلام:

(العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة)

قال الشاعر (إذ قال بالأربعين) (283/19):

إذا ما المرء قصر ثم مرت *** عليه الأربعون من الرجال

و لم يلحق بصالحهم فدعه *** فليس بلاحق أخرى الليالي

و لقوله عليه السلام:

"الاستغناء عن العذر، أعز من الصدق به ".

قال الشاعر (241/19):

إذا كان وجه العذر ليس بواضح *** فأن إطراح العذر خير من الغدر

و لقوله عليه السلام:

"السلطان وزعة الله في الأرض".

قال الأفوه الأودي (244/19):

لا یصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** و لا سراة إذا جهالهم سادوا

و لقوله عليه السلام:

"الغني الأكبر اليأس عما في أيدي الناس".

قال الشاعر (246/19):

أرحت روحي من عذاب الملاح *** لليأس روح مثل روح النجاح

و قال ابن المفضل:

ص: 161

لا أمدح اليأس ولكنه *** أروح للقلب من المطمح

أفلح من أبصر روض المني *** يدعى فلم يرع ولم يرتع

و ما روي لعبد الله بن المبارك الزاهد:

قد أرحنا و استرحنا *** من غدو و رواح

بعفاف و كفاف *** و قنوع و صلاح

و جعلنا اليأس مفتا *** حا لأبواب النجاح

و لقوله عليه السلام:

"لكل امرئ في ماله شريكان، الوارث و الحوادث".

قال الرضي (215/19):

خذ من تراثك ما استطعت فإنما *** شركاؤك الأيام و الوراث

لم يقض حق المال إلا معشر *** نظروا الزمان يعيث فيه فعاثوا

و لقوله عليه السلام:

"من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه".

قال الشاعر (265/19):

يخوض أناس في الكلام ليوجزوا *** و للصمت في بعض الأحايين أوجز

إذا كنت عن أن تحسن الصمت عاجزا *** فأنت عن الإبلاغ في القول أعجز

و لقوله عليه السلام:

"أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله".

ص: 162

قال الشاعر (269/19):

إذا أنت عبت الأمر ثم أتيته *** فأنت ومن تزري عليه سواء

و لقوله عليه السلام:

"لا تسأل عما لم يكن ففي الذي قد كان لك شغل".

قال أبو الطيب في سيف الدولة (282/19):

ليس المدائح تستوفي مناقبه *** ممن كليب و أهل الأعصر الأول

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به *** في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

و قد وجدت مكان القول ذا سعة *** فإن وجدت لسانا قائلا فقل

و لقوله عليه السلام:

"رب مستقبل يوما ليس بمستدبره، مضبوط في أول ليلة. قامت بواكيه في آخره"

قال الشاعر (321/19):

يا راقد الليل مسرورا بأوله *** إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

و مثله:

لا يغرنك عشاء ساكن *** قد يوافي بالمنيات السحر

و لقوله عليه السلام:

"من فاته حب نفسه، لم ينفعه حب آبائه".

قال الشاعر ( 331/19):

ص: 163

لئن فخرت بآباء ذوي حسب *** لقد صدقت ولكن بئس ما صدقوا

و لقوله عليه السلام:

"ألا و إن من البلاء الفاقة، و أشد من الفاقة مرض البدن، و أشد من مرض البدن مرض القلب، ألا و إن من النعم سعة المال، و أفضل من سعة المال صحة البدن، و أفضل من صحة البدن تقوى القلب".

قال أحمد بن يوسف الكاتب:

المال للمرء في معيشته *** خير من الوالدين و الولد

و إن تدم نعمة عليك تجد *** خيرا من المال صحة الجسد

و ما بمن نال فضل عافية *** و قوت يوم فقر إلى أحد

و لقوله عليه السلام:

"أزهد في الدنيا يبصرك الله عوراتها، و لا تغفل فليس بمغفول عنك".

قال عبد الله بن معاوية (339/19):

و عين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا

و لقوله عليه السلام:

"رب قول، أنفذ من صول".

قال الشاعر (359/19):

و قافيه مثل حد السنان *** تبقى و يذهب من قالها

تخيرتها ثم أرسلتها *** و لم يطق الناس إرسالها

ص: 164

و لقوله عليه السلام:

"من لم يعط قاعدا، لم يعط قائما".

قال الشاعر (363/19):

جرى قلم القضاء بما يكون *** نسيان التحرك والسكون

جلون منك أن تسعى لرزق *** و يرزق في غشاوته الجنين

و لقوله عليه السلام :

"مقاربة الناس في أخلاقهم آمن من غوائلهم".

قال المتنبي (3/20):

و خلة في جليس أتقيه بها *** كيما يرى أننا مثلان في الوهن

و كلمة في طريق خفت أعربها *** فيهتدي لي فلم أقدر على اللحن

و قال بشار:

و ما أنا إلا كالزمان إذا صحا *** صحوت و إن فاق الزمان أفوق

و قال الشاعر:

أحامقه حتى يقال سجية *** و لو كان ذا عقل لكنت أعاقله

و لقوله عليه السلام:

"ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله، و أحسن منه تیه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله سبحانه".

قال الشاعر (39/20):

ص: 165

قنعت فأعتقت نفسى ولن *** أملك ذا قدوة رقها

و نزهتها عن سؤال الرجال *** و منة من لا يرى حقها

و إن القناعة كنز اللبيب *** إذا ارتقت فتقت رتقها

سيبعث رزق الشفاه الفرات *** و خمص البطون الستي سقَّها

فما فارقت مهجة جسمها *** لعمرك أو فيَّثت رزقها

مواعيد ربك مصدوقة *** إذا غيرها فقدت صدقها

و لقوله عليه السلام:

(ما استودع الله امرءً عقلا إلا ليستنفد به يوما ما)

قال الشاعر (43/20):

و ما ألف مطرور الزمان مشرد *** يعارض يوم الروح رأيا مسددا

و قال الآخر:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فأن فساد الرأي أن تترددا

فأن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا *** فأن فساد العزم أن يتفندا

و لقوله عليه السلام:

"من صارع الحق صرعه".

قال الطائي (45/20):

و من قامر الأيام عن غراتها *** فأصبح بها أن تنجلي و لها القمر

و لقوله عليه السلام:

ص: 166

"القلب مصحف البصر".

قال الشاعر (46/20):

تخبرني العينان ما القلب كاتم *** و ما جن بالبغضاء و النظر الشزر

و قول الشاعر:

إن العيون لتبدي في تقلبها *** ما في الضمائر من ود و من حنق

و لقوله عليه السلام:

"لا تجعلن ذرب لسانك على من أنطقك، و بلاغة قولك على من سددك".

قال المتنبي في سيف الدولة (48/20):

و لما كسا كعبا ثيابا طغوا بها *** رعی کل ثوب من سنان نجارق

و ما يوجع الحرمان من كف حازم *** كما يوجع الحرمان من كف رازق

و لقوله عليه السلام:

"كفاك أوباً لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك"

قال أحد الكتاب و هو يكتب إلى بعض الملوك في حال اقتضت ذلك:

"ما على هذا افترقنا بشبذان اذ كنا، و لا هكذا عهدنا الإخاء تضرب الناس بالمهندة البيض على غدرهم و ننسى الوفاء":

و لقوله عليه السلام: للأشعث بن قیس معزيا عن ابن له:

"إن صبرت صبر الأكارم، و إلا سلوت سلو البهائم".

قال أبو تمام (50/20):

ص: 167

و قال علي في التعازي لأشعث *** و خاف عليه بعض تلك المآثم

أتصبر للبلوى عزاء وصية *** فتؤجر أم تسلو سلو البهائم

و لقوله عليه السلام:

"و إن أهل الدنيا کرکب، بينما هم حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا".

قال أبو العتاهية (53/20):

إن دارا نحن فيها لدار *** ليس فيها لمقيم قرار

کم و كم و قد حلها من أناس *** ذهب الليل بهم و النهار

فهم الركب قد أصابوا مناخا *** فاستراحوا ساعة ثم ساروا

و كذا الدنيا على ما رأينا *** يذهب الناس و تخلوا الديار

و لقوله عليه السلام:

"الحلم عشيرة".

قال الشاعر (61/20):

و للكف عن شتم اللئيم تكرما *** أضر من الشتم حين شتمه

و لقوله عليه السلام:

"إن لله عبادا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، فيقرها في أيديهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، ثم حولها إلى غيرهم".

قال الشاعر (70/20):

و بالناس عاش الناس قدما و لم يزل *** من الناس مرغوب إليه و راغب

ص: 168

و قال آخر:

لم يعطك الله ما أعطاك من نعم *** إلا لتوسع من يرجوك إحسانا

فأن منعت فأخلق أن تصادفها *** تطير عنك زرافات و وحدانا

و لقوله عليه السلام:

"لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين: العافية و الغني، بينما تراه تعافي إذ سقم، وبينما تراه غنيا إذ افتقر".

قال الشاعر (71/20):

و بينما المرء في الأحياء مغتبط *** إذ صار في اللحد تسفيه الأعاصير

و قال الآخر:

لا يغرنك عشاء ساخن *** قد يوافي بالمنيات السحر

و قال عبيد الله بن طاهر:

و إذا ما أعارك الدهر شيئا *** فهو لا بد آخذ ما أعارا

و قال الآخر:

يعز الفتى مر الليالي سليمة *** وهن به عما قليل عواثر

و قال آخر:

و رب غنى عظيم الثراء *** أمسى عقلا عديما فقيرا

و کم بات من مترف في القصور *** فعوض في الصبح عنها القبورا

و لقوله عليه السلام:

ص: 169

"إن أخسر الناس صفقة، و أخيهم سعيا، رجل أخلق بدنه في طلب آماله، و لم تساعده المقادير على إرادته، فخرج من الدنيا بحسرته، و قدم على الآخرة بتبعته".

قال الشاعر (75/20):

نروح و نغدو لحاجاتنا *** و حاجة من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجاته *** و تبقى له حاجة ما بقي

و لقوله عليه السلام:

"اذكروا انقطاع اللذات، و بقاء التبعات".

قال الشاعر:

تفنى اللذاذة ممن نال بغيته *** من الحرام، و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار

و لقوله عليه السلام:

"أُخبر تَقلَه"، أي: أخبر الناس و جَرِّبُهم تُبغِضهُم.

قال أبو العلاء (81/20):

جربت دهري و أهليه فما تركت *** لي التجارب في ود امرئ غرضا

و قال آخر:

و كنت أرى أن التجارب عدة *** فخانت ثقاة الناس حتى التجارب

و قال عبيد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:

ص: 170

رأيت فضلا كان شيئا ملفقاً *** فأبرزه التمحيص حتى بدا ليا

و قول الآخر:

عتبت على سلم فلما فقدته *** و جربت أقواما، رجعت إلى سلم

و مثله:

ذممتك أولا حتى إذا ما *** و بلوت سواك عاد الذم حمدا

و لم أحمدك من خير ولكن *** وجدت سواك شر منك جدا

فعدت إليك مضطرا ذليلا *** لأني لم أجد من ذاك بدا

لمجهود تحامي كل ميت *** فلما اضطر عاد إليه شدا

و لقوله عليه السلام:

"أولى الناس بالكرم من عرفت فيه الكرام". أي: ضربت عروقه في الكرم.

أنشد المبرد في علم السعدي (83/20):

إنا سألنا قومنا فخيارهم *** من كان أفضلهم أبوه الأفضل

أعطى الذي أعطى أبوه قبله *** و تبخلت أبناء من يتبخل

و ما أنشده أيضا في هذا المعنى:

لطلحة بن خثيم حين تسأله *** أندي و أكرم من هند بن هطال

و بيت طلحة في عز و مكرمة *** و بيت هند إلى ربقٍ و أحمال إلا فتى من بني ذبيان يحملني *** و ليس يحملني إلا ابن حمال

فقلت طلحة أولى من حملت له *** و جئت أمشي إليه مشي مختال

ص: 171

مشيتنا أن حبلي سوف يعلقه *** في رأس ذيالة أو رأس ذيال

و قال آخر:

عند الملوك مضرة و منافع *** و أرى البرامك لا تضر وتنفع

إن العروق إذا استثر بها الثرى *** أثرى النبات بها و طاب المزرع

و إذا جهلت من امرئ أعراقه *** و قديمه فانظر إلى ما يصنع

و قال آخر:

إن السري إذا سرى بنفسه *** و ابن السري إذا سرى أسراها

و قال البحتري:

و أرى النجابة لا تكون تمامها *** لنجيب قوم ليس بابن نجيب

و لقوله عليه السلام:

"الناس أعداء ما جهلوا".

قال الشاعر (86/20):

جهلت أمرا فأبديت النكير له *** و الجاهلون لأهل العلم أعداء

و لقوله عليه السلام:

"الولايات مضامير الرجال".

قال الشاعر (88/20):

سکرات خمس إذا مني المرء *** بها صار عرضة للزمان

سكرة المال و الحداثة و العش *** ق و سكرة الشراب و السلطان

ص: 172

و قال آخر:

يا ابن وهب و المرء في دولة *** السلطان أعمى ما دام يدعى أميرا

فإذا نالت الولاية عنه *** و استوى بالرجال عاد بصيرا

و قال البحتري:

و تاه سعيد أن أعير رياسة *** و قلد أمرا كان دون رجاله

و ضاق على حق بعقب اتساعه *** فأوسعته عذرا لضيق احتماله

فأدبر عني عند إقبال حظه *** و غير حالي عنده حسن حاله

فليت أبا عثمان أمسك تيهه *** كإمساكه عند الحقوق بماله

و لقوله عليه السلام:

"ما أنقض النوم لعزائم اليوم".

قال المعري (89/20):

ما قضى الحاجات إلا شَمِلٌ *** نومه فوق فراش من نمال

و قال الرضي (رحمه الله):

عليها أخامس مثل الصقور *** طوال الرجاء جسام الأرب

و كل فتى حظ أجفانه *** من النوم مضمضة يستلب

فبينما يقل کرى جفنه *** بقطع من الليل إذ قيل هب

و لقوله عليه السلام:

"ليس بلد بأحق منك من بلده خير البلاد ما حملك".

ص: 173

قال الشاعر (90/20):

لا يصدقنك عن أمر تحاوله *** فراق أهل و أحباب و جيران

تلقى بكل دیار ما حللت بها *** أهلا بأهل و أوطانة بأوطان

و قال الشيخ أبو جعفر يحيى بن أبي زيد نقيب البصرة:

أنسيتني بلدي و أرض عشيرتي *** و نزلت من نعماك أكرم منزل

و أخذت فيك مدائحي فكأنها *** في آل شماس مدائح جرول

و قال البحتري:

في نعمة أوطأتها و أقمت في *** أكنافها فكأنني منبج

و قال أبو تمام:

كل شعب كنتم به آل وهب *** فهو شعبي و شعب كل أديب

إن قلبي لكم كالكبد الحرى *** و قلبي لغيركم كالقلوب

و قال الشاعر:

أحب بلاد الله ما بين منبج *** إليَّ وسلمى أن يصوب سحابها بلاد بها نيطت عليَّ تمائمي *** و أول أرض مس جلدي ترابها

و قال الشاعر:

و كنا ألفناها و لم تك مألفاً *** و قد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها *** هواء و لا ماء ولكنها وطن

و قول الشاعر:

ص: 174

تسير على علم بكنه مسيرنا *** بعفّةِ زاد في بطون المزاود

و لابد في أسفارنا من قبيصة *** من الترب نسقاها لحب الموالد

و قال ابن الرومي:

وحبب أوطان الرجال إليهم *** مأرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم *** عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا

و لقوله عليه السلام:

"قليل مدوم عليه، أفضل من كثير مملول منه".

قال الشاعر (94/20).

إني كثرت عليه في زيارته *** فحل فالشيء محلول إذا كثرا

و رابني منه أني لا أزال أرى *** في طرفه قصرا عني إذا نظرا

و لقوله عليه السلام:

"من كرمت عليه نفسه، هانت عليه شهوته".

قال حاتم الطائي (99/20):

فإنك إن أعطيت بطنك سؤله *** و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

و لقوله عليه السلام:

"زهدك في راغب فيك نقصان حضه، و رغبتك في زاهد فيك ذل نفسك".

قال العباس بن الأحنف (101/20):

ما زلت أزهد في مودة راغب *** حتى ابتليت برغبة في زاهد

ص: 175

هذا هو الداء الذي ضاقت به *** حيل الطبيب و طال يأس العائد

و لقوله عليه السلام:

"ما لأبن آدم و الفخر! أوله نطفة، و آخره جيفة، لا يرزق لنفسه و لا يدفع حتفه"

قال الشاعر (150/20):

ما بال من أوله نطفة *** و جيفة آخره يفخر

يصبح ما يملك تقديم ما *** يرجو و لا تأخير ما يحذر

و لقوله عليه السلام:

"علامة الإيمان أن تؤثر الصدق، حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك".

قال الشاعر (175/20):

عليك بالصدق و لو أنه *** أحرقك الصدق بنار الوعيد

و لقوله عليه السلام:

"يغلب المقدار على التقدير، حتى تكون الآفة في التدبير".

قال الشاعر (176/20):

لعمرك ما لابن آدم أخطب نفسه *** ولكنه من يخذل الله يخذلِ

لجاهد حتى تبلغ النفس عذرها *** و قلقل يبقى العز كل مقلل

و قال أبو تمام:

و ركب كأطراف الأسنة عرسوا *** على مثلها و الليل تطوى غياهبه

ص: 176

لأمر عليهم أن تتم صدوره *** و ليس عليهم أن تتم عواقبه

و لقوله عليه السلام:

"الحلم و الأناة توأمان ينتجهما علو الهمة".

قال أبن هاني:

وكل أناة في المواطن سؤدد *** و لا كأناة من تدبر محکم

و من يتبين أن للسيف موضعاً *** من الصفح يصفح عن كثير و يحلم

و قال شاعر:

الرفق يمن والأناة سعادة *** فتأن في أمر تلاقِ نجاحا

و قال آخر:

كم من مضيع فرصة قد أمكنت *** لغدٍ و ليس له غدٌ بمواتِ

حتى إذا فاتت وفات طلابها *** ذهبت عليها نفسه حسرات

و لقوله عليه السلام:

"الغيبة جهد العاجز".

قال الشاعر (179/20):

و يغتابني من لو كفاني اغتيابه *** لكنت له العين البصيرة و الأذنا

و عندي من الأشياء ما لو ذكرتها *** إذا قرع المغتاب من ندم سنا

و قال أبن أبي الحديد:

أكل عرضي أن غبت ذما فما *** أبت فمدح و رهبة و سجود

ص: 177

هكذا يفعل الجبان شجاع *** حين يخلو، و في الوغى رعديد

لك في حالان: مني عينك *** الجنة حسناً، و في الفؤاد وقود

و لقوله عليه السلام:

"الدنيا خلقت لغيرها و لم تخلق لنفسها".

قال أبو العلاء المعري (181/20):

خلق الناس للبقاء فضلت *** أمة يحسبونهم للنفاد

إنما ينقلون من دار أعما *** لٍ إلى دار شقوۃٍ أو رشاد

و لقوله تعالى:

{وَ إِذ قُلتُم يَا مُوسَى لَن نَصبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}.

قال الشاعر (188/20):

فيا من ليس يكفيه صديق *** و لا ألفا صديق كل عام

أضنك من بقايا قوم موسى *** فهم لا يصبرون على طعام

و لقوله عليه السلام:

"هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".

قال الشاعر (195/20):

و كنت جليس قعقاع بن ثور *** و لا يشقى بقعقاع جليس

ضموك ألسن أن نطقوا بخير *** و عند الشر مطراق عبوس

و لقوله عليه السلام:

ص: 178

"و الله أن امرئ يمكن عدوه من نفسه، يعرق نفسه، لعرق لحمه، و يهشم عظمه، و يفري جلده لعظم عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره".

قال ابن أبي الحديد في رسالة إلى صديق (189/20-192):

إن امرئ أمكن من نفسه *** عدوه يجدع آرابه

لا يدفع الضيم و لا ينكر ال *** ذل و لا يحض جلبابه

لقائل الرأي ضعيف القوى *** قد حرم الخذلان أمبابه

أنت فكن ذاك فأني امرؤ *** لا يرهب الخطب إذا نابه

إن قال دهر لم يطع أو شحا *** له فم أورد أنيابه

أو سامه الخسف أبي و انتضی *** دون حرام الخسف قرضا به

أخزر عضان شديد السطا *** يقدر مايترك ما رابه

و لقوله عليه السلام: عن الدنيا:

(و صادفتموها و الله ضلاً ممدودا إلى أجل معدود).

قال دعبل الخزاعي (120/7):

ما أكثر الناس لا بل ما أقلّهم *** الله يعلم أني لم أقل فندا

أني لأفتح عيني ثم أغمضها *** على كثير ولكن لا أرى أحدا

و لقول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم:

"جار الدار أحق بدار الجار".

قال الشاعر (286/8):

ص: 179

أبا الفياض لا تحسب بأني *** لفقري من حُلي الأشعار عار

فلي طبع كسلسال معين *** و لا لي من ذرا الأحجار جار

و لقوله عليه السلام:

"يتنسمون بدعائه روح التجاوز، رهائن فاقة إلى فضله، و أساری ذلة لعظمته، جرح طول الأسى قلوبهم، و طول البكاء عيونهم" (177/1)

فقال علي الدقال:

إذا بكى المذنب فقد راسل الله

فأخذ الشاعر (230/11):

دموع الفتى عما يجن تترجم *** و أنفاسه تبدين ما القلب يكتم

و لقوله عليه السلام:

"كناقل الثمر إلى حجر".

قال الشاعر (188/15):

أهدي له طرف الكلام كما *** يُهدى لوالي البصرة التمر

و لقوله عليه السلام:

"أخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك وآس بينهم في اللحظة و النظرة، و الإشارة و التحية".

قال الشاعر (3/17-4):

أقسم اللحظ بيننا إن في اللح *** ظ لعنوان ما تجن الصدور

إنما البر روضة فإذا ما *** کان بشر فروضة و غدير

ص: 180

و لقوله عليه السلام: "و إياك بالعجلة بالأمور قبل أوانها".

قال الشاعر (113/17-116):

دعها سماوية تجري على قدر *** لا تفسدنها براي منك معکوس

و لقوله عليه السلام: "و الوهن عنها إذا استوضحت".

قال الشاعر (3/17-4):

فإذا أمكنت فبادر إليها *** حذراً من تعذر الإمكان

و لقوله عليه السلام:

"ماء وجهك جامد يقطره السؤال، فانظر عند من تقطره".

قال الشاعر (261/19):

إذا أظمأتك أكف اللئام *** کفتك القناعة شبعا ورِيّا

فكن رجلاً رِجله في الثرى *** وهامة همته في الثريا

فأن إراقة ماء الحياة *** دون إراقة ماء المحيا

و قال آخر (261/19):

رددت لي ماء وجهي في صفيحته *** رد الصقال بهاء الصارم الجذم

و ما أبالي و خير القول أصدقه *** حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي

و قال آخر:

ما ماء كفيك إن أرسلت مزنته *** من ماء وجهي إذا استقطرته عوض

ص: 181

التشبیه

لقوله عليه السلام و أراد الخلافة:

"لقد تقمصها ابن أبي قحافة". أي جعلها كالقميص مشتملة عليه، و الضمير للخلافة و لم يذكرها للعلم بها.

قال حاتم (152/1):

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى *** إذا حشرجت يومأ وضاق بها الصدر

و قال أبو تمام:

تسربل سربالاً من النصر و أرتدي *** عليه بعضب في الكريهة فاصل

و لقوله عليه السلام:

"و إنه ليعلم إن محلي منها (أي من الخلافة) محل القطب من الرحی؛ ينحدر عني السيل".

قال الهذلي:

و عيطاء يكثر فيها الذليل *** و ينحدر السيل عنها انحدارا

ص: 182

"يعني رفعة منزلته عليه السلام، كأنه في ذروة جبل ارتفاع مشرف، ينحدر السيل عنه إلى الوهاد و الغيطان".

و لقوله عليه السلام:

"و لا يرقى إلىَّ الطير".

كإنه يقول: إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل إن يرقى الطير إليها.

قال المتنبي:

فوق السماء و فوق ما طلبوا *** فإذا أرادوا غاية نزلوا

و قال حبيب:

مکارم لجّت في علو كأنما *** تحاول ثأراً عند بعض الكواكب

و لقوله عليه السلام:

"إن محلي منها كمحل القطب من الرحى"، و قد أوردناه.

قال الراجز (154/1):

على قلاص من خياطين السلم *** قد طويت بطونها على الأدم

بعد انفضاح البدن و اللحم الذِیَّم *** إذا قطعن علما بدا علم

فهن بحثَّأ كمضلات الحذم *** حتى إنحناها إلى باب الحكم

خليفة الحجاج غيره انحتم *** فی سرة المجد و بحبوح الكرم

و قال أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان (154/1):

ص: 183

فحللت منها بالبطاح *** و حل غيرك بالظواهر

و لقوله عليه السلام:

"فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات بلا عمد، قائمات بلا سند، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات".

قال الراجز (81/10-83):

امتلأ الحوض و قال قطني *** مهلا رويدا قد ملأت بطني

ص: 184

الاستعارة

لقوله عليه السلام:

"شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة".

لأن الفتن قد تتضاعف و تترادف، فحسن تشبيهها بأمواج البحر المضطربة، و لما كانت السفن الحقيقية تنجي من أمواج البحر، حسن إن يستعار للفظ السفن لما ينجي من الفتن. وكذلك "وضعوا تيجان المفاخر". لأن التاج لما كان مما يعظم به قدر الإنسان استعاره لما يتعظم به الإنسان من الافتخار و ذكر القديم. وكذلك قوله "أفلح من نهض بجناح" كأنه لما نفض يديه عنهم صار كالطائر الذي ينهض من الأرض بجناحيه.

و في الاستعارات ما هو خارج عن هذا النوع. و هو مستقبح. و ذلك كقول أبي نواس (215/1-216):

بح صوت المال مما *** منك يبكي و ينوح

و كذلك قوله:

ما لرجل المال أضحت *** تشتكي منك الكلالا

ص: 185

و قول أبي تمام:

و كم أحرزت منكم على قبح قدها *** صروف النوى من مرهف حسن القد

و كقوله:

بلوناك إما كعب عرضك في العلا *** فعالٍ، جذ مالك أسفل

فإنه لا مناسبة بين الرجل و المال، و لا بين الصوت و المال، و لا معنى لتصبيره للنوى قدّا، و لا للعرض كعباً، و لا للمال خداً.

و قريب منه أيضا قوله:

لا تسقني ماء الملام فإنني *** صب قد استعذبت ماء بكائي

إذ يقال إن مخلدا الموصلي بعث إليه بقارورة يسأله فيها قليلا من ماء الملام، فقال لصاحبه؛ قل له يبعث إلي بريشة من ضاح الذل لأستخرج بها من القارورة ما أبعثه إليه.

و لقوله عليه السلام:

"فاسمعوا أيها الناس وعوا و احضروا آذان قلوبكم تفهموا".

قال الشاعر (95/13-98):

يدق على النواظر ما أتاه *** فيبصره بأبصار القلوب

إذ جعل عليه السلام للقلب آذانا كما جعل الشاعر للقلوب أبصارا.

ص: 186

الطباق و المقابلة

لقوله عليه السلام:

"فإن الدنيا قد أدبرت و أذنت بوداع، و إن الآخرة أقبلت و أشرقت باطلاع، ألا و إن اليوم المضمار و غداً السباق، و السبقة الجنة، و الغاية النار".

فقد طابق و قابل الأمام عليه السلام بين الإدبار و الإقبال و الجنة و النار.

و مما جاء من ذلك في الشعر قول الفرزدق يهجو قبيلة جرير ( 91/2و105-110 ):

يستيقظون إلى نهيق حميرهم *** و تنام أعينهم على الأوتار

و قول آخر:

فلا الجود يغني المال والجد مقبل *** و لا البخل يبقي المال والجد مدبر

و قول أبي تمام:

ما إن ترى الأحساب بيضا وُضّحا *** إلا بحيث ترى المنايا سودا

ص: 187

و:

شرف على أولى الزمان و إنما *** خَلَقُ المناسِب ما يكون جديدا

ذلك كان مقابلة اللفظ باللفظ و المعنى، و أما مقابلة الشيء بضده بالمعنى إلا باللفظ فكقول المقنع الكندي:

لهم جل مالي إن تتابع لي *** و إن قل مالي لا أقابلهم رفدا

فقوله: "إن تتابع لي غنى" في قوة قوله: "إن كثر مالي" و الكثرة ضد القلة.

و كقول البحتري:

تقيض لي من حيث لا أعرف النوى *** و يسري إليَّ الشوق من حيث أعلم

فقوله: "لا أعلم" ليس ضد قوله: "أعلم": لكنه نقيض له في قوله: "أجهل" و الجهل ضد العلم.

و قول أبي تمام:

مها الوحش إلا إن هاتا أوانس *** قنا الخط إلا أن تلك ذوابل

فقابل بين "هاتا" و بين "تلك" و هي مقابلة معنوية لا لفظية، لأن "هاتا" للحاضرة و "تلك" للغائبة، و الحضور ضد الغيبة. و ثمة مقابلة المفرد بالمفرد كقول أبي تمام:

بسط الرجاء لنا برغم لوائب *** کثرت بهن مصارع الآمال

فقال "الآمال" عوض "الرجاء".

ص: 188

و قول المتنبي:

إني لأعلم و اللبيب خبير *** إن الحیاة -و إن حرصت- غرور

فقال "خبير" و لم يقل "عليم".

(و إن علي الفتال يقول: إن هذا التخريج من ابن أبي الحديد غير علمي. لو كانت قافية بیت المتني ميمية لقال "عليم" فالقافية هي التي حكمت الشاعر و ليس ما ذهب إليه ابن أبي الحديد).

و أما مقابلة المخالف، فهو على وجهين:

أحدهما أن يكون بين المقابِل و المقابَل نوع مناسبة و تقابل، كقول أنيف بن قريط العنبري:

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة *** و من إساءة أهل السوء إحسانا

فقابل الظلم بالمغفرة و هي مخالفة [إيَّاه]، ليست مثله و لا ضده.

و الوجه الثاني: ما كإن بين المقابِل و المقابَل بُعد؟ و ذلك مما لا يحسن استعماله، كقول امرأة من العرب لابنها، و قد تزوج بامرأة غير محمودة:

تربص بها الأيام علَّ صروفها *** سترمي بها في جاحم متسعِّرِ

فكم من كريم قد مناه إلهه *** بمذمومة الأخلاق واسعة الحر

ف "مذمومة " ليست في مقابلة "واسعة" و لو كإنت قالت "بضيقة الأخلاق" كانت المقابلة صحيحة و الشعر مستقیما.

و كذلك قول المتنبي:

ص: 189

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها *** سرور محب أو مساءة مجرم

فالمقابلة الصحيحة بين المحب و المبغض لا بين المحب و المجرم.

(مرة أخرى يقول علي الفتال: إن القافية هي التي اضطرت الشاعر أن يقابل المجرم بالمحب فلو كانت ضادية لقال "مساءة مبغض").

ص: 190

التخلص و الاستطراد

لقوله عليه السلام و هو يذكر ملك الموت و توفِّيِه الأنفس:

"هل يحس به إذا دخل منزلا، أم هل تراه العيون إذا توفي أحدا، بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه، أيلج عليه من بعض جوارحها، أم الروح أجابته بإذن ربها، أم هو ساكن معه في أحشائها، كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله؟

إذ استعمل الأمام علي عليه السلام فن التخلص من تساؤلاته الستة إلى سؤاله الأخير الذي أراد الوصول إليه، و هذا هو التخلص في علم البلاغة، فعقد ابن أبي الحديد فصلا فيه و استشهد بقول أبي نواس (239/7):

تقول التي من بيتها خف مركب *** عزيز علينا إن نراك تسير

أما دون مصر للغنى متطلب؟ *** بلى، إن أسباب الفنى لكثير

فقلت لها و استعجلتها بوادر *** جرت، فجرى في جريهن عبير

ذريني أكثّر حاسديك برحلةٍ *** إلى بلد فيه المصيب أمير

ص: 191

و قول أبي تمام:

يقول في قوس صحبي و قد أخذت *** منا السري و خطا المهرية القود

أمطلع الشمس تبغي إن تؤم بنا *** فقلت کلا ولكن مطلع الجود

و قول البحتري:

هل الشباب ملم بي فراجعة *** أيامه ليَ في أعقاب أيامي

لو إنه نائل عمر يجاد به *** إذن تطلبته عند ابن بسطام

و قول المتنبي و هو يتغزل بأعرابية، و يصف بخلها و جبنها و قلة مطعمها، و هذه كلها من الصفات الممدوحة في النساء خاصة (240/7):

في مقلتي رشا تديرهما *** بدوية فتنت بها الحلل

تشكوا المطاعم طول هجرتها *** و صدودها و من الذي تصل

ما اسارت في القعب من لبنٍ *** تركته، و هو المسك و العسل

قالت ألا تصحوا فقلت لها *** أعلمتني إن الهوى ثمل

لو إن فنا خسر صبحكم *** وبرزت وحدك عاقه الغزل

و تفرغت عنكم كتائبه *** إن الملاح خوادع قتل

ما كنت فاعلة و ضيفكم *** ملك الملوك و شأنك البخل

أتمنعين قرى فتفضحني *** أم تبذلين له الذي يسل

بل لا يمل بحيث حل به *** بخل و لا جور و لا وجل

و ثمة نوع يسمى الاستطراد، و قد يسمى الالتفات، و هو من جنس

ص: 192

التخلص، و شبيه به. إلا إن الاستطراد هو إن تخرج بعد أن تمهد ما تريد أن تمهده إلى الأمر الذي تروم ذكره فتذكره و كأنك غير قاصد لذكره بالذات، بل قد حصل و وقع ذكره بالعرض من غير قصده، ثم تدعه و تتركه و تعود إلى الأمر الذي كنت في تمهيده، کالمقبل عليه، و كالملغي عما استطردت بذكره، فمن ذلك قول البحتري و هو يصف فرسا:

و أغرّ في الزمن البهيم محجل *** قد رحت منه على اعز محجّلِ

کالهيكل المبني إلا إنه *** في الحسن جاء كصورة في هيكل

ما في الضلوع يشد عقد حزامه *** يوم اللقاء على معمِّ مخول

أخواله للرستمين بفارس *** وجدوده للتُبَّعين بموكل

يهوى كما هوت العقاب و قد رأت *** صيداً و ينتصب انتصاب الأجدل

متوجس برقيقتين كأنما *** ثريان من درق عليه مكلل

ما إن يعاف قذى و لو أوردته *** يوماً خلائق حمدويه الأحول

ذنب لما سحب الرثاء يذب عن *** عرف، و عرف كالقناع المسبل

جذلان ينفض عذرةُ في غرة *** يقق تسيل حجولها في جندول

کالرائح النشوان أكثر مشيه *** عرضاً على السنن البعيد الأطول

ذهب الأعالي حيث تذهب مقلة *** فيه يناظرها حديد الأسفل

هزج الصهيل كأن في نغماته *** نبراس معبد في الثقيل الأول

ملك القلوب فإن بدا أعطيته *** نظر المحب إلى الحبيب المقبل

ص: 193

ألا تراه كيف استطرد بذكر حمدويه الأحول الكاتب، و كأنه لم يقصد ذلك، و لا أراده إنما جرّته القافية، ثم ترك ذكره و عاد إلى وصف الفرس، فهذا هو الاستطراد و من الفرق بينه و بين التخلص؛ إنك في التخلص متى شرعت في ذكر الممدوح أو المهجو ترکت ما كنت فيه من قبل بالكلية و أقبلت على ما تخلصت إليه من المدح و الهجاء بیتا بعد بيت حتى تنقضي القصيدة، و في الاستطراد تمر على ذكر الأمر الذي استطردت به مرورا كالبرق الخاطف؛ ثم تتركه و تنساه، و تعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصد ذاك، إنما عرض عروضا.

و من لطيف التخلص الذي يكاد يكون استطرادا، لولا أنه أفسده بالخروج إلى المدح، قول أبي تمام في قصيدته التي يمدح بها محمد بن الهيثم التي أولها:

أسقي طلولهم أجش منيم *** و غدت عليهم نظرة و نعيم

ظلمتك ظالمة البريء ظلوم *** و الظلم من ذي قدرة مذموم

زعمت حواك عفا الغداة كما عفت *** منها طلول باللوى و رسوم

لا والذي هو عالم إن النوى *** صبر و إن أبا الحسين کريم

ما خلت عما تعهدين و لا غدت *** نفسي على ألف سواك تحوم

فلو أثم متغزلا لكان مستطردا لا محالة، ولكنه نقض الاستطراد و غمس يده في المدح. فقال بعد هذا البيت:

لمحمد بن الهيثم بن شبانةٍ *** مجد إلى جنب السماك مقيم

ملك إذا نسب الندى من ملتقى *** طرفيه فهو أوله و حميم

و مضى على ذلك إلى آخرها.

ص: 194

و من الاستطراد يحتال الشاعر إلى ذكر ما يروم ذكره. بوصف أمر ليس من غرضه، و بدمج الغرض الأصلي في ضمن ذلك و في غضونه؛ و أحسن ما يكون ذلك إذا صرح بأنه قد استطرد و نص في شعره على ذلك، كما قال أبو إسحاق الصابي في أبيات كتبها إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف كاتب عضد الدولة بفارس و کرمان و ما والاها متواصلة إلى العراق، و كتب عبد العزيز واصلة بها إلى عز الدولة. بختیار و الصابي يجيب عنها:

يا راكب الجسرة العيرانة الأجد *** يطوي المهامة من سهل إلى جلد

ابلغ أبا قاسم نفسي الفداء له *** مقالة أخ للحق معتمد

في كل يوم لكم فتح يشار به *** بين الأنام بذكر السيد العضد

و مالنا مثله لكننا أبداً *** نجيبكم بجواب الحاسد الكمد

فأنت اكتب عني في الفتوح و ما *** تجري مجيبا إلى شأوي و لا أمدي

و ما زعمت ابتدائي في مكاتبةٍ *** و لا جوابكم في القُرب و البُعد

لكنني رمت إن أثني على ملكٍ *** مستطرد بمديح فيه مطرد

ص: 195

الجناس

لقوله عليه السلام و قد استعمل الجناس:

"و إن الدنيا منتهی بصر الأعمى، لا يبصر مما وراءها شيئا، و البصير ينفذها بصره، و يعلم إن الدار ورائها، فالبصير منها شاخص، و الأعمى إليها شاخص، و البصير منها متزود و الأعمى لها متزود".

قال أبو تمام (277/8-278):

فأصبحت غرر الإسلام مشرقة *** بالنصر تضحك عن أيامها الغرر

فالغرر الأولى مستعارة من غرة الوجه و الغرة الثانية من غرره الشيء، و هي أكرمه

(و يرى علي الفتَّال: أن لا جناس في البيت لأن "الغرر" واحدة سواء استعيرت للوجه أو للشيء، فهي مقدمة الوجه مثلما هي مقدمة الشيء).

و كذلك قوله:

ص: 196

من القوم جعد أبيض الوجه والندى *** و ليس بنان يجتدى منه بالجعد

فالجعد الأول: السيد. والثاني: السبط، و هو من صفات البخيل.

و كذلك قوله:

بكل فتى ضرب يعرض للقنا *** محبا محلى حليه الطعن و الضرب

فالضرب الأول: الرجل الخفيف، و الثاني "ضَرَب".

و كذلك قوله:

عداك حر الشغور المستظامة عن *** برد الثغور و عن سلسالها الحصبِ

فأحدها جمع ثغر و هو ما يتعاظم العدو من بلاد الحرب، و الثاني للأسنان.

و من هذه القصيدة:

كم أحرزت قضب الهندي مصلتة *** تهتز من قضب تهتز کتب

بيض إذا انتضيت من حجبها رجفت *** أحق بالبيض أبداناً من الحجب

(و إن ابن أبي الحديد لا يعد ذلك من التجنيس فالقضب و القضب في معنى و البيض و البيض في معنى).

و من هذا القسم قول أبي تمام أيضا:

إذا الخيل جابت قصطل الخيل صدعوا *** صدور العوالي في صدور الكتائب

و هو عنده ليس من التجنيس لأن الصدور في الموضعين بمعنى واحد، و هو جز الشيء المتقدم البارز عن سائره.

فأما قوله أيضا:

ص: 197

عامي و عام العين بين وديقة *** مسجورة، وتنوفة صيخودِ

حتى أغادر كل يوم بالفلا *** للطير عيداً من بنات العيدِ

فإنه من التجنيس التام: فالعيد الأول هو اليوم الأول من الأعياد، و الثاني فحل من فحول الإبل.

و نحو هذا قول أبي نواس:

عباس عباسٌ إذا احتدم الوغى *** و الفضل فضلٌ و الربيع ربيع

و قول البحتري:

إذا العين راحت و هي عين على الهوى *** فليس بسرما تسدّ الأضالع

فالعين الثانية: الجاسوس، و الأول العين المبصرة.

و للغزي المتأخر قصيدة أكثر من التجنيس التام فيها، أولها:

لو زارنا طيف ذات الخال أحياناً *** و نحن في حفر الأجداث أحيانا

و قال في أثنائها:

تقول أنت أمرؤ جاف مغالطة *** فقلت لا حرمت أجفان أجفانا

و منها:

لم يبق غيرك إنسان یُلاذ به *** فلا برحت لعين الدهر إنسانا

و قد ذكر الغانمي في كتابه (صناعة الشعر) باباً أسماه رد الأعجاز على الصدور؛ ذكر أنه خارج عن باب التجنيس، قال، كقول الشاعر:

و نشري بجميل الصنع *** ذكراً طيب النشر

ص: 198

و نفري بسيوف الهند *** من أسرف في النفر

و بحري في ثرى الحمد *** على شاكلة البحر

يقول ابن أبي الحديد: و هذا من التجنيس؛ و ليس بخارج عنه ولكنه تجنیس مخصوص، و هو الإتيان في طرفي البيت.

و عدّ ابن الأثير الموصلي في كتابه من التجنيس قول الشاعر في الشيب:

يا بياضاً أذری دموعي حتى *** عافها سواد عيني بياضا

و كذلك قول البحتري:

و أعرّ في الزمن البهيم محجّلٌ *** قد رحت منه على أعرّ محجّلِ

کالهيكل المبني إلا أنه *** في الحسن جاء كصورة في هيكلِ

و هذا عند ابن أبي الحديد ليس بتحنيس، لاتفاق المعنى، و أنكر ابن الأثير قول أبي تمام:

أظن الدمع في خدي سيبقى *** رسوماً من بكائي في الرسوم

كونه من التجنيس، في حين أنه منه.

و هناك تجنیس آخر هو أن تكون الحروف في تركيبها، مختلفة في وزنها، كقول البحتري:

و فر الخائن المغرور يرجو *** أمانا أي ساعة ما أمان

يهاب الالتفات و قد تصدى *** للحظة طرفه طرف السنان

و قول الآخر:

ص: 199

قد ذبت بين حشاشة و ذماء *** ما بين حر هوىً و حر هواء

و منها أن تكون الألفاظ متساوية في الوزن مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير. فإن زاد عليه خرج من باب التجنيس، كقول أبي تمام:

يحدون من أيد عواض عواصم *** تصول بأسياف قواض قواضم

و قول البحتري:

شواجر أرماح تقطع بينهم *** شواجن أرحام ملوم قطوعها

و قد جمع هذا البيت بين التجنيس الناقص و بين المقلوب و هو أرماح و أرحام.

و منها أن تكون الألفاظ مختلفة في الوزن و التركيب بحرف واحد. كقول أبي تمام:

أيام تدمي عينه تلك الدمى *** حسنا و تقمر لبه الأقمار

بيض فهن إذا رمقن سوافراً *** صور وهن إذا رمقن صوارٍ

و كذلك قوله:

بدر أطاعت فيك بادرة النوى *** ولعاً و شمس أولعت بشماس

و قوله أيضا:

كادوا النبوة و الهدى فتقطعت *** أعناقهم في ذلك المضمارِ

جهلوا فلم يستكثروا من طاعة *** معروفة بعمارة الأعمارِ

و قوله أيضا:

ص: 200

إن الرماح إذا غرسن بمشهد *** فجنى العوالي في ذراه معالِ

و قوله أيضا:

إذا أحسن الأقوام إن يتطاولوا *** بلا نعمة أحسنت أن تتطاولا

و قوله أيضا:

شد ما استنزلته من دمعك *** الأظعان حتى استهل هو العزالي

أي ربع يكذب الدهر عنه *** و هو ملقى على طريق الليالي

بین حال جنت عليه و حول *** فهو نضو الأوحال و الأحوالِ

أي حسن في الذاهبين تولى *** و جمال على ظهور الجمالِ

و دلال مخيم في ذرى الخيم *** و حجل مقصر الحجالِ

فالبيت الثالث و الخامس هما المقصودان بالتمثيل.

و من ذلك قول علي بن جبلة:

و كم لك من يوم رفعت عماده *** بذات جفون أو بذات جفان

و كقول البحتري:

و ذكّر نيك و الذكرى عناء *** مشابه فيك بينه الشكول

نسيم الروض في ريح شمال *** و صوب المزن في راح شمول

و كقوله:

جدير بأن تنشق عن ضوء وجهه *** ضبابة نقع تحتها الضوء ناقعُ

و منها تجنیس التصريف، كقول البحتري:

ص: 201

و لم يكن المعتز بالله إذ سری *** اليعجز و المعتز بالله طالبه

و كقول محمد بن وهيب الحميري:

قسمت صروف الدهر يأسأ و نائلاً *** فما لك موتور و سيفك واترُ

و منها القسم المكنى بالمعكوس؛ و هو على ضربين عکس لفظ و عکس صرف، و الأول كقول الأظبط بن قريع:

قد يجمع المال غير آكله *** و يأكل المال غير من جمعه

و يقطع الثوب غير لابسه *** و يلبس الثوب غير من قطعه

و كقول المتنبي:

فلا مجد في الدنيا لمن قلَّ ماله *** و لا مال في الدنيا لمن قلَّ مجده

و كقول الرضي (رحمه الله) يذم الزمان:

أسف بمن يطير إلى المعالي *** وطار بمن يسف إلى الدنايا

و كقول آخر:

إن الليالي للأنام مناهل *** تُطوى و تُنشر بينها الأعمار

فقصارهن مع الهموم طويلة *** وطوالهن مع السرور قصار

و لبعض شعراء الأندلس يذكر غلامه:

غيرتنا يد الزمان *** فقد شبت والتحی

فاستحال الضحى دجى *** واستحال الدجا ضحى

و يسمى هذا الضرب: تبدیل.

ص: 202

و الضرب الثاني من هذا القسم عکس الحروف، و هو كقول بعضهم، و قد أهدي لصديق له كرسيا:

أهديت شيئا يقل لولا *** أحدوثة الفال و التبرك

(کرسي) تفاءلت فيه لما *** رأيت مقلوبه (يسرك)

و كقول الآخر:

كيف السرور بإقبال و آخره *** إذا تأملته مقلوب إقبال

أي: (لا بقاء) و هو مقلوب إقبال.

و كقول الآخر:

جاذبتها و الريح تجذب عقربا *** من فوق خد مثل قلب العقرب

و طفقت الثم ثغرها فتمنعت *** و تجبت عني بقلب العقرب

پرید (برقعاً) و هو مقلوب عقرب.

و منهال النوع المسمى المجلب، و هو إن يجمع بين كلمتين إحداهما كالجنيبة التابعة، للأخرى، مثل قول بعضهم:

أبا الفياض لا تحسب بأني *** لفقري من طُلى الأشعار عارِ

فلي طبع كسلسال معین *** زلال من ذرا الأحجار جارِ

و هنا يسمی لزوم ما لا يلزم و ليس من باب التجنيب. و منها المقلوب و ما يتساوی وزنه و تركيبه إلا أن حروفه تتقدم و تتأخر مثل قول أبي تمام:

بيض الصفائح لا سود الصحائف في *** متونهن جلاء الشك و الريب

ص: 203

الکنایة

لقوله عليه السلام، لما قتل الخوارج و قيل له، يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم:

"كلا والله، إنهم نطف في أصلاب الرجال، و قرارات النساء، و كلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصا سلابين".

إذ ورد في قوله عليه السلام "نجم" أي ظهر وطلع، و "قرارات النساء" أي الأرحام، و هي كناية لطيفة.

فاستشهد ابن أبي الحديد بجملة من الشعر فيه كناية و رموز و تعريض، و الكناية: إبدال لفظة -يُستحي من ذكرها، أو يُستهجن ذكرها، أو يتطير بها، أو يقتضي الحال لتركها لأمرٍ من الأمور- بلفظ ليس فيه ذلك المانع.

و من هذا الباب قول امرؤ القيس (15/5-63):

سموت إليها بعد ما نام أهلها *** سمو صباب الماء حالا على حال

ص: 204

فقالت لك الويلات إنك فاضحی *** ألست ترى السمار و الناس أحوالى

فلما تنازعنا الحديث فأسمحت *** هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال

فصرنا إلى الحُسني ورقٌ كلامنا *** و رضت فذلت صعبة أي إذلال

قوله: "فصرنا إلى الحُسني" كناية على الرفث و مقدمات الجماع.

و قال أبو قتيبة:

تمازح معاوية والأحنف؛ فما رؤي مازحان أوقر منهما: قال معاوية:

- أبا بحر. ما الشيء الملفف بالبجاد؟

فقال:

- السخينة يا أمير المؤمنين.

و إنما كنى معاوية عن رمي بني تميم بالنهم وحب الأكل بقول القائل:

اذا ما مات ميت من تميم *** فسرك إن يعيش فجيء بزاد

بخبز أو بتمر أو بسمنٍ *** أو الشيء الملفف بالبجاد

تراه يطوف في الآفاق حرصاً *** ليأكل رأس لقمان بن عادِ

والسخينة ما يسخن بالنار، و يذر عليه دقيق؛ و غلب ذلك على قريش حتى سمیت سخينة، قال حسان:

زعمت سخيفة أن ستغلب ربها *** و ليغلبن مغالب الغلاب

فعبر كل واحد من معاوية والأحنف عما أراده بلفظ غیر مستهجن و لا مستقبح، و علم كل واحد مراد صاحبه، و لم يفهم الحاضرون ما دار بينهما. و هذا

ص: 205

من باب التعريض هو قريب من الكناية.

و يرى الفتَّال: أن الشاهد - في صدر البيت الأول [إذا ما مات ميتٌ من تميمٍ...] يُذَكِّرنا بأُحجية للصبيان، تقول: أين تقع المدينة التي لا يموت فيها میِّتٌ و لا يُطحَنُ فيها طحين؟ في حين لا يوجد هكذا مدينة، لأنَّ الميِّتَ لا يموت مرتين وكذا الطحين لا يُطحَن، إذ كيف يُطحن المطحون؟

و مما ورد من الأخبار النبوية في هذا الباب الخبر الذي فيه: إن المرأة قالت للرجل القاعد منها مقعد القابلة:

- لا يحل لك إن تفض الخاتم إلا بحقه.

فقام عنها و تركها. و قد أخذ الصاحب بن عباد هذه اللفظة فقال: لأبي العلاء الأسدي الأصفهاني، و قد دخل بزوجة له بكر:

قلبي على الحجرة يا أبا العلا *** فهل فتحت الموضع المقفلا

و هل فضضت الكيس عن ختمه *** و هل كحلت الناضر الأحولا

و أنشد الفرزدق في سليمان بن عبد الملك فقال:

دفعن إليَّ لم يطمئن قلبي *** و هن أصح من بيض النعام

فبتن بجانبَّي مصرعاتٍ *** وبثُّ أفض أغلاق الختام

و قول أبو نواس:

لا أذود الطير عن شجر *** قد بلوت المر من ثمره

و قول آخر:

ص: 206

قد وسموا أبا لهم بالنارِ *** و النار قد تشفي من الأوارِ

و قول النابغة الجعدي:

إذا ما الضجيج ثنى عطفها *** تشت فكانت عليه لباسا

و قد حاکي قوله تعالى: "هن لباس لكم و أنتم لباس لهن".

و هي كناية عن الجماع و المخالطة. و قد كنّتِ العربُ عن المرأة بالريحان، و بالسرحة.

قال ابن الرقیات:

لا أشم الريحان إلا بعيني *** كرماً إنما تشم الكلام

أي أقنع من النساء بالنظر، و لا أرتكب منهن محرما.

و قال حميد بن ثور الهلالي:

أبى الله إلا إن سرحة مالك *** على كل أفنان العضاة تروق

فيا طيب رياها و برد ظلالها *** إذا حان من حامي النهار وديق

و هل أنا إن عللت نفسي بسرحة *** من السرح مسدود عليَّ طريق

و السحرة: الشجرة.

و قول أعرابي و كنّي عن امرأتين:

أيا نخلتي أودٍ إذا كان فيكما *** جنىً فانظرا من تطعمان جناكما

و يا نخلتي أود إذا هبت الصبا *** و أمسيت مقرورا ذكرت ذراكما

و قال شاعر یذکر امرأة:

ص: 207

من البيض لم تصطد على خيل لأمة *** و لا تمش بين الناس بالحطب الرطب

و كما ورد نظير ممازحة معاوية و الأحنف /الآنفة/ من التعريضات إن أبا غسان المسمعي مر بأبي غفار السدوسي فقال:

يا غفار؛ ماذا فعل الدر همان؟

فقال:

- لحقا بالدرهم؛

أراد بالدر همين قول الأخطل:

فإن تبخل سدوس بدرهميها *** فإن الريح طيبة قبول

و أراد الآخر قول بشار:

و في جحدر لؤم و فی آل مسمع *** صلاح ولكن درهم القوم كوكب

و كإن محمد بن عقال المجاشعي عند يزيد بن مزيد الشيباني، و عنده سيوف تعرض عليه، فدفع سيفا منها إلى يد محمد، و قال:

- كيف ترى هذا السيف؟

فقال:

- نحن أبصر بالتمر منها بالسيوف.

أراد یزید قول جرير في الفرزدق:

بسيف أبي رغوان سيف مجاشعٍ *** ضربت و لم تضرب بسيف ابن ظالم

ضربت به عند الإمام فأرعشت *** يداك فقالوا: مُحدَثٌ غير صارم

ص: 208

و أراد محمد قول مر و إن بن أبي حفصة:

لقد أفسدت أسنان بكر بن وائل *** من التمر ما لو أصلحته لمارها

و قال محمد بن عمير بن عطاء التميمي لشريك النميري، و على يده صقر:

- ليس في الجوارح أحب إليّ من البازي.

فقال شريك:

- إذا كان يصيد القطا.

أراد محمد قول جرير:

إنا البازي المطل على نُمير *** أتيح من السماء لها انصبابا

و أراد شريك قول الطرماح:

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا *** و لو سلكت سبل المكارم ظلتِ

و دخل عبد الله بن ثعلبة المحاربي على عبد الملك بن يزيد الهلالي؛ و هو يومئذ و الي أرمينية، فقال له:

- ماذا لقينا الليلة من شيوخ محارب؟ منعونا النوم بضوضائهم و لغطهم.

فقال عبد الله بن ثعلبة:

- إنهم - أصلح الله الأمير - أظلوا الليلة برقعاً، فكانوا يطلبونه.

أراد عبد الملك قول الأخطل:

تكش بلا شيء شيوخ محارب *** و ما خلتها كانت تريش و لا تبری

ضفادح في ظلماء ليل تجاوبت *** فدل عليها صوتها حية البحر

ص: 209

و أراد عبد الله قول القائل:

لكل هلالي من اللؤم برقع *** و لابن يزيد برقع و جلال

عرض على معاوية فرس، و عنده عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص؛

فقال:

- كيف ترى هذا الفرس يا أبا مطرّف؟

قال:

- أراه أجش هزيما!

قال معاوية:

- أجل لكنه لا يطلع على الكنائن.

قال: يا أمير المؤمنين؛ ما استوجبت منك هذا الجواب كله.

قال:

قد عوضتك منه عشرين ألفا.

أراد عبد الرحمن التعريض بمعاوية، بما قال النجاشي في أيام صفين:

و نجی ابن حرب سابح ذو علالة *** أجش هزيم و الرماح دواني

إذا قلت أطراف الرماح تنوشه *** مرته له الزقان و القدمان

فلم يحتمل معاوية منه هذا، و قال: "لكنه لا يطلع على الكنائن" لأن عبد الرحمن كان يتهم بنساء أخوته.

ورد إلى البصرة غلام من بني فقعس، كان يجلس في المربد فينشد شعرا،

ص: 210

و يجمع الناس إليه؛ فذكر ذلك للفرزدق، فقال:

- لا سوء منه.

فجاء إليه، فسمع شيئاً من شعره، فحسده عليه، فقال:

- فمن أنت؟

قال:

- من بني فقعس.

قال:

- كيف تركت القنان؟

فقال:

- مقابل لَصَاف

فقال :

- يا غلام هل أنجدت أمك؟

قال:

- بل أنجد أبي.

أراد الفرزدق قول فشل بن حري يهجو بني فقعس:

ضمن القنان لفقعس سوءاتها *** إن القنان لفقعس لمعمدِ

و أراد الغلام قول أبي المهوّش:

ص: 211

و إذا يسرك من تميم خلة *** فلما يسوؤك من تميم أكثرُ

أكلت أسيد و الهشيم ودارم *** أير الحمار و خصيتيه العنبرُ

قد كنت أحسبهم أسود خفية *** فاذا لصاف ببيض فيه الحمرُ

و أراد بقوله: "هل أنجدت أمك"، أي : إن كانت أنجدت فقد أصابها أبي، فخرجت تشبهني؛ فقال: "بل انجد أبي". يريد بل أصاب أمك فوجدها بغيا.

قال عبد الله بن سوار، كنا على مائدة إسحاق بن عيسى بن علي الهاشمي فأتينا بحريرة قد عملت بالسمن و السكر و الدقيق؛ فقال معد بن غيلان العبدي:

- يا حبذا السخينة! ما أكلت - أيها الأمير - سخينة ألذ من هذه!

فقال:

إن المعايب لا تذكر على الخوان.

أراد معد ما كانت العرب تعیر به قريشا في الجاهلية من أكل السخينة و أراد إسحاق بن عيسى ما يعير به عبد القيس من الفسق.

قال الشاعر:

و عبد القيس مصفر لحاها *** كأن نساءها قطع الصباب

و كان سنان بن أحمس النميري يساير الأمير عمر بن هبيرة الفزاري، و هو على بغلة له، فتقدمت البغلة على فرس الأمير فقال:

- أغضض بغلتك یا سنان.

فقال:

ص: 212

- أيها الأمير، إنها مكتوبة، فضحك الأمير.

أراد عمر بن هبيرة قول جرير:

فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعباً بلغتَ و لا كلابا

و أراد سنان قول ابن دارة:

لا تأمنن فزارياً خلوت به *** على قلوصك و اكتبها بأسيار

و كانت فزارة تعير بإتيان الإبل، و لذلك قال الفرزدق يهجو عمر بن هبيرة هذا و يخاطب یزید بن عبد الملك:

أمير المؤمنين و أنت برٌّ *** نقيٌّ لستَ بالجشع الحريصِ أأطعمت العراق ورافديه *** فزاريا أحزَّ یدَ القميصِ

تغنق بالعراق أبو المثنى *** و علم قومه أكل الخبيص

و لم يك قبلها راعي مخاض *** لتأمنه على ورکي قلوص

و البيت الأخير كناية عن إتيان الإبل الذي كانوا يعيرون به.

قال المبرد: و قد يسير البيت في واحد؛ و يرى أثره عليه أبدا، لقول أبي العتاهية في عبد الله بن معن بن زائدة:

لقد بلغت ما قالا *** فما بالبيت ما قالا

و لا كإن من الأسد *** لما هال و ما صالا

فما تصنع بالسيف *** اذا لم تك قتالا

فكسر حلية السيف *** وصفها لك خلخالا

ص: 213

و كان عبد الله بن معن إذا تقلد السيف و رأى من يرمقه بان أثره عليه فظهر الخجل منه.

و مثل ذلك ما يحكى إن جريراً قال: و الله فقد قلت في بني تغلب بيتا لو طعنوا بعده بالرماح في أستائهم ما حكوها؛ هو:

و التغلبي إذا تنحنح للقرى *** حك أسته و تمثل الأمثالا

و حكى أبو عبيدة عن يونس قال: قال عبد الملك بن مروان يوماً و عنده رجال:

- هل تعلمون أهل بيت قبل فيهم شعر، ودوا لو أنهم افتدوا منه بأموالهم؟

فقال أسماء بن خارجة الفزاري:

- نحن يا أمير المؤمنين!

قال:

- فما هو؟

قال:

- قول الحارث بن ظالم المري:

و ما قومي بثعلبة بن سعد *** و لا بفزارة الشُعر الرقابا

فوالله يا أمير المؤمنين؛ أني لألبس العمامة الصفيقة؛ فيخيل لي أن شعر قفاي قد بدا منها.

و قال هاني بن قبيصة النميري:

ص: 214

- نحن يا أمير المؤمنين؛

قال:

- و ما هو؟

قال:

- قول جرير:

فغض الطرف انك من نمير *** فلا كعبا بلغت و لا كلابا

كان النميري - يا أميرالمؤمنين إذا قيل له من أنت؟ قال: نمير فصار يقول بعد هذا البيت: "من صعصعة".

و مثل ذلك يروى أن النجاشي لما هجا بني العجلان بقوله:

إذا الله عادى أهل لؤم و قلة *** فعادى بني عجلان رهط بن مقبل

قُبَيِّلَةٌ لا يغدرون بذمة *** و لا يظلمون الناس حبة خردلِ

و لا يردون الماء إلا عشيةً *** إذا صدر الورّاد عن كل منهلِ

و ما سمي العجلان الا لقوله: *** خذ القصب و احلب أيها العبد و اعجلِ

فكان الرجل منهم إذا سئل عن نسبه يقول: من بني كعب، و ترك أن يقول "عجلان".

و كان عبد الملك بن عمير القاضي، يقول: و الله إن التنحنح والسعال ليأخذني و أنا في الخلاء فأرده حياء من قول القائل:

إذا ذات دلٍ كلمته لحاجةٍ *** فهمَّ بأن يقضي تنحنح أو سعل

ص: 215

و من التحريضات اللطيفة، ما روي: أن المفضل بن محمد الضبي بعث بأضحية هزيلة إلى شاعر، فكلما لقيه سأله عنها:

فقال:

- كانت قليلة الدم .

فضحك المفضل و قال:

- مهلاً يا أبا فلان.

أراد الشاعر قول القائل:

و لو ذبح الضبي بالسيف لم تجد *** من اللوم للضبي لحمأ و لا دما

و روی بن الأعرابي في الأمالي قال: رأي عقال بن شعبة بن عقال المجاشعي على إصبع بن عنبس وضحاً، فقال:

- ما هذا البياض على إصبعك يا أبا الجراح؟

فقال:

سلح النعامة يا ابن أخي.

أراد قول جرير:

فضح العشيرة يوم يسلح قائماً *** سلح النعامة شبّة بن عقال

و كان شبة بن عقال قد برز يوم الطوانة مع العباس بن الوليد بن عبد المالك إلى رجل من الروم؛ فحمل عليه الرومي؛ و نكص و أحدث؛ فبلغ ذلك جريرة باليمامة، فقال فيه ذلك.

ص: 216

و لقي الفرزدق مختبئا يحمل قماشة. كأنه يتحول من دار إلى دار؛ فقال:

- أين راحت عمتنا؟

فقال:

- قد نفاها الأغر يا أبا فراس؛

يريد قول جرير في الفرزدق:

نفاك الأغر بن عبد العزيز *** و حقك تنفي من المسجد

و ذلك أن الفرزدق ورد المدينة، و الأمير عليها عمر بن عبد العزيز فأكرمه صخرة بن عبد الله بن الزبير و أعطاه، و قعد عند عبد الله بن عمر بن عفان و قصَّر به، فمدح الفرزدق حمزة بن عبد الله. و هجا عبد الله فقال:

ما أنتم من هاشم في سرها *** فأذهب إليك و لا بني العوام

قوم لهم شرف البطاح و أنتم *** و ضر البلاط موطئوا الأقدام

فلما تناشد الناس ذلك، بعث إليه عمر بن عبد العزيز، فأمره أن يخرج من المدينة. و قال له:

- إن وجدتك بعد ثلاث عاقبتك.

فقال الفرزدق:

- ما أراني إلا كثمود حين قيل لهم: *** لله تمتعوا في داركم ثلاثة أيام لله

فقال جرير يهجوه:

نفاك الأغر بن عبد العزيز *** و حقك تنفي من المسجد

ص: 217

و سميت نفسك أشقى ثمود *** فقالوا ضللت و لم تهتد

و قد أجِّلوا حين حل العذاب *** ثلاث ليالٍ إلى الموعد

وجدنا الفرزدق بالموسحين *** خبيث المداخل و المشهد

و حکی أبو عبيدة، قال: بينما نحن على أشراف الكوفة، وقوف، إذ جاء أسماء بن خارجة الفزاري فوقف، و أقبل ابن مکعبر الضبي فوقف متنحيا عنه؛ فأخذ أسماء خاتماً كان في يده، فصَّه فيروز أزرق، فدفعه إلى غلامه و أشار إليه أن يدفعه إلى ابن المكعبر، فأخذ ابن المكعبر شسع نعله، فربطه بالخاتم و أعاده إلى أسماء، تمازحاً و لم يفهم أحد من الناس ما أرادا. أراد أسماء بن خارجة قول الشاعر:

لقد رزقت عيناك يا ابن مکعبر *** كذا كل ضبي من اللؤم أزرق

و أراد أبن مکعبر قول الشاعر:

لا تأمنن فزارياً خلوت به *** على قلوصك واكتبها بأسيار

و كان فزارة تعير بإتيان الإبل، و قد عيرت أيضا بأكل جردان الحمار؛ لأن رجلا منهم كان في سفر فجاع، فاستطعم قوماً فدفعوا إليه جردان الحمار، فشواه و أكله، فأكثرت الشعراء ذكرهم بذلك، و قال الفرزدق:

جهز إذا كنت مرتادا و منتجعا *** إلى فزارة عيرا تحمل الكمرا

إن الفزاري لو يعمى فيطعمه *** أير الحمار طيب أبرأ البصرا

إن الفزاري لا يشفيه من قرم *** أطايب العير حتى ينهش الذكرا

ص: 218

و يحكى أن بني فزارة و بني هلال بن عامر بن صعصعة تنافروا إلى أنس بن مدرك الخثعمي؛ و تراضوا به: فقالت بنو هلال:

- أكلتم يا بني فزارة أير الحمار.

فقالت بنو فزارة:

- و أنتم مدرتم الحوض بسلحكم.

فقضی أنس لبني فزارة على بني هلال.

فأخذ الفزاريون منهم مئة بعير كانوا تخاطروا عليها. و فيما ورد يقول الشاعر:

لقد جللت خزيا هلال بن عامر *** بني عامر طراً بسلحة ما در

فأفٍ لكم، لا تذكروا الفخر بعدها *** بني عامر، أنتم شرار المعاشر

و في مجلس قتيبة بن مسلم، بعد فتح سمرقند، سأل أخوه عبد الله بن مسلم الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي.

فقال عبد الله:

- أتعرف يا أبا ساسان الذي يقول:

عزلنا و أمَّرنا و بكر بن وائل *** تجر خصاها تبتغي من تحالف

و ما مات بكري من الدهر ليلة *** فيصبح إلا و هو للذل عارف

فقال:

- أعرفه و أعرف الذي يقول:

فأوى العزم من نادي مشيراً *** و من كانت له أسرى كلاب

ص: 219

و خيبة من يخيب على غنىِ *** و باهلة بن أعصر و الرباب

فقال:

- أفتعرف الذي يقول:

كأن فقاح الأزد حول ابن مسمعِ *** و قد عرفت أخواه بكر بن وائل

قال:

- نعم و أعرف الذي يقول:

قوم قتيبة أمهم و أبوهم *** لولا قتيبة أصبحوا في مجهل

حكي أن قتيبة بن مسلم دخل على الحجاج و بين يديه كتاب قد ورد إليه من عبد الملك، و هو يقرؤه، و لا يعلم معناه و هو مفكر، و في الكتاب:

"أما بعد فإنك سالم و السلام".

قال قتيبة:

- انه يسرك أيها الأمير، و يقر عينك، إنما أراد قول الشاعر:

يديرونني عن سالم و أديرهم *** و جلدة بين العين و الأنف سالم

أي: أنت عندي مثل سالم عند هذا الشاعر.

فولاه خراسان كما وعده.

و كتب عبد الملك كتابا إلى الحجاج جواباً على كتاب له يذكر فيه شدة شوكة الخوارج، فقال عبد الملك في كتابه:

"أوصيك بما أوصى به البكري زيداً و السلام".

ص: 220

فلم يفهم الحجاج ما أراد عبد الملك، فقال:

- من جاءني بتفسيره فله عشرة آلاف درهم.

فأخبره رجل حجازي، انه يعني قوله:

أقول لزيد لا تثرثر فإنهم *** يرون المنايا دون قتلك أو قتلي

فأن وضعوا حربا فضعها و إن أبوا *** فعرضة نار الحرب مثلك أو مثلي

و إن رفعوا الحرب العوان التي ترى *** فشب وقود النار بالحطب الجزل

فقال الحجاج:

أصاب أميرالمؤمنين فيما أوصاني، و أصاب البكري فيما أوصى به زيدا، و أصبت أيها الأعرابي، فدفع إليه الدراهم.

تلك كانت اضمامة من كنايات تعريضية، وهي – و ان كانت خارجة عن باب الكناية - الا أنها مشابهة إيَّاها، وولإنها كالنوعين تحت جنس عام.

و من الكنايات قول أبي نواس:

و ناضرة إليَّ من النقاب *** تلاحظني بطرف مستطاب

كشفت قناعها فإذا عجوز *** مموهة المفارق بالخضاب

فما زالت تجشمني طويلاً *** و تأخذ في أحاديث التصابي

تحاول أن يقوم أبو زيادِ *** و دون قيامه شيب الغراب

أتت بجرابها تكتال فيه *** فقامت و هي فارغة الجراب

و الكناية في البيت الأخير و هي ظاهرة.

ص: 221

و منها قول أبي تمام:

مالي رأيت ترابكم بئس الثرى *** مالي أرى أطوادكم تتهدم

فكنى ب(بئس الثرى) عن تنكر ذات بينهم. و ب(تهدم الأطواد) حلومهم وطيش عقولهم.

و منها قول أبي الطيب:

و شر ما قنصته راحتي قَنَصٌ *** شهب البزاة سواء فيه و الرّخم

كنى بذلك عن سيف الدولة، و أنه يساوي بينه و بين غيره من أراذل الشعراء.

و خامليهم في الصلة و القرب. قال الأقيشر لرجل: ما أراد الشاعر بقوله:

و لقد غدوت بمشرف يافوخه *** مثل الهراوة ماؤه يتفصد

ارن يسيل من المراح لعابه *** و يكاد جلد أهابه يتقدد

حتى علوت به مشق ثنية *** طوراً أغور به وطوراً أنجد

و قد عني بالعضو.

و قريب من هذه الكناية قول سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، و هو غلام يختلف إلى عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدب ولد هشام بن عبد الملك، و قد جشمه عبد الصمد فأغضبه، فدخل إلى هشام فقال له:

إنه و الله لولا أنت لم *** ينج مني سالماً عبد الصمد

فقال هشام:

- و لم ذلك؟

ص: 222

- قال :

إنه قد رام مني خطة *** لم یرمها قبله منی أحد

قال هشام:

- و ما هي ويحك؟

قال:

رام جهلاً بي و جهلا بأبي *** يدخل الأفعى إلى بيت الأسد

فضحك هشام و قال:

- لو ضربته لم أنكر عليك.

و من هذا الباب قول أبي نواس:

إذا ما كنت جار أبي حسين *** فنم ويداك في طرف السلاح

فإن له نساء سارقات *** إذا ما بتن أطراف الرماح

سرقن و قد نزلن عليه عضوي *** فلم أضفر به حتى الصباح

فجاء و قد تخدش جانباه *** يئن إليَّ من ألم الجراح

و الكناية في قوله "أطراف الرماح" و في قوله "في طرف الرماح".

و من الكناية الحسنة قول الفرزدق يرثي امرأته، و قد ماتت بجُمع:

وجعن سلاح قد رزئت و لم أنح *** عليه، و لم أبعث عليه البواكيا

و في جوفه من وارم ذو حفيظة *** لو أن المنايا أخطأته لياليا

أخذه الرضي (رحمه الله) يرثي امرأته:

ص: 223

إن لم تكن نصلا فغمد نصول *** غالته أحداث الزمان بغول

أو لم تكن بأبي شبول ضيغم *** تدمي أظافره فأم شبول

و من الكنايات الحسنة قول حاتم:

و ما تشتكيني جارتي غير أنني *** إذا غاب عنها بعلها لا أزورها

سيبلغها خير و يرجع بعلها *** إليها، و لم يسبل عليَّ ستورها

فكنى بأسبال الستر عن الفعل، لأنه يقع عنده غالبا.

و يشبه قول حاتم في الكناية المقدم ذكرها قول بشار بن برد:

و إني لَعَفٌّ عن زيارة جارتي *** و إني لمشنوء إليَّ اغتيابها

و لم أكُ طَلَّاباً أحاديث سرها *** و لا عالماً من أين حوك ثيابها

و إن قِراب البطن يكفيك ملؤها *** و يكفيك عورات النساء اجتنابها

إذا سُدَّ باب عنك من دون حاجة *** فذرها لأخرى لتبين لك بابها

إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها *** زؤوراً ولم تنبح عليَّ كلابها

و قال الأخطل ضد ذلك يهجو رجلاً و يرميه بالزنا:

سيبقى يضل الكلب يمضغ ثوبه *** له في ديار الغانيات طريق

و من جيد الكناية عن العفة قول عقيل بن علفة المرى:

و لست بسائل جارات بيتي *** أغياب رجالك أم شهود

و لا ملقٍ لذي الودعات سوطي *** ألاعبه وريبته أريد

و من جيد ذلك و مختاره قول مسكين الدارمي:

ص: 224

ناري و نار الجار واحدة *** و إليه قبلي تنزل القدرُ

ما ضر جارا لي أجاوره *** ألا يكون لبابه سترُ

أعمى إذا ما جارتي برزت *** حتى يواريَ جارتي الخدرُ

و يصم عما كان بينهما *** سمعي و ما بي غيره وقرُ

و العرب تُكَنِّي عن الفرج بالإزار، و بالذيل، فتقول: عفيف الإزار و عفيف الذيل. وكَنّى الشاعر بالإزار عن الزوجة فقال:

ألا أبلغ أبا بشر رسولا *** فداً لك من أخي ثقة إزاري

قلائصنا – هداك الله - انّا *** شغلنا عنكم زمن الحصارِ

يريد به زوجتي. أو كنا هاهنا بالأزار عن نفسه.

و قال زهير:

الحافظون ذمام عهدهم *** و الطيبون مع ا قد الأزر

والستر دون الفاحشات ولا *** يلقاك دون الخير من سُتر

و قد أحسن ابن طباطبا في قوله:

فطربت طربة فاسق متهتك *** و عففت عفة ناسك متحرج

الله يعلم كيف كانت عفتي *** ما بين خلخال هناك و دملجِ

و من الكنايات عن العفة قول ابن ميادة:

و ما نلت منها محرما غير أنني *** أقبل بساماً من الثغر أفلجا

و ألثم فاهاً أخذا بقرونها *** و أترك حاجات النفوس تحرجا

ص: 225

فكنّي عن الفعل نفسه بحاجات النفوس، كما كنى أبو نواس عنه بذلك العمل في قوله:

مرَّ بنا و العيون ترمقه *** تجرح منه مواضع القبل

أفرغ في قالب الجمال فما *** یصلح إلا لذلك العمل

و كما كَنَّى ابن المعتز بقوله:

وزارني في ظلام الليل مستتراً *** يستعجل الخطو من خوف و من حذر

ولاح ضوء هلال كاد يفضحه *** مثل القلامة قد قصّت من الظفر

فقمت أفرش خدي في الطريق له *** ذلاً و أسحب أذيالي على الأثر

فكان ما كان مما لست أذكره *** فظُنَّ خيرا و لا تسأل عن الخبر

و مما تطيروا من ذكره: فكَنُّوا عنه قولهم: "مات" فأنهم عبروا عنه بعبارات مختلفة داخلة في باب الكناية، نحو قولهم: "لعق إصبعه". و قالوا: "اصفرت أنامله"؛ لأن اصفرار الأنامل من صفات الموت. قال عوف بن محلم الخزاعي:

فقرباني بأبي أنتما *** من وطني قبل اصفرار البنان

و قبل منعاي إلى نسوة *** منزلها حران و الرقتان

و قال لبيد:

و كل أناس سوف تدخل بينهم *** دويهية تصفر منها الأنامل

و يقولون في الكناية عنه: صك لفلان على أبي يحيى، و أبو يحيى كنية الموت.

كني عنه بضده، كما كنوا عن الأسود بالأبيض و قال الخوارزمي:

ص: 226

سريعة موت العاشقين، كأنما *** يغار عليهم من هواها أبو يحيى

وكَنَّى رسول الله صلى الله عليه و آله عنه بهادم اللذات. فقال:

"أكثروا من ذكر هادم اللذات".

و قال أبو العتاهية:

رأيت المنايا قسمت بين أنفس *** و نفسي سيأتي بينهن نصيبها

فيا هادم اللذات ما منك مهرب *** تحاذر نفسي منك ما سيصيبها

و قالوا: حلقت به العنقاء، و حلقت مع عنقاء مُغرِب قال:

فلولا دفاعي اليوم عنك لحلقت *** بشلوك بين القوم عنقاء مُغرِب

و قالوا: زل الشراك عن قدمه، قال:

لا يسلمون العداة جارهم *** حتى يزل الشراك عن قدمه

أي: حتى يموت فيستغنى عن لبس النعل.

فأما قولهم "زلت نعله" فيكنَّى به تارة عن غلطه و خطئه و تارة عن سوء حاله و اختلال أمره بالفقر، و هذا المعنى الأخير أراده الشاعر بقوله:

سأشكر عمراً ما تراخت منيتي *** أياديَ لم تمنن و إن هي جلّتِ

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه *** و لا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

رأى خلتي من حيث يخفي مكانها *** فكانت قذي عينيه حتى تجلت

و يقولون فيه: شالت نعامته، قال:

يا ليت أمي قد شالت نعامتها *** ايما إلى جنة ايما إلى نار

ص: 227

ليست بشعصي و لو أوردتها هَجَرا *** و لا بريا و لو حلت بذي قار

أي لا يشبعها كثرة التمر و لو نزلت عمر – و هي كثيرة النخل - و لا تروى و لو نزلت ذا قار. و هو موضع كثير الماء.

و يقولون: خلَّى فلان مكانه؛ و أنشر ثعلب للعتبي في السري بن عبد الله

كأن الذي يأتي السري لحاجة *** أباح إليه بالذي جاء يطلب

إذا ما ابن عبد الله خلى مكانه *** فقد حلقت بالجود عنقاء مغرب

و قال دريد بن الصمة:

فإن يك عبد الله خلى مكانه *** فما كان وقافاً و لا طائش اليد

و يقولون طار من ماله الثمين: يريدون الثمن. يقال: ثمن و ثمين، و سبیع، ذلك لأن الميت ترث زوجته من ماله الثمن غالباً، قال الشاعر:

فلا و أبيك لا آوي عليها *** لتمنع طالباً عنها اليمين

فإني لست منك و لست مني *** إذا ما طار من مالي الثمينُ

أي: إذا مت و أخذت ثمنك من تركتي.

و قالوا لحق اللطيف الخبير، قال:

و من الناس من يحبك حباً *** ظاهر الود ليس بالتقصير

و إذا ما خبرته شهد الطرف *** على حبه بما في الضمير

و إذا ما بحثت قلت كهذا *** ثقة و رأس مال كبير

فإذا ما سألته ربع فلسٍ *** ألحق الود باللطيف الخبير

ص: 228

و قال أبو العلاء:

لا تسل عن عداك أين استقروا *** لحق القوم باللطيف الخبير

و قالوا في الدعاء عليه: لا عُدّ من نفره، أي: إذ عد قومه فلا عد منهم، و إنما يكون كذلك إذا مات. قال امرؤ القيس:

فهو لا تنمى رميّتهُ *** ماله عُد من النفر

و قالوا في الكناية عن الدفن: أضلوه و أضلوا به، قال المخبل السعدي:

أضلت بنو قيس بن سعد عميدها *** و سيدها في الدهر قيس بن عاصم

و يقولون للمقتول: ركب الأشقر، كناية عن الدم، و إليه أشار الحارث بن هشام المخزومي في شعره، الذي يعتذر به عن فراره يوم بدر عن أخيه أبي جهل بن هشام حين قتل:

الله يعلم ما تركت قتالهم *** حتى علوا فرسي بأشقر مزيد

و علمت أني إن أقاتل و احداً *** أقتل، و لا يضرر عدوِّي مشهدي

فصددت عنهم و الأحبة فيهم *** طمعاً لهم بعقاب يوم مرصدِ

و يقولون تُرِكَ فلان بجعجاع؛ أي: قتل، قال أبو قيس بن الأسلت:

من يذق الحرب يجد طعمها *** مراً و تتركه بجعجاع

أي: تتركه قتيلاً مخلى بالفضاء.

و مما كنوا عنه قولهم للمقيّد: هو محمول على الأدهم. و الأدهم: القيد، قال الشاعر:

ص: 229

أوعدني بالسجن و الأداهم *** رجلي و رجلي ششنة المناسم

وكنوا عن القيد أيضا بالأسمر، أنشد ابن عرفة لبعضهم:

فما وَجدُ صعلوك بصنعاء موثق *** بساقيه من سمر القيود كبول

قليل الموالي مسلم بجريرةٍ *** له بعد نومات العيون غليل

يقول له البواب أنت معذب *** غداة غدٍ أو رائحٍ فقتيل

بأكثر من وجدي بكم يوم راعني *** فراق حبيب ما إليه سبيل

و من كناياتهم عنه، ركب روعه، و أصله السهم يرمى به فيرتد نصله فيه، أي: وُقِصَ فدخل عنقه في صدره، قال الشاعر:

تقول و صكت صدرها بيمينها *** أبعلي هذا بالرحا المتقاعس

فقلت لها لا تعجلي و تبيني *** بلاي إذا التفت علي الفوارس

ألست أرد القبر يركب روعه *** و فيه سنان ذو غدارين يابس

لعمر أبيك الخير إني لخادم *** لضيفي و إني إن ركبت لفارس

و أنشد الجاحظ لبعض الخوارج:

و مسوم للموت يركب روعه *** بين الأسنة و القنا الخطَّار

يدنو و ترفعه الرماح كأنه *** شلو تنشب في مخالب ضاري

فثوى صريعا و الرماح تنوشه *** إن الشراة قصيرة الأعمار

و مما تفاءلوا به قولهم للفلاة التي يظن فيها الهلاك: مفازة، اشتقاقاً من الفوز، و هو النجاة، و قال بعض المحدثين:

ص: 230

أحب الفأل حين رأى كثيراً *** أبوه عن اقتناء المجد عاجز

فسماه لقلته كثيراً *** لتلقيب المهالك بالمفاوز

و من هذا تسميتهم اللديغ سلیما، قال:

كأني من تذكر ما ألاقي *** إذا ما أظلم الليل البهيم

سليم مل منه أقربوه *** و أسلمه المجاور و الحميم

و قال أبو تمام في الشيب:

شعلة في المفارق استودعتني *** في صميم الأحشاء شكلا صميما

(و) تثير الهموم ما اكتن منها *** صدأ و هي تستثير الهموما

دقة في الحياة تدعى جلالاً *** مثلما سمي اللديغ سليما

عزمة بهمة إلا إنما كنت *** أغرّ أيام كنت بهيما

حلّمتني - زعمتم - و أراني *** قبل هذا التحليم كنت حليما

و سموا الغراب أعور لحدة بصره، قال ابن ميادة:

ألا طرقتنا أم عمر و دونها *** فيافٍ من البيداء يعشي غرابها

و يکنون عن العجمي بالأحمر، و قال:

رددت صحيفة القرشي لما *** أبت أعراقه الا احمرارا

لأنه توسم فيه أن بعض أعراقه ينزع إلى العجم لما رأى من بياض لونه و شقرته.

و منه قول جرير يذكر العجم:

ص: 231

يسموننا الأعراب و العرب أسمنا *** و أسماؤهم فينا رقاب المزاود

و إنما يسمونهم رقاب المزاود لأنها حمراء.

و من كناياتهم تعبيرهم عن المفاخرة بالمساجلة، و أصلها من السجل؛ و هي الدلو المليء، كان الرجلان يستقیان، فأيهما غلب صاحبه كان الفوز و الفخر له، قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب:

و أنا الأخضر من يعرفني *** أخضر الجلدة من بيت العرب

من يساجلني يساجل ماجداً *** يملأ الدلو إلى عقد الكرب

برسول الله و ابني عمه *** و بعباس بن عبد المطلب

و قال الشاعر:

قوم إذا اخضرت نعالهم *** يتناهقون تناهق السمرِ

أي: إذا أعشبت الأرض اخضرت نعالهم من وطئهم إياها، فأغار بعضهم على بعض، و التناهق هاهنا: أصواتهم حين يتنادون للغارة.

و نظير هذا البيت قول الآخر:

قوم إذا نبت الربيع لهم *** نبتت عداوتهم مع البقل

أي: إذا خصبوا و شبعوا غزا بعضهم بعضا.

و مثله قول الآخر:

يا ابن هشام أهلك الناس اللبن *** فكلهم يغدو بسيف و قرن

أي: تسفهوا لما رأوا من كثرة اللبن و الخصب فأفسدوا في الأرض فأغار

ص: 232

بعضهم على بعض. و القرن: الجعة.

و من الكنايات الداخلة في باب الإيماء قول الشاعر:

فتى لا يرى قد القميص بخصره *** ولكنما يوهي القميص عواتقه

لما كان سلامة القميص من الحرق في موضع الخصر تابعا لدقة الخصر، و وهنه في الكاهل تابعا لعظم الكاهل، ذكر ما دل بهما على دقة خصر هذا الممدوح و عظم کاهله.

و منه قول مسلم بن الوليد:

فرعاء في طرفها ليل على قمر *** على قضيب على حقف النقا الدهس

كأن قلبي و شاحاها إذا خطرت *** و قلبَها قلبُها في الصمت و الخرس

تجري محبتها في قلب عاشقها *** مجرى السلامة في أعضاء منتكس

و من هذا الباب قول القائل:

إذا غرد المکّاء في غير روضه *** فويل لأهل الشاء و الحمرات

أومأ بذلك إلى الجدب، لأن المكاء يألف الرياض فإذا أجدبت الأرض سقط في غير روضه و غرد، فالويل حينئذ لأهل الشاء و الحمر.

و منه قول القائل:

لعمري لنعم الحي حي بني كعب *** إذا جعل الخلخال في موضع القُلب

القلب: السوار؛ يقول: نعم الحي هؤلاء إذا ريع الناس و خافوا، حتى أن المرأة لشدة خوفها تلبس الخلخال مكان السوار، فاختصر الكلام اختصارا شديدا.

ص: 233

و منه قول الأفوة الأودي:

إن بني أودٍ همُ ما همُ *** للحرب للجدب و عام الشموس

قد يأتي من الكلام ما يجوز أن يكون كناية، و يجوز أن يكون استعارة، و يختلف ذلك باختلاف النظر إليه بمفرده، و النظر إلى ما بعده، كقول نصر بن سیار (في أبياته المشهورة) التي يحرض بها على بني أمية عند خروج أبي مسلم:

أرى خلل الرماد و ميض جمر *** و يوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالزندين توري *** و إن الحرب أولها كلام

أقول من التعجب ليت شعري *** أأيقاظٌ أمية أم نيام

فأن هبوا فذاك بقاء ملك *** و إن رقدوا فأني لا ألام

فإن يك أصبحوا وثووا نياما *** فقل قوموا فقد حان القيام

فالبيت الأول لو وردَ بمفرده لكان كناية لأنه لا يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز، فإذا نظرنا إلى الأبيات بجملتها؛ كان البيت الأول المذكور باستعارة لا كناية.

و لقوله عليه السلام:

"العين وكاء الستة".

و هذا القول في الأشهر الأظهر للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و قد رواه قوم لأمير المؤمنين عليه السلام.

و ذلك المبرد في كتاب المقتضب باب اللفظ المعروف. و الوكاء رباط القربة؛

ص: 234

فجعل العين وكاء - و المراد اليقظة - للستة للوكاء للقرية.

و الستة: الأست: فاستشهد بقول يحيى بن زیاد، إذ كان يحيى و مطيع بن ایاس و حماداً الراوية قد جلسوا على شرب لهم، و معهم رجل منهم فانحل، فاستحيا و خرج، و لم يعد إليهم فكتب إليه يحيى بن زیاد (186/20- 187):

أمن قلوص غدت لم يؤذها أحد *** ألا تذكرها بالرمل أوطانا

خان العقال لها فانبث إذ نفرت *** و إنما الذنب فيها للذي خانا

منحتنا منك هجرانا و مقلية *** و لم تزرنا كما قد كنت تغشانا

خفض عليك فما في الناس ذو ابلٍ *** الا واينقة يشرون أحيانا

و الكناية في تلك الأبيات واضحة.

و قال الشاعر (188/20):

فيا من ليس يكفيه صديق *** و لا ألفا صديق كل عام

أظنك من بقايا قوم موسى *** فهم لا يصبرون على طعام

و هو تضمين لقوله تعالى:

{وَ إِذ قُلتُم يَا مُوسَى لَن نَصبِرَ عَلَى طَعامٍ وَاحِدٍ}

إذ يقال: فلان من قوم موسى، إذا كان ملولا.

و قول العباس بن الأحنف (188/20):

كتبت تلوم و تستريث زيارتي *** و تقول لست لنا كعهد العاهد

فأجبتها ودموع عيني سجّمٌ *** تجري على الخدين غير جوامد

ص: 235

يا فوز لم أهجركم لملالةٍ *** عرضت و لا المقال واش حاسد

لكنني جربتكم فوجدتكم *** لا تصبرون على طعام واحد

و قال الشاعر: إذ يقولون للجارية الحسناء قد أبقت من رضوان (188/20):

جسّت العود بالبنان الحسان *** و تثنت كأنها غصن بان

فسجدنا لها جميعا و قلنا *** إذ شجتنا بالحسن و الإحسان

حاش لله أن تكون من الأنس *** ولكن (أبقيت) من رضوان

و بما تمثل به الحجاج (188/20):

أنا ابن جلا و طلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني

إذ يقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال: ابن جلا، و هي كناية عن الصبح.

و بما أنشد الأصمعي (189/20):

آتي الندیَّ فلا يقرّب مجلسي *** و أقود للشرف الرفيع حماري

إذ يقولون في الكناية عن الشيخ الضعيف: قائد الحمار، أي: يقوده من الكبر إلى موضع مرتفع ليركب لضعفه.

و يقول الشاعر (189/20):

و أصبحت كنيتا و أصبحت عاجزاً *** و شر خصال المرء: كنت ذاعجن

إذ كانوا يكنون عن الشيخ الضعيف بالعاجن: لأنه إذا قام عجن الأرض

ص: 236

بكفيه.

و الكنتيُّ: الذي يقول: كنت أفعل كذا. و كنت أركب الخيل يتذكر ما مضى من زمانه. و لا يكون ذلك الا عند الهرم، أو الفقر و العجز.

و قول لبيب (20189):

أخیّر أخيار القرون التي مضت *** أدب كأني كلما قمت راكع

إذ كانوا يکنون عن الشيخ بالراكع، و الركوع هو التطأطؤ و الإغفاء بعد الاعتدال و الاستواء.

و قول الأضبط بن قريع السعدي (189/20):

لا تهن الفقير علك أن *** تركع يوما و الدهر قد رفعه

إذ يقال للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر: قد ركع.

و قول الشاعر (190/20):

ارفع ضعيفك لا يمر بك ضعفه *** يوماً فتدركه الحوادث قد نما

يجزيك أو يثني عليك و إن من *** يثني عليك بما فعلت فقد جزی

و مثله أيضا:

و أكرم كريماً إن أتاك لحاجة *** لعاقبة إن القضاة تروّحُ

تروّح: الشجر إذا انفطر بالنبت؛ يقول: إن كان فقيرا فقد سبقني.

كما أن الشجر الذي لا ورق عليه سيكتسي ورقاً، و يقال ركع الرجل؛ أي: سقط، كقول الشاعر (190/20):

ص: 237

خرق إذا ركع المطيّ من الوجي *** لم يطوِ دون رفيقه ذا المرود

حتى يؤوب به قليلا فضله *** حمد الرفيق نداك أو لم يحمدِ

و كما يكنون الشيخ بالراكع فيکنون به عنه، كذلك يقولون: يحجل في قيده خطوة، كقول أبي الطحان القيني:

حنتني حانيات الدهر حتى *** كأني خاتل أدنو لعيد

قريب الخطو يحسب من رآني *** -و لست مقيدا- أني بقيد

و نحو هذا قولهم لكبير: بدت له الأرنب، و ذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته كقول ابن الأعرابي في النوادر:

و طالت بي الأيام حتى كأنني *** من الكبر العالي بدت لي أرنب

و يقولون لمن رشا القاضي أو غيره؛ صب في قنديله زيتا كقوله (191/20):

و عند قضاتنا خبث و مكر *** وزرع حين تسقيه يسنبل

إذا ما صب في القنديل زيت *** تحولت القضية للمقندل

و كان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشاء، و كان كاتب أم جعفر، و هو سعدان بن يحيی كذلك، فقال لها الرشيد يوماً:

- أما سمعت ما قيل في كاتبك؟

قالت:

ما هو؟

فأنشدها:

ص: 238

صب في قنديل سعدان *** مع التسليم زيتا

و قناديل بنيه *** قبل أن تخفي الكميتا

قالت:

- فما قيل في كاتبك أشنع.

فأنشدته:

قنديل سعدان علا ضوءه *** فرخ لقنديل أبي صالح

تراه في مجلسه أحوصاً *** من لمحه للدرهم اللائح

و يقولون لمن يفخر بآبائه هو عظامي. و لمن يفخر بنفسهى هو عصامي.

إشارة إلى قول النابغة في عصام بن سهل صاحب النعمان:

نفس عصام سودت عصاما *** و علمته الكد و الإقداما

و جعلته ملكا هماما

و أشار بالعظامي إلى فخره بالأموات من آبائه و رهطه، و قال الشاعر:

إذا ما الحي عاش بعظم ميت *** فذاك العظم حي و هو ميتُ

و مثل قولهم: عظامي، قولهم: خارجي، أي يفخر بغير أولوية كانت له، قال كثير لعبد العزيز:

أبا مروان لست بخارجيٍّ *** و ليس قديم مجدك بانتعالِ

و يکنون عن العزيز و عن الذليل أيضا ب (بيضة البلد) في المدح (193/20):

لكن قائله من لا كفاء له *** من كان يدعى أبوه بيضة البلد

ص: 239

و قال الآخر في الذم:

تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبأ *** و ابنا نزار فأنتم بيضة البلد

و يقولون للشيء الذي يكون في الدهر مرة واحدة، هو بيضة الديك.

و يکنون عن الثقيل بالقذي في الشراب.

قال الأخطل يذكر الخمر و الاجتماع عليها:

و ليس قذاها بالذي قد يضيرها *** و لا بذباب نزعه أيسر الأمر

و لكن قذاها كل جلف مكلف *** أتتنا به الأيام من حيث لا ندري

فذاك القذي و ابن القذى و أخو القذى *** فأن له من زائر آخر الدهر

و يکنون عنه أيضا بقدح اللبلاب، قال الشاعر:

يا ثقيلا زاد في الثق *** ل علی کل ثقيل

أنت عندي قدح اللب *** لاب في كف العليل

و يکنون عنه أيضا بالقدح الأول، لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة و ما بعده فدونه لاعتياده، قال الشاعر:

و أثقل من حضينٍ باديا *** و أبغض من قدح الأول

و يکنون عنه بالكانون، قال الخطيأة يهجو أمه:

تنحّي و اقصدي عني بعيدا *** أراح الله منك العالمينا

أغربالاً إذا استودعتي سراً *** و كانوناً على المتحدثينا

و يکنون عن الثقيل أيضا برحا البزر، قال الشاعر (194/20):

ص: 240

و أثقل من رحا بزر علينا *** كأنك من بقايا قوم عاد

و مثله قولهم:

هو جلیس قعقاع بن ثور، و كان قد قدم إلى معاوية، فدخل عليه، و المجلس غاص بأهله ليس فيه مقعد، فقام له رجل من القوم و أجلسه مكانه، فلم يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاوية و معاوية يخاطبه حتى أمر له بمئة ألف درهم، فأحضرت إليه، فجعلت إلى جانبه، فلما قام قال الرجل القائم له من مكانه:

ضمها إليك، فهي لك بقيامك لنا عن مجلسك، فقيل فيه (195/20):

و كنت جليس قعقاع بن ثور *** و لا يشقى بقعقاع جليس

ضحوك السن أن نطقوا بخير *** و عند الشر مطراق عبوس

و يقولون: هو فاختة البلد، من قول الشاعر (20/196):

أكذب من فاختة *** تصيح فوق الكرب

و الطلع لم يبدُ لها *** هذا أوان الرطب

و قال آخر:

حديث أبي حازم كله *** كقول الفواخت جاء الرطب

و هن و إن كن يشبهنه *** فلسن يدانينه في الكذب

و يکنون عن النمانم بالزجاج، لأنه يشف على ما تحته، قال الشاعر:

انم بما استودعته من زجاجة *** يرى الشيء فيها ظاهراً و هو باطن

و يکنون عنه بالنسيم من قول الآخر:

ص: 241

و أنك كلما استودعت سرا *** انم من النسيم على الرياض

و قالوا للجائع: عضه الصفر، و عضه شجاع البطن (197/20): و قال الهندي:

أرُدُّ شجاع البطن قد تعلمنيه *** و أوثر غرثى من عيالك بالطعم

مخافة أن يحيا برغم و ذلةٍ *** و للموت خير من حياة على رغم

و يقولون: زوده زاد الضب، أي لم يزوده شيئا لأن الضب لا يشرب الماء، و انما يتغذى بالريح، و النسيم، و يأكل القليل من عشب الأرض، قال ابن المعتز:

يقول أكلنا لحم جدي وبطة *** و عشر دجاجات شواء بالبان

فقد كذب الملعون إذ كان زاده *** سوى زاد ضب يلعق الريح عطشان

و قال أبو الطيب:

لقد لعب البين المشت بها وبي *** و زودني في السير ما زود الضبا

و يقولون للمختلفين من الناس. هم کنعم الصدقة، و هم كبعر الكبش. قال عمرو بن لجأ:

و شعر كبعر الكبش ألف بينه *** لسان دعي في القريض دخيل

و يقولون فيهم: خبر کُتّاب، لأنه يكون مختلفا، قال الشاعر يهجو الحجاج ابن يوسف (198/20):

أنيس كليب زمان الهزال *** و تعليمه سورة الكوثر

رغيف له فلكة ما تري *** و آخر كالقمر الأزهر

ص: 242

و مثله:

أما رأيت بني سلم وجوههم *** كأنها خبز كَتَّاپٍ و بقالِ

و يقال للمتساوين في الرواء، كأسنان الحمار، قال الشاعر:

سواء كأسنان الحمار فلا تری *** الذي شينة منة على ناشئٍ فضلا

و قال آخر:

شبابهم و شيبهم سواء *** فهم في اللؤم أسنان الحمار

و أنشد المبرد في الكامل لأعرابي يصف قوما من طيء بالتساوي في الرداءة:

و لما أن رأيت بني جوينٍ *** جلوسا ليس بينهم جليس

يئست من الذي أقبلت أبغي *** لديهم، انتي رجل يؤوس

إذا ما قلت أيهم لأيِّ *** تشابهت المناكب و الرؤوس

و يعني ب(ليس بينهم جلیس)، أي لا ينتج الناس معروفهم، فليس بينهم غيرهم.

و قال ابن الأعرابي: كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأخرى، الا النعام فأنه منی کسرت إحدى رجليه جثم، فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه (199/20):

و اني مراياه کرجلي نعامة *** على ما بنا من ذي غنى و فقير

و يقال للمتكلف بمصالح الناس، انه وصي آدم على ولده.

و قد قال الشاعر في هذا الباب:

ص: 243

فكأن آدم عند قرب وفاته *** أوصاك و هو يجود بالحواء

ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم *** و كفيت آدم عيلة الأبناء

و يقولون فلان خليفة الخضر، إذا كان كثير السفر، قال أبو تمام (200/20):

خليفة الخضر من يربع على وطنٍ *** أو بلدة فظهور العيس أوطان

بغداد أهلي و الشام الهوى و أنا *** بالرقتين و بالفسطاط إخواني

و ما أظن النوى ترضى بما صنعت *** حتى تبلغ بي أقصى خراسان

و يقولون: أسمن فلان في أديمه، كناية عمن لا ينتفع به، أي: ما خرج منه يرجع إليه، و أصله أن نجياً من السمن انشق في ظرف من الرقيق، فقيل ذلك، قال الشاعر:

ترحل فما بغداد دار إقامة *** و لا عند من أضحي ببغداد طائل

محل ملوك سمنهم في أديمهم *** و كل بهم من حلية المجد عاطل

فلا غزو أن شكت يد المجد و العلا *** و قل سماع من رجال و نائل

إذا غضفض البحر القطامط ماءه *** فليس عجيبا أن تفيض الجداول

و يقولون لمن كان حسن اللباس و لا طائل عنده، و المشجب خشبة القصار التي يطرح الثياب عليها: قال بن الحجاج:

لي سادة طائر السرور بهم *** يطرد اليأس بالمقاليع

مشاجب للثياب كلهم *** و هذه عادة المشاقيع

جائزي عندهم إذا سمعوا *** شعري: هذا كلام مطبوع

ص: 244

و انهم يضحكون إن ضحكوا *** و أبكي أنا من الجوع

و قال آخر:

إذا لبسوا دكن الخزوز و خضرها *** وراحوا فقد راحت عليك المشاجب

و یکنون عن الطفيلي: هو ذباب، لأنه يقع في القدور قال الشاعر (201/20):

و لست بواقع في قدر قوم *** و ان كرهوا كما يقع الذباب

أتيتك زائرا لقضاء حق *** فحال الستر دونك و الحجاب

و قال آخر:

و أنت أخو السلام و كيف أنتم *** و لست أخو الملمات الشداد

و أطفل حين يجفى من ذباب *** و الذم حين يدعي من قراد

و يکنون عن القصير القامة بأبي زبيبة، و عن الطويل بخيط باطل، و كانت كنية مروان بن الحكم لأنه كان طويلا مضطربة، قال فيه الشاعر:

الحا الله قوماً أمروا خيط باطل *** على الناس يعطي من يشاء و يمنع

و في خيط باطل قولان: أحدهما أنه الهباء الذي يدخل من ضوء الشمس في الكوة من البيت، و تسمية العامة: غزل الشمس، و الثاني أنه الخيط الذي يخرج من فم العنكبوت، و تسمية العامة: مخاط الشيطان.

و يقولون عن النادم: يقرع السن، و النجيل: ينكث الأرض ببنانه، أو يعود عند الرد. قال الشاعر (202/20):

ص: 245

عبيد أخوانهم حتى إذا ركبوا *** يوم الكريهة فالأساد في الأجم

يرضون من الأيسار سائلهم *** لا يقرعون على الأسنان من ندم

و قال آخر من نکث الأرض بالعيدان:

قوم إذا نزل الغريب بدارهم *** تركوه رب صواهل و قيان

لا ينكثون الأرض عند سؤالهم *** لتطلب العلان بالعيدان

و يقولون للمثري من المال: منفرس. و حكي المبرد و قال: كان الحرماذي في ناحية عمرو بن مسعدة و كان يجري عليه فخرج عمرو بن مسعدة إلى الشام، و تخلف الحرماذي ببغداد، فأصابه النقرس فقال:

أقام بأرض الشام فاختل جانبي *** و مطلبه بالشام غير قريب

و لاسيما من مفلس حلف نقرس *** أما نقرس في مفلس بعجيب

إذ ساد الأعتقاد أن علة النقرس *** أكثر ما تعتري أهل الثروة و التنعم.

و قال بعضهم يهجو ابن زیدان الكاتب (203/20):

تواضع النقرس حتى لقد *** صار إلى رجل ابن زيدان

علة انسان ولكنها *** قد وجدت في غير انسان

و يقولون للمترف: انه رقيق النعل، و أصله قول النابغة:

رقاق نعال طيب حجراتهم *** يحيون بالريحان يوم السباسب

و كذلك قولهم: فلان مسحطة النعال. أي نعله طبقة واحدة غير مخصوف، قال المرار بن سعيد الفقعي:

ص: 246

وجدت بني خفاجة في عقيل *** کرام الناس مسحطة النعال

و قريب من هذا قول النجاشي:

و لا يأكل الكلب السروق نعالنا *** و لا ينتقي المخ الذي في الجماجم

و يقولون لأبناء الملوك و الرؤساء و من يجري مجراهم: جفاة المحز، قال الشاعر (204/20):

جفاة المحز لا يصيبون مفصلا *** و لا يأكلون اللحم الا تخذما

أي: لا يحسنون الذع، و اذا أكلوا قطعوا اللحم قليلاً قليلا.

و أنشد الجاحظ في مثله:

و صلع الرؤوس عظام البطون *** جفاة المحز غلاظ القصر

و قريب من ذلك قوله (205/20):

ليس براعي أبل و لا عنم *** و لا بجزار على ظهر وضم

و يقولون: ملحه على ركبته، أي: هو سيئ الخلق، يقضيه أدنى شيء، قال:

لا تلمها أنها من عصبةٍ *** ملحها موضوعة فوق الركب

و يقولون كناية عن المجوسي: هو من يخط على النمل، و النمل جمع نملة، و هي قرصة بالأسنان، كانت العرب تزعم أن المجوسي إذا كان من أخته و خط عليها برأت: قال الشاعر:

و لا عيب فينا غير عرق لمعشر *** كرام و أنا لا نخط على النمل

و يقولون للصبي: قد فطغت ثمرته، أي: ختن، و قال عمارة بن عقيل بن

ص: 247

بلال بن جریر (206/20):

ما زال عصياننا لله يرذلنا *** حتى دفعنا إلى يحيى و دينار

الا عليجين لم تقطف ثمارها *** قد طالما سجدا للشمس و النار

و تكني العرب عن الحشرات و هوام الأرض بجلود سعد، يعنون سعد الأخبية، ذلك أنه إذا طلع انتشر في ظاهر الأرض، و خرج منه ما كان مستترا في باطنها، قال الشاعر:

قد جاء سعد منذرا بحره *** موعده جنود بشره

و یکني قوم عن السائلين على الأبواب بحفاظ سورة يوسف عليه السلام.

لأنهم يعتنون بحفظها دون غيرها. و قال عمارة يهجو محمدا بن وهيب:

تشبهت بالأعراب أهل التعجرف *** فدل على ما قلت قبح التكلف

لسان عراقي اذا ما ضرفته *** الى لغة الأعراب لم يتصرف

و لم تنس ما قد كان بالأمس حاله *** أبوك وعود الجف لم يتقصف

لأن كنت للأشعار و النحو حافظا *** لقد كان من حفاظ سورة يوسف

و يکنون عن اللقيط: بتربية القاضي. و عن الرقيب بثاني الحبيب لأنه يُرى معه أبدا، قال ابن الرومي (207/20):

موقف للرقيب لا أنساه *** لست أختاره و لا أباه

مرحبا بالرقيب من غير وعد *** جاء يجلو على من أحواه

لا أحب الرقيب الا لأني *** لا أرى من أحب حتى أراه

ص: 248

و يکنون عن الوجه المليح: بحجة المذنب، إشارة إلى قول الشاعر:

قد وجدنا غفلة من رقيب *** فسرقنا نظرة من حبيب

و رأينا ثم وجها مليحا *** فوجدنا حجة للذنوب

و يکنون عن الجاهل، ذي النعمة بحجة الزنادقة قال ابن الرومي: مهلا أبا الصقر فكم من طائر *** خر صريعا بعد تحليق

لا قدست نعمي تربلتها *** کم حجة فيها لزنديق

و قال ابن بسام في أبي الصقر أيضا:

يا حجة الله في الأرزاق و القسم *** و عبرة لأولي الألباب و الفهم

تراك أصبحت في نعماء سابقة *** الا وربك غضبان على النعم

و قال ابن الرومي (208/20):

و قينة أبرد من ثلجة *** تبيت منها النفس في ضجة

كأنها من نتنها ضجة *** لكنها في اللون أترجة

تفاوتت خلقتها فاغتدت *** لكل من عطل ممتجة

و قد يشابه ذلك قول أبي علي البصير في أبن سعدان:

يا ابن سعدان اجعل الرزق في أم *** رك و استحسن القيح بحرة

نلت ما لم تكن تمنى إذا ما *** أسرفت غاية الأماني عشرة

ليس فيما أطن الا لكيلا *** ينكر المنكرون لله قدره

و للمفجع في قريب منه:

ص: 249

إن كنت خنتكم المودة غادراً *** أوصلت عن سنن المحب الوافق

فمسخت في قبح ابن طلحة أنه *** ما دل قط على كمال الخالق

و يقولون: وعد سابري: أي لا يقرن به وفاء واصل. السابري، الرقيق اللطيف، و قال المبرد سألت الجاحظ:

- من أشعر المولدين؟

فقال:

- القائل:

كأن ثيابه أطلع *** ن من أزرار قمرا

يزيدك وجهه حسناً *** إذا ما زرته نظرا

بعين خالط التغيي *** ر في أجفانها الحورا

ووجه سابري لو *** تصوِّب ماؤه قطرا

يعني العباس بن الأحنف.

و جاء أعرابي إلى أبي العباس ثعلب و عنده أصحابه فقال له، ما أراد القائل بقوله (209/20):

الحمد لله الوهوب المنان *** صار الثريد في رؤوس القضبان

فأجابه ثعلب: أراد أن السنبل قد أضرك.

و يکنون عن الشيب، بغبار العسكر، و برغوة الشباب قال الشاعر (210/20):

ص: 250

قالت أرى شيبا برأسك قلت لا *** هذا غبار من غبار العسكر

و قال آخر، و سماه غبار وقائع الدهر:

غضبت ظلوم و أزمعت هجري *** وصبت ضمائرها إلى الغدر

قالت أرى شيبا فقلت لها *** هذا غبار وقائع الدهر

و قال الجاحظ: رأيت رجلا أعمى يقول في الشوارع و هو يسأل: ارحموا ذا الزّمانتين.

قلت:

- و ما هما؟

قال:

- أنا أعمى و صوتي قبيح.

و قد أشار شاعر إلى هذا فقال:

(و) اثنان إذا عُدّا *** حقيق بهما الموت

فقير ماله زُهدٌ *** و أعمى ما له صوت

و تقول: فلان عندي بالشمال، أي: منزلته خسيسة، و فلان عندي باليمين: أي: بالمنزلة العليا، قال أبو نواس (211/20):

أقول لناقتي إذ بلغتني *** لقد أصبحت عندي باليمين

فلم أجعلك للغربان نهبا *** و لم أقل أشرقي بدم الوتين

حرمت على الأزمة و الولايا *** وأعلاق الرحالة و الوضين

ص: 251

و قال ابن ميادة:

أبيني أ فی يمني يديك جعلتني *** فأفرح أم صيرتني في شمالك؟

و يقولون: امرئ لا ينادی ولیده، أي أمر عظيم ينادي فيه الكبار دون الصغار، قال الشاعر يصف حربا عظيمة (212/20):

إذا خرس الفحل وسط البحور *** و صاح الكلاب وعق الولد

و يقولون: أصبح فلان عن قرن أعفر؛ و هو الضبي، إذ أرادوا أصبح على خطر، قال امرؤ القيس.

و مثل يوم بالعضالي قطعته *** كأني و أصحابي على قرن أعفر

و قال أبو العلاء المعري:

في بلدة مثل ظهر الضب بت بها *** كأنني فوق أوق الضبي من حذر

و أنشد ابن دريد في هذا المعنى:

و ما خير عيش لا يزال كأنه *** محلة يعسوب برأس سنان

و يقولون: ألقى عصاه، إذا أقام و استقر، قال الشاعر (213/20):

فألقت عصاها و استقر بها النوى *** كماقر عيناً بالإياب المسافر

و يقولون: فلان ألقى عصاه في أعقاب نجمة مغرب، أي: هو نادم آس، قال الشاعر:

فأصبحت من ليلى الغداة كناظر *** مع الصبح في أعقاب نجمة مغرب

و يقال: هذه فرس غير محلفة. أي: لا تحوج صاحبها إلى أن يحلف أنها

ص: 252

كريمة. قال الشاعر (214/20):

کميت غير محلفة ولكن *** كلون الصرف عل به الأديم

و لقوله عليه السلام:

"إن للوالد على الولد حقا، و إن للولد على الوالد حقا، و حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ...".

قال الشاعر (365/19-366)

و حللت من مضر بأمنع ذروة *** منعت بحد الشوك و الأحجار

إذ كني عن أخواله، و هم قتادة و طلحة و عوسجة، بالشوك، و عن أعمامه بالأحجار.

ص: 253

المحتویات

توضیح مفردة ... 7

الإسناد اللغوي ... 19

النحو ... 45

صفين ... 48

شتان ... 49

فتح و کسر اللام ... 50

جزاء الشرط ... 50

وضع (عن) موضع (بعد) ... 51

تعدیه اللازم ... 51

تقدیر ذو ... 52

تقدیر فعل ... 52

تشکیل اعتراضی ... 53

ص: 254

أبا ... 57

جمع نوء ... 57

أین ... 58

اوه ... 58

حذف إن ... 59

تقديم الجار والمجرور على الحال ... 59

الا حر ... 61

من ... 62

أصبر ... 62

الفعل المقدر ... 63

بين ... 64

إياك ... 64

تبادل الحروف ... 64

البلاغة ... 65

لزوم ما لا يلزم ... 67

الاقتباس ... 69

رأي ... 71

الاقتباس ... 73

التشبيه ... 182

الاستعارة ... 185

ص: 255

الطباق و المقابلة ... 187

التخلص و الاستطراد ... 191

الجناس ... 196

الكناية ... 204

ص: 256

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.