أضواءٌ علی نهج البلاغه المجلد 2

هوية الکتاب

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2015م

العراق : كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل : 16633 078150

أضواء على نهج البلاغة

الجزءالثانی

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق وزارة الثقافة العراقية لسنة 2010 9110

ص: 2

أضواء على نهج البلاغة

شرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية

الجزء الثاني

تالیف

دكتور علي الفتال

إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1639 ه - 2015م

العراق : كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com

موبايل : 19933 78150.

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرر : مصطفی حسام عاشوری

ص: 4

ترجمة الشريف الرضي رحمه الله

هو السيد أبو الحسن وأبو عدنان محمد بن الطاهر ذي المنقبتين أبي أحمد الحسين بن موسى الأبرش بن محمد الأعرج بن أبي سبحة موسی بن إبراهيم المرتضى المجاب بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين السجاد بن أبي عبد الله الحسين السبط الشهيد بن أبي الحسنين علي المرتضى الحيدر الكرار بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب شيبة الحمد سید البطحاء بن هاشم الثريد عمرو.

أما نسبه من أمه : فاطمة بنت محمد يعود إلى هاشم الثريد عمرو أيضا.

وأما ولادته فكانت سنة 359ه في بغداد وتوفي فيها بين سنتي 404 - 406 ه. وكان يسكن في محلة الأمباريين وهي إحدى محلات الكاظمية. وقيل في دفنه وقبره أنه دفن في داره ثم نقل رفاته إلى كربلاء حيث كانت لأسرته مقبرة خاصة في کربلاء دفن فيها والده وشقيقه الشريف المرتضی علم الهدى وأختاه، وقيل أن قبره يقع بين ضريح الأمام الحسين عليه السلام وقبر إبراهيم المجاب.

ص: 5

أما مؤلفاته فقد بلغت 19 مؤلفة هي :

1) كتاب أخبار القضاة .

2) کتاب الأمثال .

3) تعليق خلاف القضاة.

4) کتاب تلخيص البيان في مجازات القرآن.

5) كتاب الجيد من شعر أبي تمام.

6) كتاب تعليقته على كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي.

7) کتاب الحسن من شعر الحسين بن الحجاج.

8) حقائق التأويل في متشابه التنزيل.

9) خصائص الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام.

10) کتاب رسائله المنثورة المسجوعة.

11) کتاب الرسائل الشعرية التي دارت بينه وبين أبي إسحاق الصابي.

12) رسالة (ذكرها طارق الخالصي في مجلة الكتاب). 13) کتاب زیادات شعر أبي تمام الطائي .

14) کتاب زیادات شعر ابن الحجاج.

10) کتاب سيرة والده الطاهر أبي أحمد الحسن

16) کتاب مجازات الآثار النبوية .

ص: 6

17) کتاب المختار من شعر أبي إسحاق الصابي (2).

18) نهج البلاغة.

19) دیوان بجزأين.

ص: 7

ترجمة ابن أبي الحديد

هو عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني البغدادي الشيعي

الشافعي المعتزلي (568 - 656 ه).

ثمة مصادر تذكر : أنه ولد ونشأ في المدائن وتوفي ببغداد وأخرى تذكر : أنه

ولد في الكرخ ثم عاش في المدائن وهو القائل :

پاکرخ جاد عليك مدرار الهوى*** وسقى ثراك من الرواعد مسبل

مادمت بعدك بالمدائن سلوة*** الأثنى الثاني هواك الأول

استغرق تأليف شرح نهج البلاغة أربع سنوات ونيف إذ كان من 644 -

649 ه كما صرح به في شرح النهج.

وتسنم وظائف عدة منها :

ص: 8

1. كاتب في دار التشريعات سنة 929 ه.

2. كاتب في المخزن (دار الخراج) سنة 130 ه.

3. كاتب في ديوان الخلافة سنة 31 -326ه 4. نقل الى واسط سنة 131 ه إلى وظيفة لم يذكرها أصحاب السير.

5. وفي سنة 642 ه أسندت إليه وظيفة مشرف ولاية الحلة، أي الوالي أو

المفتش المالي.

6. سنة 656 ه عين بوظيفة الأشراف على خزائن الكتب في بغداد.

7. سنة 656ه عين كاتب السلة - بفتح السين المهملة وفتح المشددة اللام - أي ديوان الزمام، وهو رأس الدواوين وأعلاها. وأقربهما إلى الخليفة، وبعد هذه الوظيفة توفي.

مؤلفاته

1) الاعتبار، وذكره في شرح النهج.

2) انتقاء المتصفى، وقد ذكره الحاج خليفة في كشف الظنون والزركلي في اعلامه.

3) تتمة فهج البلاغة، مطبوع وذكره في شرح النهج.

4) تعليقات على بعض الكتب، غير مطبوع، ذكره في شرح النهج.

5) تعليقات وحواش على المفصل، وذكره ابن شاكر في الفوات.

ص: 9

6) تقرير الطريقتين في أصول الكلام، ذكره صاحب الكشكول.

7) تلخيص نقض السفيانية، ذكره في شرح النهج.

8)حول سيفيات المتنبي. ذکره بروکلمان في تأريخ الأدب العربي.

9) رسائله الديوانية . ذكره أكثر من مصدر وذكره في شرح النهج.

10) شرح نهج البلاغة.

11) الفلك الدائر على المثل السائر. مطبوع. 12) العلويات السبع. مطبوع.

وثمة كتب أخرى تربو على العدد الذي ذكرناه لم تطبع ولكنها ذكرت في المصادر.

منهج الأضواء

الكل مؤلف أو محقق أو معد منهجه في التأليف والتحقيق والإعداد، ولما كانت "الأضواء " على نهج البلاغة تأليفة من خلال الجزء الأول منه خاصة، وتحقيقا من خلال الهوامش وأعدادا من خلال تصنيف النصوص الشعرية .. لذلك كان لزاما علي أن أتخذ لي منهجا يجمع بين دفتيه الوظائف الثلاث (التأليف والتحقيق والإعداد).

وتأسيسا على ذلك يمكن أجمل المنهج الذي اعتمدته في "الأضواء" بالأمور الآتية:

1) ألحقت بعض الأبيات التي أشار إليها المحقق أبو الفضل في الهامش بما

ص: 10

أستشهد به ابن أبي الحديد من شعر لئلا أثقل على القارئ بالرجوع إلى الهامش وتجزيء النص الشعري.

2) صرفت النظر عن بعض إحالات المحقق من اختلاف بالنقل والقراءة في مضان المصادر أو مخطوطات "النهج" لأن ذلك ليس من وظيفتي.

3) اختصرت بعض الروايات بالنص بما لا يخل بعناصره الأساسية لينصب التركيز على الشعر، مع الاحتفاظ بارتباطه بالحدث الذي قيل من أجله.

4) صرفت النظر عن بعض الشعر الذي لم أجد فيه قيمة فكرية، وهو قليل جدة.

ه) إذا وجدت شاهدة في قطعة شعرية أخذت البيت المستشهد به وأحلت الأبيات الأخرى إلى باب آخر، كمرثية الشريف الرضي (236. 7) فقد أخذت البيت الأخير منها وأحلت الأبيات الأخرى إلى الرثاء أو غيرها.

6) صرفت النظر عن أبيات مكررة في أماكن بعيدة عن مكانها الأول.

7) وضعت خطة تحت الكلمة التي استشهد بها الشارح في (توضيح معنى مفردة) ليسهل على القارئ الربط بين الشاهد والمستشهد به.

8) أضفت واو العطف (خاصة في بدايات الأبيات المستشهد بها أما السقوطها من الأصل في الطبع أو لعدم وجودها في الأصل، والمحقق لم يلتفت إليها، على الرغم من اختلال الوزن بدونها، (أي بدون الواو)، ووضعت الواو بين قوسين ().

ص: 11

9) اختصرت بعض توضيحات الهوامش لوضوح المعني بما ثبت .

10) حاولت عدم ذكر ديوان الشاعر المعروف في الهامش، اعتمادا على معرفة القارئ إياه.

11) قد يتكرر نص شعري، أو كلام للإمام علي عليه السلام فهو ما يقتضيه تقسيم فصول الأضواء.

12) اتبعت منهج الحياد في نقل الشعر والخبر، وللأمانة التأريخية وتركت الرأي للقارئ.

13) اتبعت منهج (المحطات في النقل، إذ كنت بين كل معركة ومعركة (في معركة صفين مثلا) أنقل ما يدور في مجلس الأمام علي عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان أو بعض الكتب المتبادلة بينهما لأريح القارئ من عناء رجز المعركة وأطلعه على ما يدور خلف الكواليس.

14) نقلت شعرة في هجاء الأمام علي عليه السلام الى جانب مدحه لاستكمال الجوانب التاريخية، كما في صفين خاصة، عندما هجاه یزید بن الحجية (84 /4) .

10) وضعت شروحاتي أو إشاراتي، أو توضيحاتي، أو إبداء رأي ما سواء في المتن أو في الهامش، بين قوسين ().

تصرفت بالنص النثري بما لا يضر.

16) في فصل (حرب صفين) كنت أكمل النص الشعري من كتاب صفين

ص: 12

لنصر بن مزاحم، تحقیق عبد السلام هارون، إماما للفائدة .

17) استبدلت علامة التعجب (!) بعلامة الاستفهام عندما تكون الجملة استفهامية ظنا مني بعدم وجود علامة استفهام طباعية في المطبعة (النسخة التي بين يدي) أو سهو الطباع كقوله عليه السلام لمعاوية : - ((فما أنت وعثمان؟

18) لم أشر في الهامش كثيرة إلى كتاب (صفين لئلا أثقل على القارئ الكريم إذ يمكن مراجعة كتاب صفين بعد كل نص إذا رغب القارئ بذاك

19) قسمت الأضواء على وفق الموضوعات إلى أجزاء وأضواء وذلك بجمع المتشابهات؛ فالجزء الأول تضمن بعد الإهداء والتقديم والمقدمة والتمهيد بفقراته المتعددة كما تضمن ثلاثة أضواء الأول : المشككون بنهج البلاغة، الثاني الرد على المشككين بنهج البلاغة فيما تضمن الضوء الثالث على بعض خصائص مج البلاغة.

في حين تضمن الجزء الثاني ترجمة كل من الشريف الرضي وابن أبي الحديد وترجمة المؤلف. كما تضمن منهج أبن أبي الحديد في الشرح ومنهج المؤلف في الأضواء والهدف من الأضواء. وفي الجزء ثلاثة أضواء الأول بدايات الدعوة الإسلامية والثاني بيعة السقيفة والثالث الحروب الإسلامية سواء في عهد الرسول أو في عهد الأمام علي عليه السلام.

في حين تضمن الجزء الثالث الأغراض الشعرية، فيما تضمن الجزء الرابع

ص: 13

مطالب لغوية وأخيرا تضمن الجزء الخامس التمثيل والتراث الشعبي والمتفرقات وملحق بمختارات من حكم الإمام عليه السلام مع المصادر والفهارس.

الهدف من الأضواء

لعل ثمة من يسأل :

- ما قيمة جمع الشعر الذي استشهد به ابن أبي الحديد، وما إضافة المحقق في دفتي كتاب في حين أنه موجود في شرح "النهج"؟

- ما قيمته من حيث المنهج العلمي في الإعداد والتأليف؟ وهل يخدم القارئ والمكتبة العربية مثل هذا الكتاب؟ وأسئلة أخرى قد تثار. وجوابا على ما قد يثار أقول :

إن الهدف الرئيس من وضع الكتاب هو تسهيل مهمة القارئ في تداول الشعر لتعذر ذلك عليه في ثنايا شرح "النهج "لسعته وعدم إمكانية الحصول عليه من لدن الجميع، وقد حصرت ذلك بين دفتي كتاب لهذا الغرض.

والهدف الثاني : هو ربط الشعر بالحدث لأنه مكمل له کالكتب المتبادلة بين الإمام علي عليه السلام وكل من عماله ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم؛ ووقعتي الجمل وصفين وقبلهما بدايات الدعوة الإسلامية وبيعة السقيفة وغزوات بدر وأحد والخندق ومؤتة... الخ.

أما الهدف الثالث : فان أكثر ما استشهد به يدور على الألسن دون أن يعرف

ص: 14

القارئ أنه من استشهادات شرح "النهج" السعة الشرح كما أشرنا في الهدف الأول . لذلك فانه سيجدها في "الأضواء "مسندة في الأغلب.

والهدف الرابع، توخي تقريب أحاديث الإمام عليه السلام إلى القارئ من خلال الشعر المستشهد به والمفصل في أجزاء وأضواء" الأضواء "لأنه وثيقة تاريخية لتلك الخطب والأحاديث.

والهدف الخامس هو : تسهيل مهمة القارئ في الوقوف على حوادث تاريخية مهمة للأمة العربية، خاصة في بدء الدعوة الإسلامية وما تلاها من حوادث ساخنة فت في عضد الأمة.

والهدف السادس : أن الشعر المستشهد به، وبالتالي، المجموع في هذا الكتاب يوجز ما في "النهج" ويقربه إلى ذهن القارئ ويغنيه عن الرجوع إليه في مواقع كثيرة، وإن لم يكن في الأعم الأغلب.

وأخيرا سلسلت الحوادث التاريخية حسب زمنها بما يسهل على القارئ الوقوف عليها عند التناول لأنها متناثرة هنا وهناك في أجزاء "النهج "العشرين کحرب صفين وتعقيداتها.

أرجو أن أكون قد اقتربت من القارئ الكريم وقربت له البعيد وسهلت له الصعب ووضعت بين يديه طبقة شهية لا يمل منه، بل يشتهيه في كل حين.

ليت!

ص: 15

ص: 16

الضوء الأول: بدايات الدعوة الإسلامية

اشارة

ص: 17

ص: 18

قال أبو طالب يذكر ما اجتمعت عليه قريش من حربه لما قام بنصرة محمد صلی الله عليه وآله وسلم(55/14 ) :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم*** حتى أوس في التراب دفينا

فأنفذ لأمرك ما عليك مخافة*** و أبشر وقربذاك منه عيونا

ودعوتني وزعمت أنك ناصحي*** و لقد صدقت و كنت قبل أمينا

وعرضت ديناقد علمت بأنه ***من خير أديان البرية دينا

ولما تخلف أبو لهب عن نصرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان أبو طالب يرسل إليه الأشعار ويناشده النصر، منها القطعة التي أولها (56/14 ) :

حديث عن أبي لهب أتانا*** وكانفة على ذاكم رجالا

ومنها القطعة التي أولها ( 56/14) :

أظنت أني قد خذلت وغالتي ***منك الغوائل بعد شيب المكبر

ومنها القطعة التي أولها (56/4 ) :

تستعرض الأقوام توسعهم*** عذرأ وما إن قلت من عذر

ص: 19

وعندما استجار أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي بعبد المطلب من قومه، وهو ابن أخته، فأجاره وتوثب قومه على أبي طالب لأخذه منه قام أبو لهب ومنعهم وهددهم إن لم يمتنعوا أنظم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم فانصرفوا فطمع فيه أبو طالب حين سمعه قال ما قال، فقال يحرضه على نصرة محمد صلی الله عليه وآله وسلم(57/19 ) :

وإن امرأ أبو عتيبة عمه ***لفي معزل من أن يسام المظالما

وتقبلن الدهر ما عشت خطة ***سب به إما هبطت المواسما

أقول له وأين منه نصيحتي ***ثبت سوادك قائما

وول سبيل العجزغيرك منهم ***فأنك لم تخلق على العجز لازما

فحارب فان الحرب نصف ولن ترى*** أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما

كذبتم وبيت الله نبزي محمدأ ***ولماتروا يوما من الشعب قائما

وقال يخاطب أبا لهب أيضا (57/16 -58) :

عجبت لحلم يا ابن شيبة عازب ***وأحلام أقوام لديك سخاف

يقولون شايع من أراد محمدأ*** بظلم وقم في أمره بخلاف

أضاميم أما حاسد ذو ضيانه*** وأما قريب عنك غير مصاف

فلاتركبن الدهر منه ذمامة ***وأنت أمرؤ من خير عبد مناف

ولا تتركنه ما حييت لمعظم*** وكن رجلا ذا نجدة وعفاف

يذود العدا عن ذروة هاشمية*** إلا فهم في الناس خير إيلاف

ص: 20

فإن له قربى لديك قريبة*** وليس بذي حلف ولا بخصاف

ولكنه من هاشم ذي صميمها ***إلى أبحرفوق البحور طواف

وزاحم جميع الناس عنه وكن له*** وزيرة على الأعداء غير مجاف

وإن غضبت منه قريش فقل لها ***بني عمناماقومكم بضعاف

ومابالكم تخشون منه ظلامة*** ومابال أحقاد هناك خواف

فما قومنا بالقوم يخشون ظلمنا*** وما نحن فيماساءهم بخفاف

ولكننا أهل الحفائظ والنهي ***وعز ببطحاء المشاعر واف

ولكن أبا لهب لم يعر أبا طالب أذنا فسدر في غيه فتبت يداه. وقال أبو طالب يذکر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيامه دونه :(61/14)

أرقت وقد تصويت النجوم*** وبت ولا تسالمك الهموم

الظلم عشيرة ظلموا وعقوا***وغب عقوقهم لهم وضيم

هم انتهكوا المحارم من أخيهم*** وكل فعالهم دنس ذمیم

وراموا خطه جورا وظلما ***وبعض القول ذو جنف مليم

لتخرج هاشمأ فتكون منها*** بلاقع بطن مكة فالحطيم

فمهلا قومنالا تركبونا*** بمظلمة لها خطب جسيم

فيندم بعضكم ويذل بعض ***وليس بمفلح أبدأ ظلوم

أرادوا قتل أحمد زاعميه***وليس بقتله منهم زعيم

ص: 21

ودون محمد مناندي ***هم العرنين والعضو الصميم

ومن ذلك قوله (61/14 -62):

وقالوا لأحمد أنت أمرؤ ***خلوف الحديث، ضعيف السبب

وإن كان أحمدقدجاءهم*** بصدق ولم يأتهم بالكذب

فأنا ومن حج من راكب ***وكعبة مكة ذات الحجب

تنالون أحمد أو تصطلوا ***ظبات الرماح وحد القضب

ونفترفوا ب ين أبياتكم*** صدور العوالي وخيلا شزب

تراهن من بين ضافي السبيب*** قصير الحزام طويل اللبب

عليها صناديد من هاشم*** هم الأنجبون مع المنتجب

ومن شعر أبي طالب قوله ( 62/14 -63):

ألا أبلفاعني لؤيا رسالة ***بحق وماتغني رسالة مرسل

بني عمنا الأدنين فيما يخصهم*** وإخواننا من عبد شمس ونوفل

أظاهرتم قومأ عليناسفاهة ***وأمرا غويامن غواة وجهل

يقولون لو إنا قتلنا محمدا*** أقرت نواحي هاشم بالتذلل

كذبتم ورب الهدى ترمي نحوره*** بمكة والبيت العتيق المقبل

تنالونه، أو تصطلوا دون نيله ***صوارم تغري كل عضو ومفصل

فمه ولما تنتج الحرب بكرها*** نجيل تمام أو بآخر معجل

وتلقوا ربيع الأبطحين محمدأ ***على ربوة في رأس عنقاء عيطل

ص: 22

وتأوي إليه هاشم أن هاشما ***عرانین کعب آخر بعد أول

فأن كنتم ترجون قتل محمد*** فروموا بما جمعتم قتل يذبل

فأناسنحميه بكل طمرة*** وذي مبعة نهدا المراكل هيكل

وكل رديني ظماء كعوبه*** وعضب كأيماض الغمامة مفصل

وقال علي بن يحيى البطريق (رحمه الله) لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب يمدح ابن أخيه محمد ، وهو شاب قد ربي في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى أولاده بمثل قوله (63/16 ):

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه*** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطيف به الهلاك من آل هاشم*** فهم عنده في نعمة وفواضل

ومن فرط حب أبي طالب محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يخاف عليه البيات إذا عرف مضجعه يقيمه ليلا من منامه، ويضجع ابنه عليا مكانه، فقال له علي ليلة :

يا أبت، إني مقتول، فقال له ( 64/16 ) :

اصبرن يا بني فالصبر أهجي*** كل حي مصيره لشعوب

قدر الله والبلاء شديد ***الفداء الحبيب وابن الحبيب

لضداء الأغرذي الحب الثا ***قب والباع والكريم النجيب

إن تصبك المنون فالنبل تبری*** فمصيب منها وغير مصیب

كل حي وأن تملى بعمر*** و أخذمن مذاقها بنصيب

ص: 23

فأجابه علي عليه السلام فقال له ( 64/14):

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ***وتعلم أني لم أزل لك طائعا

سألقى لوجه الله في نصر أحمد*** نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا

وأشعار أبي طالب كانت تدل على أنه كان مسلمة، ولا فرق بين الكلام

المنظوم والمنثور إذا نظمنا إقرارا بالإسلام فمن ذلك أقوله (71/14 -72) :

يرجون منا خطة دون نيلها ***ضراب وطعن بالوشيج المقوم

كذبتم وبيت الله حتى تقلقوا ***جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع أرحام وتنسى حليلة ***حليلا، ويغشى محرم بعدمحرم

على ما مضى من مقتكم وعقوقكم*** وغشينكم في أمركم كل مأثم

وظلم نبي جاء يدعوا إلى الهدى ***وأمر أتى من عند ذي العرش قيم

فلا تحسبونا مسلميه فمثله ***إذا كان يقوم فليس بمسلم

ومن شعر أبي طالب في أمر الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني

هاشم، وعلقتها على الكعبة قوله ( 72/14) :

ألا أبلغاعني على ذات بينها ***لؤيا وخصا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدأ ***و رسولا كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة*** ولا حيف فيمن خصه الله بالحب

وأن الذي رقشته في كتابكم*** يكون لكم يومأ کراغية السقم

أفيقوا أفيقوا قبل ان تحضر الزبی***ويصبح من لم يجي ذنبأ كذي ذنب

ص: 24

ولا تتبعوا أمر الغوات وتقطعوا*** أواصرنا بعد المودة والقرب

وتستجلبوا حربأعوانا وربما***امر على من ذاقه حلب الحرب

فلسنا وبيت الله نسلم أحمدأ*** لعزاء من عضن الزمان ولا كرب

ولما تبن منا ومنكم سوالف***وأيده أثرت بالمهندۃ الشهب

بمعترك ضیق تربى قصد القنا***به والضباع العرج تعكف کالشرب

كأن مجال الخيل في حجراته***وغمغمة الأبطال معركة الحرب

أليس أبونا هاشم شد أزره***وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

ولسنا نمل الحرب حتى تملنا***ولا نشتكي مما ينوب عن النكب

ولكننا أهل الحفائظ والنهي ***إذا طار أرواح الكماة من الرعب

ومن ذلك قوله ( 73/14 ) :

فلا تسفهوا أحلامكم في محمد***ولا تتبعوا أمر الغوات الأشائم

تمنيتم أن تقتلوه وإنما***امانيكم هذي كأحلام نائم

وإنكم والله لا تقتلونه ***ولماتروا قطع اللحى والجماجم

زعمتم بأنا مسلمون محمدا***ولمانقاذف دونه ونزاحم

من القوم مفضال أبي على العدي***تمكن في الفرعين من آل هاشم

أمين حبيب في العباد مسوم***بخاتم رب قاهر في الخواتم

يرى الناس برهانا عليه وهيبة*** وما جاهل في قومه مثل عالم

نبي أتاه الوحي من عند ربه ***ومن قال لا يقرع بهاسن نادم

ص: 25

ومن ذلك قوله - وقد غضب لعثمان بن مظغون الجمحي، حين عذبته قريش ونالت منه (73/14 -74) :

أمن تذکر دهر غير مأمون ***أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون

م من تذكر أقوام ذوي سفه***يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين

ألا يرون – إذن الله جمعهم*** إناغضبنا لعثمان بن مظعون

ونمنع الضيم أن يبغي مضامتنا*** بكل مطرد في الكف مسنون

ومرهفات کأن اللح خالطها*** يشفي بها الداء من هام المجانين

حتى تفر رجال لا حلوم لها*** بعد الصعوبة بالأسماع واللين

أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب ***على نبي كموسى أو كذي النون

يأتي بأمر جلي غير ذي عوج*** کماتبين في آيات ياسين

وقد جاء في الخبر أن أبا جهل بن هشام جاء مرة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو ساجد وبیده حجر يريد أن يرضخ به رأسه، فلصق الحجر بكفه فلم يستطيع ما أراد فقال أبو طالب في ذلك في جملة أبيات ( 74/14) :

أفيقوا بني عمنا وانتهوا*** عن الغي من بعد ذا المنطق

وإلا ف أني – إذن - خائف*** بوائق في داركم تلتقي

تكونوا لغيركم عبرة ***ورب المغارب والمشرق

كما ذاق من كان من قبلكم ***ثمود وعاد وماذا بقي

ومنها :

ص: 26

وأعجب من ذاك في أمركم ***عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام من حينه*** إلى الصابر الصادق المتقي

فأثبته الله في كفه*** علی رغمه الخائن الأحمق

وقد اشتهر عن عبد الله المأمون (رحمه الله) أنه كان يقول أسلم أبو طالب - والله - بقوله :

نصرت الرسول رسول المليك ***ببيض تلالا کلمع البروق

أذب وأحمي رسول الإله ***حماية حام علیه شفيق

وما أن أدب الأعدائه ***دبيب البكار حذار الفنيق

ولكن أزير لهم ساميا***كما زار لیث بغيل مضيق

وقد جاء في السيرة أن عمرو بن العاص لما خرج إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي قال :

تقول ابنتي أين أين الرحيل*** وما البين مني بمستنكر

فقلت: دعيني فإني امرؤ ***أريد النجاشي في جعفر

لاكويه عنده كيه ***أقيم بهاغوة الأصعر

ولن أنثني عن بني هاشم ***بما اسطعت في الغيب والمحضر

وعن عائب اللات في قوله ***ولولا رضى اللات لم تمطر

وإني لأثني قريشأ له ***وإن كان كالذهب الأحمر

الله عليه وسلم بمكة يقول له :

ص: 27

- والله إني لأشنؤك.

وفيه انزل : " أن شانئك هو الأبتر".

فكتب أبو طالب إلى النجاشي شعرأ يحرضه فيه على إكرام جعفر وأصحابه

والإعراض عما يقوله عمرو فيه وفيهم، من جملته ( 75/14 ) :

الا ليت شعري كيف في النارجعفر*** وعمرو وأعداء النبي الأقارب

وهل نال إحسان النجاشي جعفرا*** وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغب

وروي عن علي عليه السلام أنه قال :

قال لي أبي : يا بني الزم ابن عمك، فإنك تسلم من كل بأس عاجل أو آجل.

ثم قال ( 75/14 ) :

إن الوثيقة في لزوم محمد*** فاشد بصحبته على أيديكا

ومن شعره المناسب لهذا المعنى ( 76/14) :

إن عليا وجعفرأ ثقتي ***عند ملم الزمان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما ***أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخذل النبي ولا*** يخذله من بني ذو حسب

ومن شعر أبي طالب يخاطب أخاه حمزة، وكان يكنى أبا یعلی ( 77/14 ) :

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد ***وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالحق من عند ربه ***بصدق وحزم لا تكن حمزكافرا

ص: 28

فقد سرني إذ قلت أنك مؤمن*** فكن لرسول الله و الله ناصرا

وبار قريشأ بالذي قد أتيته*** جهارة وقل ما كان أحمد كافرا

ومن شعره المشهور ( 77/14) :

أنت النبي محمد*** قرم أعزمسؤد

المسودين أكارم ***طابوا وطاب المولد

نعم الأرومة أصلها*** عمرو الخضم الأوحد

هشم الربيكة في الجفا ***نوعيش مكة أنكد

فجرت بذلك سنة*** فيها الخبيزة تثرد

ولنا السقاية للحجي ***ج بهابحاث العنجد

والمأ زمان وماحوت*** عرفاتها والمسجد

أنى تضام ولم أمات***وأنا الشجاع العريا

وبطاح مكة لا يرى ***فيها نجيع أسود

وبنو أبيك كأنهم*** أسد العرين توقد

ولقد عهدتك صادقا ***في القول لا تتزيد

ما زلت تنطق بالصوا***ب وأنت طفل أمرد

ومن شعره المشهور أيضا قوله يخاطب محمدة، ويسكن جأشه ويأمر بإظهار

الدعوة ( 77/14 -78) :

لا يمنعنك من حق تقوم به*** أي تصول ولا سلق بأصوات

ص: 29

فإن كفك كفي إن بليت بهم ***ودون نفسك نفسي في الملمات

ومن ذلك قوله، ويقال أنها لطالب بن أبي طالب ( 78/14 ) :

إذا قيل من خير الورى***قبيلا وأكرمهم أسرة

أناف لعبد مناف أب*** وفضله هاشم الغرة

لقد حل مجد بني هاشم*** مكان الذمائم والنرة

وخير بني هاشم أحمد ***رسول الإله على فترة

ومن ذلك قوله ( 78/14) :

لقد أكرم الله النبي محمدأ ***فأكرم خلق الله في الناس أحمد

وشق له من أسمه ليجله ***فذو العرش محمود وهذا محمد

وقوله أيضا، وقد يروي لعلي عليه السلام ( 78/14) :

ياشاهد الله علي فاشهد ***أن على دين النبي أحمد

من ضل في الدين فأني مهتر

وقوله من قصيدة طويلة ( 79/14 ) :

أعوذ برب البيت من كل طاعن***علينا بسوء أو يلوح بباطل

ومن فاجر يفتابنا بمغيبة*** ومن ملحق بالدين ما لم نحاول

كذبتم وبيت الله يبزى محمد*** ولما نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى صرع دونه ***ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وحتى نرى ذا الردع يركب روعه ***من الطعن فعل النكب المتحامل

ص: 30

وينهض قوم في الحديث إليكم ***نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

وأنا وبيت الله من جد جدنا*** التلتبسن أسيافنا بالأماثل

بكل فتى مثل الشهاب سميدع*** أخي ثقة عند الحفيضة باسل

وما ترك قوم لا أبالك سيدا***يحوط الذمار غیر نکس مواكل

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه*** شمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم ***فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان صدق لا يخيس شعيرة ***ووزان صدق وزنه غير عائل

ألم تعلموا أن ابننالا مكذب*** لدينا ولا يعبا بقول إلا باطل

لعمري لقد كلفت وجدةابأحمد ***وأحببته حب الحبيب المواصل

وجدت بنفسي دونه فحميته ***ودافعت عنه بالذرى والكواهل

فلا زال للدنيا جمالا لأهلها*** وشينا لمن عادى وزين المحافل

وايده رب العباد بنصره*** وأظهر دينا حقه غير باطل

وقد روي أن أعرابية جاء إلى الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عام جدب فقال :

أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبي يرتضع ولا شارف يجتر ثم أنشده (80/14-81):

أتيناك والعذراء تدمي لبانها ***وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل

وألقى بكفيه الفتی لاستكانة ***من الجوع حتى مايم ولا يحلي

ص: 31

ولا شيء مما يأكل الناس عندنا*** سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل

وليس لنا إلا إليك فرارنا ***وأين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال :

((اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريئة هنيئة، مريعا سحا سجالا، عذق طبقة قاطبة دائمة درة تحيي به الأرض، وتنبت به الزرع، وتدر به الضرع، وأجعله سقيا نافعا عاجلا غير رائث، فوالله مارد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى نره حتى ألقت السماء أوراقها، وجاء الناس يضجون :

العذق العذق یا رسول الله!

فقال :

- اللهم حوالينا ولا علينا.

- فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار حولها كالإكليل، فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه ثم قال.

- الله در أبي طالب إلو كان حيا لغرت عينه، من ينشدنا قوله ؟

فقام علي فقال :

- یا رسول الله لعلك أردت :

وابيض يستسقى الغمام بوجهه .

قال :

ص: 32

- أجل. فأنشد أبياتا من هذه القصيدة ورسول الله يستغفر لأبي طالب على المنبر

ثم قام رجل من كنانة، فأنشده ( 81/14 ) :

لك الحمد والحمد ممن شكر*** سقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوة*** إليه، وأشخص منه البصر

فما كان إلا كماساعة ***أو اقصر حتى رأينا الدرر

دقاق العزالي وجم البعاق*** أغاث به الله عليا مضر

فكان كماقاله عمه ***أبو طالب ذو رواء غرر

به يسر الله صوب الغمام ***فهذا العيان وذاك الخير

فمن يشكر الله يلق المزيد ***ومن يكفر الله يلق الغير

فقال رسول الله :

- إن يكن شاعرة أحسن.

وكتب بن أبي الحديد على ظهر كتاب أهدي إليه وطلب منه تقریظه، والكتاب عن إسلام أبي طالب، كتب عليه هذه الأبيات ( 83/16 - 84) :

ولولا أبو طالب وابنه*** لما مثل الدين شخصأ فقاما

فذاك بمكة اوى فحامی ***وهذا بيثرب جس الحماما

تكفل عبد مناف بأمر*** وآوي فكان على تماما

فقل في ثبير قضى بعدما ***قضى ما قضاه وأبقى شماما

ص: 33

فلله ذو فاتحا للهدی*** ولله ذا للمعالي ختاما

وماضژ مجد أبي طالب ***جهول لفا أو بصير تعامي

كمالا يضر أياه الصبا***ح من ظن ضوء النهار ظلاما

وقال أبو طالب لمطعم بن عدي بن نوفل في أمر النبي صلى الله عليه وآله

وسلم لما تمالأت قريش عليه ( 284/15 ):

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا**جزاء مسيء عاجلا غير آجل

أمطعم أماسامني القوم خطة ***فإني متى أوكل فلست بأكمل

أمطعم لم أخذلك في يوم شده*** ولا مشهد عند الأمور الجلائل

ووفد الجارود على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنة تسع، وقيل في

سنة عشر .... وكان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه فقال ( 55/18 ) :

شهدت بأن الله حق وسامحت*** بنات فؤادي بالشهادة والنهض

فأبلغ رسول الله مني رسالة ***فإني حنيف حيث كنت من الأرض

ولقوله عليه السلام من کتاب له إلى معاوية جوابا على كتابه ( 251/17 ) :

((وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال؟ حماقمم الشقاوة وتمني الباطل، على الجحود بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فصرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يدافعوا عظيما ولم يمنعوا حريصا، بوقع سيوف ما خلا منها الوغى، ولم تماشها الهوين)) استشهد بالرواية التي تقول ( 258/17 ):

بعد صلح الحديبية قال أنس بن زنيم الدؤلي/ أمن بني كنانة /يهجو محمد

ص: 34

صلى الله عليه وآله وسلم فضربه غلام من خزاعة فعبلوا منهم عشرين رجلا، فشخص قوم من خزاعة إلى المدينة مستصرخين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلوا عليه وهو في المسجد فقام عمرو بن سالم الخزاعي فانشد : -

لاهم أني ناشد محمدا*** خلف أبينا وأبيه الأتلدا

لکنت والدأ وكنا ولدا*** تمت أسلمنا ولم ننزع يدا

أن قريشأ أخلفوك الموعدا ***ونقضوا میثاقك المؤكدا

هم بيتونا بالوتير هجدا ***نتلوا القرآن رکاوسجدا

وزعموا أن لست تدعو أحدا ***وهم أذل وأقل عددا

فأنصرهداك الله نصرا أيدا*** وأدع عباد الله ياتوا مددا

في فيلق كالبحر يجري مزبدا ***فيهم رسول الله قد تجردا

و قوم لقوم من قروم أصيدا

و وبالرواية التي تقول ( 267/17 ):

((عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة عام الفتح جاء كعب بن مالك ليعلم أي جهة يقصد؟ فبرك بين يديه على ركبتيه ثم أنشد :

قضينا من تهامة كل نحب ***وخيبر ثم أحمينا السيوفا

فسائلها فلو نطقت لقالت ***قواضبهن دوسأ أو ثقيفا

فلست بحاضر إن لم تردها*** بساحة داركم منها ألوفا

ص: 35

فتنتزع الخيام ببطن وج*** ونترك دوركم منها حلوفا

وبالرواية التي تقول ( 279/17 ):

((عندما دخلت جيوش المسلمين مكة اعام الفتحا وجعلت الخيل تعج بذي طوى كل وجه، ثم ثابت وسكنت، والتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أسيد بن حضير فقال : كيف قال حسان بن ثابت؟

فأنشده :

عدمنا خيلنا أن لم تردها ***تثير النقع موعدها كداء

تظل جيادنا متمطرات ***لطمه بالتخمر النساء

وبالرواية التي تقول ( 276/17 ):

((لما دخل جيش الرسول مكة / في عام الفتح /قاتل من قاتل وانهزم من الهمزم ومن انهزموا حماس بن خالد الدولي حتى أتي بيته وأغلق الباب خلفه، ولما صارت أمرأته تلومه وتسخر منه قال لها منشدا :

إنك لوشهدتنا بالخندمة*** إذف صفوان وف عكرمة

وبو يزيد كالعجوز المؤتمة ***وضربنا هم بالسيوف المسلمة

يقطعن كل ساعد وجمجمة ***ضربة فلا يسمع إلا غمغمة

لهم زئير خلفنا وحمحمة ***لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة

وبالرواية التي تقول ( 282/17 -283) :

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد هدر دم أنس بن زنيم لانه

ص: 36

هجاه بعد صلح الحديبية وقبل أن يفتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، قال شعرأ يعتذر فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعفا عنه. وما قال أنس بن زنيم:

(و) أنت الذي تهدي مع بأمره ***بك الله يهديها وقال لها أرشدي

فما حملت من ناقة فوق کورها ***أبراوفي ذمة من محمد

أحث على خير وأوسع نائلا*** إذا راح يهتزاهتزاز المهند

وأكس لبر الخال قبل ارتدائه***وأعطى لرأس السابق المتجرد

تعلم رسول الله أنك مدركي*** وأن وعيدأ منك كالأخذ باليد

تعلم رسول الله أنك قادر ***على كل حي من تهام ومنجد

ونبي رسول الله أني هجوته*** فلا رفعت سوطي إلي يدي

سوى أنني قد قلت يا ويح فتية ***أصيبوا بنحس يوم طلق وأسعد

أصابهم من لم يكن لدمائهم ***كفاء فعزت عبرتي وتلددي

ذؤيبأ وكلثومأ وسلمى تتابعوا ***جميعأفالاتدمع العين أكمد

على أن سلمى ليس منهم كمثله*** وأخوته وهل ملوك كأعبد؟

فإني لا عرضأخرقت ولا دما ***و هرقت ففکر عالم الحق وأقصد

ويقول عبد الله بن الزعبري الذي اعتذر به إلى الرسول صلى الله عليه وآله

وسلم حين قدم عليه ( 17/18 ) :

منع الرقاد بلابل وهموم***فالليل ممتد الرواق بهيم

ص: 37

مما أتاني أن أحمد لامني*** فيه، فيت كأنني محموم

ياخير من حملت على أوصالها ***عيرانة سر اليدين سعوم

إني لمعتذر إليك من الذي*** أسديت إذ أنا في الضلال أهيم

أيان تأمرني بأغوى خطة ***سهم، وتأمرني به مخزوم

وأمد أسباب الروی ويقودني ***امرالغوات وامرهم مشئووم

فاليوم آمن بالنبي محمد***قلبي، ومخطئ هذه محروم

مضت العداوة وانقضت أسبابها ***ودعت أواصل بيننا وحلوم

فاغفر فدى لك والدي كلاهما *** زللي، فأنك راحم مرحوم

وعليك من علم المليك علامة ***نور أغر وخاتم مختوم

أعطاك بعد محبة برهانه ***شرفا وبرهان الإله عظيم

ولقد شهدت بأن دينك صادق*** برشأنك في العباد جسیم

والله يشهد أن أحمد مصطفى ***متقبل في الصالحين کریم

فرع علاه بنانه من هاشم ***دوح تمكن في العلا وأروم

ألا من لهم آخر الليل معتم *** طواني، وأخرى النجم لما تفحم

ص: 38

الضوء الثاني: بيعة السقيفة

اشارة

ص: 39

ص: 40

من خطبة له عليه السلام هي الخطبة المعروفة ب (الشقشقية) قوله :

((أما والله لقد تقمصها أبن أبي قحافة وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحی؛ ينحدر عيني السيل، ولا يرقى إلى الطير، فسدلت دوها ثوبا، وطويت عنها كشحة، وطفقت أرئي أن أصول بید حذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه؛ فرأيت أن أصبر على هاتا أحجن، فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجا، أری تراثي فبا)). فلقوله : "لقد تقمصها " استشهد ابن أبي الحديد بقول حاتم (151/1 - 154):

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى*** إذا حشرجت يومأ وضاق بها الصدر

وقول النابغة :

تسربل سربالا من النصر وارتدى***عليه بغضب في الكريهة قاصر

ولقوله عليه السلام : "ينحدر عني السيل" استشهد بقول الهذلي :

وعيطاء يكثر فيها الذليل ***وينحدر السيل عنها انحدارا

ص: 41

ولقوله عليه السلام ((ولا يرقى إلى الطير)) استشهد بقول المتنبي :

فوق السماء وفوق ما طلبوا ***فإذا أرادوا غاية نزلوا

وقول حبيب :

مکارم سجت في علؤ كأنما ***تحاول ثأرأ عند بعض الكواكب

ولقوله عليه السلام" أن محلي منها محل القطب من الرحا"

استشهد بقول جرير بن عطية :

على قلاص ومثل خيطان السلم ***قد طويت بطونها على الأدم

بعد انفضاج البدن واللحم والزیم ***إذا قطعن علمأبدا علم

فهن بحثأكمضلات الحذم ***حتى انخناها إلى باب الحكم

خليفة الحجاج غير المتهم*** في سرة المجد وبحبوح الكرم

وبقول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان : -

فحللت منها بالبطاح***وحل غيرك بالظواهر

ولما كان الإمام علي عليه السلام وبعض بني هاشم منشغلين بأعداد جهاز وغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن رحل إلى اللطيف الخبير، قال العباس للأمام : امدد يدك أبايعك فيقول الناس : عم رسول الله بايع أبن عم رسول الله، فلا يختلف عليك اثنان فقال له : أيطمع - يا عم - فيها طامع غيري؟

قال : ستعلم.

فلما أن جاءهما الأخبار بان الأنصار أقعدت سعداً لتبايعه، وأن عمراً جاء

ص: 42

بابي بكر فبايعه، وسبق الأنصار بالبيعة، فأنشد العباس قول درید (161/1 ):

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ***فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

وممن لم يبايعوا أبا بكر، سعد بن عبادة، رئيس الخزرج، وهو الذي حاولت الأنصار أقامته في الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبايع أبا بکر حین بویع، وخرج إلى حوران، فمات بها، وقيل قتلته الجن لأنه بال قائما في الصحراء لي"، ورووا بيتين من شعر، قيل أما سمعا ليلة قتله، ولم ير قائلهما :

نحن قتلناسيد ال***خزرج سعد بن عبادة

ورميناه بسهمين ***فلم نخطيء فؤاده

ويقول قوم : إن أمير الشام - يومئذ - كمن له من رماة لي"، وهو ضاج إلى الصحراء بسهمين، فقتله لخروجه عن طاعة الأمام، وقد قال بعض المتأخرين في ذلك ( 111/10 ) :

يقولون سعد شقت الجن قتله ***ألا ربما صححت ذينك بالغدر

وماذنب سعد أنه بال قائما*** ولكن سعدأ لم يبايع أبا بكر

وقد صبرت من لذة العيش أنفس*** وما صبرت عن لذة النهى والأمر

ولما بايع بشير بن سعد أبا بكر، وأزدحم الناس على أبي بكر فبايعوه، مر أبو سفیان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب عليه السلام فوقف فانشد :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم*** ولاسيما تيم أبن مرة أو عدي

فما الأمر إلا فيكم واليكم*** وليس لها إلا أبو حسن علي

ص: 43

أبا حسن فأشدد بها كف حازم*** فانك بالأمر الذي يرتجي ملي

فلما كان من الغد قام أبو بكر فخطب الناس وبعد انتهائه من خطبته قال

أبن أبي عبرة القريشي (20/5 -21) : -

شكر لمن هو بالشتاء حقيق*** ذهب اللجاح وبويع الصديق

من بعد ما زلت بسع نعله ***ورجارجاء دونه الضيوق

حفت به الأنصار عاصب رأسه ***فاتاهم الصديق والفاروق

وأبو عبيدة والذين اليهم ***نفس المؤمل للقاء تتوق

كنا نقول لها: علي والرضا ***عمر وأولاهم بذاك عتيق

فدعت قريش باسمه فأجابها ***أن المنوه بأسمه الموثوق

قل للاولى طلبوا الخلافة زلة ***لم يخط مثل خطاهم مخلوق

أن الخلافة في قريش مالكم ا فيها- ورب محمد- معروق

وقال أحد ولد أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم شعرا (21/5 ):

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف*** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتكم ***وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن ***جبريل عون له بالغسل والكفن

مافيه مافيهم لايمترون به ***وليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردهم فيه فتعلمه ***ها ان ذا غبننا من أعظم الغبن

وخطب خالد بن الوليد، وكان شيعة لأبي بكر، ومن المنحرفين عن علي :

ص: 44

فاشاد بابي بكر فعجب الناس من كلامه، ومدحه حزن بن أبي وهب

المخزومي، وهو جد سعيد بن المسيب الفقيه وقال (22/5 -23) :

وقامت رجال من قريش كثيرة***فلم يك منهم في الرجال كخالد

ترقى فلم يزلق به صدر نعله ***وكف فلم يعرض لتلك الأوابد

فجاء بهاغراء كالبدر ضوؤها ***فسيحها في الحسن أم القلائد

أخالد لا تعدم لؤي بن غالب ***قيامك فيها عند قذف الجلامد

کساك الوليد بن المغيرة مجده ***وعلمك الأشياخ ضرب القماصد

تقارع في الأسلام عن صلب دینه ***وفي الشرك عن أحساب جد ووالد

وكنت لمخزوم بن يقظة جنة ***يدك فيها ماجدأ وابن ماجد

إذا ما سما في حربها ألف فارس ***عدلت بألف عند تلك الشدائد

ومن يك في الحرب المثيرة واحد*** فما أنت في الحرب العوان بواحد

إذا ناب أمر قریش مخلج ***تشيب له رؤس العذارى النواهد

توليت منه ما يخاف وأن تغب*** يقولوا جميعأ: حظنا غير شاهد

لما بويع أبو بكر وأستقر أمره، ندم قوم كثيرة من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضا، وذكروا علي بن أبي طالب عليه السلام وهتفوا باسمه وأنه في داره لم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام.

وكان اشد قریش نفر فيهم؛ وهم سهيل بن عمرو، أحد بني عامر بن لؤي، والحارث بن هشام، وعكرمة بن جهل المخزوميان، وهؤلاء أشراف قريش الذين

ص: 45

حاربوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم دخلوا الإسلام، وكلهم موتور قد وتره الأنصار.

فلما اعتزلت الأنصار تجمع هؤلاء؛ قام سهيل بن عمرو فخطب في قريش ثم تبعه الحارث بن هشام ثم عكرمة بن جهل ثم أبو سفيان بن حرب وقد أنكر كل الخطباء حق الأنصار وعلي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة. وقال حسان بن ثابت پذكر ذلك (23/6 -25):

تنادي سهيل وأبن حرب وحارث*** وعكرمة الثاني لنا أبي جهل

قتلنا أباه وانتزعنا سلاحه ***فأصبح في البطحا أذل من النعل

فاماسهيل فاحتواه ابن د خشم*** أسيرة ذليلا لا يمر ولا يحلي

وصخر بن حرب قد قتلنا رجاله ***غداة لوا بدر فمرجله يغلي

وراكضنا تحت العجاجة حارث ***على ظهرجرداء كباسقة النخل

يقبلها طورأ وطورة يحشها ***ويعدلها بالنفس والمال والأهل

أولئك رهط من قريش تبايعوا ***على خطة ليست من الخطط الفضل

وأعجب منهم قابلوا ذاك منهم*** كأنا اشتملنا من قريش على ذحل

وكلهم ثان عن الحق عطفه ***يقولوا : اقتلوا الأنصار يا بئس من فعل

نصرنا وآوينا النبي ولم نخف ***صروف الليالي والبلاء على رجل

بذلنا لهم أنصاف مال أكفنا*** كقسمة ايسار الجذور من الفضل

ومن بعد ذاك المال أنصاف دورنا*** وكنا اناس لاعير بالبخل

ص: 46

ونحمي ذمار الحي وهو أبن مالك ***وتوقد نار الحرب بالحطب الجزل

فكان جزاء الفضل منا عليهم ***جهالتهم حمقا وما ذاك بالعدل

فبلغ شعر حسان قريشا، فغضبوا فأمروا أبن أبي عة شاعرهم أن يجيبه فقال (24/6 -25):

معشر الأنصارخافوا ربكم ... ***واستجيروا الله من شر الفتن

أنني أرهب حربالاقحا*** يشرق المرضع فيهاباللبن

جهاسعد وسعد فتنة*** ليت سعد بن عباد لم يكن

خلف برهوت خفي شخصه ***بين بصری ذي رعين وجدن

ليس ماقدر سعد كائنا*** ماجرى البحر وما دام حضن

ليس بالقاطع مناشعرة*** كيف يرجى خير أمر لم يحن

ليس بالمدرك منها ابدأ ***غير أضغاث أماني الوسن

ولما اجتمع جمهور الناس لأبي بكر أكرمت قریش معن بن عدي وعویم بن

ساعدة وكان لهما فضل قديم في الإسلام؛ فاجتمعت الأنصار لهما في مجلس ودعوهما، فلما أحضر أقبلت الأنصار عليهما فعيروهما بانطلاقهما إلى المهاجرين، وأكبروا فعلهما في ذلك، فتكلم معن وتكلم عويم فأشادا بقريش فوثبت عليهما الأنصار، فأغلظوا لهما، وفحشوا عليهما، فقال معن في ذلك (27/6 -28):

وقالت لي الأنصار أنك لم تصب ***فقلت أمالي في الكلام نصيب؟

فقالوا: بلى قل ما بدا لك راشدأ ***فقلت: ومثلي بالجواب طبيب

ص: 47

تركتكم والله لما رأيتكم***تيوسألها بالحسرتين نبيب

تنادون بالأمر الذي النجم دونه*** الا كل شيء ماسواه قريب

فقلت لكم قول الشفيق عليكم*** وللقلب من قول البلاء وصيب

دعوا الركض وأثنوا من أعنة بغيكم *** ودبوا فسير القاصدين دبيب

وخلوا قريشا والأمور وبايعوا***لمن بايعوه ترشدوا وتصيبوا

أراكم أخذتم حقكم بأكفكم *** وما الناس إلا مخطئ ومصيب

ولما أبيتم لتعنكم إليهم***وكنت كأني يوم ذاك غريب

فان كان هذا الأمرذنبي إليكم***فلي فيكم بعد الذنوب ذنوب

فلا تبعثوا مني الكلام فأنني***إذا شئت يومأشاعر وخطيب

واني لحلو تعتريني مرارة ***وملح أجاج تارة وشروب

الكل أمريء عندي الذي هو أهله ***أفانين شتى والرجال ضروب

وقال عویم بن ساعدة في ذلك : -

وقالت لي الأنصار أضعاف قولهم ***لمعن، وذاك القول جهل من الجهل

فقلت: دعوني لا أبالأبيكم *** فأني أخوكم صاحب الخطر الفصل

أنا صاحب القول الذي تعرفونه*** اقطع أنفاس الرجال على مهل

فان تسكتوا أسكت وفي الصمت راحة *** وأن تنطقوا أصمت مقالتكم تبلى

وما لمت نفسي في الخلاف عليكم***وان كنتم مستجمعين على عذلي

أريد بذاك الله لاشيء غيره*** وما عند بر الناس من درج الفضل

ص: 48

ومالي رحم في قريش قريبة ***ولا دارها داري ولا أصلها أصلي

ولكنهم قوم علينا أئمة ***أدين لهم ما أنفذت قدمي نعلي

وكانوا أحق الناس أن تقنعوا به ***ويحتملوا من جاء في قوله مثلي

لأني أخف الناس فيما يسركم ***وفيما بسوء لا أ ولا أحلي

وقال فروة بن عمرو - وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله، وكان سيدة وهو من أصحاب علي عليه السلام، وممن شهد معه يوم الجمل، وفي قوله هذا ذكر معنا وعويمة وعاتبهما على قولهما : -

"خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماءهم بفتنتهم" (29/6 ):

قل لمعي إذا جئته*** وذاك الذي شيخه ساعده

بان المقال الذي قلتما*** خفيف عليناسوى واحدة

مقالكم: أن من خلفنا*** مراض قلوبهم فاسدة

حلال الدماء على فتنة ***فيا بتسما ربت الوالدة

فلا تأخذا قدر أثمانها ***ولم تستفيدا بهافائدة

لقد كتب الله ما قلتما*** وقد يكذب الرائد الواعدة

وبعد أن أصلح الأنصار بين هذين الرجلين وبين أصحابهما، اجتمعت جماعة من قريش يوما وفيهم ناس من الأنصار وأخلاط من المهاجرين، وذلك بعد انصراف الأنصار عن رأيها وسكون الفتنة، فاتفق ذلك عند قدوم عمرو بن العاص من سفر كان فيه، فسمع بأمر السقيفة فألقى فيهم خطبته ذكر فيها فضل

ص: 49

قریش وأحقيتهم بالخلافة، فلم يجبه أحد، وانصرف إلى منزله وقد ظفر، فقال :

ألاقل لأوس إذا جئتها*** وقل كلما جئت للخزرج

تمنيتم الملك في يثرب ***فأنزلت القدر لم تنضج

وأخرجتم الأمر قبل التمام ***وأعجب بذا المعجل المحرج

تريدون نتج الحيال العشار*** ولم تلقموه فلم ينتج

عجبت لسعد وأصحابه*** ولو لم يهيجوه لم يهتج

رجا الخزرجي رجاء السراب*** وقد يخلف المرء ما يرتجي

فكان كمنح على كفه ***بكف يقطعها أهوج

فلما بلغ الأنصار مقالته وشعره، بعثوا إليه لسانهم وشاعرهم النعمان بن عجلان، فأتی عمرو، وهو في جماعة من قريش، فقال :

- أن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : "الأئمة من قريش" فقال : " لو سلك الناس شعبأ وسلك الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار".

وبعد تذكيره بمواقفه المعادية للإسلام في بدء دعوته أنصرف وقال (31/6 ) :

فقل لقريش نحن أصحاب مكة ***ويوم حنين والفوارس في بدر

وأصحاب أحر والنضير وخيبر*** ونحن رجعنا من فريضة بالذكر

ويوم بأرض الشام أدخل جعفر ***وزيد وعبد الله في علق يجري

وفي كل يوم ينكر الكلب أهله ***فطاعن فيهم بالمثقفة السمر

ونضرب في نقع العجاجة أرؤسأ ***ببيض كأمثال البروق إذا تسري

ص: 50

نصرنا وآوينا النبي ولم نخف*** صروف الليالي والعظيم من الأمر

وقلنا لقوم هاجروا قبل: مرحبا ***وأهلا وسهلا، قد أمنتم من الفقر

نقاسمكم أموالنا وبيوتنا*** كقسمة أيسار الجزور على الشطر

ونكفيكم الأمر الذي تكرهونه*** وكنا أناسانذهب العسر باليسر

وقلتم: حرام نصب سعد ونصبكم ***عتيق بن عثمان - حلال – أبا بكر

وأهل أبي بكر بها خير قائم ***وان عليا كان أخلق بالأمر

وكان هوانا فی علي وانه***لاهل لهایا عمو من حیث لاتدری

فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى ***وينهى عن الفحشاء والبغي والنكر

وصي النبي المصطفى وابن عمه*** وقاتل فرسان الضلالة والكفر

وهذا بحمد الله يهدي من العمى*** ويفتح آذانأثقلن من الوقر

نجي رسول الله في الغار وحده*** وصاحبه الصديق في سالف الدهر

فلولا اتقاء الله لم تذهبوا بها*** ولكن هذا الخير أجمع للصبر

ولم نرض إلا بالرضا ولربما ***ضربنا بأيدنا إلى أسفل القدر

ولما انتهى شعر النعمان وكلامه إلى قريش غضب كثير منها، وألقى ذلك قدوم خالد بن سعد بن العاص من اليمن، وكان رسول الله أستعمله عليها، فغضب الأنصار وأشاد بدورهم في نصرة الإسلام، وهو الذي امتنع عن بيعة أبي بكر وقال : لا أبايع إلا عليا.

ثم قال : ۔

ص: 51

تفوه عمرو بالذي لا نريده ***وصرح للأنصار عن شنأة البغض

فان تكن الأنصار زلت فأننا*** نقيل ولا نجزيهم بالقرض

فلا تقطعن يا عمرو ما كان بيننا*** ولا تحملن يا عمرو بعضأ على بعض

أتنسى لهم يا عمرو ما كان منهم ***ليالي جئناهم من النفل والفرض

وقسمتنا الأموال كاللحم بالمدى ***وقسمتنا الأوطان کل به يقضي

ليالي كل الناس بالكفر جهرة ***ثقال، علينا مجمعون على البغض

فأووا واموا وانتهينا الى المنى***وقر قرارانا من الأمن والخفض

وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري يخاطب قریشة (6/ 34):

أيال قريش أصلحوا ذات بيننا ***وبينكم قد طال حبل التماحك

فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا*** ولا خير فينا بعد فهر بن مالك

كلانا على الأعداء كف طويلة*** إذا كان يوم فيه جب الحوارك

فلا تذكروا ما كان منا ومنكم*** ففي ذكر ما قد كان مشي التساوك

وقال علي عليه السلام للفضل : -

- يا فضل أنصر الأنصار بلسانك ويدك، فأهم منك وانت منهم. فقال الفضل (34/6 -35) : -

قلت يا عمرو مقالا فاحشا***أن تعديا عمرو والله فلك

إنما الأنصار سيف قاطع ***و من تصبه ضبة السيف هلك

وبسيف قاطع يضربها ***وسهام الله في يوم الحلك

ص: 52

نصروا الدين وآووا أهله ***منزل رحب ورزق مشترك

وإذا الحرب تلظت نارها*** بركوا فيها إذا الموت برك

فأجابه حسان بن ثابت ( 35/6 ) :

جزى الله عنا والجزاء بكفه ***أبا حسن عنا ومن كأبي حسن

سبقت قريشأ بالذي أنت أهله*** فصدرك مشروح وقلبك ممتحن

تمنت رجال من قريش أعزة ***مكانك هيهات الهزال من السمن

وأنت من الإسلام في كل موطن*** بمنزلة الدلو البطين من الرسن

غضبت لنا إذ قام عمرو بخطبة*** أمات بها التقوى وأحيا بها الإحن

فكنت المرجي من لؤي بن غالب*** كما كان منهم، والذي كان لم يكن

حفظت رسول الله فينا وعهده*** اليك ومن أولى به منك من دمن!

الست أخاه في الهدى ووصيه***وأعلم منهم بالكتاب والسنن

فحقك محفوظ بنجد وشيمة ***عظيم علينا ثم بعد على اليمن

وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط - وكان يبغض الأنصار لأهم أسروا أباه يوم بدر، وضربوا عنقه بين يدي رسول الله - بعد خطبة شتم فيها الأنصار (36/6) :-

تباذخت الأنصار في الناس بأسمها***ونسبتها في الأزد عمرو بن عامر

وقالوا : لناحق عظيم ومنة ***على كل بابر من معر وحاضر

فأن يكى للأنصار فضل فلم تنل***بحرمته الأنصار فضل المهاجر

ص: 53

وأن تكن الأنصار آوت وقاسمت ***معایشها من جاء قسمة جازر

فقد أفسدت ما كان منها بمنها ***وما ذاك فعل الأكرمين الأكابر

إذا قال حسان وكعب قصيدة ***بشتم قريش غنيت في المعاشر

وسار بها الركبان في كل وجهة*** واعمل فيها كل خفي وحافر

فهذا لنا من كل صاحب خطبة*** يقوم بها منكم ومن كل شاعر

وأهل بأن يهجو بكل قصيدة ***وأهل بان يرموا بنبل فواقر

ولما أكثر في تخلف علي عليه السلام عن البيعة وأشتد أبو بكر وعمر في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة، فوقفت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونادت : یا رسول الله! (43/6 ):

قد كان بعدك أنباء وهينمة ***لوكنت شاهدها لم تكثر الخطب

أنا فقدناك فقد الأرض وابلها ***فاختل قومك فأشهدهم ولا تغب

قال أحد الطالبين يذكر غضب فاطمة الزهراء عليها السلام (49/6 -50) :

يا أبا حفص الهوينا وماكنت*** مليأ بذاك لولا الحمام

أتموت البتول غضبي ونرضى ***ماكذا يصنع البنون الكرام

على أن المهاجرين لما اجتمعوا على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول : -

أما والله أني عجاجة لا يطفئها إلا الدم؛ یا لعبد مناف، فيم أبو بكر من أمركم؟ أين المستضعفان؟

ص: 54

ثم قال لعلي عليه السلام : ابسط يدك أبايعك، فو الله أن شئت لأملأنها على أبي فصيل - يعني أبا بكر - خي ورجلا".

فامتنع عليه علي عليه السلام؛ فلما يئس منه قام عنه وهو ينشد شعر المسلمين (221/1 -222):

ولا يقيم على ضيم يراد به*** إلا الأذلان علي الحي والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته*** وذا فلا يرثي له أحد

ويوم ولى عمر بن الخطاب قال الإمام علي عليه السلام (162/1 ) :

"حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده :

شتان مایومي على کورها ***ويوم حيان أخي جابر

فيا عجبا بينا يستقيلها في حياته إذ عقدها الآخر بعد وفاته یا لشد ما تشطر ضرعها! فصيرها في الحوزة خشنا يغلظ كلمها، ويخشی مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة، أن أشنق لها حزم، وان اساس لها تقحم، فمن الناس - لعمرالله - بخبط وشماس وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة"

فقال أحد شعراء الشيعة (171/1 ):

حملوهایوم السقيفة أوزا ***را تخف الجبال وهي ثقال

ثم جاؤوا من بعدها يستقيلو ***ن، وهيهات عثرة أثقال

ص: 55

ص: 56

الضوء الثالث: الحروب الإسلامية

اشارة

ص: 57

ص: 58

1. غزوة بدر

بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن عير قريش قد فصلت من مكة تريد الشام، وقد جمعت قريش فيها أموالها فندب لها أصحابه، وخرج يعترضها على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره عليه السلام، وخرج في خمسين ومئة - ويقال في مئتين - فلم يلق العير، وفاتته ذاهبة إلى الشام ... وهذه غزاة ذي العشيرة، رجع منها إلى المدينة فلم يلق حربا، فلما تحين انصراف العير من قافلة ندب أصحابه لها، وبعث طلحة بن عبيد الله وسعید بن زید بن عمر بن نفيل قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتجسسان خبر العير، ولما راحت العير بيانا حتى أصبحا ثم خرجا، وقدما إلى المدينة في اليوم الذي لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قریشة ببدر، فخرجا يعترضان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقياه بتربان - وتربان بين مكة والالة على المحجة وكانت منزل عروة بن أذينة الشاعر وندب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين، وقال :

- وهذه عير قريش، فيها أموالهم : لعل الله أن يغنمكموها فأسرع من

ص: 59

أسرع، حتى أن كان الرجل ليساهم أباه بالخروج، وأبطأ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتهى إلى المكان المعروف بالبقع، وهي بيوت السقيا وهي متصلة بيوت المدينة فضرب عسكره هناك، وعرض المقاتلة، فعرض عليه نفر من أصحابه فردهم، فلما نزل عليه السلام بيوت السقيا أمر أصحابه أن يستقوا من بئرهم : وشرب عليه السلام منها، وكان أول من شرب وصلي عندها، ودعا، يومئذ لأهل المدينة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمامه بعض أصحابه، فراح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيوت السقيا، لاثنتي عشرة ليلة مضت من رمضان، وخرج المسلمون معه ثلاث مئة وخمسة، وتخلف ثمانية، وضرب لهم بسهامهم وأجورهم، واستعمل رسول الله على المشاة قيس بن صعصعة وأمره صلى الله عليه وآله وسلم حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين ففعل، وخرج من بيوت السقيا فنزل تحت شجرة، وأصبح يوم الاثنين وهو هناك، ولحقت قريش بالشام في عيرها، واستقسمت عند هبل للخروج، وأقبل أبو سفيان بالعير، وخاف هو وأصحابه خوفا شدید حین دنوا من المدينة، فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء بدر، جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء بدر، وكان بسیس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء وردا على مجري بدرة يتجسسان الخبر وعرفا أن عير قریش ستنزل بعد يوم أو يومين فأتيا النبي (صلى اله عليه وأله) فأخبراه الخبر، وأصبح أبو سفيان ببدر، قد تقدم العير وهو خائف الرصد، ولما تأكد أبو سفيان من أن محمدا صلى الله عليه وآله عرف مكانهم بالرصد ضرب وجه عيره وسار بها نحو الساحل وترك بدرة يسارة وأنطلق سريعا،

ص: 60

ولما أفلت أبو سفيان بالعير ورأى أن قد أحرزها وأمن عليها، أرسل إلى قريش يأمرهم بالرجوع، فأبت الرجوع، ولحق الرسول أبا سفيان فاخبره بمضي قريش ولم ترجع، وسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من شهر رمضان؛ فمن يومئذ عقد رسول الله صلى الله عليه وآله الألوية وكانت ثلاثة، وأظهر السلاح، وأستخبر عن قريش فقيل له انهم بجنب الوادي، فبات الفريقان كل منهم لا يعلم بمنزل صاحبه، إذ تفصل بينهم كثبان، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان، ولما أصبحوا قال منبه بن الحجاج، وكان رجلا يبصر الأثر :

هذا - والله - أثر سمية وابن أم عبد، أعرفهما.

لقد جاء محمد بسفهائنا وسفهاء أهل يثرب.

ثم قال ( 84/14 -117) :

لم يترك الجوع لنا مبيتا*** لابد أن نموت أو نميتا

ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على القليب بني له عریش من جريد، فقام معاذ على باب العريش متوشحا سيفه، وصف رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم أصحابه قبل أن تنزل قریش ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رايته إلى مصعب بن عمير، فتقدم بها إلى الموضع الذي أمره أن يصفها، ووقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى الصفوف وخطب فيهم، وبعث من يخبر قريشأ أن يمتنعوا عن القتال فأبوا على لسان أبي جهل،

ص: 61

وخطب عتبة بن ربيعة في قريش دعاهم إلى الامتناع عن الحرب.

ولكن أبا جهل قال :

-إن عتبة يشير عليكم كذا لأن محمد أبن عمه وهو يكره أن يقتل أبنه وابن عمه.

فغضب عتبة وشتم أبا جهل ووصفه بالجبن والإفساد وأنشد ( 118/14 -125):

هذا هداي وأمرت أمري ***فبشري بالشكل أم عمرو

فذهب أبو جهل إلى عامر بن الحضرمي وحرضه على عتبة وهيج فيه روح الحرب وهكذا حتى تقدم ابن الحضرمي فشد على القوم فنشبت الحرب، فخرج إليه فهجع مولى عمر بن الخطاب، فقتله عامر، وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة، وقتله حيان بن العرقة، وتبارز القوم، وممن قام من قريش شيبة ، فقام إليه عبيدة - وهو يومئذ اسن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضرب رجل عبيدة بذباب السيف فاصاب عضلة ساقه، فقطعها، وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، وحملا عبيدة إلى الرسول، فقال عبيدة :

یا رسول الله الست شهیدا؟

قال :

-بلی

قال:

ص: 62

- أو والله لو كان أبو طالب حيا لعلم أني أحق بما قال حين يقول (126/4-130):

كذبتم وبيت الله نخلي محمدأ ***ولما نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى نصرع حوله ***ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وقد رثت هند بنت عتبة أباها ( 131/14 ):

اعيني جودا بدمع سرب*** على خير خندف لم ينقلب

تداعى له رهطه قصرة ***بنو هاشم وبنو المطلب

يذيقونه حر أسيافهم*** يعلونه بعد ماقد عطب

أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم بدر، عن قتل أبي البختري، واسمه الوليد بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، لأنه كان أكف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم فلقيه المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار فقال له : -

أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا عن قتلك.

ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة يقال له جنادة بن مليحة ولما رفض المذر العفو عن زميل أبي البختري أبى أبو البختري ترك زميله فنازل المجزر وأرجز فقال ( 134/14 ): -

لن يسلم ابن حرة زميله***حتى يموت أو يرى سبيله

ص: 63

ثم اقتتلا فقتله المجزر.

وارتجز عدي بن أبي الزغباء يوم بدر فقال : -

أناعدي والسحل***أمشي بها مشي الفحل

وكان عقبة بن أبي معيط قال بمكة حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ( 135/14 ): -

يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ***عما قليل تراني راكب الفرس

أعل رمي فيكم ثم أنهله ***والسيف يأخذ منكم كل ملتبس

وقد روي أنه لما توجه المشركون الى بدر كان فتيان ممن تخلف عنهم بمكة

سمارة يسمرون بذي طوى في القمر حتى يذهب الليل، يتناشدون الأشعار ويتحدثون، فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتا قريبة منهم لا يرون القائل، رافعة صوته يتغن ( 150/14 ) :

أزاد الحنيفيون بدرامصيبة ***سينقض منها ركن كسرى وقيصرا

أرانت لها صم الجبال وأفزعت ***قبائل مابين الوتير فخيبرا

أجازت جبال الخشبين وجردت ***حرائر يضربن الترائب حسرا

وكان الأسود بن المطلب أصيب له ثلاثة من ولده، زمعة وعقيل والحارث

بن زمعة، فسمع أمة تبكي على بعيرها قد أضلته فقال الأسود ( 152/16 ) :

تبكي أن يضل لها بعير*** ويمنعها من النوم السهود

فلا تبكي على بكر ولكن ***على بكر تصاغرت الخدود

ص: 64

فبكي أن بكيت على عقيل*** وبكي حارثأ أسد الأسود

فبكيهم ولا تسمي جميعا ***فما لأبي حكيمة من ندید

على بدر سرات بني حصيص ***ومخزوم ورهط أبي الحديد

ألاقدساد بعدهم رجال*** ولكن يوم بدر لم يسودوا

وعرضت الأسرى على رسول الله صلى الله عليه وآله فرأى النضير بن الحارث، فقال :

اضربوا عنقه.

فقال المقداد :

أسيري يا رسول الله !

فقال :

اللهم اغن المقداد من فضلك، قم يا علي فاضرب عنقه.

فقام علي عليه السلام فضرب عنقه بالسيف صبرة، وذلك بالأثيل، فقالت

أخته وأسمها قتيله ( 171/14 -172):

ياراكبا إن الأثيل مظنة ***من صبح خامسة وانت موفق

بلغ به میتافان تحية ***ما أن تزال به الركائب تخفق

مني اليه وعبرة مسفوحة***جادت لمائحها، وأخرى تخنق

فليسمعن النضر إن ناديته ***أن كان يسمع ميت أو ينطق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ***الله ارحام هناك تمزق

ص: 65

صبرا يقاد الى المدينة راغما***رسف المقيد وهوعان موثق

أمحمد ولأنت نجل نجيبة ***في قومها، والفحل فحل معرق

ماکان ضرك لوفنت وربما ***من الفتى وهو المغيظ المحنق

والنضر أقرب من قتلت وسيلة ***وأحقهم أن كان عتق يعتق

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما وصل إليه شعرها رق له، وقال :

- لو كنت سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته .

ومن أسرى بدر سهيل بن عمر والذي يكنى أبو يزيد وكان يطعم الخبز قال

فيه أمية بن أبي الصلت الثقفي، وقد رآه مربوط اليدين إلى عنقه ( 187/14 ) :

يابا يزيد رأيت سيبك واسعا*** وسماء جودك تستهل فتمطر

وقال فيه مالك بن الدخشم، وهو الذي أسره يوم بدر ( 188/14 ) :

أسرت سهيلا فلا أبتغي ***به غيره من جميع الأمم

وخندف تعلم أن الفتى ***سهيلا فتاها إذ تظلم

ضربت بذي الشفر حتى انثني*** وأكرهت نفسي على ذي العلم

أي على ذي العلم بسكون اللام، ولكنه حرکه للضرورة. وقال كعب بن الأشرف يرثي قتلى بدر من المشركين ( 197/14 ):

طحنت رحى بدر لمهلك أهله*** ولمثل بدر يستهل ويدمع

قتلت سراة الناس حول حياضة ***لا تبعدوا أن الملوك تضرع

ص: 66

ويقوم أقوام أذل بعزهم***أنا ابن أشرف ظل كعبا يجزع

صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ***ظلت تشيخ بأهلها وتصدع

صار الذي أثر الحديد بطعنه ***أو ظل أعمی مرعشألا يسمع

نبئت أن بني المغيرة كلهم*** خشعوا لقتل ابن الحكيم وجدعوا

وابنا ربيعة عنده ومنيه***مانال مثل الهالكين وتبع

نبئت أن الحارث بن همامهم*** في الناس يبني الصالحات ويجمع

لیزور يثرب بالجموع وإنما***يسعى إلى الحسب القديم الأروع

وروي أن عمرو بن أبي سفيان أسره علي عليه السلام يوم بدر ولم يفتده أبو سفيان وبينا هو محبوس بالمدينة خرج سعد بن النعمان بن الحال أخو بني عمرو بن عوف معتمرة ومعه امرأة له فغدا عليه أبو سفيان فحبسه بمكة بابنه عمرو بن أبي سفيان، وأرسل إلى قوم بالمدينة هذا الشعر (201/14 ):

أرهط ابن الحال أجيبوا دعاءه ***تعاقدتمو ألا تسلموا السيد الكهلا

فان بني عمرو لئام أذلة ***لأن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا

فذهب قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطلبوا منه فك عمرو ففکه فبعثوا به الى ابي سفيان فخلى عن سعد، وقال حسان بن ثابت يجيب أبا سفیان ( 201/14 ):

ولو كان سعد يوم مكة مطلقا*** الأكثرفيكم قبل أن يؤسر القتلى

بعضب حسام أو بصفراء نبعة ***تحن إذا ما أنبضت تحفز التبلا

ص: 67

ومن أسرى بدر خالد بن الأعلم العقيلي، حليف لبني مخزوم، وهو الذي يقول ( 203/14 ):

ولسنا على الأعقاب تدمی کلومنا ***ولكن على أقدامنا تقطر الدما

ومن قتلى بدر من المشركين؛ عقبة بن أبي معيط قتله عاصم بن ثابت صبرة بالسيف بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأن رسول الله صلى الله عليه وآله صلبه بعد قتله فكان أول مصلوب في الإسلام. وفيه يقول ضرار بن الخطاب (209/14) :-

عین بکي لعقبة بن أبان ***فرع فهر وفارس الفرسان

ص: 68

2. غزوة أحد

لما رجع من حضر من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب من الشام موقوفة في دار الندوة... ومشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا :

- يا أبا سفيان.. أنظر هذه العير التي قدمت بها فاحتبستها، فقد أنها أموال أهل مكة ولطيمة قريش، وهم طيبوا الأنفس، يجهزون بهذه العير جيش كثيفة إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد ترى من قتل آباءنا وأبناءنا وعشائرنا.

فقال أبو سفيان :

- قد طابت أنفس قريش بذلك؟

قالوا :

- نعم ...!

قال :

فأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي، فأوالله الموتور والثائر

ص: 69

وقد قتل أبني حنظلة ببدر وأشراف قومي، فلم تزل العير موقوفة حتى تجهزوا للخروج.

فباعوها فصارت ذهبا عينا. فلما أجمعوا على المسير قالوا :

- نسير في العرب فنستنصرهم.

وهكذا ساروا في العرب، فأجمعوا على أن يبعثوا أربعة من قريش في العرب، يدعوهم إلى نصرهم؛ فبعثوا عمرو بن العاص وهبيرة بن وهب الزبعري وأبا عزة الجمحي، فأبى أبو عزة أن يسير وقال :

- من علي محمد يوم بدر، وحلفت أن لا أظاهر عليه عدوا.

- فمشى إليه صفوان بن أمية يحاول معه ولكنه أبي وأنصرف عنه صفوان بن أمية آيسأ منه، فلما كان الغد جاءه صفوان وجبير بن مطعم فطلب منه صفوان ما طلبه أمس فأبى، فقال جبير :

- ما كنت أظن أني أعيش حتى يمشي اليك أبو وهب في أمر تأبى عليه، فأحفظه.

فقال :

- أنا أخرج.

فخرج الى العرب يجمعها ويقول ( 213/14 -215):

إيه بني عبد مناف الرزام*** أنتم حماة وأبوكم حام

لا تسلمون لا يحل السلام*** لا يعدوني نصركم بعد العام

ص: 70

فخرج النفر مع أبي عزة فألبوا العرب وجمعوا، وبلغوا ثقيفة فخرجوا ومعهم نساؤهم كل معه زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه، ومن خرجن مع الرجال زوجة غراب بن سفيان بن عويف وهي عمرة بنت الحارث بن علقمة الكنانية، وهي التي رفعت لواء قریش حين سقط حتى تراجعت قريش الى لوائها، وفيها يقول حسان ( 216/14 -217):

ولولا لواء الحارثية أصبحوا ***يباعون في الأسواق بالثمن البخس

وخرجت قريش وهم ثلاثة الأف بمن ضوي اليها من كنانة والأحابيش وغيرهم على لواء وأحد، يحمله طلحة بن أبي طلحة ...ولما أجمعوا المسير كتب العباس بن عبد المطلب كتابا وختمه، وأستأجر رجلا من بني غفار وسيره الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره أن قريشا قد أجتمعت للسير إليه، ولما وصل الغفاري دفع الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأه عليه أبي بن كعب، واستكتم أبيا ما فيه، وأخبر أبي بن كعب سعد بن الربيع ما في الكتاب، فجعل سعد يقول :

- یا رسول الله، والله أني لأرجو أن يكون في ذلك خير .

وأرجعت يهود المدينة والمنافقون وقالوا :

- ما جاء محمد بشيء يحبه .

وأنصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وقد أستكتم سعد بن الربيع الخير.

ص: 71

وشاع الخبر بين الناس بمسير قريش، وسارت قريش إلى بدر ثم خرجت إلى أحد. وخرج النساء ومعهن الدفوف يحرضن الرجال ويذكرهم قتلى بدر في كل منزل.

وكانت قريش بذي الحليفة يوم الخميس صبيحة عشر من مخرجهم من مكة وذلك لخمس مضين من شوال على رأس أثنين وثلاثين شهرة من الهجرة، ولما أصبحوا بذي الحليفة خرج فرسان منهم فأنزلوهم الوطاء وبعث النبي صلى الله عليه وآله عينين له ليلة الخميس فاعترضا قریش بالعقيق، فسارا معهم حتى نزلا الوطاء ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبراه. وكان مقدم قریش يوم الخميس لخمس خلون من شوال، وكانت الوقعة يوم السبت لسبع خلون من شوال. وحرست المدينة تلك الليلة ورأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رؤيا ليلة الجمعة، فلما أصبح واجتمع المسلمون خطبهم، وقال :

- أشيروا علي....

فأشاروا عليه بما يحصنهم ويمكنهم من المشركين فاخذ بما أشاروا عليه وهكذا بدأت الحرب، وصرن نساء المشركين يحرضن رجالهم على القتال ويقلن (235/14) :

نحن بنات طارق ***نمشي على النمارق

إن تقبلوا نعانق*** أو ت دبروا نفارق

فراق غير وامق

وقد قتل طلحة بن أبي طلحة من جيش المشركين فحمل لواءهم أخوه

ص: 72

عثمان بن طلحة وهو أبو شيبة فارتجز وقال ( 236/15 ) :

آن علي رب اللواء حقا ***أن تخضب الصعدة أو تندقا

وبعد أن قتل عثمان حمل اللواء أخوهما أبو سعد بن أبي طلحة فرماه سعد

بن أبي الوقاص فأصاب حنجرته فأدلع لسانه ادلاع الكلب، وكان النساء خلف أبي سعد يقلن (237/15 ) :

ضربة بني عبد الدار*** ضربة حماة الأدبار

ضربا بكل بتار

وكان الإمام علي إذا برز لا يسلب كأن أبا تمام عناه بقوله ( 238/14 ) :

أن الأسود أسود الغاب همتها ***يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين، وقصدته كتيبة من بني كنانة، ثم من بني عبد مناة بن كنانة، فيها بنو سفیان بن عويف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

- يا علي اكفني هذه الكتيبة.

فحمل عليها، وأنهما لتقارب خمسين فارسا، وهو عليه السلام راجل، فما زال يضربها بالسيف تتفرق عنه ثم تجتمع عليه، هكذا مرارة حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة، وتمام العشرة منها، وممن لا يعرف بأسمائهم. فقال جبرائیل علیه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

ص: 73

يا محمد إن هذه المواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتي.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وما يمنعه وهو مني وأنا منه!

فقال جبرائیل علیه السلام :

وأنا منكما.

وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي

مرارة ( 251/15 ):

(لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي).

فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه فقال :

هذا جبرئیل.

كان حنظلة بن أبي عامر في معركة أحد قد اعترض أبا سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فأكسدت الفرس، ووقع أبو سفيان على الأرض فجعل يصيح :

يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب.

وحنظلة يريد أن يذبحه بالسيف، فأسمع الصوت رجا" لا يلتفتون إليه من الهزيمة، وحتى عاينة الأسود بن شعوب، فحمل على حنظلة بالرمح فأنقذه، ومشى إليه حنظلة بالرمح فضربه ثانية فقتله، وهرب أبو سفيان يعدو على قدميه، فلحق ببعض قریش فنزل عن صدر فرسه، وردف وراء أبا سفيان، فذلك قول أبي

ص: 74

سفيان يذكر صبره ووقوفه وأنه لم يفر، وذكره محمد بن إسحاق ( 270/14 ):

ولو شئت نجتني كميت طمرة ***ولم أحمل النعماء لأبن شعوب

وما زال مهري مزجر الكلب فيهم*** لدن غدوة حتى دنت لغروب

أقاتلهم وادعي يال غالب*** وأدفعهم عني بركن صليب

فبكي ولا ترعي مقالة عاذل*** ولاتسأمي من عبرة ونحيب

اياك وأخوانألناقد تتابعوا ***وحق لهم من حسرة بنصيب

وسلي الذي قد كان في التعن أنني***قتلت من النجارکل نجيب

ومن هاشم قرمأ كريما ومصعبا***وكان لدى الهيجاء غير هيوب

ولو أنني لم أشف نفسي منهم ***وكانت شجا في الصدر ذات ندوب

فأبوا وقد أودى الجلابيب منهم ***بهم كم من واجب وكئيب

أصابهم من لم يكن لدمائهم***كفاء ولا في سنخهم بضريب

وفي يوم أحد انتخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

أنا ابن العواتك.

وقال أيضا ( 276/14):

أنا النبي لا كذب **8أنا ابن عبد المطلب

وقال عبد الله بن الزبعري يذكر يوم أحد ( 277/14 -278):

إلا ذرفت من مقلتيك دموع ***وقد بان حبل الشباب قطوع

وشط بمن تهوى المزار وفرقت ***نوى الحرب دار بالحبيب فجوع

ص: 75

وليس لما ولى على ذي صبابة ***وأن طال تذراف الدموع رجوع

فدع ذا ولكن هل أتى أم مالك*** أحاديث قومي والحديث يشيع

وجبناجردة الى أهل يثرب ***عناجيج فيها ضامر وبديع

عشية سرنا من كداء يقودها ***ضرور الأعادي للصديق نفوع

يشد علينا كل زحف كأنها ***عذبر نضوح الجانبين نقيع

فلما رأوناخالطتهم مهابة*** وخاصرهم رعب هناك فظيع

فودوا لو أن الأرض ينشق ظهرها ***بهم، وصبور القوم ثم جزوع

وقد عريت بيض كأن وميضها ***حريق وشيك في الأباء سريع

بإيماننا نعلو بها كل هامة*** وفيها سمام للعدو ذریع

فغادرن قتلى الأوس عاصبة بهم ***ضياع وطير موقهن وقوع

ومر بنو النجار في كل تلعة*** بأثوابهم من وقعهن نجيع

ولولا علو الشعب غادرن أحمد*** ولكن علا والسمهري شروع

كما غادرت الكر حمزة ثاويا***وفي صدره ماضي الشباة وقيع

وقال ابن الزبعري أيضا من قصيدة مشهورة وهي ( 279/14 ) :

يا غراب البين أسمعت فقل*** أنما نندب أمرأ قد قعل

أن للخير وللشرمدى ***وسواء قبر مثير ومقل

أبلغا حسان عني آية***فقريض يشفي ذياك الفلل

کم ترى بالجسر من جمجمة ***وأكفأ قد أثرت ورجل

ص: 76

وسرابيل حسان شققت ***عن كماني غودروا في المنتزل

کم قتلنا من کریم سید***ماجد الجدين مقدام بطل

صادق النجدة قرم بارع ***غير ملطاة لدى دمع الأسل

فسل المهراس من ساكنه؟ ***من كراديس وهام كالحجر

ليت أشياخي ببدر شهدوا*** جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حطت بقباء برکھا*** واستحر القتل في عبد

ثم خفوا عند ذاكم رقصا***رقص الحفان تعدوفی

قتلنا النصف من ساداتهم***وعدلنا ميل بدر فأعتدل

لا الوم النفس إلا أننا ***الوكررنا لفعلنا المفتعل

بسيوف الهند تعلوهامهم*** تبرد الغيظ ويشفين الغلل

وقال حسان وهو بذکر کسر عتبة بن أبي وقاص سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وكلم شفتيه وشج وجهه فجعل يمسح الدم عن وجهة ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا نبيهم بالدم، وهو يدعوهم إلى ربهم

فأنزل الله عز وجل :

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}

قال حسان بن ثابت في ذلك اليوم (55/6 ):

إذا الله حيا معشرأ بفعالهم*** ونصرهم الرحمن رب المشارق

فهدك ربي يا عتيب بن مالك*** ولقاك، قبل الموت، أحدى الصواعق

ص: 77

بسطت يمينا للنبي محمد***فدميت فاه قطعت بالبوارق

فهلا ذكرت الله والمنزل الذي*** تصير اليه عند احدى الصعائق

فمن عاذري من عبد عذرة بعدها*** و هوی یخ دجوجي شديد المضايق

وأورث عارا في الحياة لأهله*** وفي النار يوم البعث أم البوائق

ولما قتل حمزة بن عبد المطلب علت هند بنت عتبة، يومئذ، صخرة مشرفة، وصرخت بأعلى صوتها ( 13/15) : -

نحن جزيناكم بيوم بدر ***والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر ***ولا أخي وعمه وبكري

شفيت نفسي وقضيت نذري ***شفيت وحشي غليل صدري

فشكر وحشي علي عمري ***حتى ترم أعظمي في قبري

فاجابتها هند بنت أثاثة بن عبد المطلب بن عبد مناف ( 14/15) : -

خزيت في بدر وغير بدر ***يا بنت عذار عظیم الكفر

أفحمك الله غداة الفجر ****بالهاشميين الطوال الزهر

بكل قطاع حسام يغري ***حمزة ليثي وعلي صقري

إذ رام شيب وأبوك قهري ***قضبا منه ضواحي النحر

ومن الشعر الذي ارتجزت به هند بنت عتبة يوم أحد ( 14/15) :

شفيت، من حمزة نفسي بأحد*** حين بقرت بطنه عن الكبد

أذهب عني ذاك ما كنت أجد ***من لوعة الحزن الشديد المعتمد

ص: 78

والحرب تعلوكم بشؤبوب برد قديم أقدامأعليكم، كالأسد

فقال حسان بن ثابت يهجوها ( 14/15 ) :

أشرت لكاع وكان عادتها ***لؤما إذا أشرت مع الكفر

أخرجت مرقصة الى أحد*** في القوم مقتبة على بكر

بكر ثفال لا حراك به*** الاعن معاتبة ولا زجر

أخرجت ثائره محاربة ***بابيك وابنك بعد في بدر

وبعمك المتروك منجدا*** وأخيك منعفرين في الجفر

فرجعت صاغرة بلاتره*** ما ظفرت بها ولا وتر

وقال أيضا يهجوها ( 15/15) :

لمن سواقط ولدان مطرحة ***باتت تفحص في بطحاء اجياد

باتت تمخض لم تشهد قوابلها*** الى الوحوش والا جنة الوادي

يظل يرجمها الصبيان منعفرا*** وخاله وأبوه سيد الوادي

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم أحد : -

ما فعل عمي، ما فعل عمي؟

فخرج الحارث بن الصمة يطلبه فأبطأ، فخرج عليه السلام يطلبه ويقول

(16/15) :-

يارب إن الحارث بن الصمة***كان رفيقا وبنا ذا ذمة

قد ظل في مهامتر مهمة***يلتمس الجنة فيها ثمة

ص: 79

حتى انتهى إلى الحارث، ووجد حمزة مقتولا، فجاء فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل يمشي حتى وقف عليه فقال : -

- ما وقفت موقفا قط أغيظ التي من هذا الموقف. وخرجت فاطمة مع نساء وقد رأت الذي بوجه أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فاعتنقته، وجعلت تمسح الدم عن وجهه، وذهب علي عليه السلام فأتي بماء من المهراس وقال لفاطمة : امسكي هذا السيف غير ذميم وقال ( 35/15 ) :

افاطم هاك السيف غير ذميم ***فلست برعديد ولا بلئيم

العمري لقد جاهدت في نصر أحمد*** وطاعة رب العباد رحیم

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : -

- لئن كنت صدقت القتال اليوم لقد صدق معك سماك بن خرشبة، وسهل بن حنيف.

ولما كان بين الحارث بن سويد الصامت والمجذر بن زياد البلوي ثأر، إذ قتل المجذر أبا الحارث قبل الإسلام، فضمرها الحارث ، فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة، أتاه الحارث (وكان قد أسلم أيضا) من خلفه فضرب عنقه، وقد أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أن الحارث بن سويد قتل المجر غيلة، وأمر بقتله، ولما رآه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعا عویم بن ساعدة فقال له : -

قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذر بن زیاد فإنه قتله يوم أحد، فضرب عويم عنقه، ففي ذلك قال حسان ( 50/15 )

ص: 80

يا حار في سنة من قوم أولكم ***أم كنت ويحك مفترا بجبريل

أم كنت يا ابن زیاد حين تقتله ***بغرة في فضاء الله مجهول

وقلتم لن نرى والله مبصركم ***وفيكم محكم الآيات والقيل

محمد والعزيز الله يخبره*** بمايکن سريرات الأقاويل

وكان سوید بن الصامت حين ضربه المجذر و بقي قليلا ثم مات، فقال قبل أن يموت يخاطب أولاده ( 50/15 -51):-

أبلغ جلاس، وعبد الله مالكة*** وان دعيت فلا تخذلهما حار

أقتل جدارة إذ ماكنت لاقيهم*** والحي عوفأ على عرف وأنکار

بعد أن زار معبد بن معبد الخزاعي - وهو مشرك - محمد صلى الله عليه

وآله وسلم وجيش المسلمين وعاد إلى قريش أخبرهم عما ينوي من أخذ ثارهم في أحد، وقد حملني ما رأيت منهم أن قلت أبياتا ، قالوا : - وما هي؟

فأنشدهم هذا الشعر ( 59/15) :

كادت تهد من الأصوات راحلتي*** إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

تعدو بأسض راب لا تنابلة ***عند اللقاء ولا ميل معازيل

فقلت ويل ابن حر من لقائهم ***إذا تقطمطت البطحاء بالجيل

أني نذرت لأهل البسل ضاحية ***لكل ذي إربة منهم ومعقول

من جيش أحمد لا وحش قنابله*** وليس يوصف ما أنذرت بالقيل

ص: 81

3 .غزوة الخندق

قال الواقدي وابن إسحاق : خرج عمرو بن عبد ود يوم الخندق شاهراً سيفه معلما مدلا بشجاعته وباسه، وخرج معه ضرار بن الخطاب الفهري؛ وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة ابن أبي وهب ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميون، فطافوا بخيولهم على العبور فعبرت، وصاروا مع المسلمين على أرض واحدة ورسول الله صلى الله عليه وآله جالس وأصحابه قيام على رأسه، فتقدم عمرو بن عبد ود فدعا إلى البراز مرارة، فلم يقم إليه أحد، فلما أكثر قام علي عليه السلام فقال : -

- أنا أبارزه یا رسول الله .

فأمره بالجلوس، وأعاد عمرو النداء والناس سکوت كأن على رؤوسهم الطير، فقال عمرو : -

أيها الناس أنكم تزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة؟ وأن يقدم عدوا له على النار؟

ص: 82

فلم يقم إليه أحد، فقام علي عليه السلام دفعة ثانية :

- أنا له يا رسول الله .

فأمره بالجلوس فجال عمرو بفرسه مقبلا ومدبرة، وجاءت عظماء الأحزاب، فوقفت من وراء الخندق ومدت أعناقها تنظر، فلما رأى عمرو أن أحدا لا يجيبه قال ( 62/19 -63) : -

ولقد عجزت من الندا *** ء بجمعهم هل من مبارز

ووقفت مذجبن المشي ***ع موقف القرن المناجز

أني كذلك لم أزل*** متسرعة قبل الهزاهز

أن الشجاعة في الفتى*** والجود من غير الغرائز

فقام علي عليه السلام فقال : -

یا رسول، إإذن لي في مبارزته.

فقال : -

إدن، فدني فقلده سيفه، وعممه بعمامته، وقال : -

امضي لشأنك.

فلما انصرف قال : -

اللهم أعنه عليه.

ولما قرب منه قال مجيبا إياه عن شعره ( 63/19 ):

لا تعجلن فقد أتا ***ك مجيب صوتك غير عاجز

ص: 83

ذو نيه وبصیره*** يرجوبذاك نجاة فائز

أني لأمل أن أقي*** م عليك نائحة الجنائز

من ضربة فوهاء يب ***قى ذكرها عند الهزاهز

فقال عمرو :

من أنت؟

وكان عمرو شيخا كبيرة قد جاوز الثمانين، وكان نديم أبي طالب بن عبد المطلب في الجاهلية، فانتسب علي عليه السلام له وقال : -

أنا علي بن أبي طالب.

فقال : -

- أجل، لقد كان أبوك نديما لي، وصديقة، فأرجع فإني لا أحب أن أقتلك.

فقال له علي عليه السلام: -

لكني أحب أن أقتلك.

فقال : ۔

- يا ابن أخي : - إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فأرجع وراءك خير لك.

فقال علي عليه السلام: -

أن قريشا تتحدث عنك أنك قلت : -لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجبت، ولو واحدة منها.

ص: 84

قال : ۔

أجل.

فقال علي عليه السلام.

فإني أدعوك إلى الإسلام.

قال :

دع عنك هذه .

فقال :

فإني أدعوك إلى أن ترجع من تبعك من قريش إلى مكة.

قال :

- إذن تتحدث نساء قريش عني أن غلاما خدعني.

قال : فإني أدعوك إلى البراز.

فحمي عمرو، وقال :

ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومها مني.

ثم نزل فعقر فرسه، وقيل ضرب وجهه ففر وتجاولا، فثارت لهما غبرة وارقهما عن العيون، إلى أن سمع الناس التكبير عالية من تحت الغيرة، فعلموا أن علية قتله، وانجلت الغبرة عنها، وعلي عليه السلام راكب صدره يحز رأسه، وفر

ص: 85

أصحابه ليعبروا الخندق، فطفرت بم خيلهم إلا نوفل بن عبد الله فأقصر فرسه، فوقع في الخندق فرماه المسلمون بالحجارة فقال : -

يا معشر الناس، قتلة أكرم من هذه.

فنزل إليه علي عليه السلام فقتله.

ولما انتشر خبر مقتل عمرو بن عبد ود رثاه شعراء من قريش منهم :

مسافع بن عبد مناف بن زهرة بن حذافة بن جمع يبكي عمرو بن عبد الله بن عبد ود قال ( 288/13 ) :

عمرو بن عبد كان أول فارس*** جزع المذاد وكان فارس ملیل

سمح الخلائق ماجد ذومره*** يبقى القتال بشكلم ينکل

ولقد علمتم حين ولوا عنكم ***ان ابن عبد منهم لم يعجل

حتى تكتفهالكماة وكلهم ***يبغي القتال له وليس بمؤثل

ولقد تكتفت الفوارس فارسا*** بجنوب سلع غير نكس أميل

فاذهب علي ما ظفرت بمثلها ***فخرا ولولاقيت مثل المعضل

سأل النزال هناك فارس غالب ***لاقى حمام الموت لم يتحلحل

أعني الذي جزع المذاد ولم يكن ***فشلا وليس لدى الحروب بزمل

وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي، يعتذر من فراره عن علي بن أبي طالب

عليه السلام وتركه عمروا يوم الخندق ويبكيه ( 289/19 ) :

لعمرك ما وليت ظهري محمدا** وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل

ص: 86

ولكنني قلبت أمري فلم أجد*** لسيفي غناء إن وقفت ولا نبلي

وقفت ولما لم أجد لي مقدما*** صدرت كضرغام هزبر إلى شبل

ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد*** مجالا وكان الحزم والرأي من فعلي

فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا***فقدمت محمود الناماجد الفعل

ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا*** فقد كنت في حرب العدا مرهف النصل

فمن لطراد تقدع الخيل بالقنا ***وللبذل يومأ عند قرقرة البذل

هنالك لولا كان ابن عمرو لزارها*** وفرجها عنهم فتى غير ما وغل

كفتك علي من ترى مثل موقف ***وقفت على شلو المقدم كالفحل

فما ظفرت كفاك يوما بمثلها ***أمنت بها ما عشت من زلة النعل

وقال هبيرة بن أبي وهب أيضا يرثي عمرو ويبكيه ( 289/19 - 290) :

لقد علمت عليا لؤي بن غالب*** الفارسها عمرو إذا ناب نائب

وفارسها عمرو إذا يسوقه*** علي، وأن الموت لاشك طالب

(و) عيشة يدعوه علي وإنه ***کفارسها إذ خام عنه الكتائب

فيا لهف نفسي أن عمروأ لكائن ***بيثرب لازالت هناك المصائب

لقد أحرز العليا علي بقتله وللخير يوم لا محالة جالب

وقال حسان بن ثابت الأنصاري يذكر عمرو ( 290/19 ):

أمسى الفتى عمرو بن عبير ناظرا***كيف العبور وليته لم يعبر

ولقد وجدت سيوفنا مشهورة ***ولقد وجدت جيادنا لم تقصر

ص: 87

ولقد لقيت غداة بدر عصبة ***ضربوك ضربة غير ضرب الحسر

أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة ***يا عمرو أو لجسيم أمر منکر

وقال حسان أيضا ( 290/19 ) :

لقد شقيت بنو جمح بن عمرو*** ومخزوم وتيم ماتقيل

وعمرو كالحسام فتى قريش*** كأن جبينه سف صقيل

فتى من نسل عامر أريحي*** تطاوله الأسنة والنصول

دعاه الفارس المقدام لما*** تكشفت المقانب والخيول

أبو حسين فقعه حساما***اجرازا لا أقل ولا نكول

فغادره مكبا مسلحبا ***على عفراء لا يعید القتيل

ص: 88

4. غزوة مؤته

بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحارث بن عمير الأزدي في سنة ثمان إلى ملك بصری بكتاب، فلما نزل مؤته عرض له شرحبیل بن عمرو الغساني فقال : -

أين تريد؟

قال : ۔

الشام.

قال : ۔

لعلك من رسل محمد؟

قال : -

نعم.

فأمر به فأوثقه رباطا ثم قدمه فضرب عنقه، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول غيره، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،

ص: 89

فاشتد عليه، وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث، فأسرعوا وخرجوا، فعسکروا بالجرف، فلما صلی صلى الله عليه وآله وسلم الظهر جلس وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف مع الناس فقال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم : -

زید بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زید بن حارثة، فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون من بينهم رجلا فليجعلوه عليهم، فقال النعمان بن مهيض : ۔

يا أبا القاسم، إن كنت نبية فسيصلب من سميت قلي؟ كانوا أو كثيرة إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان، فلوا سموا مئة أصيبوا جميعا، ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة :

إعهد فلا ترجع إلى محمد أبدأ إن كان نبيا.

قال زيد :-

أشهد أنه نبي صادق.

فلما أجمعوا المسير عقد رسول الله صلى الله عليه وآله لهم اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة، وهو لواء أبيض ومشى الناس إلى أمراء رسول الله صلى الله عليه وآله يودعوهم ويدعون لهم وكانوا ثلاثة آلاف فلما ساروا في معسكرهم ناداهم المسلمون : -

دفع الله عنكم وردكم سالمين صالحين غانمين .

ص: 90

فقال عبد الله بن رواحة ( 61/15 -62) :

لكنني أسأل الرحمن مغفرة ***وضربة ذات فرع تقذف الزیدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة ***بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ***يا أرشد الله من غاز إذا رشدا

وقد اختلف الرواة فيمن كان الأمير الأول، ومن خلال قصيدة حسان بن ثابت يظهر أن جعفر بن أبي طالب كان هو الأمير الأول ثم زيد بن حارثة فعبد الله بن رواحة، وهو ما يقول به الشيعة. قال حسان (62/15 -63):

تأوبني ليل بيثرب أعسر ***وهم إذا ماتؤم الناس مسهر

لذكرى حبيب هيمت لي عبرة ***سفوحة وأسباب البكاء التذكر

بلى إن فقدان الحبيب بلیة ***وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

فلا يبعدن الله قتلی تتابعوا ***بمؤته منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا*** جميعا وأسياف المنية تخطر

رأيت خيار المؤمنين تواردوا ***شعوب وخلق بعدهم يتأخر

غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم ***الى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغركضوء البدر من آل هاشم ***أبي إذا سيم الظلامة أصعر

فطاعن حتى مال غیر موسد***بمعترك فيه القنا منكسر

فصار مع المستشهدين ثوابه*** جنان وملتف الحدائق أخضر

فكنا نرى في جعفرمن محمد*** وقارة وأمرأ حازمأحين يأمر

ص: 91

وما زال في الإسلام من آل هاشم*** دعائم صدق لاترام ومفخر

هم جبل الإسلام والناس حولهم*** رضام إلى طول يطول ويقهر

بهاليل منهم جعفر وابن أمه*** علي ومنهم أحمد المتخير

وحمزة والعباس منهم ومنهم*** عقيل وماء العود من حيث يعصر

بهم تفرج الغماء من كل مأزق*** عماس إذا ماضاق بالناس مصدر

همو أولياء الله أنزل حكمه ***عليهم وفيهم والطناب المطهر

ومنها قول کعب بن مالك الأنصاري من قصيدة أولها ( 63/15 - 64):

نام العيون ودمع عينك يهمل ***سحا كما وكف الرباب المسبل

وجدة على النفر الذين تتابعوا ***قتلا بمؤته اسندوا لم ينقلوا

ساروا إمام المسلمين كأنهم ***طود يقودهم الهزبر المشبل

إذ يهتدون بجعفر ولوائه*** قدام أولهم ونعم الأول

حتى تقوضت الصفوف وجعفر ***حيث التقى جمع الغواة مجدل

فتغير القمر المنير لفقده ***والشمس قد كسفت وكادت تافل

قوم علا بنيانهم من هاشم*** فرع أشم وسؤدد متأثل

قوم بهم عصم الإله عباده ***وعليهم نزل الكتاب المنزل

ضلوا المعاشرعفه وتكرمأ ***وتعمدت أخلاقهم من يجهل

وأن عبد الله بن رواحة ودع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشعر منه

(65/15) :

ص: 92

فثبت الله ما آتاك من حسن*** تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

أنى تفرست فيك الخيل نافرة ***فراسة خالفتهم في الذي نظروا

أنت الرسول فمن يحرم نوافله*** والبشر منه فقد أودى به القدر

وكان زيد بن أرقم يحدث، قال : ۔

كنت يتيمة في حجر عبد الله بن رواحة، فلم أر والي يتيم كان خيرا لي منه، خرجت معه في وجهة إلى مؤتة، وصب بي وصببت به، فكان يردفني خلف رحله،

فقال ذات ليلة، وهو على راحلته بين شعبتي رحله ( 66/15 ):

إذا بلغتني وحملت رحلي ***مسافة أربع بعد الحساء

فشأنك فانعمي وخلاك ذم*** ولا أرجع إلى أهلي ورائي

وآب المسلمون وخلفوني*** بأرض الشام مشتهر الثواء

وزودني الأقارب من دعاء*** الى الرحمان وانقطع الأخاء

هنالك لا أبالي طلع نخل*** ولا نخل أسافلها رواء

ولما قتل جعفر بن أبي طالب وتسلم الراية عبد الله بن رواحة جعل يتردد بعض التردد، ويستقدم نفسه يستنزلها وقال :

أقسمت يا نفس لتزلنه***طوعا وإلا سوف تكرهنه

مالي أراك تكرين الجنة ***إذا جلى الناس وشدوا الرنه

قد طالما قد كنت مطمئنة***هل أنت إلا نطفة في شته

ثم ارتجز فقال ( 69/15 -70):

ص: 93

يا نفس إلا تقتلي تموتي ***هذا حمام الموت قد حليت

وما تمنيت فقد أعطيت***إن تفعلي فعلهما هديت

وان تأخرت فقد شقيت

ص: 94

5. وقعة الجمل مقتل عثمان

مقتل عثمان

قبل ذكر وقعة الجمل لابد من التمهيد لما في ذكر بعض ما قيل في مقتل عثمان من شعر؛ فلقوله عليه السلام من كلام له فيما رده إلى المسلمين من قطائع عثمان (269/1 ):

((والله لو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الماء، لرددته فإن في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أهون)).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (270/1 ):

إنه عليه السلام أمر بكل سلاح وجد لعثمان في داره، مما تقوى به على المسلمين فقبضت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، وبالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره وفي غير داره، وأمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بما عثمان حيث أصيب أو أصيب أصحابها .

ثم أستشهد بقول الوليد بن عقبة - وهو أخو عثمان من أمه يذكر قبض

علي عليه السلام نجائب عثمان وسيفه وسلاحه (270/1 -271):

ص: 95

بني هاشم ردوا السلاح ابن أختكم*** ولا تنهبوه لا تحل مناهبه

بني هاشم كيف الهوادة بيننا*** وعند علي درعه ونجائبه؟

بني هاشم كيف التودد منكم***وبزين أروى فيكم وصرائيه؟

بني هاشم إلا تردوا فإننا ***سواء عليناقاتلاه وسالبه

بني هاشم إنا وما كان منكم*** كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه

قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه ***كما غدرت يوما بكسری مرازبه

فأجابه عبد الله بن أبي سفيان الحارث بن عبد المطلب بأبيات طويلة من جملتها :

فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم ***أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه

وشبهته كسرى وقد كان مثله*** شبيهة بكسري هديه وضرائبه

أي كان كافرة كما كان كسری کافرا.

ولقوله عليه السلام : ((والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لکنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة كفرة؛ ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة، والله ما أشتغفل بالمكية ولا أسفر بالشديدة)).

أستشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول ( 234/10 ) :

((لما حصر عثمان أبرد مروان بن الحكم بخبره بريدين، أحدها إلى الشام والآخر إلى اليمن - وبما، يومئذ یعلی بن منبه - ومع كل واحد منها كتاب وكتب في آخره:

ص: 96

وما بلغت عثمان حتى تخطمت ***رجال ودانت للصغار رجال

لقد رجعت عودة على بدء كونها ***وان لم تجرا فالمصير زوال

سيبديء مكنون الظمائر قولهم*** ويظهر منهم بعد ذاك فعال

فان تقعدا لا تطلباما ورثتما ***فليس لنا طول الحياة مقال

نعيش بدار الذل في كل بلده*** وتظهرمناکادة وهزال

وبعد ورود کتاب مروان بن الحكم على معاوية كتب إلى رؤوس قریش ومن كتب إليهم سعيد بن العاص، وكتب في آخر كتابه ( 237/10 -238) :

تالله لا يذهب شيخي باطلا*** حتى أبير مالكا وكاهلا

القاتلين الملك الحلاحلا ***خير مع حسبأ ونائلا

وكتب في أسفل الكتاب، الذي بعثه إلى عبد الله بن عامر ( 239/10 ):

عليك سلام الله قيس بن عاصم*** ورحمته ماشاء أن يترحما

تحية من أهدى السلام لأهله ***إذا شط دارة عن مزارك سلما

فما كان قيس هلكة هلك واحد***ولكنه بنیان قوم تهدما

وكتب في آخر الكتاب الذي بعثه إلى الولید بن عقبة ( 239/10 ) :

أخترت نومك أن هبت شامية*** عند الهجير وثربأ بالعشيات

على طلاب ثأرأ من بني حكم*** هيهات من راقد طلاب ثارات

وكتب في آخر الكتاب إلى یعلی بن أمية ( 240/10 ):

واعلم يا ابن أمية أن القوم قاصدوك بادئ بدء لاستنطاف ما حوته يداك

ص: 97

من المال، فاعلم ذلك واعمل على حسبه إن شاء الله وكتب في أسفل الكتاب :

ظل الخليفة محصورة يناشدهم*** بالله طورة وبالقرآن أحيانا

وقد تالف أقوام على حنق*** عن غير جرم وقالوا فيه بهتانا

وقام يذكرهم وعد الرسول له ***وقوله فيه إسرار وإعلانا

فقال كفوا فإني معتب لكم*** وصارف عنكم يعلي ومروانا

فكذبوا ذاك منه ثم ساوره ***من حاض ليته ظلما وعدوانا

وكتب إليه مروان جوابا عن كتابه وكتب في أسفل الكتاب ( 242/10 ):

أيقتل عثمان وترقی دموعنا*** ونرقد هذا الليل لا نتفزع

ونشرب برد الماء ريا وقد مضى*** على ظمأ يتلو القران ويركع

فإني ومن صبح المليون بيته*** وطافوا به سعيا، وذو العرش يسمع

سأمنع نفسي كل ما فيه لذه*** و من العيش حتى لا يرى فيه مطمع

وأقتل بالمظلوم من كان ظالما*** وذلك حكم الله ما عنه مدفع

وكتب إليه عبد الله بن عامر، وكتب في أسفل الكتاب ( 242/10 ) : -

لا خير في العيش في ذل ومنقصة ***والموت أحسن من ضيم ومن عار

إنا بنو عبد شمس معشر أنف*** نحر جماجمة طلاب أوتار

والله لو كان ذميا مجاورنا ***ليطلب العز لم نقعد عن الجار

فكيف عثمان لم يدفن بمزبلة*** على القمامة مطروحا بها عار

فازحف إلي فإني زاحف لهم*** بكل أبيض ماضي الحد بتار

ص: 98

وكتب إليه الوليد بن عقبة، وكتب في أسفل الكتاب ( 243/10):

نومي علي محرم إن لم أقم*** بدم ابن أمي من دم العلآت

قامت علي إذا فقدت ولم أقم ***بطلاب ذاك مناحة الأموات

عذبت حياض الموت عندي بعدما***كانت كريهة مورد النهلات

وكتب إليه يعلى بن أمية، وكتب في أسفل الكتاب ( 244/10):

لمثل هذا اليوم أوصى الناس***لا تعط ضيمة أو يخر الرأس

ص: 99

6. وقعة الجمل

لما نزل علي عليه السلام ذا قار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر : -

أما بعد، فأني أخبرك أن عليا قد نزل ذا قار، وأقام بما مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشعر، إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر.

فدعت حفصة جواري لها يتغنين ويضربن بالدفوف، فأمر من أن يقلن في غنائهن :

ما الخبر ما الخبر ***علي في السفر

كالفرس الأشقر*** إن تقدم عقر

وان تأخرنحر

وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة، ويجتمعن لسماع ذلك الغناء، فبلغ أم كلثوم بنت علي عليه السلام فلبست جلابيبها، ودخلت عليهن في نسوة متنكرات، ثم أسفرت عن وجهها، فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت، فقالت أم كلثوم : -

ص: 100

لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم، لقد تظاهرتا على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل.

فقالت حفصة : -

کفی رحمك الله.

فأمرت بالكتاب فخرق، واستغفرت الله .

فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار ( 13/14 - 14):

عذرنا الرجال بحرب الرجال*** فما للنساء وما للسباب؟

أما حسبنا ما أتينابه ***لك الخير من هتك ذاك الحجاب

ومخرجها اليوم من بيتها*** يعرفها الذنب نبح الكلاب

إلى أن أتاناکتاب لها ***مشوم فياقبح ذاك الكتاب

وقالت أخت علي بن عدي، من بني عبد العزى بن عبد شمس وكان أخوها

علي بن عدي من شيعة علي عليه السلام في جملة عسكره ( 17/14):

لاهم فاعقر بعلي جمله*** ولا تبارك في بعير حمله

الا علي بن عدي ليس له

ثم أجمع علي عليه السلام على المسير من الربذة إلى البصرة، فقام إليه رفاعة بن رافع فقال : -

يا أمير المؤمنين؛ أي شيء تريد؟ وأين تذهب بنا؟

قال عليه السلام :

ص: 101

أما الذي نريد وننوي فإصلاح، إن قبلوا منا وأجابوا إليه.

قال : ۔

فإن لم يرضوا؟

قال عليه السلام :

ندعهم ما تركونا.

قال : ۔

فإن لم يتركونا؟

قال عليه السلام :

نمتنع عنهم.

قال :

فنعم إذا .

وقام الحجاج بن غزية الأنصاري، فقال : والله يا أمير المؤمنين لأرضينك بالفعل، كما أرضيتني منذ اليوم بالقول، ثم قال : ۔

دراکها دراکھاقبل الفوت*** فانفر بنا وأسم بنا نحو الصوت

لا وألت نفسي أن خفت الموت

والله لننصرن الله - عز وجل - كما سمانا أنصارا.

وقد ذكر أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل، جملة أشعار وأراجيز في هذه الوقعة، منها (143/1 -147) :

ص: 102

قول عبد الله بن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :

ومنا علي ذاك صاحب خيبر ***وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصي النبي المصطفى وابن عمه ***فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه؟

وقول عبد الرحمن بن جعيل : -

العمري لقد بايعتم ذا حفيظة ***على الدين معروف العفاف موفقا

عليا وصي المصطفى وابن عمه ***وأول من صلى أخا الدين والتقى

وقول ابن الهيثم بن تیهان، كان بدريا : -

قل للزبير وقل لطلحة إننا*** نحن الذين شعارنا الأنصار

نحن الذين رأت قريش فعلنا ***يوم القليب أولئك الكفار

كناشعار نبينا ودثاره*** يفديه منا الروح والأبصار

إن الوصي أمامنا ودليلنا*** برح الخفاء وباحت الأسرار

وقول عمرو بن حارثة الأنصاري، وكان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل، وقد لامه أبوه عليه السلام لما أمره بالحملة فتقاعس :

أبا حسن أنت فصل الأمور*** بین بك الحل و المحرم

جمعت الرجال على راية ***بها أبنك يوم الوغى مقحم

ولم ينكص المرء من خيفة ***ولكن توالت له أسهم

فقال رويدا فلا تعجلوا ***فإني إذا رشقوا مقدم

فأعجلته والفتي مجمع ***بما يكره الوجل المحجم

ص: 103

سمی النبي وشبه الوصي*** ورايته لونها العندم

وقول رجل من الأزد :

هذا علي وهو الوصي ***أخاه يوم النجوى النبي

وقال هذا بعدي الولي ***وعاه واع ونسي الشقي

وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبة شاب معلم من عسكر عائشة، وهو يقول :

نحن بني ضبة أعداء علي*** ذاك الذي يعرف قدما بالوصي

وفارس الخيل على عهد النبي ***ما أنا من فضل علي بالعمي

لكنني أنعى ابن عفان التقي ***أن الولي طالب ثأر الولي

وقول سعيد بن قيس الهمداني - وكان من عسكر علي عليه السلام :

أية حرب ظهرت نيرانها*** وكسرت يوم الوغى مرآنها

قل للوصي أقبلت قحطانها*** فادع بها تكفيكها همدانها

هم بنوها وهم إخوانها

وقول زیاد بن لبيد الأنصاري - من عسكر الأمام علي عليها السلام :

كيف ترى الأنصار في يوم الطلب ***إنا أناس لا نبالي من عطب

ولا نبالي في الوصي من غضب ***وإنما الأنصار جدلا لعب

هذا علي وابن عبد المطلب ***ننصره اليوم على من قد كذب

من يكسب البغي فبئسما اكتسب

ص: 104

وقول حجر بن عدي الكندي :

يا ربناسلم لنا عليا ***و سلم لنا المبارك المضيا

المؤمن الموحد التقيا*** و لا خطل الرأي ولا غويا

بل هاديا موفقأ مهديا ***واحفظه ربي واحفظ النبيا

فيه فقد كان له وليا ***ثم ارتضاه بعده وصيا

وقول خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، وكان بدريا :

ليس بين الأنصار في حجة الحرب ***وبين العداة إلا الطعان

وقراع الكماة بالقضب البيض ***إذا ما تحطم المرآن

فأدعها تستجب فليس من الخز ***رج والأوس ياعلي جبان

يا وصي النبي قد أجلت الحرب*** الأعادي وسادت الأضعان

واستقامت لك الأمور سوی*** الشام وفي الشام يظهر الإذعان

حسبهم منا رأوا وحسبك منا ***هكذا نحن حيث كنا وكانوا

وقوله أيضا :

أعائش خلي عن علي وعيبه ***بما ليس فيه إنما أنت والده

وصي رسول الله من دون أهله*** وأنت على ما كان من ذاك شاهده

وحبك منه بعض ما تعلمينه ***ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده

إذا قيل ماذا عبت رميته ***بخذل ابن عفان وما تلك آبده

وليس سماء الله قاطرة وما ***الذاك وما الأرض الفضاء بمائده

ص: 105

وقول ابن بديل بن ورقاء الخزاعي :

یا قوم للحظة العظمى التي حدثت*** حرب الوصي وما للحرب من آسي

الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت*** تلك القبائل أخماسألأسداس

وقول عمرو بن أميمة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي عليه السلام بعد خطبة عبد الله بن الزبير:

حسن الخير ياشبيه أبيه ***قمت فينا مقام خير خطيب

قمت بالخطبة التي صدع الله*** بهاعن أبيك أهل العيوب

وكشفت القناع فأفتضح الأمر*** واصلحت فاسدات القلوب

الست كابن الزبير لجج في القول*** وطاطا عنان فسل مريب

وأبى الله أن يقوم بماقام ***به ابن الوصي وابن النجيب

أن شخصا بين النبي - لك الخير ***وبين الوصي غير مشوب

وقول زهير بن قیس الجعفي :

أضربكم حتى تقري لعلي*** خير قريش كلها بعد النبي

من زانه الله وسماه الوصي*** إن الولي حافظ ظهر الولي

كما القوي تابع أمر القوي

كتب الإمام علي عليه السلام إلى عامله في البصرة عثمان بن حنیف الأنصاري بقدوم طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ليطالبوا بدم عثمان، وطلب منه أن يستوضح منهم سبب قدومهم وأن يدعوهم إلى الطاعة والرجوع إلى

ص: 106

الوفاء بالعهد والميثاق، فبعث عثمان أبا الأسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي إلى عائشة ورهطها فكلماها وكلما طلحة والزبير ولما لم ينفع معهم النصح والإرشاد قال أبو الأسود الدؤلي لعثمان بن حنیف (313/9 -314) :

يا ابن حنيف قد أتيت فانفر*** وطاعن القوم وجالد وأصبر

وأبرز لها مستلئمأ وشمر

فقال ابن حنيف : اي والحرمين لأفعلن، وأمر منادیه فنادى في الناس :

- السلاح السلاح!

فاجتمعوا إليه وقال أبو الأسود الدؤلي :

أتينا الزبير فداني الكلام ***وطلحة كالنجم أو أبعد

وأحسن قوليهمافادح ***يطيق به الخطب مستنكد

وقد وعدونا بجهد الوعيد ***فأهون علينا بما أوعدوا

فأن تلقموا الحرب بين*** فملقمهاحدها الأنكد

وأن عليالكم مصحر***ألا أنه الأسد الأسود

أما أنه ثالث العابدين***بمكة والله لا يعبد

فرخوا الخناق ولا تعجلوا ***فأن غدا لكم موعد

برز علي عليه السلام يوم الجمل، فنادى بالزبير:

يا أبا عبد الله، مرارة، فخرج الزبير، فتقاربا حق اختلفت أعناق خيلهما، فقال له علي عليه السلام :

ص: 107

- إنما دعوتك لأذكرك حديثا قاله لي ولك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أتذكر يوم رآك وأنت معتنقي فقال لك : - أتحبه؟ قلت : ومالي لا أحبه وهو أخي وابن خالي!

فقال (أما أنك ستحاربه وأنت ظالم له).

فاسترجع الزبير وقال :

اذكرتني ما أنسانيه الدهر.

ورجع إلى صفوفه، فقال له عبد الله ابنه،

لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به!

فقال :

أذكرني علي حديثا أنسانيه الدهر فلا أحاربه أبدأ، وإني لراجع وتارککم منذ اليوم.

فقال له عبد الله :

ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب، إنما السيوف حداد تحملها فتية أنجاد.

فقال الزبير : -

يلك المجني على حربه ؟ أما أني حلفت أن لا أحاربه .

قال :

كفر عن يمينك؛ لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت، وما كنت جبانا .

ص: 108

فقال الزبير:

غلامی مکحول حر كفارة عن يميني،

ثم أنصل سنان رمحه وحمل على عسكر علي عليه السلام برمح لاسنان له فقال علي عليه السلام :

أفرجوا له فانه محرج.

ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل ثانية، ثم ثالثة، ثم قال لابنه :

أجبنا ويلك ترى.

فقال : لقد أعذرت (133/1 - 134).

لما أذكر علي عليه السلام الزبير بما ذكره به ورجع الزبير، قال :

نادي علي بأمر لست أنكره*** وكان عمر أبيك الخير مذحين

فقلت حسبك من عذل أبا حسن***بعض الذي قلت منذ اليوم يكفين

تلك الأمور التي تخشى مغبتها ***والله أمثل في الدنيا وفي الدين

فاخترت عارا على نار مؤججة ***أني يقوم لها خلق من الطين

ولما أنصرف الزبير عن حرب علي عليه السلام، مر بوادي السباع فاتبعه عمر بن جرموز، وكان فاتكة، فسار ابن جرموز معه، فلما حضرت الصلاة وقام الزبير إليها شد ابن جرموز عليه فقتله، وأخذ رأسه وخاتمه وسيفه، وجاء إلى علي عليه السلام، ولما علم الإمام أنه هو الذي قتله قال :

ص: 109

- والله ما كان ابن صفية جبانة ولا لئيمة، ولكن الحين ومصارع السوء، ثم قال :

ناولني سيفه فناوله فهزه، وقال : -

سیف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ابن جرموز : - الجائزة يا أمير المؤمنين.

فقال :

أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ((بشر قاتل ابن صفية بالنار)) فخرج ابن جرموز خائبا وقال (135/1 - 136): -

اتيت عليا برأس الزبير ***أبغي به عنده الزلفه

فبشر بالنار يوم الحساب*** فبئست بشارة ذي التحفه

فقلت له أن قتل الزبير ***لولا رضاك من الكلفه

فان ترض ذاك فمنك الرضا ***وإلا فدونك لي حلفه

ورب المحلين والمحرمين ورب الجماعة والألفه

السيان عندي قتل الزبير ***وضرطة عنز بذي الجحفة

ثم خرج ابن جرموز على علي عليه السلام مع أهل النهروان، فقتله معهم فيمن قتل، وكان الزبير وطلحة قد قاما في الناس، فقالا : -

إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة فاجمعوا حقيقتكم، فأنه لا

ص: 110

يبقى حرمة إلا انتهكها، ولا حريمة إلا حكته، ولا ذرية إلا قتلها ولا ذوات خدر إلا سباهن، فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه ويختار الموت على الفضيحة يراها في أهله.

فخرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه، نبيل، عليه جبة وشيء، يحض الناس على الحرب، ويقول (255/1 -256):

يا معشر الأزد عليكم أمكم ***فأنها ص لاتكم وصومكم

والحرمة العظمى التي تعمكم ***فاحضروها جدكم وحزمكم

وقال أبو مخنف : -

لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ، استقتل الناس عند قوله، وثبتوا حول الجمل، وانتدبوا فخرج عوف بن قطن الضبي؛ وهو ينادي :

ليس لثمان ثأر إلا علي بن أبي طالب وولده.

فاخذ خطام الجمل وقال :

يا أم يا أم خلامني الوطن ***و لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن

من هاهنا معشر عوف بن قطن ***أن فاتنا اليوم علي فالغبن

أو فاتنا ابناه حسين وحسن ***إذا أمت بطول هم وحزن

ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل، وتناول عبد الله بن أبزي خطام الجمل، وكان من أراد الجد في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه،

ص: 111

ثم شد علی عسکر علي عليه السلام وقال :

أضربهم ولا أرى أبا حسن*** ها إن هذا حزن من الحزن

فشد عليه علي أمير المؤمنين عليه السلام بالرمح فطعنه فقتله وقال :

- قد رأيت أبا حسن، فكيف رأيته؟

وترك الرمح فيه.

وكان عمرو بن يثرب الضبي أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه علباء بن هیثم السدوسي فقتله عمرو، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه هند بن عمر الجملي فقتله عمرو، ثم دعا إلى البراز، فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي عليه السلام :

يا أمير المؤمنين، إني رأيت يد أشرفت علي من السماء وهي تقول : هلم إلينا، وأنا خارج إلى ابن يثرب، فإذا قتلني فادفني بدمي ولا تغسلني فإني مخاصم عند ربي، ثم خرج فقتله عمرو، ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزة يقول (258/1 -259 ):

أرديت علباء وهندا في طلق*** ثم ابن صوصان خضيبأ في علق

قد سبق اليوم لنا ماقد سبق ***والوتر منافي عدي ذا الفرق

والأشتر الغاوي وعمرو بن الحمق*** والفارس المعلم في الحرب الحنق

ذاك الذي في الحادثات لم يطق*** أعني عليا ليته فينامزق

وأن عمروة لما قتل من قتل وأراد أن يخرج لطلب البراز، قال للأزد :

ص: 112

- يا معشر الأزد إنكم قوم لكم حياء وبأس، وأني قدوترت القوم، وهم قاتلي، وهذه أمكم نصرها دين، وخذلانها عقوق ولست أخشى أن أقتل حتى أصرع، فإن صرعت فاستنقذوني.

فقال له الأزد :

ما في الجمع أحد نخافه عليك إلا الأشتر.

قال :

فإياه أخاف.

فقيضه الله له، فقد علما جميعا فارتجز الأشتر :

أني إذا ما الحرب أبدت ***وأغلقت يوم الوغى أبوابها

ومزقت من حنق أثوابها*** كناقداماها ولا أذنابها

ليس العدو دوننا أصحابها*** من هابها اليوم فلن أهابها

الاطعنها أخشى ولا ضرابها

ثم حمل عليه فطعنه فصرعه فحامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب وهو وقيد ثقيل فلم يستطع أن يدفع عن نفسه واستعرضه عبد الرحمن بن طود البكري، فطعنه فصرعه ثانية، ووثب عليه رجل من سدوس فأخذه مسحوبة برجله حتى أتی به عليا عليه السلام فناشده الله فقال :

يا أمير المؤمنين أعف عني فإن العرب لم تزل قائلة عنك إنك لم تجهز على جريح قط، فأطلقه، وقال :

ص: 113

إذهب حيث شئت، فجاء إلى أصحابه وهو لما به، ولما انكشفت الحرب شکرت أبنة عمرو بن يثربي الأزد وعابت قومها، فقالت :

يا ضب إنك قد فجعت بفارس*** حامي الحقيقة قاتل الأقران

عمرو بن يثرب الذي فجعت به ***كل القبائل من بني عدنان

لم يحمه وسط العجاجة قومه*** وحنت عليه الأزد أزد عمان

فلهم علي بذاك حادث نعمة ***ولحبهم احببت كل يماني

لوكان يدفع عن منية هالك ***طول الأكف بذابل المرآن

أو معشر وصلوا الخطا بسيوفهم ***وسط العجاجة والحتوف دوان

مانيل عمرو والحوادث جمة ***حتي ينال النجم والقمران

لوغير الأشتر ناله لندبته*** وبكيته ما دام هضب أبان

لكنه من لا يعاب بقتله أسد الأسود وفارس الفرسان

وخرج عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو رئيس البصرة وأكثر أهلها مالا وضياعا، فطلب البراز، وسأل أن لا يخرج إليه إلا علي عليه السلام، وارتجز فقال :

أبا تراب أدن مني فترا ***فإنني وأن إليك بشرا

وأن في صدري عليك عمرا

فخرج علي عليه السلام فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته .

وروي أن شعاره عليه السلام كان في ذلك اليوم ((قسم لا ينصرون اللهم

ص: 114

انصرنا على القوم الناكثين)).

وفي اليوم الثالث خرج أول الناس عبد الله بن الزبير ودعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر، فقالت عائشة :

من برز إلى عبد الله؟

قالوا :

-الأشتر.

فقالت :

وا ثكل أسماء .

فضرب كل منهما الآخر فجرحه، ثم اعتنقا فصرع الأشتر عبد الله وقعد على صدره، واختلط الفريقان، هؤلاء لينقذوا عبد الله وهؤلاء ليعينوا الأشتر.

وكان الأشتر طاوي ثلاثة أيام لم يطعم، وهذه عادته في الحرب، وكان أيضا شيخة عالي السن، فجعل عبد الله ينادي :

أقتلوني ومالكا ***واقتلوا مالك معي

وأفلت ابن الزبير من تحته ولم يكد، فذلك قول الأشتر (262/1 -263):

أعائش لولا أنني كنت طاويا***ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا

غداة ينادي والرجال تحوزه ***بأضعف صوت اقتلوني ومالكا

فلم يعرفوه إذ دعاهم وغمه*** خدت عليه في العجاجة باركا

فنجاه مني أكله وشبابه ***وأني شيخ لم أكن متماسكا

ص: 115

وقالت على أي الخصال جرعته***بقتل أتى أم ردة لا أبالكا

أم المحصن الزاني الذي حل قتله***فقلت لها لابد من بعض ذلكا

والبيتان الأخيران جواب على سؤال عائشة من مالك بن الحارث الأشتر بعد انقضاء أمر الجمل، هو أنه هو الذي صنع بابن أختها ابن الزبير ما صنع فأجابها :

- نعم، ولولا أني كنت طاوية ثلاثة أيام لا رحت أمة محمد منه، فذكرته بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال : ((لا يحل دم مسلم إلا بأحد ثلاثة أمور :

كفر بعد أيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق))

فقال الأشتر :

على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين.

وقال ذلك الشعر.

وانتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي عليه السلام إلى الجمل ورجل آخذ بخطامه لا يدنوا منه أحد إلا قتله، فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف وارتجز فقال لعائشة (264/1 ):

يا أمنا أحق أم نعلم*** والأم تغذو ولدها وترحم

أما ترین کم شجاع يكلم ***وتختلى هامته والمعصم

فاختلف هو والرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه.

فخرج خباب بن عمرو الراسبي، وهو من عسكر أهل البصرة (264/1 ):

أضربهم ولو أرى عليا ***عممته أبيض مشرفيا

ص: 116

أربح منه معشرا غویا

فصمد عليه الأشتر فقتله.

ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد العاص بن أمية بن عبد شمس، وهو من أشراف قريش - وكان اسم سيفه (ولول) فارتجز فقال (265/1 ) :

أنا ابن عتاب وسيفي ولول ***والموت دون الجمل المجلل

طاف علي عليه السلام على أصحابه وهو يقرأ آيات من القرآن ما تشد من عزيمتهم ثم رفع مصحفة بيده فقال :۔

من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه، وله الجنة ؟ ، فقام غلام اسمه (مسلم) عليه قباء أبيض، فقال :

أنا آخذه.

فنظر إليه علي عليه السلام وقال :

إن أخذته فيدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى فتقطع ثم تضرب بالسيف حتى تقتل.

فقال :

لا صبر لي على ذلك.

فنادى علي ثانية، فقام الغلام، أعاد عليه القول، أعاد الغلام القول مرارة ، حتى قال الغلام :

أنا آخذه، وهذا الذي ذكرت في الله قليل.

ص: 117

فأخذه وانطلق، فلما خالطهم ناداهم : -

هذا كتاب الله بيننا وبينكم فضربه رجل فقطع يده اليمنى فتناوله باليسرى فضربه آخر فقطع اليسرى فاحتضنه فضربوه بأسيافهم حتى قتل، فقالت أم ذریح العبدية في ذلك (112/9 ):

يا رب إن مسلما أتاهم*** بمصحف أرسله مولاهم

للعدل والایمان قد دعاهم***يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فغضبوا من دمه ضباهم*** وأمهم واقفة تراهم

تأمرهم بالغي لا تنهاهم

وكان الإمام علي عليه السلام قد مر بطلحة وهو يكبد بنفسه، فوقف عليه فقال : ۔

أما والله إن كنت لأبغض أن أراكم مصرعين في البلاد، ولكن ما حتم واقع ثم تمثل (113/9 -114):

وما تدري إذا أزمعت أمرا ***بأي الأرض يدركك المقيل

وما يدري الفقير متى غناه ***ولا يدري الغني متى يعيل

وما تدري إذا ألحقت شولا*** أتنتج بعد ذلك أم تحيل

وقيل أن حکیم بن جبلة - ويعد أشجع العرب - أنه قطعت رجله يوم الجمل فأخذها بيده، وزحف على قاتله فضربه بها حتى قتله وهو يقول (56/18):

ص: 118

يا نفس لا تراعي ***إن قطعت كراعي

إن معي ذراعي

فلا يعرف في العرب أحد صنع صنيعه.

دفع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه وقد استوت الصفوف وقال له :

احمل.

فتوقف قليلا، فقال له :

احمل.

فقال :

يا أمير المؤمنين أما ترى السهام كأنهما شآبيب المطر؟

فدفع في صدره فقال :

أدركك عرق من أمك.

ثم أخذ الراية فهزها، ثم قال :

اطعن بها طعن أبيك تحمد*** لا خير في الحرب إذا لم توقد

ثم حمل وحمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة، وبعد أن ضعضع أركان عسكر الجمل، دفع إلى محمد الراية وقال :

امسح الأولى بالأخرى، وهذه الأنصار معك، وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا

ص: 119

الشهادتين، في جمع من الأنصار، كثر منهم من أهل بدر، فحمل حملات كثيرة أزال كما القوم عن مواقعهم وأبلى بلاء حسنا، فقال الأنصار :

يا أمير المؤمنين، لولا ما جعل الله - تعالى - للحسن والحسين لما قدمنا على محمد أحدة من العرب.

فقال خزيمة بن ثابت فيه (243/1 -245):

محمد ما في عودك اليوم وصمة ***ولا كنت في الحرب الضروس معردا

أبوك الذي لم يركب الخيل مثله*** علي، وسماك النبي محمدا

فلو كان حقا من أبيك خليفة ***الكنت، ولكن ذاك مالا يرى بدا

وأنت بحمد الله أطول غالب ***السانا، وأنداها بما ملكت يدا

وأقربها من كل خير تريده*** قريش وأوفاها بما قال موعدا

وأطعنهم صدر الكمي برمحه*** وأكساهم للهام عضب مهند

سوى أخويك السيدين كلاهما ***من الأرض أو الأوج مرقى ومصعدا

ومن الأراجيز المحفوظة يوم الجمل لعسكر البصرة قول بعضهم (1254 - 255 ):

نحن بني ضبة أصحاب الجمل ***تنازل الموت إذا الموت نزل

ننعى ابن عفان بأطراف الأسل***ردوا علينا شيخنا ثم بجل

الموت أحلى عندنا من العسل ***لاعارفی الموت اذا حان الاجل

ان عليا هومن شر البدل ***إن تعدلوا بشيخنا لا يعتدل

ص: 120

أين الوهاد وشماريخ القلل

فأجابه رجل من عسكر الكوفة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام

نحن قتلنا نعثلا فيمن قتل ***أكثر من أكثرفيه أو أقل

أني يرد نعثل وقد قحل*** نحن ضربنا وسطه حتی انجدل

الحكمه حكم الطواغيت الأول*** أثر في الفيء وجافي في العمل

فأبدل الله به خير بدل ***أني أمرؤ مستقدم غير وكل

مشمر للحرب معروف بطل

ومن أراجيز أهل البصرة :

يا أيها الجند الصليب الإيمان*** قوموا قياما واستغيثوا الرحمن

أني أتاني خبر ذو ألوان*** أن عليأقتل ابن عفان

ردوا إليناشيخنا کماکان ***يارب وأبعث ناصرا لعثمان

يقتلهم بقوة وسلطان

فأجابه رجل من عسكر الكوفة :

أبت بيوت مذحج وهمدان ***بأن ترد نعثلا كماكان

خلقا سويا بعد خلق الرحمن*** وقد قضى بالحكم حكم الشيطان

وفارق الحق ونور الفرقان*** فذاق كأس الموت شرب الظمآن

ومن الرجز المشهور المقول يوم الجمل، قاله أهل البصرة :

يا أمناعاش لا تراعي ***كل بنيك بطل المصاع

ص: 121

وحولك اليوم رجال شنوه ***وحي همدان رجال الهبوه

والمالكيون القليلو الكبوه*** والأزد حي ليس فيهم نبوه

وتختتم فقرة (وقعة الجمل) بقوله عليه السلام : (دماؤكم زعاق)، أي ملح.

وهذا وإن لم يكن من أفعالهم إلا أنه مما تذم به المدينة، ولا ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى والسباع، كما قال الشاعر (252/1 ):

بلاد بها الحمى وأسد عرينة ***وفيها المعلي يعتدي ويجور

فأني لمن قد حل فيهالراحم ***واني لمن لم يأتهالنذير

ولقوله عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة (185/2 ):

((ما لي ولقريش؟ والله لقد قاتلتهم كافرين، وأقاتلهم مفتونين)).

استشهد بقول هاشم بن عتبة المرقال، يذكر نفور أهل الكوفة إلى علي عليه السلام (188/2 ):

وسرنا إلى خير البرية كلها*** على علمنا إنا إلى الله نرجع

نوره ي فضله ونجله ***و الله ما نرجو وما نتوقع

ونخصف إخفاق المطي على الوجا***و الله ما نرجو و الله نرجع

دلفنا بجمع آثروا الحق والهدى*** إلى ذي تقی فی نصره نتسرع

نكافح عنه والسيوف شهيرة***تصافح اعناق الرجال فتقطع

ص: 122

7. وقعة صفين

1- الوصي : - قبل الخوض في واقعة صفين أرى أن أذكر بعض الشعر الذي ذكر الإمام علي عليه السلام بعده وصيا بعد الرسول الكريم محمد صلی الله عليه وآله وسلم وهو واحد من الأدلة على أحقية الإمام بخلافة المسلمين .

ذکر نصر بن مزاحم بن يسار المنقري في كتابه (صفين) جملة من الأشعار

تتضمن تسميته عليه السلام بالوصي، وقال نصر بن مزاحم، قال زهير بن قیس الجعفي (197/1 ) :

فصلى الإله على أحمد ***رسول المليك تمام النعم

رسول المليك ومن بعده ***خليفتنا الغائم الدعم

عليا عنيت وصي النبي*** بجالد عنه غواة الأمم

ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قیس :

أتانا الرسول رسول الإمام*** فسر بمقدمه المسلمونا

رسول الوصي وصي النبي ***له الفضل والسبق في المؤمنينا

بما نصح الله والمصطفى ***رسول الإله النبي الأمينا

ص: 123

يجاهد في الحق لا ينثني*** جميع الطغاة مع الجاحدينا

وصي النبي وذو صهره ***وسيف المنية في الظالمينا

وكم بطل ماجدقد أذاق*** منية حتف من الكافرينا

وكم فارس كان سال النزال ***فأب الى النار في الآيبينا

فذاك علي إمام الهدى ***وغيث البرية والمقحمينا

وكان إذا ما دعا للنزال*** كليث عرين يزين العرينا

ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضا (148/1 ):

أتانا الرسول رسول الوصي*** علي المهذب من هاشم

رسول الوصي وصي النبي ***وخير البرية في العالم

وزير النبي وذو صهره ***وخير البرية من قائم

له الفضل والسبق في الصالحات ***الهدي النبي به يأتمي

محمدأ أعني رسول الإله*** وغيث البرية والخاتم

اجنبیاعليا بفضل له ***وطاعة نصح له دائم

فقيه حليم له صولة ***کليث عرين بهاسائم

حلیم عفيف وذو نجدة ***بعيدمن الغدر والمأثم

1 - الوقعة : - بعد أن انتهى الإمام عليه السلام من وقعة الجمل قدم إلى الكوفة يوم الاثنين اثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين... ومعه أشراف الناس وأهل البصرة، استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم فنزل

ص: 124

الرحبة وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين ثم صعد المنبر وخطب وان علي عليه السلام حين قدم من البصرة نزع جریر، همدان، فجاء حتى نزل الكوفة؛ فأراد علي عليه السلام أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير :

ابعثني إلى معاوية فإنه لم يزل مستنصحا وودا فأتيه فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر، ويجامعك على الحق، على أن يكون أميرة من أمرائك وعاملا من عمالك.

وعلى الرغم من معارضة الأشتر بعثه عليه السلام وقال له حين أراد أن یبعثه:

-إن حولي من أصحاب رسول الله عليه السلام من أهل الدين والرأي من رأيت، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله عليه السلام فيك : ((إنك من خير ذي يمن، أيت معاوية بكتابي، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه وأعلمه أني لا أرضى به أميرة. وأن العامة لا ترضى به خليفة .

فانطلق جرير إلى الشام وسلم معاوية كتاب الإمام علي بن أبي طالب عليه

السلام بعد أن ألقى كلمة موجزة دعا إلى مبايعة الإمام علي عليه السلام.

فقرأه وأغتم بما فيه، وذهبت به أفكاره كل مذهب، وطاول صبرة بالجواب عن الكتاب، حتى كلم قوما من أهل الشام في الطلب بدم عثمان فأجابوه ووثقوا له. واستشار أخاه عتبة بن أبي سفيان، فقال له : -

استعن بعمرو بن العاص

ص: 125

فكتب إليه معاوية يستقدمه ليستشيره، ولما قدم کتاب معاوية إلى عمرو استشار ابنيه عبد الله ومحمد، فأشار عليه عبد الله بعدم الذهاب فيما أشار محمد عليه بالذهاب، فقال عمرو :

أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأنت يا محمد فأمرتني بما

هو خير لي في دنياي، وأنا ناظر. فلما جنه الليل رفع صوته وأهله يسمعون فقال (62/2 -63):

تطاول ليلي بالهموم الطوارق*** وخوف التي تجلو وجوه العوائق

وإن ابن هندسالني أن أزوره*** وتلك التي فيها بنات البوائق

أتاه جريرمن علي بخطة ***أمرت عليه العيش ذات مضائق

فإن نال مني ما يؤمل رده ***وان لم ينله ذل المطابق

فوالله ما أدري وماكنت هكذا***أكون ومهماقادني فهوسابق

أخادعه أن الخداع دنية*** أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق

أم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة*** الشيخ يخاف الموت في كل شارق

وقد قال عبد الله قولا تعلقت ***به النفس إن لم تقتطعني عوائق

وخالفه فيه أخوه محمد وإني لصلب العود عند الحقائق

على الرغم من نصيحة غلامه وردان بلزوم بيته بقوله :

فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك.

ص: 126

أقول، على الرغم من ذلك رحل إلى معاوية وهو يقول (36/2 ) :

ياقاتل الله وردانأ وقدحته ***أبدى لعمرك ما في النفس وردان

لما تعرضت الدنيا عرضت لها ***بحرص نفسي و الأطباع أدهان

نفسي تعف وأخرى الحرص يغلبها ***والمرء يأكل تبنا وهو غرثان

أما علي فدين ليس يشركه***دنيا وذاك له دنيا وسلطان

فاخترت من طرفي دنيا على بصر ***وما معي بالذي أختار برهان

أني لأعرف ما فيها وأبصره ***و أيضا لما أهواه ألوان

لكن نفسي تحب العيش في شرف وليس يرضى بذل العيش إنسان

عندما التقى معاوية في الشام قال له :

أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا ثلاثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر

قال عمرو :

وما ذاك؟

قال معاوية :

منها أن محمد بن حذيفة كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه، وهو من آفات هذا الدين، ومنها أن قيصرة زحف بجماعة الروم ليغلب على الشام، ومنها أن عليا نزل الكوفة وقيأ للمسير إلينا.

فقال عمرو :

ليس كل ما ذكرت عظيمة؛ أما ابن أبي حذيفة، فما يتعاظمك من رجل

ص: 127

خرج في أشياعه أن تبعث اليه رجلا يقتله، أو يأتيك به، وإن قاتل لم يضرك وأما قیصر فاهد له الوصائف وآنية الذهب والفضة، وسيلة الموادعة، فإنه إليها سريع، وأما علي والله يا معاوية ما يسوى العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وان له في الحرب لحظة ما هو لأحد من قريش، وإنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه.

قال معاوية لعمرو :

- يا أبا عبد الله : إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى الله وشق عصا المسلمين، وقتل الخليفة وأظهر الفتنة وفرق الجماعة وقطع الرحم.

فقال عمرو :

من هو؟

قال :

علی...

قال:

والله يا معاوية ما أنت وعلي بحملي بعير، ليس لك هجرته ولا سابقته، ولا صحبته ولا جهاده، ولا فقهه ولا علمه، والله أن له - مع ذلك - لحظة في الحرب ليس لأحد غيره، ولكن قد تعودت من الله تعالی إحسانا وبلاء جميلا؛ فما تجعل لي إن شايعتك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟

قال :

حكمك .

ص: 128

فقال :

مصر طعمة. فتلكأ عليه معاوية وقال له : -

- يا أبا عبد الله إني أكره لك أن تتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا.

قال عمرو :

لا، لعمر الله ما مثلي يخدع، لأنا أكيس من ذلك.

قال معاوية :

إدن مني أسارك.

فدنا منه عمرو ليساره، فعض معاوية أذنه وقال :

هذه خدعة! هل ترى في البيت أحدة ؟ ليس غيري وغيرك . فأنشأ عمرو يقول (64/2 -66):

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل ***به منك دينافانظرن كيف تصنع

فان تعطني مصرأ فأربح بصفقة***أخذت بها شيخا يضر وينفع

وما الدين والدنيا سواء وإنني ***لأخذ ما تعطي ورأسي مقنع

ولكنني أغضي الجفون وأنني ***الأخد، کلا، والمخادع يخدع

وأعطيك أمرأ فيه للملك قوة*** وأكفي أنزلت النعل أصرع

وتمنعني مصرأة وليست برغبه***وأني بذا الممنوع قدما لمولع

ص: 129

فقال معاوية :

يا أبا عبد الله، أما تعلم أن مصر مثل العراق ؟

قال :

بلی، ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك، إنما تكون لك، إذا غلبت عليا على العراق.

وقد كان أهل مصر بعثوا بطاعتهم إلى علي عليه السلام.

فلما حضر عتبة بن أبي سفيان، قال لمعاوية :

- أما ترضى أن تشتري عمروا مصر إن هي صفت لك؟ ليتك لا تغلب على الشام.

فقال معاوية : -

- يا عتبة بت عندنا الليلة.

فلما جن الليل على عتبة رفع صوته ليسمع معاوية، وقال (66/2 -67) :

أيها المانع سيفا لم يهز*** إنما ملت على خز وقز

إنما أنت خروف ماثل ***بین ضرعين وصوف لم يجز

اعط عمرو إن عمروا تارك*** دينه اليوم لدنيا لم تحز

يالك الخير فزن من دره*** شخبة الأول وابعد ماغر

ز واسحب الذيل وبادر فوقها ***وانتهزها إن عمروا ينتهز

اعطه مصرة وزده مثلها ***إنما مصر لمن عز فبز

ص: 130

واترك الحرص عليهاضلة ***واشبب النار لمقرور یکز

إن مصرا لعلي أو لنا*** يغلب اليوم عليها من عجز

فلما سمع معاوية قول عتبة، أرسل إلى عمرو فأعطاه مصر.

وكان لعمرو بن العاص عم من بني سهم، وهو فتى شاب، وكان داهية حليمة، وجاءه من مصر فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورة عجب الفتي، وقال :

ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي نعيش في قريش؟ أعطيت دينك وعفيت دينا غيرك ! أتري أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلي حي؟ وأتراها إن صارت لمعاوية لأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب؟

فقال عمرو :

يا ابن أخي إن الأمر لله دون علي ومعاوية. فقال الفتى (68/2 -69) :

ألا ياهند أخت بني زياد ***مي عمرو بداهية البلاد

رمي عمرو بأعور عبشمي*** بعيد القعر مغشي الكباد

له ځدع يحار العقل منها ***مزخرفة ص وائد للفؤاد

فشط في الكتاب عليه صرفا ***يناديه بخدعته المنادي

وأثبت مثله عمرو عليه ***كلا المرأين حية بطن واد

ألا يا عمرو ما أحرزت مصرا***ولا ملت الغداة إلى الرشاد

وفدت إلى معاوية بن حرب ***فكنت بها کوافدقوم عاد

وأعطيت الذي أعطيت منها ***بطرسي فيه نصح من مداد

ص: 131

ألم تعرف أبا حسين عليا ***وما نالت يداه من الأعادي

عدلت به معاوية بن حرب ***ويا بعد البياض من السواد !

ويا بعد الأصابع من سهيل ***ويا بعد الصلاح من الفساد!

أتأمن أن تذال على خدب***يحث الخيل بالأسل الحداد

ينادي بالنزال وأنت منه ***قريب فأنظرن من ذا تعادي

فقال عمرو :

يا ابن أخي، لو كنت عند علي لوسعيني، ولكني الآن عند معاوية .

قال الفتی:

انك لو لم ترد معاوية لم يردك؛ ولكنك تريد دنياه وهو يريد دينك.

وبلغ معاوية قول الفتي فطلبه فهرب فلحق بعلي عليه السلام فحدثه أمره فسر به وقربه، فغضب مروان وقال :

ما بالي لا أشترى كما أشتري عمرو؟ فقال معاوية : إنما يشترى الرجال لك. فلما بلغ عليا ما صنع معاوية قال (69/2 -70) :

يا عجب لقد سمعت منكرا ***كذبا على الله يشين الشعرا

بشرق السمع ويعشي البصرا ***ما كان يرضى أحمدألوأخبرا

أن يقرنوا وصيه والأبترا***شاني الرسول والوصي الأخزرا

ص: 132

كلاهما في جنده قد عسكرا ***قد باع هذا دينه فأفجرا

من ذا بدنيا بيعه قد خسرا ***يملك مصر إن أصاب الظفرا

ني إذا الموت دنا أو أحضرا ***شمرت ثوبي أو دعوت قنبرا

قدم لوائي لا تؤخر حذرا*** الايدفع الحذار ماقدرا ل

ما رأيت الموت موتا أحمرا ***عبأت همدان وعبوا حميرا

حي يماني يعظون الخطرا ***قرن إذا ناطح قرنأكسرا

قل لأبن حرب لا تدب الخمرا ***ارود قليلا أبو منك الضجرا

لا تحسبن يا ابن هند غمرا ***وسل بنابدرا بنا وخيبرا

يوم جعلناكم بيدي جزرا ***إذ وردوا المرقذموا الصدرا

لوان عندي يا ابن هند جعفرا ***أوحمزة القرم السهام الأزهرا

رأت قريش نجم ليل أظهرا

ودعا معاوية بعض أصحابه وخاصته من رؤوس قحطان واليمن وبني عم شرحبيل بن السمط، فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان، فلما قدم کتاب معاوية على شرحبيل، وهو بحمص، استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي، وهو صاحب معاذ بن جبلة وختنه، وكان أفقه أهل الشام، ودعا شرحبيل أن يسير إلى علي عليه السلام فيبايعه عن الشام وقومه شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية، فكتب إليه عياض الثمالي، وكان ناسکا (71/2-72) :

ص: 133

يا شرح يا ابن السمط إنك بالغ ***بود علي ما تريد من الأمر

وشرح أن الشام شامك ما بها ***سواك فدع عنك المضلل من فهر

فإن ابن هند ناصب لك خدعة*** تكون علينا مثل راغية البكر

فان نال ما يرجوبنا كان ملكنا*** هنيئا له، والحرب قاصمة الظهر

فلا تبغين حرب العراق فإنها*** تحرم أطهار النساء من الزهر

وإن عليا خير من وطئ الثرى***من الهاشميين المدارك للوتر

له في رقاب الناس عهد وذمة*** كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر

فبايع ولا ترجع على العقب كافرا ***أعيذك بالله العزيز من الكفر

ولا تسمعن قول الطغاة فإنهم*** يريدون أن يلقوك في لجة البحر

وماذا عليهم أن تطاعن دونهم*** وكنا بحمد الله من ولد الطهر

وإن غلبوا لم يصل بالخطب غيرنا ***وكان علي حربنا آخر الدهر

يهون على عليا لؤي بن غالب*** دماء بني قحطان في ملككم تجري

فدع عنك عثمان بن عفان إنما*** لك الخير لا تدري بأنك لا تدري

على أي حال كان مصرع جنبه ***فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو

ولما أبطأ جرير عند معاوية على الإمام کتب إلى جرير بعد ذلك :

"أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالأمر الجزم، ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فإن اختار الحرب فانبذله، وإن اختار السلم فخذ بيعته" .

ص: 134

فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتي معاوية فأقرأه الكتاب، فقال له : يا معاوية أنه لا يطبع على قلب إلا بذنب، ولا يشرح صدر إلا بتوبة، ولا أظن قلبك إلا مطبوعة، أراك وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك.

فلما بايع أهل الشام وذاقهم قال معاوية :

یا جریر الحق بصاحبك.

وكتب إليه وكتب أسفل كتابه بقول کعب بن جعيل شاعر أهل الشام (127/2-128):

أرى الشام تكره أهل العراق *** وأهل العراق لهم كارهونا

وكل لصاحبه مبغض*** يرى كل ما كان من ذاك دينا

إذا مارمونا رميناهمو *** وداهمو مثلما يقرضونا

وقالوا علي إمام لنا ***فقلنا رضينا ابن هند رضينا

وقالوا نرى أن تدينوا لنا ***فقلنا ألا لانرى أن ندينا

ومن دون ذلك خرط القتاد ***وطعن وضرب يقر العيونا

وكل يسر بما عنده***يرى غث ما يديه سمينا

ومافي علي المستعتب***مقال سوى ضمير المحدثينا

وإيثاره اليوم أهل الذنوب ***ورفع القصاص من القاتلينا

إذا سيل عنه حذا شبهة*** وعمى الجواب على السائلينا

فلیس براض ولا ساخط*** ولا في النهاة ولا الآمرينا

ص: 135

ولا هوساء ولا سرء***ولابد من بعض ذا أن يكونا

وكان مع الإمام علي عليه السلام رجل من طي، ابن أخت لجرير، فحمل زهیر بن قیس (حامل كتاب الإمام إلى جرير) شعرة له إلى خاله جرير وهو (71/3-72):

جرير بن عبد الله لا تردد الهدى*** وبايع عليا إنني لك ناصح

فإن عليأخير من وطئ الحصا*** سوى أحمد، والموت غار ورائح

ودع عنك قول الناكثين فإنما ***أولاك – أبا عمرو - كلاب نوابح

وبايع إذا بايعته بنصيحة***ولا يك منها في ضميرك قادح

فإنك إن تطلب به الدين يقضه*** وإن تطلب الدنيا فإنك رابح

وان قلت عثمان بن عفان حقه ***علي عظيم والشكور مناصح

وحق عليا إذ وليك كحقه*** وشكرك ما أوليت في الناس صالح

وإن قلت لا أرضى عليا إمامنا ***فدع عنك بحرأضل فيه السوابح

أبى الله إلا أنه خير دهره*** وأفضل من ضمت عليه الأباطح

وكان جرير بن عبد الله البجلي قد خطب في أهل همدان فأخبرهم أن الولاية تمت لعلي عليه السلام غير أن (طلحة والزبير نقضا بيعته ...) وألبا عليه الناس ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب، ثم قال (72/3 -73) :

أتاناکتاب علي فلم*** نرد الكتاب بأرض العجم

ولم نعص مافيه لما أتى ***ولمانذم ولما نلم

ص: 136

ونحن ولاة على ثغرنا ***نضيم العزيز ونحمي الذمم

نساقيهم الموت عند اللقاء*** بكأس المنايا ونشفي القرم

طحاهم طحنه بالقنا ***وضرب سيوف تطير اللمم

مضينا يقينا على ديننا*** ودين النبي مجلي الظلم

أمين الإله وبرهانه ***وعدل البرية والمعتصم

رسول المليك ومن بعده*** خليفتنا القائم المدعم

علي عنيت وحي النبي ***نجالد عنه غواة الأمم

له الفضل والسبق والمكرمات*** وبيت النبوة لا يهتضم

فسر الناس بخطبة جرير وشعره.

وقال ابن الأزور القسري في جرير يمدحه في ذلك (73/3 ) :

لعمر أبيك والأنباء تنمى*** لقد جلي بخطبته جرير

وقال مقالة جدعت رجالا ***من الحيين خطبهم كبير

بدابك قبل أمته علي*** وفك أن أردت الحق ریر

أتاك بأمره زحر بن قيس*** وزحر بالتي حدثت خبير

فكنت بما أتاك به سميعا ***وكدت إليه من فرح تطير

فأنت بما سعدت به وزیر*** ونعم المرء أنت له أمير

فأحرزت الثواب، ورب حاد***حدا بالركب ليس له بعير

ليهنك ما سقيت به رجال ***من العلياء والفضل الكبير

ص: 137

وبعد أيام من خطبته جرير ودعوته أهل الشام ومعاوية إلى مبايعة علي عليه السلام خطب معاوية في أهل الشام ودعاهم إلى الأخذ بثأر عثمان والی مبایعته، فقام أهل الشام فأجابوه إلى الطلب بدم عثمان، فلما أمسى معاوية أغتم بما هو فيه وجنه الليل وعنده أهل بيته، فقال ( 73/3) :

تطاول ليلي واعترتني وساوسي ***لآ أتى بالترهات البسابس

أتانا جرير والحوادث جمة*** بتلك التي فيها أجتداع المعاطس

أكابده والسيف بيني وبينه***ولست بأثواب الدني بلابس

إن الشام أعطت طاعة يمنية ***تواضعها أشياخنا في المجالس

فان يجمعوا أصدم عليا بجبهة***تف عليها كل رطب ویابس

وأني لأرجوخیر مانال نائل*** وما أنا من ملك العراق بایس

ألا يكون عند ظني بنصرهم ***وأن يخلفوا ظني كف عابس

اجتمع شرحبيل بجرير بن عبد الله البجلي عند حصین بن نمير بناء على طلب الأول فقال شرحبيل :

یا جرير. . أتيتنا بأمر ملقف لتلقنا في لهوات الأسد، واردت أن تخلط الشام بالعراق، وأطريت عليا، وهو قاتل عثمان، والله سائلك عما قلت يوم القيامة.

فقال جرير : -

یا شرحبيل، أما قولك أني جئت بأمر ملقف، فكيف يكون ملقفا وقد أجتمع عليه المهاجرون والأنصار، وقوتل على رده طلحة والزبير! وأما قولك أني

ص: 138

القيك في لهوات الأسد، ففي طواقما ألقيت نفسك، وأما خلط أهل الشام بالعراق فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل.

فبلغ ما قاله إلى معاوية فبعث إلى جرير فزجره... فكتب جرير كتابة إلى شرحبيل قال فيه (80/3 -81) :

شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى*** فما لك في الدنيا من الدين من بدل

الاتك كالمجري إلى شر غاية ***فقد رق السربال واستنوق الجمل

وقل لأبن حرب مالك اليوم خلة ***تروم بها ما رمت وأقطع بها الأمل

شرحبيل أن الحق قد جد جده ***فكن فيه مأمون النديم من النفل

وأرود ولا تفرط بشي؛ نخافه ***عليك، ولا تعجل، فلا خير في العجل

مقال ابن هند في علي عضيهة*** ولله في صدر ابن أبي طالب أجل

وما من علي في ابن عفان سقطة*** بقول، ولا ما عليه ولا قتل

وما كان إلا لازما نصر بیته*** إلى أن أتى عثمان في داره الأجل

فمن قال قولا غير هذا فحسبه ***من الزور والبهتان يعض الذي أحتمل

وصي رسول الله من دون أهله ***ومن باسمه في أهله يضرب المثل

ولما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر، وقال :

هذه نصيحة لي في ديني ودنياي، ولا والله لا أعجل في هذا الأمر بشيء في

نفسي منه حاجة، فاستشر له القوم.

ولفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون، ويعظون عنده قتل عثمان

ص: 139

ويرمون به عليا، ويقيمون الشهادة الباطلة، والكتب المختلقة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه، وبلغ ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق، وكان يرى رأي علي بن أبي طالب عليه السلام فبايعه بعد، وكان ممن لحق من أهل الشام، وكان ناسكة، فقال (81/3 -82) :

لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمی *** شرحبیل بالسهم الذی هو قاتله

ولفق قوما يسحبون ذيولهم***جميعا وأوى الناس بالذنب فاعله

فألفي يمانيأضعيفة نخاعه*** إلى كل ما يهوى تحدى رواحله

فطأطأ لهالمارموه بثقلها ***ولا يرزق التقوى من الله خاذله

اليأكل دنيا لأبن هند بدينه*** ألا وابن هند قبل ذلك آكله

وقالوا علي في ابن عفان خدعه*** ودبت إليه في الشنان غوائله

ولا والذي آوي ثبيرة مكانه*** لقد گف عنه كفه ووسائله

وما كان إلا من صحاب محمد***وكلهم تغلي عليه مراجله

[ومع هذا كله] جعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى أستفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به، فبعث إليه النجاشي بن الحارث وهو الذي حده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لشربه الخمر، وكان صديقا له (أي للنجاشي) فقال (83/3 ) :

شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا ***ولكن لبعض المالكي جرير

وشحناء دبت بين سعد وبينه*** فأصبحت كالحادي بغير بعير

وما أنت إذ كانت بجيلة عاقبت*** قريشأفيالله بعد نصير

ص: 140

أتفضل أمرا عبت عنه بشبهة ***وقد صار فيها عقل کل بصير

يقول رجال لم يكونوا أئمة ***ولا للتي لهولها بحضور

وماقول قوم غائبين تقاذفوا ***من الغيب ما ولاهم بغرور

ونترك أن الناس أعطوا عهودهم*** عليا على أنس به وسرور

إذا قيل هاتوا واحدا تقتدونه ***نظيرة له لم يفصحوا بنظير

لعلك أن تشقى الغداة بحربة ***شرحبيل ماما جئته بصغير

ودخل شرحبيل بن السمط الأسود بن جبلة الكندي على معاوية وطالبه أن يعلن طلبة بدم عثمان، فنصحه جریر بن عبد الله -وكان حاضرة - بالتمهل ولكنه يئس من معاوية ومن عوام أهل الشام وكان معاوية قد أتي جريرة قبل ذلك في منزله فقال له : -

یا جرير، أني قد رأيت رأيا .

قال : ۔

- هاته .

قال : -

أكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل الأحد بعده في عنقي بيعة وأسلم له هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة.

فقال جرير : -

أكتب ما أردت أكتب معك.

ص: 141

فكتب علي عليه السلام إلى جرير : -

- أما بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك ويبطئك حتى يذوق أهل الشام، وأن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن أستعمل معاوية على الشام، وأنا حينئذ بالمدينة، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله أن يراني أتخذ المضلين عضدة، فأن بايعك الرجل؛ وإلا فاقبل والسلام.

وفشا کتاب معاوية في العرب، فبعث إليه الوليد بن عقبة (84/3 -85) :

معاوي إن الشام شامك فاعتصم*** بشامك لاتدخل عليك الأفاعيا

وحام عليها بالصوارم والقنا ***ولاتك موهون الذراعين واهيا

وأن علياناظر ما تجيبه ***فأهدله حرباتشيب النواصيا

وإلا فسلم أن في السلم راحة ***لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا

وأن كتابا يا ابن حرب كتبته ***على طمع، يزجي اليك الدواهيا

سألت عليا فيه مالن تناله ***ولو نلته لم يبق إلا لياليا

وسوف ترى منه التي ليس بعدها ***بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا

أمثل علي تعتريه بخدعة ***وقد كان ما جربت من قبل كافيا؟

وكتب الوليد بن عقبة إلى معاوية أيضا يوقظه ويشير عليه بالحرب، وألا

يكتب جواب جریر (85/3 -86) :

معاوي أن الملك قد جب غاربة ***وأنت بما في كفك اليوم صاحبه

ص: 142

أتاك كتاب من علي بخطه ***هي الفصل فأختر سلمه أو تحاربه

فلاترج عند الواترين مودة***ولا تأمن اليوم الذي أنت راهبه

وحاربه أن حاربت حرب ابن حرة*** وإلا فسلم لاتدب عقاربه

فأن علي غير ساحب ذيله ***على خدعة ماسوغ الماء شاربه

وإلا ماما يريد وهذه ***يقوم بها يوما عليه نوادبه

فلاتدع الملك والأمر مقبل ***وتطلب ما أعيت عليك مذاهبه

فان كنت تنوي أن تجيب كتابه*** فقبح ممليه وقبح کاتبه

وأن كنت تنوي أن ترد کتابه*** وأنت بأمر لا محالة راكبه

فالق إلى الحي اليماني كلمة*** تنال بها الأمر الذي أنت طالبه

تقول : أمير المؤمنين أصابه ***عدو ومالاه عليه أقاربه

أفانين منهم قاتل ومحرض*** بلاترة كانت وآخر ساحبه و

كنت أميرة قبل بالشام فيكهم***فحسبي وإياكم من الحق واجبه

فجيئوا، ومن أرسى ثبيرة مكانه ***ندافع بحرا لاترد غواربه

فأقلل وأكثر مالها اليوم صاحب ***سواك، فصرح لست ممن تواريه

وخرج جرير يوما يتجسس الأخبار؛ فإذا هو بغلام يتفلى على قعود له،

وهو يقول (86/3) :

حکیم وعمار الشجا ومحمد*** وأشتر والمكشع جروا الد واهيا

وقد كان فيها للزبير عجاجة ***وصاحبة الأدنى أثاروا الد واهيا

ص: 143

فأما علي فاستجار ببيته ***فلا أمر فيها ولم يك ناهيا

فقل في جميع الناس ما شئت بعده ***فلوقلت أخطا الناس لم تك خاطيا

وأن قلت عم القوم فيه بفتنة ***فحسبك من ذاك الذي كان كافيا

فقولا لأصحاب النبي محمد: - ***وخصا الرجال الأقربين الأدانيا

أيقتل عثمان بن عفان بينكم ***على غير شيء ليس إلا تعاميا

فلانوم حتى نستبيح حريمكم*** ونخضب من أهل الشنان العواليا

فقال جرير :

يا ابن أخي من أنت؟

فقال : -غلام من قريش، وأصلي من ثقيف، إن ابن المغيرة بن الأخنس بن شريق، قتل مع عثمان يوم الدار.

فعجب جرير من شعره وقوله. وكتب بذلك إلى علي عليه السلام فقال علي عليه السلام :

والله ما أخطأ الغلام شيئا. وقد سبق أن نقلنا أنه لما بايع معاوية أهل الشام، وبعد أن ذاقهم قال :

یا جرير الحق بصاحبك.

وكتب إليه بالحرب وكتب في أسفل الكتاب شعر کعب بن جعيل :

أرى الشام تكره أهل العراق ***وأهل العراق لهم كار هونا

وكتب مع جرير إلى علي جوابا عن كتابه إليه، مما قال فيه :

ص: 144

ولعمري ليس حججك علي كحججك على طلحة والزبير، لأهما بایعاك ولم أبايعك، وما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة، لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام، فأما شرفك في الإسلام، وقرابتك من النبي صلی الله عليه وآله وسلم وموضعك من قريش فلست أدفعه.

ثم كتب في آخر الكتاب شعر کعب بن جعيل الذي أوله ( 87/3 -88) :

أرى الشام تكره أهل العراق*** وأهل العراق لهم کار هونا

فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام جوابا عن كتابه، ومما قال فيه :

وبعد، فما أنت وعثمان؟ إنما أنت رجل من بني أمية، وبنو عثمان أولى بمطالبة دمه، فأن زعمت أنك أقوى على ذلك فأدخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاکم القوم الي. وأما تمييزك بينك وبين طلحة والزبير، وبين أهل الشام وأهل البصرة، فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا سواء، لأنها بيعة شاملة لا يستثني فيها الخيار، ولا يستأنف فيها النظر، وأما شرفي في الإسلام وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضعي من قريش، فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته.

ثم دعا النجاشي، أحد بني الحارث بن کعب، أن يرد على ابن جعيل، شاعر أهل الشام، فقال النجاشي يجيبه (89/3 ) :

دعايا معاوي مالم يكونا ***فقد حقق الله ما تحذرونا

أتاكم علي بأهل العراق ***وأهل الحجاز فما تصنعونا

علی کل جرداء خيفانه*** وأشعث نهد يسر العيونا

ص: 145

عليهافوارس مخشية ***كأسد العرين جمين العرينا

يرون الطعان خلال العجاج ***وضرب الفوارس في النقع دینا

همو هزموا الجمع جمع الزبير*** وطلحة والمعشر الناكثينا

وأكوا يمينا على حلفة ***لنهدي إلى الشام حربا زبونا

تشيب النواهد قبل المشيب ***وتلقي الحوامل منها الجنينا

فان تكرهوا الملك ملك العراق*** فقد رضي القوم ما تكرهونا

فقل للمضل من وائل ***ومن جعل الغث يومأ سمينا

جعلتم عليا وإشباعه ***نظير ابن هند أما تستحونا؟

إلى أفضل الناس بعد النبي ***وصنو الرسول من العالمينا

وصهر الرسول ومن مثله ***إذا كان يوم يشيب القرونا

قبل أن نبدأ بشعر ورجز الحرب نرى مواصلة أسبابها ومحفزاتها وأستنهاض الهمم في كلا الجانبين؛ إذ قال نصر بن مزاحم:

لما قتل عثمان ضربت الركبان الى الشام بقتله، فيها معاوية يوما إذا أقبل

الحجاج بن خزيمة بن الصمة فقال رجزة ومعاوية يسمع (91/3 ):

أن بني عمك عبد المطلب ***هم قتلوا شيخكم غير كذب

وأنت أولى الناس بالوثب فثب ***وأغضب معاوي للإله واحتسب

وسر بناسير الجرير المثليب وأنهض بأهل الشام ترشد وتصب

ثم أهزز الصعدة للشأس الشغب

ص: 146

ثم قال الحجاج لمعاوية :

- إنك لتقوى على علي بدون ما يقوى به عليك؛ لأن معك قوما لا يقولون إذا قلت، ولا يسألون إذا أمرت؛ وإن مع علي قوما يقولون إذا قال ويسألون إذا أمر، فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه. فضاق معاوية صدرة بما أتاه، وندم على خذلان عثمان وقال (92/3 /93)

أتاني أمر فيه للنفس غمة ***وفيه بكاء للعيون طويل

وفيه فناء شامل وخزاية ***وفيه أجتداع للأنوف أصيل

مصاب أمير المؤمنين وهرة***تكاد له صم الجبال تزول

فلله عينا من رأى مثل هالك***أصيب بلا ذنب وذاك جليل

تداعت عليه بالمدينة عصبة ***فريقان منهم قاتل وخذول

دعاهم فصموا عنه عند دعائه*** وذاك على ما في النفوس دليل

ندمت على ما كان من تبغى الهوى*** وقصري فيه حسرة وعويل

سأبغي أبا عمرو بکل مثقف***وبيض لها في الدارعين صليل

تركتك للقوم الذين هم هم***شجاك فماذا بعد ذاك أقول؟

فلست مقيما ما حييت ببلدة***أجربها ذيلي وأنت قتيل

فلا لوم حتى شجر الخيل يالقنا *** ويشفي من القوم الغواة غليل

ونطحنهم طحن الرحابثفالها ***وذاك بما أسدوا إليك قليل

ص: 147

فاما التي فيها مودة بيتنا ***فليس اليها ما حيت سبيل

سألتها حربأعوانأملحة ***وأني بها من عامنا لكفيل

وكتب الوليد بن عقبة إلى معاوية يستبطئه في الطلب بدم عثمان ويحرضه

وينهاه عن قطع الوقت بالمكاتبة (94/3 ):

ألا أبلغ معاوية بن حرب ***فأنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر کالسدم المعنى ***تهدر في دمشق ولا تریم

فأنك والكتاب إلى علي** كدابغة وقد حلم الأديم

فقومك بالمدينة قد تردوا ***فهم صدعی كأنهم الهشيم

فلوکنت المصاب وكان حيا ***تجرد لا الف ولا سؤوم

يهنئك الأمارة كل ركب ***عن الأفاق سيرهم الرسيم

لك الويلات أقحمها عليهم ***فحير الطالبي الثرة الغشوم

فكتب معاوية إليه الجواب بیتا من شعر أوس بن حجر (95/3 ):

ومستعجب مما يرى من أناتنا*** ولو وبنته الحرب لم يترمرم

وقدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام، فقال له معاوية :

يا ابن أخي أن لك أسم أبيك فأنظر بملء عينيك وأنطق بملء فيك فأنت المأمون المصدق، فاصعد المنبر وأشتم علية، وأشهد عليه أنه قتل عثمان.

فقال :

أيها الأمير، أما شتمه فإن أباه أبو طالب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم،

ص: 148

فما عسى أن أقول في حسبه؟ وأما بأسه فهو الشجاع المطرق، وأما أيامه فما قد عرفت، ولكني ملزمه دم عثمان فلما خرج عبيد الله بن عمر من معاوية، قام خطيبة فتكلم بحاجته، ولما انتهى إلى أمر علي أمسك ولم يقل شيئا، فلما نزل بعث إليه معاوية وقال له :

يا ابن أخي؛ أنك بين رعي وخيانة .

فبعث إليه :

إني كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان. وعرفت أن الناس محتملوها مني فتركتها.

فهجره معاوية واستخف به وفسقه، فقال عبيد الله (101/3 ):

معاوي لم أخرص بخطبة خاطب ***ولم أك غيان لؤي بن غالب

ولكنني زاولت نفسا أبيه ***على قذف شيخ بالعراقين غائب

وقذفی علي بابن عفان جهرة ***يجدع بالشحنا أنوف الأقارب

فأما انثقافي أشهد اليوم وثبة ***فلست لكم فيها ابن حرب بصاحب

ولكنه قدقرب اليوم جهده ***ودبوا حواليه دبيب العقارب

فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم ***أصيب بريئا لا بأثوب تائب

حرام على أهاله نتف شعره*** فكيف وقد جازوه ضربة لازب

وقد كان فيها للزبير عجاجة ***وطلحة فيها جاهد غير لاعب

وقد أظهرا من بعد ذلك توبة ***فياليت شعري ماهما في العواقب

ص: 149

عندما نزل الإمام علي عليه السلام في الكوفة بعد حرب الجمل قال شن بن عبد القيس في ذلك (107/3 ):

قل لهذا الإمام قد خبت الحر***ب وتمت بذلك النعماء

وفرغنا من حرب من نقض ال ***عهد وبالشام حية صماء

تنفث السم مالمن نهشته ***فارمها قبل أن تعض شفاء

إنه والذي يحج له النا ***س ومن دون بيته البيداء

الضعيف النخاع إن رمي اليو ***م بخيل كأنها الأشلاء

جانحات تحت العجاج سخالا ***ممهضات تخالها الأسلاء

تتبارى بكل أصيد كالفحل ***بكفيه صعدة سمراء

ثم لا ينثني الحديد ولما*** يخضب العاملين منها الدماء

إن تذره فما معاوية الدهر*** بمعطيك ما أراك تشاء

ولنيل السماك أقرب من ذا***ك ونجم العيوق والعواء

فاضرب المد والحديد إليهم ***ليس والله غ ير ذا إلأدواء

وأيام كان جرير البجلي عند معاوية ينتظر جوابه کتب معاوية وعمرو بن العاص کتابا إلى أهل مكة والمدينة يستعدیا هم فيه على علي عليه السلام، فكتب إليهما عبيد الله بن عمر بن الخطاب (109/3 -110):

-أما بعد، فلعمري لقد أخطأتما موضع النصرة وتناولتماها من مكان بعيد ؛ وما زاد الله من شك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا وما أنتما والمشورة، وما أنتما والخلافة؟

ص: 150

أما أنت يا معاوية فطليق وأما أنت يا عمرو فظنين ألا فكفا أنفسكما، فليس لكما فينا ولي ولا نصير، والسلام، وكتب رجل من الأنصار إليهما مع كتاب عبد الله بن عمر :

معاوي إن الحق أبلج واضح*** وليس بما ربصت أنت ولا عمرو

تصب ابن عفان لنا اليوم خدعة ***كما نصبت الشيخان إذ قضي الأمر

فهذا كذاك البلا حذو فعله ***سواء كرقراق يقربه الشعر

رميتم عليا بالذي لا يضيره*** وإن عظمت فيه المكيدة والمكر و

ما ذنبه إن نال عثمان معشر*** أتوه من الأحياء تجمعهم مصر

فشار إليه المسلمون ببيعة ***علانية ما كان فيها لهم قسر

وبايعه الشيخان ثم تحملا*** إلى العمرة العظمى وباطنه الغدر

فكان الذي قد كان مما اقتصاصه ***يطول، فيا لله ما أحدث الدهر

وما أنتما والنصرمنا وأنتما ***بعيثا حروب مايبوخ لها جمر

وما أنتما لله در ابيكما ***وذكركما الشورى وقد وضح الفجر

وفي أيام نزول الإمام علي عليه السلام في الكوفة قام عدي بن حاتم الطائي إلى علي عليه السلام فقال :

يا أمير المؤمنين إن عندي رجلا لا يوازی به رجل وهو يريد أن يزور ابن عمه حابس الطائي بالشام، فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله يكسره أو يكسر أهل الشام فقال علي عليه السلام : نعم.

ص: 151

فأمره عدي بذلك، وكان اسم الرجل خفاف بن عبد الله.

فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام - وحابس سيد طي كما - فحدث خفاف حابسة أنه شهد عثمان بالمدينة وسار مع علي إلى الكوفة، وكان الخفاف لسان وهيأة، فغدا حابس بخفاف إلى معاوية فحدثه بالتفصيل عن مقتل عثمان وبرأ ساحة الإمام علي عليه السلام من قتله.

فذعر معاوية من قوله، وقال حابس:

- أيها الأمير لقد أسمعني شعر غیر به حالي في عثمان، وعظم به عليا فقال معاوية :

- أسمعنیه یا خفاف.

فأنشده (111/3 -112):

قلت والليل ساقط الأكتاف*** ولجنبي عن الفراش تجافي

أرقب النجم مائلا ومشى الغم***ض بعين طويلة التذراف

ليت شعري وإنني لسؤول ***هل لي اليوم بالمدينة شافی

من صحاب النبي إذ عظم الخط*** بوفيهم من البرية كاف

أحلال دم الإمام بذنب ***أم حرام بسنة الوقاف

قال لي القوم لا سبيل إلى ما ***تطلب اليوم قلت: حسب خفاف

عند قوم ليسوا بأوعية العلم ***ولا أهل صحة وعفاف

قلت، لما سمعت قولا: دعوني ***إن قلبي من القلوب الضعاف

ص: 152

قد مضى ما مضى ومر به الدهر ***كمامرذاهب الأسلاف

إنني والذي يحج له النا*** س علي محق البطون العجاف

فتبارى مثل القسي من النبع ***بشقة من الرصاف نحاف

ارهب اليوم إن أتاك علي ***صيحة مثل صيحة الأحقاف

إنه الليث عاديا وشجاع ***مطرق نافث بسم زعاف

فارس الخيل كل يوم نزال ***ونزال الفتى من الإنصاف

واضع السيف فوق عاتقه الأي*** من يذري به شؤون القحاف

لا يرى القتل في الخلاف عليه*** ألف ألف كانوا من الإسراف

سوم الخيل ثم قال لقوم*** تابعوه إلى الطعان خفاف

استعدوا لحرب طاغية الشا*** م، فلبوه ک البنين اللطاف

ثم قالوا أنت الجناح لك الري ***ش القدامى ونحن منه الخوافي

أنت وال وأنت والدنا البر*** ونحن الغداة كالأخياف

وقرى الضيف في الديار قليل*** قد تركنا العراق للأنحاف

وهم ماهم إذا نشب البأس*** ذوو الفضل والأمور الكوافی

وانظر اليوم قبل نادبة القوم*** بسلم أردت أم بخلاف

إن هذا رأي الشفيق على الشام*** ولولاه ما خشيت مشاف

فانكسر معاوية وقال :

- یا حابس، إني لا أظن هذا إلا عينا لعلي، أخرجه عنك لا يفسد أهل

ص: 153

الشام.

ولما رجع جرير إلى علي عليه السلام كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية، فاجتمع جرير والأشتر عند علي عليه السلام فقال الأشتر :

- أما والله يا أمير المؤمنين، أن لو كنت أرسلتني إلى معاوية، لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى خناقه وأقام عنده، حتى لم يدع بابا يرجو فتحه إلا فتحه، ولا بابا يخاف أمره إلا سده.

فقال جرير :

- لو کنت - والله - أتيتهم لقتلوك. وخوفه بعمرو، وذي الكلاع وحوشب بن ظليم، وقال :

- إنهم يزعمون أنك من قتلة عثمان.

فقال الأشتر:

- والله لو أتيتهم یا جرير لم يعيني جوابها، ولم يثقل علي محملهما، ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر، وقال (119/3 -117):

لعمرك يا جرير لقول عمرو ***وصاحبه معاوي بالشام

وذي كلع وحوشب ذي ظليم*** أخف علي من ريش النعام

إذا اجتمعوا علي فخل عنهم ***وعن باز مخالبه دوام

ولست بخائف ماخوفوني ***وكيف أخاف أحلام النيام

وهمهم الذي حاموا عليه ***من الدنيا، وهمي ما أمامي

ص: 154

فإن أسلم أعممهم بحرب ***يشيب لهولها رأس الغلام

وإن أهلك فقد قدمت أمرا***أفوز بفلجه يوم الخصام

وقد زادوا علي وواعدوني*** ومن ذا مات من خوف الكلام

وكتب مصقلة إلى نعيم بن هبيرة الشيباني، وهو من شيعة علي عليه السلام من الشام مع رجل من نصاری تغلب، يقال له حلوان :

- أما بعد، فإني كلمت معاوية فيك، فوعدك الكرامة، ومناك الإمارة فاقبل ساعة تلقی رسولي والسلام.

فأخذه مالك بن کعب الأرحبي فسرح به إلى علي عليه السلام فأخذ كتابه فقرأه ثم قدمه فقطع يده، فمات. وكتب نعيم إلى أخيه شعرة لم يرده عليه (146/3):

لا ترمين - هداك الله - معترضا ***بالظن منك فمابالي وحلوانا

ذاك الحريص على ما نال من طمع ***وهو البعيد فلا يورثك أحزانا

ماذا أردت إلى إرساله سفها***ترجوسقاط امرئ لم يلف وسنانا

عرضته لعلي إنه أسد*** يمشي العرضنة في آساد خفانا

قد كنت في خير مصطاف ومرتبع ***نحمي العراق وتدعى خير شيبانا

حتى تقحمت أمرأ كنت تكرهه *** للراكبين له سر وإعلانا

لوكنت أديت مال الله مصطبرا***للحق زكيت أحيانا وموتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا***فضل ابن هند فذاك الرأي أشجانا

ص: 155

فاليوم تقرع سن العجز من ندم*** ماذا تقول وقد كان الذي كانا

أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة*** لم يرفع الله بالعصيان إنسانا

ولما هرب مصقلة (بأموال المسلمين) قال أصحاب علي عليه السلام له : يا أمير المؤمنين، فيؤنا؟ قال : إنه قد صار على غريم من الغرماء فاطلبوه. وقال ظبيان بن عمارة، أحد بني سعد بن یزید مناة في بني ناجية ( 147/3 ) :

هلا صبرت للقراع ناجيا ***والمرهفات تختلي الهواديا

والطعن في غورکم نواليا ***وصائبات الأسهم القواضيا

وقال ظبيان أيضا :

ألا فاصبرن للطعن والضرب ناجيا*** وللمرهفات يختلين الهواديا

فقد صب رب الناس حزيا عليكم*** وصبركم من بعد عشر مواليا

سجالكم بالخيل جردة عوادیا ***و أخوثقة لا يبرح الدهر غازيا

فصبحكم في رحلكم وخيولكم ***بضرب يرى فيه المدجج هاويا

فأصبحتم من بعد عز وكثرة ***عبيد العصا لا تمنعون الذراريا

وعندما أراد الإمام علي عليه السلام المسير إلى صفين عارض رجل فزاري الإمام في مسيره فاشتد عليه القوم فهرب في سوق البراذين وحاول الاختفاء بينها إلا أن أصحاب الإمام عليه السلام قتلوه فقال شاعر بني تيم اللات بن ثعلبة (174/3):

ص: 156

أعوذ بربي أن تكون منيتي*** كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم*** إذا رفعت عنه يد خفضت يد

وإن عبد الله بن معتم العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي لما أمر علي عليه السلام الناس بالمسير إلى الشام دخلا عليه في رجال كثير من غطفان وبني تميم، وطلبا منه التريث وعدم العجلة، فخطب الإمام عليه السلام فيهم، ومما قاله عليه السلام :

- وأيم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يعرفون معروفة، ولا ينكرون منکرا.

فأشار قوم من رهط الإمام عليه السلام بعدم الأخذ بقول حنظلة وحبسه وصاحبه ثم بعث الإمام عليه السلام إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب - وهو من الصحابة - فقال له :

یا حنظلة أنت علي أم لي؟

فقال :

- لا لك ولا عليك.

قال : فما تريد؟ قال :

- أشخص الى الرها فإنه فرج من الفروج اصمد له حتى ينقضي هذا الأمر. ولما غضب قوم من قوله ذلك وأرادوا قتله طلب منهم إمهاله ليدخل داره

ص: 157

ويفكر، ولكن عندما حل المساء هرب إلى معاوية مع ثلاثة وعشرين رجلا من قومه وكذلك هرب معتم، ولكنهما لم يقاتلا مع معاوية واعتزلا الفريقين جميعا.

وأمر علي عليه السلام بدم دار حنظلة فهدمت، هدمها عريفهم شبث بن ربعي وبكر بن تميم، فقال حنظلة يهجوهما (176/3 -177):

أيا راكبا أما عرضت فبلغن*** مغلفة عني سراة بني عمرو

فأوصيكم بالله والبر والتقى*** ولا تنظروا في النائبات إلى بكر

ولا شبث ذي المنخرين كأنه*** أزب جمال قد رغا ليلة النضر

وقال أيضا يحرض معاوية بن أبي سفيان :

أبلغ معاوية بن حرب خطة*** ولكل سائلة نسيل قرار

لا تقبلن دنية ترضونها*** في الأمر حتى تقتل الأنصار

وكما تبوء دماؤهم بدمائكم ***وكما تهدم بالديار ديار

وترى نساؤكم يجلن حواسرة ***ولهن من ثقل الرحال شنار

لما وضع علي عليه السلام رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين، قال :

- بسم الله.

فلما جلس على ظهرها قال :

- ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنین)) و ((إنا إلى ربنا المنقلبون)).

ص: 158

ثم خرج أمامه الحر بن سهم بن طريف، وهو يرتجز ويقول (3-166-167):

يافرسي سيري وأمي الشاما*** وقطعي الحزون والأعلاما

ونابذي من خالف الإماما ***إني لأرجو أن لقين العاما

جمع بني أمية الطعاما*** أن نقتل العاصي والهماما

وأن نزيل من رجال هاما

وبلغ عمرو بن العاص مسيره فقال (169/3 ):

لا تحسبني يا علي غافلا*** لأوردن الكوفة القنابلا

بجمعي العام وجمعي قابلا

فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال (169/3 ):

لأوردنها العاصي بن العاصي ***سبعين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص ***قد جنبوا الخيل مع القلاص

أسود غيل حين لا مناص

بعد حوار بين الإمام علي عليه السلام وابن زينب ابن عون في أحقية دعوة الإمام وبطلان دعوى معاوية وقناعته بما يدعوه إليه الإمام عليه السلام وكان عمار بن یاسر حاضرة فخرج وهو يقول (179/3 ):

سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي*** سيروا فخير الناس أتباع علي

هذا أوان حاب سل المشرفی***وقودنا الخيل وهز السمهري

ص: 159

ولما عرف معاوية بعزم الإمام علي على الحرب كتب إليه يقول :

- وعافانا الله وإياك ( 313/3 ):

ما أحسن العدل والإنصاف من عمل ***وأقبح الطيش ثم النفش في الرجل

وكتب بعده :

اربط حمارك لا تنزع سويته ***إذا يرد وقيد العير مكروب

لیست ترى السيد زيدا في نفوسهم ***كمايراه بنوكوز ومرهوب

إن تسألوا الحق نعیم الحق سائله ***والدرع محقبة والسيف مقروب

أو تأنفون فإنا معشر أنف ***لا نطعم الضيم إن السم مشروب

وقد أروح أمام الحي يقدمني ***صافي الأديم كمثل اللون منسوب

مجنب مثل شاة الريل محتفر***بالقصر بين على أولاه مصبوب

يبدو ملجمه هاويه تلع*** كأنه من جذوع العين مشذوب

فذاك ذخري إذا ما خيلهم ركضت ***إلى المثوب أو معاء سرحوب

فأمر علي عليه السلام أن يوزع الناس على القتال، حتى أخذ أهل الشام مصافهم ثم قال : أيها الناس، إن هذا موقف، من نطف فيه نطف يوم القيامة، ومن فلج فيه فلج يوم القيامة.

ثم قال لما رأى نزول معاوية بصفين :

لقد أتانا كاشرة عن نابه*** يهمط الناس على اعتزابه

فليأتنا الدهر بما أتى به

ص: 160

وكتب علي عليه السلام إلى معاوية جواب کتابه : - أما بعد (314/3 ):

فإن للحرب عراقأشررا ***إن عليها قائدا عشنذرا

ينصف من أحجر أو تنمرا ***على نواحيها مزجأ زمجرا

إذا ونين ساعة تغشمرا

وكتب بعده :

ألم ترقومي إن دعاهم أخوهم*** أجابوا، وإن يغضب على القوم يغضبوا

هم حفظوا غيبي كما كنت حافظا***لقومي أخرى مثلها إن يغيبوا

بنو الحرب لم تفقد بهم أمهاتهم ***وآباؤهم آباء ص دق فأنجبوا

حتى إذا كان رجب، وخشي معاوية أن يتابع القراء عليا عليه السلام أخذ في المكر، وأخذ يحتال للقراء، لكيما يحجموا ويكفوا حتى ينظروا، فكتب في سهم : من عبد الله الناصح؛ إني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم، ثم رمى بالسهم في عسكر علي عليه السلام، فوقع السهم في يد رجل فقرأه ثم قرأه صاحبه وقرأته الناس وقرأه من أقبل وأدبر، قالوا : هذا أخ لنا ناصح؛ كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية؛ فلم يزل السهم يقرأ ويرتفع حتى رفع إلى علي عليه السلام. وقد بعث معاوية مئتي رجل من القملة إلى عاقول من النهر، بأيديهم المرور والذبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي عليه السلام. فقال علي عليه السلام :

ص: 161

- ويحكم! إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له ولا يقوى عليه، إنما يريد أن يزيلكم من مكانکم.

ونصحهم أن لا ينخدعوا بمكر معاوية، ولكنهم ارتحلوا وصعدوا بعسكرهم ملية، وارتحل علي عليه السلام في أخريات الناس، وهو يقول (18/4 -19):

فلو أني أطعت عصمت قومي ***الى ركن اليمامة أو شام

ولكني متى أبرمت أمرا ***منيت بخلف آراء الطغام

ولما خلا المكان نزل معاوية وعسكر فيه.

بعد أن استولی معاوية على الفرات ذهب شباب من الناس إلى أن يستقوا

فمنعهم أهل الشام فقام رجل ذلك اليوم من أهل الشام من السكون يعرف بالشليل بن عمر إلى معاوية، فقال (319/3 ):

اسمع اليوم ما يقول الشليل*** إن قولي قول له تأويل

امنع الماء من صحاب علي ***أن يذوقوه فالذليل ذليل

واقتل القوم مثلماقتل الشيخ*** صدى فالقصاص أمر جميل

إننا والذي تسامى له البدن*** هدايا كأنهن الغيول

لو علي وصحبه وردوا الماء ***لما ذقتموه حتى تقولوا

قد رضينا بأمركم وعلينا ***بعد ذاك الرضا جلاد ثقيل

فامنع القوم ماؤكم ليس للقوم ***بقاء وإن يكن فقليل

ثم قام رجل من أهل الشام همداني ناسك يتأله ويكثر العبادة، يعرف بمعدى

ص: 162

بن أقبل، وكان صديقا لعمرو بن العاص وأخا له، فطلب من معاوية السماح لأهل العراق من الاستقاء من الفرات وقال له :

- إنهم لو سبقوكم إليه لسقوكم منه.

فأغلظ له معاوية، وقال لعمرو بن العاص :

- اكفني صديقك.

فأتاه عمرو فأغلظ له، فقال الهمداني في ذلك شعرا (320/3 -321):

لعمر أبي معاوية بن حرب ***وعمرو مالدائهما دواء

سوى طعن يحار العقل فيه ***وضرب حين تختلط الدماء

ولست بتابع دين بن هند ***طوال الدهر ما أرسى جراء

لقد ذهب العتاب فلا عتاب*** وقد ذهب الولاء فلا ولاء

وقول في حوادث کل خطب*** على عمرو وصاحبه العفاء

ألا لله درك يابن هند***لقد برح الخفاء فلا خفاء

أتحمون الفرات على رجال*** وفي أيديهم الأسل الظماء

وفي الأعناق أسياف حداد ***كأن القوم عندهم نساء

أترجو أن يجاوركم علي ***بلا ماء وللأحزاب ماء

دعاهم دعوة فأجاب قوم*** كحرب الإبل خالطها الهناء

ثم سار الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي عليه السلام.

لما اغتم علي عليه السلام بما فيه أهل العراق من العطش، خرج ليلا قبل

ص: 163

رايات مدحج، فإذا رجل ينشد شعر (321/3 - 322):

أيمنعنا القوم ماء الفرات*** وفينا الرماح وفينا الجحف

وفينا الشوازي مثل الوشيج ***وفينا السيوف وفينا الزعف

وفينا علي له سورة ***إذا خوفوه الردي لم يخف

ونحن الذين غداة الزبير ***وطلحة خضنا غمار التلف

فما بالنا أمس أسد العرين ***وما بالنا اليوم شاء النجف

فما للعراق وما للحجاز ***سوى الشام خصم فصكوا الهدف

فثوروا عليهم کبزل الجمال ***دوين الدميل وفوق القطف

فإما تفوزوا بماء الفرات*** ومثواه منهم عليه جيف

وإما تموتوا على طاعة ***تحل الجنان وتحبو الشرف

وإلا فأنتم عبيد العصا ***وعبد العصامستذل نطف

فحرك ذلك علي عليه السلام، ثم مضى إلى رايات كندة فإذا إنسان ينشد إلى جانب منزل الأشعث وهو يقول (322/3 -323):

لئن لم يحل الأشعث اليوم کربة*** و من الموت فيها للنفوس تعنت

فنشرب من ماء الفرات بسيفه ***فهبنا أناس قبل ذاك فموت

فإن أنت لم تجمع لنا اليوم أمرنا ***وتنض التي فيها عليك المذله

فمن ذا الذي تشى الحناجر باسمه ***سواك، ومن هذا إليه التلفت؟ و

هل من بقا بعد يوم وليلة ***نظل خفوتا والعدو يصوت

ص: 164

هلموا إلى ماء الفرات ودونه ***صدور العوالي والصفيح المشتت

وأنت امرؤ من عصبة يمنية ***وكل امريء من سنخه حين ينبت

فلما سمع الأشعث قول الرجل، قام فأتى عليا عليه السلام، فقال :

- يا أمير المؤمنين، أيمنعنا القوم ماء الفرات، وأنت فينا، والسيوف في أيدينا، خل عنا وعن القوم، فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت. ومر الأشتر فلیعل بخيله، ويقف حيث تأمره، فدعا علي عليه السلام الأشتر فقال :

ألم تغلبن على رأيي أنت والأشعث ؟ فدونكما.

فقالا : إنا نكفيك يا أمير المؤمنين .

فقال عليه السلام :

- ذلك لكما.

فنادى الأشعث في الناس فأتاه اثنا عشر فارسا من كندة وأفناء قحطان فشد عليه سلاحه وهو يقول (323/3 ):

ميعادنا اليوم بياض الصبح ***هل يصلح الزاد بغير الملح

لالا ولا أمر بغير نصح ***دبوا إلى القوم بطعن سمح

مثل العزالي بطعان سمح***لا صالح للقوم وابن صلح

حسبي من الإقحام قاب رمح

وكان الأشتر قد تعالی بخيله حيث أمر علي عليه السلام فبعث إليه الأشعث:

ص: 165

- أقحم الخيل.

فأقحمها حتى وضعت سنابكها في الفرات. وأخذت أهل الشام السيوف فولوا مدبرین.

ودعا الأشتر بالحارث بن همام النخعي، ثم الصهباني، فأعطاه لواءه وأوصاه، فقال :

- يا مالك الأسرنك أو لأموتن، فاتبعني.

ثم تقدم اللواء وارتجز، فقال :

يا أخا الخيرات ياخير النخع ***وصاحب النصر إذا عم الفزع

وكاشف الخطب إذا الأمر وقع***ما أنت بالحرب العوان بالجدع

قد جزع القوم وعموا بالجزع ***وجرعوا الغيظ وغصوا بالجرع

إن تسقنا الماء فليست بالبدع ***أو نعطش اليوم فجند مقتطع

ما شئت خذ منها وما شئت فدع

وارتجز صالح بن فيروز من فرسان الشام فقال (328/3 ):

يا صاحب الطرف الحصان الأدهم ***أقدم إذا شئت علينا أقدم

أنابن ذي العز وذي التكرم ***سید عک كل عک فاعلم

وكان صالح مشهورة بالشدة والبأس، فارتجز عليه الأشتر فقال :

أنا ابن خير مذحج ومركبا ***وخيرها نفسا وأما وأبا

آليت لا أرجع حتى أضربا ***بسيفي المصقول ضربة معجبا

ص: 166

ثم شد عليه فقتله، وهو أول قتيل قتله الأشتر بیده .

وبعد أن قتل أربعة من فرسانهم برز إليه زامل بن عقيل - وكان فارسا - فطعن الأشتر في موضع الصدر فصرعه على فرسه، ولم يصب مقت"، وشد عليه الأشتر بالسيف راجلا فکشف قوائم فرسه، وارتجز عليه فقال (329/3 ):

لابد من قتلي أو من قتلكا*** قتلت منكم أربعأمن قبلكا

كلهم كانوا حماة مثلكا

ثم ضربه بالسيف وهما راجلان فقتله، ثم خرج إليه محمد بن روضة فقال،

وهو يضرب في أهل العراق ضربة منكرا:

ياساكني الكوفة يا أهل الفتن ***ياقاتلي عثمان ذاك المؤتمن

أورث قلبي قتله طول الحزن ***أضربكم ولا أرى أبا حسن

فشد عليه الأشتر فقتله ، وقال :

لا يبعد الله سوى عثمانا ***وأنزل الله بكم هوانا

ثم برز إليه الأجلح بن منصور الكندي - وكان من شجعان العرب وفرسانهما - وهو على فرس له اسمه لاحق؛ فلما استقبله الأشتر کره لقاءه واستحيا أن يرجع عنه، فتضاربا بسيفيهما فسبقه الأشتر بالضربة فقتله، فقالت أخته ترثيه :

ألا فابكي أخا ثقة*** فقد - والله - ابكينا

القتل الماجد القمقا*** م لا مثل له فينا

أتانا اليوم مقتله ***فقد جرت نواصينا

ص: 167

کریم ماجد الجدي ***ن يشفي من أعادينا

شفانا الله من أهل ال***عراق فقد أبادونا

أما يخشون ربهم***ولم يرعوا له دینا

وأقبل الأشتر يوم الماء، فضرب بسيفه جمهور أهل الشام حتى كشفهم من الماء، وهو يقول (330/3 ):

لاتذكروا ما قد مضى وفاتا ***والله ربي الباعث الأمواتا

من بعد ما صاروا كذا رفاتا*** لأوردن خيلي الفراتا

شعث النواصي أو يقال ماتا

وكان ضبيان بن عمارة التميمي قد حمل على أهل الشام وهو يقول (327/3):

هل لك يا ظبيان من بقاء ***ساكني الأرض بغير ماء

لا وإله الأرض والسماء ***فاضرب وجوه الغدر والأعداء

بالسيف عند حمس الهيجاء ***حتى يجيبوك إلى السواء

قال عمرو بن العاص لمعاوية لما ملك أهل العراق الماء، ما ظنك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم أمس؟ أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه؟ ما أغنى عنك أن تكشف لهم السوءة.

فقال معاوية :

دع عنك ما مضى، فما ظنك بعلی؟

ص: 168

قال :

ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه، وإن الذي جاء له غير الماء .

فقال له معاوية قولا أغضبه.

فقال عمرو (331/3 ):

أمرتك أمري فسخفته***وخالفني بن أبي سرحة

وأغمضت في الرأي إغماضة ***ولم تري الحرب كالفسحة

فكيف رأيت كباش العراق*** ألم ينطحوا جمعنا نطحة؟

فإن ينطحوناغدا مثلها ***فكن كالزبيري أو طلحة

أظن لها اليوم ما بعدها ***وميعاد ما بيننا صبحه

وإن أخروهالما بعدها*** فقد قدموا الخيط والنفحة

وقد شرب القوم ماء الفرات ***وقلدك الأشتر الفضحة

فقال أصحاب علي عليه السلام له :

امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك.

فقال :

- لا خلوا ما بينهم وبينه، لا أفعل ما فعل الجاهلون، سنعرض عليهم کتاب الله وندعوهم إلى الهدى، فإن أجابوا؟ وإلا حد السيف ما يغني إن شاء الله .

فاستقى كلا الفريقين من الماء (ما يؤذي إنسان إنسانا).

دعا معاوية عمرو بن العاص فأمره بالخروج إلى الأشتر أمام القوم، وقد

ص: 169

علم أنه سيلقاه، وهو يرتجز ويقول (80/8 ):

ياليت شعري كيف لي بعمرو***ذاك الذي أوجبت فيه نذري

ذاك الذي أطلبه بوتري ***ذاك الذي فيه شفاء صدري

من بائعي يوما بكل عمري**** يعلي به عند اللقاء قدري

أجعله فيه طعام النسر*** أولا فربي عاذري بعذري

فلما سمع عمرو بهذا الرجز فشل وجبن، واستحيا أن يرجع، وأقبل نحو الصوت وقال (80/8) :

ياليت شعري كيف لي بمالك*** كم كاهل صببته وحارك

وفارس قتلته وفاتك ***ومقدم آپ بوجه حالك

ما زلت دهري عرضة المهالك

فغشيه الأشتر بالرمح، فراغ عمرو عنه، فلم يصنع الرمح شيئا، ولوی عنان فرسه، وجعل يده على وجهه، وجعل يرجع راكضا نحو عسكره. فنادى غلام من يحصب :

يا عمرو عليك العفا ما هبت الصبا، فأخذ اللواء، وكان غلاما حدثا ، فقال (81-80/8):

إن يك عمروقدعلاه الأشتر ***بأسمر فيه سنان أزهر

فذاك والله لعمري مفخر*** يا عمرو تكليف الطعان حمير

واليحصبي بالطعان أمهر*** دون اللواء اليوم موت أحمر

ص: 170

فنادى الأشتر ابنه إبراهيم :

- خذ اللواء فغلام بغلام.

فتقدم فأخذ إبراهيم اللواء وقال :

يا أيها السائل عني لاترع*** أقدم فإني من عرانيت النخع

كيف ترى طعن العراقي الجذع ***أطير في يوم الوغى ولا أقع

ماساءكم سر، وماضرنفع*** أعدوت ذا اليوم لهول المطلع

فتطاعنا حتى سقط الحميري قتيلا، وشمت مروان بعمرو، وغضب

القحطانيون على معاوية، وقالوا :

- تولي علينا من لا يقاتل معنا، ول رجلا منا وإلا فلا حاجة لنا فيك. وقال شاعرهم (81/8 ):

معاوي أماتدعنا لعظيمة*** يلبس من نكرائها الفرض بالحقب

فول علينا من يحوط ذمارنا ***من الحميريين الملوك على العرب

ولا تأمرنا بالتي لا نريدها ***ولا تجعلنابالهوى موضع الذنب

ولا تغضبنا والحوادث جمة ***عليك، فيغشوا اليوم في يحصب الغضب

فإن لنا حقا عظيما وطاعة*** وحيا دنيا المشاس وفي العصب

وبات كعب جميل التغلي، شاعر أهل الشام تلك الليلة، يرتجز وينشد (683/5-184):

أصبحت الأمة في أمر عجب ***والملك مجموع غدا لمن غلب

ص: 171

أقول قولا صادقا غير كذب ***إن غدا يهلك أعلام العرب

غدا نلاقي ربنا فنحتسب ***غدا يصيرون رمادا قد ذهب

بعد الجمال والحياء والحسب ***لا رب لا تشمت بنا ولا تصب

من خلع الأنداد طرأ والصلب

وقال راجز من أهل الشام (184/5 ):

ويل لأم مذحج من عك ***وأمهم قائمة تبكي

نصکها بالسيف أي صك ***فلا رجال کرجال عک

نادی عمرو بن العاص بأعلى صوته :

يا أيها الجند الصليب الإيمان*** قوموا قياما واستعينوا الرحمن

إني أتاني خبر ذو ألوان*** إن عليا قتل ابن عفان

ردوا علينا شيخنا لما كان

فرد عليه أهل العراق وقالوا (185/5 ):

أبت سيوف مذحج وهمدان*** بأن ترد نعثلا كماكان

خلقا جديدا مثل خلق الرحمن*** ذلك شأن قد مضى وذا شان

ثم نادى عمرو بن العاص ثانية يرفع صوته :

ردوا عليناشيخنا ثم بجل*** أو لا تكونوا جزرة من الرسل

فرد عليه أهل العراق :

كيف نرد نعثلا وقد قحل ***نحن ضربنا رأسه حتى انجفل

ص: 172

وأبدل الله به خير بدل ***أعلم بالدين وأزك بالعمل

وقال إبراهيم بن أوس بن عبيدة من أهل الشام :

الله در كتائب جاءتكم*** تبكي فوارسها علي عثمان

تسعون ألفأليس فيهم قاسط*** و يتلون كل مفضل ومثان

يسلون حق الله لا يعدونه***ومجيبكم للملك والسلطان

فأتوا ببينو على ما جئتم*** أولا فحسبكم من العدوان

وأتوا بما يمحو قصاص خليفة ***الله، ل يس بكاذب خوان

وارتجز عمرو بن العاص وأرسل بما إلى علي عليه السلام (195/5 ):

لا تأمننا بعدها أبا حسن*** إنا نمر الأمر إمرار الرسن

خذها إليك واعلمن أبا حسن

ويروى :

لتصبحن مثلها أم لبن ***طاحنة تدقكم دق الحفن

فأجابه شاعر من أهل العراق (195/5 ):

ألا احذروا في حربكم أبا حسن*** ليثأ أباشبلين محذور فطن

يدقكم دق المهاريس الطحن ***التغبنن ياجاهلا أي غبن

حتى تعض الكف أو تقرع سن*** ندامة إن فاتكم عد السنن

وكان أول فارسين التقيا في هذا اليوم - وهو اليوم السابع من صفر - هما حجر الخيرا حجر بن عجدي / وحجر الشر / ابن عمه / وكلاهما من كندة، وبعد

ص: 173

تطاحن العسکرین دعا الإمام علي عليه السلام أصحابه أن يذهب واحد منهم بمصحف كان في يده إلى أهل الشام، فقال :

من يذهب إليهم فيدعوهم إلى ما في هذا المصحف؟

فسكت الناس وأقبل فتى اسمه سعيد فقال :

- أنا صاحبه.

وبعد أن كرر الإمام عليه السلام طلبه مرتين لم يقم إلا الفتى نفسه، فأعطاه إياه، ولما توجه إليهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه، فقال الإمام عليه السلام لعبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعي :

- احمل عليهم الآن.

فحمل عليهم بمن معه فجعل يضرب بسيفه ويقول (196/5 ):

لم يبق غير الصبر والتوكل ***والترس والرمح وسيف مصقل

ثم التمشي في الرعيل الأول*** مشي الجمال في حياض المنهل

والله يقضي ما يشا ويفعل

وحاول ابن بديل أن يصل إلى معاوية فيقتله إلا أن معاوية استنجد بقومه أن يرموه بالحجارة فأثخنوه جراحا حتى سقط فقتلوه، فقال معاوية :

- والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر :

أخو الحرب إن عضت به الحرب ***وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه ***قدا الشبر يحمي الأنف أن يتأخرا

ص: 174

کلیت هزبر كان يحمي ذماره ***رمته المنايا قصدها فتقطرا

وتقدم أبو شداد قيس بن المكشوح بن هلال إلى عسکر معاوية بخيله وهو

پرید معاوية وصاحبه : صاحب الترس المذهب الذي كان يستره من الشمس وأثناء زحفه كان يقول (206/5 ):

إن عليا ذو أناة صارم*** جلد إذا ما حضر العزائم

لما رأى ما تفعل الأشائم*** قام له الذروة والأكارم

وبعد أن قتل أخذ الراية بعده عبد الله بن الأحمسي وارتجز :

لا يبعد الله أباشداد ***حيث أجاب دعوة المنادي

وشد بالسيف على الأعادي*** نعم الفتی کان لدى الطراد

وفي طعان الخيل والجلاد

ولما حاولت تميم أن تنهزم من المعركة ناداهم مالك بن حري النهشلي :

- ضاع الضراب اليوم، والذي له أنا عبد یا بني تميم.

فقالوا : ألا ترى الناس قد انهزموا؟

فقال :

ويحكم أفرار واعتذار؟

وبعد يأس منهم جعل يقاتل ويرتجز ويقول (211/5 ):

إن تميمأخلف عنك ابن مر ***وقد أراهم وهم الحي الصبر

فإن يفروا أو يخيموا لا أفر

ص: 175

فقتل مالك ذلك اليوم، وقال أخوه فشل بن حري التميمي يرثيه :

تطاول هذا الليل ما كان ينجلي*** كليل التمام ما يريد انصراما

وبت بذكرى مالك بكآبة*** أورق من بعد العشاء نیاما

أبي جزعي في مالك غير ذكره ***فلا تعذليني إن جزعت إماما

فأبكي أخي ما دام صوت حمامة*** يؤرق من وادي البطاح حماما

وأبعث أنواحأ عليه بسحرة*** وتذرف عيناي الدموع سجاما

وأدعو سراة الحي تبكي لمالك ***وأبعث نوحایلتد من قياما

يقلن ثوى رب السماحة والحجا ***وذو عزير يأبى بها أن يضاما

وفارس خيل لا تنازل خيله ***إذا اضطرمت نار العدو ضراما

وأحيا عن الفحشاء من ذات کلة ***يرى مايهاب الصالحون صراما

وأجرأ من ليث بخفان مخدر ***وأمضى إذا رام الرجال صداما

فلا ترجون ذا أمة بعد مالک*** ولا جازر للمنشآت غلاما

وقل لهم لا يرحلوا الأدم بعده ولا يرفعوا نحو الجياد لجاما

وقال أيضا يرثيه (212/5 ):

بكى الفتى الأبيض البهلول سنته*** عند النداء، فلا نكسة ولا درعا

بكي على مالك الأضياف إذ نزلوا ***حين الشقاء وعثر الرسل فانقطعا

ولم يجد لقراهم غير مربعة ***من المشار نرجي تحتها ربعا

أهوى لها السيف صلت وهي رائعة*** فأوهن السيف عظم الساق فانجذعا

ص: 176

فجاءهم بعد رفد الناس أطيبها*** وأسبعت منهم من نام واضطجعا

يافارس الروع يوم الروع قد علموا ***وصاحب العزم لا نكسأ ولا طبعا

ومدرك التبل في الأعداء يطلبه ***وإن طلبت بتبل عنده منعا

قالوا أخوك أتى الناعي بمصرعه ***فانشق قلبي غداة القول فانصدعا

ثم ارعوى القلب شيئا بعد ضربته ***والنفس تعلم أن قد أثبتت وجعا

وبرز حريث - مولی معاوية - هذا اليوم، وكان شديدا أبدا ذا بأس لا يرام، فصاح:

يا علي هل لك في المبارزة؟ فأقدم أبا حسن إن شئت.

فأقبل علي عليه السلام يقول (215/5 ):

أنا علي وابن عبد المطلب*** نحن - لعمر الله - أولى بالكتب

فذا النبي المصطفى غير كذب ***أهل اللواء والمقام والحجب

نحن نصرناه على كل العرب ***يا أيها العبد الغرير المنتدب

اثبت لنا يا أيها الكلب الكلب

ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة فقطعه نصفين.

حتى جزع معاوية على حريث جزعة شديدة، وعاتب عمروا في إغرائه إياه

بعلي عليه السلام، وقال في ذلك شعرا (216/5):

حريث ألم تعلم وجهلك ضائر ***بأن عليا للفوارس قاهر

وأن عليا لم يبارزه فارس ***من الناس إلا أقصدته الأضافر

ص: 177

أمرتك أمرا حازما فعصيتني*** فجدك إن لم تقبل النصح عاثر

وولاك عمرو والحوادث جمة ***غرورة وما جرت عليك المقادر

وظن حريث أن عمروا نصيحه ***وقد يهلك العمر من لا يحاذر

أيرکب عمرو رأسه خوف سيفه*** ويصلي حريثأ، إنه لفرافر

وكان همدان بلاء عظيم في نصرة علي عليه السلام في صفين، ومن الشعر الذي لاشك أن قائله علي عليه السلام لكثر الرواة له ( 217/5 ):

دعوت فلباني من القوم عصبة ***فوارس من همدان غيرلئام

فوارس من همدان ليسوا بعزل ***غداة الوغى من شاكر وشبام

بكل رديني وعذب تخاله ***إذا اختلف الأقوام شعل ضرام

لهمدان أخلاق کرام تزينهم*** وبأس إذا لاقوا وح خصام

وجد وصدق في الحروب ونجدة ***وقول إذا قالوا بغير أثام

متى تأتهم في دارهم تستضيفهم*** تبت ناعما في خدمة وطعام

جزى الله همدان الجنان فإنها ***سحام العدى في كل يوم زحام

فلوکنت بوابأ على باب جنه***لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وقام علي عليه السلام بين الصفين فنادى :

- يا معاوية - يكررها -

فقال معاوية :

سلوه ما شانه؟

ص: 178

قال :

- أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة .

فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص، فلما قارباه، لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية :

- ويحك إعلام يقتتل الناس بيني وبينك ويضرب بعضا، أبرزلي فأينا قتل صاحبه فالأمر له.

فالتفت معاوية إلى عمرو، فقال :

ما ترى يا أبا عبد الله ؟ قال :

- قد أنصفك الرجل، واعلم إنك إن نکلت عنه لم يزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي على ظهر الأرض عربي.

فقال معاوية :

- يا بن العاص، ليس مثلي يخدع عن نفسه، والله ما بارز ابن أبي طالب شجاع قط إلا وسقى الأرض من دمه.

ثم انصرف معاوية راجعة حتى انتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه، فلما رأيى علي عليه السلام ذلك ضحك وعاد إلى موقفه.

وحقد معاوية على عمرو باطنا، وقال له ظاهرة :

- ما أظنك قلت ما قلت يا أبا عبد الله إلا مازحة.

ص: 179

فلما جلس معاوية مجلسه، أقبل عمرو يمشي حتى جلس إلى جانبه فقال معاوية (217/5 - 218):

يا عمرو إنك قد قشرت لي العصا ***برضاك لي وسط العجاج برازي

يا عمرو إنك قد أشرت بظنة ***حسب المبارز خطفه من بازي

ولقد ظننتك قلت مزحة مازح*** والهزل يحمله مقال الهازي

وإذا الذي وفتك نفسك حاكيا ***قتلي، جزاك بما نويت الجازي

ولقد كشفت قناعها مذمومة ***ولقد لبست بها ثياب الحازي

فقال عمرو :

أيها الرجل أنجبن عن خصمك وتتهم نصيحك ؟

وقال مجيبا :

معاوي إن نکلت عن البراز***لك الويلات فانظر في المخازي

معاوي ما اجترمت إليك ذنبا*** وما أنا في التي حدثت بخازي

وماذنبي بأن نادي علي ***وكبش القوم يدعى للبراز

فلو بارزته بارزت ليثأ ***حديث الناب يخطف كل بازي

ويزعم أنني أضمرت غشا ***جزاني بالذي أضمرت جازي

أضبع في العجاجة يا بن هند*** وعند الباه كالتيس الحجازي

وبينا مر العباس بن الحارث بن عبد المطلب، مكفهرة بالسلاح، هتف به هاتف من أهل الشام يعرف بمرار بن أدهم:

ص: 180

- يا عباس هلم للبراز!

قال العباس :

فالنزول إذا فإنه أيأس من القفول.

فنزل الشامي وهو يقول (219/5 ):

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا*** أو تنزلون فإنا معشر نزلوا

وثنى العباس رجله وهو يقول :

ويصد عنك مخبلة الرجل العريض موضحة عن العظم ***بحسام سيفك، أو لسانك والكلم الأصيل كأرغب الكلم

وتطاعنا شديدة حتى قتل الشامي.

وخرج رجل من عك فسأل البراز، فخرج إليه قيس بن فهران الكندي فما

ألبثه أن طعنه فقتله، وقال (222/5 ):

لقد علمت ع بصفين أننا ***إذا ما تلاقى الخيل نطعنها شزرا

ونحمل رايات القتال بحقها*** فتوردها بيضا ونصدرها حمرا

وممن قاتلوا مع الإمام علي عليه السلام أيام صفين، بشر بن العوس الطائي - وكان من رجال طي وفرسانها - وفقئت عينه، فكان يذكر بعد ذلك بأيام صفين فيقول :

وددت أنني قتلت يومئذ، وددت أن عيني هذه الصحيحة فقئت أيضا.

وقال (224/5 ):

ص: 181

ألا ليت عيني هذه مثل هذه*** ولم أمش بين الناس إلا بقائد

وياليت رجلي ثم طنت بنصفها ***وياليت كفي ثم طاحت بساعدي

وياليتني لم أبق بعد مطرف*** وسعد وبعد المستنير بن خالد

فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم*** إذا هي أبدت عن خذام الخرائد

ومن الذين حاربوا مع أمير المؤمنين عليه السلام عنترة بن عبيد بن خالد المحاربي، وهو أشجع الناس يومئذ، كان يشد من عضد أصحابه ويرتجز ويقول (225-224/5):

لا وألت نفس امريء ولى الدبر*** أنا الذي لا أنثني ولا أفر

ولا يرى مع المعازيل الغدر

وقاتل حتى ارتث.

وأقبل الحضين بن المنذر يومئذ وهو غلام يزحف براية ربيعة، وكانت راية حمراء، فأعجب عليا عليه السلام زحفه وثباته فقال (226/5 -227):

لمن راية حمراء يخفق ظلها ***إذا قيل قدمها حضين تقدما

ويدنو بها في الصف حتى يزيدها ***و حمام المنايا تقطر الموت والدما

تراه إذا ما كان يوم عظيمة ***أبى فيه إلا عزة وتكرما

جزى الله قومأ صابروا في لقائهم*** لدى الناس أجأ ما أعف وأكرما

وأحزم صبرا يوم يدعى إلى الوغى ***إذا كان أصوات الكماة تغمغما

ربيعة أعني إنهم أهل نجدة ***وبأس إذا لاقوا خميسآعرمرما

ص: 182

وقد صبرت عك ولخم وحمير*** المذحج حتى لم يفارق دم دما

ونادت جذام يال مذحج ويحكم*** جزى الله شرأ أيناکان ظالما

أما تتقون الله في حرماتكم ***وماقرب الرحمن منها وعظما

أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا ***بأسيافنا حتى تولى وأحجما

وفريناذي الزبرقان وظالما ***ونادی کلاعا والكليب وأنعما

وعمرو، وسفيانا وجهما ومالكا ***وحوشب والفادي شريحة وأظلما

وكرز بن تيهان وعمرو بن جحدر*** وصباحا القبين يدعو وأسلما

وقد رويت الأبيات السنة الأولى للإمام علي عليه السلام وباقي الأبيات من قوله (وقد صبرت عك) للحضين بن منذر صاحب الراية.

وكان بصفين تل الجماجم تلقي عليه جماجم الرجال، وكان يدعی تل، فقال عقبة بن مسلم الرقاشي من أهل الشام (230/5 ):

ولم أر فرسانة أشد حفيظة ***وأمنع منا يوم تل الجماجم

غداة أتى أهل العراق كأنهم ***انعام تلقي في فجاج المخارم

إذا قلت قد ولوا تثوب كتيبة ***ململة في البيض شمط المقادم

وقالوا لنا هذا علي فبايعوا ***فقلنا: صه بل بالسيوف الصوارم

وقال شبث بن ربعي التميمي :

وقفنالديهم يوم صفين بالقنا *** لدن غدوه حتی هوت لغروب

وولى ابن حرب والرماح تلوثه*** وقد أرضت الأسياف كل غضوب

ص: 183

نجالدهم طورا وطورة نشلهم*** على كل محبوك السراة شبوب

بكل أسيل كالقراط إذا بدت سياسيل ***لوائحها بين الكماة لعوب

نجالد غسانا وتشقى بحربنا ***جذام ووتر العبد غير طلوب

فلم أر فرسانا أشد حفيظة*** إذا غشي الآفاق رهج جلوب

أكر وأحمي بالغطاريف والقنا ***وكل حديد الشفرتين قضوب

حمل عبيد الله بن عمر (من جماعة معاوية) على صف بن حنيفة وهو يقول (234/5) :

أنا عبيد الله ينميني عمر ***خير قريش من مضى ومن غبر

إلا رسول الله والشيخ الأغر ***قد أبطأت عن نصر عثمان مضر

والربيعيون فلا أسقوا المطر*** وسارع الحي اليمانون الغرر

والخير في الناس قديما يبتدر

فحمل عليه حرث بن جابر الحنفي (من جماعة علي عليه السلام) وقال :

قد سارعت في نصرها ربيعة*** في الحق والحق لهاشريعة

فاكفف فلست تارك الوقيعة ***في العصبة السامعة المطيعة

حتى تذوق كأسها الفظيعة

وطعنه فصرعه.

فقال كعب بن جعيل التغلبي يرثي عبيد الله، وكعب شاعر أهل الشام (234/5 - 235) :

ص: 184

ألا إنما تبكي العيون لفارس*** بصفين أجلت خيله وهو واقف

تبدل من أسماء أسياف وائل*** وأي فتى لو أخطأته المتالف

تركتم عبيد الله في القاع مسلما*** يمج دماء والعروق نوازف

ينوء وتغشاه شآبيب من دم ***كما لاح في جيب القميص الكفائف

دعاهن فاستسمعن من أين صوته*** فأقبلن ش تى والعيون ذوارف

تحللن عنه زر درع حصينة*** وينكر منه بعد ذاك معارف

وقرت تمیم سعدها وربابها*** وخالفت الخضراء فيمن يخالف

وقد صبرت حول ابن عم محمد*** لدى الموت شهباء المناكب شارف

بمرج ترى الرايات فيها كأنها ***إذا أجنحت للطعن طير عواكف

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم ***وحتى أسرت بالأكف المصاحف

جزى الله قتلانا بصفين خير ما ***أثيب عباد غادرتها المواقف

ومما رثی به کعب بن جعيل عبيد الله بن عمرو قوله (236/5 ):

يقول عبيد الله لما بدت له ***سحابة موت تقطر الحتف والدما

ألا يا لقومي فاصبروا إن صبركم ***أعف وأحجى عفة وتكرما

فلما تداني القوم حز مجدلا ***صريعا تلاقي كفه الترب والفما

وخلف أطفالأيتامى أذلة ***وعرسأ عليه تسكب الدمع أيما

حلالا لها الخطاب لا يمنعنهم ***وقد كان يحمي غيرة أن تكلما

وقال الصلتان العبدي يذكر مقتل عبيد الله، وإن حریث بن جابر الحنفي

ص: 185

قتله (237/5 ):

ألا يا عبيد الله ما زلت مولعا***ببکرلهاتهدی القری والشهددا

كأن حماة الحي من بكر وائل*** بذي الرمث أسد قد تبوأن غرقدا

وطنت سفيها قد تعودت عادة ***وكل امريء جار على ما تعودا

فأصبحت مصلوبة على شر أيكة ***صريع القنا تحت العجاجة مفردا

تشق عليك جيبها ابنة هاني ***مسلبة تبدي الشجا والتلددا

وكانت ترى ذا الأمر قبل عيانه ***ولكن حكم الله أهدى لك الردی

وقالت عبيد الله لا تبك وائلا ***فقلت لها لا تعجلي وانظري غدا

فقد جاء ما قد مسها فتسلبت ***عليك، وأمسى الجيب منها مقددا

حباك أخو الهيجا حريث بن جابر*** بجياشة تحكي بها النهر مزبدا

وبعد أن قتل أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي - من جيش العراق - شدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها، فقال مجزأة بن ثور (240/5):

أضربهم ولا أرى معاوية ***الأبرج العين العظيم الحاوية

هوت به في النار أم هاوية ***جاوره فيها كلاب عاويه

أغوى طغاما لا هدته هاديه

لما اشتد القتال بين الفريقين وتمكن الشاميون من أهل العراق نادي علي عليه السلام يومئذ :

ص: 186

ألا رجل يشري نفسه الله ويبيع دنياه بآخرته؟

فأتاه رجل من جوف يقال له عبد العزيز بن الحارث، على فرس أدهم، كأنه غراب مقنع في الحديد، لا يرى منه إلا عيناه . فقال :

- يا أمير المؤمنين مرني بأمرك، فوالله لا تأمرني بشيء إلا صنعته، فقال علي عليه السلام :

سمحت بأمر لا يطاق حفيظة*** وصدق وإخوان الوفاء قليل

جزاك إله الناس خيرا فإنه ***لعمرك فضل ما هناك جزيل

وكان علي عليه السلام لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق ذلك وأظهروا لهم القبيح، وأبدوا ذات أنفسهم، فقال الحضين بن المنذر الرقاشي شعرة أغضبهم به، وهو:

رأت مضر صارت ربيعة دونهم *** شعار أمير المؤمنين، وذو الفضل

فأبدوا إلينا ما تجن صدورهم*** علينا من البغضا وذاك له أصل

فقلت لهم لما رأيت رجالهم*** بدت بهم قطر كأن بهم ثقل

إليكم أهيبوا لا أبالأبيكم*** فإن لكم شكلا وإن لنا شكل

ونحن أناس خصنا الله بالتي ***رانا لها أهلا وأنتم لها أهل

فابلوا بلانا أو أقروا بفضلنا ***ولن تلحقون الدهر ما حتت الإبل

وقام رؤساء مضر إلى الإمام علي عليه السلام - وبعد كلام كثير - طلبوا منه عليه السلام، إعفاء ربيعة من القتال يوما وتكليفهم به ففعل عليه السلام،

ص: 187

فغدا أبو الطفيل عامر بن وائل في قومه من كنانة وهم جماعة عظيمة، فتقدم أمام الخيل وهو يقول : - طاعنوا وضاربوا، ثم حمل وارتجز فقال (244/5 ):

قد ضاربت في حربها كنانة*** والله يجزيهابه كنانه

من أفرغ الصبر عليه زانه*** أو غلب الجبن عليه شانه

أو كفرالله فقد أهانه*** غدا بعض من عصي بنانه

ثم غدا في اليوم التالي عمير بن عطار بجماعة من بني تميم، وهو يومئذ سید مضر الكوفة فقال :

یا قوم، إلي أتبع آثار أبي الطفيل، فاتبعوا آثار کنانة ثم قدم رايته وارتجز وقال (245/5):

قد ضاربت في حربها تميم ***إن تميمأخطبها عظيم

لها حديث ولها قديم ***إن الكريم نسله كريم

دین قويم وهوى سليم*** إن لم تردهم رايتي فلوموا

ثم غدا في اليوم الثالث قبيصة بن جابر الأسدي في بني أسد، وقال لأصحابه :

- يا بني أسد، أما أنا فلا أقصر دون صاحبي، وأما أنتم فذاك إليكم، ثم تقدم برايته وقال (245/5 -246):

قد حافظت في حربها بنو أسد ***ما مثلها تحت العجاج من أحد

ص: 188

أقرب من يمن وأنأى من نكد*** كأننا رکنائبير أو أحد

لسنا بأوباش ولا بيض البلد ***لكننا اللحمة من ولد معد

كنت ترانا في العجاج کالأسد ***ياليت روحي قد نأى عن الجسد

فانتصفوا المضرية من الربيعية وظهر أثرها وعرف بلاؤها، وقال أبو الطفيل (247- 246/5):

وحامت كنانة في حربها ***وحامت تميم وحامت أسد

وحامت هوازن يوم اللقا ***فما ضام منا ومنهم أحد

لقينا الفوارس يوم الخميس*** والعيد والسبت ثم الأحد

لقينا قبائل أنسابهم ***إلى حضرموت وأهل الجند

فأمدادهم خلف آذانهم*** دعونا مبدأ ونعم المعد

فظلنا نفق هاماتهم ***ولم نك فيها ببيض البلد

ونعم الفوارس يوم اللقا ***فقل في عديد وقل عدد

وقل في طعان كفرغ الدلاء ***وضرب عظیم کنار الوفد

ولكن عصفنا بهم عصفة ***وفي الحرب يمن وفيهانکد

طحنا الفوارس وسط العجاج ***وسقنا الزعانف سوق النقد

وقلنا علي الناوالد ***ونحن له طاعة كالولد

قام عمار يوم صفين فاستنهض معه أصحابه ثم مضى ومضى معه أصحابه ، فدنا من عمرو بن العاص فقال :

ص: 189

- يا عمرو بعت دینك بمصر، فتبا لك، وطالما بقيت للإسلام عوجا.

ثم حمل عمار وهو يقول (253/5 ):

صدق الله وهو للصدق أهل*** وتعالى ربي وكان جليلا

رب عجل شهادة لي بقتل ***في الذي قد أحب قتلا جميلا

مقبلا غير مدبرإن للق ***تل على كل ميتة تفضيلا

إنهم عند ربهم في جنان ***يشربون الرحيق والسلسبيلا

من شراب الأبرار خالطه المس*** ك وكأسأمزاجها زنجبيلا

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يذكر عليا عليه السلام بصفين (255/5):

فلوشهدت جهل مقامي ومشهدي*** بصفين يوما شاب منها الذوائب

عشية جا أهل العراق كأنهم ***سحاب ربيع رفعته الجنائب

إذا قلت قد ولت سراعا بدت لنا ***كتائب منهم وأحجنت كتائب

وجئناهم فردی كأن صفوفنا*** من البحر مدموجه متراكب

فدارت رحانا واستدارت رحاهم*** سراة النهار ماتولى المناكب

فقالوا لنا: إنا نرى أن تبايعوا*** فقلنا بلى إنا نرى أن تضاربوا

لما دفع علي عليه السلام الراية إلى هاشم بن عتبة، فألح عليه رجل من العسكر فقال له هاشم:

إذا رأيتني قد صرعت فخذها.

ص: 190

واستحث أصحابه فأخذ الراية فهزها، فقال رجل من أصحابه :

- البث قليلا ولا تعجل.

فقال هاشم (13/8 ):

قد أكثرا لومي وما أقلا ***إني شربت النفس لن أعتلا

أعور يبغي أهله محلا ***قد عالج الحياة حتى ملا

لابد أن يفل أو یفلا ***أشلهم بذي الكعوب شلا

مع ابن عم أحمد المعلی*** فيه الرسول بالهدى استهلا

أول من صدقه وصلى*** فجاهد الكفار حتى أبلا

وقال أبو الأعور وقد اشتبك العسكران (13/8 ):

إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا ***صدور الخدود وازورار المناكب

صدور الخدود والقنا متشاجر*** ولا تبرح الأقدام عند التضارب

والتقت هذا اليوم همدان بعك الشام فقال قائلهم :

همدان همدان وعک عك*** ستعلم اليوم من الأرك

لما التحم جيشا العراق والشام وتداخلا حتى حل الليل عليهما، ولما أذن

مؤذن علي عليه السلام الفجر، قال علي عليه السلام (14/8 ):

يا مرحبا بالقائلين عدلا*** وبالصلاة مرحبا وأهلا

وقال عمار بن یاسر قبيل أن يقتل، وهو ينظر إلى راية عمرو بن العاص :

والله إنما الراية التي قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن، ثم قال (24/8 ):

ص: 191

نحن ضربناكم على تأويله*** كما ضربناكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله*** ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله

وكان عمار في ذلك اليوم قد حمل على أهل الشام وهو يرتجز (26/8 ):

کلا ورب البيت لا أبرح أجي***حتى أموت أو أرى ما أشتهي

لا أفتأ الدهر أحامي عن علي ***صهر الرسول ذي الأمانات الوفي

ينصرنا رب السماوات العلي*** ويقطع الهام بحد المشرفی

يمنحنا النصر على من يبتغي*** ظلمأ علينا جاهدأ مايأتلي

فضرب أهل الشام حتى اضطرهم على الفرار.

قال عمرو بن العاص يوما :

- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعمار : ((تقتلك الفئة الباغية، وآخر تربك ضياح من لبن (161).

ولما قتل عمار أرسل معاوية إلى عمرو :

لقد أفسدت على أهل الشام؛ أكل ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم تقوله؟

فقال عمرو :

- قلتها ولست أعلم الغيب، ولا أدري أن صفين تكون؛ قلتها وعمار يومئذ لك ولي، وقد رویت أنت فيه مثل ما رویت. فغضب معاوية وتنمر لعمرو،

ص: 192

وعزم على منعه خيره، فقال عمرو لابنه وأصحابه : لا خير في جوار معاوية، إن تجلت هذه الحرب لأفارقته وقال (27/8 ):

تعاتبني أن قلت شيئا سمعته ***وقد قلت - لو أنصفتني - مثله قبلي

أنعلك فيماقلت نعل ثبيتة*** وتزلق بي في مثل ما قلته نعلي؟

وما كان لي علم بصفين أنها ***تكون وعمار يحث على قتلي

ولو كان لي بالغيب علم كتمتها ***وكابدت أقواما مراجلهم تغلي

أبى الله إلا أن صدرك واغر ***علي بلا ذنب جنيت ولا ذحل

سوى أنني والراقصات عشية*** بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل

فلا وضعت عني حصان قناعها ***ولا حملت وجناء ذعلبة رحلي

ولا زلت أدعى في لؤي بن غالب*** قليلا غنائي لا أم ولا أحلي

إن الله أرضى من خناقك مرة*** ونلت الذي رجيت إن لم أزد أهلي

وأترك لك الشام الذي ضاق رحبها*** عليك ولم ينهك بها العشي من أجلي فأجابه معاوية (28/8 ):

األان لما ألقت الحرب ركبها*** وقام بنا الأمر الجليل على رجل

غمزت قناتي بعد ستين حجة*** تباعأکأني لا أمر ولا أحلي

أتيت بأمر فيه للشام فتنة ***وفي دون ما أظهرته زلة النعل

فقلت لك القول الذي ليس ضائرا*** ولو ضر لم يضررك حملك لي ثقلي

تعاتبني في كل يوم وليلة ***كأن الذي أبليك ليس كما أبلي

ص: 193

فياقبح الله العتاب وأهله ***ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل

فدع ذا ولكن هل لك اليوم حيلة*** ترد بها قوما مراجلهم تغلي

دعاهم علي فاستجابوا لدعوۃ ***أحب إليهم من ثرى المال والأهل

إذا قلت هابوا حومة الموت أرقلوا ***ومن دون ما أظهرته زلة النعل

فلما أتى عمرو شعر معاوية أتاه فأرضاه وصار أمرهما واحدا.

وأقبل هاشم بن عتبة - من جيش علي عليه السلام - علی جیش معاوية

وكان أعور وصار يرتجز (29/8 ):

أعور يبغي نفسه كلاصا ***مثل الفتيق لابسا دلاصا

قد جرب الحرب ولا أناصا ***و لا دية يخشى ولا قصاصا

كل امريء وان كبا وصاصا*** ليس يرى من يومه مناصا

فحمل صاحب لواء ذي الكلاع - هو رجل من عذرة - فقال :

يا أعور العين وما بي من عور ***أثبت فإني لست من فرعي مضر

نحن اليمانون وما فيناخور ***كيف نرى وقع غلام من عذر

بنص ابن عفان ويلحن من عذر*** سيان عندي من سعى ومن أمر

ولما قتل هاشم وذو الكلاع حمل عبد الله بن هاشم اللواء وارتجز وقال :

يا هاشم بن عتبة بن مالك*** أعزز بشيخ من قريش هالك

تحيطه الخيلان بالسنابك*** في أسود من نقعهن حالك

أبشر بحور العين بالأرائك***والروح والريحان عند ذلك

ص: 194

لما عرف الإمام علي عليه السلام بقتل هاشم وقف وحوله عصابة من أسلم قد صرعوا معه، وقوم من القراء فجزع عليه السلام عليه وقال (35/8 ):

جزى الله خيرا عصبة أسلمية ***صباح الوجوه صرعوا حول هاشم

یزید وسعدان وبشر ومعبد*** وسفيان وابنا معبد ذي الأكارم

وعروة لا يبعد ثناه وذكره*** إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم

وقالت امرأة من أهل الشام في قتل هاشم وعمار (36/8 ):

لا تعدموا قومأ أذاقوا ابن ياسر ***شعوبا ولم يعطوكم بالخزائم

فنحن قتلنا اليثربي بن محصن ***خطيبكم وابني بديل وهاشم

أما اليثربي، فهو عمرو بن محصن الأنصاري، وقد رثاه النجاشي شاعر أهل العراق فقال ( 37/8 ):

النعم فتي الحين عمرو بن محصن ***إذا صارخ الحي المصبح ثوبا

إذا الخيل جالت بينها قصد القنا*** یثرن عجاجأساطعة متنصبا

لقد فجع الأنصار طرأ بسيد*** أخي ثقتي في الصالحات مجربا

فيا رب خير قد أنهت، وجعبة*** ملأت، وقرن قد تركت مسلبا

فيارب خصم قد رددت بغيظه ***فآب ذليلا بعد أن كان مغضبا

وراية مجقد حملت وغزوۃ ***شهدت إذا النكس الجبان تهيبا

حويطأ على جل العشيرة ماجدا*** وما كنت في الأنصار نکسا موثبا

طويل عماد المجد رحبا فناؤه ***خصيبة إذا ما رائد الحي أجدبا

ص: 195

عظيم رماد النار لم يك فاحشا*** ولا فشلا يوم النزال مغلبا

وكنت ربيعا ينفع الناس سيبه ***وسيفا جرازة فاتك الحد مقضبا

فمن يك مسرورا بقتل ابن محصن*** فعاش شقيأ ثم مات معذبا

وغودر منكبا لفيه ووجهه ***يعالج رمحأذاسنان وثعلبا

فإن يقتلوا الحر الكريم بن محصن ***فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا

وإن يقتلوا ابني بديل وهاشم ***فنحن تركنا منكم القرن أعضبا

ونحن تركنا حميرا في صفوفهم ***لدى الحرب صرعی کالنخيل مشذبا

وأفلتنا تحت الأسنة مدثر*** وكان قديما في الفرار مدربا

ونحن تركنا عند مختلف القنا *** أخاكم عبيد الله لحما ملحبا

بصفين لما أرفض عنه رجالكم*** ووجه ابن عتاب تركنا ملغبا

وطلحة من بعد الزبير ولم ندع ***لضية في الهيجا عريفا منكبا

ونحن أحطنا بالبعير وأهله ***ونحن سقيناكم سحاما مقشبا

وفي قتل هاشم بن عتبة يقول أبو الطفيل عامر بن وائلة الكناني، وهو من الصحابة وقيل أنه آخر من بقي من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشهد مع علي صفين، وكان من مخلصي الشيعة (38/8 ):

يا هاشم الخير جزيت الجنة ***قاتلت في الله عدو السنه

والتاركي الحق وأهل الظنة ***أعظم بما فزت به من منه

صيرني الدهر كأني شئة ***وسوف تعلوفوق قبري رنه

ص: 196

من زوجة وحوبة وكنه

وقال رجل من عذرة من أهل الشام (39/8 ):

لقد رأيت أمورا كلها عجب*** وما رأيت كأيام بصفينا

الماغدوا وغدونا كلناحنق ***لما رأيت الجمال الجلة الجونا

خيل تجول وأخرى في أعنتها*** وآخرون على غيظ يرامونا

ثم ابتذلنا سيوفا في جماجمهم ***وما نساقيهم من ذاك يجزونا

كأنها في أكف القوم لامعة ***سلاسل البرق تجدعن العرانينا

ثم انصرفنا كأشلاء مقطعة ***وكلهم عند قتلاهم يصلونا

ولما فر عتبة ابن أبي سفيان عشرين فرسخا عن موضع المعركة التي قادها الإمام علي عليه السلام حتى أتى الشام، قال النجاشي قصيدة أولها (40/8):

لقد أمعنت يا عتب الفرارا ***وأورتك الوغى خزيا وعارا

فلا يحمد خصاك سوى طمر*** إذا أجريته انهمر انهمارا

وهجا کعب بن جعيل عتبة بن أبي سفيان وعيره بالفرار، وكان كعب من شيعة معاوية، لكنه هجا عتبة تحريضا له، فهجاه عتبة جوابا له (41/8 ):

وسميت كعبأبشر العظام*** وكان أبوك يسمى الجعل

وإن مكانك م ن وائل ***مكان القراد من أست الجمل

وقال معقل بن فيك بن يساف الأنصاري في قتلی معركة يوم الخميس، وقد قتل فيها أعلام العرب ( 42/8):

ص: 197

يا لهف نفسي ومن يشفي حزازتها*** إذ أفلت الفاسق الضليل منطلقا

وأفلت الخيل عمرو وهي شاحبة ***تحت العجاج تحث الركض والعنقا

وافت منية عبد الله إذ لحقت***قب الخيول به أعجز بمن لحقا

وانساب مروان في الظلماء مستترا*** تحت الدجی كلما خاف الردى أرقا وقال مالك الأشتر :

نحن قتلنا حوشبا ***لماغدا قد أعلما

وذا الكلاع قبله ***ومعبدا إذ أقدما

إن تقتلوا منا أباال ***يقظان ش يخا مسلما

فقد قتلنا منكم*** سبعين شيخا مجرما

أضحوا بصفين وقد*** لاقوا نکالا مؤثما

وقالت ضبعة بنت خزيمة ذي الشهادتين ترثي أباها رحمه الله (42/8 -43) :

عين جودي على خزيمة بالدمع*** فتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشهادتين عتوا ***أدرك الله م نهم ب الثرات

قتلوه في فتيني غير عزل*** يسرعون الركوب في الدعوات

نصروا السيد الموفق ذا العد ***ل ودانوا بذاك حق الممات

لعن الله معشر قتلوه ورماهم بالخزي والآفات

أتى علقمة بن زهير الأنصاري الإمام علي عليه السلام فقال :

يا أمير المؤمنين، إن عمرو بن العاص يرتجز في الصف بشعر أفأسمعکه؟

ص: 198

قال نعم.

قال :

إنه يقول (46/8 ):

إذا تخازرت ومابي من خزر*** ثم كسرت العين من غير عور

ألفيتني ألوي بعيد المستمر*** اذا صولة في المصمئلات الكبر

أحمل ما حملت من غير وشر ***كالحية الصماء في أصل الحجر

فقال الإمام علي عليه السلام :

اللهم العنه؛ فإن رسولك لعنه .

قال علقمة :

وإنه يا أمير المؤمنين يرتجز برجز آخر، فأنشدك؟

قال : قل

فقال :

أنا الغلام القرشي المؤتمن ***الماجد الأبلج ليث كالشطن

ترضى بي الشام إلى أرض عدن*** ياقادة الكوفة يا أهل الفتن

يا أيها الأشراف من أهل اليمن

أضربكم ولا أری أبا الحسن ***أعني علي وابن عم المؤتمن

كفى بهذا حزنة من الحزن

فضحك علي عليه السلام وقال :

ص: 199

إنه لكاذب وإنه بمكاني لعالم، كما قال العربي :

((غير الوهی ترقعين وأنت مبصرة))

ويحكم أروني مكانه ؛ لله أبوكم وخلاكم ذم.

وقال محمد بن عمرو بن العاص (وقد نقلنا بعضها من 55/5 ) على أنها العبد الله بن عمرو بن العاص وهو يذكر عليا عليه السلام بصفين، وهنا ننقلها من (47/8) :

(و) لوشهدت جمل مقامي ومشهدي*** بصفين يوما شاب منها الذوائب

غداة غدا أهل العراق كأنهم*** من البحر موج له متراكب

وجئناهم نمشي صفوف كأننا ***سحاب خريف صففته الجنائب

فطارت إلينا بالرماح كماتهم ***وطرنا إليهم والسيوف قواضب

فدارت رحانا واستدارت رحاهم ***سراة نهار ماتولى المناكب

إذا قلت يوماقد دنوا برزت لنا*** كتائب منهم واحتمنت كتائب

وقالوا لنا من رأينا أن تبايعوا ***عليا، فقلنا، بل نرى أن تضاربوا

وقالوا وقد أردوا سراة رجالنا ***وليس لما لاقوا سوى الله حاسب

فلم أر يوماكان أكثر باكيا***ولا عارضامنهم كميا يكالب

كأن تلالي البيض فينا وفيهم*** تلألؤبرق في تهامة ثاقب

فرد عليه محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام :

(و) لوشهدت جمل مقامك أبصرت*** مقام لئيم وسط تلك الكتائب

ص: 200

أتذكر يوما لم يكن لك فخره ***وقد ظهرت فيه عليك الجلائب

وأعطيتموناما نقمتم أذلة ***على غير تقوى الله والدين واصب

وقال النجاشي يذكر عليا وجده في الأمر (48/8 ):

إني أخال علياغير مرتدع حتى تقام حقوق الله والحم أما ترى النقع معصوبة بلمته كأنه الصقر في عرنينه شمم غضبان عرق نابيه على حنق كما يغط الفنيق المصعب القطم حتى يزيل ابن حرب عن إمارته كما تنكب تيس الحلبة الحلم (حتى) تروه كمثل الصقر مرتبئة يخفقن من حوله العقبان والرخم

وقال النجاشي أيضا يمدح عليا عليه السلام ويهجو معاوية، وقد بلغه أنه يتهدده (48/8 -49) :

يا أيها الرجل المبدي عداوته*** رؤيء لنفسك أي الأمرتأتمر؟

لا تحسبني كأقوام ملكتهم*** طوع الأعة لما ترشح الغدر

وما علمت بما أضمرت من حنق***حتى أتتني به الركبان والنذر

إذا نفست على الأنجاد مجدهم ***فابسط يديك فإن الخير مبتدر

أعلم بأن علي الخير من نفر ***شم العرانين لايعلوهم بشر

لا يجحد الحاسد الغضبان فضلهم ***ما دام بالحزن من صمائها حجر

نعم الفتى أنت إلا أن بينكما ***كما تفاضل ضوء الشمس والقمر

ولا أخالك ألا لست منتهيا***حتى يمسك من أظفاره ظفر

ص: 201

لا تحمدن أمرأ حتى تجربه*** ولا تذمن من لم يبله الخبر

أني أمرؤ قلما أثني على أحد ***حتى أرى بعض ما يأتي ومايذر

وأن طوى معشرعني عداوتهم*** في الصدر أو كان في إبصاره خزر

أزمعت عزمأجراميزي بقافية*** لايبرح الدهر منها فيهم أثر

وفي زحمة القتال قال عمرو بن العاص ( 49/8 ) :

أجئتم الينا تسفكون دماءنا ***وما رمتم وعرمن الأمر أعسر

العمري لمافيه يكون حجاجنا ***الى الله أوهى لو عقلتم وأنكر

تعاورتم ضربة بكل مهند*** إذا شد وردان تقدم قنبر

كتائبكم طورأ نشد وتارة ***كتائبنا فيها القنا والسنور

إذا ما التقوا يوما تدارك بينهم ***طعان وموت في المعارك أحمر

وقال رجل من كلب مع معاوية يهجوا أهل العراق ويوبخهم (50/8 ):

لقد ضلت معاشرمن نزار ***إذا انقادوا لمثل أبي تراب

وأنهم وبيعتهم عليا ***كواشمة التغضن بالخضاب

تزين من سفاهتها يديها ***وتحسر باليدين عن النقاب

فإياكم وداهية نئودا***تسير إليكم تحت العقاب

إذا ساروا سمعت لخافتيهم ***دوية مثل تصفيق السحاب

يجيبون الصريخ إذا دعاهم***وقد طعن الفوارس بالحراب

عليهم کل سابغة دلاص*** وابيض صارم مثل التهاب

ص: 202

وقال أبو حية بن غزية الأنصاري، وهو الذي عقر الجمل يوم البصرة، وأسمه عمرو :

سائل حليلة معبر عن بعلها*** وحليلة اللخمي وابن كلاع

وأسأل عبيد الله عن فرساننا ***الماثوي متجدة بالقاع

وأسأل معاوية المولي هاربا*** والخيل تمعج وهي جد سراع

ماذا يخبرك المخبر منهم ***عنهم وعنا عند كل وقاع

أن يصدقوك يخبروك بأننا*** أهل الندى قدما نجيب الداعي

أن يصدقوك يخبروك بأننا ***نحمي الحقيقة كل يوم مصاع

ندعوا إلى التقوى ونرعى أهلها ***برعاية المأمون لا المضياع

ونسن للأعداء كل مثقف*** لدن وكل مشطب قطاع

وقال عدي بن حاتم الطائي (51/8 ):

أقول لما أن رأيت المعمعة ***وأجتمع الجندان وسط البلقة

هذا علي والهدى - حقا - معه*** يارب فأحفظه ولا تضيعه

فأنه يخشاه رب فأرفعه*** ومن أراد عيبه فضعفه

أو كاده بالبغي منك فأقمعه

وقال النعمان بن جعلان الأنصاري :

سائل بصفين عنا عند غدوتنا*** أم كيف كنا إلى العلياء نبتدر

وسل غداة لفينا الأزد قاطبة ***يوم البصيرة لما أستجمعت مضر

ص: 203

لولا الآله وعفو من أبي حسن ***عنهم وما زال منه العفو ينتظر

لما تداعت لهم بالصبر داعية ***إلا الكلاب وإلا الشاء والحمر

کم مقص قد تركناه بمغفرة ***تعوي السباع عليه وهو منعفر

ما أن يؤوب ولا ترجوه أسرته*** إلى القيامة حتى ينفخ الصور

وقال عمرو بن الحمق الخزاعي (52/8) :

تقول عرسي أن لما رأت أرقي*** ماذا يهيجك من أصحاب صفينا ا

لست في عصبة يهدي الإله بهم ***لا يظلمون، ولا بغي يريدونا

فقلت: أني على ما كان من رشد ***أخشى عواقب أمر سوف يأتينا

أدالة القوم في أمريراد بنا ***فأقني حياء وكفي ما تقولينا

وقال حجر بن عدي الكندي :

يا ربناسلم لنا عليا*** سلم لنا المهذب التقيا

المؤمن المسترشد الرضیا ***وأجعله هادي أمة مرضیا

وأحفظه ربي حفظك النبيا ***لاخطل الرأي ولا غبيا

فانه كان لنا وليا*** ثم أرتضته بعده وصيا

وكان علي عليه السلام إذا أراد الحملة هلل وكبر، ثم قال (55/8 ):

من أي يوم من الموت أفر*** أيوم لم يقدر أم يوم قدر؟

وقال النجاشي في أحد أيام صفين يذكر الأشتر (55/8 ):

ولما رأينا اللواء العقاب*** يقحمه الثاني ء الأخزر

ص: 204

كليث العرين خلال العجاج ***واقبل في خيله الأبتر

دعونا لها الكبش كبش العراق*** وقد أضمر الفشل العسكر

فرد اللواء علي عقبه ***وفاز بخطوتها الأشتر

كما كان يفعل مثلها*** إذا ناب معصوصب منكر

فإن يدفع الله عن نفسه*** فحظ العراق به الأوفر

إذا الأشتر الخير خلى العراق ***فقد ذهب العرف والمنكر

وتلك العراق ومن عرفت ***كفقع تضمنه القرقر

ولما ثخن الجرح في كلا العسکرين طاف الإمام علي عليه السلام على صفوف رجاله ثم دعا ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فركبها ثم تعصب بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت سوداء، ثم نادى : -

أيها الناس، من يشر نفسه الله يربح، وأن هذا اليوم له ما بعده، أن عدوكم قد مسه القرح كما مسكم، فأنتدبوا لنصرة دين الله، فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى أثني عشر الفأ، وقد وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فشد بهم على أهل الشام، وهو يقول (58/8) :

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا ***واصبحوا في حربكم وبيتوا

حتى تنالوا الثأر أو تموتوا ***أولا ف أني طالما عصيت

قد قلتم لو جئتنا فجيت*** ليس لكم ماشئتم وشيت

بل ما يريد المحيي الميت

ص: 205

وتبعه عدي بن حاتم بلوائه. وهو يقول (58/8 ) :

أبعد عماير وبعد هاشم*** وابن بديل فارس الملاحم

نرجو البقاء ضل حلم الحالم ***لقد غصصنا أمس بالأباهم

فاليوم لا نقرع سن نادم*** ليس أمرؤ من حتفه بسالم

فحمل وحمل الأشتر بعدها في أهل العراق كافة، فلم يبق لأهل الشام صف إلا أنتقض، و راهن أهل العراق أتوا عليه، وحتى أفضى إلا إلى مضرب معاوية، وعلي عليه السلام يضرب الناس بسيفه قدما ويقول ( 58/8 -59) :

أضربهم ولا أرى معاوية ***إلا خزر العين العظيم الحاوية

هوت به للنار أم هاوية

فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب توقف وتلوم

قليلا، ثم أنشد قول عمرو بن الأطنابة (59/8 ) :

أبت لي عفتي وأبي بلائي*** وأخذ الحمد بالثمن الربيح

واقدامي على المكروه نفسي*** وضربي هامة البطل المشيح

وقولي كلماجشأت وجاشت ***مكانك تحمدي أو تستريحي

الأدفع عن مآثر صالحات ***وأحمي بعد عن عرض صحيح

بذي شطب كلون الملح صاف*** ونفس ما تقر على القبيح

ثم قال : -

يا عمرو بن العاص، اليوم صبر وغدة فخر.

ص: 206

قال : ۔

صدقت، أنك ما أنت فيه كقول القائل (59/8 ) :

ماعلتي وأنا جلد نابل ***والقوس منها وتر عنابل

تزل عن صفحتها المعابل*** الموت حق والحياة باطل

فثنى معاوية رجله من الركاب، ونزل واستصرخ بعك والأشعريين، فوقفوا دونه، وجالدوا عنه حتى كره كل من الفريقين صاحبه وتحاجز الناس.

تعرض عمرو بن العاص لعلي عليه السلام يوما من أيام صفين فحمل عليه علي عليه السلام، فلما كاد أن يخالطه إذ رمی نفسه عن فرسه ورفع ثوبه وشطر برجليه، فبدت عورته فصرف عليه السلام وجهه عنه، وقام معفرة بالتراب، هاربة على رجليه معتصما بصفوفه، وقال معاوية في ذلك (60/8 - 61):

ألا الله من هفوات عمرو*** يعاتبني على تركي برازي

فقد لاقى أبا حسين عليا ***فآب الوائلي مآب خازي

فلولم يبد عورته لطارت*** بمهجته قوادم أي بازي

فان تكن المنية أطفأته ***فقد أورى بها أهل الحجاز!

فغضب عمرو وقال :

ما أشد تعظيمك عليا، أبا تراب في أمري؟ هل أنا إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه؟ أفترى السماء قاطرة لذلك دما؟

ص: 207

قال :

لا، ولكنها معقبة لك خزيا.

ولما أشتد الأمر وعظم على أهل الشام بعث معاوية أخاه عتبة بن أبي سفيان إلى الأشعث فكلمه ليستميله فرد الأشعث عليه كلامه بما أفحمه، فلما عاد عتبة إلى معاوية وأبلغه قوله قال له :

لا تلقه بعدها.

وشاع في أهل العراق ما قاله عتبة للأشعث وما رد الأشعث عليه، فقال النجاشي يمدحه (62/8 ):

يا ابن قيس وحارث ويزيد*** أنت والله رأس أهل العراق

أنت والله حية تنفث السم ***قليل منهاغناء الراقي

أنت كالشمس والرجال نجوم*** لايرى ضوؤها مع الأشراق

قد حميت العراق بالأسل السمر*** وبالبيض ك البروق الرقاق

وسعرت القتال بالشام بالبي*** ض المواضي وبالرماح الدقاق

لا ترى غير أذرع وأكف ***ورؤوس بهامها أفلاق

كلما قلت قد تصرفت الهيجا*** سقيتهم بكأس دهاق

قد قضيت الذي عليك من الحق ***وسارت به القلاس المناقي

أنت حلولمن تقرب بالود ***وللشانئين مرالمذاق

باسما ظنه ابن هند ومن مث*** لك في الناس عند ضيق الخناق

ص: 208

ولما يئس معاوية من الأشعث طلب من عمرو بن العاص أن يكتب إلى عبد الله بن عباس يستميله إلى جانبه لعل الحرب تنتهي فکتب ابن العاص الكتاب وكتب في أسفل الكتاب (68/8 ):

طال البلاء وما يرجى له آس*** بعد الإله سوى رفق ابن عباس

قولا له قول من يرجو مودته:*** لا تنسى حظك أن الخاسر الناسي

أنظر فدى لك نفسي قبل قاصمة ***للظهرليس لها راق ولا آسي

أن العراق وأهل الشام لن يجدوا ***طعم الحياة مع المستغلق القاسي

يا ابن الذي زمزم سقيا الحجيج له*** أعظم بذلك من فخر على الناس

أني أرى الخير في سلم الشام لكم*** والله يعلم ما بالسلم من باس

فيها التقى وأمور ليس يجهلها ***وما رأي نوكي كأكياس

فأجابه ابن عباس بكتاب عنفه فيه وأظهر عيوبه وطلب من أخيه الفضل أن

يذيل الكتاب بأبيات ففعل وقال (64/8 ):

يا عمرو حسبك من مكر ووسواس ***فاذهب فليس لداء الجهل من آس

إلا تواتر طعن في نحوركم*** يشجي النفوس ويشفي نحوه الراس

اما علي فأن الله فضله*** بفضل ذي شرف عال على الناس

أن تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة ***أو تبعتوها فاناغير أنكاس

قد كان منا ومنكم في عجاجتها*** مالا يرد ، وكل عرضة الباس

قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة ***هذا بهذا وما بالحق من باس

ص: 209

لا بارك الله في مصر لقد جلبت ***شرا وحظك منها حسوة الكأس

يا عمرو أنك عار عن مغارمها ***-والراقصات - ومن يوم الجزاكاس

ولما وصل الكتاب الى ابن العاص عرضه على معاوية فأجابه بكتاب مسخط فرده ابن عباس بكتاب أكثر أسحاطة. ولما وصل الكتاب إلى معاوية قال :

هذا عملي بنفسي، لا أكتب - والله - اليه كتابة سنة كاملة وقال (67/8 ):

دعوت ابن عباس الى جل حظه*** وكان أمرأ أهدي إليه رسائلي

فأخلف ظني والحوادث جمة ***وما زاد أن أغلى عليه مراجلي

فقل لأبن عباس أراك مخوفا*** بجهلك حلمي أنني غير غافل

فأبرق وأرعد ما استطعت فأنني*** إليك بما يشجيك سبط الأنامل

وفي أحد أيام صفین عقد معاوية الرئاسة على اليمن من قریش، قصد بذلك إكرامهم ورفع منازلهم، ومنهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد وعتبة ابن أبي سفيان، وبسر بن أبي أرطأة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وذلك في الوقعات الأول من صفين أفغم ذلك أهل اليمن، وأرادوا أن لا يتأمر عليهم أحد إلا منهم، فقام اليه رجل من كندة، يقال له عبد الله بن الحارث السكوني، فقال :

أيها الأمير، إني قلت شيئا فاسمعه وضعه مني على النصيحة.

قال : هات.

فأنشده :

معاوي أحييت فينا الأحن*** وأحدثت بالشام ما لم يكن

ص: 210

عقدت لبسر وأصحابه ***وما الناس حولك إلا اليمن

فلا تخلطين بناغيرنا*** كماشيب بالماء صفو اللبن

وإلا فدعنا على حالنا*** فأنا وإنا إذا لم نهن

ستعلم أن جاش بحر العراق ***وأبدى نواجذه في الفتن

وشد علي بأصحابه ***ونفسك إذ ذاك عند الذقن

بأناشعارك دون الدثار*** وإنا الرماح وإنا الجفن

وانا السيوف وإنا الحتوف*** وإنا الدروع وإنا المحن

فبکی معاوية (لعله بكاء ضعيف ماكر) ونظر إلى وجوه أهل اليمن فقال :

أعن رضاكم يقول ما قال ؟

قالوا :

لا مرحبا بما قال؛ إنما الأمر إليك، فاصنع ما أحببت .

فقال معاوية :

أنما خلطت بكم أهل ثقتي، ومن كان لي فهو لكم؛ ومن كان لكم فهو لي، فرضي القوم وسكتوا. فلما بلغ أهل الكوفة مقال عبد الله بن الحارث لمعاوية قام الأعور الشني إلى علي عليه السلام فقال : -

يا أمير المؤمنين، إنا لا نقول لك كما قال صاحب أهل الشام لمعاوية، ولكن نقول : زاد الله في سرورك وهداك إنظرت بنور الله، فقدمت رجالا واخرت رجالا، عليك أن تقول، وعلينا أن نفعل، أنت الإمام، فأن هلكت فهذان من بعدك،

ص: 211

حسنا وحسين عليهما السلام وقد قلت شيئا فأسمعه.

قال عليه السلام :

هاته

فأنشد (68/8 -69):

أبا حسن أنت شمس النهار*** وهذان في الحادثات القمر

وأنت وهذان حتى الممات ***بمنزلة السمع بعد البصر

وانتم أناس لكم سورة*** تقصر عنها أكف البشر

يخبرنا الناس عن فضلكم*** وفضلكم اليوم فوق الخبر

عقدت لقوم أولي نجدة ***من أهل الحياة وأهل الخطر

مسابيح بالموت عند اللقاء*** منا واخواننا من مضر

ومن حي ذي يمن جبله*** يقيمون في النائبات الصعر

فكل يسرك في قومه ***ومن قال، لا، فبفيه الحجر

ونحن الفوارس يوم الزبير*** وطلحة إذ قيل أودى غدر

ضربناهم قبل نصف النهار*** إلى الليل حتى قضينا الوطر

ولم يأخذ الضرب إلا الرؤوس*** ولم يأخذ الطعن إلا الصفر

فنحن أولئك في أمسنا ***ونحن كذلك فيماغبر

فلم يبق أحد من الرؤساء إلا أهدي إلى الشني واتحفه .

إن بسر بن أرطأة بارز عليا يوم صفين فطعنه علي عليه السلام فصرعه،

ص: 212

فأنكشف له، فكف عنه، كما عرض له مثل ذلك مع عمرو بن العاص. فقال الحارث بن نضير الخشعمي - وكان عدوا لعمرو بن العاص وبسر بن أرطأة (317-316/6) :

أفي كل يوم فارس لك ينتهي*** وعورته وسط العجاجة باديه

يكف لها عنه علي سنانه ***ويضحك منها في الخلاء معاويه

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه ***وعورة سر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمروثم بسر: ألا انظرا ***لنفسيكما : لا تلقيا الليث ثانيه

ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما ***هما كانتا والله - للنفس واقيه

ولولاهمالم تنجوا من سنانه ***وتلك بما فيها إلى العود ناهية

متى تلقيا الخيل المغيرة صبحه***وفيها علي فأتركا الخيل ناصية

وكونا بعيدأ حيث لا يبلغ القنا*** نحوركما، إن التجارب كافية

بعد أن تعاظمت الأمور على معاوية قبل قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، دعا أركانه إلى شن هجوم على معسكر علي عليه السلام بعد أن وزعهم كل واحد أزاء فارس من أهل العراق، وخلال خمسة أيام، ثم قصد لحمدان بنفسه وارتجز فقال (69/8 ):

لا عيش إلا فلق قحف الهام ***من أرحب وشاكر وشبام

لن تمنع الحرمة بعد العام*** بين قتيل وجريح دام

سأملك العراق بالشام*** أنعى ابن عفان مدى الأيام

ص: 213

فطعن في عرض الحيل مليا، ثم أن همدان تنادت بشعارها، وأقحم سعید بن قیس فرسه على معاوية، واشتد القتال، حتى حجز بينهم الليل، فهمدان تذكر أن سعيد كان يقتنصه (معاوية) إلا أنه فاته راكضا، وقال سعيد في ذلك (70/8 ) :

يا لهف نفسي فأتني معاويه*** فوق طمر كالعقاب هاويه

والراقصات لا يعود ثانيه*** إلا على ذات خصیل طاويه

أن يتم اليوم فكفي عاليه

وانصرف معاوية في ذلك اليوم، ولم يصنع شيئا، وغدا عمرو بن العاص في اليوم الثاني في حماة الخيل فقصد المرقال وارتجز عمرو فقال (70/8 ):

لا عيش أن لم الق يوما هاشما*** ذاك الذي جشمني المجاشما

ذاك الذي أقام لي المآتما*** ذاك الذي يشتم عرضي ظالما

ذاك الذي أن ينج مني سالما ***يكن شجي حتى الممات لازما فطعن في أعرض الخيل مزبدة، وحمل المقال عليه وارتجز فقال (70/8 ):

لا عيش أن لم الق يومأ عمروا ***ذاك الذي أحدث فينا الغدرا

او يبدل الله بأمر أمرا*** لا تجزعي يانفس صبرا صبرا

ضربا هذا ذيك وطعناشزرا*** ياليت ما تجني يكون القبرا!

وفي اليوم الثالث برز بسر بن إرطأة فلقي قیس بن سعد بن عبادة فاشتدت الحرب بينهما، وأرتجز قيس وقال (71/8 ):

أنا ابن سعد زانه عباده ***والخزرجيون كماة سادة

ليس فراري في الوغى بعادة*** أن الفرار للفتى قلادة

ص: 214

يارب أنت لقني الشهادة*** فالقتل خير من عناق غادة

حتى متى تشني لي الوسادة

وطاعن خیل بسر، وبرز بسر فارتجز وقال (71/8 ):

أنا ابن ارطأة العظيم القدر*** مردد في غالي وفهر

ليس الفرار من طباع بسر*** أن أرجع اليوم بغير وتر

وقد قضيت في العدو نذري*** يا ليت شعري كم بقي من عمري

ورجع القوم جميعا، ولقيس الفضل، وتقدم عبيد الله بن عمر الخطاب في اليوم الرابع، لم يترك فارسا إلا جمعه؛ وأستكثر ما أستطاع، فلقيه الأشتر أمام الخيل مزبدة، وهو يقول (71/8 ):

يا رب قيض لي سيوف الكفرة*** واجعل وفاتي بأكف الفجرة

فالقتل خير من ثياب الجبرة*** لاتعدل الدنيا جميعا وبرة

ولا بعوضأ في ثواب البررة

وشد على الخيل، خيل الشام فردها: فاستحيا عبيد الله وبرز أمام الخيل وقال (72/8 ):

أنعى ابن عفان وأرجو ربي*** ذاك الذي يخرجني من ذنبي

ذاك الذي يكشف عني کربي ***إن ابن عفان عظيم الخطب

يأبى له حبي بكل قلبي ***إلا طعاني دونه وضربي

حسبي الذي أنويه حسبي حسبي

ص: 215

فحمل عليه الأشتر، وطعنه واشتد الأمر، وانصرف القوم، وللأشتر الفضل، فغم ذلك معاوية، وغدا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في اليوم الخامس وكان رجاء معاوية أن ينال حاجته، فقواه بالخيل والسلاح، وكان معاوية يعده ولدا، فلقيه عدي بن حاتم في مذحج، وقضاعة، فبرز عبد الرحمن إمام الحيل وقال (72/8) :

قل لعدي ذهب الوعيد*** أنا ابن سيف الله لا مزيد

وخالد يزيده الوليد ***ذاك الذي قيل له الوحيد

ثم حمل فطعن الناس، فقصده عدي بن حاتم، وسدد إليه الرمح وقال (72/8) :

أرجو الهي وأخاف ذنبي ***ولست أرجوغير عفو ربي

يا ابن الوليد بغضكم في قلبي ***كالهضب بل فوق قنان الهضب

ولما كاد أن يخالطه بالرمح، توارى عبد الرحمن في العجاج، واستر بأسنة أصحابه، ورجع عبد الرحمن مقهورة، وانكسر معاوية، وبلغ أيمن ابن خزيم ما لقي معاوية واصحابه، فشمت کم، وكان ناسكة من أنسك أهل الشام، وكان معتز" الحرب في ناحية عنها فقال ( 73/8 ):

معاوي إن الأمر لله وحده*** وإنك لا تسطيع ضرا ولا نفعا

عبأت رجالا من قريش لعصبة ***يمانية لا تستطيع لها دفعا

فكيف رأيت الأمر إذ جد جده*** لقد زادك المر الذي جئته جدعا

تعبي لقيس أو عدي بن حاتم*** والأشتر يا للناس أغمارك الجدعا

ص: 216

وتجعل للمرقال عمرو وأنه ***الليث لقي من دون غايته ضبعا

وأن سعيدأ إذ برزت لرمحه ***الفارس همدان الذي يشعب الصدعا

علي بضرب الدارعين بسيفه*** إذا الخيل أبدت من سنابكه نقعا

رجعت فلم تظفر بشيء تريده ***سوى قري أعيت وآبت بها طلعا

فدعهم فلا والله لا تستصيعهم*** مجاهرة، فاعمل لقهرهم خدعا

وأن معاوية أظهر لعمرو شماتة، وجعل يقرعه، ويوبخه، وقال :

لقد أنصفتكم؛ أن لقيت سعید بن قيس في همدان، وفررتم، وأنك لجبان یا عمرو.

فغضب عمرو، وقال :

فهل برزت إلى علي! إذ دعاك أن كنت شجاعة كما تزعم؟

وقال (73/8 ):

تسير الى ابن ذي يزد سعيد*** وتترك في العجاجة من دعاكا

فهل لك في أبي حسن علي*** لعل الله يمكن من قفاكا

دعاك الى البراز فلم تجبه*** ولو نازلته شربت يداكا

وكنت أصم - أذناواك عنها*** وكان سكوته عنها مناكا

فأب الكبش قد طحنت رحاه ***بنجدته وما طحنت رحاكا

فما أنصفت صحبك ياابن هند*** أتفرقه وتغضب من كفاكا

فلا والله ما أضمرت خيرا*** ولا أظهرت لي إلا هواكا

ص: 217

وخاطب معاوية فرسانه، الذين انقطعوا عنه بعد تلك المعركة، فقال (74/8) :

لعمري لقد أنصفت والنصف عادتي*** وعاين طعنافي العجاج المعاين

ولولا رجائي أن تؤوبوا بنهزة ***وان تغسلوا عارة وعته الكائن

الناديت للهيجا رجالا سواكم ***ولكنها تحمي الملوك البطائن

أتدرون من لاقيتم فل جيشكم*** لقيتم ليوثا أصحرتها العرائن

لقيتم صناديد العراق ومن بهم ***إذا جاشت الهيجاء تحمى الضعائن

وما كان منکم فارس دون فارس*** ولكنه ماقدر الله كائن

ولما سمع القوم ما قاله معاوية، أتوه فاعتذروا إليه، واستقاموا إليه على ما يجب.

وتقابل جيش عك من معاوية، وجیش همدان من الإمام علي عليه السلام، فشدت همدان على عك رجالة فأخذت السيوف أرجل عك، فنادى ابن مسروق (75/8):

و يا لعلي بركة كبرك الكمل

فبركوا تحت الجحف، فشجر قم همدان بالرماح، وتقدم شيخ من همدان وهو يقول (75/8 ):

بالبكيل لحمها وحاشد ***نفسي فداكم طاعنوا وجالدوا

حتى تخرمتكم القماصد ***وأرجل يتبعها سواعد

بذاك أوصى جدكم والوالد

ص: 218

وقام رجل من عك فارتجز، فقال (75/8 ):

تدعون همدان وندعو عكا ***بکو الرجال یالعك بکا

أن خدم القوم فبركآ بركا ***لاتدخلوا اليوم علیکم شکا

قد محك القوم فزيدوا محکا

والتقى القوم جميعا بالرماح، وصاروا الى السيوف، وتجالدوا حتى أدركهم الليل، فأنصرف كل إلى ناحيته، وقال عمرو في ذلك (76/8 ):

إن عكا وحاشدة وبكيلا ***كأسود الضرا ولاقت أسودا

وجثا القوم بالقنا وتساقوا ***بضباة السيوف موتا عتيدا

ازورار المناكب الغلب بالشم*** وضرب المسومين الخدودا

ليس يدرون ما الفرار ولوكا***نفرار لكان ذاك سديدا

يعلم الله ما رأيت من القوم*** ازورار ولا رأيت صدودا

غير ضرب فوق الطلي وعلى الهام*** وقرع الحديد يعلو الحديدا

ولقد قال قائل خدموا السو ***ق فخرت هناك ع قعودا

کبروك الجمال اثقلها الحمل*** فما مشتغل إلا وئيدا

ولما اشترطت عك والشعريون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة والعطاء فأعطاهم. لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية، وشخص ببصره اليه، حتى فشا ذلك في الناس، فبلغ علي عليه السلام فساءه، وجاءه عدي بن حاتم يلتمس عليا عليه السلام أن يعود الى القتال، فأخبره الإمام

ص: 219

عليه السلام أن عامة من معه اليوم يعصيه، وان معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه، وجاء المنذر بن أبي حميصة الوداعي :

وكان شاعر همدان وفارسها - وطلب منه العودة إلى الحرب قائلا :

والله لآخرتنا خير من دنياهم، ولعراقنا خير من شامهم، ولإمامنا أهدى من إمامهم وأنشده : -

إن عکاسالوا الفرائض والاش*** ع رسالوا جوائز بثنية

تركوا الدين العطاء وللفر*** ض فكانوا بذاك شر البرية

وسألنا حسن الثواب من الله ***وصبرا على الجهاد ونية

فلكل ماساله ونواه*** كلنا يحسب الخلاف خطية

ولأهل العراق أحسن في الحرب*** إذا ت دانت السمهرية

ولأهل العراق أحمل للثقل*** إذا عمت البلاد بلية

ليس منا من لم يكن في الله*** وليأياذا الولاء والوصية

فأثنى عليه علي عليه السلام، وانتهى شعره إلى معاوية، فقال : -

والله لأستميلن بالدنيا ثقاة علي، ولأعيش من فيهم الأموال حتى تغلب دنياي آخرته.

وطلب من فرسان عك بث العيون في معسكر علي عليه السلام، وعبأ منهم جيشا لمقاتلة العراق، وهنا نادي علي عليه السلام : يا لهمدان.

فأجابه سعيد بن قيس، فقال له عليه السلام : احمل

ص: 220

فحمل حتى خالط بالخيل، واشتد القتال، وحطمتهم همدان وألحقتهم بمعاوية، فجزع جزعة شديدة، فأثنى الإمام علي عليه السلام علی همدان، وفي هذا اليوم قال عليه السلام (78/8 ):

ولو كنت بوابا على باب جنة ***لقلت لهمدان ادخلي بسلام

ثم طلب عليه السلام من صاحب لواء همدان أن يكفيه أهل حمص فشدوا عليهم حتى ألجؤوهم قبة معاوية، فقال رجل من همدان عدادة في ارحب مرتجزة (78/8):

قد قتل الله رجال حمص*** روا بقول کذب وخرص

حرصاعلى المال وأي حرص*** قد نكص القوم وأي نكص

او عن طاعة الله وفحوى النص

ولما ردت خيول معاوية أسف وجرد سيفه وحمل في كماة أصحابه فحملت عليه فوارس همدان ففاز منها ركضا، وانكسرت كماته ورجعت همدان إلى مراكزها، فقال حجر بن قحطان الهمداني، يخاطب سعيد بن قيس (79/8 ):

ألا يا ابن قيس قرت العين إذ رأت*** فوارس همدان بن زید بن مالك

على عارفات للقاء عوابس***طوال الهوادي مشرفات الحوارك

معودة للطعن في ثغراتها ***يجلن فيحطمن الحصى بالسنابك

عباها علي لأبن هند وخيله*** فلولم يفتهاكان أول هالك

وكانت له في يومه عند ظنه ***وفي كل يوم كاسف الشمس حالك

ص: 221

وكانت بحمد الله في كل كربة ***حصونة وعزة للرجال الصعالك

فقل لأمير المؤمنين أن أدعنا ***متى شئت إنا عرضة للمهالك

ونحن حطمنا السمر في حي حمير ***وكندة والحي الخفاف السكاسك

وعك ولخم شائلين سياطهم*** حذار العوالي كالأماء العوارك

وتقدم الأصبغ بن نباته إلى الإمام علي عليه السلام واستأذنه أن يقدم فأذن

له فتقدم وأخذ الراية ومضى بها وهو يقول (82/8 ):

إن الرجاء ب القنوط یدمغ ***حتى متى يرجو البقاء الأصبغ

أما ترى أحداث دهر تنبغ ***فادبغ هواك، والأديم يدبغ

والرفق فيماقد تريد أبلغ ***اليوم شغل وغدة لا تفرغ

نادى الأشتر يوما أصحابه ، فقال :

أما من رجل يشري نفسه لله؟

فخرج أثال بن حجل بن عامر المنهجي فنادى بين العسكرین :

هل من مبارز؟

فدعا معاوية - وهو لا يعرفه – أباه حجل بن عامر المذهجي، فقال : دونك الرجل.

فبرز كل واحد منهما إلى صاحبه، فبدره بطعنة، وطعنه الغلام، وانتسبا فإذا هو ابنه، فنزلا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، وبكيا، فقال له الأب :

يا بني : هلم إلى الدنيا .

ص: 222

فقال له الغلام :

يا أبي هلم إلى الآخرة.

ثم قال :

يا أبت والله لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام لوجب عليك ان يكون من رأيك أن تنهاني، واسوأتاه !فماذا أقول لعلي عليه السلام وللمؤمنين الصالحين ؟ كن على ما أنت عليه، وأنا على ما أنا عليه فانصرف كل منهما إلى معسكره، وقال في ذلك حجل (83/8 ):

إن حجل بن عامر وأثالا ***أصبحا يضربان في الأمثال

أقبل الفارس المدجج في النقع ***أثال يدعو يريد نزالي

دون أهل العراق يخطر كالفحل***على ظهر هیکل ذيال

فدعاني له ابن هند ومازا*** القليلا صحبه أمثالي

فتناولته ببادرة الرمح ***وأهوى بأسمر عسال

فأطعنا وذاك من حدث الدهر*** عظيم، فتى يشيخ بحال

شاجرة بالقناة صدر أبيه ***وعزيز علي طعن أثال

لا أبالي حين أعترضت أثا*** وأثال کذاك ليس يبال

فافترقنا على السلام والنف ***سيقيها مؤخر الآجال

الايراني على الهدى وأراه ***من هداي على سبيل ضلال

فلما انتهى شعره إلى أهل العراق، قال أثال ابنه مجيبا إياه ( 83/8 - 84):

ص: 223

إن طعني وسط العجاجة حجلا ***لم يكن في الذي نويت عقوقا

كنت أرجوبه الثواب من الله*** وكوني مع النبي رفيقا

لم ازل أنصر العراق على الشام*** أراني بفعل ذاك حقيقا

قال أهل العراق إذ عظم الخطب ***ونق المبارزون نقيقا

من فتى يسلك الطريق الى الله*** فكنت الذي سلكت الطريقا

حاسر الرأس لا أريد سوى المو ***ت أرى الأعظم الجليل دقيقا

فإذا فارس تقحم في الروع ***خوب مثل السحوق عقيقا

فبادرني حجل ببادرة الطعن*** وماكنت قبلها مسبوقا

فتلقيته بعالية الرمح ***كلانا يطال القیوقا

أحمد الله ذا الجلالة والقد ***رة حمدا يزيدني توفيقا

إذ كففت السنان عنه ولم أد*** نقتيلا منه ولا تفروقا

قلت للشيخ لست أكفر نعماك ***لطيف الغذاء والتفنيقا

فبراني أخاف أن تدخل النار ***فلا تعصني وكن لي رفيقا

وكذا قال لي فغرب تغريبا*** وشرقت راجعأتشريقا

دعا معاوية، النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ومسلمة بن مخلد الأنصاري، ولم يكن معه من الأنصار غيرهما، وشکا لهما موقف الأنصار الذين مع علي عليه السلام منه في الحرب وأخذ يغمز الأنصار، فغضب الرجلان وردا كلامه وغمزه، ولما وصل کلام معاوية والرجلين إلى أنصار علي عليه السلام جمع

ص: 224

قیس بن سعد الأنصار وخطب فيهم وحثهم على تشديد الحرب على معاوية، ثم قال في ذلك (86/8):

يا ابن هند دع التوثب في الحر*** ب إذا نحن بالجياد سرينا

نحن من قد علمت فاد إذا شئ*** ت بمن شئت في العجاج إلينا

إن برزنا في الجمع نلقك في الخز*** رج ندعو في حربنا أبوينا

إن تشأ منك فارس فارس منا***وان ش ئت باللفيف التقينا

أي هذين ما أردت فخذه ***ليس منا وليس منك الهوينا

ثم لانسلخ العجاجة حتى*** تنجلي حربنالنا أو علينا

ليت ما تطلب الغداة أتانا*** أنعم الله بالشهادة عينا

وتحركت خیل معاوية غدوة، فظن قیس بن سعيد أن فيها معاوية، فحمل على رجل يشبهه، فضربه بالسيف فإذا هو ليس به، ثم حمل على آخر يشبهه فقنعه بالسيف ثم أنصرف وهو يقول (87/8 ):

قولوا لهذا الشاتمي معاوية ***أن كلما أو عدت ريح هاوية

خوفتنا أكلب قوم عاوية*** الي يا ابن الخاطئين الماضية

ترفل أرفال العجوز الجارية ***في أثر الساري ليالي الشاتية

فبعث معاوية النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري إلى قيس ليعاتبه ويسأله السلم فخرج النعمان فوقف بين الصفين وصار يخاطب قیسا فرد عليه قيس بما يفحمه ثم قال (88/8 ):

ص: 225

والراقصات بكل أشعث أغبر*** خوض العيون تحثها الركبان

ما ابن المخلد ناسيا ***أسيافنا ***فيمن نحاربه ولا النعمان

تركا البيان وفي العيان كفاية*** لوكان ينفع صاحبيه عيان

خرج عوف بن مجزأة المرادي /فارس الشام / فالتقى العكبر بن جرير الأسدي فارس أهل العراق، وقال ( 89/8):

بالشام أمن ليس فيه خوف بالشام عدل ليس فيه حيف بالشام جود ليس فيه سوف أنا ابن مجزأة وأسمي عوف هل من عراقي عصاه سيف يبرز لي وكيف لي وكيف فقال له العكبر (89/8 -90):

الشام محل والعراق ممطر*** بها أمام طاهر مطهر

والشام فيها أعور ومعور*** أنا العراقي وأسمي عكبر

ابن جرير وأبوه المنذر ***أدن، فأني في البراز قسور

فتطاعنا فقتل عوف ثم تقدم عکبر یرید معاوية فحال أصحابه بينه وبين الوصول إليه ورجع إلى صف العراق، ولم يكلم. فقال له علي عليه السلام :

ما دعاك الى ما صنعت؟ لا تلق نفسك إلى التهلكة.

قال : يا أمير المؤمنين أردت غرة ابن هند فحيل بيني وبينه، وكان العكبر شاعرة فقال (90/8 -91):

قتلت المرادي الذي كان باغيا***ينادي وقد ثار العجاج : نزال

ص: 226

يقول أنا عوف بن مجزاة والمنى ***لقاء ابن مجزاة بيوم قتال

فقلت له لما علا القوم صوته!***امنیت بمشبوح اليدين طوال

فأوجرته في ملتقى الحرب صعرة ***ملأت بها رعبأصدور رجال

فغادرته يكبو صريعا لوجهه*** ينوء مرارا في مكررجال

وقدمت مهري راكضأ نحو صفهم*** أصرفه في جريه بسمالي

أريد به التل الذي فوق رأسه** معاوية الجاني لكل خبال

يقول - ومهري يعرف الجري جامحا*** بفارسه - قد بان كل ضلال

فلما رأوني أصدق الطعن فيهم*** جلى عنهم رحم العيوب فعالي

فقام رجال دونهم بسيوفهم*** وقام رجال دونه بعوالي

فلو نلته نلت الذي ليس بعدها*** وفزت بفكر صالح وفعال

ولو مت في نيل المنى ألف موتة*** لقلت إذا مامت: - لست مبال

فأبكر أهل الشام لقتل عوف المرادي، وهدر معاوية دم العكبر فقال العكبر :

- يد الله فوق يده.

وقال الحضرمي يرثي ذا الكلاع وجوشعا (92/8 ):

معاوي قد نلنا ونيلت سراتنا ***وجع احياء الكلاع ويعصب

فذو كلع لا يبعد الله داره ***وكل أيمان قد أصيب بحوشب

هما ما هما كانا معاوي عصمة*** متى قلت كانا عصمة لا أكذب

ولو قبلت في هالك بذل فدية ***ف ديتهما ب النفس والأم والأب

ص: 227

طلب معاوية من بسر بن أرطأة مبارزة علي عليه السلام وكان عنده ابن عم له جاء من الحجاز يخطب ابنته، فأبى بسر، فقال له :

إني سمعت أنك وعدت من نفسك أن تبارز علية، فما يدعوك إلى ما أري؟

قال :

الحياء، خرج مني كلام فأنا أستحي أن أرجع عنه، فضحك الغلام وقال (95/8 ):

تنازله یا بسر إن كنت مثله ***وإلا فإن الليث للشاء آكل

كأنك يا بسرابن أرطأة جاهل*** بآثاره في الحرب أو متجاهل

معاوية الوالي وصنواه بعده*** وليس سواء مستعار وثاكل

أولئك هم أولى به منك أنه ***علي فلا تقربه أمك هابل

متى تلقه فالموت في رأسه رمحه*** و سيفه شغل لنفسك شاغل

وما بعده في آخر الخيل عاطف*** ولا قبله في أول الخيل حامل

فقال بسر :

هل هو إلا الموت؟ لابد من لقاء الله .

فغدا علي عليه السلام منقطعة عن خيله ويده في يد الأشتر وهما يتسایران رویدا. يطلبان التل ليقفا عليه، إذ برز له بسر مقنعة بالحديد، لا يعرف، فناداه أبرز ألي أبا حسن.

فانحدر إليه على تؤدة غير مكترث به حتى إذا قاربه طعنه وهو دارع فألقاه إلى

ص: 228

الأرض، ومنع الدرع السنان أن يصل إليه، فاتقاه بسر بعورته، وقصد أن يكشفها، يستدفع بأسه، انصرف عنه عليه السلام مستدبر، فعرفه الأشتر حين سقط. فقال :

- يا أمير المؤمنين هذا بسر بن أرطأة، هذا عدو الله وعدوك .

فقال :

- دعه عليه لعنة الله . أبعد أن فعلها.

فحمل ابن عم بسر من أهل الشام على علي عليه السلام، قال (96/8 ):

أرديت بسرا والغلام ثائره ***أرديت شيخا غاب عنه ناصره

وكلناحام لبسر واتره

فلم يلتفت إليه علي عليه السلام وتلقاه الأشتر فقال له (96/8 ):

في كل يوم رجل شيخ شاغره وعورة وسط العجاج ظاهره تبرزها طعنة كف واتره عمرو وبسر منيا بالفاقره فطعنه الأشتر فکسر صلبه وقام بسر من طعنة علي عليه السلام موليا،

وفرت خيله، وناداه علي عليه السلام :

یا بسر، معاوية كان أحق بهما منك. فرجع بسر الى معاوية، فقال له معاوية : ارفع طرفك، فقد أدال الله عمر منك. قال الشاعر في ذلك (96/8 -97):

ص: 229

أفي كل يوم فارس تندبونه*** له عورة تحت العجاجة بادية

يكف بها عنه علي سنانه ***ويضحك منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه ***وعورة بسر مثلها حذو حانية

فقولا لعمر وابن أرطأة أبصرا ***سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما*** هما كانتا للنفس - والله - واقية

فلولاهمالم تنجوا من سنانه*** وتلك بما فيها عن العود ناهية

وكونا بعيدأ حيث لا يبلغ القنا*** ونار الوغى، إن التجارب كافية

وإن كان منه بعد للنفس حاجة فعود إلى ما شئتما هي هاهي

بعد ملاومة وخصام ومعاتبة في مجلس معاوية بين رهطه وقريش خرج عتبة بن أبي سفيان فنادى على مبعدة من فرسان علي عليه السلام وحاول استرضاءه ومفاوضته إلا أن جعدة رده بحزم، فغضب عتبة وفحش على جعدة فلم يجبه وأعرض عنه، وجمع كل عسكره وباشر جعدة يوم ذاك القتال بنفسه، وجزع عتبة فأسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية فقال له :

فضحك جعدة، هزمتك لا تغسل رأسك منها أبدا .

وحظي جعدة بعدها عند علي عليه السلام.

وقال النجاشي، فيما كان من فحش عتبة على جعدة (99/8 -100):

إن شتم الكريم يا عتب خطب ***فاعلمنه من الخطوب عظيم

أمه أم هانئ وأبوه ***من مع ومن لؤي حميم

ص: 230

ذاك منها هبير بن أبي وه*** ب أقرت بفضله مخزوم

كان في حربه يعدبألف***حيث يلقى بها القروم القروم

وابنه الجيدة الخليفة منه***هکذا تنبت الفروع الأروم

كل شيء تريده فهوفيه ***حسبه ثاقب ودین قویم

وخطيب إذا تمرت الأوجه*** يخشی به الألد الخصيم

وحليم إذا الحبی حله الجه ***ل، وخفت من الرجال الحلوم

وشكيم الحروب قد علم النا ***س إذا دخل في الحروب الشكيم

وصحيح الأديم نقل العيب*** إذا كان لا يصح الأديم

حامل للعظيم في طلب الحمد*** إذا عظم الصغير اللئيم

ما عسى أن تقول للذهب الأحمر ***عيباهيهات منك النجوم

كل هذا بحمد ربك فيه ***وسوى ذاك كان وهونظيم

وقال الأعور الشني في ذلك يخاطب عتبة بن أبي سفيان (100/8 ):

ما زلت تظهر عطفيك أبهة ***لا يرفع الطرف منك النية الصلف

لا تحسب القوم إلا فقع قرقرة*** او شحمة بهاشا لها نطف

حتى لقيت ابن مخزوم وأي فتى*** أحيامآثر أباء له سلفوا

إن كان رهط أبي وهب جحاجحة ***في الأولين فهذا منهم خلف

أشجاك جعدة إذ نادى فوارسه*** حاموا على الدين والدنيا فما وقفوا

هلا عطفت على قوم بمصرعة*** فيها السكون وفيها الأزد والصدف

ص: 231

قد كنت في منظر من ذا ومستمع ***يا عتب لولا سفاه الرأي والصلف

فاليوم يقرع منك السن من ندم*** ما للمبارز إلا العجز والنصف

كان رجل من أهل الشام يقال له الأصبغ بن ضرار الأزدي، من مسالح معاوية وطلائعه، فندب له علي عليه السلام الأشتر، فأخذه الأشتر أسيرة من غير قتال، فجاء به ليلا فشده وثاقة، وألقاه عند أصحابه ينتظر به الصباح، وكان الأصبغ شاعرة مفوها، فأيقن بالقتل، ونام أصحابه، فرفع صوته فأسمع الأشتر، وقال (101/8 ):

ألا ليت هذا الليل أصبح سرمدا***على الناس لا يأتيهم بنهار

يكون كذا حتى القيامة أنني ***أحاذر في الإصباح يوم بواري

فياليل أطبق، أن في الليل راحة ***و الصبح قتلي أو فكاك أساري

ولو كنت تحت الأرض ستين واديا ***لما روعتني ما أخاف حذاري

فيا نفس مهلأ إنما الموت غاية ***فصبرا على ما ناب يا ابن ضرار

أأخشى ولي في القوم رحم قريبة ***أبى الله أن أخشى ومالك جاري

ولو انه كان الأسير ببلده*** أطاع بها، شمرت ذيل إزاري

ولو كنت جار الأشعث الخير فکنى*** وقلا من الأمر المخوف فراري

وجارسعيد أو عدي بن حاتم*** وجارشریح الخير قرقراري

ولو أنني كنت الأسير لبعضهم ***دعوت فتى منهم لفك أساري

أولئك قومي لا عدمت حياتهم*** وعفوهم عني وستر عواري

ص: 232

فغدا به الأشتر إلى علي عليه السلام، فقال :

يا أمير المؤمنين، أن هذا الرجل من مسالح معاوية، أصبته أمس وبات عندنا الليل، فحركنا بشعره، وله رحم، فإن كان فيه القتل فاقتله؛ وان ساغ لك العفو عنه فهبه لنا؛ فقال :

هو لك يا مالك وإذا أصبت منهم أسيرة فلا تقتله، فإن أسير أهل القبلة لا يقتل، فرجع به الأشتر إلى منزله وخلى سبيله..

بعد ليلة الهرير خطب الأشعث أصحابه من كندة، فذكرهم بهذا اليوم العصيب وإنه لم ير مثله من قبل، ومما قال :

- إنا نحن إن تواقفنا غدة، إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات ... أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا.

فاستغل معاوية خطبة الأشعث فقال :

أصاب ورب الكعبة.

ثم قال لأصحابه :

- اربطوا المصاحف على أطراف القنا، وأصبحوا وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح، وقد قلدوها الخيل، والناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه، مصحف دمشق الأعظم يحمله عشرة رجال على رؤوس الرماح وهم ينادون :

- كتاب الله بيننا وبينكم.

فقام إلى الإمام علي عليه السلام كل من أبي الأعور السلمي وعدي بن

ص: 233

حاتم الطائي والأشتر وعمرو بن الحمق، والأشعث بن قيس وطلبوا منه الموادعة.

فقال عليه السلام:

- هذا أمر ينظر فيه .

وبعد خطبة له عليه السلام بين فيها أن معاوية وأصحابه ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وإنه يعرفهم مذ كانوا صغارا فكانوا شر صغار وشر رجال، وإن رفع المصاحف كلمة حق يراد بها باطل، وإنما الخديعة والوهن والمكيدة.

فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودت جباههم من السجود، يتقدمهم مسعر بن فذكي وزيد بن حصين وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين :

- يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه، وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فوالله لنفعلنها إذا لم تجبهم.

وعبثا حاول إخبارهم وإقناعهم بأنه هو أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه، وإنه إنما قاتلهم ليدينوا بحكم القرآن، فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونقضوا عهده، ونبذوا كتابه ، وأنهم ليس العمل بالقرآن يريدون.

قالوا :

فابعث إلى الأشتر ليأتينك.

وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الحرير أشرف على عسكر معاوية ليدخله،

ص: 234

فأرسل إليه يزيد بن هانيء، ولكن الأشتر رفض قائلا ليزيد :

- إئته فقل له : ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي؛ إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني.

فرجع يزيد إلى علي عليه السلام فأخبره، وفي هذه الأثناء ارتفع الرهج، وعلت الأصوات من قبل الأشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام فقال القوم لعلي عليه السلام :

- والله ما نراك أمرته إلا بالقتال.

فبعث يزيد ثانية إلى الأشتر ولما عاد الأشتر صار يخاطب أهل العراق ويزيدهم تقريعة، فسبوه وسبهم، وضربوا بسياطهم وجه دابته وضرب بسوط وجوه دوابهم، وصاح بهم علي عليه السلام فكفوا، فقام الإمام علي عليه السلام فخطب فيهم ومما قال :

إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورة، وكنت ناهيا فأصبحت منهية، وقد أجبتكم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ثم قعد.

ثم إن أهل الشام لما أبطأ عنهم علم حال أهل العراق، هل أجابوا إلى الموادعة أم لا؟ جزعوا وطلبوا من معاوية أن يكررها عليهم فأرسل إليهم عبد الله بن عمرو بن العاص، فأجابه سعد بن قيس الهمداني، فقام الناس إلى علي عليه السلام فقالوا له :

- أجب القوم إلى المحاكمة، ونادى إنسان من أهل الشام في جوف الليل

ص: 235

بشعر سمعه الناس وهو (214/2 -222):

رؤوس العراق أجيبوا الدعاء*** فقد بلغت غاية الشدة

وقد أودت الحرب بالعالمين ***وأهل الحفائظ والنجدة

فلسنا ولستم من المشركين ***ولا المجمعين على الردة

ولكن اناس لقوا مثلهم ***القاعدة ولكم عدة

فقاتل کل على وجهه*** يقحمه الجد والحدة

فان تقبلوها ففيها البقاء*** وامن الفريقين والبلدة

وان تدفعوها ففيها الفناء ***وكل بلاء الى مدة

فحتى متى مخض هذا السقاء ***ولابد أن تخرج الزبدة

ثلاثة رهط هم أهلها ***وان يسكتوا تخمد الوقدة

سعيد بن قيس وكبش العراق ***وذاك المسود من كندة

وكتب معاوية كتابة الى الامام علي عليه السلام. ومما قاله : أن نحكم بيني وبينكم حكمين مرضيين، أحدهما من أصحابي والاخر من أصحابك، فيحكمان بيننا بما أنزل الله ، فهو خيزلي ولك)).

فكتب اليه الامام علي عليه السلام، ومما قاله عليه السلام :

((ثم إنك قد دعوتني الى حكم القرآن وقد علمت أنك لست من أهل القرآن ولا حكمه تريد، والله المستعان، فقد أجبنا القرآن الى حكمه ولسنا ایاك أجبنا، ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا)).

ص: 236

وتكاتب الامام علي مع عمروبن العاص عدة كتب وعضه فيها ودعاه الى دین الحق وقال له :

((فان الذي اعجبك من الدنيا ما نازعتك اليه نفسك، ووثقت به منها المقلب عنك، ومفارق لك فلا تطمئن الى الدينا فانها غرارة، ولوا عتبرت بما مضى الحفظت مابقي، وانتقصت منها بماوعظت به)).

وجاء الاشعث الى علي عليه السلام واخبره برضى الناس وسرورهم الى مادعوا إلية من حكم القرآن، وقال :

-فإن شئت أتیت معاوية فسألته مایرید.

فأمره الإمام عليه السلام فذهب الى معاوية وسأله :

- لأي شيء رفعتم هذه المصاحف ؟

قال :

- لنرجع، نحن وانتم إلى ما أمر الله به فيها، فابعثوا رجلا منكم ترضون به، ونبعث منا رجلا، ونأخذ عليهما ان يعملا بما في كتاب الله ولا يعدوانه، ثم نتبع ما اتفقا عليه.

فقال الأشعث: هذا هو الحق.

ولما عاد إلى الإمام فأخبره فبعث عليه السلام قراء من أهل العراق وبعث معاوية قراء من أهل الشام. فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف، فنظروا فيه وتدارسوا.. فرضي قراء الشام بعمرو بن العاص ورضي قراء العراق بأبي موسى

ص: 237

الاشعري، ولكن الامام علي عليه السلام لم يرض بالاشعري بل رشح ابن عباس. ولكن الاشعث عارض فاقترح الإمام عليه السلام أن يكون الاشتر، ولكن الاشعث أصر أن يكون الأشعري هو الحكم. فنزل الامام عند طلبه فجاء الاشتر والاحنف بن قيس وابن الكواء علي عليه السلام وطلبوا منه عدم النزول عند رأي الأشعث وأصحابه .

فلما بلغ ذلك أهل الشام، بعث ایمن بن خزيم الاسدي، وكان معتزلا معاوية بهذه الأبيات، وكان هواه أن يكون الأمر لأهل العراق (2/ 231) :

لوكان للقوم رأي يعصمون به ***من الضلال رموكم ياابن عباس

لله در ابية انما رجل ***ما مثله لفصال الخطب في الناس

لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن***لايهتدي ضرب أخماس لاسداس

ان يخ عمرو به يقذفه في لجج ***هوي به النجم تيسأبين أتياس

ابلغ لديك علي غير عاتبه ***قول امرىء لايرى بالحق من باس

ما الأشعري بمأمون أبا حسن*** فاعلم هديت فليس العجز كالراس

فاصدم بصاحبك الادنى زعيمهم ***ان ابن عمك عباس هو الآسي

ولما بلغ الناس هذا الشعر، طارت أهواء قوم من اولیاء علي عليه السلام

وشيعته الى ابن عباس، وأبت القراء إلا أبا موسی.

وكان أيمن بن خزيم رج؟ عابد مجتهدة، وقد كان معاوية جعل له فلسطين ، على أن يتابعه ويشایعه على قتال علي عليه السلام، فقال أيمن وبعث بما اليه (223/2):

ص: 238

ولست مقاتلا رجلا يصلي ***على سلطان آخر من قريش

له سلطانه وعلي إثمي*** معاذا الله من سفير وطيش

أأقتل مسلما من غير جرم ***فليس بنافعي ماعشت عيشي

فلما رضي أهل الشام بعمرو، وأهل العراق بابي موسى، أخذو في سطر كتاب الموادعة، وكانت صورته :

(هذا ماتقاضى عليه على أمير المؤمنين ومعاوية أبن أبي سفيان).

فقال معاوية :

- بئس الرجل أنا أن أقررت انه أمير المؤمين ثم قاتلته!

وقال عمرو :

- بل نكتب اسمه واسم أبيه ؟ انما هو اميركم، فاما اميرنا فلا.

فلما اعيد الكتاب امر بمحوه. فقيل للامام علي عليه السلام أن لا يمحو صفحتة امير المؤمنين فذكرهم بان هذا اليوم صلح الحديبية، اذ حذفت كلمة رسول الله من النبي محمد صلى الله عليه وأله عندما طلب النبي من الامام علي عليه السلام ذلك قائلا :

((ياعلي، إني لرسول الله. وان محمد بن عبد الله، لن يمحو عني الرسالة كتابي لهم : من محمد بن عبد الله، فاكتبها وامح ما اراد محوه، اما انك مثلها ستعطيها وانت مضهد)).

وكتبوا کتاب الصلح وشهد على الكتاب شهود وقريء الكتاب على أهل

ص: 239

العراق والشام فرضو به. وارتفعت أصوات تعارض في الكتاب وتطالب الرجوع عنه، فقال الامام علي عليه السلام :

- بعد أن كتبناه ننقضه ! أن هذا لايحل. وقال عليه السلام :

- ان ما فعلت مافعلت لما بدا فيكم من الحور والفشل عن الحرب.

وهكذا دعا معاوية عمرو بن العاص وصار يحذره من الاشعري ويوصيه.

وخرج عمرو مغضبا كانه كره ان يوصي ثقة بنفسه. وقال لاصحابه حين خرج :

- انما اراد معاوية أن يصغر امر ابي موسى لأنه علم اني خادعه غدا. فاحب ان يقول : أن عمرو لم ينخدع اريبا. فقد كدته بالخلاف عليه.

وقال في ذلك (241/2-242):

يشجعني معاوية بن حرب*** كأني للمؤدب مستكين

واني عن معاوية غني ***بحمد الله والله المعين

وهون امرعبد الله عمدأ ***وقال له على ما كان دين

فقلت له ولم اردد عليه ***مقالته وللشاكي أنين

توى أهل العراق يذب عنهم ***وعن جيرانهم رجل مهين

فلو جهلوه لم يجهل علي ***وغث القول يحمله السمين

ولكن خطبهم فيهم عظيم*** وفضل المرء فيهم مستبين

فإن أظفر فلم أظفر بوعد ***وإن يظفر فقد قطع الوتين

ص: 240

الا ياعمرو عمرو قبيل سهم ***امن طب اصابك ذا الجنون

دع البغي الذي أصبحت فية ***فان البغي صاحبه لعين

الم تهرب بنفسك من علي*** بصفين وانت بها حنين

حذار أن تلاقيك المنايا*** وكل فتى سيدركه المنون

ولسنا عائبين عليك الا*** لقولك انني لا استكين

ثم أقبل الناس على قتلاهم فدفنوهم.

كان حابس بن سعد الطائي قد قتل في صفين فمر به عدي بن حاتم، ومعه ابنه زيد، فرآه قتيلا فأخبر أباه أنه خاله فلعنه أبوه ولعنه خاله ولما سأل عن قاتل خاله خرج اليه رجل من بكر بن وائل، فقال : أنا قتلته.

فحمل عليه زید فطعنه بالرمح وقتله، فصار أبوه يسبه ویشتمه فضرب زید

فرسه فلحق بمعاوية وادنى مجلسه، وقال زيد في قتل البكري ( 243/2 - 244):

(و) من مبلغ ابناء طبي بأنني ***ثارت بخالي ثم لم اثأثم

تركت أخا بکرينوء بصدره*** بصفين مخضوب الجبين من الدم

وذكرني تأري غداة رأيته ***قتيلا عن الأهوال ليس بمحجم

قتيلا يظل الحي يثنون بعده ***عليه بای من نراه وأنعم

لقد فجعت طي بحلم ونائل ***وصاحب غارات ونهب مقسم

لقد كان خالي ليس خال كمثله*** دفاع ألظيم واحتمالا لمغرم

ولما اراد أبو موسى المسير قام اليه شریح بن هاني فاخذ بيده واوصاه بالثبات

ص: 241

في الحق والحذر من الخديعة وقال له (245/2 ):

ابا موسی رميت بشر خصم ***فلا تضع العراق فدتك نفس

واعط الحق شامهم وخذه*** فان اليوم في سهل كأمس

وان غدا يجيء بما عليه ***کذاك الدهر من سعدونحس

ولا يخدعك عمرو أن عمروا*** عدو الله مطلع كل شمس

له خدع يحار العقل منها ***مموهة مزخرفة بلبس

فلا تجعل معاوية بن حرب*** کشيخ في الحوادث غیر نکس

هداه الله للاسلام فردا ***سوى عرس النبي واي عرس

فقال ابو موسی :

- ماينبغي لقوم اتموني أن يرسلوني لادفع عنهم باط، او اجر اليهم حقا. ومثل هذا نصحه عبد الله بن عباس بكلام بليغ، ومما قاله :

- أن الناس لم يرتضوك لفضل عندك لم تشارك، فقال بعض شعراء قریش (212/2) :

والله ماكلم الأقوام من بشر*** بعد الوصي علي كابن عباس

اوصى ابن قيس بامر فيه عصمته ***لو كان فيها ابو موسی من الناس

اني اخاف عليه مكر صاحبه*** ارجو رجاء مخوف شيب بالياس

وكان النجاشي صديقة لابي موسى، فكتب اليه يحذره من عمرو بن العاص (248 - 246/2) :

ص: 242

يؤمل أهل الشام عمروا وانني ***الأمل عبد الله عند الحقائق

وان أبا موسى سيدرك حقنا ***اذا مارمى عمروا باحدى البوائق

وحققه حتى يدر وريده*** ونحن على ذاكم كاحقق حانق

على أن عمروا لا يشق غباره ***اذا ماجرى بالجهد اهل السوابق

فلله ما يرمي العراق وأهله*** به منه ان لم يرمه بالصواعق

فكتب اليه ابو موسی :

- اني لارجو ان ينجلي هذا الأمر، وأنا فيه على رضا الله سبحانه .

ثم أن شریح بن هاني جهز أباموسی جهازة حسنة، وعظم امره في الناس

ليشرف في قومه، فقال الاعور الشني في ذلك يخاطب شريحا( 248/2 ):

زففت ابن قيس زفاف العروس ***شريح الى دوحة الجندل

وفي زقك الأشعري البلاء ***ومايقض من حادث ينزل

وما الأشعري بذي اربه*** ولاصاحب المظهر الفيصل

ولا آخذأ حظ أهل العراق ***ولا قيل هاخذه لم يفعل

يحاول عمروا وعمروله ***خداع ويأتي من علي

فان يحكما بالهدى يتبعا ***وان يحكما بالهوى الاميل

يكونا كتيسين في قفرة ***يكونا نقيقامن الحظنل

فقال شريح:

- والله لقد تعجلت رجال مساءتنا في ابي موسى، واطعنوا عليه بأسوء

ص: 243

الطعن، وظنوا فيه ما لا عصمة منه ان شاء الله .

وسار مع عمرو بن العاص شرحبيل بن السمط في خیل عظيمة، حتى اذا أمن عليه خيل أهل العراق ودعه. واوصاه، وودعه كما ودع شريح أبا موسی بعد آن اوصاه . وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس؛ اخذ بيده واوصاه بكلام له معني تاريخي، ولكي يختبر ما في نفسه لعلي عليه السلام قال له :

- فان لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي، فليختر أهل العراق من قریش

الشام من شاؤوا، أو فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاؤوا.

فقال ابو موسی :

- قد سمعت ما قلت.

ولم ينكر ما قاله من زوال الامر عن علي عليه السلام

فرجع الاحنف الي علي عليه السلام فقال له :

- اخرج ابو موسی والله زبدة سقائه في أول مخضه : لا أرانا الابعثنا رجلا لاینکر خلعك.

وشاع وفشا أمر الاحنف وأبي موسى في الناس، فبعث الصلتان العبدي وهو بالكوفة الى دومة الجندل بهذه الابيات ( 249/2 -250):

لعمرك لا الفى مدى الدهر خالعا*** عليا بقول الاشعري ولاعمرو

فان يحكما بالحق نقبله منهما ***والا اثرناها كراغية البكر

ولسنا نقول الدهر ذاك اليهما ***وفي ذاك لوقلناه قاصمة الظهر

ص: 244

ولكن نقول: الأمر والنهي كله*** اليه، وفي كفيه عاقبة الامر

وما اليوم الا مثل امسي واننا ***لفي وشل الضحضاح اولجة البحر

فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى واستبطأه القوم وظنوا به الظنون.

ولما أبطأت الاخبار على معاوية بعث المغيرة بن شعبة، وكان مقيمة بالطائف لم يشهد الحرب - فاتی دومة الجندل فدخل على أبي موسی کالزائر له فقال :

- یا اباموسی، ما تقول فيمن أعتزل هذا الأمر وكره الدماء؟

قال :

- أولئك خير الناس، خفت ظهورهم من دمائم، وحمصت بطوهم من أموالهم.

ثم أتى عمروة فاجابه على سؤاله فقال :

- أولئك شر الناس، لم يعرفوا حقا، ولم ينكروا باطلا.

فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له :

- قد ذقت الرجلين : أما عبد الله بن قيس (الاشعري) فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر. وهو في عبد الله بن عمر، واماعمرو بن العاص فهو صاحبك الذي تعرف وقد ظن الناس انه يرومها لنفسه، وانه لايرى انك أحق بهذا الأمر منه. وكان عمرو بن العاص يقدم اباموسى الأشعري في الكلام في دومد الجندل بقوله :

ص: 245

- انك حمیت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلي، وانت اكبر مني سنة فتكلم أنت، ثم اتكلم أنا. فجعل ذلك سنة وعادة بينهما، وانما كان مكرة وخديعة واغترارة ان يقدمه. فيبدأ يخلع علي ثم يرى رأيه. وزيادة في طمأنته اعطاه صدر المجلس، وكان لا يتكلم قبله، واعطاه التقدم في الصلاة والطعام، لا يأكل حتى يأكل، وإذا خاطبه فانمايخاطبه بأجل الأسماء، ويقول له :

- یا صاحب رسول الله

حتى اطمأن اليه، وظن انه لايغشه، وبعد أن اطمأن عمرو محابيته لأبي موسى سأله رأيه فقال :

- أرى أن تخلع هذين الرجلين، ونجعل الأمر شوری بين المسلمين، يختارون من شاؤوا۔

فقال ابوموسی :

- الرأي والله مارأيت.

فأقبلا الى الناس وهم مجتمعون فبدأ أبو موسى الكلام فأخبرهم بما اتفقا عليه، وصدق عمرو. وقدمه ليتكلم فدعاه ابن عباس أن يترك الكلام لعمرو أولا ومما قاله له ابن عباس :

- ولا أمن أن يكون قد اعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فاذا قمت في الناس خالفك.

وكان أبو موسی رجلا مغفلا.

ص: 246

فقال :

- ایها عنك انا قد اتفقنا :

فتقدم أبوموسی، وبعد الحمد قال : وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع معاوية وعلي، وان يستقبل هذا الأمر فيكون شوری بين المسلمين يولون امورهم من احبوا. واني خلعت علية ومعاوية؛ فاستقبلوا اموركم، وولوا من رأيتموه لهذا الامر، اهلا. ثم تنحي.

فقام عمرو بن العاص فقال :

أن هذا قد قال ماسمعتم. وخلع صاحبه، وانا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة فانه ولي عثمان والطالب بدمه، واحق الناس بمقامه.

فقال له ابو موسی :

- مالك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت انما مثلك.. كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث وان تتركه يلهث)).

فقال عمرو :

انما مثلك ((کمثل الحمار يحمل اسفارا)).

وحمل شریح بن هانيء على عمرو فقنعه بالسوط، وحمل ابن عمرو على شریح فقنعه بالسوط، فقام الناس فحجزوا بينهما. والتمس أصحاب علي عليه السلام أبا موسی فرکب ناقته ولحق بمكة

ص: 247

وكان ابن عباس يقول :

- قبح الله اباموسی، لقد حذرته، وهديته الى الرأي فماعقل.

ورجع عمرو الى منزله من دومة الجندل فكتب الى معاوية (2 /250 - 257):

اتتك الخلافة مزفوفة ***هنيئا مريئاتقر العيونا

تزف اليك زفاف العروس ***بأهون من طعنة الدار عينا

وما الاشعري بصلد الزناد*** ولا خامل الذكر في الاشعرينا

ولكن اتيحت له حية ***يظل الشجاع لها مستكينا

فقالوا وقلت وكنت امرا***جهجه بالخصم حتى يلينا

فخذها ابن هند على بعدها*** فقد دافع الله ماتحذرونا

وقد صرف الله عن شامكم ***و عدو مبيناوحربا زبونا

وقام کردوس بن هاني مغضبا فقال ( 257/2 ):

الا ليث من يرضى من الناس كلهم*** بعمرو وعبد الله في لجة البحر

رضينا بحكم الله لا حكم غيره*** وبالله ربا والنبي وبالذكر

وبالاصلع الهادي علي أمامنا*** رضينا بذاك الشيخ بالعسر واليسر

رضينا به حيا وميتا وانه*** أمام هدى في الحكم والنهي والامر

فمن قال لا قلنا بلى ان امره*** الأفضل ما يعطاه في ليلة القدر

ومالابن هند بيعة في رقابنا ***وما بيننا غير المنقفة السمر

ص: 248

وضرب يزيل الهام عن مستقره*** وهيهات هيهات الرضا آخر الأمر

ابتلي اشياخ الاراقم ستة ***أسب بها حتى أغيب في القبر

فتشاتم عمرو وابو موسی من ليلته، فاذا ابن عم لابي موسى يقول (2092) :

أبا موسى خدعت وكنت شيخا*** قريب القمر مدهوس الجنان

رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس*** بامر لاتنوء به بدان

وقد كنا نجمجم عن ظنون*** فصرحت الظنون عن العيان

مفض الكف من ندم وماذا ***يرد عليك عظك بالبنان

وشمت أهل الشام بأهل العراق، وقال كعب بن جميل شاعر معاوية (259- 258/2)

كأن اباموسى عشية اذرح ***يطوف بلقمان الحكيم بواربه

ولما تلاقوا في تراب محمد***نحت بابن هند قریش مناسيه

سعي بابن عفان ليدرك ثأره***وآوی عباد الله بالثار طالبه

وقد غشيتنا في الزبير غضاضة*** وطلحة أذقامت عليه نوادبه

فرد ابن هند مكله في نصابه *** ومن غالب الاقدار فالله غالبه

وما لابن هند من لؤي بن غالب***نظیر وان جاشت عليه اقاربه

فهذاك ملك الشام واف سنامه***وهذاك ملك القوم قد جب غاربه

يحاول عبد الله عمروا وانه *** ليضرب في بحر عريض مذاهبه

ص: 249

دحادهوة في صدره فهدت به ***الى اسفل الجب الظنون كواذبه

فرد عليه رجل من أصحاب علي عليه السلام ( 259/2 ):

غدرتم وكان الغدر منكم سجية ***فماضرنا غدر الليئم وصاحبه

وسميتم شر البرية مؤمنا ***كذبتم فشر الناس للناس كاذبه

وقال كعب بن جميل - وهو شاعر أهل الشام - بعد رفع المصاحف،

يذكر ایام صفين ويحرض معاوية (8 /40):

معاوي لاتنهض بغير وثيقة*** فانك بعد اليوم بالذل عارف

تركتم عبيد الله بالقاع مسندا*** يمج ثجيعأ والعروق نوازف

الا انما تبكي العيون لفارس ***بصفين جلت خيله وهو واقف

ينوء وثعلوه شآبيب من دم ***كما لاح في جيب القميص اللفائف

تبدل من أسماء اسياف وائل ***واي فتى لو أخطأته المتالف

وفرت تمیم: سعدها وربابها ***وخالفت الجعراء فيمن يخالف

وكتب معاوية الى ابي ايوب خالد بن زید الانصاري، . صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان سيدة معظمأ من سادات الانصار، وكان شيعة علي عليه السلام كتابة من سطر واحد: حاجيتك : ((لا تنس الشيباء ابا عذرها، ولا قاتل بكرها))

وكتب في أسفل كتابه (8 /44):

ابلغ لديك ابا ایوب مالكة ***انا وقومك مثل الذئب والنقد

ص: 250

اماقتلتم أمير المؤمنين فلا***ترجو الهوادة منا آخر الابد

ان الذي نلتموه ظالمین له*** ابقت حزازته صدعة على كبدي

اني حلفت يمينا غير كاذبة ***لقد قتلتم امامأغير ذي أود

لاتحسبوا انني انسى مصيبته*** وفي البلاد من الأنصار من احد

قد أبدل الله منكم خير ذي كلع ***واليحصبيين أهل الخوف والجند

ان العراق لنافقع بقرقرة***او شحمة بهاشا ولم يكد

والشام ينزلها الابرار بلدتها ***أم، وبيضتها بحرية الاسد

فكتب أيوب الى معاوية :

- اما بعد: فانك كتبت ((لاتنس الشيباء اباعذرها ولا قاتل بكرها)) فضربتها مثلا بقتل عثمان. وما نحن وقتل عثمان! ان الذي تربص بعثمان وثبط يزيد بن أسد، واهل الشام عن نصرته لأنت، وان الذين قتلوه لغير الأنصار.

وكتب في آخر كتابه (8 /45):

لا توعدنا ابن حرب اننا نفر ***الانبتغي ود ذي البغضاء من أحد

واسطوا جميعا بني الأحزاب كلكم*** لسنا نريد رضاكم آخر الابد

نحن الذين ضربنا الناس كلهم ***حتى استقاموا وكانوا عرضة الاود

والعام قصرك منا ان تبث لنا*** ضرب يزيل بين الروح والجسد

اماعلي فانالانفارقه ***مارفرف الأل في الدوية الجرد

اما تبدلت منا بعد نصرتنا*** دين الرسول - اناسا ساكني الجلد

ص: 251

لايعرفون أضل الله سعيهم*** الأوتباعكم ياراعي النقد

فقد بغى الحق حتما اثرذي كلع ***واليحصبيون طرأ بيضة البلد

فلما اتي معاوية كتاب أبي أيوب کسره بن الضحاك بن سفیان صاحب راية بني سليم مع معاوية مبغضا اياه واهل الشام وله هوى مع أهل العراق : وعلي بن ابي طالب عليه السلام وكان يكتب باخبار معاوية إلى عبد الله بن الطفيل العامري وهو مع أهل العراق فينجد بها عليا عليه السلام ولما كان الامام علي عليه السلام قد بعث بكتابه الى معاوية قبل ليلة الحرير بيومين أو ثلاثة. انه :

((مصبح معاوية ومناجز له)).

بعث ابن الضحاك إلى ابن الطفيل :

- اني قائل شعرة اذ عربه أهل الشام وارغم به معاوية. فقال ليلا لبستمع

أصحابه (15/ 120 - 121) :

الا ليت هذا الليل اطبق سرمدا*** علينا وانا لانرى بعده غدا

وياليته ان جاءنا بصباحه ***وجدنا الى مجرى الكواكب مصعدا

حذار علي انه غير مخلف*** مدى الدهر مالبي المليون موعدا

كأني به في الناس كاشف رأسه*** على ظهرخوار الرحالة اجردا

يخوض غمار الموت في مرحجنة*** ينادون في نقع العجاج محمدا

فوارس بدر والنضير وخيبر ***وأحد فيهزون الصفيح المهندا

ويوم حنين جالدوا عن نبيهم ***فريقا من الأحزاب حتى تبددا

ص: 252

هنالك لا تلوي عجوز على أبنها ***وأن كثرت من قول: نفسي لك الفدا

فقل لأبن حرب مالذي أنت صانع*** أتثبت أم ندعوك في الحرب قعددا

وظني بأن لا يصبر القوم موقفا ***يقفه وأن لم يحرك الدهر للمدى

فلا رأي إلا تركنا الشام جهرة ***وأن أبرق الفجفاج فيها وارعدا

وتناقل الناس كلمة علي عليه السلام :

((لأناجزهم مصبحا)).

فقال الأشتر ( 121/15 -122):

قددنا الفضل وللسل***م رجال وللحروب رجال

فرجال الحروب كل خبر سر***ومقحم لا تهده الأهوال

يضرب الفارس المدجج بالسي ***ف إذا خريفي الوغى الأكفال

يا ابن هندش الحيازيم للمو ***ت ولا تذهبن بك الأمال

إن في الصبح أن بقيت لأمرا ***ناوی من هوله الأبطال

أن تكونوا قتلتم النفر البيض ***وغالت أولئك الآجال

فلنا مثلهم غداة التلاقي ***وقليل من مثلهم إبدال

يخصبون الوشيج طعنا إذا جر ***ت من الموت بينهم أذيال

طلب الفوز في المعاد وفيه***تستهان النفوس والأموال

فلما أتى معاوية كتاب علي عليه السلام أكتمه عن عمرو بن العاص أياما .

ثم دعاه فاقرأه أياه فشمت به عمر، ولم يكن أحد من قريش أشد أعظاما لعلي

ص: 253

عليه السلام من عمرو بن العاص منذ لقيه وصفح عنه، فقال عمرو فيما كان أثار به على معاوية (207/15 ):

ألا لله درك ياابن هند ***ودر الآمرين لك الشهود

أتطمع لا أبالك في علي ***وقدقرع الحديد على الحديد

وترجو أن تخبره بشك ***وتأمل أن يهابك بالوعيد

لقد كشف القناع وجرحربا*** يشيب لهولها رأس الوليد

له جأواء مظلمة طحون ***فوارسها تلهث كالأسود

يقول لها إذا رجعت اليه*** وقدمت طعان القوم عودي

ف ان وردت فأولها ورودا*** وأن صدت فلبس بذي صدود

وماهي من أبي حسن بنکر*** ولا هومن مسائك بالبعيد

وقلت له مقالة مستكين ***ضعيف الركن منقطع الوريد

دعن لي الشام حسبك يا ابن هند*** من السوءات والرأي الزهيد

ولو أعطاکهاما زدت عزا ***ولا لك لو أجابك من مزید

فلم تكسر بذاك الرأي عودا***لركته ولا ما دون عود

وبعد التحكيم سمع معاوية أن عليا عليه السلام تحمل إليه مقب"، هاله ذلك فخرج من دمشق معسكر) وبعث إلى كور الشام فصاح بها :

- إن عليا قد سار إليكم.

وكتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على الناس؛ ذكر في الكتاب كيف أن

ص: 254

الحكمين قد اتفقا على عدم نكث العهد الذي ثبتاه في كتاب التحكيم، ودعاهم الى أن يتجهزوا للحرب فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة، حتى قدمت عليهم عيونهم أن عليا أختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة وأنه قد رجع عنكم إليهم.

وكان عمار بن عقبة بن معيط مقيمة بالكوفة، وكان يكتب إلى معاوية بالأخبار سرة، وكان أخوه الوليد يبعث إليه شعرة يحرضه منه (115/2 -116):

وان يك ظني في عمارة صادقا ***ينم ثم لا يطلب بدهل ولا وتر

يبيت وأوتار ابن عفان عنده ***مجييمة بين الخورفق والقصر

تمشي رخي البال مستشار القوى*** كأنك لم تسمع بقتل أبي عمرو

إلا أن خير الناس بعد ثلاثة ***قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

فأجابه الفضل بن عباس بن عتبة (115/2 -116):

أتطلب ثأرا لست منه ولا له*** ولا لأبن ذكوان الصفوري والوتر

كما أفتخرت بنت الحمار بأمها ***وتنس أباها إذ تسامي أولو الفخر

ألا أن خير الناس بعد نبيهم*** و وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر

وأول من صلى وصنو نبيه*** واول من أردى الغواة لدى بدر

فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم ***لكانوا له من ظلمة حاجزي النصر

كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله ***وأن يسلموه للأحابيش من مصر

فعند ذاك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري إلى التجهز والذهاب إلى

ص: 255

الكوفة لأغراب الأعراب هناك والإغارة على المسالح، فأقبل الضحاك فنهب الأموال وقتل من لقي من الأعراب، فاستصرخ أمير المؤمنين عليه السلام الناس، عقب غارة الضحاك، فتقاعدو عنه، فخطبهم فقال :

ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم..

فخرج حجر بن عدي حتى مر بالسماوة فلم يزل مغذأ في اثر الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر، فوافقه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا، ومن أصحاب حجر رجلان، وحجز الليل بينهم، فمضى الضحاك، فلما أصبحوا لم يجدوا له وأصحابه أثرا .

وأصاب الضحاك في هربه من حجر عطش شديد، وفيما هو يبحث عن الماء سمع قائلا يقول (122/2 ):

دعاني الهوى فازددت شوقا وربما*** دعاني الهوى من ساعة فأجيب

وأرقني بعد المنام وربما ***أرقت لساري الهم حين يؤوب

فان أك قد أحببتكم ورأيتكم ***فأني بداري عامر لغريب

وعلى أثر هذه الوقفة كتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه أمير المؤمنين عليه السلام حين بلغه خذلان أهل الكوفة، وتقاعدهم به، طلبه فيه السماح له باللحوق به فكتب الإمام عليه السلام إلى أخيه بأنه لا حاجة له بذلك قائلا :

والله ما أحب أن تملكوا معي أن هلكت، ولا تحسبن ابن أمك - ولو أسلمه الناس - متخشعا ولا متضرعة، أنه لكما قال أخو بني سليم (120/2 ):

ص: 256

فأن تسأليني كيف أنت فأنني*** صبور على ريب الزمان صلیب

يعز علي إن ثرى بي كآبة ***فيشمت عاد أو يساء حبيب

ولما وضعت حرب صفين أوزارها وسلم الحسن عليه السلام الأمر إلى معاوية أخذ عبد الله بن هاشم بن عتبة الأمر قال أسير إلى معاوية ولما مثل بين يديه ، وعنده عمرو بن العاص، طلب منه أن يقتله قائلا :

لم تلد الحية إلا الحية.

ولما أجابه عبد الله جوابا مفحمة، إذ ذكره جزيمته أمام علي عليه السلام في صفين، أمر معاوية به إلى الحبس، فكتب عمرو إلى معاوية (31/8 36):

أمرتك أمرأ حازما فقصيتني*** وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

وكان أبوه يا معاوية الذي ***رماك على حرب بحز الغلاصم

فقتلنا حتى جرت من دمائنا ***بصفين أمثال البحور الخضارم

وهذا أبنه والمرء يشبه أهله*** ستقرع أن أبقيته سن نادم

فبعث معاوية بالشعر إلى عبد الله بن هاشم، فكتب في جوابه من السجن :

معاوي أن المرء عمرا أبت له ***ضغينة صدر ودهاغير سالم

يرى لك قتلي يا ابن حرب، وإنما ***يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم

على انهم لا يقتلون أسيرهم*** إذا كان فيه منعة للمسالم

وقد كان منا يوم صفين نفرة ***عليك، جناها هاشم وابن هاشم

قضى الله فيها ما قضى ثمت انقضى ***وماما مضى إلا كأخفات حالم

ص: 257

فأن تعف عني تعف عن ذي قرابة*** وأن تقتلي تستحل محارمي فأطرق معاوية طويلا حتى ظن أنه لن يتكلم، ثم قال :

أرى العفو عن عليا قريش وسيلة*** الى الله في اليوم العبوس القماطر

ولست أرى قتلي فتى ذا قرابة*** له نسب في الحي كعب وعامر

بل العفو عنه بعدما خاب قدحه ***وزلت به إحدى الجدود العواثر

وكان أبوه يوم صفين محنقة ***علينا، فاردته رماح بحابر

ص: 258

8. الخوارج

غلس علي عليه السلام بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء، عاشر شهر ربيع الأول، سنة سبع وثلاثين - وقيل عاشر شهر صفر، ثم زحف الى اهل الشام بعسكر العراق. والناس على رایا تم واعلامهم، وزحف اليهم اهل الشام وقد كانت الحرب أكلت الفريقين، ولكنها في أهل الشام اشد نكاية، واعظم وقعا، فقد ملوا الحرب، وكرهوا القتال وتضعضعت ارکانم.

اذ كان الأشتر قد حمل على اهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع وخرج رجل من أهل الشام طالبة من الامام علي عليه السلام أن يرجع أهل العراق الى عراقهم. فيخلي اهل الشام بينه وبين العراق. ويرجع أهل الشام الى شامهم فيخلي أهل العراق بينهم وبين الشام. ولكن الامام عليه السلام رفض هذه الدعوة قائلا :

- إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعص في الأرض وهم سکوت مذعنون؛ لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال أهون على من معالجة في جهنم .

ص: 259

فاشتد القتال بالنبل والحجارة والرماح والسيوف وعمد الحديد فاجتلدوا من صلاة الغداة من اليوم المذكور الى نصف الليل. وافترقوا عن سبعين الف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الحرير المشهورة.

وكان الأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة، وعلي عليه السلام في القلب والناس يقتتلون. ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى. ولما بلغ معاوية اندحار جيشه وانتصار جيش الامام علي عليه السلام لجأ الى عمرو بن العاص، فقال :

- یاعمرو : انما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل، فما ترى؟ فنصحه أن يلقي الى القوم امرة أن قبلوه. اختلفوا، وان ردوه اختلفوا، وهو: أن يدعوهم إلى كتاب الله. وكان رفع المصاحف المار ذكره في وقعة صفين، فوافقه معاوية، فاختلف اصحاب علي عليه السلام في الرأي : فطائفة قالت : القتال، وطائفة قالت المحاكمة الى كتاب الله، وكانت خديعة عمرو بن العاص، مع ابي موسى الأشعري. ونتيجة الاختلاف في الرأي خرج جماعة وفيهم قراء على الامام عليه السلام فسموا ب ((الخوارج)

ولما دخل الامام علي عليه السلام الكوفة دخل معه كثير من الخوارج، وتخلف منهم بالنخيلة، وغيرها خلق كثير لم يدخلوها. فدخل نفر من رؤوسهم عليه عليه السلام فقالوا له :

- تب من خطيئتك، واخرج بنا الى معاوية، نجاهده .

فاجابهم الامام عليه السلام :

ص: 260

- اني كنت قد نهيتكم عن الحكومة فابيتم. ثم الآن تجعلوها تبا؟

فقال له عليه السلام احدهم :

- أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لاقتلنك! اطلب بذلك وجه الله ورضوانه فقال عليه السلام :

- بؤسأ لك ما اشقاك!

وكانت الخوارج في اول ما انصرفت عن رايات علي عليه السلام تمدد الناس قتلا، فاتت منهم طائفة على النهر الى جانب قرية فقتلوا هناك عبد الله بن خباب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقروا بطن جارية له. فعزم علي عليه السلام على الخروج من الكوفة الى الحرورية، وهي قرية على بعد ميلين من الكوفة كان اجتماع الخوارج فيها فنسبوا اليها.

ولما انتهى اليها هو وعسكره رماهم الخوارج والامام عليه السلام يمنع عسكره الرد عليهم حتى تكرر الرمي منهم ثلاث مرات، فقال عليه السلام لهم :

- الان طاب القتال، احملوا عليهم. وكان أميرهم، اول ما اعتزلوا، ابن الكواء، ثم بايعوا لعبد الله بن وهب الراسبي، ولما واقفهم علي عليه السلام بالنهروان، قال : لاتبدؤوهم بقتال حتى يبدؤوكم.

فحمل منهم رجل على صف علي عليه السلام فقتل منهم ثلاثة ثم قال (2 /265-272):

أقتلهم ولا أرى عليا*** ولوبدا اوجرته الخطيا

ص: 261

فخرج اليه علي عليه السلام فضربه فقتله.

وكان الامام علي عليه السلام قد وجه اليهم عبد الله بن عباس ليناظرهم ولكن دون جدوى؟

اذ اعتقدوا أن الأمام مذنب، وعليه أن يتوب ! وهو الشرط الذي وضعوه العودتهم إلى صفه. وهكذا بدأ القتال بينه عليه السلام وبين الخوارج في النهروان فقتل منهم خلقا كثيرا.

وبعد وقعة النهروان اجتمع نفر من الخوارج بمكة فتذاكروا أمر المسلمين، فعابوهم وعابوا اعمالهم عليهم، وذكروا اهل النهروان، فترحموا عليهم وقال بعضهم لبعض:

- لو أن شرينا انفسنا لله عزوجل فاتينا أئمة الضلال وطلبنا غرتهم، وارحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا باخوتنا الشهداء بالنهروان. فتعاقدوا عند انقضاء الحج، فقال عبد الرحمن بن ملجم : انا اكفيكم عليا، وقال البرك بن عبد الله التميمي انه صاحب معاوية .

وقال عمروبن أبي بكر التميمي : انا اكفيكم عمرو بن العاص .

وتعدوا لشهر رمضان في الليلة التي قتل فيها ابن ملجم علي عليه السلام. وفيما يخص الامام علي عليه السلام فقد تنبأ بمقتله ومن يقتله وذلك يوم جمع عليه السلام الناس للبيعة، فجاءه عبد الرحمن بن ملجم فرده علي عليه السلام مرتين اوثلاثا، ثم مد يده فبايعه، فقال له علي عليه السلام :

ص: 262

ما يحبس أشقاها ! فوالذي نفسي بيده لتخضين هذه من هذه. ثم أنشد (6 /11-112):

اشدد حيازيمك للموت*** فان الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت اذا حل بوادیکا

وفي رواية أخرى... فلما بلغ ابن ملجم اعطاه عليه السلام وقال له (115/6):

اريد حياته ويريد قتلي*** عذيرك من خليلك من مراد

وصدق الامام عليه السلام اذ كمن له ابن ملجم في المسجد - بعد اتفاقه مع قطام بنت الاخضر فبعثت معه من يساعده - وضرب الامام على جبهته وذلك في ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة اربعين، وقيل ليلة سبع عشرة من شهر رمضان. فأدخل ابن ملجم على علي عليه السلام فقال عليه السلام :

- النفس بالنفس؛ إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وان سلمت رأيت فيه رأيي.

فقال ابن ملجم:

- ولقد اشتريته بالف - يعني السيف - وسمته بالف فان خانني فابعده الله.

فنادته أم كلثوم : يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين!

قال : انما قتلت أباك.

ص: 263

قالت : ياعدوالله، إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس.

قال : فاراك انما تبكين علية، اذا لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الارض لاهلكتهم. واخرج ابن ملجم من بين يديه عليه السلام وهو يقول (118/6-119):

(و) نحن ضربنا، يا ابنة الخير اذ طغى*** أباحسن مأمومة فتغطرا

ونحن حللنا ملكه من نظامه ***بضربة سيف اذ علا وتجبرا

ونحن كرام في الصباح أعزة*** اذا المرء بالموت ارتدي وتأزرا

وبعد أن فاضت روح الامام علي عليه السلام الى الخبير اللطيف فدفنه الحسن عليه السلام دعا بابن ملجم وامر بضرب عنقه، فاستوهبت أم الهيثم بنت الاسود الخنعية جثته منه عليه السلام فوهبها لها، فاحرقتها بالنار.

فقال ابن ابي مياس الفزاري، وهو من الخوارج (6 /125):

فلم أر مهر ساقه ذو سماحة*** كمهر قطام من غني ومعدم

ثلاثة آلاف وعبدوقينة*** وضرب علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من علي وان غلا ***ولا فتك إلآ دون فتك ابن ملجم

وقال عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ( 125/9 -126):

وهز علي بالعراقين لحية*** مصيبتها جلت على كل مسلم

وقال سيأتيها من الله نازل ***وينضبها أشقى البرية بالدم

فعاجله بالسيف شلت يمينه*** الشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم

ص: 264

فياضربة من خاسر ضل سعيه*** تبوأ منها مقعدا في جهنم

ففاز أمير المؤمنين بحظه ***وان طرقت احدى الليالي بمعظم

الا انما الدنيا بلاء وفتنة*** حلاوتهاشيبت بصاب وعقلم

وقال أحد بني عبد المطلب يرثي علي عليه السلام ولم يذكر أسمه (6 /126):

ياقبر سيدنا المجن سماحة ***صلى الاله عليك ياقبر

ماضر قبرا انت ساكنه ***ان لايحل بارضه القطر

فليذري سماح كفك بالثرى*** وليورق بجنبك الصخر

والله لوبك لم اجد أحدا*** الا قتلت لفاتني الوتر

ويجدر أن نذكر انه فيمن فارق الامام علي عليه السلام والتحق بمعاوية يزيد بن حجبية التميمي من بني تيم بن ثعلبة بن بكر بن وائل وكان عليه السلام قد استعمله على الري ودست بني فكسر الخوارج. واحتجن المال لنفسه، فحبسه عليه السلام. وجعل معه سعدة مولاه، فقرب يزيد ركائبه، وسعد نائم، فالتحق بمعاوية وقال (83/4 -84):

(و) خادعت سعدأ وارتحت بي ركابي*** الى الشام واخترت الذي هو افضل

وغادرت سعدة نائمأ في عباده*** وسعد غلام مستهام مضلل

وعندما وصل الرقة، وهي من حيز معاوية، عليها الضحاك بن قيس قال يهجوا الامام علي عليه السلام (84/4 ):

ص: 265

ياطول ليلي بالرقات ولم أنم ***من غير عشق حيث نفسي ولاسقم

لكن لذكر امور جمة طرقت*** أخشى على الأصل منها زلة القدم

اخشى عليا عليهم أن يكون لهم*** مثل العقور الذي عفى على إرم

وقد كان زیاد بن خصفة اليمني، قال لعلي عليه السلام يوم هرب یزید بن حجية :

ابعثني يا أمير المؤمنين في أثره ارده اليك. فبلغ قوله يزيد بن حجية فقال في ذلك (4 /84 -85) :

(و) ابلغ زيادة انني قد كفيته ***اموري وخليت الذي لا أعاتبه

وباب شديد موثق قد كفيته ***عليك، وقد اعيت عليك مذاهبه

هبلت اما ترجوغنائي ومشهدي ***اذا الخصم لم يوجد له من يجاذبه

فاقسم لولا أن أمك أمنا ***وانك موسى ما طفقت اعاتبه

واقسم لو أدركتني ما رددتني*** کلاة قد اصطفت إليه جلائبه

وكتب إلى العراق شعرة يذم فيه عليا عليه السلام، فدعا عليه وقال لأصحابه عقب الصلاة :

ارفعوا أيديكم فأدعوا عليه.

فدعا عليه وأمن أصحابه، وكان دعاؤه عليه السلام عليه : -

"اللهم أن يزيد بن حجية هرب بمال المسلمين ولحق بالقوم الفاسقين، فاكفنا مکره وکیده واجزه جزاء الظالمين".

ص: 266

ورفع القوم أيديهم يؤمنون.

وكان في المسجد عفاف بن شرحبيل بن أبي رهم اليمني شيخا كبيرة، فقال عفاف :

على من يدعو القوم؟

ولما أخبروه عنفهم فضربوه حتى كاد يهلك، فطلب زیاد بن خصفة أن يتركوا له ابن عمه فأمرهم عليه السلام بترکه ومشى معه ومسح التراب عن وجهه وعفاف يقول :

والله لا أحبكم ما سعيت ومشيت، والله لا أحبكم ما أختلفت الدرة الجرة، وزياد يقول :

ذلك أضر لك، ذلك شر لك.

وقال زیاد بن خصفة يذكر ضرب الناس عفافة (85/4 -86):

دعوت عفافأ للهدى فأستغثني*** وولى فريأ قوله وهو مغضب

ولولا دفاعي عن عفاف ومشهدي ***هوى بعفاف - عوض عنقاء مغرب

أنبئه أن الهدى في أتباعنا ***فيأبى، ويضربه المراء فيشغب

فان لا يشاعنا عفاف فأننا ***على الحق ما غنى الحمام المطرب

سيغني الأله عن عفاف وسعيه*** إذا بعثت للناس جواة محرب

قبائل من حي معبر ومثلها*** يمانية لاتنشني حين تندب

لهم عدد مثل التراب وطاعة ***تود، ويأس في الوغى لا يؤنب

ص: 267

ومن كلام له عليه السلام کلم به الخوارج قوله (129/4 ):

أصابکم حاصب، ولا بقي منكم أبر : أبعد أيماني بالله، وجهادي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، فأؤبوا شر قاب، وأرجعوا على أثر الأعقاب. أما أنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، وسيفا قاطعة، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة.

واعلم أن الخوارج على أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أصحابه وأنصاره في الجمل وصفين قبل التحكيم! وهذه المخاطبة لهم وهذا الدعاء عليهم، وهذه الأخبار عن حالهم، وقد وقع ذلك.. ولقد كان لهم من سيف المهلب بن أبي صفرة وبنيه الحتف القاضي، والموت الزؤام.

ونحن نذكر من أخبار الخوارج ها هنا طرفا.

فمنهم نجدة بن عويمر الحنفي، وكان من رؤسائهم، وله مقالة مفردة من مقالة الخوارج. وله أتباع وأصحاب؛ واليهم أشار الصلتان العبدي بقوله (133 - 132/4) :

أرى أمه شهرت سيفها ***وقد زيد في سوطها الأصبحي

بنجدية أو صرورية ***وأزرق يدعو إلى أزرقي

فملتنا أننا مسلمون ***علی دین صديقنا والنبي

أشاب الصغير وأفتى الكبير ***مر الغداة وكبیر العشي

إذا ليلة أهرمت يومها*** أتى بعد ذلك يوم فتي

ص: 268

نروح ونغدو لحاجتنا*** وحاجة من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجاته ***وتبقى له حاجة مابقي

وكان نجدة يصلي بحذاء عبد الله بن الزبير في جمعة في كل جمعة وعبد الله يطلب الخلافة فيمسكان عن القتال من أجل الحرم.

وقال الراعي يخاطب عبد الملك (133/4 ):

أني حلفت على يميني برة ***لا اكذب اليوم الخليفة قيلا

ما أن أتيت بما خبيت وافدأ ***يوما أريد لبيعتي تبديلا

ولما أتيت نجيدة بن عويمر*** أبغي الهدى فيزيدني تضليلا

من نعمة الرحمن لا من حيلتي ***أني أعدله علي فضولا

ولما حارب عثمان بن عبد الله بن مقمر الخوارج متحديا أياهم ولم ياخذ بنصيحة حارثة بن بدر الغداني، وحاربهم عثمان الى أن غربت الشمس فاجلت الحرب عنه قتيلا وانهزم الناس، وأخذ حارثة بن بدر الراية وصاح بالناس :

أنا حارثة بن بدر فثاب إليه قوم فعبر بهم دجية، وبلغ قتل عثمان البصرة فقال شاعر من بني تميم (142/4 ):

مضى ابن عبيس صابرا غير عاجز*** وأعقبنا هذا الحجازي عثمان

فارعد من قبل اللقاء ابن معمر*** وابرق، والبرق اليماني خوان

فضمت قريش غلها وسمينها*** وقيل بنوتیم بن مرة غزلان

فلولا ابن بدر للعراقين لم يقم*** و بماقام فيه للعراقين إنسان

ص: 269

إذا قيل من حامي الحقيقة؟ أومأت*** إليه معدبالأكف وقحطان

وكان حارثة بن بدر صاحب شراب معاقرة الخمرة فقال فيه رجل من قومه (143/4) :

ألم تر أن حارثة بن بدر ***يصلي وهو أكفرمن حمار

ألم تر أن للفتيان حظا*** وحظك في البغايا والعقار

وأن حارثة لما عقدوا له الحراسة، وسلموا إليه الراية، أمرهم بالثبات، وقال لهم :

إذا فتح الله لهم فللعرب زيادة فريضتين، وللموالي زيادة فريضة، وندب الناس فالتقوا وليس بأحد منهم قوة قد فشت فيهم الجراحات، وماتطأ الخيل الا على القتلى، فبينا هم كذلك، إذ أقبل جمع من الشراة من جهة اليمامة يقول المكثر : أهم مئتان، والمقتل أهم أربعون، فاجتمعوا وهم مريحون مع أصحابهم، فصاروا كوكبة واحدة فلما رآهم حارثة بن بدر ركض برايته منهزمة، وقال

لأصحابه (143/6 -144):

وكرينوا ودولبوا ***أو حيث شئتم فأذهبوا

وقال : ۔

أير الحمار فريضة لعبيدكم*** والخصيتان فريضة الأعراب

ولما استطاع المهلب بن أبي صفرة أن يهزم الخوارج قال شاعر من أزد (146/4) :

ص: 270

أن العراق وأهله لم يخبروا ***مثل المهلب في الحروب فسلموا

أمضى وأيمن في اللقاء نقيبة*** وأقل تهلي إذا ما أحجموا

وأبلی مع المغيرة - يؤميذ - عطية بن عمرو العنبري، من فرسان تميم وشجعاهم، ومن شعر عطية (146/4 ):

يدعى رجال للعطاء وإنما ***يدعى عطية للطعان الأجرد

وقال فيه شاعر من بني عطية (146/4 ):

مافارس إلا عطية فوقه*** إذا الحرب أيدت عن نواجذها الفما

به هزم الله الأزارق بعدما ***أباحوا من المصرين حلا ومحرما

وحمل رجل من الأزارق على رجل من أصحاب المهلب فقتله، فحمل عليه المهلب فطعنه فقتله، ومال الخوارج - بأجمعهم - على العسكر فأهمزم الناس وقتل منهم سبعون رجلا، وثبت المهلب وأبنه المغيرة يومئذ، وعرف مكانه .

ويقال جال المهلب جولة، ويقول الأزد، بل كان يرد المنهزمة ويحمي أدبارهم، وبنو تميم تزعم أنه فر، وقال شاعرهم (149/4 ):

بسولاف أضعت دماء قومي ***وطرت على مواشكة درور

وقال آخر من بني تميم (149/4 -150) :

تبعنا الأعور الكذاب طوعا*** يزجي كل أربعة حمارا

فياندمي على تركي عطائي*** معاينة وأطلبه ضمارا

إذا الرحمن يسرلي قفولا*** فخرق قرى سولاف نارا

ص: 271

دعى المهلب ب(الأعور الكذاب) لأصابة عينه بسهم، ولأنه كان يصطنع الأحاديث النبوية في صلاح الكذب في ثلاثة :

"الصلح بين رجلين، ورجل يرضي أمرأته، والحرب أنها خدعة ".

وفيه يقول رجل من الأزد (150/4 ):

أنت الفتی کل الفتى*** لو كنت تصدق مايقول

وأن المهلب بن أبي صغرة عندما عبر دخی وصار الى عاقول لا يؤتى إلا من جهة واحدة فأقام به، وأقام الناس ثلاثة مستريحين. وفي عاقول وسولاف يقول ابن الرقيات (151/4) :

ألا طرقت من آل مية طارق*** على أنها معشوقة الدل عاشقة

تراءت وأرض السوس بيني وبينها*** ورستاق سولاف حمته الأزارقة

أجازت علينا العسكرين كليهما ***فباتت لنا دون اللحاف معانقة

فأقام المهلب في ذلك العاقول ثلاثة أيام ثم أرتحل، والخوارج بسلي وسلبري فنزل قريبا منهم.

وبعد قتال شرس في اليوم الثالث حتى الليل ولما أصبحوا غدوا على القتلى؛ فأصابوا ابن المحاوز قتيلا (أحد قادة ابن المهلب)، ففي ذلك يقول رجل من الخوارج (153/6 - 154) :

بسلي وسلبري جماجم فتية*** كرام وعقرى من كميت ومن ورد

وقال آخر (154/4) :

ص: 272

بسلي وسلبري جماجم فتية ***كرام وصرعى لم توسد خدودها

وقال رجل من موالي المهلب : -

لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثة رميت به رجلا فصرعته ثم رميت به رجلا فأصبت به إذنه فصرعته، ثم أخذت الحجر وصرعت به ثالثا؛ وفي ذلك يقول، رجل من الخوارج (154/4):

أتانا باحجار ليقتلنا بها*** وهل يقتل الأبطال ويحك بالحجر

وقال رجل من أصحاب المهلب في يوم ستي سلبري وقتل ابن المحاوز (154/4) :

ويوم سلي وسلبري أحاط بهم ***مناصواعق لاتبقي ولا تذر

حتى تركنا عبيد الله منجدا***كما تجدل جذع مال منقعر

ويروى أن رجلا من الخوارج يوم ستي حمل على رجل من أصحاب

المهلب؛ فطعنه، فلما خالطه الرمح صاح : -

يا أمتاه .

فصاح به المهلب :

لاكثر الله منك في المسلمين !

فضحك الخارجي وقال (154/4 ):

أمك خير لك مني صاحبا*** تسقيك محضأ وتعل رائبا

وقال رجل من الخوارج في هذا اليوم (155/4 ):

ص: 273

فان تك قتلى يوم سلي تتابعت ***فكم غادرت أسيافنا من قماقم

غداة نكر المشرفية فيهم*** بسولاف يوم المأزق المتلاطم

وقال رجل من بني يربوع (157/4 ):

سقى الله المهلب كل غيث*** من الوسمي ينتحر أنتحارا

فما وهن المهلب يوم جاءت*** عوابس خيلهم تبغي الفوارا

وقال رجل من أصحاب المهلب من بني تميم (157/4 -158):

ألا يامن لصلب مستهام*** مريح القلب قدم المزونا

لهان على المهلب مالقينا ***إذا ما راح مسرورة بطينا

يمر السابري ونحن شعث*** كأن جلودناگسیت طحينا

وفي إحدى المعارك قاتل عمر بن عبيد بن معمر والي فارس في عهد المهلب فهزمهم وفلق جبين زعيمهم قطري بن الفجاءة وبينما هم ينهزمون مر بهم الغرز بن يهزم العبدي، فسألوه عن خبره وأرادوا قتله فأقبل على قطري وقال : -

أني مؤمن مهاجر. فسأله عن أقاويلهم، فأجابه إليها. فخلا عنه، ففي ذلك يقول في كلمة له (161/4) :

فشدو وثاقي ثم الجوا خصومتي ***إلى القطري ذي الجبين المفلق

فحاججتهم في دينهم فحجتهم ***ومادينهم غير الهوى والتخلق

ثم رجعوا وتكاتفوا، فسار إليهم عمر بن عبيد الله ومعه عطية بن عمرو،

ص: 274

ومجاعة بن سعر فالتقوا فألح عليهم عمر حتى أخرجهم، وصار يضربهم بعود في يده فركض إليه قطري في فرس طمر وعمر على مهر فأستعلاه قطري بقوة فرسه حتى كاد يصرعه فبصر به مجاعة فأسرع إليه، فصاحت الخوارج : -

یا ابا ثمامة، أن عدو الله قد رهقك فأنحط قطر على فرسه (سرجه) وطعنه مجاعة وعلى قطري درعان فهتكهما وأسرع السنان في رأس قطري فكشط جلده ونجا.

فقال يزيد بن الحكم لمجاعة (162/4 ):

ودعاك دعوة مرهق فأجيته*** عمر وقد نسي الحياة وضاعا

فرردت عادية الكتيبة عن فتى*** قد كاد يترك لحمه أوزاعا

وبعد مقتل یزید بن رويم وزوجته (لطيفة) على أيدي الخوارج قال الشاعر (160/4):

مواقفنا في كل يوم كريهة*** أسر وأشفي من مواقف حوشب

دعاه أبوه والرماح شوارع*** فلم يستجب بل راغ ترواغ ثعلب

فلو كان شهم النفس أو ذا حفيظة ***رأى مارأي في الموت عيسى بن مصعب وقال آخر (165/4 ):

نجي حليلته وأسلم شيخه ***نصب الأسنة حوشب بن يزيد

وقال قائل يذكر أحدى المعارك مع الخوارج :

ويوم بجي تلاقيته ***ولولاك لاصطلم العسكر

ص: 275

وقال آخر (166/4 -167) :

خرجت من المدينة مستميتا*** ولم اك في كتيبة ياسمينا

أليس من الفضائل أن قومي*** غدوا مستلئمين مجاهدينا

وياسمين جارية للزبير نصب لواء لها وقال :

من أراد فليلحق بلواء ياسمين، ومن أراد الجهاد فليخرج معي وكان رجل من أصحاب عتاب يقال له شريح، ويكنى أبا هريرة، إذا تحاجز القوم مع المساء نادی بالخوارج والزبير بن علي (167/4 ):

يا ابن أبي الماحوز والأشرار*** كيف ترون ياكلاب النار

شد أبي هريرة الهرار ***يهركم بالليل والنهار

ألم تروا جيا على الضمار ***تمسي من الرحمن في جوار

وفي المعركة في الأحواز حارب المهلب الخوارج فدفعهم إلى رام هرمز؛ وكان الحارث بن عميرة الهمداني قد صار إلى المهلب مراغمة لعتاب بن ورقاء، ويقال :

أنه لم يرضه عن قتله الزبير بن علي، وكان الحارث بن عميرة هو الذي قتله وخاض إليه أصحابه، ففي ذلك يقول أعشی همدان :

ان المكارم أكملت أسبابها ***لأبن الليوث الغرمن همدان

للفارس الحامي الحقيقة معلما*** زاد الرفاق وفارس الفرسان

حتى تداركهم أعز سميدع ***فحماهم إن الكريم يماني

الحارث بن عميرة الليث الذي*** يحمي العراق إلى قرى نجران

ص: 276

ومن الخوارج کانت امراة مع قطري بن الفجاة يقال لها أم حكيم وكانت من أشجع الناس وأجملهم وجها، وأحسنهم بالدين تمسكة، وخطبها جماعة منهم فردهم ولم يجبهم، فأخبر من شاهدها في الحرب أنها كانت تحمل على الناس وترتجز، فتقول (170/4 -171):

أحمل رأس قد سئمت حمله*** وقد مللت دهنه وغسله

ألا فتى يحمل عني ثقله

والخوارج يعدوها بالآباء والأمهات.

وفي إحدى معارك الخوارج نودي على السبي يومئذ فغولي بأم حفص فبلغ بها رجل سبعين ألفا، وكان ذلك الرجل من مجوس كانوا اسلموا، ولحقوا بالخوارج، ففرض لكل رجل منهم خمس مائة، فكان ذلك الرجل يأخذ أم حفص، فشق ذلك على قطري بن الفجأة، وقال : ۔

ما ينبغي لرجل مسلم أن يكون عنده سبعون الفا، أن هذه الفتنة فوثب عليها أبو الحديد العبدي فقتلها، فأتي به قطري، فبارك عمله فقال رجل من الخوارج (175/4 ):

كفانا فتنة عظمت وجلت ***بحمد الله سيف أبي الحديد

أهاب المسلمون بها وقالوا*** على فرط الهوى هل من مزيد

فزاد أبو الحديد بنصل سيف*** رقيق الحد فعل فتى رشيد

وكان العلاء بن مطرف السعدي بن عمر القنا، وكان يحب أن يلقاه في صدر

ص: 277

مبارزة فلحقه عمرو القنا يومئذ؛ وهو منهزم، فضحك منه وقال متمثلا (175/4) :

تمناني ليلقاني لقيط ***اعام لك ابن صعصعة بن سعد

ثم صاح به :

انج یا ابا المصدی.

وهي كنية عمرو القنا، وكان عمرو القنا قد حمل معه امرأتين إحداهما من بني جنية، يقال لها أم جميل، والأخرى بنت عمه، يقال لها فلانة بنت عقيل فطلق الضبية، وحملها أولا، وتخلص بابنة عمه، فقال في ذلك (176/4 ):

الست کریمأ إذ أقول لقيتني ***قفوا فاحملوها قبل بنت عقيل

ولو لم يكن عودي نضارة لأصبحت*** تجر على المتنين ام جميل

ولما هزم عبد العزيز بن عبد الله أسيد أمام جيش الخوارج جاء حبيب بن المهلب الى أخيه خالد

(وكان أميرا على البصرة) فأخبره فغضب ولم يصدقه فأستتر حبيب في بني عامر بن صعصعة، وتزوج هناك في أستتاره الهلالية وهي أم أبنة عباد بن حبيب، وقال الشاعر يخطئ رأيه (177/4 ):

بعثت غلامأ من قريش فروقة*** وتترك ذا الرأي الأصيل المهلبا

أبى الذم وأختار الوفاء وأحكمت***قواه، وقد ساس الأمور وجربا

وقال الحارث بن خالد المخزومي (177/4 ):

مر عبد العزيز إذ راء عيسى ***وابن داود نازلا قطريا

ص: 278

عاهد الله أن نجاملمنايا*** ليعودن بعدها حرمیا

يسكن الخل والصفاح فغوريا ***مرارة ومرة نجديا

حيث لا يشهدوا القتال يسمع ***يوما لكسرخیل دویا

وفي معركة بين الخوارج بقيادة قطري بن الفجأة وبين المهلب بن أبي صفرة في مدينة كازرون، وهي من أخصب مدن سابور، قال النعمان بن عقبة (185/4 ):

ليث الحواضن في الخدور شهدننا*** فيرين من وغل الكتيبة أولا

وقروا وكنا في الوقار كمثلهم*** إذ ليس تسمع غير قدم أو هلا

رعدوا فأبرقنا لهم بسيوفنا ***ضربأ ترى منه السواعد تختلا

تركوا الجماجم والرماح تحيلها ***في كازرون كما تحيل الحنظلا

بعد تلك المعركة اختار الخوارج لهم رئيسا يدعی صالح بن مخراق أعدهم للبيات. فلما انتصف الليل وكان المهلب قد بعث ابنه المغيرة يستطلع أمرهم رجع المغيرة إلى أبيه فسری صالح بن المخراق في القوم الذين كان أعدهم للبيات إلى ناحية بني تميم وعليهم الحريش بن هلال، وهو يقول (187/4 ):

أني لمذ للشراة نارها*** ومانع مما أتاها دارها

وغاسل بالسيف عنها عارها

فوجد بني تميم أيقاظا متحارسين، وخرج اليهم الحريش بن هلال وهو يقول (188/4) :

وجدتمونا وقرأ انجادا ***لاكشفا ميلا ولا أوغادا

ص: 279

هيهات لا تلفوننا رقادا ***لا بل إذا صیح بنا أسيادا

ومن إفرازات هذه الحرب أن أبا حرملة العبدي - وهو من عسكر المهلب - قال يوما يهجو المهلب (190/4 ):

عدمتك يا مهلب من أمير*** أماتندى يمينك للفقير؟

بدولاب أضعت دماء قومي ***وطرت على مواشكة درور

فقال له المهلب :

ويحك! والله أني لاقيكم بنفسي وولدي .

قال : ۔

جعلني الله فداء الأمير! فذاك الذي نكرهه منك، ما كلنا يجب الموت.

قال : ۔

ويحك! وهل عنه من محيص؟

قال :

لا، ولكننا نكره التعجيل؛ وأنت تقدم عليه أقداما .

قال المهلب :

ويلك! أما سمعت قول العلجة اليربوعي (190/4 ):

ونادى منادي الحي أن قد أتيتم*** وقد شربت ماء المزادة أجمعا

فقلت لكأس الجميها فأنما*** نزلنا الكثيب من زرود لنفزعا

فقال :

ص: 280

بلى وقد سمعت، ولكن قولي أحب إلي منه :

ولما وقفتم غدوة وعدوكم ***الى مهجتي وليت أعداءكم ظهري

وطرت ولم أحفل ملامة جاهل ***يساقي المنايا بالردينية السمر

فقال المهلب :

- بئس حشو الكتيبة أنت، والله يا أبا حرملة، أن شئت إذنت لك فانصرفت إلى أهلك.

قال :

بل أقيم معك أيها الأمير.

فوهب له المهلب وأعطاه، فقال يمدحه (191/4 ):

يرى حتمأ عليه أبوسعید ***جلاد القوم في أولى النفير

إذا نادى الشراة أبا سعيد ***مشي في رفل محكمة القتير

كانت ركب الناس قديمة من الخشب ... فأمر المهلب بضرب الركب من الحديد :- فهو أول من أمر بضربها وفي ذلك يقول عمران بن عصام الغزي (194/4) :

ضربوا الدراهم في إمارتهم*** وضربت للحدثان والحرب

حلقأترى منها مرافقهم***كمراكب لجمالة الجرب

وجه الحجاج إلى المهلب رجلين يستحثانه لمناجزة القوم، وهما زياد بن عبد الرحمن، من بني عامر بن صعصعة، والآخر من آل عقيل من رهط الحجاج، فظم

ص: 281

المهلب زيادة الى أبنه حبيب، وضم الثقفي الى إبنه يزيد، وأوصاهما بمفاداة الخوارج، وبعد قتال شديد قتل زیاد بن عبد الرحمن، وفقد الثقفي، وفي اليوم الثاني قد وجد الثقفي فدعاه المهلب، ودعا بالغداء فجعل النبل يقع قريبة منهم ويتجاوزهم، والثقفي بعجب من أمر المهلب، فقال الصلتان العبدي (195/4 ):

ألا يا أصبحاني قبل عوق العوائق ***وقبل اختراط القوم مثل العقائق

غداة حبيب في الحديد يقودنا*** يخوض المنايا في ظلال الخوافق

حرون إذا ما الحرب طارشرارها*** وهاج عجاج النقع فوق المفارق

فمن مبلغ الحجاج أن أمينة ***زياد أطاحته رماح الأزارق

كان الحجاج قد رزق أهل البصرة دون أهل الكوفة فقال له عتاب وقد طلبه الحجاج :

ما أنا ببارح حتى ترزق أهل الكوفة.

فرفض المهلب، فتلاسنا وكادت أن تنشب حرب بينهما لولا المغيرة الذي مشي بين أبيه وبين عتاب وقال لعتاب : -

يا أبا ورقاء إن الأمير يصير إلى كل ما تحب.

وسال أباه أن يرزق أهل الكوفة ففعل فصلح الأمر: - فقال رجل من

الأزد من بني أياد بن الأسود (196/4 ):

ألا أبلغ أبا ورقاء عنا*** فلولا أننا كناغضابا

على الشيخ المهلب إذ جفانا*** للاقت خيلكم منا خرابا

ص: 282

وخرج عمرو بن القنا - وهو من بني سعد بن زيد مناة بن تميم فنادى على جیش الخوارج. يا أيها المحلون هل لكم في الطرد، فقد طال عهدي به، ثم قال (198/4 ):

ألم تر إنا من ثلاثين ليلة*** جديب وأعداء الكتاب على خفض

فالتحم القوم وصرع المغيرة، وكان الذي صرعه عبيدة بن هلال بن يشكر بن بكر بن وائل، وكان يقول يومئذ (198/4 ):

أنا ابن خير قوم هلال*** شیخ علی دین أبي بلال

وذاك ديني آخر الليالي

وبعد أن غار صالح بن مخراق (الخارجي) على السرح شق على المهلب فطلب من أولاده أن يأخذوا الطريق عليهم، فبادر بشر بن المغيرة، ومدرك والمفضل أبنا المهلب؛ فسبق بشر الى الطريق، فإذا رجل أسود من الأزارقة يشل السرح وهو يقول (199/4 ):

نحن قمعناكم بشل السرح*** وقد نكأنا القرح بعد القرح

فتنا خوا عليه وأستردوا السرح منه بعد أن قتلوه.

وأبلی یومئذ ابن المنجب السدوسي، فقال غلام له يقال له حلاج :

والله لوددنا أن فضضنا عسكرهم حتى نصير إلى مستقرهم، فأستلب مما هناك جاريتين.

فقال له مولاه ابن المنجب :

ص: 283

وكيف تمنيت، ويحك، أثنتين ؟

فقال :

لأعطيك أحداهما وآخذ الأخرى. فقال ابن المنجب (200/4 ):

حلاج أنك لن تعانق طفلة ***شرقا بها الجادي كالتمثال

حتى تلاقي في الكتيبة معلما*** عمرو القنا وعبيدة بن هلال

وترى المقطر في الفوارس مقدما***في عصبة نشطوا على الضلال

أو أن يعلمك المهلب غزوة*** وترى جبالا قددنت لجبال

وكان بدر بن الهذيل، من أصحاب المهلب شجاعة، وكان لخانة؛ كان إذا أحس بالخوارج ينادي : -

يا خيل الله اركي؛ واليه يشير القائل (201/4 ):

وإذا طلبت إلى المهلب حاجة ***عرضت توابع دونه وعبيد

العبدرس وبدر مثله ***وعلاج باب الآخرين شديد

وولي الحجاج کردس) فارسا، ووجهه إليها والحرب قائمة، فقال رجل من أصحاب المهلب (201/4):

(و) لو رآه کردم لكردمأ کردما*** العير أحس الضيغما

كان المغيرة بن المهلب والرقاد يجيان ولا يعطيان الجند شيئا، ففي ذلك يقول رجل من بني تميم في كلمة له (202/4 ):

ص: 284

ولو علم ابن يوسف ما تلاقي*** من الآفات والكرب الشداد

الفاضت عينه جزعا علينا*** واصلح ما أستطاع من الفساد

ألاقل للأمير جزيت خيرا ***أرحنا من مغيرة والرقاد

فما رزق الجنود بهم قفيزا ***وقد ساست مطامير الحصاد

ومن الخوارج : عبد ربه الصغير، أحد موالي قيس بن ثعلبة ولما أختلف الخوارج على قطري بایعه جمع منهم كثير، وكان قطري قد عزم على أن يبايع للمقمطر العبدي، فأختلف الخوارج فيما بينهم، فصال بن مخراق وجماعة كرهوا أن يحل المقمطر العبدي محل قطري بن الفجاءة في الخلافة، وقطري يريد ذلك، فخلعه جماعة وبايعوا عبد ربه الصغير، وهو معلم کتاب، فنشبت الحرب بينهم؛ فقال الصلت بن مرة القطري :

يا أمير المؤمنين إن كنت إنما تريد الله فأقدم على القوم، وإن كنت إنما تريد الدنيا فأعلم أصحابك حتى يستأمنوا، ثم قال (205/4 ):

قل للممحين قدقرت عيونكم*** بفرقة القوم والبغضاء والهرب

كنا أناس على دين فغيرنا*** طول الجدال وخلط الجد باللعب

ما كان أغنى رجالأقل جيشهم **عن الجدال وأغناهم عن الخطب

أني لأهونكم في الأرض مضطربا***مالي سوى فرسي والرمح من نشب

ثم قال : أصبح المهلب يرجو منا ما كنا نطمع فيه.

وارتحل القطري إلى منزل آخر ونزل المهلب خندق قطري فجعل يقال عبد

ص: 285

ربه أحيانا بالغداة وأحيانا بالعشي، فقال رجل من سدوس يقال له المعتق وكان فارسا (206/4 ):

ليث الحرائر بالعراق شهدننا*** ورأينا بالسفح بالأجبال

فنكحت أهل الجد من فرساننا ***والضاربين جماجم الأبطال

وسقط رمح لرجل من مراد، من الخوارج، فقاتلوا عليه حتى كثر الجراح والقتل؛ وذلك مع المغرب، والمرادي يرتجز، ويقول (208/4 ):

الليل ليل فيه ويل ويل*** قد سال بالقوم الشراة السيل

أن جاز في الأعداء فيناقول

وقال المهلب لحبيب بن أوس :

کر على القوم.

فلم يفعل، وقال (209/4 ):

يقول لي الأمير بغير علم*** تقدم حين جدبه المراس

فمالي إن أطعتك من حياة ***ومالي غير هذا الرأس راس

وقال المعن بن المغيرة بن أبي صفرة :

إحمل.

فقال :

لا، إلا أن تزوجني ابنتك أم مالك.

فقال :

ص: 286

زوجتك.

فحمل على الخوارج فكشفهم، وطعن فيهم وقال (209/4-210)

ليت من يشتر الحياة بمال ***ملكة كان عنده میزانا

يضل الكل عند ذاك بطعن ***أن للموت عندنا ألوانا

ثم جال الناس جولة عند حملة حملها عليهم الخوارج، فالتفت المهلب فقال للمغيرة أبنه :

ما فعل الأمين الذي كان معك؟

قال :

قتل وهرب الثقفي.

فقال ليزيد:

ما فعل عبيد بن أبي ربيعة ؟

قال :

لم أره منذ كانت الجولة .

فقال الأمين الآخر للمغيرة :

أنت قتلت صاحبي.

فلما رجع العشي رجع الثقفي، فقال رجل من بني عامر بن صعصعة (210/4):

ص: 287

ما زلت يا ثقفي تخطب بيننا*** وتغمنا بوصية الحجاج

حتى إذا ما الموت أقبل زاخرا*** وسقى لنا صرفا بغير مزاج

وليت يا ثقفي غير مناظر ***تنساب بين أحزة وفجاج

ليست مقارعة الكماة لدى الوغى***شرب المدامة في أناء زجاج

ولما أصبح المهلب أشرف على واد فإذا هو برجل معه رمح مکسور مخضوب بالدم ينشد (210/4 -211):

وأني لأعفي ذا الخمار وصنعتي*** إذا راح اطواء ب ني الأصاغر

أخادعهم عنه ليغبق دونهم ***واعلم غير الظن أني مغادر

كأني وأبدان السلاح عشية ***يمر بنا في بطن فيحان طائر

ووجه کعب بن معدان الأشقري ومرة بن بليد الأزدي فوردا على الحجاج، فلما طلعا عليه، تقدم كعب فانشد (213/4 -214):

یا حفص أني عداني عنكم السفر ***وقد أرقت فأذى عيني السهر

علقت يا كعب بعد الشيب غانية ***والشيب فيه عن الأهواء مزدجر

أممسك أنت عنها بالذي عهدت*** أم حبلها مذناتك اليوم منبتر

علقت خودأ بأعلى الطف منزلها*** في غرفة دونها الأبواب والحجر

درها مناكبها ریأ ماکمها*** تكاد إذ نهضت للمشي تنبتر

وقد تركت بشط الزابيين لها*** دارا بهاسعد البادون والحضر

وأفتر دارا بھاحي اسربهم ***مازال فيهم لمن تختارهم خير

ص: 288

لما نبت بي بلادي صرت منتجعا*** وطالب الخير مرتاد ومنتظر

أبا سعيد فأني جئت منتجعا ***أرجو نوالك لما مسني الضرر

لولا المهلب ما زرنا بلادهم ***ما دامت الأرض فيها الماء والشجر

فما من الناس من حي علمتهم ***إلا يرى فيهم من سيبهم أثر

کتانهون قبل اليوم شانهم ***حتى تفاقم أمر كان يحتقر

فما يجاوز باب الجسر من أحد ***قد عضت الحرب أهل المصر فانجمروا

لما وهنا وقد حلوا بساحتنا ***فأستنفر الناس ثارات فمانفر

نادي أمرؤ لا خلاف في عشيرته*** عنه وليس به عن مثله قصر

خبوا كمينهم بالسفح إذ نزلوا*** بكازرون فماعزوا ولا نصروا

بانت كتائبناتردي مسومة ***حول المهلب حتى نور القمر

هناك ولوا خزايا بعدما هزموا*** وحال دونهم الأنهار والجدر

تأبى علينا حزازات النفوس فما ***نبقي عليهم ولا يبقون أن قدروا

فضحك الحجاج، وقال :

انك لمنصف یا کعب.

وأمر له بعشرين ألف درهم وحمله على فرس، وأوفده على عبد الملك فأمر له بعشرين الفا اخرى .

وكعب الاشقري من شعراء المهلب ومادحيه، ومما مدحه هذه القصيدة (216/4):

ص: 289

طربت وهاج لي ذاك ادکارا ***بکش وقد اطلت به الحصارا

وكنت الذ بعض العيش حتى***كبرت وصارلي همي شعارا

رأيت الفانيات كرهن وصلي*** وابدين الصريحة لي جهارا

غرضن بمجلسي وكرهن وصلي***أوان کسيت من شحط عذارا

زرين علي حين بدا مشيي*** وصارت ساحتي لهم دارا

أتاني والحديث له نماء ***مقالة جائر احفى وجارا

سلوا اهل الاباطح من قريش***عن المجد المؤثل این صارا

ومن يحمي الثغور اذا استحرت***حروب لا ينون لهاغرارا

القوم الأزد في الغمرات أمضى***وآخي ذمة واعزحارا

هم قادوا الجياد على وجاها ***من الأنصار يقذفن المهارا

بكل مفازةوبكل شهب ***بسابس لايرون لها منارا

الى کرمان يحملن المنايا***بكل ثنية يوقدن نارا

شوازب ما اصبنا النار حتى*** رددناها مكلمة مرارا

ويشجرن العوالي السمر حتى***ترى فيها عن الاسل ازورارا

غداة تركن مصرع عبد رب***نثرن عليه من رهج غبارا

ويوم الزحف بالاهواز ظلنا***نروي منهم الاسل الحرارا

فقرت أعين كانت حزينا ***قليلا نومها الأغرارا

صنائعنا السوابغ والمذاكي***ومن بالمصر يحتلب العشارا

ص: 290

وهن يبجن كل صحى عزيز*** ويحمين الحقائق والذمارا

طوالات المنون بضن الا*** اذا سار المهلب حيث سارا

ولولا الشيخ بالمصرين ينفي ***عدوهم لقد نزلوا الديارا

ولكن قارع الأبطال حتی*** اصابوا الأمن واحتلوا القرارا

اذا وهنوا وحل بهم عظيم*** بدق العظم كان لهم جبارا

ومبهمة يحيد الناس عنها*** تشب الموت شد لها ازارا

شهاب تنجلي الظلماء عنه ***يرى في كل مظلمة منارا

بنوك السابقون الى المعالي*** اذا ما أعظم الناس الخطارا

كأنهم نجوم حول بدر*** تكمل اذ تكمل فاستدارا

ملوك ينزلون بكل ثغر*** اذا ما الهام يوم الروع طارا

رزان في الخطوب ترى عليهم ***من الشيخ الشمائل والنجارا

نجوم يهتدى بهم إذاما ***اخو الغمرات في الظلماء حارا

براك الله حيث براك بحرا***وفجرمنك انهارا غزارا

كتب الحجاج الى المهب يأمره بمناجزة الخوارج، وسيتبطئه ويضعفه ويعجزه من تأخيره امرهم، فأجابه المهلب بوساطة رسوله :

انما البلاء أن يكون الأمر لمن يملكه لالمن يعرفه، ثم طلب منه أن يبعث من يرى مكانه، واخبر عبد الملك بذلك فكتب إلى الحجاج ان لايعارض المهلب فيما يراه .

ص: 291

فقام كعب الأشعري الى المهلب، فانشده بمحضر رسول الحجاج (219/4-220):

ان ابن يوسف غره من امركم*** خفض المقام بجانب الانصار

لوشاهد الصفين حيث تلاقيا*** ضاقت عليه رحيبة الاقطار

من ارض سابوا والجنود وخيلنا*** مثل القداح بريثهایشتار

من كل صنديد يرى بلبانه*** وقع الضباة مع القنا الخطار (75)

الرأي معاودة الرياح غنيمة*** ازمان كان محالف الاقتار

فدع الحروب لشيبها وشبابها ***وعليك كل غريدة معطار

بعد أن انتصر المهلب على الخوارج وكتب بذلك الى الحجاج، قدم المهلب على الحجاج فأجلسه الى جانبه، وأظهر بره وأكرمه، وقال :

- يا أهل العراق. انتم عبيد قن للمهلب.

ثم قال : انت والله كما قال لقبط (222/4 ):

فقلدوا أمركم لله دركم ***رحب الذراع بامر الحرب مضطلعا

الايطعم النوم الاريث يبعثه*** هم یکاد حشاه يقصم الضلعا

الامترفان رخاء العيس ساعده ***ولا اذا عض مکروه به خشعا

مازال يحلب هذا الدهر اشطره*** یکون متعاطورة ومتسقا

حتى استمرت على شزر مريرته ***مستحكم الرأي لاقحما ولاضرعا

وطلب الحجاج ان يذكر له القوم الذين ابلوا فذكرهم المهلب على مراتبهم

ص: 292

في البلاء وتفاضلهم في الفناء، وقدم بنيه، وقال : والله لو واحد قدمهم في البلاء القدمته عليهم، ولولا أن اظلمهم لاخر قم. ثم ذكر معن بن المغيرة والرقاد واشباههما. فامر الحجاج بتفضيل قوم على قوم على قدر بلائهم. وزاد ولد المهلب الفين الفين. وفعل بالرقاد وبجماعة شبيهة بذلك. وقال يزيد بن صبغاء من الأزارقة ( 223/4 -224) :

دعي اللوم أن العيس ليس بدائم ***ولاتعجلي باللوم ياأم عاصم

فان عجلت منك الملامة فاسمعي ***مقالة معني بحقك عالم

ولاتفدلينا في الهدية إنما ***تكون الهدايا من فضول المغانم

وليس بمهمن یکون نهاره*** جلادة ويمسي ليله غير نائم

يريد ثواب الله يوما بطعنة ***غموس کشدم العنبري بن سالم

ابيت وسریالي دلاص حصينة*** ومفقرها والسيف فوق الحيازم

حلفت برب الواقفين عشية ***لدي عرفات حلفة غير آثم

لقد كان في القوم الذين لقيتهم ***بابور شغل عن بروز اللطائم

فتوقد في ايديهم زاغبية ومرهفة تفري شؤون الجماجم

وقال المغيرة الحنظلي من اصحاب المهلب (4 /224) :

إني امرؤ كني ربي واكرمني ***عن الامور التي في غيها وخم

وإنما انا انسان اعيش كما*** عاشت رجال وعاشت قبلها أمم

ما عاقني عن قفول الجند ان قفلوا*** عين بما صنعوا حولي ولاصمم

ص: 293

ولو اردت قفولا ما تجهمني ***اذن الامير ولا الكتاب اذ رقموا

ان أن المهلب أن اشتق لرؤيته*** اوامتدحه فان الناس قد علموا

والقائل الفاعل الميمون طائره*** ابوسعيد اذا مات النعم

اازمان کرمان از غص الحديد بهم ***وإذ تمنى رجال انهم هزموا

وقال حبيب بن عوف من قواد المهلب ( 225/4 ):

اابا سعيد جزاك الله صالحه*** فقد كفيت ولم تعنف على أحد

داويت بالحلم اهل الجهل فانقمعوا ***وكنت كالوالد الحاني على ولد

وقال عبيدة بن هلال الخارجي يذكر رجلا من اصحابه (4/ 225) :

يهوى فترفعه الرماح كأنه ***شلو تنشب في مخالب ضار

يهوى صريعة والرماح تنوشه ***ان الشراة قصيرة الاعمار

ومن الخوارج شبيب بن يزيد الشيباني. اذ دخل الكوفة والحجاج عليها، حتى انتهى الى السوق، وشد حتى ضرب باب القصر بعموده حتى احدث فيه ضرية، ثم أقبل حتى وقف عند باب المصطبة، وانشد (247/4 ):

وكأن حافرها بكل ثنية ***فتق يكيل به شحيح معدم

عبد دعي من ثمود أصله*** لا بل يقال أبو البهيم يقدم

ومضى شبيب حتى أخذ على شاطىء الفرات، ثم اخذ على الانبار، ثم دخل داقوق (كركوك) ثم ارتفع الى اداني آذربيجان، وخلال مسيرته تلك دارت معارك بينه وبين الحجاج، فقال الجهري بن ابي همام الذهلي يرثيهم (4 /245):

ص: 294

شباب اطاعوا الله حتى احبهم*** وكلهم شاريخاف ويطمع

فلما تبدوا من دقوقا بمنزل*** الميعاد اخوان تداعوا فاجمعوا

دعوا خصمهم بالمحكمات وبينوا*** ضلالتهم، والله ذو العرش يسمع

بنفسي قتلى في دقوقاء غودرت ***وقد قطعت منها رؤوس واذرع

للتبو نساء المسلمين عليهم ***و دون مالاقين مبكى ومسمع

ورثت اخت الوليد بن طريف الشيباني الخارجي اخاها بعد أن قتله يزيد بن مزید الشيباني، وحمل رأسه إلى الرشيد، وقالت انه من اهل التقى والدين على قاعدة شعراء الخوارج (73/5 -74):

أياشجر الخابور مالك مورق*** كأنك لم تجزع على ابن طريف

فتى لا يحب الزاد الأمن التقى*** ولا المال الأمن قنا وسيوف

ولا الذخر الأ كل جرداء شطبة*** وكل رقيق الشقرتين خفيف

فقدناك فقدان الربيع وليتنا ***فديناك من ساداتنا بالوف

وقال مسلم بن الوليد بن يزيد بن مزيد، ويذكر قتله الوليد (74/5 ).

والمارق بن طريف قد دلفت له*** بعارض للمنايا مسبل هطل

الوان شيئا بكى مما اطاف به ***فاز الوليد بقدح الناضل الحصل

ماکان جمعهم لما لقيتهم ***الأكرجل جراد ربع منجفل

فاسلم يزيد فما في الملك من أود*** اذا سلمت، ولا في الدين من خلل

خرج في أيام المتوكل بن عمرو الخثعمي بالجزيرة فقطع الطريق، وتسمى

ص: 295

بالخلافة، فحاربه ابو سعید محمد بن يوسف الطائي الثغري الصامني، فقتل كثيرة من اصحابه، واسر كثيرة منهم، ونجا بنفسه هاربا فمدحه ابو عبادة البحتري، فقال (76- 74/5) :

كنا نكفر من امية عصبة ***طلبوا الخلافة فجرة وفسوقا

ونلوم طلحة والزبير کليها ***ونعنف الصديق والفاروقا

ونقول تيم اقربت وعديها ***امرأبيعدأ حيث كان سحيقا

وهموا قريش الأبطنون اذا انتموا***طابوا اصولا في العلا وعروقا

حتى غدت جسم بن بكر تبتغي***ارث النبي وتدعيه حقوقا

جاؤوا براعيهم ليتخذوا به***عمداالى قطع الطريق طريقا

عقدوا عمامته برأس قناته*** ورأوه برأ فاستحال عقوقا

واقام ينفذ في الجزيرة حكمه ***ويظن وعد الكاذبين صدوقا

حتى اذا ما الحية الذكر انكفى***من ارزن حربايمج حريقا

غضبان يلقى الشمس منه بهامه ***يعشي العيون تألقأوبروقا

اوفى عليه وظل من دهش يظن *** البر بحرة والفضاء مضيقا

غدرت امانیه به وتمزقت ***عنه غيابة سكره تمزيقا

طلعت جيادك من ربا الجودي قد ***حملن من دفع المنون وسوقا

فدعا فريقا من سيوف حتفهم*** وشددت في عقد الحديد فريقا

ومضى ابن عمرقد اساء بعمره*** قعب على باب التحميل اريقا

ص: 296

لو خاضها عمليق او عوج اذن*** ماجوزت عوجا ولا عمليقا

لولا اخضرار الخوف في أحشائه ***رسب العباب به فمات غريقا

لو نفسته الخيل لفتة ناظر*** ملأ البلاد زلازلا وفتوقا

لشي صدور الخيل تكشف كربه ***ولوی رماح الخط تفرج ضيقا

ولبكرت بكر وراحت تغلب*** في نصر دعوته اليه طروقا

حتى يعود الذئب ليثأضيغما*** والغصن ساقا والقرارة نيقا

هيهات مارس فيلقا متيقظا*** قلقا اذا سكن البليد رشيقا

متسلفة جعل الغبوق صبوحة*** ومری صبوح غد فكان غبوقا

ومن يعظمه الخوارج مرداس بن حدير ابو بلال، أحد بني ربيعة بن حنظلة وكان ناسكة، وكان قد شهد مع علي عليه السلام صفين ثم انكر التحكيم، وشهد النهروان، ونجا فيمن نجا، عبيد الله بن زياد، وخرج من حبسه فغادر هو واصحاب له، ومضى حتى نزل آسك، وهي مابین رامهرهزوارجان، فمر به مال يحمل الى ابن زیاد، وقد قارب اصحابه الاربعين فحط ذلك المال، وأخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ورد الباقي على الرسل. ولأبي بلال مرداس هذا في الخروج أشعار، منها قوله (85/5 ):

أبعد ابن وهب في النزاهة والتقى ***ومن خاض في تلك الحروب المهالكا

احب بقاء أو ارجي سلامة*** وقد قتلوا زيد بن حصن ومالكا

فيارب سلم نیتي وبصيرتي ***وهب لي التقى حتى الاقي أولئكا

ص: 297

فندب ابن زیاد جيشا إلى خراسان بقيادة أسلم بن زرعة الكلابي من ألفي رجل، يتعقبون أبا بلال واصحابه، ولما التقوهم صاح بهم أبو بلال :

اتق الله يا اسلم، فأنا لانريد فسادا في الأرض، ولا تحتجر فيئا.

ولكن أسلم أصر على أن يأخذهم لأبن زیاد، فحملوا على أسلم حملة رجل واحد، فانهزم هو وأصحابه من غير قتال، وكان يأسره معبدا أحد الخوارج، ولما عاد إلى ابن زیاد غضب عليه غضبا شديدا.

وكان إذا خرج الى السوق، أو مر بصبيان صاحوا به :

أبو بلال وراءك.

وربما صاحوا به :

معبد خذه.

ففي ذلك يقول عیسی بن فاتك، من بني تيم اللات بن ثعلبة أحد الخوارج (87-86/5) :

فلما أصبحوا صلوا وقاموا ***الى الجرد العتاق مسومينا

فلما أستجمعوا حملوا عليهم ***فظل ذوو العائل يقتلونا

أألفامؤمن فيكم زعمتم*** ويهزمكم بأسك أربعونا ؟

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ***ولكن الخوارج مؤمنونا

هم الفئة القليلة غير شك*** على الفئة الكثيرة ينصرونا

وبعث ابن زياد في أثرهم عباد بن علقمة المازني فلما لقيهم حاوره أبو بلال

ص: 298

مثلما حاور أسلما قبله وبينما هم كذلك مر القعقاع وكان في طريقه إلى الحج ولما علم أهم الخوارج حمل عليهم فأسروه، ولكن أبا بلال أطلقه بحيله أحتالها القعقاع مدعية أنه ليس من أعداء الخوارج بل هو في طريقه إلى الحج فغرر به فقاتلهم، ولما أطلقه حمل عليهم ثانية وهو يقول (89/5 ):

أقاتلهم وليس علي بعث*** نشاطا ليس هذا بالنشاط

أكثر على الحروريين مهري*** لا حملهم على وضح الصراط

فحمل عليه حریرث بن حجر السدوسي وكهمس بن طلق الصريمي فأسراه وقتلاه، ولم يأتيا به أبا بلال، ولم يزل القوم يجتلدون حتى جاء وقت صلاة الجمعة فناداهم أبو بلال :

یا قوم ......

أن يكفوا ليصلوا، فاجابوه على طلبه، ولكن عبادة وجماعة أسرعوا في صلاهم والخوارج مبطئون، وبينما هم في صلاتهم مال عليهم عباد ومن معه فقتلوهم جميعا، وأتي برأس أبي بلال.

ففي مقتلهم يقول عیسی بن فاتك الخطي (90/5 ):

ألا في الله لا في الناس سالت ***بداود وأخوته الجذوع

مضوا قتلا وتمزيقا وصلبا ***تحوم عليهم طير وقوع

إذا ما الليل أظلم كابدوه***فيسفر عنهم وهم رکوع

أطار الخوف نومهم فقاموا*** وأهل الأرض في الدنيا هجوع

ص: 299

وقال عمران بن حطان (91/5 ):

ياعين يبكي لمرداس ومصرعه ***يارب مرادس أجعلني كمرادس

تركتني هائما أبكيي لمرزئه*** في منزل موحش من بعد أيناس

أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه ***فالناس بعدك يا مرادس بالناس

أماشربت بكأس دار أولها ***على القرون فذاقوا صرعة الكأس

فكل من لم يذقها شاربا عجلا ***يشقى بأنفاس ورد بعد أنفاس

وقال أيضا (91/5 ):

لقد زاد الحياة الي بغضا*** وحبا للخروج أبوبلال

أحاذر أن أموت على فراشي ***وارجو الموت تحت ذرا العوالي

ولو أني علمت بأن حتفي ***تحتف أبي بلال لم أبال

فمن يك همه الدنيا فأني*** لها- والله رب البيت - قال

وعمران هذا أحد بني عمرو بن يسار بن ذهل بن ثعلبة بن عكاية بن صعب بن عك بن بكر بن وائل، وكان راس العقد من الصفرية وفقيههم وخطيبهم، وشاعرهم، وشعره هذا بخلاف أبي خالد القناني، وكان من قعد الخوارج أيضا، وقد كان كتب قطري ابن الفجاءة المازني يلومه على القعود (91/5 –92) : -

أبا خالد أيقن فلست بخالد*** وما جعل الرحمن عذرا لقاعد

أتزعم أن الخارجي على الهدى*** وأنت مقيم بين لص وجاحد

فكتب إليه أبو خالد (92/5 ):

ص: 300

لقد زاد الحياة الي حبسا***بناتي أنهن من الضعاف

أحاذر أن يرين الفقر بعدي*** وأن يشربن رنقا بعد صاف

وأن يعرين أن كسي الجواري ***فتبدو العين عن كرم عجاف

ولولا ذاك قدسوقت مهري*** و الرحمان للضعفاء كاف

وأن عمران بن حطان، لما طرده الحجاج، جعل يتنقل في القبائل، وكان إذا نزل بحي أنتسب نسبا يقرب منهم؛ ففي ذلك يقول (92/5 ):

نزلنا في بني سعد بن زيد*** و فی عک وعامر عوثبان

وفي لخم و أود بن عمرو ***وفی بکرو حي بني الفدان

وطلبه عبد الملك يوما فبعث روح بن زنباع الجذامي (وكان أثير لديه) ليجيء به إليه، ولما جاء روح قال له عمران : -

قد أردت أن أسالك ذاك فاستحييت منك، فاذهب فإني في الأثر فرجع روح إلى عبد الملك فخبره، فقال :

أما أنك سترجع فلا تجده .

فرجع فوجد عمران قد احتمل (أي غادر) وخلف رقعة فيها (5-93-94):

يا روح كم من أخي مثوى نزلت به*** و قد ظن ظنك من لخم وغسان

حتى إذا خفته زایت منزله ***من بعد ما قيل عمران بن حطان

قد كنت جارك حولا لا يروعني*** فيه طوارق من أنس ولا جان

ص: 301

حتى أردت بي العظمى فأدركني*** ما أدرك الناس من خوف بن مروان

فاعذر أخاك ابن زنباغ فأن له*** في الحادثات هنات ذات ألوان

يوماجان إذا لاقيت ذا يمن*** وأن لقيت معدية فعدنان

لو كنت مستغفرة يومأ لطاغية ***كنت المقدم سري وأعلاني

لكن أبت ذاك آيات مطهرة ***عند التلاوة في طه وعمران

وكان عبد الملك قد عرف أنه عمران بن حطان من خلال بيتين رواهماله روح بن زنباغ الجذامي، عندما كان عمران ضيفا عند روح، والبيتان هما (95/5) :

يا ضربة من تقي ما أراد بها*** ألا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

أني لأذكره حينأفأحسبه*** أوفى البرية عند الله ميزانا

وقد قلبها الفقيه الطبري فقال ( 93/5 ):

يا ضربة من شقي ما أراد بها ***إلا ليبهدم من ذی العرش بنیانا

أني لأذكره يوما فألعنه*** والعن الوغد عمران بن حطانا

وقال محمد بن أحمد الطيب يرد على عمران بن حطان (94/5 ):

يا ضربة من عدو صار ضاربها ***أشقى البرية عند الله إنسانا

إذا تفكرت فيه ظلت ألعنه ***وألعن الكلب عمران بن حطانا

ثم ارتحل، حتى نزل بزفر بن الحارث أحد بني عمرو بن کلاب، فأنتسب له أوزاعية (نسبة إلى بطن من همدان) فاتاه رجل من كان عند روح، فقال له زفر :

ص: 302

من هذا؟

فقال :

رجل من الأزد رأيته ضيفة لروح بن زنباع.

فقال زفر لعمران :

- هذا أزديا مرة وأوزاعية أخرى؟ إن كنت خائفة أماك؛ وإن كنت فقيرة أجرناك، فلما أمسى خلف في منزله رقعة وهرب فوجدوا فيها (94/5 ):

إن التي أصبحت يعيا بها زفر ***أعيت عياء على روح بن زنباع

ما زال يسألني حولا لأخبره ***والناس ما بين مخدوع وخداع

حتى إذا انقطعت مني رسائله***كف السؤال ولم يولع بأهلاع

فاكفف لسانك عن لومي ومسألتي*** ماذا تريد الى شيخ بلا راعي؟

فأكفف كما كف عني أنني رجل*** أماضييم وإما فقعة القاع

اما الصلاة فأني غير تارکها ***کل امريء للذي يعني به ساع

اکرم بروح بن زنباع وأسرته*** قوم دعا اوليهم للعلا داع

جاورتهم سنة من ما أسر به*** عرضي صحيح ونومي غير تهجاع

فأنعم فأنك منعي بواحدة ***حسب اللبيب بهذا الشيب من داع

ثم ارتحل حتى أتی عمان فوجدهم يعظمون أمر أبي بلال، فأظهر أمره فيهم، فبلغ ذلك الحجاج، فكتب إلى أهل عمان، فهرب حتى أتی قوما من الأزد في سواد الكوفة، فنزل بهم، فلم يزل عندهم حتى مات. وفي نزوله فيهم يقول (95/5 ):

ص: 303

نزلنا بحمد الله في خير منزل*** نسر بما فيه من الأنس والخفر

نزلنا بقوم يجمع الله شملهم ***وليس لهم دعوى سوى المجد يعتصر

من الأزد أن الأزد أكرم أسوة ***يمانية طابوا إذا أنتبه البشر

فأصبحت فيهم أمنا لا كمعشر*** أتوني فقالوا : من ربيعة أو مضر

أم الحي قحطان وتلك سفاهة ***كما قال لي روح وصاحبه زفر

وما منهما إلا يسبنسبة ***تقربني منه وان كان ذا نفر

ومن الخوارج الرهين المرادي أحد فقهاء الخوارج وناكها وكان لایری القعود عن الحرب، وكان في الدهاء والمعرفة والشعر والفقه بقول الخوارج بمنزلة عمران بن حطان، ومن شعر الرهين المرادي قوله (99/5 ):

يا نفس قد طال في الدنيا مراوغتي ***لاتأمنن لصرف الدهر تنقيصا

أني لبائع مايفني لباقية ***أن لم يعقني رجاء العيس تربيصا

وأسأل الله بيع النفس محتسبا ***حتى ألاقي في الفردوس حرقوصا

وابن المشيح ومرداس وأخوته*** إذ فارقوا هذه الدنيا مخاميصا

وقال العزيز يرثي عباد بن أخضر المازني قاتل أبي بلال مرداس بن أديه الخارجي (وقد ذكرنا قصته) إذ كمن له الخوارج في الطريق وبعد مساءلة فقهية قتلوه فقال الفرزدق يذكر ذلك (101/5 ):

لقد أدرك الأوتار غیر ذميمة*** إذا تم طلاب التراث الأخاضر

هم جردوا الأسياف يوم ابن أخضر*** فنالوا التي ما فوقها نال ثائر

ص: 304

افادوا به أسدأ لها في أقتحامها ***- إذا برزت نحو الحروب – بصائر

كفعل كليب إذ أخلت بجارها*** ونصر اللئيم معصر وهو حاضر

وما لكليب حين تذكر أول*** وما لكليب حين تذكر آخر

ومن الخوارج أبو الوازع الراسبي من مجتهدي الخوارج ونساكها.

وقد أتى نافع بن الأزرق وهو في جماعة من أصحابه ، يصف لهم جور السلطان وفساد العامة، فقال له أبو الوازع : -

- إنك أعطيت لسانا صادقة، وقلبة كلية فلوددت إن صرامة لسانك كانت القلبك، وكلال قلبك كان للسانك! أنتمضي على الحق وتقعد عنه؟ وتقبح الباطل وتقيم عليه؟

فقال نافع : إنما تنتظر الفرص، إلى أن تجمع من أصحابك من تنکيء به عدوك فقال أبو الوازع (103/5 ):

لسانك لا تنكيء به القوم إنما*** تنال بكفيك النجاة من الكرب

فجاهد أناسا حاربوا الله واصطبر*** عسى الله أن يجزي نحوي بن بني حرب

ويعني بني حرب : معاوية.

ومن الخوارج عمران بن الحارث الراسبي؛ فهو من نساکها قتل في يوم دولاب، إذ التقى هو والحجاج بن باب الحميري، وكان الأمير يومئذ على البصرة، وصاحب رایتهم، فأختلفا حربتين فخرا ميتين، فقالت أم عمران ترثيه (103/5-104)

ص: 305

الله أيد عمرانا وطهره*** وكان عمران يدعوا الله في السحر

يدعوه سرأ وأعلانا ليرزقه*** شهادة بيدي ملحادة عذر

ولى صحابته عن حرملحمة*** وشد عمران كالضرغامة الذكر

وممن قتل من رؤسائهم يوم دولاب نافع بن الأزرق، وكان خليفتهم - خاطبوه بأمرة المؤمنين، فقال رجل يرثيه (104/5 ):

شمت ابن بدر والحوادث جمة ***والجائرون بنافع بن الأزرق

والموت حتم لا محالة واقع ***من لا يصبحه نهارا بطرق

فلئن أمير المؤمنين أصابه*** فمن يصبه بغلق

وقال قطري بن الفجاءة يذكر يوم دولاب ( 104/5 -106) :

لعمرك أني في الحياة لزاهد ***وفي العيش ما لم الق أم حكيم

من الخفرات البيض لم يرض مثلها*** شفاء لذي بث ولا لسقيم

العمرك أني يوم الطم وجهها ***على نائبات الدهر جد لئيم

إذا قلت يصبوا القلب أو ينتهي المنى*** أبي القلب إلا حب أم حكيم

منعمة صفراء حلو دلالها***أبيت بها بعد الهدو أهيم

قطوف الخطى مخطوطة المنن زانها ***مع الحر خلق في الجمال عميم

فلوشهدتنا بعد دولاب شاهدت ***طعان فتى في الحرب غير ذميم

غداة طغت علماء بكر بن وائل ***وعجنا صدور الخيل نحو تميم

وكان بعبد القيس أول جدنا ***وأحلافها من يحصب وسليم

ص: 306

وظلت شيوخ الأزد في حومة الوغى*** تقوم فمن مستنزل وهزيم

فلم أر يوماكان أكثر مقمحا*** يمج دمامن قائظ وكليم

وضارية خدأ كريما على الفتى*** أغر نجيب الأمهات كريم

أصيب بدولاب ولم تك موطنا***له أرض دولاب وأرض حميم

فلوشهدتنا يومذاك وخيلنا ***تبيح الكفار کل صریم

رأت فتية باعوا الإله نفوسهم*** بجنات عدن عنده ونعيم

ومن الخوارج عبد الله بن يحيى طالب الحق من رؤساء الخوارج وكبارهم قد أقام بصنعاء بعد أن استولى على اليمن، ولما كان وقت الحج وجه أبا حمزة المختار بن عوف وبلج بن عقبة وأبرهة بن الصباح إلى مكة والأمير عليهم أبو حمزة في ألف، وأمره أن يقيم في مكة إلى صدر الناس ويوجه بلجة إلى الشام، فأقبل المختار رأي مكة يوم التروية. وعليها وعلى المدينة عبد الواحد بن سلمان بن عبد الملك في خلافة مروان بن محمد بن مروان، وبعد حوار ومراسلات، کره عبد الواحد محاربتهم، ولما كان النفر الأخير نفر عبد الواحد وخلى مكة لأبي حمزة، فدخل بغير قتال، فقال بعض الشعراء يهجو عبد الواحد (108/5 ):

زار الحجيج عصابة قد خالفوا ***دين الإله ففر عبد الواحد

ترك الأمارة والمواسم هاربا***ومضى يخبط كالبعير الشارد

فلو إن والده تخير أمه ***لصفت خلائقه بعرق الوالد

ورثت إحدى نائحات المدينة قتلى قريش في حربهم الخوارج (113/5 ):

ص: 307

مال الزمان وماليه ***أفتت قديد رجاليه

لأبكين سريرة*** ولأبكين علانية

ولأبكين على قدي ***د بسوء ما أولانيه

ولا عويق إذا خلو ***ت مع الكلاب العاوية

وقال سهيل مولی زینب بنت الحكم بن أبي العاص وهو يذكر قتال الخوارج (122/5) :

ليت مروان رانا ***يوم الاثنين عشية

إذ غسلنا العار عنا*** وانتضينا المشرفية

وارتجزت زوجة أبي حمزة الخارجي قبل أن تقتل مع زوجها قائلة(-122-123) :

إن الجديعاء وبنت الأعلم*** من سال عن اسمي فأسمر مريم

بعث سواري بضبن مخذم

وقيل في بشكت النحوي الذي شايع الخوارج في المدينة وقتل (124/5 ):

لقد كان بشكت عبد العزيز ***من أهل القراءة والمسجد

فبعد لبشكت عبد العزيز ***وأما القرآن فلا تبعد

وبعد أن جرت معركة بين ابن عطية في الطائف وبين عبد الله بن يحي الخارجي فقتل جميع من كان مع عبد الله، فقال أبو صخر الهذلي يذكر ذلك (125 - 123/5) :

ص: 308

قتلنا عبيدة والذي يكتني الكنى*** أبا حمزة القاري المصلي اليمانيا

وأبرهة الكندي خاضت رماحنا ***وبلجأ منحناه السيوف المواضيا

وما تركت أسيافنا منذ جردت ***لمروان جبارة على الأرض عاصيا

وقال عمرو بن الحصين العنبري يرثي أبا حمزة وغيره من الشراة (125/5 - 128 ):

هبت قبيل تبلج الفجر ***هند تقول ودمعها يجري

إذ أبصرت عيني وأدمعها ***تنهل وأكفه على النحر

أنى اعتراك وكنت عهدي لا*** سرب الدموع وكنت ذا صبر

أقذي بعينك لا يفارقها ***أم عاثر، أم مالهاتذري؟

أم ذكر أخوان فجعت بهم*** ا سلكوا سبيلهم على قدر؟

فأجبتهابل ذکر مصرعهم*** الاغيره عبراتها تجري

يارب أسلكني سبيلهم ***- ذا العرش وأشدد بالتقى أزري

في فتنة ص بروا نفوسهم ***للمشرفية والقنا السمر

تله مافي الدهر مثلهم*** حتى أكون رهينة القبر

أو ب ذمتهم إذا عقدوا ***واعف عند العسر واليسر

متأهبون لكل صالحة*** ناهون من لاقوا عن النكر

صمت إذا حضروا مجالسهم*** من غير ماعي يهم يزري

ألا تجي ئهم ف أنهمو رجف القلوب بحضرة الذكر

ص: 309

متأوهون كأن جمر غضأ*** للموت بين ضلوعهم يسري

تلقاهم إلا كأنهمو*** الخشوعهم صدروا عن الحشر

منهم كان بهم جرى مرض ***أو مسهم طرف من السمر

لا ليلهم ليل فيلبسهم ***فيه غواشي النوم بالسكر

إلا كرى خلسا وأواثة ***حذر العقاب منهم على ذعر

كم من أخ لك قد فجعت به ***قوام ليلته إلى الفجر

متأوهايتلوقوارع من ***آي الكتاب مفزع الصدر

ظمآن وقدة كل هاجره***تراك لذته على قدر

رفاض ما تهوى النفوس إذا*** رغت النفوس دعت إلى المزر

ومبر من كل سيئة ***عن الهوى ذا مرة شزر

والمصطلى بالحرب يوقدها ***بحسامه في فتية زهر

يختاضها بأفل ذي شطب*** غضب المضارب ظاهر الأشر

لاشيء يلقاه أسرله*** من طعنه في ثغرة النحر

مسهارة منه تجيش بما ***كانت عواصم جوفه تجري

الخليلك المختار اذك به*** من معتد في الله أو مسري

خواض غمرة كل متلفة ***في الله تحت القيسي الكدر

نزال ذي النجوات مختضبا*** بنجيعة بالطعنة الشزر

وابن الحصين وهل له شبه*** في العرف أني کان والنكر

ص: 310

بشهامة لم تحسين أضلعه ***لذوي أحزته على غدر

طلق اللسان بكل محكمة ***رأب صدع العظم ذي الكسر

لم ينفكك في جوفه حزني ***تغلي حرارته وتستشري

ترقی وآونة يخفضها ***يتنفس الصعداء والزفر

ومخالطي بلج وخالصتي*** سهم العدو وجابر الكسر

نکل الخصوم إذا هم شغبوا ***وسداد ثملة عورة الثغر

والخائض الفجرات يخطرني*** وسط الأعادي أيماخطر

بمشطب أو غير ذي شطب ***هام العدى بذبابة يغري

وأخيك أبرهة الهجان أخي ***الحرب العوان وموقد الجسر

والضارب الأخدود ليس لها*** حد ينهنههاعن السحر

وولي حكمهم فجعت به ***عمرو، فواكبدي على عمرو

قوال محكمة وذوقهم ***عن الهوى متثبت الأمر

ومسيب فاذكر وصيته*** لاتنس أماكنت ذا کر

فكلاهماقد كان مختشعا*** الله ذا تقوى وذا بر

في مخبتين ولم أسمهم*** كانوا ندى وهم أولو نصر

وهم مساعر في الوغى حجج*** وخيار من يمشي على العفر

حتى وفوا الله حيث لقوا ***لعهود لا كذب ولا غدر

فتخالفوا مهجات أنفسهم ***وعداتهم بقواضب بتر

ص: 311

وأسنة أثبتن فی لدن*** خطية بأكفهم زهر

تحت العجاج وفوقهم طرق*** يخفقن من سود ومن حمر

فتوقدت نيران حربهم ***ما بين أعلى البيت والحجر

وتصرعت عنهم فوارسهم*** لم يغمضوا عيناعلى وتر

صرعى فخاوية بيوتهم*** وخوامع بجسومهم تغري

ورثى الشاعر مصعب بن عكاشة بن مصعب بن الزبير يوم قديد في حرب الخوارج فقال ( 250/15 ):

قمن فأندبن رجالا قتلوا ***بقديد ولنقصان العدد

ثم لا تعدلن فيها مصعبا*** حين يبكي من قتيل بأحد

أنه قد كان فيها باسلا**صارمة يقدم أقدام الأسد

ولقوله عليه السلام :

ألا وإن معاوية قاد لمة من الغواة، وعمس عليهم الخبر، حتى جعلو نحورهم أغراض المنية (244/3 ):

استشهد بقول أيوب بن خولي يرثي هدبة اليشكري ( 267/3 ):

فيا هدب للهيجا ويا هدب للندي ***وياهدب للخصم الألد يحاربه

وياهدب كم من ملحم قد أصبته ***وقد أسلمته للرماح كتائبه

تزودت من دنياك درعا ومغفرا*** وعضبا حسامة لم تخنك مضاربه

وأجرد محبوك السراة كأنه ***إذا أنقض وافي الريش حجن مخالبه

ص: 312

وقول أحد الخوارج (274/3 ):

ومن يخشى أطفار المنايا فأننا ***البسنا لهن السابغات من الصبر

وان کریه الموت عذب مذاقه*** إذا ما مزجناه بطيب من الذكر

وقول أحد الخوارج يصف أصحابه (298/3 ):

وهم الأسود لدى العرين بسالة*** ومن الخشوع كأنهم أحبار

يمضون قد كسروا الجفون إلى الدعا*** متبسمين وفيهم أستبشار

فكأنما أعداؤهم أحبابهم*** فرحا إذا خطر القنا الخطار

يردون حومات الحمام وإنها***تالله عند نفوسهم لصغار

ولقد مضوا وأنا الحبيب إليهم ***وهم لدي أحبة أبرار

قدر يخلفني ويحضيهم به*** يالهف كيف يفوتني المقدار

وقول الطرماح بن حکیم، وكان يرى رأي الخوارج (300/3 ):

وأني لمقتاد جوادي فقاذف ***به وبنفسي اليوم إحدى المتالف

الأكسب مالا أو أأوب إلى غنی ***من الله يكفيني عداة الخلائف

فيا رب أن حانت وفاتي فلا تكن*** على شرجع يعلى بخضر المطارف

ولكن قبري بطن نسر مقيله*** بجوف السماء في نسور عواكف

وأمسى شهيد ثاويا في عصابة***يصابون في قبح من الأرض خائف

فوارس أشتات يؤلف بينهم*** هدى الله نزالون عند المواقف

ص: 313

المحتويات

ترجمة الشريف الرضي رحمه الله ...5

ترجمة ابن أبي الحديد ... 8

مؤلفاته ...9

منهج الأضواء ...10

الهدف من الأضواء ...14

الضوء الأول: بدايات الدعوة الاسلامية ...17

الضوء الثاني: بيعة السقيفة ...39

الضوء الثالث: الحروب الاسلامية ... 57

1 . غزوة بدر ...59

2 . غزوة أحد ...69

3. غزوة الخندق...82

4. غزوة مؤته ...89

5. وقعة الجمل مقتل عثمان ...95

مقتل عثمان ...95

6.وقعة الجمل...100

7. وقعة صفين...123

ص: 314

8 -الخوارج...259

المحتويات...314

ص: 315

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.