نبراس الأحکام: الغصب المجلد 2

هویة الکتاب

سرشناسه:حسینی شیرازی، سیدجعفر، ‫1349 -

عنوان و نام پديدآور:نبراس الاحکام/ تقریرا لابحاث السیدجعفر الحسینی الشیرازی.

مشخصات نشر:تهران: دلیل ما ‫، 1439 ق. = 2018 م. ‫= 1397 -

مشخصات ظاهری:3ج.

شابک:دوره ‫ 978-600-442-080-8 : ؛ ‫200000 ریال ‫: ج.1 ‫ 978-600-442-079-2 : ؛ ‫200000 ریال ‫: ‫ج.2 ‫ 978-600-442-181-2 : ؛ ‫ج.3 ‫: 978-964-204-665-2

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:جلد دوم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:ج.3. چاپ اول: 1443ق. = 1400. ( فیپا)

یادداشت:کتابنامه.

مندرجات:ج.1. الصید والذباحه، الاطعمه والاشربه.- ج.2. الغصب

موضوع:اصول فقه شیعه

* Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره:BP159/8 ‫ /ح525ن16 1397

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:5204455

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

نبراس الأحکام - الغصب

السيّد جعفر الحسيني الشيرازي

السيّد جعفر الحسيني الشيرازي

إخراج: نهضة اللّه العظيمي

الطبعة الأولى - 1440ه- .ق

شابك:

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

ص: 3

ص: 4

الغصب

ص: 5

ص: 6

وقبل البحث في أحكام الغصب لا بد من معرفة معناه.

تمهيد في تعريف الغصب

وقد عرف بتعاريف(1) أوردت عليها إشكالات بعدم الاطّراد أو الانعكاس، ومن الفقهاء من(2) لم يتوقف على حدود التعاريف المذكورة لارتكاز المعنى في الأذهان، والتعاريف إنما هي لتوضيح ما هو المركوز، وخاصة في ما لم يرد من الشارع تحديد بخصوصه، حيث إن مقتضى القاعدة مراجعة العرف في كل مورد، وليس ذلك من أخذ المصداق من العرف تسامحاً حتى يرد عليه عدم حجيته في المصاديق، بل من باب معرفة تحقق المفهوم وانطباقه على المصداق.

ومنهم من ذكر(3) أن التعاريف المذكورة إنما هي شرح للاسم، وفي مثله ليس المراد الحد الدقيق حتى يذكر الجنس والفصل بحيث يكون مطرداً ومنعكساً، بل تقريب المعنى إلى الذهن، أو إشارة إلى ما هو المرتكز في الأذهان.ومنهم من ذهب(4) إلى عدم فائدة مرجوة لهذا البحث، نظراً لعدم ورود

ص: 7


1- التنقيح الرائع 4: 64؛ المهذّب البارع 4: 245؛ جواهر الكلام 37: 7.
2- جواهر الكلام 37: 13.
3- حاشية المكاسب، للآخوند: 35.
4- كتاب الغصب، للرشتي: 2.

كلمة (الغصب) في الروايات الواردة في المقام، فلا وجه لتحديد مفهومه، حيث لا ندور مداره في الاستنباط، فالملاك ملاحظة مدلول كل رواية رواية، كما عن النبي|: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(1).

لكن وإن خلت غالب الأدلة من كلمة (الغصب) إلّا أنها وردت في بعض الروايات، كما في صحيحة أبي ولّاد عن الإمام الصادق(علیه السلام): «لأنك غاصب»(2)، فلا بد من معرفة مفهومه، لكن ليس من الضروري بيان تعريف جامع مانع، بل يكفي ما في الارتكاز العرفي.

وعلى كل حال فلا بأس بتعريفه، قال في الشرائع: «فالغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدواناً»(3).

ولا بد من البحث في كل مفردة مفردة من هذا التعريف لنرى مدخليتها في مفهومه.

أمّا (الاستقلال): فهو الاستبداد بالشيء(4)، فلو شارك المالك في ماله ولو بطريقة غير شرعية لم يكن غصباً، كما لو أزعج المالك من دون أنيستولي على ماله.

أمّا (إثبات اليد): فكما لو أراد بناء أرضه فمنعه الجار، فليس غصباً؛ لعدم إثبات اليد.

وخرج غير المال بقيد (المال)، كما لو سجن الحر فليس من الغصب،

ص: 8


1- الخلاف 3: 408؛ المبسوط 3: 59.
2- الكافي 5: 290-291؛ وسائل الشيعة 19: 119.
3- شرائع الإسلام 4: 761.
4- لسان العرب 11: 566.

بخلاف سجن العبد، ولا يخفى دقة التعبير بالمال دون الملك؛ لأن بعض أنواع الغصب استيلاء على مال الغير لا ملكه، كما لو آجر داره ثم غصبها، فحيث يكون البيت ملكه لم يكن غصباً للملك، وإنما للمنفعة التي هي مال الغير.

كما يخرج به البضع؛ لأنه ليس مالاً، إلّا أن تكون أمة للغير.

وأمّا قيد (الغير) فهو لإخراج مال نفسه في ما إذا لم يكن له حق التصرف كما في الرهن، فتصرف المالك فيه حرام لكنه ليس غصباً.

وبقيد (عدواناً) خرج تصرف الولي والوكيل والمستأجر حيث رضا الطرفين، أو ما يكون بأمر الشارع، كما في تصرف الدائن في مال المديون بعد الحجر عليه.

لكن يرد عليه عدم الاطراد والانعكاس.

1- أمّا (الاستقلال): فقد لا يكون الغاصب مستقلاً، كما لو دخل الدار عنوة وسكنها مع المالك، أو غصب شخصان شيئاً، فليس كل منهمامستقلاً في الغصب(1).

2- وقد نقض التعريف أيضاً: بما لو فتح باب القفص(2) عالماً عامداً

ص: 9


1- قد لا يكون المراد من الاستقلال الشراكة العرضية مع المالك أو مع غاصب آخر، بل المراد الطولية بأن لا يكون تصرفه في مال الغير مستنداً إلى إذن المالك، فلو أثبت يده على مال الغير بإذنه لم يكن غصباً. إن قلت: إن قيد (عدواناً) يخرج التصرف المستند إلى إذن المالك، فيكون قيد الاستقلال مستدركاً. قلت: قد يكون التصرف بإذن المالك ومع ذلك يكون عدوانياً، كما في المال المرهونة. والحاصل: إن قيد الاستقلال لإخراج التصرفات المستندة إلى إذن المالك (المقرر).
2- مسالك الأفهام 12: 148.

فطار الطير، فالتعريف لا يشمله؛ لعدم إثبات اليد، مع أنه غصب؛ لأنه ضامن.

لكنه غير تام؛ لحصول الخلط بين الضمان والحرمة وبين الغصب، فلا يصح ذكرها نقضاً، فالفعل المذكور وإن كان محرماً موجباً للضمان لكنه ليس بغصب، بل يدخل في إتلاف مال الغير الأعم من الغصب.

3- وأمّا خروج البضع(1) عن التعريف فهو من خلط الحرام بالغصب أيضاً، كما لو أرضعت أم الزوجة بلبن أبيها حفيدتها من ابنتها، حيث تحرم الزوجة على زوجها لقاعدة: (لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن) فالفعل وإن كان محرماً موجباً لضمان المهر لكنه ليس غصباً، فإن الضمان أعم من الغصب، كما لو أتلف مال الغير في النوم، أو توهم أنهمال نفسه فأتلفه، فالنقض المذكور غير وارد.

4- وأشكل في المسالك(2) على القيد الرابع: بتحقق الغصب مع عدم كونه مال الغير، كما في غصب مكان المصلي في الصف الأول، أو حجرة الطالب في المدرسة.

5- وأمّا قيد (العدوان) فأورد عليه نقضاً: بتحقق الغصب غير العدواني، كما لو جهل(3) كونه مال الغير وتصرف فيه، فليس ذلك من التعدي - فإن القصد مأخوذ في قيد العدوان - مع كونه غصباً.

لكنه غير وارد؛ لعدم صدق الغصب عليه؛ وذلك لعدم إمكان تخصيص

ص: 10


1- مسالك الأفهام 12: 146.
2- مسالك الأفهام 12: 147.
3- مسالك الأفهام 12: 148.

أدلة حرمة الغصب لشدتها، مضافاً إلى عدم صدق الغصب عليه عرفاً، كما لو جلس في دار ورثه من أبيه ثم تبين أنها كانت أمانة بيد الأب.

ولأجل ذلك عدل بعض الفقهاء من تعريف صاحب الشرائع إلى أن الغصب هو: «إثبات اليد على حق الغير بغير حق»(1).

وذهب بعضهم(2) إلى خروج التعدّي على الأرض عن صدق الغصب؛ وذلك لقيد (إثبات اليد)، فإن الأرض مما لا تثبت اليد عليها.

وفيه تأمل؛ لصدق الغصب لغة وعرفاً، فقيد إثبات اليد لا يغيّر المعنىاللغوي والعرفي، بل المقصود منه هو توضيح المعنى العرفي، كما أنه لا يقصد من (إثبات اليد) الأخذ باليد المادية، بل الاستيلاء، وهو في كل شيء بحسبه، فقد يكون باليد، وقد يكون بالرجل أو بالاعتبار، أو بالمستندات المسجلة في الدوائر الحكومية المسمى بالطابو؛ ولذا لا ندور مدار اللفظ بعد انطباق المعنى.

كما أن إيداع المال في الحساب البنكي من مصاديق القبض عرفاً، وإن منعه البعض، وضعفه واضح بشهادة العرف، وليس ذلك من التسامح في المصداق، بل من انطباق مفهوم القبض عليه.

وفي ما نحن فيه كلّما صدق الغصب ترتب الحكم، وكلّما لم يصدق لم يترتب من جهة الغصبية، وإن ترتب من جهة أخرى.

والحاصل: إن الغصب يشمل غصب مال الغير، سواء كان عيناً أم منفعة، كما يشمل

ص: 11


1- المهذّب البارع 4: 245؛ إيضاح الفوائد 2: 166.
2- التنقيح الرائع 4: 66.

غصب النفس في العبد، وفي شموله للحر بحث، كما يشمل غصب الحق غير المالي مع أنه ليس من غصب المال أو النفس.

قال في الشرائع: «ولا يكفي رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب يده، فلو منع غيره من إمساك دابته المرسلة فتلفت لم يضمن، وكذا لو منعه من القعود على بساطه، أو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقية، أو تلفتعينه»(1).

فتحقق الغصب منوط بإثبات اليد ومع عدمه لم يتحقق، فلا يضمن؛ لأن دليل الضمان هو (على اليد) وحيث لا يد فلا ضمان.

وأشكل عليه في المسالك(2): بأن الضمان كما يتحقق بمباشرة التلف كذلك يتحقق بتسبيبه، كما لو حرّض المجنون أو الطفل غير المميز أو الحيوان على إتلاف مال الغير، فعدم الضمان على إطلاقه محل تأمل.

وقال الشهيد الأول(3): بأن الضمان متحقق في جميع الصور المذكورة، سواء تلفت العين أم نقصت القيمة.

وقال السيد الوالد في الفقه(4): مقتضى القاعدة تمامية كلام الشهيد الأول، وإن لم يتحقق عنوان الغصبية، فإن أدلة الضمان لا تنحصر بالغصب، كما لا تنحصر في (على اليد) حتى يقال لا يد هنا، فهنالك روايات عديدة وقد عمل بها المشهور، مضافاً إلى اعتبار بعضها، مثل: «لئلا يتوى حق امرئ مسلم»(5)، فهو نفي يتضمن النهي والضمان كما سيأتي، ومثل: «لا

ص: 12


1- شرائع الإسلام 4: 761.
2- مسالك الأفهام 12: 150.
3- الدروس الشرعيّة 3: 107.
4- الفقه 78: 18-19.
5- مستدرك الوسائل 17: 446.

يبطل حق مسلم»(1)، ومثل: «لاتبطل حقوق المسلمين»(2).

ووجه الاستدلال: أن النفي الوارد ليس لنفي الأمر التكويني؛ لضياع الكثير من الحقوق في الخارج، فصدق الكلام موقوف على عدم إرادة النفي منه، فيكون المراد التشريع، كما هو الحال في (لا ضرر)، وفي التشريع احتمالان: مجرد الحرمة أو الضمان، الذي هو أظهر الآثار، والأول مستلزم لضياع الحق عرفاً، فلا يبقى إلّا الثاني.

وبعبارة أخرى: بعد نفي المعنى الحقيقي للنفي يكون أقرب المجازات المدعوم بالظهور والفهم العرفي هو الضمان.

وأمّا رواية: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(3)، فقد ذهب بعض الفقهاء(4) إلى عدم دلالتها على الضمان؛ وذلك لأن (على) دالة على استعلاء حكم اللّه وهو الحرمة، فيكون تكليفاً لا يستفاد منه الضمان، كما هو الحال في: «الإسلام يعلو... »(5)، فلا حكم فوق حكم الإسلام.

لكن احتمال كونه لبيان الحكم الوضعي وارد، بل هو الظاهر بعد عدم إرادة المعنى الحقيقي فإن الضمان هو أقرب المجازات بشهادة العرف؛ ولذا لو لم تكن هنالك حرمة شمله (على اليد)، كما لو أخذ مال الغير وتصرف فيه جاهلاً.

ص: 13


1- مستدرك الوسائل 17: 380.
2- الكافي 7: 198؛ وسائل الشيعة 20: 279.
3- المبسوط 3: 59؛ جامع أحاديث الشيعة 23: 1138.
4- فقه الصادق 16: 365.
5- من لا يحضره الفقيه 4: 334؛ وسائل الشيعة 26: 14.

وقد أراد بعض الفقهاء(1) إثبات الضمان من طرق أخرى، وذكر وجوهاً لاستبعاد احتمال إرادة التكليف، لكنها لا تخلو عن تأمل.

ومنها: ضرورة تقدير شيء ك- (يجب) على فرض إرادة الحكم التكليفي.

وفيه: ضرورة التقدير حتى على فرض إرادة الضمان، فالظهور العرفي هو المعين لإرادة الضمان من (على اليد)، فالضمان ثابت في الأمثلة المذكورة في الشرائع لا من باب الغصب، بل من باب تضييع حق الغير.

وارتضى صاحب الجواهر(2) ما في المسالك(3) من تحقق الضمان في صورة التلف دون نقص القيمة واستشهد لذلك - من باب التقريب إلى الذهن - بعدم ضمان منافع الحر.

وأشكل السيد الوالد(4) على التنظير المذكور بتحقق الضمان في عمل الحر، وإن كان ذلك مخالفاً للمشهور، لكنهم لم يستندوا حتى إلى رواية ضعيفة، بل هو مجرد استنباط من مجموع الأدلة التي تثبت الضمان في الماليات، وحيث إن الحر لا مالية له فلا يكون لعمله قيمة، لكنه محل نظر؛ فإن العرف قاضٍ بثبوت القيمة لعمله، وعليه يكون عمل الحر مشمولا ل- (لا يتوى) وإن لم يتضمن تلف المال، حيث يصدق عليه ضياعالحق، فيؤخذ الموضوع من العرف والحكم من الشرع.

بل يمكن الاستدلال بحديث (لا ضرر) (5) فإن عدم النفع في مورد يتوقع

ص: 14


1- فقه الصادق 16: 365.
2- جواهر الكلام 37: 15.
3- مسالك الأفهام 12: 150.
4- الفقه 78: 19.
5- الكافي 5: 293؛ وسائل الشيعة 18: 32.

منه النفع ضرر، وحيث كان عدم الضمان حكماً ضررياً كان مرفوعاً بحديث (لا ضرر) على الأقوى من رفعه للعدميات أيضاً.

وتفصيل الدليل على الضمان في ما ذكر في الشرائع من الأمثلة.

ويستفاد الضمان من ثلاثة أدلة:

الدليل الأول: التسبيب في التلف أو في تضييع الحق، فكما أن الضمان ثابت في مباشرة التلف كذلك في التسبيب.

الدليل الثاني: استفادة الملاك من باب الدية، فلو دعا شخصاً إلى بيته من دون إنذاره بوجود الكلب أو البئر، فعضه الكلب، أو سقط في البئر ضمن صاحب الدار، ووجه الضمان أنه تسبيب إلى الموت أو الجرح.

ومع عدم تمامية الملاك فإن ذكر هذا المورد وأشباهه إنما هو لدفع الاستيحاش عن الضمان، فليس ذكر الأشباه والنظائر من باب القياس، بل لبيان عدم الانفراد مما يرفع الاستيحاش.

الدليل الثالث: لا ضرر، ولا يرد عليه الإشكال المعروف من اختصاصه بنفي الحكم والمقام من إثباته، فإنه على بعض المباني يشملإثبات الحكم أيضاً، وإلّا فيرد الإشكال على مورد الرواية، حيث أمر النبي| بقلع الشجرة وهو من إثبات الحكم، وإن تخلص جمع من الإشكال المذكور بكون الأمر بقلعها حكم ولائي لا يرتبط بلا ضرر، لكن ظاهر التفريع إثبات الحكم حيث قال: «فإنه لا ضرر ولا ضرار»(1)، بمعنى أنه لدفع الضرر اقلعها.

وعن المحقق القمي أن الضمان في المقام على بيت المال(2).

ص: 15


1- الكافي 5: 292؛ وسائل الشيعة 25: 429.
2- الفقه 78: 21.

لكنه محل تأمل؛ لعدم شمول أدلة بيت المال لإضرار الناس بعضهم بعضاً، بل الأضرار العامة كالسيل والحرب وما أشبه.

وأمّا مقدار الضمان فالأقرب أنه في القيمي قيمة يوم الدفع؛ لأنه بالتلف تنتقل العين إلى الذمة - لظاهر أدلة الضمان - وحين الدفع حيث لا يتمكن من تسليم العين لتلفها انتقلت إلى البدل وهو القيمة حين الدفع.

ومع ارتفاع القيم وانخفاضها خلال السنة - مثلاً - ضمن الارتفاع إن كان للمالك من يشتريها لتحقق الضرر بعدم النفع وأمّا مع عدم المشتري أو عدم إمكان البيع فلا ضمان، وتفصيل الكلام في صحيحة أبي ولّاد المذكورة في المكاسب(1).

وأما في المثلي فدفع المثل مع قطع النظر عن ارتفاع أو انخفاض قيمةالعين إلّا لو أوجب ضرراً، وسيأتي بحثه.

قال في الشرائع: «أمّا لو قعد على بساط غيره أو ركب دابته ضمن»(2).

ويدل عليه تحقق مفهوم الغصب وهو الاستيلاء على مال الغير على وجه العدوان، أمّا على غير وجه العدوان بأن تخيل أنه له فلا يصدق الغصب، لكن الضمان متحقق لعدم اشتراط القصد في الضمان. فليس سبب الضمان الغصب فقط، بل هو أحد أسباب الضمان، وهنالك أسباب أخرى، كما مرّ.

ثم إنه قد ذهب بعض الفقهاء(3) إلى اشتراط النقل في تحقق مفهوم الغصب؛ وذلك لعدم تحقق القبض من دون نقل فلا يكون مجرد الجلوس

ص: 16


1- كتاب المكاسب 3: 245-247.
2- شرائع الإسلام 4: 761.
3- الجامع للشرائع: 349؛ جواهر الكلام 37: 17.

على البساط أو الدابة موجباً لتحقق الغصب.

واستدل(1) لذلك: باشتراط النقل في صدق القبض في البيع، كما في خبر عقبة بن خالد، عن الصادق(علیه السلام): «في رجل اشترى متاعاً من رجلٍ وأوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غداً إن شاء اللّه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد مالَهُ إليه»(2).وفيه نظر؛ لصدق القبض بمجرد الجلوس حتى في البيع، وأمّا النقل فهو شرط آخر لانتقال الضمان من البائع إلى المشتري، ولا يرتبط بصدق القبض. وفي ما نحن فيه مجرد الاستيلاء كافٍ في صدق الغصب والقبض.

ولا يخفى أن صدق الغصب وتحقق الضمان في الجلوس على بساط الغير إنما هو بشرط عدم إزالة المالك حرمة ماله، وإلّا فلا يصدق الغصب ولا ضمان فيه، كما لو فرش بساطه في وسط الشارع مما هو حق المارة.

ص: 17


1- جواهر الكلام 37: 18.
2- الكافي 5: 171؛ وسائل الشيعة 18: 24.

الفصل الأول: في بعض المصاديق

اشارة

يذكر فيه بعض المصاديق التي صار الكلام حول إمكان تحقق الغصب فيها، ومنها:

المصداق الأول: غصب العقار

اشارة

ثم قال في الشرائع: «ويصح غصب العقار»(1).

والمراد من الصحة الإمكان، بخلاف ما ذهب إليه بعض العامّة(2)، حيث قالوا بعدم إمكان تحقق الغصب؛ لعدم إمكان قبض الأرض.

لكنه ضعيفٌ؛ فإن الغصب متحقق في المنقول وغير المنقول ويدل عليه: صدق الغصب عرفاً(3)، والإجماع(4).

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: في كيفية غصب الأرض

قال في الشرائع: «بإثبات اليد عليه مستقلاً من دون إذن المالك»(5).

فلو لم يثبت يده وإنما منعه من التصرف أو لم يكن مستقلاً أو كان بإذن

ص: 18


1- شرائع الإسلام 4: 761.
2- تلخيص الخلاف 2: 166؛ تذكرة الفقهاء 2: 377.
3- تحرير الأحكام 4: 521؛ رياض المسائل 12: 255؛ جواهر الكلام 37: 18.
4- جواهر الكلام 37: 19.
5- شرائع الإسلام 4: 761.

المالك فليس من الغصب.

وذهب في القواعد إلى عدم لزوم الاستقلال فلو شارك المالك في داره كان غصباً، حيث قال: «ويتحقق إثبات اليد في المنقول بالنقل... والعقار بالدخول وإزعاج(1) المالك، فإن أزعج ولم يدخل أو دخل لا بقصد الاستيلاء ولم يزعج لم يضمن»(2).

وفيه إشكال، فمجرد الاستيلاء كافٍ في تحقق الغصب وإن لم يزعج المالك، كما لو كان المالك تاركاً لأرضه حيث لا إزعاج، وكذلك لو سجل الحاكم الظالم دار زيد باسم نفسه من دون أن يخرجه أو يزعجه، فلم يؤخذ الإزعاج في مفهوم الغصب(3).

كما لا مدخلية لقصد الاستيلاء في تحقق مفهوم الغصب، فلو دخل المسافر بيتاً لا بقصد الاستيلاء، بل بقصد الراحة كان غصباً، أو كان للدار بابان دخل من أحدهما وخرج من الآخر، حيث لم يقصد الاستيلاء وإنماالمرور.

نعم، الغالب تحقق الغصب مع قصد الاستيلاء، لكن ليس مفهوم الاستيلاء مقوماً للغصب.

وقد يقصد الغصب لكن لا يتحقق، كما لو قصد شخص ضعيف غصب أرض شخص قوي مع حضوره فدخلها قاصداً الاستيلاء لكن لا يتمكن، فهنا

ص: 19


1- أي: مزاحمة.
2- قواعد الأحكام 2: 222.
3- ليس المراد من الإزعاج المزاحمة الفعلية، حتى يشكل على القواعد بعدم المزاحمة في تارك الأرض، بل المزاحمة في ملكه مما هو ثبوتاً وشأناً إزعاج (المقرر).

قد تحقق الدخول والقصد لكن الغصب غير متحقق.

المسألة الثانية: في غصب بعض الدار

لو غصب بعض الدار(1) - كغرفة منها - ففي تحقق الغصب بمقدار المتصرف فيه، أو الكل، أقوال ثلاثة:

الأول: تحقق الغصب في مورد التصرف، دون الباقي، فيترتب الآثار على مقدار الغصب كالضمان.

الثاني: تحقق الغصب بالنسبة إلى الجميع؛ لكون التصرف في البعض موجباً لصدق غصب الكل.

الثالث: التفصيل بين المواضع المقصودة فيصدق الغصب دون غيرها، فلو قصد غصب الدار وجلس في الغرفة صدق غصب الكل، ولو قصد البعض - كقطعة من أرض كبيرة بناها لنفسه - لم يصدق غصب الكل.

وبعبارة أخرى: لو تصرف في البعض مع قصد التصرف في الكلصدق غصب الكل، ولو غصب البعض لا بنيّة الكل لم يصدق.

والأقوى رجوع المسألة إلى العرف؛ لأن البحث في صدق المفهوم، وهو يختلف بالنسبة إلى الأشياء، فقد يكون للشيء وحدة عرفية، كما لو تصرف في صفحة من الكتاب، فيصدق غصب الكل، وقد لا يكون كذلك كغصب قطعة من أرض كبيرة.

وكذلك لو سبب غصب البعض حرمان المالك من التصرف في الباقي، كما لو غصب غرفة من الدار وترك الباقي للمالك، لكنه ترك الدار حيث لا يمكنه السكنى مع الغاصب، فيعتبر ذلك غصباً للكل عند العرف، وكذلك

ص: 20


1- كتاب الغصب، للرشتي: 7؛ الفقه 78: 26.

في الأرض الكبيرة لو فرّ المالك خوفاً من الغاصب، فمع صدق الغصب على الكل تترتب الآثار.

وأمّا لو لم يصدق - كما هو الغالب مثل ما لو تعدّى على حدود الجار وبنى جدار بيته في أرضه - لم تترتب آثار الغصب على الكل، وإنما على المقدار المتصرف فيه.

والحاصل: مع هذه القيود الثلاثة لا يتحقق غصب الكل، وهي: أن يقصد غصب البعض، ولم يترك المالك الكل خوفاً ونحوه، ولم يصدق الاستيلاء على الكل عرفاً.

فتحصل: أن غصب الأرض ممكن، والغاصب يضمن المقدار الذي غصبه ولا مدخلية للقصد غالباً، والأمر منوط بالصدق العرفي.

المسألة الثالثة: اشتراك الغاصب مع المالك

لو دخل الغاصب الدار قهراً من دون أن يطرد المالك، فللمسألة صور: فإما أن يكونا قويين، أو ضعيفين، أو بالاختلاف.

فلو كان المالك قوياً والغاصب ضعيفاً بحيث أمكنه إخراجه، كان فعله حراماً، وأمّا في كونه غصباً فقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدمه(1).

لكن الظاهر أنه محل تأمل؛ لأن قوة المالك وضعف الغاصب لا يرفع اسم الغصب في كثير من الصور، كما لو كان المالك قوياً واقعاً لكنه لا يعلم بقوته، بل يتصور الضعف، بأن أوهمه الغاصب بأنه من الظلمة، أو لكون المالك في السفر، أو لمصلحة لا يعمل قوّته كالحفاظ على ماء وجهه، أو عدم التنزل إلى مستوى الغاصب أو ما أشبه، فلا بد من ملاحظة صدق

ص: 21


1- جواهر الكلام 37: 20.

الغصب لترتب الأحكام.

ومنه يعلم حكم سائر الصور.

ثم إنه قد يكون الغصب على نحو الإشاعة بين المالك والغاصب، وقد يكون على نحو التعيين، وقد يكون على نحو الكلي في المعين، فيختلف الضمان باختلاف كيفية الغصب ومقداره. ولو شك ودار الأمر بين الأقل والأكثر فمقتضى الأصل العملي الأقل؛ لكون الشك في أصل التكليف باشتغال ذمة الغاصب بالأكثر فتجري البراءة.

ولا يعارضه أصالة الأقل في جهة المالك؛ لعدم ترتب الأثر على مقداراستفادة المالك؛ لأنه لا يضمن ملك نفسه. نعم، يتم التعارض في الغاصبين.

المسألة الرابعة: الغصب من المالك أو الغاصب

ثم إنه لا فرق بين أن يغصب من المالك أو من غاصب آخر، فلم يؤخذ في مفهوم الغصب الاستيلاء المباشر من مال المالك، فلو غصبه الأول من دون أن يدخل فيه، بأن سجل الدار باسم الثاني ومنحه له، كان كلاهما غاصباً، كما يحدث كثيراً للحكام الظلمة، حيث يغصب الحاكم الدار فيعطيه للموظف.

وتظهر الثمرة في تعاقب الأيدي، كما سيأتي.

المسألة الخامسة: ضمان الغاصب ما بيد المالك

ولو ترتّبت يد كل واحد من المالك والغاصب على جزء من المغصوب، كما لو استولى الأول على الجانب الأيمن من الشيء، والثاني على الجانب الأيسر، ففيه احتمالان(1).

ص: 22


1- كتاب الغصب: 6-7.

ولا بد من ذكر مقدمة، وهي: إن اليد علامة الملكية، فلو كان الشيء بيد اثنين وتنازعا فيه كانت يدهما مترتبة عليه، فيكون كلاهما ذا اليد، وفي هذه المسألة احتمالان:

الأول: أن يكون كل واحد منهما مالكاً للقسم الذي تحت يده؛ لأندليل اليد عام يشمل هذه الصورة أيضاً.

الثاني: أن يكون الشيء المتنازع عليه بينهما بالتنصيف بالإشاعة، أو بالكلي في المعين لترتب يدهما على الشيء، ولا يلزم في ثبوت اليد كون كل الشيء بيده، بل يكفي ترتبه على بعضه ليكون كله ملكه، وكذلك الحال في البينة للطرفين؛ فإن السبب يؤثّر أثره في ما لم يكن له معارض، وأمّا مع المعارضة فلا يمكن فعلية السببين المتعارضين معاً لاستحالته، حيث إنه من اجتماع الضدين أو النقيضين، فإن معنى الفعلية فيهما أن يكون كل الشيء لزيد دون عمرو، في حين أن كله لعمرو دون زيد، فلا بد من القول بالسببية الشأنية، بمعنى سببية البينة الأولى لولا المعارض وبالعكس، وكذلك في اليد، فهل الحكم القرعة، أو التنصيف لقاعدة العدل والإنصاف، أو يبحث عن حل آخر؟ وتفصيل الكلام في محلّه.

إذا اتّضحت المقدمة نقول في ما نحن فيه، لو تلف ما بيد المالك فهل يضمن الغاصب؟

يقول المحقق الرشتي(1): لو قلنا: إن ما بيد المالك خارج عن تصرف الغاصب لم يكن ضامناً لعدم الاستيلاء، ولو قلنا: إنه متصرف في الجميع - وإن ترتّبت يده على البعض - على نحو الإشاعة كان ضامناً بالنسبة، فلا بد

ص: 23


1- كتاب الغصب: 8.

من القرعة أو قاعدة العدل.لكنه محل تأمل؛ لأن مقوم الغصب الاستيلاء، فلا غصب مع عدمه، فاحتمال القرعة غير وارد أصلاً لعدم تحقق المشكل، وأمّا احتمال التنصيف فكذلك؛ لأنه إن اعتبر الغاصب للبعض مستولياً على البعض الآخر عرفاً كان ضامناً للجميع، وإلّا فلا وجه لضمانه ما لم يستولِ عليه.

المسألة السادسة: إسكان الغاصب غيره

قال في الشرائع: «وكذا(1) لو أسكن غيره»(2)، كما لو غصبت الدولة بيتاً وأسكنت الموظّف فيه.

وقال في الجواهر(3): إن أذن الغاصب للغير وكان جاهلاً لا يكون غاصباً لكنه ضامن؛ لاستيلائه على مال الغير، ويرجع إلى من غرّه، وإن لم يكن جاهلاً كان كلاهما غاصباً.

وكلامه تام في ثبوت الضمان وفي كون العالم غاصباً.

لكن قد يشكل عليه في نفي الغصب عن الجاهل، فإن الألفاظ وضعت للمعاني الحقيقية لا القصدية، فالغصب موضوع للاستيلاء على مال الغير لا توهم ذلك، فمن توهم كون الأرض للغير واستولى عليه فتبين أنها أرضه لم يكن غصباً، وإن كان تجرياً، وكذلك من جهل أنه للغير فأخذه كان غصباً، فلا مدخلية للعلم والجهل والذكر والنسيان والقصدوعدمه في تغيير واقع الأشياء.

ص: 24


1- أي: الغاصب ضامن.
2- شرائع الإسلام 4: 761.
3- جواهر الكلام 37: 23.

وفيه: أن الكبرى المذكورة صحيحة، لكنها لا تنطبق على ما نحن فيه؛ لما مرّ في تعريف الغصب فإنه مرتبط بعنوان قصدي وهو مفقود في الجاهل فلا يكون غاصباً، لكنه ضامن لتصرفه في مال الغير، ولا يشترط في الضمان العلم ولا القصد غالباً.

فتحصل: أن الاستيلاء على ملك الغير مشتركاً ومنفرداً غصب، ويكون الضمان بمقدار نسبة الغصب.

المسألة السابعة: في ضمان العين

قال في الشرائع: «فلو سكن الدار مع مالكها قهراً لم يضمن الأصل، وقال الشيخ: يضمن النصف، وفيه تردد منشؤه عدم الاستقلال من دون المالك»(1).

أقول: أمّا عدم ضمان الكل فلما سبق من عدم كونه غاصباً للكل، وأمّا ضمان البعض، فلما مرّ من أن الاستقلال ليس شرطاً لتحقق الغصب، فإنه مفهوم عرفي يتحقق بالاستيلاء على مال الغير، سواء كان مستقلاً أم لا، فالقول بعدم الضمان لعدم الاستقلال محل تأمل، وسيأتي البحث في مقدار الضمان.

المسألة الثامنة: في ضمان المنفعة

اشارة

وقال في الجواهر(2) في ضمان المنفعة: كل منفعة استفاد منها الغاصب أو لم يستفد لا بد له من دفع الضمان، إلّا أن يستوفيها المالك، فلا معنى للقول بضمان الغاصب.

ص: 25


1- شرائع الإسلام 4: 761؛ المبسوط 3: 73.
2- جواهر الكلام 37: 24.
وفي كلامه بحوث ثلاثة:

الأول: ثبوت الضمان على الغاصب في جميع المنافع حتى غير المستوفاة، كما لو غصب الدار ولم ينتفع منها لمدة سنة فعليه دفع بدل الإيجار.

لكن إطلاقه محل تأمل، فإنه لو لم يرد المالك استيفاء المنفعة - كما لو أهمل المالك أرضه الزراعية ولم يرد الانتفاع منها فغصبها - لم يكن وجه للضمان، حيث لا يعتبر منفعة عرفية؛ لأن ضمان الغاصب إمّا لمنفعة استوفاها، أو لمنع المالك من استيفاء المنفعة.

نعم، لو أراد المالك استيفاء المنفعة فالقول بالضمان لا يخلو من وجه؛ لتضييع حق المالك.

كما أنه لو استوفاها كان ضامناً؛ لأنه استفاد منفعة للمالك، ولا يصح ذلك مجاناً.

الثاني: عدم الضمان في ما لو استفاد المالك المنفعة، وهو تام في الجملة.لكن لا إطلاق له، ويمكن التنظير له بما ذكره الفقهاء(1) من ثبوت الضمان في ما لو غرّه فأهداه مال نفسه فأكله، ثم تبين له أنه ملكه، حيث يضمن الغار مع كون المالك هو الذي استفاد من عين ماله؛ لأن المغرور يرجع إلى من غرّه، كذلك الحال في ما إذا انتفع المالك بماله المغصوب.

إلّا أن أصل التنظير محل تأمل، حيث لا إطلاق في (المغرور يرجع إلى من غرّه)، فإن مقتضى عدم صحة الجمع بين العوض والمعوض عدم

ص: 26


1- قواعد الأحكام 2: 222؛ جامع المقاصد 6: 213؛ مفتاح الكرامة 18: 41.

الضمان.

نعم، لو أضرّه كان ضامناً بمقدار الضرر، بناء على إثبات الحكم ب- (لا ضرر)، كما لو أكل الشاة فوراً، بينما لو علم أنها له كان يأكلها خلال شهر.

المسألة التاسعة: الغصب من بعض الجهات

لو كان الغصب من بعض الجهات، كما لو غصب الدار لكن كان بإمكان المالك بيع الدار أو إيجاره، فإن استوفى الغاصب المنافع من تلك الجهة، أو منع انتفاع المالك ضمن، كما لو جلس الغاصب في الدار وبعد فترة باع المالك الدار، ضمن بدل الإيجار لتلك الفترة. وهذا واضح.

وأمّا لو لم يستوفِ من جهة من الجهات، كما لو حجر الغاصب على بيع الدار، وكان المالك جالساً فيها من دون إرادة بيعها، فلا يعلم صدقالغصب على هذا المنع، فلا ضمان. نعم، لو أراد بيع الدار فمنعه بحيث أضرّه - لانخفاض القيمة مثلاً - فالأقوى الضمان، كما سبق.

المسألة العاشرة: مقدار الضمان

ثم إن الشيخ الطوسي(1) ذهب إلى ضمان النصف في ما لو تفاوت مقدار تصرف المالك والغاصب، لكن الظاهر لزوم مراجعة أهل الخبرة في تشخيص مقدار الغصب ومن ثَمَّ الضمان، قيل: لا يلزم في مثل هذا المورد مراجعة أهل الاختصاص؛ لأنهم يرجعون إلى العرف أيضاً، فتأمل.

وتختلف الموارد في ذلك، فمثلاً: لو كان الغاصب شخصاً واحداً بينما المالك مع أهله عشرة أشخاص واستفاد كلهم من كل زوايا البيت، أو اتفقا

ص: 27


1- المبسوط 3: 73.

على أن يجلس أحدهما في الدار ليومين والآخر أربعة أيام، فلا يكون ذلك سبباً لضمان النصف، بل كل منهما بحسبه، وأمّا مثل خروج الغاصب من الدار لساعات من النهار - مثلاً - بينما المالك جالس في الدار طول النهار فلا يؤثّر في تفاوت الضمان، فلا تحسب الساعات، ولذا يضمن نصف العين والمنفعة.

كما أن التنصيف عرفي لا دقي، ولو شك أو اختلف العرف فلم يعلم أنه استفاد أكثر أو أقل فالأصل عدم الزيادة؛ لأنه شك في التكليف الزائد.

المسألة الحادية عشرة: في اختلاف مقدار غصب العين واستيفاء المنفعة

لو اختلف مقدار غصب العين واستيفاء المنفعة، كما لو غصب نصف البئر مشاعاً لكن كان نزحه للماء ضِعف نزح المالك كان لكل حكمه، حيث لا تلازم في مقدار الضمان، فمع غصب نصف العين يضمن بمقدار النصف في ما لو تلفت، وأمّا المنفعة فبمقدار الاستيفاء.

وقال في الدروس: «وكذا لو رفع متاعاً بين يدي المالك ككتاب، فإن قصد الغصب فهو غاصب، وإن قصد النظر إليه ففي كونه غاصباً الوجهان»(1).

ولا يخفى أنه مع إذن الفحوى لا إشكال في الجواز.

والكلام في ما لو أقدم على ذلك من دون العلم برضا المالك، فقد أشكل في الجواهر(2) على الدروس بتحقق الغصب؛ لأنه إمّا بالاستيلاء وإمّا بالاستقلال، وكلاهما متحقق في المقام، فلا وجه لقوله: (الوجهان).

ص: 28


1- الدروس الشرعيّة 3: 106.
2- جواهر الكلام 37: 27.

لكن قد يكون الشهيد ناظراً إلى عدم صدق الغصب في المثال، وإن كان تصرفاً في مال الغير من دون إذنه، فهو حرام لكنه ليس بغصب، كما ذكره السيد الوالد في الفقه(1).ونظيره ما لو أنار بيته فأضاء الطريق، حيث يجوز للمارّة المطالعة على ضوء النور، فلا يشترط رضاه؛ لأنه ليس تصرفاً في مال الغير عرفاً، كما أنه لا يحق له منع المارة في المكان العام.

ص: 29


1- الفقه 78: 44.

المصداق الثاني: غصب الدابّة

وفيه فروع:

الفرع الأول: قال في الشرائع: «وكذا لو مد بمقود دابة فقادها ضمن، ولا يضمن لو كان صاحبها راكباً لها»(1).

وأضاف العلامة في القواعد: «إلّا أن يكون المالك راكباً قادراً»(2)، فمجرد كونه راكباً لا يرفع اسم الغصب، أمّا لو أمكنه دفع آخذ المقود لم يكن غصباً.

والأقرب: إن الغصب يتحقق بالاستيلاء كما مرّ، فلا بد من ملاحظته، فلا فرق في ركوب صاحبها وعدمه، وأمّا لو لم تتحرك الدابة بأخذ المقود، أو كانت تسير بنفسها من دون تأثير أخذه لم يتحقق الاستيلاء.

وقد يتحقق الاستيلاء الناقص فيكون المالك وآخذ المقود مستوليين، فتتوارد العلتان فيضمن الغاصب بمقدار استيلائه، ولذا ذهب بعض الفقهاء

ص: 30


1- شرائع الإسلام 4: 761.
2- قواعد الأحكام 2: 223.

إلى ضمان النصف(1). وإن أنكره آخرون(2) حيث ذهبوا إلىكون الاستيلاء بين الإثبات التام أو نفيه.

لكن لا وجه لإنكارهم، حيث يمكن تبعض الاستيلاء، كما في نظائره من تداعي نفرين لشيء واحد بيدهما فيملكاه مشاعاً، وكذلك في الجناية فتتقسم الدية، فليكن الغصب كذلك.

الفرع الثاني: غصب الدابة الحامل غصب لولدها لثبوت يده عليهما.

وقد مرّ عدم اشتراط القصد بعد تحقق الاستيلاء العدواني، فلو لم يعلم أنها حامل كان غاصباً للحمل، فلو تلف الحمل كان ضامناً.

وأمّا مقدار الضمان: فعليه القيمة، ولتشخيص قميته تُقيّم الدابة الحامل والحائل فيدفع التفاوت، كما قاله العلامة في نظيره(3).

وفيه نظر؛ لما احتمله السيد الخوانساري في جامع المدارك(4) وهو الحق: من أنه قد يكون قيمة الحامل أقل من قيمة الحائل، فيكون إسقاط جنينها موجباً لارتفاع القيمة، وقد لا تتفاوت القيمة، فلا بد من ملاحظة أمرين:

الأول: قد يكون للجنين قيمة بمفرده، فلا وجه لملاحظة قيمة الدابّة حاملاً وحائلاً بالنسبة إلى الجنين.

الثاني: قيمة الدابة بوصف كونها حاملاً، فبغضّ النظر عن قيمة الجنين

ص: 31


1- راجع مفتاح الكرامة 18: 72؛ جواهر الكلام 37: 29.
2- راجع مفتاح الكرامة 18: 72؛ جواهر الكلام 37: 29.
3- تحرير الأحكام 4: 521.
4- جامع المدارك 5: 193.

فنفس وصف الحامل والحائل سبب لاختلاف قيمة الدابّة،فلا بد من القول بثبوت ضمانين: قيمة الجنين، وإذهاب وصف الأمة الحامل، وهذا لا يرتبط باختلاف القيمة السوقية، بل بإزالة وصف.

وبعبارة مختصرة: للدابّة بوصف كونها حاملاً قيمة وللجنين قيمة.

الفرع الثالث: ذهب العلامة في التحرير(1) إلى أنه لو غصب شاة فولدت مولوداً حيّاً ثم تلف، ضمن أعلى القيم من يوم الولادة إلى يوم التلف.

وتفصيل الكلام مبنىً في كتاب البيع من كون الضمان ليوم التلف أو يوم الغصب أو أعلى القيم أو يوم الأداء، لكن باختصار: الأظهر أنه يضمن قيمة يوم الأداء؛ وذلك لأن العين ما دامت باقية وجب أداؤها، فلا يكون في ذمته شيء غير العين، إلّا إذا سبب ضرراً للمالك فعليه جبره، وأمّا عند التلف فتنتقل العين إلى ذمته لا قيمتها، فيلزم عند الأداء إعطاء العين، وحيث تتعذر تنتقل إلى القيمة(2). ولا وجه لأعلى القيم إلّا أخذ الغاصب بأشق الأحوال، ولا دليل عليه.

الفرع الرابع: لو سبب الغاصب نمواً، كما لو حملت الدابّة عنده أوسمنت.

فقد ذهب السيد الوالد في الفقه(3) إلى أن الغاصب شريك المالك بقدر

ص: 32


1- تحرير الأحكام 4: 521-522.
2- وفيه: إنه عند التلف ينتقل شيء إلى ذمة المتلف وذلك الشيء إمّا العين وإمّا القيمة، أمّا العين فانتقالها لغو لكونها قيمية، فلا معنى ليقول المولى أدِّ الشاة؛ لأن الشاة تالفة، فلا بد من القول بانتقال القيمة إلى ذمته، فيقول المولى: أدِّ قيمة الشاة، فيثبت في ذمته قيمة يوم التلف، كما أن القول ببقاء عين الشاة في ذمته إلى يوم وقت الأداء غير عقلائي أيضاً، فلا معنى لأمر المولى بما لا يكون (المقرر).
3- الفقه 78: 50.

نمائه، فإنه وإن كان تصرفه في ملك الغير حراماً لكنه حكم تكليفي لا يمنع الحكم الوضعي، كما لو مزج لبنه بلبنه، فالشركة قهرية ومزجه حرام.

واستدل(1) لذلك بقوله تعالى: {وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ}(2)، فسعي كل إنسان له، وهو غير منصرف عن المقام، حيث لا منافاة بين الحرمة التكليفية والملكية الوضعية.

ويؤيده معتبرة(3) هارون بن حمزة، قال: «سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع، فيغيب الرجل ويدع النخل كهيئته لم يقطع، فيقدم الرجل وقد حمل النخل، فقال: له الحمل يصنع به ما شاء، إلّا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه»(4)، وللحديث إطلاق يشمل ما نحن فيه فيكون نتاج سعي الإنسان لنفسه، وإن كان في ملك الغير ومن دون رضاه.الفرع الخامس: يضمن حمل الدابّة المبتاعة بالبيع الفاسد وهنا ننقل كلام الفقهاء في نظير المسألة.

فقد قيل: بأن المشتري بالإضافة إلى ضمان الدابّة ضامن للحمل، فلو تلفا ضمن خسارتهما، لكن في المسالك(5) نفى ضمان الحمل.

ولمعرفة الصحيح لا بد من ملاحظة كون المقام مصداقاً لأيّ القاعدتين،

ص: 33


1- الفقه 78: 50.
2- سورة النجم، الآية: 39.
3- رجاله كلهم ثقاة، ومنهم يزيد بن إسحاق شعر وهو معتبر على الأقوى (السيد الأستاذ).
4- الكافي 5: 297.
5- مسالك الأفهام 12: 155.

وهما: قاعدة (ليس على الأمين إلّا اليمين)، وقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده).

أمّا يد المشتري على الدابّة فليست أمانيّة، وهذا واضح.

وأمّا بالنسبة إلى الحمل فقد ذهب الدروس(1) إلى الضمان في ما لو كان الحمل جزء المبيع أو اشتراها بشرط الحمل، فتجري القاعدة الثانية.

وذكر صاحب الجواهر(2) وجهاً آخر للضمان وهو: إن الحمل باقٍ في ملك البائع؛ لأن المفروض بطلان البيع، ولم يأذن للمشتري بالتصرّف فيه، فيكون ضامناً، وإن كان معذوراً لتوهم صحة البيع.

ومقتضى القاعدة: ما ذهب إليه في الدروس إن كان الحمل جزء البيع أو شرطاً فيه، وإن لم يكن كذلك - حيث لا يعلمان بالحمل - فليست يدالمشتري يداً عدوانية - حيث لم يتعمد التصرف في مال الغير فقد توهم صحة البيع - فلا تشمله (على اليد) لانصرافها إلى اليد العدوانية عرفاً، وإن كانت مطلقة بدواً، فلا ضمان.

وقد مثل السيد الوالد في الفقه(3) بمثالين لليد غير العدوانيّة، التي لا تثبت الضمان مع الفساد، إحداهما: لعب القمار وخسر فدفع المال، فإن الآخذ وإن لم يملك المال إلّا أنه لا يضمنه، فإن يده ليست عدوانيّة، حيث أعطاه باختياره، سواء كان جاهلاً بالحكم الشرعي أم عالماً غير مبالٍ بالدين.

ثانيتهما: لو دفع أجر البغي، كان أصل الفعل وإعطاء المال وأخذه حراماً،

ص: 34


1- الدروس الشرعيّة 3: 108.
2- جواهر الكلام 37: 31.
3- الفقه 78: 52.

لكنها لا تضمن المال لو تصرفت فيه مع أنها لم تملكه؛ لعدم كون يدها عدوانيّة.

وفصّل المحقق الرشتي(1) بأن تسليط الغير على المال قسمان:

الأول: تسليطه من دون أن يكون مستحقا للسلطنة، كالعارية، فتكون اليد أمانيّة ولا ضمان فيها.

الثاني: تسليطه من جهة استحقاقه فيكون ضامناً، كالبيع.

وفي البيع الفاسد المتوهم صحته يكون التسليط من قبيل الثاني، فإن البائع سلطه بعنوان أنه حق المشتري وملكه، لا أنه ملك البائع، فلم يأذنالبائع بالتصرف في ملكه، فيكون ضامناً لعدم كون يده أمانيّة.

وفي المقام: الدابّة المبتاعة بالبيع الفاسد لم يكن تسليم البائع للحمل من جهة الأمانة، بل من جهة استحقاقه له، فلم يأذن له في التصرف في مِلكه، بل في ما مَلّكَه، فيكون ضامناً.

وهذا التفصيل لا بأس به في حد ذاته، لكن لم يدل عليه دليل، فلا يمكن الالتزام به؛ لأن الدليل قاعدة (على اليد)، فإن كانت مطلقة شملت الصورتين، سواء كان التسليط عن استحقاق أم لا، وإن لم تكن مطلقة لم تشمل الصورتين، فتأمّل.

المصداق الثالث: غصب الوقف

اشارة

قال في الدروس: «لو أثبت يده على مسجدٍ أو رباطٍ أو مدرسةٍ على وجه التغلّب ومنع المستحق فالظاهر ضمان العين والمنفعة»(2).

ص: 35


1- كتاب الغصب: 9.
2- الدروس الشرعيّة 3: 106.

فلو لم يمنع المستحق، كما لو غصب المسجد أو المدرسة وترك الناس يصلون فيه والطلاب يسكنون فيها، لم يكن ضامناً.

كما أنه لو لم يكن على وجه التغلب، بل على وجه الإحسان بأن غصبه ليهدمه ثم يبنيه لأهله لم يكن ضامناً أيضاً.

وقد تطرق صاحب الجواهر(1) إلى احتمالين:

الأول: لا معنى لضمان عين المسجد لعدم كونه ملكاً لأحد، بل هوتحرير، والضمان تابع للملكية، وإن فعل حرامين غصباً ومنعاً، أمّا المنفعة فإن كانت ملكاً فالضمان ثابتٌ وإلّا فلا.

لكن الفقهاء(2) فرقوا بين ملك المنفعة وملك الانتفاع بمعنى حق الانتفاع، فلو أجرّ الدار ملك منفعتها، لكن منفعة المسجد ليست ملكاً لأحد، بل للمسلمين حق الانتفاع، فلا يكون فيه ضمانٌ أيضاً.

الثاني: المسجد ملك لجميع المسلمين كالأراضي الخراجية والطرق العامة، وهذا الاحتمال وإن كان وارداً في المساجد بالاستصحاب؛ لأنها كانت ملكاً ثم وقفت، لكنه لا يرد في المشاعر كعرفات، فلم تكن ملكاً لأحد في يوم، بل كان محرراً ابتداءً، فمع غصبها ومنع الحجاج من الجلوس لا وجه للضمان؛ لعدم منعه عن شيء له مالية.

ومقتضى القاعدة ثبوت الضمان في الجملة، فلا فرق في الضمان بين الملك وغيره، بل الضمان يدور مدار اليد العدوانية، فيكون غصب المسجد ومنع الناس من مصاديق: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي».

ص: 36


1- جواهر الكلام 37: 32.
2- ملاذ الأخيار 6: 404، حاشية المكاسب، للإصفهاني 1: 32-36.

وبناءً على ذلك أشكل السيد الوالد في الفقه(1) على موارد لم يقولوا فيها بالضمان، كما لو حجر على أرض فمنعه الغاصب عن إحيائها فلا يكون ضامناً، وإن فعل حراماً، حيث لم يملك العين بالحجر، وإنّمامجرد حق الاختصاص، ووجه الإشكال هو ثبوت الضمان لقاعدة (على اليد).

فرع: مستحق بدل الضمان

ومستحق العوض في ما لم يكن المغصوب ملكاً لأحد هو بيت المال، حيث ثبت الضمان عيناً أو منفعة، لكن الفتوى بالضمان مع بقاء العين أو تلفها بآفة سماوية مشكل، فإن (على اليد) وإن كانت مطلقة لكن لم يفهم المشهور منها ذلك.

وللحاكم الشرعي حق تغريم الغاصب بالإضافة إلى ثبوت الضمان؛ وذلك لمعتبرة السكوني، حيث قال|: في من أكل حق المارة وحمل معه شيئاً: «فما أكل منه فلا شيء عليه، وما حمل فيعزّر ويغرّم قيمته مرّتين»(2).

أمّا التعزير فهو ثابتٌ في كل حرام وتفصيله في كتاب القضاء، وأمّا الغرامة فإحداهما للمالك والأخرى لبيت المال، فإنها وإن وردت في مورد خاص لكن لا خصوصية للمورد، أو يستفاد منه المناط أو إلغاء الخصوصية، و تفصيل بحثه في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتأمّل.

المصداق الرابع: غصب الحروفيه بحثان:

اشارة

ص: 37


1- الفقه 78: 9.
2- الكافي 7: 230؛ وسائل الشيعة 18: 226.

البحث الأول: في ضمان الدية لو مات

قال في الشرائع: «والحرّ لا يضمن بالغصب ولو كان صغيراً»(1).

وقد كان من المتعارف سابقاً سرقة الصغار ثم بيعهم، ومن المتعارف اليوم سجن الحر من دون سبب، فيحرم من العمل ومنافعه، فهل يضمن الفاعل؟

وقد ذكر الفقهاء هذه المسألة تبعاً لصاحب الشرائع في هذا الباب، وحقها أن تبحث في كتاب الديات.

وأمّا تفصيل الكلام: فلو مات الحر ميتة طبيعية بلا تسبيب من الغاصب لم يضمن الدية ولا منافعه الفائتة.

واستدل له(2):

أولاً: إن الضمان في الماليّات والحر ليس مالاً.

ثانياً: انتفاء موجبات الضمان، حيث إن سبب الضمان إمّا اليد أو الإتلاف، وهما منتفيان في المقام.

وثالثاً: عدم خلاف في عدم ضمان الحر، وهو أعم من الإجماع، حيث لم يتعرض المتقدمون لهذه المسألة، فيمكن اعتباره مؤيّداً.وأما لو مات بتقصير من الغاصب فالأقوى ضمانه.

ويمكن الاستدلال(3) ب-«على اليد ما أخذت حتى تؤدي» لإثبات

ص: 38


1- شرائع الإسلام 4: 762.
2- مسالك الأفهام 12: 157؛ جامع المقاصد 6: 220؛ رياض المسائل 12: 260؛ جواهر الكلام 37: 36.
3- جامع المدارك 5: 197؛ كتاب الغصب، للرشتي: 13.

الضمان، حيث جعل الغاصب يده على الحر، ولم تستخدم كلمة (الضمان) في الرواية حتى يقال باختصاصها بالماليّات، فإن (على) بمعنى (العهدة) فكما تشمل الماليّات تشمل غيرها.

فالنتيجة: أنه لو مات الحر بتقصير وجبت الدية، ولو مات من غير تقصير شمله دليل (على اليد) فيكون ضامناً لما مرّ من أن الغاصب ضامن حتى من دون تسبيب.

وأشكل عليه بإشكالين كما في جامع المدارك(1) والفقه(2).

الإشكال الأول: إنما يصدق (على اليد) إذا كان مترتباً على الملك، فلا يصدق على الاستيلاء على غير المملوك، والحرّ غير قابل للملكية.

وفيه نظر: نقضاً وحلاً.

أمّا نقضاً: في ما لو استولى على عين موقوفة خاصة في الأوقاف العامة، فقد صرح الفقهاء(3) بالضمان ل- (على اليد) مع أنها غير مملوكة،فإن الوقف(4) تحرير بمعنى إطلاق الملك، لا أنه ملك الموقوف عليهم.

وأمّا حلّا: إن الفهم العرفي - الذي هو حجة - قاضٍ بانطباق (على اليد) سواء ترتّبت اليد على الملك أم غيره، كطفل حر.

الإشكال الثاني: من شرائط الإطلاق تمامية مقدمات الحكمة، والتي منها عدم وجود قرينة على الخلاف، وفي المقام لا إطلاق ل- (ما) حتى يشمل

ص: 39


1- جامع المدارك 5: 197.
2- الفقه 78: 66-67.
3- الدروس الشرعيّة 3: 106؛ جواهر الكلام 37: 11؛ تحرير المجلة 2: 215.
4- قواعد الأحكام 2: 394؛ الدروس الشرعيّة 2: 277؛ الروضة البهية 3: 163.

الحرّ؛ وذلك بقرينة (حتى تؤدّي)، فإن الحرّ لا يُؤدّى، وإنّما الذي له قابلية الأداء هو المال والملك، حيث يؤدّى عيناً أو بدلاً إلى مالكه، وأمّا إطلاق سراح الحرّ السجين فليس أداءً، ومع موته فإعطاء الدية ليس بدلاً عن الميت حتى يطلق عليه الأداء، وإنما هي غرامة أو تعويض للورثة أو تطييب للخاطر أو ما أشبه ذلك.

وأُجيب عنه(1):

أولاً: إن الاستدلال أخص من المدعى، فإنه لو تحقق نقص في الحرّ - كما لو قطع يده أو جرحها - فما يدفع إليه أداء؛ ولذا عبّر عنه الفقهاء بالضمان، ومع صدق الأداء في نقص العضو أو الجرح يصدق في النفس أيضاً؛ لعدم القول بالفصل، فلو كان ضامناً كان ضامناً في كليهما، وإن لم يكن ضامناً لم يكن ضامناً في كليهما.وثانياً: يستفاد من سائر الروايات أن المؤدّى إليه هو المالك أو مَن يقوم مقامه، ولذا لو مات المغصوب منه وجب أداء العين إلى ورثته، وكذلك لو مات الحرّ في السجن صدق على الغاصب أنه ضامن للدية، ومع صدقه يصدق الأداء، كما لو مات المريض تحت العملية حيث يضمن الطبيب(2)، فالحرّ يُضْمَنْ، وكل ضمان يجب فيه الأداء فيصدق (حتى تؤدّي).

وأمّا القول بأن الأداء بمعنى أداء البدل - مِثلاً أو قيمةً - فلا دليل عليه، بل هو أعم من البدل أو التدارك، والدية تدارك لتطييب الخاطر أو للمنافع التي خسرها أولياء الدم أو لأيّ شيء آخر.

ص: 40


1- جامع المدارك 5: 197.
2- مع أنه لم يرتكب محرماً في ما لو لم يقصر.

وثالثاً: إن الرواية خاصة بأداء العين فلا تشمل البدل والقيمة، فإنها بمعنى (حتى تؤدّي ما أخذته) فأقصى ما تدل عليه هو إطلاق سراح الحرّ لا شيء آخر، كدفع البدل في صورة التلف، فلا يفهم منها دفع الدية في ما لو مات الحرّ. نعم، لو كان سبباً لموته وجبت الدية بمقتضى أدلتها.

وأمّا دفع البدل في الغصب فهو حكم مستفاد من الشرع بعد عدم إمكان إرجاع العين.

وفيه نظر؛ لأن العرف يفهم البدلية عند تلف العين من (ما) فلا حاجة إلى دليل آخر، فالرواية تشمل ضمان الحرّ؛ ولذا أفتى بعض الفقهاءبذلك، ومنهم الشيخ الطوسي في بعض كتبه(1)، وهو مقتضى القاعدة.

وأمّا قول الشرائع: «ولو كان صغيراً»، فلما ذهب إليه بعض الفقهاء من الضمان في ما لو كان الحرّ صغيراً، واستدلوا لذلك بوجوه(2):

الأول: خبر أبي البختري: وهب بن وهب، عن الصادق(علیه السلام)، قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «مَن استعار عبداً مملوكاً لقوم فعيب فهو ضامن، ومَن استعار حرّاً صغيراً فعيب فهو ضامن»(3).

فإذا كان ضامناً في العارية فالضمان ثابت في الغصب بطريق أولى، ففي الأول الاستيلاء لم يكن ظلماً وعدواناً بخلاف الثاني.

لكنه محل تأمل؛ لضعف السند، بأبي البختري(4)، ولم يعمل بها فقيه

ص: 41


1- المبسوط 3: 105.
2- الأنوار اللوامع 13: 62؛ جواهر الكلام 37: 37.
3- الكافي 5: 302؛ وسائل الشيعة 19: 94.
4- راجع اختيار معرفة الرجال 2: 597؛ ورجال النجاشي: 430.

حتى يقال بالانجبار، فليست العارية مضمونة إلّا مع التقصير أو الشرط، ولو وجهنا الصدر بكون المراد العارية المضمونة فلا توجيه للذيل.

الثاني: مفهوم معتبرة السكوني، عن الصادق، عن أبيه‘: «أن رجلاً شرد له بعيران، فأخذهما رجل فقرنهما في حبلٍ، فاختنق أحدهما ومات، فرفع ذلك إلى علي(علیه السلام)، فلم يضمّنه، وقال: إنما أرادالإصلاح»(1).

ومفهومها ثبوت الضمان في من لم يرد الإصلاح، ومنه مَن غصب الصغير.

لكنه ضعيف؛ لدلالتها على عدم ضمان المصلح، ولا تدل على ضمان كل غير مصلح، فإن علّة عدم الضمان هو الإصلاح، فالمصلح غير ضامن، ولا يستفاد منه أن علّة الضمان هو عدم الإصلاح، لا بمفهوم الشرط ولا غيره. كما لو قال: إن جاء زيد فأكرمه، فمفهومه إن لم يجئ فلا تكرمه، وهذا لا يدل على عدم إكرام كل مَن لم يأتِ.

الثالث: إن عدم الضمان يُفضي إلى الاحتيال في قتل الأطفال(2)، حيث يفتح باباً لكل من أراد قتل طفل فيغصبه أولاً، وحيث لا ضمان فيُمكنه قتله بكل سهولةٍ.

وفيه: إنه مجرد استحسان وهو سارٍ في الكبير أيضاً، كما في الرياض(3).

الرابع: إن الغصب سبب التلف، فيكون ضامناً للدية، كمَن حفر بئراً في الطريق(4).

ص: 42


1- تهذيب الأحكام 10: 315؛ وسائل الشيعة 29: 274.
2- جواهر الكلام 37: 37.
3- رياض المسائل 12: 262.
4- تذكرة الفقهاء 2: 374؛ جواهر الكلام 37: 37.

الخامس(1): مَن أخذ طفلاً أو مجنوناً إلى مضيعة أو مسبعة ضمن الدية، والغاصب كذلك حيث لا فرق بين الأمرين.

وفيهما: أنه خروج موضوعي عن البحث، فلم ينفِ أحد الضمان في ما لو كان سبباً للتلف أو الغصب، بل الكلام في صورة عدم السببية، كما لو غصبه فمات بسبب الزلزال.

ومن أجل هذا ذهب صاحب الجواهر(2) إلى كون النزاع لفظياً، فمَن ذهب إلى الضمان ناظر إلى صورة التسبيب في التلف وعكسه في عكسه.

ولا يخفى أن الكلام لا يختص بالصغير، فالكبير أيضاً مشمول للأدلة، ولذا قال في شرح اللمعة: «لو كان في الكبير خبل، أو بلغ مرتبة الصغير لكبر أو مرض ففي إلحاقه به وجهان»(3).

وفي الترديد نظر؛ لأن موته إن كان بسبب الغاصب فضامن وإلّا فلا.

وأمّا الدليل على الضمان في صورة تسبيب الموت فمحل بحثه كتاب الديات، وقد اتفق الفقهاء على ذلك لإطلاق القاتل عليه، كما أن سببية القتل الموجب للضمان لا تنحصر بالعدوان، فلو لم يكن عدواناً وكان سبب القتل ضمن كما في الطبيب المعالج، إلّا لو طلب البراءة فلاضمان على رأي جمع(4). نعم، لو كان المباشر أقوى من السبب فهو بحث آخر، كما لو دفع مالاً لفاعل مختار ليقتله. كذلك في ما نحن فيه، فلو كان الغاصب

ص: 43


1- تذكرة الفقهاء 2: 376؛ جواهر الكلام 37: 37؛ الفقه 78: 66.
2- جواهر الكلام 37: 38.
3- الروضة البهيّة 7: 28.
4- شرائع الإسلام 4: 1020؛ تحرير الأحكام 5: 528؛ مسالك الأفهام 15: 327.

سبب قتل الكبير أو الصغير ضمن، ولو لم يكن عدواناً، كما لو رأى طفلاً في الشارع فأخذه ليسلمه إلى أهله فمات بتقصيره ضمن مع أنه ليس بغاصب.

إن قلت: قوله تعالى: {مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ}(1) آية عامة، فلا وجه لضمان الطبيب لكونه محسناً.

قلت: يمكن الجواب من وجوه:

الأول: الحسن إمّا فعلي أو فاعلي، والمراد من الآية إمّا مَن كان قصده حسناً وإن كان فعله قبيحاً، وإمّا مَن كان فعله حسناً وإن كان قصده قبيحاً، وإمّا مَن اجتمع فيه القصد والفعل الحسن، والقدر المسلم من الآية الصورة الثالثة، ولا يعلم شمولها للحسن الفاعلي مع القبح الفعلي، بل الشك متحقق في صدق المحسن عليه، فحتى لو قصد الإحسان لكن لا يطلق عليه المحسن، فجعله مصداقاً للآية تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية. وعليه فضمان الطبيب هو مقتضى القاعدة لا أنه تخصيص للآية، فتأمل.الثاني: في معنى السبيل احتمالات، منها: العقوبة، فمَن قصد حسناً لم يعاقب. نعم، يحتمل كون المراد الضمان أو الأعم منه مما يشمله، وعليه فلا يمكن رفع اليد عن أدلة الضمان للآية لعدم معلومية المراد من (السبيل).

وفيه تأمل؛ لأن (سبيل) نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، فلا وجه لتخصيصه بالعقوبة.

الثالث: تخصيص الآية بأدلة الضمان.

وفيه تأمل؛ لكون النسبة بينهما العموم من وجه، فمقتضى أدلة الضمان

ص: 44


1- سورة التوبة، الآية: 91.

كون السبب ضامناً سواء كان محسناً أم لا، ومقتضى الآية عدم السبيل سواء كان ضماناً أم عقاباً أم آثاراً وضعية أو تكليفية.

ومحل الاجتماع المحسن الذي هو سبب للجناية، فيتعارضان، فإن أمكن الجمع الدلالي وإلّا فترجح الآية على الرواية، وإن كان دليل الضمان آية أيضاً فلا يُعلم المراد من الآيتين فتكونان مجملتين من جهة الضمان، فالمرجع يكون الأصل وهو دال على عدم الضمان.

البحث الثاني: في ضمان منافع الحرّ

وأمّا منافع الحرّ فقد يستوفى بالاستخدام كما لو استأجره، وقد يستوفى بالغصب كما لو أجبره على عمل، وقد يمنع من استيفاء منافعه كما لو سجنه.

ففي الأول: يجب إعطاؤه أجرة عمله؛ لأنه منفعة متقوّمة بالمال، ويدلعليه الإجماع وبناء العقلاء، بل الضرورة.

وفي الثاني: يجب إعطاؤه أجرة المثل.

والثالث: محل الكلام والنقاش، فهل يضمن تلك المنافع غير المستوفاة أم لا؟

قال في الشرائع: «ولو حبس صانعاً لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به»(1).

والمشهور الذي ادعي عليه الإجماع(2) أنه لا يضمن المنافع.

واستدل عليه بأدلة:

الأول: منافع الحرّ لا تدخل تحت اليد؛ وذلك تبعاً لنفسه، كما عليه

ص: 45


1- شرائع الإسلام 4: 762.
2- جواهر الكلام 37: 39.

المشهور(1)، فلا يشمله دليل اليد بطريق أولى، فإن العمل تابع للفرد، وحيث إن الأصل غير مشمول لدليل اليد فالفرع بطريق أولى، وذلك بخلاف العبد في نفسه وفي عمله.

الثاني: أسباب ضمان المنافع منحصرة في شيئين: الاستيفاء والإتلاف، والمقام خالٍ منهما، أمّا الأول فهو المفروض، وأمّا الثاني فإن الإتلاف فرع الوجود ولا منفعة في المقام، بل عدم انتفاع.

نعم، يمكن القول بترتب يده على المنفعة في صورة واحدة، وهي في ما لو ترتبت يده على العين، فتكون مترتبة على المنفعة بالتبع، كما لوغصب الدار فلم يستوفِ منافعها ومع ذلك يضمن أجرتها؛ لأنه أتلف المنفعة، لكن منافع الحر ليست كذلك، حيث لم يستوفها ولم تترتب يده على العين، فلا وجه للضمان في المقام؛ لعدم الاستيفاء ولا الإتلاف ولا التبعيّة، كما ذكره المحقق الرشتي(2).

وفي الدليلين تأمل؛ إذ حاصلهما عدم صدق (على اليد) على المنفعة غير المستوفاة، وقد قلنا: إن دليل الضمان لا ينحصر فيه، فعلى فرض عدم الصدق فهنالك أدلة أخرى، سوف تأتي إن شاء اللّه.

الثالث: الإجماع المدعى(3).

ومع أن القول بالضمان خلاف المشهور إلّا أنه مختار المحقق

ص: 46


1- غاية المرام 4: 83؛ جامع المقاصد 6: 222؛ مسالك الأفهام 12: 159؛ جواهر الكلام 37: 41.
2- كتاب الغصب: 13.
3- جواهر الكلام 37: 39.

الأردبيلي(1)، في ما إذا أراد العمل فمنع منه.

واستدل لذلك بأدلة:

الأول: لا ضرر، فالحابس أضرّ المحبوس بمنعه من العمل.

وقد ذكرنا في الأصول(2) أن المنع عن النفع في مورد يوجد فيه المقتضي له ضرر، وأن معنى لا ضرر نفي الحكم الضرري، وحيث إن عدم الضمان ضرري فيرتفع بدليل لا ضرر، هذا من جهة المبنى.وأمّا بناءً، فقد أشكل صاحب الجواهر(3) على الاستدلال بلا ضرر لإثبات ضمان منافع الحر بأنه يستلزم تأسيس فقه جديد، ومن المعلوم بداهة أن ما بأيدينا هو فقه أهل البيت^ وإن كان هنالك بعض الخلافات، لكن لا يخرج أصل الفقه عن فقههم^.

وأمّا الالتزام بما ذكر فيستلزم تغيير نسبة كبيرة من المسائل، فيكون الموجود غير فقههم^ وهو باطل بديهة، ووجه استلزام تأسيس فقه جديد هو ما ذكره بقوله: «ضرورة اقتضائها الضمان بالمنع عن العمل أو الانتفاع بماله»(4)، ونتيجة كلامه أنه لو منع شخصاً من العمل من دون حبس - كما لو هدده - كان ضامناً كما يضمن لو منعه من الانتفاع بماله.

وفيه نظر: فعلى فرض الالتزام بذلك فأين هو من تأسيس فقه جديد، بل قد دليل الدليل على الضمان، كما سنذكره؟

ص: 47


1- مجمع الفائدة والبرهان 10: 513.
2- نبراس الأصول 4: 370-371.
3- جواهر الكلام 37: 40.
4- جواهر الكلام 37: 40.

الثاني: الروايات الدالة على عدم ضياع حق المسلم ومنها: خبر بريد الكناسي عن الإمام الباقر(علیه السلام): «لا تبطل حقوق المسلمين بينهم»(1)، ومنها: «لئلا يتوى حق امرئ مسلم»(2)، وأمثالهما مع ضميمة رؤية العرف ضياع حقه، ويتحقق بذلك الكبرى والصغرى.الثالث(3): الصدق العرفي لفوات المنفعة، حيث يصدق ذلك على الممنوع عن العمل.

وبعبارة أخرى: لا ينحصر فوت المنفعة بما إذا كانت المنفعة موجودة فيفوتها، بل تشمل المنع عن حصولها، فالقول بعدم التلف لعدم وجود المنفعة أساساً وإن كان صحيحاً بالدقة العقليّة، إلّا أنه غير تامٍ بلحاظ الصدق العرفي، فيكون الحابس سبباً لفوات المنفعة فيكون ضامناً.

ولذا قال في الرياض(4): القول بالضمان لا يخلو عن وجه إن لم يكن إجماع، ومال إليه بعض المتأخرين(5).

والظاهر عدم تحقق الإجماع، فإن المتقدمين لم يتعرضوا لها، وقد استُفيد من بعض قدماء المتأخرين - كالعلامة - وجود احتمال آخر، حيث قال: «الأقوى عدم الضمان»(6)، والتعبير المذكور مشعر بعدم تحقق الإجماع.

ص: 48


1- الكافي 7: 198؛ وسائل الشيعة 20: 279.
2- مستدرك الوسائل 17: 446.
3- بلغة الفقيه3: 315.
4- رياض المسائل 12: 263.
5- كتاب الإجارة، للرشتي: 50 و 267.
6- تذكرة الفقهاء 2: 382.

نعم، شرط الضمان إرادة المحبوس العمل، وأنه لولا الحبس لعمل وأخذ المنفعة، وأمّا لو لم يردِ العمل - كالعاطل - فلا يصدق عليه الإضرار أو فوت المنفعة، بل يكون عمله مجرد ارتكاب معصية دون ضمان المنافع غير المراد استيفائها.فرع: ذكر السيد الوالد في الفقه(1): أنه لو كان للمحبوس عملان تختلف أجرتهما، فإن علم إرادته لأحدهما كانت الغرامة بحسبه، وإن لم يعلم كما في العامل الذي يقف في الشارع فإما يذهب للنجارة أو الحدادة حسب الطلب فهل يضمن الأكثر أو الأقل.

فيه احتمالات ثلاثة:

الأول: ضمان الأقل؛ لأنه المتيقن فتجري البراءة بالنسبة إلى الزائد، لكن الأصل أصيل حيث لا دليل، وسيأتي الدليل في الاحتمال الثالث.

الثاني: القرعة؛ لأنها لكل أمر مشكل، لكنها لا تجري في الماليات، بالإضافة إلى أنها بحاجة إلى عمل الفقهاء؛ لضعف أدلتها.

لكن توقفها على العمل محل تأمل؛ لأن العمل إن كان جابراً فهو جابر مطلقاً، لا في صورة دون صورة، وإلّا فغير جابر مطلقاً، وبعبارة أخرى: إن العمل إمّا يوجب قوة السند فيكون دليل القرعة معتبراً مطلقاً وإلّا فلا.

الثالث: قاعدة العدل والإنصاف، وقد دل الدليل على بعض مصاديقها - كدرهمي الودعي(2) - وقد استنبط من مجموع رواياتها قاعدة كلية في الماليّات.

ص: 49


1- الفقه 78: 73.
2- الفقه 54: 167.

واستدل في الشرائع لعدم ضمان منافع الحر بقوله: «لأنمنافعه في قبضته»(1)، وشبه ذلك بالثوب(2) على بدن المحبوس فتلفه غير مضمون؛ لأنه تحت قبضته، فكذلك يكون عمله.

ويظهر الإشكال عليه مما مرّ سابقاً، فإن بحبسه يصدق تفويت المنفعة عليه، وكذا الضرر وبطلان الحق، فلا مانع من جريان أدلة الضمان، فالقول بأن المنافع في قبضته غير مجدٍ لرفع الضمان.

فرع: لو كان الحبس مشروعاً، فلم يستطع أن يزاول عمله، كان هدراً، فلا يضمنه القاضي الشرعي والجهة المنفذة للحكم؛ لعدم كونه غصباً حتى يشمله بطلان الحق أو تضييع حق مسلم، كما أنه هو السبب في الإضرار حيث ارتكب جناية عقابها الحبس.

نعم، لو لم يكن الحبس منافياً لعمله، كما لو كان مترجماً - مثلاً - فلا حق لمنعه منه إن لم يكن هنالك أهم(3).

ولو منع من العمل بلا سبب ثبت الضمان.

قال في الشرائع: «لو استأجره في عمل فاعتقله ولم يستعمله ففيه تردد، والأقرب أن الأجرة لا تستقر لمثل ما قلناه»(4).

وقد ذهب جمع(5) إلى عدم الضمان وإن فعل حراماً، وآخرون(6)إلى

ص: 50


1- شرائع الإسلام 4: 762.
2- تذكرة الفقهاء 2: 382؛ الفقه 78: 71.
3- كما لو كان إعطاؤه القلم سبباً لانتحاره مثلاً.
4- شرائع الإسلام 4: 762.
5- شرائع الإسلام 4: 762؛ إرشاد الأذهان 1: 445؛ قواعد الأحكام 2: 223.
6- مجمع الفائدة والبرهان 10: 514؛ مسالك الأفهام 12: 159.

الضمان واستحقاق الأجرة، وثالث إلى التفصيل(1) بين كون مدة الإجارة معيّنة فحبسه فيها فيضمن، وبين كون الإجارة مطلقة من دون تعيين مدة فلا يضمن.

واستدل في المسالك للقول الأول: ب- «أن منافع الحر لا تضمن إلّا بالتفويت؛ لعدم دخول الحر تحت اليد؛ إذ ليس مالاً، ولم يحصل التفويت»(2)؛ وذلك لما ذكره في الشرائع(3): من أن المنافع في قبضته، فإن العمل في ذمته ولم يفوت لإمكان الإتيان به بعد الإفراج عنه، فلا يصدق عليه تفويت العمل، ومع الشك يُستصحب بقاء العمل في الذمة.

وهذا بخلاف تفويت العين أو المنفعة الخارجية، حيث لا يمكن أن تتجدد؛ لأن منفعة كل يوم ليومه، فيصدق عليه التفويت فيكون ضامناً.

نعم، لو فوت العمل في الذمة بأيّ سبب - كما لو استأجره لصيد طير معين فحبسه فطار - كان ضامناً لصدق التفويت، لكن لا تفويت في غالب الأعمال، فإن لم يقم بها اليوم وهو في الحبس فسيقوم بها في يوم غد.

واستدل للقول الثاني بدليلين:

الأول: ما عن الشهيد الأول: من أن «المنافع ملكها المستأجر وتلفهامستند إلى فعله»(4).

وقال في المسالك: «الحابس مالك لعمل المستأجَر بمجرد عقد

ص: 51


1- جامع المقاصد 6: 222.
2- مسالك الأفهام 12: 159.
3- شرائع الإسلام 4: 762.
4- جامع المقاصد 6: 222؛ مفتاح الكرامة 18: 83.

الإجارة، وقد أقدم على إتلاف ماله، فيجب عليه دفع الأجرة»(1).

الثاني: ما في مفتاح الكرامة(2): من أن المنفعة إمّا موجودة أو بحكم الموجودة وتفويتها موجب للضمان.

فمنفعة البيت موجودة، وتلفها بعدم سكناها، وأمّا عمل الإنسان فبحكم المنفعة الموجودة إذا كان مبذولاً، ويصدق على الغاصب والحابس تفويت المنفعة في الصورتين فيكون ضامناً.

وقد رتب الفقهاء على المنفعة المبذولة آثار الموجودة في مواضع.

منها: استحقاق الزوجة للنفقة والمهر بمجرد التمكين وإن لم يستمتع الزوج(3)، مع أن المنفعة غير موجودة بالدقّة العقليّة؛ لكنها في حكم الموجودة لكونها مبذولة.

ومنها: لو حجز موعداً من الطبيب وحان وقته فلم يدخل عليه استحق الطبيب الأجرة مع كون عمله مبذولاً؛ لأن المريض ملك المنفعة حين الحجز فأهدرها.واستدل للتفصيل كما رجحه في المسالك(4): أنه إن كانت مدّة الإجارة مطلقة لم يلزم الإتيان بالعمل في المدّة التي حبس فيها، بل العمل ثابت في ذمته خلال فترة الإجارة، ولا يخرج العمل عن الذمة بالاستصحاب، فلا ضمان.

ص: 52


1- مسالك الأفهام 12: 159.
2- مفتاح الكرامة 18: 83.
3- المبسوط 5: 274.
4- مسالك الأفهام 12: 159.

وأمّا إن كانت مدة الإجارة معينة فحبس فيها، فلا يلزم عليه العمل بعد تلك المدة؛ لاشتغال ذمته بالعمل فيها لا في ما بعدها، ولا معنى للاستصحاب؛ لعدم الشك، بل اليقين متحقق بعدم مشغولية ذمته في ما بعد تلك المدة، ومع ذلك يستحق الأجرة؛ لأنه فوت عمله.

وفيه نظر: فالفرق غير فارق، ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب مع قيام الدليل على الضمان، حيث يصدق التفويت في الصورتين.

فالأقرب الضمان إن كان العمل مبذولاً، وإلّا فلا، لما مرّ من عدم صدق التفويت إذا لم يكن يريد العمل.

هذا تمام الكلام في الحرّ ومنافعه.

المصداق الخامس: غصب الخمر

اشارة

قد يكون الخمر للمسلم وقد يكون للذمي.

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: غصب الخمر من المسلم

وهنا يكون الحكم تابعاً لأحد المباني الثلاثة:

الأول: الخمر مال وقابل للتملك(1)، وعليه يكون ضامناً لشمول أدلة الضمان له ك- (على اليد) و (من أتلف مال الغير) ولم يدل دليل على التخصيص.

والدليل على المبنى المذكور أمور:

أولاً: إن الخمر عرفاً مال ولها منفعة محللة كصيرورته خلاً.

ص: 53


1- فقه الصادق 19: 423.

وثانياً: صحيحة جميل: «قلت لأبي عبد اللّه(علیه السلام) يكون لي على الرجل الدّراهم فيعطيني بها خمراً. فقال(علیه السلام): خذها ثم أفسدها»(1).

وهي كالصريح في أن الخمر مال وملك يسدد بها الدين، وإن لم يكن ملكاً فكيف يسدد دينه بها؟

وأشكل عليه(2): إنها معارضة بروايات كثيرة تدل على عدم جواز بيع الخمر.

وفيه: لا تعارض حيث لا تلازم بين البيع وتسديد الدين، فقد يكون الأول غير جائز بخلاف الثاني، فهما مسألتان قد تشتركان في حكم وقد تختلفان.وقد أوّلها الشيخ الطوسي(3) بأحد تأويلين:

الأول: المراد أخذ الخمر بنية صاحبها وجعلها خلاً، ثم تسديد الدين من الخل الذي هو مال وملك.

الثاني: المراد أخذها مجّاناً، ثم تسديد الدين بعد صيرورتها خلاً.

وهما خلاف الظاهر صار إليهما الشيخ لئلا تطرح الرواية، حيث ادعى الإجماع على عدم كونه مالاً.

ولكن بعد إثبات عدم تحقق الإجماع لم يبقَ للتوجيهين وجه، حيث إن ظاهر الرواية أخذ الخمر في مقابل دينه.

المبنى الثاني: الخمر مال غير قابل للتملك(4).

ص: 54


1- تهذيب الأحكام 9: 118؛ وسائل الشيعة 25: 371.
2- مستند الشيعة 14: 69؛ مصباح الفقيه 8: 293.
3- تهذيب الأحكام 9: 118.
4- فقه الصادق 19: 423.

ويكون حق الاختصاص ثابتاً لمَن بيده، ثبت له بالحيازة أو لكونه مالكاً للعنب.

ويدل على الحق المذكور:

أولاً: بناء العقلاء ولم يردع عنه الشارع، ومعناه الإمضاء كما في المعاملات.

ثانياً: سيرة المتشرّعة المتصلة بزمن المعصومين^، حيث كانوا يصنعون الخل ولا بد وأن يمر بمرحلة الخمرية، فسيرتهم قائمة على حق الاختصاص لمالك العنب في مرحلة الخمرية، فلا يجوز إتلافه.وعليه تشمله أدلة الضمان، حيث لا يحق التصرف في ما هو حق الغير، كما في تحجير الأرض أو حجز المكان للصلاة في المسجد.

المبنى الثالث: الخمر ليس مالاً ولا ملكاً(1).

وأمّا إمكان صيرورته خلاً فلا يكون سبباً لماليته وملكيته، فالماء في النهر قابل لأن يصبح ثلجاً، لكن هذه القابلية لا تصنع المالية والملكية، فإن الفعلية الخارجية هي التي تصنعهما.

إن قلت: شرب الذمي منفعة، فيكون سبباً لتولد المالية والملكية.

قلت: الذمي أيضاً يحرم عليه الشرب؛ لأنهم مكلّفون بالفروع كالأصول، لكن لا يجب على المسلم منعه بشروطه، فالمنفعة محرّمة.

وعليه: مقتضى القاعدة عدم الضمان؛ لأن الضمان بلحاظ مالية الشيء.

وبعد اتضاح المباني الثلاثة نقول: إن مقتضى القاعدة المبنى الأول، ويدل عليه ظهور صحيحة جميل السالفة.

ص: 55


1- فقه الصادق 19: 424.

واستدل أيضاً بصحيحة عبيد بن زرارة، عن الصادق(علیه السلام): «في الرجل إذا باع عصيراً، فحبسه السلطان حتى صار خمراً، فجعله صاحبه خلاً؟ فقال(علیه السلام): إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به»(1).

ووجه الاستدلال أنه بعد أن صار خمراً وجب إرجاع الثمن إن قلنابخروجها عن الملكية، لكن الإمام(علیه السلام) لم يحكم بذلك، بل ظاهرها أن المشتري استلم الخمر.

لكنه لا يدل على المراد، فقد يكون من باب حق الاختصاص.

وقد يستفاد منها عدم ضمان البائع، حيث إن التلف قبل القبض من مال البائع، فلو خرج عن الملكية والمالية بصيرورته خمراً كان تالفاً، فلا بد وأن يرجع الثمن إلى المشتري، لا أن يسلم العين إليه.

وذهب صاحب مفتاح الكرامة(2) إلى أنه لو كانت الخمر باقية وجب إرجاعها لكونها محترمة للتخليل، ولو صارت خلاً وجب إرجاعه، فإنه وإن زالت الملكية لكن الأولوية باقية وهي من توابع الملكية، ولذا لا يجوز غصبه، ولو تلف لم يكن ضامناً.

وفيه تأمل، فبعد ثبوت حق الاختصاص تشمله أدلة اليد فيكون ضامناً.

وذهب المحقق الرشتي(3) إلى أنه لو غصب الخمر فإن كانت العين باقية وجب ردها، وإن تلفت فلا ضمان، واستدل لذلك بأن الغاصب لا يمكنه إرجاع العين لفرض تلفها، وأمّا البدل فلا يتحقق إلا في الأموال. كما لو

ص: 56


1- تهذيب الأحكام 9: 117؛ وسائل الشيعة 25: 371.
2- مفتاح الكرامة 18: 87.
3- كتاب الغصب: 26.

غصب حبة حنطة فيجب إرجاع عينها وإن تلفت فلا ضمان وإن فعل محرماً؛ لأن البدل إن كان قيمة فالمفروض أنه لا مالية له، وإن كان مثلاً فالمثل إنما هو باعتبار كونه بدلاً، ولم يثبت شرعاً وعرفاً المثليفي غير المتمول.

وفيه: أولاً: إن عدم الضمان ينافي الاحترام، والخمر المعد للتخليل محترمة.

إن قلت: دل الدليل على عدم مالية الخمر.

قلت: إنه في الخمر غير المحترمة، أمّا المحترمة فأدلة عدم المالية لا تجري فيه.

وثانياً: لا دليل على اختصاص البدلية بالمتمول، وما ذكره صرف ادعاء تثبت الأدلة العامّة خلافه، ففي مثال الحنطة فهو ضامن للعين أو المثل. نعم، لا يضمن القيمة لعدم الماليّة.

والحاصل: إن الخمر المحترمة ملك ومال وتجري فيه أدلة الضمان لولا الإجماع المدعى(1)، والظاهر عدم تحققه حيث ذهب جمع إلى خلافه، كصاحب المفاتيح(2) والمحقق الأردبيلي(3)، وعبّر العلامة بالأشهر(4)، ولا يكون حجة لعدم استناده إلى رواية.

ولو كان الخمر بيد المسلم ملكاً ومالاً فما بيد الذمي بطريق أولى.

ص: 57


1- مفتاح الكرامة 18: 86.
2- مفاتيح الشرائع 3: 171.
3- مجمع الفائدة والبرهان 10: 515.
4- مختلف الشيعة 6: 132.

المسألة الثانية: غصب الخمر من الكافر والمخالف

1- خمر الذمي

قال في الشرائع: «وتضمن إذا غصبت من ذمي متستراً»(1).

والدليل على قيد التستر - كما في الجواهر - إجماع الفرقة وأخبارها، وأمّا المتجاهر فلا ضمان قولاً واحداً(2)، حيث لا حرمة لخمره، فلا يكون الغاصب والمتلف ضامناً.

كما يدل على احترام المتستر أن من شرائط الذمة عدم التجاهر، فالمتجاهر خالف شروط الذمة، فيذهب احترام ماله، كما في الفقه(3).

وحيث إن الدليل على التستر لُبّي يُتمسك بالقدر المتقين، فلو شك في مورد كان الاحترام باقياً، كما لو ستر الخمر في بيته لكن كان التعامل علنياً. نعم، يلزم نهييه عن المنكر، لكن هذا المنكر لا يسبب رفع احترام مال الذمي.

وأمّا مصداق التجاهر والتستر فالشرب علناً تجاهر وفي البيت تستر، ووقع الخلاف في المعاملة، ومع الشك جرى الأصل، ولو اختلف ذميان في الخمر فترافعا إلى الحاكم فمجرد الترافع العلني لا ينافي التستر.

2- فقاع المخالف

وهكذا الحكم في المخالف فلو أراد العامي التجاهر بما يُحلله منبعض أنواع الخمر - كالفقاع - فلا يكون أقل من الكافر، فلا يمنع من شربه خفاءً لكن لا يحق له التجاهر، فليس معنى حليته عنده أن يجوز له فعل المنكر

ص: 58


1- شرائع الإسلام 4: 762.
2- جواهر الكلام 37: 44.
3- الفقه 48: 121.

علناً وإن كان عنده غير منكر، بل معناه عدم المنع عن شربه وبيعه بينهم خفاء حاله حال الكافر، فهو كافر واقعاً، يحكم بإسلامه ظاهراً تسهيلاً على المؤمنين، كما عليه جمع من الفقهاء(1).

ويجري الكلام أيضاً في ما يحرم بيعه شرعاً - كالسمك المحرم - فلا يجوز للمخالف بيعه علناً؛ ولذا كان الإمام علي(علیه السلام) ينهى عن بيع الجري والمارماهي(2)، وقد يعزر في ذلك، مع أنهم كانوا من العامة غالباً، حيث كانوا يعتقدون بكونه الحاكم لا أنه إمام مفترض الطاعة؛ ولذا خرجوا عليه، فليس معنى حليته في مذهبه أو دينه جواز التعامل عليه علنا.

وأمّا الدليل على الضمان، فهو:

أولاً: الإجماع المدعى(3).

وثانياً: قاعدة الإلزام، فالقول بجواز إتلافه وعدم ضمانه مخالف لهذه القاعدة.

وقد قال بعض الفقهاء(4): إن الملكيّة والماليّة أمر اعتباري بيد الشارعالمعتبِر، فينفي الملكية للمسلم بينما يثبتها للكافر بقاعدة الإلزام، فلو أتلفها المسلم ضمن، وهو مقتضى احترام ماله.

3- خمر الكافر المعاهد والمحايد

أمّا الخمر عند الكافر المعاهد فمحترمة في بلادهم، فإن مال المعاهد

ص: 59


1- مسالك الأفهام 3: 166؛ جواهر الكلام 22: 337.
2- الكافي 1: 346؛ وسائل الشيعة 24: 116.
3- مفتاح الكرامة 18: 86.
4- حاشية المكاسب، للآخوند الخراساني: 3؛ حاشية المكاسب، للإصفهاني 1: 16.

محترم، وتجري فيه قاعدة الإلزام أيضاً.

وأمّا الشق الرابع من الكافر، فقد نفى العلامة(1) وجوده وألحقه بالحربي، مدعياً عليه الإجماع، لكن السيد الوالد اعتبره محايداً(2)، فيجري فيه عمومات أدلة احترام مال الإنسان، وأمّا دعوى الإجماع، فمحل نظر.

فرع: الاختلاف في حقيقة المتلَف

لو اختلفا في كون المتلَف خمراً أو لا، فمع وجود الأصل فهو المحكم، كما لو كان ماء العنب فشك في صيرورته خمراً، فالاستصحاب قاضٍ ببقائه على حالته السابقة، وليس من الأصل المثبت؛ لأن أثره الضمان وهو أثر شرعي. ولو علم بكونه خمراً فالاستصحاب قاضٍ ببقائه، فلو كان محترماً ضمن، وإلّا فلا، وقد يختلف أثر الضمان في الصورتينفي ما لو اختلفت قيمة ماء العنب وغيره.

ومع عدم وجود الأصل - لعدم العلم بالحالة السابقة مثلاً - فالمرجع أهل الخبرة. هذا في ما اختلف في الموضوع.

ومع الاختلاف في الحكم - كما لو اختلفا في أصل الضمان - فالملاك رأي الحاكم الشرعي المترافع إليه، وإن كان الطرفان مجتهدين.

المسألة الثالثة: كيفية ضمان الخمر

اشارة

وأمّا كيفية ضمان الخمر فقد قال في الشرائع: «ويضمن الخمر بالقيمة

ص: 60


1- تحرير الأحكام 3: 482.
2- الفقه 33: 109، وفيه: «فإن الكافر على ثلاثة أقسام: محارب ومعاهد ومحايد، كالروم في أوائل زمن الرسول| الذين لم يكونوا محاربين للرسول ولا معاهدين له». والفقه 56: 271، وفيه: «وقد ذكرنا في بعض مباحث الفقه: أن أقسام الكافر أربعة: الحربي والذمي، والمعاهد، والمحايد». وأيضاً راجع الفقه 78: 84.

عند المستحل لا بالمثل»(1).

وفي المسألة ثلاثة احتمالات أو أقوال:

الأول: ما في الشرائع وهو المشهور، واستدل له بدليلين:

الدليل الأول: دعوى الشيخ الطوسي الإجماع عليه(2)، وكذا في المسالك(3)، وعبر في التذكرة ب- (عندنا)(4) الظاهر في الإجماع، وعبر المحقق الكركي ب- (لا بحث فيه)(5) وهو تعبير عن الإجماع أو عدم الخلاف.

الدليل الثاني: استحالة ثبوت الخمر في ذمة المسلم(6)؛ إذ المسلم لايملكها فكيف تدخل في ذمته حتى يفرغها؟ فإنما يدخل في الذمة ما يمكن أن يُملك، فيبدل إلى الملك الخارجي ثم يؤدّى إلى المضمون له.

وفيهما نظر: أمّا الأول: فلوجود المخالف، وربما منشأ دعواها عند المتأخرين كلام الشيخ في الخلاف(7). نعم، لا إشكال في تحقق الشهرة.

وأمّا الثاني: فلا تلازم بين إمكان الملكية وإمكان الثبوت في الذمة، فقد لا يكون مالكاً لشيء لكن يدخل في ذمته، وقد يؤدّي الضمان بما لا يكون ملكاً له كحق الاختصاص. فالمسلم وإن لم يملك الخمر لكن يتولد له حق

ص: 61


1- شرائع الإسلام 4: 762.
2- الخلاف 3: 415.
3- مسالك الأفهام 12: 161.
4- تذكرة الفقهاء 2: 379.
5- جامع المقاصد 6: 223.
6- جامع المقاصد 6: 223.
7- الخلاف 3: 415.

الاختصاص، كما لو اتخذها للتخليل فيمكنه أداؤها، ويؤدّيه صحيحة جميل(1) وقد مرّ ذكرها(2)، حيث سدد المديون دينه بالخمر.

الثاني: ثبوت المثل(3)، وهذا الاحتمال مطابق لمقتضى القاعدة لدلالة (حتى تؤدّي) عليه، وإمكان تأييده بموثقة ابن أبي عمير، حيث لا فرق بين مورد الرواية من تسديد الدين بالخمر وبين سائر أنواع الضمانات، فيعمم الحكم بعد إلغاء الخصوصية.

وهذا الاحتمال وإن كان غير بعيد إلّا أنه لا قائل به؛ ولذا قال السيد الوالدفي الفقه(4): إنه مقتضى الصناعة لكن التمسك بقول المشهور موافق للاحتياط.

الثالث: ما في جامع المدارك(5) من أن العين إن كانت موجودة أرجعها، وأمّا لو تلفت فلا يضمن أيّ شيء؛ وذلك لأن الضمان إمّا بالقيمة والخمر المتلَف لا قيمة له، فإن القيمة للماليّات والشارع نفى ماليّة الخمر، وإمّا بالمثل والمثل لا يكون إلّا في مورد له ماليّة، وإتلاف ما لا ماليّة له موجب للعصيان فقط إن كان عمداً، ونظّر لذلك بإتلاف حبة حنطة واحدة.

وفي كلا دعوييه نظر، فإنه وإن لم تكن للشيء مالية لكن الأولوية ثابتة لصاحبها، ولا فرق بين الأولوية والملكية، فالخمر المراد تخليلها وإن لم تكن ملكاً لكن الأولوية محققة فالضمان ثابت، وعدم الضمان في الحنطة

ص: 62


1- وسائل الشيعة 25: 371.
2- راجع الصفحة 53.
3- المهذب 1: 444.
4- الفقه 78: 86-87.
5- جامع المدارك 5: 200-201.

أيضاً محل تأمل، فلو أهدى كيلاً من الحنطة لألف إنسان مما ملك كل واحد منهم عُشر الحبة الواحدة، فجاء الغاصب وغصب الكيل، فهل يمكن الالتزام بعدم ضمانه لأيّ واحد منهم.

أو كان بيده الماء وهو واقف على نبع ماء معين، فأتلفه الغاصب، فهل يمكن القول بعدم ضمانه؛ لأن الماء عند النبع المعين لا ماليّة له؟!

وبعبارة أخرى: إن أدلة الضمان لا ترتبط بالماليّة، بل تجري في غيرهاأيضاً بشرط الملكية أو وجود حق اختصاص. نعم، لو لم يكن مالاً ولا ملكاً ولا حقاً فلا يشمله دليل (على اليد) لأنه ليس من إتلاف مال الغير.

والمحصل من الكلام: أنه لا يلزم أن يكون المتلف مالكاً للمثل حتى يؤدّيه، فيكفي حق الاختصاص، هذا أولاً.

وثانياً: لا دليل على عدم الانتقال إلى القيمة، فلو تلفت الحنطة وهي مثلية لكن افتقدت في السوق انتقل إلى القيمة.

وثالثاً: للخمر قيمة ثابتة إلّا أن الشارع نفى ماليتها للمسلم.

وبناءً عليه فإن مقتضى الصناعة ضمان الخمر المحترمة بالمثل، لكن المشهور شهرة عظيمة الضمان بالقيمة عند المستحل(1).

فرع: ضمان الخمر بين ذميين

وفي ضمان خمر الذمي احتمالان:

الاحتمال الأول: ما ذكره في الشرائع بقوله: «ويضمن الخمر بالقيمة عند المستحل لا بالمثل، ولو كان المتلف ذمياً على ذمي»(2).

ص: 63


1- مفتاح الكرامة 18: 88.
2- شرائع الإسلام 4: 762.

واستدل على كون الضمان بالقيمة لا المثل في ما لو كان الطرفان ذميين بما يلي:

أولاً: ما ذكره الشيخ الطوسي في الخلاف من إجماع الفرقةوأخبارهم(1).

وفيه: إن الإجماع مخدوش بوجود مخالفين، والأخبار مرسلة حيث لم تصلنا، وسيأتي الكلام فيه.

ثانياً: ما ذكره بعض الفقهاء من أنه: «يمتنع في شرع الإسلام الحكم باستحقاق الخمر»(2)، فلا يمكن أن يحكم الشارع باستحقاق المضمون له للخمر، ومع امتناع المثلي - لوجود العارض - ينتقل الضمان إلى القيمة، وهو مقتضى (على اليد).

وفيه: إنه مجرد استحسان، فلا دليل على الامتناع المذكور، بل الأشباه والنظائر قاضية بثبوت مثله في الشرع، كتوريث أخت المجوسي المتزوج منها سهمين: إرث الأخت والزوجة(3)، فلا مانع من حكم الشارع باستحقاق الذمي للخمر.

ثالثاً: ما في الجواهر(4): من أن شرط احترام خمر الذمي التستر، فلا حرمة مع التجاهر، وحكم الحاكم باستحقاق الذمي للخمر خلاف التستر.

وفيه: إن دليل التستر لبي لا إطلاق فيه، والقدر المتيقن منه عدمالتجاهر بالشرب والمعاملة؛ ولذا قال في مفتاح الكرامة: «لا يلزم من الحكم

ص: 64


1- الخلاف 3: 415.
2- مفتاح الكرامة 16: 628؛ جامع المقاصد 6: 223.
3- المبسوط 4: 120؛ تحرير الأحكام 5: 88؛ الدروس الشرعيّة 2: 382.
4- جواهر الكلام 37: 45.

باستحقاقها التظاهر بشربها والمعاملة عليها؛ لأن الذي عدّوه من نواقض العهد وتركه من شرط الذمة إظهار شرب الخمر في دار الإسلام لا مطلق البحث عنها»(1).

الاحتمال الثاني(2): ضمان المثل في ما لو أتلف الذمي أو المسلم خمر الذمي، أو أتلف المسلم أو الكافر خمر المسلم المحترمة؛ لأنه مقتضى القاعدة في المثليّات، وما ذكر للمنع محل تأمل، كما مرّ.

كما يدل عليه قاعدة الإلزام إن كانا ذميين، وأمّا لو كان أحدهما مسلماً فلا يعلم جريان القاعدة، إلّا أن مقتضى القاعدة جريانها إلّا في ما علم عدم شمول القاعدة له، وفي المقام لا دليل على عدم الشمول.

لكن على مبنيي صاحب الجواهر(3): من حرمة التظاهر وعدم تعلّق الخمر بذمة المسلم يفهم تخصيص قاعدة الإلزام ولزوم الرجوع إلى القيمة، كما ذكره السيد الوالد في الفقه(4)، وقد مرّت المناقشة فيهما، بالإضافة إلى أنه لا يشمل ما لو كان المتلف كافراً لكافر.

فتحصل: أن الطرفين لو كانا كافرين كان الضمان بالمثل، ولو كانالمتلف مسلماً فبناءً على تعلق الخمر في ذمته ضمن المثل، وإلّا فالقيمة.

ولو كان المتلِف كافراً والمتلَف منه مسلم ضمن المثل لتعلق الخمر بذمة الكافر، فلا وجه لانتقال القيمة إلى ذمته.

ص: 65


1- مفتاح الكرامة 18: 90.
2- مسالك الأفهام 12: 161.
3- جواهر الكلام 37: 45.
4- الفقه 78: 87.

الفصل الثاني: في تعاقب الأيدي على المغصوب

اشارة

لو تعاقبت الأيدي الغاصبة على المغصوب ففيه صور، فقد تكون العين باقية وقد تكون تالفة، ثم إنهم قد يعلمون بالغصب، وقد يجهلون، فهنا مسائل:

المسألة الأولى: ضمان الجميع

قال في الشرائع: «ولو تعاقبت الأيدي الغاصبة على المغصوب تخيّر المالك في إلزام أيهم شاء، أو إلزام الجميع بدلاً واحداً»(1).

1- أما مع تلف العين: فلا إشكال في أن للمالك الحق في إلزام الغاصب الأول أو من تلفت عنده. لكن الكلام في إلزام الأيادي المتوسطة، ومقتضى القاعدة ثبوت الضمان في كل الأيادي؛ وذلك لوجود سبب الضمان، وهو ثبوت يد كل واحدٍ واحدٍ منهم على مال الغير من غير إذنه، ولا دليل على انتفاء الضمان عنه مع انتقال المغصوب إلى غيره، بل إطلاقات الأدلة تشمل جميع الأيادي، ف-«على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»، ظاهر في كون الشيء في عهدة الآخذ، كماعبّر به بعض الفقهاء(2).

هذا، مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعاه صاحب الجواهر في المقام(3).

ص: 66


1- شرائع الإسلام 4: 762.
2- جامع المدارك 5: 194.
3- جواهر الكلام 37: 33.

وأمّا لو كان بعضهم جاهلاً فعلى المشهور يجوز رجوع المالك إليه أيضاً(1).

لكن تردد المحقق الأردبيلي(2) في ذلك، فمال إلى عدم الجواز؛ لأن الجاهل ليس بغاصب وإلّا كان آثماً، ولا يعلم اندراجه في قوله|: «على اليد»، وعلى فرض الاندراج فإن الخبر غير معتبر.

وفيه نظر لجهات:

أمّا قوله: «وإلّا كان آثماً» ففيه: أنه لا تلازم بين الإثم والغصب، كما لو رهن عيناً ثم أخذها قهراً لم يكن غاصباً؛ لأنه ملكه وإن كان آثماً؛ لتعلق حق الغير به، وكما لو اضطر للغصب فإنه غصب لكن ليس إثماً.

وأمّا دعوى عدم الاندراج... ففيه: أن الحديث غير خاص باليد العدوانيّة، بل يشمل اليد من غير الحق الشرعي وإن لم يكن عدواناً فيشمله (على اليد) فقد لا يكون للإنسان حق واقعي في الشيء، لكن يجيزه الشارع لجهة ظاهرية، كما لو تصور أنه ملكه، أو يجيزه لجهة الاضطرار، وهذا لا يكون سبباً لتولد الحق للمضطر فقط، بل للطرفالآخر أيضاً الحق.

مضافاً إلى أنه إن لم يصدق الغصب فلا وجه لعدم صدق (على اليد)، فإن أسباب الضمان لا تنحصر في الغصب، كما لو أتلف مال الغير في النوم.

وأمّا ضعف السند ففيه: إن الرواية واردة في الكتب الفقهية للأصحاب كالشيخ الطوسي(3)، ولا فرق بين ورودها في كتبهم الروائية أو الفقهية من

ص: 67


1- مسالك الأفهام 12: 155-156.
2- مجمع الفائدة والبرهان 10: 518.
3- الخلاف 3: 228 و 4: 174؛ المبسوط3: 59 و 4: 132.

حيث الحجية، فما ذكره صاحب الوسائل(1) من عدم اعتماده على النبويّات في الكتب الفقهية خوفاً من كونها عاميّة، غير ظاهر الوجه، كما مرّ سابقاً.

وأمّا إشكال الإرسال ففيه: أنها مجبورة بعمل المشهور. مضافاً إلى عدم انحصار دليل الضمان بهذه الرواية، بل هنالك روايات أخرى أيضاً.

2- وأما مع وجود العين: فهل يحق للمالك الرجوع إلى كل واحدٍ واحد من الأيادي المتعاقبة، أو لا بد من مراجعة اليد الأخيرة التي بيدها العين على فرض وجودها؟

ظاهر كلمات الفقهاء(2) حق الرجوع إلى أيّ واحد منهم حتى لو كانت العين موجودة بيد الأخير، وتظهر الثمرة في ما لو كان الأخير قوياًلا يمكن أخذ العين منه فيحق للمالك الرجوع إلى أضعف الأيادي؛ وذلك لأن (على اليد) تثبت الضمان لكل يدٍ استولت على العين، ولم يدل دليل على خروجه عن عهدة الضمان بخروج العين من يده.

إن قلت: مع وجود العين بيد الأخير لا وجه لمطالبة البدل من سائر الأيادي.

قلنا: قد لا يستطيع أخذ العين ممن بيده فيأخذ بدلها ممن ترتبت يده عليها من باب بدل الحيلولة، ومع إمكان أخذ العين يحق له مطالبة البدل من سائر الأيادي؛ لأنها ضامنة، ومقتضى ضمانها لزوم إعطاء البدل مع عدم إمكان تسليمها للعين، وهذا لا ينافي إمكان استرجاع المالك للعين.

ص: 68


1- وسائل الشيعة 30: 542.
2- كشف الرموز 2: 380؛ المهذّب البارع 4: 248؛ مسالك الأفهام 12: 155؛ رياض المسائل 12: 260؛ جواهر الكلام 37: 33.

وقد استدل الوالد في الفقه على ذلك بأن دليل (على اليد): «أقوى في الدلالة من دليل رد نفس العين ما كانت موجودة»(1)؛ وذلك لأن انحصار حق المالك في أخذ العين مع وجودها منافٍ لإطلاق (على اليد) الدال على جواز الرجوع إلى كل يدٍ يدٍ بالعين أو البدل.

فروع تتعلق بالمسألة

الفرع الأول: لو أخذ البدل من الغاصب الأول، حق للأول الرجوع إلى الثاني وهكذا، إلى أن يستقر الضمان عند الأخير الذي بيده العين أو تلفت في يده، فاستقرار الضمان إنّما هو على مَن أتلف العين عالماًعامداً أو غرّ إن لم يكن عن علم وعمد، ويحق للثاني أخذ العين مع عدم ملكه له؛ لأنه دفع البدل للمالك، ومع أخذ العين يحق له مطالبة المالك بالبدل وتسليم العين له.

الفرع الثاني: بعد أن دفع الثاني البدل إلى المالك، فإن أخذ العين وجب عليه أن يرجعها إلى المالك؛ لأن للمالك حقين: حق في العين وحق في قيمتها، وقد أخذ المالك حقه الثاني لكن لم يسقط حقه في نفس العين، وليس المقام من قبيل البيع حتى يُلزم بنقل العين إلى الغير في صورة أخذ بدله، كما هو الحال في بدل الحيلولة، حيث يحق للمالك مطالبة العين بعد الإمكان، لكن عليه أن يُرجِع البدل الذي أخذه.

الفرع الثالث: لو أخذ المالك البدل من إحدى الأيادي، ثم جاء مَن بيده العين فأرجعها إلى المالك وجب على المالك إرجاع البدل؛ لعدم حقه في

ص: 69


1- الفقه 78: 58.

الجمع بين البدل والمبدل، ولا يجوز على مَن بيده العين أن يسلمها إلى اليد التي كانت قبله، بل يعطيها للمالك رأساً.

الفرع الرابع: لو أراد مَن بيده العين تسليمها إلى المالك لا يحق للمالك أن يطالب بالبدل من اليد الأولى، فإنه حيث وجد العين مبذولة لم تجرِ أدلة وجوب إعطاء البدل.

نعم، مع اختلاف الزمان يحق له مطالبة البدل، كما لو أراد مَن بيده العين تسلميها بعد شهر مثلاً، فلا بد وأن يكون البذل فورياً، كما هو الحال في بدل الحيلولة، حيث يحق له مطالبة البدل وإن أمكن إرجاعالعين لكن بعد فترة.

والحاصل: إن أدلة (على اليد) تدل على لزوم إعطاء العين مع الإمكان ومع عدمه فالبدل، وعدم الإمكان إمّا دائمي لتلف العين مثلاً، أو مؤقّت.

المسألة الثانية: براءة ذمة الجميع بالأداء

لو أخذ المالك البدل من مُتلف العين برئت ذمة الجميع، لكن لو طالب المالك السابق رجع إلى اللاحق، ويتسلسل إلى أن يستقر الضمان على المتلف.

وقد مرّ الدليل على جواز الرجوع إلى كل واحدٍ واحد.

وأمّا الدليل على براءة ذمة الجميع في ما لو أخذ البدل من المُتلف فهو: إن الغرامة بدل التالف، فلو أخذ المالك البدل لم يبق له حق؛ لأنه يستلزم الجمع بين العوض والمعوض أو الجمع بين عوضين، كما لا يحق للمتلف الرجوع إلى الأيدي السابقة؛ لأنه بدفع البدل ملك المبدل منه - وهو التالف - بمعاوضة قهريّة شرعيّة، وحيث ملكه يكون التلف في ملكه، فلا معنى للرجوع إلى غيره.

ص: 70

لا يقال: كيف يملك التالف فإنه من السالبة بانتفاء الموضوع؟

فإنه يقال: الاعتبار الشرعي خفيف المؤونة فلا محذور فيه، ولذا لو كان للتالف بقايا - كقِطَع الكوز المهشم - كانت له ولا حق للمالك فيها؛ لأنه أخذ بدلها، ولا يمكن الجمع بين العوض والمعوض فتكون القِطَعملكاً لليد الأخيرة، كذلك في ما لو لم يبقَ من التالف شيء، فإنه يملكها بالاعتبار الشرعي وتترتب عليه آثار الملكية.

كما أنه يحق للغير - في ما لو طالبه المالك بالبدل - الرجوع إلى المتلف؛ لأن هذا الغير دفع الغرامة فيملك التالف.

ولو كان السابق غارّاً للّاحق حق للمالك الرجوع إلى أيهما، فيرجع المُتلف إلى السابق؛ لأن المغرور يرجع إلى مَن غرّه.

إمكانية اشتغال الذمم بمال واحد

وقد أشكل(1) على إمكان ثبوت مالٍ واحدٍ في ذمم متعدّدة مع تعاقب الأيدي، فإن المظروف الواحد لا يمكن أن يكون في عدة ظروف في زمان واحد؛ ولأجل ذلك ذهب صاحب الجواهر(2) إلى اشتغال ذمة المتلف فقط دون غيره، وأمّا مراجعة المالك لغير المتلف فإنما هو صرف حكم شرعي لا لأجل اشتغال ذمتهم، ولا تبرأ ذمة المتلف برجوع المالك إلى غيره، بل كانت مشغولة للمغصوب منه فتشتغل لمن رجع المالك إليه.

وفيه تأمل: أولاً: لا استحالة في ذلك، فليس الأمر تكوينياً حتى يؤوّل إلى اجتماع النقيضين، بأن يكون الشيء موجوداً في مكان ومعدوماً فيه لأجل

ص: 71


1- جواهر الكلام 37: 34.
2- جواهر الكلام 37: 34.

وجوده في مكان آخر، بل الأمر اعتباري وهو خفيفالمؤونة، حيث إنه ليس ظرفاً واقعياً.

وثانياً: على فرض استحالة الإشكال العقلي حتى في الاعتباريات، يمكن القول باشتغال الذمم على سبيل البدل، فلا وجه للقول باشتغال ذمة المتلف فقط استناداً إلى «مَن اتلف مال الغير فهو له ضامن» حيث لا ينحصر الدليل فيه، فإن «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» تشمل الجميع.

نعم، أشكل في جامع المدارك(1) بأنه لم يحرز كون البدل المعطى بدل التالف، بل قد يكون غرامة، فلا يملك المعطي التالف، فلا وجه للرجوع إلى المتلف، ومع هذا الاحتمال يشكل رجوع السابق إلى اللاحق لولا الإجماع.

لكن ظاهر أدلة الضمان البدلية لا الغرامة.

المسألة الثالثة: أجرة البدل

لو كان يتأخّر وصول العين مع وجودها(2)، حق للمالك مطالبة البدل من كل واحدٍ منهم، إلى أن تصل العين بيده، ولباذل البدل أجرة بدله، ويكون استقرار الأجرة على مَن بيده العين؛ لاستقرار الضمان عيناً أو بدلاً عليه، فمع عدم أدائهما يجب عليه الأجرة.

وهل يحق لمعطي البدل تقسيم الأجرة على الجميع؟ الظاهر العدم؛لأنهم لم يتلفوا المنفعة الفعلية للعين، وإنما أتلفها الأخير، فلا وجه لضمانهم، إلّا أن يقال بأنهم السبب في تلف المنفعة فعليهم الأجرة، ويستقر

ص: 72


1- جامع المدارك 5: 196.
2- كما لو كان مَن بيده العين غائباً.

على الأخير.

هذا إذا لم نقل بملكيته للبدل؛ إذ لو ملك البدل لم يكن معنى لمطالبة دافع البدل الأجرة من الآخرين؛ لأنه قد خرج من ملكه فلا وجه لملكيته للمنفعة ليطالب بأجرتها، فتأمل.

المسألة الرابعة: ضمان النماء التالف

لو كان للعين نماء لا بفعل الغاصب، ثم تلف، ضمن؛ لأنه ملك للمغصوب منه، كما سيأتي تفصيله.

وهل يحق للمالك الرجوع إلى كل واحدٍ منهم حتى مع عدم تولد النماء في يده؟ احتمالان(1):

الأول: العدم؛ لأن اليد السابقة لم تترتب على النماء فلا وجه لضمانها.

الثاني: الضمان بمقتضى السببية، فلولا غصب الأصل بيد الأول لم يغصب النماء بيد الأخير.

وقد استدل بعض الفقهاء(2) بالأولوية، فمن يضمن العين يضمن المنفعة بطريق أولى.لكنه ضعيف، فلا أولوية في البين، فإنه إنما ضمن الأصل لترتب يده عليه، وأمّا المنفعة فلم تكن بيده حتى يضمنها.

ص: 73


1- جامع المقاصد 6: 273.
2- جامع المقاصد 6: 273.

الفصل الثالث: في موجبات الضمان

اشارة

فمن موجبات الضمان: المباشرة في التلف، والتسبيب فيه، وإثبات اليد العادية، والقبض بالعقد الفاسد أو بالإجارة الفاسدة أو السوم، ومحل الكلام هنا الأولين.

السبب الأول: المباشرة في الإتلاف

فلو أتلف مال الغير من دون مجوّز شرعي عمداً أو سهواً أو غفلة ضمن، ولا فرق في ذلك بين إتلاف العين والمنفعة.

ويدل عليه الكتاب كقوله تعالى: {فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ}(1)، فإن المتلف معتدٍ، ولا يشترط في الاعتداء القصد، فإن للقصد وعدمه المدخلية في الحرمة وعدمها لا في الضمان، وقوله عز وجل: {وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ}(2)، وقوله سبحانه: {وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ}(3).

كما أن الروايات(4) المختلفة المتواترة تدل على ضمان المتلف وإن لميكن غاصباً، قال في المسالك(5): الغصب وإن أوجب الضمان لكن أسباب

ص: 74


1- سورة البقرة، الآية: 194.
2- سورة الشورى، الآية: 40.
3- سورة الحج، الآية: 60.
4- المؤتلف من المختلف 2: 461؛ وسائل الشيعة 27: 327.
5- مسالك الأفهام 12: 162.

الضمان لا ينحصر فيه.

مضافاً إلى الإجماع - كما في الجواهر(1)- بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك.

ويدخل في المباشرة الأفعال التوليدية، كالذبح بالسكين والإحراق بالنار، فهو من المباشرة لا التسبيب، وإن كان السكين والنار واسطة، فإنه وإن كان هنالك فرق بينهما وبين الإتلاف باليد بالدقة العقلية لكن لا فرق من الناحية العرفية، فكلها من المباشرة. وستأتي ضابطة التسبيب ويتضح عدم شمولها لذلك.

السبب الثاني: التسبيب في الإتلاف

اشارة

فلو صار سبباً لتلف مال الغير أو منفعته ضمن، كما لو حفر بئراً فسقط فيه، قال في الشرائع: «الثاني: التسبيب، وهو كل فعل يحصل التلف بسببه، كحفر البئر في غير الملك، وكطرح المعاثر في المسالك»(2).

وفيه بحوث:

البحث الأول: دليل ضمان السبب

وتدل على ذلك روايات متواترة في أبواب مختلفة يستنبط منها قاعدةكلية، وهي ضمان كل مَن سبّب تلف مال الغير، وهي طوائف:

الطائفة الأولى(3): لو حفر بئراً في غير ملكه، فسقط فيه إنسان أو حيوان

ص: 75


1- جواهر الكلام 37: 46.
2- شرائع الإسلام 4: 763.
3- الكافي 7: 349؛ وسائل الشيعة 29: 242، موثقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يحفر البئر في داره، أو في أرضه، فقال: أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأما ما حفر في الطريق أو في غير ما يملكه فهو ضامن لما يسقط فيه».

فجرح أو مات، ضمن، وتفصيل الكلام فيه في باب الديات.

الطائفة الثانية(1): في ما يتلف بسبب الدابة، فلو كان صاحبها مقصراً ضمن، وإلّا فلا لعدم التسبيب.

الطائفة الثالثة(2): في البعير البخاتي الهائج، حيث قتل شخصاً فجاء أخ المقتول فقتله، فضمن(علیه السلام) صاحب البعير الدية، وأخ المقتول قيمة البعير.نعم، وردت رواية(3) أنه لا ضمان في المرة الأولى ولكن يضمن في المرة الثانية، فالتسبيب يختلف بين المرة الأولى والثانية.

الطائفة الرابعة(4): تدليس ولي المرأة على الخاطب، حيث يضمن المدلس المهر إن كان قد دخل بها؛ لأنه سبب الضرر.

ص: 76


1- الكافي 7: 351؛ وسائل الشيعة 29: 247، خبر العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «أنه سئل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها، فقال: ليس عليه ما أصابت برجلها وعليه ما أصابت بيدها، وإذا وقفت فعليه ما أصابت بيدها ورجلها، وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها أيضاً».
2- الكافي 7: 351؛ وسائل الشيعة 29: 252، صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «... وسئل عن بُختي اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلاً، فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف فعقره، فقال: صاحب البختي ضامن للدية ويقبض ثمن بختيه، وعن الرجل ينفر بالرجل فيعقره وتعقر دابته رجل آخر فقال: هو ضامن لما كان من شيء».
3- الكافي 7: 353؛ وسائل الشيعة 29: 251، خبر مسمع، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «أن أمير المؤمنين(علیه السلام) كان إذا صال الفحل أول مرة لم يضمّن صاحبه، فإذا ثنّى ضمّن صاحبه».
4- الكافي 5: 406؛ وسائل الشيعة 21: 220-221، صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مَهيرة، فأتاه بغيرها؟ قال: تزف إليه التي سميت له بمهر آخر من عند أبيها، والمهر الأول للتي دخل بها».

الطائفة الخامسة (1): ما ورد في من أخرج شيئاً من ملكه في الطريق العام، كعظم أو مسمار فجرح به المارة، فهو ضامن.

الطائفة السادسة(2): في ضمان شاهد الزور كذباً، بل حتى غير الزور، كشاهدين يشهدان على السارق وبعد قطع يده أقرا بالخطأ، حيثغرّمهما الإمام(علیه السلام) دية قطع اليد.

وشهود شهدوا بزنا المحصنة(3)، فجرى عليها الحد، ثم رجع أحدهم، فإن أقر بالكذب اقتص منه؛ لأنه سبب القتل، وإن أقر بالخطأ دفع ربع الدية.

وشاهدان شهدا بموت الزوج أو بتطليقه(4)، وبعد انقضاء العدة تزوجت، ثم حضر الزوج الأول وأقرّا بعدم الطلاق، حيث يضمنان مهر المثل للزوج

ص: 77


1- الكافي 7: 350؛ وسائل الشيعة 29: 245، معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه|: من أخرج ميزاباً أو كنيفاً أو أوتد وتداً أو أوثق دابةً أو حفر بئراً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن».
2- الكافي 7: 384؛ وسائل الشيعة 27: 332، صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(علیه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق، فقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق وليس الذي قطعت يده إنما شبّهنا ذلك بهذا! فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية، ولم يجز شهادتهما على الآخر».
3- الكافي 7: 384؛ وسائل الشيعة 27: 329، خبر ابن محبوب عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزّنا، ثم رجع أحدهم بعدما قتل الرجل، قال: إن قال الرابع: أوهمت، ضرب الحد وأغرم الدية، وإن قال: تعمدت، قتل».
4- الكافي 7: 384؛ وسائل الشيعة 27: 330، موثقة إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت، ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق، قال: يضربان الحد، ويضمنان الصّداق للزوج...» الحديث.

الثاني.

وغيرها من الأخبار.

ويستنبط من مجموعها عدم خصوصية الموارد، بل المسبب لذلك ضامن. هذا بالإضافة إلى الإجماع وربما الضرورة في بعض المصاديق.

البحث الثاني: ضابطة التسبيب

وأمّا معنى التسبيب فقد قال المحقق الخوانساري: «كل فعل يحصلبسببه التلف»(1)، أي: الفعل الذي يؤدّي إلى هذه النتيجة، سواء كان وجوديّاً كحفر البئر، أم عدميّاً كعدم حفظ الدابة.

وفسره العلامة ب- : «ما يحصل التلف عنده لكن بعلة أخرى»(2)، بشرط أن تكون العلة متوقعة(3)، وأمّا الصدفة فلا يعلم صدق التسبيب عليه.

وهذه العبارة أدق من الأولى؛ لأن الأولى تشمل الأفعال التوليدية، كالإلقاء في النار مع أنها ليست من التسبيب، بخلاف الثاني فإن الإلقاء في النار سبب للتلف لا أنه سبب لعلة أخرى.

وذكر الشهيد الأول في الدروس والعلامة في الإرشاد أن التسبيب: «إيجاد ملزوم العلة»(4)، وهي أكثر دقة واختصارا من التعريفين السابقين، فإن الإنسان لا يصنع العلة، فحفر البئر ليس علة القتل، بل العلة السقوط، والمسبب هو الذي أوجد ملزوم علة القتل لا العلة، بخلاف الأفعال

ص: 78


1- جامع المدارك 5: 204.
2- قواعد الأحكام 2: 221.
3- قواعد الأحكام 2: 221.
4- إرشاد الأذهان 1: 444؛ الدروس الشرعيّة 3: 107.

التوليدية فإن الإلقاء في النار علة التلف، وإن كانت النار هي المحرقة.

وقد أشكل صاحب الجواهر(1) بأن السببية لم ترد في الروايات فلا وجهلبحث مفادها.

والجواب عنه: بأنه عنوان جامع مصطاد من عشرات الروايات في أبواب مختلفة، فإنه وإن لم يدرِ الحكم مدار اللفظ لكنه مرآة للحكم الكلي وللموارد المشابهة، فلا بد من ملاحظة الروايات أو الكلي المستفاد منها، ليُرى انطباقها على المورد المبحوث عنه.

والحاصل: إنه لا مدخلية لكلمة التسبيب لكنها عنوان مشير، ولذلك نظائر كثيرة في الفقه.

وملخص الكلام: إن السبب الثاني للضمان هو التسبيب للتلف، ومفاده استناد التلف إلى الشخص من دون أن يكون فعلاً مباشراً أو فعلاً توليدياً.

ولو شك في كون الفعل تسبيباً أو شك في الاستناد فالأصل عدم الضمان للبراءة، ولو كان هنالك مورد أطلق عليه السبب عرفاً لكن لم يندرج في الأدلة لم يكن ضمان، إلّا مع ورود نص خاص، كما لو اجتمعوا على المقتول فقتله أحدهم وحرس العملية آخر، حيث حكم الشارع بفقأ عينه(2).ولو أعطاه مالاً ليذهب إلى ميدان الحرب ويجلب له شيئاً فقتل، فمع أنه

ص: 79


1- جواهر الكلام 37: 50.
2- الكافي 7: 288؛ وسائل الشيعة 29: 50، معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «أن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) واحد منهم أمسك رجلاً وأقبل آخر فقتله والآخر يراهم، فقضى في الرّؤية أن تُسمل عيناه، وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، وقضى في الذي قتل أن يقتل».

قد يطلق عليه السبب عرفاً لكن لا ضمان عليه؛ لأنه فاعل مختار.

والحاصل: لو استند إليه القتل ضمن وإن لم يطلق عليه السبب، وبالعكس.

البحث الثالث: شروط ضمان السبب

اشارة

قد يستفاد من مجموع الأدلة أن للسبب الموجب للضمان شروطاً، فإيجاد ملزوم العلة وإن كان تسبيباً لكن ليس كل تسبيب موجباً للضمان، وهذه الشروط هي:

الشرط الأول(1): أن يكون في غير ملكه، فلو كان في ملك نفسه لم يكن ضامناً، كما لو حفر بئراً في بيته وسقط فيه الضيف غير المدعو، لم يكن ضامناً، حتى مَن جاز له الدخول كبيوت من تضمنته الآية(2)، ولا فرق في ذلك بين التصرف لأجل فائدة عقلائية أو للدواعي النفسانيةوتدل عليه الروايات(3)، وقد استدل له في جامع المدارك(4) بأن تصرف الملاك في أملاكهم مما رخص فيه الشارع، فكيف يشرع عليهم الضمان؟

ص: 80


1- كتاب الغصب، للرشتي: 31. جامع المدارك 5: 206.
2- سورة النور، الآية: 61: {لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ}.
3- الكافي 7: 349.
4- جامع المدارك 5: 206.

وبعبارة أخرى: ظاهر ترخيص الشارع له في عمله عدم تحمله للتوالي الفاسدة المترتبة عليه؛ للملازمة العرفية بين الإجازة وعدم التحمل، ومن التوالي الفاسدة الضمان.

وفيه نظر لجهتين:

الأولى: لا تلازم بين الحكم التكليفي والوضعي، والحكم بالضمان سارٍ في المباحات الأصلية، كما لو حفر بئراً في الصحراء، ومع ذلك هو ضامن، فمجرد ترخيص الشارع لا يوجب رفع الضمان، كما هو الحال بالنسبة إلى الطبيب المجاز، بل قد يجب عليه العلاج كما في الخطر المنحصر علاجه عنده، ومع ذلك لو أخطأ يكون ضامناً.

وكذلك في أكل المخمصة حيث رخص الشارع أكل مال الغير قهراً لإنقاذ نفسه ومع ذلك يضمن(1).

الثانية: هناك موارد أخرى - غير حفر البئر - قد أجازها الشارع ومع ذلك ضمنه، كنصب الميزاب(2) المؤدّي إلى جرح العابر.لكنه غير تام؛ لأن نصب الميزاب إنما هو في الطريق العام لا في ملك نفسه، فلا يصلح نقضاً للمقام.

والحاصل: إنه لا مدخلية للملك وغير الملك في الضمان وعدمه، فإطلاق الشرط الأول محل تأمل.

الشرط الثاني: أن لا يكون مباحاً شرعياً(3)، فلو كان كذلك لم يضمن إلّا

ص: 81


1- الدروس الشرعيّة 3: 77؛ جواهر الكلام 38: 168.
2- المقنع: 527؛ الخلاف 5: 290؛ مختلف الشيعة 9: 351.
3- كتاب الغصب، للرشتي: 31؛ جامع المدارك 5: 206.

على بعض الوجوه.

وفيه نظر؛ لأن المناط في التسبيب والضمان الاستناد، سواء كان عمله مباحاً أم لا، فلو حفر بئراً في صحراء كان عمله مباحاً ومع ذلك يضمن، فالمثال المذكور دال على أن الضمان لا يدور مدار الإباحة وعدمها.

وقد يقوم بعمل غير مباح لكن لا يستند إليه الإتلاف فلا وجه للضمان، كما لو غصب طعاماً ودعا إليه شخصاً فأكل منه فمات بسبب كثرة الأكل.

والحاصل: إن التسبيب هو سبب الضمان لا الإباحة وعدمها.

الشرط الثالث: أن لا يكون مقروناً بالغرض الصحيح العقلائي(1)، فلو كان مقروناً لم يضمن.

واستدل(2) لذلك بالأصل السالم عن معارضة الدليل الوارد، فإنالأصل عدم الضمان. هذا أولاً.

وثانياً: قاعدة الإحسان، فلا سبيل على المحسن، والغرض الصحيح العقلائي إحسان.

إن قلت: إن روايات الميزاب(3) تثبت الضمان مع أنها وضعت لغرض عقلائي صحيح.

قلت: إنها قضية خارجية تختص بتلك الأزمنة التي كان وضع الميزاب

ص: 82


1- كتاب الغصب، للرشتي: 31؛ جامع المدارك 5: 206.
2- كتاب الغصب، للرشتي: 31؛ جامع المدارك 5: 206.
3- الكافي 7: 350؛ وسائل الشيعة 29: 245، معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه|: من أخرج ميزاباً أو كنيفاً أو أوتد وتداً أو أوثق دابةً أو حفر بئراً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن».

إيذاءً كثيراً للمارة لقصر الجدران، فكانت عدواناً عرفاً، بخلاف هذه الأزمنة.

وفيه نظر؛ وذلك لأن الأصل في الروايات القضية الحقيقية، بالإضافة إلى أن رواية تضمين النبي| صاحب الميزاب مروية عن الإمام الصادق(علیه السلام)، ولو كان الحكم خاصاً بزمنه| لأشار إليه الإمام(علیه السلام)، كما في نظائره، ومنها: ما ورد في كيفية ثوب الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) وأنها خاصة بذلك الزمن، وأن الإمام الصادق(علیه السلام) لا يلبس مثله خوف الاتهام، وسيأتي المهدي(علیه السلام) ويلبس مثله(1)، فالقول بكون روايات الميزاب خارجية محل نظرٍ، فيكونالشرط الثالث من اشتراط الضمان بعدم الغرض العقلائي محل تأمل. هذا أولاً.

وثانياً: عدم الضمان في روايات حفر البئر في ما لو كان في ملكه والضمان مع عدمه(2)، مع أن حفر البئر يكون لغرض عقلائي، سواء كان في الملك أم في غيره.

وثالثاً: إن الأصل غير مجدٍ بعد قيام الأدلة، والتي منها أدلة حفر البئر

ص: 83


1- الكافي 1: 411؛ وسائل الشيعة 5: 17، صحيحة حماد بن عثمان قال: «حضرت أبا عبد اللّه وقال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أن علي بن أبي طالب(علیه السلام) كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجديد، فقال له: إن علي بن أبي طالب(علیه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت^ إذا قام لبس ثياب علي(علیه السلام) وسار بسيرة علي(علیه السلام)».
2- الكافي 7: 349؛ وسائل الشيعة 29: 241، موثقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه، فقال: أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأما ما حفر في الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه».

والميزاب، فالروايات واردة على أصل عدم الضمان؛ لأنها تنفي موضوعه.

ورابعاً: تنقض قاعدة الإحسان بما لو حفر البئر في الطريق للنفع العام فهو محسن، ومع ذلك ضامن.

كما أن القاعدة لا ترتبط بما نحن فيه، فقد يكون له غرض صحيح عقلائي، كما لو حفر البئر في بيته لينتفع بها، فليس هذا مصداقاً للإحسانللآخرين. وفي كثير من موارد ثبوت الضمان يكون محسناً، وكذلك العكس، لكن حيث لا يستند إليه الفعل لم يضمن، بالإضافة إلى ما مرّ من أنها واردة في العقوبة، فإن المحسن لا عقوبة عليه، فلا ترتبط بالضمان؛ ولذا يكون الطبيب ضامناً(1) حتى وإن كان محسناً، وكذا الظئر(2) حتى المتبرعة إحساناً.

الشرط الرابع: أن يعد في العرف والعادة عدواناً(3)، وإن لم يكن حراماً شرعاً، فلو صار سبباً لتلف مال أو شخص، فإن كان عدواناً ولو عرفياً ضمن، وإلّا فلا، ومنه ما لو أوقف دابته في الطريق العام فأتلفت مال الغير، فإن كان طريقاً ضيّقاً مزدحماً كان عدواناً عرفاً، وإلّا فلا.

وفيه نظر: أولاً: لا دليل على الشرط المذكور، بل الدليل قائم على خلافه، كحفر البئر في الصحراء، حيث لم يكن عدواناً، بل إحساناً، وكرواية النخس(4) في قضاء علي(علیه السلام)، حيث ضمن المركوبة نصف الدية

ص: 84


1- شرائع الإسلام 4: 1019؛ تذكرة الفقهاء 2: 319.
2- السرائر 3: 365.
3- كتاب الغصب، للرشتي: 31؛ جامع المدارك 5: 207.
4- من لا يحضره الفقيه 4: 169؛ وسائل الشيعة 29: 240، خبر الأصبغ بن نباتة قال: «قضى أمير المؤمنين(علیه السلام) في جارية ركبت جارية فنخستها جارية أخرى، فقمصت المركوبة فصرعت الرّاكبة فماتت، فقضى بديتها نصفين بين النّاخسة والمنخوسة».

أو ثلثها(1) حسب اختلاف الروايتين مع عدم عدوانها ولاتقصيرها، ولولا الرواية لكان مقتضى القاعدة ثبوت كل الدية على الناخسة؛ لأنها السبب والفعل غير منسوب إلى المركوبة.

وثانياً: لا وجه للتفكيك بين العدوان الشرعي والعادي، فإن الموضوع يؤخذ من العرف، وأمّا الشارع فلا يتدخل فيه إلّا نادراً، وليس منه العدوان.

وثالثاً: ما ذكر من مثال الدابة فلم يرد في الرواية كون الطريق مزدحماً أو أنه أوقف الدابة فيها، بل الوارد في الدابة التي اغتلمت(2) فهاجت فأتلفت مال الغير فالمالك ضامن، سواء أوقفها في الطريق المزدحم أم لا.

والحاصل: إن الشروط الأربعة محل نظرٍ، فلا يدور الضمان وعدمه مدارها، بل المناط في الضمان نسبة إتلاف مال الغير إليه.

الشرط الخامس: قد اشترط العلامة(3) وجمع من الفقهاء في ثبوت الضمان بالسببية توقع العلة أو غالبية التلف(4)، فلو فعل شيئاً لم يتوقع منه

ص: 85


1- الإرشاد: 105؛ وسائل الشيعة 29: 240، وفيه: «أن علياً(علیه السلام) رفع إليه باليمن خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثاً ولعباً، فجاءت جارية أخرى فقرصت الحاملة - فقفرت لقرصها - فوقعت الراكبة فاندقت عنقها فهلكت، فقضى علي(علیه السلام) على القارصة بثلث الدية، وعلى القامصة بثلثها، وأسقط الثلث الباقي لركوب الواقصة عبثاً القامصة، فبلغ النبي| فأمضاه».
2- الكافي 7: 351.
3- قواعد الأحكام 2: 221، وفيه: «الثاني: التسبيب: وهو إيجاد ما يحصل التلف عنده، لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة: كالحافر، وفاتح رأس الظرف، والمكره على الإتلاف».
4- تحرير الأحكام 4: 519؛ الأنوار اللوامع 13: 89؛ مفتاح الكرامة 18: 16؛ جواهر الكلام 37: 49.

التلف، أو كان التلف منه نادراً فالسبب ليس ضامناً، فمثلحفر البئر يتوقع فيه السقوط، لكن لو جعل الحواجز دون البئر مع كتابة التحذير مثلاً فلا يتوقع ذلك، فيثبت الضمان في الأول دون الثاني.

ووجه الشرط المذكور أن التسبيب أمر عرفي، فلا يصدق في النادر أو غير المتوقع.

لكنه محل تأمل؛ لما مرّ من الحكم لا يدور مدار كلمة السببية؛ لعدم ورودها في الأدلة، بل الملاك شمول الأدلة للمورد، فقد قام الدليل على الضمان في حفر البئر في غير ملكه، سواء توقع السقوط فيها أم لا، فيشمل ما إذا حفر البئر في طريق غير سالك لم يتوقع فيه السقوط.

ولو دعا شخصاً فجرحه كلبه الأهلي غير المتوقع منه أصلاً كان ضامناً(1)، مع أنه ليس سبباً عرفاً لشمول الدليل له.

إلّا أن يقال بانصراف الروايات عن الموارد غير المتوقعة.

والحاصل: إن كان دليل الشرط المذكور السببية ففيه نظر، وإن كان الانصراف فلا بأس به.

الشرط السادس: عدم قصد الإحسان.

مثلاً: لو قصد الإحسان في حفر البئر فقد يتمسك بإطلاق أدلة الضمان، وقد يتمسك بقاعدة الإحسان، وقد يُفصل بين التقصير وعدمه.

وقد يشكل على الاستدلال بقاعدة الإحسان بأن المنفي العقوبة، وهوغير الضمان أو لا أقل من الإجمال، فلا يمكن الاستدلال بها إلّا على الجامع - إن كان - وهو غير مجمل.

ص: 86


1- المبسوط 8: 80؛ تحرير الأحكام 5: 546.

لكن يرد عليه ما مرّ من أن (سبيل) نكرة في سياق النفي فتفيد العموم فلا إجمال، ولا وجه للتخصيص بالعقوبة، إلّا في ما ثبت الدليل فيه، ولا مخصص في المقام.

ومع ذلك الأرجح الثالث؛ لأن المقصّر ليس محسناً، لا أقل من انصراف {مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ}(1) عن المقصّر، فإنه وإن كان أصل عمله إحساناً لكن حيث قصّر في الأداء خرج عن الإحسان.

أو يقال: الحفر إحسان وعدم جعل المانع والتحذير خلاف الإحسان، فيكون له مدخلية في السقوط الموجب للضمان.

ويشهد لذلك ما ذكره العلامة(2) في ما لو ألقى قشر موز في الطريق فسقط بسببه المار وكسرت يده مثلاً، حيث فصّل بين ما إذا رآه فلا ضمان، وبين ما لو لم يره فعليه الضمان.

ووجهه بأن الفاعل في الصورة الثانية مقصّر فيصدق عليه التسبيب بالضرر بخلاف الصورة الأولى، فإنه وإن كان إطلاق كلامه محل تأمل، فقد يرى القشرة لكن لم يقصّر، لكن الشاهد في التفصيل بين المقصر وغيره.فالأصح في المقام أن المحسن لحفر البئر لو لم يكن مقصّراً فلا ضمان عليه؛ لعدم السببية، ولو قصّر كان ضامناً، وعليه بناء العقلاء وسيرتهم الخارجية.

والحاصل: إن الآية الكريمة منصرفة عن مورد التقصير.

ص: 87


1- سورة التوبة، الآية: 91.
2- قواعد الأحكام 3: 656.

ثم إن بعض الفقهاء(1) ذكر أن النسبة بين أدلة الضمان وقاعدة الإحسان هي الحكومة؛ لأن الثاني ناظر إلى الأول، فدليل الضمان يثبته في موارده، ومن مصاديق نفي السبيل الضمان فتكون القاعدة حاكمة.

وقد يقال: إنّ الحكومة ليست مجرد نظر، بل لا بد من التضييق أو التوسعة تعبداً في موضوع دليل المحكوم. فدليل الضمان يحكم بضمان الجاني، وقاعدة الإحسان لا تنفي الجناية تعبداً لتكون حاكمة، بل تنفي الحكم عنه فتكون مخصصة.

وفيه تأمل؛ لأن الحكومة أقسام، فمنها ما يرتبط بتضييق الموضوع أو توسعته، ومنها ما يرتبط بمسألة دليل الحاكم للمحكوم ولو لم يكن نظر، والتفصيل في الأصول.

وقد يقال: إن النسبة بين الدليلين التعارض على نحو العموم من وجه، فقد تكون جناية من دون إحسان، وقد يكون إحسان من دون جناية وقد يجتمعان، فيتعارضان والترجح مع القاعدة؛ لأنها من الكتاب قال تعالى:{مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ}(2)، وأدلة الضمان روايات.

إن قلت: من أدلة الضمان آيات كقوله تعالى: {وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ}(3)، وقوله سبحانه: {فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ}(4).

قلت: إنها منصرفة عن مورد عدم القصد، فإنه وإن كانت سيئة فعلية لكن

ص: 88


1- كتاب الغصب، للرشتي: 32 و 34.
2- سورة التوبة، الآية: 91.
3- سورة الشورى، الآية: 40.
4- سورة البقرة، الآية: 194.

ظاهر الآية اشتراط قصد الفاعل أيضاً، فلا يطلق عليه السيئة والعدوان ما لم يصاحبه قبح فاعلي.

وإن أبيت عن الانصراف فيتساقطان ويكون المرجع الأدلة العامة، أي: البراءة، فتأمل.

فرع: في حفر الخندق لمنع اللصوص

لو حفر خندقاً لمنع اللص من الوصول إلى داره، فسقط فيه اللص فكسرت يده أو مات، ففي جواز فعله وضمانه احتمالات ثلاثة:

الأول: الجواز(1) لقصده الدفاع عن نفسه وعرضه وماله، وقد أقدم اللص على فعل الحرام، فيكون دمه هدراً. فعن البزنطي، عن بعض أصحابه، عن الصادق(علیه السلام): «إذا قدرت على اللص فابدره وأنا شريكك في دمه»(2)، وإطلاقه يشمل المقام، والكلام في سنده مبني على اعتبارمراسيل أصحاب الإجماع الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

الثاني(3): كما أن السرقة محرّمة كذلك إزهاق النفس المحترمة، ولا يعلم جواز هذا لمنع ذاك.

الثالث: التفصيل بين الحقير والخطير.

والأرجح حسب مقتضى الصناعة الأول لرواية البزنطي.

لكن من الثابت بالآيات والروايات، بل من الضروريات وجوب الحفاظ على النفس، فلا يكون مجرد قصد السرقة مجوزاً لذلك، إلّا أن يقال: إن

ص: 89


1- تحرير الأحكام 5: 427.
2- الكافي 7: 296؛ وسائل الشيعة 29: 239.
3- الفقه 78: 109.

الوجوب خاص بالنفس المحترمة، وليس السارق مصداقاً لها، فالمسألة لا تخلو عن إشكال في ما يكون الشيء حقيراً.

والأشكل منه ما لو سقط فيه غير اللص ممن كان عمله حلالاً كالمار، أو حراماً كمن أراد دخول الدار لأجل صيد الطير، فوجه الضمان أنه تسبيب، ووجه عدمه ملاك حفر البئر في البيت وهو الأقرب، والظاهر أن عليه بناء العقلاء.

البحث الرابع: اجتماع السبب مع المباشر

اشارة

لو اجتمع السبب والمباشر للإتلاف، كما لو حفر بئراً في غير ملكه وجاء آخر وألقى فيه شخصاً، فالسبب هو الحافر، والمباشر هو الدافع، والكلام في مقامات:

المقام الأول: في الضامن

فالمشهور(1) أن المباشر ضامن دون السبب إلّا أن يكون السبب أقوى.

واستدل له بأدلة، منها:

الدليل الأول: الإجماع المدعى(2)، بل أرسل إرسال المسلّمات(3).

الدليل الثاني: ما ذكره المحقق الأردبيلي(4)، وحاصله: إن الفعل لا ينسب إلى المقدّمات، بل يسند إلى المباشر دون السبب عقلاً ونقلاً.

ص: 90


1- انظر: شرائع الإسلام 4: 763؛ تلخيص الخلاف 3: 141؛ تذكرة الفقهاء 2: 375؛ كفاية الأحكام 2: 635؛ جامع المدارك 5: 207.
2- رياض المسائل 12: 266 و 14: 236؛ كشف اللثام 11: 279؛ جواهر الكلام 37: 54.
3- في الغصب والقصاص والديات، جواهر الكلام 37: 54.
4- مجمع الفائدة والبرهان 10: 501.

أمّا عقلاً: فلأنه لو كانت للنتيجة مقدمات متعددة فالعلة هي المقدمة الأخيرة، وأمّا المقدمات السابقة فهي معدّة، فلو دخل الحرم كانت الخطوة الأخيرة هي العلة، وكذا لو قتل شخصاً فلا ينسب القتل إلى صانع السلاح ومشتريه وما أشبه ذلك، فالقاتل هو المباشر دون المهيئ لتلك العلل البعيدة.

وأمّا نقلاً: فلأن الأحكام الشرعية تابعة للعناوين، فتترتب على مَن أتى بالمقدمة الأخيرة وهو المباشر.

الدليل الثالث: روايات الزبية(1)، وهي مؤيّدة للمدعى حيث حكم(علیه السلام)بالدية للواقعين فيها، ولم يجعل على مَن حفر البئر شيئاً مع أنه السبب، فيستفاد منها قاعدة كلية وهي عدم الضمان على السبب لو اجتمع معه المباشر.

وقد أشكل صاحب الرياض(2) بأنه لولا الإجماع لكان مقتضى القاعدة ضمان السبب أيضاً، فإن أدلة الضمان كما تشمل المباشر تشمل السبب، وأقوائية المباشر لا تخصصها، ولا تعارض فيثبت الضمان عليهما معاً.

ص: 91


1- الكافي 7: 286؛ وسائل الشيعة 29: 236، خبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «إن قوماً احتفروا زبية للأسد باليمن، فوقع فيها الأسد، فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد، فوقع رجل فتعلق بآخر، فتعلق الآخر بآخر، والآخر بآخر، فجرحهم الأسد، فمنهم من مات من جراحة الأسد، ومنهم من أخرج فمات، فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السيوف، فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): هلموا أقضِ بينكم، فقضى أن للأول ربع الدية، والثاني ثلث الدية، والثالث نصف الدية، والرابع الدية كاملة، وجعل ذلك على قبائل الذين ازدحموا، فرضي بعض القوم وسخط بعض، فرفع ذلك إلى النبي| وأخبر بقضاء أمير المؤمنين(علیه السلام)، فأجازه».
2- رياض المسائل 12: 226 و 227.

وقد ارتضاه السيد الوالد في الفقه(1) لا على إطلاقه، حيث قيّده بأمرين:

الأول: أن يكونا فاعلين مختارين، كأن يحفر أحدهما البئر والآخريضع الحجر في الطريق ليتعثر المار فيسقط فيها، بحيث لو لم يكن الحجر لم يسقط.

الثاني: أن يطلق عليهما السبب عرفاً، وإلّا فلا ضمان، فلو حفر بئراً في الصحراء لا بقصد القتل، بل للإحياء - مثلاً - فجاء الثاني ووضع الحجر بقصد القتل، لم يكن الأول سبباً، بخلاف ما لو توافقا على القتل.

والحاصل: إنه قد تكون للنية مدخلية في إطلاق العنوان عرفاً.

الدليل الرابع: وقد أسند دعوى ضمان السبب بوجه آخر، وهو ثبوت العقاب عليه في مختلف أبواب القصاص والديات مع وجود المباشر، كما لو أصدر أمر القتل(2)، أو أخذ المقتول فقتله القاتل حيث يحبس مؤبّداً(3)،

ص: 92


1- الفقه 78: 113 و 115، وفيه: «أقول: لا إشكال في مثل الإحراق بالشمس والإلقاء في الماء والمسبعة وما أشبه، وإنما الإشكال في فاعلين مختارين أحدهما مقدم على الآخر، كما في حافر البئر ودافع غيره إنساناً فيها... نعم، لا يبعد الحكم بما ذكره الرياض في ما إذا كان كلاهما عرفاً سبباً، كما إذا حفر أحدهما بئراً والآخر ألقى إنساناً في البئر، وقد فعلا ذلك بقصد إهلاك ذلك الإنسان...».
2- الكافي 7: 285؛ وسائل الشيعة 29: 45، صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام): «في رجل أمر رجلاً بقتل رجل فقتله؟ فقال: يقتل به الذي قتله ويحبس الآمر بقتله في السجن حتى يموت».
3- الكافي 7: 287؛ وسائل الشيعة 29: 49، صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(علیه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر قال: يقتل القاتل ويحبس الآخر حتى يموت غمّاً كما كان حبسه عليه حتى مات غمّاً».

ولو حرس عملية القتل فقأت عينه(1).ففي هذه الأمثلة يقتص من القاتل، أمّا السبب فعليه العقوبة حتى لو كان ضعيفاً.

ولكنه محل تأمل؛ فإن الكلام في الضمان لا في الحكم التكليفي، ولا كلام في إطلاق السبب عليه، بل اشتراكه في القتل المترتب عليه تلك العقوبة.

والحاصل: إنه لا بأس بالوجه الأول لولا الإجماع.

المقام الثاني: في كيفية الضمان

وبناءً على الاشتراك يأتي الكلام في كيفية الضمان، كما ذكره صاحب الرياض(2).

فيحتمل التقسيم بينهما كل على قدر نسبته في الجريمة، ويحتمل ثبوت الضمان على كل منهما كاملاً كما في تعاقب الأيدي، فيحق للمجني عليه مطالبة المباشر، كما يحق له مطالبة السبب، لكن استقرار الضمان على المباشر.

لكن الأرجح الأول؛ لأنه من قبيل الأسباب الخارجية المجتمعة على مسبب واحد، فإن العلل المتعددة تصبح جزء العلة، فيقسم الحكم عليها، كما هو الحال في القصاص والديات.

ص: 93


1- الكافي 7: 288؛ وسائل الشيعة 29: 50، معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «أن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) واحد منهم أمسك رجلاً، وأقبل آخر فقتله والآخر يراهم، فقضى في الرؤية أن تسمل عيناه، وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، وقضى في الذي قتل أن يقتل».
2- رياض المسائل 12: 266.

بخلاف الغصب حيث إن المتلِف هو الأخير بخلاف من سبقه،فإنه ليس متلفاً ولا سبباً للتلف، وإنما ترتبت يده على المغصوب، فحكم الشارع بجواز الرجوع إليه، واستقرار الضمان على الأخير.

فالأقرب - بناءً على قول غير المشهور - ضمان السبب والمباشر بالتقسيم لا بالتعاقب.

المقام الثالث: استثناء المباشر الضعيف

واستثنى في التذكرة(1) ما لو كان المباشر ضعيفاً، وذكر له صورتين:

الأولى: الإكراه كما لو هدده بالقتل لو لم يتلف مال زيد، فالمكرِه هو الضامن، وذلك لنسبة الإتلاف إليه عرفاً.

الثانية: الغرور، فلو غصب طعاماً وناوله لشخص يجهل الغصب فأكله كان الغاصب ضامناً لا الآكل، فإنه الغارّ وينسب إليه الإتلاف عرفاً.

ويؤيده: روايات شهادة الزور في القتل والزنا والسرقة(2) المؤدّي إلى إجراء الحد، حيث لا يكون الحاكم ولا منفذ الحكم والمشترك في الرجم ضامناً مع كونه مباشراً، والضمان على السبب وهو الشاهد.

وقد مثل العلامة(3) لذلك بما لو ذبح شاة الغير فأطعمه المالك جاهلاً بكونه ماله، ضمنه دون المالك مع أنه الآكل؛ وذلك للغرور.

فإن قلت: إنه سلّطه على مال نفسه لا مال الغير.قلت: فإنه وإن سلّطه عليه وصيّره بين يديه إلّا أنه باعتقاد أنه ملك الغير،

ص: 94


1- تذكرة الفقهاء 2: 374.
2- وسائل الشيعة 27: 328 و 27: 332.
3- تحرير الأحكام 4: 537؛ تذكرة الفقهاء 2: 378.

وأنه مسلّط على إتلافه بغير عوض، فليس تسليمه تسليماً تاماً يتصرف فيه تصرف المُلّاك؛ فلذلك ضعف مباشرته بالغرور.

لكنه بحاجة إلى مزيد تأمل؛ حيث يمكن القول بالتفصيل بينما إذا أراد المالك أكل شاته فسبقه الغير فذبحها وأطعمه جاهلاً بكونها شاته فلا ضمان، وبين ما لو لم يرد ذلك.

إن قلت: إن استقرار الضمان على المتلِف فيكون المالك هو الضامن.

قلت: إن دليل المغرور يرجع إلى مَن غرّه(1) يثبت الضمان كاملاً على السبب، ولا يضره ضعف السند لعمل المشهور به فيكون معتبراً.

وقد ذهب المحقق الرشتي إلى أن الضمان يتعلق بكلا الطرفين مع الغرور والإكراه، منتهى الأمر استقراره على الغار والمكرِه، كتعاقب الأيدي في الغصب، واستثناء المغرور والمكرَه من الضمان في ظاهر كلمات الفقهاء محمول على الاستثناء المنقطع، فقولهم: المتلف ضامن إلّا إذا كان مكرَهاً أو مغروراً ليس استثناءً من الحكم بالضمان، وإنما لبيان حكم آخر، وهو عدم استقرار الضمان عليهما. قال: «استثناء المغرور والمكره من تقديم المباشر استثناء منقطع راجع إلى نفي استقرار الضمان عليهما لا إلى نفسالضمان»(2).

وفيه نظر: فإن الاستثناء المنقطع خلاف الأصل، بل إن الإتيان بالاستثناء المنقطع من دون وجهٍ قبيح، بل يؤتى به لجهة كما لو كان حكمهما واحداً، كقوله تعالى: {فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ ٭ إِلَّآ إِبۡلِيسَ}(3)، فمع أنه ليس

ص: 95


1- رياض المسائل 8: 415؛ مستند الشيعة 14: 296؛ جواهر الكلام 37: 145.
2- كتاب الغصب: 37.
3- سورة ص، الآية: 73-74.

منهم إلّا أن الحكم واحد، وكان مأموراً فيصح الاستثناء المنقطع، وكذا القول في: جاء القوم إلّا حماراً، حيث كان من المتوقع مجيء القوم بدوابهم في الأزمنة السابقة، فحيث جاءوا من دونها صح الإتيان بالاستثناء المنقطع، لكن اليوم لا يتوقع مثله فيقبح ذلك.

وما نحن فيه الظاهر كون الاستثناء متصلاً؛ لتحقق الرابطة بينهما؛ لقرب الضمان مع استقراره، وقرب المكرِه والمكرَه، حيث إن أحدهما سبب والآخر مباشر، وجعله استثناءً منقطعاً خلاف الظاهر لا يحمل عليه إلّا مع القرينة العقلية أو النقلية.

البحث الخامس: أقسام المباشر

اشارة

ثم إن المباشر على أربعة أقسام: فقد يكون مكرَهاً، وهو الذي يقوم بالعمل بإرادته لكن لأجل الإكراه؛ ولدفع الضرر عن نفسه.

وقد يكون ملجأ، وهو الذي لا قدرة له على الامتناع، كما لو ألقي من شاهق فسقط على آخر فقتله.وقد يكون مغروراً، كما لو قال للرامي: ذلك الشبح حيوان فارمه، فرماه فتبيّن أنه إنسان، وقد مرّ بعض الفروع فيه.

وقد يكون مضطراً، ومنشأ الاضطرار إمّا إنسان، كما لو أراد الفرار من الظالم، وإمّا غيره كما لو أراد الفرار من السيل ويختلف حكمهما.

والكلام في الثلاثة الأولى:

القسم الأول: المباشر المُلجأ

ومقتضى القاعدة ثبوت الضمان على السبب وهو الملجِئ؛ لأنه المتلف حيث ينسب إليه الفعل. نعم، في ما دل عليه النص الخاص يعمل به في مورده.

ص: 96

ومنه ما لو دفع شخصاً فسقط على آخر فأصيب، ففي المعتبرة عن الصادق(علیه السلام): «في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله، فقال: الدية على الذي وقع على الرجل فقتله لأولياء المقتول. قال: ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه»(1)، وموضع الشاهد رجوع أولياء المقتول إلى المدفوع، وتظهر الثمرة في ما لو فرّ الدافع مثلاً.

ولا يتعدى إلى سائر الموارد لأنه قياس، فيكون الضمان على المُلجِئ.

القسم الثاني: المباشر المكرَه

وهو ضامن ويدل عليه:أولاً: الإجماع المنقول، وادعى الجواهر(2) الإجماع المحصّل.

وثانياً: حديث الرفع(3)، ويتم على مبنى شموله للأحكام الوضعية أيضاً، كما عليه جمع من الفقهاء(4) منهم السيد الوالد(5).

وثالثاً: ما ذكره المحقق الرشتي(6)، من نسبة الإتلاف إلى المكرِه، وهو محقق لموضوع (من أتلف) عرفاً، حيث يؤخذ الموضوع من العرف، ومثّل

ص: 97


1- الكافي 7: 288؛ وسائل الشيعة 29: 238.
2- جواهر الكلام 37: 57.
3- كتاب الغصب، للرشتي: 38.
4- مصباح الفقاهة 2: 272؛ العروة الوثقى 6: 35؛ الفقه 9: 414.
5- إلّا في ما قام الدليل على عدم رفعه من الأحكام الوضعية أو التكليفية، كما لو هدد بقتله لو لم يقتل زيداً، فهنا حديث الرفع لا يرفع الحكم التكليفي بعدم جواز قتل الغير للدليل الخاص: كلا تقية في الدماء، وكذلك الحكم الوضعي كما لو وطأها مكرَها حيث تجب العدة (المقرر).
6- كتاب الغصب: 37.

لذلك بما لو أكرهه على ذبح شاة الغير فالمكرِه هو المتلف لا المباشر المكرَه، وكذلك لو أمر الحاكم ببناء المدينة حيث ينسب البناء إليه؛ لأنه السبب دون المباشر.

وفيه نظر؛ حيث ينسب العمل إليهما معاً، إلّا أن العرف يرى المكرَه معذوراً وهو بحث آخر، بل نسبة العمل إلى المباشر حقيقة وإلى السبب مجاز.

ورابعاً: ما ذكره أيضاً(1) من قاعدة الإحسان، فمَن أتلف مال الغير بقصد دفع الضرر الأعظم عن نفسه محسن؛ لكون عمله حسناً فتشملهالآية.

وفيه نظر من جهات:

الأولى: إن المتبادر من الإحسان هو الإحسان إلى الغير لا النفس، وعلى فرض شموله للنفس فالآية منصرفة عنه؛ ولذا أشكل على الشيخ في آية التعاون بأنها لا تشمل مَن يتعاون مع نفسه لعمل الحرام(2).

الثانية: إن الإتلاف ليس حسناً، بل قبيح لكن فاعله معذور.

وبعبارة أخرى: لا تلازم بين الحسن الفاعلي والحسن الفعلي، فقد يجتمعان، كمن يصلي قربة إلى اللّه، وقد يكون حسن فعلي لا فاعلي، كالتصدق للفقير بقصد الرياء، وكرفع الأذى عن الطريق للشهرة، وقد يكون حسن فاعلي لا فعلي، كقتل المؤمن في ساحة الحرب بظن أنه عدو.

فقوله: «فإن الإتلاف المقصود به دفع الضرر عن النفس أو المال حسن»(3) محل تأمل، فليس الإتلاف حسناً وإن كانت نية الفاعل حسنة، وليس

ص: 98


1- كتاب الغصب: 38.
2- كتاب المكاسب 1: 132 و 136.
3- كتاب الغصب: 38.

الكلام في كون النية موجبة للضمان أم لا، وإنما الفعل وهو ليس بحسن.

خامساً: ما ذكره أيضاً(1): من أن الضمان ينافي حكمة الإذن الشرعي،فقد أجاز الشارع الإقدام على العمل بحديث الرفع فكيف يشرع الضمان عليه؟

وفيه نظر: فإن المنافاة إنما هو بين الإحكام التكليفية؛ لاستحالة اجتماع الضدين، ولا منافاة بين الحكم التكليفي والوضعي، فالأول يرفع الحرمة والثاني يثبت الضمان، وإلّا لم يكن قابلاً للاستثناء؛ لأن التنافي إنما هو بحكم العقل وهو غير قابل للتخصيص، وأمّا المنافاة بحكم الشرع فلا دليل عليه.

وبعبارة أخرى: الحكمة من إذن الشارع هو رفع الضرر عن النفس، وهي تجتمع مع الحكم بالضمان، بل هو مقتضى حكم العقل؛ لأنه جمع بين الحقين، وقد ثبت في نظائره كأكل المخمصة(2)، وإنقاذ السفينة بإلقاء متاع الناس في البحر(3).

والحاصل: إن الأدلة المذكورة لعدم ضمان المكرَه وثبوت الضمان على المكرِه غير تامة إلّا الإجماع، وفي حديث الرفع الكلام مبنوي.

ثم إنه قد يدل نص خاص على خلاف القاعدة فيلزم التمسك به بعد فرض اعتباره، كما مرّ في الملجأ وكذا الظئر(4)، حيث فصل النص بينكون

ص: 99


1- كتاب الغصب: 38.
2- الدروس الشرعيّة 3: 77؛ الأقطاب الفقهية: 129؛ الروضة البهيّة 5: 452-453.
3- الخلاف 5: 275؛ شرائع الإسلام 4: 1028؛ إرشاد الأذهان 2: 197.
4- تهذيب الأحكام 10: 222؛ وسائل الشيعة 29: 265، خبر محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر(علیه السلام): «أيما ظِئر قوم قتلت صبيّاً لهم وهي نائمة فانقلبت عليه فقتلته فإن عليها الدية من مالها خاصة إن كانت إنما ظاءرت طلباً للعز والفخر، وإن كانت إنما ظاءرت من الفقر فإن الدية على عاقلتها».

عملها نابعاً عن فقرها وحاجتها فالضمان على عاقلتها، وبين ما لو كان عملها للفخر فالضمان عليها، مع أن القتل صدر خطأ وعن حركة غير إرادية في الصورتين، هذا بناءً على قبول النص لكن لم يفتِ به جمع من الفقهاء.

سادساً: ذهب صاحب الرياض(1) إلى أن مقتضى القاعدة في الإكراه - لولا الإجماع - هو ثبوت حق الرجوع إلى كليهما، واستقرار الضمان على المكرِه، وتبعه صاحب الجواهر(2)، بل ارتقى إلى أنه - لولا الإجماع - لكان الضمان على المكرَه، خاصة في ما لو كان النفع عائداً إليه، كما لو أكرهه على أكل الطعام، وأمّا المكرِه فقد ارتكب الحرام فقط.

وفيه نظر: بل مقتضى القاعدة ما ذهب إليه المجمعين، فالإجماع نابع عنها، فيكون معلوم الاستناد، أولاً: لحديث الرفع على المبنى، وثانياً: لكون السبب أقوى من المباشر، وكلما كان كذلك لم يكن الضمان على المباشر، كما هو المستفاد من مختلف الروايات، ولو كان الأمر كما ذكره صاحب الجواهر(3) لم يصح رفع اليد عن القاعدة لكون الإجماعمدركيّاً، فلا حجية فيه على مبنى كثير من الأصوليين(4).

ثم إن في الإكراه على التلف مسائل، منها:

المسألة الأولى: توهم الإكراه

لو توهم الإكراه، كما لو أكره الحاكم الأول على الإتلاف فتوهم الثاني أن

ص: 100


1- رياض المسائل 12: 266.
2- جواهر الكلام 37: 58.
3- جواهر الكلام 37: 58.
4- فوائد الأصول 1: 259.

الخطاب له فأتلف مال الغير، فالضمان عليه لا على الحاكم؛ لعدم تحقق الإكراه بالنسبة إليه، والحكم متعلق بالموضوع الواقعي لا التخيلي.

إن قلت: إن خوف الضرر مسوّغ لترك الصوم، وهذا دال على أن الشيء بوجوده الوهمي أيضاً منشأ للحكم حتى الاحتمال الضعيف.

قلنا: إنه تابع للنص الخاص، ولولاه لم يكن الوجود المتوهم رافعاً للحكم، أو يقال: إن موضوع الحكم في الصوم هو الخوف وهو يتحقق حتى مع عدم وجود ضرر واقعي، وليس كذلك ما نحن فيه، فالحكم يرتبط بالإكراه لا بتوهمه.

المسألة الثانية: الجهل بالإكراه

ولو انعكس الفرض بأن كان مكرَهاً واقعاً لكنه لم يعلم، كما لو أكرهه الحاكم فلم يلتفت، فأتلف المال لعداوة بينهما مثلاً، كان الضمان عليه دون الحاكم؛ لعدم صدق الإكراه عرفاً. بالإضافة إلى أنه لا يطلق علىالحاكم السبب.

المسألة الثالثة: سبب السبب

ولو كان الإكراه من سبب السبب فلا ضمان على المباشر، فهل الضمان على السبب الأول أو الثاني؟ مثلاً: لو أمر الحاكم وزيره بإتلاف المال، فأمر الوزير شخصاً بذلك بحيث لو لم يفعل لأضره ضرراً كبيراً ففعل، وكذلك لو تعددت الأسباب بشكل طولي، كان الحاكم هو الضامن، لأنه الأقوى.

ومع عدم كون السبب الأول أقوى فلا ضمان عليه، كما لو اقترح شخص على الحاكم مصادرة مال زيد، فإن المقترح ليس بأقوى من الحاكم، فلا ضمان عليه، بل ارتكب معصية.

ص: 101

والحاصل: إن الضمان تابع لاستناد الفعل ولا يسند إلّا إلى الأقوى.

المسألة الرابعة: إكراه المجنون والصبي

لو أكره الصبي والمجنون على إتلاف مال الغير فإن مباحثه ترتبط بغير هذا الكتاب، وإنما نذكرها هنا تبعاً للأعلام.

أمّا المجنون فلو هدّده إن لم يتلف، فأتلف قيل: إن الضمان على السبب؛ وذلك لعدم توفر القوة العاقلة فيه حتى يُميّز فهو بحكم الآلة.

ولا يخفى أن الجنون درجات، والحكم يختلف باختلافه شدة وضعفاً، فلو صدق الإكراه كان المكرِه ضامناً.

وأمّا الصبي فقد يكون مميزاً وقد لا يكون، والثاني بحكم الآلة.والتمييز أمر مشكك يختلف باختلاف مداركه تجاه الأشياء. فلو لم يكن مميزاً بالنسبة إلى ملك الغير، فلم يدرك عدم حقه في إتلافه فأكرهه على التلف فلا شك في كون المكرِه ضامناً، وفي إكراه المميز أيضاً الضمان على المكرِه.

وهنا يأتي الكلام في ما لا يريد الشارع تحققه في الخارج مع قطع النظر عن الفاعل - بنحو اسم المصدر - كالقتل، حيث يلزم منع الصبي وإن لم يكن مكلفاً، ولو فعل يتم تأديبه، وأمّا ما لا يعلم إرادة الشارع له كذلك فلا يلزم منع الصبي عنه، كما أفتى الفقهاء(1) بعدم لزوم منع الصبي عن أكل المتنجس، بل جواز إطعامه له.

وإتلاف مال الغير من قبيل الأول، فلا بد من منع الصبي حتى غير المميّز عنه، فلو علّمه السرقة فسرق من دون إكراهه كان الضمان على الطفل، فإنه وإن كان مأموراً لكنه اندفع من نفسه مع إمكانه الامتناع، ويكون الضمان في

ص: 102


1- مصباح الفقاهة 1: 217.

ماله في الأموال، وعلى العاقلة في الجرح والقتل؛ لكون عمد الصبي خطأ تحمّله العاقلة، فإنه مميّز ولا إكراه في البين.

ويحتمل كون الضمان على الآمر مطلقاً، أمّا مع الإكراه فواضح؛ لأنه كالبالغ، وأمّا مع عدم الإكراه فلرفع القلم عن الصبي.وهو محل تأمل؛ وذلك لشمول أدلة الضمان له وهو حكم وضعي، والمباشر أقوى.

وأمّا حديث رفع القلم فالمشهور(1) أنه قلم التكليف لا الوضع، ومع القول بكونه يشمل الوضع أيضاً فبين دليل الضمان ودليل رفع القلم عموم من وجه. فدليل الضمان يشمل الصبي وغيره، ودليل الرفع يشمل الضمان وغيره، ويتعارضان في ضمان الصبي، فالقائل برفع الضمان عن الصبي يتمسك بحكومة دليل الرفع على دليل الضمان؛ لأنه ناظر إليه، فدليل الضمان يثبت الأحكام وحديث الرفع ناظر إليها فيرفعها.

وقد يقال: إن في الحكومة نظر؛ إذ يحتمل أن تكون حكومة ظاهرية، فلا ترفع الحكم الواقعي.

لكن الأقرب تمامية الحكومة، وتنقيح الكلام في الأصول.

فتحصل أنه: إن لم يتم إكراه الصبي المميز كان هو الأقوى فيضمن في ماله أو عاقلته، ومع كون الآمر أقوى فالضمان عليه.

القسم الثالث: المباشر المغرور

وفيه مسائل متعددة، منها: تغرير المالك بإتلاف ماله، قال في الشرائع: «ولو غصب مأكولاً فأطعمه المالك، أو شاة فاستدعاه ذبحها مع جهل

ص: 103


1- مستند الشيعة 10: 336؛ بحر الفوائد 2: 31؛ شرح تبصرة المتعلمين 2: 184.

المالك ضمن الغاصب»(1).

وقال في القواعد: «وكذا لو أودعه المالك أو آجره إياه»(2) في ما لو أتلف. وقد أشرنا إلى هذه المسألة سابقاً، ولكن الآن نتعرض إلى بيان أدلتها.

وحاصل المسألة: إن الغاصب لو أرجع العين المغصوبة إلى مالكها لا بعنوان أنها ملكه، بل بعنوان آخر كما لو غصب طعاماً منه ثم دعاه للضيافة وأطعمه المغصوب، أو غصب شاة ثم طلب من مالكها - وهو قصاب - أن يذبحها فذبحها جاهلاً بأنها له مما قلّت قيمتها، فهل يضمن الغاصب أم لا باعتبار تحقق التلف أو نقصان القيمة بيد المالك؟

الظاهر أنه ضامن؛ لأن التلف الحاصل إنما هو بيد المالك مغروراً، فيكون الضمان على عهدة الغار؛ لأن المغرور يرجع إلى من غرّه، وقد غُرّ في تقديم ماله إليه؛ لأن تصرف الناس في ملكهم يختلف عن التصرف في ما يباح لهم - عادة - .

ويدل على ذلك أيضاً أن ظاهر: (حتى تؤدّي) الأداء الكامل بحيث يحق للمالك أن يتصرف فيه بجميع أنواع تصرفات المالك في ملكه، ولا يكون ذلك إلّا مع علمه بسلطنته الكاملة، وليس المقام كذلك، حيث ظاهره إباحة الأكل فقط، فلا يحق له البيع وما أشبه، فلا يكون إرجاعاًللسلطنة التامة، فلا يصدق (حتى تؤدّي).

ثم إن صاحب مفتاح الكرامة ذهب إلى عدم الضمان في ما لو أرجعه مع كامل السلطنة، لكن لا بعنوان أنه ملكه كما لو أهداه إياه؛ وذلك لجريان

ص: 104


1- شرائع الإسلام 4: 768.
2- قواعد الأحكام 2: 225.

(حتى تؤدّي) حيث أدّى العين والسلطنة التامة، قال: «لأنه قد تسلّمه تسلّماً تامّاً فسقط حقه، وزالت يد الغاصب عنه بالكليّة»(1).

وما ذكره تام، لكن لا بد من تقييد إطلاقه بما لو اتّحدت كيفية تصرفه في ماله وفي ما يهدى إليه، وأمّا لو كان يحتاط في التصرف في ماله دون ما أهدي إليه، كما هو عادة بعض الفقراء، فيجري فيه دليل الغرور.

وقد مثل السيد الوالد في الفقه(2) مثالاً لبيان أصل المطلب، وهو: إنه لو أشرفت السفينة على الغرق فاضطروا إلى إلقاء الأمتعة في البحر فلم يقبل أحد الركاب أن يلقي متاعه، فأعطاه آخر متاعه بعنوان أنه له فألقاه بيده، ولو علم أنه ملكه لم يلقه.

فهنا يحتمل عدم الضمان؛ لعدم احترام ماله؛ وذلك لقاعدة الأهم والمهم، فالأمر دائر بين تلف المال وتلف النفوس، وقد حكم الشارع بإنقاذ النفس ولو بإتلاف المال، فيجب إلقاء المال، فلو كان المُلقي غير المالك لم يكن هنالك ضمان، فكيف بما إذا ألقاه المالك بيده؟

والحاصل: إن الشارع جوّز الإتلاف مما يلازمه عرفاً عدم الضمان.إن قلت: إن الشارع ضمّن الآكل في المخمصة(3) مع أنه أكله بحكمه، فما هو الفرق بين المقامين؟

قلت: كلا الحكمين في المقامين حسب القواعد، أمّا في السفينة فالإتلاف بأمر الشارع، ومعناه عدم احترام ماله فلا ضمان، وأمّا في

ص: 105


1- مفتاح الكرامة 18: 103.
2- الفقه 78: 307.
3- الدروس الشرعيّة 3: 77؛ الأقطاب الفقهية: 129؛ الروضة البهيّة 5: 452-453.

المخمصة فلم يحكم الشارع بالإتلاف، بل أجاز تصرفاً معيّناً وهو الأكل فقط، وليس معناه عدم احترام ماله، كما لو دعا شخصاً للأكل فليس معناه عدم احترام ماله، فلا يجوز للضيف أن يتلفه كأن ينجسه، بل يحق له الأكل فقط، فلو نجسه ضمن؛ لأن الإباحة تصرف في الأكل لا في الإتلاف، فتجري فيه أدلة الضمان بخلاف السفينة(1).

ويدل على عدم الضمان أيضاً قوله تعالى: {مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ}(2)، فإن المُلقي محسن، وقد مرّ أنها مطلقة تشمل الضمان أيضاً.

وأمّا في المخمصة فإنقاذ النفس لا تشمله الآية، فإن ظاهر الإحسان هو إلى الغير، وعلى فرض الشمول فهي منصرفة عن مثله، ولذا الواسطة بين مالك الطعام والمشرف على الهلاك محسن غير ضامن.

فرع: إهداء المغصوب

ولو(3) أهدى الغاصب ما غصبه إلى شخص ثالث أو أباح له، فتصرف فيه، حق للمالك الرجوع إلى أيهما شاء، أمّا الغاصب فواضح، وأمّا الثالث فإن عدم علمه رافع للعقوبة لا للضمان.

ولو رجع المالك إلى الثالث حق له الرجوع إلى الغاصب مع أنه هو الذي أتلفه؛ لأنه مغرور، حيث قدّمه له على أنه مباح له من دون ضمان، فإن مقتضى

ص: 106


1- أقول: لا فارق بين المقامين، بل في كليهما أجاز الشارع نوعاً معيناً من التصرف، ففي المخمصة أجاز الإتلاف بالأكل، وفي السفينة أجاز الإتلاف بالإلقاء، وفي كليهما لم يجز نوعاً آخر من التصرف، ففي المخمصة لم يجز التنجيس، وفي السفينة لم يجز التمزيق، فلو مزق متاع غيره من دون أن يلقيه في البحر بما لم يحقق الغرض كان ضامناً (المقرر).
2- سورة التوبة، الآية: 91.
3- الفقه 78: 307.

الهبة عدمه، ولو علم بالغصبية أو لزوم إعطاء مال في مقابله لم يتصرف فيه.

فرع: الدس في ملك المالك

ولو(1) دسّ الغاصب ما غصبه في ملك المالك من دون علمه، كما يتعارف اليوم في الحسابات البنكية، لم يكن هنالك وجه للضمان لصدق (حتى تؤدّي)؛ لأنه أعاد العين والسلطنة الكاملة، وعلم المالك وعدم علمه لا يضر بالصدق، فإن الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية لا العلميّة.

ويؤيّده رواية الزهري: عن السجاد(علیه السلام) في ولي الدم الممتنع عن استلام الدية فأمر الأمام(علیه السلام) القاتل بإلقائها في بيته وقت الصلاة(2)، كما مرّ سابقاً.ويشكل(3) عليه بأنه ليس من مصاديق الد

س؛ لعلمه بعدم كونه ماله عادة، فلا يكون إرجاعاً للسلطنة الكاملة، فالرواية دالة على براءة الذمة حتى لو علم بأنه ليس ماله، وإنما هدية مثلاً.

وأجيب عنه: أولاً: بأنه كان يعلم أنه دية.

وفيه: إن علمه بكونه دية خلاف الظاهر، فإنه لو كان يعلم بها ومع ذلك قبلها لما امتنع من أخذها من قبل، أو لأرجعها بعد الإلقاء(4).

ص: 107


1- الفقه 78: 308.
2- تهذيب الأحكام 8: 324؛ وسائل الشيعة 22: 399، معتبرة أبي بكر الحضرمي قال: «قلت لأبي عبد اللّه(علیه السلام): رجل قتل رجلاً متعمداً، قال: جزاؤه جهنم، قال: قلت له: هل له توبة؟ قال: نعم، يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكيناً ويعتق رقبة ويؤدّي ديته، قال: قلت: لا يقبلون منه الدية؟ قال: يتزوج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها، قال: قلت: لا يقبلون منه ولا يزوجونه، قال: يصره صرراً يرمي بها في دارهم».
3- الفقه 78: 308.
4- وفيه نظر: حيث لا تلازم بين الأمرين، فكثيراً ما يمتنع الإنسان عن أخذ حقه، ولكن بعد الإصرار أو الإيصال قهراً - كالإلقاء - يقبله ولا يرجعه (المقرر).

وثانياً: إنه حكم ولائي.

وفيه: إنه أيضاً خلاف الظاهر؛ لأن الإمام(علیه السلام) في مقام بيان الحكم الشرعي.

فالوجه في سقوط الدية بذلك هو التهاتر القهري، فإن تصرف ولي الدم في المال المُلقى تصرف في مال الغير؛ لعلمه بأنه ليس له، فيكون ضامناً له، فيسقط حقه في الدية بالتهاتر، فتأمل.

البحث السادس: لو تصرف في ملكه فأضرّ بالغير

قال في الشرائع: «لو أرسل في ملكه ماءً فأغرق مال غيره، أو أجج ناراً فيه فأحرق لم يضمن ما لم يتجاوز قدر حاجته اختياراً، مع علمه أو غلبةظنه أن ذلك موجب للتعدي إلى الإضرار»(1).

والكلام في مقامين:

المقام الأول: لا يوجد ضرر على المالك في عدم تصرفه في ملكه، فقد يقال: بجواز تصرفه في ملكه وعدم ضمانه ضرر الغير، ولكن بشرطين:

الأول: أن لا يتجاوز قدر حاجته اختياراً، كما لو أشعل النار في التنور للخبز، فإن تجاوز حاجته ضمن.

الثاني: عدم العلم بالتعدي، فمع العلم أو الظن ضمن، كما لو أشعل النار في مهب الريح.

وأشكل السيد الوالد في الفقه(2) على إطلاق الشرط الأول، وجعل المناط في الضمان استناد التلف إليه عرفاً ولو كان بمقدار حاجته؛ لأنه من مصاديق: «مَن أتلف مال الغير» ولا مخصص، فلا فرق بين التعدي وعدمه،

ص: 108


1- شرائع الإسلام 4: 763.
2- الفقه 78: 140.

وبين التجاوز عن مقدار الحاجة وعدمه.

وكذلك الحال في الشرط الثاني حيث يحكم بالضمان حتى مع الشك، بل الوهم مع استناد التلف إليه عرفاً، فلا فرق بين العلم والظن والشك، بل الاحتمال.

نعم، قد يكون للعلم والجهل المدخليّة في الاستناد، فلا ننفي كلامهبشكل مطلق.

إن قلت: إن أدلة السلطنة تثبت سلطنة الإنسان على ملكه بشرط إذن الشارع له في التصرف مع عدم التفريط(1)، فلا بد من نفي الضمان عنه.

قلت: إن في المقام دليلين: دليل السلطنة حيث ينفي الضمان بالدلالة الالتزامية، ودليل الإتلاف حيث يثبت الضمان، والثاني حاكم على الأول.

إن قلت: لم يرد عندنا «مَن أتلف مال الغير فهو له ضامن» فلا يصح الاستدلال به ليكون حاكماً على دليل السلطنة. نعم، ورد عن طريق العامّة ولا يصح الاستناد به.

قلت: لا ينحصر الدليل فيه، ومفاده ثابت في الروايات(2). هذا أولاً.

وثانياً: وإن لم يرد هذا النص في المجاميع الروائية لكنه ورد في الكتب الفقهية(3) واستندوا إليه، فيجر ضعفه به، وقد مرّ عدم الفرق بين ورود الرواية في المجاميع الروائية والكتب الفقهية، بل ذكره في كتب الفقه والاستدلال به

ص: 109


1- لأن الشارع لم يأذن بجميع التصرفات، كارتكاب الحرام وإتلاف المال العظيم؛ لأنه من مصاديق الإسراف، كما لم يأذن بالتفريط كما لو أوجب تفريطه ضرر الغير (المقرر).
2- وسائل الشيعة 27: 327.
3- جواهر الكلام 28: 89 و 31: 130؛ حاشية المكاسب، للهمداني: 59؛ حاشية المكاسب، لليزدي 1: 99؛ منية الطالب 1: 263.

دليل اعتباره عندنا، ووروده عن طرقنا.

إن قلت: ورد في الروايات: «البئر جبار»(1)، وفسر في بعضالروايات الجبار الذي لا دية فيه ولا قود(2)، فلا ضمان.

قلت: إنه وإن كان مطلقاً لكن ورد أيضاً الضمان في حفر البئر في غير الملك(3)، وثبت أيضاً الضمان في مسبب التلف، فمقتضى الجمع بينها كون البئر جباراً في ما لو لم يسند التلف إليه.

أقول: إن لم يكن عدم تصرف المالك في ملكه ضرراً عليه ولا عدم نفع له فالأقوى عدم جواز تصرف المالك؛ وذلك لأن دليل لا ضرر حاكم على قاعدة السلطنة لكونه عنواناً ثانويّاً ناظراً، وكون قاعدة السلطنة عنواناً أوليّاً منظور إليه، ويترتّب على ذلك ضمان المالك مطلقاً لجريان دليل الضمان من غير معارض.

المقام الثاني: إن كان في عدم تصرف المالك ضرر عليه، أو عدم نفع - بما يرجع إلى الضرر أيّ في مورد يكون مقتضي النفع موجوداً لولا المانع - .

فقد يقال: بأنه يتعارض (لا ضرر) من الجانبين فيتساقطان فتجريقاعدة السلطنة من دون معارض.

ص: 110


1- الكافي 7: 377.
2- معاني الأخبار 2: 303؛ وسائل الشيعة 29: 272، معتبرة عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن آبائه قال: «قال رسول اللّه|: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس، والجبار: الهدر الذي لا دية فيه ولا قود».
3- الكافي 7: 350؛ وسائل الشيعة 29: 141، خبر زرارة، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «قلت له: رجل حفر بئراً في غير ملكه فمر عليها رجل فوقع فيها، قال: فقال: عليه الضمان؛ لأن كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان».

وأشكل عليه بإشكالات، منها:

الإشكال الأول: ما ذكره السيد الوالد في الفقه(1): بأن قاعدة السلطنة أيضاً تسقط للتعارض؛ وذلك لأن (الناس مسلطون) له عقد إيجابي وهو جواز التصرف في الملك، وله عقد سلبي يفهم بدلالة الاقتضاء وهو حق منع الغير في ما لو زاحم سلطنة المالك، وإلّا لم تكن سلطنة والعقد الإيجابي يجري في من يريد التصرف، والعقد السلبي يجري في الجار حيث أجيز له منعه، فيتعارضان ويتساقطان، فلا تجري قاعدة السلطنة أيضاً.

فإن قيل: إن صحة كلام المولى في العقد الإيجابي يغني عن دلالة الاقتضاء، فيكون الكلام ساكتاً عن العقد السلبي.

قلنا: سلّمنا عدم تمامية مفاد العقد السلبي بدلالة الاقتضاء، إلّا أن العرف يفهم من (الناس مسلطون) الشرطية، ومفادها: إن منع المالك مانع جاز له منعه.

وإن أبيت عن ذلك فيمكن إثبات العقد السلبي عن طريق ثالث، وهو إن (الناس مسلطون) مطلق يشمل الدفاع عن نفس السلطة، فمن مصاديق السلطنة على المال هو التسلط على منع الغير في ما لو أراد تقييدها.والحاصل: تتعارض سلطنة المالك في جواز التصرف مع سلطنة غيره في منعه عن التصرف فيتساقطان(2).

ص: 111


1- راجع الفقه 78: 151.
2- قد يقال بعدم التعارض؛ وذلك لصحة التفكيك بين الحكمين، فيحق للأول التصرف كما يحق للثاني منعه، كما هو الحال في موارد كثيرة، فإن التفكيك جارٍ في الفقه في مقام الإثبات من أوله إلى آخره، كما في الحكم بصحة البيع المعاطاتي للبائع دون المشتري على فرض اختلافهما تقليداً في ذلك، مع أن العقد الواحد لا يتبعض، وكما في الصلاة في موضع مشكوك تماماً عند الخروج من الوطن وقصراً عند الرجوع، مع قطع النظر عن المخالفة القطعية العملية للعلم الإجمالي، وكذا الحكم ببقاء نجاسة الثوب المتنجس بعد غسله بالماء المشكوك الكرية مع الحكم بطهارة الماء بعد الغسل (المقرر).

فلا بد من الرجوع إلى الأصول العامة، ومقتضى القاعدة جواز التصرف في الملك لأصالة الحلية، ويلزم تدارك ضرر الغير بأدلة الضمان، وهو مقتضى الجمع بين الأدلة.

الإشكال الثاني: ما ذكره المحقق النائيني(1)، من أن لا ضرر يستلزم حرمة تصرف المالك في ماله وهذه الحرمة لا يمكن رفعها ب-(لا ضرر) لأن نفي الحرمة تعني عدم جريان (لا ضرر) وهذا يقتضي أن يلزم من وجود القاعدة عدمها، فلا تعارض بين الضررين.

وفيه: أن لا ضرر كما ينفي الأحكام الضررية المحققة كذلك ينفي الأحكام الضررية المقدرة، فلا محذور في أن يشمل أحد أفراد لا ضرر حكماً ضررياً ناشئاً عن فرد آخر، لانحلال نفي الضرر إلى أفراد متعددة بعدد الأفراد الضررية، فتأمل.ثم إنه لا بد وأن يكون متعلّق السلطنة غير متعارف حتى يرفع بلا ضرر، وأمّا السلطنة المتعارَفة فلا يعلم رفعه، كما لو كان زرعه للأشجار في داره يمنع نور الشمس عن جاره، وبناء الدار يضر بالجار، وإقامة المجلس الأسبوعي يسبب ازدحام المنطقة، فإن (لا ضرر) منصرف عنه.

وقد ذكرنا تفصيل البحث في نبراس الأصول، فراجع(2).

ص: 112


1- منية الطالب 3: 428-429.
2- نبراس الأصول 4: 426-431.

البحث السابع: الإلقاء في المسبعة

اشارة

ثم إن من فروع مسألة التسبب وإيجابها للضمان ما ذكره في الشرائع، حيث قال: «لو ألقى صبياً في مسبعة، أو حيواناً يضعف عن الفرار ضمن لو قتله السبع»(1).

ومقتضى القاعدة أنه لو كان سبباً للتلف ضمن، سواء كان المُلقى كبيراً أم صغيراً حرا أم عبداً؛ لأن السبب موجب للضمان وهو أقوى من المباشر.

ولمعرفة كلمات الفقهاء وأقوالهم نقسم البحث إلى أقسام:

الأول: إلقاء الصغير

قال الشيخ في المبسوط(2): لو كان الصبي حراً فألقاه في المسبعة لم يضمن؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد.لكن نقل عنه المسالك القول بالضمان(3)، إلّا أن الأول هو المعروف عنه.

وفيه تأمل؛ لما مرّ من ترتب اليد على الحر، وعلى فرض التسليم فإن أدلة الضمان لا تنحصر في اليد، فمباشرة الإتلاف موجب للضمان أيضاً وكذلك السببية، فلو أتلف مال الغير من دون ترتب يده عليه - كما لو رمى حجراً فكسر كوزاً - ضمن، وما نحن فيه كذلك.

وقد تصدى المحقق الرشتي(4) للدفاع عن الشيخ بأن نظره إلى صورة ما لم تحصل به السببية.

ص: 113


1- شرائع الإسلام 4: 763.
2- المبسوط 3: 105؛ جواهر الكلام 37: 62.
3- المبسوط 7: 18؛ مسالك الأفهام 12: 168.
4- كتاب الغصب: 48.

وفيه نظر؛ لصراحة العلّة المذكورة في المبسوط من دون التطرق إلى صورة عدم التسبيب؛ ولذا أشكل عليه المشهور(1).

وعلى فرض كون مراده ذلك ففيه نظر أيضاً، فإن ملقي الصغير في المسبعة سبب للتلف، وهو أقوى من المباشر.

فرع: النقل إلى المضيعة

وقد تطرق العلامة إلى فرع آخر وهو: «لو نقل صبياً إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه فلا ضمان عليه، إحالة للهلاك على اختيار الحيوان ومباشرته، ولم يقصد الناقل بالنقل ذلك، وفيه إشكال. أمّا لو نقل إلى مسبعة فافترسهسبع وجب الضمان»(2).

ففرق بين المسبعة والمضيعة، حيث يتحقق قصد التلف في الأول بخلاف الثاني حيث يحصل اتفاقاً.

وفيه نظر: فقد مرّ سابقاً أن التسبيب أعم من القصد؛ ولذا يضمن النائم والظئر مع عدم القصد(3)، فلا مدخلية له في الضمان، بل الملاك صدق التسبيب وأقوائية المسبب.

وعليه كما يضمن في إلقاء الطفل في المسبعة كذلك يضمن في نقله إلى مضيعة، لكونه سبباً في الصورتين، بل في المضيعة الموت محقق للجوع والعطش والخوف وما أشبه مع ضعف احتمال الإنقاذ، فلا فرق بين هلاكه بها أو

ص: 114


1- جواهر الكلام 37: 62.
2- تذكرة الفقهاء 2: 376.
3- الجامع للشرائع: 583؛ مختلف الشيعة 9: 344؛ كتاب الغصب، للرشتي: 37؛ جامع المدارك 6: 189.

بالحيوان اتفاقاً، فالقول بعدم الضمان محل نظر؛ ولذا قال في جامع المقاصد: «فإن إلقاءه في المضيعة أقرب إلى توقع علة الهلاك من هذه الأخيرة»(1).

وأمّا قوله: «إحالة للهلاك» ففيه نظر أيضاً، حيث لا ينكر مباشرة الحيوان، وإنما الكلام في كون السبب أقوى؛ ولذا لو أرسل كلبه ليقتله كان ضامناً، فمباشرة الحيوان واختياره لا يسبب كون المباشر أقوى.وقد أفتى العلامة(2) بالضمان في ما لو دعا شخصاً إلى بيته فافترسه كلبه، مع عدم القصد والتوقع وإنما حصل ذلك اتفاقاً؛ وذلك لكون السبب أقوى من المباشر، وورد في ذلك النص(3) أيضاً.

فرع: الإلقاء في المخوفة

لو ألقاه في مخوفة فمات خوفاً ضمن وذلك للتسبيب.

وأما الاستدلال له بقضية خالد حيث أعطى الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) مالاً لروعة نسائهم وفزع صبيانهم(4).

ص: 115


1- جامع المقاصد 6: 224.
2- تحرير الأحكام 5: 546.
3- الكافي 7: 351؛ وسائل الشيعة 29: 254، خبر علي بن إبراهيم بأسناده، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «سألته قلت: جعلت فداك رجل دخل دار رجل فوثب كلب عليه في الدار فعقره؟ فقال: إن كان دعي فعلى أهل الدار أرش الخدش، وإن كان لم يدع فدخل فلا شيء عليهم».
4- أمالي الصدوق: 283؛ بحار الأنوار 21: 142، صحيحة محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر(علیه السلام) قال: «بعث رسول اللّه| خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم: بنو المصطلق من بني جذيمة، وكان بينهم وبينه وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية... قال: يا علي، أخبرني بما صنعت، فقال: يا رسول اللّه، عمدت فأعطيت لكل دم دية، ولكل جنين غرة، ولكل مالٍ مالاً، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون ولما لا يعلمون...».

ففيه نظر؛ لأن الخوف لم يكن سبباً للتلف، ومجرد كونه حراماً لا يوجب الضمان، وما فعله علي(علیه السلام) لم يكن واجباً شرعياً وإنما قضية أخلاقية؛ ولذا دفع مالاً ليرضوا عن رسول اللّه.

الثاني: إلقاء الكبير في المسبعة

فقد ذهب المشهور إلى عدم الضمان(1)، لكن لا يمكن التسليم به بإطلاقه؛ لما مرّ من ثبوت الضمان على السبب، ولا شك في كون الملقي سبباً.

نعم، لو أمكنه الدفاع وإنقاذ نفسه فأهمل لم يضمن؛ لكون السبب أضعف، وربما نظر المشهور إلى هذه الصورة.

ولو شك في كون التلف بسبب تقصيره أم لا، فإن كانت هنالك قرائن موجبة للاطمينان على أحد الطرفين أخذ بها، وإلّا فالأصل عدم التسبيب وأثره عدم الضمان.

ويحتمل الانتقال إلى الأصل المسببي؛ وذلك لأن أصل التسبيب مسلّم وإنما الكلام في قوته وضعفه، فالشك في التسبيب الموجب للضمان، فإن كان قوياً ضمن وإلّا فلا، فيكون الشك بين المتباينين، فلا يجري الأصل في أحدهما، بل يتساقطان بالمعارضة، فتصل النوبة إلى الأصل المسببي وهو عدم الضمان.

البحث الثامن: الطريق إلى معرفة الأقوى

وبعد تمامية كون الضمان على مَن ينسب ويسند إليه الفعل، سواء كان مباشراً أم سبباً، وأنه لو اجتمع المباشر والسبب كان الضمان على الأقوى منهما، لا بد من معرفة كيفية تشخيص الأقوى عن الأضعف.

ص: 116


1- مسالك الأفهام 12: 168؛ مفتاح الكرامة 18: 55؛ جواهر الكلام 37: 63.

وحيث لا دليل خاص في المقام فلا بد من استنباطه من الأدلة العامة، ومنها: «من أتلف مال الغير» والإتلاف موضوع لم يتم تحديده من قبل الشارع، فيؤخذ من العرف، فمَن أسند إليه الفعل هو الأقوى عرفاً، وما يشخصه العرف تابع لارتكازه.

وقد تصدى المحقق الرشتي لبيان المرتكز العرفي في قالب قاعدة فقهية، ولا بأس به لكن لا ندور مداره، فلو اختلف ما ذكره مع الفهم العرفي كان الثاني هو الملاك.

قال: «ميزان قوّة المباشرة صدور الإتلاف مع القصد إلى كونه إتلافاً ومع الاختيار، فلو انتفى أحد الأمرين كانت المباشرة ضعيفة من غير فرق في حال النوم وغيره، فيضمن ولو مع السبب، وإلّا كان مناط الضعف اقتران الإتلاف بالإذن الشّرعي والرخصة الشرعيّة»(1).

فملاك القوة اجتماع قيود ثلاثة: هي المباشرة والقصد والاختيار، والظاهر تماميته وانطباقه على المرتكز العرف.

وأمّا ملاك الضعف فهو تحقق الإتلاف بالإذن الشرعي، فلو كان المباشر للإتلاف مأذوناً والسبب غير مأذون كان المباشر أضعف، وعكسه في عكسه.

لكنه محل تأمل لوجهين:الأول: تهافته مع ملاك الأقوى في عقد السلب، حيث إنه لو لم يكن مباشراً أو لم يكن قاصداً أو لم يكن مختاراً كان ضعيفاً، ففقدان أحد الثلاثة موجب للضعف، فأخذ ميزان الضعف شيئاً آخر تهافت.

ص: 117


1- كتاب الغصب: 37.

الثاني: عدم اطّراد ميزان الضعف، حيث قد يكون إذن شرعي ومع ذلك يثبت الضمان، كما في أكل المخمصة(1) وعلاج الطبيب(2)، فلو كان الأول جائعاً مما أجاز له الشرع الأكل من ملك الغير بلا إذنه، فجاء الثاني وقدّم له طعام الغير كان المباشر مأذوناً والسبب غير مأذون - فرضاً - فهنا تحقق الإتلاف من المباشر بإذن شرعي ومن السبب بلا إذن، ومع ذلك فالمباشر ضامن.

البحث التاسع: تساوي المباشر والسبب

لو تساوى المباشر والسبب(3) عرفاً كان مقتضى القاعدة ضمانهما؛ لاستناد الفعل إليهما، كما هو الحال في المباشرين كما لو رميا معاً، والسببين كما لو أرسلا كلب الصيد.

نعم، لو قام الدليل على ضمان أحدهما دون الأخر كان هو المتبع، كما لو حبسه أحدهما فقتله الآخر(4)، حيث فرّق الشارع في الحكمفحكم بحبس الأول وقصاص الثاني.

وأمّا لو قتلاه معذورين بظن كونه مهدور الدم، فلولا جعل الدية على المباشر كان مقتضى القاعدة جعلها عليهما؛ لعدم وجود أقوى في البين عرفاً، بل ينسب الفعل إليهما معا(5).

ص: 118


1- الدروس الشرعيّة 3: 77؛ الأقطاب الفقهية: 129؛ الروضة البهيّة 5: 452-453.
2- شرائع الإسلام 4: 1019؛ تذكرة الفقهاء 2: 319.
3- إرشاد الأذهان 2: 196؛ غاية المراد 4: 312؛ مجمع الفائدة والبرهان 13: 394.
4- الكافي 7: 287؛ وسائل الشيعة 29: 49، صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(علیه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر، قال: يقتل القاتل، ويحبس الآخر حتى يموت غماً كما كان حبسه عليه حتى مات غماً».
5- وفيه نظر، فإن العرف يرى أن المباشر هو الأقوى والحابس أتى بالمقدمات فقط (المقرر).

لكن على مبنى المحقق الرشتي(1) حيث فسر الأقوى بالمباشرة مع القصد والاختيار فلا يحصل تساوٍ بين المباشر والسبب أبداً؛ لأن المباشرة أخذت قيداً في الأقوائية.

لكن أصل المبنى محل تأمل، فمع إسناد الفعل إليهما وعدم وجود الأقوى قسم الضمان عليهما؛ لأن دليله كما يشمل المباشر يشمل السبب أيضاً.

البحث العاشر: أقسام الضمان في السبب

ثم إن المحقق الرشتي قسّم أسباب الضمان إلى ثلاثة أقسام(2):

الأول: ما يحكم بالضمان بمجرد وجود السبب في الخارج كالغصب.الثاني: ما يحكم به بعد وجود العلة قبل تحقق المعلول.

والفرق بينهما أن في الأول لم يحدث تلف ولا سببية للتلف، وإنما مجرد غصب، فلو تلف اتفاقاً ضمن، والثاني تحققت السببية للتلف.

ولا يخفى أنه تعبير مسامحي ولا مشاحة فيه، فإن انفكاك المعلول عن العلة محال لكن المراد العلة العرفية، كما لو سقاه سمّاً يموت به بعد شهر، فبمجرد الشرب يضمن، ولو لم يحكم الشارع بالضمان من حين السقي لم يكن معنى للضمان على الساقي إن مات قبل المجني عليه؛ لأنه سالبة بانتفاء الموضوع، لكن مع حكمه بالضمان من اليوم الأول كان تقسيم إرث الساقي مراعى.

الثالث: ما يحكم به بعد التلف في الخارج، فلا ضمان قبل تحقق العلة

ص: 119


1- كتاب الغصب: 37.
2- كتاب الغصب: 40.

والمعلول.

وحاصل الثلاثة: أنه تارة يضمن بحصول سبب الضمان، وتارة بحصول سبب التلف، وتارة بحصول التلف.

ويشكل عليه:

أولاً: إن الضمان المذكور أخذ بمعنيين، فلا يصح أخذه في المقسم إلّا توسعاً ومجازاً، فالقسم الأول والثاني سبب للضمان التعليقي(1)، وأمّاالقسم الثالث فالضمان تنجيزي، ويظهر ذلك من خلال كلامه أيضاً.

وثانياً: تارة يكون الشيء سبباً للضمان، وتارة سبباً لسبب الضمان، وهو التلف، ولا يصح - فنياً - جعل مقسم واحد لهما.

البحث الحادي عشر: فك قيد دابة الغير

اشارة

وهنا فروع يظهر حكمها من مطاوي بيان القاعدة العامة للضمانات.

قال في الشرائع: «لو فك القيد عن الدابة فشردت، أو عن العبد المجنون فأبق، ضمن؛ لأنه فعل فعلاً يقصد به الإتلاف، وكذا لو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مكث...»(2).

والدليل على الضمان هو السببية بالإضافة إلى الإجماع(3) المدعى، ولا كلام فيه.

ص: 120


1- فلو تلف المغصوب فهو ضامن في القسم الأول، ويظهر التعليق بوضوح في القسم الثاني في ما لو سقاه السم بما يقتله بعد شهر مثلاً، فمات فوراً في حادث سير، فلا ضمان على الساقي، فلا دية ولا قصاص وإنما فعل حراماً (المقرر).
2- شرائع الإسلام 4: 764.
3- جواهر الكلام 37: 66.

ثم إن هاهنا فروعاً:

الفرع الأول: لو أفسدت الدابة بعد إطلاقها

كما لو قتلت أو أتلفت زرعاً أو ما أشبه، فهل يضمن مَن أطلقه وفك قيده؟(1)

قال في التذكرة(2): ولو أفسد الطائر وغيره بخروجه ضمنه، وذلكلنسبة الفعل إليه، مع كون السبب أقوى من المباشر.

وأشكل على إطلاقه في الجواهر(3)؛ وذلك لأن المناط في الضمان نسبة الفعل إلى مَن أطلقه، بحيث يراه العرف سبباً، ويختلف ذلك باختلاف الموارد، فلو أطلق عبداً مجنوناً فسرق بعد مضي سنة، أو أطلق دابة فذهبت إلى الغابة وعادت بعد سنة وأتلفت زرعاً، فلا يعلم نسبة الفعل إليه عرفاً.

وفيه تأمل.

الفرع الثاني: تلفها بعد الإطلاق

ولو أطلق الدابة فتلفت هي، فلو كان ذلك لأجل إطلاقها ضمن لنسبة الفعل إليه، ولكن لو لم يكن لذلك، بل ماتت ميتة طبيعية لحلول أجلها، بحيث لو كانت في القيد لماتت أيضاً، فلا ضمان لعدم الإسناد.

الفرع الثالث: الإسراع في عمليّة الإطلاق

ولو سرّع في إطلاقه(4)، بحيث لو لم يفعل لهرب ولكن بعد ساعة مثلاً،

ص: 121


1- الدروس الشرعيّة 3: 108؛ جامع المقاصد 6: 217؛ جواهر الكلام 37: 66.
2- تذكرة الفقهاء 2: 375.
3- جواهر الكلام 37: 66.
4- الفقه 78: 159.

كما لو كانت الدابة تتحرك بشدة لتفك القيد فساعدها، بحيث كان الإطلاق حاصلاً على كل حال والفارق الوقت، احتمل عدم الضمان؛ لأن الفرار والفساد الحاصل منه متحقق على كل حال فلا وجه للضمان.

لكنه ضعيف، فلا اعتبار بالفرض، وإنما الملاك ما وقع في الخارج،فتعاقب الأسباب لا يكون سبباً لنفي الضمان عن السبب المتحقق، فلو كان شخص على وشك الموت فقتله، ضمنه، فلا يقال: إنه كان ميت لا محالة سواء قتله أم لا، فإن سبب الموت أحد شيئين: المرض المبتلى به أو القتل، فلو لم يحصل الثاني حصل الأول، وهذا لا يكون سبباً؛ لعدم صدق السببية عليه.

وكذا لو هجم عليه الأسد ليفترسه وقبل وصوله رماه بالسهم فقتله، ضمنه، ولا يحق له القول بأنه لو لم يقتله لقتله الأسد.

والحاصل: إن توارد الأسباب المتعاقبة لا يكون سبباً لانفصال النتيجة عن علتها، وعدم ترتب الأحكام على العلة.

وعليه لو أرادت الدابة الفرار فعجّل لهما الفرار، ضمن التلف المستند إليهما كما يضمنهما.

الفرع الرابع: الأجرة المترتبة على الإطلاق

ولو أطلق الدابة فارتكبت عملاً فيه أجرة - سواء كانت الأجرة(1) بضرر مالكها أو بنفعه - كما لو أطلق الأنثى فنزا عليها فحلٌ في ما لو كان يدفع الأجر في مثله كما في فحل الضراب لمالك الفحل، أو العكس بأن أطلق الفحل فنزا على أنثى حيث يوجب له الأجرة، ففي الصورة الأولى الأقوى

ص: 122


1- الفقه 78: 160.

عدم ضمان مالك الأنثى، حيث لم يكن ذلك بطلبه أو بسببه، فلايلزم عليه أجرة، فلا يحق لمالك الفحل أن يطالبه بالأجرة، كما لو اتفق ذلك في القرى والأرياف بين الحيوانات الأهلية، وإن لم يكن هنالك تعدٍّ، ونظيره في الأعمال التبرعية، لو قام متبرع بعمل للمالك كما لو كنس داره من دون طلب منه لم يستحق الأجرة عليه.

وهل يضمن المُطلِق المتعدي؟ يحتمل ذلك، ولكن الأقوى عدم الضمان، فإن ما قام به الفحل يشبه التبرع، فقد كان بإمكان مالكه المنع، حيث لم تكن الأنثى داخلة في ملكه حتى يدعي التعدي على ملكه وخروج الأمر عن اختياره، ومثله لا ضمان فيه.

نعم، لو طلب المتعدي الضراب ضمن، وأمّا بدونه فمجرد الإطلاق لا يكون سبباً للضمان.

وفي الصورة الثانية لو أطلق الأنثى فأتاها الفحل، أو أخرج الشياه من المربض فأكلت طعاماً كثيراً فزادت زيادة، سواء كانت متصلة أم منفصلة، فلا يضمن صاحب الدابة للمتعدي شيئاً.

الفرع الخامس: لو زادت بالإطلاق

والكلام في مالك الزّيادة الحاصلة بالإطلاق، فهل هو المالك أو المعتدي؟

وفيه صورتان:

الأولى: أن لا تكون الزيادة بفعل المعتدي، بأن كان عمله مجرد فك القيد فخرجت الدابة واعتلفت من الصحراء فسمنت، وفي هذه الصورة لاتنسب الزّيادة إلى المعتدي - وإن كان سبباً بالدقة العقلية حيث لو لم يفك القيد لم

ص: 123

تحصل الزّيادة - فإن العرف لا يرى ذلك سبباً، فلا وجه لملكيته لها.

الثانية: أن تكون الزّيادة بفعل المعتدي، كما لو ذهب بها إلى مرعاه وأعلفها من ملكه فحصلت الزّيادة، فهل يكون المعتدي شريكاً في الزيادة؟

يحتمل الشراكة بنسبة الزّيادة، وقد يستدل على ذلك بدليلين:

الأول: قوله تعالى: {وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ}(1)، فإن فعل المعتدي وإن كان حراماً تكليفاً لكن لا تلازم بينه وبين الحكم الوضعي، فقد يكون العمل حلالاً أو حراماً وتترتب عليه أحكاماً وضعية، وفي المقام لا منافاة بين الحرمة وبين تملك المعتدي للزيادة، كما ذكروا(2) مثله في باب الشراكة القهرية، فلو خلط لبنه بلبن غيره، كان تصرفه في ملك الغير حراماً، ومع ذلك تحصل الشركة بينهما قهراً.

لكن الاستدلال بالآية بحاجة إلى مزيد تأمل، فليس مفاد الآية أن كل سعي سبب للملكية، فإن السعي أعم من إثباتها.

وبعبارة أخرى: إثبات أن طريق الوصول إلى الملكية هو السعي لا يلازم إيجاب الملكية بكل سعي، فإن إثبات الخاص لا يثبت العام فيمصداقه الآخر، إلّا إذا ثبت التساوي بين الأمرين.

الثاني: صحيحة هارون بن حمزة، عن الصادق(علیه السلام): «عن الرجل يشتري النخل يقطعه للجذوع، فيغيب الرجل فيدع النخل كهيئته لم يقطع، فيقدم الرجل وقد حمل النخل، فقال(علیه السلام): له الحمل يصنع به ما شاء إلّا أن يكون

ص: 124


1- سورة النجم، الآية: 39.
2- المبسوط 3: 78؛ تذكرة الفقهاء 2: 395؛ جواهر الكلام 37: 161.

صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه»(1).

فهل الحمل في المستثنى للبائع أو هما شريكان؟ الرواية ساكتة عنه، فلا بد من استفادة الحكم من سائر الأدلة وهي تثبت الشراكة، حيث يكون لكل واحد سهمه.

وأكثر صراحةً منها ما ورد عن الصادق(علیه السلام): في الغاصب يعمل العمل أو يزيد الزّيادة في ما اغتصبه، قال: «ما عمل فزاد فهو له، وما زاد مما ليس من عمله فهو لصاحب الشيء، وما نقص فهو على الغاصب»(2).

ولا يخفى أن استفادة الحكم المذكور موقوف على فهم الملاك، فيكون عمله محترماً حتى لو كان غاصباً، فيثبت الحكم في ما نحن فيه بطريق أولى؛ لعدم التعدي وإنما هو مجرد فك القيد.

إلّا أن ضعف السند فيهما مانع عن الاستدلال بهما، فقد وردا فيدعائم الإسلام، وقد مرّ البحث في الكتاب والمؤلّف، ولا يعلم عمل المشهور حتى يقال بالجبر.

الفرع السادس: الإطلاق المأمور به

ولو كان فك القيد بأمر الشارع تجويزاً أو وجوباً، كما لو كان الدار مشرفاً على الانهدام مما يسبب موت المجنون أو الدابة، فأطلقهما، فالأقرب عدم الضمان لجهتين(3):

ص: 125


1- تهذيب الأحكام 7: 206؛ وسائل الشيعة 18: 230. وفي السند يزيد بن إسحاق شعر والأقوى وثاقته (السيد الأستاذ).
2- دعائم الإسلام 2: 486؛ مستدرك الوسائل 17: 94.
3- الفقه 78: 161.

الأولى: قوله تعالى: {مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ}(1) الشامل بإطلاقه لرفع العقوبة والضمان وكل شيء يثبت على المحسن لولا الآية.

الثانية: التلازم العرفي بين الإذن وعدم الضمان.

وفيه نظر؛ لثبوت موارد عديدة أجازها الشارع، بل أوجبها ومع ذلك أثبت الضمان، كأكل المخمصة وعلاج الطبيب(2)، وليس ذلك خلاف القاعدة للنص الخاص، بل لكونه إتلافاً لمال الغير الموجب للضمان.

نعم، قد يستحسن العرف عدم الضمان، لكنه ليس منشأ للحكم الشرعي، إلّا إذا كان بناء العقلاء وأمضاه الشارع، وهو مشكل، ويمكن القول باختلاف الموارد.

الفرع السابع: ترك الإطلاق المأمور به

اشارة

ولو لم يطلقه مع وجوب الإطلاق - كما في انهدام الدار على الدابة - كان عمله حراماً، وأمّا ضمان الدية فقد يقال بكونه سبباً للموت فيضمن، لكنه ضعيف لعدم نسبة الموت إليه.

نعم، قد يستند في إثبات الضمان بالملاك في ما ورد عن علي(علیه السلام): «أنه قضى في رجل استسقى قوماً فلم يسقوه وتركوه حتى مات عطشاً بينهم، وهم يجدون الماء، فضمّنهم ديته»(3).

لكنها ضعيفة سنداً، وجبرها بحاجة إلى عمل المشهور.

ص: 126


1- سورة التوبة، الآية: 91.
2- الدروس الشرعيّة 3: 77؛ الأقطاب الفقهية: 129؛ الروضة البهيّة 5: 452-453؛ شرائع الإسلام 4: 1019؛ تذكرة الفقهاء 2: 319.
3- دعائم الإسلام 2: 423؛ مستدرك الوسائل 18: 332.

هذا تمام الكلام في الفك عن الدابة والطائر والعبد المجنون.

ملحقات
المسألة الأولى: دلالة السارق

قال في الشرائع: «وكذا لو دلّ السارق»(1)، أي: لا ضمان على الدال، وإن فعل محرماً.

وكذا لو عكس بأن دلّه على مكان آمن لإيداع أمواله، فذهب فظهر أنهم لصوص، لم يضمن السبب لكون المباشر أقوى.

لكن يرد عليه ما ورد على سابقه. نعم، استقرار الضمان على المتلف.

واستثنى صاحب المسالك(2) من حكم المشهور بعدم الضمان ما لوكان مستأمناً فأخبر السارق، كان ضامناً، وليس وجه الاستثناء أنه سبب ليشكل عليه بكون المباشر أقوى؛ وإنما لأنه أمين، والتفريط في الأمانة موجب للضمان.

وعلى ما اخترناه فهو ضامن لوجهين: السببية والتفريط.

المسألة الثانية: فتح غطاء الإناء

لو فتح غطاء الإناء فأريق ما فيه من الدهن كان ضامناً؛ لأنه مباشر كما في الشرائع(3)، بخلاف ما لو لم يتوقع ذلك فسقط اتفاقاً بسبب هبوب الرياح، حيث قال: ففي الضمان تردد ولعل الأشبه أنه لا يضمن.

لكن الأقوى الضمان؛ لأن السبب أقوى، فتأمل.

ص: 127


1- شرائع الإسلام 4: 764.
2- مسالك الأفهام 12: 172.
3- شرائع الإسلام 4: 764.
المسألة الثالثة: تبخر ما في الإناء

ولو فتح الغطاء فتبخر ما فيه، قيل: إنه لا يضمن؛ لأن الريح والشمس كالمباشر، فيبطل حكم السبب، كما في الشرائع(1).

وفصّل العلامة في التذكرة(2) والشيخ في المبسوط(3) بين الشمس والريح؛ لأن قصد الإتلاف متحقق في الأول دون الثاني لحصوله اتفاقاً، فحيث لم يقصد الإتلاف لم يضمن.وقد مرّ أنه لا مدخلية للقصد والتوقع والعلم وعدمها في الضمان، بل الملاك صدق (مَن أتلف)، فلا وجه للتفصيل.

والصحيح ثبوت الضمان في كلا الصورتين، وإن كان المباشر أقوى، حيث يجري دليل الضمان فيهما على حد سواء على ما مرّ من التفصيل.

وهناك فروع أخر يظهر الحال فيها مما ذكر.

البحث الثاني عشر: الأصل عند الشك في الضمان

كلما شك في الضمان فالأصل عدمه؛ لأصالة البراءة حيث لا يعلم باشتغال الذمة.

فلو حفر بئراً عدواناً ثم وجد فيها دابة ميتة، ولم يعلم أنها سقطت حية فماتت ليضمن السبب، أو كانت ميتة فألقيت فيها فلا ضمان، فهنا حيث يشك في أصل السببية فالأصل عدم الضمان.

وأمّا لو وجد السبب وشك في وجود مباشر أقوى منه، أو شك في وجود

ص: 128


1- شرائع الإسلام 4: 764.
2- تذكرة الفقهاء 2: 374.
3- المبسوط 3: 90.

سبب آخر، كما لو علم بسقوط الدابة حيّة لكن يشك في وجود المباشر الأقوى، أو وجود سبب آخر أيضاً، كوضع حجر عند البئر لتعثر الدابة، فقد ذهب صاحب الجواهر إلى عدم الضمان أيضاً للأصل المذكور(1).

بيانه: لا شك في تقدم الاستصحاب على البراءة؛ لأنه علم تعبديفيكون وارداً أو حاكماً عليها، وأمّا لو لم يجرِ الاستصحاب جرت البراءة.

وبعبارة أخرى: إنما يجري الأصل المسببي إذا سقط الأصل السببي للتعارض، أو لكونه مثبتاً أو ما أشبه.

وفي المقام الأصل السببي - وهو عدم وجود المباشر الأقوى أو سبب آخر - مثبت؛ لأن لازم عدم وجودهما انحصار الضمان في السبب، وهو لازم عقلي، وبعد سقوط الأصل السببي يبقى الأصل المسببي - وهو البراءة - بلا منازع.

وفيه نظر: فإنه يكفي لإثبات الضمان شمول أدلة الضمان للسبب، من دون حاجة إلى الاستصحاب، وفي المقام لا شك في سببيته فيشمله الدليل، ولا دليل على رفع الضمان عنه.

ولو التزم بما ذكره صاحب الجواهر لأشكل الأمر في موارد عديدة:

كما لو مات بعد وصف الدواء خطأ له، فيشك أنه مات بسبب خطأ الطبيب أو بجلطة قلبية، ولو رماه فقتله فشك أنه قتل بسهمه فقط أو كان هنالك رامٍ آخر، أو شهدا بكونه قاتلاً ثم أقرا بالخطأ، فشك كون الشهود اثنين حتى يضمن كل واحد نصف الدية أو أربعة حتى يضمن ربع الدية. فلا وجه لعدم جريان أدلة ضمان السبب بمجرد احتمال وجود مباشر أو سبب آخر،

ص: 129


1- جواهر الكلام 37: 56.

لا لأجل الأصل حتى يقال بأنه مثبت، بل لإطلاق أدلة الضمان.

فمن حفر بئراً فسقطت فيه دابة كان ضامناً، وإن احتمل سقوطها بدفعدافع، فتأمل.

ثم تطرق صاحب الشرائع(1) إلى ذكر مصاديق متعددة، وبما أن الدليل هو ما ذكرناه فلا داعي لذكرها.

ثم تطرق(2) إلى قاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) وبما أن الشيخ الأعظم بحثها مستوعباً في المكاسب(3) ندع الكلام إلى محله.

ص: 130


1- شرائع الإسلام 4: 764.
2- شرائع الإسلام 4: 764.
3- كتاب المكاسب 3: 182.

الفصل الرابع: في وجوب رد العين المغصوبة

اشارة

لا إشكال في وجوب رد المغصوب ما دام باقياً.

واستدل له بالأدلة الأربعة:

فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ}(1)، والغاصب لو لم يرجع العين المغصوبة كان آكلاً للمال بالباطل، وهو منهي عنه، ولا يخفى أنه ليس المراد من الأكل خصوص التصرف في المال المغصوب، كما ادعاه بعض، بل يشمل حتى صورة منع المالك من التصرف في ملكه.

لكن لا إطلاق لهذا الدليل: حيث لا يشمل ما لو لم يكن المغصوب مالاً كبقايا الكوز المكسور، فقد مرّ عدم التلازم بين المالية والملكية كحبة حنطة المملوكة والتي لا تُقابل بالمال.

كما أنه قد لا يتصرف الغاصب في العين المغصوبة فلا يطلق عليه الأكل بالباطل، كما لو لم يتصرف الغاصب في الدار وإنما منع المالك من دخولها فقط.

فالآية المذكورة تدل على الحكم في الجملة.

وأما الروايات الدالة على الحكم المذكور فهي متواترة في مختلفالأبواب ومنها: «الغصب كلّه مردود»(2).

ص: 131


1- سورة البقرة، الآية: 188.
2- الكافي 1: 542؛ وسائل الشيعة 9: 524؛ تهذيب الأحكام 4: 130 وفيه: «المغصوب كلّه مردود».

والإجماع(1) قائم على وجوب إرجاع المغصوب إلى صاحبه، بل ادعى في الجواهر ضرورة المذهب(2)، وفي الفقه ضرورة الدين(3).

وأمّا العقل: فشاهد على القبح، فإن الغصب ظلم، والعقل يدرك قبحه ووجوب رفعه، وهو لا يتم إلّا برد العين المغصوبة إلى صاحبها.

المسألة الأولى: الغاصب المجنون والصبي

ولو كان الغاصب مجنوناً أو طفلاً توجه التكليف بالرد إلى الولي.

وأمّا الحكم الوضعي فيدل عليه أولاً: ما قيل: من أن (على) في «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» تفيد حكمين: تكليفي ووضعي، أمّا التكليفي فهو وجوب الإرجاع، وهو متوجه إلى الولي لعدم توجه التكليف إلى الصبي والمجنون. وأمّا الوضعي فهو بيان لثبوت الضمان في الذمة، وهو يشمل الصبي والمجنون، لإطلاق الدليل.

وأشكل عليه: بأنه يعارضه دليل الرفع - بناءً على شموله للحكم الوضعي - لأن النسبة بينهما عموم من وجه؛ لأن الرفع يشمل قلم التكليف والوضع، وعلى اليد يشمل الصغير والكبير، فيتعارضان فيالصبي الغاصب، فالأول ينفي الضمان عنه، والثاني يثبته فيتساقطان، فلا بد من الرجوع إلى الأدلة العامة، فإن دلّت على الضمان أخذ بها وإلّا كانت البراءة محكّمة.

وأجيب: بأن حديث رفع القلم حاكم على أدلة العناوين الأولية، فهو ناظر إليها، فلا وجه للتعارض، وإلّا لزم القول بالتعارض في سائر التكاليف،

ص: 132


1- الدروس الشرعيّة 3: 109؛ رياض المسائل 12: 268.
2- جواهر الكلام 37: 75.
3- الفقه 78: 180.

فالأمر بالصلاة يشمل الصغير والكبير، ورفع القلم يرفع التكليف والوضع فيتعارضان، ولا معنى لذلك؛ لأن الرفع ناظر إلى وجود أحكام تكليفية ووضعية فيرفعها، والحاكم مقدم على المحكوم دائماً، فدليل الرفع في المقام يثبت عدم الضمان.

أقول: لا إشكال في ضمان الصبي؛ لأن الرفع إنّما هو للمِنّة ورفع الضمان خلاف المِنّة للمتلَف منه ولا يعقل الامتنان على شخص بعدم الامتنان على الآخر، فلا يشمل صورة الضمانات، فحتى لو كان حاكماً فليست الحكومة مطلقة. كما في (لا ضرر) حيث يرفع الحكم، لكن لو وصل الأمر إلى الدم فلا يحق له الاقتحام لدفع الضرر عن نفسه.

وثانياً: ما أفاده المحقق الرشتي(1) بأنه إن كان متعلق (على) الفعل، دلّ على الوجوب في المحل القابل له، أي: مَن استجمع شرائط التكليف بالفعل.وإن كان متعلّقه (العين) كان معناه جعله في عهدته، فلا يختص بالمحل القابل فعلاً، ك- (عليه مال)، وبه يثبت الضمان على الصبي.

وفيه: إن المفاد المذكور لا يمكن استظهاره عرفاً من كلمة (على)، بل لو كان المتعلق عيناً كان مرجعه إلى التكليف أيضاً، فإن المراد من التكليف المتعلق بالذات هو الفعل المقصود منها، كما في قوله تعالى: {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ}(2)، أي: أكلها، و {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ}(3)، أي: نكاحهن.

ص: 133


1- كتاب الغصب: 52.
2- سورة المائدة، الآية: 3.
3- سورة النساء، الآية: 23.

وفي المقام المراد من: (على اليد ما أخذت) هو رد ما أخذت، فسواء تعلقت بالذات أم بالفعل كان المراد الفعل، فالتفريق المذكور لإثبات الضمان على الصبي محل تأمل.

فرع: ولو رد الصبي أو المجنون العين المغصوبة، فلا إشكال في جواز تصرف المالك فيها(1)، فلا يقال: إن تصرفاتهما غير معتبرة شرعاً، فلا يحق للمالك التصرف في ما أخذه منهما؛ وذلك لأن تصرفه في ملكه ليس مقيداً بشيء.

لكن لو أتلف الصبي أو المجنون العين المغصوبة ثم أرادا رد المثل أو القيمة فلا يحق للمغصوب منه أخذهما؛ لاستقرار الضمان في ذمتهما بالتلف، ولا نفوذ لفعلهما في نقل ما في الذمة إلى البدل الخارجي - مِثلاًأو قيمة - لأنهما محجور عليهما من التصرف في الأموال.

ولو أخذه المالك لم يملكه؛ لعدم خروجه عن ملكهما، فإن تصرفاتهما غير نافذة، فيعود الأمر إلى الولي ويلزم استئذانه، فإن رضي به فبها، وإلّا طالبه المالك بغيره، ولو امتنع لزم مراجعة الحاكم الشرعي، فإن لم يمكن جاز له أخذ البدل المذكور، لا من باب حقه في تعيين ما في ذمتهما، بل من باب التقاص.

المسألة الثانية: الإسلام بعد الغصب

ولو غصب شيئاً في زمن الكفر ثم أسلم، ففي وجوب إعادة العين أو البدل احتمالات أربعة(2):

ص: 134


1- الفقه 78: 182.
2- الفقه 78: 182.

الأول: وجوب الرد مطلقاً، سواء بقيت العين أم تلفت؛ لقاعدة الغصب مردود كله، وإطلاق أدلتها يشمل المقام.

الثاني: عدم وجوب الرد مطلقاً؛ لأن الإسلام يجب ما قبله(1)، وهي تخصص عمومات التكاليف، ومنها: الأمر برد الغصب، ويؤيّده خبر العباس بن هلال، عن الرضا(علیه السلام): «لو أفضى إليه الحكم لأقر الناس على ما في أيديهم، ولم ينظر في شيء إلّا بما حدث في سلطانه. وذكر أن النبي| لم ينظر في حدث أحدثوه وهم مشركون، وأن منأسلم أقرّه على ما في يده»(2)، مع كثرة الإغارة في زمن الجاهلية، بل كانوا يفتخرون بها.

واستشهد البعض(3) بما رُوي من أن النبي| لم يسترجع ما باعه عقيل، وإنما سكن خارج مكة بعد الفتح قائلاً: «وهل أبقى عقيل لنا داراً، إنا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منا ظلماً»(4).

وعلى فرض تماميته فهو من فعله| فلا يمكن الاستدلال به حيث إن العمل لا لسان له، فقد يكون لعدم إرادة الاسترجاع، لا لأجل عدم الحق فيه، فهي قضية أخلاقية، كما في عدم استرجاع أمير المؤمنين(علیه السلام) فدكاً حيث كانت مطالبتها - مضافاً إلى كونها حقاً - لإثبات الخلافة، وحين تحققت فلا داعي للاسترجاع، فمهمة النبي والوصي‘ هداية الناس وبيان الأحكام الشرعية، وأمّا إرجاع ما غصب منهما فهو متروك إليهما ككل ذي

ص: 135


1- الخلاف 5: 548؛ السرائر 1: 380.
2- تهذيب الأحكام 6: 295؛ وسائل الشيعة 27: 292.
3- الفقه 78: 183.
4- علل الشرائع 1: 155؛ مناقب آل أبي طالب 1: 232.

حق يمكنه ترك المطالبة بحقه وعدم استرجاع ما غُصب منه.

وأمّا رواية الإمام الرضا(علیه السلام) فغير معتبرة سنداً.

لكن يمكن الاطمئنان بفعل النبي| بعدم مطالبة الأموال المغصوبة في الجاهلية مع كثرتها، ولو كان لبان.

الثالث: التفصيل بين بقاء العين فيجب ردها، وبين التلف فلا يجب.أمّا الأول: فلأن قاعدة الجب ظاهرة في التكاليف لا الأمور الوضعية. نعم، في خصوص الدماء قام الدليل على عدم القصاص والدية، وقد بيّن ذلك رسول اللّه| في خطبته بعد فتح مكة(1)، وأمّا في غيره فلا، والملكية وزوالها أمر وضعي، فلا يشمله حديث الجبّ.

وأمّا الثاني: فالأمر بدفع البدل حكم تكليفي، تشمله قاعدة الجب.

وفي التفصيل المذكور نظر، فليس الكلام في الرد وعدمه، بل في مرحلة سابقة عليه، وهي اشتغال الذمة وهو أمر وضعي، ولا يخفى أن كل أمر وضعي مستلزم للتكليف وإلّا كان لغواً، فلا فرق بين بقاء العين وتلفها، حيث يحكم تكليفاً بوجوب الرد عيناً أو بدلاً، فلو لم يشمله حديث الجبّ كانت الذمة مشغولة فيجب الرد.

الرابع: التفصيل بين ما اعتبر غصباً شرعاً ولم يعتبر غصباً في دينهم أو مذهبهم، وبين ما كان غصباً عندهم أيضاً، حيث يجب الرد في الثاني دون الأول.

وتدل عليه قاعدة الإلزام، فبالإسلام لا تنتفي لوازمها، فلو أسلم الزوجان لم تجب عليهما إعادة العقد مثلاً، فإن لوازم صحة العقد عندهم مستمرة

ص: 136


1- بحار الأنوار 21: 132.

حتى بعد الإسلام، وكذا لو أسلموا بعد تقسيم الإرث على دينهم فإن التقسيم ماضٍ، ويستثنى من ذلك ما دل عليه النص كالزواجمن خمس زوجات، ولعلّه من باب التخصص لا التخصيص، فتأمل.

وما نحن فيه كذلك، فإن الغارة عند الجاهليين لم تكن غصباً، بل كانت جزءاً من دينهم، وتعتبر عندهم فضيلة ومن علامات الشجاعة والقوة، ومن الأسباب المملّكة - بخلاف السرقة حيث يعتبرونها رذيلة - فحين الإسلام تستمر لوازم عقيدته بالنسبة إلى ما ملكه بالغارة.

والأقرب: الأول، لقاعدة كل شيء مردود، وهي عامة، وتخصص بقاعدة الجبّ في ما علم أنه مصداقه، وأمّا مع الشك فإن إجمالها في المورد المشكوك لا يسري إلى العام، حيث إنه كلما شك في تخصيص العام كان العام جارياً، وليس ذلك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فإنه إنما يكون في ما شك كونه من أفراد العام.

وفي ما نحن فيه: من المعلوم أنه غصب ولا يعلم شمول حديث الجبّ له للتشكيك في مفهومه أو مصداقه، فيجري دليل الغصب بلا محذور.

والكلام في المخالف المستبصر أيضاً كذلك.

المسألة الثالثة: اعتبار العنوان في رد المغصوب

هل يشترط في تحقق الرد وبراءة الذمة أن يكون الرد بعنوان أنه مغصوب، فلو رده بعنوان آخر - كالهدية - لم يكفِ(1)، فلو تصرف المالك فيه وأتلفه لم تبرأ ذمة الغاصب، وعليه ضمان البدل، أو لايشترط، بل

ص: 137


1- الفقه 78: 185.

يكفي أن يوصله إلى المغصوب منه بأيِّ عنوان كان، أو يفصّل بين ردّه بعنوان أنه ملكه من دون بيان كونه غصباً وبين ردّه بعنوان آخر كالهبة مثلاً؟ احتمالات.

والأقرب هو الأخير أما عدم كفاية الردّ بعنوان آخر فيدلّ عليه نفس الدليل الدال على وجوب الرد، كما ذكره المحقق الرشتي(1)، وأوضحه بمثالين: الضيافة والهبة، فلو غصب منه طعاماً فدعاه وأطعمه لم يكن رداً؛ لأن سلطنة المالك على ماله سلطنة تامة بخلاف سلطنة الضيف، فردّه إليه كأنّه ليس بردّ، وقبضه كأنّه ليس بقبض لنقصان السلطنة، وكذلك الحال في ما لو غصب منه ثم أهداه له، فإنه وإن كانت سلطنة الموهوب له على الهبة سلطنة تامة، لكن المالك يفرق في كثير من الأحيان بين ملكه وبين ما يوهب له، فيختلف تصرفه بينهما سعةً وضيقاً.

والحاصل: إن الدليل الدال على وجوب الرد دال عليه مع السلطنة التامة، بحيث يعلم المالك أنه ماله ومع عدمه فلا يكون مصداقاً للرد.

وأما كفايته لو ردّه بعنوان أنه ملكه - من دون بيان سبب وصوله إلى الغاصب - فهو لأجل أنه ردّ عرفاً وشرعاً مع إرجاع السلطنة التامة للمالك، فهو يتصرف فيه بعنوان أنه ملكه التام الذي رجع إليه.

إن قلت: ثبت في موارد أخرى كفاية مجرد الإيصال ومنها الزكاة،حيث يجوز إعطاؤها للمستحق لا بعنوانها. ففي خبر أبي بصير: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): «الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا أسمي له أنها من الزكاة؟ فقال(علیه السلام): أعطه ولا تسمّ ولا تذلّ

ص: 138


1- كتاب الغصب: 52.

المؤمن»(1)، وكذلك الحال في الخمس وزكاة الفطرة، ومنها: أداء الدين، حيث يكفي أداؤه بأيّ عنوان.

قلت: أمّا الأول فلا يرتبط بما نحن فيه، حيث إن محل الكلام في رد ملكه إليه، ولا يصدق الرد من دون اعتبار العنوان، وليس منه الزكاة والخمس، حيث الواجب إيصالها للمستحق ولا مدخلية للعنوان في الإيصال، وعلى فرض اشتراط العنوان فيها بنفسه فقد قام الدليل على عدم اللزوم.

وأمّا الثاني فهو أول الكلام، بل تعيين الكلي في المصداق الخارجي بحاجة إلى رضا الطرفين؛ لأن الحق يرتبط بهما، فلو سدّد دينه من دون إعلامه بذلك لم تبرأ ذمته؛ لعدم إحراز رضاه؛ لأن الرضا فرع العلم.

نعم، لو كان هنالك محذور من التصريح بذلك - كما لو سبّب فضحه - فيحتمل صحة الإرجاع من دون اعتبار العنوان بشرط إذن الحاكم الشرعي، هذا إن قلنا بولايته، كما يحتمل الصحة لقاعدة الأهم والمهم ولا ضابطة لها، بل اللازم ملاحظة الأدلة في كل مورد لتشخيص الأهم منبين الملاكات الشرعية.

المسألة الرابعة: امتناع الدائن عن استلام الدين

ولو(2) لم يقبل الدائن استلام الدين مع عدم إبراء المديون(3)، فلا إشكال في إيصاله إليه بأيّة طريقة؛ وذلك لرواية حول القاتل، حيث لم يرض أولياء الدم باستلام الدية، فأمرهم الإمام(علیه السلام) بجعله في أكياس وإلقائه في بيتهم

ص: 139


1- الكافي 3: 563؛ وسائل الشيعة 9: 315.
2- الفقه 78: 185.
3- أو مع إبرائه وقلنا بأن الإبراء عقد بحاجة إلى رضا الطرفين.

حين الصلاة(1)، ولا خصوصية للدية، فيتم تعميم الدليل بإلغاء الخصوصية، كما يمكن الاستدلال له بأن الدائن ممتنع وامتناعه ينافي سلطة المديون على ذمته فيقدّم دليل السلطة على دليل حق الدائن في التعيين، ولكن بعد مراجعة الحاكم الشرعي؛ لأنه ولي الممتنع.

المسألة الخامسة: الجمع بين البدل والمبدل منه

ولو غصب منه شاة فطبخها(2) وأرجعها للمالك فلم يرض به وجب رد البدل مِثلاً أو قيمةً، وكان المطبوخ للغاصب.

ويحتمل لزوم القبول مع أخذ التفاوت بين الشاة الحية والمطبوخة؛وذلك لملاك إيجاد العيب في متاع الغير حيث يضمن التفاوت.

لكنه ضعيف، فإنه في مورد العيب والمقام ليس منه وإنما من منع المالك عن سلطنته، كما أنه قد يكون التصرف موجباً لزيادة القيمة لثبوت أجرة الذابح والطبخ. كما يحتمل أخذ الأصل والبدل لكنه جمع بين البدل والمبدل منه. والأرجح تخيير المالك بين أخذ الأصل أو مطالبة البدل.

المسألة السادسة: حكم رد المغصوب مع التعسّر

لو تعسّر ردّ المغصوب كالخشبة تستدخل في البناء واللوح في السفينة،

ص: 140


1- تهذيب الأحكام 8: 324؛ وسائل الشيعة 22: 399، معتبرة أبي بكر الحضرمي قال: «قلت لأبي عبد اللّه(علیه السلام): رجل قتل رجلاً متعمداً، قال: جزاؤه جهنم، قال: قلت له: هل له توبة؟ قال: نعم، يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكيناً ويعتق رقبة ويؤدي ديته، قال: قلت: لا يقبلون منه الدية؟ قال: يتزوج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها، قال: قلت: لا يقبلون منه ولا يزوجونه، قال: يصره صرراً يرمي بها في دارهم».
2- المبسوط 3: 85؛ جامع الخلاف والوفاق: 344.

ففي ذلك قولان:

القول الأول: أنه لا يلزم المالك أخذ القيمة، بل يحق له المطالبة بالعين.

وكذا الحكم في ما لو أوجب ضرراً كبيراً على الغاصب، كما لو كان إخراج الخشبة موجباً لهدم البناء كله، أو استلزم تمييز الحنطة من الشعير بذل مال كثير.

وهذا هو المشهور، بل كاد أن يكون إجماعاً(1)، وعليه مشهور العامة أيضاً كما يستفاد ذلك من بعض العبارات(2).

واستدل لذلك بأدلة:الدليل الأول(3): ما ورد من أن: «الحجر الغصيب في الدار رهن على خرابها»(4)، فلا مانع من هدم كل الدار إن توقف عليه إرجاع الحجر المغصوب.

لكنه محل إشكال، فلا يظهر من الحديث المذكور حكماً تكليفياً بوجوب إرجاع المغصوب حتى مع هدم الدار، بل الظاهر أنه لبيان حكم وضعي، مفاده أن الحجر المغصوب في الدار مستلزم لسلب البركة عنها، فتكون في معرض التلف؛ لأنه سبب لخرابها، إلّا إذا خرج من عهدته، كما لا يحق التصرف في العين المرهونة حتى يفك الدين، وأمّا كيفية الخروج عن العهدة فلم يتطرق له الحديث المذكور، فقد يكون بإرجاع العين أو البدل، وقد يكون بإرضاء صاحبه أو ما أشبه ذلك.

ص: 141


1- رياض المسائل 12: 267؛ جواهر الكلام 37: 75.
2- جواهر الكلام 37: 75.
3- جواهر الكلام 37: 75-77.
4- نهج البلاغة، الحكمة: 240.

والحديث مطلق يشمل ما لو كان المغصوب في بناء السطح، ولم يكن إخراجه مستلزماً لهدم الدار. فالدلالة غير تامة، ولا أقل من الإجمال.

الدليل الثاني: إن الأدلة الدالة على وجوب رد المغصوب(1)، كقوله(علیه السلام): «لأن الغصب كلّه مردود»(2)، تشمل بعمومها مورد الضررعلى الغاصب أو العسر، فقد تصرف في مال الغير عدواناً، وهو غير عاجز على الرد، فالقدرة محققة فيجب الرد.

وفيه تأمل، فإن الأدلة المذكورة منصرفة عن هذه الموارد، فإن الشارع في مقام بيان حكم كلي، وهو أصل وجوب إرجاع الغصب، فلا تشمل هذه المصاديق، بل في أصل الإطلاق تأمل؛ لأن شرطه كون المولى في مقام البيان من هذه الجهة، وهنا لا يعلم كونه في مقام البيان حتى مع ترتب الضرر العظيم على الغاصب، والبحث في كون الانصراف وعدم الإطلاق مساوقين أو لا في محله من الأصول، فراجع.

ونظيره ما لو كان مديوناً واستلزم إرجاع الدين صرف مال كثير، حيث يشكل الفتوى بوجوب الإرجاع.

الدليل الثالث: عدم شمول أدلة الضرر والعسر للمقام؛ لإقدام الغاصب على عدم احترام مال نفسه - كما لو أقدم على شراء شيء بأضعاف قيمته عالماً بذلك - وحينئذٍ تجري أدلة وجوب رد الغصب بلا منازع.

وفيه تأمل، فقد يُقدم على نفس الضرر - كالمثال المذكور - فلا تشمله

ص: 142


1- جواهر الكلام 37: 75.
2- الكافي 1: 542؛ وسائل الشيعة 9: 524؛ تهذيب الأحكام 4: 130 وفيه: «المغصوب كلّه مردود».

أدلة الضرر، لكن المقام ليس منه، بل أقدام على ما يتخيل أنه نفع له، ويلزمه الضرر لو حكم الشارع بوجوب الإرجاع مطلقاً، وقد لا يعلم بذلك، وقد يتوهم إمكان إرضاء المغصوب منه.

وبعبارة أخرى: إنما أقدم على ارتكاب الحرام لا على الضرر، فتجريأدلة لا ضرر؛ لأن عدم جريانها إنما هو مع الإقدام، وهو منتف.

الدليل الرابع: رواية: «ليس لعرقٍ ظالمٍ حق»(1)، وتُقرأ إمّا بالوصف بحال المتعلق أو الإضافة.

فلو زرع في أرض الغير ظلماً لم يكن له حق فيه، بل يحق للمالك أن يأمره بقلعه وإن تضرر، وحيث لا خصوصية للعرق دلّ على عدم حرمة مال الظالم، ومن مصاديقه المقام.

وفيه إشكالان:

الأول: عدم فهم الإطلاق منه بحيث يشمل الضرر العظيم على الظالم، أو لا أقل من الانصراف بناءً على تغايرهما.

الثاني: منافاتها لحرمة الإسراف، وبعد التعارض إن أمكن الجمع الدلالي العرفي، وإلّا كان الترجيح مع الأقوى سنداً، وفي المقام الأقوى دليل حرمة الإسراف؛ لدلالة الكتاب والروايات المتواترة أو شبهها عليها، وأمّا الحديث المذكور فلا يعدو كونه معتبراً.

وقد يُستدل على الترجيح المذكور بلا ضرر، وقد مرّ الإشكال عليه بكونه في صورة عدم الإقدام، وقد أقدم في المقام، وأجيب بأنه أقدم على الغصب لا الضرر.

ص: 143


1- تهذيب الأحكام 6: 311؛ وسائل الشيعة 19: 157.

القول الثاني: عدم وجوب الردّ، بل يكتفى بالبدل.ومن مطاوي البحوث السابقة يظهر وجه الاستدلال له، وحاصله(1): لزوم الإسراف، وإتلاف الأموال الجليلة، وهو محرم، فلا بد من الجمع بين الدليلين بدفع البدل، وهو جمع عرفي.

بالإضافة إلى الآيات الكريمة، ومنها: {وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ}(2)، فهدم الدار ليس من المثل وإنما دفع البدل.

مثلاً: لو أضرّه بهدم حائطه ظلماً أو جهلاً ضمن مثله، ولا يحق للمالك مطالبة الأكثر. نعم، في الغصب كان فعله حراماً، ولو امتنع من الأخذ أعطاه للحاكم الشرعي؛ لأنه ولي الممتنع.

وبعد عدم حجية الشهرة الفتوائية يكون مقتضى القاعدة خلاف ما ذهب إليه المشهور، وقد رجحه السيد الوالد في الفقه(3).

ولا يخفى أن كل ما ذكر من لزوم الفرز إنما هو مع العلم والعمد. وأمّا مع الإكراه أو الجهل أو بفعل ثالث أو أجاز المالك ثم رجع، فإنه وإن لم يكن غصباً لكنه ملك الغير، فلا إشكال في عدم وجوب إرجاع العين؛ لعدم شمول أدلته، ومنه الإقدام حيث لم يتحقق، وأدلة وجوب الردّ منصرفة عنه حتى على المشهور. فإن أدلة (لا ضرر) حاكمة على دليل الردّ.

المسألة السابعة: في منافع المغصوب

وأمّا المنافع المستوفاة والتي هي غير قابلة للاسترجاع فاللازم دفع بدلها

ص: 144


1- الفقه 78: 194.
2- سورة الشورى، الآية: 40.
3- الفقه 78: 196-197.

للمالك، ولو تنزلت القيمة لمكان الانتفاع لزمه دفع التفاوت أيضاً، ولو عيب لزمه دفع التفاوت بين الصحيح والمعيب، كل ذلك ل- (لا ضرر)، بناءً على كونه مثبتاً للحكم، وأيضاً لأنه إتلاف أو تعييب مال الغير فيشمله أدلتها، وغير ذلك من الأدلة.

نعم، لو اعتبرت الأجرة بديلة عن تنزل قيمة الأصل عرفاً اُكتفي بها حيث لا يجمع بينهما.

ولو لم يكن للمغصوب أجرة فمقتضى القاعدة لزوم إرجاع مثله لينتفع منه المالك بقدره كما ذكره السيد الوالد(1)؛ وذلك لأنه لا خصوصية للأجرة، بل لأنها أقرب الأبدال، وحيث لا أجرة فيكون البدل نظيره، ولإطلاق قوله تعالى: {وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ}(2)، وقوله سبحانه: {وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ}(3).ولو لم يكن له مثل أدى الأقرب فالأقرب.

المسألة الثامنة: في فساد العين بالردّ

ولو استلزم إخراج المغصوب - بناءً على المشهور من وجوب الإرجاع

ص: 145


1- الفقه 78: 189، وفيه: «ولا يبعد أن يكون على الغاصب إعطاء مثل المغصوب لمثل تلك المدة إذا لم تكن للمغصوب أجرة، مثلاً: إذا غصب إبريقه ساعة وغصب الإبريق ساعة لا أجرة له، فإنه يجب عليه إعطاء إبريقه له ساعة أيضاً، وإذا لم يعطِ كان للمغصوب منه الحق في الأخذ؛ لأنه داخل في قوله تعالى: {وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ}، وقوله سبحانه: {فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ}، وغيرهما من الآيات والروايات؛ إذ لا خصوصية للأجرة».
2- سورة الشورى، الآية: 40.
3- سورة النحل، الآية: 126.

مطلقاً أو في ما لم يكن إخراجه سبباً للضرر - فساده... .

فإن طلبه المالك وجب على الغاصب إرجاع العين، فإن تنزلت القيمة ضمن الأرش، وإن سقطت ماليته حق للمالك مطالبة القيمة أيضاً، كما ذهب إليه بعض الفقهاء ونسب إلى المشهور(1).

أمّا العين فلأنها ملكه ولا تخرج عنه بسقوط المالية، وأمّا القيمة فلأنه أذهب ماليته فيضمنها، وهو مقتضى الجمع بين دليل بقاء الملكية ودليل ضمان المالية.

لكنه محل إشكال؛ لاستلزامه الجمع بين العوض والمعوض، وظاهر الأدلة هو حق المالك في أحدهما وعليه بناء العقلاء، وما ذكر(2) من كونه مقتضى الجمع بين الأدلة خلاف الظاهر، ويؤيّده ما يُعطى في بدل الحيلولة، حيث لو أراد المالك أصل ماله بعد العثور عليه كان عليه إرجاع البدل.

وعليه فلا مجال للاستدلال بالاستصحاب لبقاء الملكية(3)، حيث لاشك في المقام بعد ظهور الأدلة الاجتهادية، وكذا لا مجال لرد المحقق الرشتي(4) على الاستصحاب بوجود المانع وهو تبدل الموضوع؛ وذلك لانتفاء الاستصحاب رأساً، حيث لا شك لاحق، فإن الموضوع لم يتبدل، بل هو هو إلّا أنه سقطت ماليته؛ ولذا لو أراد عين ماله حق له ذلك، ويبعد القول

ص: 146


1- مسالك الأفهام 12: 176؛ جواهر الكلام 37: 76.
2- جواهر الكلام 37: 77.
3- كفاية الأحكام 2: 639.
4- كتاب الغصب: 54.

بعدمه لتبدل الموضوع.

المسألة التاسعة: امتزاج مال المالك بمال الغاصب

لو امتزج مال المالك بمال الغاصب مما يصعب تمييزه كالحنطة بالشعير، حيث يتعسر على الغاصب أو استلزم الضرر عليه.

فقد ذكر الفقهاء في كتاب الشركة(1) أنه لو لم يمكن التمييز تحققت الشركة القهرية، لكن لو تعسر التمييز ففي الشرائع: «لو مزجه مزجاً يشق تميّزه، كمزج الحنطة بالشعير أو الدخن بالذرة، كلّف تميّزه وإعادته»(2).

ويرد عليه ما مرّ في تعسّر ردّ المغصوب في المسألة السادسة، فمقتضى القاعدة القول بالشركة، فلو نقصت القيمة بالخلط، كما لو كان سعر الحنطة دينارين وبخلطه بالشعير أصبح ديناراً، كان الضرر على الغاصب، ولو لم يُرِد الشركة رجع إلى الحاكم ليفسخها.

ومن فروع هذه المسألة: ما لو خاط ثوبه بخيط مغصوب، والحكم فيهكما في المسألة السابقة(3).

المسألة العاشرة: خياطة الجرح بالخيط المغصوب

اشارة

وأمّا لو خاط الجرح بخيط مغصوب فقد قال في الشرائع: «لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم ينتزع إلّا مع الأمن عليه، تلفاً وشيناً، وضمنها»(4).

ص: 147


1- الروضة البهيّة: 4: 197؛ رياض المسائل 9: 55؛ جامع المدارك 3: 120.
2- شرائع الإسلام 4: 764.
3- شرائع الإسلام 4: 764، وفيه: «ولو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإن أمكن نزعها، ألزم ذلك، وضمن ما يحدث من نقص. ولو خشي تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة...».
4- شرائع الإسلام 4: 764.

والكلام فيها في فروع خمسة:

الفرع الأول: في الإنسان المحترم

فلو(1) كانت الخياطة واجبة - كما في المجروح المشرف على الموت مثلاً - ولم يتوفر إلّا الخيط المغصوب فلا إثم على الطبيب، بل لو تركه كان آثماً، كما لا ضمان عليه لما مضى من كونه محسناً، ولدلالة وجوب العلاج بالدلالة الالتزامية على عدم الضمان عرفاً، وقد مرّ البحث فيه نقضاً وإبراماً.

نعم، المريض يضمن الخيط، وعليه أن يؤدّي ثمنه؛ وذلك للجمع بين الحقين، فحيث أخذ المعوض فعليه دفع العوض.

لكن ذهب في المسالك(2) إلى ضمان الطبيب لترتب يده على ملك الغير، فيشمله: «على اليد ما أخذت»، وكذا «من أتلف مالالغير».

لكنه محل تأمل؛ للانصراف بالإضافة إلى حكومة دليل الإحسان.

هذا في ما لو كان الجريح غير الطبيب، وأمّا لو خاط جرح نفسه ضمن للجمع بين الحقين.

ولو لم ينحصر في المغصوب لكنه غصبه وخاط به جرح نفسه، ففي الجواهر(3) جواز إخراجه وإن أدّى إلى موته؛ لأن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال، وللإقدام على الضرر.

وفيه تأمل؛ لعدم الدليل على الأول إلّا كلام بعض الفقهاء ولا مستند له؛ ولعدم إقدامه على الضرر، بل على الغصب وليس هو منه، بل حتى إن أقدم

ص: 148


1- مسالك الأفهام 12: 178.
2- مسالك الأفهام 12: 178.
3- جواهر الكلام 37: 81.

عليه إلّا أنه ليس كل إقدام سبب؛ لعدم شمول الدليل كما مرّ في باب الأطعمة والأشربة في بحث الباغي والعادي إذا اضطر إلى أكل الميتة، حيث ذكرنا(1) جواز الأكل مع ثبوت الإثم عليه لتقصيره، وإن أفتى بعض الفقهاء بعدم الجواز حتى الموت(2).

الفرع الثاني: في الإنسان غير المحترم

فلو جُرح الكافر الحربي فخيط جرحه بخيط مغصوب فالمشهور(3)على أنه يحق للمالك مطالبة العين، وإن استلزم استرجاعها موته أو دخول الشين عليه؛ لعدم احترامه، وثبوت الحق للمالك دونه، فلا مجال للجمع بين الحقين.

لكن السيد الوالد لم يرتضِ ذلك(4)، فليس معنى نفي احترامه جواز تشويهه أو المثلة به، أو قطع أعضائه وما أشبه ذلك، بل جواز قتله بالطرق المعتادة، كما هو المستفاد من الأدلة لا أكثر من ذلك.

الفرع الثالث: في الحيوان المأكول المحترم

فلو اضطر إلى أن يخيط جرحه فخاطه بخيط مغصوب، ففيه صورتان:

الأولى: أن يكون الحيوان ملك الغاصب، فالمشهور(5) أنه يخرج الخيط وإن أدى إلى موته.

ص: 149


1- نبراس الأحكام، كتاب الأطعمة والأشربة: 480.
2- المؤتلف من المختلف 2: 473؛ السرائر 3: 113؛ مختلف الشيعة 8: 320.
3- تحرير الأحكام 4: 528؛ جامع المقاصد 6: 304؛ مفتاح الكرامة 18: 289.
4- الفقه 78: 206.
5- المبسوط 3: 87؛ تحرير الأحكام 4: 528؛ الدروس الشرعيّة 3: 109؛ مفتاح الكرامة 18: 289.

لكن إطلاقه محل تأمل؛ لحرمة الإسراف وهو مقدم على دليل رد المغصوب على ما مرّ تفصيله، بالإضافة إلى لا ضرر، وقد قلنا: إن إقدام الغاصب لا يستلزم انصرافه عن مثل هذه الموارد.

نعم، إن أمكن الجمع بين الحقين بأن يذبح الحيوان لأكله ومن ثَمّ يستخرج خيوطه لزم ذلك.

الثانية: أن لا يكون الحيوان ملك الغاصب، فقد قيل: إنّ الحكمكذلك.

لكن لا وجه له؛ لأنه تعدٍّ على مالك الحيوان ولا يتدارك بالذبح، فقد يسبب ضرراً عليه؛ لكون المذبوح أقل سعراً، أو لعدم حاجته للحم، وحتى لو لم يسبب ضرراً عليه فلا وجه لإجباره على ذبح ماله، مع أنه لم يُقدم على الغصب، حيث لا يعلم شمول أدلة وجوب رد المغصوب للمقام.

الفرع الرابع: في الحيوان غير المأكول المحترم

ويجري(1) فيه ما جرى في الثالث، وحيث لا تنحصر الاستفادة منه في الأكل فلا يشكل بعدم الانتفاع بالذبح؛ لإمكان الاستفادة من جلده أو تجفيفه للزينة مثلاً، فالملاك ملاحظة دليل الإسراف ولا ضرر، فإن لم يتم أحدهما جرى دليل رد الغصب فيذبح ليسترجع الخيط.

الفرع الخامس: الحيوان غير المحترم

والحيوان غير المحترم كالخنزير(2)، حيث لا يملك ولا منفعة محللة له، والحكم فيه لزوم إخراج الخيط المغصوب إن أراده المالك، وإن أدّى إلى موته.

ص: 150


1- مفتاح الكرامة 18: 289.
2- المبسوط 3: 87؛ تذكرة الفقهاء 2: 396.

لكن إطلاقه محل تأمل، فإنه وإن قال البعض(1) بجواز إيذاء الحيوان، لكن الظاهر أنه من مصاديق الظلم، ومجرد كونه غير محترم لايسوّغ إيذاءه أو قتله.

نعم، دل الدليل على كراهة قتل النمل(2)، وقام الدليل(3) - كالسيرة - على جواز قتل المؤذي، وربما ينصرف دليل الظلم عن بعض الحيوانات كالحشرات، وأمّا ما عدا ذلك فلا يعلم جواز قتله اعتباطاً، ومما يؤيّد ذلك لزوم القصر في ما إذا ذهب لصيد اللهو(4)، فإن القصر إمّا ناشئ عن الدليل، وإمّا لأجل كون الصيد كذلك محرماً كما هو الأقرب؛ لأن قتل الحيوان لا بسبب عقلائي ظلم(5)، وللجمع بين الحقين يضمن الغاصب البدل.

المسألة الحادية عشرة: حصول العيب في المغصوب

اشارة

قال في الشرائع: «لو حدث في المغصوب عيب، مثل تسويس التمر أو تخريق الثوب رده مع الأرش»(6).

ص: 151


1- مهذب الأحكام 4: 355.
2- وسائل الشيعة 11: 536، وفيه: علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام) قال: «سألته عن قتل النملة أيصلح؟ قال: لا تقتلها إلّا أن يؤذيك».
3- كشف اللثام 5: 324 و 11: 275؛ جواهر الكلام 20: 172 و 43: 132.
4- مستند الشيعة 8: 263.
5- أقول: منتهى ما ذكره السيد الأستاذ حرمة قتل الحيوان بالعنوان الأولي، لكن إن ترتب عنوان آخر - كالإيذاء أو ما أشبه ذلك - فلا حرمة، والمقام من قبيل الثاني لترتب حق الغير، ولا وجه للجمع المذكور بعد ثبوت حق المالك في عين ماله، وضعف دليل حرمة قتل الحيوان غير المحترم (المقرر).
6- شرائع الإسلام 4: 765.

ولا فرق في ذلك بين حصول العيب بفعل الغاصب أو بغيره.وفي المسألة أقوال:

القول الأول: ما هو المشهور من رد العين وضمان الأرش، وهو التفاوت بين الصحيح والمعيب.

أمّا العين فلأنه ملكه ولا يخرج عنه بالتغيير فيها، وأمّا الأرش فللإجماع الذي ادعاه في الجواهر(1)، لكنه غير ثابت بالإضافة إلى معلومية مستنده؛ ولأنه اللازم العرفي لوجوب رد العين بأوصافها، فمع إذهاب الوصف يلزمه قيمته وهو التفاوت.

القول الثاني: التخيير بين ما عليه المشهور وبين أخذ البدل ل- (لا ضرر)، حيث إن الحكم عليه بانحصار حقه في أخذ العين قد يكون ضررياً، فيرتفع الانحصار فيثبت التخيير على بعض المباني، والقول بأخذ العين وبيعها إجبار للمالك على ما لا يرضاه.

لكنه أخص من المدعى، فهو تام في صورة الضرر وأمّا مع عدمه فلا.

إن قلت: يبيعه.

قلت: قد لا يحصل مشترٍ، فإجباره على أخذ الأصل مع التفاوت قد يكون فيه الضرر عليه، فتأمل.

القول الثالث: ما ذكره المحقق الرشتي(2) من أخذ العين والأرش وإن كان مستوعباً للقيمة.وهو تفصيل في القول الأول.

ص: 152


1- جواهر الكلام 37: 83.
2- كتاب الغصب، للرشتي: 55.

لكن مرّ أن أدلة رد المغصوب لا تشمل صورة الجمع بين العوض والمعوض.

فرع: في العيب الساري

قال في الشرائع: «ولو كان العيب غير مستقر كعفن الحنطة، قال الشيخ: يضمن قيمة المغصوب، ولو قيل برد العين مع أرش العيب الحاصل ثم كلما ازداد عيباً دفع أرش الزيادة كان حسناً»(1).

كما لو غصب حنطة وجعلها في مكان مرطوب فتعفنت قليلاً، ثم أرجعها فزاد العيب تدريجاً.

وفي المسألة أقوال ثلاثة:

الأول: ما اختاره الشيخ الطوسي(2).

الثاني: ما حسنه صاحب الشرائع، وربما هو المشهور(3).

الثالث: لجامع المقاصد(4) متردداً فيه، حيث فصّل بين إمكان منع السراية بسهولة، كما لو أمكن وضع اللحم في البراد مما يمنع سراية العيب فلم يفعل المالك، فلا يضمن الغاصب العيب الساري، وبين ما لم يمكنفعليه الضمان.

واستدل للقول الأول(5): بأنه لو ترك بحاله لفسد فهو كالتالف.

ص: 153


1- شرائع الإسلام 4: 765.
2- المبسوط 3: 82.
3- تذكرة الفقهاء 2: 390؛ إيضاح الفوائد 2: 180؛ مسالك الأفهام 12: 181؛ مجمع الفائدة والبرهان 10: 522؛ جواهر الكلام 37: 83.
4- جامع المقاصد 6: 268.
5- المبسوط 3: 82.

لكنه محل تأمل؛ فإن المعيوب غير التالف. نعم، مآله إلى التلف والفرق بينهما واضح.

واستدل للقول الثاني(1): بأنّ العين ملك المغصوب منه، ولا يخرج بالعيب عن ملكه فله الحق فيها، ويحق له مطالبة أرش العيب الحادث؛ لأنه أذهب الوصف فيضمنه، وأمّا العيب اللاحق فلا يضمنه؛ لعدم وجوده، فهو من ضمان ما لم يجب، ولا تشمله أدلة الضمان والأرش. نعم، لو تجدد العيب ضمنه لأنه السبب.

وأشكل عليه في الجواهر(2): بأن تقييم الأرش يختلف بين العيب الساري وغيره، فلو قومّه أهل الخبرة على النحو الأول فلا مجال لأخذ زيادة بعد السراية.

ولا بأس به، إلّا أنه لو لم يحتمل الزيادة فأخذ أرش العيب غير الساري فسرى حق له مطالبة الزيادة.

واستدل للقول الثالث(3): بأن الزيادة لا تُنسب عرفاً إلى الغاصب، بل هي بسبب إهمال المالك؛ ولذا لا ضمان في ما لو تحقق الفعلالاختياري بين السبب والتلف، حيث لا ينسب التلف إلى السبب، بل إلى الفعل، كما لو قطع إصبعه فأمكنه إيقاف النزيف فلم يفعل ومات، فلا يضمن إلّا الإصبع؛ وذلك لتخلل الفعل الاختياري، اللّهم إلّا إذا لم يمكنه ذلك، فيكون السبب ضامناً للنفس، وهو الأرجح.

ص: 154


1- جامع المقاصد 6: 266.
2- جواهر الكلام 37: 84.
3- جامع المقاصد 6: 268.

والحاصل: على الغاصب إرجاع العين وضمان الأرش الساري، وأمّا لو أدّى أرش العيب الموجود ثم سرى، فإن لم يكن بإهمال المالك ضمنه الغاصب ومع إهماله فلا ضمان.

المسألة الثانية عشرة: تفاوت القيمة

ولو تنزلت القيمة السوقية للمغصوب فهل يضمن الغاصب؟

قال في الشرائع: «ولو كان(1) بحاله رده، ولا يضمن تفاوت القيمة السوقية»(2).

أمّا الرد فواضح؛ لأنه عين ماله ولم يخرج عن ملكه بالغصب، أمّا التفاوت فالمشهور(3) عدم الضمان للإجماع(4)، ولعدم تغير شيء من العين والأوصاف، بل المتغير رغبة الناس حيث تنقص القيمة عند قلة الرغبة(5)، ولا يرتبط ذلك بالغاصب.لكن إطلاقه محل تأمل، فقد لا يقصد المغصوب منه البيع وسائر المعاملات، فلا مدخلية لانخفاض القيمة في غرضه، فيكون ما ذكره المشهور تاماً، حيث لا وجه لضمان التفاوت؛ لأن إثبات الضمان بحاجة إلى دليل وهو مفقود.

أمّا لو كان قاصداً للبيع فلم يتمكن منه بسبب الغصب كان الغاصب

ص: 155


1- أي: المغصوب.
2- شرائع الإسلام 4: 765.
3- مسالك الأفهام 12: 181.
4- جواهر الكلام 37: 85.
5- مسالك الأفهام 12: 181.

ضامناً؛ لصدق الإضرار، فيشمله دليل (لا ضرر) على المبنى.

وأمّا الإجماع فلم يثبت، بل مجرد شهرة مستندة، ومثلها ليس بحجة.

وقد ينقض كلامهم بموردين أفتوا بالضمان فيهما:

الأول: ما لو غصب الثلج في الصيف وأراد أداء مثله في الشتاء حيث أفتوا بضمان القيمة(1).

الثاني: ما لو غصب الماء في الصحراء وأراد أداء مثله عند النهر(2).

والقول بالفرق بسقوط القيمة رأساً فيهما وانخفاضها في المقام غير فارق، فالمتغير في المقامين رغبة الناس المؤثّرة في انعدام القيمة أو انخفاضها، فكما يضمن القيمة في المثالين مع عدم ورود نص خاص كذلك في المقام، حيث لم يتغير العين والوصف، ودليل (لا ضرر) مشترك.وينقض أيضاً بفتوى بعض الفقهاء(3) بضمان قيمة التنزل في ما لو لم يغصب وإنما منع من البيع مثلاً فتنزلت القيمة، فكيف يُفتي بعدم الضمان في المقام؟ ومجرد الفرق بينهما بكونه غصباً للحق أو منعاً عن التصرف في الحق غير فارقٍ.

والحاصل: إن مقتضى القاعدة في الضمان وعدمه ملاحظة تضرر المغصوب منه.

ص: 156


1- تذكرة الفقهاء 2: 384؛ إيضاح الفوائد 2: 177؛ الدروس الشرعيّة 3: 113؛ جامع المقاصد 6: 258.
2- قواعد الأحكام 2: 228؛ جامع المقاصد 6: 258.
3- نهج الفقاهة: 155.

الفصل الخامس: في المثلي والقيمي

اشارة

ولو لم يمكن أداء عين المغصوب للتلف أو للحيلولة، ضمن البدل مِثلاً أو قيمةً.

قال في الشرائع: «فإن تلف المغصوب ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثلياً... وإن لم يكن مثلياً ضمن قيمته»(1).

ويتم الكلام ضمن مباحث: في الدليل الدال على تخصيص المثل في المثلي والقيمة في القيمي، وفي حقيقتهما، وفي كيفية التمييز بينهما، وفي ملاكهما.

البحث الأول: في الدليل

ويدل على ذلك:

أولاً: الإجماع المدعى، وقد أرسله البعض إرسال المسلّمات(2)، وقال بعض: إنه من مسلّمات الفقه(3).

وثانياً: الروايات الدالة على أداء القيمة في القيميّات، وهي متفرقة فيأبواب كتب الأخبار، وقد جمعها السيد الوالد في الفقه(4).

ص: 157


1- شرائع الإسلام 4: 765.
2- جامع المقاصد 6: 245؛ جواهر الكلام 37: 85.
3- جواهر الكلام 37: 85، وفيه: «بل هو من قطعيات الفقه»؛ الفقه 78: 218.
4- الفقه 78: 219-223.

فمنها: أداء قيمة الولد في ما لو استولد الجارية المغصوبة جاهلاً بالغصب(1).

ومنها: ما ورد في صحيحة أبي ولّاد من ضمان قيمة البغل(2).

ومنها: ما ورد في الشجر والزرع والبيت والبئر والنهر(3) من ضمان القيمة، وأشكل عليه بعدم دلالته على المقصود لإطلاق القيمة على المثل! وهو محل نظر، فلو أدّى المثل - كما لو أعطى شاة بدل الشاة التالفة - لم يطلق عليه أنه أدّى القيمة.

نعم، لم يرد في الروايات ضمان المثل في المثليّات.

وأمّا(4) الاستدلال بقوله تعالى: {وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ}(5)، وقولهسبحانه: {وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ}(6) فغيرُ تامٍ، حيث لا تدل على المراد؛ لأن المثل بمعنى النظير الشامل للأعم من المثل والقيمة، كما

ص: 158


1- تهذيب الأحكام 7: 82؛وسائل الشيعة 21: 205، خبر جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيئ مستحق الجارية، قال: يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه».
2- الكافي 5: 290؛ وسائل الشيعة 19: 120.
3- مستدرك الوسائل 17: 95، وعن أمير المؤمنين(علیه السلام): «أنه قضى في من قتل دابةً عبثاً، أو قطع شجراً، أو أفسد زرعاً، أو هدم بيتاً، أو عور بئراً أو نهراً، أن يغرم قيمة ما استهلك وأفسد، ويضرب جلدات نكالاً، وإن أخطأ ولم يتعمّد ذلك، فعليه الغرم ولا حبس عليه ولا أدب، وما أصاب من بهيمة فعليه ما نقص من ثمنها».
4- الفقه 78: 219.
5- سورة الشورى، الآية: 40.
6- سورة الحج، الآية: 60.

يشمل القصاص والدية.

وثالثاً(1): إن المعنى المفهوم عرفاً من أدلة رد المغصوب مثل: «الغصب كله مردود»، و: «على اليد» هو أداء العين أولاً ثم الأقرب فالأقرب، والأقرب في المثليّات المثل وفي القيميّات القيمة.

لكن إطلاقه محل تأمل؛ لأنه قد يكون الأقرب إلى المثلي القيمة، والأقرب إلى القيمي المثل، خصوصاً مع ملاحظة الضرر أو الحرج، فلو أتلف شاته وأبدله بالقيمة لم يرَ العرف أنه الأقرب، خاصة في ما لو كان ذلك يضره؛ لاستلزامه الذهاب إلى المربض وشراء شاة مما ليس من شأنه مثلاً، بل الأقرب أداء شاة مثلها.

نعم، ربما يكون الأقرب في المثليّات هو المثل غالباً، لكن قد يكون ذلك ضرراً على المغصوب منه، كما لو غصب منه الحنطة في الشتاء وأراد الأداء صيفاً مما يتلف في الحر، حيث يرى العرف أن القيمة أقرب ولو بمعونة دليل لا ضرر، فتأمل.

البحث الثاني: في المثلي

اشارة

وفيه مطالب:

المطلب الأول: في تعريف المثلي

والظاهر عدم تحديدهما في الروايات، فالأمر موكول إلى العرف، ويتبدل باختلاف الأعراف، فقد يكون الشيء مثليّاً في زمان قيميّاً في زمان آخر، مثلاً كانت الأقمشة يدويّة لم يكن لها مثل فكانت قيميّة، لكنها اليوم صناعة

ص: 159


1- الفقه 78: 218.

المعامل فتكون مثليّة.

واعتبر الفقهاء(1) البيت والأرض من القيميّات، لكن لا يبعد كونهما من المثليّات في الجملة في ما لو اتحدت جميع مواصفاتها وأسعارها، فالمرجع هو العرف.

ولا يخفى أن الأمر لا يدور مدار لفظ القيمي والمثلي، حيث لم يرد لفظهما في الروايات، بل الأمر يدور مدار الواقع.

وقد اختلف الفقهاء في تعريفهما:

1- فقال في الشرائع في تعريف المثلي: «وهو ما يتساوى قيمة أجزائه»(2)، فنصفه نصف القيمة، وربعه ربعها كالحنطة بخلاف الثوب والشاة.

2- وقال في التحرير: ما يتماثل أجزاؤه وتتفاوت صفاته(3).

وإنما ذكر التفاوت لعدم اتحاد المثلي في كل جزء جزء كحباتالحنطة.

3- وفي الدروس: المتساوي الأجزاء والمنفعة والمتقارب الصفات(4)، وقربه في المسالك(5).

4- وحيث إن الحنطة من المثليّات وتختلف في أنواعها قال بعض الفقهاء: ما تتساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية(6)، ويظهر ذلك في الرز

ص: 160


1- جواهر الكلام 37: 89؛ كتاب القضاء، للآشتياني: 307؛ حاشية المكاسب، للهمداني: 118.
2- شرائع الإسلام 4: 765.
3- تحرير الأحكام 4: 529.
4- الدروس الشرعيّة 3: 113.
5- مسالك الأفهام 12: 183.
6- غاية المراد 2: 398.

أيضاً، حيث يختلف أنواعه طعماً وشكلاً ورائحةً وحجماً وقيمةً، لكن النوع الواحد منه متساوي الأجزاء والخصوصيّات.

وحيث إن مراد الفقهاء بيان المرتكز العرفي فلا وجه للنقض والإبرام فيها، وإن كان تعريف الدروس أفضل.

وبعبارة أخرى: إن اختلاف الفقهاء في تعريفهما ليس لاختلافهم في معناهما، بل لبيان المعنى المرتكز في أذهانهم المأخوذ من أعرافهم؛ ولذا لم يعرفهما بعض الفقهاء أصلاً؛ وذلك لأن الموضوع الذي لم يحدده الشارع موكول إلى العرف قال تعالى: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ}(1)، ويستثنى من ذلك الموضوع المستنبط وما تصرف الشارع في موضوعه العرفي، والمقام من المستثنى منه، ولو خالف ما ذكره الفقهاء للمرتكز العرفي كان الثاني هو المناط.ولذا أحال المحقق الأردبيلي(2) الأمر إلى العرف وإن لم ينطبق تعريف الفقهاء عليه، فلو كان للفرس والثوب شبيه من كل الجهات أو غالبها كان مثليّاً لا قيميّاً.

وأشكل عليه في الجواهر(3): بأنه مخالف للإجماع أولاً، وثانياً: إن الكبرى تامة لكن تم تحديد الموضوع من الشارع في المقام فلا مجال للعرف.

ويظهر ذلك بمراجعة الأدلة، حيث حكم الشارع بالقيمة في الموارد التي

ص: 161


1- سورة إبراهيم، الآية: 4.
2- مجمع الفائدة والبرهان 10: 525.
3- جواهر الكلام 37: 88.

يراه العرف مثليّاً، ومنها: كل ما ورد في الروايات في ضمان الحيوان(1)، مع أن المحقق الأردبيلي(2) حكم بالمثلي في الحيوان إذا وجد له شبيه، ومنها: الأكل من المائدة الموضوعة في الطريق، حيث حكم الشارع بأنها تقوّم ثم تعطى القيمة لصاحبها إن وجد(3)، مع أن الطعام كثيراً ما يكون مثليّاً.

ومن هذين الموردين وموارد أخرى يفهم أن المثلي والقيمي الشرعيغير العرفي.

ثم إن صاحب الجواهر(4) يرى أن المراد من تساوي الأجزاء في المثلي المماثلة في ما له مدخلية في الماليّة، لا تساويها في كل شيء أو غالب الأشياء مطلقاً. فحبّات الحنطة تختلف طولاً وعرضاً ووزناً، لكن هذا لا مدخلية له في الماليّة، بخلاف أعضاء الحيوان حيث تختلف فيختلف ثمنها.

وأضاف الجواهر(5) قيداً آخر وهو: معلومية باطن الأشياء في المثلي بخلاف القيمي. فباطن الحنطة معلوم بخلاف الشاة، وبهذا يتم الفرق بينهما.

ص: 162


1- الكافي 7: 367.
2- مجمع الفائدة والبرهان 10: 526.
3- الكافي 6: 297؛ وسائل الشيعة 3: 493، معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «أن أمير المؤمنين(علیه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وبيضها وجبنها وفيها سكين، فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): يقوّم ما فيها ثم يؤكل؛ لأنه يفسد وليس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن...».
4- جواهر الكلام 37: 88.
5- جواهر الكلام 37: 88.

وأورد السيد الوالد عليه بإشكالات(1):

الأول: دعوى الإجماع محل تأمل؛ لعدم تطرق الكثير من الفقهاء إلى تعريف المثلي والقيمي، بالإضافة إلى أنه لا يعلم من تعريف بعض الفقهاء أنه أراد تعريفهما بحدودهما، أو بيان ما هو المرتكز العرفي في زمانه، فدعوى كون الحيوان قيميّاً بالإجماع(2) محل نظر، وبعد فرض ثبوته يكون لبّياً لا إطلاق له.

الثاني: تطرقت الروايات إلى بيان القيمة دون ذكر للمثل أصلاً، وهذايدل على أن المراد من القيمة غير ما هو المصطلح من تقابلها للمثل، بل المراد البدل الشامل للمثل والقيمة، لا أقل من الإجمال فلا يمكن التمسك بالروايات.

الثالث: ما تمسك به الجواهر(3) من كون الأرض والثوب قيميّان بالإجماع، مخدوش، بتصريح بعض الفقهاء بالخلاف، كما في جامع المقاصد(4).

الرابع: إن كان المراد من معلومية الباطن المعلومية بكل الخصوصيات فهو غير متحقق في القيمي والمثلي، وإن كان المراد الباطن المؤثّر في القيمة فهو معلوم فيهما على حد سواء.

وعليه: فالأظهر ما ذكره المحقق الأردبيلي(5) من عدم تحديد شرعي

ص: 163


1- الفقه 78: 227-228.
2- جواهر الكلام 37: 89.
3- جواهر الكلام 37: 89.
4- جامع المقاصد 6: 243.
5- مجمع الفائدة والبرهان 10: 525.

لهما، فيكون المرجع هو العرف كسائر المواضيع، وقد تختلف الأعراف باختلاف الأزمان والأماكن،كما هو الحال في المكيل والموزون في الرّبا.

وقد فصل المحقق الرشتي صفات الشيء التالف إلى ثلاثة أقسام(1)، بل هي أربعة:الأول: ما لا يؤثّر في الماليّة، ولا تختلف الأغراض بتفاوته، كأن تكون الحنطة من هذه المزرعة أو تلك، وهذا لا مدخليّة له في القيمي والمثلي، حيث لا يخصص شيء من المال بإزاء تلك الصفات، فلا ضمان لتلك الصفة.

الثاني: ما كان مؤثّراً في الماليّة، وتختلف الأغراض بلحاظه، كما هو شأن الكثير من الصفات، كحنطة خراسان وغيرها، وهذا مما يراعى في المثليّة والقيمية، ويضمنها المتلف.

الثالث: ما اختلفت الأغراض فيه، ولم يؤثّر في القيمة، كاللحم المذبوح بيد قصاب محتاط وغيره مما يتحد سعره في السّوق، لكن رغبة جمع من الناس في الأول، ومثل هذه الصفات لا بد من مراعاتها في المثليّة.

الرابع: ما لا مدخلية له عند عامة العقلاء، كأن تكون الحنطة من مزرعة زيد، لكن المغصوب منه لا يريد الأداء منها لعداوة بينهما مثلاً، أو لشبهة غير ملزمة في مزرعته، ومثله لا مدخليّة له في المثليّة؛ لأصالة عدم تعلق الخصوصية غير العقلائية في الذمة.

لكنه غير مرتبط بالمدعى، فليس الكلام في الخصوصية غير العقلائية، بل عدم اهتمام غالب العقلاء بتلك الخصوصية، أمّا مَن له غرض بها فقد يكون غرضه عقلائياً - كما في المثال المذكور - حيث لا يهتم به العقلاء،

ص: 164


1- كتاب الغصب: 57.

لكن الغرض عقلائي، وقد لا يكون غرضه عقلائياً، كما لوطالب الأداء من الحنطة المجعولة على اليسار لا اليمين.

ثم أضاف المحقق الرشتي(1): بأن اشتراط الأوصاف غير المعتبرة عقلائياً موجب للبطلان، كما لو اشترى الحنطة بشرط أن تكون من مزرعة فلان، فكما أن هذا الشرط غير معتبر في المماثلة كذلك لو اشترط في المعاملة كان لغواً.

لكنه محل تأمل؛ لعدم حرمة اشتراط شيء غير عقلائي، فيشمله عموم أدلة الشرط مع عدم انصرافها، وهذا بخلاف المقام حيث يضمن أداء المثل، ولا مدخليّة للوصف غير العقلائي في المثليّة، فلو أدّى من دون الوصف المذكور كان ممتثلاً، وأمّا بطلان شرط الوصف غير العقلائي فهو بحاجة إلى دليل - كمخالفة الكتاب - وهو مفقود، فإن الغرض الخاص غير العقلائي إلّا أنه لا يكون سبباً لتخصيص دليل: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

المطلب الثاني: في تعذر المثل

ولو تعذر المثل في المثلي انتقل إلى القيمة اتفاقاً(3).

واستدل لذلك بأدلة:الأول: الإجماع(4).

ص: 165


1- كتاب الغصب: 57.
2- الاستبصار 3: 232؛ وسائل الشيعة 21: 276.
3- شرائع الإسلام 4: 765؛ كفاية الأحكام 1: 530؛ رياض المسائل 12: 265؛ جواهر الكلام 37: 94.
4- مفتاح الكرامة 18: 143؛ جواهر الكلام 37: 94.

الثاني(1): مقتضى كلمة (مردود) في قوله(علیه السلام): «الغصب كلّه مردود»(2) هو الرد بعينه، فإن لم يمكن فالمثل، وإلّا فالقيمة عند تعذر المثل.

الثالث: إنه مقتضى الجمع بين حق الغاصب والمغصوب منه، فإن التأخير إلى وجدان المثل تضييع لحق المالك - مع مطالبته - لإلزامه بالصبر، كما أن إجبار الغاصب بأداء المثل تكليف بما لا يطاق، وبتقرير آخر: إلزامهما صبراً أو أداءً ضرري أو حرجي.

الرابع: سيرة العقلاء مع عدم ردع الشارع.

الخامس: انقلاب المثلي إلى القيمي مع عدم وجوده لما عرف من كونه متساوي الأجزاء متوفر في السوق.

وقد يشكل: بأن مقتضى وجوب أداء الأقرب بعد فقد المثل هو شبيهه لا قيمته، فلو غصب شاة ولم يتوفر مثلها - بعد فرض كونها مثليّة خلافاً للمشهور - كان الأقرب شبيهها من فصيل آخر كالمعز، لا قيمتها.

ويؤيّده: النذر والوصية حيث إن فقد متعلقهما رجع إلى الأقرب، فلو نذر أو أوصى لحم شاة للفقراء فانعدمت وجب إعطاء لحم البعير مثلاً،وكذلك المقام.

والجواب عنه: بالفرق بينهما وبين المقام حيث الارتكاز هو الملاك فيهما، فإن غرض الناذر أو الموصي هو الأصل، وقد أشار إليه بالمصداق المعين، فلو لم يتوفر انتقل إلى مصداق آخر محقق للغرض، كما لو أوقف

ص: 166


1- كتاب الغصب، للرشتي: 62؛ الفقه 78: 232.
2- الكافي 1: 542؛ وسائل الشيعة 9: 524؛ تهذيب الأحكام 4: 130 وفيه: «المغصوب كلّه مردود».

أرضاً لإنارة المساجد بالشموع، حيث ينتقل إلى المصابيح الكهربائية، بخلاف المقام حيث لا ارتكاز، بل يجب تحقق (الرد) بما هو الأقرب، وليس شبيه المثل أقرب، بل القيمة.

هذا بالإضافة إلى التصريح ب- (القيمة) في الروايات(1)، بغض النظر عمّا سبق من بيان المراد من القيمة.

المطلب الثالث: في انتظار وجدان المثل

ولو لم يمكن تحصيل المثل إلّا بعد فترة وطلب المغصوب منه الانتظار، ففيه صورتان:

الأولى(2): أن يولّد ذلك ضرراً على الغاصب ولو بإبقاء ذمته مشغولاً، حيث يشعر بالحرج النفسي، فلا يُلزم الغاصب بالانتظار، ل- (لا ضرر) على المبنى، والقول بأنه أقدم على الضرر غير تامٍ؛ لما سبق.

وإن تضرر المالك مع الانتقال إلى القيمة تعارض الضرران فيتساقطان، فلا بد من ملاحظة سائر الأدلة ومنها: أصالة براءة ذمة المغصوب منه منوجوب قبول القيمة.

أو يقال بعدم جريان (لا ضرر) لأنه غير مثبت للتكليف، سواء قلنا بعدم جريانه أصلاً؛ لعدم كونه من موارده، أم لعدم جريانه لفرض التساقط.

الثانية(3): أن لا يولّد ذلك ضرراً على الغاصب، فالمالك مخيّر بين الصبر إلى أن يجد المثل وبين المطالبة بالقيمة، ولا يحق للغاصب إجبار المالك

ص: 167


1- الكافي 5: 290.
2- الفقه 78: 235.
3- الفقه 78: 234.

على قبول القيمة مع فرض كون المثل حقه الأصلي.

وقد يشكل: بأن المراد من «الغصب كلّه مردود» الإنشاء فيجب الرد فيجب القبول، ولا يحق له الامتناع عن الأخذ.

وفيه نظر: إنه لا ملازمة بين وجوب الأداء ووجوب القبول. والتفكيك في الأحكام كثير وكل يعمل بوظيفته، كما في حقوق الزوجين، حيث يجب على الزوجة التمكين ولا يجب على الزوج الوطء، كما يجب عليه أداء النفقة ولا يجب عليها القبول، هذا أولاً.

وثانياً: وجوب أداء القيمة مصادرة، فالمغصوب منه مكلَّف بالرد، لكن كون متعلقه رد القيمة أول الكلام. نعم، أصل الرد واجب.

وثالثاً: مقتضى الدليل أداء المثل، والانتقال إلى القيمة بحاجة إلى دليل مفقود في المقام.

المطلب الرابع: في تشخيص تعذر المثل

اشارة

ذهب بعض الفقهاء(1) إلى أن ملاك تعذر المثل في المثلي: عدم وجوده في البلد وحواليه.

لكن يشكل عليه بعدم الاطراد والانعكاس، فقد يتوفر في بلد بعيد مع إمكان إيصاله إلى وكيل المغصوب منه، أو نفسه مباشرة لوجوده فيه، كما قد يتوفر في نفس البلد لكن يمتنع مالكه من بيعه.

وذهب بعض الفقهاء(2) إلى أن المرجع في التعذر العرف، وهو جارٍ في

ص: 168


1- تذكرة الفقهاء 2: 383؛ مسالك الأفهام 12: 183؛ كفاية الأحكام 2: 640؛ حاشية المكاسب، للإصفهاني 1: 386؛ التنقيح في شرح المكاسب 36: 269.
2- جامع المقاصد 6: 245.

كل موضوع لم يحدده الشارع.

وأشكل عليه(1): بأن التعذر العرفي غير نافع في الانتقال إلى القيمة، بل الملاك الاستحالة العقلية، فعلى الغاصب إعادة المثل ما دام ممكناً، ومستنده قاعدة: (الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال وإن تضرر)، حيث أقدم على الضرر بنفسه.

وفيه: ما مضى من عدم الدليل على القاعدة المذكورة، وعدم الإقدام على الضرر، بل أقدم على الغصب.

والحاصل: مع كون تحصيل المثل عسراً أو حرجاً أو ضرراً فهومتعذر عرفاً، فتكليف الغاصب به مرفوع.

المطلب الخامس: في زمان الانتقال إلى القيمة

ثم إنه مع تعذر المثل ينتقل التكليف إلى أداء القيمة، لكن وقع الخلاف في ضمان قيمة يوم الغصب أو يوم التعذر أو يوم الأداء أو أعلى القيم أو غير ذلك، حيث تختلف القيمة زيادةً ونقصاناً.

ومقتضى القواعد - حيث لا نص خاص في المقام - ضمان قيمة يوم الأداء، ويدل عليه: أولاً: إنّ الثابت في ذمة الغاصب المثل، ولا دليل على انتقاله إلى شيء آخر مع انعدامه، فيستمر بقاؤه في ذمته إلى حين الأداء، ثم ينتقل إلى القيمة، فلا مدخليّة لارتفاع القيمة وانخفاضها في تلك الفترة.

وثانياً: ما في مفتاح الكرامة(2) - في معرض رده على القول بضمان قيمة يوم الإعواز؛ لأنه وقت انتقال ما في الذمة من المثل إلى القيمة - من أنه لو

ص: 169


1- جواهر الكلام 37: 96.
2- مفتاح الكرامة 18: 145.

اشتغلت الذمة بالقيمة عند الإعواز لم يكن وجه لرجوعه إلى المثل بعد وجوده، والتالي باطل - لحكم الفقهاء بلزوم دفع المثل عند توفره - فالمقدم مثله.

وفيه تأمل؛ حيث لا محذور من لزوم أداء المثل مع توفره قبل الانتقال إلى القيمة أو بعده(1).فالعمدة ما ذكرناه أولاً.

إن قلت: إن الحكم باشتغال ذمته بالمثل بعد تعذره لغو.

قلت: إن الحكم المذكور أمر اعتباري لا يلزم وجود متعلقه خارجاً إلّا عند الأداء، كما هو الحال في بيع الحنطة قبل زرعها، حيث تبقى ذمته مشغولة مع عدم وجودها خارجاً.

والحاصل: إن التعذر الخارجي لا ينافي ثبوت المثل في الذمة؛ لأنه أمر عقلائي اعتباري. فتحصل أن الضمان إنما هو بقيمة يوم الأداء.

وفصل بعض الفقهاء(2): بين ما لو كان المثل موجوداً ثم انعدم فالضمان بقيمة يوم الأداء، وبين ما لو كان منعدماً عند التلف فالضمان بقيمة يوم التلف؛ وذلك لأنه لو كان المثل موجوداً عند التلف فقد اشتغلت ذمته به، فلو انعدم بعد ذلك استصحب اشتغال ذمته به إلى حين الأداء، وحيث لا يمكن الأداء ينتقل إلى القيمة، وأمّا لو لم يكن موجوداً من الأول فلا ينتقل

ص: 170


1- وفيه نظر؛ فإنه تام ثبوتاً حيث لا محذور في ذلك، لكن إثباتاً الأمر بحاجة إلى دليل، فإن الشارع إن حكم بالقيمة عند التعذر استصحبت، حيث لا دليل على رجوع المثل إلى الذمة بعد توفره (المقرر).
2- تذكرة الفقهاء 2: 383؛ كفاية الأحكام 2: 640.

المعدوم إلى ذمته فلا مجال للاستصحاب، بل تثبت القيمة في ذمته حين التلف.

وفي الشق الثاني نظر؛ فإن تعذر المثل وعدمه مرتبط بكيفية التدارك لا باشتغال الذمة، فإن الذمة قد تشتغل بالمعدوم خارجاً، كما أنه لا فرق فياشتغال الذمة بين الشقين، فقد يكون موجوداً ثم ينعدم، وقد يكون معدوماً من أول الأمر، فالحكم باشتغال الذمة أمر اعتباري عقلائي، وهو متحقق في المقامين، ولا يكون الحكم بذلك لغواً، فإن مآله إلى لزوم أداء المثل عند توفره بعد الانعدام، أو لزوم أداء قيمة يوم الأداء.

وقد يستدل على ما اخترناه من ضمان قيمة يوم الأداء بالسيرة العقلائية التي لم يردع عنها الشارع، إلّا أن يترتب عليه ضرر على المالك، وهو بحث آخر.

فرع: لو تغيرت القيمة بعد حكم الحاكم

ولو حكم الحاكم بقيمة معينة، فتغيرت عند أدائها زيادة أو نقصاناً، لم يلزمه الحكم المذكور، بل المعتبر القيمة عند الأداء.

قال في الشرائع: «ولو أعوز فحكم الحاكم بالقيمة فزادت أو نقصت لم يلزم ما حكم به الحاكم، وحكم بالقيمة وقت تسليمها؛ لأن الثابت في الذمة ليس إلّا المثل»(1).

والقول بعدم إمكان نقض حكم الحاكم غير جارٍ في المقام، فإن الحكم المذكور ليس ولائيّاً يسبب انتقال ما في الذمة من المثل إلى القيمة، بل هو طريق إلى الواقع الذي قد يتغير.

ص: 171


1- شرائع الإسلام 4: 765.

وبعبارة أخرى: إن حكمه تابع لموضوع، يتغير بتغيره، كما لوحكم على الزوج بلزوم النفقة فطلقها حيث لا يلزمه النفقة؛ لتغير موضوع الحكم بها، فليس معناه عدم احترام حكمه، بل تغيره بتغير موضوعه، فتأمّل.

المطلب السادس: في وجود المثل بعد أداء القيمة

ولو(1) أدّى القيمة ثم وجد المثل، فلا يحق له مطالبته بعد إرجاعها؛ لأنها بدل حقيقي تبرأ ذمته بأدائها، فلا يمكن إلزامه به بعد فراغها.

وقد ينقض برجوع العين بعد أداء المثل أو القيمة، حيث يحق للمالك المطالبة بها بعد إرجاعهما، ولا فارق بين المقامين.

لكن الفرق واضح؛ لأن المدفوع مع تلف العين بدل حقيقي تبرأ الذمة بخلاف بدل الحيلولة، حيث يحق للمالك مطالبة المبدل منه بعد توفره؛ لعدم انقطاع المالك عن ملكه، وعدم براءة ذمة الغاصب على إطلاقه، بل بشرط عدم إمكان الوصول إلى العين؛ ولذا تبقى ذمته مشغولة في الجملة، وسيأتي بحثه في بدل الحيلولة.

نعم، لو اشتراه الغاصب وأعطاه ثمنه لم يحق له مطالبة العين بعد وجودها؛ لعدم كون المدفوع بدل الحيلولة، بل ثمن العين بعد انتقالها إليه.

المطلب السابع: في ملاحظة الخصوصيات في المثلي

ثم إنه هل للزمان والمكان وسائر الخصوصيات مدخلية في المثليّة بالإضافة إلى الأوصاف أم لا؟ كما لو غصب الماء في الصحراء وأراد الأداء عند النهر، أو غصب منه مالاً في بلده وأراد إرجاعه في بلد آخر، بحيث لا

ص: 172


1- تذكرة الفقهاء 2: 383؛ التنقيح في شرح المكاسب 36: 270.

يمكن للمالك نقله إلى بلده، وكما لو غصب الثلج صيفاً وأراد الأداء شتاءً، وكما لو غصب شيئاً حين كان مسموحاً وأراد الأداء حين حظرته الدولة، حيث إنه لا يرتبط بالزمان والمكان، بل بخصوصية قانونيّة.

وقد استدل(1) على مدخليتها في المثليّة بقوله تعالى: {فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ}(2)، فمع التفاوت المذكور لا يكون الشيء مثله عرفاً.

واستدل(3) على عدم مدخليتها بوجوب رد المظلمة فوراً؛ لحرمة الغصب آناً فآناً، فالصبر إلى الزمان أو المكان المماثل استمرار للظلم والغصب.

ولا ضير في تضرر الغاصب - إن تضرر بذلك - لأنه أقدم على الضرر، أو لأنه يؤخذ بأشق الأحوال.

وأمّا لو تضرر المغصوب منه بذلك فعلى الغاصب أداء القيمة؛ لأنهمقتضى الجمع بين دليل الضرر المنفي ودليل وجوب الرد الفوري.

ولو عكس الأمر بأن غصب الثلج شتاءً أمكن إلزامه بالأداء صيفاً(4)؛ لوجوب الرد الفوري وإن تضرر بذلك؛ لأنه أقدم على الضرر.

لكن إطلاق القول المذكور محل تأمل؛ لمدخلية الزمان والمكان وبعض الخصوصيات في المثليّة، وأمّا تضرر الغاصب وأنه يؤخذ بأشق الأحوال فقد

ص: 173


1- الفقه 78: 240.
2- سورة البقرة، الآية: 194.
3- مفتاح الكرامة 18: 176؛ الفقه 78: 242.
4- تذكرة الفقهاء 2: 384؛ إيضاح الفوائد 2: 177؛ الدروس الشرعيّة 3: 113؛ مفتاح الكرامة 18: 177.

مرّ الجواب عنه.

نعم، لو تضرر المالك فهو مخيّر بين الانتظار وتحمل الضرر بشرط عدم تضرر الغاصب وبين أخذ القيمة.

المطلب الثامن: في تحول المثلي إلى القيمي أو العكس

ولو كان مثليّاً فأصبح قيميّاً أو بالعكس لوحظ فيه حالة وقت الأداء.

وهذا الفرع فرضي، بناء على تعريف المشهور بتساوي الأجزاء، حيث لا يمكن الانقلاب. وأمّا على التعريف بالعرفيّة فقد ينقلب.

هذا تمام الكلام في مباحث المثلي.

البحث الثالث: في القيميّ

اشارة

قال في الشرائع: «وإن لم يكن مثليّاً ضمن قيمته»(1)، لأنه الأقرب إلى المغصوب.وفي القيمي مطالب في تعريفه ودليل وجوب أدائه، واختلاف القيم زماناً ومكاناً.

المطلب الأول: في تعريف القيميّ

ومما ذكرناه في تعريف المثلي يُعرف تعريف القيميّ، ويجري فيه النقض والإبرام الذي جرى هناك ولكن لا بأس بتعريفه مختصراً.

فقد قيل: إن القيميّ ما لا يكون طريق إلى إحراز مساواة أفرادها في الخصوصيات والصفات.

فمثل الشاة لا طريق لإحراز تساوي صفات أفرادها فهي قيميّة بخلاف

ص: 174


1- شرائع الإسلام 4: 765.

الحنطة.

والمراد من مساواة الأفراد ما مرّ في تعريف المثلي من عدم إمكان كشف باطن الأشياء، بخلاف ظاهرها التي يمكن إحراز شبهها، فلا طريق لإحراز تساوي الصفات الباطنيّة.

وقد مرّ الإشكال عليه بعدم اشتراط المساواة في جميع الصفات، بل الصفات المؤثّرة في قيمة الشيء وفي رغبات الناس، وعليه لا يلزم التساوي في كل الصفات، فحبات الحنطة تختلف حجماً ووزناً لكن الاختلاف المذكور غير مؤثّر، بخلاف طعمها ودوامها وما أشبه التي تؤثّر في القيمة والرغبة.

وعليه: فما ذكر في تعريف المثلي غير طارد؛ إذ يمكن انطباقه على القيمي أيضاً؛ إذ يمكن إحراز مساواة الأفراد في الخصوصيات والصفاتالمطلوبة والمؤثّرة في الرغبة والقيمة.

وقيل: إن القيميّ لا يتساوى أجزاؤه(1) فتختلف قيمة كل جزء عن جزء آخر.

ولكن يشكل بعدم الدليل عليه، وإنما هو بيان الفقهاء لمرتكزاتهم العرفية، التي تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، فلا ملاك محدد له حتى يلتزم به، فلا ندور مدار التعريف المذكور، وإنما الملاك في القيمي هو العرف.

المطلب الثاني: في اختلاف القيم زماناً

اشارة

ثم إنه قد تختلف القيمة باختلاف الزمان، فهل يضمن قيمة يوم الغصب، أو يوم التلف، أو يوم الأداء، أو أعلى القيم من الغصب إلى التلف، أو غير

ص: 175


1- تذكرة الفقهاء 2: 381.

ذلك؟

القول الأول: ضمان قيمة يوم الغصب

أمّا ضمان قيمة يوم الغصب(1)، فقد استدل له بأدلة، منها:

الدليل الأول: إن العين تدخل في ذمة الغاصب بمجرد الغصب(2)، وحيث إنه قيمي يضمن القيمة في ذمته.

لكنه غير تام، فليس المراد من الضمان ثبوت البدل في الذمة، بلالمراد أن المغصوب قبل الغصب كان في عهدة المالك وبعده في عهدة الغاصب، فمع وجود العين لا معنى للقول باشتغال الذمة بالبدل، بل عليه إرجاعها ما دامت موجودة، ولو تلفت أو عطبت كانت بعهدته، فهنا حكمان: منجّز، وهو وجوب رد العين، ومعلّق إنه لو تلف كان في ذمته.

الدليل الثاني(3): ما في صحيحة أبي ولّاد حيث سأله: «أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني؟ فقال(علیه السلام): نعم، قيمة بغل يوم خالفته»(4)، وهو يوم الغصب، فقبله لم يكن غصب، بل كرى.

لكنه لا يخلو عن إشكال، فإنه إنما يتم لو كان متعلق الظرف هو قوله: (قيمة) أي: (قيمة يوم المخالفة)، وأمّا مع احتمال تعلقه بفعل محذوف هو (يلزمك) المستفاد مما ورد في السؤال، أي: (يلزمك يوم خالفته قيمة بغل)

ص: 176


1- شرائع الإسلام 4: 765.
2- المبسوط 3: 60؛ إرشاد الأذهان 1: 446؛ مسالك الأفهام 12: 185؛ كفاية الأحكام 2: 641؛ مفتاح الكرامة 18: 148.
3- جواهر الكلام 37: 101؛ كتاب المكاسب 3: 244-245؛ كتاب المكاسب والبيع، للنائيني 1: 359.
4- الكافي 5: 291؛ وسائل الشيعة 25: 391.

فلا يدل على المطلوب؛ لسكوتها عن زمان الضمان، فالرواية مجملة.

هذا مضافاً إلى اختلاف التعبير في نفس الرواية في مقامات ثلاثة لا فارق بينها، وهي: (يوم خالفته) و (يوم اكترى) و (يوم ترده عليه) حيث قال(علیه السلام): «أو ياتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا»(1)، وقال(علیه السلام): في جواب السؤال فإن أصاب البغلكسر أو دبر أو غمز؟: «عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه»، فيشتد الإجمال، فلا يمكن الاستدلال بها على أنه يضمن قيمة يوم الغصب.

الدليل الثالث: ما ذكره المحقق الرشتي(2) فقد شبّه المقام ببدل الحيلولة حيث يضمن قيمة يوم الحيلولة؛ لحيلولته بين المالك وسلطنته على ملكه، فيضمن من حينها، وكذلك المقام حيث أذهب سلطنة المالك بالغصب، فيضمن من حينه وهو يوم الغصب.

وفيه نظر؛ لعدم تمامية دليل المشبّه به، فالضمان في بدل الحيلولة أيضاً حسب قيمة يوم الأداء.

القول الثاني: ضمان قيمة يوم التلف

وهو المشهور(3) من ضمان قيمة يوم التلف، واستدل له: باشتغال ذمة الغاصب بالبدل حين التلف(4)، وحيث إنه قيميّ تثبت قيمة يوم التلف في

ص: 177


1- الكافي 5: 291؛ وسائل الشيعة 25: 391.
2- كتاب الغصب: 65.
3- قواعد الأحكام 2: 95؛ تحرير الأحكام 4: 530؛ الدروس الشرعيّة 3: 113؛ جامع المقاصد 6: 246؛ مجمع الفائدة والبرهان 10: 527؛ مفتاح الكرامة 18: 147.
4- مفتاح الكرامة 18: 152؛ الفقه 78: 249.

ذمته، وما عدا ذلك من القيم السابقة أو اللاحقة على التلف فهي قيم فرضيّة لا اعتبار بها عند العقلاء.وأشكل عليه السيد الوالد في الفقه(1): بأنّه لا دليل على ثبوت القيمة في الذمة، بل الثابت فيها نفس الشيء حتى لو تلف فإنه مجرد اعتبار، ولا ضير في اشتغال الذمة بغير الموجود، فإن عالم الاعتبار غير مرتبط بعالم الخارج، وعليه لا معنى لضمان قيمة يوم التلف؛ لعدم ثبوتها في ذمته، بل نفس المغصوب ينتقل إلى الذمة، وهذا إشكال مبنوي.

القول الثالث والرابع: ضمان أعلى القيم

أعلى القيم من زمان الغصب إلى حين التلف، أو حين الأداء(2).

واستدل له(3): باشتغال الذمة بالقيمة صعوداً ولا يعلم بفراغها حين نزولها، فيستصحب.

لكنه محل تأمل من جهتين:

الأولى: بناءً على ما اخترناه من عدم اشتغال الذمة بالقيمة، بل بنفس الشيء، فلا يكون ازدياد القيمة ونقصانها مؤثّراً.

والثانية: بناءً على اشتغال الذمة بالقيمة، فقد اشتغلت بقيمة يوم الغصب، ولا يعلم اشتغالها بالزيادة بعد ذلك، فيستصحب عدم الاشتغال.

نعم، يستثنى منه ما لو أوجب الضرر على المالك فقد يضمن أعلى القيم، كما لو أراد المالك بيعه حين زيادة القيمة. بناءً على كون (لاضرر)

ص: 178


1- الفقه 78: 249.
2- الخلاف 3: 415؛ الوسيلة: 276؛ اللمعة الدمشقية: 235؛ مختلف الشيعة 6: 116.
3- مفتاح الكرامة 18: 150.

مثبتاً للحكم، كما هو الأقوى.

المطلب الثالث: الضمان مع اختلاف القيم مكاناً

اشارة

لو اختلفت القيمة من مكان إلى مكان(1) حسب قانون العرض والطلب، أو لاختلاف الرغبات أو ما أشبه، فهل تلاحظ قيمة مكان الغصب أو التلف أو الأداء، أو أعلى القيم في الأمكنة التي مرّ عليها المغصوب لا مطلق الأمكنة.

والظاهر أن الملاك قيمة مكان الأداء؛ لما ذكر من الدليل في اختلاف القيم زماناً، فإن المثليّة في ذلك عرفاً.

إلّا أن يسبب ضرراً على المالك، فلا بد من ملاحظة (لا ضرر) بحيث لا يتضرر أحدهما.

وهنالك(2) قول آخر باتحاد ملاكه مع ملاك الزمان، فيضمن قيمة يوم الغصب ومكانه، أو قيمة يوم التلف ومكانه، أو قيمة يوم الأداء ومكانه، أو أعلى القيم زماناً ومكاناً، حسب اختلاف الأقوال.

ولا وجه لهذا القول؛ لأن الملاك في الزمان غير الملاك في المكان؛ لعدم كون دليل المسألتين واحداً، فإناطة مكان الغصب بزمان الغصب محل تأمل، فلا بد من مراجعة العرف.

تتمة

لو اختلفت القيمة بين مكانين لأسباب مختلفة، كأخذ الجمارك، مما يسبب الغلاء في مكان دون آخر، أو مدينة فقيرة وأخرى غنية أو ما أشبه ذلك

ص: 179


1- الفقه 78: 257.
2- كتاب الغصب، للرشتي: 71.

لم يكن ذلك مؤثّراً، فالملاك هو المثليّة العرفيّة إلّا مع الضرر الذي هو عنوان طارئ.

المطلب الرابع: الزّيادة في أداء الذهب والفضة

الذهب والفضّة مثليّان على المشهور(1)؛ لانطباق التعريف(2) عليهما، لكن لو اختلفت القيمة ففي الشرائع: «والذهب والفضة يضمنان بمثلهما، وقال الشيخ: يُضمنان بنقد البلد كما لو أتلف ما لا مثل له»(3).

بيان ذلك: إن لمادة الذهب قيمة معينة ولصورته - وهي صياغته - قيمة أخرى، فأداء المثل مع تفاوت الوزن مستلزم للرّبا. مثلاً: لو أتلف نقداً من الآثار القديمة التي قيمته أضعاف مضاعفة، أو أتلف قلادة، فأداء مثله ذهباً مستلزم لاختلاف الوزن(4).

قال الشيخ الطوسي(5): الذهب والفضة مثليان إن اتفق المضمون(6)والنقد(7) وزناً، أمّا لو اختلفا وتفاوتا وكان أحدهما أكثر قُوِّم بغير جنسه.

ص: 180


1- السرائر 2: 486؛ تحرير الأحكام 4: 530؛ إيضاح الفوائد 2: 179؛ الدروس الشرعيّة 3: 116؛ جامع المقاصد 6: 263.
2- سواء قلنا بأن الملاك تساوي الأجزاء أو العرفية.
3- شرائع الإسلام 4: 766.
4- وفي أصل المسألة نظر؛ لأنه إن توفر المثل بعينه مع الخصوصيات التي لها مدخلية في المثلية لم يكن ربا، فقلادة بقلادة ونقد بمثله، وإن لم يتوفر المثل انتقل إلى القيمة، فلو كان قيمة الذهب غير المصاغ ألفاً والقلادة ألفين أدى ألفين ثمن القلادة، وليس ذلك من الرّبا (المقرر).
5- المبسوط 3: 59 و61.
6- أي: ما أتلفه والذي عليه ضمانه.
7- أي: ما يؤديه بدلاً عن التالف.

لكن ذهب ابن إدريس(1) إلى عدم استلزامه للرّبا المعاملي؛ لاختصاصه بالبيع، والمقام ليس بيعاً، بل غرامة، فلا إشكال في أخذ الزيادة.

وبما أن المسألة تدخل في باب البيع فتفصيل الكلام موكول إلى محله، لكن نشير إليه باختصار.

ذهب المشهور(2) إلى عدم اختصاص الرّبا المعاملي بالبيع، بل يشمل المعاوضات وغيرها كالغرامات، بينما ذهب جمع(3) إلى اختصاصه بالمعاوضات، وذهب ابن إدريس(4) إلى اختصاصه بالبيع.

ومثّل المحقق الرشتي(5) لما ذهب إليه المشهور بأمثلة:

منها: ما لو أعطى ذهباً غير مصاغ وأخذ بوزنه ديناراً، ثم تبين وجود العيب في أحدهما لم يحق له مطالبة الأرش؛ لاستلزامه الرّبا، فإن القيمة وإن اتحدت بعد أخذ الأرش لكن اختلاف الوزن موجب للرّبا، مع أنهجبر نقص أو غرامة أو ما أشبه، وليس من ضمن المعاملة.

ومنها: ما لو اختلط صاع من حنطته الجيدة وسعرها دينار بصاع حنطة رديئة سعرها نصف دينار لغيره، ولم يمكن التمييز حصلت الشركة القهريّة، فتنصف بينهما وإن تضرر مالك الحنطة الجيدة، ولا يحق له أن يأخذ الثلثين، فإنه وإن صح التقسيم المذكور بملاحظة القيمة، لكن بملاحظة

ص: 181


1- السرائر 2: 486-487.
2- شرائع الإسلام 4: 766؛ كنز الفوائد 1: 590؛ الحدائق الناضرة 19: 275.
3- نهاية الإحكام 2: 562؛ الدروس الشرعيّة 3: 331؛ الأقطاب الفقهية: 123؛ الروضة البهيّة 4: 181.
4- السرائر2: 486.
5- كتاب الغصب: 72-73.

الوزن مستلزم للرّبا، أو يتم بيعها فيحق له أخذ ثلثي القيمة.

ومنها: ما لو كان له ثوب بقيمة دينار فأتلفه لم يجز مصالحته بدينارين؛ لاستلزامه الرّبا، فإما أن يصالحه بدينار أو بشيء آخر كالكتاب.

ومن الأمثلة المذكورة يظهر أن الرّبا جارٍ في غير المعاوضات، كالأرش والتقسيم ومصالحة ما في الذمة.

بينما ذهب جمع من الفقهاء كصاحب الجواهر والسيد الوالد(1) وحتى صاحب الشرائع في موضع(2) إلى أن الموارد المذكورة خارجة عن الرّبا موضوعاً.

قال في الجواهر: «قوة احتمال منع الرّبا في الغرامات»(3).

وقال في الشرائع: «ولو كان في المغصوب صنعة لها قيمة غالباً كانعلى الغاصب مثل الأصل وقيمة الصنعة(4)، وإن زاد على الأصل ربويّاً كان أو غير ربوي؛ لأن للصنعة قيمة تظهر لو أزيلت عدواناً، ولو من غير غصب»(5).

فتجوز عنده الزيادة؛ لأنه ليس معاوضة، بل غرامة.

ويدل على ذلك:

أولاً: إن حقيقة الرّبا المعاملي على المشهور بين الفقهاء - كالشيخ(6)

ص: 182


1- الفقه 78: 261.
2- شرائع الإسلام 4: 766.
3- جواهر الكلام 37: 109.
4- أي: قيمة الذهب وقيمة صياغته.
5- شرائع الإسلام 4: 766.
6- المبسوط 3: 61.

وابن إدريس(1) والعلامة في بعض كتبه(2) - هو: الزّيادة في أحد العوضين، وينطبق هذا التعريف على ما هو المرتكز عرفاً، فلا ربا إن لم يكن هنالك عوضان أو لم تكن زيادة. والغرامة وما أشبه ليس زيادة أصلاً فضلاً عن كونه في أحد العوضين، بل هي قيمة الشيء.

ثانياً: ما رُوي عن الإمام الرضا(علیه السلام) من سبب النهي عن الرّبا قال(علیه السلام): «لما فيه من فساد الأموال»(3).

وأداء قيمة الذهب وصياغته بعد الغصب والإتلاف ليس من فساد المال، بل عدمه فساد، فما ذكر في الحديث الشريف لا يشمل الغرامات.ثالثاً: قوله تعالى: {وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ}(4)، ومطالبة ثمن الذهب وصياغته من الغاصب، وكذلك مطالبة الغرامة ليس مصداقاً للرّبا في أموال الناس الذي يؤكل بالباطل ومن دون سبب، بل هو أخذ لحق المغصوب منه.

وأمّا ما ذكره المحقق الرشتي من الأمثلة فهو أول الكلام، فتقسيم الشراكة في المثال السابق ليس من المعاملة ولا من الغرامة، فلا يعلم شمول دليل الرّبا له.

نعم، ما ورد فيه نص خاص يتمسك به، كما أن الأرش في بيع الصرف ليس غرامة، بل تكميل للمعاوضة، نظير المعاوضة على متاع سالم قيمته

ص: 183


1- السرائر 2: 487.
2- تحرير الأحكام 4: 530-531؛ إرشاد الأذهان 1: 446؛ تذكرة الفقهاء 2: 384.
3- علل الشرائع 2: 483؛ وسائل الشيعة 18: 121.
4- سورة الروم، الآية: 39.

عشرة دنانير ثم يظهر معيباً، فيأخذ الفرق ديناراً فلا يدخل في الغرامة، بل تكميل للعوض الناقص، هذا بالإضافة إلى النص الخاص.

وتفصيل الكلام في باب البيع.

تتمة: قد لا يكون اختلاف القيمة في الذهب والفضة مع اتحاد الوزن لأجل الصياغة، بل لجهات أخرى، ككونه من الآثار أو لتنزل قيمة العملة في البلد، فيرغب الناس في شراء الذهب لقيمته الواقعية الثابتة، أو لأجل الجمرك، وعليه فلا بد من ملاحظة الزمان والمكان وسائر الخصوصيات، فيزداد لأجلها وزن المؤدّى عن المضمون وليس ذلك من الرّبا.

المطلب الخامس: الصنعة قيميّة

اشارة

ثم إنه لو أتلف الصنعة(1) - الصياغة مثلاً - دون العين، فضمانه للمثل أو القيمة تابع للموضوع عرفاً، والعرف قاضٍ - عادة - بكون الصياغة اليدويّة قيميّة، وأمّا الصياغة عبر الآلة وما أشبه فمثليّة؛ وذلك لعدم حصول التشابه في اليدوي عادة، بخلاف المصنوع بالقوالب والأجهزة.

وهنا فروع:

الفرع الأول: أداء غرامة الصنعة من الذهب

لو كان الذهب المصاغ قيميّاً عرفاً فأتلف صياغته دون عينه، حق له أداء القيمة من الذهب، فلا يتوهم استلزامه للرّبا فإن الغرامة - الذهب المدفوع - في مقابل الصنعة لا في مقابل الذهب، فلا يكون ربا لا حقيقةً ولا حكماً.

الفرع الثاني: لو طالب المالك إرجاع الصنعة

هل يحق للمالك رفض القيمة، ومطالبة إرجاع الصياغة؟

ص: 184


1- جواهر الكلام 37: 110؛ الفقه 78: 264.

ذهب صاحب الجواهر(1) إلى عدم حقه في ذلك؛ لأن الصنعة قيميّة، فحقه ينحصر في أخذ تفاوت القيمة بين المصاغ وغيره، وعليه فلا يحق له مطالبة المثل.

ولا ينقض بما لو حفر بئراً في ملك الغير من دون رضاه، حيث يحقللمالك مطالبته بإرجاعه كما كان، مع أنه قيميّ؛ وذلك للفرق بين المقامين، فإن حفر البئر نقل ملك الغير من مكان إلى مكان، فيطالب بإرجاعه إلى مكانه، فيكون ردّاً للمغصوب لا غرامة، بخلاف إيجاد صنعة أتلفها.

لكن فصل السيد الوالد(2) في المسألة بين ما لو كانت الصنعة شبيهة عرفاً بحيث يرى العرف أن القلادة السابقة واللاحقة شبيهان، فبمقتضى ملاحظة الأدلة الدالة على رد المغصوب يكون إعادة الصياغة إرجاعاً للمغصوب عرفاً، فيحق للمالك مطالبة الغاصب بإرجاعها.

نعم، لو لم يصدق ذلك عرفاً فلا يحق له إجباره، وهذا هو الأقوى.

الفرع الثالث: الصنعة المحرمة

لو أتلف صنعة محرّمة، كما لو صاغ الذهب صليباً أو صنع من الخشب صنماً، فلا يضمن الصنعة؛ للإجماع(3) المدعى أولاً.

ثانياً: لعدم الماليّة شرعاً - وإن كان مالاً عرفاً - لذا لم يمضِ الشارع المعاملة عليه، والضمان إنما يكون في الماليّات، والغصب لا يجعل ما ليس مالاً شرعاً مالاً حتى يضمنه.

ص: 185


1- جواهر الكلام 37: 110.
2- الفقه 78: 267.
3- كفاية الأحكام 2: 645؛ جواهر الكلام 37: 111.

ثالثاً: الملازمة العرفية بين وجوب الإتلاف شرعاً؛ لأنه من مراتب النهي عن المنكر، وبين عدم الضمان.ورابعاً(1): بعض الروايات الواردة في ذلك، فهي وإن كانت ضعيفة سنداً، لكنها تطابق فتوى المشهور، فإن كانت فتواهم مستندة إليها أصبحت معتبرة وإلّا فمؤيّدة.

منها: ما في دعائم الإسلام: «مَن تعدى على شيء مما لا يحل كسبه فأتلفه فلا شيء عليه فيه»(2).

وأمّا لو استلزم إتلاف الصورة المحرّمة إتلاف المادة المحلّلة كما لو أتلفها بالنّار، كان ضامناً لها دونها على ما اختاره العلامة، حيث قال: «وإذا كسرت الملاهي فلا ضمان، فإن أحرقت ضمن قيمة الرضاض»(3)-(4).

لكن أشكل على إطلاقه السيد الوالد(5) بأن النهي عن المنكر قد يستدعي إتلاف المادة فلا ضمان في هذه الصورة؛ لشمول أدلة النهي عن المنكر له.

فالضمان وعدمه تابع للتفصيل المذكور.

وأشكل بعض الفقهاء(6): بأن للصنعة قيمة عرفاً، فإتلافها عدوانيوجب

ص: 186


1- الفقه 78: 265.
2- دعائم الإسلام 2: 486.
3- الرضاض: الخشب المقطع، وهو فتاته.
4- ([4]) قواعد الأحكام 2: 226.
5- الفقه 78: 265.
6- جامع المقاصد 6: 247.

الضمان، ولا تلازم بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي، فيجب إتلافها مع ضمانها.

وفيه: أن القيمة مسلوبةً شرعاً فلا يكون مالاً، ولم يكن فعله تعدّياً، بل تعبداً، فلا وجه للضمان.

ص: 187

الفصل السادس: في إحداث العيب في المغصوب

اشارة

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: لو حدث عيب في العين المغصوبة، كما لو قطع أذن الفرس، ضمن الأرش، أي: التفاوت بين الصحيح والمعيب، ولا فرق في ذلك سواء كان بفعل الغاصب أم الأجنبي أم بآفة سماويّة. نعم، استقرار الضمان على الأجنبي في الصورة الثانية، وعلى الغاصب في الصورة الأولى والثالثة.

قال في الشرائع: «لو كان المغصوب دابة فجنى عليها الغاصب أو غيره، أو عابت من قبل اللّه سبحانه ردّها مع أرش النقصان، وتتساوى بهيمة القاضي وغيره في الأرش»(1).

والتساوي المذكور لرد ما ذهب إليه العامة(2) من أنه لو قطع ذيل بهيمة القاضي ضمن قيمتها كاملة؛ لأنها لا تليق بمقامه.

ويدل على الأرش: صحيحة أبي ولّاد المصرحة بالتفاوت بين الصحيحوالمعيب، وإطلاق الأدلة الشاملة للغصب، والإجماع.

ص: 188


1- شرائع الإسلام 4: 766.
2- مسالك الأفهام 12: 192؛ جواهر الكلام 37: 112، وفيه: «... خلافاً للمحكي عن مالك وأحمد في إحدى الروايتين من أن في قطع ذنب بهيمة القاضي تمام القيمة؛ لأنها لا تصلح له بعد ذلك».

ويدل على التساوي المذكور إطلاق الأدلة التي لم تفرق بين القاضي وغيره، وأنه مطابق لمقتضى القواعد حيث يلاحظ في الضمان قيمة العين المغصوبة لا غرض المالك.

فإن قلت: إنه يسبّب ضرراً على المالك.

قلت: إن ذلك الضرر ليس بمالي فلا يكون قابلاً للتدارك بالضمان، وهنا لا ضرر مالي مع أخذ الأرش، وأما الضرر الاجتماعي فيمكنه تداركه بأن يبيعه ويشتري بهيمة جديدة بثمنه مع الأرش(1).

ويمكن التنظير له بعدم الفرق بين وطء الأجنبي والابن للجارية شبهة، حيث يضمنان المهر فقط مع ثبوت الفرق بينهما؛ لأن الأجنبي لم يضر المالك إلّا بمقدار الاستبراء، وأمّا الابن فسبّب الحرمة الأبديّة، فيعلم من ذلك أنه لا مدخلية لغرض المالك في الضمان بعد عدم نقصان في العين.

اختلاف القيم لاختلاف الأغراض

المسألة الثانية: لو اختلفت قيمة المغصوب عند الناس لاختلاف أغراضهم، أو اختلفت قيمته بالنسبة إلى الأفراد، فالضمان على أيّ القيم؟

ولتوضيح المسألة نذكر بعض الأمثلة:

الأول: ورقة سعرها في السوق دينار لكن تسوى لزيد ألف دينار باعتباركتابة دين له فيها.

الثاني: لو دفع ألف دينار ليصنع له شيئاً قيمته مائة دينار باعتبار عدم رغبة الناس فيه، كما لو قطع رجله فصنع له رجلاً اصطناعية، أو كان عظيم الجثة

ص: 189


1- فهل يستلزم إمكان التخلص منه عدم تحمل الغاصب الضمان؟ وفيه نظر؛ فإن كل ضرر متوجه يمكن دفعه بشكل من الإشكال (المقرر).

يخاط له ملابس على قياسه لا تتوفر في السوق.

الثالث: لو رغب في شيء غير متعارف فدفع بإزائه مالاً كثيراً، مع كون قيمته أقل في السوق.

قال العلامة في التذكرة: «لو غصب شيئاً فتفاوت قيمته بالنسبة إلى أربابه، فالأقرب ضمان التفاوت أيضاً بالنسبة إلى ربه إن غصبه منه، وإن غصبه من غيره لم يضمن الزّيادة»(1).

ومثّل له في جامع المقاصد والجواهر: بما لو غصب حُجّة إنسان بدين أو ملك(2).

ويمكن الاستدلال لذلك:

أولاً: بقوله(علیه السلام): «لئلا يتوى حقُ امرئٍ مسلم»(3). فإتلاف الوثيقة مع عدم ضمانه له يساوي ضياع حقه، والجملة وإن كانت خبريّة لكنها بمثابة الإنشاء.

فإن قلت: قد مرّ عدم التلازم بين الحرمة التكليفية والحكم الوضعي.قلت: فإنه وإن كان ذلك تاماً في حدِّ نفسه إلّا أنه قد تكون ملازمة عرضية في بعض الموارد، ومنها ما نحن فيه، فنهي المولى عن تضييع حق المسلم، من دون تشريع الضمان يساوي تضييع حقه، فبالدلالة الالتزامية يستفاد الحكم الوضعي.

وثانياً: بدليل (لا ضرر) بناءً على كونه مثبتاً للحكم.

ص: 190


1- تذكرة الفقهاء 2: 391.
2- جامع المقاصد 6: 268؛ جواهر الكلام 37: 113.
3- عوالي اللئالي 1: 315؛ مستدرك الوسائل 17: 446.

وفي عكس المسألة: لو أتلف من شخص ثري مالاً لا قيمة له عنده، ضمن القيمة السوقيّة لا المقدار الذي يسوى عند المالك؛ وذلك لعموم أدلة الضمان، وعدم اهتمام المالك به لا يخصصها.

فالفرق بين المسألتين واضح، ففي المسألة الأولى المخصص دليل (لا ضرر) و (لئلا يتوى) وما أشبه، وفي الثانية لا مخصِّص.

الجناية على الحيوان

المسألة الثالثة: لو جنى على حرّ اختصت مباحثه بباب الديّات، وأمّا الجناية على البهيمة فقد تنقص قيمته، كما في غالب الجنايات، أو تزيد ونظيره ما رُوي في الجارية التي لم ينبت الشعر على عانتها(1)، وقد لاتؤثر في القيمة كما في شق أذن الشاة في غير الأضحية حيث الغرض منها اللحم.

فاللازم في الصورة الأولى إعطاء التفاوت بين الصحيح والمعيب.

إلّا أن هنالك رواية تنص على أنه لو أعمى الدابة فعليه ربع قيمتها(2)،

ص: 191


1- الكافي 5: 215؛ وسائل الشيعة 18: 97، «روي عن ابن أبي ليلي أنه قدّم إليه رجل خصماً له فقال: إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا وزعمك أنه لم يكن لها قط، قال: فقال له ابن أبي ليلي: إن الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت، قال: أيها القاضي إن كان عيبا فاقض لي به، قال: حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني ثم دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمد ابن مسلم الثقفي فقال له: أيّ شيء تروون عن أبي جعفر(علیه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر أيكون ذلك عيباً؟ فقال له محمد بن مسلم: أما هذا نصّاً فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر، عن أبيه، عن آبائه^، عن النبي| أنه قال: كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فقال له ابن أبي ليلى: حسبك ثم رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب».
2- تهذيب الأحكام 10: 309؛ وسائل الشيعة 29: 355، خبر أبي العباس قال: قال أبو عبد اللّه(علیه السلام): «من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها».

لكن قد أعرض المشهور عنها، بل الإجماع قائم على خلافها إلّا من الشيخ الطوسي في بعض كتبه، حيث أفتى تارة بالرّبع(1) وتارة بالنّصف(2) تبعاً لرواية لم تصلنا.

فلا بد من حملها على التقية - لأجل عدم إسقاطها بالكلية - أو حملها على القضية الخارجية، بأن كان أرش النقص الوارد عليها يساوي ربع قيمتها خارجاً، فحكم به علي(علیه السلام)، وعليه فلا منافاة بين رواية الرّبع ورواية النّصف.

وفي الصورة الثانية ذهب المشهور إلى أن اللازم إرجاع الأصل والزيادة إلى المالك، ولا حق للغاصب فيها.ويحتمل أن يكون الغاصب شريكاً للمالك في الزيادة(3)، وقد يستدل له بقوله تعالى: {وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ}(4)، فإن المالك لم يسعَ للزّيادة، بل هي سعي الغاصب، وكذلك رواية مشتري الشجرة التي تركها فسقاها البائع(5)،كما مر تفصيل الكلام فيه.

ويمكن التأمل فيه؛ لأن الآية لا تثبت أن كل سعي للسّاعي، بل هي في مقام بيان أنه ليس للإنسان شيء إلّا أن يسعى فيه.

ص: 192


1- النهاية: 781.
2- الخلاف 3: 397.
3- الفقه 78: 271-272.
4- النجم: 39.
5- الكافي 5: 297؛ وسائل الشيعة 18: 230، عن هارون بن حمزة قال: «سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيغيب الرجل ويدع النخل كهيئته لم يقطع فيقدم الرجل وقد حمل النخل، فقال: له الحمل يصنع به ما شاء إلّا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه».

وأمّا رواية الشجرة فلم ترد في الغصب، كما أنه لم يكن تصرف، بل مجرد سقي، بالإضافة إلى كون البائع محسناً، فلا يمكن استفادة قاعدة عامة منها، خاصة مع عموم أدلة تبعية النماء للأصل، وعدم احترام عمل الغاصب.

وفي الصورة الثالثة لا ضمان، فإنه حيث لم تتغيّر القيمة لم يجرِ فيه دليل الأرش وغيره؛ لأنها في مقام بيان التفاوت بين الصحيح والمعيب ولم يتحقق.

نعم، فعله محرّم؛ لتصرفه في مال الغير من دون إذنه.

إصلاح العيب

المسألة الرابعة: لو أصلح الغاصب العيب بما رجعت القيمة إلى ما كانت لم يضمن؛ لتحقق الرد المأخوذ موضوعاً في الروايات، مثل: «الغصب كلّه مردود» وعدم شمول أدلة الأرش له.

ولكن لو كان إصلاحه بفعل اللّه - كما لو كسر رجل الدابة فانجبرت بنفسها - فالمشهور(1) أنه ضامن للأرش؛ لاشتغال ذمته به فيستصحب.

لكن قد يشكل بعدم الفرق بين المقامين، فوحدة المناط تقضي بالأرش أو عدمه فيهما.

والأقرب - إن لم يكن إجماع في المقام - الثاني.

ص: 193


1- الدروس الشرعيّة 3: 284؛ الروضة البهيّة 3: 496؛ كتاب المكاسب 5: 307.

الفصل السابع: في بدل الحيلولة

اشارة

وإنما سُمّي ببدل الحيلولة لحيلولة الغاصب بين المالك وملكه، وقد تطرق صاحب الشرائع إلى بعض أحكامه حيث قال: «وإذا تعذر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل، ويملكه المغصوب منه، ولا يملك الغاصب العين المغصوبة، ولو عادت كان لكل منهما الرجوع»(1).

وفيه مطالب:

المطلب الأول: وجوب دفع البدل

وأمّا وجوب دفع البدل فللإجماع(2) وعمومات الأدلة، كقوله تعالى: {وَجَزَٰٓؤُاْ

سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ}(3)، ولا ضرر - على المبنى - فإن صبر المالك إلى العثور على الضائع ضرر عليه يجبر بالبدل. بالإضافة إلى صدق التّلف عرفاً، فيشمله عمومات التّلف، ومنها: الروايات التي تشمل المقام بملاكها، كتوقيع العسكري(علیه السلام) حيث سئل عن: «رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت، فهل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها منملكه؟(4)

ص: 194


1- شرائع الإسلام 4: 768.
2- مسالك الأفهام 12: 200-201؛ جواهر الكلام 37: 129-130.
3- سورة الشورى، الآية: 40.
4- حيث شرط عليه أن لا يخرجه عن ملكه.

فوقع(علیه السلام): هو ضامن لها إن شاء اللّه»(1).

ومعنى الضمان البدلية بدلالة الاقتضاء، حيث لا يوجد احتمال آخر، فإما أن يرجع العين وهو ممتنع، أو البدل ولا شق ثالث.

ويستفاد الملاك من قوله: (فضاعت).

وكرواية أبي جعفر(علیه السلام) حيث سئل عن: «العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق، فقال(علیه السلام): إذا كان أميناً فلا غرم عليه»(2).

وتدل على الغرم بمفهومها مع الإفراط أو التفريط، والغاصب متعدٍّ.

المطلب الثاني: في مالك البدل والمبدل منه

وأمّا ملكية المغصوب منه للبدل فتستفاد من الروايات السابقة أيضاً؛ للملازمة العرفية بين الضمان والملكية، بالإضافة إلى الإجماع وغيره.

وأمّا ملكية الغاصب للعين المغصوبة أو عدمها بعد أداء البدل ففيه قولان:

القول الأول: ما هو المشهور من عدم الملكية(3)، واستدل لذلك بأدلة:

الأول: استصحاب ملك المالك، كما في الجواهر(4) ومفتاحالكرامة(5) وغيرهما(6).

وسيأتي الكلام فيه عند بيان الدليل على القول الآخر.

ص: 195


1- الكافي 5: 239؛ وسائل الشيعة 19: 81.
2- الكافي 5: 238؛ وسائل الشيعة 19: 93.
3- مسالك الأفهام 12: 200؛ كفاية الأحكام 2: 649.
4- جواهر الكلام 37: 131.
5- مفتاح الكرامة 18: 185 و 213.
6- جامع المقاصد 6: 271؛ مجمع الفائدة والبرهان 10: 539.

الثاني: ما ذكره المحقق الرشتي(1)، من أنه بدل الحيلولة لا بدل العين. نعم، لو كان بدل العين أمكن القول بملكيته لها حتى لا يجمع بين العوض والمعوض.

وبعبارة أخرى: إن الغاصب منع المالك من إعمال سلطنته على ملكه فعليه جبره، فالبدل بدل السلطنة لا العين.

وفيه نظر: فليس الأمر كذلك، بل هو بدل العين؛ ولذا لو كانت العين مثليّة لزمه المثل وإلّا فالقيمة، والسلطنة غرامة لا ترتبط بهما.

الثالث: إنه كالتلف، وأدلة التلف تقضي بخروج التالف عن ملك المغصوب منه، وعدم ملكية الغاصب، فإن الملكية اعتبار ولا اعتبار، في ما هو لغو، حيث إنه سالبة بانتفاء الموضوع.

وينقض عليه: أولاً: بلزوم خروج ما هو كالتلف عن ملك المغصوب منه أيضاً، ولم يلتزموا به.

وثانياً: ليس التلف دقياً مع بقاء العين التالفة كقِطع الكوز المتناثرة، بل تبدل صورة، ولا مانع من اعتبار ملكية الغاصب له، فكذلك في بدلالحيلولة.

الرابع: إن ظاهر (حتى تؤدّي) بقاء العين في ملك المالك(2)، وعلى الغاصب أن يؤدّي العين حين القدرة.

ويضعّف: بعدم انحصار الأداء بالعين، بل يعم البدل؛ ولذا مع أدائه لم يلزم على الغاصب البحث عن المغصوب.

ص: 196


1- كتاب الغصب: 86.
2- جواهر الكلام 37: 131.

الخامس(1): بعد العثور على العين يكون النماء المنفصل للمالك، فيدل على بقاء ملكه، فإنه تابع للأصل، كما في نماء الحيوان فترة الخيار، حيث إنه للمشتري وإن فسخ بعد ذلك.

لكنه أول الكلام، حيث لم يقم عليه دليل إلّا القول بعدم الخلاف.

القول الثاني(2): ملكية الغاصب للعين بعد أداء بدل الحيلولة، واستدل له بأدلة:

الأول: لا ضرر - على المبنى - فإن عدم ملكيته للعين بعد أداء البدل ضرر منفي حتى بالنسبة إلى الغاصب.

وهو دليل في الجملة؛ لأنه قد يكون فعله إقداماً على الضرر - كما لو تعمد الحيلولة - فلا يشمله الدليل.

الثاني: إن عدم ملكيته للعين بعد أداء البدل ضياع حقه المنهي بقوله:«لئلا يتوى حق امرئ مسلم»(3).

لكنه ضعيف؛ لعدم الدليل على كونه حقه حتى يستدل بالرواية، فإنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

الثالث(4): إن بقاء العين على ملك المالك مستلزم للجمع بين العوض والمعوض وهو باطل، أمّا الصغرى فلظاهر الأدلة الدالة على ملكية المغصوب منه للبدل، وأنه بدل العين لا بدل زوال السلطنة كما مرّ فيتصرف

ص: 197


1- السرائر 2: 483.
2- الفقه 78: 278-279.
3- مستدرك الوسائل 17: 446.
4- مسالك الأفهام 12: 201.

فيه كما يشاء، فلو كانت العين ملكاً له أيضاً استلزم الجمع بين العوض والمعوض.

وأمّا الكبرى فيمكن دعوى الإجماع عليها، بل هي من المسلّمات فقهياً، ويمكن الاستدلال لها أيضاً بكون المعاملات عرفيّة أمضاها الشارع، وهم لا يسوّغون الجمع بين العوض والمعوض، وهو قانون عقلائي رائج لم يردع عنه الشارع، كما يمكن تأييد ذلك بجزئيّات كثيرة التي يطلب تفصيلها من مباحث المكاسب.

فالأقرب أن الغاصب يملك المبدل منه بعد أداء البدل.

المطلب الثالث: تعيين المالك

وتظهر الثمرة في النماء.

وتفصيله: إن النماء قبل أداء البدل ملك للمغصوب منه قطعاً، حيث لاوجه لخروج العين عن ملكه، فالنماء تابع له.

وأمّا بعد أداء البدل، فعلى ما اخترناه يكون النماء للغاصب.

لكن ذهب جمع إلى كونه للمالك، واستدل له صاحب الجواهر(1) بعدم براءة ذمة الغاصب، لا من العين ولا من النماء حتى بعد أداء البدل، للأصل، أي: الاستصحاب التنجيزي بالنسبة إلى العين، والتعليقي بالنسبة إلى النماء.

ويشكل عليه: بأنّه لا مجال للأصل بعد ثبوت كون العين ملك الغاصب، بل لا مجال له حتى وإن ثبت كونها ملك المالك، فهو بنفسه دليل الضمان، فالاستصحاب غير جارٍ على كل وجه؛ للورود بناء على الأول؛ ولعدم الشك

ص: 198


1- جواهر الكلام 37: 136.

بناء على الثاني، وعلى فرض الشك فلا مجال أيضاً للأصل؛ لأنه مسببي، فإن الشك في ضمانه مسبب عن الشك في كونه ملك المالك، ومع استصحاب ملكيته يكون ضامناً بلا حاجة لاستصحاب الضمان، فإن الاستصحاب السببي ينفي موضوع الاستصحاب المسببي.

المطلب الرابع: الحيلولة في الفترة القصيرة

ثم إنه لو أدّى البدل، فرجعت العين بعد فترة قصيرة، تبين عدم ملكيته للبدل، حيث لا يسمى بدلاً عرفاً، بل توهم للبدلية، فلا يخرج المبدل منهعن ملك المالك. وترتبط المدة الطويلة والقصيرة باختلاف الأشياء والحالات عرفاً.

ويظهر منه فرع آخر ذكره في مفتاح الكرامة(1) وهو: لو علم بعودته في الفترة القصيرة حق للمالك مطالبة البدل كما عن جامع المقاصد(2)؛ وذلك لإطلاق كلمات الفقهاء؛ ولأن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال.

ولكنه محل تأمل؛ لعدم حجية إطلاق كلماتهم، إضافة إلى عدم معلوميته، بل هي منصرفة عن المقام، وأمّا أن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال فقد مرّ الإشكال عليه.

واختار صاحب مفتاح الكرامة(3) عدم الحق في ذلك؛ لأن المستفاد من الأدلة أن بدل الحيلولة إنما هو عند تعذر الرد، ولا يصدق التعذر في الفترة القصيرة، فيلزم انتظار العين ولا ينتقل إلى البدل، وهو تام.

ص: 199


1- مفتاح الكرامة 18: 213-214.
2- جامع المقاصد 6: 271.
3- مفتاح الكرامة 18: 214.

لكن مقتضى القاعدة ضمان المنافع في تلك الفترة إن كان المالك بصدد الانتفاع بها لدليل (لا ضرر) الشامل لعدم النفع مع وجود المقتضي للنفع وكون المانع هو الحيلولة، ولصدق ضياع الحق فيشمله (لئلا يتوى)، ولصدق التلف عرفاً، كما مرّ في من غصب بيتاً وأغلق بابه، حيث يضمن العين والأجرة.

المطلب الخامس: تفاوت قيمة العين عند التلف

ولو(1) أدّى بدل الحيلولة ثم تلفت العين وقد زادت قيمتها أو نقصت عند التلف، فمع القول بملكية الغاصب بعد أداء البدل كان التالف من ملكه، ولا بحث فيه.

وأمّا مع القول بكونه باقياً على ملك المالك فالتلف مستند إلى الغاصب، وقد تردد بعض الفقهاء في الحكم(2)، واحتمل بعضهم(3) أن عليه أداء الزّيادة وله الحق في الاسترجاع مع النقيصة.

لكن المشهور أنه لا شيء على الغاصب.

وهو مشكل على مبناهم، فمع كونه ملك المالك كان على الغاصب جبره مع الزّيادة، وله أخذ الفارق مع النقص.

والكلام هو الكلام في ما لو لم تتلف العين ثم زادت قيمتها أو نقصت.

المطلب السادس: فوات المنفعة

لو فوّت الغاصب المنفعة أو فاتت كان ضامناً، وعليه أداء بدل الحيلولة

ص: 200


1- كتاب الغصب، للرشتي: 87 ؛ الفقه 78: 286.
2- جامع المقاصد 6: 261.
3- مسالك الأفهام 12: 201.

والأجرة معاً.

والأول في المنافع المستوفاة، كما لو كان المالك ساكناً في دارهفغصبها، والثاني في غير المستوفاة، كما لو لم يكن ساكناً.

قال في الشرائع: «وعلى الغاصب الأجرة إن كان مما له أجرة في العادة، من حين الغصب إلى حين دفع البدل»(1).

وتتضمن العبارة المذكورة أحكاماً ثلاثة، لا بد من الاستدلال عليها.

الأول: إن على الغاصب الأجرة، واستدل له بالإضافة إلى الإجماع(2): أن المنافع مال أتلفه الغاصب حيث لا ينحصر الإتلاف في العين، بل يشمل المنفعة، فتجري أدلة ضمان الغاصب في مورد المنفعة أيضاً، بالإضافة إلى الأدلة الخاصة كصحيحة أبي ولّاد.

وقد قيّدها بعض الفقهاء كالعلامة(3) بالمنافع المحللة، وأمّا المحرمة فلا ضمان فيها، حيث لا تجوز أجرتها، كما لو غصب جارية مغنّية كان مالكها يؤجرها للغناء، فحيث تحرم المنفعة لم تضمن، ولا فرق في ذلك بين الأجرة ابتداءً أو تفويت المنفعة.

والقيد المذكور تام حسب مقتضى الأدلة، سواء كان حراماً بالأصالة كالغناء، أم بالعرض كما لو نذر عدم الانتفاع بالجارية رعاية لصحتها، فغصبها، فلا يضمن الأجرة لحرمة استيفاء منفعتها بالنذر.

ولا بد من فعلية الحرمة، وإلّا فالحرمة التقديرية غير مانعة عنالضمان،

ص: 201


1- شرائع الإسلام 4: 768.
2- جواهر الكلام 37: 138.
3- قواعد الأحكام 2: 221.

كما في الجارية المغنّية عند الكافر، حيث لا يمنعه الشارع عن أخذ الأجرة عليها من الكفّار، وإن كان مكلفاً بالفروع، وذلك للإلزام، فلو غصبها مسلم أو غيره ضمن أجرتها.

ويجري الحكم المذكور في العامي أيضاً، وكذلك مع اختلاف التقليد فلو رأى الحلية اجتهاداً أو تقليداً فغصبه مَن يرى الحرمة اجتهاداً أو تقليداً ضمن الأجرة؛ لعدم كون الحرمة فعلية بحقه، حتى وإن كان محرّماً واقعاً.

الثاني: إنما يضمن إن كان مما له أجرة في العادة(1)، فلو لم يكن كذلك فلا ضمان، وإن كانت المنفعة محلّلة عقلائية كالمناظر الطبّية، ومثّل له في بعض الكتب الفقهية(2) بما لو غصب شاة فأرجعها لم يضمن المنفعة؛ لأنها لا تستأجر، وكذا لو غصب شجرة كان يستظل بها.

لكن أشكل السيد الوالد في الفقه(3) على ذلك بأنه قد فوّت منفعة عقلائية، فتشمله الأدلة العامة للضمانات؛ لأنه أتلف مال الغير وإن لم يتعارف إيجاره، فعدم تعارف الأجرة لا يخرجه عن كونه مالاً، وأمّا تشخيص مقدار الأجرة فحسب رأي أهل الخبرة وتخمينهم، وإن عجزوا فالمصالحة القهريّة.وأمّا لو لم يكن عقلائياً فلا يكون مالاً، فلا يتعلق به الضمان.

الثالث: إنه يتعلق به الأجرة من حين الغصب إلى حين دفع البدل، وقال

ص: 202


1- تذكرة الفقهاء 2: 381؛ مفتاح الكرامة 18: 157.
2- جواهر الكلام 37: 138 و 167.
3- الفقه 78: 296.

بعض الفقهاء(1) من حين الغصب إلى حين الرد.

والصحيح هو الأول؛ لأنه بدفع البدل يمكن للمغصوب منه الانتفاع به فلا فوت للمنافع حينئذٍ ليضمنها الغاصب.

ص: 203


1- المبسوط 3: 75؛ تحرير الأحكام 4: 546؛ اللمعة الدمشقية: 204.

الفصل الثامن: في إتلاف أحد المنضمّين

اشارة

لو أتلف أحد المنضمّين، كمصراعي الباب أو كفردتي الحذاء أو المفتاح والقفل، مما له قيمة مفرداً كثلاثة دراهم، وقيمة منضماً كخمسة دراهم، وقيمة للهيئة الاجتماعية كأربعة دراهم، فهل يضمن الثلاثة أو الخمسة أو السبعة. فالثلاثة قيمته منفرداً، والخمسة قيمته منفرداً مع نصف قيمة وصف الاجتماع، والسبعة قيمته منفرداً مع قيمة صفة الاجتماع كلّها، حيث إنه كما أتلف أحد المنضمّين كذلك أتلف صفة الاجتماع كلها.

والمشهور(1) على الثالث؛ لأنه فوّت على المالك المنفرد وقيد الاجتماع، فإن لوصف الاجتماع قيمة قد فوتها الغاصب فعليه الغرامة.

قال في الشرائع: «ولو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه كالخفين، فتلف أحدهما، يضمن التالف بقيمته مجتمعاً، ورد الباقي وما نقص عن قيمته بالانفراد»(2).

وهو مطابق لما ذكر لكن عن طريق آخر. فمفاد ما ذكرناه ضمان قيمتهمنفرداً أي: ثلاثة، وقيمة الاجتماع، أي: أربعة.

ص: 204


1- المبسوط 3: 72؛ السرائر 2: 489؛ قواعد الأحكام 2: 230؛ جامع المقاصد 6: 269؛ مسالك الأفهام 12: 202؛ كفاية الأحكام 2: 648؛ مفتاح الكرامة 18: 206؛ جواهر الكلام 37: 140.
2- شرائع الإسلام 4: 768.

ومفاد ما ذكره في الشرائع ضمان قيمته منضمّاً، أي: خمسة، ومقدار النقص الحاصل للثاني، أي: اثنان، والنتيجة واحدة، لكن طريق الاستدلال مختلف.

والدليل عليه أنه أتلف شيئين: العين الواحدة ووصف الاجتماع، ومَن أتلف وصفاً ضمنه.

لكن ظاهر الشهيد(1) الضمان بقيمته مجتمعاً لا أكثر، أي: خمسة دراهم؛ لأنه لم يتلف غيره؛ ولأنه لم يحدث نقصاً في العين المتبقية، والنقص الحاصل إنما هو لاختلاف رغبات الناس، حيث لا يرغبون بشراء الفرد الواحد، وهو غير مضمون.

وقد ظهر جواب الأول مما سبق، فإنه أتلف وصف الاجتماع بالإضافة إلى العين، وأمّا جواب الثاني فإنه ليس مجرد نقص سوقي، بل إتلاف لوصف الاجتماع، فقد كان للمتبقي وصف الاجتماع مما زادت قيمته بسببه فيضمنه.

والحاصل: إن مقتضى القواعد أنه ضامن للعين ولوصف الاجتماع.

إن قلت: هناك تهافت بين الحكم المذكور بضمان قيمة الهيئة الاجتماعية، وبين عدم إجراء الحد على السارق، في ما لو كانت قيمةالفردة مع الهيئة الاجتماعية ربع دينار وبدونها أقل منه، فكيف يعتبر الأكثر في باب الضمان والأقل في باب الحد؟

قلت(2): إن الفرق بينهما واضح، حيث إن الملاك في الضمان الإتلاف

ص: 205


1- اللمعة الدمشقية: 204.
2- الفقه 78: 299.

وقد أتلف صفة الاجتماع، لكن الملاك في السرقة هو المسروق، وقد سرق أقل من ربع دينار وأتلف الهيئة الاجتماعية؛ ولذا لا يحسب من المسروق ما يتلف من كسر الأقفال والصناديق، كما أنه لو كانت قيمة الشاة ربع دينار فدخل المربض وذبحها مما صار سعرها أقل من الربع ثم سرقها لم يحد.

وهنا فروع:

الفرع الأول: عدم انتفاع المالك بالمتبقي

لو انتفت منفعة المتبقي بالكليّة؛ لعدم وجود فرد آخر في السوق مثلاً، فمقتضى (لا ضرر) ضمان كل القيمة، ويملك الغاصب المتبقي حتى لا يجمع بين العوض والمعوض.

الفرع الثاني: كيفية ضمان الغاصبين للفردتين

لو غصب كل واحد من الغاصبين فردة واحدة فتلفتا، فقد تتلفان معاً، وقد تتلفان بالتعاقب.

ومقتضى القاعدة في الصورة الأولى ضمان كل واحد منهما لنصفالقيمة مجتمعاً، أي: خمسة دراهم(1).

وأمّا في الصورة الثانية فقد احتمل أن الغاصب الأول يضمن سبعة دراهم والغاصب الثاني يضمن ثلاثة دراهم(2)؛ وذلك لأن الأول أتلف الهيئة الاجتماعية بالإضافة إلى الفردة الواحدة، والثاني لم يتلف الهيئة؛ لأنها قد تلفت من قبل.

ص: 206


1- تذكرة الفقهاء 2: 391؛ مسالك الأفهام 12: 203؛ الفقه 78: 298.
2- إيضاح الفوائد 2: 180؛ جامع المقاصد 6: 270؛ الفقه 78: 298.

ويحتمل ضمان كل واحد منهما لخمسة دراهم وهو الأقرب؛ لأنهما حين الغصب غصبا العين والهيئة الاجتماعية، وكما يضمنان العين يضمنان الوصف، فكلاهما شريكان في الضمان. فلو لم يباشرا الإتلاف عمداً، بل سرق منهما مثلاً كان التقسيم بينهما بالسويّة.

وأمّا لو كان الغاصب الأول هو المتلف كان استقرار ضمان الوصف عليه، فللمالك أن يأخذ من الغاصب الثاني خمسة دراهم، ويحق له الرجوع إلى الأول بدرهمين، كما مر في بحث تعاقب الأيدي.

بل يمكن القول بذلك أيضاً في ما لو لم يباشرا الإتلاف عمداً، فإنه حيث تلف الوصف في يد الأول كان استقرار الضمان عليه.

الفرع الثالث: اشتراط اتحاد المنضمين

هل يشترط في ضمان الهيئة الاجتماعية اتحاد المنضمين عرفاً كمصراعي الباب، وأمّا المجاورين فلا؟ مثلاً لو غصب البيت والمسجدمعاً ثم هدم المسجد مما سبّب تنزل قيمة البيت فهل يضمن التنزل أم لا؟ ذكر المحقق الرشتي(1) أنه لا ضمان؛ لعدم ملاحظة صفة الاجتماع عرفاً، والفارق بينهما أن في الوحدة العرفية يصدق إتلاف وصف الاجتماع مما هو مال للمالك فيضمنه، وأمّا في غيره فإن صفة الاجتماع ليست مالاً عرفاً، والضمان في الماليات، واختلاف القيمة مرتبط برغبات الناس، كما يمكن التمثيل لذلك بما لو أحدث فوضى في المدينة مما سبّب تنزل قيمة البيوت لم يضمن ذلك؛ لأنه لم يتعدَّ على الأموال، بل قلّت رغبة الناس في شراء البيوت.

ص: 207


1- كتاب الغصب: 90-91.

والظاهر أن ما ذكره تام.

الفرع الرابع: سقوط المتبقي عن القيمة

لو سقط المتبقي عن القيمة كاملاً، كما لو لم يكن للمفتاح قيمة من دون القفل، ضمن كل القيمة؛ لأنه أتلف أحدهما والمتبقي كالتالف؛ لأنه أذهب قيمته، ومع الأداء يملك الغاصب المتبقي لكي لا يجمع بين العوض والمعوض.

ص: 208

الفصل التاسع: في التغيير في العين

اشارة

وفيه بحوث:

البحث الأول: في نزو الدابة

اشارة

وفيه مسائل:

مالك النتاج

المسألة الأولى: قال في الشرائع: «ولو غصب فحلاً فأنزاه على الأنثى كان الولد لصاحب الأنثى، وإن كانت للغاصب»(1).

والاحتمالات ثلاثة: أن يكون تابعاً للفحل، أو الأنثى، أو يشتركان فيه.

ودليل مختار الشرائع الإجماع(2) على أن الولد تابع للأم في الحيوان، والسيرة على ذلك(3)، حيث لا يبحث عن أب الولد في ما لو حملت الأنثى.

وقد أشكل المحقق الكركي في جامع المقاصد(4): بعدم الفرق بينالمقام وبين الحب المزروع في الأرض المغصوبة، فلو كان النتاج لصاحب الحب - كما هو المشهور(5)- فلا بد وأن يكون الولد تابعاً للمني أيضاً.

ص: 209


1- شرائع الإسلام 4: 769.
2- جامع المقاصد 6: 322؛ مسالك الأفهام 12: 206؛ جواهر الكلام 37: 146.
3- جواهر الكلام 37: 146.
4- جامع المقاصد 6: 322.
5- المبسوط 3: 56؛ غنية النزوع: 280؛ شرائع الإسلام 4: 773؛ رياض المسائل 12: 290؛ جواهر الكلام 37: 198.

وأجاب عنه في مفتاح الكرامة(1): بتحقق الفرق وهو: أن المني غير مملوك بعد الانفصال، حيث لا قيمة له ولا منفعة محلّلة عقلائية له، بخلاف الحب هذا أولاً. وثانياً: إن الحب واجب الرد لمالكه بخلاف المني.

لكنه محل تأمل؛ لأن الملكية غير المالية، فلو لم تكن لشيء قيمة، أو لم تكن له فائدة أصلا لم يكن ذلك سبباً لعدم ملكيته، كما أن القول بعدم القيمة مشترك بين المني والحبة الواحدة، بل قد يُفرض للمني قيمة خصوصاً في مثل هذا الزمان.

وأمّا القول بعدم وجوب رد المني فليس ذلك لعدم ملكيته، بل لعدم إمكانه، فإنه تالف عرفاً، بخلاف الحب.

ويشكل على الإجماع بعدم تحققه لعدم تطرق الفقهاء للمسألة، بل قد يكون مستنداً، فلا حجية فيه.

ويشكل على السيرة: بعدم تحققها للزوم تكررها وإحراز اتصالها بالمعصوم(علیه السلام)،والمسألة من الموارد النادرة(2)، ولو شك في الدليل فالأصل عدمه.

والحاصل: إن ثبت الإجماع أو السيرة، وإلّا كان مقتضى القاعدة اشتراكهما في الولد، كما مرّ في زرع الحبّة في الأرض المغصوبة.

كيفية التقسيم

المسألة الثانية: أمّا كيفية التقسيم بينهما، فقد يوكّل إلى العرف، حيث لا

ص: 210


1- مفتاح الكرامة 18: 351.
2- ويرد عليه: بأنه وإن كانت المسألة نادرة في خصوص غصب الفحل ونزوه على الأنثى، إلّا أن الكبرى الكلية، وهي: إن تبعية الولد للأنثى من المسائل التي يكثر الابتلاء بها بين أرباب المواشي (المقرر).

نعلم مقدار الحق لكل منهما فيعينه العرف.

لكن قد يقال: إنه لا يرتبط بالعرف حتى يتم التقسيم برأيه، فإن العرف حجة في المفاهيم - فيؤخذ منه مفهوم الحق - دون المصاديق، فلا يحق له بيان مقدار الحق.

وربما كان المقصود الرجوع إلى أهل الخبرة، حيث يتم حسب رأيهم نسبة الشراكة بين صاحب الفحل وصاحب الأنثى في النماء، ويختلف ذلك باختلاف كيفية الشراكة.

ضمان الأجرة

المسألة الثالثة: بناءً على القول بتبعيّة الولد للأم فهل على الغاصب الأجرة؟ فإن نفس العمل له قيمة عرفاً، وهذا غير البحث في كون المني ملكاً ومالاً أم لا.ذهب الشيخ الطوسي(1) إلى أن صاحب الفحل لا يستحق الأجرة، بينما المشهور(2) - بل كاد أن يكون إجماعاً - أنه يستحقها.

واستدل(3) له بالروايات الناهية عن ذلك(4) فالعمل حرام فيكون ثمنه حراماً.

ص: 211


1- المبسوط 3: 96.
2- السرائر 2: 492؛ مختلف الشيعة 6: 128؛ الدروس الشرعيّة 3: 117؛ كفاية الأحكام 2: 650؛ جواهر الكلام 37: 146.
3- المبسوط 3: 96.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 170، وفيه: «ونهى رسول اللّه| عن عسيب الفحل وهو أجر الضراب»؛ الخصال: 417؛ وسائل الشيعة 17: 111.

لكن المشهور أعرض عنها، مع معارضتها لروايات(1) تدل على جواز الأجرة.

وقد يقال: تحمل الروايات الدالة على الجواز على التقيّة لمطابقتها للعامة.

وقد أجيب: بأنه لا مجال للحمل على التقيّة بعد إمكان الجمع الدلالي؛ لإمكان حمل الروايات الناهية على الكراهة، بل صرح في بعض الروايات أن النهي لأجل التعيير كما في خبر حنّان، عن الصادق(علیه السلام): «كلْ كسبه، فإنه لك حلال، والناس يكرهونه... لتعيير الناس بعضهمبعضاً»(2)، وهو كذلك حتى في يومنا هذا، حيث يرون العمل غير لائق.

لكن قد مرّ في بحث السمك أنه ليس الجمع الدلالي مقدماً على الحمل على التقيّة دائماً، بل قد يكون العكس، فلو حرم عند العامة وحل عندنا ففي التقيّة يحكم الإمام(علیه السلام) بعدم الجواز تقيّةً.

وإنما يقدم الجمع الدلالي على التقيّة لأنه عرفي، فلا تصل النوبة إلى المعالجات، أمّا لو لم يكن عرفياً - كما لو لم يكن للإمام طريق إلّا النهي - فلا وجه للجمع، فلا بد من الحمل على التقية.

والحاصل: إن الروايات التي استدل بها الشيخ الطوسي(3) إمّا أن تحمل على التقيّة أو على الكراهة، وقد أعرض المشهور عنها، فلا بد من القول بلزوم دفع الأجرة على العمل المذكور، كما هو المشهور(4).

ص: 212


1- الاستبصار 3: 59؛ وسائل الشيعة 17: 111، معتبرة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن كسب الحجام؟ فقال: لا بأس به، قلت: أجر التيوس؟ قال: إن كانت العرب لتتعاير به فلا بأس».
2- الكافي 5: 115؛ وسائل الشيعة 17: 111.
3- المبسوط 3: 96.
4- السرائر 2: 492؛ مختلف الشيعة 6: 128؛ الدروس الشرعيّة 3: 117؛ كفاية الأحكام 2: 650؛ جواهر الكلام 37: 146.

ضمان نقصان قيمة الفحل

المسألة الرابعة: ثم إنه لو نقص قيمة الفحل بأن ضعف بذلك ضمن، كما في الشرائع: «ولو نقص الفحل بالضراب ضمن الغاصب النقص، وعليه أجرة الضراب، وقال الشيخ في المبسوط: لا يضمن الأجرة، والأول أشبه؛ لأنها ليست عندنا محرّمة»(1).وقال العلامة في القواعد: «ولا يتداخل الأجرة والأرش»(2).

لكنه محل تأمل، حيث يشبه الجمع بين العوض والمعوض، فقد لوحظ في الأجرة أمثال النقص الوارد، فيكون النقص من ضمنها.

نعم، لو أضره ضرراً غير مترقب كان ضامناً، فإن الضراب شيء والنقص غير المتعارف شيء آخر. فالتداخل المذكور بين النقص والأجرة في ما لو كان النقص من طبيعة العمل، أمّا غير الطبيعي - غير المرتقب - فلا تداخل فيضمنه كما يضمن العين.

البحث الثاني: الاستعمال الموجب للنقص

ولو غصب شيئاً يؤجر(3) كالثوب(4)، ضمن أجرته فترة الغصب، سواء انتفع منه أم لا. ومع نقص العين فعليه ضمان النقص أيضاً.

وكذا لو غصب دابة سمينة، فضعفت عنده فعليه أجرة الدابة، وأرش

ص: 213


1- شرائع الإسلام 4: 769.
2- قواعد الأحكام 2: 238.
3- شرائع الإسلام 4: 769، وفيه: «ولو غصب ماله أجرة، وبقي في يده حتى نقص، كالثوب يخلق والدابة تهزل، لزمه الأجرة والأرش ولم يتداخلا، سواء كان النقصان بسبب الاستعمال أم لم يكن».
4- ثوب العروس ليلة الزفاف يؤجر في زماننا.

التفاوت بين الضعيف والسمين من غير تداخل، وللمسألة صورتان، يتحد حكمهما:

الصورة الأولى: لو استعمله فيضمن الأجرة بلا خلاف ولا إشكال؛ كما يضمن النقص لأنه كان سبباً له فيشمله (على اليد).وأمّا عدم التداخل فللأصل، بل قيل: إنه محال عقلاً؛ لاستحالة اجتماع علل متعددة على معلول واحد؛ ولذا وجه الفقهاء الموارد التي قالوا بالتداخل فيها كالوضوء بتوجيهات حتى يخرج عن مصاديق المحال العقلي، وإن كان الأقوى عدم الاستحالة في الأمور الاعتبارية، وإنّما الاستحالة في العلل التكوينية، فتأمل.

والحكم المذكور يشمل ما لو أصبح مجموع الضمان أكثر من قيمة المغصوب لطول مدّة الغصب، كما لو كانت قيمته ألف وأجرته يومياً عشرة، فغصبه مائتي يوم ونقصه بمائة فعليه ألفان ومائة.

الصورة الثانية: لو لم يستعمله فيضمنهما أيضاً، أما الأجرة فلأنّ المنفعة فاتت في يده فيشمله (على اليد)، وأمّا الأرش فلحصول العيب في يده، والأدلة قاضية بأن التلف مضمون إلّا من الأمين بشروطه.

ولو سبب نقصاً في العين فنقصت الأجرة، بأن هدم غرفة من البيت، فهل يضمن الأجرة الناقصة أو الكاملة بعد الفراغ عن ضمانه للأرش؟

الأقرب أنه يضمن الأجرة الكاملة، حيث فوّتها على المالك، فيضمنها لدليل (على اليد) وغيره؛ لأن عدوانه سبب نقص الأجرة.

البحث الثالث: إرجاع العين كما كانت بعد النقص

لو أمكن رد العين إلى حالتها الأصلية، كما لو أمكنه إرجاع القلادة

ص: 214

بوصفها بعد أن أذابها وطلبه المالك، احتمل عدم وجوبه على الغاصب، بل عليه الأرش لا أكثر حسب المستفاد من الأدلة.ويحتمل الوجوب، وهو الأقرب؛ لأن (حتى تؤدّي) كما يشمل الأرش يشمل إرجاعه إلى الصورة الأصلية، وهو أقرب من الأرش، وقد مرّ أن وجوب المثل لأنه أقرب إلى (تؤدّي) من القيمة.

ولو طلب المالك العين من دون الصفة لم يحق للغاصب إرجاعها؛ لأنه تصرف في مال الغير من دون رضاه.

ثم إنه لو أعادها إلى ما كانت عليه فعل حراماً؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وحينئذٍ يحتمل ثبوت الحق للمالك بمطالبة قيمة النقص الوارد، أي: قيمة الغرفة المهدّمة، مع إرجاع ما أعاده إليه؛ لأنه حين هدمها ضمن أرشها، وحين بناها لم يكن ما بنى ملكاً للمالك، فيحق له مطالبة ما له، ولا يحق إجباره على أخذ ما ليس له.

وبعبارة أخرى: حين هدمه استقر الضمان في ذمته، ولا دليل على براءة الذمة بالإعادة. نعم، لا يحق للمالك الجمع بين الأرش والبناء الجديد.

ويحتمل سقوط الأرش، لصدق (الأداء) عرفاً وإن لم يكن دقة كذلك، مضافاً إلى أن المثلي والقيمي أمران عرفيان، فالإرجاع المذكور إنّما هو مثل التالف، وإن كان حسب تعريفهم التالف - الغرفة - قيمي إلّا أنه يكفي لصدق الأداء.

البحث الرابع: التصرف الموجب لنقصان القيمة أو الوزن

ولو تصرف الغاصب في المغصوب، كما لو صاغ الذهب أو قطعالخشب أو أغلى الماء، مما سبب النقصان في الوزن أو في القيمة أو في

ص: 215

كليهما، فالصور أربعة:

الأولى: أن ينقص الوزن والقيمة، فإن كان النقصان بنسبة واحدة، بأن يصبح وزنه نصفاً وقيمته كذلك، والحكم واضح وهو الضمان مِثلاً أو قيمة.

وقد ذهب الشيخ الطوسي(1) إلى أنه لو نقص العصير بالغليان فتنزلت قيمته، لم يضمن الغاصب؛ لأنه نقص في الرّطوبة لا المادة.

ويشهد له أن المتبقي يصير مركزاً وتشتد حلاوته بخلاف غلي الدهن وما أشبه، وحيث لا قيمة للرّطوبة فلا ضمان.

لكن المشهور(2) ضمان النقص، واستدل له في مفتاح الكرامة(3) بعدم صدق (تؤدّي). بالإضافة إلى ذلك إنه لا دليل على حصر التبخير في الرّطوبة، بل تتبخر أجزاء من المادة أيضاً.

وعلى فرض ذلك فلا دليل على سلب القيمة عنه. نعم، الرطوبة عند النهر لا قيمة لها، وليس المقام كذلك.

ومع غض النظر عن هذه المباحث فإن العرف يرى نقص العين، فلا فرق بين العصير والدهن في ضمانه.الثانية: أن تنقص القيمة دون الوزن، كما لو أخذ قطعة من الذهب سعرها ألف وصاغها صياغة غير صحيحة، مما قلّت القيمة دون الوزن، فالظاهر ضمان التفاوت ل- (على اليد).

الثالثة: أن ينقص الوزن دون القيمة، كما لو أغلى ماء العنب حتى ذهب

ص: 216


1- المبسوط 3: 82؛ إيضاح الفوائد 2: 185؛ جواهر الكلام 37: 149.
2- مسالك الأفهام 12: 208؛ جواهر الكلام 37: 149.
3- مفتاح الكرامة 18: 249-250.

ثلثاه، وكانت قيمة الدبس تساوي قيمة ماء العنب، وفيه احتمالان:

الأول: لا حق للمالك في الأرش، فإنه إن لزمه ذلك جمع بين العوض والمعوض. وبعبارة أخرى: إن إعادة المغصوب بعد نقصان وزنه دون قيمته مصداق ل- (تؤدّي).

نعم، يحق للمالك أن يمتنع عن أخذ الدبس لعدم الانتفاع به، ويطالبه بإرجاع الوصف التالف، فيكون الدبس للغاصب وعليه المثل أو القيمة.

الثاني: أن يضمن الغاصب النقص، وعليه إعادة العين للمالك، وحيث إن عمله غير محترم فلا أجرة له، ولا يكون ذلك من الجمع بين العوض والمعوض، ففي المثال المذكور: إن ثلث ماء العنب يساوي ثلث قيمة الكل، وحيث غلى فأصبح دبساً تضاعفت قيمته إلى ثلاثة أضعاف، فصارت قيمته مساوية لكل ماء العنب، وهذه الإضافة بسبب عمل غير محترم للغاصب، فلا حق له فيها، ومن جهة أخرى عليه أن يضمن نقص ثلثي ماء العنب.

وهذا أقرب من الاحتمال الأول.والحاصل: في الفرض المذكور إن المتبقي ملك للمالك، وقد تضاعفت قيمته بسبب عمل غير محترم، وعلى الغاصب بالإضافة إلى إرجاع العين ضمان ما نقص، أي: الثلثين.

الرابعة: أن ينقص الوزن وتزيد القيمة، كما لو صنع الخشبة منضدة، ففي المسالك(1) وجوب الرد مع عدم الغرامة على الغاصب ولا حق له، واستدل له: إن الزيادة والنقصان يستندان إلى سبب واحد، أي: إن شيئاً واحداً سبب

ص: 217


1- مسالك الأفهام 12: 208.

نقصان العين وزيادة القيمة، فليست هنالك أسباب متعددة حتى يقال بعدم التداخل، فينجبر النقص بالزيادة.

وأشكل عليه في الجواهر(1) بلزوم الغرامة بمقدار نقصان الوزن، والقول بجبران النقصان بالزيادة محل تأمل، بل هو استحسان لدلالة الدليل على ضمان النقص، وأمّا الزّيادة فهدر لا تجبر النقص.

إلّا أن يقال: إن عمل الغاصب ليس هدراً، بل هو مما سعى فيه، المشمول للآية الكريمة: {وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ}(2).

لكن مرّت المناقشة في ذلك، فالأقرب ما ذكره صاحب الجواهر.

هذا في المثلي، وأمّا في القيمي فلا يضمن قيمة النقص؛ لأنه أرجعها مع الزيادة.

البحث الخامس: التصرف الموجب لزيادة القيمة دون نقصان الوزن

ولو تصرف الغاصب بما سبّب زيادة القيمة من دون نقصان في الوزن، كما لو غصب العبد وعلّمه الصنعة، أو غصب قماشاً وخاطه بخيط المغصوب منه، أو نسج الغزل، أو طحن الطعام فما هو الحكم؟ احتمالان:

الاحتمال الأول: ما هو المشهور(3) من وجوب إعادة العين وهدر عمل الغاصب، فتكون الزيادة للمالك واستدل له:

ص: 218


1- جواهر الكلام 37: 148.
2- سورة النجم، الآية: 39.
3- تذكرة الفقهاء 2: 392؛ مسالك الأفهام 12: 204؛ تحرير الأحكام 4: 536؛ الدروس الشرعيّة 3: 111؛ مفتاح الكرامة 18: 201؛ جواهر الكلام 37: 150.

أولاً: بالإجماع، وفي الجواهر(1): بلا خلاف ولا إشكال.

وثانياً: إن عمل الغاصب غير محترم، والنتيجة إنما تكون للإنسان لو كان عمله محترماً، فلا بد وأن يكون للمالك حيث يدور الأمر بينهما، فنفي أحدهما يثبت الآخر؛ لأنه لا يبقى الملك من دون مالك، بالإضافة إلى أن الأصل للمغصوب منه فيكون نماؤه له، فإن النماء سواء كان بفعل اللّه أم المالك أم الحيوان أم شخص ثالث غير محترم يكون للمالك، إلّا إذا كان عمله محترماً فتكون الزيادة كلها أو بعضها له.

وثالثاً: ما في المسالك(2): إن الغاصب لا يستحق الزيادة لتعديهوالتعدي لا يسبب الملكية.

ورابعاً: ما استدل به من (لا حق لعرق ظالم)، ووجه الاستدلال: أنه لا حق للظالم في حاصل عمله، كما لا حق له في الأصل، فإن الرواية تنفي أي نوع من أنواع الحق له.

وأشكل(3) على الأدلة:

أمّا الأول: فمخدوش كبروياً؛ لأنه معلوم الاستناد حيث استندوا إلى الوجوه الثلاثة الأُخر، بناءً على عدم حجية الإجماع المستند، وصغروياً حيث لم يتحقق، بل ثبت الخلاف في نظائر المسألة مما يتحد ملاكه مع المقام، كما لو فعل الغاصب ما زادت به القيمة، مثلاً: غصب بيضاً ففرخه أو

ص: 219


1- جواهر الكلام 37: 150.
2- مسالك الأفهام 12: 209.
3- الفقه 78: 321-324.

بذراً فزرعه، فالمشهور(1) أن النتاج للمالك، لكن ذهب جمع(2) إلى أنه للغاصب ويضمن البيض والبذر للمالك مثلاً أو قيمةً.

أمّا الثاني: فإنّه لا دليل على هدر عمل الغاصب وإن فعل محرماً، حيث لا تلازم بين الحكم التكليفي والوضعي، فمجرد إثبات حرمة عمله لا تنفي الملكية عنه. نعم، لو لم يتم الدليل على ملكيته تثبت الملكية للمالك بأدلة تبعية النماء للأصل.وأمّا الثالث فقد ظهر جوابه من الثاني.

وأمّا الرابع: فالوارد في الحديث هو: «ليس لعرق ظالم حق»(3)، فلا يحتوي على (لا) النافية للجنس، كما أنها واردة في غاصب بنى على الأرض المغصوبة فلا حق له في تلك الأرض، وإن كان البناء له، وكلامنا ليس في تولد الحق في الحنطة المطحونة حتى تنطبق الرواية عليه، بل في الزيادة الحاصلة بفعل الطحن.

الاحتمال الثاني: للغاصب الحق في الزّيادة وإن كان فعله حراماً، كما لو غصب سفينة وصاد سمكاً، فإن حرمة فعله لا ينافي ملكيته للسمك، واستدل له بآية السعي التي مضت المناقشة فيها(4)، وكذلك بعض الروايات الواردة في المقام بنفسها أو بملاكها(5).

ص: 220


1- غنية النزوع: 280؛ شرائع الإسلام 4: 773؛ رياض المسائل 12: 290؛ جواهر الكلام 37: 198.
2- الخلاف 3: 420.
3- تهذيب الأحكام 6: 294.
4- راجع الصفحة 191.
5- الفقه 78: 324-326.

ومنها: عن مسمع قال: «قلت لأبي عبد اللّه(علیه السلام): إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه، ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه، فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ، فأخذت المال منه وأبيت أن آخذ الرّبح، وأوقفت المال(1) الذي كنت استودعته، وأتيت حتى استطلع رأيك فما ترى؟ قال: فقال: خذ الرّبحوأعطه النصف وأحلّه، إن هذا الرجل تائب، واللّه يحب التوّابين»(2).

فمفادها احترام عمل الغاصب، وأنه كالمضاربة، ولو كان غير محترم لم يعطه شيئاً، وإنما أعطاه النصف لاحتمال أن تكون المضاربة آنذاك كذلك، كما هي الآن في بعض البلاد.

وقد يشكل عليه بأن ذلك من باب الأخلاق مع عدم حقه فيه.

لكنه خلاف الظاهر، إلّا أنه لا بد من المصير إليه، لضعف الرواية سنداً وإعراض المشهور عنها.

ومنها(3): ما مضى من رواية بائع النخل التي سقاها ورعاها، فإن ملاكها شامل للمقام.

ومنها(4): في من اشترى نخلاً للجذوع فتركها حتى حملت فقال(علیه السلام): «له الحمل يصنع به ما يشاء، إلّا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم

ص: 221


1- والمراد ظاهراً عدم التصرف ويحتمل الوقف لكنه خلاف الظاهر.
2- وسائل الشيعة 19: 89.
3- تهذيب الأحكام 7: 90؛ وسائل الشيعة 18: 231.
4- الكافي 5: 297؛ وسائل الشيعة 18: 230.

عليه».

ويرد عليها: أن يد البائع لم تكن عدوانيّة عكس الغاصب، فمَن يسقي ملك الغير محسن، والغاصب الساقي ليس محسناً؛ لأنه غصب وتعدٍ مقابل الإحسان(1)، فلا يمكن استفادة الملاك منها.ومنها: ما هي صريحة في كون الزّيادة للغاصب، فعن أبي جعفر(علیه السلام): «في الغاصب يعمل العمل ويزيد الزّيادة في ما اغتصبه، قال: ما عمل أو زاد فهو له، وما زاد مما ليس من عمله فهو لصاحب الشيء، وما نقص فهو على الغاصب»(2).

إلّا أن ضعف سنده وإعراض المشهور عنه كافٍ في عدم الاعتماد عليه.

فالأقرب القول الأول من كون الزّيادة للمالك، ولا دليل على ملكية الغاصب، بل عمله هدر.

البحث السادس: إزالة الصنعة بعد إيجادها

كما لو أوجد الغاصب صنعة مما زادت القيمة، ثم أزالها، وأرجع العين، كما لو صاغ السبيكة حلياً، ثم أرجعها سبيكة، ونظيره ما لو غصب شاة هزيلة فأعلفها فسمنت ثم ضعفت، ففي ضمانها قولان(3):

الأول: الضمان، واستدل له بأن الصنعة ليست عيناً حتى يقال ملكها الغاصب، كما في البذر الذي يزرعه في الأرض المغصوبة، بل صفة تابعة للأصل، فإن وصف العين تغير، ووصف المال تابع له، وحيث أعدمه

ص: 222


1- وفيه: إن غصبه تعدٍ ولكن سقيه ورعايته إحسان (المقرر).
2- مستدرك الوسائل 17: 94.
3- الفقه 78: 331-332.

الغاصب ضمنه، حيث لا فرق بينه وبين الوصف الموجود قبل الغصب، فإن دليل الضمان مشترك بينهما، وأمّا عمل الغاصب فهدرولا حرمة له.

الثاني: عدم الضمان، وهو مبنيّ على عدم هدر عمل الغاصب، واستدل له بآية السعي والروايات الشريفة، وقد مضى الكلام فيها.

فالأقرب هو القول الأول وهو المشهور.

اللّهم إلّا أن يقال بصدق (تؤدّي) عند إرجاع العين من دون الوصف المذكور(1).

وهنا فرعان:

الفرع الأول: يحق للمالك مطالبة عين ماله من دون الصنعة بأن يجبر الغاصب على إزالتها؛ وذلك للزوم رد المغصوب بوصفه(2).

إن قلت: إنه يستلزم الضرر على الغاصب وهو مرفوع.

قلت: حيث أقدم الغاصب على الضرر فلا يشمله الدليل، للانصراف.

لكن مرّ سابقاً أنه لم يقدم على الضرر، بل على النفع، فحين الغصب قصد المنفعة لا المضرّة، فلا يصدق عليه الإقدام على الضرر، فهو أمر قصديّ.

إلّا أن يقال: إن الإقدام على الضرر أمر واقعي، لكنه مشكل، حيث يشمل الجاهل أيضاً، فلو أقدم على الاستفادة من ملك الغير جاهلاً فهليشمله (لا ضرر) فيكون الضمان مرفوعاً عنه؟

ص: 223


1- لكن يشكل عليه بأن للأداء مصداقين: أداء الأصل وأداء الوصف الذي ملكه المغصوب منه، وقد صدق الأول دون الثاني، إلّا أن يقال: إن التفريق المذكور دقّي لا عرف (المقرر).
2- الفقه 78: 329.

ويمكن الاستدلال على لزوم إزالة الصنعة وإن تضرر بحكومة (على اليد) على (لا ضرر)، لكن المشهور لزوم النظر في الحكومة وهو مفقود في المقام(1).

ومقتضى القاعدة كون (لا ضرر) دليلاً واقعيّاً ثانويّاً فيتقدم على أدلة الأحكام الأولية، ف- (على اليد) محكوم ل- (لا ضرر).

فلا بد من التمسك بالانصراف، أي: إن أدلة (لا ضرر) منصرفة عن مثل المقام، وإلّا فإن غالب موارد رد المغصوب يكون موجباً للضرر على الغاصب خاصة إذا كان قد اتلفه.

وقد يقال: إن (لا ضرر) من جهة الغاصب يعارضه (لا ضرر) من جهة المالك فيتعارضان ويتساقطان، فيبقى (على اليد) سليماً.

لكنه أخص من المدّعى: فإن الموجبة الجزئية لا تكون دليلاً، حيث لا يتولد ضرر على المالك غالباً، خاصة مع ملاحظة ازدياد القيمة، بل يريد الأصل عناداً مع الغاصب.

الفرع الثاني: لو أزال الغاصب الصنعة بأمر المالك فلا يضمنها مع أنها للمالك؛ وذلك لأن الإزالة بأمر المالك وهذا واضح.لكن لو تنزلت القيمة بذلك فهل يضمن النقص؟

ذهب بعض الفقهاء إلى عدم الضمان، فكما لا يضمن الصنعة التي أزيلت بأمر المالك كذلك لا يضمن نقصان قيمة الأصل بذلك.

ص: 224


1- بأن ينظر الدليل الحاكم إلى الدليل المحكوم، كما في نظر (لا شك لكثير الشك) إلى (أدلة أحكام الشك)، فمع كونه شكاً يرفع الموضوع تنزيلاً لأجل رفع الحكم. وإن كان لزوم النظر محل كلام عند بعض الأصوليين (السيد الأستاذ).

بينما ذهب المشهور إلى الضمان للفرق بين المقامين، فإن المالك أذن بإرجاع ماله إلى ما كان عليه، ولم يأذن بالنقصان وإن كانا متلازمين في الفرض، فليس معنى إرادته زوال الصنعة إرادة نقص ماله، والغاصب تمكن من إزالة الصنعة ولم يتمكن من إرجاع القيمة السابقة فعليه الضمان.

البحث السابع: ضم مال المالك إلى مال الغاصب أو غيره

اشارة

وهنا مقامان:

المقام الأول: ضم الغاصب ماله إلى المغصوب

لو ضم الغاصب مال المالك إلى ماله، كما لو غصب ثوباً فصبغه بصبغه.

قال في الشرائع: «ولو صبغ الثوب كان له إزالة الصبغ بشرط ضمان الأرش إن نقص الثوب، ولصاحب الثوب إزالته أيضاً؛ لأنه في ملكه بغير حق، ولو أراد أحدهما ما لصاحبه بقيمته لم يجب على أحدهما إجابة الآخر»(1).وهنا فروع:

الفرع الأول: إمكان التفكيك، وفيه صورتان:

الأولى: أن يكون الثوب والصبغ للمغصوب منه، فإن زادت القيمة كانت للمالك ولا حق للغاصب فيها؛ لأن عمله هدر، ويحق للمالك مطالبة الغاصب بإرجاع الثوب والصبغ(2) إلى وصفه السابق، فإن نقصت القيمة بذلك كان ضامناً.

ص: 225


1- شرائع الإسلام 4: 769.
2- قد كان ذلك متعارفا في السابق حيث يصبغ ويمكن فرز الصبغ.

الثانية: أن يكون الثوب مغصوباً والصبغ للغاصب، فإن أمكنت الإزالة ولم يتلف أحدها ولم تنقص القيمة فلا كلام، ويحق للمالك مطالبة ماله بوصفه وإن تلف مال الغاصب؛ وذلك لأنه أزال احترام مال نفسه، فإن أوجب نقصاً في مال المالك ضمنه الغاصب.

فإن أرادا بقاء الصبغ حصلت الشركة بينهما، وللشراكة صور مختلفة:

الأولى: أن لا تزيد قيمة كل منهما مجتمعين عن قيمتهما منفردين، فتتحقق الشراكة بين الغاصب والمالك بالنسبة.

الثانية: أن تزيد قيمة الثوب دون الصبغ.

الثالثة: أن تزيد قيمة الصبغ لا الثوب.

الرابعة: أن يزيد قيمة المجموع.

قال العلامة(1): إن الفاضل بينهما، فليست الزّيادة لمجرد عملالغاصب فقط حتى يقال: إنه هدر، بل منشؤها ثلاثة: مال المالك والغاصب وعمله.

وأمّا كيفية تقسيم الزّيادة: فإن كانت النسبة متساوية فلا كلام، كما لو كان الثوب بعشرة والصبغ بعشرة والمجموع بثلاثين.

وإن كانت النسبة متفاوتة فقد يقال: إن المتّبع لتعيين مقدار سهم كل واحد منهما العرف، حيث إن الشارع أمر بإيصال الحق إلى أهله، وهو موضوع يؤخذ من العرف.

لكن يرد عليه: مبنىً، أن العرف حجة في المفاهيم لا المصاديق، وما نحن فيه ليس الشك في مفهوم الحق، بل في مقدار حق الغاصب، فلا يؤخذ من العرف.

ص: 226


1- قواعد الأحكام 2: 234.

ويمكن تقرير حجية العرف ببيان آخر، وهو: إن الشارع لو لم يردع عمّا عليه العقلاء فهو علامة الإمضاء، وفي المقام حيث يشخص العرف مقدار حق كل واحد منهما ولم يردع عنه الشارع كان حجة.

ولكن قد يرد عليه: إن الإمضاء إنما حجة في ما لو كان الموضوع متحققاً في زمن الشارع، وأمّا غير المتحقق في زمنه فعدم الرّدع لعدم وجوده لا يلازم الإمضاء.

ويجاب: بأنه إشكال مبنوي، فهل يمكن الالتزام بنظائره، كشمولهلسائر العمومات والإطلاقات الواردة من الشارع، ك- : {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}(1)، فنخصصها بالعقود الموجودة في زمن الشارع.

والأقوى: أن المرجع في أمثال هذا أهل الخبرة، فإن تمكنوا من تشخيص مقدار حق كل واحد منهما فهو، وإلّا فالمرجع قاعدة العدل والإنصاف، فتأمل.

وزيادة قيمة أحدهما دون الآخر بأن بقي على ما عليه أو قلّ، فيمكن فرضها في بعض الأمور الانضمامية كخياطة الثوب، حيث تزيد قيمة الثوب وتنقص قيمة الخيط مثلاً.

قال الشيخ الطوسي(2): لو نقصت قيمة الصبغ وزادت قيمة الثوب فهو بينهما بالنسبة.

لكنه محل تأمل؛ فإن الصور متعددة، فلو زادت قيمة الثوب ونقصت قيمة صبغ الغاصب فهو الذي أضر بنفسه، ولو نقصت قيمة الثوب ضمن

ص: 227


1- سورة المائدة، الآية: 1.
2- المبسوط 3: 79.

الغاصب؛ لأنه تعدى على المالك وأضره.

ويمكن توجيه ما ذكره الشيخ: بأن هنالك قيمتين: وهما قيمة كل واحد منفرداً وقيمة المجموع، فقد يزيد قيمة أحدهما في حد نفسه وينقص قيمة الآخر، لكن الانضمام يوجب زيادة القيمة، مثلاً: الثوب بمائة فصار مائة وعشرة، والخيط بعشرة فصار خمسة، لكن المجموعمنضماً بمائتين، فالزيادة نتيجة الاثنين معاً، فلو نقصت قيمة مال المالك منفرداً وزادت منضماً أخذ نسبة من الربح للزّيادة الحاصلة، وعلى الغاصب جبر ما نقص بلحاظه منفرداً.

لكنه مجرد فرض خارجاً، فإن العرف يرى الشيء منضماً لا منفرداً، فتأمل.

الفرع الثاني: عدم إمكان التفكيك، كما في الصبغ في زماننا هذا، فهل يحق للمالك الامتناع عن أخذ ماله ومطالبة المثل أو القيمة؟

ذهب جمع(1) من الفقهاء إلى عدم حقه في ذلك، فإن الثوب ملكه ولم يخرج عنه بالصبغ، منتهى الأمر نقصت قيمته فيجبر بالأرش، أو زادت فيشترك مع الغاصب وتفك الشراكة بالبيع.

وذهب جمع(2) منهم إلى ثبوت الحق له؛ وذلك لأنه قد لا ينفعه الثوب بعد صبغه، فإنه وإن لم يخرج عن ملكه لكن لا يصدق عليه «حتى تؤدّي» في ما لو لم ينفعه ماله بعد التصرف المذكور، بل الأداء يكون بالبدل.

والظاهر لزوم التفصيل، فقد لا ينفعه المال فله مطالبة البدل ل- (لا ضرر)

ص: 228


1- تذكرة الفقهاء 2: 394؛ جامع المقاصد 6: 296؛ مفتاح الكرامة 18: 265.
2- المبسوط 3: 78؛ إرشاد الأذهان 1: 447؛ جامع المقاصد 6: 297.

على المبنى.ويمكن تقريره على المبنى الآخر بعدم لزوم أخذ ماله بدليل (لا ضرر)، ويضم إليه عدم صدق الأداء، فيصبح مصداق الأداء شيئاً أخر وهو البدل، لكنه مشكل.

وقد لا يكون كذلك وإنما يمتنع عن أخذه عناداً مثلاً، فلا يعلم شمول (لا ضرر) له.

لكن المسألة بحاجة إلى تأمل.

الفرع الثالث: صعوبة التفكيك، كما لو أمكنت الإزالة لكن بعد جهد من الغاصب، وقد سبب الصبغ تنزل قيمة الثوب، فهنا طريقان:

الأول: أن يؤدّي الغاصب الأرش بعد أداء العين مصبوغة.

الثاني: أن يزيل الصبغ ثم يؤدّي العين، وهي على نفس قيمته السابقة.

ويصدق على الاثنين (الأداء).

فلو اختلف المالك والغاصب في ذلك، فأراد المالك الأول والغاصب الثاني أو بالعكس، فقد ذهب جمع(1) من الفقهاء إلى أن الاختيار بيد الغاصب؛ وذلك لأن الغاصب مسلّط على ماله وهو الأرش وعمله وهو الإزالة، وقد وجب أحدهما عليه لا على التعيين، فعليه أن يختار، بينما حق المالك في الكلي وهو مطالبة الأداء وأمّا الكيفية فلا، فلا يحق له إجباره على أحد المصداقين.نظيره: ما لو أتلف دينار الغير فعليه أداء دينار من دنانيره العشرة باختياره؛ وذلك لزوال سلطنته على واحد منها لا على التعيين، ولم تزل سلطنته على

ص: 229


1- المبسوط 3: 77؛ غنية النزوع: 279؛ شرائع الإسلام 4: 769.

التعيين.

وبعبارة أخرى: إن زوال سلطته على الكلي لا يلازم زوال سلطته على الوصف بالتعيين.

وبعبارة ثالثة: إن سلطته زالت في الجملة، أمّا تعيين زوال السلطة على ماله أو عمله فيعود إليه، وكذلك في كل مثلي له أن يختار أحد المصاديق، ولا يحق للمالك جبره على مصداق دون آخر.

وفي إطلاقه نظر؛ لأن الغاصب أزال وصف مال المغصوب منه - كالبياض - فللمالك حق مطالبته، والأدلة - مثل: «الغصب كله مردود» و«حتى تؤدّي» - تقضي بذلك، فحيث أمكن إرجاع الوصف بنفسه فلا وجه للانتقال إلى البدل، كما هو الحال في العين، إلّا أن يرضى المالك.

والحاصل: لا يحق لأحدهما إجبار الآخر على الأرش، وكل واحد منهما لو أراد إرجاع الوصف فعلى الآخر القبول.

اللّهم إلّا مع وجود محذور في البين وهو عنوان ثانوي، كما لو لم يثق المالك بالغاصب، فتأمل.

تكملة

وهنالك صورة أخرى نذكرها تكملة للبحث وهي: لو ألقى الريح بالثوب في الصبغ، فالحكم مشترك مع الصور السابقة في أكثر المسائل،ويختلف في ما يختص بالغصب، فلو نقصت القيمة لم يكن هنالك ضمان(1)، وأمّا لو

ص: 230


1- ويمكن القول بالتفصيل في ما لو كان أحدهما مقصراً في ذلك، كما لو وضع ثوبه في مهب الريح عند صبغ الآخر مما ينسب إليه الفعل فيضمن، كما في نظيره من دخول الدابة في ملك الغير وإتلاف زرعه (المقرر).

زادت القيمة فيشتركان.

المقام الثاني: ضم مغصوبين من مالكين

ولو غصب من شخص ثوباً ومن آخر صبغاً، فصبغ الثوب به، فهنا ثلاث حالات:

الأولى: أن تنقص قيمتهما، فعلى الغاصب الضمان ويكون الثوب مشتركاً بينهما إن لم يمكن الإزالة.

الثانية: أن تنقص قيمة أحدهما، فيضمنه الغاصب له.

الثالثة: أن تزيد قيمة أحدهما أو كلاهما، فالزّيادة للمالك ولا شيء للغاصب.

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: لو أراد الغاصب إزالة صبغ نفسه، فقد يفقد الصبغ قيمته وقد لا يفقد.

أمّا الصورة الأولى: فالمشهور(1) عدم وجوب إجابة الغاصب وتسليم الثوب له أو لشخص ثالث؛ وذلك للأصل؛ فإن الإزالة مستلزمة لتسليمالثوب، والأصل عدم وجوب التسليم.

وفيه: إن فقد القيمة لا يستلزم زوال ملكية الغاصب؛ لما مرّ من عدم التلازم بين الملكيّة والماليّة، والواجب إيصال ملك كل مالك - وإن كان غاصباً - إليه، أو لا أقل من عدم إيجاد المانع من وصوله إلى ملكه، فلا تصل النوبة إلى الأصل المذكور، وحيث تتخالف إرادتهما فعلى الحاكم الشرعي أن يفصل بينهما.

ص: 231


1- تذكرة الفقهاء 2: 394؛ الدروس الشرعيّة 3: 111؛ مختلف الشيعة 6: 118.

وأمّا الصورة الثانية: فقد ذهب الشهيد الثاني(1) إلى عدم لزوم إجابة الغاصب أيضاً؛ وذلك للسبر والتقسيم، حيث إن الاحتمالات خمسة وهي:

أن يجبر المالك على بيع الثوب، أو يجبر الغاصب على بيع الصبغ للمالك أو لغيره، ولا وجه لهما.

أو يبقى الثوب عند المالك مع منعه من التصرف فيه؛ لتعلق حق الغاصب به، وهو منتفٍ لكونه موجباً لمزيد من الضرر عليهما وهو مرفوع حتى عن الغاصب؛ لأنه وإن كان أصل الضرر بتقصير منه لكن زيادته لم تكن منه.

أو يكون مال الغاصب هدراً، ولا وجه له لما مضى من عدم التلازم بين الحرمة التكليفية والحكم الوضعي.فلا يبقى إلّا الاحتمال الخامس: وهو أن يزيل المالك الصبغ بنفسه أو يسلمه إلى الغاصب أو الثالث ليزيله، منتهى الأمر أن الغاصب يضمن نفقة الإزالة؛ لأنه سبب الضرر.

ويشكل عليه: بأن ثبوت المحذور في الاحتمالات الأربعة لا ينفي المحذور عن الاحتمال الخامس، فهو ترجيح بلا مرجح، ومحذوره أنه خلاف سلطنة الإنسان، حيث يجبر على تسليم ماله للغير(2). هذا أولاً.

وثانياً: يمكن القول بالاحتمال السادس، وهو ثبوت الشراكة بينهما ولا محذور فيه، حيث لا فرق بين المقام وبين سائر صور الشراكة القهريّة إلّا في

ص: 232


1- مسالك الأفهام 12: 213.
2- فلأجل دفع المحذور هذا يمكن القول بوجوب الإزالة على المالك، إلّا أن يقال: إنه خلاف سلطنته على فعله أيضاً (المقرر).

التعدّي وعدمه، ولا خصوصية في التعدّي حتى يقال بعدم تحقق الشراكة لأجله، ومع الاختلاف فالفصل للحاكم الشرعي.

المسألة الثانية: لو أراد أحدهما شراء مال الآخر، قال في الشرائع: «لم يجب على أحدهما إجابة الآخر، وكذا لو وهب أحدهما صاحبه لم يجب على الموهوب له القبول»(1).

وهو مقتضى القاعدة؛ لأن الناس مسلّطون على أموالهم، فكما لا يحق لأحد أن يخرج شيئاً من ملك الآخر من دون رضاه، كذلك لا يحق له الإدخال.لكن ذهب العلامة في القواعد إلى أنه يحق: «لصاحب الثوب الامتناع من البيع لو طلبه الغاصب دون العكس»(2).

وربما يكون دليله أن الغاصب أبطل حقه في ماله.

وفيه نظر؛ لأن الإجبار على البيع خلاف السلطنة، والغصب يثبت الحرمة التكليفية لا زوال السلطنة.

المسألة الثالثة: لو زادت القيمة أو نقصت بعد الامتزاج بسبب السوق - لا بسبب الامتزاج والذي مضى بحثه - فمقتضى القاعدة بعد ثبوت الشراكة بينهما أن تراعى النسبة فقد تزداد حصة أحدهما من مال الشركة وقد تقلّ.

مثلاً: لو كان له لبن بألف وللآخر سكر بألف فخلطهما فصار قيمة المجموع ألفين، فلكل واحد منهما النصف، فلو نقصت قيمة السكر فأصبح

ص: 233


1- شرائع الإسلام 4: 770.
2- قواعد الأحكام 2: 234.

بخمسمائة - بسبب السوق - وصار المجموع ألفاً وخمسمائة كان لصاحب السكر من المجموع الثلث، مع ضمان الغاصب لنقص القيمة.

وكذلك لو زادت القيمة فتزيد النسبة، حاله حال كل الشركاء، حيث إن الزّيادة والنقصان لا يرتبطان بعمل الغاصب، بل بالقيمة السوقية.

فرع: لو خلط الدهن بغيرهوهنا حالتان:

الحالة الأولى: مزج الدهن بالدهن

ولو خلط الغاصب دهنه بدهن غيره ففيه صور ثلاثة: أن يتساويا، أو يكون أحدهما أجود، أو أردأ.

الصورة الأولى: خلطه بالمساوي

فلو خلطه بالمساوي اشتركا(1) بالنسبة حسب مقتضى القاعدة، واستدل له بأدلة أربع(2):

الأول: استصحاب ملكيتهما، على فرض الشك، لكن الأقوى عدم وجود الشك في الملكية، فبالمزج لا تخرج العين عن ملكية مالكها.

الثاني: حيث لا يمكن إعادة العين كلها فيدور الأمر بين إعادة جزئها من المال لمالكه مع أداء البدل للجزء الآخر، أو أداء البدل كاملاً، والأول أولى.

الثالث: الشراكة المذكورة مسألة عرفية، فلا يرى العرف الأداء من مال

ص: 234


1- المبسوط 3: 80 ؛ الدروس الشرعيّة 3: 110؛ مسالك الأفهام 12: 215؛ مجمع الفائدة والبرهان 10: 544.
2- مسالك الأفهام 12: 215؛ مفتاح الكرامة 18: 276؛ جواهر الكلام 37: 161؛ الفقه 78: 346.

آخر.

ولكنه بحاجة إلى الإمضاء، لكن لا يعلم الإمضاء في الغرامات وفسخ الشراكة وما أشبه، فتأمل.الرابع: الاحتمالات الواردة أربع: إمّا أن لا يملك الممتزج أحدهما وهو بديهيّ البطلان، وإمّا أن يكون كلّه للمالك دون الغاصب باعتبار تعدّيه، وهو باطل أيضاً؛ لأن التعدّي لا يزيل الملكية، وإمّا يملكه الغاصب ويؤدّي البدل للمالك ولا دليل عليه.

فلا يبقى إلّا الاحتمال الرابع وهو الشراكة بينهما.

لكن ذهب صاحب السرائر(1) إلى خلاف ذلك، وادعى أن المال كلّه للغاصب ويؤدّي البدل للمالك؛ وذلك لأن مال المالك قد تلف للاستهلاك عرفاً.

ويظهر ضعفه مما مضى، حيث لا وجه للقول باستهلاك مال المالك دون العكس، فهو ترجيح بلا مرجح(2).

كما ينقض أيضاً بسائر موارد الشركة القهريّة، كما لو امتزج خطأ أو بفعل الريح أو ما أشبه، فما هو الفرق غير التعدّي وهو غير فارقٍ؟

الصورة الثانية: الخلط بالأجود

ولو خلط الغاصب دهنه الأجود بدهن المالك الرديء ففي المسألة أقوال ثلاثة:

ص: 235


1- السرائر 2: 482.
2- ويمكن الذهاب إلى ما قاله في السرائر بتفصيل وهو: لو استهلك مال المالك - كما لو كان قليلاً جداً - فله البدل، ولو استهلك مال الغاصب فقد تلف بفعل نفسه (المقرر).

الأول: انتقال الضمان إلى البدل، فلا يؤدّي من الممتزج، بلعليه المثل أو القيمة، وهو قول الشيخ الطوسي حيث قال: «والصحيح: إن هذا كالمستهلك، فيسقط حقه من العين ويصير في ذمة الغاصب»(1).

وهو بالخيار بين أن يؤدّي البدل من دهن آخر، أو من العين الممتزجة لا على أنها ملك المالك، بل من جهة أنها ملكه.

ويظهر الإشكال عليه مما مضى:

فأولاً: مال المالك ليس مستهلكاً ولا كالمستهلك، بل عينه موجودة ممتزجة لكنها غير قابلة للتمييز. وإلّا فما هو الفرق بينه وبين اختيار الشريكين مُزج ماليهما أو بفعل ثالث أو بسبب الريح، فهل يمكن القول بالاستهلاك وخروجه عن ملكهما؟ وليست جهة الغاصبية فارقة بين المقامين.

وثانياً: لا وجه لترجيح القول باستهلاك مال المالك دون الغاصب.

وثالثاً: وينقض عليه قوله(2) بالشراكة والتقسيم بالنسبة في ما لو مزجه بالمساوي، فلو كانت العلّة الاستهلاك لم يكن فرق بين المزج بالمساوي والأردأ.

ورابعاً: الأداء من الممتزج ليس مثل مال المالك؛ لأنه ممتزج بالأجود،وقد ثبت في محله أن في المثلي لو أراد الضامن الأداء من الأفضل لم يلزم

ص: 236


1- المبسوط 3: 79.
2- المبسوط 3: 80، وفيه: «فإن خلطه بمثله فهو كالمستهلك والغاصب بالخيار بين أن يعطيه بكيله من عينه أو مثله من غيره، وفي الناس من قال هو شريكه فيه يملك مطالبته بقسمته يأخذ مثل كيله منه وهو أقرب؛ لأنه قدر على بعض عين ماله وبدل الباقي».

على المالك القبول.

الثاني(1): تحقق الشراكة بينهما بحسب الوزن.

ووجهه بعد رد القول الأول أن التقسيم حسب نسبة القيمة موجب للرّبا، فلا يبقى إلّا القول بالتقسيم حسب الوزن دفعاً؛ للمحذور المذكور.

وهو محل إشكال مبنىً وبناءً.

أمّا مبنىً: فإن الرّبا خاص بالمعاملات والقرض، بل ذهب بعض الفقهاء(2) إلى اختصاصها بالقرض وبالبيع من المعاملات فحسب، وعلى القولين ليس المقام من ذلك، بل فك للشراكة.

وأمّا بناءً: فلا وجه لظلم الغاصب، فإن التقسيم المذكور موجب لإعطاء المالك أكثر من حقه مما يظلم الغاصب، ولو كان الطريق منحصراً في ما ذكر لأمكن القول بأنه سبب الضرر لنفسه، فعليه أن يتحمل الضرر، لكنه لا ينحصر فيه بعد إمكان طريق آخر يمكنه من حقه أيضاً، وهو بيعه من ثالث وتقسيم القيمة بينهما.

الثالث(3): تحقق الشراكة بينهما بحسب القيمة.

وأشكل عليه: بأنه ما وجه ترجيح القيمة على الوزن مع أن المالكيملكهما معاً، فمثلاً: المالك كان له صاع من الدهن بقيمة مائة دينار، والآن يعطى له نصف صاع بمائة دينار، ولو أعطي بمقدار ما غصب منه وزناً لكانت قيمته مائتي دينار، فلم يرجح الأول على الثاني؟

ص: 237


1- تذكرة الفقهاء 2: 395؛ الدروس الشرعيّة 3: 110؛ جامع المقاصد 6: 302.
2- السرائر2: 486.
3- مفتاح الكرامة 18: 278.

وأجيب: بأن ترجيح القيمة على الوزن أسلوب العقلاء، فتحصل مبادلة قهريّة شرعيّة، فالتبديل إلى الأقل - مع عدم الرّبا، كما بين الوالد والولد - أسلوب عقلائي، وأمّا عكسه فخلاف طريقة العقلاء.

وفيه: إن الأمر يختلف عند العقلاء، فمنهم مَن يرجح القيمة على الوزن كالتجار عادة، ومنهم مَن يريد الوزن لا القيمة كما في الفقراء، حيث يريد إشباع عائلته بصاع من الطحين - مثلاً - وإن كان رديئاً، فإذا أعطي نصف صاع من الجيّد كان خلاف غرضه؛ ولذا رجح السيد الوالد في الفقه(1) التخيير، فالمالك مخيّر بين مطالبة العين بنسبة ماله وبين البدل؛ وذلك لشمول الأدلة لهما ك- (تؤدّي) و (مردود)، ولو لم يكن للمالك غرض في المال الممتزج فأجبر على ذلك لم يشمله الدليل، لكنه أخص من المدعى، فإنه يدور مدار غرضه.

كما يمكن إثبات المدعى ب- (لا ضرر) على المبنى، فإن الأقل وزناً ضرر على المالك، حيث لا يتمكن من إشباع أهله، ولكن يعارضه (لا ضرر) من جهة الغاصب، فلا يترجح أحدهما على الآخر، فلا بد منالانتقال إلى البدل، فتأمل.

الصورة الثالثة: الخلط بالأردأ

ويجري فيه ما مضى في الصورة الثانية، ويستثنى منه ما لو كانت الرداءة بحيث يعتبر مال المالك تالفاً عرفاً، فمقتضى القاعدة الانتقال إلى البدل.

لكن في القواعد(2) اختار تخيير المالك بين المثل وبين العين مع

ص: 238


1- الفقه 78: 348 و351.
2- قواعد الأحكام 2: 235.

الأرش، واستدل له بشمول الأدلة لهما على السواء.

أمّا العين مع الأرش فلعدم سقوط حقه بالكلّي، وليس الامتزاج من مسقطات الملك، وحيث نقصت قيمة العين فله الأرش. وأمّا المثل فقد لا يصدق (تؤدّي) على الممتزج.

واختار في المبسوط(1) ضمان المثل للاستهلاك.

ويظهر ضعفه مما مضى، فلا وجه للانتقال إلى المثل مع وجود عين ماله، اللّهم إلّا مع عدم تحقق غرض المالك في الممتزج، كما أن الاستهلاك غير متحقق.

هذا كله في ما لو مزجه بشيء من جنسه.

الحالة الثانية: مزج الدهن بغيره

ولو مزج الغاصب دهنه بشيرج الغير مثلاً فالأقوال ثلاثة، وتظهر أدلتهامن الفرع السابق.

الأول: ضمان المثل، قال في الشرائع: «أما لو خلطه بغير جنسه لكان مستهلكاً، وضمن المثل»(2)، أي: المغصوب تالف لبطلان فائدته وخاصيته.

ومرّ الجواب عنه بعدم الاستهلاك. نعم، تغيرّت الفائدة.

الثاني: ما قوّاه في التذكرة(3) وهو ثبوت الشراكة بينهما، مستدلاً له بعدم الفرق بين المزج غصباً أو قهراً أو برضا الطرفين، فلو كان متسهلكاً لكان في الجميع كذلك، وحيث لا استهلاك في سائر الموارد كذلك في المقام؛ لأن

ص: 239


1- المبسوط 3: 80.
2- شرائع الإسلام 4: 770.
3- تذكرة الفقهاء 2: 395.

العدوان ليس بفارق.

وهو مقتضى القاعدة إلّا إذا لم يكن للمالك غرض فيه، فعلى الغاصب جبر الضرر، والفارق بينه وبين الامتزاج رضاً أو قهراً بفعل الريح مثلاً هو أن الغاصب أقدم على ذلك، فيتحمل الضرر، بخلاف الصور الأخرى، حيث لا وجه لإجبار أحدهما على تحمل الضرر دون الآخر.

البحث الثامن: عود الصفة بعد زوالها

ولو كان في المغصوب صفة زالت بيد الغاصب ثم عادت، كما لو غصب عبداً يعرف صنعة فنسيها فنقصت قيمته، ثم تذكرها فعادت القيمة، فهنا مقامان:المقام الأول: في ما لو عادت عند الغاصب.

وفي ضمانها أقوال:

القول الأول: عدم الضمان وقد اختاره في الجواهر(1)، والفقه(2)، وربما عليه الأشهر(3)، وذلك لأدلة(4) بعضها تامة وهي:

الأول: صدق الأداء المأخوذ موضوعاً في الأدلة بمفهوم الغاية أو بصريح العبارة كما مضى، ولا يخل به زوال الصفة في الأثناء.

الثاني: عدم صدق (فوتها المغتصب) المأخوذ في أدلة الضمان، بعد عود

ص: 240


1- جواهر الكلام 37: 170.
2- الفقه 78: 360.
3- المبسوط 3: 82؛ تحرير الأحكام 4: 540؛ الدروس الشرعيّة 3: 112؛ جامع المقاصد 6: 291.
4- جواهر الكلام 37: 170؛ مفتاح الكرامة 18: 251؛ الفقه 78: 361.

الصفة الزائلة.

الثالث: الحكم بالأرش ضرر على الغاصب وهو مرفوع.

الرابع: قاعدة الظالم لا يُظلم، فالغاصب ظالم يعاقب بمقدار ظلمه لا أكثر منه، والقول بأداء الأرش لأجل الصفة العائدة ظلم عليه.

وفيه: إنه مع تمامية دليل القول الثاني لم يكن الأرش ظلماً، فلا بد من إثبات كونه ظلماً عرفاً وشرعاً حتى يتم هذا الدليل.

الخامس: الإجماع.

السادس: الأصل عدم الضمان.القول الثاني: ما اختاره العلامة حيث قال: «لم تجبر الثانية الأولى»(1) وذلك لدليلين(2):

الأول: إن الصفة الأولى مال أتلفه فتحقق الضرر فعليه الضمان، والثانية مال متجدد في ملك المالك ولا يرتبط بالوصف السابق، فكل نماء تابع للأصل ولمالكه.

الثاني: ثبوت الضمان بالزوال ويشك فيه بعد عوده فيستصحب.

ويرد على الأول أنه لا منافاة بين (حتى تؤدّي) و (تبعية النماء للأصل)، فلا شك في أن النماء المتجدد للمالك على كل الأقوال، سواء قلنا بالضمان أم عدمه، إنما الكلام في أن الزائل العائد هل هو نماء متجدّد موجب للضمان أم لا؟ ويحكم بعدمه صدق (حتى تؤدّي).

وعلى الثاني بعدم اكتمال الأركان فلا يقين سابق. نعم، حيث لا يعلم

ص: 241


1- راجع تذكرة الفقهاء 2: 387.
2- جامع المقاصد 6: 291؛ مفتاح الكرامة 18: 251؛ الفقه 78: 361.

بعود الصفة فيحكم ظاهراً بثبوت الضمان، وبعد العود يشك في عدمه ظاهراً أيضاً.

وبعبارة أخرى: الضمان متزلزل، كما في الجواهر(1).

وعلى فرض القول بالضمان التعبّدي للتمسك بإطلاق الأدلة نقول بصدق (حتى تؤدّي) فلا يبقى مجال للشك.القول الثالث(2): التفصيل بين كون العائد نفس الزائل كما لو نسي ثم تذكر فلا ضمان، وغيره كما لو هزل ثم سمن ففيه الضمان؛ وذلك لعدم كونه على الأول صفة جديدة، فيصدق (الأداء)، وأمّا على الثاني فلكون الزائل وقع مضموناً والعائد هبة من اللّه.

وفيه: إنه وإن كان هبة من اللّه دقة لكن إطلاق (تؤدّي) يشمله، فلا ضمان.

القول الرابع: تفصيل المحقق الرشتي(3) بين ما لو كانتا صفتين يمكن اجتماعهما ففيه الضمان، كما لو غصب شاة وزنها (40) فهزلت إلى (30) ثم سمنت إلى (40)، حيث يمكن اجتماع الوصفين فيصبح (50)، فلا يمكن القول بأن العائد نفس الزائل، فيضمن التالف، فإن الضمان إنما يرفع لو علم أن الوصف الجديد نفس السابق، كعود العبد الآبق وتذكّر المنسي.

وبين ما لو لم يمكن اجتماعهما، أو أمكن الاجتماع لكن لا تزيد

ص: 242


1- جواهر الكلام 37: 170 و 172.
2- انظر: المبسوط 3: 64؛ مسالك الأفهام 12: 220؛ مجمع الفائدة والبرهان 10: 545؛ جامع المقاصد 6: 291؛ الدروس الشرعيّة 3: 112.
3- كتاب الغصب: 114-115.

بالاجتماع القيمة، فلا ضمان.

وفيه نظر؛ لجريان نفس الدليل المذكور في الشق الأول، فإن العائد غير الزائل، وقد ضمن الزائل فلا وجه لزوال الضمان بعد فرض كونالعائد غيره.

وأمّا عدم الضمان مع عدم إمكان الاجتماع أيضاً فمحل تأمل؛ وذلك لأن العائد إمّا هو الزائل بنفسه فلا ضمان، أو شيء جديد فيضمن الزائل؛ لأنه لم يؤدّيه.

القول الخامس(1): التفصيل بين ما لو عاد بفعل الغاصب أو بفعل اللّه تعالى أو ثالث فلا ضمان على الأول؛ لأن عمل الغاصب ملك له، وقد عوّضه عمّا أتلفه منه، فإن التدارك لا ينحصر بالأرش، بل قد يكون بالبدل، حتى لو كان الوصف جديداً، كما لو نسي الصنعة فعلمه الغاصب من جديد، فلا فرق بين أداء الأرش أو إرجاع الوصف، وأمّا على الثاني والثالث فيضمن.

والأرجح هو القول الأول وهو عدم الضمان، سواء كان بفعل الغاصب أم غيره، أمكن الاجتماع أم لا، كان العائد نفس الزائل أم غيره، كل ذلك لصدق (تؤدّي).

المقام الثاني: في ما لو عادت الصفة بعد إرجاع العين إلى المالك كما لو أدّى الغاصب الأرش ثم ارتفع النقص في يد المالك، كما لو نسي العبد الصنعة عند الغاصب وبعد أداء العين والأرش للمالك تذكرها. قال في الجواهر: «لا يبعد أن يقال بكون التفاوت لو دفعه إليه متزلزلاً مراعىبعدم

ص: 243


1- الفقه 78: 361.

العود»(1).

وعليه، فاللازم على المالك إعادة الأرش إلى الغاصب، نظير البدل الحيلولة، كما مرّ.

وذلك لأن الغاصب أدّى الأرش مقابل الصنعة وقد عادت، ولا فرق في عودها بين أن يكون بيد الغاصب حيث يحكم بعدم الأرش، أو بيد المالك فعليه إعادة الأرش، وإلّا استلزم الجمع بين العوض والمعوض.

وقال السيد الوالد في الفقه(2): ويدل عليه أنه رد إلى المالك كل ما كان يملكه ولكن بالتدريج، ولا فرق بين الأداء دفعة أو تدريجاً.

نعم، لو عادت الصنعة بفعل المالك - بأن علمه المالك ما نسيه - فلا يصدق عرفاً أن الغاصب أداه كاملاً. وأمّا لو عادت بتذكر العبد من نفسه صدق عود الفائت كاملاً ولو تدريجاً.

فرع: استعداد الغاصب لرفع النقص بأن لم يؤدِّ الغاصب الأرش وإنما استعدّ لرفع النقص وإرجاع الصفة، كما لو أراد تعليم العبد مجدداً، فهل يلزم المالك بالقبول أو يمكنه مطالبة الأرش؟ وبعبارة أخرى: هل الغاصب مخيّر بين الأمرين؟

مقتضى القاعدة أنه لو لم يترتب ضرر على المالك كان الغاصب مخيّراً؛ لأن الأداء كما يحصل بالأرش يحصل بإرجاع الزائل، فكلاالصورتين مصداق لكلّي الرد.

إلّا إذا كان هنالك محذور، كما لو كان المالك يريد العبد للعمل، ولا

ص: 244


1- جواهر الكلام 37: 172.
2- الفقه 78: 363.

يمكنه الاستغناء عنه فترة التعلم، أو لا يطمئن إلى الغاصب، أو أيّ محذور آخر.

البحث التاسع: زيادة القيمة لأجل الصنعة المحرّمة

ولو كانت الصنعة محرّمة وكانت زيادة القيمة لأجلها، كما في الجارية المغنّية، فصار الغاصب سببا لنسيانها، فهنالك قولان كما في المسالك(1):

القول الأول: عدم الضمان لحرمتها، والمضمون إنما هو الزّيادة المحترمة شرعاً، بل يجوز إتلافها ابتداءً نهياً عن المنكر في بعض الصور، ولا فرق في النهي عن المنكر بين الغاصب وغيره. نعم، الغاصب فعل محرماً بالغصب.

واستدل له بعض الفقهاء(2) بعدم المالية شرعاً.

لكنه محل تأمل؛ لأن المالية للجارية لا للصنعة. نعم، لدى التحليل العقلي تكون الزّيادة مقابل معرفتها للغناء، لكن عرفاً كل المال في مقابل الجارية، وإنما ارتفعت قيمتها على غيرها لحسن غنائها.

القول الثاني: الضمان؛ وذلك لأن كل القيمة للأصل لا للصنعة، وإن كان ارتفاعها لأجلها؛ ولذا لو قتل عبداً مغنياً ضمن تمام القيمة.وبعبارة أخرى: التغني حرام لا القدرة على الغناء.

ولا يضر غرض المشتري - وهو الاستفادة من غناها وإن كان محرّماً - بالمعاملة بالقيمة المرتفعة؛ ولذا جاز بيع العنب لمَن يعمله خمراً مع العلم

ص: 245


1- مسالك الأفهام 12: 191.
2- الأنوار اللوامع 13: 74.

بذلك(1)، فإن غرض المشتري لا يرتبط بالبائع، فمقتضى القاعدة أن الغاصب لو سبب نسيان الغناء كان ضامناً.

إلّا أن يكون ذلك مقدمة للنهي عن المنكر، حيث يمكن شمول أدلته له على تأمل فلا ضمان - وإن كان غصبه محرماً - لأنه كان بأمر الشارع، وقد يكون الضمان على بيت المال، كما في تترس الكفار بالمسلمين(2).

واستثنى بعض الفقهاء(3) ما لو كان الغناء محلّلاً، كما في ليلة العرس، وهو خروج موضوعي عن البحث.

البحث العاشر: زيادة قيمة الجبر على الأرش

ثم إنه لو كان ثمن جبر النقص أكثر من الأرش، كما لو أخذ العبد سالماً فمرض وكان أرشه مائة وكلّف علاجه مائتين، ونظيره في باب الديّات لو كانت تكلفة العلاج أكثر من الدية، فهل يعطي الأرش والدية، كما قرره الشارع، أو يضمن الأكثر؟

وقد يستدل للأول: بأن دليل الدية والأرش الشامل بإطلاقه لكونالعلاج وإصلاح العيب أكثر أو أقل.

وقد يستدل للثاني بدليل لا ضرر على المبنى - من إثباته للحكم - .

ولا يعلم أن دليل الدية والأرش يثبت الضمان بشرط لا، بل إطلاقهما محل نظر؛ لأن المسألة مستحدثة، ولا يعلم أن المولى في مقام البيان من

ص: 246


1- كفاية الأحكام 1: 426؛ الحدائق الناضرة 18: 204؛ جواهر الكلام 22: 31؛ كتاب المكاسب 1: 129.
2- تحرير الأحكام 2: 143؛ جواهر الكلام 21: 71.
3- كتاب المكاسب 1: 313.

هذه الجهة. وعلى فرض الإطلاق فإن دليل (لا ضرر) أقوى فيتقدم.

إلّا أن يستفاد منهما تعيين الحد بحيث لا يزيد عليه، فيكون حاكماً على (لا ضرر) وتأتي المباحث السابقة من اشتراط النظر في الحكومة المفقود في المقام، أو كفاية واقع الحكومة لا فعليتها، فتأمل.

ص: 247

الفصل العاشر: في المقبوض بالبيع الفاسد

اشارة

والكلام في مقامين:

المقام الأول: الشراء من المالك

قال في الشرائع: «لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، ويضمنه وما يتجدد من منافعه، وما يزداد من قيمته لزيادة صفة فيه، فإن تلفت في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين قبضه إلى حين تلفه إن لم يكن مثليّاً»(1).

وتتضمن العبارة أربع مسائل:

المسألة الأولى: عدم ملكية المشتري لما اشتراه بالبيع الفاسد.

ويدل عليه: أن الملكية متوقفة على أسباب خاصة من قبل الشارع، أو من قبل العقلاء مع إمضائه، ولا تتحقق بغيرها؛ لعدم إمكان حصول المعلول من دون علته، والبيع الفاسد ليس منها، لا شرعاً ولا عقلائيّاً، فلا سبب لانتقال المبيع إلى المشتري.

المسألة الثانية: ثبوت ضمان المشتري مع التلف.ويدل عليه: أولاً: عموم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

ثانياً: قاعدة: (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده)، فلو كان البيع صحيحاً لزمه أداء البدل،

ص: 248


1- شرائع الإسلام 4: 771.

فكذلك البيع الفاسد، وتنقيحها في البيع.

ثالثاً: إنه قبضه مضموناً عليه، أي: أقدم على الضمان، لكن مستند هذا الأولان.

المسألة الثالثة: ضمان ما يتجدد من المنافع.

وفي ضمان ما يتجدد من منافعه - سواء استوفاها أم لا - قولان: فقد قيل: بعدم الضمان، وقد اختاره السيد الوالد في الفقه(1)، بل لا يضمن حتى زيادة القيمة.

وقد قيل: بالضمان، وقد اختاره في الجواهر(2).

ومن بيان أدلة القول الأول يظهر وجه أدلة القول الثاني، والإشكال عليها.

الدليل الأول(3): إن المشتري أقدم على تملك العين بعوض لكن المنافع أقدم عليها مجاناً، فلا ضمان عليه حسب قاعدة (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده)، لأنه لا يضمن المنافع في البيع الصحيحفكذلك في الفاسد.

إن قلت: مع فساد البيع فإن المنافع تعود للبائع، وقد تصرف المشتري فيها فتشمله قاعدة (على اليد) وهو واضح مع الاستيفاء.

قلنا: إن قاعدة الغرور تخصصها، فإن المشتري مغرور فيرجع على مَن غرّه.

ويشكل عليه: بأن البائع لم يقصد الغرور.

ص: 249


1- الفقه 78: 374.
2- جواهر الكلام 37: 176.
3- الفقه 78: 374.

ويجاب عنه: بعدم اشتراط القصد في القاعدة، وقد تمسّك الفقهاء بقاعدة الغرور مع جهل الأطراف، فمن المسلّم فقهيّاً أن الجهل والعلم لا مدخليّة لهما في ذلك. نعم، للقصد مدخلية في الحكم التكليفي في ما لو كان حراماً.

لكن في أصل كون الغرور أخص من قاعدة اليد كلام، حيث إن الظاهر أن النسبة بينهما العموم من وجه، فلا يمكن التخصيص؛ وذلك لاختصاص الغرور في موارد، كما لو غرّه بأن المال ليس ماله فتركه فتلف، أو غرّه بأن العبد ليس عبده ففك قيده فهرب، حيث إنه غرور من دون يد.

ومع ذلك يمكن ترجيح الغرور على اليد للحكومة؛ لأنه ناظر إلى دليل الضمانات، بناءً على اشتراط النظر، والظاهر أنه تام.

وإلّا فلا بد من الترجيح السندي وحيث إن كلا الدليلين ضعيفان للإرسال ومنجبران بعمل المشهور فيتساقطان، فلا بد من الرجوع إلىالأصول العملية، وهي تثبت عدم الضمان بالاستصحاب أو البراءة.

وقد يشكل: بأن البائع جاهل أيضاً، حيث لم يكن يعلم بفساد البيع.

ويجاب: إنه لا يشترط العلم والجهل في الغرور، وقد تمسك بعض الفقهاء لذلك بإطلاق، دليله لكنه محل تأمل؛ لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

فلا بد من التمسك بدليل آخر وهو أقوائيّة السبب من المباشر، فيكون استقرار الضمان عليه. ولو لم يتم دليل الغرور والسببية فالتمسك بالأصل وهو عدم الضمان، فتأمل.

المسألة الرابعة: الضمان بأعلى القيم.

ص: 250

فإن تلف في يده ضمن العين بأعلى القيم، من حين قبضه إلى حين تلفه إن لم يكن مثليّاً.

وهو محل تأمل، ففي المسالك(1): إنه لو فُسر الغصب بالاستيلاء على مال الغير بغير إذنه فقد تحقق الغصب في المقام فيضمن أعلى القيم، لكن لو فُسر بالعدوان فلا!

وفيه نظر مبنىً، حيث لا دليل على ضمان المغصوب بأعلى القيم، إلّا أخذ الغاصب بأشق الأحوال، وهو غير تام.

وبناءً، فإنه على التفسير الأول لم يتحقق الغصب؛ لكون الاستيلاءبإذنه.

فمقتضى القاعدة ضمان قيمة يوم التلف؛ لأنه وقت انتقال العين إلى القيمة، فلا معنى للقول بقيمة قبله أو بعده. نعم، لو كان مثليّاً انتقل المثل إلى ذمّته فيعطي البدل، سواء زادت القيمة أم نقصت.

وقد ذكر السيد الوالد(2) للمسألة صوراً أربع:

الأولى: أن يكونا جاهلين بفساد البيع، فلا غصب.

الثانية: أن يكونا عالمين ومع ذلك أقدما، فلا غصب أيضاً؛ لأن البائع أقدم على تسليم ماله إلى المشتري مع علمه ببطلان البيع وبأنّ المبيع لا زال ملكه.

الثالثة: جهل البائع مع علم المشتري وهنا يتحقق الغصب، فإنه وإن سلّمه البائع المتاع بطيب نفسه، لكن حيث يعلم المشتري أنه لا زال مال الغير فلا يجوز له التصرف فيه، فإن طيب نفسه متفرع على صحة المعاملة، ولو علم

ص: 251


1- مسالك الأفهام 12: 223.
2- الفقه 78: 376.

بالفساد لم يسلم فلا طيب واقعاً.

الرابعة: عكس الثالث، ولا يتحقق به الغصب؛ لأنه أقدم على تسليم ماله.

المقام الثاني: الشراء من الغاصب

لو باع الغاصب العين المغصوبة واستفاد المشتري من منافعها، فهنامسائل تتعلق بضمان المشتري للعين والمنافع، وضمان البائع للثمن واستقرار الضمان وغيرها.

قال في الشرائع: «لو اشترى من غاصب ضمن العين والمنافع، ولا يرجع إلى الغاصب إن كان عالماً، وللمالك الرجوع على أيهما شاء على الغاصب، رجع الغاصب على المشتري، وإن رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب؛ لاستقرار التلف في يده، وإن كان المشتري جاهلاً بالغصب رجع على البائع بما دفع من الثمن»(1).

والعبارة تتضمن مسائل:

المسألة الأولى: إن المشتري ضامن للعين والمنافع، عالماً كان أو جاهلاً؛ لأنها ملك الغير وقد تصرف فيه من دون إذنه، وجهله غير رافع للضمان وإن كان رافعاً للتكليف، فإن الضمان لا يرتبط بالعلم والجهل.

المسألة الثانية: لو كان المشتري عالماً بالغصب ومع ذلك اشتراه واستوفى المنافع، فهل يحق له الرجوع إلى البائع الغاصب في العين والمنافع والثمن؟

أمّا الرجوع في العين والمنافع فلا يحق له؛ لأنه أتلف العين واستوفى

ص: 252


1- شرائع الإسلام 4: 771.

المنافع، وهو المباشر الأقوى، ولم يكن هنالك غرور؛ فلا وجه لضمان الغاصب، ولو رجع المالك إلى المشتري فلا يحق له الرجوعإلى الغاصب.

وأمّا الرجوع في الثمن ففيه صورتان:

الأولى: أن يكون الثمن تالفاً، وقد استدل على عدم الضمان بدليلين(1):

الأول: إنّه سلّطه على ماله وأذن له في إتلافه.

الثاني: الإجماع.

وكلاهما محل تأمل كما سيأتي.

الثانية: أن تكون العين باقية، وفيه قولان:

الأول: إنه يحق له ذلك وهو مختار المسالك(2)؛ لأنه لا زال على ملكه حيث لم يتحقق سبب لانتقال الملكية، وليس بمنزلة الهبة، فإن العقود تابعة للقصود، فلا وجه لبقاء الثمن بيد الغاصب، وعلى فرض الشك تستصحب ملكية المشتري.

الثاني: إنّه لا يحق للمشتري استرجاع الثمن، فإن الثمن الموجود بحكم التالف، واستدل له بالإجماع وبكون الإقدام على المعاملة مع علمه بالغصب بمنزلة هبة الثمن من دون عوض فهو تمليك للبائع، فلا يحق له مطالبة ملك الغير.وأشكل عليه السيد الوالد(3): بأنّ تسليط الثمن ليس مطلقاً، بل في مقابل المتاع، فالتسليط مقيد، وقد أفتى الفقهاء في أشباه المسألة بحقه في

ص: 253


1- مسالك الأفهام 12: 224؛ جواهر الكلام 37: 178.
2- مسالك الأفهام 12: 224.
3- الفقه 78: 378.

الاسترجاع وإن سلّمه برضاه، كما في القمار، حيث يسلطه على ماله ومع ذلك لا يملكه ويحق له الاسترجاع، وكذا معطي الرّبا يحق له الاسترجاع مع أنه في معنى الهبة، وكذا ثمن الغناء ونحو ذلك، والمقام كذلك، فإن المعاملة باطلة بحكم الشارع، فما أعطاه المشتري أصبح بلا عوض، وقد سلّطه مقيداً بالعوض، فلا يكون في معنى الهبة، فيحق له الاسترجاع، سواء كان موجوداً أم تالفاً، وحتى لو كان هبة فإنها عقد جائز يحق الاسترجاع بشروطه.

وأمّا الإجماع فمخدوش صغرىً، وعلى فرض تحققه فمعلوم الاستناد، وليس بحجة على المبنى.

وقد ذكر في الجواهر(1) وجهاً آخر لعدم حقه في الاسترجاع: بأن ذلك عقوبة له.

وفيه نظر؛ لأن العقوبة بحاجة إلى دليل شرعي.

ثم(2) إنه لا يحق للمشتري إعطاء العين للبائع - وإن استرد الثمن - لأنها أمانة شرعية بيده، فعليه أن يؤدّيها لمالكها.المسألة الثالثة: لو كان المشتري جاهلاً حق له مطالبة الثمن، أمّا على ما اخترناه فواضح لنفس الأدلة التي ذكرناها بطريق أولى، بالإضافة إلى دليل الغرور.

وأمّا على الرأي الآخر - من عدم حق المشتري العالم في الاسترداد - فهنا

ص: 254


1- جواهر الكلام 37: 178، وفيه: «... بل لا رجوع للمشتري على الغاصب مع علمه حتى بالثمن مع تلفه إجماعاً عقوبة له».
2- الفقه 78: 378-379.

له الحق؛ لأنه لم يسلّط البائع الغاصب على ماله مجّاناً، ولم يقصد الهبة.

فرع: لو زاد المشتري الجاهل في العين، كما لو صاغ الذهب، ففي الزّيادة احتمالان:

الأول: أن يصبح المشتري شريكاً للمالك في الزّيادة بالنسبة، كما هو الحال في الشراكة القهريّة، وهذا هو الأرجح، حيث لا يكون عمله هدراً.

الثاني: أن تكون الزّيادة للمالك؛ لأن النماء حصل في ملكه وهو تابع له، وأمّا عمل المشتري فيضمنه الغاصب للغرور.

وفيه نظر؛ لأن تبعية النماء للأصل ليس على إطلاقه، بل في ما لو كان بفعل اللّه تعالى، أو بفعل المالك، أو كان ممّن عمله هدر كالغاصب عالماً عامداً، وأمّا مَن لم يكن عمله هدراً فلا يعلم تبعيّة النماء للأصل؛ وذلك لأن دليله الإجماع وهو لبّي، وكذا بناء العقلاء ولا يعلم شموله للمقام.

ص: 255

الفصل الحادي عشر: في تبديل المغصوب

اشارة

وفيه بحوث:

البحث الأول: في زرع الحب ونحوه

اشارة

قال في الشرائع: «إذا غصب حباً فزرعه أو بيضاً فاستفرخه، قيل: الزرع والفرخ للغاصب، وقيل: للمغصوب منه وهو الأشبه»(1).

وفي المسألة أقوال:

القول الأول: أن يملكه الغاصب(2)، إلّا أنه ضامن للحبّ والبيض مِثلاً أو قيمة. واستدل له: بأن العين المغصوبة تلفت.

وقال الشيخ الطوسي في الخلاف(3): والقول بأن الزرع نفس الحب مكابرة، بل من المعلوم خلافه، فلا وجه لكونها ملك المغصوب منه.

وأمّا وجه ملكية الغاصب فلأنه من المباحات التي لا مالك لها، فيملكه كل من أخذه، كالمباحات الأصلية، ولأنه نتاج عمله وكل إنسان يملك عمله ونتاجه.القول الثاني: أن يملكه المغصوب منه، واستدل له بأدلة(4):

الأول: الإجماع أو عدم الخلاف.

لكن ذكرنا غير مرّة أن أمثال هذه الإجماعات محل نظر، صغرىً للخلاف المحقق، وكبرىً لكونه معلوم أو محتمل الاستناد ببعض الأدلة التي ذكرت في المقام، فلا بد من ملاحظتها والاعتبار بها، إلّا لو قلنا بحجية الإجماع حتى لو كان معلوم الاستناد.

الثاني: إن عنوان الملكية ينطبق على ذات الشيء(5) وإن تغيّرت صورته؛ وذلك لأنها أمر اعتباري، فلو تبدلت الصورة لم يسقط عن الملكية عند العقلاء، إلّا إذا كان تالفاً أو كالتالف، ويدل عليه أنه لو زرع الحب في الأرض المباحة كان الزرع له، فإن العرف قاضٍ بأن الزرع هو نفس البذر، وعليه: إن وجود المادة كافية في ثبوت الملكية وإن تكثرت أو تبدلت صورتها.

ويرد على ما في الخلاف: بأنّه لو لاحظنا الأمر بالدقّة العقلائية فإن المادة باقية بإضافات مع تغير الصورة، ولو لاحظناه بالاعتبار العرفي فهو هو فلا مكابرة.الثالث: مع الشك في بقاء الملكية يتم الاستصحاب(6).

ولا يشكل باشتراط بقاء الموضوع وليس بباق في المقام؛ لأن الزرع غير البذر. فإن الشرط هو اتحاد الموضوع لا إحراز بقائه، فلو شك في حياة زيد فالموضوع هو حياته أمس واليوم فتستصحب، مع أن الموضوع مشكوك.

ص: 256


1- شرائع الإسلام 4: 773.
2- الخلاف 3: 420؛ المبسوط 3: 105؛ الوسيلة: 276-277.
3- الخلاف 3: 420.
4- السرائر 2: 490؛ غنية النزوع: 280؛ تذكرة الفقهاء 2: 387؛ رياض المسائل 12: 290؛ جواهر الكلام 37: 198.
5- عنوان الملكية أمر اعتباري لا يدور حتى على الذات، ففي الانقلاب والاستحالة حيث يتبدل ذات الشيء تبقى الملكية (المقرر).
6- جواهر الكلام 37: 198.

وعليه: فمع الشك في تبدّل الذات نستصحب بقاءها، فتثبت الملكية، أي: نستصحب السبب فيترتب عليه المسبب التي هي الملكية وهي اعتبار شرعي.

والذي يدل على بقاء الملك بقطع النظر عن الأدلة الثلاثة، هو الحكم ببقائه في غير الغصب، فمن له حب زرعه في الأرض المباحة فتبدل إلى الزرع كان ملكاً له، وكذا في المقام.

ومما ذكر يظهر رد دليل القول الأول.

القول الثالث: القول بالاشتراك بين المالك والغاصب(1)، فإن الأصل من المالك والسعي من الغاصب، فأدلة الملكية تنطبق عليهما، فإن الفرع تابع للأصل والسعي للساعي فيشتركان، وقد مضت المناقشة فيها في المباحث السابقة.

نعم، لو كان جاهلاً لم يكن غاصباً، فلا يكون عمله هدراً شرعاً لمكانالجهل، فيمكن القول بالاشتراك، فتأمل.

البحث الثاني: في تبدل العصير المغصوب خمراً ثم خلّاً

قال في الشرائع: «لو غصب عصيراً فصار خمراً ثم صار خلاً كان للمالك، ولو نقصت قيمة الخل عن قيمة العصير ضمن الأرش»(2).

ومقتضى القاعدة أنه لو زاد كان للمالك.

ففي هذه المسألة أقوال(3).

ص: 257


1- الفقه 78: 388.
2- شرائع الإسلام 4: 773.
3- راجع الصفحة 52-64.

القول الأول: ما اختاره في الشرائع من بقاء ملكية المالك.

وأمّا المشهور(1) من عدم ملكية المسلم للخمر ابتداءً وخروجه عن ملكه في ما لو تحول عصيره خمراً فغير تام، حيث لم يقم عليه دليل غير الشهرة، وقد ذكرنا روايات(2) تدل على ملكيته لها.

نعم، يحرم شربها وبيعها، وعلى فرض دعوى الإجماع على عدم الملكية إلّا أنه لا ملازمة بين عدم الملكية وبين عدم حق الاختصاص، فقد يخرج عن ملكه ولكن يبقى حق الاختصاص، فحين أصبح عصيره خمراً فلا زال ملكه أو له حق الاختصاص، فيلزم إرجاعه له.

القول الثاني: ما اختاره صاحب الجواهر(3) - بعد تسليمه مبنىالمشهور- من خروجه عن ملك المالك بصيرورته خمراً، ولا دليل على رجوعه إلى ملكه بعد أن صار خلاً؛ لأن أسباب الملكية معيّنة وليس المقام من مواردها.

وأمّا الخل فإمّا أن يصبح من المباحات الأصلية فيكون لمن سبق، وأمّا يملكه الغاصب لترتب يده عليه، فيكون أولى من غيره.

ويظهر وجه التأمل فيه مما بيناه في القول الأول من عدم قبول المبنى أولاً، وعلى فرضه فإن حق الاختصاص باقٍ، فيلزم عليه إرجاع الخل وأداء الأرش. ولو لم ينفع المالك الخل حق له مطالبة البدل مِثلاً أو قيمةً؛ وذلك لعدم صدق (تؤدّي) و (مردود) في الفرض المذكور.

ثم إنه بناءً على القول الأول فعلى الغاصب إرجاعه إلى المالك في حال

ص: 258


1- المبسوط 2: 396.
2- وسائل الشيعة 25: 370-371.
3- جواهر الكلام 37: 200.

كونه خمراً، لكن قيده البعض(1) بما لو نوى المالك التخليل، وأمّا لو نوى الشرب فلا؛ لأنه إعانة على الإثم، ويأتي هنا الكلام في الإعانة والتعاون والفرق بينهما.

وهو تام لكنه خارج عن الكلام موضوعاً، فإن الكلام من حيث الملكية لا من حيث ترتب حرام آخر، فلو كان له وكيل لا يسلمه له وجب إعطاؤه للوكيل مثلاً؛ لأنه من آثار الملك.

ثم إنه لا دليل على لزوم إحراز إرادة المالك أن يجعله خلاً، فإن نيّةالتخليل لا ترتبط بالملكية أو الأولوية. نعم، لو أحرز إرادته الشرب فلا يجوز تسليمه من باب الإعانة.

وأمّا على القول الثاني حيث خرج عن ملكه حين صار خمراً فلا يجب على الغاصب إرجاعه، وإنما يجب عليه دفع بدل العصير الذي غصبه.

البحث الثالث: زرع الأرض المغصوبة

اشارة

قال في الشرائع: «ولو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها فالزرع ونماؤه للزارع، وعليه أجرة الأرض، وإزالة زرعه وغرسه، وطم الحفر، وأرش الأرض إن نقصت، ولو بذل صاحب الأرض قمية الغرس لم يجب على الغاصب إجابته، وكذا لو بذل الغاصب لم يجب على صاحب الأرض قبوله ولو هبة»(2).

فهنا مسائل ثلاث:

ص: 259


1- مفتاح الكرامة 18: 254.
2- شرائع الإسلام 4: 773.

المسألة الأولى: في مالك الزرع

وفيه أقوال ثلاثة:

القول الأول: ما اختاره صاحب الشرائع فالزرع ونماؤه للغاصب، ودليله:

الأول: الإجماع، وقد ادعاه صاحب التنقيح الرائع(1)، وفي الجواهر(2)عدم الخلاف.

لكن الظاهر عدم تحقق الإجماع. نعم، ربما هو المشهور، ويدل عليه قول المسالك: الزرع للغاصب في أصح القولين(3).

بالإضافة إلى كونه مدركيّاً، وحجيته حسب المباني.

الثاني: الفرع تابع للأصل، وقد دلت عليه الأدلة الثلاثة.

القول الثاني ما اختاره ابن الجنيد(4)، وهو: إن مالك الأرض مخيّر بين أن يستملك الزرع ويؤدّي ثمنه للغاصب، وبين أن يطالبه بأجرة الأرض ويكون الزرع للغاصب.

واستدل له بحديث لم يرد في المجاميع التي بأيدينا؛ ولذا أشكل عليه بكونه عاميّاً، لكنه غير تام، حيث فقد الكثير من كتب الحديث بسبب الظالمين، كالأصول الأربعمائة التي لم تصلنا إلّا خمسة عشر منها، فإنه وإن نقل فقهاؤنا ومحدّثينا منها إلّا أنهم اختاروا بعضها لا كلها، فوجود الرواية في كتاب ابن الجنيد لا يلازم كونها عاميّة، بل مبنى فقهائنا العظام عدم

ص: 260


1- التنقيح الرائع 4: 77.
2- جواهر الكلام 37: 202.
3- مسالك الأفهام 12: 239.
4- مختلف الشيعة 6: 131؛ مسالك الأفهام 12: 239.

الاستدلال بروايات العامة في الكتب الفقهية، يبقى الإشكال في كونها مرسلة، وهي: عن النبي|: «مَن زرغ في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته، وليس له من الزرع شيء»(1).ويرد عليه: أولاً: إن الرواية تدل على التعيين: «فله نفقته وليس له من الزرع شيء» لا التخيير الذي ذهب إليه.

وثانياً: إرسالها مع إعراض الفقهاء عنها، فإن المشهور موافق لرأي صاحب الشرائع.

وحين سقطت عن الحجية يكون قوله خلاف القواعد العامّة؛ لأنه لا يحل مال امرئ إلّا بطيب نفسه، فمع كون الزرع للغاصب تبعاً للأصل مع عدم الدليل على انتقاله من ملكه إلى آخر، فكيف يجبر على بيعه؟

القول الثالث: اشتراك صاحب الأرض والزرع في النتاج كالمزارعة، وسهم كل واحد منهما يكون بالتعيين أو حسب المتعارف.

واستدل(2) له بجمع روايتين وهما:

الأولى: خبر عقبة بن خالد، عن الصادق(علیه السلام): «للزارع زرعه ولصاحب الأرض كراء أرضه»(3)، فإنه وإن كان السند مجهولاً لكن عمل به المشهور.

الثانية: موثقة محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر(علیه السلام): «ويقوّم صاحب الدار الغرس والزرع قيمة عدل، فيعطيه الغارس»(4).

ص: 261


1- مختلف الشيعة 6: 132؛ كفاية الأحكام 2: 655؛ رياض المسائل 12: 291.
2- الفقه 78: 392-393.
3- تهذيب الأحكام 7: 206؛ وسائل الشيعة 19: 157.
4- الكافي 5: 297؛ وسائل الشيعة 19: 157.

ومقتضى الجمع بينهما القول بالتخيير بين الاثنين، ومعناه: أن يشتركا في الزرع، وكيفية التقسيم إمّا أن يأخذ مالك الأرض الزرع ويعطي ثمنه، أو يأخذ الغاصب الزرع ويعطي الكراء.

وفيه نظر: أولاً: إن مقتضى الجمع بين الروايتين يثبت قول ابن الجنيد، فإن الرواية الأولى: تثبت أن الزرع للغاصب وعليه كراء الأرض، والثانية: تثبت الزرع لمالك الأرض وعليه ثمن الزرع، فهو تعيين لأحد الوجهين المذكورين، ويكون الجمع بالتخيير بينهما، فلا شراكة، فإن معناها أن يشتركا في الزرع ويقسم بالمراضاة، أو بيد الحاكم الشرعي.

وثانياً: الإعراض عن الموثقة، فتسقط عن الحجية بخلاف الأولى، فإنه وإن كان سندها مجهولاً إلّا أن عمل المشهور جابر.

فمقتضى القاعدة القول الأول وهو الذي اختاره في الشرائع.

المسألة الثانية: في ما يجب على الغاصب

يلزم(1) على الغاصب دفع أجرة الأرض، وإزالة زرعه وغرسه، وطم الحفر، وأرش الأرض إن نقصت.

وهنا أربعة أحكام كلها حسب مقتضى القاعدة، فالغاصب ضامن لمنافع المغصوب وإن لم يستوفها، فكيف بما إذا استوفاها كما في المقام؟ كما مرت الأدلة على ذلك.ويدل(2) على وجوب إزالة الزرع والغرس:

أولاً: رواية عبد العزيز، عن الإمام الصادق(علیه السلام): «في من أخذ أرضاً بغير

ص: 262


1- جواهر الفقه: 110؛ غنية النزوع: 281؛ المختصر النافع: 249؛ شرائع الإسلام 4: 773.
2- جواهر الكلام 37: 205؛ جامع المدارك 5: 225؛ الفقه 78: 396.

حقها أو بنى فيها، قال(علیه السلام): يرفع بناؤه ويسلّم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق»(1)، وقد عمل بها المشهور.

ثانياً: ما ورد من أن «الغصب كلّه مردود»، فإن المقصود من الرد هو الرد الكامل بأوصافه، فعليه إعادة الأرض بأوصافها، ومنها خلوها من ملك الغير.

ثالثاً: إبقاء الزرع استمرار للغصب؛ لاستمرار بقاء ملكه في أرض المالك.

ويدل على وجوب طم الحفر قوله: «الغصب كلّه مردود»، حيث استلم أرضاً مسطّحة فعليه إعادتها بوصفها.

ويدل على ضمان أرش النقص قوله: «حتى تؤدّي» فإن جبران النقص مع الأرش أداء.

فرع: لو كان جاهلاً بكون الأرض للغير، حيث تصورها من المباحات الأصلية، فزرعها لم تشمله أدلة الغصب؛ لعدم انطباق عنوان الغصب في صورة الجهل، وعلى فرض الانطباق فالأدلة منصرفة عنه، فمع تضرر الغاصب يكون (لا ضرر) حاكماً، فيشترك مع مالك الأرض.فإن قلت: خبر عبد العزيز يشمل الجاهل أيضاً، حيث إنه بنى بغير حق.

قلت: إنه منصرف عن مورد الجهل، وعلى فرض عدم الانصراف فدليل (لا ضرر) حاكم عليه.

المسألة الثالثة: لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس

ولو(2) بذل صاحب الأرض قيمة الغرس لم يجب على الغاصب إجابته؛ لأنه مالك فلا يجبر على بيع ملكه.

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 6: 294.
2- تحرير الأحكام 3: 545؛ الحدائق الناضرة 18: 394؛ جواهر الكلام 37: 205.

وكذا لو بذل الغاصب غرسه لصاحب الأرض لم يلزم عليه قبوله شراء أو هدية؛ وذلك لأن (الناس مسلّطون) فلا يجوز إدخال شيء في ملكه من دون رضاه.

البحث الرابع: حفر البئر في الأرض المغصوبة

قال في الشرائع: «ولو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها، وهل له طمّها مع كراهية المالك؟ قيل: نعم، لتحفظها من درك التردي، ولو قيل للمالك منعه كان حسناً، والضمان يسقط عنه برضا المالك باستبقائها»(1).

أمّا أصل وجوب الطم فللأدلة العامّة الدالة على وجوب إرجاعالمغصوب بوصفه إلى مالكه. وأمّا لو لم يرد المالك الطم ففيه قولان:

الأول: يحق للغاصب الطم وإن لم يرضَ المالك به(2).

الثاني: لا يحق له ذلك وهو الأصح(3).

ويدل عليه: أنّ الطم تصرف في ملك الغير، فيشمله أدلة عدم جواز التصرف فيه، فلو لم يكن برضا المالك كان الغاصب مرتكباً للحرام مرة ثانية.

واستدل للقول الأول(4):

أولاً: بأنّ الحافر ضامن في ما لو سقط فيه إنسان أو دابة - كما مرّ - فيحق

ص: 264


1- شرائع الإسلام 4: 773.
2- المبسوط 3: 73؛ غنية النزوع: 281؛ جواهر الكلام 37: 206.
3- السرائر 2: 485؛ تحرير الأحكام 4: 546؛ الدروس الشرعيّة 3: 111؛ جامع المقاصد 6: 290.
4- المبسوط 3: 73؛ جواهر الكلام 37: 206.

له طمّه لرفع الضمان عن نفسه.

وفيه: إنه لا يمكن للدليل المذكور أن يخصص دليل عدم جواز التصرف في ملك الغير، حيث إنهما عامان، ولا منافاة بينهما، فيكون مقتضى الجمع عدم جواز الطم مع ضمان الحافر، كما اختاره في الجواهر(1)، ولا طريق له إلى رفع الضمان عن نفسه.

وقد يتأمل فيه، بأن دليل السببية يشمل المالك بعد منعه عن الطم، فينتقل الضمان من الحافر إليه؛ لأن بقاء البئر لا يكون مستنداً إلى الحافر،فيكون السبب الأقوى هو المالك.

ويؤيّده ضمان المالك لا العامل في ما لو حفر العامل بإذنه في أرضه.

ثانياً: بأن الضمان ثبت في ذمة الحافر والماضي لا ينقلب عما وقع عليه، وإبراء المالك ذمة الحافر لا يغير الماضي(2).

وفيه: لا ضمان عند الحفر وإنما يتولّد عند السقوط. نعم، الحافر أوجد السبب، ولا نريد القول بانقلاب السببية في الماضي، وإنما انتقال السببيّة من ذمة الحافر إلى ذمة المالك.

ثالثاً: الضمان لا يرتبط بالمالك، فلا يصح له الإبراء(3)، فالساقط في البئر يستحق الدية فكيف للمالك أن يُبرئ ذمة الحافر منها؟ فهل يحق للغريب أن يُبرئ ذمة الجاني؟

وفيه: إن الكلام ليس في مستحق الدية أو الغرامة، بل الكلام أنها كانت

ص: 265


1- جواهر الكلام 37: 207.
2- جواهر الكلام 37: 207.
3- جواهر الكلام 37: 207.

متعلقة بذمة الحافر فانتقلت إلى ذمة المالك، وذلك كمن يشتري أرضاً فيها بئر حيث كان ضمان الساقط فيها على البائع فانتقل إلى المشتري.

رابعاً: إنه من ضمان ما لم يجب(1)، فإنه قبل سقوط أحد في البئر يقوم المالك بإبراء ذمة الحافر.وفيه: بغض النظر عن المبنى في إبراء ما لم يجب نقول: إن المقام ليس منه، فالمالك لا يريد رفع الضمان عن الحافر، بل نقل السببيّة منه إليه.

وعليه: فمقتضى الأدلة هو القول الثاني.

وفي المسألة فرعان:

الفرع الأول: قال في المسالك: «ولو تعذر استيذان المالك - لغيبة ونحوها - جاز له طمّها؛ تحرزاً من الدرك المذكور»(2).

وفيه نظر؛ لعدم جواز التصرف في ملك الغير، ولا يجوّزه إمكان سقوط دابة وضمانها.

نعم، يمكنه مراجعة الحاكم الشرعي فهو ولي الغائب، ومع عدمه فعدول المؤمنين، ويشمل الغاصب نفسه أيضاً بعد التوبة؛ وذلك لوجوب حفظ النفس المحترمة.

الفرع الثاني: لو(3) طالب المالك الأجرة عوضاً عن الطم لم يجب على الغاصب القبول؛ لأن الدليل يقضي بأداء العين كما كانت، وتعيين المصداق بيد الغاصب، فلا يحق للمالك إجباره على مصداق معين. هذا،

ص: 266


1- جواهر الكلام 37: 207.
2- مسالك الأفهام 12: 241.
3- كتاب الغصب، للرشتي: 135؛ الفقه 78: 401.

إن لم يولّد ضرراً على المالك، كما لو خاف من دخول الغاصب أو عمّاله في أرضه للطم.

البحث الخامس: دخول الدابة في ملك الغير

اشارة

قال في الشرائع: «إذا حصلت دابة في دار لا تخرج إلّا بهدم، فإن كان حصولها بسبب من صاحب الدار ألزم الهدم والإخراج، ولا ضمان على صاحب الدابة، وإن كان من صاحب الدابة ضمن الهدم، وكذا إن لم يكن من أحدهما تفريط ضمن صاحب الدابة الهدم؛ لأنه لمصلحته»(1).

فالصور المذكورة ثلاثة، إمّا بتقصير من صاحب الدار أو صاحب الدابة، أو لا بتقصير منهما، ويضاف إليها صورتان هما: أن يكون ذلك بتقصيرهما أو بسبب شخص ثالث:

الصورة الأولى: كون دخول الدابة بسبب صاحب الدار

أن يكون دخول الدابة بسبب صاحب الدار، سواء أدخلها بنفسه أم بتفريط منه، فعليه إخراجها؛ لأنه سبب تقييد سلطنة مالك الدابة، حيث منعه من التصرف أو قيّد تصرفه، فبمقتضى قاعدة السلطنة وإيصال الحق إلى صاحبه عليه أن يتحمل مسؤولية الإخراج، وعليه تكلفة هدم الباب أو ما أشبه، حيث إنه السبب، فعليه الضمان وإن ترتب عليه ضرر.

ويتفرع عليه ما لو كان قيمة هدم الباب أو قلعه أكثر من قيمة الدابة، فهل له أن يطالب مالك الدابة بذبحها وإخراجها مقطعة أو يطالبه ببيعها؟

إن قلنا: إن (لا ضرر) يشمل حتى المقصر - في ما لو ترتب عليهضرر

ص: 267


1- شرائع الإسلام 4: 774.

كثير - فله ذلك، وأمّا على ما رجحناه سابقاً من عدم الشمول في ما لو أقدم بتقصير منه فلا يحق له ذلك.

وأمّا من يقول بالشمول في ما لو كان ضرراً كثيراً، فنتساءل عن الفارق بين الضرر الكثير والقليل، فلو شمل الكثير لشمل القليل أيضاً، فلو تساوى الضرران - فمن جهة: مالك الدار يريد ذبح الحيوان، ومن جهة: مالك الدابة يريد قلع الباب - لم يكن وجه لترجيح الثاني، فإن الأول وإن كان مقصراً إلّا أن القائل يرى شمول (لا ضرر) للمقصر أيضاً، وقد قلنا بعدم الفارق بين الضرر الكثير والقليل، ويبعد الالتزام بالانصراف في أحد الشقين دون الآخر.

لكن قال بعض الفقهاء(1) بتعارض الضررين في جانب القِلّة، ويبقى الضرر الزائد بلا معارض.

وفيه نظر؛ لأن دليل (لا ضرر) دليل واحد ومتعلقه واحد أيضاً، والكثرة والقلة لا تكون سبباً لتعدد (لا ضرر) والتفكيك بين درجات الضرر تفكيك دقّي.

فمقتضى القاعدة أن على صاحب الدار إخراج الدابة وإن تضرر كثيراً، إلّا إذا كان فاحشاً يثبت به الانصراف، لكنه غير معلوم.

الصورة الثانية: كون دخول الدابة بسبب صاحبها

أن يكون دخول الدابة بسبب صاحبها، وفيه احتمالات ثلاثة(2):

الأول: قلع الباب مع ضمان صاحب الدابة.

ص: 268


1- الدروس الشرعيّة 3: 110؛ الأنوار اللوامع 13: 92؛ جواهر الكلام 37: 212.
2- الفقه 78: 403.

الثاني: ذبح الدابة مع الانتفاع بلحمها أو جلدها.

الثالث: بيع الدابة لصاحب الدار.

ولا بد من ملاحظة مصلحة مالك الدار، فلا وجه لمراعاة مصلحة مالك الدابة مع تقصيره، ولو كان هنالك ضرر تحمله مالك الدابة.

كما لا وجه لإجبار مالك الدابة على بيعها، فإن أصل إخراجها واجب عليه، ولا يلازمه إكراهه على تعيين مصداق يسلبه السلطة على دابته.

كما أنه لو أراد مالك الدابة البيع لم يكره مالك الدار على ذلك. ولو انحصر الخيار في ذبح الدابة لزمه ذلك.

وأمّا وجه تخصيص(1) الذبح بما يؤكل لحمه فلا وجه له، حيث قد يستفاد من جلده أو ما أشبه ذلك.

الصورة الثالثة: كون الدخول بسببهما

أن(2) يكون كلاهما سبباً، كما لو استجاز صاحب الدار فأذن له، ومعه لا معنى لتحمل أحدهما الضرر، بل يقسم بينهما حسب مقتضى القاعدة، كما لو اشتركا في شيء يتضرران به، فإن سببيّة الضرر مستند إليهما معاً،فتخصيص الضرر بأحدهما بلا وجه.

فلو اتفقا على طريقة معيّنة لإخراج الدابة كانت الخسائر عليهما معاً، وإن اختلفا احتمل ترجيح أقل الضررين؛ لأن الضرر الأقل ثابت على كل حال، فلا يرفعه دليل (لا ضرر) ولا وجه لتحمل الزائد مع جريان (لا ضرر) فلا يمكن إجبار أحدهما على ذلك.

ص: 269


1- جواهر الكلام 37: 208.
2- جواهر الكلام 37: 208؛ الفقه 78: 404.

ويحتمل عدم الترجيح؛ لأن (لا ضرر) يشمل أحدهما على البدل - حيث لا يشملهما معاً؛ للزوم تحمل أحد الضررين قطعاً - والدليل واحد وكلاهما مصداق، والدليل لا يفكك بين مراتب الضرر، وعليه لا ترجيح لأقل الضررين.

وهو الظاهر؛ لأن دليل (لا ضرر) لا يشمل أحد الضررين، لا أنه لا يشمل المقدار المشترك ويشمل الزائد، اللّهم إلّا أن يقال بالانصراف عن الأقل، فيشمل الأكثر وينفيه.

ومع الاختلاف لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي للفصل بينهما، وللحاكم حق الاقتراع لا لوجوبها عليه، بل لاختياره ذلك.

الصورة الرابعة: كون الدخول بسبب شخص ثالث

أن يكون السبب شخص ثالث فعليه الضمان(1)؛ لأنه سبب زوال سلطنتهما فعليه إرجاعها، فإن لم يمكن إلّا بقلع الباب أو ذبح الدابة، فإنكان الضرران متساويين واتفق المالكان على أحدهما فالحق لا يعدوهما، وعلى الثالث الامتثال، ولا يحق له إجبار المالكين على أحد المصاديق، وإلّا كان معناه سلبه سلطنة أخرى إضافة إلى ما سبق منه.

وإن لم يتساوَ الضرران واختار الطرفان الضرر الأقل فلا يحق للثالث الاعتراض، بل عليه الامتثال.

وأمّا لو أرادا اختيار الضرر الأكثر فقد يحتمل عدم حقهما في ذلك، فلا يجبر الثالث على تحمله؛ لجريان (لا ضرر) في حقه، فالأصل عدم ضمان الزيادة.

ص: 270


1- الفقه 78: 404.

ويحتمل ثبوت الحق لهما في ذلك لسلطتهما على مالهما، وعدم جريان (لا ضرر) بالنسبة إلى الثالث، حيث كان هو السبب، ولا يعلم انصراف الدليل عنه، والظاهر أنه الأرجح، فيكون كل الضرر على الثالث.

كما يحتمل حقهما في اختيار الضرر الأكثر، لكن تكون الزّيادة عليهما لا عليه.

الصورة الخامسة: كون الدخول بسبب سماوي

أن(1) لا يكون أحد سبباً لدخول الدابة في ملك الغير، بل دخلت بسبب عامل سماوي مثلاً، فقد قيل: إن صاحب الدابة هو الذي يتحمل الضرر؛ لأن خروجها لمصلحته، كما في الشرائع(2).وفيه نظر؛ إذ الدليل أخص من المدعى، حيث تختلف المصلحة، فقد يكون من مصلحة صاحب الدابة بقاؤها في ملك الغير.

وعلى فرض المصلحة، فلا يكون ذلك سبباً للضمان، فإن الضمان بحاجة إلى سبب وهو مفقود، فلا بد من تحملهما معاً للضرر، حيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر.

البحث السادس: إدخال الدابة رأسها في قدر الغير

اشارة

وفي المسألة صور ثلاث:

الصورة الأولى: كون يد مالك الدابة عليها

أن تكون يد مالك الدابة عليها أو فرّط في حفظها، قال في الشرائع: «ولو

ص: 271


1- المبسوط 3: 94؛ مسالك الأفهام 12: 243.
2- شرائع الإسلام 4: 774.

أدخلت دابة رأسها في قدر، وافتقر إخراجها إلى كسر القدر، فإن كانت يد مالك الدابة عليها أو فرّط في حفظها ضمن»(1).

ويشكل عليه: أولاً: لا ينحصر الأمر في كسر القدر، بل يمكن ذبح الدابة ثم كسر رأسها وإخراجه من القدر، فلا وجه لتحميل الضرر على مالك القدر حتى لو ضمنه مالك الدابة مع كونه مقصراً. فما ذكره خاص بما لو كان الأمر منحصراً في كسر القدر، وليس كذلك عادة.

ثانياً: قد تكون يد مالك الدابة عليها ومع ذلك تدخل رأسها بلا اختياره ومن دون تفريط، وهنا أيضاً لا وجه للضمان حيث لا يعلم شمول أدلةالضمان للمقام، فمقتضى القاعدة رجوع المسألة إلى الصورة الثالثة.

وقد يقال: إنه لا بد من مراعاة التوازن بين قيمة الإناء وقيمة الدابة، ويرجح الأقل ضرراً، وإن كان في طرف مَن لم يكن مقصراً.

واستدل له بوجهين، كما مرّ:

الأول: تساقط (لا ضرر) في المقدار المتساوي بين الضررين، ويجري في الزائد بلا معارض، وهو حاكم على أدلة العناوين الأولية حتى بالنسبة إلى المقصر.

وفيه: بأن دليل (لا ضرر) دليل واحد لا يجزأ، فيشمل الأقل والأكثر في مرتبة واحدة فيتساقطان، لا أنه يجري في الأقل من الطرفين فيبقى الأكثر سليماً عن المعارض.

وقد رجحنا عدم جريان (لا ضرر) في حق المقصِّر، لا من باب إقدامه على الضرر حتى يقال بأنه لم يقدم عليه أو أقدم على النفع، بل من باب

ص: 272


1- شرائع الإسلام 4: 774.

انصراف الدليل عنه.

الثاني: الإسراف في ما لو رجح الضرر الأكثر.

وفيه: إن الإسراف من الأدلة الأولية فيتقدم عليه دليل (لا ضرر). هذا أولاً.

وثانياً: ما يحكم به الشارع من ضمان المقصِّر خارج موضوعاً عن الإسراف.

ولا يكون ذلك من الدور حتى يقال: إن عدم الإسراف متوقف علىحكم الشارع بالكسر، وحكمه بالكسر متوقف على عدم الإسراف، فإن الدليل العام الحاكم بضمان المعتدي مخرج له عن موضوع الإسراف(1).

الصورة الثانية: كون صاحب القدر مقصّراً

قال في الشرائع: «وإن لم يكن يده عليها وكان صاحب القدر مفرطاً، مثل أن يجعل قدره في الطريق، كسرت القدر عنها ولا ضمان في الكسر»(2).

ويرد عليه ما سبق:

أولاً: حتى وإن كانت يده عليها بشرط عدم الإفراط والتفريط، فإن الضمان مرتفع، فتخصيص الضمان بما لو كانت يده عليها لا وجه له.

وثانياً: في إطلاق المثال المذكور تأمل، فليس وضع القدر في الطريق تفريطاً دائماً، فقد يكون من المتعارف ذلك، كما في الأربعين في كربلاء

ص: 273


1- وفيه نظر؛ لأن الإسراف أمر عرفي، وفي المقام العرف يرى أن تحمل الضرر الأكثر مع إمكان تداركه بالضرر الأقل إسراف، فدليل الإسراف يحكم بحرمة الإقدام على تحمل الضرر الأكثر، ودليل ضمان المقصر يحكم بتحمل الضرر الأكثر فيتعارضان. نعم، يمكن القول بأنه من أدلة العناوين الثانوية فيتقدم عليه (المقرر).
2- شرائع الإسلام 4: 774.

المقدسة.

نعم، لو كان صاحب القدر مقصّراً فلا ضمان لكسر القدر.

الصورة الثالثة: عدم التفريط من أحدهما

قال في الشرائع: «وإن لم يكن من أحدهما تفريط، ولم يكن المالكمعها، وكانت القدر في ملك صاحبها، كسرت وضمن صاحب الدابة؛ لأن ذلك لمصلحته»(1).

ويرد عليه:

أولاً: لا تنحصر المصلحة في صاحب الدابة، بل الأمر في مصلحة الاثنين، فكل منهما يريد تخليص ماله.

ثانياً: على فرض اختصاص المصلحة بصاحب الدابة فليس ذلك من الأدلة الشرعيّة الموجبة للضمان.

ومقتضى القاعدة كون الضرر عليهما. فلو كان أحد الضررين أكثر رجح الأقل؛ لعدم وجه تحملهما الضرر الأكثر. ولا نتمسك لذلك بدليل (لا ضرر) حتى يقال: إنه يشمل الاثنين على حد سواء، بل الكلام في مرحلة الضمان، حيث الأمر دائر بين ضمانهما للأقل أو الأكثر، وهما غير ارتباطيين، والأصل عدم الأكثر.

وليس من الأصل المثبت حتى يقال: الأصل براءة الذمة من الأكثر فيلزم الأقل، فإن ضمان الأقل مسلّم والأصل يرفع الأكثر، فيكون الحكم بكسر القدر - حيث إنه أقل ضرراً - مثلاً حكماً شرعيّاً لا عقليّاً أو عاديّاً، فإنه حيث يحكم الشارع بضمان الأقل فإن لازمه الشرعي ذلك.

ص: 274


1- شرائع الإسلام 4: 774.

إلّا أن يقال: إن ترجيح الضرر الأقل وإجراء الأصل في الضررالأكثر إنما هو في ما لو كانا ضرر شخص واحد، وأما لو كانا ضرر شخصين فلا يقين في الضرر الأقل أيضاً، بل الأقل والأكثر هنا من المتباينين كما لو شككنا في أن زيداً مديون بعشرة أو عمراً مديون بعشرين، فلا محيص عن القرعة حينئذٍ مع تقسيم الضرر عليهما؛ إذ لا وجه لتخصيص الضرر على أحدهما مع عدم تقصيرهما، وقد يقال: بأنه لا مجال للقرعة هنا لأنها بحاجة إلى عمل، وهو مفقود في المقام، فإن اتفقا فهو وإلّا رجعوا إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما بما يراه مناسباً ولو بالقرعة - لا للزومها عليها، بل لأن الفصل من ولايته فيختار ما هو الأفضل، والمسألة بحاجة إلى مزيد تأمل.

ولو تساوى الضرران، فإن اتفق الطرفان على أحدهما فلا كلام، وإن اختلفا فالحاكم الشرعي هو الفيصل.

البحث السابع: لو زرع السيل نخلاً في أرض الغير

هذا فرع ذكره السيد الوالد في الفقه(1) يشمله ملاك المسألة وهو: إنه لو جاء السيل بنخلة رجل فأثبتها في أرض الغير، أو هبت الريح فزرعت حبات الحنطة في أرضه ففي المسألة قولان:

القول الأول: يجب على صاحب النخل أو الحب أن يخلصه من ملك الغير، ولو ترتب عليه ضرر ضمنه.واستدل له بأنه مكلف بإخراج ملكه عن ملك الغير وإن لم يكن مقصراً، وحيث إنه مكلّف فعليه الضمان.

ص: 275


1- الفقه 78: 406-407.

لكنه مصادرة، حيث لم يُقم دليلاً على وجوب ذلك، فهنا ملكان اجتمعا قهراً، وحقان تزاحما، وفي مثله يكون الضمان والضرر عليهما معاً.

القول الثاني: إنه تكليف الاثنين والضرر عليهما.

وهنا مباحث متعددة في قاعدة (لا ضرر) والسلطنة والجمع بينهما فراجعها في الفقه(1). وقد ذكرنا شطراً منها في نبراس الأصول(2).

البحث الثامن: خوف سقوط الحائط

قال في الشرائع: «قال الشيخ في المبسوط: إذا خشي على حائط جاز أن يستند بجذع بغير إذن مالك الجذع، مدعياً للإجماع، وفي دعوى الإجماع نظر»(3).

وقال الشهيد الأول في الدروس: «وحينئذٍ الأقرب ضمان عينه وأجرته وإن انتفى الإثم»(4).

فالإجماع المذكور إنما يرفع الإثم لا الضمان، فيبقى تحت دليله.

وأمّا جامع المقاصد(5) حيث نفى الإجماع ولم يجد دليلاً معتبراً علىجواز التصرف المذكور، خصص المسألة بما لو خيف على نفس محترمة من سقوط الجدار عليها؛ لأن دليل حفظ النفس أقوى ملاكاً من دليل حرمة التصرف في مال الغير.

ص: 276


1- الفقه 78: 406-408.
2- نبراس الأصول 4: 426-431.
3- شرائع الإسلام 4: 774.
4- الدروس الشرعيّة 3: 109.
5- جامع المقاصد 6: 328.

والأقرب أن الإجماع المدعى محل نظر؛ لعدم بحث المسألة في الكتب السابقة وحتى المعاصرين للشيخ، ولا دليل خاص في المقام، فلا بد من ملاحظة الأدلة العامّة، وهنا دليلان:

الأول: إن الضرر والحرج رافع لحرمة التصرف في مال الغير في ما لو كان مالك الجدار يتضرر بسقوطه، أو يشعر بالحرج أو ما أشبه ذلك.

لكنه محل نظر؛ حيث إن شمول دليل الضرر والحرج للمقام معلوم العدم للانصراف، بل قد يكون فيه ضرر على الغير ولا يدل دليل لا ضرر على رفع الضرر عن النفس بإلقائه على الغير.

الثاني: قاعدة الأهم والمهم، ومعناه ثبوت الملاك لكلا المتزاحمين، فمع اكتشاف الأهمية في أحدهما يكون راجحاً بحكم العقل، كما في إنقاذ الغريقين في ما لو كان أحدهما وليّاً والآخر عصيّاً، فيختار الأهم مع عدم إمكان إنقاذهما، وأمّا لو تساوى الملاكان أو جهل الأهم فيتخيّر بينهما.

وفي المقام: فإن وجوب إنقاذ النفس المحترمة أهم بحكم العقل من حرمة التصرف في مال الغير.وقد ذكر السيد الوالد في الفقه(1) بأن قاعدة الأهم والمهم قاعدة عقليّة، فتكون في سلسلة العلل، فيشملها ما حكم به العقل حكم به الشرع.

لكن بيانه بحاجة إلى مزيد من التأمل.

ومن الأدلة على ذلك عشرات الموارد المتفرقة التي يطمئن منها أن الشارع قدم الأهم على المهم، كما في التقيّة في غير الدم، وزنا المرأة

ص: 277


1- الفقه 78: 416، وفيه: «وأما في الأهم والمهم، فلأنها قاعدة عقلائيّة مشمولة لقاعدة ما حكم به العقل حكم به الشرع، بعد كون الأمر في سلسلة العلل».

المضطرّة، والكذب في الإصلاح، والغيبة في المشورة، وغيرها.

البحث التاسع: نقل المغصوب إلى بلد آخر

قال في الشرائع: «إذا نقل المغصوب إلى غير بلد الغصب لزمه إعادته»(1).

ويدل عليه(2): إن الأداء المأخوذ في دليل «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» لا يتحقق إلّا بأداء نفس العين وبأوصافها، ومنها وصف المكان، فلو أداه في غير بلد الغصب كان أداء للعين دون الوصف، وكذا «الغصب كلّه مردود»، خاصة مع ملاحظة اختلاف الأغراض بينالأماكن.

وهو تام في ما لو لم يصدق الرد، أمّا لو صدق الرد، كما لو غصبه في السفر وأعاده في الحضر، ولم يكن للمالك غرض عقلائي في استرداده في السفر، وإنما مجرد عناد، لم يلزم الاستجابة له؛ لتحقق صدق الرد.

وقال في المسالك: «وإن أمكن إيصاله إلى مالكه بغيره تخير المالك بين أن يقبضه حيث يدفعه إليه، وبين أن يأمره برده إلى مكانه الأول»(3)؛ وذلك لأنه يمكنه أن يتنازل عن حقه.

وهنا فروع:

الفرع الأول: لو لم يكونا في مكان الغصب، فأراد الغاصب تأخير الأداء إلى الرجوع إلى مكانه ولكن المالك أراد أداءه فوراً في مكان تواجدهما، فالحق مع المالك، فلو لم يؤدّه كان استمراراً للغصب، فإن الأداء في مكان الغصب من حق المالك ويمكنه التنازل عنه لتعجيل الأداء.

ص: 278


1- شرائع الإسلام 4: 774.
2- جواهر الكلام 37: 221؛ الفقه 78: 419.
3- مسالك الأفهام 12: 247.

قيل: ولو امتنع الغاصب ثم أداه في الحضر حق للمالك الامتناع ومطالبته بالأداء حيثما طلبه سابقاً، فإنه حين طالبه المالك - وهو في السفر - لم يكن من حق الغاصب نقله إلى مكان آخر، فعدم أدائه حيث طلبه بمثابة غصب جديد، فكأنه غصبه في السفر.ففي المسالك: «وحيث يرضى المالك ببقائه دون المكان الأول ليس للغاصب الزّيادة عليه؛ لأنه تصرف في المغصوب بغير إذن المالك، فلو تجاوز به المأذون فللمالك إلزامه بإعادته؛ لتعديه في النقل كأصله»(1).

وأشكل عليه في الجواهر(2)، فراجع، والمسألة بحاجة إلى مزيد تأمّل.

الفرع الثاني(3): لو كان للغاصب محذور في الأداء في بلد الغصب، كما لو كان هارباً لا يمكنه الرجوع، ولا يمكنه إرساله بيد أمين، ارتفع عنه التكليف؛ لعدم القدرة على الأداء، لا مباشرة ولا بالتسبيب، وحينئذٍ يلزم ملاحظة حال المغصوب منه من حيث تحمل الضرر بالانتظار أو بتسليمه بدله فيكون نظير بدل الحيلولة.

ولو كان المحذور من المالك، كما لو تم تسليمه في بلد الغصب صادرته الدولة الجائرة منه فهنا يحق له المطالبة بتسليمه في بلد آخر، إلّا لو كان في ذلك ضرراً على الغاصب، وحينئذٍ الأقوى ترجيح ضرر المالك على ضرر الغاصب إلّا لو كان فاحشاً فيمكن القول بعدم تحمل الغاصب، لكن لا يبعد أنه يتحمل ذلك وإن كان فاحشاً، فتأمّل.

ص: 279


1- مسالك الأفهام 12: 248.
2- جواهر الكلام 37: 222.
3- الفقه 78: 420.

الفرع الثالث(1):لو مات مالك العين المغصوبة انتقل حقه إلى ورثته، فيحق لهم المطالبة بتسليمها في مكان الغصب، فإن الحقوقأيضاً تتوارث كالأعيان، كخيار الفسخ والحيوان وحق القصاص، إلّا في ما كان متقوّماً بشخص الميت كحق القسم، حيث إنه متقوّم بالزوج، فإنه لا يتوارث من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

وفي المقام: الرضا الفعلي للوارث هو الملاك وذلك لانتقال الحق إليه، ولا اعتبار برضا المورث وعدمه بعد موته، فلو كان المورث يطالب العين المغصوبة في السفر حق للوارث مطالبته في مكان الغصب كالحضر.

نعم، لو أسقط المورث حقه لم يرثه الوارث، حيث لا يبقى حق حتى يورث، ولا يخفى الفرق بين الرضا والإسقاط، فمجرد الرضا غير مسقط، بل بحاجة إلى إظهار، فرضا المورث باستلامها في بلد آخر لا يسقط حق الوارث في مطالبته في بلد الغصب مثلاً.

وفي المقام فروع، كاختلاف الورثة مع إمكان تقسيم الحق كالقصاص، أو عدم إمكانه كاستلام العين المغصوبة في مكانين وما أشبه، محل بحثه كتاب الإرث.

الفرع الرابع: لو صدق الرد مع إرجاعه في غير مكان الغصب لم يحق للمالك إجبار الغاصب على أدائه في مكان الغصب، كما لو غصبه في الصحراء وأداه في بلده، لانصراف (مردود) و (تؤدّي)، إلّا إذا كان للمالك غرض عقلائي في المطالبة في مكان الغصب، كما لو غصب منه آلات حفر البئر في الصحراء وأرجعها في المدينة، حيث لا يصدق (تؤدّي)، وأمّا مع

ص: 280


1- الفقه 78: 422.

عدم الغرض العقلائي فالإرجاع في الصحراء ليسمصداقاً ل- (تؤدّي) بخلاف المدينة.

وأمّا لو أراد الغاصب إرجاعه إلى مكان الغصب دون مكان المطالبة مع وجود المغصوب في مكانها فليس ذلك من حقه؛ لأن الحق يرتبط بالمالك، فلا يحق له الامتناع عن التسليم.

البحث العاشر: نقل الحر بقوة

ذكر العلامة(1): أنه لو أخذ حراً صغيراً أو كبيراً بقوة ونقله إلى مكان آخر كان تعدّياً لا غصباً؛ لأن الغصب خاص بالملك والحر غير مملوك، فلو رضي الحر بالبقاء في المكان الذي نقله إليه لم يحق له إرجاعه بقوة؛ لأن الناس مسلّطون، وإرجاعه بقوة إزالة لسلطنته على نفسه مجدداً.

ولو أراد الحر الإرجاع لزمه، وعليه نفقته حيث إنه أضرّه.

واستدل في المسالك(2) على ذلك بأنه متعدٍّ فيكون ضامناً للنفقة.

وفيه نظر: فإن التعدّي يثبت الحرمة التكليفية لا الضمان، والضمان بحاجة إلى دليل، وليس التعدّي من الأدلة، فلا بد من بحث سائر العناوين ومنها: (لا ضرر) على المبنى، وإن لم يتم الدليل فيبقى الضمان مطلباً عرفيّاً عقلائيّاً بحاجة إلى دليل شرعي.

وقد يقال: بإمضاء الشارع ذلك!

وفيه: أن للإمضاء شروط هي معلومية وجود سيرة العقلاء في زمانالمعصوم(علیه السلام)، وكونه أمراً عاماً أو مبتلى به للكثيرين لا نادراً، وعدم ردع

ص: 281


1- تذكرة الفقهاء 2: 382.
2- مسالك الأفهام 12: 248.

الشارع، وعدم المحذور له في الردع، ولا يعلم تحقق كل هذه الشروط في ما نحن فيه.

وأشكل السيد الوالد(1) على إطلاق كلام العلامة الشامل للصغير بأنه محجور عليه لا يملك القرار بالرجوع أو البقاء، فلا بد من مراجعة وليه أو الحاكم مع عدم الولي، ويعمل بقراره.

ص: 282


1- الفقه 78: 423-424.

الفصل الثاني عشر: في إتلاف الآلات المحرمة

ذهب العلامة في القواعد: أنه لو كسر آلة اللهو لم يضمن، لكن لو حرقه ضمن قيمة الرضاض(1).

وتفصيل الكلام في المكاسب المحرمة، وإجماله: أنه قد يقال بوجوب إتلاف الآلات المحرمة، كآلة اللهو والصنم التي يحرم الانتفاع بها مطلقاً؛ لأن الكسر نهي عن المنكر، ولا ضمان فيها.

فإن قام الإجماع على ذلك فبها، وإلّا فالحكم بإطلاقه محل تأمل، حيث إنه قد يفرض منفعة محللة لبعضها، فآلات اللهو قد تتخذ لغير العزف، كالحفظ في المتحف الأثري، أو للزينة بشرط عدم محذور آخر يوجب حرمة التزيّن كما في الصليب، وعليه تكون الآلة مما ينتفع بها في الحلال والحرام، فلا وجه للحكم بإتلافها.

وعلى فرض كونه من مصاديق النهي عن المنكر، فقد يقال بعدم جواز النهي عن المنكر باليد إلّا بإذن الحاكم الشرعي، المتأخرين، فراجع في مظانه(2).وعلى فرض جواز الإتلاف فالقول بالضمان في الحرق دون الكسر بناءً

ص: 283


1- قواعد الأحكام 2: 226.
2- المراسم العلوية: 260؛ النهاية: 299؛ مختلف الشيعة 4: 459؛ مجمع الفائدة والبرهان 7: 539؛ جواهر الكلام 21: 352.

على وجود المنفعة المحلّلة في الرضاض، حيث ينتفع منه في النجارة مثلاً، فيكون مملوكاً ومحترماً محل تأمل؛ فإن الإحراق أيضاً من مصاديق النهي المأمور، فأدلة الضمانات لا تشمل ما كان بأمر الشارع للانصراف، وهو كذلك عرفاً، حيث إنه إذا امتثل العبد أمر مولاه واستلزم ذلك مؤونة لم يكن الضمان على العبد، هذا أولاً.

وثانياً: يشمله قوله تعالى: {مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ}(1)، وهو المحسن ثبوتاً لا توهماً، فلا بد من تحقق الإحسان الفعلي والفاعلي حتى يرفع عنه السبيل الشامل للضمانات، بمقتضى عموم (سبيل) الذي هو نكرة في سياق النفي.

نعم، لو توهم الإحسان لم يشمله الدليل وإن ادعاه البعض أيضاً، لكن لا وجه لذلك؛ لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لكن لو قلنا: إن المراد المحسن عرفاً لم يكن من التمسك بالعام.

وقد تطرق السيد الوالد في الفقه(2) إلى شواهد متعددة لذلك، ومنها(3): إحراق مسجد ضرار، حيث كان من الممكن الإبقاء على المادة وهدم الصورة، ومع ذلك أتلفت المادة أيضاً، ولم يرد جبره بالضمان، وكذاالأصنام التي هدمت ودفنت ولم يسلّم الرضاض لمالكها(4) وغيرها، التي يستفاد من مجموعها عدم الضمان في إتلاف الرضاض أيضاً.

ص: 284


1- سورة التوبة، الآية: 91.
2- الفقه 78: 426.
3- راجع بحار الأنوار 21: 263.
4- بحار الأنوار 38: 84.

كما أنه أشكل على العلامة أيضاً بأن ظاهر الأخبار عدم الضمان(1)، فتأمل.

نعم، لو كسره أولاً، بحيث خرج عن كونه آلة لهو أو صليب، لم يحق له حرقها، ولو فعل أمكن القول بالضمان.

ص: 285


1- الفقه 78: 425، وفيه: «وأما الضمان ففي إطلاقه نظر؛ إذ لا دليل على الضمان بعد كون ظاهر الأخبار عدم الضمان، حيث إن الإحراق والإتلاف والكسر ونحوها كلها من أقسام النهي عن المنكر؛ ولذا أتلف رسول اللّه| أصنام الكفار مع أن رضاضها لا شك في قيمتها».

الفصل الثالث عشر: في التنازع

اشارة

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: الاختلاف في قيمة المغصوب

قال في الشرائع: «إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه، وهو قول الأكثر، وقيل: القول قول الغاصب، وهو أشبه»(1).

ففي المسألة قولان:

الأول: يؤخذ بقول المالك مع يمينه، وهو قول الأكثر(2).

وأشكل(3) على نسبته إلى الأكثر في مفتاح الكرامة(4): بأن التتبع قادنا إلى أنه قول المفيد والعلامة لا غير.

واستدل له(5): أولاً: بأن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال، وقد مضىضعفه.

ص: 286


1- شرائع الإسلام 4: 775.
2- مسالك الأفهام 12: 249؛ جواهر الكلام 37: 223.
3- مفتاح الكرامة 18: 384.
4- فمن خصائص هذا الكتاب القيم أنه بحث كثيراً في الكتب الفقيهة حتى ذكر أسماء القائلين بالأقوال في المسائل الفقهية.
5- مفتاح الكرامة 18: 385؛ رياض المسائل 12: 293-294؛ جواهر الكلام 37: 223-224؛ الفقه 78: 456.

ثانياً: إن المالك أعرف بقيمة ماله من الغاصب.

وفيه نظر: فإن الأعرفية ليست من الأدلة الشرعيّة، بالإضافة إلى أن في كثير من الموارد لا يكون المالك أعرف، ودونك الواقع الخارجي، حيث لا يعرف المُلاك قيمة أثاث دورهم مثلاً، فالدليل أخص من المدعى.

وثالثاً: صحيحة أبي ولّاد: «قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال(علیه السلام): أنت وهو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك، فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك»(1).

والمفهوم منها أن القول قول المالك ابتداءً مع اليمين، فإن نكل انتقل إلى الغاصب.

وفيه نظر: حيث إنها لا تدل على المدعى، فإن ظاهرها كون الحق بينهما بأيّ صورة اتفقا، فالحق لا يعدوهما، فيكون الكلام في مورد التوافق بين الطرفين، وظاهره التخيير بين أحد الأمرين، إمّا أن يحلف هذا أو ذاك لا الترتيب.

ولذا المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً بين المتأخرين من بعد الشرائع لم يرتضوا هذا القول مع صحة الرواية.

وعلى فرض ظهورها في الترتب إلّا أنهم أعرضوا عن هذا المقطع منالرواية، مع عملهم بها في سائر المقاطع.

القول الثاني: يؤخذ بقول الغاصب مع يمينه وهو الأشبه(2).

ص: 287


1- الكافي 5: 290؛ وسائل الشيعة 25: 391.
2- الخلاف 3: 412؛ الدروس الشرعيّة 3: 117؛ مسالك الأفهام 12: 249؛ رياض المسائل 12: 293؛ جواهر الكلام 37: 223.

واستدل له(1): أولاً: بأنّ الغاصب منكر الزّيادة، والبيّنة على المدعي واليمين على من أنكر. والمفروض عدم البيّنة في المقام.

ثانياً: إن الأصل عدم ضمان الزّيادة.

ولا يخفى أن الصورة التي تطرق إليها الفقهاء هي ما هو الغالب من كون الغاصب مدّعياً للأقل، وأمّا لو انقلب الفرض - في صورة نادرة - بأن ادعى المالك الأقل، قيل: القول قوله بمقتضى انطباق الأدلة المذكورة، فإن الأصل عدم ضمان الزّيادة.

وفيه نظر؛ لأن الأصل إنما يجري في ما لو لم يقر بالزّيادة، وفي هذه الصورة الغاصب يقر بكونه مديوناً للمالك بالأكثر، فإن الإقرار دليل اجتهادي، ومعه لا تصل النوبة إلى الأصل.

وهكذا الكلام في عدم جريان الدليل الأول حيث الغاصب غير منكر، بل يقر فلا مجال للبيّنة(2).منتهى المراتب أن المالك يرى عدم حقه في الأكثر ويردّ إقرار المقر، وذلك كسائر موارد الإقرار، فلو أقرّ بأنه مديون لزيد وأنكره زيد لم يعلم شمول أدلة الإقرار له.

والحاصل: إنه لا تجري أدلة ترجيح قول المالك المدّعي للأقل على الغاصب، فالحاكم الشرعي يلزم الغاصب بأداء الأقل، وبما أن الغاصب

ص: 288


1- مسالك الأفهام 12: 249؛ كفاية الأحكام 2: 656؛ رياض المسائل 12: 293.
2- وهو محل تأمل، أما الأول فلأنّ المالك هو الذي يجري الأصل لا الغاصب، وقد ثبت في محله التفكيك بين الأحكام، وأما الثاني فلأنّ إقرار الغاصب بالأكثر غير ملزم للمالك، فإنه إقرار في حق الغير بخلاف البيّنة، حيث إنها إذا قامت شرعاً فيكون المالك ملزماً بالرضوخ لها (المقرر).

يعلم أنه مديون بالأكثر فلا بد له من التخلص منه بأيّ طريق كان، وإن لم يمكنه سلّمه للحاكم الشرعي، إلّا إذا كان إنكار المالك مساوقاً لإبراء الذمة، وليس كذلك دائماً، فإن الإنكار شيء والإبراء شيء آخر، حيث إنه إيقاع على المشهور(1) أو عقد، بناءً على رأي السيد الوالد(2)، فيكون تابعاً للقصد، ويظهر ذلك بوضوح في ما لو أنكر ديناً له على زيد وأدعى أن زيداً مشتبه في دعواه، ثم تذكر الدين حق له المطالبة؛ لأن الإنكار لم يكن إبراءً.

وهنا فرعان:

الفرع الأول: قال في الشرائع: «لو ادعى ما يعلم كذبه فيه - مثل أن يقول: ثمن الجارية حبة أو درهم - لم يقبل»(3).وإنما لم يقبل منه لعدم جريان أدلة ترجيح قول الغاصب، فلا يجري الأصل العملي مع العلم بكذبه وكذا اليمين؛ لأن العلم مقدّم على الدليل الاجتهادي.

ففي المسألة احتمالان(4):

الاحتمال الأول: سقوط قول الغاصب عن الاعتبار مطلقاً، فيكون القول قول المالك مع يمينه، فإن الحق لا يعدوهما.

ص: 289


1- الدروس الشرعيّة 3: 328؛ اللمعة الدمشقية: 101؛ مسالك الأفهام 6: 15؛ مفتاح الكرامة 22: 108.
2- الفقه 67: 129، وفيه: «... إذ مقتضى القاعدة اعتبار القبول في الجميع عيناً كان أو ديناً، كان بلفظ الهبة أو بلفظ الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك، وإن كان المشهور يقولون بعدم الاحتياج في لفظ الإبراء ونحوه إلى القبول».
3- شرائع الإسلام 4: 775.
4- كفاية الأحكام 2: 656؛ مفتاح الكرامة 18: 385.

واستدل له(1): بأن بناء العقلاء على قبول قول ذي اليد إنما هو في مورد الوثوق، أو لا أقل من الشك، والمنكر إنما يقبل قوله مع يمينه في الصورتين، أمّا مع العلم بكذبه فلا يوثق ببقية أقواله، ويؤيّده بعض الروايات المستفيضة في موارد أخر.

ومنها: عدم قبول الإمام علي(علیه السلام) لشهادة عادلين، حيث شهدا على سارق، ولما قطعت يده جاءا بشخص آخر وادعيا اشتباههما في الأول، فضمّنهما دية الأول، ولم يقبل شهادتهما على الثاني(2)، ولم يكن ذلك من باب عدم عدالتهما، بل لعدم الوثوق بهما.

لكنه محل تأمل، فليس مبنى قبول قول الغاصب بناء العقلاء حتى ندور مداره، بل ما دلّ على أن اليمين على مَن أنكر، وهو شاملللموردين.

كما أن الدليل أخص من المدعى، فقد يكذب أولاً ثم يطمئن بكلامه الثاني بعد توبته مثلاً، أو يبقى أمره مشكوكاً فيشمله الدليل.

وأمّا المؤيّد المذكور فلا يعلم وجه رد شهادتهما، فقد يكون لفسقهما، وقد يكون لدرء الحدود بالشبهات، وقد يكون لرد شهادة المشتبه، ولا جهة للعمل حتى يؤخذ به، فإن فعل المعصوم(علیه السلام) حجة في المقدار الذي يدل عليه.

وأمّا عدم ضمان الزائد فدليله الأصل لا بناء العقلاء، فكلّما شك في اشتغال الذمة كان الأصل البراءة، وهو مطلق يشمل الصورتين، إلّا أن يقال بالانصراف، لكن لا يعلم تحققه.

ص: 290


1- جامع المقاصد 6: 337؛ مفتاح الكرامة 18: 385.
2- الكافي 7: 384؛ وسائل الشيعة 27: 332.

والحاصل: إنه بناءً على مختار الشرائع(1) لو كذب المنكر مرة لم يسقط قوله عن الاعتبار كلياً، بل يؤخذ بقوله الثاني، فلو اعترف بأنه مديون لزيد بدرهم وشهد الشهود بأنه أكثر من ذلك، فصحح كلامه وقال مديون بعشرة أخذ بقوله، وإن ادعى زيد أنه مائة.

الاحتمال الثاني: رد كلام الغاصب ومطالبته بقيمة أخرى محتملة فيؤخذ بها.

وقد اختاره في شرح اللمعة(2) اطراداً لقاعدة (القول قول المنكر) حيثإنه إن سقط قوله في مورد فالدليل شامل لسائر الأقوال.

الفرع الثاني: ذكر في الجواهر(3): أنه لو ارتفعت القيمة السوقيّة واختلفا في كون التلف قبل الارتفاع أو بعده، ويأتي الكلام في حكم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ أو أحدهما، حيث يستصحب عدم التلف إلى حين ارتفاع القيمة، وهو معارض لاستصحاب عدم ارتفاع القيمة إلى حين التلف، كما لو مات ابن وأب ولا يعلم زمان موتهما.

والمسألة مبنيّة على القول بضمان قيمة يوم التلف، إلّا أن الأقرب هو ضمان قيمة يوم الأداء، فلا يجري الفرع المذكور.

ولو شك في القيمة عند الأداء فالأصل عدم الزيادة.

المسألة الثانية: الاختلاف في زيادة صفة

اشارة

قال في الشرائع: «إذا تلف وادعى المالك صفة يزيد الثمن، كمعرفة

ص: 291


1- شرائع الإسلام 4: 775.
2- الروضة البهية 7: 59.
3- جواهر الكلام 37: 225.

صنعة، فالقول قول الغاصب مع يمينه؛ لأن الأصل يشهد له»(1).

كما لو ادعى المالك أن الذهب المغصوب كان مصاغاً وأنكره الغاصب، ولم يكن هنالك طريق لمعرفة صدق أحدهما؛ لعدم وجود شهود في البين، وقد تلفت العين، فيحتمل ترجيح قول المالك، فيغرم الغاصب قيمة الصفة أيضاً، واستدل له بصحيحة أبي ولّاد: «يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذاوكذا»(2).

ومفادها أن القول قول المالك لا الغاصب، ولا فرق بين أن يدعي المالك زيادة الكراء وبين زيادة صفة تزيد بها القيمة.

وضعفه ظاهر؛ لأن صاحب البغل أقام شهوداً على دعوى الزّيادة، والبيّنة على المدعي، وهو خارج عن محل الكلام.

فمقتضى القاعدة كون الأصل عدم وجود الصفة فلا ضمان.

ويتفرع عليها فروع منها:

الفرع الأول: الاختلاف في نوع الصنعة

لو اتفقا في وجود أصل الصنعة واختلفا في نوعها(3)، كما لو غصب عبداً فمات وادعى المالك أنه كان يعرف الخياطة فتزيد قيمته مائة، وادعى الغاصب أنه كان يعرف النجارة فتزيد خمسيناً، فلا يجري الأصلان لتعارضهما.

وفي المقام مبنيان:

ص: 292


1- شرائع الإسلام 4: 775.
2- الكافي 5: 290؛ وسائل الشيعة 25: 391.
3- مفتاح الكرامة 18: 386؛ الفقه 78: 460.

المبنى الأول: إن الميزان في أمثال هذه الدعاوى المآل، ونتيجتها هنا زيادة المبلغ المضمون أو عدمها، والأصل عدم الزيادة.

المبنى الثاني: إن الميزان هو مصب الدعوى لا مآلها، وهو الأصح، فيكون تداعيا لا يرجح أحدهما على الآخر، بل يلاحظ ما في كتابالقضاء من القرعة أو قاعدة العدل والإنصاف أو غير ذلك، ولا يصل الأمر إلى أصل عدم الزّيادة؛ لكونه مسبباً لا تصل النوبة إليه مع وجود الطريق الشرعي في السبب.

الفرع الثاني: الاختلاف في تقدم الصفة وتأخرها

لو اختلفا في تقدم وتأخر الصفة(1)، ومآله إلى مقدار ضمان الأجرة، كما لو غصب عبداً وادعى المالك أنه من حين الغصب كان يعلم الصنعة، فيضمن أجرة الصنعة كل فترة الغصب، وادعى الغاصب أنه لم يكن يعلم ثم تعلم فيضمن بعض الفترة، وهنا اتفاق على أصل الصنعة ونوعها لكن الاختلاف في التقدم والتأخر، ويجري فيه أصالة عدم التقدم، حيث يشك إنه كان يعلم الصنعة في أول الأمر فالأصل عدمه، وهو من استصحاب العدم النّعتي، ولا معارض له، كما أنه ليس بمثبت؛ لأن لازمه عدم الضمان وهو حكم شرعي.

الفرع الثالث: الاختلاف في نوعية المغصوب

لو غصب كلباً فمات(2)، فادعى المالك كونه كلب صيد بألف دينار، وادعى الغاصب أنه كلب هراش لا قيمة له.

ص: 293


1- مفتاح الكرامة 18: 387؛ جواهر الكلام 37: 226؛ الفقه 78: 461.
2- الفقه 78: 461.

فقد احتمل أنه من قبيل التداعي فيلاحظ مصب الدعوى لا مآله، واحتمل أن الأصل ينفي كونه كلباً معلماً باستصحاب العدم النّعتي.إن قلت: إنه مثبت؛ لأن عدم الضمان نتيجة كونه كلب هراش لا عدم كونه معلّماً، فاستصحاب عدم كونه معلماً يثبت كونه هراشاً، فلا ضمان.

قلنا: لا نريد إثبات كونه هراشاً حتى يكون مثبتاً، بل نريد إثبات أنه لم يكن معلّماً فلا ضمان؛ لأن الضمان ثابت على المعلّم.

وبعبارة أخرى: هنالك عام يحكم بسلب القيمة عن الكلب واستثنى منه المعلّم، وكلّما شك أنه من الاستثناء أم لا جرى حكم العام عليه، ولا يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فتأمل.

الفرع الرابع: غصب خمر اتخذ للتخليل وتلفه

لو غصب خمراً اتخذه المالك للتخليل فتلف(1)، فادعى المالك أنه تلف عنده بعد أن صار خلّاً، وادعى الغاصب أنه تلف حين كان خمراً.

والفرق أنه لا ضمان بناءً على دعوى الغاصب؛ لأن المسلم لا يملك الخمر، فلا يملك ثمنه، بخلاف دعوى المالك.

وهنا بحثان مبنائي وبنائي:

أمّا الأول: فقد مضى أنه لا دليل على خروج الخمر عن ملك المسلم في ما لو كان قصده مشروعاً إلّا الإجماع، وهو لبّي لا يشمل إلّا الموارد المقطوعة، كاتخاذها للشرب دون التخليل، وعلى فرض خروجها عن الملك فإن حق الاختصاص باقٍ، وهو يعوّض بالمال عرفاً، ولم يردع عنهالشارع، بل عمومات الأدلة شاملة للمعاوضة على الحقوق، كحق القسم

ص: 294


1- جواهر الكلام 37: 226؛ الفقه 78: 461.

وما أشبه، ومنها: {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}(1).

وعلى فرض عدم الملكيّة والماليّة؛ لعدم المملوكية؛ ولعدم ثبوت حق الاختصاص، جرى استصحاب بقاء خمريته فلا ضمان.

نعم، يمكن دعوى عدم جريانه في بعض الصور، كما لو تلف بعد أشهر عند الغاصب، فإن الخمر يصبح خلاً خلال أربعين يوماً، لكنه مورث للظن عادة وليس بحجة، إلّا في ما عمل به العقلاء، فيكون ظناً معتبراً، فيكون القول قول المالك.

الفرع الخامس: الاختلاف في تعيّب المغصوب

لو ادعى الغاصب تحقق العيب عند المالك وأنكره المالك، فالقول قول أيٍّ منهما؟

كما لو غصب فرساً فمات، فادعى الغاصب أنه كان أعور حين الغصب، وادعى المالك أنه صار كذلك عند الغاصب، فأصل العيب مسلّم لكن الاختلاف في زمان حدوثه. والمسألة محلُ خلافٍ.

فلو كان الاستصحاب مطابقاً لأحدهما بلا معارض، ولم يكن من قبيل المتقدم والمتأخر أخذ به، وإلّا لم يجرِ ولو على بعض المباني.

بيانه: قد يكون من قبيل مجهولي التاريخ، بحيث جهل زمان العوروزمان الغصب، فاستصحاب عدم العور إلى زمان الغصب معارض باستصحاب عدم الغصب إلى حين العور، وعلى فرض عدم التعارض فهو مثبت؛ فإن لازمه إثبات العور بعد الغصب في الأول، وقبل الغصب في الثاني، وهو لازم عقلي.

ص: 295


1- سورة المائدة، الآية: 1.

ولو كان أحدهما معلوم التاريخ - كما لو علم وقت الغصب وجهل وقت العور - فالمباني مختلفة، حيث يرى بعض الفقهاء(1) استصحاب عدم العور إلى حين الغصب بلا معارض؛ لعدم جريان الاستصحاب في الطرف الآخر؛ لأنه معلوم.

وأشكل(2) عليه آخرون بإمكان جريانه في الطرف المعلوم أيضاً، حيث لا يراد استصحاب زمان الغصب لأنه معلوم، بل يستصحب وصف الغصب، أي: استصحاب عدم الغصب إلى حين العور.

وحتى لو قلنا بجريان الاستصحاب فهو مثبت.

وللمسألة فروع كثيرة تظهر أحكامها مما سبق.

المسألة الثالثة: لو باع الغاصب شيئاً ثم ملكه بسبب صحيح

قال في الشرائع: «إذا باع الغاصب شيئاً ثم انتقل إليه بسبب صحيح، فقال للمشتري: بعتك ما لا أملك وأقام بينة، هل تسمع بينته؟ قيل: لا؛ لأنه مكذب لها بمباشرة البيع، وقيل: إن اقتصر على لفظ البيع ولم يضمإليه من الألفاظ ما يتضمن ادعاء الملكية قبلت وإلّا ردّت»(3).

والسبب الصحيح كالإرث، كما لو باع مال أبيه ثم ورثه.

وأمّا أصل المسألة - وهي التي تبحث في كتاب البيع - وهي ما لو باع شيئاً ثم ادعى أنه لم يملكه حين البيع لم تسمع دعواه في حق غيره؛ لأنه قد انتقل إلى المشتري بظاهر الشرع، إلّا أن يقيم دليلاً شرعيّاً، بالإضافة إلى

ص: 296


1- مفتاح الكرامة 18: 191؛ جواهر الكلام 37: 227.
2- الفقه 78: 461-462.
3- شرائع الإسلام 4: 775.

جريان أصالة الصحة في بيعه، ولا وجه لرفع اليد عنها بعد ذلك(1).

وأمّا ما تطرق إليه صاحب الشرائع ففيه بحث مبنائي وبنائي:

أمّا البحث المبنائي فهو: لو باع الفضولي ثم انتقل المبيع إليه بسبب صحيح قهري - كالإرث - أو غير قهري - كالشراء - فهل الأمر بحاجة إلى إجازته، فإن لم يجزْ بطل، أو أن نفس الانتقال بمثابة الإجازة؟

فلو ذهبنا إلى الثاني انتفت المسألة التي نحن فيها من الأساس.

وأمّا على الأول كما ذهب إليه بعض الفقهاء(2) - حيث لا وجه شرعي لتصحيح البيع وإن ساعده الاعتبار، لكنه ليس بحجة - فيشك أنه هل كان واقعاً مِلْكه حين البيع، أو أنه يريد إبطال المعاملة بهذه الطريقة، فيأتيالكلام البنائي الذي ذكره في الشرائع من القولين.

ومقتضى القاعدة أنه مع البيّنة لا يصل الأمر إلى القولين المذكورين لحجيتها. ومع قطع النظر عن هذا فالقولان محل تأمل.

أمّا القول الأول: حيث يرى عدم سماع البيّنة؛ لأنه مكذّب لها بمباشرة البيع.

فيرد عليه: إنه لا اعتبار بالتكذيب، فإن مَن شهدت له البيّنة ألزم بلوازمها وإن كذبها، كما لو ادعى الزوجيّة فشهدت له البيّنة، ألزم بالنفقة وان كذبها بعد ذلك، فإن عمومات أدلة حجية البيّنة تشمله.

وأمّا القول الثاني: المفصل بين اقتصاره على لفظ البيع من دون ضم ما

ص: 297


1- وفيه نظر؛ لأن أصالة الصحة تحكم بصحة بيعه لا بكونه مالكاً حين البيع لصحة بيع غير المالك كالوكيل والولي، بل حتى الفضولي، بالإضافة إلى تعارضها مع أصالة الصحة حين الإنكار فيتساقطان (المقرر).
2- كتاب المكاسب 3: 435.

يدل على الملكية فتقبل البينة وإلّا ردت، فدليله هو أنه في الصورة الأولى لم يدعِ الملكية حتى ينافي قوله الثاني، بخلاف الصورة الثانية.

فيرد عليه: أولاً: أنّه لا معنى لرد البيّنة، فهي مرجحة على دعواه تصديقاً أو تكذيباً.

وثانياً: إن البائع وإن لم يدعِ الملكية إلّا أن حمل فعله على الصحة يدلّ على كونه ملكاً.

فمقتضى القاعدة أنه لو قلنا: إن الانتقال إليه بمثابة الإجازة صحت المعاملة، سواء ادعى ملكيته سابقاً أم لا.

ولو قلنا: إنه بحاجة إلى إجازة جديدة فإن أقام بيّنة على عدم ملكيتهقبلت، وإن لم يقم بيّنة لم يقبل دعواه الثاني، ويحمل بيعه السابق على الصحة.

فرع: لو باع شيئاً ثم اعترف أنه كان مغصوباً وصدقه المغصوب منه، لم تسمع دعواه؛ لكونه مدّعياً أيضاً، فالأمر بحاجة إلى البيّنة.

وأمّا المشتري فإن كذبهما كان منكراً وعليه اليمين، وإن أظهر عدم العلم حلف عليه.

ثم الإقرار المذكور وإن لم يسمع منه في العين إلّا أنّه إقرار بإتلاف مال المغصوب منه، فيغرم له بالأكثر من ثمن المثل والمسمى، كما في القواعد(1)، فلو باع ما قيمته ألف بمائة أو بالعكس ضمن للمالك ألف.

وأشكل عليه في الجواهر(2) بأن الصور متعددّة، فلو أجاز المغصوب منه غرم الثمن فقط، سواء كان أكثر أم أقل، كما في سائر البيوع الفضوليّة، حيث

ص: 298


1- قواعد الأحكام 2: 240.
2- جواهر الكلام 37: 230-231.

إن الإمضاء بمثابة النقل أو الكشف عن صحة البيع، فيكون الثمن للمالك.

ولو لم يأذن غرم القيمة فقط؛ لأنه أتلف مال الغير، فعليه ضمان القيمة في القيمي. وأمّا الزّيادة فيرجعها للمشتري ولا حق له فيه؛ لأنه أكل للمال بالباطل.لكن السيد الوالد في الفقه(1) لم يرتضِ إطلاق كلام الجواهر، فإن المغصوب منه إن كان جاهلاً بكونه مالكاً للمبيع كفاه إقرار البائع في جواز أخذ كل الثمن، وإن علم بكذب البائع لم يجزْ له أخذ المال إطلاقاً، وأمّا البائع فمع علمه بكونه غاصباً يكون ما ذكره الجواهر تامّاً.

ولو ادعى البائع أنه لم يغصبه وإنما باعه بالوكالة أو الولاية أو النيابة، فلا يحق له أن يرجع الزّيادة للمشتري؛ لأنها للمالك يرجعه إليه بأيّ طريقة كان.

أمّا بناءً على كلام الجواهر - في ما لو كان غاصباً ورد المالك المعاملة - فإن الزّيادة ليست للبائع؛ لأنه أكل للمال بالباطل، وليست للمشتري لصحة المعاملة بظاهر الشرع، وليست للمالك؛ لأنه رد المعاملة، فيحتمل كونها مجهول المالك، فهل هو للمغصوب منه، في ما لو كان مالكاً واقعاً وأجاز، أو للغاصب في ما لو لم يكن غاصباً وقد صحت المعاملة، أو للمشتري في ما لو كانت المعاملة باطلة فيعود أمره إلى الحاكم الشرعي؟ احتمالات، كما يحتمل جريان قاعدة العدل والإنصاف حيث إن المال لأحد الثلاثة قطعاً فيقسّم بينهم.

ص: 299


1- الفقه 78: 469.

المسألة الرابعة: الاختلاف في كيفية ردّ المغصوب

وفيه فروع:الفرع الأول: قال في الشرائع: «إذا مات العبد فقال الغاصب رددته قبل موته، وقال المالك: بعد موته، فالقول قول المالك مع يمينه، وقال في الخلاف: ولو عملنا في هذه بالقرعة كان جائزاً»(1).

ومقتضى القاعدة ثبوت الضمان بمجرد الغصب، فرفعه بحاجة إلى دليل شرعي هو البيّنة، فلا تصل النوبة إلى ما ذكره بعض الفقهاء من استصحاب الحياة إلى حين الرد فيسقط الضمان؛ لأنه معارض باستصحاب عدم الرد إلى حين الموت فينتج الضمان، كما هو الحال في كل مجهولي التاريخ، بل حتى في ما لو كان أحدهما معلوماً على بعض المباني، فالاستصحاب المذكور لرفع الضمان أو إثباته غير تام. نعم، بمجرد الغصب ثبت الضمان فيمكن استصحابه.

كما لا تصل النوبة إلى القرعة؛ لأنه مع جريان دليل الضمان ينتفي موضوع دليل القرعة، الذي هو المشكل.

ولو أقام الطرفان البيّنة قال بعض بالتساقط(2)، لكنه غير تام حيث لا تعارض، فإن البيّنة على المدعي ولا اعتبار ببيّنة المنكر، وهنا لا خلاف في أصل الضمان وإنما في سقوطه، فإن الموت إن كان متقدّماً لم يسقط، وإن كان الرد متقدماً سقط، والغاصب يدعي السقوط فترجح بينته ولا اعتبار ببينة المالك.

ص: 300


1- شرائع الإسلام 4: 775.
2- الدروس الشرعيّة 3: 117.

وعلى فرض كونه من باب التداعي فالوظيفة قاعدة العدل والإنصاف.

الفرع الثاني: لو اختلفا في أنه رد المغصوب أو بدله أو لا؟ أو اختلفا في رد بعضه، فالقول قول المالك لاستصحاب عدم الرد.

ولو ادعى الغاصب رجوع نفس العين إلى المالك، وادعى المالك أنه أرجع مثله لا عينه فالقول قول المالك مع يمينه، فيأمره الحاكم بإرجاع العين، فإن امتنع قال بعض الفقهاء(1): يحبس حتى يؤدّيها؛ لكونه ممتنعاً عن تسليم الحق المالي مع قدرته، وقال بعضهم: يحبس حتى يتم التحقيق(2)، وقال آخرون(3): يطالبه الحاكم بالبدل مِثلاً أو قيمةً، وهو الأرجح.

وذلك لأن أدلة حبس الممتنع عن أداء الحقوق المالية لا يشمل مثله، حيث إنه يدّعى الأداء ومستعد لأداء البدل أيضاً، فلا يصدق عليه الممتنع، وعلى فرض الصدق فالدليل منصرف عنه.

الفرع الثالث: لو أدى الغاصب العين(4)، فقال المالك: إنه ليس عينه، بل مثله. فهنا صورتان:الأولى: أن يكون قول المالك قبل استلام العين، وفي هذه الصورة القول قول المالك مع اليمين؛ لأنه منكر، والحاكم يلزم الغاصب بإعادة العين، وإلّا فيجري فيه حكم الامتناع الذي ذكرناه.

الثانية: أن يكون قول المالك بعد استلام العين، وفي هذه الصورة يحتمل

ص: 301


1- جواهر الكلام 37: 235.
2- الفقه 78: 473.
3- مفتاح الكرامة 18: 387-388.
4- الفقه 78: 474.

انقلاب القضية إلى التداعي، فليس المالك منكراً، بل مدعيّاً أخذ ما لم يكن له، فيتعارضان فيتقدم مَن أتى بالبينة أو حلف ونكل الآخر، وإن تعارضت البينتان أو حلفا معاً اكتفي بما اعطاه - إن لم يدّعِ المالك أن عينه أكثر قيمة منه - وذلك لأن ما أدّاه الغاصب إما العين وإما البدل ويكتفى بهذا البدل؛ لأنه لا طريق إلى إثبات العين، فتأمل.

الفرع الرابع(1): لو اختلفا في النوع فقال الغاصب: غصبت اللمعة مثلاً، وقال المالك: المكاسب، كان من التداعي، ويسقط إقرار الغاصب بإنكار المقر له، حيث لا تشمل أدلة الإقرار صورة إنكار المقر له، لكن من المسلم ثبوت كتاب في ذمة الغاصب دون العنوان، فلو تلف وكان قيميّاً ثبت في ذمته الأقل من القيمتين، بناءً على ملاحظة المآل في الاختلافات، وأمّا بناء على المصب فالقرعة.

المسألة الخامسة: الاختلاف في ما على المغصوب

قال في الشرائع: «إذا اختلفا في ما على العبد من ثوب أو خاتم فالقولقول الغاصب مع يمينه؛ لأن يده على الجميع»(2).

فلو غصب عبداً وحين تسليمه إلى مالكه اختلفا في خاتمه أو ثوبه، فقال المالك: غصبته وهما معه، وقال الغاصب: بل هما لي ألبستهما له بعد الغصب، وكذا لو غصب داراً ثم اختلفا في الأثاث، فالقول قول الغاصب لقاعدة اليد التي هي أمارة الملكية، فإن العبد تحت يد الغاصب وقد خرج هو عن القاعدة للعلم، فيبقى غيره تحتها.

ص: 302


1- الفقه 78: 474.
2- شرائع الإسلام 4: 775.

وأمّا سبق يد المالك فلا يحتج به؛ لعدم إحراز ترتّبها عليها، وعلى فرض الإحراز فإن أمارة الملك اليد الفعلية لا السابقة.

إن قلت: إن يده يد ضمان فكيف تدل على الملكية؟

قلت: هنا دليلان: الأول: «على اليد ما أخذت» والثاني: (اليد أمارة الملك) وكلّما علم أنه ليس ملكاً سقط دليل اليد فيه، وأمّا مع عدم العلم فلا تنافي بين الدليلين، فتكون يده يد ضمان بالنسبة إلى العين، وأمّا بالنسبة إلى غيره - كالخاتم - فاليد يد ملك، فإن إطلاق دليل اليد تشمله، ولا تنافي بينهما حتى يقال بالتعارض والبحث عن المرجح، فالأول يحكم بضمان العبد والثاني بملكية الخاتم.

سبحان ربك ربّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطّاهرين.

ص: 303

ص: 304

فهرس المصادر

اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي، للشيخ أبي جعفر الطوسي، نشر: مؤسسة آل البيت^، قم، 1404ق.

إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، تأليف: العلامة الحلي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1410ق.

الاستبصار في ما اختلف من الأخبار، تأليف: الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، 1363ش.

الأقطاب الفقهية على مذهب الإمامية، تأليف: محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور، نشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأولى، 1410ق.

الأمالي، للشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الناشر: مركز الطباعة والنشر مؤسسة البعثة، 1417ق.

الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع، المؤلف: العلامة الشيخ حسين آل عصفور، الناشر: مكتبة أنوار الهدى، المطبعة: مهر، إصدار مجمع البحوث العلميّة.

ص: 305

إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، تأليف: فخر المحققين، الطبعة الأولى، 1387ق.

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار^، تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي، الناشر: مؤسسة الوفاء، بيروت، الطبعة الثانية، 1403ق.

بحر الفوائد في شرح الفرائد، تأليف: محمد حسن الآشتياني، الطبعة الأولى، قم، 1403ق.

بلغة الفقيه، مجموعة بحوث ورسائل وقواعد فقهية، تصنيف: السيد محمد آل بحر العلوم، الناشر: منشورات مكتبة الصادق طهران ناصر خسرو، الطبعة الرابعة، 1403ق.

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة، المؤلف: العلّامة الحلّي، الطبعة الأُولى، 1420ق.

تحرير المجلة، تأليف: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، الناشر: المكتبة المرتضوية وبطبعتها الحيدرية، النجف الأشرف، 1359ق.

تذكرة الفقهاء (ط. ق)، تأليف: العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، الناشر: المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفريّة.

تسهيل المسالك إلى المدارك في رؤوس القواعد الفقهية، تأليف: الملا حبيب اللّه الشريف الكاشاني، الناشر: مكتبة السيد المرعشيالنجفي،

ص: 306

المطبعة العلمية، قم، 1404ق.

تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف، تأليف: الشيخ مفلح بن حسن بن رشيد الصيمري، الناشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي العامة قم المقدسة، 1408ق.

التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، تأليف: الشيخ مقداد بن عبد اللّه السيوري الحلي، الناشر: مكتبة السيد المرعشي،1404ق.

التنقيح في شرح المكاسب، كتاب البيع، تقرير أبحاث السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

تهذيب الأحكام، تأليف: الشيخ الطوسي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، 1364ش.

جامع أحاديث الشيعة، تأليف: السيد حسين الطباطبائي البروجردي، المطبعة العلمية، قم، 1399ق.

جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق، تأليف: علي بن محمد بن القمي السبزواري، الناشر: انتشارات زمينه سازان ظهور إمام عصر، 1379ش.

جامع المدارك في شرح المختصر النافع، تأليف: السيد أحمد الخوانساري، الناشر: مكتبة الصدوق، طهران، الطبعة الثانية، 1355ش.

جامع المقاصد في شرح القواعد، تأليف: الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، الطبعة

ص: 307

الأولى، قم، 1408ق.

الجامع للشرائع، تأليف: الشيخ يحيى بن سعيد الحلي الهذلي، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء العلمية، 1405ق.

جواهر الفقه، تأليف: القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1411ق.

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1367ق.

حاشية المختصر النافع، المؤلف: الشهيد الثاني زين الدّين بن علي العاملي، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1422ق.

حاشية المكاسب، تأليف: الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي، الطبعة الثانية، 1379ش.

حاشية المكاسب، تأليف: السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، 1378ق.

حاشية كتاب المكاسب، المؤلف: الشيخ رضا الهمداني، الطبعة الأولى، المطبعة ستاره، قم، 1420ق.

حاشية كتاب المكاسب، تأليف: الشيخ محمد حسين الإصفهاني، الطبعة الأولى، 1418ق.

ص: 308

حاشية كتاب المكاسب، تأليف: المولى محمد كاظم الآخوند الخراساني، الناشر: وزارة إرشاد إسلامي، الطبعة الأولى، 1406ق.

الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، تأليف: الشيخ يوسف البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

الخصال، للشيخ الصدوق، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، 1403ق.

خلاصة عبقات الأنوار، المؤلف: السيد حامد النقوي، الناشر: مؤسسة البعثة، قسم الدراسات الإسلامية، طهران، 1405ق.

الخلاف، تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم 1407ق.

الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة، تأليف: الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثانية، قم، 1417ق.

دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، للقاضي النعمان، نشر: دار المعارف، القاهرة، 1383ق.

رسائل فقهية، للشيخ مرتضى الأنصاري، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الأولى، 1414ق.

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية، للشهيد السعيد: زين الدين

ص: 309

الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)، الطبعة الثانية، 1398ق.رياض المسائل، تأليف: السيد علي الطباطبائي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الأولى، قم، 1412ق.

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، تأليف: الشيخ ابن إدريس الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثانية، قم، 1410ق.

شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، تأليف: المحقق الحلي، الناشر: انتشارات استقلال، طهران، الطبعة الثانية، 1409ق.

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار^، للقاضي النعمان، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

شرح تبصرة المتعلمين، تأليف: الشيخ ضياء الدين العراقي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة الأولى، 1414ق.

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف: إسماعيل بن حمّاد الجوهري، الناشر: دار العلم للملايين، لبنان، الطبعة الاُولى، 1376ق.

العروة الوثقى، تأليف: السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، مع تعليقات عدة من الفقهاء العظام، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1417ق.

علل الشرائع، تأليف: الشيخ الصدوق، منشورات المكتبة الحيدرية

ص: 310

ومطبعتها في النجف، 1385ق.عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، للشيخ محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور، الطبعة الأولى، 1403ق.

غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، تأليف: الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، حاشية الإرشاد: للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي، تحقيق ونشر: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم، 1414ق.

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، تأليف: الشيخ المفلح الصُميري البحراني، الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1420ق.

الغدير في الكتاب والسنة والأدب، تأليف: الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1397ق.

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، تأليف: السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، الطبعة الأولى، 1417ق.

فقه الصادق(علیه السلام)، تأليف: السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، الناشر: مدرسة الإمام الصادق(علیه السلام)، الطبعة الثالثة، 1412ق.

الفقه، موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي، تأليف: السيد محمد الشيرازي، الناشر: دار العلوم، بيروت، الطبعة الأولى، 1407ق.

فوائد الأصول، تأليف: الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، مع

ص: 311

تعليق: الشيخ ضياء الدين العراقي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1404ق.قواعد الأحكام، تأليف: العلامة الحلي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1413ق.

الكافي، تأليف: الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1388ق.

كتاب الإجارة، تأليف: ميرزا حبيب اللّه الرشتي، طبعة حجرية.

كتاب الغصب، تأليف: ميرزا حبيب اللّه الرشتي، طبعة حجرية.

كتاب القضاء، تأليف: الشيخ ميرزا محمد حسن الآشتياني، الناشر: منشورات دار الهجرة، قم، الطبعة الثانية، 1404ق.

كتاب المكاسب والبيع، تقرير أبحاث الميرزا النائيني، بقلم الشيخ محمد تقي الآملي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

كتاب المكاسب، للشيخ مرتضى الأنصاري، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1420ق.

كشف الرموز في شرح المختصر النافع، تأليف: الفاضل الآبي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1408ق.

ص: 312

كشف اللّثام عن قواعد الأحكام، تأليف: الفاضل الهندي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1416ق.كفاية الفقه المشتهر ب- (كفاية الأحكام)، تأليف: الشيخ محمد باقر السبزواري، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1423ق.

كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد، المؤلف: السيد عميد الدين عبد المطلّب بن محمد الأعرج، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة الأولى، 1416ق.

لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، نشر أدب الحوزة، قم، 1363ق.

اللمعة الدمشقية، تأليف: الشهيد الأول، محمد بن جمال الدين مكي العاملي، الناشر: دار الفكر، قم، الطبعة الأولى، 1411ق.

مباحث الأصول، تقرير أبحاث السّيد محمد باقر الصدر، الطبعة الأولى، 1407ق.

المبسوط في فقه الإمامية، تأليف: الشيخ الطوسي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، للشيخ أحمد

ص: 313

الأردبيلي، منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

المختصر النافع في فقه الإمامية، تأليف: العلامة الحلي، منشورات: قم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، الطبعة الثانية، 1402ق.مختلف الشيعة، تأليف: العلامة الحلي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة الأولى، 1412ق.

المراسم العلوية في الأحكام النبوية، للشيخ أبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي، الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت^، 1414ق.

مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، تأليف: زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني)، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، 1413ق.

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تأليف: الشيخ ميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1408ق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المؤلف: الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1415ق.

ص: 314

مصباح الفقاهة، تقرير أبحاث السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الناشر: مكتبة الداوري، قم، الطبعة الأولى.

مصباح الفقيه، تأليف: الشيخ رضا الهمداني، نشر: المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1417ق.مفاتيح الشرائع، تأليف: محمد محسن الفيض الكاشاني، نشر: مجمع الذخائر الإسلامية، مطبعة الخيام، قم، 1401ق.

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، تأليف: السيد محمد جواد الحسيني العاملي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، 1419ق.

مقابس الأنوار ونفايس الأسرار في أحكام النبي المختار وآله الأطهار^، المؤلف: الشيخ أسد اللّه الكاظمي.

المقنع، تأليف: الشيخ الصدوق، الناشر: مؤسسة الإمام الهادي(علیه السلام)، 1415ق.

ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي، نشر: مكتبة السيد المرعشي، قم، 1406ق.

من لا يحضره الفقيه، تأليف: الشيخ الصدوق، الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قمّ المقدّسة، الطبعة الثانية.

مناقب آل أبي طالب^، تأليف: الحافظ ابن شهرآشوب، الناشر: المكتبة والمطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، 1376ق.

ص: 315

منتهى الدراية في توضيح الكفاية، تأليف: السيد محمد جعفر الجزائري المروج، الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) للطباعة والنشر، قم، الطبعة السادسة، 1415ق.

منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تأليف: الحاج ميرزا حبيب اللّهالهاشمي الخوئي، منشورات دار الهجرة، الطبعة الرابعة، قم.

منية الطالب في شرح المكاسب، تقرير درس الميرزا محمد حسين النائيني، المقرر: الشيخ موسى بن محمد النجفي الخوانساري، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم المشرفة، الطبعة الأولى، 1418ق.

مهذب الأحكام، تأليف السيد عبدالأعلى السبزواري، الناشر: مؤسسة المنار، 1413ق.

المهذب البارع في شرح المختصر النافع، تأليف: الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الحلي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1407ق.

المهذب، تأليف: الشيخ عبد العزيز بن البراج، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1406ق.

المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف، تأليف: الشيخ فضل بن الحسن الطبرسي، نشر: مجمع البحوث الإسلامية (مشهد)، مطبعة سيد الشهداء(علیه السلام)، قم، الطبعة: الأولى، 1410ق.

ص: 316

النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف: ابن الأثير، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان، قم.

النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، الناشر: انتشارات قدس محمدي، قم.نهج الفقاهة، تعليق على كتاب البيع من مكاسب، تأليف: السيد محسن الطباطبائي الحكيم، الناشر: انتشارات 22 بهمن، قم.

النّور الساطع في الفقه النافع، تأليف: الشيخ علي، نجل الشيخ محمد رضا، الناشر: مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1383ق.

هداية الأمة إلى أحكام الأئمة^، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، الطبعة الأولى، 1412ق.

وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المشرفة، الطبعة الثانية، 1414ق.

الوسيلة إلى نيل الفضيلة، تأليف: الشيخ محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة، نشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1408ق.

ص: 317

ص: 318

فهرس المحتويات

كتاب الغصب

تمهيد في تعريف الغصب 7

الفصل الأول: في بعض المصاديق 18

المصداق الأول: غصب العقار 18

المسألة الأولى: في كيفية غصب الأرض 18

المسألة الثانية: في غصب بعض الدار 20

المسألة الثالثة: اشتراك الغاصب مع المالك 21

المسألة الرابعة: الغصب من المالك أو الغاصب 22

المسألة الخامسة: ضمان الغاصب ما بيد المالك 22

المسألة السادسة: إسكان الغاصب غيره 24

المسألة السابعة: في ضمان العين 25

المسألة الثامنة: في ضمان المنفعة 25

المسألة التاسعة: الغصب من بعض الجهات 27

المسألة العاشرة: مقدار الضمان 27

المسألة الحادية عشرة: في اختلاف مقدار غصب العين واستيفاء المنفعة 28

المصداق الثاني: غصب الدابّة 29

المصداق الثالث: غصب الوقف 34

ص: 319

فرع: مستحق بدل الضمان 36

المصداق الرابع: غصب الحر 36

البحث الأول: في ضمان الدية لو مات 37

البحث الثاني: في ضمان منافع الحرّ 44

المصداق الخامس: غصب الخمر 52

المسألة الأولى: غصب الخمر من المسلم 52

المسألة الثانية: غصب الخمر من الكافر والمخالف 57

1- خمر الذمي 57

2- فقاع المخالف 57

3- خمر الكافر المعاهد والمحايد 58

فرع: الاختلاف في حقيقة المتلَف 59

المسألة الثالثة: كيفية ضمان الخمر 59

فرع: ضمان الخمر بين ذميين 62

الفصل الثاني: في تعاقب الأيدي على المغصوب 65

المسألة الأولى: ضمان الجميع 65

فروع تتعلق بالمسألة 68

المسألة الثانية: براءة ذمة الجميع بالأداء 69

إمكانية اشتغال الذمم بمال واحد 70

المسألة الثالثة: أجرة البدل 71

المسألة الرابعة: ضمان النماء التالف 72

الفصل الثالث: في موجبات الضمان 73

السبب الأول: المباشرة في الإتلاف 73

ص: 320

السبب الثاني: التسبيب في الإتلاف 74

البحث الأول: دليل ضمان السبب 74

البحث الثاني: ضابطة التسبيب 77

البحث الثالث: شروط ضمان السبب 79

فرع: في حفر الخندق لمنع اللصوص 88

البحث الرابع: اجتماع السبب مع المباشر 89

المقام الأول: في الضامن 89

المقام الثاني: في كيفية الضمان 92

المقام الثالث: استثناء المباشر الضعيف 93

البحث الخامس: أقسام المباشر 95

القسم الأول: المباشر المُلجأ 95

القسم الثاني: المباشر المكرَه 96

القسم الثالث: المباشر المغرور 102

البحث السادس: لو تصرف في ملكه فأضرّ بالغير 107

البحث السابع: الإلقاء في المسبعة 112

الأول: إلقاء الصغير 112

فرع: النقل إلى المضيعة 113

فرع: الإلقاء في المخوفة 114

الثاني: إلقاء الكبير في المسبعة 115

البحث الثامن: الطريق إلى معرفة الأقوى 115

البحث التاسع: تساوي المباشر والسبب 117

البحث العاشر: أقسام الضمان في السبب 118

ص: 321

البحث الحادي عشر: فك قيد دابة الغير 119

الفرع الأول: لو أفسدت الدابة بعد إطلاقها 120

الفرع الثاني: تلفها بعد الإطلاق 120

الفرع الثالث: الإسراع في عمليّة الإطلاق 120

الفرع الرابع: الأجرة المترتبة على الإطلاق 121

الفرع الخامس: لو زادت بالإطلاق 122

الفرع السادس: الإطلاق المأمور به 124

الفرع السابع: ترك الإطلاق المأمور به 125

ملحقات 126

المسألة الأولى: دلالة السارق 126

المسألة الثانية: فتح غطاء الإناء 126

المسألة الثالثة: تبخر ما في الإناء 127

البحث الثاني عشر: الأصل عند الشك في الضمان 127

الفصل الرابع: في وجوب رد العين المغصوبة 130

المسألة الأولى: الغاصب المجنون والصبي 131

المسألة الثانية: الإسلام بعد الغصب 133

المسألة الثالثة: اعتبار العنوان في رد المغصوب 136

المسألة الرابعة: امتناع الدائن عن استلام الدين 138

المسألة الخامسة: الجمع بين البدل والمبدل منه 139

المسألة السادسة: حكم رد المغصوب مع التعسّر 139

المسألة السابعة: في منافع المغصوب 143

المسألة الثامنة: في فساد العين بالردّ 144

ص: 322

المسألة التاسعة: امتزاج مال المالك بمال الغاصب 146

المسألة العاشرة: خياطة الجرح بالخيط المغصوب 146

الفرع الأول: في الإنسان المحترم 147

الفرع الثاني: في الإنسان غير المحترم 148

الفرع الثالث: في الحيوان المأكول المحترم 148

الفرع الرابع: في الحيوان غير المأكول المحترم 149

الفرع الخامس: الحيوان غير المحترم 149

المسألة الحادية عشرة: حصول العيب في المغصوب 150

فرع: في العيب الساري 152

المسألة الثانية عشرة: تفاوت القيمة 154

الفصل الخامس: في المثلي والقيمي 156

البحث الأول: في الدليل 156

البحث الثاني: في المثلي 158

المطلب الأول: في تعريف المثلي 158

المطلب الثاني: في تعذر المثل 164

المطلب الثالث: في انتظار وجدان المثل 166

المطلب الرابع: في تشخيص تعذر المثل 167

المطلب الخامس: في زمان الانتقال إلى القيمة 168

فرع: لو تغيرت القيمة بعد حكم الحاكم 170

المطلب السادس: في وجود المثل بعد أداء القيمة 171

المطلب السابع: في ملاحظة الخصوصيات في المثلي 171

المطلب الثامن: في تحول المثلي إلى القيمي أو العكس 173

ص: 323

البحث الثالث: في القيميّ 173

المطلب الأول: في تعريف القيميّ 173

المطلب الثاني: في اختلاف القيم زماناً 174

القول الأول: ضمان قيمة يوم الغصب 175

القول الثاني: ضمان قيمة يوم التلف 176

القول الثالث والرابع: ضمان أعلى القيم 177

المطلب الثالث: الضمان مع اختلاف القيم مكاناً 178

تتمة 178

المطلب الرابع: الزّيادة في أداء الذهب والفضة 179

المطلب الخامس: الصنعة قيميّة 183

الفرع الأول: أداء غرامة الصنعة من الذهب 183

الفرع الثاني: لو طالب المالك إرجاع الصنعة 183

الفرع الثالث: الصنعة المحرمة 184

الفصل السادس: في إحداث العيب في المغصوب 187

اختلاف القيم لاختلاف الأغراض 188

الجناية على الحيوان 190

إصلاح العيب 192

الفصل السابع: في بدل الحيلولة 193

المطلب الأول: وجوب دفع البدل 193

المطلب الثاني: في مالك البدل والمبدل منه 194

المطلب الثالث: تعيين المالك 197

المطلب الرابع: الحيلولة في الفترة القصيرة 198

ص: 324

المطلب الخامس: تفاوت قيمة العين عند التلف 199

المطلب السادس: فوات المنفعة 199

الفصل الثامن: في إتلاف أحد المنضمّين 203

الفرع الأول: عدم انتفاع المالك بالمتبقي 205

الفرع الثاني: كيفية ضمان الغاصبين للفردتين 205

الفرع الثالث: اشتراط اتحاد المنضمين 206

الفرع الرابع: سقوط المتبقي عن القيمة 207

الفصل التاسع: في التغيير في العين 208

البحث الأول: في نزو الدابة 208

مالك النتاج 208

كيفية التقسيم 209

ضمان الأجرة 210

ضمان نقصان قيمة الفحل 212

البحث الثاني: الاستعمال الموجب للنقص 212

البحث الثالث: إرجاع العين كما كانت بعد النقص 213

البحث الرابع: التصرف الموجب لنقصان القيمة أو الوزن 214

البحث الخامس: التصرف الموجب لزيادة القيمة دون نقصان الوزن 217

البحث السادس: إزالة الصنعة بعد إيجادها 221

البحث السابع: ضم مال المالك إلى مال الغاصب أو غيره 224

المقام الأول: ضم الغاصب ماله إلى المغصوب 224

المقام الثاني: ضم مغصوبين من مالكين 230

فرع: لو خلط الدهن بغيره 233

ص: 325

الحالة الأولى: مزج الدهن بالدهن 233

الصورة الأولى: خلطه بالمساوي 233

الصورة الثانية: الخلط بالأجود 234

الصورة الثالثة: الخلط بالأردأ 237

الحالة الثانية: مزج الدهن بغيره 238

البحث الثامن: عود الصفة بعد زوالها 239

البحث التاسع: زيادة القيمة لأجل الصنعة المحرّمة 244

البحث العاشر: زيادة قيمة الجبر على الأرش 245

الفصل العاشر: في المقبوض بالبيع الفاسد 247

المقام الأول: الشراء من المالك 247

المقام الثاني: الشراء من الغاصب 251

الفصل الحادي عشر: في تبديل المغصوب 255

البحث الأول: في زرع الحب ونحوه 255

البحث الثاني: في تبدل العصير المغصوب خمراً ثم خلّاً 257

البحث الثالث: زرع الأرض المغصوبة 259

المسألة الأولى: في مالك الزرع 260

المسألة الثانية: في ما يجب على الغاصب 262

المسألة الثالثة: لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس 263

البحث الرابع: حفر البئر في الأرض المغصوبة 264

البحث الخامس: دخول الدابة في ملك الغير 267

الصورة الأولى: كون دخول الدابة بسبب صاحب الدار 267

الصورة الثانية: كون دخول الدابة بسبب صاحبها 268

ص: 326

الصورة الثالثة: كون الدخول بسببهما 269

الصورة الرابعة: كون الدخول بسبب شخص ثالث 270

الصورة الخامسة: كون الدخول بسبب سماوي 271

البحث السادس: إدخال الدابة رأسها في قدر الغير 271

الصورة الأولى: كون يد مالك الدابة عليها 271

الصورة الثانية: كون صاحب القدر مقصّراً 273

الصورة الثالثة: عدم التفريط من أحدهما 274

البحث السابع: لو زرع السيل نخلاً في أرض الغير 275

البحث الثامن: خوف سقوط الحائط 276

البحث التاسع: نقل المغصوب إلى بلد آخر 278

البحث العاشر: نقل الحر بقوة 281

الفصل الثاني عشر: في إتلاف الآلات المحرمة 283

الفصل الثالث عشر: في التنازع 286

المسألة الأولى: الاختلاف في قيمة المغصوب 286

المسألة الثانية: الاختلاف في زيادة صفة 291

الفرع الأول: الاختلاف في نوع الصنعة 292

الفرع الثاني: الاختلاف في تقدم الصفة وتأخرها 293

الفرع الثالث: الاختلاف في نوعية المغصوب 293

الفرع الرابع: غصب خمر اتخذ للتخليل وتلفه 294

الفرع الخامس: الاختلاف في تعيّب المغصوب 295

المسألة الثالثة: لو باع الغاصب شيئاً ثم ملكه بسبب صحيح 296

المسألة الرابعة: الاختلاف في كيفية ردّ المغصوب 300

ص: 327

المسألة الخامسة: الاختلاف في ما على المغصوب 302

فهرس المصادر 305

فهرس المحتويات 319

ص: 328

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.