مستدراکات مقباس الهدایة في علم الدرایة المجلد 5

هوية الكتاب

مستدركات مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الخامس

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقامي

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

ص: 1

اشارة

ص: 2

مستدركات مقباس الهداية في علم الدراية

ص: 3

الکتاب: مستدركات مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الخامس

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

الطبعة: الأولی - ذي الحجة 1413 ه . ق

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 5

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

ص: 6

عن أبى جعفر عليه السّلام... قال لجابر:

يا جابر! و اللّه لحديث اخذته من صادق في حلال و حرام خير لك ممّا طلعت عليه الشمس الى أن تغرب

مستطرفات السّرائر: 157 ح 26

البحار 146/2

الوسائل 70/18

ص: 7

ص: 8

المدخل:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه و لا حول و لا قوة الا باللّه. و الصلاة و السّلام على محمد رسول اللّه، و على علي ولي اللّه، و على ذريتهما آل اللّه... الى يوم لقاء اللّه.

و بعد

كنت على موعد بتذييل كتابي هذا - مقباس الهداية - بمستدركات و فوائد و تنبيهات و مسائل - جلّها درائية - لكل ما يستوجبه النص او تمليه الضرورة، أو يقتضيه فنّ البحث و التحقيق، تلافيا لقصور في التعبير، أو دفعا لشبهة، أو توسعة احتيج لها - مما أجمله المصنف طاب ثراه - و بسطها كان افضل، و الاسهاب فيها اجمل.. مع درج اكبر عدد ممكن من مصطلحات و تعاريف امكن الحصول عليها، و مناقشة ما ينبغي التأمل فيه مع اهمال كثير من الموارد التي تستدعي البحث اتكالا على الاصل، أو اعتمادا على المصادر المذيلة، أو استنادا الى التعليقات، أو فطنة الباحث.. بعد أن كنت قد احلت في المجلدات السابقة على هذه المستدركات.. و مع كل هذا اقتصرت في مسعاي على ما رأيته ضروريا

ص: 9

أو مفيدا، أو ما تعرض له القوم في كتبهم و لم أر اغفاله صالحا.

فالمحقق - مهما كان و انّى كان - يحذو حذو المصنف و يتبع اثره و يسير في خطاه، بعد أن كان النص يقيده، و الكلمة تحدده..

و كانت لي مباحث بدت مجملة و اصبحت مفصلة حول: اهمية الحديث و علومه، و تدوينه و اصوله، و فقه الحديث و منشئه، و اعلامه و رجالاته و.. كان المقرر ان ابدأ بها كتابي هذا، و لعلها تطبع بشكل مستقل لو شاء ربي ذلك.

و لا يسعني - في هذه العجالة - الا تقديم العذر، و طلب النصح، و تمني الصفح عن كل الهفوات و النقائص التي جاءت في الكتاب - و ما اكثرها -، إذ لا شك بوجود تكرار في بعضها أو تشتت في مضامينها تقتضي تداخلها، أو امور متشابكه حبذا لو فرقت.. و هكذا، مع كل ما فيه من نقص في تنظيم، و تداخل في الموضوع.. و قد هوّنها أنها كانت مستدركات لا مستقلات كنت فيها تبعا لا رأسا، يدفعني النص و التعليق.

هذا و اكرر رجائي من اخواني الاعلام و اساتذتي الكرام ان لا يبخلوا علي بملاحظاتهم و ارشاداتهم، سائلا من المولى عزّ اسمه لهم ولي التوفيق و رضاه و الدار الآخرة، و الحمد اللّه اولا و آخرا.

محمّد رضا المامقاني

ص: 10

مستدرك رقم: (1) الجزء الأول: 40 العلم، المعرفة، الدراية، هل هي ألفاظ مترادفة ام لا؟

سبر كلمات اللغويين هنا يظهر لنا اختلافا في المذاهب، فمنهم من مال إلى الترادف بين الدراية و العلم كما حكاه المصنف رحمه اللّه عن اكثر من واحد، و اضيف لهما المعرفة كما هو صريح الصحاح: 2335/6 و هو كذلك مسامحة، و إلاّ فبينهما فرق ظاهر. و قد ذهب ابو بكر الزهري إلى أن الدراية بمعنى الفهم - فهي أخص من العلم -، قال: و هو لنفي السهو عما يرد على الانسان، و هو يدريه:

اي يفهمه، و حكي عن بعض اهل العربية أنّها مأخوذة من دريت إذا اختلت، و انشد:

يصيب فما يدري و يخطى فما درى ***

أي ما اختل فيه يفوته، و ما طلبه من الصيد بغير ختل يناله، و عليه تكون الدراية: ما يفطن الانسان له من المعرفة التي تنال غيره، فصار ذلك كالختل منه للاشياء، و هو لا يجوز على اللّه سبحانه.

أقول: الحق أن هناك فرقا آخر من جهة أن الدراية علم يشتمل على المعلوم من جميع وجوهه، لان الفعالة للاشتمال كالعمامة و القلادة و العصابة، و العبارة لاشتمالها على ما فيها، و أيضا في الفعالة معنى الاستيلاء كالخلافة و الامارة، فالدراية تفيد ما لا يفيده العلم من هذا الوجه، لما فيها من الشمول و الاستيلاء على المعلوم. و العلم اعم، فما في الفروق اللغوية: 73 من القول بالاتحاد، بل و نسبة الاكثر الى الاكثر لا وجه له، الا ان يقال: ان هذا الفرق لا

ص: 11

يرجع الى المادة، فتأمّل.

و يظهر من قول الباقر عليه السّلام - حيث قال: يا بني! المعرفة هي الدراية للرواية.. الحديث، بحار الانوار: 106/1 - كون الدراية اخص من المعرفة التي هي اخص من العلم.

و قيل: ان اخصيّة الدراية من العلم من جهة ان الدراية لا تستعمل الا فيما لو كان المعلوم مسبوقا بالشك، أو أن المعلوم حصل بنحو من الشك و الحيلة، و لذا لا يصح اطلاقه على الباري عزّ اسمه لعدم سبق الشك أو الحيلة منه تبارك و تعالى، و من هنا قيل انه لو اضيف لفظ العلم الى الدراية لا يراد المعنى اللغوي من الدراية، لعدم جواز اضافة الشيء الى نفسه، بل يراد منه حينئذ علم اصول الحديث، كما يقال علم الفقه.

و لا يبعد ان يكون هنا خلط بين المعنى اللغوي للدراية و الاصطلاحي، فتدبّر.

ثم ان الفرق بين الدراية و الرواية هو: ان الدراية مأخوذة بالاستدلال بطريق الاجتهاد الذي هو ردّ الفروع الى الاصول، و الرواية: هي الخبر المنتهي بطريق النقل من ناقل الى ناقل حتى ينتهي الى المنقول عنه - من النبي أو الامام عليهم السّلام - على مراتبه من المتواتر و المستفيض و خبر الواحد من المعنعن المسمى بالمسند! - كذا - و المتصل و المرسل و المقطوع... الى آخره. كما جاء في حاشية غوالي اللآلي: 1:1.

ثم ان الدراية - كما قيل - هي التوغل في ذلك التثبت و الاستقراء حتى يدرك خصوصية المعلوم و مزاياه، و استعمل في مقام التصحيح قال تعالى اَلْحَاقَّةُ * مَا اَلْحَاقَّةُ * وَ ما أَدْراكَ مَا اَلْحَاقَّةُ الحاقة: 3، وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ القدر: 2.

اما الفرق بين العلم و الخبر، فهو ان الخبر هو العلم بكنه المعلومات على

ص: 12

حقائقها، ففيه معنى زائد على العلم، و منه قولك: خبرت الشيء اذا عرفت حقيقة خبره، كما افاده في الفروق اللغوية: 28، بخلاف العلم.

***

ص: 13

مستدرك رقم: (2) الجزء الاول: 44 تعريف علم الحديث:

عرف علم الحديث عند العامة بتعاريف شتى، اقربها الى ما عرّفناه به ما عن ابن جماعة من انه: علم بقوانين يعرف بها احوال السند و المتن، و اضاف له بعضهم: و موضوعه السند و المتن. كما في تدريب الراوي: 40:1، و جامع الاصول: 13/1، و قواعد التحديث: 75 و غيرها، و كلهم اخذوه من الاول.

و قد جعلوا الدراية اعم من معرفة القواعد و القوانين، بل المعرفة بأحوال الراوي و المروي من حيث القبول و الرد، كما قاله الخطيب في الكفاية في علم الرواية: 3، اصول الحديث: 9 و غيرهما، و لذا نجد جلّ المحدثين المتقدمين اطلقوا المحدّث على من حفظ الحديث و كتبه، و جمع طرقه و فهم المروي و استنبط احكامه.

قال السخاوي في فتح المغيث: 12/1: و الحديث لغة ضد القديم، و اصطلاحا ما اضيف الى النبي (ص) قولا له أو فعلا أو تقريرا أو صفة حتى الحركات و السكنات في اليقظة و المنام، فهو أعم من السنّة الآتية..

قال في مجمع البحرين: 138:1: و الدراية بالشيء العلم به، و هي في الاصطلاح العلمي: ما اخذ بالنظر و الاستدلال الذي هو رد الفروع الى الاصول.. و هذا منه غريب اصطلاحا.

و قد ذهب بعضهم - كما في اصول الحديث: 7 - الى ان علم الحديث شامل لموضوعين رئيسين هما: علم الحديث رواية، و علم الحديث دراية.

ص: 14

و اول من تنبّه الى هذا التقسيم - فيما نعلم - هو ابن الاكفاني في كتابه ارشاد القاصد الى اسنى المطالب، في موضوعات العلوم.

و المراد من علم الحديث رواية: ما نقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية نقلا دقيقا محررا، و يكون موضوعه على هذا اقوال الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و افعاله و تقريراته و صفاته، و عليه يقوم حفظ السنة و ضبطها للاقتداء به صلوات اللّه عليه و آله و تنفيذ احكامه و العمل بسنته.

اما علم الحديث دراية - على حد تعبير ابن الاكفاني و حكاه عنه غير واحد - فهو العلم الذي يعرف منه حقيقة الرواية و شروطها و انواعها و احكامها، و حال الرواة و شروطهم، و اصناف المرويات و ما يتعلق بها. فهو على هذا يبحث عن القواعد العامة و المسائل الكلية للراوي و المروي من حيث القبول و الرد و الصحة و السقم، و من شعب هذا فقه الحديث و البحث عن معاني و مفاهيم ألفاظ الحديث متنا. و لعل اليه يشير ما روى عن أهل بيت العصمة سلام اللّه عليهم من قولهم: حديث تدري خير من ألف تروي. مجمع البحرين: 138:1، النهاية:

109:2.

هذا و لكل من القسمين شروط و تعاريف اختلفوا فيها و ناقشوها و لا غرض لنا بها، تعرّض لجملة منها السيوطي في تدريبه: 40/1 و غيره.

***

ص: 15

مستدرك رقم: (3) الجزء الأول: 45 موضوع علم الحديث:

ذهب جمهور علماء العامة الى ان موضوع علم الحديث هو السند و المتن، بدون تفصيل في المقام - لاحظ: أصول الحديث: 7، تدريب الراوي: 40/1، قواعد التحديث: 75، جامع الاصول: 13/1 و غيرها - و العجب مما ذهب اليه الكرماني في شرح البخاري - كما حكاه السيوطي في تدريب الراوي: 41/1 - من قوله: و اعلم ان الحديث موضوعه ذات رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله] و سلم من حيث انه رسول اللّه...؟!

و قد ذهب الشيخ عبد الصمد العاملي في درايته: 72 [التراث: 88] الى ان: موضوع هذا العلم - في الأصل المقصود بالذات - السنة المطهّرة - و هي طريقة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الإمام المحكية عنه - فالنبي بالأصالة و الإمام بالنيابة...

و جعل السيد الصدر في نهاية الدراية: 7 موضوعه: الحديث من حيث يعرف المقبول منه و المردود. و عليه فيتداخل موضوعا مع علم الرجال - و ان كان لكل وجهة هو موليها - هذا لو قلنا بلزوم الموضوع لكل علم.

ثم ان ما ذكره المصنف أعلى اللّه مقامه لا يخلو من تأمل و مناقشة، و ان ذهب اليه الاكثر منّا و كان مشهور علمائنا.

***

ص: 16

مستدرك رقم: (4) الجزء الأول: 46 الغاية من علم الحديث و مسائله:

ما ذكره المصنف قدس سره في الغاية من علم الحديث - من انها: معرفة الاصطلاحات المتوقفة عليها معرفة كلمات الاصحاب و استنباط الاحكام، و تمييز المقبول من الاخبار ليعمل به و المردود ليجتنب منه - هو المشهور عندهم.

إلاّ أنه قد قيل ان غاية هذا العلم هي: معرفة ما يقبل من الراوي و المروي ليعمل به و ما يردّ منه ليجتنب عنه. و هذه فائدة هذا العلم لا غايته، كما هو واضح، و هذا خلط بين الغاية القصوى و الغاية المترتبة على العمل من دون وسيلة.

و قيل: غايته الفوز بسعادة الدارين. و هذه غاية عامة لكل العلوم الدينية التي يقصد بها ما عند اللّه سبحانه.

قال النووي في شرح خطبة صحيح مسلم: 28/1: إن المراد من علم الحديث تحقيق معاني المتون و تحقيق علم الاسناد و المعلل... و ليس المراد من هذا العلم مجرد السماع و لا الاسماع و لا الكتابة، بل الاعتناء بتحقيقه و البحث عن خفي معاني المتون و الاسانيد و الفكر في ذلك، و دوام الاعتناء به و مراجعة أهل المعرفة به، و مطالعة كتب أهل التحقيق فيه، و تقييد ما حصل من نفائسه و غيرها..

الى غير ذلك مما ذكره من شروط التدوين و المذاكرة و غيرهما مما يخرج عن كونه مصب هذا العلم أو ارساء قواعد عامة له.

ثم انه كان من ديدن القدماء في اول مصنفاتهم بيان الرءوس الثمانية للعلم المدون، من تعريف العلم و موضوعه و غايته و مسائله.. الى آخره. و لم يتعرض

ص: 17

المصنف - قدس سره - لمسائل هذا العلم. و قد قيل: إن مسائله ما يذكر في كتبه من المقاصد، و ذكر مصطلحاتهم في هذا العلم من المفاهيم المنقولة عن معانيها اللغوية أو المخصصة لها. كما نص عليه غير واحد منهم كثاني الشهيدين في بدايته: 5 [تحقيق البقال: 45/1].

و لعل عدم ذكر الجد - طاب ثراه - لها و اعراضه عنها لوضوحها أو لعدم لزومها أو عدم الملزم بها، فتدبّر.

***

ص: 18

مستدرك رقم: (5) الجزء الأول: 50 تعريف المتن:

ما عرف به المصنف رحمه اللّه المتن - من الحديث - بانه: لفظه الذي يتقوّم به المعنى، هو الذي ذهب اليه الطيبي - من علماء العامة - و مشهور المتأخرين، سواء أ كان مقول المعصوم عليه السّلام أم ما في معناه من فعله و تقريره. و لعله قيل:

يتقوم به المعنى، لأن الظاهر و المطلوب و الغاية من الحديث إنما هو متنه الذي يعرف منه معناه.

و عرفه ابن جماعة - كما في تدريب الراوي: 42/1 - ب: ما ينتهي إليه غاية السند من الكلام.

و المتن اما من المماتنة و هي المباعدة في الغاية، لأنه غاية السند، أو من متنت الكبش: إذا شققت جلدة بيضته و استخرجتها، فكأنّ المسند استخرج المتن بسنده، أو من المتن: و هو ما صلب و ارتفع من الأرض، لأن المسند يقويه بالسند و يرفعه إلى قائله، أو من تمتين القوس أي شدها بالعصب، لأن المسند يقوي الحديث بسنده، و قد ذكر المصنف - طاب ثراه - بعض هذه المعاني.

و قيل: المتن - اصطلاحا - ما ينتهي اليه الاسناد، كما في اصول الحديث:

22، قواعد التحديث: 202 و غيرهما، و هو - كما لا يخفى - تعريف دوري.

***

ص: 19

مستدرك رقم (6) الجزء الأول: 50 فوائد (حول المتن):

1 الاولى: قال والد الشيخ البهائي في درايته: 72 التراث: 89 ان المتن:

هو ألفاظ الحديث المقصودة بالذات التي تتقوّم بها المعاني، فانه ينقسم باعتبار وضوح الدلالة على المراد منه و خفائها الى: نص، و مجمل، و ظاهر، و مؤوّل، لان اللفظ ان كان له معنى واحد لا يحتمل غيره فهو: النص، و ان احتمل، فان تساوى الاحتمالان فهو: مجمل، و ان ترجح أحدهما؛ فإن اريد المرجوح لدليل فهو:

المؤوّل، و ان اريد الراجح فهو: الظاهر.

و رجحانه اما بحسب الحقيقة الشرعية كدلالة الصوم على الإمساك عن المفطرات، أو بحسب العرف كدلالة الغائط على الفضلة... ثم قال: و من الراجح: لفظ العموم و الاطلاق، و منه الحقيقة و المجاز و المشترك و المنقول، و تفصيل ذلك في الاصول... و انما يلزم المحدّث معرفتها من الاصول ليضع الاحاديث على مواضعها منها.

ثم قال - في آخر كلامه أعلى اللّه مقامه -: و انما نبهنا على ذلك لئلا يجترئ بعض القاصرين عن درجة الاستنباط على العمل بما يجده من الاحاديث صحيحا، فان دون العمل به - بعد صحة سنده - بيداء لا تكاد تبيد.

و سنرجع لهذا البحث مفصلا في آخر الالفاظ المشتركة للحديث.

ص: 20

2 الثانية: لا يخفى ان متن الحديث - بما هو - ليس مما تناله يد عالم الحديث ابتداء، بل هو من شئون الفقيه دراسة.

و فقه الحديث دراية، و اهل الفن لا يتعرضون له الا نادرا، و انما يدخل المتن في اعتبار هذا الفن من حيث بحثهم في عوارضه أو مصطلحاتهم فيما يتعلق به، فيقال: حديث مقلوب أو مزيد أو مصحف أو معلل او.. غير ذلك مما يعطي الحديث صفة عامة.

3 الثالثة: لا شك ان الحديث بواسطة السند بما فيه من قوة و ضعف، و بحسب الاسناد اتصالا او ارسالا، انقطاعا أو اضطرابا، تعليقا أو رفعا.. و غير ذلك،

أو بحسب اوصاف الرواة من العدالة و الايمان و الضبط و غيرها أو عدمها يتصف بصفة الصحة و الضعف، و الاعتبار و عدمه، و القبول و الرد.. و اشباه ذلك.

و تختلف اسماء المتن باعتبار اختلاف السند من حيث القوة و الضعف و الأخذ و الرد، و منهما تتشعب الأصول الأولية و الفرعية في التقسيمات الأولية و الثانوية كما سيأتي.

4 الرابعة: هل السنّة مرادفة للحديث أم أعمّ؟

يظهر من بعض كلمات اللغويين - كالقاموس المحيط: 164/1 و 170، 17/2، و صحاح اللغة (تاج اللغة و صحاح العربية) 278/1 و 641/2 و غيرهما - كون الحديث مرادفا للخبر الذي هو مرادف للسنّة، و ان السنّة مرادفة للحديث، بل هو ظاهر الاكثر من غيرهم.

و قد باين بعضهم بينهما فجعل الحديث ما ينقل عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و السنة ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأول، و لذا فقد تردّ

ص: 21

أحاديث تخالف السنّة المعمول بها فيلتجئ العلماء حينئذ الى التوفيق و الترجيح.

و لذا عدّ بعض ائمتهم ائمة في السنّة دون الحديث - لاحظ حاشية الزرقاني على الموطأ: 1 و/ 4 نقلا عن اصول الحديث: 26، علم الحديث: 6 -.

و منهم من عمّم السنّة للحديث - كما في اصول الحديث: 27 - معللا بأن المنصرف من الحديث في الغالب ما يروى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد البعثة من قول أو فعل أو تقرير، و تلك أعم.

قال الدكتور صبحي الصالح في اصوله: 6: و السنّة في الاصل ليست مساوية للحديث، فإنها - تبعا لمعناها اللغوي - كانت تطلق على الطريقة الدينية التي سلكها النبي صلّى اللّه عليه [و آله] في سيرته المطهرة.

و لا يبعد هذا لو لا ما أسلفنا ذكره. لأن السنّة هي الطريقة، و الحديث شامل لقوله و فعله و تقريره صلّى اللّه عليه و آله. و لعل النديم نظر الى تباينهما فجعل كتابه: السنن بشواهد الحديث. و ان امكن ان يكون هذا شاهدا على ان السنة أعم.

و قد ذهب الى كون السنة اعم في معين النبيه: 3 - خطي - بعد ان عرّف السنة.. ثم قال: و هي اعم من الحديث لصدقها على نفس الفعل و التقرير، و اختصاصه بالقول. و لا يخفى ما فيه.

و قد قيل ان قوله صلّى اللّه عليه و آله: عليكم بسنّتي: اي عليكم بأسلوبي في الحياة من قوله و فعله و طريقة معاشرته الخاصة و العامة صلوات اللّه عليه و آله.

5 الخامسة: ان جميع الاقسام التي ذكرت في السنّة القولية تأتي في السنّة الفعلية

و التقريرية بلا فرق.

***

ص: 22

مستدرك رقم: (7) الجزء الأول: 52 فوائد (حول السند):

6 الاولى: المسند - بفتح النون -

له اعتبارات ثلاثة:

الاول: أن يراد به الاسناد، و يكون مصدرا، كمسند الشهاب و مسند الفردوسي، أي أسانيد أحاديثهما.

الثاني: الكتاب الذي جمع فيه ما أسنده الصحابة - أي رووه - فهو اسم مفعول، و منه الأحاديث التي تنتهي إلى أحد المعصومين عليهم السّلام خاصة، كمسند الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام. و يقال لها: المسانيد أو المساند - إذ يجوز لك أن تثبت الياء فيها و تحذفها، و الأولى ان لا تثبت، كما قاله البلقيني في محاسن الاصطلاح ذيل المقدمة: 112 - ثم قال: عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به. و نوقش في هذا بما نحن في غنى عنه. و من هنا أطلق جماعة من الحفاظ على مسند الدارمي اسم الصحيح.

الثالث: قسم من أقسام الحديث المشترك - كما سيأتي - و قيل خصوص الصحيح منه.

أما المسند - بكسر النون، أي بصيغة اسم الفاعل - فيقال لمن روى الحديث بسنده سواء أ كان مطلقا عن كيفية الاسناد أم كان ناقلا صرفا. و سيأتي بيانه فى الملحقات.

ص: 23

7 الثانية: الاسناد:

هو رفع الحديث إلى قائله من نبي أو وصي عندنا، و صحابي و تابعي عندهم، بمعنى بيان طريق المتن برواية الحديث مسندا حتى يرتفع إلى صاحبه، فباعتبار تضمنه رفع الحديث إلى قائله يسمى: إسنادا. و المتن باعتبار كونه معتمد العلماء في الصحة و الضعف يقال له: سند.

و قد يطلق الإسناد على السند - من باب إطلاق المصدر على المفعول كإطلاق الخلق على المخلوق - قاله الدربندي في درايته: 17 - خطي -: ثم قال:

لكن المحدّثين يستعملون السند و الاسناد بمعنى واحد، أي الطرق الموصلة إلى المتن، فهو عبارة عن الرواة، و قد يكون بمعنى حكاية طريق المتن.

و قال السيد الداماد في الرواشح السماوية: 126: الإسناد قد يطلق و يراد به السند، و هو الطريق بتمامه، و قد يطلق و يراد به بعض السند.

و الحق ان السند - الذي هو طريق المتن و جملة من رواته - مغاير للإسناد، وفاقا لجماعة و خلافا لابن جماعة. و إطلاقه على بعضهم - لو كان - مسامحة.

نعم غالبا ما يستعمل الإسناد و يراد به السند، فيقال إسناد هذا الحديث ضعيف أو صحيح، و ذلك ان المتن إذا ورد فلا بد له من طريق موصل إلى قائله، و الطريق له اعتباران: فباعتبار كونه سندا و معتمدا في الصحة و الضعف يقال له:

سند، و باعتبار تضمنه رفع الحديث الى قائله صار: إسنادا.

8 الثالثة: قيل: السند هو المقصود الأصلي في علم الدراية،

لأن الحديث به يكسب أوصاف القوة و الضعف.. و غيرهما بحسب الرواة و الإسناد. و فيه نظر.

***

ص: 24

مستدرك رقم: (8) الجزء الأول: 65 فوائد (حول الحديث):

9 الأولى: لعل هذا الاختلاف في معنى الحديث و الخبر أوجب تورع العلماء من إطلاق اسم الحديث على القرآن الكريم،

و انما قالوا: كلام اللّه، مع انه جاء قوله عز اسمه: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ اَلْحَدِيثِ كِتاباً الزمر: 23 و غيره.

و اما إطلاق لفظ الحديث على كلامه صلوات اللّه و سلامه عليه، فقد روى في صحيح البخاري - كتاب الرقاق برقم 51 - قوله (ص):... انه علم ان لن يسأله عن هذا الحديث.. فهو قد أطلق صلوات اللّه عليه و آله على كلامه حديثا، هذا لو صحت النسبة!.

10 الثانية: في كثير من الأخبار إطلاق لفظ: المحدّث - باشتقاقاتها - على الأئمة سلام اللّه عليهم،

و هم عليهم السّلام كثيرا ما يروون عن آبائهم صلوات اللّه و سلامه عليهم، فيكون بمعنى الراوي ان خصّصنا الحديث كالخبر بنفس قول المعصوم عليه السّلام - كما نقلناه عن دراية الشهيد و غيره - دون ما يحكيه - كما هو صريح غيره -.

قال في النهاية الأثيرية: 350/1 - بعد تفسير المحدّث بالملهم -: و الملهم:

هو الذي يلقى في نفسه الشيء فيخبر به حدسا و فراسة، و هو نوع يختص به اللّه عز و جل من يشاء من عباده الذين اصطفى.

ص: 25

و قد جاء تفسير المحدّث في الحديث الذي روى فيه ان سلمان كان محدّثا.

قال الصادق عليه السّلام: انه كان محدّثا عن امامه لا عن ربه، لانه لا يحدّث عن اللّه الا الحجة. ذكره الكشي في رجاله: 11 و الحر في وسائل الشيعة: 106/18.

و قد عقد الكليني في أصول الكافي بابا في الفرق بين الرسول و النبي و المحدّث: 176/1 (اسلامية: 134/1)، و بابا في ان الائمة (عليهم السّلام) محدّثون مفهّمون: 270/1 (اسلامية: 212/1) و قد اطلق المحدّث هناك على معنى آخر. و انظر الحديث السابع و الرابع عشر من باب ما جاء في الاثني عشر و النص عليهم عليهم السّلام من أصول الكافي: 478/2 و 482، و مرآة العقول:

4/3-161، و شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: 58/6-70

و انظر مستدرك رقم (9) المحدّث.

11 الثالثة: لعل الفرق بين الخبر و الحديث من جهة لغوية ان يقال - غير ما مرّ -: ان الخبر هو القول الذي يصح وصفه بالصدق و الكذب و يكون الاخبار به عن نفسك و عن غيرك.

و اما الحديث - في الأصل - هو ما تخبر به عن نفسك من غير أن تسنده إلى غيرك، ثم كثر استعمال اللفظين حتى سمي كل واحد منهما باسم الآخر، فقيل للحديث: خبر، و للخبر: حديث.

قال في الفروق اللغوية: 28 - بعد بيان مختاره -: و يدل على صحة ما قلناه انه يقال: فلان يحدث عن نفسه بكذا، و هو حديث النفس، و لا يقال: مخبر عن نفسه، و لا هو خبر النفس.

و المشهور - كما مرّ - ترادفهما لغة و اختلافهما اصطلاحا.

12 الرابعة: النبأ:

الخبر، لأنه يأتي من مكان إلى آخر، و منه سيل نابي و رجل نابي، اي أتى من بلد الى بلد، و المنبئ: المخبر، كذا في كتب اللغة، لاحظ معجم مقاييس

ص: 26

اللغة: 385:5، لسان العرب: 162/1، الصحاح: 74/1، القاموس المحيط:

30/1.. و غيرها.

13 الخامسة: قال في القوانين: 409: و مذهب أصحابنا انّ ما لا ينتهي إلى المعصوم عليه السّلام ليس حديثا،

و اما العامة فاكتفوا فيه بالانتهاء إلى أحد الصحابة أو التابعين أيضا.

14 السادسة: قال الدربندي في درايته: 1 - خطي -: ثم لا يخفى ان المحدّث أعم إطلاقا من الاخباري

و ان قلنا بان الخبر يرادف الحديث، فان كل اخباري محدّث من غير عكس، فان المحدّث كما يطلق على الاخباري المخالف للمجتهد في جملة مهمة كثيرة من المسائل و المباحث، فكذا يطلق على المجتهد الحاذق الكامل في فنون الأحاديث.

***

ص: 27

مستدرك رقم: (9) الجزء الأول: 65 المحدّث و المحدّث، و التحديث:

أمّا المحدث: - بكسر الدال المشدّدة -

على انه اسم فاعل من التحديث، و هو عند المحدثين - على ما ذكره العراقي و التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون:

18/2 و غيرهما -: من يكون كتب و قرأ و سمع و وعى و رحل إلى المدائن و القرى و حصّل أصولا و علّق فروعا من كتب المسانيد و العلل و التواريخ التي تقرب من ألف مصنّف!.

و قيل: إنّه لمن عرف الأسانيد و أدرك العلل و النقائص في الحديث، و ميّز الغث من السمين، و عرف أسماء الرواة و حالاتهم و طبقاتهم، و حفظ مقدارا من المتون الروائية. بل قد أطلق جلّ المحدثين المتقدمين لفظ المحدّث على من حفظ الحديث و كتبه، و جمع طرقه و فهم المروي و استنبط أحكامه، كما نص عليه الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية: 3، و أصول الحديث: 9 و غيرهما.

و قيل: من تحمل الحديث رواية و اعتنى به دراية، قاله ابن حجر في شرح النخبة: 3.

و أمّا المحدّث - بفتح الدال المشدّدة،

على انه اسم مفعول من التحديث - فقيل هو عند المحدثين بمعنى الملهم الذي رأى رأيا أو ظنّ ظنا أصاب، كأنّه حدّث به و ألقي في روعه من عالم الملكوت، و لعلّه من هنا أطلق على الأئمة المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين و قد مرّ...

ص: 28

و قيل: المحدّث معناه الملهم الذي يظن أنه قد حدّث بشيء و أخبر به.

و قيل: هو الشخص الذي يلقى في قلبه كلام فيخبر به بالحدس و فراسة الإيمان، و يخصّ اللّه به من أراد من عباده يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ .

و قيل: هو الذي إذا ظن في شيء كان ظنه صوابا، و كأنه قد حدّث به.

و قيل: هو الذي تتحدث إليه الملائكة.

و لعل الجميع يرجع إلى معنى واحد، و هو في بيت العصمة سلام اللّه عليهم على الحقيقة، و في المؤمن الذي ينظر بنور اللّه على نحو المجاز، و في غيرهم زخرف من القول و زور.

و أمّا التحديث: فهو لغة: الاخبار.

و عند المحدثين اخبار خاص بما سمع من لفظ الشيخ، أي اخبار خاص بحديث سمعه الراوي بلفظه من الشيخ، و هو الشائع عند المشافهة و من تبعهم، قاله في كشاف اصطلاحات الفنون: 17/2.

قال ابن حجر في شرح النخبة: 211: و تخصيص التحديث بما سمع من لفظ الشيخ، و كذا الاخبار بالقراءة على الشيخ هو الشائع بين اهل الحديث اصطلاحا، ثم قال: و اما غالب المغاربة فلم يستعملوا هذا الاصطلاح، بل الاخبار و التحديث عندهم بمعنى واحد. فعلى القول الشائع يحمل ما إذا قال: حدثنا على السماع من الشيخ، و فيما إذا قال: أخبرنا على سماع الشيخ، و كلاهما - اي التحديث و الاخبار - عندهم من صيغ الأداء - كما سيأتي -.

و ذهب في فتح الباري - كتاب العلم -: 153/1 إلى ان: التحديث و الاخبار و الانباء سواء عند اهل العلم بلا خلاف بالنسبة الى اللغة، و اما بالنسبة الى الاصطلاح ففيه خلاف، فمنهم من استمر على أصل اللغة، و هذا رأي الزهري و مالك و ابن عيينة و يحيى القطان و اكثر الحجازيين و الكوفيين، و عليه استمر عمل المغاربة، و رجحه ابن الحاجب في مختصره، و نقل عن الحاكم انه

ص: 29

مذهب الائمة الأربعة.

و منهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه، و تقييده حيث يقرا عليه، و هو مذهب إسحاق بن راهويه و النسائي و ابن حبان و ابن مندة و غيرهم.

و منهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل، فيخصون التحديث بما تلفظ به الشيخ و الاخبار بما يقرأ عليه، و هذا مذهب ابن جريح و الاوزاعي و الشافعي و ابن وهب و جمهور أهل المشرق.

ثم أحدث اتباعهم تفصيلا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني، و من سمع مع غيره جمع فقال: حدثنا، و من قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني، و هذا مستحسن و ليس بواجب عندهم. و انما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل.

***

ص: 30

مستدرك رقم: (10) الجزء الأول: 65

الأثر:

اشارة

بالتحريك - اي بفتح الالف و التاء المثلثة - لغة: هو ما بقي من رسم الشيء - قاله في الصحاح: 575/2 و غيره - من قولك: اثرت الحديث، اذا ذكرته عن غيرك بمعنى رويته، و حديث مأثور ينقله خلف عن سلف، و مصدره الاثر - بالتسكين - و اصله - كما قال في فتح المغيث: 104/1 - ما ظهر من مشي الشخص على الارض، قال زهير:

و المرء ما عاش ممدود له أثر *** لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر

قال في معجم مقاييس اللغة: 53/1:.. له ثلاثة أصول: تقديم الشيء، و ذكر الشيء، و رسم الشيء الباقي. و قال في مجمع البحرين: 198/3: و سنن النبي صلّى اللّه عليه و آله آثاره، و أثرت الحديث أثرا - من باب قتل - نقلته، و الأثر - بفتحتين - الاسم منه، و حديث مأثور ينقله خلف عن سلف.

انظر القاموس المحيط: 375/1، الصحاح: 6/2-574، النهاية: 23/1، لسان العرب: 5/4-10 و غيرها.

و يراد منه اصطلاحا: الحديث و الخبر - على قول -، الا أن الأشهر الأعرف - على حد تعبير السيد الداماد في الرواشح: 37 - كونه أعم من أن يكون قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الإمام عليه السّلام أو الصحابي أو التابعي، و في معناه فعلهم و تقريرهم، اي انه اعم مطلقا.

ص: 31

و جاء تعريف الاثر في جامع الشمل في حديث خاتم الرسل (ص) 365/2 ب: الحديث الذي وقف على صحابي و هو معمول به.

و القول بان الأثر ما جاء عن الصحابي هو الظاهر من كلمات الجمهور، و من هنا كان كتاب الطحاوي: شرح معاني الآثار، حاويا لاخبار مرفوعة و موقوفة و غيرها. بل نسب إلى أهل الحديث كافة، و كون الاثر اعم من الحديث و الخبر هو الأظهر.

و قد ذهب بعضهم الى جعل الأثر مساويا و مرادفا للخبر، كما نص عليه في تاج العروس: 166:3 و لم اجد من صرح بقائله، الا انهم تراهم يسمون المحدّث: أثريا نسبة للأثر، كما في تدريب الراوي: 40:1.

و فرّق بعضهم بين الثلاثة بجعل الحديث ما جاء عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الأثر ما جاء عن الإمام عليه السّلام أو الصحابي، و الخبر أعم منهما.

و قيل: الأثر عند المحدّثين يطلق على الحديث الموقوف و المقطوع، كما يقال: جاء في الآثار كذا، قاله في مقدمة ترجمة شرح المشكاة.

و قيل: إنه يطلق على الموقوف و المقطوع و الحديث المرفوع أيضا، كما يقال: جاء في الأدعية المأثورة كذا.

و قيل: الأثر في اصطلاح الفقهاء يستعمل و يراد به كلام السلف، قاله في الجواهر.

و في خلاصة الخلاصة: و يسمى الفقهاء الموقوف: أثرا، و المرفوع: خبرا، و أطلق المحدثون الأثر عليهما.

و في مجمع السلوك - كما حكاه في كشاف اصطلاحات الفنون: 95/1 - قال: الرواية تطلق على فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و قوله، و الخبر على قول النبي لا على فعله، و الآثار على أفعال الصحابة (رضي اللّه عنهم).

قال السيد الداماد في الرواشح السماوية: 38:.. و في أصحابنا رضوان اللّه

ص: 32

عليهم من يؤثر هذا الاصطلاح و يخص الأثر بما عن الائمة عليهم السّلام، و المحقق نجم الدين بن سعيد رحمه اللّه في مصنفاته الاستدلالية كثيرا ما يسير ذلك المسير، و أما رئيس المحدثين رضي اللّه عنه فقد عنى بالآثار الصحيحة أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أوصيائه الصادقين.. إلى آخره.

و في وصول الاخيار: 72 ذهب الى ان السنة و الأثر متباينان، و الحديث أعم منهما، كما سنذكره في بحث السنة.

قال في معين النبيه: 3 - خطي -: و اما الأثر، فقد يراد به مرادفهما - أي الحديث و الرواية - و قد يخص بما جاء عن الصحابي، و الحديث بما جاء عن النبي، و الخبر أعم منهما.

و على كل حال، فان تقصي موارد استعمال كلمة: الأثر في كتب اللغة - كالصحاح: 6/2-574، و القاموس المحيط: 362/1، و لسان العرب: 10/4-5، و مجمع البحرين: 198/3 و غيرها - يفيد أن المعنى اللغوي و الاصطلاحي للأثر واحد عند العامة.

قال في القاموس المحيط: الأثر: نقل الحديث و روايته.

و لذا نجد بعضهم - كما في علوم الحديث: 11 - يرى انه لا مسوغ لتخصيص الأثر بما أضيف للسلف من الصحابة و التابعين، قال: ان الموقوف و المقطوع روايتان مأثورتان كالمرفوع. و قد نظر الى المعنى اللغوي لا الاصطلاحي للكلمة، بل جعله مرادفا للسنة و الخبر و الحديث.

و عليه فان الأثر عند المحدّثين - بملاحظة المناسبة بين الحكم و الموضوع - هو بقايا الأقوال و الأفعال المروية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صحبه - عند العامة - و عن المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين عند الخاصة.

فيكون الأثر - على هذا - اصطلاحا أخص من الحديث و الخبر، كما مرّ.

انظر: تقريب النووي و شرح السيوطي له: 42/1-43 و صفحة: 184،

ص: 33

منهج ذي النظر: 8، اصول الحديث: 38، علوم الحديث: 11.. و غيرها.

15 فائدة: الأثر لغة له ثلاثة معان:

الأول: بمعنى النتيجة، و هو الحاصل من الشيء.

الثاني: بمعنى العلامة.

الثالث: بمعنى الجزء، كما نص عليه الجرجاني في التعريفات: 4.

و أضاف في كشّاف اصطلاحات الفنون: 95/1 معنى رابعا له و هو: ما يترتب على الشيء، قال: و هو المسمى بالحكم عند الفقهاء.

***

ص: 34

مستدرك رقم: (11) الجزء الأول: 65

16 فائدة: للشيخ البهائي رحمه اللّه في وجيزته تحقيق رشيق هنا - بعد ان جعل الخبر يرادف الحديث، جعل الاخير كلاما يحكي قول المعصوم عليه السّلام أو فعله أو تقريره - قال في صفحة: 2-3 ما نصه:

و تعريفه - أي الخبر - حينئذ بكلام يكون لنسبته خارج في احد الازمنة يعمّ التعريف للخبر المقابل للانشاء، لا المرادف للحديث كما ظن، لانتقاضه طردا بنحو زيد انسان، و عكسا بنحو قوله صلّى اللّه عليه و آله: صلوا كما رأيتموني أصلي، فبين الخبرين عموم من وجه، اللهم الا ان يجعل قول الراوي: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله.. مثلا جزءا منه ليتم العكس، و يضاف الى التعريف قولنا: يحكي.. الى آخره ليتم الطرد: و عنه مندوحة، ثم انتقاض عكس التعريفين بالحديث المسموع عن المعصوم عليه السّلام قبل نقله عنه ظاهر، و التزام عدم كونه حديثا تعسف.

و لو قيل: الحديث قول المعصوم عليه السّلام أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره لم يكن بعيدا. و اما نفس الفعل و التقرير فيطلق عليهما اسم السنة لا الحديث، فهي أعم منه مطلقا.

و مال الى هذا ابن تيمية في فتاويه: 10/18 حيث صرح بمثل هذا، و قال - بعد ذلك -: و كتب الحديث: هي ما كان بعد النبوة أخص.

ثم ان إطلاق الحديث على ما روى عن غير المعصوم عليه السّلام تجوّز ظاهر، و ان كان يظهر من آخر كلام شيخنا البهائي قدس سره السالف نفي البعد عن الحكاية، و هو اصطلاح لا نعرف من سبقه اليه.

ص: 35

مستدرك رقم: (12) الجزء الأول: 70 فوائد (حول السنّة):

17 الاولى: السنّة: - لغة - و اصطلاحا

الطريقة، مرضية كانت أو غير مرضية -، كما سلف.

و قيل: هي لغة: العبادة - التعريفات: 108 - و قال أيضا: و في الشريعة:

هي الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض و لا وجوب. فالسنة: ما واظب النبي صلّى اللّه عليه و آله عليها مع الترك أحيانا.

ثم قسّم السنة الى قسمين: سنّة هدى. و سنّة زوائد.

فالأولى: ما كانت المواظبة المذكورة على سبيل العبادة. فهي ما يكون إقامتها تكميلا للدين، و هي التي يتعلق بتركها كراهة أو إساءة، و يقال لها: السنة المؤكدة كالأذان و الإقامة و الرواتب.

أما سنّة الزوائد: فهي ما كانت المواظبة على سبيل العادة، و هي التي أخذها هدى، أي إقامتها حسنة و لا يتعلق بتركها كراهة و لا إساءة، كسير النبي صلى اللّه عليه و آله في قيامه و قعوده و لباسه و أكله، و فصلها هناك بما لا طائل في ذكره، كما لا دليل عليه.

18 الثانية: السنة المطهرة

في وصول الاخيار: 72 [التراث: 88 باختلاف يسير] - بعد ان جعل موضوع هذا العلم في الأصل المقصود بالذات هو السنة - قال: السنة المطهرة:

و هي طريقة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الامام المحكية عنه، فالنبي بالأصالة و الإمام بالنيابة - و هي قول أو فعل أو تقرير - و يتبع ذلك البحث عن

ص: 36

الآثار، و هي أقوال الصحابة و التابعين و أفعالهم، و أكثر أهل الحديث يطلقون على الكل اسم: الحديث.

أقول: السنّة و الأثر - على هذا - عنده متباينان، و الحديث أعم منهما. و فيه تأمّل مع ما في التعريف من تكلّف ظاهر.

ثم ان التأمّل في كلام المصنف قدس سره و القوم يومي الى ان السنة أعم من الحديث عندهم، و لم نجد من توجه الى هذا الا ما ذكرناه في آخر كلام شيخنا البهائي أعلى اللّه مقامه بنحو القيل. مع ان نفس الفعل و التقرير يقال لهما سنة لا حديث، و من هنا يتضح وجه الاعمّية. و لذا قالوا ان السنة الفعلية فيما لو وقع فعلهم عليهم السّلام بيانا تبعا للمبيّن وجوبا و ندبا و اباحة، و اختلفوا في السنة الابتدائية غير البيانية، و الأقوى كونها حجة في الجملة، و ان فعلهم المجرد دال على الجواز ان كان عرفيا، و على الرجحان ان كان عباديا.

19 الثالثة: السنة التقريرية -

لو قلنا بان السنة مختصة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله - فحيث كان صلوات اللّه عليه و آله لا يقر على منكر و لا تقية عليه - كما قيل -، فما فعل بحضرته و لم ينكره فهو دال على الجواز على الأقل - و لنا كلام في ذلك مرّ في الحواشي -

و عندي ان في تقرير الائمة سلام اللّه عليهم نظرا لو قلنا بعموم السنة لهم عليهم السّلام.

20 الرابعة: السنة: يختلف معناها في اصطلاح المتشرعة بحسب اختلاف اغراضهم و فنونهم،

فهي عند المحدّث ما ذكر.

و عند الأصولي: كل ما صدر عن المعصوم عليه السّلام غير القرآن مما يصح ان يكون دليلا على حكم شرعي، أي كل ما وقع في طريق استنباط

ص: 37

الأحكام الشرعية الفرعية.

و عند الفقهاء: السنّة غالبا ما رادف المستحب. اي ما ثبت عن المعصوم عليه السّلام أو ما نزّل بمنزلته - من باب التسامح في أدلة السنن - و لم يكن من باب الفرض و الوجوب.

قال في قواعد التحديث: 146: اما ما اصطلح عليه الفقهاء و اهل الاصول من انها - اي السنة - خلاف الواجب، فهو اصطلاح حادث و عرف متجدد.

و عليه، فاوسع إطلاق السنة ما أثر عن المحدثين.

ثم انه قد تطلق السنة مقابل البدعة، فيقال فلان على السنة، أي ليس بمبدع.

و بعض العامة أطلق لفظ السنة على ما عمل به أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله سواء أ كان مأثورا عنه صلّى اللّه عليه و آله أم لا، لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم أو اجتهادا مجمعا عليه منهم، كما نص عليه في الموافقات: 4 و حكاه في أصول الحديث: 21. و استوعب البحث عنه في اصول الفقه المقارن: 221 - 248.

و قد تطلق السنة على قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فعله و سكوته و طريقة الصحابة - كما جاء في شرح منار الاصول لابن مالك - و قد اطلق السنة بعضهم على كل ما سبق سواء أ كان ذلك قبل البعثة ام بعدها، و سواء أ أثبت حكما شرعيا أم لا.

21 الخامسة: صرح السيوطي في تدريب الراوي: 194:1 ان شيخ الاسلام قسم السنة الى: صريح و حكم.

و قال: إن من السنة ما يكون قولا صريحا كقول الصحابي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و حدثنا، و سمعنا. و الحكم؛ ما قاله مما لا يدخل

ص: 38

الرأي فيه، و المرفوع في الفعل صريحا قوله: فعل أو رأيته يفعل.. و هكذا.

22 السادسة: قال الشيخ الطوسي في كتابيه التهذيب: 22/1، و الاستبصار: 35/1، في حديث المضمضة

- في قوله عليه السّلام: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة: انما عليك ان تغسل ما ظهر -. قال: اي ليسا من السنة التي لا يجوز تركها.

و قاله الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة: 303/1 ذيل حديث: 6.

أقول: مراده بالسنة ما علم وجوبه بالسنة، و هو معنى مستعمل فيه لفظ السنة في الأحاديث.

**

ص: 39

مستدرك رقم: (13) الجزء الأول: 70

الرواية:

اشارة

و هي لغة بمعنى الحمل، يقال: روى البعير الماء اي حمله. و منه قيل رويت الحديث رواية: حملته، و منها الراوي اي الناقل للحديث و حامله. قال في معجم مقاييس اللغة: 453/2:.. ثم شبّه به الذي يأتي القوم بعلم أو خبر فيرويه، و انظر النهاية: 279/2، لسان العرب: 345/14... و غيرهما.

و الرواية اما مأخوذة من التروية بمعنى الرخصة و الإذن في الرواية، و منه يقال: لا اروّيه - بتشديد الواو - اي لا ارخص في روايته، و للتروية بهذا المعنى تعلق بالكتاب أو الاصل أو الحديث المروي مع قطع النظر عن خصوصية الراوي و حاله.

و أخرى من التروية بمعنى حث الراوي و تحريضه على الرواية أو الرخصة و الإذن له فيها، و هذا ناظر الى الراوي و لحاظ حاله مع قطع النظر عن خصوصية المروي، كما في كتب الصحاح و كتب اللغة، و اشار اليه في الرواشح السماوية: 8-96.

و الرواية في الاصطلاح العلمي - كما قاله في مجمع البحرين: 199:1 [ص 39 الطبعة الحجرية] - الخبر المنتهي بطريق النقل من ناقل الى ناقل حتى ينتهي الى المنقول عنه - من نبي صلوات اللّه عليه و آله أو امام عليه السّلام - على مراتبه من المتواتر و المستفيض و خبر الواحد على مراتبه أيضا.

قال في هدية المحصلين: فارسي: 23 - ما ترجمته -: انه يستفاد من كلام

ص: 40

صاحب المجمع انه كل من لا يتحمل الحديث بأحد الطرق المقررة في النقل لا يعد راويا، بل كل ما رواه يعدّ فيه حاكيا و ناقلا لا راويا.

قيل: و لا بد من كون متعلق روى شيئا صافيا جذابا، و لذا اطلق على حمل الماء و الكلام و الفكر، و منه قول أمير المؤمنين عليه السّلام في الخطبة الشقشقية:

فطفقت أرتئي بين ان اصول بيد جذاء... اي افكر، و لا يخفى ما فيه ممثلا و مثالا.

كما و قد قيل: لا يعد الراوي راويا الا ان ينقل الحديث بإسناده، و مع عدمه فهو مخرّج، و ان اطلق كل منهما على الآخر.

قال في معين النبيه في بيان رجال من لا يحضره الفقيه - خطي -: 3 - بعد تعريفه للخبر - و قد يخص - اي الخبر - بمعنى الرواية، و عرف بانه كلام يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره، كقال عليه السّلام أو فعل بحضرته كذا و لم ينكر عليه مع عدم التقية.. ثم قال: و اورد عكسا المسموع منه قبل حكايته.

و قد وقع الاختلاف بين علماء الدراية من العامة في معنى الرواية، فمنهم من عدّها مرادفة للسنة، و آخر - كما في مجمع السلوك - عدّها عبارة عن نقل أفعال الصحابة، و منهم من قال: انها عبارة عن الحديث الموقوف و المقطوع.. الى غير ذلك مما مرّ في الخبر و الأثر.

فائدتان:

23 الأولى: قول علماء الدراية و الحديث - و غيرهم تبعا لهم -: روينا، نروي. يكون على صور:

فتارة بالتخفيف من الرواية، اما بصيغة المعلوم و هو واضح، أو المجهول و المراد منه روى الينا، و يروي الينا.

و هل يراد منه السماع خاصة أو الأعم منه و من الاجازة - العامة أو الخاصة - و القراءة و المناولة و المكاتبة و الوجادة. الظاهر الثاني.

ص: 41

و سنرجع للبحث عنه في اقسام التحمل التسعة بإذن اللّه تعالى.

24 الثانية: إذا أطلق لفظ (الرواية) أو (النص) أو (الخبر) أو (الأثر) عند فقهاء الخاصة؛

سواء أ كان بلفظ المفرد أم المثنى أم الجمع، فيراد به ما كان ضعيفا من الحديث أو ما في حكمه غالبا، إلا إذا استغنى عن بيان وصفه و اسمه، و خص بعضهم ذلك بلفظ الخبر خاصة.

***

ص: 42

مستدرك رقم: (14) الجزء الأول: 70 إشكال و دفع:

العجب من بعض الأفاضل - أيّده اللّه - في حاشيته على بداية الشهيد:

تحقيق البقّال: 51:1، تعليقا على الاقوال في الحديث و الخبر اذ قال: هذه الاحتمالات و الاقوال انما حدثت عند المتأخرين خصوصا بعد شيوع المنطق الارسطي في الاوساط العلمية، و اما كتب المتقدمين فهي خالية عن هذه الاحتمالات... كما انه لا فائدة مهمة في تحقيق ذلك، و انه متى ما دل الدليل على حجيّة الخبر و تحديدها فهو عام بدلالته... سواء أ تطابقت مفاهيمهما ام تخالفت..!؟

أقول: يرد عليه نقضا و حلاّ.

أما نقضا فبأن هذا يجري في كل مصطلحات العلوم النقلية و العقلية، و جميع مباحث الالفاظ الاصولية و اللغوية و كل الالفاظ المنقولة في العلوم، و لا خصوصية له هنا.

و أما حلا فبأمرين:

الأول: إن هذا النزاع لغوي في تحديد المصداق كي يرد عليه الحكم، و قد وجدناه قديما بقدم اللغة، بل اختلاف اللغويين سبّب كل هذا النزاع في التحديد، و على كل فالبحث ليس في الحجية و عدمها، و انما الكلام في المصداق الذي يكون محط الحجية، نعم كثرة القائلين لا اثر لها، كما انه ما لم يقم عليه شاهد فلا حجية فيه.

ص: 43

و الثاني: انه لا يعلم تقدم المنطق الارسطي على بعض هذه الأقوال، خصوصا و انا وجدنا بعضها عند امثال أبي عبد اللّه محمد الحاكم النيشابوري و امثاله في القرن الثاني و الثالث، و انتشار المنطق الارسطي في اواخر القرن الثالث و أوائل الرابع كما لا يخفى.

و من هنا يظهر أهمية البحث و قيمة التحديد، و المقام أجنبي عن الحجية و عدمها. و لا مشاحة في الاصطلاح كما قالوا.

ثم إني بعد تذكيري للأخ البقّال وجدته قد أشار الى ذلك في مقدمة القسم الثاني من الكتاب: 8/2، فراجع.

***

ص: 44

مستدرك رقم: (15) الجزء الأول: 70 الحديث القدسي:

اشارة

أو (الإلهي) أو (الربّاني) أو (أسرار الوحي):

هو كل حديث يضيف فيه المعصوم عليه السّلام قولا الى اللّه سبحانه و تعالى و لم يرد في القرآن الكريم.

أو قل: هو الكلام المنزل بألفاظ بعثها في ترتيبها بعينه لا لغرض الإعجاز، نظير قوله تعالى: «الصوم لي و أنا أجزي عليه (أو به)»(1) و بذا افترق عن القرآن الذي هو الكلام المنزل بألفاظه المعينة في ترتيبها المعين للإعجاز، كما انه بخلاف الحديث النبوي الذي هو الوحي اليه صلوات اللّه عليه بمعناه لا بألفاظه، فتأمل.

و من هنا كان حديثا لأن الرسول صلّى اللّه عليه و آله - أو المعصوم عليه السّلام عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله - هو الحاكي له عن اللّه سبحانه بخلاف القرآن، فانه لا يضاف إلا إليه سبحانه.

اما وجه إضافته الى القدس فلأنها الطهارة و التنزيه، و الى الإله و الرب لانه صادر منه و هو المتكلم به و المنشئ له، و ان كان جميعها صادرا بوحي إلهي،

ص: 45


1- انظر صحيح البخاري: كتاب الصوم: الباب 208/1:2، و كتاب السلم: باب 35 و 50: 199/8، و صحيح مسلم، كتاب الصيام، حديث 164 و 807/2:165، و مسند أحمد بن حنبل: 232/1 و 446، 273/2، 5/3 و 396 و غيرها. و انظر وسائل الشيعة و بحار الأنوار و الجواهر السنية: 161.

لأن الرسول صلوات اللّه عليه و آله ما يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النجم: 3 و 4، و من هنا كان من أسرار الوحي.

هذا و للحديث القدسي تعاريف أخر كقول صاحب الوجيزة: 3 بانه: ما يحكي كلامه تعالى غير متحد بشيء منه، و نظيره في التعريفات: 74. و قال في معين النبيه: 4 - خطي -: و من الحديث ما هو قدسي، و هو ما يحكي كلامه تعالى من غير تحد بشيء.. قال اللّه تعالى: أ يحزن عبدي المؤمن اذا قترت عليه و هو اقرب له منّي، و يبذّر اذا وسعت عليه و هو أبعد له منّي؟!

و قال الحلبي في حاشيته: على التلويح 159/1: في الركن الاول عند بيان معنى القرآن: الأحاديث الإلهية هي التي اوصاها اللّه تعالى الى النبي صلى اللّه عليه و آله ليلة المعراج، و تسمى بأسرار الوحي - انظر الفتح المبين في شرح الحديث الرابع و العشرين لابن حجر، و كشاف اصطلاحات الفنون: 15/2 و غيرهما -.

و في مجمع البحرين: 371/6 قال: و مما يفرّق بين القرآن و الحديث القدسي ان القرآن مختص بالسماع من الروح الأمين و الحديث القدسي قد يكون إلهاما أو نفثا في الروع و نحو ذلك. و ان القرآن مسموع بعبارة بعينها و هي المشتملة على الإعجاز بخلاف الحديث القدسي.

اقول: بينهما فروق غير ما ذكر، ككون القرآن معجزة خالدة محفوظة من التبديل و التغيير و لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه بجميع كلماته و حروفه و اسلوبه، و حرمة روايته بالمعنى، و حرمة مسه للمحدث، و حرمة أو كراهة تلاوته للجنب أو خصوص آيات السجدة، و تعين قراءته في الصلاة، و تسميته قرآنا و فرقانا، و التعبد بكون قراءته حسنة، و حرمة بيعه أو كراهتها، و حرمة بيعه على الكفار.. و غير ذلك من الاحكام التكليفية و الوضعية المختصة به بخلاف الحديث القدسي.

ص: 46

و الحاصل - كما قيل - ان الحديث القدسي ما كان لفظه من عند الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معناه من عند اللّه تبارك و تعالى بالإلهام أو المنام أو غيرهما، و اما القرآن فان اللفظ و المعنى منه سبحانه، و لذا فضّل عليه.

و قد ذكر في فوائد الامير حميد الدين - كما في كشاف اصطلاحات الفنون: 15/2 - ان الفرق بين القرآن و الحديث القدسي على ستة أوجه:

الاول: ان القرآن معجز و الحديث القدسي لا يلزم ان يكون معجزا.

الثاني: ان الصلاة لا تكون الا بالقرآن بخلاف الحديث القدسي.

الثالث: ان جاحد القرآن يكفر بخلاف جاحد الحديث القدسي.

الرابع: ان القرآن لا بد فيه من كون جبرئيل عليه السّلام وسيلة بين النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و بين اللّه تعالى، بخلاف الحديث القدسي.

الخامس: ان القرآن يجب ان يكون لفظه من اللّه تعالى، و في الحديث القدسي يجوز ان يكون لفظه من النبي (صلّى اللّه عليه و آله).

السادس: ان القرآن لا يمسّ الا مع الطهارة، و الحديث القدسي يجوز مسه من المحدث.

ثم انه قد يكون الحديث القدسي بالوحي الجليّ و لكن ليس شرطا فيه بخلاف القرآن. و لا تنحصر الاحاديث القدسية في كيفية من الكيفيات الخاصة بالوحي، و عليه فالاحاديث النبوية نسبتها الى الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و حكايتها عنه، و تلك نسبتها الى اللّه سبحانه و الرسول يحكيها و يرويها عنه تعالى، و عليه فالحديث الالهي خارج عن القرآن و السنة و الحديث.

ثم انه وقع كلام هل ان اللفظ في الاحاديث القدسية من اللّه عز و جل أو ان المعنى منه سبحانه و الصياغة من النبي صلوات اللّه عليه و آله، بعد المفروغية عن الحجية فيهما، ذهب ابو البقاء في كلياته: 288 الى: ان القرآن ما كان لفظه و معناه من عند اللّه بوحي جليّ، و اما الحديث القدسي فهو ما كان لفظه من عند

ص: 47

الرسول و معناه من عند اللّه بالالهام أو المنام، و لا يخفى ما فيه من تأمّل لدخول الحديث في الجملة.

و الاحاديث القدسية كثيرة جدا، قال ابن حجر في شرح الاربعين: 201:

و هي اكثر من مائة.. الى آخره، و قد جمعت من قبل العامة و الخاصة، فمن العامة ما جمعه المحدّث الشيخ عبد الرءوف بن علي المناوي في كتابه: الاتحافات السنية بالاحاديث القدسية، و بلغت 372 حديثا.. و هو اقصى ما وصلت له.

اما الخاصة: فقد ذهب جمع منهم كصاحب كتاب كشف الحجب و الأستار عن أسماء الكتب و الأسفار: 166 برقم 829 الى ان أول من ألف في هذا الفن هو الحر العاملي محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسن المتوفى في المشهد الرضوي سنة 1104 ه. و ذلك في كتابه: الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، فرغ من تصنيفه سنة 1056 ه. و قال شيخنا الطهراني: إنه أول مصنفاته. إلا ان صاحب رياض العلماء - عبد اللّه أفندي - ذهب الى انه قد سبق الحر العاملي في هذا الفن، و صرح الشيخ آقا بزرك في الذريعة 271:5 برقم 1279 ان الذي سبقه هو السيد خلف الحويزي المتوفى سنة 1074 ه في كتابه البلاغ المبين، و هو:

كتاب البلاغ المبين في الأحاديث القدسية للسيد خلف بن عبد المطلب بن حيدر المشعشعي الحويزي المتوفى سنة 1074 ه كما جاء في الذريعة 141/3. و يصعب إثبات دعوى شيخنا الطهراني. و قد قام السيد مفتي مير محمد عباس التستري الكهنوري المتوفى سنة 1306 ه بتكميل كتاب الحر العاملي بكتاب سماه: ترصيع الجواهر السنية في الاحاديث القدسية - انظر الذريعة: 169/4 برقم 832 -.

و هناك مجموعة من الأحاديث القدسية منتخبة من التوراة نقلها أمير المؤمنين عليه السّلام من العبرانية الى العربية برواية عبد اللّه بن عباس عنه عليه السّلام، و طبعت مع الترجمة الفارسية مكررا، و يقال لها: الصحائف الأربعون.

ص: 48

لاحظ: جامع المقال: 2، أصول الحديث: 3-11، الرواشح السماوية: 8 - 204، القوانين: 409، هدية المحصلين: 33، شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور: 51 و غيرها مما مرّ من المصادر.

و حكى في قواعد التحديث: 9-64 كلاما مفصلا عن ابن حجر في شرح الأربعين النووية و عن غيره بما لا طائل فيه.

فائدتان:

25 الاولى: قيل لرواية الحديث القدسي صيغتان:

إحداهما: أن يقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما يروي عن ربه، و هذه عبارة السلف.

و ثانيهما: أن يقال: قال اللّه تعالى فيما رواه عنه رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و المعنى واحد.

26 الثانية: حيث كانت حكاية الحديث القدسي عن لسان المعصوم عليه السّلام داخلة في قوله عليه السّلام، فعليه يندرج في السنة و الحديث،

و لا يلزم منه تخميس الادلة، و خروج الحديث القدسي عن الكتاب و السنة - كما هو ظاهر -، غير قادح في التربيع بعد انحصار طريقه في حكاية المعصوم عليه السّلام له المدرج له في السنة، فحكاية هذا الحديث عن حكاية المعصوم عليه السّلام داخل في الحديث كحكاية قوله و فعله و تقريره.

و عليه لا يتم ما ذهب اليه الميرزا القمي في قوانين الاصول: 409 - بعد تعريفه للحديث -: و الظاهر ان حكاية الحديث القدسي داخلة في السنة، و حكاية هذه الحكاية عنه صلوات اللّه عليه داخلة في الحديث، و اما نفس الحديث القدسي فهو خارج عن السنة و الحديث و القرآن.

ص: 49

مستدرك رقم: (16) الجزء الأول: 78 التقيّة:

اشارة

بكلمة جامعة هي: مجاملة الناس بما يعرفون و ترك ما ينكرون حذرا من غوائلهم، على حد تعبير سيد الاوصياء سلام اللّه عليه، كما في المستدرك: 512/1 باب 16 ما تجب فيه الزكاة حديث 2، و نظيره عن صادق اهل البيت عليه السّلام في المستدرك: 378/2 حديث 4، 8.

و التقية: امر فطري قبل ان يكون شرعيا، عقلي قبل ان يكون نقليا، و ما ورد في الشرع كتابا - كقوله عز اسمه: إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً آل عمران:

28، و قصة عمار إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ النحل: 106، و مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه و غيرها. و كذا ما جاء عن طريق السنة كما في الكافي: 217/2، باب التقية من كتاب الإيمان، و الوسائل: 465/11 باب 24 و: 5/18 باب 1 حديث 7 و غيرها -، انما هو حكم إرشادي لا تعبدي، كما خاله بعضهم.

و فتاوى أهل البيت سلام اللّه عليهم أجمعين مشحونة بالتقية، قولا و فعلا، و أمروا اصحابهم و مواليهم بذلك خوفا من سلطات الجور آنذاك، بل و قد ندر منهم عليهم السّلام بيان الاحكام الواقعية - كما هي - الا عند الأمن منهم، و من هنا قال صاحب الحدائق: 5/1: فلم يعلم من احكام الدين على اليقين الا القليل لامتزاج أخباره بأخبار التقية، كما اعترف بذلك ثقة الاسلام..

و الاخبار المستفيضة بل المتواترة معنى قائمة على ان: التقية من ديني و دين

ص: 50

آبائي، و لا إيمان لمن لا تقية له، على حد تعبير باقر العلوم عليه السّلام وسائل الشيعة: 11 باب الأمر بالمعروف و ج 1 باب 32 من الوضوء، و كذا باب (38) و (58) من كتاب الصوم، ما يمسك عنه الصائم... - بل تعد من ضروريات المذهب، و هي من أعظم أسباب اختلاف الأحاديث دلالة، و فهم الاخبار فقاهة، و قد قسّمت بانقسام الأحكام الخمسة - كما صرح بذلك الشهيد الأول في القواعد و الفوائد: 157/2-158 و غيره -.

و قد وقعت التقية موردا للبحث و التحقيق حكما و موضوعا، و موردا و استعمالا، وسعة و ضيقا، و ما يترتب عليها من الآثار في الموسوعات الفقهية، و عدة من القواعد الفقهية كما تعرض لها مسهبا السيد البجنوردي في قواعده الفقهية:

40/5-69.

و على هذا سارت الشيعة قديما و حديثا لما دعتهم الحاجة اليها لوقاية النفس و المال و العرض من الأذى، حيث لا حرج في الدين، و لا ضرر و لا ضرار في الاسلام، و رفع القلم عن.. ما اضطروا إليه، و.. إلى غير ذلك.

هذه هي التقية، فلم يطعن إذا على الشيعة بها!؟ مع إقرار العقل و سيرة العقلاء عليها، و إمضاء الشرع لها، بل سيرة المسلمين عليها كما صرح الالوسي في تفسيره روح المعاني: 107/3، و غيره في غيره.

27 فائدة: الفرق بين التقية و المداهنة

- حيث هي محرمة بقوله تعالى وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ القلم: 9 - ان الأخيرة هي تعظيم غير المستحق لاجتلاب نفعه أو لتحصيل صداقته كمن يثني على ظالم بسبب ظلمه، و يصوره بصورة العدل، أو مبتدع على بدعته و يصوره بصورة الحق. و التقية: مجاملة الناس بما يعرفون و ترك ما ينكرون حذرا من غوائلهم كما مرّت.

ص: 51

مستدرك رقم: (17) الجزء الاول: 79 28 فائدة: في حصر الأخبار.

لا شك في إمكان حصر الاخبار مطلقا سواء أ كانت متواترة أم آحادا، صحيحة ام لا، الا انه لم يقع ذلك، و كل المحاولات و المجاميع الحديثية كانت ناقصة و غير مستوفية، و عليه فلا يمكن تحديدها بعدد معين محدود لإمكان وجود أخبار أخر في مطاوي الموسوعات الحديثية أو الكتب الفقهية أو التفاسير أو التاريخ أو غير ذلك لم تصل لها يد الباحث. قال الشهيد في البداية: 16 [تحقيق البقّال: 73:1]: و حصر أحاديث أصحابنا أبعد، لكثرة من روى عن الأئمة عليهم السّلام منهم. و هذا حق.

و المحاولات من قبل بعض علماء العامة لحصر الأحاديث - بعد ان بالغوا في تتبعها - كلها لم تكن ناجعة. اما ما نسب الى أحمد بن حنبل - كما قاله السيوطي في التدريب و غيره - من انه: صح من الأحاديث سبعمائة ألف و كسر، فهو رجم بالغيب و تخمين لو كان ما وصل اليه ذلك، مع تسليم الحكم و الموضوع.

و من هنا قال في البداية - بعد عدّه للكتب الاربعة الحديثية: 74:1 -:

و كيف كان؛ فأخبارنا ليست بمنحصرة فيها، الا ان ما خرج عنها صار الآن غير مضبوط، و لا يكلف الفقيه بالبحث عنه.

***

ص: 52

مستدرك رقم: (18) الجزء الاول: 82 انحصار الخبر في الصدق و الكذب:

لا شك ان الخبر - على اي المعاني فرض - منحصر في الصدق و الكذب، كما نص عليه الاعلام، و عدّ الصحيح من الاقوال، على وجه منع الخلو و الجمع، لان له نسبة في اللفظ و الواقع، فان تطابقا فصادق و الا فكاذب، سواء أوافق اعتقاد المخبر أم لا، و سواء أقصد به الخبر أم لا. و ذهب الجاحظ و تبعه شرذمة الى القول بوجود الواسطة بينهما، و اشترط في الصدق - بالاضافة الى مطابقته للواقع - اعتقاد المخبر في المطابقة و عكسه في كذبه، و ما خرج عنهما ليس منهما، كما نص عليه التفتازاني في مطوله و مختصره: 18 و غيره في غيرهما، و ذهب الحسن بن محمد القمي النيسابوري المعروف بالنظام ان صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر مطلقا و كذبه عدمه كذلك، كما و ان السيد المرتضى علم الهدى (رحمه اللّه) ذهب الى ان الخبر لا يتحقق الا مع قصد المخبر و ارادته.. و لهم مباني و عليها براهين راجع المفصلات، و قد اجملها الشهيد الثاني في درايته: 8 [تحقيق البقّال: 54:1 - 85]. الذريعة للسيد المرتضى: 478/2-480.

***

ص: 53

مستدرك رقم: (19) الجزء الأول: 87 قسمة الخبر عند الأسترآبادي:

عدّ جمع من علماء الدراية من الخاصة - كالاسترابادي في لب اللباب:

13 - من النسخة الخطية عندنا - الخبر قسمين: متواتر و غير متواتر.

و جعل غير المتواتر على قسمين: متظافر و غير متظافر.

و عرّف المتظافر بما كان عبارة عن خبر يفيد بنفسه العلم العادي أو العقلي مع إسقاط الواسطة في ذي الواسطة كخبر حاتم و رستم.

و جعل غير المتظافر على قسمين: خبر واحد محفوف بالقرائن القطعية، و غير المحفوف بها.

و غير المحفوف على قسمين: مسند و مرسل بالمعنى العام..

و هو تقسيم جيد في الجملة، و خروج عن المصطلح في الخبر الواحد كما لا يخفى.

***

ص: 54

مستدرك رقم: (20) الجزء الاول: 87 تقسيم الخبر عند العامة و نسبة المتواتر و المتسامع و المتظافر

قد قسم جل العامة الخبر الى ثلاثة اقسام، ثالثها المشهور، و عرّفوه - كما سيأتي - بما رواه عن الصحابة عدد لا يبلغ حد التواتر، ثم تواتر بعد الصحابة و من بعدهم. فعن ابن حجر انه قال: المشهور: ما له طرق محصورة باكثر من اثنين و لم يبلغ حد التواتر. شرح نخبة الفكر: 4.

و قد عدّ الحنفية المشهور من قسم المتواتر، و خالفهم غيرهم و عدّه من الآحاد.

و العجب من السيوطي في تدريبه: 176/2: حيث عدّ المتواتر من المشهور، و عرّفه بانه: من يحصل العلم بصدقهم ضرورة بان يكونوا جمعا لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من أوله الى آخره.. ثم قال: و لذلك يجب العمل به من غير بحث عن رجاله، و لا يعتبر فيه عدد معين في الأصح.

ص: 55

صحة الحديث و ضعفه ليعمل به أو يترك من حيث صفة الاسناد و صيغ الاداء، كما قاله غير واحد، كابن حجر في شرح النخبة: 4، و حكاه عنه صبحي الصالح في علوم الحديث: 150-151، و قاله الدربندي - أيضا - في درايته: 2 - خطي - و غيرهم.

قال الدكتور صبحي الصالح: و المتواتر لا يبحث عن رجاله، بل يجب العمل به من غير بحث.

و على كل، فان المتواتر يعد - بحق - من أعلى مراتب النقل بالاتفاق.

***

ص: 56

مستدرك رقم: (21) الجزء الاول: 87 مصادر البحث عن المتواتر:

للتوسع في بحث المتواتر و ملاحظة نظر العامة و الخاصة نذكر جملة من المصادر:

فمن الخاصة: بداية الشهيد: 12 [تحقيق البقّال: 62/1]، وصول الاخيار:

76 [التراث: 92-93]، نهاية الدراية: 12، الوجيزة: 4، لب اللباب: 13 - خطي - معين النبيه: 7 - خطي -، أصول الفقه المقارن: 194، دراية المولى الدربندي:

2 - خطي -.. و غيرها.

و من العامة: الاحكام لابن حزم: 93، جامع الأصول: 8/1-65، فتاوي ابن تيمية: 16/18، المستصفى: 132/1-145، الاحكام للآمدي: 72/1-258 و 20/2، تدريب الراوي: 371/1، الكفاية في علم الرواية: 50، المنهل الروي: 3، رسوم التحديث: 3، قواعد التحديث: 146، أصول الحديث: 301، علوم الحديث:

150، الفية العراقي و شرحها للسخاوي: 35/3 و ما بعدها، التعريفات: 86، مقدمة ابن الصلاح: 4-392 و غيرها.

هذه جملة من المصادر الدرائية، و الا فالموسوعات الاصولية من الطائفتين استوعبت البحث عن الموضوع، و لا غرض لنا بها.

ثم انه قد جمع الحديث المتواتر في مصنفات خاصة، كما فعل السيوطي في كتابه: الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، و السيد محمد بن جعفر الكتاني في كتابه: نظم المتناثر في الحديث المتواتر... و غيرهما.

ص: 57

مستدرك رقم: (22) الجزء الاول: 123 التواتر اللفظي بين السلب و الايجاب:

اختلف العلماء في تحقق المتواتر اللفظي و عدمه عندنا و عند العامة بين مفرّط و مفرط، بعد الاتفاق على التواتر المعنوي - اذ هو اكثر من ان يحصى -.

فقد نفاه ابن حبان و تبعه جمع، و عن غاية المأمول - بعد تعريف المتواتر -:

و هذا لا يكاد يعرفه المحدثون من الاحاديث لقلته. و قال ابن الصلاح في مقدمته:

369:1 [عائشة: 393]، و حكاه السيوطي في التدريب: 190/1، و المصنف أيضا:

من سئل عن ابراز مثال لذلك فيما يروى من الحديث أعياه طلبه!

و قد ذهب ابن حجر - من المتأخرين - في شرح نخبة الفكر و في نكت علوم الحديث و في فتح الباري الى وجود المتواتر بكثرة. قال في الأول: 4: إن من احسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة من الأحاديث في الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا و غربا، المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها، إذا اجتمعت على إخراج حديث، و تعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.. الى آخر الشروط في إفادة العلم اليقيني بصحته و نسبته إلى قائله.

أقول: قد خلط بين المتواتر و المشهور، و ان كثرة النقل شيء و وجود التواتر في جميع الطبقات شيء آخر. و نقل هذا الكلام السيوطي في تدريبه: 2:

176، و تابعه هو و النووي في تقريبه.

و قد فصل أيضا السخاوي في فتح المغيث: 36/3 و ما بعدها تبعا للعراقي

ص: 58

في الألفية، و كذا القاسمي في قواعد التحديث: 172.

كما و قد فصل البحث فيه السيوطي في تدريب الراوي: 190/1 أيضا بما لا مزيد عليه، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 369/1 و غيرهم، بل ألف السيوطي كتابا سماه: الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة، و كذا لهم كتاب الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة كما سبق.

و نظير كلامه منا ما ذهب اليه السيد الصدر في نهاية الدراية: 13 حيث قال: الحق ان التواتر اللفظي في أخبارنا غير عزيز، لتدوين الأصول الأربعمائة و غيرها في أيامهم عليهم السّلام.

و كأنه يريد إثبات التواتر اللفظي في كثير من الفروع فضلا عن الأصول، ثم قال: ثم الكتب المتواترة [كذا] الى اربابها، و لذا قال السيد المرتضى في التبانيات: إن أخبارنا أكثرها متواترة. و فيه ما لا يخفى.

قال في توضيح المقال: 56: و اما اختصاصه باللفظ فقط فلم نقف عليه، و ان أمكن، حيث كان اللفظ مجملا و لو بعارض من اشتراك لفظي مع فقد قرينة معينة لبعض المعاني و نحو ذلك، فان المعنى حيث جهل لم يصدق التواتر على نقله.

و قال في معين النبيه: 7 - خطي -: و هو غير موجود في زماننا حتى قيل بعدم وجوده مطلقا، نعم يمكن ادعاء ثبوت المتواتر معنى، فالمدعي ان العمل لا يصح الا به مطرح للاخبار برمتها، و ساد لباب الاحكام الثابتة عن ايمنها.

و قال الشيخ حسين العاملي في وصول الاخيار: 76:.. و هذا لا يكاد يعرفه المحدثون في الأحاديث لقلته، و نظيره في جامع المقال: 3.

و للشيخ المحدث الحر العاملي - المتوفى سنة 1104 ه صاحب وسائل الشيعة - كتاب تواتر القرآن، نقض فيه كلام بعض معاصريه في كتاب تفسيره من انكاره المتواتر - الذريعة: 473/4 برقم 2098 -.

ص: 59

و الحق مع المرحوم الجد قدس سره من التفصيل بين الفروع و الاصول، و بين اللفظي و المعنوي، و انه لو اشترطنا المطابقة اللفظية فيه من كل وجه لصعب وجوده في غير القرآن الكريم. نعم، يمكن ادعاء وجوده في المجاميع الحديثية، اذ لم يؤخذ في المتواتر ملاحظة السند و رجاله، فحق له ان يتواتر لفظه لو كان من الطريقين اذ يتحد لفظهما و هذا بيّن لمن سبرهما، فتدبر.

نعم قد ندر الخبر المتواتر بحدوده المحدودة عندنا و عندهم و منّا و منهم: طبعا في الفروع الفرعية لا اصول الفروع.

و لذا قال الشهيد الثاني رحمه اللّه: لم يتحقق الى الآن خبر خاص بلغ حد التواتر الا حديث: من كذب علي متعمدا.

و اما احاديث الاصول فان اخبارنا فيها كثيرا ما تكون متواترة من طريق العامة فضلا عنّا كما في حديث الغدير و الدار و المنزلة و المباهلة و.. غيرها.

***

ص: 60

مستدرك رقم: (23) الجزء الاول: 123 29 فائدة: ان الشيخ الطوسي رحمه اللّه نقل اجماع الامامية على العمل بجميع الاخبار التي رووها من تصانيفهم و دونوها في اصولهم لا يتناكرون ذلك و لا يتدافعون - على حد تعبير الشيخ الطوسي في العدّة:

51 [324/1] - و لا يخفى ما فيه، و صرح الشيخ الحر في وسائل الشيعة: 36/20، الفائدة الرابعة، و الفائدة السابعة: 79/20 بان الشيخ و غيره نقلوا الاجماع على العمل بالروايات الموجودة في الكتب المعتمدة.

اقول:

لم يلتزم فقهاؤنا بهذا، و على هذا خالفوا الاخباريين من دعواهم احتفاف جميع احاديث الكتب الاربعة بل الموثوق بها بقرائن مفيدة للعلم بصدورها، و لم يعملوا عند فقد النصوص بفتاوى علي بن بابويه في رسالته الشرائع مثلا مع ان الشهيد في الذكرى و الشيخ حسن ولد الشيخ الطوسي و غيرهما نقلا عمل قدماء الفقهاء بتلك الفتاوى عند اعواز النصوص تنزيلا لفتاواه منزلة رواياته، بل قال الشيخ الانصاري في رسائله فرائد الاصول 311 - حجرية: و من هذا القبيل ما حكاه غير واحد من أن القدماء كانوا يعملون برسالة الشيخ ابي الحسن علي بن بابويه عند اعواز النصوص.

و قد حكاه في قواعد الحديث: 64 و غيره. نعم غاية ما هناك لعلها تسبب الوثوق الشخصي الذي هو حجة فردية.

***

ص: 61

مستدرك رقم: (24) الجزء الاول: 123 ان حديث «من كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار»

يعد الفرد الوحيد أو المثال النادر للحديث المتواتر لفظا، اعترف بذلك حتى من أنكر وجود مثال له.

فقد روى في صحيح البخاري: 22/1، و صحيح مسلم: 10/1، و فتح الباري: 210/1، و اصول الحديث: 20، و ارشاد الساري: 8/1.. و غيرها، و عقد له ابن الجوزي في الموضوعات: 53/1-94 فصلا و رواه عن واحد و ستين صحابيا بطرقه:

و جاء في كتب الخاصة كما في: اصول الكافي - باب اختلاف الحديث -:

62/1 حديث: 1، من لا يحضره الفقيه - باب معرفة الكبائر التي وعد اللّه عز و جل عليها النار -: 372/3 حديث: 12، و رواه أيضا في: 190/2، و باب النوادر:

264/4 حديث 4، و الاحتجاج للطبرسي: 393/1، و المحاسن: 118، و وسائل الشيعة: 576/8، حديث. 5، و بالفاظ مختلفة كما جاء في هامش البداية: 68/1.

بل قال الشهيد في درايته: 14-15 [تحقيق البقّال: 9/1-66] اخذا من مقدمة ابن الصلاح: 394/1 [بنت الشاطي 393] انه رواه عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) اثنان و ستون صحابيا. ثم قال ابن الصلاح: و لم يزل عدد رواته في ازدياد و هلم جرا على التوالي و الاستمرار.

و قال قبل ذلك: و لا يعرف حديث يروى عن اكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) الا هذا الحديث الواحد!!.

ص: 62

اقول: لعن اللّه التعصب و العناد و الميل عن جادة الرشاد، فأين حديث الغدير الذي رواه اكثر من مائة و عشرة من الصحابة؟ أم أين حديث الدار و المنزلة و الطير و باب مدينة العلم و غيرها؟

و في التدريب: 177/2، و فتح المغيث: 39/3، رواه أكثر من مائة نفس، و عدوا منهم جماعة، بل في شرح مسلم للنووي و كذا في الحاشية الخطية للطريحي على مجمع البحرين مادة: سنن: انه جاء عن نحو مائتين من الصحابة. و حكاه في حاشية المقدمة: 394 عن ابن جماعة، و ذكر في شرح التقريب - التدريب: 9/2 - 178 - ذلك مفصلا، و ناقش ابن حجر، و قد تعقب ابن الصلاح العراقي في النكت: 230 كلامه الاخير، و ذهب الى انه منقوض بحديث المسح على الخفين، حيث ذكر ابو القاسم بن مندة في كتاب المستخرج عدّة من رواه من الصحابة فزادوا على الستين!.

أقول: قد تأول هذا الحديث «من كذب عليّ...» قوم من الكذابين بأربعة تأويلات، ذكر واحدا منها شيخنا المصنف رحمه اللّه، و قد وضعوا لكل واحد منها احاديث ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات: 94/1.

التأويل الاول: انهم قالوا: الكذب عليه ان يقال ساحر أو مجنون.. و رووا في ذلك حديثا.

التأويل الثاني: قالوا المراد به: من كذب عليّ بقصد سبي و عيب ديني..

و احتجوا لذلك بحديث.

التأويل الثالث: انهم قالوا: اذا كان الكذب لا يوجب ضلالا جاز.

التأويل الرابع: ان بعض المخذولين من الواضعين لعنهم اللّه، ذهبوا الى ان هذا الوعيد لمن كذب عليه، و نحن نكذب له و نقوي شرعه و لا نقول ما يخالف الحق! فاذا جئنا بما يوافق الحق فكأنّ الرسول عليه السّلام قاله!. و قد ذكره المصنف رحمه اللّه.

ص: 63

مستدرك رقم: (25) الجزء الاول: 124 فوائد حول المتواتر:

30 الاولى: قال في الوجيزة: 6 فصل: الصدق في المتواترات مقطوع و المنازع مكابر، و في الآحاد الصحاح مظنون،

و قد عمل بها المتأخرون، و ردّها المرتضى و ابن زهرة و ابن البراج و ابن ادريس و اكثر قدمائنا رضوان اللّه عليهم، و مضمار البحث في الجانبين وسيع، و لعل كلام المتأخرين عند التأمل أقرب.

31 الثانية: وقع بين القوم بحث هل أن وجوب العمل بالمتواتر لذاته أم لكونه لازما لما له من حجية ذاتية - و هو العلم -؟

و لا ثمرة عملية في البحث بعد المفروغية عن الحجية.

32 الثالثة: ذهب جمع الى أن جاحد الخبر المتواتر كافر، و ادعى الاتفاق عليه -

كما في التعريفات: 86 - و عليه ينزل قولهم انه بمنزلة منكر الضرورة من الدين.

و جاحد الخبر المشهور مختلف فيه، و المشهور هو ذلك.

اما جاحد الخبر الواحد فلا يكفّر بالاتفاق.

33 الرابعة: قال الشيخ البهائي في درايته: 6-7:

و الشيخ على ان غير المتواتر ان اعتضد بقرينة ألحق بالمتواتر في ايجاب العلم و وجوب العمل، و إلا فيسميه خبر

ص: 64

آحاد، و يجيز العمل به تارة و يمنعه اخرى - على تفصيل ذكره في الاستبصار و طبقه في التهذيب في بعض الاحاديث بانها أخبار آحاد مبني على ذلك - فتشنيع بعض المتأخرين عليه بأن جميع أحاديث التهذيب آحاد لا وجه له.

34 الخامسة: الحق ان الجمهور جلهم لتشييد موضوعاتهم و اسناد خزعبلاتهم و الاشادة ببدعهم و تصحيح انحرافاتهم و زيغهم

ابتداءا من الصدر الاول و تصعيدا في زمن الطغمة الفاسدة الاموية و الى يومك هذا صيروا كثيرا من رواياتهم من المتواتر الذيل و ان عقمت صدرا و صدورا و مصدرا، تعظيما لمشايخهم، و تبجيلا باصحابهم، و اسنادا لمراسيلهم، بل تجد كثيرا مما ادعوا فيه التواتر صحاحهم منه خلاء، و مسانيدهم فارغة عنه.

و هم اينما أعجزتهم الحيلة و أعياهم السبيل و لا مفر جرّوا الاجماع و توسلوا بالتواتر، و لذا لا بد من الحيطة في دعاواهم، و الحذر كل الحذر من ذلك..

35 السادسة: قال ابن الصلاح في المقدمة: 392، و من المشهور: المتواتر الذي يذكره أهل الفقه و أصوله، و أهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص

المشعر بمعناه الخاص، فان كان الحافظ الخطيب قد ذكره ففي كلامه ما يشعر بانه اتبع فيه غير أهل الحديث، و لعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم، و لا يكاد يوجد في رواياتهم، فانه عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة.. الى آخر ما ذكره.

36 السابعة: إن من منع العمل بالخبر الواحد مطلقا كالسيد المرتضى و ابني حمزة و براج و غيرهم تنتفي عنده فائدة البحث عن الحديث غير المتواتر مطلقا،

كما صرح بذلك السيد المرتضى علم الهدى في الذريعة: 5/2-554 قال قدس سره:

ص: 65

اعلم انا إذا كنا قد دللنا على ان خبر الواحد غير مقبول في الأحكام الشرعية، فلا وجه لكلامنا في فروع هذا الأصل الذي دللنا على بطلانه، لأن الفرع تابع لأصله، فلا حاجة بنا الى الكلام على المراسيل مقبولة أو مردودة، و لا على وجه ترجيح بعض الأخبار على بعض، و فيما يرد له الخبر أو لا يرد في تعارض الأخبار..

أقول: هو رحمه اللّه و من لفّ حوله على حق في الجملة في ما ذهبوا إليه في المتواتر بناء، و لكنّه قائل بصحة الأخذ بالأخبار المحفوفة بالقرائن القطعية، و لا شك في كونها بمعنى آحادية، و ايضا فما قوله في غير الأحكام الشرعية الفرعية؟ فيلزم على هذا البحث عن القرائن، و كيفية تجميعها، و مدى حجيتها، و ما شاكل ذلك، و حكم تعارضها أو تعادلها و نحوه. فتدبّر.

37 الثامنة: ذهب بعض العامة كالآمدي في الأحكام، و ابن الأثير في جامع الأصول و غيرهما إلى القول بان الشيعة تشترط دخول المعصوم (عليه السّلام) في صدق المتواتر،

و لذا قال الشيخ البهائي في زبدة الأصول: 66: و قول المخالفين باشتراطنا دخول المعصوم افتراء.

اقول: لعلهم خلطوا بين المتواتر و الاجماع التعبدي عندنا، فلاحظ.

***

ص: 66

مستدرك رقم: (26) الجزء الاول: 125 حجية الخبر الواحد:

اختلفوا في حجية الخبر الواحد و صحة العمل به على أقوال، تجدها مفصلة في الأصول، نذكر المشهور منها تتميما للفائدة:

منها: جواز العمل به في الجملة، و عليه أكثر المتأخرين، بل ادعي عليه الاجماع من جمع على رأسهم الشيخ الطوسي في العدّة، لذا قال الشهيد في الدراية 90/1: ان من عمل بخبر الواحد لم يعمل به مطلقا، بل منهم من خصه بالصحيح، و منهم من أضاف الحسن، و منهم من أضاف الموثّق، و منهم من أضاف الضعيف على بعض الوجوه. و هذا الاختلاف يرجع الى الاختلاف في الاداء أو في الشروط سواء في الراوي أو الرواية.

و منها: ما نسب الى الشيخ الطوسي قدس سره - أيضا - في حجية خبر كل مسلم لم يظهر منه فسق، و ان لم يوثّق أو يمدح، و لا يلزم التثبت في خبره، لأن الأصل الصحة في فعل المسلم. نعم صرف ظهور الفسق مانع من الأخذ به، و لم نجد تصريحا بذلك من الشيخ و ان اشتهر ذلك عنه في الكتب الفقهية في بحث العدالة كما في المكاسب للشيخ الانصاري و غيره، و لعل وجهه ما ذكره ثاني الشهيدين من أن الشيخ كثيرا ما يقبل خبر غير العدل و لا يبين السبب، و هذا أمر آخر لعله كان من جهة قرينة وجدت عند الشيخ لم تصل لنا. و حكى في الفصول عن جماعة من المتقدمين من ان العدالة المصححة للأخذ بالخبر عبارة عن عدم ظهور الفسق، بل حكي عن الخلاف دعوى الاجماع عليه.

ص: 67

و منها: ما نسب الى أئمة الحديث و الأصول الفقهية من اشتراط عدالة الراوي على أقوال سبعة في تحديد معنى العدالة، كما فصلها سيدنا الاستاذ السيد الروحاني دام ظله في بحث العدالة، و جاء في تقريراتنا لبحثه.

و منها: ما نسب الى الأكثر من اشتراط الإيمان و العدالة معا.

و منها: عدم الاكتفاء بهما وحدهما، بل لا بد من إحراز أمور أخرى في ثبوتها.

و منها: مذهب طائفة من الاخباريين من وجوب العمل بجميع اخبار الكتب الاربعة، بل بجميع الكتب الموثوق بها حتى ادعي الاجماع عليه أيضا! و قد ناقشها بما لا مزيد عليه سيد اساتذتنا الخوئي دام ظله في مقدمة معجم رجال الحديث: 87/1-97.

و منها: القول الثالث مع عدم احتياج مشايخ الاجازة الى التوثيق، و سيأتي الكلام فيه في ألفاظ المدح.

و منها: الاكتفاء بالظن في باب التوثيق لانسداد باب العلم بعدالة الراوي.. الى غير ذلك من الأقوال التي سنأتي على بعضها في بحث المرسل.

و قد قلنا انه لا يعنينا البحث عن حجية الخبر الواحد و عدمه، لكونه بحثا أصوليا و ان أدرجه بعض علماء الدراية هنا - كما في نهاية الدراية: 93 من الخاصة، و القاسمي في قواعد التحديث: 147-150، و كذا الخطيب في الكفاية: 66-72 من العامة - حيث ذكروا أدلة صحة العمل بالخبر الواحد.

هذا مع اتفاق المتأخرين على الحجية و المفروغية عن البحث فيها عندهم.

***

ص: 68

مستدرك رقم: (27) الجزء الاول: 133 فوائد (حول المستفيض):

38 الأولى: قال الشهيد الأول في القواعد و الفوائد: 222/1: اذا اعتبرنا في الاستفاضة العلم جاز للحاكم أن يحكم بعلمه المستفاد منها،

و إلا ففيه نظر، و قد نصوا على ان الحاكم يحكم بعلمه في التعديل و الجرح مع انه من الاستفاضة.

و قد يفرق بان التعديل كالرواية العامة لجميع الناس، لان نصبه عدلا يعم كل مشهود عليه، فهو كالرواية التي لا يشترط في قبولها العلم، بخلاف باقي الأحكام الثابتة بالاستفاضة فانها أحكام على أشخاص بعينهم، فاعتبر فيها العلم القطعي.

39 الثانية: إذا كان للحديث الواحد طرق متعددة و أسانيد متنوعة،

فسنة أهل الحديث انهم لا يهتمون بتصحيح السند و التعمق في حال رجاله، و يلحقون مثل هذا بالمتواترات أو المستفيض.

40 الثالثة: قال في وصول الأخيار: 98-99، بعد تقسيمه القسمة الرباعية:

تنبيه: قد يروى الحديث من طريقين حسنين أو موثّقين أو ضعيفين أو بالتفريق، أو يروى بأكثر من طريقين كذلك فيكون مستفيضا.

و كيف كان الاشبه انه أقوى مما روى بطريق واحد من ذلك الصنف.

ثم قال: و هل يعدل في القوة ما فوقه من الدرجة؟ لم أقف لأصحابنا في

ص: 69

هذا على كلام، و بعض العامة حكم بانه لا يبلغ، و بعضهم حكم ببلوغه.

و الذي أقوله: إن هذا الأمر يختلف جدا بحسب تفاوت الرواة في المدح، و بحسب كثرة الطرق و قلتها، و بحسب المتن من حيث موافقته لعمومات الكتاب أو السنة أو عمل العلماء أو نحو ذلك. و قد يساوي الحسن - اذا تكثرت طرقه - الصحيح، أو يزيد عنه إذا كان ذا مرجحات أخر، لأن مدار ذلك على غلبة الظن بصدق مضمونه التي هي مناط العمل، و ان كان لا يسمى في العرف:

صحيحا.

41 الرابعة: قال الدربندي في درايته: 2 - خطي -:

و قد يفرق بينهما - اي المستفيض و المشهور - بان المستفيض ما يكون في ابتدائه و انتهائه سواء في عدد الرواة، و المشهور أعم من ذلك.

و قيل: يطلق المشهور على ما حرر هنا و على ما اشتهر في الألسنة سواء أ كان له إسناد واحد أم لم يكن له إسناد أصلا.

***

ص: 70

مستدرك رقم: (28) الجزء الاول: 134 العزيز المشهور:

و هو من الصور النادرة في المصطلح فيما لو جمع الحديث بين وصف عزّة الوجود و الشهرة، فلو كان عزيز الوجود برواية اثنين في بعض طبقاته، و مشهور في التي قبلها أو بعدها بروايته عن الأكثر كذا قيل، و ذكره السيوطي في تدريبه:

184/2 ممثلا له و لم يعرّفه.

و أول من ذكره - مما نعلم - هو الحاكم في اختصار علوم الحديث: 187، و حاصل ما أفاده ان هذا العزيز لو رواه عنه جماعة سمي: مشهورا، و لو رواه عنه جماعة و كان في ابتدائه و انتهائه سواء سمي: مستفيضا.

أقول: لو سلمنا ما ذكر فهو مسامحة بيّنة في حد كل من المشهور و العزيز، فتدبّر.

هذا و لا يخفى ان اثنينية المروي عنه فما زاد شرط في العزيز، و به يمتاز عن الغريب.

***

ص: 71

مستدرك رقم: (29) الجزء الاول: 136 فوائد (حول الحديث العزيز و الغريب):

42 الأولى: ان قسمي الغريب و العزيز يعدّان غالبا من الأقسام المشتركة بين الصحيح و الحسن و الضعيف عند الأكثر عملا،

و نص عليه غير واحد - كالقاسمي في قواعد التحديث: 125 و غيره -، و لا وجه لذكر المصنف لهما هناك إلا ما ذكره من اعتبار عدد الرواة للخبر فيهما.

ثم ان العزيز - على هذا - و كذا الغريب قد يكونان صحيحين أو حسنين أو ضعيفين تبعا لأحوال رواتهما، و لا يشترط في العزيز ان يكون صحيحا - كما خاله الحاكم في علوم الحديث: 62 - اذ ليس كل صحيح عزيزا و لا عكس.

43 الثانية: قال الميرزا حسين النوري في نفس الرحمن في فضائل سلمان: 42 - بعد ان بحث في معنى الحديث الغريب -:

كل من يروى عنه لعدالته و ضبطه إذا تفرد عنه بالحديث رجل سمي غريبا سواء أ كان صحيحا أم لا، فإن رواه اثنان أو ثلاثة سمي عزيزا، و ان رواه جماعة سمي مشهورا.. إلى آخره.

و نظيره في دراية الشيخ حسين العاملي: 111.

44 الثالثة: عرّف والد الشيخ البهائي رحمه اللّه في وصول الاخيار: 111 - العزيز - بما حاصله:

انه ان رواه اثنان أو ثلاثة عن كل من يجمع الحديث و يروي عنه

ص: 72

لعدالته و ضبطه كالحسين بن سعيد و ابن ابي عمير فهو العزيز.

و ذهب الى هذا ابن مندة و ابن الصلاح و النووي كما حكاه عنهم السيد الصدر في نهاية الدراية: 30.

و عرفه الطريحي في الحاشية المخطوطة له على مجمع البحرين مادة (سنن) بقوله: و هو ما انفرد بروايته اثنان أو ثلاثة دون ساير الحفاظ المروي عنهم.

و توسع في تعريف العزيز بعضهم فقال: انه الذي يكون في طبقة من طبقاته راويان فقط - كما حكاه السخاوي في فتح المغيث: 31/3، عن بعض المتأخرين -.

45 الرابعة: إن العزّة لو كانت بالنسبة الى راو واحد يقيد به فيقال: عزيز من حديث فلان، و اما عند الإطلاق فينصرف لما كان أكثر طبقاته كذلك،

لأن وجود سند على وتيرة واحدة برواية اثنين عن اثنين نادر، بل مما قيل بعدم وجوده، و قيل غير ذلك - كما مرّ -.

46 الخامسة: لقد أضاف جمع من علماء الدراية - من الخاصة و العامة - إلى هذه الاقسام: المشهور

- كما في نهاية الدراية: 32، الفية العراقي و شرحها: 27/3 و غيرهما - و عدّ أعم من المستفيض عند بعض، و أخص منه عند آخر، كما اختاره المصنف رحمه اللّه في مطاوي كلماته في بحث المستفيض، و عرّف بما إذا زادت رواته على ثلاثة في كل الطبقات أو بعضها، و سنرجع إلى المشهور في الفصل الخامس - الذي عقده الشيخ الجد قدس سره في الألفاظ المشتركة - بإذن اللّه تعالى.

***

ص: 73

مستدرك رقم: (30) الجزء الاول: 137 تنويع الخبر الآحادي (الواحد):

اشارة

هناك مشارب متعددة و مذاهب متنوعة في تقسيم الخبر الواحد بالقسمة الأولية، و ذلك يختلف و يتخلف بحسب الدواعي التي هي مدار القسمة و التنويع، سواء لرعاية حال الرواة أو صفاتهم التي لها مدخلية في قبول الرواية و عدمها، فالصحة مثلا لو كان مناطها هو اجتماع وصفي العدالة و الضبط مثلا في جميع السلسلة مع الاتصال، فيلزم حينئذ مراعاة الأمور المنافية لذلك حين التقسيم..

و هكذا.

و من هنا جاءت القسمة الثنائية و الثلاثية و الرباعية و غيرها.

و على كل، فمن أقدم المشارب في التقسيم هو تقسيم الحديث إلى الصحيح و غيره و هي:

الأولى: القسمة الثنائية - و هي من أقدم ما قسّم له الحديث - حيث ان الحديث عند قدمائنا رضوان اللّه عليهم منحصر في قسمين، الصحيح و غيره، فما دل على نسبته الى المعصوم قرينة و قامت على وثوق العمل به بيّنة فهو الأول، و إلا فهو الثاني الضعيف.

قال في شعب المقال في أحوال الرجال: 14-15: الصحيح على اصطلاح القدماء يطلق على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترانه بما يوجب الوثوق به و الركون اليه.

و قال في معين النبيه: 5 - خطي -: و بالجملة ان عمل قدمائنا كان منحصرا

ص: 74

في الصحيح بذلك المعنى الذي قد بيناه، و على هذا جرت طريقتهم.

و قال في جامع المقال: 3 - بعد تقسيمه للخبر بالقسمة الرباعية -:.. و اما عند من تقدم من الأصحاب فليس إلا الصحيح، و هو ما اقترن بما يوجب الوثوق به و العمل بمضمونه و إن ضعف، و الضعيف و هو بخلافه و إن صح.. إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب المتفقة على نسبة هذه القسمة الى القدماء و كونها ثنائية.

و قد يعبر عن هذه القسمة بالمقبول و المردود.

و قد وقع الخلاف في ان الحسن من الحديث هل يعدّ في الضعيف الذي يعمل به، أو انه مدرج في أنواع الصحيح - كما هو المشهور عند قدماء المحدّثين، من العامة و الخاصة -.

و لقد تولدت من هذا الخلاف القسمة الثلاثية - الآتية - و ان حاول السيوطي في تدريبه: 62/1 إضافة الحسن فقال: و هو لا يخرج عن القسمة الثنائية السابقة. و فيه ما لا يخفى.

ثم ان غير واحد من علماء العامة كابن الصلاح في مقدمته و غيره قد أدرج الحسن في الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج قال في المقدمة: 115: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن و يجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به. بل نقل ابن تيمية إجماعهم إلا الترمذي خاصة عليه، كما في فتح المغيث: 16/1.

الثانية: القسمة الثلاثية إلى الصحيح و الحسن و الضعيف.

و أقدم من عرف بها أبو عيسى الترمذي (209-279 ه)، و أول من صرح بها الخطابي - على ما نعلم - و ان جاء في كلام المتقدمين ذكر للحسن، كما لا يخفى، و هي القسمة المشهورة الأولية عند العامة، و قد ذهب لها الأكثر منهم - كما صرح بذلك السيد الصدر في نهاية الدراية: 46، و السيوطي في تدريب الراوي:

ص: 75

62/1 -.

قال ابن الصلاح في المقدمة: 82: الحديث عند أهله ينقسم إلى: صحيح و حسن و ضعيف. و نظيره عند ابن الملقن في التذكرة في علوم الحديث: 13 و غيرهما.

و ذلك ان من الطبيعي جدا ان تتوفر في بعض الأحاديث أعلى شروط القبول و الصحة و يعرى بعضها عن ذلك كلا أو بعضا، فيعدّ الأول صحيحا و الآخر ضعيفا، و ما اختل بعض شروطه لقلة الضبط أو الحفظ أو الاتقان لا يسقط الحديث عن العمل و القبول مطلقا، و لا يدرجه في الضعيف البتة، و إنما يعد حسنا، فيعمل به عند الأكثر و يتلقى بالقبول.

أو قل: إن الحديث إما مقبول أو مردود - بالنظر إلى القسمة الثنائية مع تفصيل - لانه اما مشتمل على صفات القبول اعلاها أو لا، و الأول الصحيح و الآخر الحسن، و المردود لا حاجة الى تقسيمه لعدم الترجيح بين أفراده - على حد تعبير السيوطي في تدريبه تبعا للنووي في تقريبه: 62/1 - و اليه مال القاسمي في قواعد التحديث: 79.

الثالثة: القسمة الرباعية: بجعل رابعها الحديث الصالح - و سنأتي لذكره إن شاء اللّه - و لم أجد هذا الاصطلاح عند علمائنا، و عندنا بحذف القوي وعد الصحيح و الحسن و الموثق و الضعيف، و هو مختار جمع منا كالشيخ حسين العاملي في وصول الأخيار و الشهيد في الدراية و المصنف رحمهم اللّه، و سنأتي لذكرهم.

الرابعة: جعل القسمة الطبيعية الأولية خماسية، و هذا ما تعرّض له المصنف رحمه اللّه ضمنا. و قد أضيف لها القوي، و نظيره في نهاية الدراية:

7 و غيرهما. و لم أجدها عند العامة.

و عدّ الدربندي في المقابيس: 76 - خطي - الخبر المعتبر قسيما للصحيح و الموثق و الحسن و الضعيف، و سنذكر تعريفه فيما بعد.

ص: 76

اقول: انما قلنا القسمة الاولية مقابل ما تندرج تحتها من أقسام كثيرة أخرى تتفاوت صحة و ضعفا، بالنظر الى متون الاحاديث و أحوال الرواة و غير ذلك، و لذا كانت هذه أصول الأقسام و اليها يرجع الباقي من الأقسام.

47 فائدة: يعدّ كتاب حاوي الأقوال في معرفة الرجال للشيخ عبد النبي الجزائري،

أول كتاب رتب الرجال فيه على أربعة أقسام بحسب القسمة الأصلية للحديث:

الصحيح، و الموثق، و الحسن، و الضعيف، كما أفاده الشيخ الطهراني في مصفى المقال: 251 في ترجمته، و الكتب الرجالية التي كانت قبله اما غير مقسمة أو مقسمة لها على قسمين مثل خلاصة العلامة و رجال ابن داود. و في المتأخرين رتب شيخنا الشيخ محمد طه نجف رجاله الموسوم باتقان المقال على ثلاثة أقسام. اما كتاب ملخص المقال في تحقيق أحوال الرجال للشيخ ابراهيم بن الحسين الدنبلي الخوئي المستشهد في فتنة الاكراد في خوي سنة 1325 ه فقد رتب على أقسام الثقات و الحسان و الموثقين و الضعفاء و المجاهيل و من لم يبلغ رتبة الممدوحين و المذمومين. و لدينا منه نسخة خطية.

***

ص: 77

مستدرك رقم: (31) الجزء الاول: 137 تاريخ تنويع الخبر الواحد:

لا يهمنا كثيرا التعرض لتاريخ هذه المسألة لو لا تعرض المصنف رحمه اللّه لها و اختلافهم فيها.

و لعل مبدأ هذا الاصطلاح هو ابن طاوس (قدس سره) أستاذ هذا الفن، حيث جمع الأصول الرجالية في كتابه: حل الاشكال في معرفة الرجال، و قام بتنقيح الاصطلاح و تنويعه و تحديده، ذكر هذا غير واحد من أعلامنا كالجزائري في حاوي الأقوال: 4 - خطي - و غيره.

و جاء من بعده تلميذه العلامة الحلي و تبعه في الأخذ بهذا الاصطلاح و أضاف اليه و وسع.

قال في معين النبيه: 6 - خطي -:.. فبقيت هذه الطريقة السليمة مستمرة مستقيمة الى ان وصلت النوبة الى السيد جمال الدين أحمد بن موسى ابن طاوس صاحب البشرى، و قيل: العلامة الحلي على ما هو الأشهر عندهم، و قيل:

المحقق الحلي، و الأقرب ان يقال: إن الأول هو المخترع و المؤسس له، و المحقق هو المفرع عليه و المشيع له، و العلامة هو الذي أبرزه بالتصنيف و أقره بالتأليف، فمن هذا صح نسبة الاختراع الى كل واحد منهم.

أقول: هذا جمع رائع بين الأقوال، و به يتحقق الحال في كيفية سبر الأقوال، لم نر له من غيره سابقا له، و ان كان لم يرتضه اولا لمذاقه الاخباري.

و لعل هذا كان منشأ تردد جمع كالشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق

ص: 78

فيه: 14/1، في كون الاصطلاح لابن طاوس أو العلامة، و نقله عن جماعة من المتأخرين، و قال: بل متفق الأصوليين.

اقول: ان مجرد وصفه لفظة الصحيح لكل إمامي عدل، و الموثّق: للعدل غير الإمامي.. و غير ذلك لا يعد بدعة، كيف و ان القدماء و المتأخرين اتفقوا على تصنيف الخبر و تقسيمه بالنسبة الى رجال سنده و حجيته و عدمها، و لا كلام في ان كل ما أوجب من الخبر علما أو حفّ بقرينة موجبة للقطع بصدوره عن المعصوم عليه السّلام حجة عندهم و عندنا بلا كلام، بل و كذا جعل المشهور عمل القدماء بالخبر الضعيف جابرا و جعل بعضهم اعراضهم كاسرا، فالنزاع في الواقع صغروي مصداقي لفظي، فتدبّر.

و يشهد لما قلناه تدوين المجاميع الرجالية الام - كالبرقي و الكشي و النجاشي و الشيخ في كتبهم الرجالية - قد جرحوا و عدّلوا الكثير قبل وضع الاصطلاح بقرون متطاولة. بل ان الشيخ في كتابيه و الصدوق في الفقيه كثيرا ما يردّان احاديث بسبب رواتها كوهب بن وهب و اشباهه. و سنرجع للحديث عن أدلتهم وردها قريبا باذن اللّه.

***

ص: 79

مستدرك رقم: (32) الجزء الاول: 138 التنويع بين السلب و الايجاب:

قال صاحب المنتقى رحمه اللّه: 3/1 و 13 إن القدماء أوردوا في كتبهم ما اقتضى رأيهم إيراده من غير التفات الى التفرقة بين صحيح الطريق و ضعيفه، و لا تعرض للتمييز بين سليم الاسناد و سقيمه، اعتمادا منهم في الغالب على القرائن المقتضية لقبول ما دخل الضعف طريقه، و تعويلا على الامارات الملحقة المنحطة المرتبة بما فوقه، كما أشار اليه الشيخ رحمه اللّه في الفهرست حيث قال:

إن كثيرا من مصنفي أصحابنا و أصحاب الأصول ينتحلون من المذاهب الفاسدة و كتبهم معتمدة. و قال المرتضى في المسائل التبانيات المتعلقة بأخبار الآحاد: إن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها: اما بالتواتر من طرق الإشاعة و الإذاعة، أو بامارة دلت على صحتها و صدق رواتها، و هي موجبة للعلم مقتضية للقطع، و ان وجدناها مودوعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد.

قال: و غير خاف انه لم يبق لنا سبيل الى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا، حيث حظوا بالعين و اصبح حظنا الأثر، و فازوا بالعيان و عوضنا عنه بالخبر، فلا جرم سد عنّا باب الاعتماد على ما كانت لهم الابواب مشرعة، و ضاقت مذاهب كانت المسالك فيها متسعة، و لو لم يكن الا انقطاع طريق الرواية عنّا من غير جهة الاجازة - التي هي أدنى مراتبها - لكفى بها سببا لإباء الدراية على طالبها.. الى ان قال: و بان ان الغرض من التنبيه على

ص: 80

هذه الاقسام المطابقة للواقع؛ هو التنبيه على الأصل في كل واحد منها، و ان الأصل في الصحيح أن يؤخذ به إلا أن يعرض له ما يوجب الإعراض عنه، كإعراض الاصحاب عنه، أو مخالفته ظاهر الكتاب مع إعراض الأكثر، و الاصل في الضعيف أن لا يؤخذ به الا أن يعتضد بما يشد عضده بموافقة الكتاب او عمل الأصحاب، و الأصل في الاخيرين ان يؤخذ بهما بشرط أن لا يكون من الأول ما يعارضهما إلا أن يعرض عنهما و يخالفهما الكتاب، و ان لا يؤخذ بهما إذا كان هناك ما يعارضهما إلا أن يكونا على وفق الكتاب و عمل الاصحاب...

و لعل أوجز ما في المقام من بيان وجه الحاجة الى هذا التنويع ما ذكره شيخنا البهائي أعلى اللّه مقامه في مشرق الشمسين: 4 [بصيرتي: 270] قال:

تبيين: الذي بعث المتأخرين نوّر اللّه مراقدهم على العدول عن متعارف القدماء و وضع ذلك الاصطلاح الجديد هو انه لما طالت الأزمنة [خ. ل: المدة] بينهم و بين السلف [خ. ل: الصدر السالف] و آل الحال الى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة لتسلط حكام الجور و الضلال و الخوف من إظهارها و انتساخها، و انضم الى ذلك اجتماع ما وصل اليهم من كتب الأصول في [خ. ل: من] الأصول المشهورة في هذا الزمان، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة، و اشتبهت المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة، و خفي عليهم قدس اللّه أرواحهم كثير من تلك الأمور [خ. ل:

الأصول] التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث و لم يمكنهم الجري على اثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن اليه، فاحتاجوا الى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها، و الموثوق بها عما سواها، فقرروا لنا - شكر اللّه سعيهم -، ذلك الاصطلاح الجديد، و قربوا الينا البعيد، و وصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحة و الحسن و التوثيق.

ص: 81

و حكاه في معين النبيه: 7 - خطي - و ناقشه بما نصه(1):

و أقول فيه:

أولا: إن دعوى اندراس بعض الكتب المعتمدة قبل أخذها و تأليف ما اشتمل عليها غير معلوم، و الذين جمعوا الاصول الأربعمائة في تلك الأربعة قد نسبوها الى مصنفيها، و عرفوا لنا مؤلفيها، و هي قد كانت متواترة عندهم معروفة بينهم، و قد اثبتوها كلها - كما ستسمع في المقدمة الخامسة - فحاشاهم أن يخلطوها بغيرها بغير بيان، و يمزجوا ذلك بدون تبيان، فنحن نعرف بذلك المعتمد من غيرها و الضعيفة من خيرها، و الكتب التي عرضت على الائمة عليهم السّلام معروفة و رجالها الذين ألفوها موصوفة. و هكذا الكتب التي قبلوها و عن مؤلفها نقلوها، و الجماعة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم و على الجزم بصدقهم و الأخذ منهم معروفون، غير خفين باسمائهم و بصفاتهم مبينين، و هكذا القرائن التي اعتبرها الشيخ و غيره عندنا و معروفة بيننا.

و بالجملة، القرائن التي كانت عندهم يمكن تيسيرها الا ما قلّ منها، و ذلك لا يخرج الى ذلك الاصطلاح الذي ضيّق...

و ثانيا: إن ذلك الاصطلاح الجديد و إن كان ناشئا عن ذهن جديد الا انه لا يقرب البعيد و لا يرشد الى تسديد، فانه ربّما يوجب ان نردّ حديثا مقبولا معتمدا صحيحا لقيام القرائن به، عملت به القدماء و استدلوا به على الأحكام، كالضعيف في هذا الاصطلاح و الحسن عند من لم يعمل به، و ذلك من أعظم المحاذير، و ان نعمل بحديث مطروح لم ينظر اليه أحد من القدماء لعدم قرينة معتبرة تدل على صحة نسبته الى المعصوم كالحسن و القوي، و هذا من جملة المناكير.

و ثالثا: انهم اطردوا [كذا] ردّ الضعيف بهذا الاصطلاح بل بعضهم الحسن

ص: 82


1- انما ذكرنا النص بطوله، لكون الكتاب خطيا، و كي نذكر نموذجا من مناقشات القوم في المقام.

و ان كان مرويا من الكتب المعتبرة بل المعروضة على المعصوم، لان نظرهم مقصور على الراوي، و القول به يحتاج الى جرأة شديدة.

و رابعا: ان ذلك التقسيم الى تلك الاربعة المذكورة غير مفيد، بل لا يخرج عن القسمين الذي جرى عليهما القدماء، و ذلك لأنا نقول إن كلا من الحسن و الموثّق اما ان يكون مقبولا يجوز العمل به فهذا هو معنى الصحيح، و لا تفاوت الا في التسمية و الاصطلاح و لا مشاحّة فيه، و ان تفاوتت مراتب افراده - كما انها متفاوته في الصحيح - على مذاقهم البتة، فان مقوليته بالتشكيك لا التواطؤ جزما كصحيح الفضلاء و أمثالهم فإنها عندهم أصح من صحيح غيرهم، و هكذا صحيح من قيل فيه ثقة مرتين أصح من صحيح من قيل فيه مرة، و من وثّقه النجاشي و الكشي صحيحه أصح من صحيح من وثّقه ابن الغضائري..

و هكذا، و قد أشار الى ذلك الشيخ حسن في المنتقى.

و اما ان لا يجوز العمل به فهذا هو الضعيف، و لا ينفعه تسميته بالحسن و القوي بل لا ينبغي و لا يحسن ذلك الإطلاق، فالتربيع في اللفظ تضييع لا فائدة فيه!.

و خامسا: ان قوله: و لم يمكنهم الجري على اثرهم في.. الى آخره، غير معقول و لا مقبول، فانه و ان سلم له اشتباه المتكرر بغيره لا يلزم منه عدم الجري مطلقا، فان القرائن بحمد اللّه كثيرة - كما قدمنا - فيمكن الجري بتلك الوجوه المقررة المعلومة المعتبرة.

و سادسا: انا لا نسلّم ان ذلك القانون يكون مميزا للمعتبرة دون غيرها، فانه ان أراد المعتبرة بهذا فمسلّم لكنه غير نافع، و كون العمل به معتبرا دون غيره اول البحث و عين المدعى، و ان اراد المعتبرة بالمعنى الأول فلا يدل عليه هذا الاصطلاح بوجه، فان مداره على القرائن و الامارات، حتى انهم كادوا لا يذكرون ثقة الراوي، فالمعتبرة بهذا قد يكون غيرها بالأول و بالعكس، و الموثوق

ص: 83

به قد يكون غيره به فنعمل بما لم يعملوا و نحكم بخلاف ما حكموا مع كونهم بذلك أعرف، و اليهم عليهم السّلام أقرب.

و سابعا: إن أهل هذا الاصطلاح لم يلتزموه كليا، فانا وجدناهم كثيرا ما يصفون الموثّق بل الحسن بالصحيح، بل قد يصفون الضعيف به، كما يظهر لمن تتبع كلامهم، و هو كثير.

و ثامنا: ان الاطلاع على أحوال الرجال من التوثيق و التضعيف و التوصيف الموجبة للتمييز بين تلك الأقسام أصعب من معرفة القرائن التي رجعوا اليها بكثير، على ان مرجع تلك الأوصاف الآن إنما هو على قول علماء الرجال كالشيخ و الكشي و اضرابهما، و من أين يوجب قولهم ذلك؟!. هذا تمام كلامه.

و في الوجوه ما لا يخفى حلا و نقضا.

و ايضا في الفوائد المدنية: 53 و 61 و 132 تعرض لكلام الشيخ البهائي في مشرق الشمسين و ناقشه. و قد عقد صاحب الوسائل الفائدة التاسعة من خاتمته:

96/20 و ما بعدها، التي عقدها لإثبات صحة أحاديث جميع الكتب التي جمع منها كتاب الوسائل، ذكر اثنين و عشرين وجها، و حكم بوجوب العمل بها أجمع، و انها محفوفة تفيد الوثوق بصدورها عن المعصوم عليه السّلام جميعا، و قال: إن التنويع باطل و بدعة من المتأخرين! و كذا الفيض الكاشاني في الوافي: 11/1 قوى الوجوه، و من بعده صاحب الحدائق: 15/1-24 ذكر وجوها ستة ثم قال:.. إلى غير ذلك من الوجوه التي انهيتها في كتاب المسائل الى اثني عشر وجها. ثم قال:

و طالب الحق المنصف تكفيه الإشارة، و المكابر المتعسف لا ينتفع و لو بألف عبارة!.

و ذكر رحمه اللّه في الدرة النجفية: 167 مسألة تنويع الحديث إلى الأنواع الأربعة المشهورة بوجوده، و أبطل الاصطلاح الحادث بزعمه، و حكم بصحتها جميعا، و فصّل القول فيها في المقدمة السادسة من كتاب معين النبيه في بيان رجال من

ص: 84

لا يحضره الفقيه - خطي - 20-22، و ادعى تصحيح كل ما ورد في الكتب الأربعة و وجوب العمل بها.

هذا و قد تعرض السيد حسن الصدر في نهاية الدراية: 17 الى الوجوه الستة التي ذكرها صاحب الحدائق رحمه اللّه في مقدمة الحدائق لإبطال أصل التنويع و التقسيم، ثم أبطلها بما لا مزيد عليه.

و قد عدّها المرحوم الكني (رحمه اللّه) في رجاله 4-8 عند تعرضه الى شبهات الاخباريين في وجه الحاجة الى علم الرجال، و عدّ منها اثنين و عشرين وجها و أبطلها مفصلا، و كذا المرحوم الجد قدس سره في مقدمة التنقيح في الفائدة الثانية من الفوائد الرجالية.

و ناقش الخاقاني في رجاله: 218-223 صاحب الوسائل و غيره من المحدثين كصاحب الحدائق، و فرّق بين قطعية الاخبار و عدمها، و بطلان الاصطلاح و عدمه، و ذلك تبعا لفوائد الوحيد البهبهاني المطبوع في ذيل رجال الخاقاني: 2.

قال سيد اساتذتنا الخوئي دام ظله في مقدمة معجم رجال الحديث: 36/1 و ما بعدها: قد ذكر صاحب الوسائل لاثبات ما ادعاه من صحة ما اودعه في كتابه من الأخبار و صدورها من المعصومين عليهم السّلام وجوها سماها أدلة، و لا يرجع شيء منها الى محصّل.. و فصّل الجواب عن هذه الوجوه.

و حصر في قواعد الحديث: 17 الوجوه بوجهين ثم ردّهما.

***

ص: 85

مستدرك رقم: (33) الجزء الاول: 139 البدعة: - بالكسر -

لغة: الامر المستحدث، و اصل مادة بدع: الاختراع على غير مثال سابق، كما ذكره الشاطبي [الاعتصام: 36/1]، و منه قوله تعالى: بَدِيعُ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ البقرة: 117 - أي مخترعها من غير مثال سابق متقدم، و قوله عزّ من قائل: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ اَلرُّسُلِ - الاحقاف: 9 - أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من اللّه الى العباد، و يقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه اليها سابق، فهي اذا ما أحدث على غير مثال متقدم، فيشمل المحمود و المذموم، و لكن خصت شرعا بالمذموم مما هو خلاف المعروف عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله).

و البدعة اصطلاحا: كل ما أحدثه الناس من قول أو عمل في الدين و شعائر مما لو يؤثر عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو المعصومين عليهم السّلام بدلالة قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» [اخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة، و غيرهم من العامة، انظر: صحيح مسلم: 1343/3، سنن أبي داود: 280/4 حديث 4606 و غيرهما].

و على هذا فقد تطلق السنّة في مقابل البدعة، فيقال فلان على السنّة، إذا عمل على وفق ما سنّه المعصوم عليه السّلام، و مقابله على البدعة أي على خلاف ما عملوه، أو أحدث في الدين ما لم يكن عليه السلف، أو أدخل في الدين ما ليس فيه تشريع.

ص: 86

و حيث عبّر الاسلام عن طريقة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) بالسنّة لم يفاجئ العرب، حيث عرفوها و دروا ان نقيضها: البدعة.

و على هذا فالبدعة ليست صرف المخالفة، كما يظهر من كلمات العامة و الخاصة، بل استحداث ما ليس في الدين من الدين تشريعا، سواء أ كان اعتقادا كالتشبيه، أم قولا كحرمة متعتي الحج و النساء، أم فعلا كصلاة التراويح، أعم من كونها فعلا أم تركا إذا لم يقم عليها دليل، و لم يؤثر بها اثر.

و هناك امور مستحدثة دعت لها الحاجة أو الضرورة تمشيا مع أصول الشريعة مما لم يكن عليه السلف الصالح، لا تعد عندنا بدعة، بل قد تكون اجتهادا أو استنباطا للأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية، أو - عند العامة - قياسا أو استحسانا أو غيرهما.

و قد خص بعضهم البدعة بالعبادات و عممها آخرون الى الأعمال العادية.

و البدعة في العبادات: هي طريقة من الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد للّه سبحانه - على حد تعبير الشاطبي في الاعتصام: 37/1، و نظيره عرّفه ابن تيمية في مجموع فتاواه: 346/18، - و الحق انها أعمّ من العبادات و العادات، حيث هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الطريقة الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية.

و البدعة مقسمة - عند العامة - الى الأحكام الخمسة، كما ذكره في قواعد الأحكام: 173، و فتح المغيث: 303/1 و عدّ من البدعة الواجبة على الكفاية الاشتغال بالنحو و العلوم العربية المتوقف عليها فهم الكتاب و السنّة و أصول الفقه، و كذا الصرف و المعاني و البيان و اللغة بخلاف العروض و القوافي و غيرهما، و الجرح و التعديل و تمييز صحيح الأحاديث عن سقيمها و تدوين الفقه و اصوله، و قيل الرد على القدرية و الجبرية و المجسّمة، لأن حفظ الشريعة فرض كفاية، و لا

ص: 87

يتأتى الا بذلك، كما صرح به ابن حجر في شرح النخبة: 122، و حكاه عنه في كشاف اصطلاحات الفنون: 191/1.

و اما البدعة المكروهة فمثل زخرفة المساجد، و تلحين القرآن بحيث يغيّر ألفاظه عن الوضع العربي، و من البدعة المستحبة ترك التزويج، و المحرّمة صوم الوصال، و المباحة ترك النوم.

و هذا - في الواقع - خروج موضوعي عن البدعة الاصطلاحية، بل هي تصدق في الجملة على البدعة اللغوية.

و لا شبهة في حكم البدعة شرعا، لما تظافرت عليه الاخبار من الطريقين في كونها كفرا و ردا و ضلالا أو.. غيرها(1).

و قد أجمعت الأمة على كون ترتيب صلاة التراويح جماعة بدعة، و لذا قالوا: بدعة و نعم البدعة! مع قوله: (صلّى اللّه عليه و آله): كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها الى النار، و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:... إياكم و محدثات الأمور، فإن كل محدث بدعة، و كل بدعة ضلالة - كما أخرجه أحمد و الترمذي و أبو داود، و نص عليه في الفتح الكبير: 464/1 و غيره.

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد، أخرجه أبو داود في سننه: 280/4 و نظيره في صحيح البخاري: 1344/3.

و قد قيل ان كل من منع نفسه من تناول ما أحل اللّه له من غير عذر شرعي فهو خارج عن سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و العامل بغير السنّة

ص: 88


1- انظر روايات البدعة و المبتدعة و المبدع في: سنن الترمذي - كتاب العلم باب 16، سنن ابن ماجه - المقدمة - باب 6 و 7 و 15، سنن الدارمي - المقدمة - باب 15 و 81 و 22 و 34، و سنن أبي داود - كتاب السنّة - باب 5، و مسند أحمد بن حنبل: 310/3 و 319 و 317 و 105/4 و 126 و 27/6 قوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): كل بدعة ضلالة... و الموضوعات لابن الجوزي: 267/1، و أصول الكافي: 54/1، باب البدع و... و الوسائل: 97/18-31، 39، 46 و غيرها.

تدينا مبتدع بعينه!.

هذا، و ان المبتدع قيل هو من خالف أهل السنّة اعتقادا، و المبتدعون يسمون بأهل البدع، و أهل الأهواء أيضا، و عليه فالكافر لا يسمى مبتدعا.

اما ما يرجع الى علم الدراية فهو البحث في ان رواية المبدع هل تقبل أم لا، و سنتعرض لها في محلها مفصلا.

***

ص: 89

مستدرك رقم: (34) الجزء الاول: 139 الصحيح عند القدماء:

اشارة

الصحة عند القدماء هي غير ما هو المعروف عند المتأخرين، حيث ان مرادهم هو الخبر المعمول به - كما مرّ -، فيكون أعمّ مما عند المتأخرين، فقولهم حديث صحيح اي ثابت و صادق و عمل به الاصحاب، كما نبّه عليه غير واحد من المتأخرين كما في منتقى الجمان: 3/1 و 13 و غيره.

فالخبر الذي يعتمدونه و يطمئنون بصدق صدوره و يثقون بكونه صادرا عن المعصوم عليه السّلام خبر صحيح. و ان اشتملت سلسلة سنده على غير الإمامي، كما أجمعوا على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع انه ناووسي، سواء أ كان منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أم امارات أخرى، و سواء أحصل لهم القطع بصدوره أم لا، كما في أخبار الآحاد.

و القول بانحصار الصحيح عندهم في قطعي الصدور - كما عن بعض - فاسد، كما نبه عليه في لب اللباب: 15 - خطي - و غيره.

و عليه فالصحيح بمعنى كونه مسندا - غير منقطع و لا معضل - و كون راويه عدلا إماميا، فهو اصطلاح جديد من اللاحقين. لعل منشأه - كما قيل و مرّ منّا - من زمن صاحب البشرى، كما حكاه الجزائري رحمه اللّه في حاوي الأقوال:

4 - من النسخة الخطية في مكتبة حاج حسين ملك في طهران - ثم قال: و اما المتقدمون من أصحابنا، فالذي يظهر من عباراتهم و تصفح كلامهم انهم يريدون بالصحيح كثيرا المعمول به و المفتى بمضمونه، فيعم الموثّق و الضعيف اذا جبرته

ص: 90

الشهرة أو احتف بالقرائن و غير ذلك مما يوجب العمل. و بالجملة، فالصحيح عندهم أعم من الصحيح بالمعنى المراد هنا.

و قال في جامع المقال: 35:.. ان المتعارف بين قدماء الأصحاب في العمل بالأحاديث هو العمل بالصحيح منها لا غير، و هو في مصطلحهم ما اقترن بما أوجب العلم بمضمونه إما بوروده في أصل من الأصول المعروفة الانتساب.. أو بدورانه في كثير من الأصول المشهورة المتداولة، أو وروده عن جماعة أجمع على تصديقهم و تصحيح ما يصح عنهم كزرارة و أضرابه.. أو وروده عن جماعة أجمع على العمل بروايتهم كعمار بن موسى و أضرابه.. أو وروده في أحد الكتب التي عرضت على الأئمة عليهم السّلام.. و نحو ذلك مما يفيد الاقتران به صحة في الحديث.. ثم نقل كلام الشيخ في العدّة من ذكر القرائن المفيدة لصحة الأخبار الآتي ذكرها.

و سبقه الشيخ البهائي في مشرق الشمسين: 3 /طبع ايران/ 1319 ه، و صرح بهذا السيد نعمة اللّه الجزائري في شرح التهذيب، و الشيخ الحر رحمه اللّه في الوسائل و الكاظمي في التكملة: 50/1، و الوحيد في التعليقة: 6 و غيرهم و تابعهم - من المتأخرين - السيد الخوئي دام ظله في معجمه: 29/1 حيث قال:

إن الصحة و الضعف متى أطلقا في هذا الكتاب، فليس المراد بهما الصحة و الضعف باصطلاح المتأخرين، بل المراد بهما الاعتبار و عدمه.

و قال أيضا: فيه: 41/1:.. الصدوق انما يريد بالصحيح ما هو حجة بينه و بين اللّه، اي ما أحرز صدوره من المعصوم عليه السّلام و لو بالتعبّد، و لم يرد بذلك قطعي الصدور، و ما لا يحتمل فيه الكذب أو الخطأ.

و قد ناقش الميرزا النوري - رحمه اللّه - في المستدرك: 763/3 كلام الشيخ و الشهيد، و قال في آخر كلامه:.. وجدناهم - اي القدماء - يطلقون الصحيح غالبا على رواية الثقة و إن كان غير الامامي.. الى آخر كلامه أعلى اللّه مقامه.

ص: 91

فتحصل ان الخبر عندهم على ضربين: صحيح و ضعيف: و الضعيف عبارة عما لم يعتمدوا عليه.

قال شيخ الطائفة في أول الاستبصار: 4/1: و أما القسم الآخر: فهو كل خبر لا يكون متواترا و يتعرى عن واحد من هذه القرائن، فان ذلك خبر واحد و يجوز العمل به على شروطه...

و كذا ما حكي عن الشيخ الصدوق من قوله: كلّما لم يحكم ابن الوليد بصحّته فهو عندنا غير صحيح - و سيأتي نصه -.. الى غير ذلك من كلماتهم الشاهدة على ما قلناه.

فوائد.

48 الاولى: قال الفاضل الكاظمي في التكملة: 50/1 في ذكر الألفاظ التي تداول استعمالها عند أهل الحديث و الرجال منها:

صحيح الحديث، ثم قال: اعلم ان الصحة في لسان القدماء يجعلونها صفة لمتن الحديث على خلاف اصطلاح المتأخرين حيث يجعلونها صفة للسند و يريدون به ما جمع شرائط العمل.

اقول: إن جملة المتأخرين على خلافه، و لم أفهم مرامه أعلى اللّه مقامه، حيث كلمات الأصحاب على خلافه، و قد مر نقل جملة منها و سيأتي بعض منها في مقام تقسيم الأقسام، بل الإطباق على خلافه صريحا، نعم قد يصحّ هذا في الجملة لا بالجملة. فتدبّر.

49 الثانية: النسبة بين اصطلاح القدماء في الصحيح و المتأخرين عموم مطلق، كما ان النسبة بين الصحيح عند القدماء و المعمول به عندهم عموم من وجه،

لكون ما يوافق التقية صحيحا أحيانا، و كون ما يروى عن أمير المؤمنين عليه السّلام في كتب العامة غير صحيح غالبا، و ان كان معمولا به أحيانا.

ص: 92

و النسبة بين صحيح المتأخرين و المعمول به عندهم عموم من وجه أيضا، لعملهم بالحسن و الموثّق غالبا و طرحهم الصحيح الموافق للتقية أو المخالف للأقوى و غير ذلك.

50 الثالثة الصحيح عند القدماء و ساير الاخباريين

على ثلاثة معان - كما افاده الحر العاملي في وسائله: 108/20-107 -..

احدهما: ما علم وروده عن المعصوم عليه السّلام.

ثانيهما: ذلك مع قيد زائد و هو عدم معارضته بأقوى منه بمخالفة التقية و نحوها.

ثالثها: ما قطع بصحة مضمونه في الواقع - أي بأنه حكم اللّه - و لم يقطع بوروده عن المعصوم عليه السّلام.

و للضعيف عندهم ثلاثة معان مقابلة لمعاني الصحيح، فتدبّر.

51 الرابعة: من الفوائد المنسوبة الى شيخنا البهائي رحمه اللّه التي ذكرها الشيخ الجد طاب ثراه في اول رجاله - تنقيح المقال: 170/1 - قال:

الظاهر ان قوما منّا لما كانت كتب أصحاب الأصول بينهم مشهورة متداولة، و كانوا إذا رأوا الحديث الواحد ورد في كثير من تلك الكتب بطرق مختلفة عملوا به، لحصول الظن الغالب بانه مما يعوّل عليه، فلذلك ما كانوا يبحثون عن انه صحيح بالمعنى المشهور بين المتأخرين أو حسن أو موثّق، بل كانوا لا يسمونه خبر آحاد، يظهر ذلك لمن تتبع كلامهم.

و اللّه سبحانه أعلم بحقائق الامور.

***

ص: 93

مستدرك رقم: (35) الجزء الاول: 154 السبب في اسقاط قيد الشذوذ و العلة من تعريف الصحيح:

شذّ من الخاصة في تعريف الصحيح ولد الشهيد الثاني رحمهما اللّه في منتقى الجمان: 8/1 حيث شرط سلامة الخبر من العلة كاشتراطه للضبط. قال: و اما عدم منافاة العلة فموضع تأمل من حيث ان الطريق الى استفادة الاتصال و نحوه من أحوال الأسانيد قد انحصر عندنا - بعد انقطاع طريق الرواية من جهة السماع و القراءة - في القرائن الحالية الدالة على صحة ما في الكتب و لو بالظن، و لا شك ان فرض غلبة الظن بوجود الخلل أو تساوي احتمالي وجوده و عدمه ينافي ذلك، و حينئذ يقوى اعتبار انتفاء العلة في مفهوم الصحة.. ثم قال: و دعوى جريان الاصطلاح على خلاف ذلك في حيز المنع، لانه اصطلاح جديد - كما سنوضحه - و اهله محصورون معروفون.

ثم انه رحمه اللّه عرّف الصحيح: 11/1 ب: متصل السند بلا علة الى المعصوم عليه السّلام برواية العدل الضابط عن مثله في جميع المراتب.

اقول: لا شبهة في لزوم تقييد العلة - لو قلنا بها - بكونها علة قادحة كما لا يخفى، و لزوم كونها خفية على الأظهر.

و نعم ما أجاب به المولى الكني في توضيح المقال: 50، حيث قال - ردا على من اشترط ذلك -: إن اعتبار ذلك انما هو في اعتباره دون التسمية، و الاخير اذا كان في السند - و ان نافى التسمية - إذ المراد به الارسال فيما ظاهره الاتصال، الا ان اعتبار عدمه مستفاد مما ذكر، لفرض اتصاف جميع السند بما ذكر، فالساقط

ص: 94

ان كان متصفا بذلك فلا إشكال، و إلاّ لم يصدق اتصاف الجميع به، و اما إذا كان في المتن فبأحد الاصطلاحين، و هو ما اشتمل على علة الحكم غير مضر قطعا، و بالآخر - و هو ما كان في متنه عيب قادح - فانما يقدح في الاعتبار لا في التسمية.

و سبقه السيد الداماد في الرواشح السماوية، و أجاد معمما الجواب حيث قال: 42-43: و أصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم أسقطوا ذلك - يعني السلامة من الشذوذ و العلة، و كونه مروي من يكون مع العدالة ضابطا كما هو عند اعلام العامة - عن درجة الاعتبار و هو الحق، لانهم يفسرون الشذوذ بكون الذي يرويه الثقة مخالفا لمروي الناس، و ذلك حال المتن بحسب نفسه، و قد دريت ان موضع البحث هاهنا حاله بحسب طريقه لا بحسب نفسه.

و [يفسرون] العلة بأسباب خفية غامضة قادحة يستخرجها الماهر من الفن، و هي أيضا ان كانت متعلقة بنفس جوهر المتن فخارجة عن الموضوع، و ان كانت متعلقة بالسند كالارسال و القطع مثلا فيما ظاهره الاتصال، أو الجرح في من ظاهر الأمر فيه التعديل [كذا، و الظاهر: ظاهره العدالة] من دون ان يكون الاستخراج منتهيا الى حد معرفة جازمة عن حجة قاطعة، بل بالاستناد الى قرائن ينبعث عنها ظن أو يترتب عليها تردد و شك، فان كانت قوية يتقوى بها ظن القدح فقيد الاتصال و العدالة يجديان في الاحتراز عنها، و الا فليست بضائرة في الصحة المستندة الى أسبابها الحاصلة.

و اما الضبط - و هو كون الراوي متحفظا متيقظا غير مغفّل و لا ساه و لا شاك - في حالتي التحمل و الاداء، فمضمّن في الثقة.

ثم قال: و هم يتوسعون في العدل بحيث يشمل المخالف ما لم يبلغ خلافه حد الكفر و المبتدع ما لم يكن يروي ما يقوي بدعته، و يكتفون في العدالة بعدم ظهور الفسق و البناء على ظاهر حال المسلم على خلاف الأمر عندنا، فلذلك اتسعت عندهم دائرة الصحة، و صارت الحسان و الموثقات و القويات عندنا

ص: 95

صحاحا عندهم مع اعتبار القيود الثلاثة المذكورة.

و هو كلام جيد لا غبار عليه.

***

ص: 96

مستدرك رقم: (36) الجزء الاول: 155 بعض ما اشترط في تعريف الصحيح غير ما ذكر:

هناك بعض الشروط التي قيد بها تعريف الصحيح عند العامة - غير ما مرّ -:

منها: عدم كون الحديث عزيزا، و هو قول عزيز.

قال في معرفة علوم الحديث: 62: و صفة الحديث الصحيح ان يرويه عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) صحابي زائل عنه اسم الجهالة! و هو ان يروي عنه تابعان عدلان، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول الى وقتنا هذا كالشهادة على الشهادة؟! و هو كلام يرجع في الجملة الى ما ذكرناه.

و قد فرق العلماء بين باب تزكية الراوي و تعديله و بين باب الشهادة و تزكية الشهود كما سيأتي.

و منها: تقييد التعريف ب: و لا انكار.

و أجيب عنه بان المنكر و الشاذ سيان عند ابن الصلاح و السيوطي و النووي و الأكثر، فيكون تكريرا، بل عند غيرهم المنكر أسوأ حالا من الشاذ، فيكون منفيا بطريق أولى - على مسلكهم -.

و منها: كون الراوي للحديث الصحيح مشهورا بالطلب، ذكره الحاكم - أيضا - في معرفة علوم الحديث.

و منها: كون الراوي معروفا بالفهم و المعرفة و كثرة السماع و المذاكرة، كما صرح به السمعاني في كتابه القواطع.

و هذا يندفع بقيد الضبط المأخوذ عندهم في تعريف الصحيح، و كذا الثاني.

ص: 97

و منها: كون راوي الحديث الصحيح معروفا بعلمه بمعاني الحديث حيث يرويه بالمعنى.

و هذا قيد عام لكل من جوّز رواية الحديث بالمعنى.

و منها: كون الراوي للحديث الصحيح فقيها، كما صرح به أبو حنيفة، و هذا كالذي قبله، و أيضا ان أراد به المعنى اللغوي فهو ما ذهب اليه السمعاني و غيره، و الا عدّ قيدا براسه لم يخرج من رأسه.

و منها: ثبوت السماع لكل راو عن شيخه و لا يكفي مجرد إمكان اللقاء و المعاصرة، نسب هذا الشرط للبخاري.

و منها: اشتراط العدد في رواية الصحيح، و تنزيلها بمنزلة الشهادة، و قد حكاه السيوطي و الذي قبله في تدريب الراوي: 64/1 و 75، و هو خلط بين مقام الحجية و الاسناد.

.. الى غير ذلك من الوجوه الركيكة و الشروط الباردة!.

***

ص: 98

مستدرك رقم: (37) الجزء الاول: 157 تقسيم الصحيح عند العامة:

اشارة

قد قسم بعض علماء العامة الصحيح الى قسمين: صحيح لذاته، و صحيح لغيره، أو قل: بذاته و بغيره.

فالصحيح لذاته: هو الذي اشتمل على أعلى صفات القبول، أي ما اتصل سنده برواية الثقة عن الثقة من أوله الى منتهاه من غير شذوذ و لا علة.

و الصحيح لغيره: هو الحديث الذي تتوفر فيه صفات القبول.

أو قل: ما صحح لأمر أجنبي عنه و لم يشتمل من صفات القبول على أعلاها، كأن يكون راويه العدل غير تام الضبط، فهو دون الأول، و لو عضد هذا الحديث طريق آخر مثله يكون صحيحا لغيره، و عدّ منه الحسن فيما لو روى من غير وجهه ارتقى بما عضده من درجة الحسن الى منزلة الصحة، أو ما تلقاه العلماء بالقبول فهو محكوم بالصحة من هذه الجهة و ان لم يكن له إسناد صحيح، أو وافق آية من كتاب اللّه، أو أصول الشريعة، كذا قالوا.

و الأولى ان يقال له: الصحيح بغيره لا لغيره.

و هو على كل أجنبي عما نحن فيه، فتأمل.

و قد وجدت كتاب دراية مجهول المؤلف في مكتبة الامام الرضا (عليه السّلام) في مشهد تحت رقم 1684 مستخرجا من شرح المشارق لفضل اللّه بن روزبهان الاصفهاني - فارسي عامي - عرّف فيه الصحيح لذاته - بما ترجمته -:

هو الحديث المتصل سندا بنقل عدل تام الضبط من مثله، و يكون سالما من

ص: 99

الشذوذ و العلة.. ثم عرف الحديث الصحيح لغيره و قال: هو الحديث الحسن لذاته الذي سيأتي تعريفه، حيث لو تكثرت طرقه يحكم أهل الجرح و التعديل بصحته عند تعدد طرقه، لان صورة المجموع أقوى مما يوجب جبر ما فيه من قصور الاسناد بسبب قصور الراوي في الضبط يقصره من مرتبة الصحيح.

ثم ذكر الحديث الصحيح بغيره و قال عنه: هو الحديث الضعيف الا انه روى بطرق متعددة، و ضعف راويه بسبب ضعفه في الحفظ، الا ان راويه صدوق و أمين، أو كان ضعفه بواسطة الإرسال، اما لو كان ضعف الحديث بواسطة فسق الراوي لا يكون حسنا لغيره بتعدد الطرق.

لاحظ: تدريب الراوي تبعا لتقريب النووي: 68/1 الفائدة السابعة، فتح المغيث تبعا لألفية العراقي: 71/1، قواعد التحديث: 80، أصول الحديث:

146 و.. غيرها.

52 فائدة: قسّم بعضهم - كابن الصلاح في المقدمة: 83 - الصحيح الى نوعين:

متفق عليه، و مختلف فيه.. ثم قال: قالوا: انه يتنوع الى مشهور و غريب و بين ذلك.

***

ص: 100

مستدرك رقم: (38) الجزء الاول: 158 مناقشة صاحب المنتقى لوالده الشهيد:

ناقش الشيخ حسن ولد الشهيد الثاني رحمه اللّه في منتقى الجمان: 13/1 والده - بعد نقل كلامه - بقوله:

و أقول: إن من أمعن نظره في استعمالهم للصحيح في أكثر المواضع التي ذكرها عرف انه ناشئ من قلّة التدبر، و واقع في غير محله، إذ هو نقض للغرض المطلوب من تقسيم الخبر الى الأقسام الأربعة، و تضييع لاصطلاحهم على إفراد كل قسم منها باسم ليتميّز عن غيره من الأقسام، و الأصل فيه - على ما ظهر لي - ان بعض المتقدمين من المتأخرين أطلق الصحيح على ما فيه إرسال أو قطع، نظرا منه الى ما اشتهر بينهم من قبول المراسيل التي لا يروي مرسلها إلا عن ثقة، فلم ير إرسالها منافيا لوصف الصحة، و ستعرف ان جمعا من الأصحاب توهّموا القطع في أخبار كثيرة ليست بمقطوعة، فربّما اتفق وصف بعضها بالصحة في كلام من لم يشاركهم في توهم القطع، و رأى ذلك من لم يتفطن للوجه فيه فحسبه اصطلاحا و استعمله على غير وجهه، ثم زيد عليه استعماله فيما اشتمل على ضعف ظاهر من حيث مشاركته للإرسال و القطع في منافاة الصحة بمعناها الأصلي، فإذا لم يمنع وجود ذينك المنافيين من إطلاق الصحيح في الاستعمال الطارئ، فكذا ما في معناهما، و جرى هذا الاستعمال بين المتأخرين و ضيعوا به الاصطلاح.

ص: 101

أقول: هذا ليس حلا للإشكال و لا ردا على والده، غايته بيان منشأ الاصطلاح، فتدبر.

ثم قال بعد ذلك: 14/1:.. نقلهم الإجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان - مع كونه فطحيا - ليس من هذا الباب في شيء، فان القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعا، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدّالة على صدق الخبر و ان اشتمل طريقه على ضعف - كما أشرنا اليه سالفا - فلم يكن للصحيح كثير مزيّة توجب له التمييز باصطلاح أو غيره، فلما اندرست تلك الآثار و استقلت الأسانيد بالأخبار، اضطر المتأخرون الى تمييز الخالي من الريب، و تعيين البعيد عن الشك، فاصطلحوا على ما قدّمنا بيانه، و لا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلامة الا من السيد جمال الدين بن طاوس رحمه اللّه.

و حكاه في نهاية الدراية: 77 بتصرف يسير.

و لا يخفى وجه القوة من كلامه و الضعف بما تقدم من المصنف رحمه اللّه و منّا. فراجع.

***

ص: 102

مستدرك رقم: (39) الجزء الاول: 160 مراتب الصحيح و أصح الأسانيد:

ذكر علماء الدراية من العامة الصحيح و الأصح، و كذا الضعيف و الأضعف و المضعّف، و فرضوا لكل واحد منهما مراتب، ثم بحثوا عن أصح الأسانيد في المقارنة بين الرواة المقبولين، فالصحيح تتفاوت مراتبه بتفاوت الأوصاف المقتضية للتصحيح في القوة لتضمنه أعلى درجات القبول، لكون راويه مشهورا بالضبط و العلم و الحفظ و العدالة و غير ذلك، و حيث كان المدار على غلبة الظن و كانت مراتب المدح بحسب الامور المقوية متفاوتة، و من هنا جاءت الأقسام.

بل قال في المقدمة: 83: و تنقسم باعتبار ذلك - أي القوة و بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تبنى الصحة عليها - الى أقسام يستعصى احصاؤها على العادّ الحاصر.

و في المسألة اكثر من عشرين قولا - كما ذكره في النكت و حكاه في فتح المغيث: 25/1 - و لا ثمرة في تتبعها و مناقشتها الا أحد أمرين:

الأول: ترجيح ما عورض منها بذلك على غيره.

الثاني: تمكن الناظر المتقن فيها من ترجيح بعضها على بعض بالنظر لترجيح القابلين ان تهيأ.

ثم انهم - كما قلنا - جعلوا بعض الاحاديث الصحيحة اعلى من بعض آخر، و اختلفوا في تعيين أصح الاسانيد، و كل ذهب الى ما أدى اليه اجتهاده.

فتراهم تارة جعلوا ما رواه الزهري عن سالم بن عبد اللّه بن عمر عن

ص: 103

أبيه هو أصح الأسانيد.

و أخرى جعلوا ما رواه سليمان الأعمش عن ابراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد اللّه بن مسعود كذلك.

و عند أبي منصور التميمي ان أجّل الأسانيد: الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر للإجماع - كما حكاه في قواعد التحديث 80 و فصله قبله ابن الصلاح في المقدمة: 86-84، و البلقيني في محاسن الاصطلاح - حاشية المقدمة - و غيرهم.. الى غير ذلك من التخرصات.

و قد مال النووي في التقريب: 122/1 من شرحه - و سبقه ابن الصلاح في مقدمته: 99-100 مع فرق يسير - الى تقسيم الصحيح الى سبعة أقسام:

1 - ما اتفق عليه البخاري و مسلم، و هو اعلاها.

2 - ما تفرّد به البخاري.

3 - ما تفرّد به مسلم.

4 - ما كان على شرطهما و ان لم يخرجاه.

5 - ما كان على شرط البخاري فقط.

6 - ما كان على شرط مسلم فقط.

7 - ما صححه غيرهما من أئمتهم.

و قال ابن الصلاح في المقدمة: 100.. و أعلاها الأول: و هو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرا صحيح متفق عليه، و يطلقون ذلك و يعنون به اتفاق البخاري و مسلم لا اتفاق الامة عليه!

و حكى البلقيني في محاسن الاصطلاح المطبوع ذيل المقدمة: 102 - عن الحاكم ان للصحيح من الحديث أقساما عشرة، خمسة متفق عليها و خمسة مختلف فيها، فراجع.

و العجب من السخاوي في فتح المغيث: 9/1-43 حيث: انه عدّ أعلى

ص: 104

مراتب الصحيح ما وصف بكونه متواترا ثم مشهورا ثم أصح الأسانيد ثم ما وافقهما ملتزمو الصحة، ثم أحدهم على تخريجه، ثم اصحاب السنن، ثم أصحاب المسانيد، ثم ما انفردوا به، و لا يخرج بذلك كله عن كونه مما اتفق عليه، ثم مروي البخاري فقط - لأن شرطه أضيق -، ثم مروي مسلم وحده... ثم ذكر بقية الأقسام.

و قد رفع اليد جمع منهم عن الإطلاق و قيدوا القول في أصح الاسانيد بصحابي معين أو بلد خاص، فقالوا: أصح إسناد عبد اللّه بن مسعود مثلا كذا، و أصح أسانيد الشام كذا.. و هكذا من دون تعميم كما فعله الحاكم في مستدركه و غيره تبعا له.

و في قواعد التحديث: 58 نقلا عن الخطيب البغدادي انه قال: أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين - مكة و المدينة - فان التدليس عنهم قليل!، و الكذب و وضع الحديث عندهم عزيز! و لأهل اليمن روايات جيدة و طرق صحيحة الا انها قليلة، و مرجعها الى أهل الحجاز أيضا، و لأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع اكثارهم، و الكوفيون مثلهم في الكثرة غير ان رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة من العلل! و حديث الشاميين أكثره مراسيل و مقاطيع.

و على كل، فيكون الحديث الصحيح متفاوتا بتفاوت الأمصار التي روته.

ثم انه قد جزم مشهور العامة بأن أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة لأنها دار السنّة الشريفة.

قال ابن تيمية - كما حكاه في أصول الحديث: 153 -: اتفق أهل العلم بالحديث على ان أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة ثم أهل البصرة ثم اهل الشام، لا الكوفة طبعا!؟

و لقد أجاد السيوطي في شرح الألفية: 76/1 حيث قال: يعزّ وجود أعلى

ص: 105

درجات القبول في كل واحد واحد من رجال الإسناد الكائنين في ترجمة واحدة، و لذا اضطرب من خاض في ذلك، إذ لم يكن عندهم استقراء تام، و انما رجح كل منهم بحسب ما قوي عنده.

و قد تعرضوا - أيضا - الى أوهن الاسانيد، و فصلوا القول فيه. و ذكروا في فائدته ان به ترجح بعض الأسانيد على بعض، و يميّز به ما يصلح للاعتبار عما لا يصلح له.

و قد جمع هذا احمد شاكر في الباعث الحثيث: 22-25، و فصّل القول فيه السيوطي في التدريب: 77/1-88، و القاسمي في قواعد التحديث: 2-80، و سبقهم الحاكم في معرفة علوم الحديث: 8-53.

و نحن في غنى عن هذه التحكمات و التخرصات و لا اعتبار لها و لا دليل عليها سوى الاستحسانات و الظنون القياسية، و عليه فلا يمكن الحكم بصحة إسناد على الإطلاق، و لو كان فلا يلزم منه كون المتن كذلك على ما بنوه و تبنوه!

و لا يخفى ان هذا غير ما سيأتي في علو الإسناد، كما هو واضح. فتدبّر.

***

ص: 106

مستدرك رقم: (40) الجزء الاول: 160 فوائد (حول الحديث الصحيح):

53 الأولى: قال الشيخ ياسين بن صلاح الدين في معين النبيه في رجال من لا يحضره الفقيه: 6 - خطي - ما نصه:

و يقال له - أي الصحيح - المسلسل و المعنعن و المتصل و سليم الطريق، ثم قال: و لربّما أطلق على ما كان من رجاله المذكورون (كذا) كذلك و ان اعتراه إرسال أو قطع أو رواه غير إمامي صحيحة (كذا، و الظاهر: كصحيحة) ابن ابي عمير، و في الصحيح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيا.

و لا يخفى أوجه النظر في كلامه رحمه اللّه، و مرّ منا و سيأتي ما يعارضه، و لا نعلم وجه دعواه.

54 الثانية: قال غير واحد من علماء العامة - كما في علوم الحديث: 278 - ان الصحيح و الحسن قضية مشتركة

خلاصتها ان الصحة قد تتناول السند و المتن معا، أو السند دون المتن، أو المتن دون السند، و مثلها الحسن في ذلك، فلا يحكم بصحة حديث و لا حسنه إطلاقا، بل يبين نوع صحته أو حسنه هل وقع في الإسناد أو المتن، فما كل ما صح سندا صح متنا.

و هذا كلام صحيح في الجملة لا بالجملة، فمع اطلاق الصحة أو الحسن تنصرف الى صحة أو حسن الاسناد، كما لا يخفى.

ص: 107

55 الثالثة: اصطلح عندهم ان يقال: أصح ما في الباب، أو أصح شيء في الباب، حيث قد لا يوجد في باب من ابواب الفقه غير حديث واحد و لم تتوفر فيه شروط الصحة و مع هذا يقال:

أصح ما في الباب كذا، و هذا لا يراد به الصحة الاصطلاحية فضلا عن الأصحية، فقد يكون ضعيفا و لا يوجد في الباب سواه، فيكون مرادهم أرجح ما في الباب أو أقله ضعفا. و هذا المصطلح كثر على لسان العامة و ندر عند الخاصة، و يغلب ذكره في كتب الخلاف عندنا.

56 الرابعة: لا يلزم من الحكم بالصحة في سند خاص الحكم بالأصحية لفرد مطلقا،

و قد منع بعضهم الحكم على سند معين بأنه أصح الاسانيد مطلقا، كما صرح به غير واحد من ائمة الحديث - كابن الصلاح في المقدمة: 84 و التركماني في حاشيته و اختاره النووي و جمع - مستدلين بان مراتب الصحيح مترتبة على تمكن الإسناد من شروط الصحة، و يعتبر وجود أعلى درجات القبول من الضبط و العدالة و نحوهما في كل فرد فرد من رواة الإسناد من ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة الموجودين في عصره، اذ لا يعلم أو يظن ان هذا الراوي حاز على الصفات حتى يوازى بينه و بين كل فرد فرد من جميع من عاصره.

57 الخامسة: اشتهر عند العامة بل كاد أن يكون إجماعا ان البخاري - محمد بن اسماعيل (194-256 ه) - هو أوّل من صنف في الحديث المجرد عن الإرسال و الانقطاع،

و قد تبعه تلميذه مسلم بن الحجاج القشيري (204-261 ه) كما ذكره اكثر من واحد كابن الصلاح في المقدمة: 89 و السيوطي في تدريبه: 88 و غيرهما.

ص: 108

و لا يعد مالك عندهم أول من صنف فيه، بل أدخل في مسنده المراسيل و المقاطيع و البلاغات، و ان كان القاسمي ذهب في قواعد التحديث: 83 - و بضرس قاطع - الى أن أوّل من صنف في الصحيح الامام مالك، و هو تفرد منه.

قال السيوطي في شرحه لتقريب النووي: 124/1:.. قد علم مما تقرر ان أصح من صنف في الصحيح ابن خزيمة، ثم ابن حبان، ثم الحاكم، فينبغي ان يقال: أصحهما بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة، ثم ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم، ثم ابن حبان و الحاكم، ثم ابن خزيمة فقط، ثم ابن حبان فقط، ثم الحاكم فقط، ان لم يكن الحديث على شرط أحد الشيخين، و نظيره في قواعد التحديث: 82 و غيره.

أقول: للإمامية مصنفات و رسائل حول صحاح العامة و سننهم و مناقشتها و اختلافها مع ما عندنا و من من بحث فيها السيد حسن الصدر في آخر نهاية الدراية، و الشيخ المظفر في مقدمة دلائل الصدق: 13/1-71 و سبقهما المرحوم الدربندي في المقابيس: 18 - خطي - و غيرهم كثير جدا، خاصة في كتب الكلام، و لا وجه للتعرض لها في كتب الدراية الا طردا للباب.

58 السادسة: كثيرا ما نجد في كتب العامة قولهم: بشرط الصحيح، و هو اصطلاح منهم يطلق و يراد منه:

الاسناد الذي اخرجه برجاله البخاري حديثا في صحيحه، كما ذكره في حاشية فتح الملك العلي: 25 و غيره.

59 السابعة: اذا قيل حديث صحيح،

فهو عندنا ما كان جميع سلسلة رواته عدولا إماميين ضابطين.. الى آخره و يعامل معه عملا بظاهر الاسناد لا انه مقطوع به في نفس الأمر، لجواز الخطأ و النسيان على الثقة، و الاشتباه على الضابط، خلافا لمن قال: بانه يوجب القطع.

ص: 109

و نظير هذا قولهم: حديث غير صحيح أو ضعيف، اي لم يصح إسناده و لم تتوفر فيه الشروط المقررة، لا انه كذب في نفسه و افتراء، لجواز صدق الكاذب و إصابة من هو كثير الخطأ.

و عند العامة: ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته: 83 انه قال: متى قالوا: هذا حديث صحيح فمعناه انه اتصل سنده مع سائر الاوصاف المذكورة، و ليس من شرطه ان يكون مقطوعا به في نفس الأمر.. الى آخره. ثم قال: و كذلك إذا قالوا في حديث انه غير صحيح فليس ذلك قطعا بانه كذب في نفس الأمر، إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر، و انما المراد انه لم يصح إسناده على الشرط المذكور.

بل حكى السيوطي في التدريب: 75/1 عن جمع قولهم ان الخبر الواحد يوجب القطع..!

60 الثامنة: اخذت كلمة: عدل أو عدول في تعريف الصحيح عند العامة،

و إطلاقهم العدل يشمل جميع فرق المسلمين قولا، عدا الشيعة خاصة عملا! فقبلوا على هذا رواية المخالف للأصول ما لم يبلغ خلافه حد الكفر، أو يكن ذا بدعة و يروي ما يقوي به بدعته - كما سيأتي تفصيله و بحثه - على أصح الأقوال عندهم.

قال الشهيد في درايته: 20 [تحقيق البقال: 80/1]:.. و بهذا الاعتبار كثرت أحاديثهم الصحيحة، و قلّت أحاديثنا الصحيحة، مضافا الى ما اكتفوا به في العدالة من الاكتفاء بعدم ظهور الفسق و البناء على ظاهر حال المسلم، فالأخبار الحسنة و الموثّقة عندنا صحيحة عندهم مع سلامتها من المانعين المذكورين. - أعني الشذوذ و العلة - و من هنا نجد البخاري في صحيحه روى عن جماعة من الخوارج و القدرية و المرجئة، بل و حتى عن أصحاب البدع و الأهواء.

و لا يخفى ان القوم قد قبلوا كثيرا الخبر الشاذ و المعلل عملا، و نحن لم نقبلهما واقعا، و ان دخلا في الصحيح على اصطلاحنا أحيانا، و ذلك بحسب

ص: 110

العوارض الطارئة.

61 التاسعة: ان الحديث لو توفرت فيه شروط الصحة عدّ صحيحا بلا كلام، و وجب العمل به. و لكن بعض النقاد عدل عن قوله: حديث صحيح

- مع كونه مستجمعا لشروط الصحة - الى قوله: حديث صحيح الإسناد، خشية كون المتن فيه شذوذ أو علة. فيصح السند دون المتن، و لا تستلزم صحة الاسناد صحة المتن، و لذا قالوا: ما كلّ ما صح سندا صح متنا - كما نص عليه في اختصار علوم الحديث:

46، و علوم الحديث: 167، عن توضيح الافكار: 193/1 و غيرهم -. قال ابن حجر - كما حكاه في التدريب: 92/1 -: و الذي لا أشك فيه ان الإمام منهم لا يعدل عن قوله: صحيح، الى قوله: صحيح الإسناد الا لأمر ما، فإذا قال ذلك حافظ معتمد و لم يذكر للحديث علة قادحة، فالظاهر صحة المتن.

هذا و ان ارادوا صحة السند و المتن معا قالوا: هذا حديث صحيح، و هي أرقى العبارات عندهم.

أقول: هذا على مبنى القوم من جعل العلة و الشذوذ قيدا في تعريف الحديث الصحيح، و قد فرغنا عن مناقشتهم.

62 العاشرة: نجد في كتب العامة قولهم: متفق عليه، صحيح متفق عليه - أو على صحته - أو على شرط الشيخين - اي البخاري و مسلم - و غير ذلك مما يومي الى مراتب الصحة. و مرادهم:

ان يخرجا الحديث المجمع على ثقة رجاله الى الصحابي المشهور على مبنى البخاري و مسلم، و هو المعبّر عنه بأرفع الصحيح أو المتفق عليه، لاشتماله على أعلى الاوصاف المقتضية للصحة. و قد أسهب السيوطي في التدريب: 9/1-124 لتوضيح ذلك.

ص: 111

قال ابن الملقن في التذكرة في علوم الحديث: 13 بعد تعريف الصحيح ب:

ما سلم من الطعن في إسناده و متنه. ثم قال: و منه متفق عليه، و هو ما أودعه الشيخان في صحيحيهما.

و ألّف الحازمي كتابا في شروط الأئمة منهم، و ذكر فيهما شرط الشيخين و غيرهما، قال: مذهب من يخرّج الصحيح ان يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه و في من روى عنهم و هم ثقات أيضا و حديثه عن بعضهم ثابت يلزمه اخراجه، و عن بعض مدخول لا يصح اخراجه الا في الشواهد و المتابعات، و هذا باب فيه غموض، و طريقه: معرفة طباق [كذا، و الظاهر: طبقات] الرواة عن الراوي الاصل و مراتب مداركهم.. الى آخره.

63 الحادية عشرة: الصحيح مقبول عند اكثر اصحابنا مطلقا، بل عليه الاجماع اذا اعتضد بقطعي

كفحوى الكتاب أو متواتر أو دليل عقلي، و قد يقبل غير الصحيح أيضا إذا كان كذلك، و يردّ الخبر مطلقا ان لم يكن كذلك، لامتناع ترجيح الظن على العلم، و كذا باعراض الأكثر عند الاكثر، أو معارضة الاقوى سندا أو اسنادا..

الى غير ذلك من المرجحات.

و من هنا نقلت الخاصة ما روته العامة في مجاميعهم الحديثية و صحاحهم المعروفة لعدم حكمهم بكذبها، بل لعدم صحتها في الجملة لا بالجملة، و الصدق و الكذب أمر خارج عن مدلول الخبر، و ذلك لما يترتب عليها من جواز العمل بالآداب و السنن خصوصا قاعدة التسامح في أدلة السنن، و كذا في باب المواعظ، بل قيل في صفات الجلال و الكمال.. و غير ذلك.

64 الثانية عشرة: قال ابن الصلاح في المقدمة: 9-87 إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث و غيرها حديثا صحيح الإسناد

و لم نجده في أحد الصحيحين، و لا منصوصا

ص: 112

على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فانا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد في ذلك الا و تجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ و الضبط و الإتقان، فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح و الحسن الى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير و التحريف.. الى آخره.

65 الثالثة عشرة: لابن الأثير في جامع الأصول: 1/1-90 تقسيم غريب، و اصطلاحات شاذة، أذكر كلامه بطوله ليعرف موارد الإنكار فيه.

قال: الصحيح من الأخبار التي يعمل بها قسمان: مشهور و غريب، فالمشهور ضربان: أحدهما: ما بلغ حد التواتر، و الآخر: ما لم يبلغ حد التواتر، و الغريب ضربان: أحدهما: ما لم يدخل حد الإنكار، و الآخر: ما دخل في حد الإنكار.

فالأول: يسمى علم يقين، و هو اخبار التواتر.

و الثاني: يسمى علم طمأنينة، و هو اخبار الآحاد التي لم يختلف السلف فيها و في العمل بها.

و الثالث: يسمى علم غالب الرأي، و هو ما اختلف العلماء في أحكام الحوادث على ورود أخبار فيها متعارضة، فقبلها بعضهم، وردها بعضهم بلا إنكار و لا تضليل.

و الرابع: يسمى علم ظن، و هو ما رده السلف من الأخبار التي يخشون منها الإثم على العامل بها، لقربها من الكذب، كما يخشون الإثم على تارك العمل بالمشهور لقربه من الصدق، و المحدّثون لا يطلقون اسم الصحيح الا على ما لا

ص: 113

يتطرق اليه تهمة بوجه من الوجوه.

و ما ليس بصحيح، فهو عندهم حسن و غريب، و شاذ و معلل، و منفرد به، و لكل واحد من هذه الأقسام شرح و بيان نذكره في هذا النوع.

ثم قال: و نقسم القول فيه الى قسمين:

أحدهما في الصحيح، و الآخر: في الغريب و الحسن.

ثم قال: القسم الاول: في الصحيح، و ينقسم الى عشرة أنواع، خمسة منها متفق على صحتها، و خمسة مختلف في صحتها.. و غيرها. فراجع.

66 الرابعة عشرة: قيل: بين قولهم: في صحيح فلان، و قولهم: في الصحيح عن فلان فرق،

فالاول لا يشترط فيه وثاقة فلان كطريقه، اما الثاني فيكفي فيه وثاقة طريقه.

***

ص: 114

مستدرك رقم: (41) الجزء الاول: 160 كتب الصحاح عند العامة و الخاصة:

اشارة

ان بعض علماء العامة صنف كتبا خاصة بالحديث الصحيح، و عرفت عندهم ب: الصحاح، و هذه محاولات سبقتها مساع لجمع الحديث من دون افراده بذكر الصحيح كموطأ مالك لاشتماله على المرسل و المضعّف و المنقطع و غيرها و ان صح عنده.

و أول مصنف عرف بذلك هو صحيح البخاري (194-256 ه) خصه - كما زعم - بالصحيح المجرد، ثم صحيح مسلم (204-261 ه)، ثم غيرهما من بعدهما حتى وصلت صحاحهم الى ستة.

و قد فصّل النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 117/1-188 و ذكرا بابا في تعيين أصح الكتب، و كذا السخاوي في فتح المغيث تبعا للعراقي في الألفية: 27/1-34، و صبحي الصالح في آخر كتابه علوم الحديث.. بل كل من كتب في الدراية منهم.

و للمرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين كتاب رائع - كجملة كتبه - باسم تحفة العلماء في من اخرج عنه في الصحيحين من الضعفاء، أبان فيه كثيرا من الخلط و اللبس الذي وقع فيه القوم في صحاحهم.

و على كل، فان الخاصة - حيث فتحت باب الاجتهاد - لم تول هذه الجهة الأهمية خصوصا مع تعدد المباني و اختلاف المشارب، و ان لا معنى لتقليد شخص مجتهد من مجتهد آخر، و جميع المحاولات الشيعية لتشذيب الأحاديث و تهذيبها لم

ص: 115

يحظ لها ان تعرف كصحاح، بل و حتى كمصادر حديثية أولية.

الا ان هناك مساعي طفيفة من بعض الأعلام في هذا الميدان، و أول من غرف بها العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المتوفى سنة 726 ه ألّف كتابيه: الدّر و المرجان في الاحاديث الصحاح و الحسان - كشف الحجب و الأستار: 213 برقم/ 1089، و الذريعة: 87/8 - و كتاب النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح - مقدمة أجوبة المسائل المهنائية للشيخ الوالد دام ظله:

10، و الذريعة: 427/24 برقم 2229 -.

و لولد الشهيد الثاني العلامة جمال الدين ابي منصور الحسن بن زين الدين (959-1011 ه) كتاب منتقى الجمان في الاحاديث الصحاح و الحسان، نظير الدّر و المرجان، و في اوله فوائد درائية و رجالية - الذريعة: 5/23 برقم 7821 - مطبوع و لم يتم، و كذا لشيخنا البهائي كتاب، قال في الوجيزة: 18-19:.. و قد وفقني اللّه سبحانه و انا أقل العباد محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي عفا اللّه عنه للاقتداء بآثارهم و الاقتباس من أنوارهم فجمعت في كتاب: الحبل المتين، خلاصة الاصول الاربعة من الاحاديث الصحاح و الحسان و الموثقات التي منها تستنبط الاحكام.. الى آخره، و شرحها شرحا لطيفا، و كذا له كتاب الأحاديث الصحاح و شرحها، و لتلميذه الشيخ المولى نظام الدين محمد بن الحسين الساوجي المتوفى بعد سنة 1038 ه كتاب الصحيح العباسي، و هو كتاب مفصل أورد فيه صحاح الاخبار من الكتب الاربعة المشهورة و غيرها من الكتب المعتمدة مع الشرح و التبيين ثم اختصرها في كتاب آخر بهذا الاسم و اقتصر فيها على مجرد ذكر الاخبار. و آخر من نعرف من هذه المساعي ما قام به بعض الاخوان الافاضل بمشروع كتابة صحيح أهل البيت عليهم السّلام لجمع الأحاديث المجمع على صحتها أو المتفق على العمل بها، و ذلك بالتعاون مع بعض اللجان، و لا زال المشروع لم ير النور، كلّل اللّه مساعيهم بالتوفيق و التأييد.

ص: 116

هذا و ان كتاب العمدة لابن بطريق قد عدّ من كتب الصحاح عند الخاصة. و كذا الصراح في الاحاديث الحسان و الصحاح للسيد ابي تراب الخوانساري المتوفى سنة 1346 ه و كذا كتاب: الاحاديث الصحيحة النبوية المروية عن الائمة عليهم السّلام للشيخ علي الدانيالي الفسوي البرازي الجهرمي - القرن العاشر الهجري - كما جاء في معجم المؤلفين: 89/7 -.

و للامام قطب الدين سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الراوندي المتوفى سنة 573 في كتابه: رسالة في أحاديث أصحابنا و إثبات صحتها - كما جاء في كشف الحجب و الأستار: 230 برقم 1194 - حيث سعى لاثبات صحة جلّ ما عندنا من روايات.

و للمولى نور الدين نوروز علي بن المولى رضي الدين محمد التبريزي القزويني من أعلام القرن الحادي عشر الهجري رسالة في التمييز بين صحيح الأخبار و ضعيفها و كذبها. كما ذكره في رياض العلماء: 260/5.. و غيرهم، و هذا فيض من غيض مما وسعنا جمعه في هذا الباب.

اقول: ان الحديث مهما كان، و اين ما كان، و ممن كان عند الشيعة يخضع دائما للدرس و التمحيص و النقد و التحقيق.

و ان قواعد الجرح و التعديل لا تستثني حديثا سندا و متنا في جميع كتب الحديث عند المسلمين للبحث الدرائي عنها، و قواعد علم الدراية و الأصول و الفقه دوما تحيطهما بالبحث و التحقيق و النقد بمقدار ما يخصها، و لا يتوقف في الأحاديث التي وردت و لا تصحح بشكل مطلق، كل ذلك كي لا يسد باب الاجتهاد و يجمد العقل، و لا نتورط كما تورط ابناء العامة بسد باب النقد و الاجتهاد نتيجة اجتهادات شخصية بحتة و تخرصات صرفة.

67 فائدة: هناك محاولات عديدة لحصر الروايات الصحيحة و فرزها عن غيرها،

ص: 117

و هي كاختها باءت بالفشل و لم تتلق بالقبول، فما في لؤلؤة البحرين: 395 - مثلا - من عدّ احاديث الكافي في ستة عشر الفا و مائة و تسعة و تسعين حديثا، ثم حصر الصحيح منها بخمسة آلاف و اثنين و سبعين حديثا، و الحسن مائة و اربعة و اربعون حديثا، و الموثّق الف و مائة و ثمانية عشر حديثا، و القوي منها اثنان و ثلاثمائة حديث، و الضعيف منها اربعمائة و تسعة آلاف و خمسة و ثمانون حديثا.. هذه المحاولة كغيرها تعدّ صرف وجهة نظر خاصة لم يعن بها و لم تلق القبول.

***

ص: 118

مستدرك رقم: (42) الجزء الاول: 162 الحسن عند العامة:

اختلفت العامة في تعريف الحسن كثيرا، فقد ناهزت الاقوال في تعريفه عشرة اكثرها متقارب، و اجمع ما عرفته العامة قول ابن حجر في نخبة الفكر:

11:.. و خبر الآحاد بنقل عدل تام ضابط متصل السند غير معلل و لا شاذ هو الصحيح لذاته... فان خفّ الضبط فهو الحسن لذاته. و بذا حكم الأكثر من قدمائهم و عليه يدور أمره بين قوة الضبط و ضعفه. و اختار ابن الصلاح في المقدمة:

104 - بعد رده للترمذي و الخطابي انه ليس في تعريفهما ما يفصل الحسن من الصحيح - قال: ان الحديث الحسن قسمان:

أحدهما: حديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تحقق أهليته غير انه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه و لا هو متهم بالكذب في الحديث..

و يكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بان روى مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من مشاهد و هو ورود حديث آخر بنحوه، فخرج بذلك عن أن يكون شاذا و منكرا.

القسم الثاني: ان يكون راويه من المشهورين بالصدق و الأمانة غير انه لم يبلغ درجة رجال الصحيح.. الى آخره.

و قيل: الحسن: ما به ضعف قريب يتحمّل، نسبه ابن الصلاح لابن الجوزي، و اضاف في المقدمة: 104: و يصلح للعمل به.

و عن الترمذي: ما لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، و لا يكون شاذا،

ص: 119

و يروي من غير وجهه نحوه، و قد ذكره الترمذي في جامعه في أواخر كتاب العلل:

758/5.

قال ما نصه: و ما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن، فانما أردنا به حسن إسناده عندنا، ثم قال: كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب و لا يكون الحديث شاذا، و يروى من غير وجه [كذا] نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن. و قد فسر بعض كلماته في كشاف اصطلاحات الفنون: 151/2 و ما بعدها.

و قيل: الحسن: هو الذي فيه ضعف محتمل يصلح للعمل به، و لعله و ما نسب لابن الجوزي واحد.

و قيل: هو ما عرف مخرجه و اشتهر رجاله، كما عرّفه عنهم في وصول الأخبار: 96، و كذا في ألفية العراقي و شرح السخاوي لها: 62/1، و سبقهم ابن الصلاح في مقدمته: 103 حاكيا إياه عن الخطابي، و هو مبنيّ على قاعدتهم في العدالة بعدم اشتراط العلم بها، بل يكفي عندهم عدم العلم بالفسق في الراوي.

و اشترط في علوم الحديث: 156 - بالاضافة الى ما مرّ - سلامته من الشذوذ و العلة كالصحيح، تبعا لشيخ الاسلام في النخبة.

و عن الطيّبي - كما في قواعد التحديث: 102 -: الحسن: مسند من قرب من درجة الثقة أو مرسل ثقة، و روى كلاهما من غير وجه و سلم من شذوذ و علة.

ثم قال القاسمي: و هذا الحد أجمع الحدود في الحسن و أضبطها.

و قال في التعريفات: 77 - في تعريف الحسن -: ان يكون راويه مشهورا بالصدق و الأمانة غير انه لم يبلغ درجة الحديث الصحيح، لكونه قاصرا في الحفظ و الوثوق، و هو مع ذلك يرتفع عن حالة من دونه.

و قال الهندي: الحسن ما لا يكون في إسناده متهم و لا يكون شاذا - تذكرة الموضوعات: 5 -.

و غريب تعريف ابن الأثير في جامع الأصول: 104/1 حيث قال:

ص: 120

فالحديث الحسن اذا واسطة بين الصحيح و الغريب.

.. الى غير ذلك من التعاريف التي نحن في غنى عن تفصيلها و ان تقارب اكثرها لفظا أو معنى.

ثم ان لهم بحثا مع الخطابي في تعريف الحسن و مآخذ اخذوها عليه، و كذا نقود على الترمذي و من تبعه و اشكالات اوردوها عليه، ذكرها السيوطي في شرحه على تقريب النووي مفصلا: 153/1 و ما بعدها، و كذا السخاوي في شرح ألفية العراقي: 64/1 و ما بعدها، و غيرهم.

و أنت ترى أن كل هذه التعاريف مباينة للحسن الذي عرّفه الاصحاب، و نحن نشترك معهم في الاسم فقط و نفترق في الجوهر، كأكثر ما يجمعنا.

هذا و ان مدار أكثر أحاديثهم على الحسن، و قد قبله حكما أكثرهم و عمل به كلهم و عامة فقهائهم لعدم اشتراطهم العلم بالعدالة.

و الملاحظ ان قدماءهم قسّموا الحديث الى مقبول و مردود، و الحسن اما يكون تابعا الى الصحيح - كما نقل عن الذهبي نسبته الى البخاري و مسلم - أو من نوع الضعيف الذي لا يترك العمل به ان كان راويه ليس متهما بالكذب و لا كثير الغلط، و انما هو ضعيف الضبط، هذا عند قدمائهم، اما المتأخرون منهم فقد عدّوا الحسن قسما مستقلا برأسه برزخا بين القسمين كما هو عندنا من هذه الجهة.

ثم ان كل هذه التعاريف للحسن انما هو المعبّر عنه عند بعضهم ب: الحسن لذاته دون الحسن لغيره، الذي سنستدركه.

***

ص: 121

مستدرك رقم: (43) الجزء الاول: 167 اقسام الحديث الحسن:

ذهب بعض العامة الى تقسيم الحسن - كالصحيح - الى قسمين:

حسن لذاته، و حسن لغيره - أو بغيره، أو باعتضاده، أو باعتبار الانجبار - كما ذكرهما ابن الصلاح و النووي و ابن حجر و السيوطي و غيرهم.

و الحسن لذاته: ما اتصل سنده بعدل خفّ ضبطه من غير شذوذ و لا علة، - و قد استدركنا تعريفه قريبا - و انما كان حسنه لذاته لأنه ناشئ من توفر شروط خاصة فيه لا نتيجة شيء خارج عنه، و اذا أطلق الحسن عندهم أريد هذا منه، و قد يرتقى الى درجة الصحيح لغيره.

و قيل: ما كان راويه من قلّ ضبطه مع حيازته بقية الشروط المتقدمة في حد الصحيح، و جعل هذا هو الحسن لذاته لا شيء خارج، و الحسن لشيء خارج هو الذي يكون حسنه بسبب الاعتضاد، نحو الحديث المستور اذا تعددت طرقه، كذا ذكره في المقابيس 24 - خطي -.

و بعبارة أخرى: ان الحسن لغيره: هو ما كان في إسناده مستور لم تتحقق أهليته، غير انه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، و لا هو متهم بالكذب في الحديث و لا بسبب آخر مفسّق، على ان يعضد براو معتبر من متابع أو شاهد.

و عليه فالحسن لغيره اصله ضعيف، و حسنه بواسطة العاضد له، و الأول صحيح عند قوم حسن عند آخرين، و الثاني حسن عند جمع ضعيف عند غيرهم، كما تعرض لذلك مفصلا في فتح المغيث: 67/1 - الهند: 11 - و تدريب الراوي:

ص: 122

68/1، قواعد الحديث: 43، قواعد التحديث: 102، أصول الحديث 333، علوم الحديث: 156.. و غيرهم.

و كل هذا اجنبي عن مصطلحنا مقسما و قسما و تقسيما، و لم نجده في كلمات أصحابنا.

قال الدربندي بعد تعريفه لهما في مقابيسه: 24 - خطي -:.. هذا و انت خبير بان هذا كله مما لا يخلو عن ركاكة و مدخولية في عدم الاطراد أو عدم الانعكاس أو استلزامه الدور أو المصادرة أو نحو ذلك.

هذا، و قد عدّوا للحديث الحسن مراتب - كالصحيح - و جعلوا له: أحسن الأسانيد و أوهنها، كما لذاك أصح الأسانيد و أضعفها، و ذكروا له أمثلة و شواهد.

منها ما حكي عن الذهبي - كما في التدريب: 160/1 - قال: فأعلى مراتبه:

بهر بن حكيم عن أبيه عن جده، و عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، و ابن إسحاق عن التميمي.. و أمثال ذلك مما قيل انه صحيح و هو أدنى مراتب الصحيح، ثم بعد ذلك ما اختلف في تحسينه و تضعيفه كحديث الحارث بن عبد اللّه... الى آخر كلامه.

***

ص: 123

مستدرك رقم: (44) الجزء الاول: 168 حجية الحديث الحسن عند العامة و الخاصة:

إن مشهور علماء الدراية و الحديث - من الفريقين - ذهب الى الاحتجاج بالحديث الحسن و العمل به كالصحيح، و ان كان عند الجميع دونه في القوة، و من هنا نجد ان جلّ قدمائنا رضوان اللّه عليهم أدرجه في الصحيح كما هو ديدن الشيخ الصدوق و الشيخ المفيد رحمهما اللّه و من لف لفهما منّا، و الحاكم و ابن حبان و ابن خزيمة و نظائرهم منهم، كما نص عليه السيوطي في تدريبه 91/1، و السخاوي في فتحه: 6/1-71، و القاسمي في قواعد التحديث: 7-106 و غيرهم.

و لذا لم نفهم وجه الأكثرية في قول السيد حسن الصدر في نهاية الدراية:

82 من قوله: و اما أكثر علمائنا فلم يعملوا به - أي الحسن - بناء على قاعدتهم في اشتراط العلم بالعدالة و عدم الاكتفاء بعدم العلم بالفسق، ثم قال: و لكن كثيرا ما يحتجون به كما يحتجون بالصحيح و إن كان دونه في القوة، و يعملون به! إذا اعتضد بما يقويه من عموم أو حديث آخر.. و اشباههما. ثم قال: و قد عمل به الشيخ و جماعة. و قد تبع في ذلك والد الشيخ البهائي رحمهما اللّه في وصول الأخيار:

81 [التراث: 97] حيث قال: و الحق ان من اكتفى في العدالة بظاهر الاسلام و اشترط ظهورها عمل بالحسن مطلقا.

و اما التفصيل الذي ذكره فهو ما فصله المحقق في المعتبر و الشهيد حيث عملا بالحسن و الموثّق بل و حتى الضعيف - كما سيأتي - إذا كان العمل بمضمونه مما اشتهر بين الأصحاب و يكون مجبورا بذلك، بل و قد قدّم على الصحيح في

ص: 124

بعض الموارد فيما لو لم يكن العمل بالصحيح مشتهرا، و هو مشهور المتأخرين و مدار أكثر الحديث، و قبله أكثر العلماء، و عمل به غالب الفقهاء. قال في الوجيزة:

7: و الحسان كالصحاح عند بعض، و يشترط الانجبار باشتهار عمل الأصحاب بها عند آخرين، كما في الموثّقات و غيرها.

قال في وصول الأخيار: 174: و أما الحسن، فلا يفيد ظنا راجحا قريبا مما يفيده الصحيح، بل بعضه لا يكاد يقصر عنه كما يرويه إبراهيم بن هاشم و نحوه.

و تظهر الثمرة في التمييز بين الصحيح و الحسن عند التعارض بترجيح الصحيح عليه عند من يعمل بالحسن، و عند من لا يحتج الا بالصحيح فليس له ثمرة اصلا إلا الفرز عنه، فتدبّر.

و هذا مبني على بحث أصولي في ان المناط في حجية أخبار الآحاد ما هو؟.

فمن كان كالشيخ الجد قدس سره و أشباهه ممّن جعل الحجية من باب الظن الاطميناني بالصدور من أي الأقسام كان صح عمله، و إلا فلا.

***

ص: 125

مستدرك رقم: (45) الجزء الاول: 168 فوائد (حول الحديث الحسن):

68 الاولى: قد يقترن الحسن بقرائن حالية أو مقالية ترقّيه من درجة الحسن الى الصحة،

و هذا على مبنى العامة واضح، حيث المدار في الحسن عندهم على قلّة الضبط مع كونه عدلا.

فيزول سوء الحفظ و الضبط عنه لوجود طريق آخر له يعاضده و يقويه - كما صرح به في تدريب الراوي 103/1، نخبة الفكر: 11 و قواعد التحديث:

3-102 و غيرهم -، و كذا عند معاضدته للقرائن العامة.

أو قل: إن الحسن إذا روى من وجه آخر ترقى من الحسن الى الصحيح لقوته من وجهين، فيعتضد أحدهما بالآخر، و ذلك لأن الراوي في الحسن متأخر عن درجة الحافظ الضابط مع كونه مشهورا بالصدق و الستر، و قوي بالمتابعة، و بذا يترقى و يلحق بالصحيح لا أنه عينه.

69 الثانية: الحسن برزخ بين الصحيح و الضعيف و وسط بينهما،

فهو قريب الى الصحيح لكون رجاله مستورين و احتمال الكذب أقرب اليه من الصحيح و أبعد من الضعيف، و قال في وصول الأخيار: 96: و الحاصل ان شرائط الصحيح معتبرة في الحسن لكنه لا بد في الصحيح من كون العدالة ظاهرة، و كون الإتقان و الضبط كاملا، و ليس ذلك بشرط في الحسن.

ص: 126

70 الثالثة: قد يروى الحديث من طريقين أو أكثر أحدهما صحيح و الآخر حسن أو موثّق أو ضعيف،

فيغلب فيه القوي و يكون الباقي شاهدا و مؤيدا و مقويا له، و قد يحكم على حديث بالصحة و نفس الحديث عند آخر حسن أو ضعيف، و ذلك لانه قد وجده الأول بطريق صحيح لم يقف عليه الآخر، أو بسبب الاختلاف في المبنى أو البناء، و يحكم كل بحسب ما وصل إليه، و أكثر الاختلافات الفقهية ناشئة من ذلك.

71 الرابعة: ان الصحيح و الحسن و القوي - الذي لم يفرده المصنف قدس سره - عند الإمامية تشترك في ان الرواة فيها إماميون،

إلا ان كل واحد منها اختص بفصل مميز، و الموثّق ما كان في السند غير الإمامي من أحد الفرق غير الاثني عشرية كلا أو بعضا مع تعديل كلهم و توثيقهم من أصحابنا. و الضعيف أعم، فلاحظ و تدبّر.

72 الخامسة: قد يراد عند الحكم على حديث بالحسن أحيانا الحسن اللغوي سواء أ كان من جهة لفظه أم مؤداه لا الحسن الاصطلاحي،

و قد وجدت صدوره من بعضهم خصوصا القدماء، و قد يطلق الحسن على المنكر نادرا، و ربما أطلق على الغريب شاذا، و وجد عند الشافعي إطلاقه على المتفق على صحته!

73 السادسة: ربما قالوا: حديث حسن.. و يريدون حسنه بحسب المعنى دون السند،

كما قاله الترمذي في حديث الكساء: هذا حديث حسن صحيح! كذا قيل.

74 السابعة: ربما يقال: حديث حسن الإسناد أو صحيحه

دون قولهم حديث حسن أو

ص: 127

صحيح، لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لعلة أو شذوذ على ما قرروه، و قد صرح بهذا جمع، منهم السخاوي في فتح المغيث: 87/1، و قبله ابن الصلاح في المقدمة: 113، و هو مبني على مبناهم في معنى الحسن كما لا يخفى، و ان ذكر في بعض كتب الخاصة.

و على كل، فالتقييد للإسناد بالحسن لا يستلزم حتما حسن المتن أو صحته - كما مر في الصحيح - كما لا يدل على ضعفه، الا ان يعرف من المطلق - اسم فاعل - الحكم للإسناد بواحد منهما و عدم التفرقة بين اللفظين خصوصا إذا كان في مقام الاحتجاج و الاستدلال، و يلحق بذلك ما لو حكم للإسناد بالضعف لسوء حفظ أو بسبب انقطاع أو إرسال و نحو ذلك، مع ان للمتن طريقا آخر صحيحا أو حسنا.

75 الثامنة: قال في وصول الأخيار: 4-173: لا شبهة عندنا في تقديم الصحيح على الحسن و الموثّق عند التعارض إذا لم يمكن تأويلهما،

و اما إذا أمكن تأويلهما أو حملهما على بعض الوجوه فانه يجب عند من يعمل بهما، و ترجيح ذلك على طرحهما بالكلية، بل قد رأينا الشيخ الطوسي رحمه اللّه في مواضع متعددة يؤوّل الصحيح و يعمل بالحسن أو الموثّق عند التعارض لنوع من الاعتبار و مساعدة بعض الأدلة، و اما إذا لم يعارضهما صحيح فقد قبلهما جماعة من علمائنا و احتجوا بهما كالشيخ و من نهج منهجه، سيما إذا عضد أحدهما رواية أخرى أو دليل آخر.

و اما الحسن: فلا يفيد ظنا راجحا قريبا مما يفيده الصحيح، بل بعضه لا يكاد يقصر عنه كما يرويه إبراهيم بن هاشم و نحوه.

و اما الموثّق: فلأن نقل المذهب قد يعلم بالفساق فضلا عن الموثقين كما يعلم ان مذهب الشافعي كذا، و ان لم ينقله عنه عدل، و لقول الصادق عليه السّلام: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما يروى عنا فانظروا الى ما

ص: 128

رووه عن علي عليه السّلام فاعملوا به..

76 التاسعة: لا يخفى ان الاصحاب وثّقوا جماعة من غير الإمامية سواء أ كانوا من فرق الشيعة غير الاثني عشرية أم أبناء العامة كالسكوني و غيره، و هي شهادة بأمانة الموثق و صدقه في الحديث دون عدالته،

و بمثل هذا وثّقوا كثيرا من الإمامية، فلتكن هذه كتلك - اي شهادة بتحرزهم عن الكذب - و لم صارت شهادة بعد التهم..؟! هذا حاصل ما أشكله في قواعد الحديث: 32.

إلا أن يقال: إن توثيق الإمامي مع عدم جرحه بما يخلّ بعدالته يقضي بكونه عدلا، و ان السكوت هنا كاشف عن ذلك، فتأمل.

و سيأتي للبحث صلة في ألفاظ المدح و التعديل (ثقة) فلاحظ.

77 العاشرة: ذهب البلقيني في محاسن الاصطلاح المطبوع ذيل مقدمة ابن الصلاح: 105 الى قوله:... و يطلق الأحسن على الغريب أيضا،

فقد قال النخعي: كانوا يكرهون إذا اجتمعوا ان يخرج الرجل أحسن ما عنده. قال السمعاني عنى بالأحسن الغريب. و ربما يطلق الحسن على المنكر. قيل لشعبة: لأي شيء لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان و هو حسن الحديث؟ قال: من حسنه فررت!.

ص: 129

79 الثانية عشرة: للعامة كتب سميت بالسنن تعدّ عندهم بعد مرتبة الصحاح و بمنزلة الحسن،

و هي اربعة، و لم يشترط مصنفوها تجريد الصحيح فيها، بل أخرجوا فيها الصحيح و الحسن و الضعيف.

و هي:

1 - سنن أبي عيسى الترمذي (209-279 ه) و سننه الأصل في معرفة الحسن عند العامة كما أطبقت عليه العامة، و صرح به غير واحد كابن الصلاح في المقدمة: 109.

2 - سنن أبي داود السجستاني (202-275 ه).

3 - سنن أبي عبد الرحمن النسائي (215-303 ه).

4 - سنن أبي عبد اللّه بن ماجة القزويني (209-273 ه).

و لهم كتب مسانيد كمسند أحمد بن حنبل (164-241 ه) مرتبة على أسماء الصحابة و ذكروا فيها لكل صحابي أحاديثه مسندة، و لا يلاحظ فيها - أيضا - الصحة و الضعف بل هي أعم، و إن كانت من جهة الاعتبار تعدّ في مرتبة الحسن عملا.

80 الثالثة عشرة. ذكر في قواعد الحديث: 30 ما حاصله:

ان مدح الراوي لما كان موجبا لاعتباره و الأخذ بحديثه كالتوثيق، فلما ذا خصّوه بالامامي و لم يتعدوا عنه؟ و هلاّ كان المدح بمنزلة التوثيق من اعتبار الراوي و عدّ حديثه حسنا، و ان لم يكن اماميا؟.

و حاصل ما اجاب عنه: ان اعتبار الامامي الممدوح من اجل ثبوت عدالته بالمدح، لان العدالة عبارة عن حسن الظاهر، و المراد منه عدم ظهور ما

ص: 130

ينافي العدالة المقرون بالمدح، و هذا خاص بالامامي، و مدح غيره أو توثيقه لا يعدّ له.

و الحاصل ان المدح بنفسه لا يوجب اعتبار الراوي و انما يكون امارة عدالته بخلاف التوثيق لأنه يوجب اعتبار الموثق بنفسه و ان لم يكن عدلا فلا يختص بالامامي.

و لا يخفى ما في الجواب من تأمل، و لنا مزيد تحقيق في بحث حجية الخبر الحسن، و نضيف هنا ان ما ذكره يتم على بعض المباني في باب العدالة، و لكن الحق ان الغرض من الراوي هو الأخذ بروايته و هنا حيث كلا القسمين فيه مدح و زاد حسن الحسن باماميته لذا قدّم على ذاك من جهة الحجية.

81 الرابعة عشرة: لا اعرف كتابا أفرد عند الشيعة في الحديث الحسن خاصة،

لما قلناه في الصحيح، و يعد جامع أبي عيسى الترمذي أصلا في معرفة الحديث الحسن عند العامة - كما مر -. و هو أول من عرف انه قسّم الحديث الى القسمة الثلاثية - كما أسلفنا -، و لهم مؤاخذات عليه في تعريفه للحسن، كما ان له مصطلحات خاصة فيه، نذكر منها ما تعارف درجه في الموسوعات الحديثية.

منها: حديث حسن صحيح: و مراده ان الرواية الموسومة بالحسن ثبت من طريق آخر انها حوت شروط الصحة، فهي برزخ بين القسمين، أو قل:

حديث روى باسنادين أحدهما يقتضي الصحة و الآخر يقتضي الحسن، و على كل فان الحسن قاصر عن الصحيح، و الجمع بينهما في حديث جمع بين المتنافيين، الا ان يكون ذلك راجعا الى الاسناد و انه جمع بين حديث يتصف بالصحة تارة و بالحسن اخرى، و لعله اريد من الحسن هنا معناه اللغوي.

و منها: حديث صحيح غريب: و هو ما روى صحيحا من وجه واحد فيكون غريبا، و قد أنكروا على الترمذي في مصطلحه هذا، و لكنه موجود عندنا على ما هو معروف بيننا من معنى الغرابة.

ص: 131

و له ثمت مصطلحات أخر لا ثمرة مهمة لنا في تحقيقها، لاعراضهم عنها، و تضارب الاقوال فيها، لاحظها في تقريب النووي و شرحه للسيوطي: 12 ط الهند، و قواعد التحديث: 6-103 و غيرها.

82 الخامسة عشرة: لو قيل هذا حديث حسن الاسناد أو صحيحه فهو دون قولهم حديث صحيح أو حديث حسن،

لأنه قد يصح و يحسن الاسناد لاتصاله و ثقة رواته و ضبطهم دون المتن لشذوذ أو علة، و اما قولهم: حسن صحيح، فللتردد الحاصل من المجتهد في الناقل، اي حسن عند قوم باعتبار وصفه، صحيح عند قوم باعتبار وضعه، فهذا دون ما قيل فيه صحيح فقط، لعدم التردد هناك، و هذا حيث يحصل من الناقل التفرد بتلك الرواية، بان لا يكون الحديث ذا سندين، و ان لم يحصل التفرد فباعتبار اسنادين أحدهما صحيح و الآخر حسن، فهو فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا، لأن كثرة الطرق تقوّي.. كذا أفاده غير واحد منهم التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون: 153/2.

***

ص: 132

مستدرك رقم: (46) الجزء الاول: 171 الحديث القوي:

اشارة

القوي: عدّ بعضهم هذا النوع قسما برأسه، و هو الحق.

و عرّف - كما مرّ - بكونه: ما كانت سلسلة السند اماميين مسكوت عن مدحهم و ذمهم كلا أو بعضا - و لو واحدا - مع تعديل البقية كما في الوجيزة: 5 و شرحها النهاية: 89.

و قال في جامع المقال: 3:.. اطلقوه - اي القوي - على ما رواه من سكت عن مدحهم و قدحهم، و نظيره في توضيح المقال: 50:.. و انه ما خرج من الأقسام الثلاثة - اعني الصحيح و الحسن و الموثق - و لم يدخل في الضعيف. و قال في معين النبيه: 6 - خطي -: و يطلق القوي - أيضا - على ما كان جميع رواته اماميين لا ممدوحين و لا مذمومين. و قال في وصول الأخيار: 98 [التراث]:.. و قد يراد بالقوي مروي الامامي غير الممدوح و لا المذموم، أو مروي المشهور في التقدم غير الموثّق، ثم قال: و الاول هو المتعارف بين الفقهاء.

و قد اصر السيد الداماد في الرواشح السماوية: 41 - بعد تعريفه للقوي - على تمايزه مع الموثّق، و ان كلا قسم برأسه و مباين لتلك الأقسام، ثم قال: فلا يصح إدراجه في أحدهما، و لا هو بشاذ الحصول نادر التحقق حتى يسوغ إسقاطه من الاعتبار رأسا، بل انه متكرر الوجود متكثر الوقوع جدا.. و ذكر أمثلة لذلك.

ثم قال - بعد ذلك -: 42: و ربما سبق الى بعض الأذهان ان يتجشم إدراجه - اي القوي - في الحسن و هو القسم الثاني تعويلا على ان عدم الذم مرتبة من مراتب

ص: 133

المدح، و كأنه و هم بيّن الوهن و السقوط كما ترى [كذا].

و نعم ما أفاده أعلى اللّه مقامه، و تبعه الدربندي في درايته: 23 - خطي - فقال: و كثيرا ما يطلق القوي على الموثّق، و لكن هذا الاسم بهذا القسم أجدر و هو به أحق، فلو لا ذلك بأن بني الأمر على الاصطلاح الاشهر لزم اما إهمال هذا القسم أو تجشم احتمال مستغنى عنه في التسمية باحداث اسم آخر يوضع له غير تلك الأسماء فانه قسم آخر برأسه مباين لتلك الأقسام، فلا يصح إدراجه في أحدهما و لا هو بشاذ الحصول نادر التحقيق (الظاهر: التحقق) حتى يسقط من الاعتبار رأسا، بل انه متكرر الوقوع جدا. ثم ذكر جمعا يعد حديثه في القوي.

هذا: هو المعنى الأول للقوي - إن لم نقل هما أكثر من واحد - و مع قول المصنف صار أكثر من ثلاثة.

اما المعنى الثاني للقوي فهو كونه و الموثّق واحدا لغة، و قد مرّ قائله، و فصلنا مصادره.

المعنى الثالث: كونه و الحسن واحدا، ذكره في الرواشح السماوية: 42 و ردّه.

المعنى الرابع: ما ذهب اليه الشهيد الاول في الذكرى: 4 - بعد ما ذكر ممّا سبق من ثاني الشهيدين رحمهما اللّه - قال في تعريف القوي: أو مروي المشهور في التقدم غير الموثّق.

و العجب من السيد الصدر في نهاية الدراية: 89 انه قال: و لم أعهد إطلاق القوي على المشهور في التقدم، الا انهم عند الترجيح يقولون هذا أرجح و أقوى، و لا ريب انه غير إطلاق القوي الذي ذكره، فتدبر. هذا كلامه، فتأمل.

و حكى الدربندي في درايته: 23 - خطي - عن بعض الأجلّة انه في نسخة معوّل على صحتها مكان: غير الموثّق - في تعريف الشهيد الاول - عن الموثّق،

ص: 134

و على هذه النسخة فالمشهور بالتقدم يعني به الامامي المشهور تقدما ثم قال:

قلت: إن كان المشهور بالتقدم فمن نقل أحد من أئمة التوثيق و التوهين إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه فمرويه عن الموثّق مندرج في الصحيح و الا فذلك يندرج في الموثّق و ان كان عدلا إماميا، و الطريق اليه صحيحا، فلم يحصل قسم آخر خارج عن الأقسام الثلاثة السابقة الا مروي الإمامي غير المذموم و لا الممدوح، فهو الأجدر باسم القوي. ثم قال: فخذ بمجامعه و لا تغفل.

قلت: و لا يخفى ما فيه من تأمل لمن لم يغفل.

المعنى الخامس: ما ذهب اليه جمع - كالشهيد الأول و صاحب شرح الوجيزة و غيرهما - من تعريف القوي ب: مروي الامامي غير المذموم، مقتصرين عليه، و أشكل الشهيد الثاني في الدراية عليه بانه يشمل الحسن، فان الامامي الممدوح غير مذموم، و لو فرض انه قد مدح و ذم كما اتفق لكثير، و ردّ على تعريف الحسن، و هو على حق ان صحت النسبة، و لعل مرادهم هو المسكوت عنه كما لا يخفى، فتأمل.

و على كل، فيلزم طلب المرجّح في مثل هذه الموارد و يعمل بمقتضاه، فان تحقق التعارض لم يكن حسنا و لا قويا.

المعنى السادس: ما نسبه الشهيد و والد الشيخ البهائي من ان الموثّق و القوي في اصطلاح الفقهاء و متعارفهم واحد، و كونهما اسمين لمسمى واحد، و هذا غير الذي مرّ، حيث مدعى ذاك كونه في اصطلاح المحدثين كذلك.

المعنى السابع: ما سنذكره في الفائدة الآتية، و هو خاص بالعامة.

المعنى الثامن: ما عرّفه في لب اللباب: 16 - خطي - فقال: و القوي - و هو بالمعنى العام - ما يظن بصدق صدوره ظنا مستندا الى غير جهة الصحة و الحسن و التوثيق، و ذكر له أقساما و مراتب مرت في المتن، و عليه فقد جعل المدار فيه ظن الصدور.

ص: 135

المعنى التاسع: ما ذكره في معين النبيه: 6 - خطي - بعد تعريفه بقوله: و قد يطلق - اي الضعيف - على القوي بمعنييه. و قاله في نهاية الدراية: 90 تبعا للشيخ البهائي في الوجيزة: 5، و المراد بالمعنيين هما القوي بالمعنى الأخص و الموثّق، و ستأتي عبارتهم في فوائد الضعيف، و هذا ما ذكره الاسترآبادي في لب اللباب:

17 - خطي - ايضا.

المعنى العاشر: ما اتصف بعض رجال سنده بوصف رجال الموثّق، و بعضهم الآخر بوصف رجال الحسن، فانه يسمى في الاصطلاح قويا، كما نص عليه المصنف رحمه اللّه، و الكني في توضيح المقال: 51 و غيرهما. و قال: و القول بالحاقه بالموثق أو الحسن خلاف.

و هذا الجمع لم أجده عند أحد من أعلامنا رضوان اللّه عليهم، و لا فصلوه بهذا الشكل، و كلماتهم مضطربة جدا، فاغتنم.

83 فائدة: لم أجد لاصطلاح القوي أثرا في كتب العامة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب،

و دليله واضح، الا ان السيوطي في تدريب الراوي: 178/1، و كذا القاسمي في قواعد التحديث: 108 جعلاه مساويا للجيد، و ذلك بكونه دون الصحيح رتبة، و أولى من الحسن مقاما. و انظر مستدرك رقم (55) برقم (2).

***

ص: 136

مستدرك رقم: (47) الجزء الاول: 177 الحديث الصالح:

سبق ان قلنا ان من العامة من ربّع الاقسام الأولية للحديث، و جعل القسم الثالث هو:

الصالح:

اي الحديث الذي يصلح للاستدلال به، و قد عرّف بتعاريف أشهرها:

الحديث الذي في سنده المتصل مستور، و هو خال عن علّة قادحة، و المستور هو المجهول عندنا.

و قد عرّف - أيضا - بانه: الحديث الذي لم يصل الى درجة الصحة، و جوزوا ان يكون ضعيفا بضعف موهن.

و قد جعله السيوطي تبعا للنووي شاملا للصحيح و الحسن، لصلاحيته للاحتجاج، و هذا حجة عند من يصحح الاحتجاج بالحسن، كما لا يخفى. بل قال بعد ذاك: و يستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار، التدريب: 178/1، قواعد التحديث: 108.

و في الحاشية الخطية على مجمع البحرين في ماده سنن - بعد ان عرّف الصالح بانه: ما لم يذكر فيه شيء من الوهن - قال: و هو دون الحسن.

و ذكر الدربندي تعريف الصالح في القواميس: 24 - خطي - و لم يعلق عليه.

و على كل، فهو عندهم ملحق بالصحيح، لصحة الاحتجاج به، و من جملة

ص: 137

الحديث الحسن لعدم احتوائه على شروط الصحة، و ليس بضعيف لعدم احتياجه لأن يكون له شاهد أو متابع.

و قد قسّموه - أيضا - باعتبار معرفة السلسلة و جهلها الى: المرفوع، و الموقوف، و المتصل، و المسند، و المعلق، و المرسل، و المنقطع، و المعضل، و.. غير ذلك من الأقسام الآتية.

و من هنا قال المحدثون منهم في سنن أبي داود: إن أحاديثه صالحة، لأنها تشمل الصحيح و الحسن.

***

ص: 138

مستدرك رقم: (48) الجزء الاول: 178 معاني الضعيف و اطلاقاته:

للضعيف معان متعددة. و لذا عرّف بتعاريف مختلفة، و المشهور منها ما ذكره المصنف رحمه اللّه تبعا للمشهور و هو: كل ما لم تجتمع فيه شروط أحد الأقسام السابقة فهو ضعيف، و قد فصّل الكلام فيه، و لا حاجة لتكراره، هذا أول المعاني و اليه ذهب أكثر العامة كما في تدريب الراوي 59 - الهند - و علوم الحديث: 167 قال: خير تعريف للضعيف هو: ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح و لا صفات الحسن. مقدمة ابن الصلاح: 117، و قواعد التحديث: 108، و كذا عند الخاصة كما في توضيح المقال: 51، و قوانين الاصول: 484، و المقابيس: 23 - خطي - و غيرهم.

الثاني: ما قيل: انه كل حديث لم تجتمع فيه صفات القبول فهو ضعيف، و هذا تعريف أجمع، و لعله يرجع الى الأول، فتأمل، إذ بينهما عموم من وجه.

و ما ذكره الاسترآبادي في لب اللباب: 17 - خطي - من قوله: هو ما حكم بكون بعض رواته مجروحا بغير فساد المذهب، فهو قول ثالث في المقام.

و ما عرفه في التعريفات: 121 بقوله: ما كان ادنى مرتبة من الحسن ثم قال: و ضعفه تارة لضعف بعض رواته من عدم العدالة أو سوء الحفظ أو تهمة في العقيدة، و تارة بعلل أخرى مثل الإرسال و الانقطاع و التدليس.

و هذه أقوال - لو دقّق بها - لكانت مع الأول خمسة، فتدبّر، و انما جمعت لتقاربها.

ص: 139

الثالث: قد يطلق الضعيف على ما هو الأعم من المعلوم صفته و المجهول حاله، أو ذاته و حاله، كما أفاده الاسترآبادي في لب اللباب: 17 - خطي -.

الرابع و الخامس: ما مرّ منّا في معاني القوي من انه قد يطلق الضعيف على القوي بكلا معنييه - أعني القوي بالمعنى الأخص و الموثّق - كما نص عليه في المصدر السابق بقوله - بعد كلامه السابق -: بل من القوي أيضا، و كذا في نهاية الدراية: 90 تبعا للشيخ البهائي في الوجيزة: 5، و تعرض له في معين النبيه:

6 - خطي - و غيره، أو خصوص الموثّق عند من أخذ الإيمان شرطا في الراوي.

السادس: ما ذكره في نهاية الدراية: 90 من قوله: و قد يخصّ الضعيف في كلام الفقهاء بالمشتمل على جرح خاص أو على المجروح خاصة - كما في بداية الشهيد: 25 [89/1] -. و لا يخفى انه استعمال للضعيف في بعض موارده كأكثر المعاني السالفة.

السابع: ما تعارف عند أهل الحديث من إطلاق الضعيف على كل حديث اشتمل على جرح أو تعليل أو تعليق أو انقطاع أو اعضال أو ارسال.

هذا مجمل الأقوال في الضعيف، و لا ثمرة مهمة في مناقشتها و ردّها، و ما ذكره المصنف نصرة للمشهور هو المشهور.

***

ص: 140

مستدرك رقم: (49) الجزء الاول: 179 الغرض من التنويع:

اعلم ان الغرض من التنبيه على هذه الأقسام الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة المشهورة التي عبّرنا عنها بالقسمة الأولية هو التنبيه على الأصل في كل واحد منها، و ان الاصل في الصحيح أن يؤخذ به الا ان يعرض له ما يوجب الإعراض عنه، كاعراض الأصحاب عنه، أو مخالفته لظاهر الكتاب مع إعراض الأكثر و غير ذلك. و ان الأصل في الضعيف أن لا يؤخذ به الا ان يعتضد بما يشد عضده بموافقته للكتاب أو عمل الأصحاب - على المبنى -. و ان الأصل في الحسن و الموثّق أن يؤخذ بهما بشرط ان لا يكون من الأول ما يعارضهما الا ان يعرض عنه أو يخالف الكتاب، و ان لا يؤخذ بهما اذا كان هناك ما يعارضهما الا ان يكونا على وفق الكتاب و عمل الأصحاب.. الى غير ذلك.

كما أفاده غير واحد كالسيد حسن الصدر في نهاية الدراية: 88 و غيره.

قال في خاتمة قوانين الأصول: 484:.. و قد عرفت مما سبق كون الصحيح و الموثّق حجة، و كذلك الحسن إذا أفاد مدحه التثبت الإجمالي، و اما الضعيف فلا حجة فيه الا إذا اشتهر العمل به، و حينئذ يسمى مقبولا، و هو حجة حينئذ سيما إذا كان الاشتهار بين قدماء الأصحاب.

***

ص: 141

مستدرك رقم: (50) الجزء الاول: 189 ترتيب القسمة الأولية بحسب الاختلاف في الحجية:

المشهور ما ذكره المصنف أعلى اللّه مقامه في ترتيب هذه الأقسام الأربعة أو الخمسة، الا ان بعضهم رجّح الموثّق على الحسن و ذكره تاليا للصحيح، مستدلا على ذلك بان الثقة في الحديث أهم في الغرض و أحق بالاعتبار في قبول الرواية و الوثوق بها من الاستقامة في الاعتقاد، و هذا ما يظهر من بعض مشايخ اساتذتنا تبعا لاستاذ المتأخرين السيد الخوئي دام ظلهما.

الا ان يقال - كما نص عليه السيد الداماد في الرواشح السماوية: 115 - ان: حقيقة الإيمان و صحة العقيدة مناط اصالة الصحة في القول و الفعل، و مهيئ جوهر النفس لملازمة جادة التحفظ و مراعاة مسلك الاحتياط، و الباعث على تحري مسالكة سبيل الحق، و توخي مسامتة و جهة الصواب، و ايضا الفسق شريطة وجوب التثبت، و أعظم الفسوق عدم الإيمان، و إذا اجتمع الإيمان و استحقاق المدح بحسب الصفات و الأفعال من غير غميزة و رذيلة كان أوثق في قبول الرواية من مجرد الثقة اللسانية غير الجنانية، و الاستقامة العملانية غير الايمانية.

و لا يخلو كلامه أعلى اللّه مقامه من أوجه للنظر، خصوصا عند من يريد الوثوق في صدور الرواية، و عدم الاهتمام بالاطمئنان و الظنون الاجتهادية في المقام. نعم يمكن ان يقال ان بحث السيد الداماد في الصغرى و نظر الأعلام كالسيد الخوئي دام ظله الى الكبرى فلا جامع، فتأمل.

ص: 142

و منهم: من قدّم القوي على الموثّق، و جعله تلو الحسن رتبة، لما فيه من استقامة العقيدة مرجحا لجانب الايمان على التوثيق و العدالة.

و من أسقط الموثق و لم يأخذ به كولد الشهيد رحمهما اللّه في منتقى الجمان:

4/1 قال:.. و لهذين الوجهين اضربت عن الموثّق مع كونه شريكا للحسن في المقتضي لضمّه الى الصحيح، و هو دلالة القرائن الحالية على اعتباره غالبا، على ان التدبّر يقضي برجحانه في الحسن عليها في الموثّق.

و على كل حال، فيتفاوت الحكم على الحديث بحسب تفاوت المبنى، و يختلف الترتيب بحسبه، فلو اجتمع راوية ثقة مع قوي، فمن رجّح الوثاقة حكم على الحديث بالقوة، و من عكس عكس، لكون النتيجة تتبع الاخس، و قس عليه غيره.

***

ص: 143

مستدرك رقم: (51) الجزء الاول: 193 قاعدة التسامح عند الأصوليين:

لا نجد ثمت جدوى في التعرض لسند الحديث و طريق القاعدة، لتواترها الإجمالي، و للاتفاق عليها عند الفريقين، و مهم البحث هو عن دلالة هذه الروايات و ما يستفاد منها.

و قد خاض فيه جمهور العلماء في فنون عديدة و من جهات مختلفة، و لعل خير من تكلم فيه و ناقشه علماؤنا الأعلام في مباحثهم الأصولية، خاصة المتأخرين منهم، و ذاك في بحث البراءة من الأصول العملية مفصلا و في موارد متفرقة من الأصول مجملا، و نحن نتعرض لكلماتهم ملخصا فنقول:

ان للبحث الدلالي جهات متعددة.

الجهة الاولى: في مفاد القاعدة: و المحتمل فيها بدوا وجوه ثلاثة - كما عن تقريرات سيدنا الخوئي دام ظله لاحظ: مصباح الأصول: 319/2 و غيره - و لكن انهيناها الى خمسة وجوه، اهمها:

الوجه الأول: - و هو المشهور بين الفقهاء - ان يكون مفاد الأحاديث إسقاط شرائط حجية الخبر في باب المستحبات، و انه لا يعتبر فيها ما اعتبر في الخبر القائم على وجوب شيء من العدالة و الوثاقة.

و فيه: انه بعيد عن ظاهر الروايات جدا، لان لسان الحجية انما هو الغاء احتمال الخلاف و البناء على ان مؤدى الطريق هو الواقع - كما في أدلة الطرق و الامارات - لا فرض عدم ثبوت المؤدى في الواقع - كما هو لسان هذه الأخبار

ص: 144

فلا يناسب كونه بيانا لحجية الخبر الضعيف في باب المستحبات، و لا أقلّ من عدم دلالتها عليها.

الوجه الثاني: ان يكون مفاد هذه الروايات استحباب العمل بالعنوان الثانوي الطارئ - أعني بلوغ الثواب عليه - و عليه فيكون عنوان البلوغ من قبيل سائر العناوين الطارئة على الأفعال الموجبة لحسنها و قبحها و لتغير أحكامها، كعنوان الضرر و النذر و العسر و غيرها.

و فيه: انه لا دلالة بل لا إشعار في الأخبار المذكورة على ان عنوان البلوغ مما يوجب حدوث مصلحة في العمل بها كي يصير به مستحبا.

الوجه الثالث: ان يكون مفاد هذه الأخبار الإرشاد الى حكم العقل بحسن الانقياد، و ترتب الثواب على الاتيان بالعمل الذي بلغ عليه الثواب و ان لم يكن الأمر كما بلغه.

و هو المتعيّن، لان مفادها مجرد الاخبار عن فضل اللّه سبحانه و تعالى و رحمته و هو يعطي الثواب الذي بلغ العامل و ان كان غير مطابق للواقع، فلا تكون هذه الروايات ناظرة الى مقام العمل و انه يصير مستحبا لأجل طرو عنوان البلوغ، و لا الى اسقاط شرائط حجية الخبر في المستحبات.

و من هنا قال في المحاضرات: 383/5 مقررا لدرس استاذه: مفاد قاعدة التسامح ليس هو استحباب العمل البالغ عليه الثواب، بل مفادها هو الإرشاد الى ما استقل به العقل من حسن الاتيان به برجاء إدراك الواقع.

نعم لا مشاحّة في ترتّب الثواب في كل مورد صدق فيه بلوغ الثواب، سواء أ كان البلوغ بفتوى الفقيه أم بنقل الرواية، و سواء أ كان البلوغ بالدلالة المطابقية ام بالدلالة الالتزامية. و لسيدنا الروحاني دام ظله كلام هنا لا نطيل بذكره، انكر فيه البناء و ناقش المتأخرين.

فتحصل ان قاعدة التسامح في أدلة السنن لا أساس لها، و لا دلالة فيها

ص: 145

على الاستحباب الشرعي، فلا مورد لكثير من المباحث التي تعرض لها المشهور هنا، و ندرج بعضها إجمالا، و نحيل الجواب عنها الى محله:

منها: ان المستفاد من هذه الروايات هل هو استحباب ذات العمل، أو استحبابه فيما اذا أتى به بعنوان الرجاء و الاحتياط؟.

و منها: البحث عن ثبوت الاستحباب بفتوى الفقيه، باعتبار صدق عنوان البلوغ عليها و عدمه.

و منها: معارضة هذه الأخبار لما دلّ على اعتبار العدالة أو الوثاقة في حجية الخبر و بيان الوجه في تقدمها عليه من كونها أخص مطلقا منه أو أشهر منه.

و منها: البحث عن ظهور الثمرة بين الوجوه الثلاثة، و كون الخبر الضعيف هنا هل هو مخصّص أو مقيّد؟ و هل الاستحباب فيه مزاحم للحرمة؟ و هل يحكم بتحريم ما ثبتت حرمته بالعموم أو الإطلاق؟.. الى غير ذلك من المباحث في المقام.

انظر مستدرك رقم (53).

الجهة الثانية: ان هذه الروايات لا تشمل عملا قامت الحجة على حرمته من عموم أو إطلاق، فإذا دل خبر ضعيف على ترتب الثواب على عمل قامت حجة معتبرة على حرمته لا يمكن رفع اليد به عنها، و السر فيه واضح، فان اخبار المقام مختصة بما بلغ فيه الثواب فقط، فلا تشمل ما ثبت العقاب عليه بدليل معتبر.

و بعبارة أخرى: اخبار المقام لا تشمل عملا مقطوع الحرمة و لو بالقطع التعبدي، فان القطع بالحرمة يستلزم القطع باستحقاق العقاب، فكيف يمكن الالتزام بترتب الثواب؟!.

الجهة الثالثة: في ثمرة البحث عن دلالة هذه الأخبار على الاستحباب مع ان الثواب مترتب على العمل المأتي به برجاء المطلوبية لا محالة، سواء أقلنا

ص: 146

باستحبابه شرعا أم لم نقل به.

و بعبارة أخرى: لا فرق بين القول بدلالتها على الحكم المولوي و القول بكون مفادها الإرشاد الى حكم العقل بحسن الانقياد في ترتب الثواب على العمل الذي بلغ الثواب عليه، فأي فائدة في البحث عن ثبوت الحكم المولوي و عدمه.

و قد ذكر الشيخ الأنصاري في رسائله الثمرة في موردين: 30-228 - حجرية -، و ناقشها الآخوند في كفايته: 197/2 - المشكيني - بحث البراءة التنبيه الثاني -. و أورد عليهما الميرزا النائيني رحمه اللّه و السيد الخوئي دام ظله كما في تقريراتهما.

***

ص: 147

مستدرك رقم: (52) الجزء الاول: 199 حكم العمل بالضعيف عند العامة:

اختلف علماء العامة في حكم العمل بالضعيف على أقوال ثلاثة.

الأول: عدم العمل به مطلقا - لا في الأحكام و لا في الفضائل و لا غيرهما - ذهب اليه مسلم في صحيحه: 8/1 و 28، و عقد بابا في النهي عن رواية الضعفاء، و نسب الى البخاري في صحيحه، و حكاه ابن سيد الناس عن يحيى بن معين.

قال ابن حزم: ما نقله أهل المشرق و المغرب و كافة عن كافة، أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ الى النبي صلّى اللّه عليه [و آله] و سلم الا ان في الطريق رجلا مجروحا بكذب أو غفلة أو مجهول الحال، فهذا يقول به بعض المسلمين و لا يحلّ عندنا القول به و لا تصديقه و لا الأخذ بشيء منه. الملل و النحل: 83/2.

الثاني: العمل بالحديث الضعيف مطلقا، ذهب اليه أبو داود و أحمد في مسنده، و انهما يريان ذلك أقوى من رأي الرجال، كما حكاه السيوطي في تدريب الراوي: 299/1 - الحاشية -، و أكثر من مكان في التدريب و غيره.

بل قدّم بعضهم الحديث الضعيف على الرأي و القياس، بل احتج بالمرسل اذا لم يجد غيره كما فعله الشافعي، و عكس أهل القياس.

و نسب هذا القول لعبد الرحمن بن المهدي و عبد اللّه بن المبارك، و الحق انهما قائلان بالقول الثالث.

أقول: في كون العمل بالضعيف في هذا مطلقا محل كلام، نعم هو مطلق بالنسبة، فتدبّر.

ص: 148

الثالث: العمل بالضعيف في الفضائل و المواعظ و القصص و سنن الأذكار المندوبة و الأفعال المستحبة و نحو ذلك إذا توفرت فيه بعض الشروط، و حكي عن البيهقي في المدخل انه حكى عن ابن المهدي انه قال: اذا روينا عن النبي (صلّى اللّه عليه [و آله] في الحلال و الحرام و الأحكام شدّدنا في الأسانيد و انتقدنا الرجال، و إذا روينا في الفضائل و الثواب و العقاب سهّلنا في الأسانيد و تسامحنا في الرجال. و نظيره حكى في علوم الحديث: 211 عنه و عن عبد اللّه بن المبارك، و حكي عنهما انهما قالا: إذا روينا في الحلال و الحرام شددنا و اذا روينا في الفضائل و نحوها تساهلنا. و قال في قواعد التحديث: 113: و هذا هو المعتمد عند الأئمة.

و قال في كتابه أيضا صفحة: 400: يروى في الترغيب في ذلك عن جابر حديث مرفوع لفظه: من بلغه عن اللّه عز و جل شيء في فضيلة فأخذ به إيمانا به و رجاء ثوابه أعطاه اللّه ذلك و ان لم يكن كذلك.

و عن ابن حجر في كتاب تبيين العجب بما ورد في فضائل رجب: اشتهر ان اهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل فيها ضعف ما لم تكن موضوعة.

و من هنا قال العراقي في الألفية:

و سهلوا في غير موضوع رووا *** من غير تبيين لضعف و رأوا

بيانه في الحكم و العقائد عن ابن مهدي و غير واحد

و فصل القول السخاوي في شرحه للألفية كما في فتح المغيث: 267/1 و ما بعدها. و كذا النووي في التقريب و السيوطي في التدريب: 179/1 و ما بعدها، و في أكثر من مورد، و عدّ فيه الشروط عن ابن حجر، و جعل منها: عدم كون ضعفه شديدا، و الاندراج تحت أصل معمول به ثابت بالكتاب أو السنة الصحيحة،

ص: 149

و عدم معارضته بدليل أقوى منه، و لزوم اعتقاد الاحتياط عند العمل به لا اعتقاد ثبوته.. الى غير ذلك.

و عقد الخطيب البغدادي في الكفاية: 212 بابا في التشدد في أحاديث الأحكام و التجوّز في فضائل الأعمال.

و من هنا قال السيد الداماد في الرواشح السماوية: 117 عن هذا القول:

انه عليه الأكثر من أصحابنا و من العلماء العامية.

قال في تذكرة الموضوعات: 5: قيل كان مذهب النسائي ان يخرّج عن كل من لم يجمع على تركه، و كذا أبو داود، و كان يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره و يرجحه على الرأي.

أقول: قد أدخل في الدين كثير من الآداب و التعاليم التي لا مستند لها و لا أصل ثابت معروف فيها، تسامحا في السنن و تساهلا في الأخذ، ناسين أو متناسين ان الفضائل كالأحكام و السنن من الحلال و الحرام من دعائم الدين الأساسية.. و قد فرّط بعض و أفرط آخرون.

ثم من تأمل في الأقوال وجد انهم لم يفرقوا فيها بين الحكم بالحديث الضعيف و العمل به و بين روايته، بل وجدت جلّهم بل كلهم أطلق و لم يميز، فتدبّر.

انظر روايات الباب في ثواب من بلغه حديث فعمل به: الموضوعات لابن الجوزي: 258/1 و غيرها.

***

ص: 150

مستدرك رقم: (53) الجزء الاول: 199 حكم العمل بالضعيف عند الخاصة:

اشارة

قال الشيخ البهائي رحمه اللّه في وجيزته: 7-8: و قد شاع العمل بالضعاف في السنن و ان اشتد ضعفها و لم ينجبر. و الإيراد بان إثبات أحد الأحكام الخمسة بما هذا حاله مخالف لما ثبت في محله مشهور، و العامة مضطربون في التفصّي عن ذلك، و اما نحن معاشر الخاصة فالعمل عندنا ليس بها في الحقيقة، بل بحسنة:

«من سمع شيئا من الثواب...» و هي مما تفردنا بروايته، و قد بسطنا فيها الكلام في شرح الحديث الحادي و الثلاثين من كتاب الأربعين. لاحظ كتاب الأربعين له رحمه اللّه: 9-394. و فصل القول فيه السيد حسن الصدر في نهاية الدراية: 99 و ما بعدها، و كذا في جامع المقال: 17-18، و السيد الداماد في رواشحه - الراشحة السادسة و الثلاثين -: 115-122 و غيرهم.

و عن شيخنا الأنصاري أعلى اللّه مقامه في رسالته الخاصة في الموضوع، قال: المشهور بين أصحابنا و العامة التسامح في أدلة السنن، بمعنى عدم اعتبار ما ذكروه من الشروط للعمل بأخبار الآحاد من الاسلام و العدالة و الضبط في الرواية الدالة على السنن فعلا أو تركا. و في الذكرى: 4: ان اخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم، و في عدة الداعي: 4 - بعد نقل الروايات -:.. فصار هذا المعنى مخرّجا عليه بين الفريقين. و قال في القوانين: 484:.. نعم يجوز الاستدلال به - اي الضعيف - في المندوبات و المكروهات للأخبار المستفيضة المعتبرة جملة منها.. الى آخره.

ص: 151

و البحث ذو شجون و تشعب، و بسط في الأصول - كما استدركناه مجملا - و تعرض له في الفروع، و أفردت فيه رسائل مستقلة.

فوائد:

84 الاولى: قال السيد الموسوي في الكفاية في علم الدراية - خطي -:..

و جملة من فحول الإمامية و عظمائهم ينكرون أصل القاعدة في المستحبات فضلا عن القصص و المواعظ كالشيخ أبي جعفر الصدوق و المحقق في المعتبر و العلامة في موضعين من منتهى المطالب (كذا) و المحقق سيد الاواخر في المدارك و الصيمري و المحقق السبزواري و البهائي في موضع من الأربعين و المحدث المحقق البحراني في الحدائق و المحدث نعمة اللّه الحسيني الجزائري.. و عن الشيخ الفقيه في الجواهر في باب الوضوء الميل اليه ثم قال: و هذا هو الذي أعتقده و أدين به، على ان إلحاق القصص و المواعظ - على فرض تسليم القاعدة - يحتاج الى دليل و لا نعرفه، و أدلة الجواز، العقل منها لا يجري في المقام، لانه لا يأمن الضرر إذ لم يعلم الاذن كما هو الفرض، و النقل منها لا يشمل.. ثم ناقش الأدلة.

85 الثانية: ان جلّ روايات الباب قد أخذ فيها لفظ البلوغ و البلاغ دون الاخبار و السماع و الوصول و ما شاكلها، و فيه معنى زائد على صرف الاخبار و الاعلام،

لان التبليغ من البلوغ، و هو انهاء الشيء الى غايته، فقوله تعالى: هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ ابراهيم: 52 و قوله عزّ اسمه: يا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ المائدة: 67، و قوله: أَنَّما عَلى رَسُولِنَا اَلْبَلاغُ اَلْمُبِينُ المائدة: 92، ما عَلَى اَلرَّسُولِ إِلاَّ اَلْبَلاغُ المائدة: 99.. الى غير ذلك من الآيات الدالة على ان البلاغ أخذ فيه معنى أضيق من غيره، و لذا يحتمل في البلاغ هنا وجهان:

ص: 152

الأول: اتصال السند، بنقل الثقة عن مثله الى منتهاه.

الثاني: أداء اللفظ كما سمع من غير تغيير.

و عليه فالمطلوب في الحديث كلا الوجهين خلافا لما فهمه المشهور، فافهم و اغتنم.

86 الثالثة: قد نص على التساهل جمع من أعلام العامة كابن المهدي و ابن حنبل و ابن الصلاح في المقدمة: 217 و غيرهم،

و قال الأخير: يجوز عند أهل الحديث و غيرهم التساهل في الأسانيد و رواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها، فيما سوى صفات اللّه تعالى، و أحكام الشريعة من الحلال و الحرام و غيرهما، و ذلك كالمواعظ و القصص و فضائل الأعمال و سائر فنون الترغيب و الترهيب، و سائر ما لا تعلق له بالأحكام و العقائد..

***

ص: 153

مستدرك رقم: (54) الجزء الاول: 199 الفوائد الخمس عشرة في الضعيف:

87 الاولى: قال شيخنا النوري في المستدرك: 773/3: ان القدماء يطلقون الضعيف في كثير من الموارد على من هو ثقة و يريدون من الضعف ما لا ينافي الوثاقة

كالرواية عن الضعفاء، أو رواية الضعفاء عنه، أو للاعتماد على المراسيل، أو الوجادة، أو رواية ما ظاهره الغلو و الجبر و التشبيه و أمثالها، بل لكونه غير امامي كما اشتهر عن السكوني: ضعيف، و المراد انه عامي، و الا فوثاقته مما لا خلاف فيها، بل صرح بعضهم بان منه الرواية بالمعنى..

88 الثانية: من رأى حديثا بإسناد ضعيف فله ان يقول:

هو ضعيف بهذا الإسناد، و لا يقول ضعيف المتن بمجرد ذلك الإسناد، فقد يكون له إسناد آخر صحيح، الا ان يقول خرّيت الفن انه لم يرد من وجه صحيح، أو انه حديث ضعيف مبينا لضعفه.

89 الثالثة: قيل: لا يتصدى للجواب عن الحديث المشكل إلا إذا كان صحيحا، أما إذا كان ضعيفا فلا،

حيث الباطل يكفي في رده كونه باطلا، اما لو اختلف في صحة حديث لعلة فيه رآها بعضهم غير قادحة فصحّحه و خالفه آخر فلا بأس ان يشتغل بتأويل هذا المعلل المختلف في صحته، لاحتمال صحته، فيتأول على

ص: 154

هذا التقدير.

90 الرابعة: قيل: مرادهم من قولهم: هذا حديث لا أصل له، أو ليس له أصل

هو انه ليس له إسناد.

91 الخامسة: صرح بعضهم ان بين قولهم: حديث موضوع،

و قولهم: لا يصح، أو حديث ضعيف، بونا كبيرا، فان في الاول اثبات الكذب و الاختلاق و الجعل، و في الثاني:

إخبارا عن عدم الثبوت، و لا يلزم منه إثبات العدم.

92 السادسة: قال ابن حجر - كما حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 123 -

الضعيف لا يعلّ به الصحيح.

93 السابعة: إذا قال الحافظ الناقد المطّلع في الحديث عن حديث: لا أعرفه،

اعتمد ذلك في نفيه، لانه بعد التدوين و الرجوع الى الكتب يبعد عدم اطلاعه على ما يورده غيره، فالظاهر عدمه، كما عن أكثر من واحد.

94 الثامنة: ذكر علماء الحديث لمن يروي حديثا ضعيفا بغير إسناد

أن الافضل له ان لا يرويه جازما، و لا يقل قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، بل يرويه بصيغة تدلّ على الشك و التمريض فيه، كقوله: روى عنه كذا، أو بلغنا عنه، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو نقل عنه و حكي، أو فيما يروى.. و ما شابه ذلك، و كذا في كل ما يشك في صحته و ضعفه، كي لا يوهم السامع أو القارئ انه من الصحيح أو الحسن، و الأولى الإشارة الى نوع الضعف فيه. كما يلزم الإشارة الى أنه ضعيف بهذا الاسناد، و لا يطلق - كما سلف -، كل هذا بخلاف الحديث الصحيح حيث يقبح

ص: 155

فيه صيغ التمريض، و يكره فيه التشكيك، بل يلزم ذكره جازما.

و سيأتي له مزيد بيان في فصل انحاء تحمل الحديث و كيفية أدائه، و انظر قواعد التحديث: 210 في الإتيان بصيغة الجزم في الحديث الصحيح و الحسن دون الضعيف.

95 التاسعة: قسم الضعيف بعضهم - كما في علوم الحديث: 157 و غيره من كتب العامة - الى قسمين:

ضعيف ضعفا لا يمتنع العمل به، و هو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي. و ضعيف ضعفا يوجب تركه، و هو: الواهي.

96 العاشرة: قال السيد الداماد في الرواشح السماوية: 193 - في باب الموضوع -:

كما قد يحكم بصحة المتن مع كون السند ضعيفا اذا كان فيه من أساليب الرزانة، و افانين البلاغة، و غامضات العلوم، و خفيات الأسرار، ما يأبى الا ان يكون صدوره من خزنة الوحي، و أصحاب العصمة، و حزب روح القدس، و معادن القوة القدسية. و للمضطلعين بعلم الحديث ملكة قوية و ثقافة شديدة يعرفون بها الصحيح و المكذوب، و يميزون الموضوع من المسموع.

97 الحادية عشرة: اعلم انه كما ان مراتب الصحة متفاوتة،

و لذا صاروا في صدد الحصول على أصح الأسانيد فكذا الضعيف، فمنه ما هو شديد الضعف كالمتروك و المطروح و المنكر - مع عدم عدّ الموضوع من أنواع الحديث كما هو المختار -، و منه ما هو أعلى من ذلك، و هذا تابع لشدة ضعف الرواة و خفتهم، و لذا قالوا: أوهى الأسانيد مقابل أصحها.

و تظهر الثمرة في مقام ترجيح بعض الأسانيد على بعض لمعرفة ما يصلح

ص: 156

للاعتبار عما لا يصلح له.

98 الثانية عشرة: قال المولى الكني في توضيح المقال: 51:

و ينبغي ان يدخل أيضا من أقسام الضعيف ما انتفى في جميع السند أو بعضه شرط الضبط بغلبة السهو و النسيان عليه، بل يتساوى الامران، لان شرط الضبط معتبر في جميع الاقسام السابقة، و اقتصارهم على ذكره في الصحيح لا يوجب الاختصاص، كما ان اقتصارهم على ذكر شرط الاتصال لم يوجبه، و بملاحظة عموم بعض أدلة ثبوته - كما مرّ - يندفع توهم الاختصاص بالصحيح باختصاص بعض أدلته بما يفيد الوثاقة، مضافا الى انه مع هذا يعمّ الموثّق أيضا. و بالجملة، فالوجه عموم اعتباره، ففاقده من الضعيف.

99 الثالثة عشرة: قال الدربندي في المقابيس: 73-74 - خطي -:..

ثم ان هاهنا دقيقة لطيفة بل فائدة جليلة، و هي انه كما لا ينبغي بل لا يجوز المسارعة الى الطعن في الراوي - و لا سيما اذا كان من أعيان العلماء و أساطين المحدثين - فكذا لا يجوز المسارعة الى الطعن في الحديث نظرا الى اشتمال سنده على بعض المطعونين أو المجاهيل.

و بعبارة أخرى: نظرا الى كون السند ضعيفا أو غير صحيح - بناء على الاصطلاح الجديد المستحدث في زمن العلامة الحلي - فكم من حديث ضعيف أو غير صحيح على هذا الاصطلاح نحكم حكما بتيّا قطعيا بصدوره أو صدور مضمونه من الأئمة عليهم السّلام، و ذلك بموافقته لمحكمات الكتاب أو السنة أو الضرورة من الدين أو المذهب أو الإجماع القطعي أو البرهان العقلي القطعي، و كذا بكثرة دورانه أو وجوده في كتب جمع أو أصولهم من أساطين الأصحاب و عظماء المحدثين ممن شهدوا بصحة ما في كتبهم أو شهد غيرهم من العدول

ص: 157

الثقات بذلك، و لا سيما اذا كانت تلك الكتب من المحمدين الثلاثة و ممن يضاهيهم، و كذا بعدم تخلف ما فيه عن الواقع، بمعنى ان ما في الواقع و نفس الأمر لا يتخلّف عمّا فيه، كما يكشف عن ذلك التجارب و الامتحان.. الى غير ذلك من القرائن المفيدة للقطع و اليقين.

و لا يخفى ما في كلامه من أوجه النظر سبق التعرض لجملة منها.

100 الرابعة عشرة: اذا وجدت إماما حاذقا من أئمة الحديث المطلعين على شجون الأخبار و المضطلعين في العلم بمتونها و أسانيدها

قد حكم بانه لم يرو ذلك الحديث الضعيف الإسناد بطريق آخر معتبر يثبت به المتن بمثله فلك ان تحكم عليه بالضعف مطلقا، فاما إذا أطلق ذلك الحاذق تضعيفه من غير تقييد له بخصوص ذلك الطريق، أو حكم على الطريق بالضعف مجملا من غير إسناده الى طبقة بخصوصها، أو أسند الضعف الى طبقة و لم يسنده الى سبب بوجه، ففي جواز هذا الحكم لغيره على ذلك النمط وجهان، مترتبان على ان الجرح هل يثبت مجملا أو يفتقر الى التفسير، كما أفاده في القواميس: 4-95 - خطي - و كذا ابن الصلاح في المقدمة و جملة من كتب الدراية.

101 الخامسة عشرة: قد اعتذر السيد رضي الدين بن طاوس المتوفّى سنة 664 ه في أسرار الصلاة عن ذكر كثير من الروايات التي أوردها في ثواب جملة من الأعمال

بوجوه عديدة.

منها: أدلة التسامح في أدلة السنن.

و منها: ان كثيرا من الرواة المرميين بالضعف ليسوا في الضعفاء، لوجوه كثيرة و احتمالات عديدة لا يبقى الوثوق و الاطمينان بضعفهم.

ص: 158

اقول: و هو رحمه اللّه في مقام إبداء الفرق الغالبي بين المدح و القدح، حيث الدواعي إلى القدح للأغراض الشخصية الفاسدة أكثر وقوعا من الدواعي للمدح، فكل منهما لو لم ينضم اليهما شيء آخر يظن لحوقه بغالب أفراده، كما أفاده شيخنا الطهراني في الجزء الثاني من الذريعة، و لا أذكر الصفحة فعلا. و سيأتي له كلام في باب الجرح و التعديل نقلناه عن التحرير الطاوسي: 7-26، فلاحظ.

***

ص: 159

مستدرك رقم: (55) الجزء الاول: 199 خاتمة الفصل: وجدت بعض أنواع الحديث لا يمكن عدّها من أقسام القسمة الأولية، و لا من القسم المشترك بين الأقسام الأربعة - الآتي في الفصل الخامس -، و لا من الأنواع المختصة بالضعيف،

اشارة

بل ان واقعها - في مصطلحهم - يدور بين الصحة و الحسن، و ذلك لأنها توحي جميعا بقبول الخبر و إمكان الاحتجاج به، و لم أجد من جمعها بهذا الشكل لا من العامة و لا من الخاصة، نعم تعرض بعضهم لبعضها.

قال في علوم الحديث: 4-163: و يلاحظ في هذه الألقاب ان المعنى اللغوي أغلب عليها من مصطلح المحدثين، ففيها تنوّع في التعبير يتجلى بوضوح في الألفاظ الأربعة الأولى - أي الجيد و المجوّد و القوي و الثابت - عند ما يقارن المجوّد بالجيد و الثابت بالقوي.

و نعم ما أفاد، و استشهد لها بجملة من كلمات القوم منهم، و حيث ان هذه المصطلحات لم تعرف عند الامامية غالبا، لذا ندرجها مجملا فنقول:

منها: 1 - الجيد:

فقد ذهب جمع تبعا لابن الصلاح في مقدمته: 540 الى التسوية بين الحديث الجيد و الصحيح، و ان الجودة يعبّر عنها بالصحة.

الا ان فريقا منهم فرّق بينهما، و قال: ان العدول من لفظ الصحيح الى الجيد فيه سرّ، و ذلك لان الجيد برزخ بين الصحيح و الحسن لذاته، و يتردد في

ص: 160

بلوغه الصحيح، فهو أدنى من الصحيح و أعلى من الحسن، كما حكاه السيوطي في تدريبه: 178/1 عن جماعة تبعا للنووي في تقريبه.

و قد يعبر الترمذي أحيانا بقوله: هذا حديث جيد حسن بدلا من عبارته المشهورة: حسن صحيح، و عدوله لعله من جهة ارتقاء الحديث عنده عن الحسن لذاته، و تردده في بلوغ الصحيح، فهو حسن لذاته و صحيح لغيره، و ذلك يعني ان التعبير بالجودة يشمل الحسن كالصحيح كما أفاده في علوم الحديث: 164.

و منها: 2 - القوي:

و هو كالجيد عند العامة بخلافه عندنا - كما ذكرناه في مستدرك رقم (46) و نص عليه القاسمي في قواعد التحديث 108 و غيره - و فسّره السيوطي في شرح التقريب: 178/1 بكونه دون الصحيح رتبة و أولى من الحسن مقاما.

و عليه فان العدول في التعبير عن لفظ الصحيح و الحسن الى التعبير بالقوي لا يكون الا لنكتة، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته و يتردد في بلوغه الصحيح، على هذا وصف أنزل من وصف الصحيح، و قد سوّى بعضهم بين لفظ الجودة و القوة.

و هذا كله غير القوي عندنا الذي مرّ مفصلا.

و منها: 3 - المجوّد:

و هو الثابت، و يراد بهما ما يشمل الصحيح، كما صرح به في تدريب الراوي: 178/1 و غيره، و الظاهر ان المراد منهما ما كان مفروغا عن حجيته و اعتباره، فيرادفان معنى المقبول.

ثم ان لفظ المجود يفيد ان الاعتبار جاء من غيره، و لو خلّي و نفسه لما كان جيدا، فتأمل.

ص: 161

و غالبا ما يقارن الجيد المجود.

و منها: 4 - الثابت:

و هو المجود الذي مرّ ذكره، بل هما بمعنى واحد كما في قواعد التحديث:

108، و غيره، و فيه ما فيه، و غالبا ما يقرن الثابت بالقوي.

و منها: 5 - الصالح:

لصلاحيته للاحتجاج، و يشمل الصحيح و الحسن، كذا قاله في قواعد التحديث: 108، و أصول الحديث: 165، ثم قال الأول: و يستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار، و عليه فلا يختص بهذا القسم بل هو من المشترك، فتأمل.

و قد مر بيانه في مستدرك رقم (47)، و افردناه هناك لعد بعضهم له قسما من أقسام القسمة الأولية الرباعية: الصحيح و الحسن و الصالح و الضعيف، فراجع.

و منها: 6 - المشبّه:

و يطلق عندهم على الحسن و ما قاربه، و هو بالنسبة اليه كنسبة الجيد الى الصحيح.

و منها: 7 - المستحسن:

و يراد منه ما ليس بحسن بالمصطلح المعروف، بل يحتمل كونه صحيحا كالحسن، فليس الحسن الا الجودة، و لا الاستحسان الا الاستجادة، كما قالوا.

و ذكر في علوم الحديث: 163، و علوم الحديث لصبحي الصالح: 166 المعروف و المستحسن و المحفوظ و لم يذكر بقية ما ذكرناه، و لم يعرّفا لنا واحدا منها، و قد مرّ المعروف و المحفوظ من المصنف رحمه اللّه في الأقسام المشتركة، فراجع.

ص: 162

و منها: 8 - المتظافر:

و قد جعل قسما للحديث غير المتواتر، فهو أرفع من الصحيح، لأنه جعل للخبر الذي يفيد بنفسه العلم العادي أو العقلي مع إسقاط الواسطة في ذي الواسطة، و يقابله الحديث غير المتظافر.

و قد قسّم الأخير الى قسمين: خبر واحد محفوف بالقرائن القطعية و غير المحفوف، ثم الأخير اما مسند أو مرسل.. كذا فعله المرحوم الاسترآبادي في لب اللباب: 13 - خطي - و لم أر من تبعه على ذلك.

و قد يقال لهذا المتسامع، و ذكروا في الفرق بين المتواتر و المتظافر و المتسامع؛ أنّه في التواتر مع تعدد الوسائط يلزم كونه في كل طبقة طبقة عدد يفيد اخبارهم القطع بالصدور بخلاف المتظافر و المتسامع حيث لا واسطة فيه، و أيضا لو لم يكن في المتواتر وسائط و اختص بالطبقة الاولى فيلزم العلم بالاشخاص و الرواة بخلاف التظافر و التسامع، فتأمل.

و انظر مستدرك رقم (19)، و انظر مستدرك رقم (20) الفرق بين المتظافر و المتسامع و الخبر المتواتر.

و منها: 9 - المتسامع: و قد مرّ بيانه في المتظافر.

و منها: 10 - المعمول به:

عدّه في توضيح المقال: 50، قسما برأسه، و من أقسام الصحيح خاصة، و قال: و قد مرّ ان الطائفة عملت بما رواه فلان، و سكنوا الى رواية فلان، و لفلان كتاب يعمل به.

ص: 163

و على كل، فهو غير المقبول الآتي، فتدبّر.

هذا و كثيرا ما نجد في كلمات علمائنا الأعلام رضوان اللّه عليهم رواية يعبّرون عنها بأنها معمول بها، و يريدون المعنى الوصفي العملي، لا انه مصطلح حديثي، لذا لا نرى لعدّ هذا القسم مستقلا وجها، بل هي لفظة تدل عليها في مقام العمل، فتأمل.

ثم ان المصنف رحمه اللّه نقل عن تعليقة الشيخ الوحيد: 6 ان بين الصحيح و المعمول به عند القدماء عموما من وجه، قال: لان كل ما وثقوا بكونه عنهم عليهم السّلام الموافق للتقية صحيحا غير معمول به عندهم، و ما روته العامة عن علي عليه السّلام لعله غير صحيح عندهم و يكون معمولا به كذلك، لما حكاه الشيخ في العدّة: 80/1-379 من ان رواية المخالفين عن الأئمة عليهم السّلام ان عارضتها رواية الموثوق بها وجب طرحها، و ان وافقتها وجب العمل بها، و ان لم يكن ما يوافقها و لا ما يخالفها و لا يعرف لها قول فيها وجب أيضا العمل بها، لما يروى عن الصادق عليه السّلام: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنّا فانظروا فيما رووه عن علي عليه السّلام فاعملوا به، ثم قال: و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث و غياث بن كلوب، و نوح بن دراج و السكوني و غيرهم من العامة عن ائمتنا عليهم السّلام فيما لم ينكروه و لم يكن عندهم خلافه.

ثم ان بين صحيح المتأخرين و المعمول به عندهم عموما من وجه أيضا، و بين صحيحهم و صحيح القدماء عموما مطلقا - كما أفاده بعضهم، و قد سلف ان ذكرناه -.

أقول: الحق عدم إمكان عدّ المقبول من أقسام الصحيح خاصة، و انما هو مشترك بينه و بين الحسن و الموثّق و الضعيف على ظاهر الاستعمال، و ان كان باطلاق مفهومه أعم من الصحيح، بل و حتى الضعيف، كذا قالوا، الا أني لم أجد في هذه

ص: 164

الأقسام نوعا مختصا بالصحيح فحسب، فلاحظ و تدبّر.

و منها: 11 - الخبر المعتبر:

عدّ قسما خامسا للصحيح و الموثق و الحسن و الضعيف، و عرّفه الدربندي في المقابيس. 76 - خطي - بقوله: هو الخبر الذي اتصف سنده بالضعف و لكن وقع في كتاب معتبر من كتب الأخبار، مثل الكافي و كتب الصدوق و نحو ذلك، و يزيد اعتباره إذا اضيف الى ذلك تسديده و تأييده بموافقة الكتاب و الأخبار المتواترة و الآحاد الصحيحة أو نحو ذلك، فربما يصل الأمر الى مقام يحصل القطع بثبوت الخبر أو صحة مضمونه.

و منها: 12 - الحديث المجمع عليه:

قال الفيض الكاشاني رحمه اللّه في كتابه الوافي: 17/1-18 ما نصه: قد يكون الحديث مما اتفقت الطائفة المحقة على نقله أو العمل بمضمونه بحيث اشتهر عنهم و فيما بينهم، و يسمى ذلك الحديث ب «المجمع عليه» كما ورد في كلام ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث الترجيح بين الروايات المتعارضة: (خذ بالمجمع عليه بين اصحابك، فان المجمع عليه لا ريب فيه).

ثم قال: و هذا المعنى الاجماع الصحيح المشتمل على قول المعصوم عند قدماء الشيعة لا غير.

و منها: 13 - المحفوظ:

عدّ هذا و الاربعة الآتية في علوم الحديث: 163 من الألفاظ التي توحي جميعا بقبول الخبر و امكان الاحتجاج به، و ان فيها تنويعا في التعبير، و كلها صفات للحديث المقبول، سواء أ كان صحيحا أم حسنا. و المحفوظ انما هو

ص: 165

الحديث السالم من الشذوذ الذي اخذوه في تعريف الصحيح، و لا معنى لعدّ هذا القسم و الأقسام التالية من الألفاظ المشتركة، فتدبّر.

و منها: 14 - المعروف:

ظهر مما سبق ان المعروف هو الحديث السالم عن الإنكار الذي أخذ عدمه شرطا في تعريف الصحيح.

و منها: 15 - المقبول:

و هو تعبير آخر عن الحديث الحسن و الصحيح اللذين لم يجمعا أوصافهما المأخوذة فيهما، الا ان الرواية مقبولة عن علماء الجرح و التعديل مع قصورها.

و منها: 16 - المتفق عليه:

و هو اصطلاح اختص به جملة من علماء العامة، و يطلقونه على الحديث الصحيح و لكن لا مطلقا، بل كل ما أودعه الشيخان - البخاري و مسلم - في صحيحيهما. و قد ذكرنا بعض كلماتهم في الفائدة التاسعة من المستدرك رقم (40) فراجع.

و منها: 17 - افراد الثقات:

بعد ان قسم ابن الأثير في جامع الأصول: 90/1 الحديث الى متفق عليه و مختلف فيه، ذكر من الحديث المتفق على صحته: 95/1: الأحاديث الأفراد التي يرويها الثقات و ليس لها طرق مخرّجة في الكتب، و سيأتي تفصيل هذا في زيادات الثقات، و حديث الوحدان، فراجع.

قال ابن الجوزي في الموضوعات: 34/1: و اما ترك حديث ثقة لكونه لم يرد عنه غير واحد فقبيح، لانه اذا صح النقل وجب ان يخرّج.

ص: 166

مستدرك رقم: (56) الجزء الاول: 202 انواع علم الحديث:

ان معرفة مصطلحات كل فن أمر ضروري جدا لمن رام الخوض في غمار ذلك العلم، و من هنا نجد ان علم الحديث قد عبّر عنه باسماء مختلفة ك: علم مصطلح الحديث، لأنّه العمدة فيه، و كذا علم الدراية، علم أصول الحديث، علوم الدراية - مما يجمع تارة و يفرد أخرى - و ذلك بالنظر الى مسائله الكثيرة و موضوعاته المختلفة، و الغايات المتكثرة المتوخاة منه، و كذا متفرعات هذا العلم و أنواعه و تقسيماته و فروعه. و من هنا قال المرحوم الدربندي في درايته: 20 - خطي -:

.. ان اقسام الحديث من الخمسة الاصلية و الفرعية و المتفرع عليها و المتشعب منها مما لا يحصى و لا يستقصى عدّها و حصرها..

و قال في صفحة 21:.. فإتقان الأمر و استحكامه في ذلك لضبط الأقسام و الصور و الضروب و الأنواع مما له منفعة عظيمة و فائدة كثيرة في باب التعارض و الترجيح.

ثم قال: فهذا كله لمن أراد التمهر و الحذاقة في هذه الصناعة.

و قال الدربندي - أيضا - في درايته: و قد يستفاد من كلام جمع، ان علمي الرجال و الدراية يطلق عليهما علم أصول الحديث، و هكذا علم الإسناد. ثم قال:

و بالجملة فانّا نخصّ علمي الإسناد و هكذا علم أصول الحديث بعلم الدراية.

و قال في قواميسه: 2 - خطي -:.. فان علم الإسناد و علم أصول الحديث يطلقان على هذين الفنين، ثم قال: على ان احتياج المجتهد الفقيه الى علم

ص: 167

الدراية مثل احتياجه الى علم الرجال.

قال الحازمي - كما حكاه السيوطي في تدريبه: 53/1 -: علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة، كل نوع منها علم مستقل، لو أنفق الطالب فيه عمره لما أدرك نهايته. بل عن السيوطي نفسه: لأنها كثيرة لا تعدّ.

و هم على حق في ذلك، حيث تخرج الأقسام و الصور عن حد الإحصاء و الاستقصاء، و ذلك بان يجعل ما عدمت فيه صفة معينة قسما، و ما عدمت هي و اخرى قسما ثانيا، و ما عدمتا فيه و ثالثة قسما ثالثا.. و هكذا، ثم تعين صفة من الصفات التي قرنها مع الأولى، فيجعل ما عدمت فيه وحدها قسما، و ما عدمت هي و أخرى قسما ثانيا.. و هكذا. فلنا: متصل مسند، و مسند مضطرب، و مرسل شاذ، و مسند شاذ، و مرسل مضطرب.. الى غير ذلك، كل منها قسم برأسه، فإذا أضيفت له الأقسام المتصورة و المعقولة للصحيح مع ملاحظة درجاته و ما له من مراتب متكثرة، و كذا مراتب جميع الأقسام من القسمة الأولية كالحسن و القوي و الموثّق، و ملاحظة جريان التدليس و التصحيف و القلب و الحذف و الاضطراب و غيرها من الأقسام التي أخذت فيها الاعتبارات المتعددة بانت لك صحة ما ذكرناه.

و عن ابن الصلاح: ان من أنواع الحديث خمسا و ستين نوعا، منها: معرفة الصحيح و معرفة الحسن و معرفة الثقات و الضعفاء.. و غير ذلك، ثم قال في صفحة:

81: و ليس بآخر الممكن في ذلك، فانه قابل للتنويع الى ما لا يحصى، اذ لا ينحصر [تحصى] احوال رواة الحديث و صفاتهم، و لا أحوال متون الحديث و صفاتها، و ما من حالة منها و لا صفة الا و هي بصدد ان تفرد بالذكر و أهلها فإذا هي نوع على حاله [حيالها]. مقدمة ابن الصلاح: 6-81، [بنت الشاطي: 77-81] و انظر: اختصار علوم الحديث: 19، تدريب الراوي: 53/1، كشف الظنون: 2 /عمود 1161 و ما بعده، و قد اختصرها ابن كثير و ادمج بعضها في بعض و رتبها ترتيبا جيدا، لا يخلو

ص: 168

من تامل. لاحظ: الباعث الحثيث: 21.

و قد قسّم الضعيف خاصة عندهم الى تسعة و أربعين قسما - كما فعله ابن حبان و حكاه ابن الصلاح في مقدمته: 117 - و الأخير قسّمه الى اثنين و أربعين قسما، و أوصله بعضهم الى ثلاثة و ستين.

و من هنا قال الدربندي في درايته: 20 - خطي ما نصه -:.. اما ترى ان الضعيف الذي يتفاوت درجاته بحسب بعده من شروط الصحة.. يترقى أقسامه الى قريب من خمسين قسما بل أزيد. و لعله يريد به أقسام المشترك لا خصوص الضعيف.

و حكي عن قاضي القضاة المناوي انه قسم الضعيف فقط الى مائة و تسعة و عشرين قسما باعتبار العقل، و الى واحد و ثمانين قسما باعتبار إمكان الوجود، و لم يتحقق وقوعها.

و قد حاول بعضهم ان يجمع الصور العقلية لأقسام الحديث الضعيف من خلال فقده لشروط الصحة و الحسن، فخرج بواحدة و ثمانين و ثلاثمائة صورة - علوم الحديث: 167 - أكثرها غير واقعي، و لا يحمل عنوانا معينا بين أقسام الحديث الضعيف المصطلح عليها لدى المشتغلين بهذا العلم. و نعم ما قيل من انه:

تعب ليس وراءه أرب - كما عن ابن حجر في الفية السيوطي: 58 و حكاه عنه في علوم الحديث: 165 - و أخذه عن المقدمة: 81 من قوله: و لكنه نصب من غير أرب.

و في فتح المغيث: 93/1-97 بعد عده للصور المحتملة حكى عن غير واحد: ان ذلك مع كثرة التعب فيه قليل الفائدة.

هذا من الوجهة العامية العامة، اما الخاصة المتأخرون فقد التجئوا الى حصر الأقسام بحسب القسمة الأولية و عدّوا فروعها الأصلية المتفرعة عليها التي هي متداخلة غالبا، بل كثيرا ما يكون امرا واحدا مجمعا و مصداقا لعدة

ص: 169

أقسام، فهو متواتر باعتبار إفادته العلم و القطع بسبب كثرة رواته، و هو متصل باعتبار صدق الاتصال عليه، و كذا هو مسند و معمول به.. و هكذا.

و كذا قد يختص بسبب اعتباره باسم و لم يسمّ مقابله من الاعتبار باسم آخر كالمستفيض - على ما تكثرت رواته و زادت على الثلاثة - و ليس لمقابله اسم خاص، و كذا المعلل و الغريب و المكاتب و غيرها.

و اما الضروب و التركيبات فهي مصاديق و أنواع تدخل تحت جنس واحد و تتداخل، و ما كان يدرس منها على انه مسائل جزئية فانها تابعة لقضايا كبروية كلية و أصول عامة تنفع غالبا لمن أراد التمهر في هذه الصناعة، و هو مختار جمع كابن كثير - كما عن الباعث الحثيث: 21، و ابن الصلاح في المقدمة: 6، و اختصار علوم الحديث: 20 و غيرهم -.

و حيث كانت دراية العامة هي الأصل في أكثر أنواع الحديث فلذا قد لا تجد لبعضها مثالا عندنا، فهم قد استخرجوها بعد وقوع معانيها في حديثهم، و اقتفى جمع من الأصحاب رضوان اللّه عليهم في ذلك اثرهم، و استخرجوا من رواياتنا في بعض الأنواع ما يناسب مصطلحاتهم، و بقي منها الكثير على حكم محض الفرض و التقدير، و حيث أخذت هذه من كتب العامة، لذا تجد غالب المصادر الأولية التي تعرضت لها منهم، و نحن نقتصر من هذه المصطلحات على ما ذكره الشيخ الجد قدس سره، و نستدرك بعون اللّه بعض الأنواع و الأقسام التي وجدنا لها تداولا في المصنفات الحديثية أو الرسائل الفقهية - أعم من العامية و الشيعية - كي يكون كتابنا هذا مغنيا عن مراجعة أسفار العامة و مجاميعهم، و مرشدا لمن رام التوسع و الاستقصاء.

ثم اني جعلت المدار على الاستعمال لا على صرف الاحتمال كالصالح و الجيد و المجرد و الثابت و غيرها، اما ما كان فيها من صفات الرواة كمن اتفق اسم شيخه و اسم الراوي أو اسم ابيه أو الراوي عنه أو غير ذلك فقد اجملت

ص: 170

القول فيها في مستدرك مستقل، لانها ببحث الرجال أليق.

هذا، و ان غالب هذه المصطلحات ترجع الى سند الحديث، اما المتن الذي هو المقصود الأصلي و بالذات فيقسّم إلى أقسام اخر كالنص و المجمل و الظاهر و المؤول.. و غيرها مما يتعرض له في فقه الحديث أو أصول الفقه، و يقسم باعتبار مضمون الحديث تارة الى مطلق أو عام، و أخرى الى مقيد أو خاص، و النسبة بين الأحاديث تارة تكون إحدى النسب الاربع و أخرى غيرها من الورود أو الحكومة أو غير ذلك مما تعرض لها في المفصلات الأصولية، هذا من جهة.

و من جهة أخرى: فإنّ المحدثين و علماء هذا الفن - كغالب أصحاب الفنون - يراعون المعنى الأول و المبدأ اللغوي في مصطلحاتهم الخاصة المعبر عنه في المنطق بالمنقول، و قلّما يرتجلون المصطلح كما هو ديدن أصحاب العلوم.

***

ص: 171

مستدرك رقم: (57) الجزء الاول: 205 الحديث المسند و الموصول و المتصل:

اشارة

وقع خلط من بعض العامة في اصطلاح المسند و في تعريفه، و تبعهم بعض الخاصة، و كذا الموصول، حيث أطلقوا على المسند: الموصول أو المتصل، أو علم معرفة المسانيد من الحديث - كما في معرفة علوم الحديث: 17 -، و هم تارة ساووه مع المرفوع - كما فعله ابن عبد البر و حكاه في المقدمة ابن الصلاح: 120، و في اختصار علوم الحديث: 48 عنه - و اخرى عدوه و المعنعن واحدا، و هو مع الموصول معنى، و مع الموقوف مرتبة، أو أرادوا منه المعنى اللغوي للكلمة.. و هكذا. و نورد هنا بعض نماذج كلماتهم.

قال الشيخ حسين بن عبد الصمد في درايته: 85 (التراث: 100): و يقال له المتصل و الموصول و يقابله المنقطع مرسلا أو معلقا أو معضلا. و جعل مختاره أضبط و أشهر.

و عرفه ابن الصباغ في العدة ب: ما اتصل اسناده من راويه الى منتهاه، و عليه فيدخل المرفوع و الموقوف. و أكثر ما استعمل عندهم المسند بما جاء عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) خاصة كما صرح به السيوطي تبعا للنووي، التدريب:

182/1، قواعد التحديث: 123 و غيرهم.

و قال ابن الملقن في التذكرة: 14: المسند: هو ما اتصل إسناده الى النبي (ص)، و يسمى موصولا أيضا. و العجب انه قال بعد هذا في صفحة: 15، - في تعريف المتصل -: و هو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا، و يسمى موصولا أيضا!.

ص: 172

و منهم من عمم منتهى المسند بين المعصوم (عليه السّلام) و غيره - فيما اذا كان صاحب الخبر المنقول - كالاخبار عن قول أو فعل بعض الصحابة أو الرواة أو غيرهم، - بناء على إدخال ذلك كله في حيّز الخبر و الحديث و الرواية في الاصطلاح - بل في الكفاية للخطيب: 58 انه: اسناد متصل بين رواية و بين من أسند عنه، و هو المعنى اللغوي للكلمة. و في علوم الحديث: 217: اتصال الاسناد فيه ان يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه حتى ينتهي ذلك الى آخره و ان لم يبين فيه السماع بل اقتصر على العنعنة.

و من هنا قال في التعريفات: 17: ان يقول المحدث حدثنا فلان عن فلان عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).

و عرفه الطريحي في الحاشية الخطية على مجمع البحرين على مادة (سنن) فقال: و مسند: و هو ما اتصل سنده الى المعصوم رفعا و وقفا. و لعلّه أخذه من ابن عبد البر - كما حكاه عنه البلقيني في محاسن الاصطلاح ذيل المقدمة: 119 - قال:

و ذكر ابن عبد البر ان المسند ما رفع الى النبي صلّى اللّه عليه و آله خاصة متصلا كان أو منقطعا، ثم قال: و حكى ابن عبد البر عن قوم ان المسند لا يقع الا على ما اتصل مرفوعا الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، و قطع به الحاكم.

و لا يخفى وجه التأمل في قول القائل: ان المرفوع قد يكون متصلا و غير متصل، و ان المتصل قد يكون مرفوعا و غير مرفوع، و ان المسند أعم منهما كليهما، فهو في الوقت نفسه متصل و مرفوع. علوم الحديث: 221، حيث يصح هذا على بعض الوجوه لا مطلقا. و قد عكس في الرواشح: 127 حيث قال - في مقام تعريف المرفوع -: و هو - أي المرفوع - يفارق المتصل في المنقطع و يفارقه المتصل في الموقوف، و يجتمعان في المتصل غير الموقوف و هو المسند، فبينهما عموم من وجه، و هما أعم مطلقا من المسند.

و حكاه الدربندي في درايته: 7 - خطي - بنصه بدون نسبته.

ص: 173

و عن بعض العامة جعل المسند ما اتصل سنده الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، و المتصل ما اتصل سنده بقائله مرفوعا كان أو موقوفا.

قال في التدريب في تعريف الموصول: 183/1 ما حاصله: هو ما اتصل اسناده بسماع كل واحد من رواته ممن فوقه أو اجازته الى منتهاه، مرفوعا كان الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أو موقوفا على غيره، فشمل أقوال التابعين و من بعدهم فضلا عن الصحابة.

و قال في المقدمة - بعد عدّه للأقوال -: 120:.. فهذه أقوال ثلاثة مختلفة، و القول الأول أعدل و أولى.

و المراد به ما عرّفه المصنف طاب ثراه تبعا لجمع.

ثم ان المتصل قد يكون مرفوعا و قد لا يكون، و المرفوع قد يكون متصلا و قد لا يكون، أما الحديث المسند فلا يكون الا متصلا مرفوعا - بمعناه المشهور -.

هذا و ان أقوال التابعين و الصحابة إذا اتصلت الأسانيد بهم سميت متصلة مع التقييد بالراوي الذي انتهى اليه الإسناد، و يقال له: المقطوع.

قال الاسترآبادي في لب اللباب - خطي -: 14-15 بترقيمنا - بعد تعريفه للموصول -: و هو أخص من المسند باعتبار ان العلم بالسلسلة أعم من الاطلاع بالذكر كما في الموصول أو بالعهد الذهني كما في غيره، و ان جعل أعم ممّا رفع الى المعصوم عليه السّلام أو وقف على غيره، فهو أعم من وجه.

و ذكر السخاوي في فتح المغيث المجلد الأول صفحة: 99 و ما بعدها أقوالا متعددة يظهر من كلام الخطيب - الذي اقرّه ابن الصلاح عليه - اشعار باستعمال المسند قليلا في المقطوع، بل حتى في قول من بعد التابعي، مع ان صريح كلماتهم يأباه.

قال العراقي في الفيته:

و ان تصل بسند منقولا [كذا] *** فسمه متصلا موصولا

ص: 174

سواء الموقوف و المرفوع *** و لم يروا ان يدخل المقطوع

و من هنا جاء التشتت في تحديد معنى المسند و المتصل، و تداخل أكثر التعاريف و عدم ضبطها.

فوائد:

102 الاولى: ذهب الهندي في تذكرة الموضوعات: 5 الى ان المرفوع هو:

ما أضيف اليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سواء أ كان متصلا ام منقطعا، ثم قال: فالمتصل يكون مرفوعا و غير مرفوع، و المرفوع يكون متصلا و غير متصل، و المسند متصل مرفوع.

أقول: و لا يخفى ما في كلامه، و كل على مبناه، و تمامه متوقف على المراد من هذه الألفاظ عندهم، و تعريفهم لها.

و لقد استدركنا في بحث المرسل ما لو تعارض المتصل و المرسل (الوصل و الارسال) فلاحظ.

103 الثانية: نسب البلقيني الى ادب الرواية للهندي كما في محاسن الاصطلاح: 119 - من مقدمة ابن الصلاح - انه قال: معنى إسناد

الحديث اتصاله في الرواية اتصال أزمنة الدهر بعضها ببعض.

104 الثالثة: قال ابن الصلاح في المقدمة: 122 - في تعريف المرفوع -:

و هو ما أضيف الى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) خاصة، و لا يقع مطلقه على غير ذلك نحو الموقوف على الصحابة و غيرهم، و يدخل في المرفوع المتصل و المنقطع و المرسل و نحوها.

ثم قال: فهو و المسند عند قوم سواء، و الانقطاع و الاتصال يدخلان عليهما

ص: 175

جميعا و عند قوم يفترقان في ان الانقطاع و الاتصال يدخلان على المرفوع، و لا يقع المسند الا على المتصل المضاف الى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).

ثم قال: و من جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابله المرسل فقد عنى بالمرفوع: المتصل.

105 الرابعة: ذكر ابن الاثير في جامع الأصول: 58/1 المسند و الإسناد، ثم عدّ من المسندات الحديث المعنعن و المسلسل و المرفوع..

و عرّف كلا منهما ثم قال: و اعلم ان الإسناد في الحديث هو الأصل، و عليه الاعتماد و به تعرف صحة الحديث و سقمه.

106 الخامسة: روى السمعاني في أدب الإملاء و الاستملاء: 5

عن الصادق عليه السّلام عن آبائه الطاهرين عليهم السّلام عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «إذا كتبتم الحديث فاكتبوه باسناده، فان يك حقا كنتم شركاء في الأجر، و ان يك باطلا كان وزره عليه» و ذكره العزيزي في السراج المنير: 165/1.

***

ص: 176

مستدرك رقم: (58) الجزء الاول: 208 المرفوع عند العامة و الخاصة:

اعلم ان من المرفوع قول الراوي: يرفعه و ينميه أو يبلغ به الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أو أحد الأئمة سلام اللّه عليهم، فما وقع فيه مثل هذا يقال له في زماننا: المرفوع و ان كان منقطعا أو مرسلا أو معلقا بالنسبة الينا الآن، فقول محمد بن يعقوب الكليني مثلا - في أصول الكافي: 39/1 حديث 5 باب النوادر - علي بن ابراهيم رفعه الى ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: طلبة العلم ثلاثة.. يقال له مرفوع، لاتصاله بالمعصوم عليه السّلام و ان كان منقطعا بالاعضال او الارسال. اما علي بن ابراهيم فانه بالنسبة اليه يمكن ان يكون متصلا، أو حتى الكليني ايضا اذا كان قد قطع الاتصال و حذف السند. كما افاده غير واحد، منهم شيخنا الشيخ حسين بن عبد الصمد في درايته: 90 [التراث 104]، و نقلنا عبارة نهاية الدراية: 46 في هامش المتن.

و قيل: المرفوع هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله أو قوله، و خرج بذلك المرسل، و قد قال به الخطيب في كفايته: 58، كما و قد حكاه السيوطي في تدريبه: 184/1، و السخاوي في فتح المغيث: 98/1 و غيرهم.

و بذا خالف البغدادي منهم خاصة، فخصّه برفع الصحابي دون غيره سواء أ أضافه اليه صحابي ام تابعي ام من بعدهما، و سواء أ اتصل اسناده ام لا، كما في علوم الحديث: 216، و حكاه عن التوضيح: 254/1.

قال السخاوي في شرح الألفية: 98/1:.. سواء اضافه اليه صحابي أو

ص: 177

تابعي أو من بعدهما حتى يدخل فيه قول المصنفين و لو تأخروا..!، و بذا يكون أعم من الصحة و الحسن و الضعف كما لا يخفى، اذ لا يكون متصلا دائما، فان سقط واحد فمرسل، أو اثنان فاكثر فمعضل، و ان أبهم فيه رجل فمنقطع.

***

ص: 178

مستدرك رقم: (59) الجزء الاول: 209 أقسام المرفوع:

اشارة

المرفوع - على ما ذكر - اما قول المعصوم (عليه السّلام) أو فعله أو تقريره، و كل واحد من هذه الثلاثة اما ان يكون الرفع فيه صريحا او في حكمه، فالأقسام ستة:

1 - المرفوع من قولهم عليهم السّلام صريحا: مثل قول الراوي سمعت المعصوم عليه السّلام يقول كذا.. و نحوه.

2 - المرفوع من فعلهم عليهم السّلام صريحا: مثل قولهم: رأيته عليه السّلام يفعل كذا.. و ما شابهه.

3 - المرفوع من تقريرهم عليهم السّلام صريحا: نظير قولهم فعلت بحضرته كذا.. أو فعل فلان كذا..، و لم ينكره عليه السّلام و لم يكن موضع تقية.

4 - ما له حكم المرفوع قولا: مثل قول الرواة فيما لا مدخل للاجتهاد فيه، كالاخبار عن الجنة و النار و أحوال القيامة و القبر أو ما يحصل على فعله ثواب أو عقاب مخصوص و نظائره، فهذا في حكم قولهم عليهم السّلام، و قد ألحقه والد الشيخ البهائي في درايته: 89 بحكم المرفوع.

5 - ما له حكم المرفوع في الفعل: مثل ان يفعلوا ما لا مدخل للاجتهاد فيه كالصلاة بالهيئات المخصوصة أو الإتيان بمناسك الحج على الوجه المقرر، و غيرها.

6 - ما له حكم المرفوع في التقرير: كأن يخبر الراوي أنهم كانوا يفعلون

ص: 179

بحضرة الامام عليه السّلام كذا مما يبعد خفاؤه عنهم عليهم السّلام: لتوفر دواعيهم الى السؤال عن أمر دينهم، خصوصا من الأوتاد الثقات من الأصحاب، فهم لا يستمرّون على شيء الا و قد علموا به و أقرّوا عليه أو أمروا به ابتداء و لم ينقل الأمر لنا.

107 فائدة: في دراية الحديث - خطي برقم 1684، المكتبة الرضوية -

ملخص شرح المشارق لفضل بن روزبهان الاصفهاني، (مجهول المؤلف) قسّم المرفوع الى قسمين:

مرفوع تصريحي: و هو الحديث المرفوع الذي صرّح فيه الصحابي بسماع قول أو رواية فعل أو تقريره صلوات اللّه عليه، أو ذكر فيه شيء دالّ ظاهره على تصريح صحة النسبة قولا أو فعلا أو تقريرا له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و مرفوع حكمي: و هو الحديث المرفوع الذي صرح فيه الصحابي بسماع قول أو رواية فعل أو تقرير له صلوات اللّه عليه و آله، الا ان مقتضى الحال و القرائن تدلّ على انه ليس من كلام ذلك الصحابي.

***

ص: 180

مستدرك رقم: (60) الجزء الاول: 215 تنبيهات (حول المعنعن): يحسن بنا هنا ان ننبه على أمور:

108 الاولى: انه قيل: لازم هذه الشروط رد المعنعن دائما، لاحتمال عدم السماع أو اللقاء أو غير ذلك.

و يجاب عنه: ان فرض المسألة في غير المدلس و الوضّاع اولا، و صرف الاحتمال غير كاف ثانيا.

و ما أجاب عنه المصنف قدس سره أخيرا - من ان الأظهر عدم كون إمكان اللقاء شرطا حتى ينفى عند الشك بالأصل، و انما عدم اللقاء مانع، فما لم يثبت عدم اللقاء يبنى على ظاهر اللفظ - يكفي دحضا، فتأمل.

109 الثانية: ذهب بعضهم الى ان المعنعن من قبيل المرسل

فلا يحتج به - كما في علوم الحديث: 223 -، و قد رده النووي في التقريب: 215/1 بقوله: ان عدّ المعنعن من قبيل المرسل مردود باجماع السلف.

و هنا مناقشات و تفصيلات أعرضنا عن التعرض لها لعدم جدواها.

110 الثالثة: ان هنا نوعا مستقلا يعرف بالمؤنن،

أدمجه بعضهم مع المعنعن، و لم يتعرض له المصنف قدس سره أصلا، و قد استدركناه برقم (61)، فلاحظ.

ص: 181

111 الرابعة: اشتهر بين جملة من المحدثين ممن تأخر عن القرن السادس الهجري أو قاربه - كما يظهر من قول ابن الصلاح في المقدمة: 152 من قوله: و كثر في عصرنا و ما قاربه - انه لو قيل قرأت على فلان عن فلان فيراد منه

ان رواه إجازة و يعدّ نوعا من الوصل.

هكذا قرّر و اشتهر و لم استثبته، و سيأتي لهذا مزيد بحث في مبحث الإجازة من أقسام تحمّل الحديث.

112 الخامسة: قيل: قد ترد (عن) و لا يقصد بها الرواية بل يكون المراد سياق قصة سواء أ ادركها أم لا،

فيلزم - و الحال هذه - تقدير شيء محذوف كعن قصة فلان، و ذكروا لها أمثلة في الموسوعات كالتمهيد لابن عبد البر، و فتح المغيث: 159/1 و ما بعدها و غيرهما.

و لكن عند المشيخة الاولى - كما حكي - كان جائزا عندهم ان يقولوا عن فلان و لا يريدون بذلك الرواية، و انما معناه عن قصة فلان.

113 السادسة: قال الدربندي في درايته: 7 - خطي -:

ثم اعلم انه إذا قيل: فلان عن رجل أو عن بعض أصحابه أو عمن سواه عن فلان، فبعض الأصوليين سماه مرسلا و استمر عليه ديدن الشيخ في الاستبصار اكثريا و في التهذيب ثارات (كذا، و الظاهر: تارات)، و ليس في حيز الاستقامة. و قال الحاكم من العامة: لا يسمى مرسلا بل منقطعا، و هذا أيضا خارج عن سبيل الاستواء. و الصواب عندي ان يصطلح عليه بالابهام أو الاستبهام.

ص: 182

114 السابعة: حكى ابن الصلاح في المقدمة: 156 عن الصيرفي

قوله: كل من علم له سماع من إنسان فحدّث عنه فهو على السماع حتى يعلم انه لم يسمع منه ما حكاه، و كل من علم له لقاء انسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم.

أقول: و عليه يعمّ الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عمّن لقيه باي لفظ كان، هذا اذا لم يظهر تدليسه.

115 الثامنة: قال في المقابيس: 26 - خطي -:

و عنعنة المعاصر محمولة على السماع بخلاف غير المعاصر، فانها تكون مرسلة أو منقطعة، فشرط حملها على السماع ثبوت المعاصرة الا من المدلس. و سيأتي له بحث في باب السماع - من أقسام تحمل الحديث -.

116 التاسعة: قيل بالفرق بين قولهم فلان عن فلان، و قولهم: روى فلان عن فلان،

فالأول يستلزم الرواية بلا واسطة، و اما الثاني فأعم. و من هنا قال الشيخ في التهذيب في أحكام الجماعة: 47/3 حديث 164، و باب المهور منه: 355/7 حديث 1447، روى أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد اللّه بن المغيرة، مع ان الكشي في رجاله: 497 و 512 و غيرها، و النجاشي في رجاله: 65 و 159 قالا: انه لم يرو عنه قط.

117 العاشرة. قال الصنعاني في توضيح الافكار: 336/1: ان للفظ «عن» ثلاثة احوال.

احدها: انها بمنزلة: حدثنا و أخبرنا بالشرط السابق.

الثاني: انها ليست بتلك المنزلة اذا صدرت من مدلّس.

ص: 183

و هاتان الحالتان مختصتان بالمتقدمين. و اما المتاخرون - و هم من بعد الخمسمائة و هلم جرا - فاصطلحوا عليها للاجازة، و هذه هي الحالة الثالثة، الا أن الفرق بينها و بين الحالة الاولى مبنيّ على الفرق فيما بين السماع و الاجازة، لكون السماع ارجح.

ثم قال: و بقي حالة اخرى لهذه اللفظة - و هي خفية جدا - لم ينبّه أحد عليها في علوم الحديث مع شدة الحاجة اليها، و هي انها ترد و لا يتعلق بها حكم باتصال و لا انقطاع، بل يكون المراد بها سياق قصة، سواء ادركها الناقل او لم يدركها، و يكون هناك شيء محذوف فيقدر.

***

ص: 184

مستدرك رقم: (61) الجزء الاول: 215 المؤنن:

اشارة

و يقال له المؤنأن، كما صرح به بعض من تعرض له كالدربندي في درايته:

15 - خطي -.

و هو - أيضا - مصدر جعلي من الحرف المشبه بالفعل أعني انّ - بالفتح و التشديد و قد تكسر - و هو: ما يقال في سنده حدثنا فلان ان فلانا حدثنا.

و هو كالمعنعن في الحمل على الاتصال اذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع، كما ذهب اليه المشهور.

و قيل: انه منقطع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى، و نسب ابن الصلاح في مقدمته: 153 الى أحمد بن حنبل انهما - اعني عن و ان - ليسا سواء.

قال الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن):.. و هو كعن في اللقاء و المجالسة و السماع مع السلامة من التدليس، و نسب هذا القول السيوطي تبعا للنووي في التدريب: 217/1 الى الجمهور، و أول من قال بذلك ابن عبد البر - ممّن نعلم - كما حكاه جمع منهم السخاوي في شرح الألفية:

159/1.

حيث حكى ابن عبد البر عن جمهور أهل العلم ان «عن» و «أنّ» سواء و انه لا اعتبار بالحروف و الألفاظ، و انما هو باللقاء و المجالسة و السماع و المشاهدة، يعني مع السلامة من التدليس، فاذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان

ص: 185

حديث بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد محمولا على الاتصال حتى يتبين فيه الانقطاع.

و ذهب شاذ الى التفريق بين (عن) و (أنّ) و شبههما، فرأوا ان (أنّ) محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من طريق آخر، أو يأتي ما يدل على انه قد شهده أو سمعه، و نسب هذا القول الى البرديجي، كما حكاه ابن الصلاح عنه في المقدمة: 153، و السيوطي في التدريب: 218/1.

و قال في المقدمة - أيضا -: 156: عن الصيرفي قال: كل من علم له سماع من انسان فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم انه لم يسمع منه ما حكاه.

و كل من علم له لقاء انسان فحدّث عنه فحكمه هذا الحكم.

أقول: و عليه يعمّ الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عمّن لقيه بأي لفظ كان، كل هذا فيمن لم يظهر تدليسه.

و انظر: علوم الحديث: 224، و حكاه عن التوضيح: 337/1، و مقدمته التمهيد: 7، و الكفاية: 407، و فتح المغيث: 160/1، و كشاف اصطلاحات الفنون:

140/1 و غيرها.

و الجواب عن الوجوه الماضية ما قيل من حمل فعل المسلم على الصحة.

و لقد أجاد ابن عبد البر - كما حكاه السيوطي - من قوله: و لا اعتبار بالحروف و الألفاظ، و انما هو باللقاء و المجالسة و السماع و المشاهدة - كما مرّ - قال:

و لا معنى لاشتراط تبين السماع لإجماعهم على ان الإسناد المتصل بالصحابي سواء أ أتى فيه بعن أم بأن أم بقال أم بسمعت.. فكله متصل.

118 فائدة: مما يظهر من الصنعاني في توضيح الافكار: 337/1 ما حاصله

أنهم اختلفوا في قول الراوي: ان فلانا قال.

فقيل: هو كالعنعنة، يأتي فيه ما أتى فيها.

ص: 186

و قيل: انها لم يرد فيها الا ما يدل على التاكيد.

و قيل: انه لا اعتبار بالحروف و الالفاظ و انما هو باللقاء و المجالسة و السماع و المشاهدة، قاله ابن عبد البر في التمهيد.

و قيل: ان حرف «أن» محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع من جهة اخرى.

و قيل: ان مثل ذلك يفيد الاتصال في حق الصحابة.

***

ص: 187

مستدرك رقم: (62) الجزء الاول: 216 الفرق بين المعلق و المنقطع و المرسل:

اشارة

ذهب بعضهم الى ان المعلق ضرب من ضروب المنقطع الذي سقط من إسناده رجل، أو ذكر فيه رجل مبهم، و لتوضيح الفرق بين المعلق و المرسل نقول:

كثيرا ما يطلق المنقطع و يراد به ما لم يتصل إسناده الى المعصوم عليه السّلام على أي وجه كان، فيرادف المرسل، و يعبّر عنه بالمنقطع بالمعنى الأعم، فيشمل المعلق على هذا، و يصح اطلاقه عليه.

الا ان الدّقة في الاصطلاح تقتضي ملاحظة أقسام ستة في المقام:

لأن الحذف اما من الأول أو من الوسط أو من الآخر، ثم المحذوف اما واحد أو اكثر.

فاذا كان الحذف من الأول سواء أ كان واحدا ام أكثر سمي: معلقا، كما مرّ تفصيله بشروطه.

اما لو حذف من وسط إسناده واحد أو أكثر فقد سمي المنقطع بالمعنى الأخص، و سيأتي بيانه.

اما المرسل، فهو ما رواه عن المعصوم عليه السّلام من لم يدركه بغير واسطة، أو بواسطة نسيها أو تركها عمدا أو سهوا، واحدا كان المتروك أو اكثر..

و له تفصيلات سنوافيك بها باذن اللّه.

هذا و لم نعرف وجها لما صرّح به في لب اللباب: 14 - خطي - من كون المقطوع لا بد فيه من وحدة الساقط و كونه في الوسط، مع ان جماهير المحدثين

ص: 188

على خلافه، فتدبّر.

فائدتان:

119 الاولى: قال الدربندي في درايته: 7 - خطي -:

و لا يخفى عليك ان الشيخ الطوسي - رحمه اللّه - قد أكثر من التعليق في كتابيه، فيترك الأقل أو اكثر ثم يذكر الاسناد الى آخر السند. و الصدوق - رحمه اللّه - كثيرا ما يعلق الى آخر السند فيقول مثلا: روى زرارة عن الباقر (عليه السّلام) و نحو ذلك.

120 الثانية: قال ابن الصلاح في المقدمة: 97:

فرق في باب المعلق من الصحاح ما بين ما كان فيه جزم و حكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه؛ مثل قال، و ما لم يكن كذلك كروى، أو في الباب عن النبي (صلّى اللّه عليه [و آله) كذا، فلا، لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا.

و هو تام على مبناهم و بنائهم.

***

ص: 189

مستدرك رقم: (63) الجزء الاول: 217 تنبيهان (حول المعلق):

121 الاول: استعمل المعلق عند بعضهم في حذف كل الاسناد،

كقولهم قال النبي صلّى اللّه عليه و آله.. كذا، و فعل أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام.. كذا، كما أفاده والد الشيخ البهائي في درايته: 91، و الدربندي في درايته: 7 - خطي - و غيرهما.

و الغرض هنا بيان خصوص القائل و المقول دون ملاحظة سلسلة السند.

122 الثاني: ما نبّه عليه الشيخ حسين بن عبد الصمد في وصول الاخيار: 106 - التراث - من قوله:

لا تظنن ما رواه الشيخ في التهذيب و الاستبصار عن الحسين بن سعيد و نحوه ممن لم يلحقهم، و كذا ما رواه في الفقيه عن اصحاب الأئمة عليهم السّلام و غيرهم معلقا، بل هو متصل بهذه الحيثية، لأن الرجال الذين بينهم و بين من رووا عنهم معروفة لنا، لذكرهم في ضوابط بينوها بحيث لم يصر فرق بين ذكرهم لهم و عدمه، و انما قصدوا الاختصار. نعم ان كان شيء من ذلك غير معروف الواسطة - بان يكون غير مذكور في ضوابطهم - فهو معلق، و قد رأيت منه شيئا في التهذيب، لكنه قليل جدا.

اقول: لقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه عن جماعة لم يذكر طريقه اليهم، عدّهم شيخنا النوري في المستدرك: 717/3 بما يناهز المائة و العشرين راويا و تصبح الروايات على هذا مرسلة أو معلقة.

ص: 190

مستدرك رقم: (64) الجزء الاول: 218 الفرد النسبي و انواعه:

أو المفرد النسبي، أو ما هو فرد بالنسبة - على حد قول ابن الصلاح في المقدمة: 192، أو المفرد المضاف - على حد تعبير الدربندي في درايته: 8 - خطي -.

و هو ما حكم بتفرده بالنسبة لصفة معينة أو شخص معين.. - اي قيّد بصفة خاصة - و ان كان الحديث في نفسه مشهورا.

و قال جمع: ان أريد بتفرد أهل بلد تفرد واحد من تلك البلد كان ذلك من المفرد المطلق لا النسبي، و لا يخلو من تأمل، الا ان مثل هذا الإطلاق جائز سائغ شائع عندهم، و الذي يظهر من بعض الكلمات ان الفرد النسبي هو الغريب اصطلاحا، و قيل هو الغريب غالبا، و ذلك لتفرد راويه عن غيره به.

ثم انه قد عدّت للمفرد النسبي أنواع متكثرة جعلت له تارة و تحت عنوان الغريب أخرى، و ذلك لما وقعوا فيه من الخلط و اللبس بينهما لوجود عنصر التفرد المشترك فيهما، و من هنا قيل ان المفرد أو الفرد النسبي انما ينضبط بنسبة التفرد الى شيء معين. و قد عدّ له الحاكم في معرفة علوم الحديث: 96-102 ثلاثة اقسام، و اجملها البلقيني في محاسن الاصطلاح: 193 - ذيل المقدمة -:

الاول: تفرد شخص عن شخص، أو قل: ما يتفرد بروايته رجل واحد عن أحد أئمة الحديث. و مثله ما ينفرد به ثقة عن كل ثقة، كما قاله ابن الصلاح في المقدمة: 192.

الثاني: معرفة سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يتفرد بها أهل

ص: 191

مدينة واحدة عن صحابي.

الثالث: أحاديث لأهل المدينة تفرد بها عنهم أهل مكة مثلا أو بالعكس، او أحاديث يتفرد بها الخراسانيون عن أهل الحرمين مثلا، ثم قال الحاكم: 100:

و هذا نوع يعزّ وجوده و فهمه.

و هذه الأنواع - كما قاله في علوم الحديث: 229، و حكاه عن التوضيح:

10/2 - تفرد بها شخص واحد، و كان التفرد مقيدا في كل نوع منها بموضع من السند وقع فيه - أي في اثنائه - و لذا سمي بالفرد النسبي الذي يطلق عليه غالبا الغريب. و فصّله في قواعد التحديث: 128، و شرح النخبة: 56 و غيرهم.

و على كل، فليس في شيء من هذا ما يقتضي الحكم بضعف الحديث الا ان يطلق قائل قوله: تفرد به أهل مكة، أو تفرد به البصريون عن المدنيين، أو نحو ذلك على ما لم يروه الا واحد من أهل مكة أو واحد من البصريين و يضيفه اليهم. كما أفاده ابن الصلاح في المقدمة: 192 و غيره.

***

ص: 192

مستدرك رقم: (65) الجزء الاول: 218 فوائد (حول المفرد):

123 الاولى: قولهم: هذا حديث تفرد به فلان، أو لم يروه سوى فلان.. لا يقتضي ذلك شذوذا في الحديث و لا نكرا،

بل يبقى له حكمه المقرر. هذا فيما اذا كان ذلك في تفرد شخص واحد، فما ظنك بما تفرد به أهل بلد أو مصر أو قبيلة.

و عليه فالفرد - بكلا قسميه - لا يقتضي ضعفا من حيث الانفراد، بل ينظر في راويه هل بلغ رتبة من يحتج به أو بتفرده أم لا؟.

124 الثانية: قولهم في حديث: تفرد به فلان عن فلان، احتمل ان يكون تفردا مطلقا، و احتمل ان يكون هذا الشخص متفردا به عن هذا المعين خاصة،

و ان كانت الرواية مروية عن غيرهما - أيضا -، فليتنبه لذلك، كما افاده ابن دقيق العيد و حكاه عنه غيره، لاحظ شرح الألفية: 208/1 و غيره.

125 الثالثة: مثال التفرد

عندنا ما انفرد به أحمد بن هلال العبرتائي، حيث ذهب المشهور ممّن و ثقة الى عدم الالتفات الى ما تفرد به، كما قاله الشيخ في التهذيب:

204/9: لا يلتفت الى حديثه فيما يختص بنقله، و نظيره في الاستبصار.

126 الرابعة: عدّ القاسمي في قواعد التحديث: 128 أربعة احوال للفرد المطلق

- بعد

ص: 193

تقسيمه الفرد الى نوعين - قال: حال يكون مخالفا لرواية من هو أحفظ منه، فهذا ضعيف، و يسمى شاذا و منكرا كما سيأتي.

و حال لا يكون مخالفا، و يكون هذا الراوي حافظا ضابطا متقنا فيكون صحيحا.

و حال يكون قاصرا عن هذا، و لكنه قريب من درجته فيكون حديثا حسنا.

و حال يكون بعيدا عن حاله فيكون شاذا منكرا مردودا.

ثم قال: فتحصل ان الفرد المذكور قسمان: مقبول و مردود.

و المقبول ضربان: فرد لا يخالف و راويه كامل الأهلية، و فرد هو قريب منه.

و المردود ايضا ضربان: فرد مخالف للأحفظ و فرد ليس في راويه من الحفظ و الاتقان ما يجبر تفرده.

و لم أجد من وافقه على ذلك، و ان حسن أكثر ما فصل، و أجمل من داخل بينها و ابهم. نعم لعل في كلام المصنف رحمه اللّه ما يشير الى هذا، خصوصا عند من يرى ان المفرد أعم من الضعيف و الموثّق و الحسن و الصحيح.

127 الخامسة: لجمهور العلماء مصنفات عديدة في هذا الباب

لمعرفة الافراد و الغرائب، و صنف في هذا الفن في أواخر القرن الثالث الهجري مصنفات منها: اطراف الغرائب و الأفراد لمحمد بن طاهر المقدسي (448-507 ه)، و كتاب الافراد لابي حسن الدارقطني (306-385 ه)، و عدّ غير هذا في أصول الحديث: 363، و قبله السخاوي في فتح المغيث: 208/1 و غيرهم.

و في معجم الطبراني أمثلة كثيرة للمفرد.

***

ص: 194

مستدرك رقم: (66) الجزء الاول: 219 الفرق بين المفرد و الغريب:

هناك فرق بين الفرد و الغريب، مع التسليم بوجود رابطة مشتركة بينهما لغة و اصطلاحا - و هو مفهوم التفرد - و قد سوغت هذه الرابطة لبعض اعلام الفن ان يحكموا بترادفهما، فيقال: تفرد به فلان و أغرب به فلان.. و هم يقصدون شيئا واحدا، و هذا ما يستشم من تعريفهم لهما - كما في علوم الحديث: 226 و حكاه عن التوضيح: 8/2، و شرح النخبة: 8 و غيرهم -.

و كأنّ الحاكم لا يرى فرقا بين الفرد و الغريب الا في التوجيه و التعليل بين الإطلاق و التقييد كما في معرفة علوم الحديث: 96-102.

الا ان الأظهر - كما هو المشهور و عليه جمهور المحدثين - التغاير من حيث كثرة الاستعمال و قلّته، فالفرد - اكثر ما يطلق - على الفرد المطلق الذي لم يقيّد بقيد ما، بخلاف الغريب فيطلقونه غالبا على الفرد النسبي، و لعلهم لا يفرّقون في مقام الاشتقاق بين التفرد و الغرابة و الفرد النسبي، فتدبّر.

نعم من الافراد ما ليس بغريب كالافراد المضافة الى البلدان، كما قاله السيد الداماد في الرواشح: 120، و لعل وجه التفرقة عنده هو هذا. و ان كانت عبارته ظاهرة في الوحدة، و هذا عجيب منه، فلاحظ. و أعجب منه ما ذكره في صفحة: 129 من عدّه المفرد و النادر واحدا، و سنوافيك بكلامه في محله.

***

ص: 195

مستدرك رقم: (67) الجزء الاول: 219 الاعتبار و المتابع و الشاهد و الفرد:

هذه من المصطلحات المتداولة عند علماء الدراية من العامة خاصة، و حيث كانت متداخلة و متشابكة و مهمة، و لم يتعرض لها المصنف رحمه اللّه نتعرض لها مجملا، لأن بها يتعرف حال الحديث من جهة من تفرد به و عدمه، و هل له شاهد أو متابع أو هو معروف أم لا؟

و عدّها ابن الصلاح - في المقدمة: 182 - و جمع نوعا برأسها.

اما الاعتبار؛ فهو ليس نوعا مقابلا للانواع الاخرى و لا قسما لها، بل هو هيئة التوصل و وسيلة لمعرفة المتابع و الشاهد بسبر طرق الحديث من الدواوين المبوبة و المسندة و غيرهما كالمعاجم و المشيخات و الفوائد ليعتبر بروايات غيره من الرواة الثقات، بمعنى هل شارك في رواية ذلك الحديث أحد غيره فيما حمله من شيخه، سواء أ اتفقا في رواية ذلك الحديث بلفظه عن شيخ واحد ام لا، و هل جاء عن طريق شيخ آخر أم لا؟ بمعنى هل للحديث متابع آخر ام لا.

ثم مع عدم الاعتبار، يلاحظ هل تابع أحد شيخ شيخه فرواه ثقة عمّن روى عنه ممن يصلح أن يخرّج حديثه، فرواه عن شيخه أو من فوقه بلفظ مقارب، فيصير الحديث متابعا.

و بعبارة أخرى: ان الاعتبار: هو تتبع الطرق من الجوامع و المسانيد و الاجزاء لذلك الحديث الذي يظن انه فرد، ليعلم هل له متابع أو شاهد ام لا.

قال في شرح النخبة: 14: و ان وجد متن يروى من حديث صحابي آخر

ص: 196

يشبهه في اللفظ و المعنى أو في المعنى فقط فهو الشاهد. و حكاه في فتح المغيث:

196/1.

هذا، و صرح جمع من العامة ان الاعتبار قسيم للمتابعة و الشواهد.

و ظاهر بعض انه قسم منهما، و في قواعد التحديث: 129 انه قسم برأسه من أقسام الألفاظ المشتركة بين الصحيح و الحسن و الضعيف و كذا المتابعة، و لا يخفى ضعفه.

اما المتابعة: فهي مشاركة راو راويا آخر في رواية الحديث عن شيخه أو عمّن فوقه من المشايخ. و عرّفها في كشاف اصطلاحات الفنون: 239/1 ب: ان يوافق الراوي المعين غيره - اي غير ذلك الراوي - في تمام اسناده أو بعضه.

و هي: اما تامة - و يقال لها الحقيقية، و سماها في الكشاف ب (الموافقة) -.

أو ناقصة - و تسمى القاصرة - و ذلك الغير هو المتابع - بكسر الموحدة - و الشخص الذي يروي عنه ذلك الغير هو المتابع عليه.

كما لو شارك شيخه في روايته له عن شيخه ففوق واحد فهو تابع، و لكنه في ذلك قاصر عن مشاركته، و كلما بعد فيه المتابع كان أنقص.

فلو اخذنا رواية مثل الكليني رحمه اللّه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن العباس بن عمرو عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام مثلا، و رواها الكليني عن غير علي بن إبراهيم عدّ ذلك الحديث متابعا تاما، اما لو روى علي ابن إبراهيم عن غير أبيه الحديث، أو إبراهيم بن هاشم عن غير العباس بن عمرو أو هذا عن غير هشام بن الحكم كان كلهم متابعا ناقصا، و كلما بعدت قصرت.

و بعبارة اخرى: ما جاءت المتابعة فيه للراوي نفسه كانت تامة، و ما كانت المتابعة فيه لشيخ الراوي فمن فوقه كانت قاصرة، على حد تعبير ابن حجر في النخبة: 14، و حكاه عنه غير واحد.

ص: 197

و قال:.. و خصّ قوم المتابعة بما حصّل اللفظ سواء أ كان من رواية ذلك الصحابي أم لا. و الشاهد بما حصّل بالمعنى كذلك. ثم قال: و قد تطلق المتابعة على الشاهد و بالعكس و حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 129. و عرّف المتابع - بعد عدّه قسما برأسه -: بما وافق راويه راويا آخر ممن يصلح ان يخرج حديثه، فرواه عن شيخه و من فوقه.

و اشار له السخاوي في شرح الألفية: 196/1، و صرح به قبلهم ابن الصلاح في المقدمة: 182، و الدربندي في درايته: 16 - خطي - و غيرهم.

ثم ان المشهور خصّوا المتابعة بما كانت لفظا، سواء أ كانت رواية من الشخص أو غيره عن المعصوم عليه السّلام، فيقال: فلان تابع فلانا، اي لفظا، و منهم من ساوى، و آخر عمّم.

اما الشاهد: فهو ما لو وجد حديث آخر اتى بمعنى الحديث، رواه ثقة أيضا بمتن يشبهه في اللفظ و المعنى جميعا، أو في المعنى فقط فيصبح للحديث أصل يرجع اليه و ذلك مع عدم وجود المتابع.

و قيل: الشاهد مخصوص بما كان بالمعنى بخلاف المتابع. قال الدربندي في درايته: 16 - خطي -: و قد خص قوم المتابعة بما حصل باللفظ سواء أ كان من رواية ذلك الصحابي أم لا، و الشاهد بما حصل بالمعنى كذلك.

و قيل: كلّ ما جاء عن الصحابي فتابع، و عن غيره فشاهد.

و قيل: ان كل واحد من المتابع لشيخه فمن فوقه يسمى شاهدا، كما نص عليه في شرح الألفية: 196/1.

و قيل: الشاهد أعم من اللفظ و المعنى و المتابع، قاله في علوم الحديث:

341.

و عن ابن حجر - كما حكاه السيوطي في تدريب الراوي: 243/1،

ص: 198

و السخاوي في فتح المغيث: 196/1، و هو في شرح النخبة: 15 -: انه قد يسمى الشاهد متابعا ايضا.

و خصّ البيهقي و أتباعه المتابعة بما حصل باللفظ، سواء أ كان رواية ذلك الصحابي أم لا، و الشاهد بما حصل بالمعنى كذلك - اي سواء أ كان من رواية ذلك الصحابي أم لا -، حكاه في كشاف اصطلاحات الفنون: 239/1 ثم قال: و قد تطلق المتابعة على الشاهد و بالعكس.

و ذلك لان في كل منهما ضربا من تعزيز الفرد النسبي، و هو مجرد اصطلاح، و الامر فيهما سهل، لان كلا منهما يفيد تقوية الحديث كما في شرح النخبة: 14.

و قد يعكس بان يقال للشاهد متابع، كما قاله السيد الصدر في نهاية الدراية: 34 نقلا عن الدربندي في درايته، و قد قاله غيرهما.

و قيل: ان الشاهد هو رواية من لا يحتج به في نفسه، أو قل: كل حديث ضعيف يؤيد غيره، و صرح بعضهم بكونه خصوص رواية الثقة.

و يدخل في المتابعة و الاستشهاد رواية من لا يحتج به و لا يصلح لذلك كل حديث ضعيف، كما لا يخفى. كما قاله الدربندي رحمه اللّه في درايته: 16 - خطي - و غيره.

قال ابن الصلاح في المقدمة: 183: ثم اعلم انه قد يدخل في باب المتابعة و الاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء..

و ليس كل ضعيف يصلح لذلك، و لهذا يقول الدارقطني و غيره في الضعفاء: فلان يعتبر به و فلان لا يعتبر به.

و الذي يظهر من كلماتهم عدم انحصار المتابعات بخصوص الثقات و كذا الشواهد، بل قد يدخل فيهما ما لا يحتجّ بحديثه وحده، بل يكون معدودا في الضعفاء، و ليس كل ضعيف يصلح لذلك، لذا قالوا فلان يعتبر به و آخر لا يعتبر بحديثه..

ص: 199

ثم الشاهد على نوعين: لفظي و معنوي.

اما مع عدم وجود الاعتبار و المتابع و الشاهد فالحديث: فرد، و عليه فالتفرد مشعر بعدم وجود المتابعات و غيرها، و مع عدم الجميع و انتفائه يصير الحديث شاذا ان كان مخالفا لرواية من هو أحفظ منه، و يعدّ ضعيفا، و يقال له: منكر، و سيأتي بيانه.

و من هنا يظهر اوجه المناقشة في ما ذكره في وصول الأخيار: 170 قال:..

و هو عبارة عن النظر في الحديث هل تفرد به راويه أم لا، و هو اعتبار المتابعة، و هل جاء في الأحاديث ما يوافقه معنى ام لا، و هو اعتبار الشاهد.

و على كل، فهذه الأنواع مهمة في باب الترجيح لم يبحثها الاصوليون من أصحابنا، و جرت عادة أصحاب الحديث بالبحث عنها، و بها يتعرف الفقيه و المحدث حال الحديث، فالحسن قد يرتقي مع وجود المتابعات و الشواهد الى درجة الصحيح، كما قاله في فتح الملك العلي: 60 و غيره.. و هكذا.

للتوسع انظر الى غير ما ذكرناه: قواعد التحديث: 128/9، فتح المغيث:

8/1-195، مقدمة ابن الصلاح: 31 - بمبي - [بنت الشاطي: 181-184] و ذيلها محاسن الاصطلاح للبلقيني، أصول الحديث: 366، اختصار علوم الحديث:

63، شرح النخبة: 5-14، علم الحديث: 168، كشاف اصطلاحات الفنون:

239/1 و غيرها.

***

ص: 200

مستدرك رقم: (68) الجزء الاول: 223 طرق معرفة المدرج و أنواعه:

اشارة

ان معرفة المدرج و الحكم بذلك أمر مشكل جدا، و قد جعل لمعرفته طرق:

الاول: تصريح بعض الرواة بفصل العبارة المدرجة عن المتن المرفوع، فيضيفها الى قائلها، و يعيّن المزيد و المزيد عليه.

الثاني: تصريح أحد الرواة بعدم السماع للمدرج من كلام المعصوم عليه السّلام، أو سؤاله عليه السّلام و اعلامه بعدم كونه منه، أو اقرار من أدرج بادراجه، أو تنصيص أهل الخبرة و الدراية و حكم أئمة الحديث و رجاله بدرجة.

الثالث: استحالة إضافة تلك الجملة الى كلام المعصوم عليه السّلام، كنسبة الشرك لنفسه كما في بعض روايات العامة، ذكر السيوطي منها موارد في تدريبه: 273/1 و ما بعدها، و كذا ابن حجر في الباعث الحثيث: 82، و علوم الحديث: 9-248 عن لقط الدرر: 91، و التوضيح: 62/2 و غيرهم.

الرابع: وروده منفصلا في حديث آخر ليس فيه المدرج، قيل هذا من علامات معرفته، و هو طريق في الجملة ان لم ننكره بالجملة، فتدبّر.

انواع الدرج:

الدرج اما في المتن أو في السند، و الدرج في المتن - كما سلف - تارة يكون في أول الحديث و أخرى في آخره و ثالثة في وسطه، و غالبا ما يكون في آخر الخبر، و قلّما يكون في وسطه، بل قيل وقوعه في أوله أكثر من الوسط كما قاله الخطيب و غيره، إلا ان السخاوي في فتح المغيث: 228/1 ذهب الى ان الادراج في الأول

ص: 201

نادر جدا، بل ادعى ان لا مثال له الا حديث: «أسبغوا الوضوء». و لا يخفى ما فيه.

و عن ابن دقيق - كما حكاه السيوطي في التدريب تبعا للنووي في التقريب: 268/1 -: ان الطريق الى الحكم بالادراج في الأول أو الأثناء صعب، و لا سيما ان كان مقدما على اللفظ المروي أو معطوفا عليه بواو العطف.

و اما الدرج في الاسناد فعلى أقسام ذكرها المرحوم الدربندي في درايته: 9 - خطي - حيث ذكر أقساما ستة للدرج في الاسناد فقال:

الاول: ان يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة فيرويه منهم راو، فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، و لا يبين الاختلاف.

الثاني: ان يكون المتن عند راو الا طرفا منه فانه عنده باسناد آخر، فيرويه راو عنه تاما بالاسناد الاول.

الثالث: ان يسمع الحديث من شيخه الا طرفا منه فيسمع من شيخه بواسطة فيرويه راو عنه تاما بحذف الواسطة.

الرابع: ان يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما راو عنه مقتصرا على أحد الإسنادين.

الخامس: ان يروي أحد الحديثين باسناده الخاص به، لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الاول.

السادس: ان يسوق الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاما من قبل نفسه فيظن بعض من سمعه ان ذلك الكلام هو من ذلك الإسناد، فيرويه عنه كذلك.

ثم ان السبب في الادراج أمور:

الاول: استنباط الراوي حكما من الحديث قبل ان يتم فيدرجه، و هذا غالبا ما يكون في وسطه أو آخره.

ص: 202

الثاني: تفسير بعض الألفاظ الغريبة.. و نحو ذلك.

الثالث: تبيين الحكم الشرعي، و يمهد له الراوي بقول المعصوم عليه السّلام. و يكون ذلك من الادراج في أول المتن غالبا، كما نص عليه في علوم الحديث: 8-247، و حكاه عن التوضيح: 52/2.

هذا و يمكن ان يكون من مدرج المتن اشتراك جماعة عن شيخ في رواية و يكون لأحدهم زيادة يختص بها فيرويه عنها راويا لزيادة من غير تمييز، كما ان من اقسام مدرج الاسناد ان لا يذكر المحدّث متن الحديث بل يسوق اسناده فقط ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه ان ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد.. الى غير ذلك من الموارد.

هذا و لا يخفى ان ما ذكرناه هنا هو تفصيل ما اجمل المصنّف رحمه اللّه ذكره في طرق و أنحاء معرفة المدرج و سببه، فلاحظ.

ثمّ لا شبهة في حرمة تعمد الدرج سندا و متنا، لتضمنه الكذب و نسبة الشيء الى غير قائله، و لزومه تغيير الاحكام و ابتداع البدع.. و غير ذلك.

و ان للقوم كتبا في المدرج كثيرة لعل أهمها ما صنفه الخطيب البغدادي في هذا الباب و سماه: الفصل للوصل المدرج من النقل، و قد لخصه ابن حجر و زاد عليه و سماه: تقريب المنهج بترتيب المدرج، و استخلص السيوطي من كتاب ابن حجر جزءا و سماه: المدرج الى المدرج ذكر فيه مدرج المتن دون السند.. و غيرهم.

راجع غير ما مرّ: المنهل الرويّ: 11، أصول الحديث: 36، فتح المغيث:

226/1-233، معرفة علوم الحديث: 39-41، مقدمة ابن الصلاح: 36 - الهند - [بنت الشاطئ: 208:4-211] و غيرها.

***

ص: 203

مستدرك رقم: (69) الجزء الاول: 225 حديث: «إنما الأعمال بالنيات». روته العامة و الخاصة

فعن العامة: ما رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم انه قال: الأعمال بالنيات. و فصّل القول فيه السيوطي في تدريبه: 236/1.

و عده بعد ذلك: 276/1: في ما كان اسناده غريبا كله و المتن صحيح.

و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 388 في عدّه من الحديث الصحيح المشهور، و علق عليه البلقيني في محاسن الاصطلاح (نفس المصدر و الصفحة) و لكنه قال في مقام آخر من محاسنه: 174 - ذيل المقدمة - عن هذا الحديث: انه حديث فرد، تفرد به عمر.

قال الشهيد في البداية: 34 [البقال: 1/1-110] في هذا الحديث انه من الغريب المشهور، و بانه: غريب في طرفه الأول، لأنه مما تفرد به من الصحابة عمر، و ان كان قد خطب به على المنبر فلم ينكر عليه، فان ذلك أعمّ من كونهم سمعوه من غيره، ثم تفرد به عنه علقمة، ثم تفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم، ثم تفرد به يحيى بن سعيد عن محمد، مشهور في طرفه الآخر لتعدد رواته بعد من ذكر و اشتهاره، حتى قيل انه رواه عن يحيى بن سعيد أكثر من مأتي نفس، و حكى عن ابي إسماعيل الهروي انه كتبه عن سبعمائة طريق عن يحيى بن

ص: 204

سعيد. ثم قال: و ما ذكرناه من تفرد الأربعة بهذا الحديث هو المشهور بين المحدثين، و لكن ادعى بعض المتأخرين انه روى أيضا عن علي عليه السّلام و أبي سعيد الخدري و أنس بلفظه، و عن جمع من الصحابة بمعناه.

و قال السيوطي في التدريب: 189/1:.. انه لم يرو الا عن عمر بن الخطاب، رواه عنه علقمة، و لم يروه عنه الاّ محمد بن إبراهيم التميمي، و رواه عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، و انما طرأت عليه الشهرة من عند يحيى. و هذا ينافي ما ذكرنا عنه في اول المستدرك فلاحظ.

و نظيره قاله في نهاية الدراية: 38، و السيد الداماد في الرواشح: 132 و ألفية العراقي و شرحها: 32/3، و دراية الدربندي: 10 - خطي - و قال في آخره:..

و حينئذ لا يدخل في حد الغرابة أصلا.

و أصل الحديث تجده في صحيح البخاري: 2/1 و 13، 759/2 و 793، سنن البيهقي: 341/7 و غيرهما.

و روته الخاصة في مجاميعها الحديثية بمضامين مختلفة، و أسانيد متعددة، انظر: التهذيب: 23/1 و 405، وسائل الشيعة: 33/1 و 35 باب 5، المحاسن: 262، المجالس: 24 و 38، غوالي اللآلي: 81/1 و غيرها.

اقول: قد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي الملقب بشيخ الاسلام انه كتبه عن سبعمائة رجل من أصحاب يحيى بن سعيد كما قاله في فتح المغيث: 32/3.

و قد انتقد ابن الصلاح في التمثيل به، إذ الشهرة فيه نسبية، و الحق انها مناقشة باهتة، اذ هي شهرة في الذيل. و لكل مبناه في باب الشهرة، فان كانت بمعنى الاشتهار على ألسن المحدثين فلا شك في كون الحديث كذلك، و الا فهو ليس بمتواتر و لا بمشهور، فتدبّر.

***

ص: 205

مستدرك رقم: (70) الجزء الاول: 227 الشهرة:

ذهب بعض الأعلام من الفريقين الى ان الشهرة من الأدلة الكاشفة عن رأي المعصوم عليه السّلام، و يراد منها: هو انتشار الخبر أو الاستناد أو الفتوى انتشارا مستوعبا لجلّ الفقهاء أو المحدثين، فهي دون مرتبة الإجماع من حيث الانتشار - كما في اصول الفقه المقارن: 220/1 -.

و قد قسمت الشهرة الى ثلاثة أقسام، و هي تختلف من حيث الحجية و عدمها:

الأول: الشهرة في الرواية: و هو ما شاع عند أهل الحديث - كما استدركته مفصلا في تعريفها مع مصادرها -: و هي الشهرة في علم الدراية غالبا مقابل الشهرة الروائية في الإسناد. أو يقال في تعريفها: كل رواية تداولت بين الرواة و انتشرت مقابل الندرة و الشذوذ، و هي توجب حجية الرواية، و الترجيح عند المعارضة، كما لا يخفى.

الثانية: الشهرة في الاستناد: يراد بها انتشار الاستناد في مقام استنباط الحكم الى رواية ما من قبل أكثر المجتهدين، و يكون استناد الفقهاء جابرا لضعف الرواية، كما ان إعراضهم عن رواية ما - و ان كانت صحيحة - يكون موهنا و موجبا لتركها و عدم العمل بها.

و نوقش فيها انه لا دليل على اعتبار هذا الاستناد أو الإعراض و كونه من المرجحات، الا ان يولّد وثوقا للشخص بصدور ما استندوا اليه و عدم صدور

ص: 206

ما هجروه، أو صدوره لا لبيان الحكم الواقعي.

الثالثة: الشهرة في الفتوى: و هو انتشار فتوى بين الفقهاء انتشارا يكاد يكون مستوعبا من دون ان يعلم لها اي مستند، أو يكون مستندها ضعيفا.

أو قل: كل فتوى وافق مضمونها فتوى الأكثر.. كما عرفها البعض، و بين التعريفين تفاوت ظاهر. و استدلوا على حجيتها بالكتاب و السنّة و القياس و غيره، و هي خارجة عن محل بحثنا.

***

ص: 207

مستدرك رقم: (71) الجزء الاول: 227 الشهرة في الحديث أمر نسبي،

اشارة

فمنه ما هو مشهور عند أهل الحديث خاصة، و هو المشهور الاصطلاحي هنا، و منه ما هو مشهور بينهم و بين غيرهم من العلماء، و منه ما هو مشهور عند العلماء و العامة من الناس و هو ما اشتهر على الألسن و تدل في الكتب، فيشمل المشهور ما له إسناد واحد فصاعدا، بل ما لا يوجد له إسناد اصلا، و اما عند خاصة الفقهاء، فالمشهور هو ما اشتهر العمل به بين الأصحاب، و بينه و بين اصطلاح المحدثين عموم من وجه، فلاحظ.

و من هنا قيل: ان حديث: (ابغض الحلال الى اللّه الطلاق) مشهور عند الفقهاء، و حديث: (رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه) مشهور عند الأصوليين، و حديث: (مداراة الناس صدقة) مشهور عند العامة. اما حديث:

(المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده) فهو مشهور عند العلماء و المحدثين و الفقهاء و العوام، و حديث (يوم صومكم يوم نحركم) مشهور لشهرته على الألسن و لا أصل له.

راجع: تدريب الراوي: 174/2-176 ذكر أمثلة كثيرة جدا للمشهور بين أهل الحديث و بينهم و بين غيرهم، و اختصار علوم الحديث: 185، و معرفة علوم الحديث: 92-94، و علوم الحديث: 233، و فتح المغيث: 35/3.. و غيرها.

***

ص: 208

ص: 209

131 الرابعة: بمقتضى ما عرّف به العزيز - بما رواه اثنان عن اثنين فأكثر - و المشهور بما كان أكثر من الثلاثة،

بأن ما رواه الثلاثة عن الثلاثة عزيز و مشهور أيضا.

و قد مرّ في مستدرك (28) تعريف العزيز المشهور، فلاحظ.

132 الخامسة: صرّح في الفروق اللغوية: 76 ان ثمّت فرقا بين المعروف و المشهور،

إذ أن المشهور هو المعروف عند جماعة كثيرة، و المعروف معروف و ان عرفه واحد، يقال هذا معروف عند زيد، و لا يقال: مشهور عند زيد، و لكن مشهور عند القوم.

و لا يخفى ما فيه من مسامحة.

133 السادسة: قسم ابن الصلاح في المقدمة: 388 المشهور الى قسمين:

صحيح، و مثّل له بحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، و غير صحيح كحديث: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، و علق عليه البلقيني في محاسن الاصطلاح بما لا حاصل فيه.

ثم قال في صفحة: 391: و ينقسم من وجه آخر الى ما هو مشهور بين أهل الحديث و غيرهم، كقوله (صلّى اللّه عليه و آله): «المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده» و أشباهه، و الى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة دون غيرهم..

و مثّل له، ثم قال: و لا يعلم ذلك الا أهل الصنعة، و اما غيرهم فقد يستغربون.

و ناقشه الأخير أيضا في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة - فلاحظ و تدبّر.

134 السابعة: جعل الشيخ التستري في المقابس: 19 مقابل المشهور:

المشهور الشاذ، و كذا: النادر و الأشذ، و الأندر، و المهجور و المتروك و المنكر. و هو خلط غريب لم نفهمه الا أن يكون اصطلاحا خاصا تفرد به رحمه اللّه.

ص: 210

مستدرك رقم: (73) الجزء الاول: 227 معاني الغريب:

مصطلح الغريب له ثلاثة معان في علم الدراية، و قيّد كل منهما بقيد للاحتراز عن الآخر، فيقال: غريب مطلق، و غريب نسبي، و غريب لفظا - أو فقها، أو غريب الالفاظ -.

اما الأخيران فسنوافيك بتعريفهما في محله، فاما الأول فقد قالوا في تعريفه: ان كل من يجمع الحديث و يروى عنه لعدالته و ضبطه كالحسين بن سعيد الأهوازي و ابن أبي عمير و نظائرهما إذا انفرد عنه بالحديث راو و لو في بعض المراتب سمي غريبا بقول مطلق، لندرته و غرابته، حيث لم يرو عنهم رجل آخر.

و كذلك الحديث الذي ينفرد فيه بعض بأمر لا يذكره فيه غيره، كما ألحقه به ابن الصلاح في المقدمة: 593.

ثم ان رواه اثنان أو ثلاثة عن مثلهم سمي: عزيزا، و ان رواه جماعة و شاع عند أهل الحديث سمي: مشهورا. كما مرّ.

و عرّفه في الوجيزة: 4 ب: ما انفرد به واحد في أحدها - اي المراتب -، و قريب منه ما ذكره في نهاية الدراية: 38، و معين النبيه - خطي -: 9 و غيرها.

هذا و لو كان الانفراد في جميع المراتب سمي: غريبا في السند و المتن، و ان عرف متنه و انفرد به راو واحد ابتداء سمي: غريب الإسناد، و ان كان في الانتهاء خاصة بان ينفرد بروايته واحد ثم يرويه عنه جماعة و يشتهر سمي: غريب المتن.

قال في القوانين: 7-486:.. و هو اما غريب الإسناد و المتن بان ينفرد

ص: 211

بروايته واحد، أو غريب الإسناد خاصة كخبر يعرف متنه عن جماعة من الصحابة مثلا اذا انفرد بروايته واحد عن آخر غيرهم، أو غريب المتن خاصة بان ينفرد بروايته واحد ثم يرويه عنه جماعة و يشتهر فيسمى غريبا مشهورا لاتصافه بالغرابة في طرفه الأول و بالشهرة في طرفه الآخر.

و تنويع الشيخ الجد قدس سره للغريب لا يخلو من غرابة.

و العجب من الشيخ الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن) انه قال في تعريفه: هو ما انفرد راو برواية زيادة فيه عمّن يجمع حديثه كالزهري - أحد الحفاظ - في المتن أو السند، و الأغرب منه ما عرّفه صاحب التعريفات: 141 اذ قال: ما يكون إسناده متصلا الى الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و لكن يرويه واحد اما من التابعين أو من اتباع التابعين. و غريب ايضا تعريف الهندي في تذكرة الموضوعات: 5، للغريب بقوله: ما تفرد واحد عمن يجمع حديثه كالزهري.

و على كل، فليس كل ما يعدّ من أنواع الافراد معدودا من أنواع الغريب، كما في الافراد المضافة الى البلاد كما مرّ.

ثم ان للغريب بهذا المعنى تعاريف متهافتة، و قد اخذت فيه قيود متضاربة جدا، نذكر منها مثلا ما عرّفه الميانشي - و قيل انه أحسن التعاريف كما في فتح المغيث: 29/3 - و هو: ما شذّ طريقه و لم يعرف راويه بكثرة الرواية. فيكون أخص مما ذكر.

و عرفه الشهاب الخولي بانه: ما يكون متنه أو بعضه فردا عن جميع رواته فينفرد به الصحابي ثم التابعي ثم تابع التابعي.. و هلم جرا، أو ما يكون مرويا بطرق عن جماعة من الصحابة و ينفرد عن بعضهم تابعي أو بعض رواته. فيكون للغريب تقسيم آخر: مطلق و مقيد، اي تفرد في سائر الطبقات أو بعضها. و اما ابن مندة فقد حده ب: الانفراد عن امام من أئمة الحديث ممن يجمع حديثه.

ص: 212

فتحصل ان التفرد اما ان يكون بجميع السند أو بعضه، سواء أ كان التفرد به من الثقة أم غيره - على المشهور -، خلافا للثوري الذي خصّه بالثقة.

***

ص: 213

مستدرك رقم: (74) الجزء الاول: 231 فوائد (حول الغريب):

135 الاولى: لو قيدنا الغريب بكون راويه ثقة عدّ من اقسام الصحيح، مع ان الصحيح انه اعمّ،

فتدبّر.

و عليه: فإن كان المتفرد - اسم فاعل - ثقة ضابطا اماميا عدّ ما رواه صحيحا، و ان كان دون ذلك كان حسنا أو ضعيفا أو غيرهما، اذ لا تنافي بين وصف الحديث بالغرابة و الصحة أو الحسن، حيث جعل الغرابة حكما بتفرد الراوي، و الصحة أو الحسن حكما على الحديث أو على سنده بما اجتمع فيه من شروط الصحة أو الحسن.

و لذا نجد جمعا ممن أخذ قيد الثقة قد قسم الغريب الى الصحيح و غيره - كما صرح به في تدريب الراوي: 182/2 -، و ذهب الى ان الغالب على الغرائب هو الثاني. و قد تبع في ذلك ابن الصلاح في المقدمة: 395.

136 الثانية: كره العلماء كتابة الغرائب و روايتها،

بل نجد كثيرا من المحدثين منع من تتبع الغرائب، لكون غالبها غريبا عن الصحة، و ما صحّ قلّ بل ندر.

و لذا حكي عن أحمد بن حنبل انه قال: لا تكتبوا هذه الاحاديث الغرائب فانها مناكير، و عامتها من الضعاف.

و قال ايضا: شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها و لا يعتمد عليها. كما

ص: 214

حكاه غير واحد عنه كالنووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 182/2، و ابن الصلاح في المقدمة: 395 و غيرهم.

و حكى الخطيب البغدادي في كفايته: 224 عن إبراهيم النخعي انه قال:

كانوا يكرهون غريب الكلام و غريب الحديث.

137 الثالثة: العجب من السيد الداماد في رواشحه: 130 انه بعد قوله:

من الذائع المقرر عند أئمة هذا الفن ان العدل الضابط ممن يجمع حديثه و يقبل لعدالته و ثقته و ضبطه إذا انفرد بحديث سمي غريبا.. ثم قال: و ينقسم الغريب مطلقا الى صحيح و غير صحيح.

و هذا لا يتلاءم مع المقسم الذي سنّه، و خلط مع الحديث المفرد الذي اسلفه، و لعله يريد من الصحيح المقبول أو المعمول به هنا، فتأمل.

الا ان يقال: ان المتفرد لا بد ان يكون ثقة، و اما الراوي و المروي عنه فلا يلزم فيه ذلك، و بذا يلائم بين المقسم و الاقسام، فتدبّر، اذ هو خلاف مبناه و بناه.

138 الرابعة: العزيز المشهور:

و هو من الصور النادرة في المصطلح، و يراد به ما لو جمع الحديث بين وصف عزة الوجود و الشهرة، كأن يكون عزيزا في بعض طبقاته برواية اثنين، و مشهورا في التي قبلها أو بعدها بروايته عن الأكثر، و قد مثّل له السيوطي في تدريبه و لم يعرّفه: 184/2، و قد تعرضنا له سابقا في مستدركاتنا.

139 الخامسة: الغريب المشهور:

قلنا: ان من النادر تحصيل حديث غريب متنا لا سندا الا اذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثير، فانه يصير غريبا مشهورا، و غريبا متنا و غير غريب إسنادا، لكن بالنظر الى أحد طرفي الإسناد، فان إسناده متصف بالغرابة في طرفه الاول، و متصف بالشهرة في طرفه الآخر..

ص: 215

كسائر الغرائب التي حوتها التصانيف المشهورة.

قاله في نهاية الدراية: 38، و وصول الأخيار: 111 - التراث -، و الرواشح السماوية: 130، و جمع من العامة تعرضنا لهم في المتن و منهم ابن الصلاح في المقدمة: 396، و لعله أول من تنبه له.

140 السادسة: قال السيد في الرواشح: 131:

و قد يطلق الغريب فيقال: هذا حديث غريب و لا يرام هذا الاصطلاح بل يراد غرابته من حيث التمام و الكمال في بابه أو غرابة أمره في الدقة و المتانة و اللطافة و النفاسة، و لا سيما إذا قيل: حسن غريب، و ذلك كما يقال: هذا حديث حسن، و لا يراد المعنى الاصطلاحي، و لا سيما اذا ما قيل: حسن صحيح، و ان كان ربما يعني بذلك انه حسن من طريق صحيح من طريق آخر، و نظيره قال السيد الصدر في نهاية الدراية: 39، و دراية الدربندي:

10 - خطي - بلفظه، و كلهم اخذوا الالفاظ من السيد في الرواشح.

141 السابعة: قيل: يدخل في الغريب ما انفرد راويه بزيادة في متنه أو في سنده.

اقول: هذا غريب وصفي، و الحق عدّه في المدرج، فتدبّر.

142 الثامنة: غريب الفقه:

و هو الحديث المتضمن لقول في الأحكام الفقهية التي يحتاج في استنباطها الى مزيد دقة و نظر، و هو مختص بالفقهاء، كذا قاله في دراية الحديث - فارسي خطي المكتبة الرضوية: برقم: 1684 -، مستخرج من شرح المشارق لفضل اللّه ابن روزبهان الاصفهاني. مجهول المؤلف.

143 التاسعة: إذا أطلقوا: غريب الحديث

فالمراد منه ما كان غريبا لفظا أو فقها، لا

ص: 216

متنا و إسنادا، كذا يظهر من بعض كلماتهم، و صرح به غير واحد منهم كالدربندي في درايته: 10 - خطي - و غيره.

144 العاشرة: قال في معرفة علوم الحديث: 88:

و هذا علم قد تكلم فيه جماعة من أتباع التابعين، منهم مالك و الثوري و شعبة فمن بعدهم، ثم قال: فأول من صنف الغريب في الاسلام النضر بن شميل.. و عدّ جماعة، و تعرض لشواهد، و لا شك ان معرفة مفردات الحديث هي القدم الاولى لفهم معنى الحديث، و من ثم استنباط الحكم الشرعي منه، خصوصا لمن أراد رواية الحديث بالمعنى، و قد ظهرت في أواخر القرن الثاني الهجري و أوائل القرن الثالث مصنفات جليلة في هذا الفن في أوقات متقاربة، و لعل أقدمها - ما مرّ - لابي الحسن النضر بن شميل المازني المتوفى سنة 203 ه كما مرّ مفصلا من المصنف رحمه اللّه في المتن، و انظر مقدمة كتاب النهاية في غريب الحديث: 5/1 و ما بعدها، و كذا مقدمة كتاب الفائق في غريب الحديث، فقد أسهبوا و أشبعوا الموضوع دراسة و تحقيقا و تتبعا.

***

ص: 217

مستدرك رقم: (75) الجزء الاول: 241 تقسيم المصحّف:

ذهب السيد الداماد في الرواشح السماوية: 134 الى جعل مبدأ القسمة أمرين، و فرّع عليهما بقية الأقسام، فقال: و هو - أي المصحف - اما محسوس لفظي أو معقول معنوي، ثم قال: و المحسوس اللفظي: اما من تصحيف البصر أو من تصحيف السمع في مواد الألفاظ و جواهر الحروف، أو في صورها الوزنية و كيفياتها الاعرابية و حركاتها الملازمة، و كل منهما اما في الإسناد أو في المتن.. و ذكر أمثلة كثيرة لكل منها لاحظها في الرواشح: 134-157.

و عرف المصحف المعقول المعنوي: 136 بقوله: ما لا يكون في اللفظ تصحيف اصلا لأن من (الظاهر: لا من) تلقاء السمع و لا من تلقاء البصر، بل انما يكون مصحفا من جهة معناه، و محرفا على سبيل مغزاه لا غير.. و مثّل له بأمثلة منها: جعل (من) في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: علي مني مثل رأسي من بدني، تبعيضية لا تنزيلة.. و غير ذلك، و قد تبعه الدربندي في درايته: 8 - خطي - و ذكر عين عبارة السيد.

و نعم ما أفادا و قد أجادا.

***

ص: 218

مستدرك رقم: (76) الجزء الاول: 242 فوائد (حول المصحّف):

145 الاولى: ذكر الشيخ إبراهيم الكفعمي طاب ثراه - كما نص عليه الشيخ يوسف البحراني في كشكوله: 288/2 - أنواعا أخرى من التصحيف.

منها: ما يسمى: جناس الخط، و هو ما تغير ركناه بالنقط، كقوله تعالى:

وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً و قول علي عليه السّلام: «قصّر ثوبك؛ فهو أتقى و أتقى و أبقى..» و هو كثير في كلام العرب.

و منها: ما يقال له: التصحيف المنتظم، و هو عدم الفصل بين الحروف، كقولهم: الحبيب المجيب و هو سر الباس، اي الخبيث المخبث و هو شر الناس..

و له نظائر لا يهمنا التعرض لها، و ذكرت له أمثلة من الكتاب الكريم و الحديث الشريف و الشعر و النثر..

اقول: قالهما غيرهما، و لم أعرف وجه عدّهما من أنواع التصحيف، بل هما نوع من أنواع الجناس التام أو الناقص، و تفنن في الألفاظ و تقارب. و لعله التصحيف البلاغي لا الدرائي، فلاحظ. اذ مثل هذه الأمور تكون منشأ للتصحيف لا من اقسامه.

146 الثانية: قال شيخنا الطهراني في الذريعة: 6/7-245 حاشية، نذكرها مثالا للتصحيف و مزيدا للفائدة:

و من عجيب التصحيفات ما وقع في الفائدة الثالثة من

ص: 219

خاتمة خلاصة العلامة عند حكايته لكلام ثقة الاسلام الكليني في تعيين مراده من العدة الذين يروي هو بتوسطهم عن أبي جعفر أحمد بن أبي عبد اللّه محمد بن خالد البرقي الذي توفى سنة 274، فذكر أربعة من مشايخه الذين يروون عن البرقي، أحدهم: علي بن محمد بن بنت البرقي، و الآخر: أحمد بن عبد اللّه، ابن ابن البرقي، و لم يذكر البرقي باسمه بل ذكره بضمير غائب في الموضعين، فعبر عن الأول بعلي بن محمد، ابن بنته - اي ابن بنت البرقي -، و عن الثاني باحمد ابن عبد اللّه ابن ابنه - اي ابن ابن البرقي -، و لم يلتفت الناسخ الى الاضمار، فصحف ابن بنته: بابن اذينة، و ابن ابنه: بابن امية، مع ان الاول: هو ابو الحسن علي بن محمد ماجيلويه، الذي قال النجاشي: انه ثقة فاضل فقيه أديب، راى أحمد بن محمد البرقي و تأدب عليه و هو ابن بنته، و ذكره في ترجمة والده محمّد ماجيلويه أيضا، فقال: ان ماجيلويه صهر البرقي على ابنته، و ابنه علي بن محمد منها: و كان أخذ عنه العلم و الأدب فهو أحد من يروي الكليني بوساطته على جده الامي أبي جعفر أحمد البرقي، و اما الثاني فهو أحمد بن عبد اللّه بن ابي جعفر أحمد بن أبي عبد اللّه محمد بن خالد البرقي، و كان هو من أجلاء المشايخ و ان لم يذكر له ترجمة في الكتب الرجالية، لكنه كان من العلماء و حملة الأحاديث، و يكفينا في جلالة قدره رواية الكليني عنه كثيرا حتى انه اضطر للفرار عن التطويل و التكرر الى ان يجعل له و لبعض آخر رمزا - فعبر عنهم بالعدة، و فسر أشخاصهم مستقلا... فما وقع في الفهرست في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي عند ذكر السند الى تصانيفه... فهو من غلط النساخ، و الصحيح: ابن ابن البرقي.

147 الثالثة: قد الّف غير واحد من العلماء في التصحيف،

و قد توفروا في مؤلفاتهم على ذكر التصحيف و التحريف الواقعين في الكلمة المعجمية غالبا و بيان تصويبها،

ص: 220

و قد ذكر جملة منها في تحقيق التراث: 7-156 منهم:

1 - حمزة بن الحسن الاصفهاني المتوفى سنة 360 ه. له كتاب التنبيه على حدوث التصحيف.

2 - الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري المتوفى سنة 382 ه، له كتاب التصحيف.

3 - أبو الحسن بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 ه، له كتاب التصحيف.

4 - عثمان بن سعيد البلطي المتوفى سنة 600 ه، له كتاب التصحيف و التحريف.

5 - خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764 ه، له كتاب تصحيح التصحيف و تحرير التحريف في اللغة.

6 - جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 ه، له:

أ - كتاب التطريف في التصحيف.

ب - كتاب المزهر النوع الثالث و الاربعون.

7 - التصحيفات، للمحقق الداماد الأمير محمد باقر بن محمد الحسيني، المتوفى سنة 1040 ه أو 1041 ه.. و غيرها.

اما تصحيف الاعلام و تصويبها فقد ألفت فيها كتب أخرى منها:

1 - مختلف القبائل و مؤتلفها، لمحمد بن حبيب المتوفّى سنة 245 ه.

2 - المؤتلف و المختلف في اسماء الشعراء و كناهم و ألقابهم و أنسابهم، للآمدي الحسن بن بشر المتوفى سنة 370 ه.

3 - المؤتلف و المختلف للدارقطني علي بن عمر المتوفى سنة 385 ه.

4 - الايناس في علم الانساب، للوزير المغربي الحسين بن علي المتوفى سنة 418 ه.

ص: 221

5 - المتفق و المفترق، للخطيب البغدادي أحمد بن علي المتوفى سنة 463 ه.

6 - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف و المختلف من الأسماء و الكنى و الأنساب لابن ماكولا علي بن هبة اللّه - المتوفى سنة 475 ه.

7 - الانساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط و الضبط، لابن القيسي محمد بن طاهر المتوفّى سنة 507 ه.

8 - تكملة الإكمال (لابن ماكولا) لابن نقطة الحنبلي محمد بن عبد الغني المتوفى سنة 629 ه.

9 - المشتبه بالرجال اسمائهم و انسابهم، للذهبي محمد بن أحمد المتوفى سنة 748 ه.

10 - ضبط الأعلام، لأحمد تيمور المتوفّى سنة 1348 ه.

11 - اعجام الاعلام، لمحمود مصطفى المتوفى سنة 1360 ه.

و غيرها من غيرهم كثير.

***

ص: 222

مستدرك رقم: (77) الجزء الاول: 243 المحرّف:

اشارة

من انواع علم الحديث، و قد افرده علماء الدراية غالبا بالذكر، و منهم من عمم المصحف له كالمصنف - رحمه اللّه -، و نص عليه في توضيح المقال: 58، و الدربندي في درايته: 8 - خطي -.. و غيرهما، و لم يفرق ابن حجر في شرح النخبة: 32 بين المصحف و المحرف لاحتمال وقوع الخطأ فيهما.

بل قال في تحقيق التراث: 154-155 ما نصه: و غالبا - أو عند الأكثر - لا يفرق بين التصحيف و التحريف من حيث المعنى، فكل خطأ في الكتابة أو قراءة الكلمة هو التصحيف و يقال له أيضا تحريف. إلا ان المحقق الاسترآبادي في كتابه لب اللباب: 15 - خطي - عكس الأمر، ثم اختار كون النسبة بينهما عموما من وجه حيث اعتبر في المصحف أن يكون التصحيف بما يناسب الأصل خطا و صورة، و عمم المحرف، إلا انه خص الغرض فيه بكونه مطلبا فاسدا. و لا يخلو كلامه من نظر و تأمل.

و هناك محاولات أخر للتفرقة بينهما، فقد قيل: ما كان فيه تغيير حرف أو حروف بتغير النقط مع بقاء صورة الخط سمي مصحّفا، و ما كان فيه ذلك في الشكل سمي محرّفا، و هي تفرقة شكلية لفظية لا دليل عليها، قاله غير واحد كابن حجر في شرح النخبة: 32 و غيره، و مراده بالشكل هنا هيئة الحرف لا حركاته، و ذلك ان التغيير في الشكل (الحركة) يصطلح عليه غالبا - بالخطإ -، كما سيأتي، قاله في تحقيق التراث: 155.

ص: 223

و قيل: ما غير فيه اللفظ فهو المصحّف و ما غيّر فيه الشكل مع بقاء الحروف فهو المحرّف، و نسب الى شيخ الاسلام، و لعله يرجع الى الاول.

قال المصنف رحمه اللّه: و فرّق بعضهم بينهما، فخصّ اسم المصحّف بما غيّر فيه النقط، و ما غيّر فيه الشكل مع بقاء الحروف سماه بالمحرّف: ثم قال: و هو أوفق.

و لعل كلمة النقط مصحّف اللفظ، و يرجع الكلام حينئذ لابن حجر في شرح النخبة: 22، و يكون تصحيفا في تصحيف، و مع هذا لم يفرده المصنف رحمه اللّه بالذكر.

و الملاحظ على جمهور المحدثين إطلاقهم على الجميع لفظ: التصحيف، و لازمه - كما هو غير خفي - التحريف، فتدبّر.

و على كل، فالمحرّف: ما غيّر سنده أو متنه بغيره و لو بما لا يناسبه لإثبات مطلب فاسد، كذا عرّفه الاسترآبادي في درايته: 15 - خطي - ثم قال: و هو شرّ أنواع الضعيف: إلا انه في تحقيق التراث: 163 خصّه بما كان التغيير في الحرف خاصة.

أقول: الظاهر ان المحرّف هو ما وقع فيه التحريف من جهل المحرفين و سهوهم إما بزيادة أو نقيصة، أو تبديل حروف بحروف ليست على صورتها. أما لو تعمد في ذلك و قصد فالأولى عدّه من أقسام الموضوع، و حق الحكم عليه حينئذ بانه شر أنواع الحديث، بل تكون تسميته حديثا مجازا و مسامحة كما هو ظاهر.

ثم التحريف تارة في المتن و أخرى في السند.

و مثّل لهما السيد في الرواشح السماوية: 132 فقال: اما في السند؛ كأن يجعل ابن أبي مليكة - بضم الميم و فتح اللام مصغر الملكة - مكان ابن أبي ملائكة - بالفتح و المد - جمع الملك.

و اما في المتن، كما في حديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المروي عند

ص: 224

العامة و الخاصة من طرق متكثرة و متفننة، و اسانيد مصححة و موثقة و متلونة: يا علي! يهلك فيك اثنان: محب غال، و مبغض قال... فحرفه بعض سفهاء الجاهلين و بعض الغضباء الخارجين عن حريم الموالاة الى حد النصب و المعاداة، فجعل الأخير - أيضا - بالغين المعجمة. اي بدل قال: غال، بمعنى من غالى في البغض هالك دون من قل بغضه، و العياذ باللّه. ثم انه رحمه اللّه ذكر في صفحة: 133 أمثلة كثيرة للمحرّف الأجدر بأكثرها أن تعد أمثلة للمصحّف، فراجع.

148 تذييل: هناك مصطلح: «الخطأ» عندهم، و المعني به هو:

التغيير في الكلمة أو الجملة الذي يأتي مخالفا لقواعد الإملاء أو قواعد الصرف أو قواعد النحو أو الضوابط المعجمية.. و ما الى ذلك، بذا عرّفه في تحقيق التراث: 164.

***

ص: 225

مستدرك رقم: (78) الجزء الاول: 243 المصنفات في المحرف و المصحف:

لا شك ان معرفة المصحّف و المحرّف فنّ جليل عظيم يحتاج الى كثرة التتبع و مزيد الاطلاع و مراعاة قوانين اللغة، و الإحاطة بالصحف المدوّنة فيها و في فن الرجال و غير ذلك.

و لا ينهض به إلا الحذّاق من العلماء و الحفاظ، و كبار النقّاد المتبصرين في اللغة و الحديث، و من المهم للفقيه و المحدث معرفته، و ان الخطأ فيه مشهور، و البلية فيه عامة، بل ربما يفضي التصحيف في المتن الى الخطأ في الفتوى من وجوه عديدة، فلا بد لمن يحوم حولها من التحري و التحرّز.

و قد وقع التصحيف في أسماء الرواة و كتبهم و كناهم و ألقابهم و بلدانهم و صنائعهم، و المشترك، و تعدد المسمين باسم واحد، أو من له أكثر من اسم و كنية، و ما اشتهر به من اسم أو كنية، و ما ائتلف من الأسماء و ما اختلف من الأنساب.

و قد صنف في هذا كتب مفصّلة و مختصرة كثيرة، و أشير الى ما وقع من تصحيف أو تحريف في كلمات المحدثين سواء أ كان سمعيا أم بصريا، متنا أم إسنادا أم هما معا، لفظيا أو عقليا، و بينوا وجه الصواب في ذلك.

و يقال ان أقدم من صنف في هذا الفن أبو أحمد الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري (293-382 ه) فألّف كتابه: التصحيف و التحريف و شرح ما يقع فيه، و كتاب تصحيف المحدثين و غيرها.

للتوسع راجع: مقدمة ابن الصلاح: 116 - الهند -، [بنت الشاطي:

ص: 226

410]، الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع: 63، أصول الحديث: 373، الرواشح: 134-157، و تدريب الراوي: 194/2، معرفة علوم الحديث: 146 - 152، ألفية العراقي و شرحها فتح المغيث للسخاوي 67/3-74، وصول الأخيار: 107 و غيرها.

***

ص: 227

مستدرك رقم: (79) الجزء الاول: 248 اقسام علوّ الاسناد: العلو الحقيقي و الاضافي:

حلا لبعض علماء الدراية تقسيم علوّ الاسناد الى العلو المطلق و النسبي، أو قل العلوّ الحقيقي و الإضافي، كما جاء في علوم الحديث: 236، و قواعد التحديث: 127، و رواشح السيد الداماد: 126-127 و تبعه الدربندي في درايته:

4 - خطي -، و تدريب الراوي: 165/2-167، و غيرها.

و يراد بالأول: ما قرب رجال سنده من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بسبب قلّة عددهم اذا قيسوا بسند آخر يرد في ذلك الحديث نفسه بعدد كثير، أو بالنسبة الى مطلق الأسانيد، و هذا أجلّ الأسانيد بشرط صحة رجالات السند.

اما النسبي: فهو ما قرب رجال سنده من إمام من أئمة الحديث كالشيخ الصدوق أو الطوسي أو الحسين بن سعيد الأهوازي و اشباههم مع صحة الإسناد اليه، أو قرب من كتاب من الكتب المعتمدة المشهورة أو الأصول الأصيلة كأن يروي كتاب زيد النرسي مثلا من غير طريق، بحيث يكون رجال إسناده من هذا الطريق أقلّ عددا مما رواه زيد.

و له صور عديدة تجدها مجملة فيما بعد.

و هذا العلوّ نسبي باعتبار إضافته و تابعيته للنزول، اذ لو لا نزول ذلك الشيخ في إسناده لم تقل أنت في إسنادك - على حد تعبير ابن الصلاح - كما في علوم الحديث: 220.

وعد من العلوّ النسبي تقدم وفاة الراوي عمّن روى عنه و إن تساويا في

ص: 228

العدد، و كذا التقدم في السماع.

و عدّ بعض العامة العلوّ قسمين: العلوّ الى الشيخين - أي صاحبي صحيحي البخاري و مسلم - و العلو الى الكتب المصنفة.

و قد أشار المصنف رحمه اللّه الى ما ذكرناه مجملا.

***

ص: 229

مستدرك رقم: (80) الجزء الاول: 249 الموافقة، الابدال، المساواة، المصافحة:

اشارة

صرّح المصنف (قدس سره) انه كثر اعتناء المتأخرين ب: علو التنزيل، و هو قسم من العلوّ النسبي، و يقسّم هذا الى اربعة اقسام كلها ترجع للإسناد العالي خاصة:

الأول: الموافقة:

و يراد بها: الوصول الى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، مثل رواية البخاري عن قتيبة عن مالك حديثا، فترويه بإسناد آخر عن قتيبة بعدد أقلّ مما لو رويته عن طريق البخاري عنه، كما صرّح بذلك ابن حجر في شرح النخبة:

31، و علوم الحديث: 237، و قواعد التحديث: 127 عن ابن حجر، و الدربندي في درايته: 5 - خطي -، و ابن الصلاح في المقدمة: 384 و غيرهم.

أو قل: ان يقع لك حديث عن ابراهيم بن هاشم القمي شيخ شيخ الكليني بطريق من غير جهته و بعدد أقلّ من العدد الذي يرويه الكليني عنه.

الثاني: الابدال:

و يقال له: البدل أيضا، و يراد به الوصول الى شيخ شيخه من غير طريقه، كما لو وصلك حديث عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه من طريق آخر الى إبراهيم بن هاشم بدلا من طريق الكليني، و هو في الحقيقة موافقة بالنسبة الى شيخ شيخ محمد بن يعقوب، و يكون من باب ردّ البدل الى الموافقة. و قد صرح كلهم هنا بكونه من أقسام الإسناد العالي النسبي، و لم افهم وجه العلوّ فيه، إلا

ص: 230

أن يكون صرف قلّة الواسطة سببا لعلوّه، فتدبّر.

و إن علت هذه و التي قبلها قيل: موافقة عالية: او بدلا عاليا، و لذا كانوا أكثر ما يعتبرون الموافقة و البدل إذا قارنا العلو، و الا فاسم الموافقة و البدل واقع بدونه.

الثالث: المساواة:

و يراد بها استواء عدد الاسناد من الراوي الى آخره مع اسناد احد المصنفين أو أصحاب الأصول، فلو توافق سندان عددا و اختلفا طريقا و اتحدا متنا عدّ ذلك من المساواة.

و عن ابن الصلاح في المقدمة: 384: قوله: اما المساواة فهي في أعصارنا:

ان يقلّ العدد في اسنادك لا الى شيخ مسلم و أمثاله، و لا الى شيخ شيخه، بل الى ما هو أبعد من ذلك كالصحابي أو من قاربه، و ربّما كان الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم بحيث يقع بينك و بين الصحابي مثلا من العدد مثل ما وقع من العدد بين مسلم و بين ذلك الصحابي، فتكون بذلك مساويا لمسلم مثلا في قرب الاسناد و عدد رجاله!. و قارن بعلوم الحديث: 219 و كذا 238.

و لم أفهم كذلك وجه العلوّ فيها و لعل وجه العلوّ فيه علوّ نسبي بالنظر الى غيرهما مما يوافقهما متنا، فتأمل. كما انها متعذرة الوجود في الأعصار المتقدمة فضلا عن زماننا، لبعد الاسناد الينا.

و قد عدّ ابن الصلاح المساواة و المصافحة - الآتية - شيئا واحدا.

الرابع: المصافحة:

و هي الاستواء مع تلميذ المصنف، مثل ان يقع لك الحديث عن الشيخ المفيد شيخ الشيخ الطوسي مثلا عاليا بعدد أقلّ من الذي يقع به ذلك الحديث عن الشيخ المفيد إذا رويته عن الشيخ الطوسي عن المفيد.

و انما قيل لها مصافحة لأن العادة جرت غالبا على المصافحة بين من

ص: 231

تلاقيا.

ثم ان وقعت المساواة لشيخك كانت لك مصافحة، كأنّك صافحت المصنف و اخذت عنه، و ان وقعت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك.. و هكذا، كما قاله السيوطي في التدريب: 165/1-167، و علوم الحديث:

238 و غيرهما.

و هذا العلوّ تابع للنزول، فلو لم ينزل الشيخ الطوسي مثلا لما علا الآخر.

و ان كان مع علوّه أيضا صارت من العلوّ المطلق. و قد كانت متعذرة في السابق و مستحيلة عادة في زماننا هذا و ما قاربه.

و قد أولت العامة اهتمامها بهذه الأقسام و التعرف عنها، كما قاله ابن حجر - في شرحه نخبة الفكر: 31، و فصّل الكلام فيها السخاوي في شرح الألفية: 13/3 - 18 و مقدمة ابن الصلاح: 378-388 و ذيله محاسن الاصطلاح للبلقيني و غيرهم، و لذا فصّلنا ما أجمله المصنف رحمه اللّه في المتن فيها.

***

ص: 232

مستدرك رقم: (81) الجزء الاول: 250 علو الصفة:

ذكره علماء الدراية مقابل علو المسافة التي تعرض لها المصنف (قدس سره) و غيره.

و علو الصفة - و يقال له: العلو المعنوي - باب متسع دائر مدار وجود المرجحات كثرة و قلّة، و بحسبه يقع الاختلاف بين الأعلام في تصحيح بعض الروايات دون أخرى، و هي مرجحات سندية و دلالية و جهتية، كالأفقهية و الأحفظية و الأتقنية و الأضبطية و قدم السماع أو تقدم الوفاة.. و غير ذلك.

بل عند علماء المغرب - كما حكاه السخاوي عنهم في فتح المغيث:

18/3 - علو الصفة أرجح من علو المسافة، خلافا للمشارقة يعني المتأخرين.

و لعلهم لهذا قالوا إن علو الحديث عندهم ليس عبارة عن قلّة الرجال و إنما هو عبارة عن الصحة، و لذا قد ينزلون طلبا للصحة، إلا أن يقال إن هذا ليس العلو المصطلح بل هو علو من حيث المعنى فحسب، و من هنا قال ابن كثير - كما في فتح المغيث: 25/3، عقيب قولهم: بأنّ العالي ما صح سنده و ان كثرت رجاله -: هذا اصطلاح خاص، و ما ذا يقول قائله إذا صح الاسنادان لكن هذا أقرب رجالا؟ قلت: يقول انه بالوصف بالعلو أولى، اذ ليس في الكلام ما يخرّجه.

و على كل فانّ عده قسما مستقلا أولى، حيث يفرض هذا مع تساوي السندين، و امتياز أحدها بكون رواته علماء حفاظا مثلا، و هذا باب واسع في الأصول و نوع من التعادل و التراجيح، فلاحظ هناك.

ص: 233

و ما ذكره المصنف من القسمين الآخرين من علو الاسناد بسبب قدم الوفاة في أحد رواته بالنسبة لراو آخر متأخر الوفاة عنه، اشترك معه في الرواية عن شيخه بعينه.

و لم أفهم وجه علو هذا النوع من العالي، حيث يلزم - كما تنبه لهذا بعض القدماء و أعرض عن ذكره بعض من تأخر - أنّه لو روى صحابيان عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ثم روى عن كل منهما جماعة، و اتصلت سلسلة كل جماعة ممن روى عنه، و تساوى الصحابيان عددا و من جميع الصفات إلا أن أحد الصحابيين توفى قبل الآخر، ان يكون اسناد من تقدمت وفاته أعلى من اسناد من تأخرت وفاته.

و هذا هو القسم الخامس الذي ذكره المصنف رحمه اللّه، فلاحظ.

بل يمكن أن يتداخل القسمان - الرابع و الخامس - و يفترقا في صورة يندر وقوعها، و هي ما إذا تأخرت وفاة المتقدم بالسماع.

***

ص: 234

مستدرك رقم: (82) الجزء الاول: 252 فوائد (حول العالي و النازل):

149 الاولى: إن ثمرة ما ذكر من الحكم بالعلو و النزول

و غايته إنما هو القرب من المعصوم عليه السّلام ليقلّ احتمال الوقوع في الخطأ فيما يروى. كما مرّ في حجية القول بترجيح العلو، فراجع.

150 الثانية: إن ما ذكر للعلو و النزول من اقسام باعتبار قلّة و كثرة عدد الرواة.

و لكن ثمّة علو و نزول باعتبارات أخر:

منها: العلو باعتبار ضبط الرواة و شهرتهم بصحة النقل و الرواية.

و منها: العلو باعتبار فقاهة الراوي و جلالته.

و منها: العلو باعتبار كون الراوي صاحب اصل و معجم و شهرته بكثرة ملازمة الشيوخ.. و أشباه ذلك من العلو المعنوي الذي يقدم و ان بعد الطريق و كثرت رجالاته.

151 الثالثة: حيث كان الإسناد العالي عند القدماء مما تشد له الرحال و يتبجّح به أعيان الرجال،

تجد القوم أفردوه بالتصنيف و اعتنوا به كثيرا.

قال شيخنا النوري في مستدركه: 529/3:.. و هو كالأمالي من المؤلفات التي شاع تأليفها بين المحدثين، كأن يجمع كل محدث ما كان عنده من الأخبار

ص: 235

التي علا سندها و قلت وسائطها، و قرب إسنادها إلى المعصوم عليه السّلام في مؤلف مخصوص، و كانوا يفتخرون و يبتهجون به.

و قد عدّ شيخنا الطهراني في ذريعته - 67/17 و ما بعدها - عدة من المصنفات في هذا الباب.

منها: قرب الإسناد لأبي الحسين الكوفي ابن معمر، حكاه الشيخ في الفهرست: 189 برقم 849 عن ابن النديم في فهرسته، 278 - الفن الخامس من المقالة السادسة، اخبار فقهاء الشيعة و اسماء ما صنفوه من الكتب - و استظهر بعض الرجاليين انه محمد بن علي بن معمر الكوفي الذي ذكره الشيخ الطوسي في رجاله باب من لم يرو عنهم عليهم السّلام: 500 برقم: 60.

و آخر: للمحدث المفسر علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، و نص عليه النديم في فهرسته: 277 و النجاشي في رجاله، و الشيخ في فهرسته.

و آخر: لوالد الشيخ الصدوق الشيخ أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المتوفّى سنة 329 ه.

و كذا لمحمد بن جعفر بن بطة المؤدب القمي كما ذكره النجاشي: 263، و قد ذكر النجاشي أيضا في رجاله: 235 لأبي جعفر محمد بن عيسى اليقطيني كتاب قرب الإسناد و آخر: بعد الإسناد.

و قرب الإسناد لأبي الفرج محمد بن أبي عمران الكاتب القزويني كما في رجال النجاشي: 283،.. و غيرها.

و عمدة ما وصل إلينا و طبع كرارا هو قرب الإسناد جمع شيخ القميين أبو العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري كما صرح به النجاشي: 152 و بقي من أجزائه قرب الاسناد الى الامام الصادق و الى الامام الكاظم و الامام الرضا عليهم السّلام الى الآن، و الباقي ضاع من حوادث الزمان.

ص: 236

152 الرابعة: عن ابن المبارك - كما في أكثر المصادر كقواعد التحديث: 128 -:

ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودته صحة الرجال. و نعم ما قال. و من هنا قال السلفي في أبياته:

بل علوّ الحديث بين أولى الحف (م) *** - ظ و الإتقان صحة الإسناد

و ما نسبه ابن الصلاح للوزير نظام الدين من قوله: عندي ان الحديث العالي ما صح عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه [و آله) و ان بلغت رواته مائة.

أقول: لا شك أن هذا و أمثاله علو من حيث المعنى و ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث و الدراية، فتدبّر.

153 الخامسة: لو جمع بين سندين أحدهما أعلى فبأيّهما يبدأ؟

قال السخاوي في فتح المغيث: 26/3: إن جمهور المتأخرين يبدءون بالأنزل ليكون لإيراد الأعلى بعده فرحة!.

و الحق - كما عليه المتقدمون و جملة المتأخرين - البدأة بالأعلى لشرفه و علو رتبته و قوة حجيته، و ذكر النازل بعده كي يكون شاهدا و مؤيدا، سواء أقلنا بالعلو الحقيقي أم المعنوي. و عليه ديدن مشايخنا العظام رضوان اللّه عليهم في مجاميعهم الحديثية، فلاحظ.

154 السادسة: إن العلو المستفاد من مجرد تقدم وفاة الشيخ من غير قياسه براو آخر

فقد حدّه بعض أهل هذا الشأن بخمسين سنة، كما رواه ابن الصلاح في المقدمة:

387. و قيل: إذا مرّ على الإسناد ثلاثون سنة فهو عال، و هذا أوسع من الأول.

ص: 237

155 السابعة: خير مثال للعلو من القسم الأول من الاقسام الخمسة ما يتكرر كثيرا في أوائل أسانيد الكافي من ذكر المشايخ الثلاث هكذا:

المشايخ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، و يقال لهم: الثلاثة كما في مشرق الشمسين: 278، و يقال لهم أيضا: ثلاثيات الكليني، كما في قول السيد الداماد في تعليقته على الكافي: 76 في الحديث الرابع من باب صفة العالم: انه صحيح عالي الإسناد من ثلاثيات الكليني.

أما ثلاثيات الشيخ في التهذيب و الاستبصار فهم: محمد بن محمد بن النعمان عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد.

156 الثامنة: قال ابن الاثير في جامع الأصول: 59/1-60: و علو الإسناد على مراتب:

منها: ما هو بقلّة العدد.

و منها: ما هو بثقة الرواة.

و منها: ما هو بصفة الرواة.

و منها: ما هو باشتهار الرواة.

و منها: ما يجمع هذه الأصناف، و هو أكملها، أو بعضها.

أقول: هنا خلط بين العلو المصطلح، و علو الصفة، و العلو المعنوي، فتدبّر.

***

ص: 238

مستدرك رقم: (83) الجزء الاول: 254 المردود:

و هو الذي لم يترجح صدق المخبر به لبعض الموانع، بخلاف المتواتر فكله مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره، كذا عرّفه غير واحد كالشهيد في البداية:

16 [البقال: 71/1]. فيشمل المشتبه حاله.

و لا فرق في المانع بين كونه في الراوي كالفسق و الخلط، أو في الرواية كالاضطراب و التصحيف و نحوهما.

و قد عرّفه النهاوندي في قواعد علوم الحديث: 33 نقلا عن هامش دراية الشهيد ب: ما رجح كذب المخبر به، و المعنى واحد، إلا أن يقال إن عدم ترجيح الصدق يتلاءم مع عدم ترجيح الكذب بخلاف ترجيح الكذب فانه لا يتلاءم مع ترجيح الصدق، و عليه فالتعريف الثاني يدخله في الضعيف بخلاف الأول، فتدبّر.

و لعدم القطع بصدقه عدّ من أقسام الخبر الواحد المشترك، إلا ان الحق عدّه من أقسام الضعيف لا المشترك - كما فعله الأكثر -، فلا تغفل.

و عليه فما ذكره شيخنا الجد (قدس سره) من كونه و المنكر شيئا واحدا ليس في محله، خصوصا و انهم قد عرّفوا المنكر ب: ما رواه الثقة مخالفا لما رواه جماعة.

و كذا لا يصح عدّه و الشاذ واحدا، كما فعله غير واحد حيث عرّف الشاذ:

بما رواه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر كما في لب اللباب: 14 - خطي -، فتدبر.

ص: 239

و الحاصل: ان لم يكن راوي الشاذ ثقة فهو حينئذ منكر و مردود، و لعل الفرض اختصاص اجتماع اللفظين معا بذلك، كاختصاص لفظي الشاذ و المردود، كما تقدّم منه (قدس سره)، و إلا فالمردود أعمّ.

***

ص: 240

مستدرك رقم: (84) الجزء الاول: 255 تعريف الشاذ:

لقد اضطربت الكلمات منّا و من العامة في تعريف الشاذ، تبعا للاختلاف في مدلوله، بعد الاتفاق انه لغة: المنفرد عن الجمهور، يقال: شذّ يشذّ - بضم الشين المعجمة و كسرها - شذوذا: إذا انفرد، و كذا المفارقة. لاحظ معجم مقاييس اللغة: 180/3. و قال في المصباح المنير: 417/1: شذ... انفرد عن غيره، و شذ:

نفر فهو شاذ. و في مجمع البحرين: 182/3:.. و منه حديث: الشاذ عنك يا علي في النار، اي المنفرد المعتزل عنك و لم يتبع أمرك و حكمك. انظر: لسان العرب:

494/3، القاموس المحيط: 354/1، تاج العروس: 566/2، النهاية: 453/2، و غيرها.

و هنا ننقل بعض ما عرّف به و أشرنا الى بعضه الآخر في تعليقاتنا.

فما ذكره المصنف قدس سره من تعريفه ب: ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الجمهور - أي الأكثر - ذهب اليه ثاني الشهيدين في درايته: 37 [البقال:

118/1] تبعا لذكرى الشهيد: 4، و الرواشح السماوية: 163، و دراية الدربندي:

10 - خطي -، و شرح ألفية العراقي: 185/1، و غيرهم. و قال به في قوانين الاصول: 486 ثم قال: فان رواه غير الثقة فهو المنكر و المردود.

و بعضهم - كالطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة سنن - قال: جماعة الثقات، ثم أضاف: بزيادة أو نقص، فيظن انه و هم فيه.

فأخذوا قيد «الوثاقة» و «مخالفة الأكثر» فيه، و لم أفهم وجه عدّهم له من

ص: 241

الأقسام المشتركة، لأن صرف مخالفة الثقة لا تسقطه عن الصحة.

ثم ان التقييد ب «الثقة» يكشف عن انّه لو كان راويه غير ثقة و خالف الجمهور و الاكثر فلا يقال له: شاذ، بل يكون منكرا، أو يقال له: متروك.

و منهم - كما في توضيح المقال: 56 - من قال بدل الثقة: المقبول، و عرّفه ب:

ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه، و قد أخذه عن ابن حجر - كما في علوم الحديث: 196 و نسب الى الشافعي - كما في قواعد التحديث: 130 -. و عليه فمطلق التفرد - أيضا - لا يجعل المروي شاذا - كما قيل -، بل مع المخالفة المذكورة، و استدل له بان العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، و هو مشعر بان مخالفته للواحد الأحفظ كافية في الشذوذ.

و يمكن المناقشة فيه بأن لازم هذا التعريف ان رواية الثقة إذا كانت مخالفة لما رواه الضعفاء - لو كانوا جماعة أو أكثر - كانت شاذة، لصدق الحد الذي ذهب إليه المشهور عليها حينئذ، و أيضا يلزم خروج ما رواه الثقة مخالفا لما رواه واحد أوثق منه عن التعريف، إلا أن يراد من لفظ الأكثر أو الجمهور خصوص المعتمد على روايتهم من الثقات، فتأمل.

و منهم من أسقط قيد الثقة، قال الوحيد البهبهاني في التعليقة: 7-8:

ما رواه الراوي مخالفا لما رواه لأكثر - أي مقابل المشهور -. و قال الشيخ حسين بن عبد الصمد في وصول الأخيار: 9-801 [التراث]: و هو عندنا و عند الشافعي و جماعة من العلماء: ما خالف المشهور و ان كان راويه ثقة، لا ان يروي ما لا يرويه غيره.

و لم يعتبر الوثاقة، بل نقل الإجماع على التعميم! و استشكل على التعريف.

و بعض من عمّم قال: هو ما ليس له إلا إسناد واحد شذّ به شيخ من شيوخ الحديث ثقة كان أو غير ثقة، و الثاني هو المتروك، و يقال له: الحديث المنكر، و الحديث غير المعروف، و ما كان عن ثقة يتوقف فيه و لا يحتج به، و نسبه ابن

ص: 242

الصلاح في المقدمة 173 الى القزويني، و قال عن التعريف: ان عليه حفاظ الحديث.

و هذا شذوذ منه، لأن غالب رواياتهم كذلك، و لم يقل منهم أحد بأنها شاذة.

قال في الوجيزة: 5: و مخالف المشهور شاذ.

و قال بعض المحدثين: الشاذ: هو الفرد الذي لا يعرف متنه من غير راويه.

و لعل نظر الشيخ الأنصاري رحمه اللّه في مكاسبه - و لا أذكر أين رأيته - من تعريف الشاذ ب: ما لا يعرفه إلا القليل، هو المعنى اللغوي للكلمة.

و قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 119 في تعريف الشاذ هو: حديث يتفرد به ثقة من الثقات و ليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة.

و أغرب ما عرّف به ما ذكره ابن الاثير في جامع الأصول: 103/1 حيث قال: و الشاذ ما لا يعرف له علة.

ثم ان أقدم من عرّف الشاذ و عرف به هو الشافعي - كما ذكره البغدادي في الكفاية: 141، و الحاكم في معرفة علوم الحديث: 119، و أصول الحديث: 347، و دراية الدربندي: 10 - خطي - و غيرهم. و قد اختلفت النسبة اليه و اختلف في مراده.

و الحق ما قاله القوم من انه: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا لم يروه غيره، و انما الشاذ في الحديث ان يروى الثقات حديثا فيشذ عنهم واحد فيخالفهم، و حكاه في فتح المغيث: 19/1، و في صفحة: 189 من نفس المجلد قال: و تسمية ما تفرد به غير الثقة شاذا كتسمية ما كان في رواته ضعيف أو سيئ الحفظ.. أو غير ذلك من الأمور الظاهرة معللا، و ذلك فيهما مناف لغموضهما، فالأليق في حد الشاذ ما عرفه الشافعي. و حكى الأول ابن الصلاح في المقدمة: 173.

و ردّ ابن الصلاح في مقدمته: 179 على الحاكم و الخليلي و الشافعي، بما حاصله: فرد الثقة المخرج في كتب الصحيح المشترط فيه نفي الشذوذ، لكون

ص: 243

العدد غير مشترط عنده، و الصحة تجامع الغرابة. ثم اختار في تعريفه: ما لم يخالف الثقة فيه غيره، و انما اتى بشىء انفرد به. فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلا حافظا موثوقا باتقانه و ضبطه، قبل ما انفرد به و لم يقدح الانفراد به و إلا كان انفراده به خارما له و مزحزحا إياه عن حيز الصحيح. و لذا قيل: فان خولف - أي الراوي - بأرجح منه لمزيد ضبطه أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فيقال للأرجح: محفوظ، و مقابله و هو المرجوح يقال له: شاذ.

و قد فصل السيوطي الأقوال في التدريب تبعا للنووي في التقريب:

233/1 و ما بعدها، و السخاوي في فتح المغيث تبعا للعراقي في الألفية: 9/1 - 185، و علوم الحديث: 196، و معرفة علوم الحديث: 119-122، قواعد التحديث:

130، و مقدمة ابن الصلاح: 173-180، و ذيله محاسن الاصطلاح للبلقيني - و غيرها من المصادر السالفة.

هذا مجمل القول في الأقوال في تعريف الشاذ، و قلّ ما شذ منها عن المشهور، و تحصل منها أمور:

الاول: اعتبار الوثاقة و المخالفة للأكثر.. هذا هو الأكثر عند الأكثر.

الثاني: اعتبار المخالفة دون الوثاقة، فيكون و المنكر واحدا، صرح بذلك ابن الصلاح في مقدمته و تبعه جمع.

الثالث: اعتبار التفرد و الوثاقة دون المخالفة، فيكون و المفرد واحدا، و قد نسبه النووي في تقريبه: 234/1 الى جماعة من أهل الحديث، و هو الخليلي - كما قاله في فتح المغيث: 187/1 - و قيل: هو مفرد الراوي ثقة كان أو غيره، خالف ام لم يخالف، و عليه فما انفرد به الثقة يتوقف فيه و لا يحتج به، و لكن يصلح أن يكون شاهدا، و ما انفرد به غير الثقة فمتروك، و هو اصطلاح خلط فيه بين المفرد و الشاذ و المتروك.

الرابع: ان يكون ما ليس له الا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غير ثقة.

ص: 244

و الاول هو الأشهر عند الفريقين من المحدثين - كما سبق -.

و بالجملة، فإن الحديث الشاذ عن الثقة قد اختلف فيه، فمنهم من يرده مطلقا نظرا الى شذوذه، و منهم من يقبله مطلقا تعويلا على عدالة راويه، و منهم من يفصّل القول فيه بأنه إن كان مفرده مخالفا لمن هو أحفظ منه و أوثق و أضبط كان شاذا مردودا و إن لم يخالف، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان مفرده صحيحا، و إن لم يوثق بضبطه و لم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا، و إن بعد كان شاذا منكرا مردودا.

***

ص: 245

مستدرك رقم: (85) الجزء الاول: 257 فوائد (حول الشاذّ):

157 الأولى: الاختلاف في تعريف الشاذ سبب تضارب المشارب في عدّ الشاذ من أي اقسام الحديث؟.

فالأكثر الأشهر عدّه من الأقسام المشتركة - كما فعله المصنف طاب ثراه، و غيره -.

و منهم من عدّه من أقسام الصحيح خاصة، باعتبار أخذهم فيه قيد مخالفة الثقة لمن هو أرجح منه، و صرف المخالفة من الثقة لا تستلزم الضعف.

و منهم من عدّه من أقسام الضعيف خاصة، لما فيه من التفرد مقابل الثقات، و عدم أخذهم في الراوي قيد الوثاقة، كما في قواعد التحديث: 130 و غيره.

و من هنا فقد ردّه بعضهم مطلقا، و قبله آخرون كذلك، و منهم من فصّله كالمصنف قدس سره، و فصّل آخرون: بان الحديث المخالف له إن كان من أحفظ أو اضبط أو أعدل فمردود، و إن انعكس فلا يردّ، لأن في كل منهما صفة راجحة و مرجوحة، فيتعارضان.

و على المشهور: يكون الشاذ صحيحا و غير صحيح، و الصحيح أعمّ من الشاذ و غيره، فتدبّر.

ص: 246

158 الثانية: يفارق الشاذّ المعلّل،

بأن المعلل وقف على علّته الدالّة على جهة الوهم فيه، و الشاذ لم يوقف على علّة له كذلك، و هذا مما يميزه عن المعلل، و انه يقدح في النفس انه غلط و لا يمكن الحكم به أو عليه إلا ممن مارس الفن غاية الممارسة، و قد قيل: إن الشاذ أدقّ من المعلل بكثير.

159 الثالثة: اختلفوا في انه لو اثبت الراوي عن شيخه شيئا فنفاه من هو أحفظ أو أكثر عددا أو أكثر ملازمة منه،

فإن الفقيه و الأصولي يقولان: المثبت مقدّم على النافي فيقبل - كما قبله الأكثر منهما - كما هو الأشهر عندهم، و المحدثون يسمونه:

شاذا، لأنهم فسّروا الشذوذ المشترط نفيه هنا بمخالفة الراوي في روايته من هو أرجح منه عند تعسر الجمع بين الروايتين، و وافقهم الشافعي على التفسير المذكور، بل صرح ان العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، و ذلك لأن تطرق السهو اليه أقرب من تطرقه الى العدد الكثير، و حينئذ فردّ قول الجماعة بقول الواحد بعيد، كما قاله السخاوي في الفتح: 19/1.

160 الرابعة: الشذوذ قد يكون بزيادة لفظ في حديث قد رواه الثقات أو غيرهم ناقصا،

و المشهور عند الفريقين هو قبول هذه الزيادة مطلقا إذا كانت مستجمعة لشرائط القبول. و قيل: يقبل ان رواه غير من رواه ناقصا، و لا يقبل ممن رواه ناقصا، و الاشبه الأول، كما أفاده في وصول الأخيار: 97 [التراث: 110] و هو يصح على بعض المباني.

أقول: الحق عدّه من أقسام المزيد، و سيأتي له بحث هناك، و الشذوذ فيه أقرب للغويّ منه الى المعنى الاصطلاحي.

ص: 247

161 الخامسة: ظاهر كلماتهم ان الاختلاف في الشاذ لم يختص باختلافهم في نقل لفظ الرواية بل يشمل ما لو كان اختلافهم في المستفاد منها،

و الأكثر - كما يعلم بالتتبع - الاختصاص بالأخير، و إن كان هذا - في الواقع - من فقه الحديث لا درايته، فتدبّر.

162 السادسة: كما يطلق المشهور على ما اشتهرت الفتوى به و إن لم يشتهر نقله، كذا الشاذ قد يطلق على ما يندر الفتوى به و إن اشتهر نقله،

و عليه فكما انه لو شمل قوله عليه السّلام: خذ بما اشتهر بين اصحابك.. ما اشتهر في النقل و الفتوى أيضا، كذا الشاذ يشمل ما شذّ نقله و الفتوى به.

قال الاسترآبادي في لب اللباب: 14 - خطي -: و قد يطلق الشاذ على ما يندر الفتوى بمضمونه. و قد تعرض المصنف طاب ثراه مجملا لما ذكرناه.

و هذا هو الظاهر - كما يظهر من ذيل الرواية و صرح به المصنف طاب ثراه - في اتحاد الشاذ و النادر.

163 السابعة: ذهب جمهور فقهائنا رضوان اللّه عليهم كثيرا الى ان المراد بالشاذ

من الحديث هو الذي لا تعمل الطائفة بمضمونه و ان كان صحيحا و بلا معارض.

164 الثامنة: لعل الاختلاف في مدلول الشاذ أوجب عدم تأليف مستقل فيه

كما في غيره حسبما نعلم.

165 التاسعة: قد يطلق على الشاذ المنكر نادرا،

بل قد يظهر من كلام الحاكم في

ص: 248

المستدرك كونهما واحدا، كما قاله السخاوي في الفتح: 186/1.

166 العاشرة: قال ابن الصلاح في المقدمة: 173:

و ذكر الحاكم ابو عبد اللّه الحافظ ان الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات و ليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. و ذكر أنه يغاير المعلل، من حيث ان المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، و الشاذ لا يوقف فيه على علته كذلك.

167 الحادية عشرة: ذهب التستري في المقابس: 19

الى إن الشاذ في الاخبار: ما اشتهر بينهم بلا مستند يعتضد به. ثم قال: و ربما يطلق الشاذ في الأخبار على ما اشتهر عندهم بلا سند و نقل معتمد، أو عدم بلوغ طريق روايته الى مرتبة شهرته.

168 الثانية عشرة: الشاذ المردود

قال في المقدمة: 179 -: في مقام تعريف الفرد و الشاذ و المنكر: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه، فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك و أضبط، كان ما انفرد به شاذا مردودا.

ثم قال: فخرج من ذلك ان الشاذ المردود قسمان:

أحدهما: الحديث الفرد المخالف.

و الثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة و الضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد و الشذوذ من النكارة و الضعف.

و قال: و ان لم يخالف و هو عدل ضابط فصحيح، أو غير ضابط و لا يبعد عن درجة الضابط فحسن، و ان بعد فشاذ منكر.

و عقبه ابن جماعة بان هذا تفصيل حسن و لكن اخلّ في التقسيم الحاضر احد الاقسام، و هو حكم الثقة الذي خالفه ثقة مثله.

ص: 249

و قال الطيبي في الخلاصة في اصول الحديث: 68 - بعد ذلك -: اقول: قوله احفظ منه و اضبط على صيغة التفضيل يدل على ان المخالف ان كان مثله لا يكون مردودا. ثم قال: و قد علم من هذا التقسيم ان المنكر ما هو.

***

ص: 250

مستدرك رقم: (86) الجزء الاول: 258 تعريف المنكر:

قد وقع خبط و اضطراب في كلمات القوم في تعريف المنكر كالشاذ، و لم نستقص كلماتهم لعدم الجدوى فيها، و نقتصر على بعضها:

فمنها: ما ذكره المصنف و الأكثر من كونه: ما رواه غير الثقة مخالفا لما رواه جماعة، و لم يكن له إلا إسناد واحد، و نظيره في وصول الأخيار: 96 حيث قال: ما خالف المشهور و كان راويه غير ثقة. أو مخالفا لرواية الثقة كما في علوم الحديث:

203، أو ما رواه الضعيف مخالفا للثقات. و عليه فالشاذ و المنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة، و يفترقان في ان الشاذ راويه ثقة أو صدوق، و المنكر راويه ضعيف.

و عبارة شيخ الاسلام في نخبة الفكر: 34 و حكاها السيوطي في التدريب:

241/1 هي: فان خولف الراوي بأرجح يقال له: المحفوظ، و مقابله يقال له:

الشاذ. و ان وقعت المخالفة مع الضعف فالراجح يقال له: المعروف، و مقابله يقال له: المنكر.

و حكي عن البرديجي في التقريب للنووي: 238/1 انه قال: المنكر: هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه، ثم قال: و كذا أطلقه كثيرون، و الصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ. و حكاه العراقي في ألفيته و تابعه السخاوي في شرحه: 190/1 و عقّبه بقوله: فلا متابع له و لا شاهد.

و نقل الأول الدربندي في درايته: 10 - خطي - و غيره. و الى هذا ذهب

ص: 251

ابن الصلاح و تبعهما السيوطي في التدريب.

قال الطريحي في الحاشية الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن): و منكر:

و هو الذي لا يعرف متنه من غير جهة راويه فلا متابع له و لا شاهد، قاله البرديجي، و حكاه أيضا في المقدمة: 180 و هو مختار منكر عند القوم، و كان الأولى ان يذكر التفصيل.

و عرّفه في تذكرة الموضوعات: 6، بتعريف منكر بقوله: و المنكر ما فيه أسباب خفية غامضة قادحة.

***

ص: 252

مستدرك رقم: (87) الجزء الاول: 259 فوائد عامة (حول المنكر و غيره):

169 الاولى: قد عدّ القاسمي في قواعد التحديث: 108:

المعروف و المحفوظ من ألقاب الحديث الشاملة للصحيح و الحسن خاصة لا المشتركة مطلقا، و تبعه في علوم الحديث: 163 و أضاف لهما: المستحسن، و المشهور التعميم عندهم. و لم اجد من تابعهم منّا.

170 الثانية: العجب من سيدنا الداماد قدس سره في الرواشح السماوية: 129:

حيث ذهب الى ان النادر و المفرد واحد، و جعل النادر على قسمين: فرد يتفرد به راويه عن جميع الرواة، و ذلك هو الانفراد المطلق. و قال: و ربّما ألحقه بعضهم بالشاذ، و فرد مضاف بالنسبة الى جهة معينة كما انفرد به أهل مكة أو الكوفة أو البصرة، أو تفرد به واحد معين من أهل مكة مثلا بالنسبة الى غيره من المحدثين من أهلها.

و فيه تفرد و شذوذ عن الاصطلاح عندهم، فتدبّر.

171 الثالثة: الشاذ المردود،

صرح به ابن الصلاح في مقدمته: 179 و حكاه عنه السخاوي و غيره كما في فتح المغيث: 188/1 و ذهب الى انه قسمان:

أحدهما: الحديث الفرد المخالف، و هو الذي عرّفه الشافعي.

ثانيهما: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة [كذا و الظاهر: الوثاقة]

ص: 253

و الضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد و الشذوذ من النكارة و الضعف. و قد سلف ذكره في الفائدة [168]، فلاحظ.

و الحاصل أنّ من أخذ قيد الوثاقة في تعريف الشاذ و فصّل في حكمه ذهب الى ان الشاذ المردود هو الفرد المخالف، و الفرد الذي ليس في راويه من الثقة [كذا] و الضبط ما يجبر به تفرده.

172 الرابعة: عدّ الأكثر المنكر من الأقسام المشتركة بين الصحيح و غيره،

كما فعله المصنف طاب ثراه و جملة من الأعلام، الا انه كان المفروض عدّه من أقسام الضعيف خاصة: كما فعله في قواعد التحديث: 131، و الأولى فيه هو التفصيل.

173 الخامسة: ان بعض المحدثين أطلق لفظ المنكر على مجرد التفرد،

و عليه فلا بد له من دليل على كونه منكرا كي لا يشتبه بغيره. قال في التوضيح: 6/2 - كما حكاه في علوم الحديث: 206 -: و علامة المنكر في حديث المحدث انه اذا عرضت روايته للحديث على راوية غيره من أهل الحفظ و الرضا خالفت روايته روايتهم و لم يكذبوا فيها.

174 السادسة: يقال: هذا أنكر ما رواه فلان، و تجدها غالبا في كلمات العامة،

و هي لا تدلّ بحال على ضعف الحديث أو الرواية. قال السيوطي في تدريب الراوي: 241/1:

أنكر ما روى بريد بن عبد اللّه بن أبي بردة: إذا أراد اللّه بأمة خيرا قبض نبيها قبلها، قال: و هذا طريق حسن رواته ثقات، و قد أدخله قوم في صحاحهم.

175 السابعة: قسّم المنكر الى ما ينقسم اليه الشاذ من الأقسام،

لأن في كل منهما مخالفة لمن هو أرجح منه، و من قبل المنكر في الجملة قسمه الى مقبول و مردود، كما فعله

ص: 254

ابن الصلاح في مقدمته: 180-181 حيث لم يلاحظ في المنكر إلا مطلق التفرد، و لا شك ان إطلاق الحكم على التفرد بالرّد أو النكارة أو الشذوذ كثير في كلام المحدثين.

176 الثامنة: قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: 12/1-13: فقد زجر الامام علي عليه السّلام رضي اللّه عنه عن رواية المنكر و حثّ على التحديث بالمشهور،

و هذا أصل كبير في الكف عن بثّ الأشياء الواهية و المنكرة من الأحاديث في الفضائل و العقائد و الرقائق، و لا سبيل الى معرفة هذا من هذا الا بالإمعان في معرفة الرجال.

و قد اشار بما روته العامة في مجاميعها من قوله عليه السّلام: حدثوا الناس بما يعرفون و دعوا ما ينكرون. أ تحبون ان يكذّب اللّه و رسوله. تذكرة الحفاظ:

12/1-13، فتح الباري: 235/1 و غيرهما، و بهذا المضمون روايات عندنا عن بيت العصمة سلام اللّه عليهم.

و هذا مما يؤيد عدّ المنكر من أقسام الضعيف، الا أن يراد بالمنكر في الرواية غير ما هو المصطلح هنا، فتأمّل.

إلا أن يقال: إن المراد من الإنكار في الرواية كون الحق هو كل ما يعرفه الدين و العقل، و الباطل ما ينكرانه، لا مطلق الإنكار. فتكون الرواية أجنبية عن بحث المنكر و عدّه من الحديث الضعيف، و لعلها و ما روى عنهم عليهم السّلام من قولهم: حدّثوا الناس على قدر عقولهم، أو: نحن معاشر الانبياء أمرنا أن نحدّث الناس على قدر عقولهم.. و أشباه هذه المضامين كثير في الروايات، و لا ربط لها ببحث المنكر بحال.

177 التاسعة: اختلفوا في كيفية معرفة كون الحديث منكرا لا أصل له،

فذكر في فتح

ص: 255

الملك العلي: 118-122 و غيره أمورا - و هي مشتركة غالبا مع المعرّفات للحديث الموضوع، و قد خلط بينهما - و هما قسمان: منكر جلي، و منكر خفي.

فالأول: ما هو واضح جلي يشترك في معرفته كل من له دراية بالحديث، كركاكة اللفظ و المعنى، و اشتماله على المجازفات، و الإفراط في الوعيد الشديد على الأمر اليسير، أو الوعد العظيم على الفعل اليسير.. و غير ذلك مما هو مذكور في كتب الموضوعات و أصول الحديث.

و الثاني: ما هو خفي لا يدركه إلا المبرّز في هذا الشأن، و أهمه أمران:

الأول: التفرد من الراوي المجهول أو المستور أو من لم يبلغ من الحفظ و الشهرة ما يحتمل معه تفرد ما يجب أن يشاركه غيره فيه، أو في أصله تفردا بإطلاق أو بالنسبة الى شيخ من الحفاظ المشاهير.. و غير ذلك.

الثاني: مخالفته للأصول و الثابت المعروف من المنقول.

178 العاشرة: قد ذكر بعضهم - كالسخاوي في فتح المغيث: 190/1 و غيره - ان الفرق بين الشاذ و المنكر إنما هو من جهة اختلافهما في مراتب الرواة،

فالصدوق إذا تفرد بما لا متابع له و لا شاهد و لم يكن عنده من الضبط ما يشترط في المقبول فهذا أحد قسمي الشاذ، فإن خولف من هذه صفة مع ذلك كان أشد في شذوذه، و ربما سماه بعضهم منكرا، و ان بلغ تلك الرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة [كذا] و الضبط، فهذا القسم الثاني من الشاذ، و أما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعّف في بعض مشايخه خاصة أو نحوهم ممن لا يحكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له و لا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر، و هو الذي يوجّه إطلاق المنكر عليه من المحدثين، و ان خولف مع ذلك فهو القسم الثاني، و هو المعتمد على رأي الأكثرين في تسميته، و عليه فهما يجتمعان في مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة و يفترقان بان الشاذ راويه ثقة أو

ص: 256

صدوق غير ضابط، و المنكر راويه ضعيف بسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك.

قال في قواعد التحديث: 131: اعلم ان الشاذ و المنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة لما يرويه الناس و يفترقان في ان الشاذ راويه ثقة أو صدوق، و المنكر راويه ضعيف.

و لا يخفى ما فيه من وجوه النظر و التأمل، تعرف مما سلف.

179 الحادية عشرة: مما يضحك الثكلى ما قاله السخاوي في فتح المغيث: 322/1 و غيره

من:

ان بعض المتأخرين توقف في ردّ من كثرت المناكير و شبهها في حديثه، لكثرة وقوع ذلك في حديث كثير من الأئمة!!.

***

ص: 257

مستدرك رقم: (88) الجزء الاول: 263 شروط المسلسل و أقسامه:

يظهر من جمع - بل المشهور - ان الاشتراك و التسلسل مشترطان في جميع سلسلة الرواة أو الرواية على أمر خاص أو فعل أو صفة بحيث لو حصل انقطاع لم يكن مسلسلا، كما في علوم الحديث: 249، و سبقه في اختصار علوم الحديث: 189 و غيرهما.

الا ان جمعا - و منهم الاسترآبادي في لب اللباب: 15: - خطي - قد جعل الاشتراك أعمّ من الكل و الجزء من أقسام المسلسل.

و يظهر من آخرين ان المسلسل على قسمين، قال السيد في الرواشح - بعد ذكره لأقسام المسلسل -: 160.. فهذه أقسام المتسلسل بحسب ما في جميع السند بطبقاته، و هناك قسم آخر بحسب معظم الاسناد دون جميعه، قالوا و ذلك كالحديث المسلسل بالأولوية (كذا، و الظاهر بالأولية) منقطعا تسلسله في الطبقة الأخيرة التي هي منتهى الاسناد..

و من هنا قسّم في هداية المحصلين: 78-84 المسلسل الى نوعين: التام و غير التام.

و حيث انجرّ الكلام الى هنا فنقول:

ان التسلسل في الرواية - لو كان في بعضها - فقد يكون بالأولية، و يراد به أول ما يسمعه كل واحد من الرواة من شيخه من الأحاديث. أو بالآخرية، و هو آخر ما يسمعه من الأحاديث من شيخه.. فان تسلسله بهذا الوصف ينتهي

ص: 258

و لا يبقى على صفة التسلسل الى آخر الاسناد.

و يقال للأول: منقطع الأول، و الثاني منقطع الآخر و قد يكون منقطع الوسط، و هذا أكثر في رواياتنا من الأول.

ثم إن تقسيم الحاكم للمسلسل الى ثمانية أقسام إنما هو من باب المثال و لم يرد فيه الحصر، كما فهمه ابن الصلاح عنه، و حكاه السخاوي في فتح المغيث:

55/3 عنهما.

***

ص: 259

مستدرك رقم: (89) الجزء الاول: 264 الحديث المسلسل:

اشارة

قال الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي في وصول الأخيار: 86 [التراث:

101].. و قد اعتنى العامة بهذا القسم، و قلّ ان يسلم لهم منه شيء إلا بتدليس أو تجوّز أو كذب يزينون به مجالسهم و أحوالهم، و هو مع ندرة اتفاقه عديم الجدوى... و قد اعترف نقادهم بانه لا يكاد يسلم من خلل حتى حديث المسلسل بالأولوية (كذا، و الظاهر بالأولية) ينتهي السلسلة فيه الى سفيان بن عيينة، و من رواه مسلسلا الى منتهاه فقد وهم، كما اعترف به نقادهم. و أما علماؤنا و محدثونا فهم أجلّ شأنا و أثقل ميزانا من الاعتناء بمثل ذلك..

قال السيد الداماد في الرواشح: 161:.. ثم ان المسلسلات قلّما يسلم منها عن طعن في وصف تسلسله لا في اصل متنه أو في رجال طريقه. و هو نظير ما ذكره العراقي في فتح المغيث: 95/4 و غيره.

قال في اختصار علوم الحديث: 189: و قلّما يصح حديث بطريق مسلسل.

و قاله النووي كما في مقدمة شرح الكرماني: 32/1 ذلك أيضا.

اقول: لا شك بأن التسلسل فنّ بديع من فنون الرواية، و ضرب من ضروب المحافظة عليها و الاهتمام بها، لما يحويه من مزيد ضبط و حرص على الأداء و حسن تأسيهم بما فيه من ظروف محاطة، و على الحالة التي اتفق عليها، خصوصا لو اتصل بالسماع - كما صرح به ثاني الشهيدين و حكاه الشيخ الجد (قدس سرهما) - فهو ليس عديم الجدوى البتة، و صرف ندرة اتفاقه عندنا، و عدم

ص: 260

سلامته من الخلل لا يسوّغ إسقاطه مع وجدانه. نعم كونه ليس موضوعا للحجية و لا مرجحا عند التعارض مصحح لعدم جدواه بهذا المعنى.

ثم ان التسلسل ليس له مدخلية في قبول الحديث و عدمه، بل يتبع رواته صحة و سقما، و قد اشترطوا في صحته خلوه من التدليس و الانقطاع لما فيه من الريبة، كما جاء في علوم الحديث: 249. و لا ينافي ما ذكره ابن كثير من كون فائدة التسلسل بعده من التدليس و الانقطاع.

180 فائدة: قد اهتم بهذا الصنف من الحديث جمع من أهل العلم و صنفوا فيه أسفارا و رسائل،

منها و أشهرها عند العامة: المسلسلات للحافظ إسماعيل بن أحمد التيمي (المتوفى 535 ه)، و الأحاديث المسلسلات لمحمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643 ه)، و للسيوطي المسلسلات الكبرى و جياد المسلسلات...

و غيرها لغيرهم.

و قد جمع منّا الشيخ الأقدم أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري كتاب المسلسلات و هو من علماء القرن الرابع، معاصر الشيخ الصدوق - كما جاء في فهرست مكتبة السيد النجفي: 29/8 ضمن مجموعة برقم 2825، الذريعة: 21/21، كشف الحجب و الأستار: 29 -.

و للتوسعة في بحث المسلسل يراجع: تدريب الراوي 391، فتح المغيث شرح ألفية العراقي: 8/3-53، شرح نخبة الفكر لابن حجر: 34 و غيرها.

***

ص: 261

مستدرك رقم: (90) الجزء الاول: 267 فرع: معرفة زيادات الثقات و حكمها:

و عبّر عنها ابن الاثير في جامع الاصول: 56/1 ب: انفراد الثقة بالزيادة، قال النووي في تقريبه كما عن السيوطي في تدريبه: 245/1: و هو فنّ لطيف تستحسن العناية به. و قد سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 185 و عقّبه السخاوي في شرحه: 199/1 بقوله: يعرف بجمع الطرق و الأبواب.

قال ابن حجر - كما حكاه في علوم الحديث: 204 و قواعد التحديث: 107 عن شرح النخبة: 12 -: و زيادة راوي الصحيح و الحسن مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق، فإن خولف بأرجح منه لمزيد ضبطه و كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، فالراجح يقال له: الشاذ، و إن وقعت المخالفة له مع الضعف فالراجح يقال له: المعروف، و مقابله يقال له: المنكر. إلا أن النووي و السيوطي في التدريب و التقريب: 245/1 قالا: و مذهب الجمهور من الفقهاء و المحدثين قبولها - اي زيادات الثقات - مطلقا، أي سواء أ جاءت من نفس الراوي أم من غيره، و سواء أ كانت في حكم شرعي أم لا، و سواء أ باينت الحكم السابق أو غيّرته أم لا، و سواء أ كان الراوي للمزيد ثقة أم حسنا، و سواء أ كانا في مجلس واحد أم في مجلسين..

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: 47/1: زيادة الثقة مقبولة.

و خصّ هذا القول العراقي في ألفيته و تبعه السخاوي بما لو كانت من التابعين

ص: 262

فمن بعدهم، بان رواه أحدهم مرة ناقصا و مرة بالزيادة، و أيضا يشمل الإطلاق ما لو كانت الزيادة في اللفظ أو المعنى، و سواء أ غيّرت الحكم الثابت أم لا، أوجبت نقصا من أحكام ثبتت بخبر آخر أم لا، كثر الساكتون عنها أم لا.

و على هذا مشى معظم الفقهاء و اصحاب الحديث و الاصوليين، و انّما فصلّنا في الاطلاق كي تتضح الاقوال المقابلة، و نسب القول بالقبول مطلقا الى الخطيب ان كانت الزيادة من ثقة، و تفرّد بها ابن الصلاح في المقدمة: 185 سواء أ كان ذلك من شخص واحد؛ بان رواه ناقصا مرة و رواه مرة أخرى و فيه تلك الزيادة، أم كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا.

و ظاهر كلام بعضهم الاتفاق.. و ليس كذلك، حيث قيل بعدم القبول مطلقا، و قيل: تقبل ان زادها غير من رواه ناقصا و لا تقبل ممن رواه مرة ناقصا.

و قيل: ان ذكر انه سمع كل واحد من الخبرين في مجلسين قبلت الزيادة، و كانا خبرين يعمل بهما، و ان عزي ذلك الى مجلس واحد، و قال: كنت نسيت هذه الزيادة قبلت منه أيضا، و الا وجب التوقف فيها، حكي هذا عن ابن الصباغ.

و قيل: ان كانت الزيادة مغيّرة للإعراب كان الخبران متعارضين، و إلا قبلت، حكاه ابن الصباغ عن المتكلمين، و الصفي الهندي عن الأكثرين.

و قيل: تقبل ان غيّرت الإعراب مطلقا.

و قيل: لا تقبل إلا إذا أفادت حكما.

و قيل: تقبل في اللفظ دون المعنى.

و كلا القولين الأخيرين حكاهما الخطيب في كفايته.

و قال الخطيب: الذي نختاره القبول إذا كان راويها عدلا حافظا و متثبتا ضابطا.

و قيده ابن خزيمة باستواء الطرفين في الحفظ و الإتقان، فلو كان الساكت عددا أو واحدا أحفظ منه او لم يكن هو حافظا و لو كان صدوقا فلا، و كذا صرح

ص: 263

ابن عبد البر.

و هناك أقوال أخر أشبه بالتخرصات و السفسطة تزيد على العشرين، و نسب ابن حجر في شرح النخبة: 12 إلى المشهور القول الأول الذي مرّ، الا ان القول بالتفصيل الذي اختاره ابن الصلاح في المقدمة: 186 ثم البغدادي، و تبعه النووي، ثم السيوطي كما في التدريب: 246/1 و ما بعدها، و شرح السخاوي:

202/1 و غيرهم هو المشهور.

***

ص: 264

مستدرك رقم: (91) الجزء الاول: 267 فوائد (حول المزيد):

181 الاولى: بعد ان عرّف المرحوم الدربندي في درايته: 3-12 - خطي - المزيد، ذكر له اقساما،

و كذا من سبقه و لحق به كما في مقدمة ابن الصلاح: 186، و شرح النخبة: 12، و تدريب الراوي: 246/1، و فتح المغيث: 202/1 و غيرهم.

و هي:

الأول: زيادة تخالف الثقات فيما رووه فتردّ كالشاذ عندهم قولا واحدا.

الثاني: ما لا مخالفة فيه لما رواه غيرهم أصلا، كتفرد الثقة، فيقبل. قال في الكفاية:.. باتفاق العلماء. هذا اذا لم يكن فيه تعرض لما رواه غيرهم بمخالفة أصلا. و قال الدربندي: هذا مقبول اتفاقا من العلماء قولا واحدا.

الثالث: زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته.

او قل ما يقع بين المرتبتين، مثل زيادة لفظ في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث، بان يكون التخلف بينهما نوعا من الاختلاف كمجرد مخالفة العموم و الخصوص، بان يكون المروي بغير الزيادة عاما بدونها فيصير خاصا أو العكس. قال الدربندي: مذهب أكثر علماء الأصول و أهل الحديث من الخاصة و العامة انها مقبولة معمول بها مطلقا، سواء أ كانت من شخص واحد، بان رواه مرة على النقصان و اخرى بالزيادة، أم كانت من غير من رواه ناقصة، و ذلك كحديث: «جعلت لنا الأرض مسجدا و جعلت تربتها لنا طهورا» فهذه الزيادة

ص: 265

تفرد بها بعض الرواة، و هو أبو مالك سعيد بن طارق الأشجعي، و ساير الرواة رووها: «جعلت لنا الارض مسجدا و طهورا»، فما رواه الجماعة عام يتناول إضافة الأرض من التراب و الرمل و الحجر، و مروي ابي مالك مختص بالتراب.

و قد توقف جمع في هذا القسم، كما ان فريقا من علماء الحديث يردّها مطلقا، و طائفة تردّها إذا كانت ممن قد كان رواها ناقصة و يقبلها من غيره.

هذا و قد ذكروا لكل واحد من هذه مثالا، و الذي لم أفهمه هو انهم كيف يقبلون المزيد و يعدّونه من الصحيح و الحسن مع شرطهم هناك بان لا يكون شاذا، و تفسيرهم للشاذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، مع ان الزيادة شذوذ بلا ريب، خصوصا إن كانت من غير الثقة. إلا أن يقال ان الراوي للمزيد إن كانت روايته مع الزيادة غير مخالفة لغيرها فهو مقبول و ليس بشاذ، و ان كانت مخالفة و كان المقابل لها ثقات فهو شاذ، فتدبّر.

و أما عندنا ففي ما ذكره المصنف (قدس سره) كفاية، و سنرجع للموضوع فيما بعد باذن اللّه تعالى.

للتوسعة لاحظ: شرح ألفية العراقي للسخاوي: 199/1-204، مقدمة ابن الصلاح: 185-191 و عدّها نوعا برأسه.

182 الثانية: قال في وصول الأخيار: 104 التراث: 116 باختلاف يسير ما نصه:

أصل: ينبغي للحاذق التنبه للزيادة في السند و النقص، فالزيادة أن يزيد الراوي في أول السند أو وسطه أو آخره رجلا أو أكثر، و المحل مستغن عنه، بأن يكون الراوي قد روى عن شخص بغير واسطة فيزيد راوي الحديث بينهما رجلا أو أكثر، و انما يتنبه [خ. ل: يتفطن] له المتفطنون، و هو عندنا و عند العامة نادر الوقوع، بل لا اعلم اني وقفت منه على شيء.

و أما النقص، فبأن يروي الرجل عن آخر، و معلوم انه لم يلحقه، أو لحقه

ص: 266

و لم يرو عنه، فيكون الحديث مرسلا [خ. ل واقفا] أو منقطعا، و انما يتفطن له المتضلع بمعرفة الرجال و مراتبهم و نسبهم [التراث: و نسبة بعضهم الى بعض] و طبقات المحدثين و أصحاب الأئمة عليهم السّلام، و كثيرا ما يقع من سهو النساخ.

و لم يتعرض للمزيد متنا.

183 الثالثة: من فروع البحث في المزيد البحث في معرفة زيادات الالفاظ الفقهية، و هو ما زاده الفقهاء على متون الروايات،

و غالبا ما يدرج في بحث المدرج، و يراد به هنا الزيادات التي لها ثمرة فقهية تظهر منها أحكام شرعية، نظير ما ذكره الفقهاء في باب نجاسة العصير العنبي من موثقة معاوية بن عمار المروية في الكافي و التهذيب - كما في الباب السابع من أبواب الأشربة المحرمة من الوسائل: 234/17، الكافي: - الفروع - 421/6، و التهذيب: 122/9 حديث 261 - فهو على رواية الشيخ:.. خمر لا تشربه، و لا نجد لفظ الخمر في متن الكليني في الكافي، كما لم تنقل الزيادة في الوسائل و لا الوافي، مع إسنادهما الى الشيخ أيضا.

فقد قيل هنا بتعارضهما، و ذهب جمع من الفقهاء الى الترجيح.

و قيل: أصالة عدم الزيادة مقدمة على أصالة عدم النقيصة، لبناء العقلاء على العمل بالزيادة؛ لان أصالة عدم الغفلة في طرف الزيادة أقوى منها في طرف النقيصة: و لا يحتمل نسيان الراوي، بان يضيف على الرواية كلمة أو كلمتين، و به تتقدم رواية الشيخ، فتأمل، إذ تقدم أصالة عدم الزيادة على عدم النقيصة إنما يكون فيما إذا كان ناقلها ساكتا و غير ناف للزيادة. و أما إذا كان ناقل النقيصة نافيا للزيادة، كما ان راوي الزيادة مثبت لها - كما في المثال - فلا وجه لتقديم المثبت على النافي. فهما متعارضان. كذا أفاده سيدنا الخوئي كما في تقريراته

ص: 267

التنقيح: 107/2.

أقول: إن التعارض من جهة اختلاف النسخ خارج عن موضوع تعارض الروايتين، لأنه من اشتباه الحجة بلا حجة، إذ يشك في أن ما رواه الثقة هل هو هذه النسخة أو تلك، و عليه فتسقط الرواية من الاعتبار، فتدبّر.

كل هذا إنما ذكرناه مثالا لأثر الزيادات الروائية في المباحث الفقهية، فاغتنم.

184 الرابعة: ذهب المرحوم السيد محمد أبو طالب الموسوي في الكفاية في علم الدراية - خطي - الى تقسيم المزيد الى أربعة أقسام،

ثالثها: المزيد فيهما - المتن و السند - ثم قال: و حكمه قد علم مما مضى، ثم قال: الرابع: المختلف، و عدّه من أقسام المزيد قائلا: لكن هذه اللفظة ليست على سائر الألفاظ المذكورة.. الى آخر كلامه الآتي في بحث المختلف، فراجع.

185 الخامسة: عدّ عند جمع من علماء الدراية معرفه المزيد،

أو قولهم: المزيد في متصل الأسانيد نوعا مستقلا - كابن الصلاح في المقدمة: 417 حيث عده النوع السابع و الثلاثين - و خصّوا به المزيد في الاسناد - دون المتن -، و المصنف رحمه اللّه تبعا لجمع جمع بينهما.

186 السادسة: يمكن عدّ ما روى عن عائشة من قولها في علي عليه السّلام: هو أعلم بالسنّة،

كما في فرائد السمطين: 368/1 باب 68، و ما رواه الخوارزمي عنها - أيضا - في الفصل السابع من مناقبه: 46 - طبعة الغري - انه: هو أعلم الناس بالسنة، من أمثلة المزيد في المتن.

ص: 268

187 السابعة: لقد سبق البحث عن الدرج - الذي هو إضافة ما ليس من الحديث اليه - و قد خلط مع بحث المزيد.

قال في جامع الأصول: 57/1: قد يظن قوم ان هذا النوع هو الذي قبله و ليس كذلك، فإن الأول هو أن ينفرد الراوي بزيادة في الحديث يرفعها الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و يجعلها من قوله، و هذا النوع:

هو أن يذكر الراوي في الحديث زيادة، و يضيف اليه شيئا من قوله، إلا انه لا يبين تلك الزيادة انها من قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أو قول نفسه، فتبقى مجهولة.

188 الثامنة ذكر الأعلام ما لو علم بكون ما في المتن أو السند مزيدا، و لم أجد من تعرض الى موارد الشك في لفظ في كونه مزيدا أم لا، متنا أو سندا،

و الظاهر انه يحكم بعدم الزيادة، و صرف الشك أو الظن لا يغني عن الحق شيئا، نعم قد تكون بعض القرائن - كالكلمات التفسيرية - قرينة على كون المفسر مزيدا. و من هنا ذهب السيد الخوئي دام ظله في التنقيح: 4/1-493 في ذيل رواية إبراهيم بن ميمون: ان كان غسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و ان كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه، يعني إذا برد الميت. قال: إن من البعيد أن تكون هذه الجملة من كلام الإمام عليه السّلام، و المظنون بل المطمأن به انها من كلام الراوي، فانها لو كانت من كلامه عليه السّلام لم يكن يحتاج الى ضمّ كلمة التفسير، و هي قوله: يعني، بل كان اللازم حينئذ ان يقول: إذا برد.

أقول: مجرد ما ذكره دام ظله لا يكفي للقرينة لوجود نظائر للرواية لم يتردد أحد في كونها من متن النص. نعم ورود المتن من دون الذيل في اسناد الشيخ الكليني قد يعدّ شاهدا، فراجع.

ص: 269

اللهم إلا ان يقال في خصوص الرواية ان «يعني» و نظائرها لا تكون مقيدة لما قبلها، لعدم تعارف ذلك و استهجانه، بخلاف «أعني» و أشباهها، فتدبّر.

***

ص: 270

مستدرك رقم: (92) الجزء الاول: 274 فوائد (حول المختلف):

189 الاولى: قد قسّم السيوطي - تبعا للنووي، و سبقهما ابن الصلاح في المقدمة: 414 - 415 و محاسن الاصطلاح للبلقيني - الهامش للمقدمة - و لحقهم غيرهم - المختلف الى قسمين:

الاول: ما يمكن الجمع بينهما بوجه صحيح، فيتعين و لا يصار الى التعارض و لا النسخ، و يجب العمل بهما.

الثاني: ما لا يمكن الجمع بينهما بوجه، فإن علم النسخ قدّم و إلا أخذنا بالراجح ترجيحا دلاليا كالأشهرية، أم سنديا كالأعدلية و الأضبطية، و قد ذكر هنا أكثر من خمسين وجها من المرجحات، و أنهاها السيوطي الى أكثر من مائة وجه، كما ذكره العراقى في نكته، و قد جمعها السيوطي في تدريبه: 202/1 - 198 بسبعة هي حاصل الوجوه، فلاحظ.

إلا أن الوجوه ليست أكثر من اثنين - راجع بحث التعادل و التراجيح.

و قد أنكر جمع وقوع التعارض بين الحديثين على نحو التباين، و الحق وجوده على قلّة، و قيل بالتخيير فيه، و قيل بالتساقط و الرجوع الى الأصل العملي - عند الشك - أو مقتضى العقل أو انه من موارد التوقف أو التخيير أي بأيهما أخذ من باب التسليم صح.. أو غير ذلك، و عند المصير الى الترجيح بوجه من الوجوه المقررة من جهة السند أو المتن أو الحكم، ثم من وجوب الفحص عن

ص: 271

المرجح أو المخصص أو المقيد، و مقدار الفحص أقوال أغنانا الأصوليون عن البحث عنها هنا، فراجع.

190 الثانية: قد يتناول علم مختلف الحديث بيان و تأويل ما يشكل من الحديث النبوي أو الروايات و إن لم يعارضه حديث آخر،

فيدفع في هذا الفن اشكالها، و يوضح غامضها، و يفسر مبهمها، و من هنا جاءت تسمية هذا العلم ب: مشكل الحديث، و: اختلاف الحديث، و: مختلف الحديث، و: تأويل الحديث، و: تلفيق الحديث، و كلهم واحد، و هذا هو المسمى في بحث الأصول بالتعادل و التراجيح الآتي ذكره، و له شقوق عديدة.

191 الثالثة: يلزم التوقف عن العمل بأحد الحديثين فيما لو لم يمكن الجمع بينهما لا تساقطهما.

لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال ان يظهر لغيره ما خفي عليه، و فوق كل ذي علم عليم، و كم ترك الأول للآخر.

إلا أن يقال: إن التساقط عند الأصوليين ليس كون كلا الحديثين موضوعين، بل أدلة الحجية لا تشمله، و الشك في الحجية مساوق للقطع بعدم الحجية، و عليه فالتساقط لا ينافي احتمال ظهور الترجيح لأحدهما، كما لا يخفى

192 الرابعة: إذا لم يكن للمتن ما ينافيه، بل سلم من مجىء خبر يضاده فهو المحكم،

و أمثلته كثيرة.

193 الخامسة: قد صنفت في هذا الفن كتب كثيرة جدا من قدماء علمائنا،

و قيل: إن أقدم مصنف في المقام و أوله هو كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار للشيخ

ص: 272

الطوسي، إلا انه في كشف الحجب و الأستار: 474 برقم: 2671 ذكر للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي المتوفى سنة 413 ه كتابا في هذا الفن سماه:

الكلام في فنون الخبر المختلف. و ذكر شيخنا في الذريعة: 378/6 برقم 2378 و 2379 كتابين أحدهما: لأبي الحسن محمد بن أحمد بن داود بن علي القمي المتوفى سنة 368 ه و اسمه كتاب الحديثين المختلفين، و هو من القدماء، و شيخ الطائفة في وقته و شيخ القميين، و أستاذ ابن الغضائري الحسين بن عبيد اللّه، و ذكره النجاشي و رواه عنه بواسطة عدّة من مشايخه. و الآخر لأحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز المدعو بابن عبدون المتوفى سنة 423 ه و ابن الحاشر أيضا و هو من مشايخ النجاشي و الشيخ الطوسي، له كتاب الحديثين المختلفين أيضا، و غيرهم كثير.

و أقدم ما كتب في هذا هو كتاب القاضي بين الحديثين المختلفين للشيخ أبي العباس أحمد بن نوح بن علي بن العباس بن نوح السيرافي (الصيرفي) نزيل البصرة و أستاذ النجاشي، ذكره شيخنا الطهراني في الذريعة: 5/17، و ترجمه تلميذه النجاشي في رجاله: 68 و من تبعه: و لعل ابا الحسن محمدا القمي - السالف - أقدم منه، فلاحظ.

194 السادسة: قال ابن الصلاح في المقدمة: 416 - بعد تقسيمه المختلف الى قسمين -:

القسم الثاني - المتضادان اللذان لا يمكن الجمع بينهما - الى ضربين:

أحدهما: ان يظهر كون أحدهما ناسخا و الآخر منسوخا، فيعمل بالناسخ و يترك المنسوخ.

ثانيهما: ان لا تقوم دلالة على ان الناسخ ايهما، و المنسوخ ايهما، فيفزع حينئذ الى الترجيح، و يعمل بالأرجح منهما و الأثبت، و هنا تورد الوجوه الخمسون و غيرها من الترجيحات فتدبر.

ص: 273

195 السابعة: علم تلفيق الحديث

و هو علم يبحث فيه عن التوفيق بين الاحاديث المتنافية ظاهرا، ما يخصص العام تارة أو يقيد المطلق أخرى، أو بالحمل على تعدد الحادثة.. الى غير ذلك من وجوه التأويل، قاله في كشف الظنون: 480/1 ثم قال:

و كثيرا ما يورده شراح الحديث أثناء شروحهم إلا أن بعضا من العلماء قد اعتنى بذلك فدونه على حدة، ذكره ابو الخير في فروع علم الحديث.

و الظاهر انه هو علم مختلف الحديث هذا.

***

ص: 274

مستدرك رقم: (93) الجزء الاول: 274 بعد أن عدّ المرحوم السيد محمد ابو طالب الموسوي في كتابه الكفاية في علم الدراية - خطي - المختلف القسم الرابع من المزيد قال:

لكن هذه اللفظة ليست على سائر الألفاظ المذكورة، فإنها بأسرها أسامي للشخص و هذا اسم للنوع، إذ الحديث الواحد لا يكون بمختلف، و إنما هو مخالف لغيره مما يؤدي معناه، و ان كان يمكن أن يجعل صفة للشخص نظرا الى الاختلاف فيه، لكنه فاسد من وجوه:

أحدها: وجود الشركة، فتأمّل.

ثانيها: بعد جعل الوصف بحال المتعلق، فلا يصار إليه إلا بدليل.

ثالثها: خلاف ما اصطلحت عليه أئمة الفن، فإنّ كل من صنف في هذا الباب صرّح بأنه وصف للنوع لا الشخص.

و الحديثان يتعارضان ظاهرا و واقعا أيضا، و منهم من قيّد التعارض بالأول نظرا الى أن التناقض لا يقع في كلمات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام، و هو غير صحيح، و إن كان القائل به المعظم، لأن جهات المصالح قد تدعو إلى إخفاء أمر و الحكم و سوق الكلام على خلاف الواقع كما في التقية، و ليس يلزم عليه أن يؤدي و إن كان له ذلك لكن لا يتعين عليه قبح الكذب بالوجوه و الاعتبار، و لو كان ذاتيا كان مقتضيا لا علة، كما أوضحناه في محله.

و كيف كان، رأيت أكثر أهل العلم لم يعقلوا في مصالح إخفاء الواقع عدا التقية، حتى ان المحدث المجلسي يحمل الأخبار المنقولة في الأقاصيص و الوقائع

ص: 275

على التقية، و هو كلام عجيب، إذ للتقية شرائط و حدود.

و حيث انجر الكلام الى هنا... ثم تعرض الى كلام ادعى عدم من سبقه اليه نذكره مجملا و هو: قد تكون المصلحة في إخفاء الواقع عجز السائل أو السامع عن إدراكه بحيث لو بيّن له لصار معدودا من لغو الكلام عند الحكيم، فلا بد من الجواب أو المقال على حسب فهمه و ان كان مخالفا للواقع، نظير الأجوبة عن أسئلة الأطفال و العوام، أ لا ترى ان أحدا من العوام و الأطفال لو سأل عن حقيقة الأجرام العلوية و مداراتها، و أخذ الحكيم في بيان حقيقتها له، صار مضحكة للعقلاء و ملوما لديهم، و موصوفا بخفة العقل و سخافة الرأي، و يردّون (ظ: و يعدّون) ما سمعوه منه في تلك المقالات من أعاجيب الأقاصيص الطريفة؟! و من تأمل حق التأمل و أعطى النظر و الرواية حقهما علم أن أكثر السألة عن [كذا] النبي و الإمام عليهم السّلام يجرون مجرى الاطفال، و بان له الاتحاد الصنفي بيننا و بينهم، و ان كانت الاشخاص متمايزة مختلفة على حسب مراتبهم في الاستعدادات، و من هذه الجهة دخلت المخالفات في كثير من الأجوبة الصادرة عنهم عن أسئلة الرواة المتعلقة بما أشير اليه و أشباهه، لا ما يتخيله المحدث المجلسي قدس سره و صرح به من التقية، فان التحقيق يقتضي بانه لا مجال لها غالبا في الأمور المشار اليها، نعم لا حرج فيها بالنسبة الى بعض الحالات بالقياس الى بعض المقالات بالنظر الى بعض السألة، و ستطلع عليه.

و قد تكون من جهة استنكاره الواقع لو اطلع عليه، بحيث لو أخبر المسئول به لعده مباهتا مخرجا سفيه الرأي ناسبا الى الأقاويل الباطلة و الأقاصيص العجيبة، فيجب على الحكيم إذا ابتلي بذلك أن يسكت أو يجيبه بما يظنه السائل جوابا، و يشهد على ذلك ما روى ابن الكواء سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الكلف في القمر، فقال عليه السّلام: رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء، ثم تلا هذه الآية فَمَحَوْنا آيَةَ اَللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ اَلنَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا

ص: 276

فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ اَلسِّنِينَ وَ اَلْحِسابَ مع انه لا تعلق للآية بسؤاله!! فإنه سأل عن الكلف، و الآية تبين الأهلّة و البدور، و المصلحة الداعية الى التهليل و التدبر، فانه عليه السّلام لو بيّن له حقيقة الأمر لصار ذلك من أعظم المطاعن عليه، و لذا صرف السائل الى حيث لا يدري و لا يتنبه و يظن انه جوابه.

أقول: لعل الوجه الثاني يرجع الى الأول، و جوابه عليه السّلام مرتبط بسؤال السائل كمال الارتباط، و لا مشاحّة في الأمثلة.

ثم قال: و قد تكون من جهة عسر برهانه و عجز السائل عن إدراكه و فهمه، بحيث لو برهن له كان بمنزلة مخاطبة العربي بالزنجي و الكردي، كما يشهد على ذلك ما رواه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، عند التعرض لبيان اخبارات أمير المؤمنين عليه السّلام بالملاحم ما لفظه:

و من ذلك ان تميم بن أسامة بن زهير بن دريد التميمي اعترضه و هو يخطب على المنبر يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها و سائقها، و لو شئت لأخبرت كل واحد منكم بمخرجه و مدخله و جميع شأنه.

فقال له: كم في رأسي طاقة شعر؟!

فقال له: اما و اللّه إني لأعلم ذلك، و لكن أين برهانه لو أخبرتك به، و لقد أخبرتك بقيامك و مقامك، و قيل لي إن على كل شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك و شيطانا يستنفرك، و آية ذلك ان في بيتك سخلا يقتل ابن رسول اللّه و يحضّ على قتاله. فكان الأمر بموجب ما أخبر به، كان ابنه: الحصين - بالصاد المهملة - يومئذ طفلا صغيرا يرضع باللبن، ثم عاش الى ان صار من شرطة عبيد اللّه بن زياد، و أخرجه عبيد اللّه الى عمر بن سعد يأمره بمناجزة الحسين عليه السّلام و يتوعده على لسانه إن أرجأ ذلك فقاتل في صبحه اليوم الذي مدد فيه الحصين بالرسالة في ليلته. انتهى.

ص: 277

و قد تكون من جهة عظم الأمر و علو المطلب، و كونه من الأسرار المكتومة التي يجب على الحكيم أن لا يظهر عليها أحدا إلا مأمونا لا يشيعها لما في شيوعها من المفاسد العامة المفضية الى انتشار البدع و الأهواء و انقطاع خريطة النظام الأتم.. ثم ذكر قصة كميل بن زياد مع أمير المؤمنين عليه السّلام و أخذه بيده الى الجبانة.

و قد تكون من جهة عدم قابلية السامع لتحمله، كما هو المشاهد بالنسبة الى جملة من المطالب بالنسبة الى جملة من الناس... و ذكر قوله عليه السّلام في نهج البلاغة: و لقد اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطّوىّ (1) البعيدة.

و قد تكون من جهة مخالفة لما جزمت له السألة و السامعون و تيقنوا ضده، فلو بيّن لهم الواقع خطّئوا القائل و المخبر، و لذا يتكلم معهم على حسب زعمهم و ما ظنوا به من الرأي المخالف للواقع، و هذا أمر مركوز في الأذهان مرموس في القلوب، فإن كل من سمع شيئا لا يقبله عقله و لا يساعده عليه فهمه يخطئ القائل... و ذكر قصة دية أصابع المرأة مع الإمام الصادق عليه السّلام.

و قد تكون من جهة ايراث بيان الواقعيات للشبهات و رسوخ الشكوك [في] قلوب السألة و سكونها... و شهد على ذلك كل ما ورد من رسول اللّه و الأئمة عليهم السّلام من النهي عن الخوض في الكلام، و انه هلك في الأمم السالفة من

ص: 278


1- وردت الكلمة في الخطبة الخامسة من نهج البلاغة فهرست: د صبحي الصالح هكذا: الطّوىّ. و في تعريفها ص 568 قال: جمع طويّة و هي البئر. و جاء في لسان العرب، مادة طوى: الطّوىّ: البئر المطويّة بالحجارة. كما وردت كلمة الطّوىّ في معلقة الشاعر الحارث بن حلّزة: فرددناهم بطعن كما تن هزّ عن جمّة الطّوىّ الدلاّء كذا علق فضيلة السيد كاظم الحيدري حفظه اللّه هنا عند مراجعة هذا القسم من الكتاب.

جهته.

و قد تكون من جهة انبعاث الريبة منه بالنسبة الى رؤساء الأمم و زعمائهم من توهم تقصير أو كتمان أو عدم سلوك حق أو تشنيع خلاف أو إخفاء مرتبة أو نحوها، فإنه يحرم - بحكم العقل الصريح - بيانه، لأنه إلقاء في التهلكة و أي إلقاء..؟!، ثم استشهد بكلام لأمير المؤمنين عليه السّلام في النهج: و لكن أخاف ان تكفروا برسول اللّه...

و قد تكون من جهة عدم استعداد المكلفين و اقتضاء الحكمة للبيان على حسب ما اقتضته الأحوال، كما هو الحال على الأظهر بالنسبة الى العمومات المخصصة التي علمنا مخصصاتها من جهة الأئمة عليهم السّلام، فإن القول بان المخاطبين علموها من جهة القرائن الحالية أو المقالية التي لم تضبط أو لم تصل الينا كلام ضعيف (القائل هو المحقق البهبهاني في تعليقته على المدارك) و في الأخبار مقامات يستفاد منها ما يشجع القائل بهذه المقالة، و هذا أظهر من أن يخفى.

و قد تكون لأدائه بيانه بيانه (كذا) الى التضليل و الاختلاف، كما يشهد عليه ما روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال لأمير المؤمنين عليه السّلام: لو لا أن أخاف عليك ما قالت النصارى في ابن مريم عليه السّلام لحدثت بحديث لا تمرّ على قوم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك... و الحديث نقلناه بالمعنى حيث لم يحضرنا ألفاظه.

و قد تكون لوجوه أخر لا أحسن ذكرها و لا التعرض لها لبعض الوجوه المشار إليها، فإن الفطام عما ألفته الطباع من أعظم العوائص، حتى اني قد ادعيت في ماضية السنين في بعض المحافل عدم حصول العلم بالواقع لو شافهنا الحجة، فانكروا عليّ ذلك أشد إنكار حتى كأني أنكر أصلا من أصول الشريعة أو أتفوه بالأباطيل المهلكة، فلما ان اظهرتهم المعذرة و الزمتهم الحجة

ص: 279

سكتوا كأن لم ينكروا عليّ ذلك، قال اللّه تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ .

و اما التقية، فمعظم موردها الأحكام، و لا بد أن يراعى فيها البلد و الزمان و سلطان العصر و الفقيه الذي اشتهرت آراؤه فيه، بل لا بد ان يراعى معظم العامة و ما هم اليه أميل و إن كان خلافه مشهورا أيضا.

اقول: ما ذكره أخيرا فهو حق حقيق بالأخذ، و قد قال هو رحمه اللّه في أول كلامه: مقالة هي أحرى أن تحفظ في الصدور دون السطور لم يسبقني اليها أحد.. و الحق ان الذي يلزم مراعاته في التقية هو خصوص مذهب الحاكم و السلطان و ما هو عليه، إذ منه يخاف و يتقى، و إلا فلا أثر للعامة و مذهبهم و ميلهم، و الناس على دين ملوكهم. أما الوجوه التي ذكرها فأكثرها متداخلة و يمكن إرجاعها الى وجهين أو ثلاثة مع ما هناك من مناقشات في الأمثلة التي أوردها.

***

ص: 280

مستدرك رقم: (94) الجزء الاول: 279 الناسخ و المنسوخ (اهميته، اقسامه، و شرائطه):

قد ورد عنهم عليهم السّلام ان بعض السنّة قد نسخت في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و انتفى حكمها، كما جاء في الكافي -: 64/4، الوسائل:

77/18 و 154 - باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال: قلت له: ما بال قوم يروون عن فلان و فلان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لا يتهمون بالكذب، فيجيء منكم خلافه؟!.

قال: ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن..

و باسناده عن منصور بن حازم - الكافي: 64/1 - قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام - في حديث -: أخبرني عن أصحاب محمد صدقوا على محمد أم كذبوا؟! قال: بل صدقوا، قلت: فما بالهم اختلفوا؟! قال عليه السّلام:

إن الرجل كان يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيسأله المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثم يجيئه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضا.. و بهذا المضمون روايات عديدة. و مع التسليم بأن النسخ مختص بحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ان ما روى عنهم عليهم السّلام يكون كاشفا لا ناسخا، الا انه يلزم الفقيه المتضلع و المحدث المتتبع البحث عن ذلك.

و على كل، فإن النسخ - على ما هو التحقيق في مفهومه - رفع الحكم في مقام الإثبات عن الأزمنة اللاحقة مع ارتفاعه في مقام الثبوت لارتفاع ملاكه،

ص: 281

و هو لا يتأتى إلا في الأحكام التي تؤدى بصيغ العموم، أو كلما يدلّ عليه و لو بمعونة القرائن من حيث التعميم لجميع الأزمنة، و ارتفاع الأحكام التي تقيد بوقت معين لانتهاء وقتها لا يسمى نسخا اصطلاحا، كما أفاده في أصول الفقه المقارن: 245، و حقيقته هو الاخبار عن عدم تحقق الملاك في الأزمنة اللاحقة الملازم لارتفاع الحكم ثبوتا، و تفصيله في الأصول، و تعرّض له سيدنا الخوئي دام ظله في تقريراته و بحث النسخ من تفسيره: البيان.

و عليه فإن علم ناسخ الحديث و منسوخه هو العلم الذي يبحث عن الأحاديث المتعارضة التي لا يمكن التوفيق بينها من حيث الحكم على بعضها بأنه ناسخ و على بعض آخر بأنه منسوخ، فما ثبت تقدمه كان منسوخا، و ما ثبت تأخره كان ناسخا.

و قد قسّم ابن الصلاح في المقدمة: 406 علم ناسخ الحديث و منسوخه الى أقسام:

منها: ما يعرف بتصريح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و منها: ما يعرف بقول الصحابي.

و منها: ما عرف بالتاريخ.

و منها: ما يعرف بالإجماع. و قد مرّ في المتن و التعليقة الإشارة له.

و قال الدربندي في درايته: 16 - خطي - بعد ذكر هذه الأربعة و أمثلتها -:

ثم اعلم ان الإجماع لا ينسخ و لا ينسخ بنفسه و إنما يدلّ على وجود ناسخ.

أما شرائط النسخ عند الجمهور فقد تعرض لها ابن الأثير في جامع الأصول: 83/1 و غيره نذكرها مجملا:

الأول: أن يكون المنسوخ حكما شرعيا لا عقليا.

الثاني: أن يكون النسخ بخطاب، فارتفاع الحكم بموت المكلف ليس نسخا.

ص: 282

الثالث: أن يكون الخطاب المرفوع حكمه غير مقيد بوقت يقتضي دخوله زوال الحكم.

الرابع: أن يكون الخطاب الرافع متراخيا.

و ذكروا هنا شروطا يتوهم كونها كذلك و ليست بشرط:

منها: أن يكون رافعا للمثل بالمثل، بل الشرط أن يكون رافعا فقط.

و منها: ورود النسخ بعد دخول وقت المنسوخ، بل يجوز قبل وقته.

و منها: عدم اشتراط كون المنسوخ مما يدخله الاستثناء و التخصيص، بل يجوز ورود النسخ على الأمر بالفعل في وقت واحد.

و منها: لا يشترط أن يكون النسخ للقرآن بالقرآن و السنّة بالسنّة، إذ لا تشترط الجنسية.

و منها: لا يشترط أن يكون الناسخ و المنسوخ نصين قاطعين، إذ يجوز نسخ خبر الواحد بخبر الواحد، و بالتواتر، و إن كان لا يجوز نسخ المتواتر بالخبر الواحد.

و منها: لا يشترط أن يكون الناسخ منقولا بمثل لفظ المنسوخ، بل يكفي أن يكون ثابتا بأي طريق كان.

و منها: لا يشترط أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ حتى لا ينسخ الأمر إلا بالنهي، و النهي إلا بالأمر، بل يجوز أن ينسخ كلاهما بالاباحة.

و منها: لا يشترط كونهما ثابتين بالنص، بل لو كان بلحن القول و ظاهره و فحواه جاز.

و منها: نسخ الحكم ببدل ليس بشرط.

و منها: نسخ الحكم بما هو اخف منه ليس بشرط، بل يجوز بالمثل و الاثقل.

و قال قوم: يجوز بالأخف و لا يجوز بالأثقل، و ليس ذلك ضابطا.

و في كل هذه و التي سلفت كلام، و ليس المقام محل بسطه.

ص: 283

و قد أولى العلماء هذا العلم - لما له من الأهمية - اهتماما كبيرا دراسة و تنقيبا و تبويبا و جمعا، و قد افردت له مصنفات خاصة، قيل أقدمها كتاب الناسخ و المنسوخ لقتادة بن دعامة السدوسي (61-118 ه) - كما نص عليه في الكفاية: 94، و أصول الحديث 289 و غيرهما - و لم يصل بأيدينا. و أجمع ما وصل لنا كتاب ناسخ الحديث و منسوخه من مؤلفات القرن الرابع الهجري لأبي حفص عمر بن أحمد البغدادي المعروف ب: ابن شاهين (297-385 ه). و قد عدّ في كشف الظنون: 2 /عمود 1920 جملة من مصنفات القوم في الباب، كما و ان شيخنا الطهراني في الذريعة: 8/24-14 قد عدّ (27) كتابا بهذا الاسم. و اقدم ما لقيناه هو كتاب الناسخ و المنسوخ لأبي جعفر احمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي من اصحاب الامام الرضا عليه السّلام.

***

ص: 284

مستدرك رقم: (95) الجزء الاول: 279 و اذ وصل بنا البحث الى الحديث عن الحديث الناسخ و المنسوخ، فنقول:

اشارة

إن هنا فنّا مهمّا عدّه بعضهم - كالبلقيني في محاسن الاصطلاح ذيل مقدمة ابن الصلاح: 632-647 - النوع التاسع و الستين، زاده على الأنواع التي ذكرها في المقدمة، و كذا ابن حجر في النخبة، و أشار له علماؤنا غالبا، و لم يتعرض له المصنف رحمه اللّه، و هو ما عرف ب:

أسباب ورود الحديث

اشارة

و يقال له: معرفة أسباب الحديث. قال الدربندي رحمه اللّه في درايته: 31 - خطي -: اعلم ان معرفة هذا من الأمور المهمة، فهذا شأن جليل و أمر عظيم كثير الفوائد، أ ما ترى انه قد ينقل في جملة من الكتب جملة من الأحاديث ذوات الأسباب فلا يذكر فيها أسبابها فيختل بذلك الأمر بالنسبة الى جملة من المقامات، بل قد تفوت بذلك جملة من المقاصد. و على كل فهو نظير أسباب نزول القرآن الكريم يتوخى بيان المناسبة مما يدلي بمعرفة ما تقدم من الحديث و ما تأخر منه مما يسهل عملية الاستنباط و الإدلاء بالحكم الشرعي لما يحكيه من ظروف الرواية التاريخية.

و نتبرك بذكر مثال له، و هو ما ذكره الدربندي في درايته: 31 - خطي - بلفظه و هو: قد ورد في الحديث القدسي المروي من كلا الطريقين - أي العامة

ص: 285

و الخاصة -: يا محمد [صلّى اللّه عليه و آله]! أنت مني حيث شئت أنا، و علي منك حيث أنت مني، و محبو علي مني حيث علي منك، الحديث، فإذا نظر الناظر في هذا الحديث و أمعن النظر فيه، و علم أن مراتب محبي أمير المؤمنين عليه السّلام و درجاتهم و قربهم المعنوي الحقاني الى الحق الأول جلّ جلاله حمل ما في الحديث على الأكامل من الشيعة كسلمان و أبي ذر و مقداد و من حذا حذوهم استبعادا منه تمشية ذلك في غير هؤلاء الأكامل، و لكن الحديث إذا أخذ بمجامعه و السبب الذي ورد هذا الحديث القدسي لأجله علم أن هذا الحمل و ذلك الاختصاص مما ليس في محله.

و بيان ذلك: ان صدر الحديث كذا ورد: يعني انه جاء أعرابي الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه (ص)! ما ينفعني حب علي بن أبي طالب (ع)..؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ويحك! من أحب عليا فقد أحبني، و من أحبني فقد احب اللّه، و من أحب اللّه لم يعذبه. فقال الأعرابي: زدني يا رسول اللّه (ص) فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اسأل جبرئيل عن ذلك، فنزل جبرئيل فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما قاله الأعرابي، فقال جبرئيل عليه السّلام: أسأل إسرافيل عليه السّلام عن ذلك، فصعد فسأل إسرافيل عليه السّلام عن ذلك، فقال إسرافيل (عليه السّلام) سأسأل ربّ العزة عن ذلك، فاوحى اللّه تعالى اليه: يا إسرافيل! قل لجبرائيل يقل لمحمد (ص): أنت مني حيث شئت أنا، و علي منك حيث أنت مني، و محبو علي مني حيث علي منك، الحديث.

فلا يخفى عليك ان حمل ما في الحديث على الأكامل من الشيعة يستلزم التخصيص الموردي، و هو غير جائز عند الأصوليين قطعا، و التقريب ظاهر، لأن الأعرابي السائل ما كان شأنه مثل شأن سلمان و أترابه، و قد فسّر هذا الحديث في حديث آخر على نمط صريح في الشمول و التعميم، و فيه: يا محمد! حيث تكن

ص: 286

أنت يكن علي فيه، و حيث يكن علي فيه يكن محبّو علي فيه و ان اجترحوا، الحديث.

ثم قال: و لا يخفى عليك ان نظائر هذا في غاية الكثرة، نعم إن أكثر كتب القدماء في الأحاديث من أصحابنا الإمامية قد ذكر فيه الأحاديث ذوات الأسباب باسبابها، و من تتبع أحاديث العامة يجد ان جملة كثيرة من الأحاديث ذوات الأسباب قد طرحوا أسبابها و ذكروها بلا سبب، فليس هذا منهم إلا لأغراض فاسدة، من كتم فضائل أهل بيت العصمة و مناقب آل الرحمة، و من ستر عيوب و مثالب أعدائهم و نحو ذلك. انتهى.

ثم انه ذكر البلقيني ان السبب قد ينقل في الحديث، كما في حديث سؤال جبرئيل عن الإيمان و الإسلام و الإحسان و غيرها.. و قد لا ينقل السبب في الحديث أو ينقل في بعض طرقه فهو الذي ينبغي الاعتناء به... ثم ذكر شواهد كثيرة لهما.

196 فائدة: قال في أصول الحديث: 290: أقدم من صنّف في اسباب الحديث أبو حفص العكبري (380-458 ه)،

و أجمع ما صنف هو كتاب: البيان و التعريف في أسباب ورود الحديث الشريف للمحدث السيد إبراهيم بن محمد الشهير بابن حمزة الحسيني الدمشقي (1054-1120 ه) مرتب على حروف المعجم، و مطبوع بحلب سنة 1329 ه في جزءين.

و هناك مصنفات كثيرة في هذا الباب.

***

ص: 287

مستدرك رقم: (96) الجزء الاول: 279 هل المقبول من الصحيح؟

لا يدخل الصحيح في المقبول مطلقا، خلافا لثاني الشهيدين في درايته 16 [البقال: 71/1] و غيره ممن تبعه و سبقه، لأن منشأ القبول شيء آخر، إلا أن يقال ان المقبول هو ما يجب العمل به عند الجمهور - كما قاله في شرح النخبة و حكاه في قواعد التحديث: 108، و ما مرّ منّا من المصادر - و هو تفسير لم يرتضه المشهور، و من هنا أفاد في توضيح المقال: 55-56 ان: الوجه ما هو سار في جميع الموارد، و هو ان التسمية تتبع الوصف الأخص في الخبر لا الأعم، فإذا كان الخبر صحيحا مستفيضا يعبّر عنه بالمستفيض و كذا مع المتواتر، و لذا لا يكتفى بالتعبير بمطلق الخبر و الحديث حيث كان فيه وصف موجب للاعتبار.

و لم نفهم وجه الجمع بين كلامه (قدس سره)، إلا أن يقال: إذا كان الصحيح عندهم مقبولا و مردودا، فيكون الصحيح داخلا في المقبول، و لا يخفى ما فيه.

ثم انه نزّل المقبول منزلة الخبر المحفوف بالقرائن، قال في نهاية الدراية:

30: و هو ما بحسب [الظاهر: ما يجب] العمل به عند الجمهور كالخبر المحتف بالقرائن، و الصحيح عند الأكثر، و الحسن على قول.

و أضف الى ذلك وجود فرق بين الخبر المقبول و الخبر المحتف بالقرائن، و القرائن منها ما هو قطعي و منها ما هو ظني، و قد سبق منّا بيانها، و قلنا القرائن المحتف بها الخبر تغاير القرائن الأربعة المعروفة - أعني موافقة الكتاب و السنة

ص: 288

و الإجماع و الأصول العقلية - فتدبّر ما ذكرناه و قارن بينه و بين ما ذكره بعض الإخوان على هامش دراية الشهيد الثاني (تحقيق البقال).

***

ص: 289

مستدرك رقم: (97) الجزء الاول: 281 رواية عمرو بن حنظلة: المقبولة هي:

ما رواه الكليني محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن حصين عن عمرو بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاة أ يحل ذلك؟ قال: من تحاكم اليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم الى طاغوت، و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا و إن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، و ما أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى اَلطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ .

قلت: فكيف يصنعان؟

قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرتضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فانما استخف بحكم اللّه، و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ (خ. ل: كالرادّ) على اللّه، و هو على حد الشرك. الحديث.

الكافي: 67/1. و التهذيب: 301/6، و من لا يحضره الفقيه: 5/3، و الاحتجاج: 194، و وسائل الشيعة: 9/18-98.

و شرح المحقق البحراني - صاحب الحدائق - هذه المقبولة في الدرة النجفية: 46 سطر 14، و قال: بنحو لم يسبق اليه سابق.. فراجع.

ص: 290

و تعدّ هذه الرواية الأصل في باب الاستنباط و عمدة التفقه، و لزوم رجوع القضاة و الفقهاء الى رواة الحديث فيما رووه عنهم عليهم السّلام، و كون المجتهد منصوبا من قبلهم عليهم السّلام.

و قيل: بدلالتها على ولاية الفقيه، و ذكروا لها مؤيدات و مرجحات أنكرها أكثر المحققين، و تفصيل ذلك كله في الفقه.

و على كل حال، فقد غضّ عمّا في الاسناد من ضعف و جرح، بل في الدلالة أيضا، و ان كان القبول بالنظر الى السند خاصّة.

و تلقيت الرواية بالقبول، و عمل بمضمونها بعضهم في الجملة، بل نزّلت منزلة الخبر المحفوف بالقرائن القطعية، كما قاله في نهاية الدراية: 30 و غيره.

و مثلها في تضاعيف احاديث الفقه كثير، فلاحظ.

***

ص: 291

مستدرك رقم: (98) الجزء الاول: 282 اقسام المقبول:

حكي عن ابن حجر في نزهته ان: المقبول ينقسم أيضا الى المعمول به و غير المعمول به، لأنه إن سلم من العاهة، فهو الحكم، و إن عورض فلا يخلو إما أن يكون معارضه مقبولا مثله أو يكون مردودا، فالثاني لا أثر له، لأن القوي لا يؤثر فيه مخالفة الضعيف، و إن كانت المعارضة بمثله فلا يخلو إما أن يكون الجمع بين مدلوليهما بغير تعسّف أو لا، فان امكن الجمع فهو النوع المسمى بمختلف الحديث..

و هذا غريب منه غير مقبول عند المشهور، و خروج عن الاصطلاح المعمول، خصوصا و ان المعمول عدّ من أقسام الصحيح بخلاف المقبول، فتدبّر.

ثم وجدت عبارة للمرحوم الدربندي في درايته: 11 - خطي - تؤيد ذلك. قال رحمه اللّه: ثم العجب من بعض العامة حيث قال: المقبول ينقسم أيضا الى معمول به و غير معمول به... الى آخره، ثم قال: و وجه الغرابة ظاهر، اللهم إلا أن يكون هذا اصطلاحا منه، فهذا أيضا - كما ترى - لانه لم يعهد من أحد غيره منهم أن يصرح بذلك، مع أنه تقدم منه ان المقبول مما يجب العمل به، فتأمل.

أقول: وجه التأمل ظاهر بعد أن كان اصطلاحا له.

ثم انه قد يراد من المقبول ما كان مقابل المردود عند القدماء، و يكون شاملا لكل ما يعمل به، إلا أنه لم يصل الى مرتبة الاصطلاح. و قد عدّه في قواعد التحديث: 108 مما اشترك بين الحسن و الصحيح خاصة، و قد مر ذكره منّا.

ص: 292

مستدرك رقم: (99) الجزء الاول: 282 مراتب الاعتبار:

لا يخفى ان الاعتبار يأتي بملاحظات مختلفة:

منها: ما يكون من جهة السند، ككونه صحيحا أو حسنا أو موثّقا.

و منها: ما يأتي من جهة الإسناد، ككونه من الأصول المعتمدة التي ادعي الإجماع على اعتبارها ككتب زرارة و يونس بن عبد الرحمن و الفضل بن يسار و نظائرهم ممن أجمعوا على تصديقهم و توثيقهم.

أو كانوا هم من أصحاب الإجماع كصفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر.

أو عرضت على المعصومين عليهم السّلام و أثنوا عليها و على مؤلفيها ككتب عبيد اللّه الحلبي المعروضة على الصادق عليه السّلام - و قد مرّت مصادره في المتن - و كتاب ظريف في الديات المعروض عليه عليه السّلام كما في الكافي:

324/7، و من لا يحضره الفقيه: 54/4، و التهذيب: 295/10 -، و كتاب يونس بن عبد الرحمن المعروض على الرضا عليه السّلام - رجال الكشي: 301 و 333، و رجال النجاشي: 312 -، و كتاب الفضل بن شاذان المعروض عليه عليه السّلام - رجال الكشي: 335 -، و كتاب سليم بن قيس المعروض على علي بن الحسين عليهما السّلام - رجال الكشي: 68 -.

أو كان من غير الطائفة المحقّة إلا أنه موثّق عندهم كحفص بن غياث و علي بن الحسن الطاطري في كتابه القبلة.

ص: 293

أو كان الحديث عمّن أجمعوا على العمل بروايتهم كعمار الساباطي و ابن أبي عمير و بني فضال - كتاب الغيبة للشيخ 254 - و ستأتي كلماتهم في ألفاظ التعديل بإذن اللّه.. و غير ذلك.

أو قل: الاعتبار تارة اجتهادي و أخرى فقاهتي، و الأول قد يكون بالأصالة كما لو كان مقترنا بوصف موجب له كالصحة، و قد يكون بالعرض كما لو انجبر بشهرة أو عمل الأصحاب أو غيرهما - نهاية الدراية: 34، لب اللباب:

14 - خطي -، دراية الدربندي: 16 - خطي - و غيرها.

و قد سبق منّا بحث الاعتبار من الزاوية العامية في المستدرك رقم (67)، فراجع.

***

ص: 294

مستدرك رقم: (100) الجزء الاول: 283 المكاتبة:

المكاتبة عند العامة موضوعا و حكما تختلف عما هي عندنا. لأنها عندهم هي أن يكتب الراوي مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو أمره:

و هي ضربان: مجردة عن الاجازة، و مقرونة ب: أجزت لك ما كتبت لك أو اليك أو به اليك و نحوه من عبارات الإجازة الآتية. أو يكتب شخص بأمر شيخ و يرسله مع إجازة الشيخ. و سنأتي للكلام عنها مفصلا.

و هي في الصحة و القوة كالمناولة المقرونة.

أما المكاتبة المجردة: فقد منع الرواية بها قوم و أجازها أكثر المتقدمين و المتأخرين و أصحاب الأصول.

و أنت ترى أن هذه المكاتبة هي الكتابة التي هي أحد أقسام التحمل بعد السماع و القراءة و الإجازة و غيرها، و سنأتي لذكرها مفصلا.

***

ص: 295

مستدرك رقم: (101) الجزء الاول: 283 المشافهة:

حيث وصل البحث بنا الى المكاتبة فهنا اصطلاح مقابل لها و هو: رواية المشافهة:

و تقابل المكاتبة مطلقا، و هي أقوى منها، كما قاله في الرواشح: 164، و عدّه بعضهم نوعا مستقلا، و هي مقدمة عليها رتبة.

كما انها الأصل الأصيل في باب الرواية و السماع.

***

ص: 296

مستدرك رقم: (102) الجزء الاول: 285 المتشابه و أقسامه:

إن هنا نوعا من انواع الحديث يسمى ب: معرفة المتشابه - و هو هذا - و قد عقد له الحاكم في علوم الحديث بابا مستقلا، و كذا شيخ الاسلام في النخبة، و قد صنف الدارمي فيه كتابا كبيرا، و ذهب الى انه لا بد فيه من معرفة المتشابه في قبائل الرواة و بلدانهم و أساميهم و كناهم و صناعاتهم، و قوم يروى عنهم إمام واحد فتشتبه كناهم و أساميهم لأنها واحدة، و قوم تتفق أساميهم و أسامي آبائهم فلا يقع التمييز بينهم إلا بعد المعرفة، و هي سبعة أجناس كما قاله الحاكم في معرفة علوم الحديث: 221 ثم قال: قلّ ما يقف عليها إلا المتبحّر في الصنعة، فإنها أجناس متفقة في الخط مختلفة في المعاني، و من لم يأخذ هذا العلم من أفواه الحفّاظ المبرزين لم يؤمن عليه التصحيف فيها.

و الأجناس السبعة هي:

الأول: معرفة المتشابه من القبائل مثل: القيسيون و العنسيون و العبسيون و العيشيون.

الثاني: معرفة المتشابه من البلدان، مثل: البخاري و النجاري و النخاري.

الثالث: معرفة المتشابه من الأسامي مثل: برير و برير و بريرة و بربر و بربري و ثوير.

الرابع: معرفة المتشابه من كنى الرواة مثل: ابو الاشهب و ابو الاشعث و غيرهما.

ص: 297

الخامس: معرفة المتشابه من صناعات الرواة مثل: الجزار و الخزار و الحمار و الخباز و الخزاز و الجرار و غيرهم.

السادس: معرفة المتشابه من رواة الآثار الذين يروي عنهم راو واحد فيشتبه على الناس كناهم و اساميهم.

السابع: معرفة المتشابه من الرواة تتفق أساميهم و اسامي آبائهم، ثم الرواة عنهم من طبقة واحدة من المحدثين فيشتبه التمييز بينهم.

و قد مثّل لهم بما لا مزيد عليه و أشبع البحث عنهم في معرفة علوم الحديث:

221-238، و كذا في التدريب للسيوطي تبعا لتقريب النووي: 334/2-329.

و حيث لا طائل فيه لم نتعرّض له.

لاحظ مستدرك رقم (105).

و مستدرك رقم (113).

***

ص: 298

مستدرك رقم: (103) الجزء الاول: 286 المشتبه:

لم يعرّف شيخنا المصنف (قدس سره) المشتبه، مع ان ديدنه مماشاة الشهيد صاحب الدراية في الذكر، و على كل.

فالمشتبه - كما عرفه ثاني الشهيدين رحمهما اللّه في درايته: 16 [البقال 71/1] - هو: حاله بسبب اشتباه راويه، كذا قال. و هو غير المشتبه المقلوب كما هو واضح.

ثم هل هو من أقسام الضعيف أم المشترك؟ الظاهر الأول، و يؤيده قول الشهيد بعد ذلك: و هو ملحق بالمردود عندنا، حيث نشترط ظهور عدالة الراوي، و لا نكتفي بظاهر الاسلام و الايمان.

إلا أن يقال: إن صرف الاشتباه ليس مضعّفا إلا إذا كان في ضعيف فيرجع هو و المشترك - الذي ذكره في صفحة: 31 - الى معنى واحد. نعم إن قيل ذاك اشتراك اسمي و هذا اشتباه حرفي و يفرّق بهذا كفى، فتأمل.

هذا و ان بحث عدالة الراوي و كيفية الاشتباه بحث عميق واسع الباع مرّ مجملا و سيأتي منّا كذلك.

***

ص: 299

مستدرك رقم: (104) الجزء الاول: 286 تلخيص المتشابه:

اشارة

و يقال له المتشابه - بحذف المضاف كما في دراية الدربندي: 20 خطي -.

و لعلماء هذا الفن قسم آخر غير النوعين السابقين - المؤتلف و المختلف، و المتفق و المفترق - و غير المشتبه المقلوب، بل قسم مركب من الاولين، و هو اما متفق اللفظين - نطقا و خطا - في الاسم خاصة مفترق في المسمين لكن الآباء اختلفوا نطقا مع الائتلاف خطا، أو عكس هذا، كما لو ائتلف الاسمان خطا و اختلفا لفظا و اتفق اسما ابويهما لفظا.. و كذا لو اتفق الاسمان أو الكنيتان لفظا و اختلفت نسبتهما نطقا، أو تتفق النسبة لفظا و يختلف الاسمان أو الكنيتان لفظا..

و ما أشبه ذلك.. كذا عرّفه العراقي في ألفيته و شرحها السخاوي في شرحه:

259/3، و في غيرهما ما هو قريب منهما و ذكره ابن الصلاح في المقدمة: 561 ضمن النوع الخامس و الخمسين و قال: نوع يتركب من النوعين اللذين قبله، ثم قال:

و يلتحق بالمؤتلف و المختلف فيه: ما يتقارب و يشتبه و ان كان مختلفا في بعض حروفه في صورة الخط.

قال الدربندي في درايته: 20 خطي - بعد ذكره المتفق و المفترق و المؤتلف و المختلف - ثم المتشابه.. قال: ثم انه يتركب من هذا القسم و ما قبله أنواع منها ان يحصل الاتفاق أو الاشتباه في الاسم و اسم الاب مثلا الا في حرف أو حرفين فأكثر من أحدهما أو منهما، و هو على قسمين: إما أن يكون الاختلاف بالتبديل بالحروف مع ان عدد الحروف ثابتة في الطرفين، أو يكون الاختلاف بالنقصان في

ص: 300

الحروف مع نقصان بعض الاسماء عن بعض، فمن أمثلة الأول: محمد بن سنان - بكسر السين المهملة و نونين بينهما ألف - و محمد بن سيّار - بفتح المهملة و تشديد الياء التحتانية و بعد الألف راء -.. و ذكر أمثلة كثيرة و فيه خلط و تشويش لم نفهمه.

هذا، و لكل من هذه الأقسام أمثلة ذكرها الخطيب، ثم عقبّه ابن الصلاح و غيره، و أدرجها السخاوي في فتح المغيث: 259/3-263 كثور مثلا اثنان، ابن زيد و ابن يزيد، و ابن أبي عبد اللّه اثنان عبيد اللّه و عبد اللّه، و ابن زرارة اثنان عمر و عمرو و هما مما يتقاربان و يشتبهان مع الاختلاف في الصورة، على حد تعبير ابن الصلاح.

فائدتان:

197 الاولى: يظهر مما مرّ انّ ما نقلناه عن ابن الصلاح مما تفرد به، قال بعد كلامه السابق 560:

و هو ان يوجد الاتفاق المذكور في النوع الذي فرغنا عنه آنفا، في اسمي شخصين أو كنيتهما التي عرفا بها، أو يوجد في نسبهما أو نسبتهما الاختلاف و الائتلاف المذكوران في النوع الذي قبله، أو على العكس من هذا بأن يختلف و يأتلف اسماؤهما و تتفق نسبتهما أو نسبهما اسما أو كنية.. ثم ذكر تلخيص المشتبه و عدّه غير هذا كما مرّ، و ذكر لكل أمثلة، و لم يوافقه غيره ممّن نعلم، فتدبّر.

198 الثانية: فائدة هذا الفن الأمن من التصحيف، و ظن الاثنين واحدا.

و قد صنف الخطيب - كما صنف في غالب أنواع هذا الباب - كتابا جليلا سماه (كتاب تلخيص المتشابه في الرسم)، قال عنه ابن الصلاح في المقدمة: 561:

انه من أحسن كتبه. ثم قال: لكن لم يعرب باسمه الذي سماه به عن موضوعه كما أعربنا.

ص: 301

مستدرك رقم: (105) الجزء الاول: 288 اقسام المتفق و المفترق:

اشارة

و هو نوع جليل يعظم الانتفاع به، زلّ فيه جمع من كبار الفن، و المهم منه ما يكون مظنة الاشتباه لأجل التعاصر أو الاشتراك في بعض الشيوخ أو في الرواة.

و معرفته من مهمات هذا الفن - على حد تعبير الدربندي في درايته: 21 خطي - و قد قيل: اشدّ التصحيف ما يقع في الأسماء، و لأجل هذا قيل إن هذا يقبح جهله بأهل العلم، و خصوصا بالمحدثين.

و قد ذكروا أقساما للمتفق و المفترق ندرجها إجمالا و نحصرها بسبعة، و قد مثّلوا لها بأمثلة كثيرة:

الأول: من اتفقت أسماؤهم و أسماء آبائهم خاصة، و عبّر عنه ب: المفترق ممن اتفقت اسماؤهم و أسماء آبائهم، و مثّل لهم ابن الصلاح ب: الخليل بن احمد فإنهم ستة.

الثاني: من اتفقت أسماؤهم و أسماء آبائهم و أجدادهم أو أكثر من ذلك.

الثالث: من اتفق في الكنية و النسب معا.

الرابع: من اتفق في الاسم و كنية الأب.

الخامس: من اتفقت أسماؤهم و أسماء آبائهم و أجدادهم و أنسابهم.

السادس: أن يتفقا في الاسم فقط، أو الكنية فقط، ثم يقع في السند من غير ذكر أبيه أو نسبة تميزه.

ص: 302

السابع: أن يتفقا في النسبة من حيث اللفظ في المنسوب اليه.

و بعض عدّ لهذه أنواعا متعددة. و سيأتي الكلام عنها.

و عن ابن الصلاح في المقدمة: 552-560 - بعد عدّه السبعة و ذكر شواهد عديدة لها - قال: و وراء هذه الأقسام أقسام اخر، لا حاجة بنا الى ذكرها.

و أضاف في فتح المغيث: 254/3 قسما ثامنا، و هو عكس الرابع: و ذاك ما لو اتفقت الأسماء مع كنى الآباء، كصالح بن أبي صالح، و هم أربعة.

و منهم: من يتفق اسم أب الراوي و اسم شيخه مع مجيئهما معا مهملين من نسبة يتميز أحدهما بها عن الأخر، كالربيع بن أنس عن أنس.. هكذا، فيظن انه يروي عن أبيه.

و لهم قسم آخر في البلدان اسمه: المشترك وضعا و المفترق صقعا.

و قد صنف الخطيب كتابا نفيسا و لعل اسمه: الموضع لأوهام الجمع و التفريق. قال في المقدمة: 552: و للخطيب فيه كتاب المتفق و المفترق، و هو - مع انه كتاب حفيل - غير مستوف للأقسام التي أذكرها إن شاء اللّه تعالى.

199 فائدة: إن ما يوجد من المتفق المفترق غير مقرون ببيان،

فالمراد به قد يدرك بالنظر في رواياته، فكثيرا ما يأتي مميزا في بعضها، و قد يدرك بالنظر في حال الراوي و المرويّ عنه، و ربما قالوا في ذلك بظن لا يقوى.

و قد فصّلنا القول فيه في مستدرك رقم (113)، فراجع.

***

ص: 303

مستدرك رقم: (106) الجزء الاول: 289 سبر كلمات ثاني الشهيدين رحمهما اللّه في المسالك فيما يرويه عن محمد ابن قيس:

سبق و ان وفقني اللّه لتجميع الفوائد الرجالية من مسالك الافهام في شرح شرائع الاسلام للشهيد الثاني طاب ثراه ضمن تدريس كتاب شرائع الاسلام: و قدّمته عونا للشيخ الوالد دام ظله لتحقيقه الموسوعة الرجالية تنقيح المقال، و قد راجعت الفهرست لأثبت هنا موارد ذكر محمد بن قيس كلا، و ما أشار له المصنف (قدس سره) هنا فردا، فأقول:

قال في: 216/1 سطر: 10: محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السّلام مشترك بين الثقة و غيرهما، و كذا في: 412/1 سطر 16 و 433/1 سطر 3.

و ضعف الرواية التي هو فيها للاشتراك، و كذا في: 591/1 سطر 15، 122/2 سطر 21 و 621/2، سطر 25.

و أطلق القول بقوله: محمد بن قيس مشترك بين الثقة و غيره في 560/1 سطر 16 و 616/2 سطر 14.

و في 534/2 سطر 6 و 550/2 سطر 17، قال: محمد بن قيس ضعيف أو مشترك.

و بحث حول محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السّلام. في: 2 / 294 سطر 11، هذا فهرست ما وجدناه من كلماته أعلى اللّه مقامه.

ص: 304

و لا تجد فيما سطرنا عليك رواية محمد بن قيس عن الصادق عليه السّلام.

إلا أنه قال في: 560/1 سطر 16: و وردت أخبار تتضمن النهي عنه - أي الوطء للأمة الحامل و سقوط الاستبراء لو انتقلت اليه - لكن في طريقها محمد بن قيس و هو مشترك بين الثقة و غيره - إلا أنّه بمراجعة الرواية في التهذيب: 298/2 و الوسائل: 505/14 و غيرهما وجدت الرواية عن الباقر عليه السّلام ايضا.

و على كل فلم نجد وجها لما ذكره المصنف طاب ثراه هنا. و لعلنا نوفق فيما بعد.

و لا يخفى ان المسالك طبع على الحجر أكثر من مرة، و الموارد و الصفحات التي نذكرها إنما هي على احدى الطبعات الحجرية غير المعلّمة.

***

ص: 305

مستدرك رقم: (107) الجزء الاول: 300 المصنفات في المؤتلف و المختلف:

يعدّ المؤتلف و المختلف، و كذا المتفق و المفترق و المشتبه أيضا من شعب التصحيف، إلا انه في سلسلة السند دون المتن. و صنّف في كل منها أهل الفن، فكتب في الأول من العامة جماعة من الحفاظ و أكثروا التصنيف فيه، و قيل: أول من صنف فيه أبو أحمد العسكري، و ألحقه بكتاب التصحيف له، و أوّل من أفرده عبد الغني بن سعيد، و أجاد فيه و جعله كتابين: الأول: في مشتبه الأسماء، و الآخر في مشتبه الأنساب، و وسّعه علي بن عمر البغدادي الدارقطني المتوفى سنة 385 ه و كذا الحافظ عبد الغني المقدسي المتوفّى سنة 409 ه حيث الف كتابين باسم المختلف و المؤتلف و مشتبه النسبة.

و قيل - و القائل ابن الصلاح في المقدمة: 528 -: اكملها الاكمال لابن ماكولا. و كذا ألف فيه الخطيب البغدادي و غيرهم ممن تبعهم. و انظر فتح المغيث:

5/3-213 و غيره.

و قد الّف ابو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي المتوفى سنة 507 ه من الخاصة كتاب: المؤتلف و المختلف، كما صرح في كشف الظنون: 407/2، و قال شيخنا الطهراني في الذريعة: 218/2 انه طبع بعنوان: الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط و الضبط. و أقدم من عثرنا عليه من الخاصة ممّن ألّف في هذا الفن هو أبو الحسن علي بن محمد أبي العباس المعاصر للنجاشي صاحب الرجال، له كتاب المختلف و المؤتلف في أسماء رجال العرب، كما ذكره في مصفى

ص: 306

المقال: 294.

قال ابن الصلاح في المقدمة: 528 عن المؤتلف و المختلف ما نصه: هذا فن جليل، من لم يعرفه من المحدثين كثر عثاره و لم يعدم خجلا، و هو منتشر لا ضابط في أكثره يفزع اليه، و انما يضبط بالحفظ تفصيلا.. ثم قال: و الضبط على قسمين:

على العموم، و على الخصوص.

فمن القسم الأول: سلاّم و سلام جميع ما يرد عليك من ذلك فهو بتشديد اللام إلا خمسة و هم:.. ثم ذكرهم و مثّل لغيرهم.

و عدّ من القسم الثاني ضبط ما في الصحيحين أو ما فيهما مع الموطأ من ذلك على الخصوص، و مثّل له بجمع.

***

ص: 307

مستدرك رقم: (108) الجزء الاول: 303 رواية الصحابة بعضهم عن بعض:

عدّه بعضهم نوعا مستقلا كالبلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة لابن الصلاح: 616-623 النوع السادس و الستون - و قال: كان ينبغي أن يوضع عند رواية الاقران أو فيه، لكن بينهما عموم و خصوص من وجه، و اقتضى الحال أن يذكر هنا.. ثم قال: و هو فنّ مهم، لأن الناظر في السند غالبا يعتقد أن الراوي عن الصحابي تابعي فيحتاج الى التنبيه على ما يخالف الغالب.

فاما رواية الصحابي عن الصحابي فذلك مما يكثر.

ثم قد يكون ابنا له.. و قد يكون أخا له.. و قد لا يكون كذلك.. و قد يكون في السند ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض.. و قد يكونون أربعة..

و ذكر لكل عدّة أمثلة.

أقول: لا ثمرة عملية و لا علمية عندنا في ذلك. و هذا إنما يتم على من ذهب الى تعديل الصحابة و عليه فنكتفي برواية الاقران، فتدبّر.

و من هنا علم ان عدّ ابن الصلاح رواية التابعين بعضهم عن بعض كما في مقدمته: 624 نوعا سابعا و ستين ليس في محله، و ان قال في فائدته: العلم بانه هذا ليس من الغالب.. ثم عدّ له وجوها لا غرض لنا بها.

***

ص: 308

مستدرك رقم: (109) الجزء الاول: 312 فوائد الباب:

200 الأولى: من اسمه عبد اللّه من الصحابة كثير جدا ناهزوا المائتين و العشرين رجلا،

كما قاله ابن الصلاح في المقدمة: 430، و نصّ عليه أبو عمر بن عبد البرّ في الاستيعاب: 865/3-1004 من ترجمة رقم 1468 الى 1696 - أي 228 صحابيا - و قد زاد ابن فتحون جماعة تبلغ نحو ثلاثمائة صحابي كما صرح بذلك السيوطي في تدريب الراوي: 220/2 و قاله العراقي، و حكاه السخاوي كما في فتح المغيث: 106/3، بل حكى البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل مقدمة ابن الصلاح: 430 - عن كتاب ابن الأثير ان المسمى بعبد اللّه من الصحابة اربعمائة و ستة و أربعون رجلا، و لكن قد اختلفوا في من يطلق عليه لفظ العبادلة دون سائر من اسمه عبد اللّه منهم عددا و تسمية.

و المشهور بين المحدثين و المعتمد عليه عند الرجاليين أنهم أربعة - كما نص عليه في المتن - هم: عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن الزبير، و عبد اللّه ابن العاص، قامت على هذا الشهرة المستفيضة - على حد تعبير السخاوي في فتح المغيث: 106/3 - و الأصل فيه قول أحمد بن حنبل - كما ذكره في المقدمة:

430 -، قالوا: و ليس منهم عبد اللّه بن مسعود، لأنه تقدم موته و الآخرون عاشوا حتى احتيج الى علمهم، كما قاله البيهقي في وجه ذلك، فإذا اجتمعوا على شيء قيل هذا قول العبادلة أو هذا فعلهم، الا ان الثعالبي في تفسيره جعل ابن مسعود

ص: 309

خامسا لهم، و كذا ابن الحاجب في شرح الكافية.

و قيل: ابن مسعود بدلا من ابن الزبير، و عدّهم أربعة.

و منهم من اقتصر على ثلاثة منهم بإسقاط ابن الزبير، كما نص عليه الجوهري في الصحاح: 505/2، و قيل بإسقاط غيره كما في فتح المغيث: 106/3 - 110.

و حكى في المقدمة: 558 عن سلمة بن سليمان انه قال: إذا قيل بمكة (في حديث المكيين) عبد اللّه فهو ابن الزبير، و إذا قيل بالمدينة: عبد اللّه، فهو ابن عمر، و إذا قيل بالكوفة عبد اللّه، فهو ابن مسعود، و إذا قيل بالبصرة عبد اللّه فهو ابن عباس، و إذا قيل بخراسان عبد اللّه، فهو ابن المبارك.

و قيل: إن عبد اللّه في حديث المكيين مردد بين ابن الزبير و ابن عباس.

و عن الحافظ ابي يعلى القزويني: إذا قال المصري عبد اللّه و لا ينسبه فهو ابن عمرو - يعني ابن العاص -، و إذا قال المكي عبد اللّه و لا ينسبه فهو ابن عباس.

و كلها ضعيفة شاذة، و المشهور هو المعتمد.

201 الثانية: قد تعرضت المفصلات من كتب الدراية العامية الى أقسام هذا النوع - رواية الأكابر عن الأصاغر -، و ندرج بعضها - و قد جعلوها أقساما،

و هي أشبه بالشروط:

الأول: أن يكون الراوي أكبر سنا و أقدم طبقة من المروي عنه.

الثاني: أن يكون الراوي أكبر قدرا لا سنا من المروي عنه، كما لو روى عالم فقيه عن شيخ مسن لا علم عنده، أو كأن يكون حافظا عالما و المروي عنه شيخا راويا فحسب.

الثالث: أن يكون الراوي أكبر من المروي عنه من الوجهتين معا، و ذكر

ص: 310

لكل واحد من هذه أمثلة.

و عدّ من هذا النوع معرفة رواية الصحابي عن التابعي، و كذا رواية التابعي عن تابعيه. و هو يعدّ من مصاديقه، كما فعله البلقيني في محاسن الاصطلاح - مطبوع ذيل المقدمة: 460 -.

و قد أدرجوا أمثلة لكل هذه الأقسام، منها ما ذكره السيوطي تبعا للنووي في شرحه على التقريب: 244/2-246، و فصّلها في شرح ألفية العراقي السخاوي في فتح المغيث: 157/3-162، و عدّ له جملة مصنفات في كشف الظنون: 1 /عمود 914.

202 الثالثة: هنا نوع عرف عندهم ب: معرفة الأكابر عن الأصاغر و هو غير روايتهم،

عدّه ابن الصلاح في المقدمة: 459-461 النوع الحادي و الاربعين. و قال: و من الفائدة فيه ان لا يتوهم كون المروي عنه أكبر أو افضل من الراوي، نظرا الى ان الأغلب كون المروي عنه كذلك، فيجهل بذلك منزلتهما.

ثم ذكر ابن الصلاح أضرابا له، و قد ذكرناها مجملا، و كأنّه خلط بين النوعين. مع انهم قالوا إن المعرفة غير الرواية، و لعلهما واحد عند التدبّر.

203 الرابعة: قد عدّ النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 254/2 رواية الآباء عن الأبناء نوعا برأسه و أفرده عن رواية الأكابر عن الأصاغر،

و كذا العراقي في الألفية و تبعه السخاوي في شرحه: 170/3 و كلهم تبع ابن الصلاح في المقدمة:

477 حيث عدّه النوع الرابع و الاربعين. و قال: و للخطيب الحافظ في ذلك كتاب..

ثم قال: و هذا طريف يجمع أنواعا.. الى آخره.

أما عكس ذلك، فهو على قسمين:

أما رواية الأبناء عن الآباء فحسب، فكثيرة جدا، و عدّها في المقدمة: 480

ص: 311

- 490 نوعا برأسه: و قد قسّمها في فتح المغيث: 171/3 - و رأيت غيره فعل ذلك - الى قسمين:

الاولى: رواية الرجل عن أبيه فحسب، و هو لا يحصى، بل لم يسم باسم.

الثانية: روايته عن أبيه عن جده و إن علا، و عدّ من الإسناد العالي.

و قد حكى ابن الصلاح في المقدمة: 484 عن السيد أبي القاسم منصور ابن محمد العلوي قوله: الإسناد بعضه عوال و بعضه معال، و قول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعالي.

و لأبي نصر الوائلي كتاب في الباب، كما قاله في المقدمة، و غيره زاد عليه.

و أهمية هذا النوع من الحديث هو ان اسم الأب لا يذكر، فيحتاج الى معرفة اسمه، أو ابهم الجد فيوضح.

204 الخامسة: أقدم من كتب في فن المسلسلات هو أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي المعاصر للشيخ الصدوق رضوان اللّه عليهما المتوفى سنة 381 ه

له كتاب المسلسلات كما ذكره شيخنا في الذريعة: 21/21 برقم 3751، و من المتأخرين:

السيد صدر الدين علي خان بن نظام الدين الحسيني المدني الشيرازي المتوفى سنة 1120 ه، له: المسلسلات بالآباء، ذكر فيه خمسة أخبار مسلسلة بالآباء بسبعة و عشرين أبا، و هذا قلّما يتفق مثله عند الخاصة.

إلا أن السيد الصدر في نهاية الدارية: 120 - بعد نقله لكلام جده الشهيد الثاني الماضي - قال:

أقول: و قد تفضّل اللّه لنا برواية أزيد منه بكثير من طرقنا و رجالنا.

بل في السلسلة العلوية العالية... و ذكر عن ثلاثين أبا، و الرواية هي: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - و قد سئل: بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ - قال: خاطبني بلسان علي عليه السّلام، فألهمني أن قلت: يا رب!

ص: 312

[الظاهر: أ أنت] خاطبتني أم علي؟! فقال: يا أحمد! أنا شيء ليس كالأشياء، لا أقاس بالناس و لا أصف بالشبهات، خلقتك من نور و خلقت عليا من نورك، اطلعت على سائر [الظاهر: سرائر] قلبك فلم أجد في قلبك أحب من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كي ما يطمئن قلبك.

ثم قال: و هذا عزيز لم يتفق مثله لأحد من المتقدمين و المتأخرين من الفريقين.

و هو - على ما نعلم - على حق فيما أفاد رضوان اللّه عليه و صلواته على اجداده.

205 السادسة: قيل إذا روى الشيخ عن تلميذه صدق ان كلا منهما يروي عن الآخر،

فهنا هل يقال لمثل هذا مدبّج؟ لهم فيه كلام، و الظاهر العدم، لعدّ مثل هذا من نوع رواية الأكابر عن الأصاغر. الا ان ابن الملقن في التذكرة في علوم الحديث:

23-24 قد خلط بينهما فقال - بعد عدّه للأقسام المشتركة - و منها: من روى من الأكابر عن الأصاغر.. ثم قال: و يلقب أيضا برواية الفاضل عن المفضول، و رواية الشيخ عن التلميذ.

إلا ان الدربندي رحمه اللّه قال في درايته: 14 - خطي -:.. و الحق تمشية المقارضة و التدبيج في هذه الصورة أيضا.

206 السابعة: قال في المقدمة: 462: اعلم ان رواية القرين عن القرين تنقسم:

فمنها: المدبّج، و هو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر.. و مثّل له من الصحابة و التابعين و أتباعهم.. و غيرهم.

و منها: غير المدبّج، و هو أن يروي أحد القرينين عن الآخر و لا يروي الآخر عنه فيما نعلم.. ثم قال: و له أمثلة كثيرة. و تابعه البلقيني في محاسن

ص: 313

الاصطلاح - هامش المقدمة -: 463-466، و جعل مبدأ القسمة رواية الأقران لا المدبّج.

207 الثامنة: يعد من هذا الباب: رواية النظير عن النظير.. و قد جعلها ابن الملقن في التذكرة: 24 غير المدبج،

و قال في صفحة: 51: و معرفة المدبج و هو رواية الاقران بعضهم عن بعض، ثم قال: فان روى احدهما عن الآخر و لم يرو الآخر عنه فغير مدبج.

***

ص: 314

مستدرك رقم: (110) الجزء الاول: 312 رواية الإخوة و الأخوات:

و هو نوع لطيف قد أفرده القدماء بالذكر، و العلماء بالتصنيف، و من المتأخرين العراقي في ألفيته و السخاوي في شرحها: 163/3، و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 467-476 حيث عدّه النوع الثالث و الأربعين و قال: معرفة الإخوة و الأخوات من العلماء و الرواة، بعد ذكره للمدبّج.

قال: و ذلك احدى معارف أهل الحديث المفردة بالتصنيف، صنف فيها علي بن المديني و أبو عبد الرحمن النسوي و أبو العباس السراج.. و غيرهم.

فمن أمثلة الأخوين من الصحابة: عبد اللّه بن مسعود و عتبة بن مسعود، هما أخوان، و كذا زيد بن ثابت و يزيد بن ثابت.. و غيرهم، و مثلوا للثلاثة و الأربعة و الخمسة.. و هكذا، و تابعه البلقيني في محاسن الاصطلاح: 470 - ذيل المقدمة -، و قد ذكروا أمثلة لجملة من التابعين في رواية الإخوة الثلاثة و الأربعة.

بل صنف في خصوص أولاد المحدثين، و كذا في رواية الإخوة عن بعضهم، و ذكرت له أمثلة في كتب الدراية في رواية الإخوة الثلاثة و الأربعة فما زاد من الصحابة و التابعين كما في فتح المغيث: 9/3-163.

و فائدة هذا الفن ضبط من ظن انه لا اخ له بانّ له أخا، أو من ليس بأخ أخا للاشتراك في الاسم.

***

ص: 315

مستدرك رقم: (111) الجزء الاول: 314 فائدتان (حول السابق و اللاحق):

208 الاولى: علّق البلقيني في محاسن الاصطلاح على كلام ابن الصلاح في المقدمة: 491 في حصره رواية السابق و اللاحق بما كان في رواية الأكابر عن الأصاغر بقوله:

لا ينحصر ذلك في رواية الأكابر عن الأصاغر، بل قد يقع في غير ذلك، بأن يروي عن الشخص راويان: أحدهما في أول تحديثه، و الآخر في آخر تحديثه ثم يطول عمر المتأخر فيتباعد ما بين وفاة الراويين.

209 الثانية: مما يلحق ببحث رواية الأكابر عن الأصاغر ما لو اشترك في الرواية عنه اثنان تباعد ما بين وفاتيهما،

قاله الدربندي في درايته: 37 - خطي - و للخطيب فيه كتاب حسن - كما مرّ - و مثاله: محمد بن إسحاق السراج روى عنه البخاري و الخفاف، و بين وفاتيهما مائة و سبع و ثلاثون سنة أو أكثر، كذا قيل.

***

ص: 316

مستدرك رقم: (112) الجزء الاول: 317 حصيلة الأقسام الأخيرة:

أقول: هناك ألفاظ حري بها أن تبحث في الأصول و قد فصّلت فيه، إلا أنها ذكرت من أنواع الحديث و ترجع الى الكتاب و السنّة، تعرّض لها المصنف عرضا و تبعا للأصحاب، و نجمل الكلام فيها.

منها: النص: و هو اللفظ الذي تكون دلالته على المعنى اللغوي قطعية.

و يقال له المعنى الراجح المانع من النقيض.

و منها: الظاهر: و هو ما كان معناه اللغوي راجحا و لكن ليس بمانع عن النقيض، بمعنى احتمال معنى مرجوح فيه، انظر كنز العرفان: 3/1.

و منها: المحكم: و هو اللفظ الذي يفهم معناه اللغوي و كان راجحا سواء أ كان مانعا من النقيض أم لا.

و منها: المتشابه: و هو مقابل المحكم، و هو ما كان الاحتمالان فيه متكافئين و لا رجحان لأحدهما على الآخر، و يلزم كون اللفظ فيه مجملا.

و منها: المطلق: و هو كل لفظ دلّ على معنى قابل للانقسام في حد ذاته الى أقسام لم يؤخذ في كل قسم خصوصية من الخصوصيات.

و قيل: المطلق كل ما لم يقيد بقيد يمكن أخذه فيه.

و قيل: هو ما كان شائعا في جنسه.

و قيل:.. غير ذلك.

و منها: المقيد: مقابل المطلق.

ص: 317

و منها: المؤوّل: و هو كل لفظ لا يحمل على معناه الراجح بل يحمل على معناه المرجوح، سواء أ كان بقرينة عقلية أم لفظية.

و منها: المجمل: و هو كل لفظ ليس فيه دلالة واضحة على المراد بل يكون مرددا بين معنيين و لا رجحان لأحد المعنيين على الآخر، سواء أ كان الإجمال فعليا أم قوليا.

و منها: المبين: و هو مقابل المجمل، و هو كل لفظ كان واضح الدلالة على المطلوب و لا يفتقر الى البيان.

و منها: العام: و هو كل لفظ دلّ على جميع الأفراد، سواء أ كان على نحو العموم الاستغراقي أم المجموعي أم البدلي.

و منها: الخاص: مقابل العام.

***

ص: 318

مستدرك رقم: (113) الجزء الاول: 318 الانواع التي لم يتعرض لها المصنف طاب ثراه:

ذكرت ثمت أنواع أخر للحديث في كتب الدراية - كما في تدريب الراوي و تقريب النووي و شرح النخبة و مقدمة ابن الصلاح و غيرها من كتب العامة - نذكرها درجا و لا نزيدها بحثا، لأنها بالرجال أليق و ألصق:

1 - منها: معرفة من ذكر باسماء أو صفات مختلفة من كنى أو ألقاب أو أنساب، اما من جماعة من الرواة عنه يعرفه كل واحد بغير ما عرفه الآخر، أو من راو واحد عنه يعرّفه مرة بهذا و أخرى بذلك، فيلتبس على من لا معرفة عنده، بل على كثير من أهل المعرفة و الحفظ، و هو فنّ عويص تمسّ الحاجة اليه لمعرفة التدليس. قال في التدريب: 268/2-271: و صنف فيه الأزدي كتابا سماه:

إيضاح الإشكال، و كذا الخطيب. و ذكر له في المقدمة: 498 كتابا لعبد الغني بن سعيد الحافظ المصري بعد ان عدّ هذا نوعا مستقلا و هو النوع الثامن و الأربعون، و ذكر له جملة من الأمثلة. و على كل فيظن من لا خبرة له بها ان تلك الأسماء أو النعوت لجماعة متفرقين.

2 - و منها: معرفة المفردات من الأسماء و الكنى و الألقاب في الصحابة و الرواة و العلماء و القابهم و كناهم، عدّه ابن الصلاح في المقدمة: 500 النوع التاسع و الأربعين، و قال: هذا نوع مليح عزيز يوجد في كتب الحفاظ المصنفة في الرجال مجموعا مفرقا في أواخر أبوابها، و افرد أيضا بالتصنيف. ثم قال صفحة:

501: و الحق ان هذا فنّ يصعب الحكم فيه، و الحاكم فيه على خطر من الخطأ

ص: 319

و الانتقاض، فانه حصر في باب واسع شديد الانتشار.. و ذكر له جملة أمثلة.

و على كل، فهو فن حسن يوجد في أواخر الأبواب من الكتب المصنفة في الرجال بعد أن يذكر و الأسماء المشتركة. و ذكروا له أقساما:

الأول: في الأسماء.

الثاني: في الكنى.

الثالث: في الألقاب.

قال السيوطي: و ينبغي أن يزاد في هذا قسم رابع في الأنساب، كما في التدريب: 271/2-278. و ليكن ثمتّ قسم خامس في النساء، كما هو متعارف الآن.

و عنونه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 177-182 ب: معرفة أسامي المحدثين، و جعل النوع التاسع و الثلاثين: 168-177 معرفة أنساب المحدثين من الصحابة الى عصرنا هذا، على حد تعبيره.

و جعل النوع الواحد و الأربعين: معرفة الكنى للصحابة و التابعين و اتباعهم الى عصرنا هذا، و قال: و قد صنف المحدثون فيه كتبا كثيرة.

لاحظ: 183-190 من معرفة علوم الحديث.

3 - و منها: في الأسماء و الكنى: أي معرفة أسماء من اشتهر بكنيته و كنى من اشتهر باسمه، و هو كالسالف ظاهرا.

4 - و منها: معرفة كنى المعروفين بالأسماء دون الكنى، كذا قاله في المقدمة:

518 عادا له النوع الحادي و الخمسين، و قال: و من شأنه ان يبوب على الأسماء ثم تبين كناهم بخلاف ذلك، و هو نوع سهل التناول من الكتب المصنفة في اسماء الرجال، لان الغالب ذكرهم الكنية بعد الاسم كما افاده البلقيني في محاسن الاصطلاح - هامش المقدمة - و مثّل له ابن الصلاح في المقدمة: 518-520 بجمع.

ص: 320

5 - و منها: الألقاب، اي معرفة ألقاب المحدثين، و الأول يجمع هذا و ما قبله، الا ان ابن الصلاح عدّه النوع الثاني و الخمسين في مقدمته: 521 و قال: و من لا يعرفها يوشك ان يظنها أسامي و ان يجعل من ذكر باسمه في موضع و بلقبه في موضع شخصين، كما اتفق لكثير ممن ألّف، ثم قسمها الى ما يجوز التعريف به و هو ما لا يكرهه الملقب، و الى ما لا يجوز و هو ما يكرهه الملقب، و ذكر نماذج لهما الى صفحة: 527.

6 - و منها: معرفة المنسوبين الى غير آبائهم، عدّه في المقدمة: 9 - 566 النوع السابع و الخمسين، و قال: و ذلك على ضروب:

أحدها: من نسب الى أمه.. و ذكر جمعا من الصحابة كبلال بن حمامة المؤذن.. و آخرين من التابعين كمحمد بن الحنفية.

ثانيها: من نسب الى جدته، مثل يعلى بن منية الصحابي.. و غيره.

ثالثها: من نسب الى جده: عدّ منهم جمعا من الصحابة كأبي عبيدة بن الجراح والده عبد اللّه و غيره كأحمد بن حنبل والده محمد.

رابعها: من نسب الى رجل غير أبيه هو منه بسبب، و ذكر من الصحابة المقداد بن الأسود، تبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، و هو ابن عمرو بن ثعلبة الكندي.. و غيره.

7 - و منها: معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها، الذي هو السابق الى الفهم منهم.. ذكره ابن الصلاح - أيضا - في المقدمة: 2-570 و جعله النوع الثامن و الخمسين.. و عدّ جمعا من الصحابة و غيرهم كأبي سعيد البدري الصحابي حيث لم يشهد بدرا، و لكن نزل بدرا فنسب اليها. و كيزيد الفقير من التابعين، وصف بذلك لانه أصيب في فقار ظهره فكان يتألم منه. و كذا خالد الحذاء، لم يكن حذاء و وصف بذلك لجلوسه في الحذائين.. و غيرهم.

8 - و منها: المبهمات، أي معرفة من أبهم ذكره في المتن أو الإسناد من

ص: 321

الرجال و النساء و له أقسام. و لعله نظير الرسائل المؤلفة في عدة الكليني في الكافي أو الشيخ في كتابيه و غيرهما، و قد أفرده ابن الصلاح في المقدمة: 573 نوعا مستقلا، و فصّلنا القول فيه في مستدرك رقم (236) المبهمات.

9 - و منها: التواريخ لمواليد الرواة و السماع و القدوم للبلد الفلاني، و كذا الوفيات لهم، ليعرف اتصال الحديث من انقطاعه.

عدّه ابن الصلاح النوع الموفى ستين في مقدمته: 577 و قال: معرفة تواريخ الرواة ثم قال: و فيها معرفة وفيات الصحابة و المحدثين و العلماء و مواليدهم و مقادير أعمارهم و نحو ذلك، و ذكر جملة من التواريخ: 578-587 و تبعه في ذيله محاسن الاصطلاح للبلقيني.

10 - و منها: معرفة الثقات و الضعفاء من الرواة، و به يعرف الصحيح من الضعيف، و هو غير ما ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث النوع التاسع و الاربعين: 240-249، فلاحظ، و كل هذه الأقسام الماضية و بعض ما يأتي تدخل اليوم في علمي الرجال و التراجم. و لعل هذا هو الفن الذي ذكره الحاكم في معرفة العلوم: 14 ثالثا و قال: معرفة صدق المحدث و إتقانه و تنبهه و صحة أصوله و ما يحتمله سنه و رحلته من الأسانيد و غير ذلك من غفلته و تهاونه بنفسه و علمه و أصوله.

قال في المقدمة: 588: النوع الحادي و الستون: معرفة الثقات و الضعفاء من رواة الحديث. ثم قال: هذا من أجلّ نوع و أفخمه، فإنه المرقاة الى معرفة صحة الحديث و سقمه.. ثم عدّ جملة من المؤلفات فيه.

11 - و منها: معرفة من خلط من الثقات في آخر عمره. عدّه في المقدمة:

594 النوع الثاني و الستين، و قال: و هذا فنّ عزيز مهم لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف و اعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا. ثم قال: و هم منقسمون: فمنهم من خلط لاختلاطه و خرفه، و منهم من خلط لذهاب بصره أو لغير ذلك، و الحكم

ص: 322

فيهم انه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط و لا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل امره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده.. و ذكر لذلك أمثلة.

12 - و منها: معرفة رواية الصحابة بعضهم عن بعض و التابعين بعضهم عن بعض، و قد مرّ، ذكر هذا و ما قبله البلقيني في محاسن الاصطلاح، و هو غير معرفة الصحابة على مراتبهم، فذاك فن مستقل جعله الحاكم في معرفة علوم الحديث: 22، السابع. انظر مستدرك رقم (108).

13 - و منها: رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة، اختص بذكره السيوطي في التدريب: 288/2. و هو غير معرفة التابعين و طبقاتهم، الذي عنونه الحاكم في علوم حديثه: 42 و غيره، و سنأتي له، و غير معرفة أتباع التابعين كما في معرفة علوم الحديث: 46-49.

14 - و منها: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه و عكسه، ذكره ابن حجر في شرح النخبة و تبعه غيره. و كذا الأقسام الخمسة الآتية. و اوصلناها الى ثمانية في مستدرك رقم (105) في بحث المتفق و المفترق، و فصّله في فتح المغيث: 254/3.

15 - و منها: معرفة من وافقت كنيته كنية زوجته.

16 - و منها: معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه، كالربيع بن أنس عن أنس.

17 - و منها: معرفة من اتفق اسمه و اسم أبيه و جده.

18 - و منها: معرفة من اتفق اسمه و اسم شيخه و شيخ شيخه.

19 - و منها: معرفة من اتفق اسم شيخه و الراوي عنه.

20 - و منها: معرفة من اتفق اسمه و كنيته. ذكر هذا شيخ الاسلام في أول نكته و تبعه غيره كالسخاوي في شرح الألفية: 254/3.

21 - و منها: معرفة من اتفق اسمه و اسم أبيه خاصة.

ص: 323

22 - و منها: معرفة من اتفق اسمه و كنية أبيه.

23 - و منها: معرفة من اتفق أسماؤهم و أسماء آبائهم و أجدادهم و أنسابهم.

24 - و منها: معرفة من اتفق الاسم مع كنية الأب كصالح بن أبي صالح و هم أربعة.

25 - و منها: معرفه من وافق اسمه نسبه، اختص بذكره السيوطي في التدريب و تبعه من بعده.

26 - و منها: معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال و النساء، و عدّوا لهما قسمين.

27 - و منها: معرفه أسباب الحديث، ذكره البلقيني في محاسن الاصطلاح و ابن حجر في النخبة، و غيرهما و مرّ استدراكه منا برقم (95) أسباب ورود الحديث.

28 - و منها: معرفة تواريخ المتون، عدّه البلقيني في محاسن الاصطلاح - هامش المقدمة: 649 - النوع السبعين. و سماه: التاريخ المتعلق بالمتون، و قال: هذا النوع فوائده كثيرة و له وقع كبير في معرفة الناسخ و المنسوخ و يعرف به ابتداء مشروعية ذلك الشيء، فيظهر بذلك خلو الزمان الذي قبله عن مشروعية ذلك الشيء. اما لان الحكم الى ذلك الوقت لم يكن محتاجا اليه، أو لم يطلب الا ذلك الوقت، و اما لأنه كان قبله حكم آخر ارتفع بهذا فيكون من قسم الناسخ و المنسوخ، أو لم يرتفع بالكلية.. بل اقتضى الحال التخيير.

و التاريخ قد يكون بمجرد أول ما كان كذا، و بالقبلية.. و البعدية و بآخر الأمرين، و يكون بذكر السنة أو بذكر الشهر أو بغير ذلك مما يعرف به التاريخ..

ثم ذكر جملة من الأوائل و جملة من الأمثلة.

29 - و منها: معرفة من لم يرو الا حديثا واحدا، و قد اختص بذكره السيوطي في تدريبه: 396/2، و لا يخفى انه غير الفن المعروف الآتي.

ص: 324

30 - و منها: معرفة من لم يرو عنه الا واحد. و هو معرفة جماعة من الصحابة و التابعين و أتباع التابعين ليس لكل واحد منهم الا راو واحد، كذا قاله الحاكم في معرفته: 157-161.

31 - و منها: معرفة من أسند عنه من الصحابة، الذين ماتوا في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو من مختصات صاحب التدريب.

32 - و منها: معرفة الحفّاظ.

33 - و منها: فنّ في معرفة البلدان المشترك وضعا و المفترق صقعا، و قد مرّ.

34-35 - و منها: معرفة أولاد الصحابة، قال الحاكم: من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات..

ثم نقل روايات المباهلة، و قال: و قد روى الحديث زهاء مائتين رجل و امرأة من أهل البيت.. معرفة علوم الحديث: 49، و هنا فن آخر و هو معرفة أولاد التابعين و أتباع التابعين و غيرهم من المسلمين.

36-37 - و منها: معرفة الجرح و التعديل. قال الحاكم: و هما في الأصل نوعان كل نوع منهما علم برأسه، و هو ثمرة هذا العلم و المرقاة الكبيرة منه. معرفة علوم الحديث: 52.

38 - و منها: معرفة سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعارضها مثلها، فيحتج أصحاب المذاهب بأحدهما و هما في الصحة و السقم سيان، كذا جعله في معرفة علوم الحديث: 122 نوعا، و الحق انه هو و الذي يليه يعدان من نوع المختلف و المتفق.

39 - و منها: معرفة الأخبار التي لا معارض لها بوجه من الوجوه، قال في معرفة علوم الحديث: 129:.. و قد صنف الدارمي - عثمان بن سعيد - فيه كتابا كبيرا.

40 - و منها: معرفة زيادات ألفاظ فقهية في أحاديث ينفرد بالزيادة راو

ص: 325

واحد، و هذا هو المزيد المارّ ذكره، و ان عدّهما الحاكم اثنين. و قال في معرفة علوم الحديث: 130: و هذا مما يعزّ وجوده و يقلّ في أهل الصنعة من يحفظه.

41 - و منها معرفة مذاهب المحدثين، ذكره الحاكم في معرفته: 135 و تبعه غيره.

42 - و منها: معرفة المذاكرة، أي مذاكرة الحديث و التمييز بها، و المعرفة عند المذاكرة بين الصدوق و غيره، فان المجازف في المذاكرة يجازف في التحديث. كذا قاله في معرفة علوم الحديث: 140.

43 - و منها: معرفة مغازي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سراياه و بعوثه و كتبه الى ملوك المشركين و ما يصح من ذلك و ما يشذّ، و ما أبلى كل واحد من الصحابة في تلك الحروب بين يديه و من ثبت و من هرب و من جبن عن القتال و من كرّ، و من تدين بنصرته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من نافق، و كيفية تقسيمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الغنائم، و من زاد و من نقص، و كيف جعل سلب القتيل بين الاثنين و الثلاثة، و كيف أقام الحدود في الغلول.. و غير ذلك، كذا ذكره الحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث 238-240.

44 - و منها: معرفة جمع الأبواب التي يجمعها أصحاب الحديث و طلب الغائب منها، و المذاكرة بها. المصدر السابق: الفن الخمسون: 250-254.

45 - معرفة من اشترك من رجال الإسناد في فقه أو بلد أو إقليم أو علم أو غير ذلك.. عدّه في محاسن الاصطلاح: 31-627 - ذيل المقدمة - النوع الثامن و الستين، و قال: المراد ان يقع في السند جماعة لهم اشتراك فيما ذكر و نحوه، مثل ان يكون في السند جماعة من الفقهاء يروي بعضهم عن بعض، أو بصريون يروي بعضهم عن بعض، أو مصريون يروي بعضهم عن بعض، و ذلك كثير في الأحاديث.. ثم جاء بعدة شواهد لرواية الفقهاء أو المدنيين أو المصريين أو الكوفيين و غيرهم.

ص: 326

46 - معرفة الرواة المتشابهين في الاسم و النسب المتمايزين بالتقدم و التأخر في الابن و الأب، و مثّل له في محاسن الاصطلاح ب: يزيد بن الاسود و الأسود بن يزيد، و هو المعبر عنه بالمقلوب، فلاحظ.

و قد عدّه ابن الصلاح في المقدمة: 565 النوع السادس و الخمسين.

هذه جملة من الأقسام، و هي متداخلة، و قد مرّ بعضها في بحث المتفق و المفترق مستدرك رقم (105) و بحث معرفة المتشابه مستدرك رقم (102) و غيرهما.

***

ص: 327

مستدرك رقم: (114) الجزء الاول: 321 الفرق بين المرفوع و الاثر:

قال السيد الصدر في نهاية الدراية: 48: و ربما يخص المرفوع الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأثر بالمرفوع الى الأئمة عليهم السّلام، و كثيرا ما يسلك المحقق الحلي في كتبه هذا المسلك، و قال آخر من العامة: الموقوف هو المروي عن الصحابي قولا لهم [كذا] أو فعلا أو نحو ذلك متصلا كان أو منقطعا و يستعمل في غيره مقيدا، فيقال وقفه فلان على الزهري و نحوه، و عند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر و المرفوع بالخبر، و عند المحدثين كله يسمى أثرا.

أقول:

قد مرّ لنا استدراك معنى الأثر، و الجديد التعرض لمسلك المحقق، و لم أتثبته.

***

ص: 328

مستدرك رقم: (115) الجزء الاول: 321 حجية الموقوف:

تسالم المتأخرون من القوم خصوصا فقهاؤنا على عدّ الموقوف من أقسام الضعيف و كذا المقطوع و ان صح طريقهما، كما قاله المصنف قدس سره و غيره و نقلنا جملة من كلماتهم. إلا أن الدكتور صبحي الصالح في علوم الحديث: 208 ناقش هذه العبارة و قال: على اننا لا نجد مسوغا لإضعاف الموقوف إطلاقا بهذا السبب، لأننا حين نحكم له بالصحة أو الحسن إذا توفرت فيه شروط أحدهما نعلم يقينا أننا إنما نصحح أو نحسن حديث الصحابي لا حديث رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فلم نكذب و الحال هذه عليه صلوات اللّه عليه لا ساهين و لا متعمدين، و لم نضع في فيه ما لم يتلفظ به.

و لا يخلو كلامه من أوجه للنظر، بل هو خروج عن موضوع الحجية، بل الحق ان عدّ الموقوف و المقطوع من أنواع الحديث مسامحة بيّنة كانت من أصحابنا مجاراة للقوم، و هذا بملاحظة عقيدتهم بحجية قول الصحابي مطلقا.

و هي مبنى و بناء فاسدة.

و حكي عن ابن جماعة في حاشية مقدمة ابن الصلاح: 123 انه قال:

الموقوف و ان اتصل سنده ليس بحجة عند الشافعي و طائفة من العلماء، و هو حجة عند طائفة.

و الحق ان عدّ مثل هذا الوقف رواية بالمعنى الأخص بعيد عن الإنصاف، و انما هي حكاية من الراوي عن غير معصوم، نعم لو قام دليل قطعي أو ما يؤدي

ص: 329

مؤداه عادة بصدوره عن المعصوم عليه السّلام - كما في موقوفة أذينة الواردة في إرث الزوجة ذات الولد من الرباع المروية في كتابي الشيخ: التهذيب: 301/9 و الاستبصار: 155/4، و كذا الوسائل: 523/17 و نحوها - أمكن القول بحجيتها على فرض تماميتها، فتدبّر.

قال الدربندي في درايته: 7 - خطي - في مقام حجية الموقوف ما نصه:..

و يمكن التفصيل بالقول بالحجية في موقوفات ابن أبي عمير و نحوه دون غيرهم ثم قال: فتأمّل.

و هذا لو سلم فهو في ابن أبي عمير دون غيره، و في مراسيله دون ما وقف عليه، فتدبّر.

***

ص: 330

مستدرك رقم: (116) الجزء الاول: 330 فوائد (حول الموقوف):

210 الاولى: ذهب في علوم الحديث: 208 الى تفصيل غريب على مبناهم،

ففرّق بين ما كان موقوفا على عبد اللّه بن مسعود و نظائره، و بين ما كان موقوفا على كعب الأحبار و ابن سلام و ابن عمرو بن العاص و قال: لأنهم من الصحابة الذين اشتهروا برواية الإسرائيليات و الأقاصيص و لا سيما ما يتعلق بأشراط الساعة و فتن آخر الزمان، و أغلب الأحاديث التي تشتمل على مثل هذه الأخبار ضعيفة إن لم نقل موضوعة، لكن ضعفها ليس ناشئا عن وقفها!

211 الثانية: في وصول الأخيار: 105 قال: و قال بعض المحدثين: تفسير الصحابي مرفوع

و هو قريب إذا كان مما لا دخل للاجتهاد فيه، كشأن النزول و نحوه، و الا فهو موقوف.

و الأغرب منه ما ذهب اليه ابن الصلاح في المقدمة: 128-129 من ان تفسير الصحابي حديث مسند. ثم وجهه بان ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك، و مثّل بقول جابر المارّ في المتن اما سائر التفاسير للصحابة التي لا تشتمل على اضافة شيء الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمعدودة في الموقوفات.

أقول: لعل هذا التفصيل يرجع الى الثالث، فتدبّر.

ص: 331

212 الثالثة: قال الدربندي في درايته: 6 - خطي - بعد تعريفه للموقوف:..

ثم إن منه ما يتصل إسناده الى الصحابي فيكون موقوفا موصولا، و منه ما لا يتصل فيكون من الموقوف غير الموصول.

213 الرابعة: قال سيد المدارك في مداركه -: 546 حجرية - آخر صفحة: و الموثوق:

ما روى عن صاحب المعصوم (ع). و قد يطلق عليه: الأبتر، إن كان الراوي صحابيا. و لعله اصطلاح خاص منه طاب ثراه.

***

ص: 332

مستدرك رقم: (117) الجزء الاول: 330 تعارض الرفع و الوقف:

إذا روى الثقات حديثا مرفوعا، و بعضهم موقوفا، فايهما يقدم؟

ذهب ابن الصلاح و العراقي في ألفيته و السخاوي في شرحها: 167/1 و غيرهم الى ان الأصح الحكم للرفع، مستدلين على ذلك بأن راويه مثبت و غيره ساكت، و لو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه، لأنه علم ما خفي عليه.

و قيل: الحكم لمن وقف، حكاه الخطيب عن أكثر أصحاب الحديث.

و أشار ابن الجوزي في الموضوعات: 34/1 الى قول ثالث حيث قال: و انما اشترط البخاري و مسلم الثقة و الاشتهار، و قد تركا أشياء كثيرة تركها قريب، و أشياء لا وجه لتركها... و من الأشياء التي لا وجه لتركها أن يرفع الحديث ثقة فيقفه آخر، فترك هذا لا وجه له، لأن الرفع زيادة، و الزيادة من الثقة مقبولة الا ان يقفه (في المصدر: يفقه و هو غلط، و الظاهر: يوقفه أو أوقفه) الأكثرون و يرفعه واحد، فالظاهر غلطه، و ان كان من الجائز أن يكون حفظه دونهم. و نحوه قال الحاكم.

و المشهور هو القول الأول، كما نص عليه غير واحد كما في فتح المغيث:

168/1 و غيره.

ثم انه لو كان الاختلاف في راو واحد بان يرويه تارة متصلا أو مرفوعا و مرة مرسلا او موقوفا فالذي ذهب اليه الجمهور - كما قيل - ان الراوي إذا روى الحديث مرفوعا و موقوفا فالحكم للرفع، لأن معه في حالة الرفع زيادة.

و ذهب الأصوليون منهم الى ما وقع فيه الأكثر. و زعم بعضهم: ان الراجح

ص: 333

من قول أئمة الحديث في كليهما التعارض، و حكي عن الشافعي انه يحمل الموقوف على مذهب الراوي، و المسند على انه روايته فلا تعارض، و نحوه قول الخطيب.

هذا مجمل القول في الأقوال، و لا غرض لنا في الاستدلال فعلا، مع الاختلاف معهم في البناء و المبنى معا.

و قد أجملنا القول في هذه التعارضات في مستدرك رقم (149) تذنيب الفصل، فلاحظ.

***

ص: 334

مستدرك رقم: (118) الجزء الاول: 331 المنقطع: و له إطلاقان:

الاول: المنقطع بالمعنى الاعم: و هو ما لم يتصل إسناده الى المعصوم عليه السّلام مطلقا، سواء أ كان الانقطاع من الأول أم الوسط أم الآخر، واحدا كان الساقط أو أكثر، فهو على هذا أعمّ من المرسل و المعلق و المنقطع بالمعنى الأخص.

و كل واحد من الثلاثة اما أن يكون الساقط منه واحدا أو أكثر، فالأقسام ستة.

فصّلها الشيخ العاملي في وصول الأخيار: 92 [التراث: 8-105] و السخاوي في فتح المغيث: 149/1، و غيرهما.

ص: 335

فقال:.. أو من وسطه واحدا فمنقطع. و منهم من أطلق و لم يخصّه بالوسط كالشهيد الثاني في درايته: البداية: 47 [البقال: 138/1]، و منهم من أضاف قيد: ذكر فيه رجل مبهم، كما عرّفه في علوم الحديث: 168 حيث قال: الحديث الذي سقط من إسناده رجل أو ذكر فيه رجل مبهم. ثم قال: إنه أشهر تعريفاته، و نظيره في اختصار علوم الحديث: 53. و قال الشيخ الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة سنن - بعد أن أفرده بالذكر -: المنقطع: و هو ما سقط من رواته واحد قبل الصحابي. إلا أن الحاكم صرّح في معرفة علوم الحديث: 28 أنه قد يروى الحديث و في إسناده رجل غير مسمّى و ليس بمنقطع.

و حكى ابن الصلاح في المقدمة: 144 عنه في مقام الفرق بينه و بين المرسل: ان المرسل مخصوص بالتابعي، و ان المنقطع منه الإسناد الذي فيه قبل الوصول الى التابعي راو لم يسمع من الذي فوقه، و الساقط بينهما غير مذكور لا معينا و لا مبهما، و منه الإسناد الذي ذكر فيه بعض رواته بلفظ مبهم نحو رجل او شيخ أو غيرهما.. ثم مثّل لكل واحد منهما.

و من خصه بواحد أخرج المعضل - الآتي - الذي سقط منه اثنان فأكثر مع التوالي، و مثّلوا له بقول الإمام زين العابدين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم... كذا، هذا على مبناهم و عقيدتهم فيه صلوات اللّه عليه.

و عرّفه في تذكرة الموضوعات: 5 ب: ما لم يتصل إسناده من الأول و الآخر.

و منهم من عمّم الساقط لأكثر من واحد - كما فعله والد الشيخ البهائي في وصول الأخيار: 92 [التراث: 105] - و نزّله بمنزلة المرسل بالمعنى الأعم، و حكاه ابن الصلاح في المقدمة: 146 ثم قال: و هذا المذهب أقرب، صار اليه طوائف من الفقهاء و غيرهم.

و منهم من جعله أخص من المرسل مطلقا، باعتبار كون الساقط من

ص: 336

الأول أو الوسط أو الآخر، و هذا يرجع الى المنقطع بالمعنى الأول.

و هناك أقوال شاذة في المنقطع نذكرها درجا:

منها: ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته: 144 تبعا للحاكم في معرفة علوم الحديث: 27 من قولهم: هو ما اختلّ منه رجل قبل التابعي، محذوفا كان الرجل أو مبهما.

و منها: كون المنقطع هو ما لم يتصل إسناده و لو كان الساقط أكثر من واحد، كما صرح به ابن الصلاح في مقدمته: 132 - بحث المرسل و اقتضاه كلام الخطيب حيث قال -: و المنقطع مثل المرسل الذي مشي فيه على انه المنقطع الإسناد، فيدخل فيه المرسل و المعضل و المعلق، و كذا قال ابن عبد البرّ و البرديجي - كما حكاه السخاوي في فتح المغيث: 150/1 - و لعله يرجع الى المنقطع بالمعنى الأول.

و منها: ما روى عن التابعي أو من دونه قولا له أو فعلا.

و كل الاقوال غريب ضعيف. و الأغرب ما عرّف به المنقطع بكونه: قول الرجل بدون إسناد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

هذا و قد وقع خلط بين المنقطع و المرسل. قال الخطيب في الكفاية: 58 - 59: و المنقطع مثل المرسل، الا ان هذه العبارة تستعمل غالبا في رواية من دون التابعي من الصحابة. و قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 29: و المنقطع:.. و هو غير المرسل، و قلّ ما يوجد في الحفاظ من يميّز بينهما. و قرّب ابن الصلاح في المقدمة: 146 كونهما واحدا، كما ستأتي عبارته في الفوائد.

ثم انه لا بد من إفراد المنقطع عن المقطوع، و شذّ من جعلهما واحدا، و ان نسب الى الشافعي التعبير عن المقطوع بالمنقطع إذا لم يتصل إسناده، و قد نسب ابن الصلاح في المقدمة: 125 ذلك الى الطبراني و من تأخر عنه كالدارقطني و الحميدي و ابن اعصار.. و غيرهم، الا ان البرديجي - و هو أوّل من نعلم - و تبعته

ص: 337

العصابة فرّق بينهما.

و يمكن أن يقال: إن بحث المقطوع من مباحث المتن، و بحث المنقطع من مباحث السند، فتأمل.

و قد خلط بينهما و بين الموقوف جمع غفير، فتدبّر.

و قد قال في علوم الحديث: 170: و سبب ضعفه فقد الاتصال في السند.

فهو كالمرسل من هذه الناحية.

للتوسعة في بحث المنقطع لاحظ: معرفة علوم الحديث: 27-29، فتح المغيث: 149/1 و ما بعدها، علوم الحديث: 2-170، مقدمة ابن الصلاح: 144 - 146 [الهند: 22]، اختصار علوم الحديث: 53 و ما بعدها، أصول الحديث 339 و غيرها مما سبق منّا و سيأتي من المصادر.

***

ص: 338

مستدرك رقم: (119) الجزء الاول: 332 المقطوع في الوقف:

عرّفه السيد الداماد في الرواشح: 182 بقوله: و هو ما جاء عن التابعي للصحابي أو عمّن في معناه - أي هو لصاحب أحد الأئمة عليهم السّلام في معنى التابعي لصحابي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - من قوله أو فعله أو نحو ذلك موقوفا عليه، ثم قال: و يقال له أيضا: المنقطع في الوقف.

و ذكره بنصّه المرحوم الدربندي في درايته: 12 - خطي - و قال: و قيد الحيثية احترازا عمّا إذا كان الصحابي و التابعي كلاهما معصومين، و لوحظ قولهما من حيث هما معصومان.

و على كل، فهو مباين للموقوف على الإطلاق و ذلك ظاهر، و أخصّ من الموقوف بالتقييد، لأن ذلك يشمل التابعي و من في حكمه و غيرهما أيضا، و هذا يختص بهما فقط و لا يقع على سائر الطبقات، و كذا هو مباين للمنقطع بالإرسال.

و هو أولى بعدم الحجية من الموقوف المطلق، لأن قول الصحابي من حيث هو صحابي أجدر بالقبول من قول التابعي من حيث هو تابعي، كذا قال بعض الأساطين.

أقول: و لا يخفى ما في الإطلاق الأول أولا، و ملاحظة الارتداد ثانيا، مع المفروغية عن عدم الحجية مطلقا، فتدبّر.

***

ص: 339

مستدرك رقم: (120) الجزء الاول: 332 فوائد (حول المقطوع و المنقطع):

214 الاولى: قال المحقق الحلي في رسالته كاشفة الحال عن أمر الاستدلال - كما حكاه عنه في نهاية الدراية: 53 -:

و منها شيء سمي المقطوع، و هو ما كان بعض رواته مجهولا أو كان غير معلوم الاتصال بالمعصوم عليه السّلام.

و هذا اصطلاح لم نعهده ممّن قبله و لا من بعده، فتدبّر.

215 الثانية: هنا تقسيم تعرض له بعضهم، و هو انقسام الحديث باعتبار ما يسند اليه:

الى مرفوع - و هو ما ينتهي الى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم -، و الى موقوف - و هو ما ينتهي الى الصحابي -، و مقطوع: - و هو ما ينتهي الى التابعي -.

216 الثالثة: لمدرسة الرأي - التي هي مدرسة أبي حنيفة - راي مشهور،

قال امامهم:

ما جاء عن الرسول (صلّى اللّه عليه [و آله) فعلى العين و الرأس، و ما جاء عن الصحابي تخيّرنا منه، و أما ما جاء عن التابعي فهم رجال و نحن رجال!. بل جعلوه ضعيفا لا يحتجّ به، بل رجحوا القياس على العمل بما ورد مقطوعا عن التابعي قولا و عملا.

و العجب مما جاء في علوم الحديث: 210 حيث قال: بيد ان الرأي المختار ان المقطوع يوصف كذلك بالصحة أو الحسن أو الضعف تبعا لحال إسناده و متنه،

ص: 340

و ان تصحيحه أو تحسينه لا يعيّن انه مأخوذ عن الصحابة فضلا عن النبي (صلى اللّه عليه و آله)، بل يعين مجرد روايته عن التابعين أنفسهم. و كأنّه في صدد بيان التاريخ الصحيح عن غيره، فتأمّل.

217 الرابعة: في الرواشح السماوية: 171 جعل المقطوع قسما بخصوصه من المرسل،

و عرّفه ب: ما يكون الإرسال فيه بإسقاط طبقة واحدة فقط من الإسناد سواء أ كان من أوله أو من وسطه أو من آخره.. و ما ذكره هو المنقطع لا المقطوع.

ثم قال: و يعرف الانقطاع بمجيئه من وجه آخر بزيادة طبقة أخرى في الإسناد. و أضاف الدربندي في درايته: 8 - خطي - بعد هذا قوله: و صورته ان يكون حديث له إسنادان في أحدهما زيادة رجل، فان كان ذلك الحديث لا يتم إسناده إلا مع تلك الزيادة و لا يصح دونها، فالإسناد الناقص: مقطوع، و الا كان الأمر من باب المزيد على ما في معناه بحسب الإسناد.

218 الخامسة: كثيرا ما نجد خلطا بين الموقوف و المقطوع،

و قد يعمّم الموقوف لهما كما في كتاب: معرفة الوقوف على الموقوف لأبي حفص بن بدر الموصلي حيث ذكرهما معا، بل غالب التفاسير العامية حوتهما معا.

قال في وصول الأخيار: 105:.. و أصحابنا لم يفرقوا بينه و بين الموقوف فيما يظهر من كلامهم.

219 السادسة: من الغريب ما جاء به الشيخ ياسين بن صلاح الدين في كتابه معين النبيه في رجال من لا يحضره الفقيه: 9 - مخطوط -

حيث جعل المقطوع في مقابل المتصل، فقال: و ينقسم - أي الخبر - أيضا الى متصل الإسناد و هو ما ذكر فيه جميع رواته، و الى منقطعه و هو بخلافه، و يقال له: المقطوع، و يكون في الأول أو

ص: 341

الوسط أو الآخر أو الطرفين على حسب المحذوف.. الى آخره. و كأنّه نظر الى معناه اللغوي، و خلط بين المقطوع و المنقطع.

220 السابعة: قال السخاوي في فتح المغيث: 151/1: تتمة: قد مضى في المرسل عن الشافعي و غيره ما يدلّ على قبول المنقطع إذا احتف بقرينة.

و قال ابن السمعاني:

من منع قبول المرسل فهو أشدّ منعا لقبول المنقطعات، و من قبل المراسيل اختلفوا. ثم قال: و انما يجيء هذا على المعتمد في الفرق بينهما.

أقول: كلهم عندنا في عدم الحجية واحد، بل المنقطع أسوأ حالا من المرسل، بل ادعي الإجماع بعدم الاحتجاج به للجهل بحال المحذوف أو للإبهام، و قد استدركنا ذلك، فلاحظ.

221 الثامنة: لا ينبغي الحكم بالانقطاع و لا بجهالة الراوي المبهم بمجرد الوقوف على طريق كذلك،

بل لا بد من الإمعان في التفتيش لئلا يكون متّصلا و معيّنا من طريق آخر، فيعضل بحكم الاستدلال به، كما سيجيء في المرسل و المعضل. أفاده غير واحد، كما حكاه في شرح الألفية: 20/1.

222 التاسعة: صرّح الخطيب - حكاية عن بعض أهل العلم بالحديث - ان المنقطع ما روى عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله، و حينئذ فهو أعمّ.

و لكن قال ابن الصلاح في المقدمة: 146 انه: غريب بعيد، و حكاه السخاوي في الفتح: 106/1.

223 العاشرة: قال في فتح المغيث: 143/1:.. و سمى جمهور أهل الحديث منقطعا قولهم:

عن رجل، أو شيخ، أو.. نحو ذلك مما يبهم الراوي فيه و بذا يتداخل مع المبهم

ص: 342

الآتي.

224 الحادية عشرة: قسّم المنقطع الى: ظاهر و خفي:

و الأول: هو ما لو علم عدم لقاء الراوي أو عدم اتحاد عصريهما، و هو نوع من المرسل بالمعنى الأعم، و ضعيف لفقد الاتصال بالسند أو إبهام الراوي في بعض حلقات السند - كما عند بعض -.

و الثاني: لا يدركه الا المتضلع الفطن في فنّ الرجال و الطبقات - على حد تعبير السيد في نهاية الدراية: 52 - و هو تدليس قبيح. قال في وصول الأخيار:

93 [التراث: 106]: و قد يقع ذلك من سهو مداد [التراث: المصنف أو] الكاتب.

بيد انه ذكره في القطع في الإسناد الذي عبّرنا عنه بالمنقطع، فتدبّر.

و قسّمه في معرفة علوم الحديث: 29: الى ثلاثة أنواع، فراجع.

225 الثانية عشرة: قال الدربندي في درايته: 8 - خطي، بعد عدّه المنقطع و المقطوع واحدا -:..

إلا ان أكثر ما يوصف بالانقطاع في غالب الاستعمال رواية من دون التابعي عن الصحابي من حديث النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، أو رواية من دون من هو في منزلة التابعي عمّن هو في منزلة الصحابي من أحد من الأئمة عليهم السّلام.

و ذكر ابن الصلاح في مقدمته: 145 عن ابن عبد البر: ان المرسل مخصوص بالتابعين، و المنقطع شامل له و لغيره، و هو عنده: كل ما لا يتصل إسناده سواء أ كان يعزى الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أم الى غيره.

226 الثالثة عشرة: قال في محاسن الاصطلاح: 146 - ذيل المقدمة لابن الصلاح -.

فائدة: لا يلتبس ذلك بما سبق في المقطوع الموقوف على التابعي، من انه يعبّر بلفظه عن المنقطع غير الموصول، فإن الكلام في إطلاق المنقطع على ما

ص: 343

يطلق عليه المقطوع بزيادة أو من دون التابعي، و هذا هو الغريب.

227 الرابعة عشرة: قال في القوانين: 487 - بعد تعريف المقطوع.. أو المنقطع:

على الوقوف على التابعي و من في حكمه - قال: و قد يطلق على الأعم من ذلك فيشمل المعلق و المرسل و المنقطع الوسط.. و غير ذلك. ثم ان كان الساقط من السند أكثر من واحد يسمى معضلا - اسم المفعول - بمعنى المشكل، و الاّ فمنقطع.

228 الخامسة عشرة: قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 145 - حاشية المقدمة -:

فالمنقطع على هذا أعمّ من المرسل، فكل مرسل منقطع و لا عكس، و كلام الشافعي السابق ينطبق على هذا.

***

ص: 344

مستدرك رقم: (121) الجزء الاول: 334 الاقوال في حجية الحديث المضمر:

حاصل الأقوال التي ذهب اليها الفقهاء في باب الأحاديث المضمرة ثلاثة:

الأول: حجيتها مطلقا، ادّعى غير واحد ان هذا قول في المسألة، و لم نجد قائلا به صريحا بعد تتبع كلمات القوم. قال صاحب المعالم ردا على العلامة - في دعواه في المختلف بان الراوي في حسنة محمد بن مسلم: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة.. لم يسند الحكم فيها الى الإمام عليه السّلام، و ان كانت عدالته تقتضي الاخبار عنه، فردّه بقوله -:.. الممارسة تنبّه على ان المقتضى لنحو هذا الإضمار في الاخبار ارتباط بعضها ببعض في كتب روايتها عن الأئمة عليهم السّلام، فكان يتفق وقوع أخبار متعددة في أحكام مختلفة مروية عن إمام واحد، و لا فصل بينهما يوجب إعادة ذكر الإمام عليه السّلام بالاسم الظاهر، فيقتصرون على الإشارة اليه بالمضمر، ثم انه لما عرض لتلك الأخبار الاقتطاع و التحويل الى كتاب آخر تطرق هذا اللبس، و منشأه غفلة المقتطع لها، و الا فقد كان المناسب رعاية حال المتأخرين، لأنهم لا عهد لهم بما في الأصول.. و تبعه صاحب الحدائق:

311/5 فقال: و للّه درّ المحقق الشيخ حسن في المعالم حيث ردّ ذلك فقال.. الى آخره. و قد يستظهر ذلك من كلام المصنف طاب ثراه في قوله: لان ظاهر حال اصحاب الأئمة عليهم السّلام انهم لا يسألون إلا منهم.

و أنت بصير ان هذه الكلمات لا تفيد الإطلاق، بل لم نجد من صرح به

ص: 345

حتى من الاخباريين، فما أفاده في قواعد الحديث: 218 من عدّ هذا قولا لا وجه له، ا لا ترى مثل صاحب الحدائق: 226/4 يقول: و ان كان الإضمار من مثل هذين العلمين - يعني زرارة و الفضيل - غير ضائر، لأنه من المعلوم انهما و أمثالهما لا يعتمدون على غير الإمام عليه السّلام.

و كذا لاحظ ذيل كلام شيخنا الجد (قدس سره)، فيرجع هذا القول الى الثالث المفصل، فتدبّر.

الثاني: عدم الحجية مطلقا، نسب الى جمع من الأصحاب - كما قاله الشيخ حسن في منتقى الجمان: 35/1 - و يظهر في مطاوي الفقه ردّ بعض الروايات لصرف كونها مضمرة و مجهولة المسئول، سواء أ كان الراوي من وجوه الرواة و فقهائهم أم غيرهم، و هذا صحيح في الجملة من جهة البناء، الا انا لم نجد من صرح صريحا بالمبنى، فراجع و تفطن. نعم، الإضمار بما هو غير مصحح للأخذ بلا شبهة.

الثالث: و هو العمدة - بل المشهور، و كاد أن يكون إجماعا عمليا منهم - هو القول بالتفصيل بين ما لو كان الراوي المضمر من أجلّة الرواة و فقهائهم فيقبل مضمره، و بين غيره فلا يقبل، أو قل: ان علم انه لا يروي الا عن الامام عليه السّلام قبل و الا فلا.

اختار هذا في الروضة: 141/1، و كفاية الأصول: 400/2، و قواعد الحديث: 219، و غيرهم.

بل في الأخير أسهب في الاستدلال للمشهور لاحظ: 220-225. قال الشيخ حسن في منتقى الجمان: 39/1 الفائدة الثامنة: يتفق في بعض الأحاديث عدم التصريح باسم الإمام الذي يروى عنه الحديث بل يشار اليه بالضمير، و ظنّ جمع من الأصحاب ان مثله قطع ينافي الصحة، و ليس ذلك على إطلاقه بصحيح. و هو كما أفاد. ثم قال: إذ القرائن في أكثر تلك المواضع تشهد بعود

ص: 346

الضمير الى المعصوم بنحو من التوجيه الذي ذكرناه في إطلاق الأسماء، و حاصله ان كثيرا من قدماء رواة حديثنا و مصنفي كتبه كانوا يروون عن الأئمة عليهم السّلام مشافهة و يوردون ما يروونه في كتبهم جملة، و ان كانت الأحكام التي في الروايات مختلفة.. الى آخره.

و قال سيدنا الخوئي دام ظله - كما في تقريرات درسه مصباح الأصول 4/3-13 في بحث مضمرة زرارة قال:.. و ثانيا: بان الإضمار من مثل زرارة يوجب القدح في اعتبارها، فإنه أجلّ شأنا من أن يسأل غير المعصوم ثم ينقل لغيره بلا نصب قرينة على تعيين المسئول، فإن هذا خيانة يجلّ مثل زرارة عنها، فإضماره يدلّ على كون المسئول هو المعصوم يقينا، غاية الأمر انه لا يعلم كونه الباقر أم الصادق عليهما السّلام، و هذا شيء لا يضر باعتبارها.. الى آخره.

و هذه مسألة سيّالة في موارد متعددة نفيا و اثباتا كما هو الحال في بحث المرسل مثلا.

***

ص: 347

مستدرك رقم: (122) الجزء الاول: 334 فائدتان:

229 الاولى: إن الفرق بين الموقوف و المضمر

ان الحكم في الموقوف يقف عند الراوي فلا يتعداه حيث لم يسنده الى غيره لا تصريحا و لا إضمارا، فنحتمل انه رأي رآه بمقتضى اجتهاده، كما نحتمل انه نقل عن المعصوم عليه السّلام ذلك أو غيره من الفقهاء.

اما في الحديث المضمر فلا نحتمل استناده الى رأي الراوي حيث صرح فيه باسناده الى غيره، و ان لم نعلم ان ذلك هو غير المعصوم عليه السّلام، فالإشكال في المضمر أهون منه في الموقوف، كما أفاده في قواعد الحديث: 216.

الا ان النتيجة فيهما واحدة من جهة الحجية و عدمها، و لا ثمرة عملية في المقام الا عند من يقول ان مضمرات أمثال زرارة رحمه اللّه و نحوها حجة دون الموقوف عليه فانه ليس بحجة مطلقا، فتأمل.

230 الثانية: قال الفيض الكاشاني في الوافي: 27/1 - الطبعة المحققة - ما نصه:

اعلم ان إضمار الحديث عن الثقات المشهورين من أصحاب الأئمة عليهم السّلام ليس طعنا في الحديث، اذ قد يكون ذلك اعتمادا على القرينة، و قد يكون للتقية، و قد يكون لقطع الأخبار بعضها عن بعض، فان الراوي كان يصرح باسم الإمام الذي يروي عنه في أول الروايات، ثم قال: و سألته عن كذا، و سألته عن كذا،

ص: 348

الى ان يستوفى الروايات التي رواها عن ذلك الإمام عليه السّلام، فلما حصل القطع توهم الإضمار.

ثم قال: و كذلك الرواية عن أحد تارة بواسطة و أخرى بدونها لا توجب الاضطراب في الرواية كما ظن، لجواز تعدّد سماعه.

ثم قال: اما رواية الحديث تارة على وجه و أخرى على وجه آخر مخالف له فهي توجب الاضطراب و عدم الاعتماد.

و قال: و مما يوجب عدم الاعتماد «القطع»، و هو ان لا يبلغ الإسناد الى المعصوم بل ينتهي الى بعض الوسائط.

***

ص: 349

مستدرك رقم: (123) الجزء الاول: 334 قال السيد محمد الموسوي في كفايته في علم الدراية - خطي -:

و ليعلم ان الشرط في اتصاف الرواية بالاضمار و القدح فيه ان لا تكون ناشئة من تقطيع الأخبار و إفراد بعضها عن بعض، و إلا فلا تقدح في الرواية، و الظاهر ان كثيرا من المضمرات في حكم الموصولات بل عينه، لان أرباب الأصول كانوا يذكرون السلسلة المنتهية الى المعصوم في أول أصولهم ثم يسندون اليه بالإضمار خوفا من التطويل، كما هو المشاهد فيما بقي من الأصول ككتاب علي بن جعفر و غيره، ثم لما جاء أرباب الكتب المعروفة بوبوا الأخبار و قطّعوها فجاء الإضمار من هذه الجهة، و قد نبّه على ذلك جماعة منهم صاحب المنتقى و شيخنا المحقق قدس سرهما، فلا بد لمن يروي الرواية بالإضمار من الفحص و التتبع و تمييز أحد الصنفين من الآخر لئلا يكون وصفا للصحيح بصفة لم يتصف بها حقيقة فيكون عاملا بخلاف الحق و هذه دقيقة وجب التنبيه [عليها].

فإن قيل: قد ذكرتم ان ظاهره المعصوم، فبأية علّة اهملتم الظهور؟.

قيل له: الظهور ظهور خارجي لا مساس له بشيء من الألفاظ، و قد حقق في محله ان الظنون الخارجية غير معتبرة في شيء من الألفاظ، و ليس هذا من باب تمييز المشتركات الرجالية الذي يعتبرون فيه خارجة الظنون، و انما هو إبهام صرف كقولك ضربته، و هذا الإبهام لا يكاد يرتفع الا بحصول العلم بالمرجع أو ما يقوم مقامه مما ينتهي اليه، و لم ينته اليه في مثل المقام، و لذا لم يذهب الى اعتبارها فيه هنا أحد فيما أعلم، فليكن على ذكر منك.

ص: 350

مستدرك رقم: (124) الجزء الاول: 338 فوائد (حول المعضل):

231 الاولى: قد يطلق المعضل

و يراد به الحديث الذي اشكل معناه دون سنده.

232 الثانية: ان قول الراوي بلغني يسمى معضلا عند أصحاب الحديث،

كما قاله في التقريب، و كذا شارحه في التدريب: 211/1-212 و نقله ابن الصلاح عن الحافظ أبي نصر [في الخلاصة في اصول الحديث: النضر] السجزّي، و ظاهر الإطلاق عدم الفرق بين كون الساقط واحدا أو أكثر.

و أيضا اذا روى تابع التابعي عن تابعي حديثا ثم وقف عليه فهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل و عندنا معضل، كما نقله ابن الصلاح عن الحاكم، و قاله الأخير في معرفة علوم الحديث: 36 و الخلاصة في اصول الحديث: 67، و عقبه الاخير بقوله: 68: قلت: لا يجوز أن ينسب هذا القول الى التابعي و يوقف، لأن مثل هذا لا يصدر عن التابعي استقلالا بل لا بد فيه من السماع من صاحب الوحي صلوات اللّه و سلامه عليه.

و حكى السيوطي - في التدريب: 214/1 - ان التبريزي خصّ المنقطع و المعضل بما ليس في اوّل الإسناد، و اما ما كان في أوّله فمعلق. و كلام ابن الصلاح و النووي و غيرهما أعمّ.

ص: 351

233 الثالثة: قال في القوانين - كما حكاه في توضيح المقال: 57 - اختصاص المعضل بما تعدد الساقط منه من غير اختصاصه بكونه في الوسط و تفسير المقطوع و المنقطع بالموقوف على التابعي و من في حكمه.

ثم قال: و قد يطلق على الأعم من ذلك فيشمل المعلق و المرسل و المنقطع الوسط و غير ذلك.

و الحق ان هذا خروج عن المصطلح المشهور، و ان لم ينفرد به و سبقه غيره فيه و في غيره. و عليه فتصبح إطلاقات المعضل و تعاريفه تناهز السبعة، فراجع و تدبّر.

234 الرابعة: كثيرا ما يقال «الوسط» - سواء أ قيل: سقط من الوسط، أم وسط السند أم غير ذلك - في علم الدراية،

مثل قول الشيخ البهائي في الوجيزة: 4 بعد قوله:

أو سقط من أولها - أي السلسلة - واحد فصاعدا فمعلق. قال: أو من آخرها كذلك أو كلها فمرسل. ثم قال: أو من وسطها واحد فمنقطع، أو أكثر فمعضل.

و المراد بالوسط في اصطلاحهم ليس الوسط الحقيقي بلا شبهة، و لا الوسط العرفي، بل مطلق غير الطرفين من السند.

235 الخامسة: من المعضل قسم غير ما مرّ، و هو ما حذف اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الصحابي معا،

و وقف متنه على من تبعهم. قال العراقي في ألفيته بعد قوله:

و منه قسم ثان.

حذف النبي و الصحابي معا *** و وقف متنه على من تبعا

و حيث كان الانقطاع بواحد مع الوقف صدق عليه الانقطاع باثنين - الرسول و الصحابي -. و ذكر له السخاوي في شرح الألفية: 153/1 جملة من

ص: 352

الأمثلة. و هذا يتمّ على بعض معان المعضل، كما لا يخفى.

236 السادسة: قال في المقدمة: 150: و إذا روى تابع التابع عن التابع حديثا موقوفا عليه و هو حديث متصل مسند الى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)

فقد جعله الحاكم أبو عبد اللّه نوعا من المعضل، ثم قال: هذا جيد حسن. و نظيره في علوم الحديث:

172.

237 السابعة: عدّ الدربندي في درايته: 8 - خطي -

المعضل قسما خاصا من المرسل ثم قال: قيل المعضل لقب لنوع خاص من المنقطع، إذ كل معضل منقطع و ليس كل منقطع معضلا. و الحق ان هذا يختلف باختلاف التعريف، فلو كان المعضل هو الحديث الذي سقط منه راويان فأكثر بشرط التوالي، و المنقطع من سقط منه رجل، كان هذا أشد استغلاقا و إبهاما و إعضالا من المنقطع.

238 الثامنة: لا شك ان المعضل أسوأ حالا من المنقطع،

و المنقطع أسوأ حالا من المرسل، و المرسل لا تقوم به حجة، و انما يكون المعضل أسوأ حالا من المنقطع فيما إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد، فاما إذا كان في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال.

***

ص: 353

مستدرك رقم: (125) الجزء الاول: 341 تعريف المرسل:

قد تلخص من كلام المصنف تبعا لثاني الشهيدين رضوان اللّه عليهم ان للمرسل بالمعنى الاخص تعريفين:

الأول: الأشهر، و هو كل حديث أسنده التابعي الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من غير ذلك الواسطة، او قل: ما سقط منه الصحابي صغيرا كان أو كبيرا.

الثاني: هو كل حديث أسنده التابعي الكبير اليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من غير ذكر الواسطة لأنه يروي غالبا عن الصحابة، و ما أرسله الصغار يعدّ منقطعا لأنهم يروون غالبا عن التابعين، كما في وصول الأخيار: 52: و صرح بالأول في المقدمة: 130.

و قيل: هو القدر المتفق عليه عند علماء الطوائف، اما لو سقط اثنان قبل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فهو المنقطع، و ان سقط أكثر فهو المعضل. بل ما أرسله الراوي دون التابعي فهو عندهم المنقطع، و كذلك يسمون الحديث عن رجل لم يسمّ.

و عن المدخل - كما في حاشية ابن الصلاح من المقدمة: 130 - المرسل ان يقول التابعي أو تابع التابعي قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه [و آله) فان كان بين المرسل و النبي (صلّى اللّه عليه [و آله) أكثر من رجل سموه معضلا... و أدخل البلاغات و شبهها عندهم في باب المعضل، و كل هذا في الحقيقة داخل في باب

ص: 354

المرسل، إذ اصل ذلك إضافة الراوي الحديث الى من روى عنه، و إرسال سنده و سقوط اتصاله.

و هناك أقوال أخر:

منها: ما رفعه التابعي الى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قول أو فعل أو تقرير صغيرا كان أو كبيرا، قيل: و عليه جمهور المحدثين، و هو في واقعه الأول، فتدبّر.

و منها: ما انقطع إسناده، بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممّن فوقه، قاله الخطيب في الكفاية: 58، ثم قال: إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله). و اختاره العراقي، و حكاه عن ابن قطان.

و منها: - و هو الحق - كون المرسل هو ما سقطت رواته أجمع أو من آخرهم واحدا أو أكثر، و ان ذكر الساقط بلفظ مبهم كبعض أصحابنا أو رجل دون ما لو ذكر بلفظ مشترك و ان لم يميز، و هو مختار المصنف رحمه اللّه و جمع.

و منها: المرسل الفقهي الذي يطلق على المرسل بمعناه المشهور و المنقطع و المعضل و المعلق. و لعل مراد أهل الدراية من المرسل بالمعنى الأعم هو هذا.

فهم يطلقونه - أي الفقهاء و الأصوليون - على كل ما لم يتصل سنده الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و أرسله راو من رواته تابعيا كان أو من دونه الى النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، أو سكت فيه عن راو من رواته أو أكثر و ارتفع الى من فوقه، فكل هذا عندهم داخل في المرسل، و كذا إذا قال عن رجل و لم يسمه.

ثم انه قد يطلق على المرسل المنقطع أو المقطوع أيضا كما مرّ، و ذلك فيما لو أسقط شخص من إسناده فيكون أخصّ من المرسل، و كذا يقال للمرسل معضل - بفتح الضاد المعجمة - فيما لو أسقط من السند أكثر من واحد، و قد مرّ بيانهما، و كان الأولى درجهما تحت المرسل. لأنهما أخص منه، فتدبّر.

ص: 355

للتوسعة في بحث المرسل لاحظ المصادر التالية:

تدريب الراوي: 196/1، اختصار علوم الحديث: 51-53، أصول الحديث: 337، فتح المغيث للسخاوي: 67/1، معرفة علوم الحديث: 25-27، الكفاية: 21 و 404، مقدمة ابن الصلاح: 20 [بنت الشاطئ: 130-143]، وصول الأخيار: 92-95، قواعد التحديث: 133-146، شرح النخبة: 17، الرواشح السماوية: 173-178، التعريفات: 11، علوم الحديث: 168-170، و غيرها.

***

ص: 356

مستدرك رقم: (126) الجزء الاول: 341 حجية المراسيل:

اشارة

و هي من المسائل الشائكة، ذات الأقوال العديدة، و الأدلة المتضاربة، و حيث لم أجد من أحصى الأقوال فيها من العامة و الخاصة، بادرت لعدّها مع الإشارة الى مصدرها و قائلها.

نعم ذكر من هذه الأقوال سبعة في علوم الحديث: 167، و في غيره عشرة، و غاية ما وجدته أحد عشر قد يوجد فيها المكرر، فلاحظ.

و لا يخفى ان نظرنا الى مرسل الثقة خاصة دون غيره، و ان كان يظهر من القول الرابع التعميم في نظرهم.

و هي انما تنفع عند الترجيح و التعادل في باب الروايات، و هو باب واسع.

القول الأول: حجية المرسل مطلقا - مقابل الأقوال الأخرى - و هذا ما ذكره المصنف قدس سره و هو أحد قولي أحمد، و ذهب اليه أبو حنيفة و جمع ممن شايعهم ممن ذكرهم المصنف رحمه اللّه. و نسبه العلامة في النهاية الى أكثر العامة، و الى محمد بن خالد البرقي من قدمائنا - كما حكى الاخير في معين النبيه: 9 - خطي - و استدلوا عليه بأنّ عدالة المرسل تمنع ان يروي ما لم يتحقق نسبته، و حكاه النووي في شرح المهذب عن كثير من فقهائهم أو أكثرهم. قال العراقي في الألفية:

و احتج مالك كذا النعمان *** و تابعوهما به و دانوا

كما في شرحها: 128/1، و كذا: 133/1، بل قيل إنه الأكثر في استعمال

ص: 357

أهل الحديث كما حكيناه عن كفاية الخطيب: 547، و انظر تعاليقنا على المتن، و حكاه ابن الصلاح في حاشية المقدمة: 130 عمّن سبق ذكره و فقهاء الحجاز و العراق. و يعد أوسع الأقوال، و ما بعده بعده.

القول الثاني: إنه حجة فيما لو أرسله أهل القرون الثلاثة الأولى لا ما إذا أرسله غيرهم، ذهب الى هذا بعض المحققين من الحنفية، و يعبر عن أهل القرون الثلاثة الأولى بأهل القرون الفاضلة، لما رووه عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من انه قال: خير الناس قرني ثم الذي يلونهم - و تردد الراوي بين كونه ذكر قرنين أو ثلاثة من القرون - ثم قال في ذيل الرواية: ثم يفشو الكذب، و في أخرى غير ذلك.

القول الثالث: يحتج به مطلقا و ان أرسله من بعد القرون الثلاثة و لم يكن ثقة. قال ابن جرير: أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل و لم يأت عنهم إنكاره و لا عن أحد من الأئمة بعدهم الى رأس المائتين، كما قاله الخطيب في الكفاية: 546-555. و يعني بمن أتى بعد التابعين الشافعي - الذي هو أوّل من ردّه على إطلاقه - كما سيأتي، و لعله يرجع الى القول الأول.

القول الرابع: يحتج بمرسل الثقة المتحرّي في روايته لا بمرسل غيره، قال ابن الصلاح في قواعده: 131: و لا خلاف انه لا يجوز العمل به إذا كان مرسله غير متحرز، يرسل عن غير الثقات.

القول الخامس: يحتج بمرسل سعيد بن المسيب فقط من التابعين و بمراسيل الصحابة دون غيرهم، و هذا قول مشهور بنسبته الى الشافعي و تبعه قوم، إلا أنهم اختلفوا في أنه هل هو بمعنى كون مراسيله حجة بخلاف غيرها من المراسيل - و ذلك لكونها فتشت فظهر أنها مسندة - أم أنها حجة عنده مطلقا، و الترجيح للشافعي بالمرسل و لا مانع فيه، كما يظهر من فتح المغيث: 140/1.

و قيل: خصوص مراسيل ابن المسيب لكونه أصح التابعين إرسالا فيما

ص: 358

زعموه.

و في هذا المقام تحقيق لابن الصلاح في حاشيته على مقدمته: 130 حقيق بالملاحظة، و كذا للبلقيني: في محاسن الاصطلاح: 138-141 - المطبوع ذيل المقدمة -.

القول السادس: يحتج بمراسيل كبار التابعين دون غيرهم مطلقا، قال الخطيب في الكفاية: 572: أما غير التابعين فلا نعلم من يقبل مرسله مطلقا.

و قيده بعضهم بما إذا انضمّ اليها ما يؤكدها، و إلا فلا يقبل.

و عن البيهقي - كما في حاشية المقدمة: 131 - قال: فالشافعي يقبل مراسيل الكبار من التابعين إذا انضمّ اليها ما يؤكدها و إلا لم يقبلها، سواء أ كانت مراسيل ابن المسيب أم غيره، فإذا لم ينضمّ الى مراسيل سعيد ما يؤكدها لم يقبلها، و إن انضم الى مراسيل غيره ما يؤكدها قبلها. ثم قال: و مزية سعيد انه أصح التابعين إرسالا فيما زعم الحفاظ.

أقول: يمكن عدّ الأخير قولا مستقلا في المسألة غير ما ذكرناه، فتدبّر.

القول السابع: يحتج بمراسيل الصحابة دون غيرهم مطلقا، قال في علوم الحديث: 168: و أكثر العلماء يحتجون بمراسيل الصحابة فلا يرونها ضعيفة. و هو قول متين على مبنى مشهور العامة الذين عدّلوا الصحابة قاطبة، بل قيل إنه لا مرسل للصحابة على الحقيقة، و ما اطلق تجوّز فيه: لاحظ التوضيح: 295/1. بل يظهر من عبارة بعضهم - كابن الحاجب و غيره من أئمة الأصول - ان المرسل:

قول غير الصحابي قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فانه يتناول ما لو كثرت الوسائط، و هو أضيق الأقوال عند من يحتج بالمرسل على حد تعبير السخاوي في شرح الألفية: 132/1. و حكي عن ابن برهان في الوجيز - كما نقله في الفتح:

147/1 ان مذهبه ان المراسيل لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة و مراسيل سعيد و ما انعقد الإجماع على العمل به. و هذا قول في حد ذاته.

ص: 359

القول الثامن: حجية مراسيل الصحابة إذا قالوا: حدثني رجل عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لا مطلقا.

القول التاسع: يحتج بالمرسل إن اعتضد و إلا فلا، حتى لو أرسله آخر، و لكن يلزم ان يعلم ان شيوخهما مختلفة، أو يكون العاضد عمل الأصحاب به.

جعله القاسمي في قواعد التحديث: 138-141 قولا ثالثا، و استدل له و استشهد مفصلا. قال ابن الصلاح في المقدمة: 136: حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر.

القول العاشر: قبول مرسل الصحابي و التابعي إذا عرف من عادته انه لا يروي إلا عن صحابي، نسبه البلقيني في حاشية المقدمة: 131 الى مختار بعض المحققين من المتأخرين.

القول الحادي عشر: يقبل المرسل إن لم يكن حديث سواه، سيما إذا كان دالا على محظور.

و قيل: ان لم يكن في الباب سواه.

و لعل قول الشيخ في عدة الأصول: 63 - من العمل بالمراسيل فيما إذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة، و نسبه الى الطائفة - يرجع الى هذا، و نظيره في علوم الحديث: 168.

القول الثاني عشر: الاحتجاج بالمرسل عند الاعتضاد، و انه أمر ندبي لا وجوبي!

القول الثالث عشر: لا يجوز الاحتجاج بالمراسيل الا مراسيل الصحابة و مراسيل سعيد و ما انعقد الإجماع على العمل به، حكاه في شرح الألفية: 147/1 عن ابن برهان في الوجيز.

القول الرابع عشر: المرسل أقوى من المسند!، و قد وجّهوه بأن من أسند فقد أحالك على إسناده، و النظر في أحوال رواته و البحث عنهم، و من أرسل - مع

ص: 360

علمه و دينه و أمانته و ثقته - فقد قطع لك بصحته و كفاك النظر فيه. و استدل له في حاشية المقدمة: 131 بان: الإمام لا يرسل الحديث الا مع نهاية الثقة به و الصحة.

و هو أليق بالدليل للقول السابع عشر الآتي، أو يكون قولا مستقلا.

و قد نقله الرازي في المحصول عن الأكثرين! كما قاله في التدريب:

198/1 و فتح المغيث: 133/1، و العراقي في شرح التنقيح: 164 - كما حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 134 - و وصول الأخيار: 173، لكن قد قيّده بعضهم بما لو لم ينضم الى الارسال ضعف في بعض رواته، و الا فهو أضعف من مسند ضعيف، و عليه فيكون مراسيل الثقة أرجح من مسانيده. و هو قول شاذ.

القول الخامس عشر: تعميم القول الخامس، و ذلك انه يحتج بالمرسل مع العلم بكون مرسله متحرزا عن الرواية من غير الثقة كابن أبي عمير من أصحابنا و سعيد بن المسيب من التابعين عند الشافعي و من تبعه، فيقبل ما أرسلاه و يكون في قوة المسند. قال في معين النبيه في شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه: 10 - خطي - و قيل: إن علم من حاله انه لا يرسل إلا عن الثقة قبل و إن روى عن غيره، و إلا فلا، كابن أبي عمير و صفوان بن يحيى و الصدوق المصنف [لأن كتابه في شرح رجال من لا يحضره الفقيه] عندنا.

القول السادس عشر: يحتج بالمرسل فيما اذا اعتضد بقول أكثر أهل العلم، و عاضده قول البارع المبرّز بالعلم. و هو كالقول الثامن إلا ان الاعتضاد هناك روائي، و كالقول الثاني عشر إلا انه هنا وجوبي و ذاك ندبي، فلاحظ.

القول السابع عشر: إن كان من يرسله من أئمة نقل الحديث ممن يشهد بذلك و يروي عنه الثقات و يعترف المشيخة بأنه شيخ جليل غلو في الثقة و الجلالة و صحة الحديث و ضبط الرواية قبل، و إلا لم يقبل، حكاه في الرواشح السماوية: 173 عن العامة.

و بعبارة أخرى: حجية مراسيل الأئمة منهم و جعلها كالمسندات أو اكثرها

ص: 361

كذلك! و هم لا يرسلون إلا ما صح! كذا قيل.

القول الثامن عشر: مختار أكثر الأخباريين منّا و شرذمة من الأصولين من الفريقين، و هو ما قاله الشيخ ياسين بن صلاح الدين في شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه: 10 - خطي - قال: و أنا أقول: إن نص العدل على صحته - أي الحديث المرسل - ينبغي قبوله مطلقا، و إلا فلا يقبل، إلا مع القرائن. فمراسيل المصنف - أي الشيخ الصدوق - رحمه اللّه مقبولة و قد نص على صحتها و حجيتها، و هي كثيرة في هذا الكتاب تزيد على ثلث الأحاديث المورودة [كذا] فيه...

و الكل معتمد لأنه حكم بصحته و اعتقد انه حجة بينه و بين ربه. ثم قال: فلا تغتر بمن رد حديثا منه بأنه لم يقف عليه مسندا و بأنه مرسل، فإن ما ذكره لا يقصر عن قول غيره ان هذا الحديث صحيح، بل و لا عن قوله إن رجاله ثقات، فليتدبّر.

القول التاسع عشر: ما عن التوضيح: 189/1 من ان: المرسل إذا أسند عن ثقات يتقوى و تنكشف صحته، اذ يجمع حينئذ صورتين؛ صورة الإرسال و صورة الإسناد، فإذا عارضهما مسند آخر كانا أرجح منه، لاعتضاد المرسل بالمسند المتصل الى منتهاه.

القول العشرون: ما ذكره ابن الأثير في جامع الأصول: 64/1 بقوله:

و المختار على قياس رد المراسيل، ان التابعي و الصحابي إذا عرف بصريح خبره أو بعبارته انه لا يروي الا عن صحابي قبل مرسله، و ان لم يعرف ذلك فلا يقبل لأنهم قد يروون عن غير الصحابي من الأعرابي الذي لا حجية له.

القول الحادي و العشرون: عدم حجية المراسيل مطلقا، ذهب الى هذا القاضي أبو بكر و قال: لا أقبل المرسل و لا في الأماكن التي قبلها الشافعي حسما للباب، بل نسبه في التقريب الى محدثيهم: 198/1. قال في شرح الألفية:

128/1:

ص: 362

و ردّه جماهر النقاد *** للجهل بالساقط في الإسناد

و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 140 حيث قال: و ما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل و الحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث و نقّاد الأثر، و تداولوه في تصانيفهم.

و نسبه المصنف قدس سره الى جمع منّا و منهم، بل قال: كثير من أصحابنا.

قال مسلم في صحيحه: 6/1: و المرسل - من الروايات - في أصل قولنا و قول أهل العلم بالأخبار ليس حجة. و قال في اختصار علوم الحديث: 52: استقر عليه حفّاظ الحديث و نقّاد الأثر و تداولوه في تصانيفهم. و احتج له البغدادي في الكفاية:

568 بقوله: و لو كان المرسل من الأخبار و المتصل سيان لما تكلف العلماء طلب الحديث بالسماع، و لما ارتحلوا في جمعه، و لا التمسوا صحته. و البلقيني في محاسن الاصطلاح - حاشية المقدمة -: 130 نسبه الى الشافعي و إسماعيل القاضي و عامة أهل الحديث و أصحاب الأصول و أصحاب النظر كافة الى ترك الاحتجاج به، و ذكر غيرهم، مع ان المعروف عن الشافعي خلافه، كما مرّ.

هذه جملة الأقوال التي وجدناها، و لعله يمكن المناقشة في تداخل بعضها لو لا بعض القيود، و المشهور منها أولها و آخرها، و المرسل عن الثقة قول معروف عندهم، و لم نتعرض لردّها و لا لمناقشتها لأنه يعرف ذلك من مطاوي المتن.

239 فائدة: قد ألّفت في هذا الفن رسائل خاصة عند الفريقين

منها ما ذكرها شيخنا الطهراني في الذريعة: 275/6 برقم 1499 للسيد علي شاه بن صفدر شاه الرضوي الكشميري المتوفى بلكنهو سنة 1269 ه.

***

ص: 363

مستدرك رقم: (127) الجزء الاول: 353 كلام الشيخ في العدة و مناقشته:

قد مرّت عبارة الشيخ في العدة في المتن و علقنا عليها، و هي حجة فيما إذا كان المعتبر حصول الظن بعدالة الواسطة، و لا إشكال في حصولها بعد الذي عرفت من نقل جماعة الاتفاق على العمل بمراسيلهم، و تصريح آخرين من كونهم لا يرسلون إلا عن ثقة، و إن كان المعتبر اخبار العدل أو شهادة العدلين - البيّنة - أو خصوص التصريح بالثقة أو غير ذلك.

و قد ناقش السيد الخوئي دام ظله - كما في قواعد الحديث: 67 - عبارة الشيخ في العدّة، بأنّ ظاهر كلام الشيخ انه اجتهاد في دعواه ان اولئك لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة، و ان الطائفة قد سوّت بين مراسيلهم و مسانيدهم، و ليس هذا شهادة منه بوثاقة من يروون عنه، و انما هو استعلام من حالهم بحسب اجتهاده، فليس هو بحجة في حقّنا.

هذا و قد علّل قوله ان سبب كون مراسيلهم كمسانيدهم هو انهم لا يرسلون عن غير الثقة، و لم ينقل هذا عن الطائفة. فتأمل.

اقول: ينحل كلام الشيخ قدس سره في العدة الى قولين:

الأول: و هو ما نسبه الى الطائفة؛ و هي التسوية بين مراسيل الثلاثة و مسانيد غيرهم.

الثاني: تعليل ذلك بأنهم لا يرسلون عن غير الثقة. و هذا غير منقول من الطائفة، بل هو اجتهاد محض. و قد بسط الكلام في قواعد الحديث: 68 فلاحظ.

ص: 364

و قد ناقش هذا المبنى الشيخ النوري في خاتمة مستدركه: 758/3 و عدّه من الخطأ المحض! و ان نظر الشيخ الطوسي الى أصحاب الإجماع، و ان أولئك لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة، و لازم ذلك قبول مراسيلهم جميعا. قال: إلا ان المنصف المتأمل في هذا الكلام لا يرتاب في أن المراد من قوله: من الثقات الذين.. الى آخره أصحاب الإجماع المعهودين، إذ ليس في جميع ثقات الرواة جماعة معروفون بصفة خاصة مشتركون فيها ممتازون بها عن غيرهم غير هؤلاء.

فان صريح كلامه ان فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة، و لا تجد في كتب هذا الفن من طبقة الثقات عصابة مشتركين في فضيلة غير هؤلاء.

و إثبات مثل هذه الدعوى مشكل، و احتمال إرادة الشيخ لها بعيد، و اللّه العالم.

أقول: إن المستفاد من كلام الشيخ الطوسي قدس سره هو بيان كبرى كلية و هي: ان كل من أحرز كونه لا يرسل إلا عن ثقة و كان ثقة تقبل مراسيله و تعدّ كمسانيده، و بيّن باجتهاده بعض المصاديق، فتدبّر.

و سيأتي لنا تتمة للبحث في ألفاظ المدح في قولهم: أجمعت العصابة..

فلاحظ.

***

ص: 365

مستدرك رقم: (128) الجزء الاول: 364 المراسيل الخفي ارسالها و المزيد في متصل الاسانيد:

عدّت كتب الدراية عند العامة غالبا فنا من فنون علم الحديث سمته:

المراسيل الخفي إرسالها، و يقال له: خفي الإرسال، أو المرسل الخفي، أو المزيد في متصل الإسناد أو الاسانيد على قول، و قيل: هما اثنان كما هو الحق، و مرّ الأخير مستدركا، و قد جعله في التقريب و تبعه في التدريب: 205/2 النوع الثامن و الثلاثين ثم قال: هو فنّ مهم عظيم الفائدة يدرك بالاتساع بالرواية و جمع الطرق للأحاديث مع المعرفة التامة، و للخطيب فيه كتاب سمّاه: التفصيل لمبهم المراسيل. و قد تبع فيه ابن الصلاح في المقدمة: 420 حيث عدّه كذلك، و نصّ بذلك. و قال السخاوي في شرحه لألفية العراقي: 79/3 في معرض كلامه في أهمية هذا الفن..: و لم يتكلم فيهما - أي خفي الإرسال و المزيد في متصل الإسناد حيث هما عنده اثنان - قديما و حديثا الا نقاد الحديث وجها جهابذته، ثم قال: و هما متجاذبان.

و على كل، فهذا فن من علوم الحديث صعب، قلّ ما يهتدي اليه إلا المتبحر في هذا العلم - كما قاله الحاكم في معرفه علوم الحديث: 25 -.

و أصل الإرسال ظاهر، كرواية الرجل عمّن لم يعاصره، أما الخفي و هو ما أدرك إرساله لعدم اللقاء لمن روى عنه مع المعاصرة، أو لعدم السماع مع ثبوت اللقاء، أو لعدم سماع ذلك الخبر بعينه مع سماع غيره. قال السخاوي تبعا لشيخه ابن حجر: الانقطاع في اي موضع كان من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا،

ص: 366

و كذا لو التقيا و لم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص، و بهذا يباين التدليس و المرسل المطلق. كما صرح بالأخير المصنف رحمه اللّه.

و قد عدّه ابن الملقن في التذكرة في علوم الحديث: 15، قسما براسه، و علق محقق الكتاب (علي حسن علي عبد الحميد) في الحاشية بقوله: و هو الذي فيه انقطاع في أي موضع كان من السند، بين راويين متعاصرين لم يلتقيا، أو التقيا و لم يقع بينهما سماع.

ثم انه يعرف كل هذا اما بنص بعض الأئمة عليه، أو بوجه صحيح كاخباره عن نفسه بذلك في بعض طرق الحديث و.. نحو ذلك. و منهما يحكم بإرساله لمجيئه من وجه آخر بزيادة شخص بينهما، و قد ذكر له في فتح المغيث:

79/3-82 أمثلة كثيرة و أقساما.

قال في المقدمة: 420-421: و المذكور في هذا الباب؛ منه ما عرف فيه الإرسال بمعرفة عدم السماع من الراوي فيه أو عدم اللقاء.. و مثّل له ثم قال:

و منه ما كان الحكم بإرساله محالا على مجيئه من وجه آخر بزيادة شخص واحد أو أكثر في الموضع المدعى فيه الإرسال.. ثم استشهد له.

و ألحق بهذا ما لو كانت هناك زيادة اسم راو يتوسط في السند بين الراويين اللذين كان يظن الاتصال بينهما مما يظهر الإرسال الخفي في الرواية التي لم يذكر فيها، ان كان حذف الاسم الزائد وقع بصيغة «عن» و «قال» و.. نحوهما مما ليس صريحا في الاتصال في السند الذي بدونه ورد ذلك.

أقول: هذا أشبه بالمزيد من وجه و بالمدلس من جهة أخرى، و لا وجه لإفراده بالذكر. و قد قيل في المزيد في متصل الأسانيد - عند من أفرده - ان لو كان حذف الزائد بتحديث أو اخبار أو سماع أو غيرها مما يقتضي الاتصال؛ فالحكم للإسناد الخالي عن الاسم الزائد، لان مع راويه كذلك زيادة و هي إثبات

ص: 367

سماعه المحكوم فيه بكون الزيادة غلطا من راويها أو سهوا أو باتصال السند الناقص بدونها، و ذكرت له أمثلة.

هذا كله مع احتمال كون الراوي قد حمله عن كل من الراويين. و كما للخطيب البغدادي في الأول كتاب، كذا له تصنيف في هذا سمّاه: المزيد في متصل الأسانيد.

و قد استدركنا في مستدرك رقم (135) الفرق بين الإرسال الخفي و التدليس، فلاحظ.

***

ص: 368

مستدرك رقم: (129) الجزء الاول: 366 تعارض الوصل و الإرسال:

لو اختلف في حديث بأن رواه بعضهم مرسلا و الآخر موصلا، و كان ثقة ضابطا، سواء أ كان المخالف له واحدا أم أكثر، أحفظ منه أم لا، أخذ بالثقة هنا على الأظهر كما قال به الأكثر، و قد فصلّنا القول في هذا في مستدرك رقم (90):

زيادات الثقات، فلاحظ.

و على كل فقد اختلف أهل الحديث في انه ملحق بالموصول أو المرسل، قال الخطيب: و لعل المرسل مسند عند الذين رووه مرسلا أو عند بعضهم إلا انهم أرسلوه لغرض أو نسيان. و نسب البلقيني في محاسن الاصطلاح: 143 - ذيل المقدمة - الى الخطيب انه قال: أكثر أهل الحديث يرون الحكم للمرسل.

و قيل: حكم بالإرسال ان كان من ثقة! و ذكر في وجهه ان سلوك غير الجادة دالّ على مزيد التحفظ، كما قاله النسائي، و نسبه الى الأكثر، و ذهب اليه الخطيب. و وجّهه آخرون بان الإرسال نوع قدح في الحديث فترجيحه و تقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل.

و قيل: ثالثا: ما قاله الأكثر من الأخذ بالأكثر من وصل أو إرسال، لأن تطرق السهو و الخطأ على الأكثر أبعد.

و قيل رابعا: المعتبر ما قاله الاحفظ من وصل أو ارسال، و لا يقدح في عدالة من أسند إذا كان المرسل أحفظ. و قيل يقدح في مسنده و أهليته، كما قاله البلقيني في محاسن الاصطلاح: 143، و ابن الصلاح في المقدمة: 163 و غيرهم.

ص: 369

و قيل خامسا: ما ذهب اليه السبكي من القول بالتساوي.

و قيل سادسا: الحكم لمن أسنده اذا كان عدلا ضابطا، و ان خالفه غيره واحدا كان أو جماعة، و صححه الخطيب. قال في محاسن الاصطلاح: 143: و هو الصحيح في الفقه و أصوله. و قد تبع في قوله: ابن الصلاح في المقدمة: 163 و 191، و قارن بمحاسن الاصطلاح نفس الصفحة من المقدمة.

و قيل سابعا: من أسند حديثا قد أرسله الحفّاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده و في عدالته و أهليته.

كل هذا ظاهر فيما لم يكن ترجيح، و الا فلو كان ثمّة ترجيح لدار مداره فيرجّح الوصل تارة و الإرسال أخرى و ذلك بملاحظة الموارد الجزئية، بل ترد جميع هذه الأقوال مع عدم قرائن مرجحة لأحد الطرفين.

و لاحظ ما ذكرناه في مستدرك (149) تذنيب الفصل.

***

ص: 370

مستدرك رقم: (130) الجزء الاول: 366 فوائد (حول المرسل):

240 الاولى: قال في وصول الأخيار: 173: رجح أكثر العلماء المسند على المرسل،

و بعضهم عكس و قال إن المرسل لم يرسله راويه إلا بعد جزمه، بخلاف المسند فإن راويه قد لا يجزم بصحته و يحيل أمره على سنده، و الأول أقوى.

نعم إن كان مرسله لا يرويه إلا عن ثقة فلا ترجيح. و لهذا سوى أصحابنا بين ما يرسله محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و البزنطي و بين ما يسنده غيرهم - كما قيل -.

241 الثانية: هناك اصطلاح عند العامة هو: مرسل الصحابي.

و يراد به ما يرويه صغار الصحابة - كابن عباس و عبد اللّه بن عمر و غيرهما - مما لم يسمعوه من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو لم يشاهدوه أو لم يحفظوا عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) إلا اليسير بل نقله غيرهم لهم، فهو من المرسل إن أهملوا ذكر الواسطة. و قد حكم الأكثر بل قطع الجمهور من العامة - على حد تعبير صاحب التدريب: 207/1، و ابن الصلاح في المقدمة: 142 - و أطبق عليه المحدثون المشترطون للصحة في الحديث و المضعّفون للمرسل منه بصحته و انه بحكم الموصول المقتضي للاحتجاج به - على قول السخاوي في فتح المغيث: 146/1 - و ذلك على مبنى العامة من كون الصحابة عدولا و جهالتهم لا

ص: 371

تضر! على حد قول صاحب اختصار علوم الحديث: 53، و في صحاحهم ما لا يخفى منه، و ذهب الأسفرايني - ممن نعرف منهم - الى عدم الاحتجاج بمرسل الصحابي الا ان يبين، و حكى ابن كثير عن ابن الاثير و غيره ان فيه خلافا، و كذا البلقيني في محاسن الاصطلاح ذيل المقدمة: 142 عن جمع منهم.

كل هذا عندنا باطل، فان الموقوف و المقطوع لا يحتج به، سواء أ كان من صحابي أم غيره كما هو ظاهر، و قد مرّ.

242 الثالثة: قال في الرواشح: 171: و في حكم الارسال ابهام الواسطة

ك «عن رجل» و «عن بعض اصحابه» و نحو ذلك، فاما: عن بعض اصحابنا مثلا فالتحقيق انه ليس كذلك، لان هذه اللفظة يتضمن [كذا] الحكم له بصحة المذهب و استقامة العقيدة، بل انها في قوة المدح له بجلالة القدر.. الى آخره.

و سيأتي الكلام عنها في ألفاظ المدح.

إلا انه استشكل في شرح المفاتيح - كما حكاه في نهاية الدراية: 50 -: على هذا. و الحق ان هنا خلطا بين المرسل و المجهول. و سنأتي عليه. و إن كان يظهر من كلام ثاني الشهيدين الوحدة بينهما في تعريف المرسل، و ادعى انه مذهب اصحابنا.

243 الرابعة: هل يختص الارسال بالعدل ام لا؟

قال في المفاتيح - كما حكاه في نهاية الدراية: 50 المستفاد من النهاية و المنية و المهذب البارع و المعالم و غاية المبادي و شرح العضدي و شرح ابن التلمساني و شرح الشرح للاصفهاني و المحكي عن الاحكام اختصاص الارسال بالعدل، و ان غير العدل اذا قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع بعد زمانه عن زمن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و عدم دركه اياه لا يكون مرسلا، و يستفاد

ص: 372

من المعتبر و شرح المبادي و الذكرى و التنقيح و الدراية و الوجيزة و غيرها انه مرسل.

و الاخير هو الأظهر المشهور و المتداول على الالسنة، فتدبّر.

244 الخامسة: قال والد الشيخ البهائي في درايته: 95 التراث: 108:

ليس من المرسل عندنا ما يقال فيه عن الصادق عليه السّلام قال قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم.. كذا، بل هو متصل من هذه الحيثية، لما ننبّه ان شاء اللّه.

اقول: الوجه في ذلك واضح، و مرجعه لأمور:

الأول: عدم وجود جهالة بحال المحذوف، أو احتمال للضعف فيه.

الثاني: حجية قول المعصوم عليه السّلام مطلقة و عامة.

الثالث: الروايات الكثيرة عندنا عنهم صلوات اللّه و سلامه عليهم من انهم قالوا: كل ما رويناه فانما نرويه عن آبائنا عن جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن جبرئيل عن الباري عزّ اسمه، كما جاء في الكافي الشريف باسناده عن جماعة قالوا: سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: حديثي حديث أبي، و حديث ابي حديث جدي، و حديث جدي حديث الحسين، و حديث الحسين حديث الحسن، و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين، و حديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قول اللّه عز و جل. الكافي: 53/1، الوسائل 58/18.

و في الوسائل: 69/18 عن مجالس المفيد: باسناده عن جابر قال قلت لابي جعفر عليه السّلام: اذا حدثتني بحديث فاسنده لي. فقال: حدثني أبي عن جدي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن جبرئيل عن اللّه تبارك و تعالى، و كلما احدثك بهذا الاسناد.

و بهذا المضمون روايات عديدة.

ص: 373

و غير خفي ان نسبة المعصوم عليه السّلام كلامه الى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أو اسناده له (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) نوع من التضعيف للسائل اذا طالب به، أو مشعر بنوع تقية، فاغتنم.

245 السادسة: كبير الصحابة:

مصطلح يراد به من لقي جمعا من الصحابة و جالسهم، و كانت جلّ روايته عنهم، و الصغير من الصحابة هو من لم يلق منهم الا العدد اليسير أو لقى جماعة الا ان جلّ رواياته عن التابعين، و مثّل له بابن عباس و ابن الزبير و نحوهما ممن لم يحفظ عن النبي صلوات اللّه عليه و آله الا اليسير.

246 السابعة: قد جعل الاسترآبادي في كتابه لب اللباب: 13 - حسب ترقيمنا من الخطية -

مبدأ القسمة للخبر غير المتواتر و غير المتظافر و غير المحفوف بالقرائن القطعية - كما مرّ - على قسمين: المرسل و المسند.

ثم عرّف المرسل ب: ما لم يعلم سلسلته باجمعها الى المعصوم عليه السّلام لعدم التصريح بالاسم و ان ذكر بلفظ مبهم كبعض اصحابنا، ثم قال: فان سقطت باجمعها أو سقط من آخرها واحد فصاعدا فمرسل خاص، و ان سقط من اولها واحد فصاعدا فمعلق، و ان سقط من وسطهما واحد فمقطوع و منقطع، و ان سقط من وسطها اكثر من واحد فمعضل، ان لم يشتمل على لفظ الرفع، و الا فمرفوع، و كذا ان كان ذلك في الآخر. هذا ان اسند الى المعصوم عليه السّلام، و اما اذا روى عن صاحبه من غير ان يسنده اليه فيسمى موقوفا، و هو ايضا داخل في المرسل العام، لعدم العلم بالسلسلة الى المعصوم عليه السّلام.

247 الثامنة: قيل: المرسل له مراتب.

اعلاها ما ارسله صحابي ثبت سماعه، ثم

ص: 374

صحابي له رؤية فقط و لم يثبت سماعه، ثم المخضرم، ثم المتقن كسعيد بن المسيب، و يليها من كان يتحرى في شيوخه كالشعبي و مجاهد، و دونهما مراسيل من كان يأخذ عن كل احد كالحسن. و اما مراسيل صغار التابعين كقتادة و الزهري و حميد الطويل فان غالب رواية هؤلاء عن التابعين. لاحظ علوم الحديث - صبحي الصالح -: 70-169، و قواعد التحديث: 6-125، و فتح المغيث: 148/1 و غيرها.

248 التاسعة: قال السخاوي في شرح الألفية: 132/1:..

الا ان اكثر ما يوصف بالارسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)، و امّا ما رواه تابع التابعي فيسمونه: المعضل، بل صرح الحاكم في علومه بان مشايخ الحديث لم يختلفوا انه هو الذي يرويه المحدث باسانيد متصلة الى التابعي ثم يقول التابعي قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و وافقه غيره على حكاية الاتفاق.

249 العاشرة: طالما كان ديدن القدماء من محدثينا و محدثي العامة على قطع الاحاديث بالارسال و نحوه،

و هو مكروه بلا شك اذا كان اختياريا، أو لم يكن له سبب مسوغ كنسيان أو اختصار أو قرينة حالية أو مقالية كاشفة عن الاسناد، و حكى في وصول الأخيار: 95 [التراث: 108] القول بالحرمة، و لم اجد له قائلا.

و قد يستشم لما قلناه من الحكم بما رواه الكليني اعلى اللّه مقامه باسناده عن الصادق عليه السّلام انه قال: إيّاكم و الكذب المفترع (خ. ل: المخترع) قيل له: و ما الكذب المفترع (خ. ل: المخترع)؟ قال: ان يحدثك الرجل بالحديث فتتركه و ترويه عن الذي حدثك عنه. الكافي: 52/1، الوسائل: 57/18.

و فيه أيضا عنه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اذا حدثتم بحديث فاسندوه الى الذي حدثكم، فان كان حقا فلكم، و ان كان كذبا

ص: 375

فعليه. الكافي: 52/1 و غيرها.

250 الحادية عشرة: صرح المرحوم الدربندي في المقابيس: 74 - خطي - ان ارسال مثل علي بن اسباط نظير مراسيل بن ابي عمير و نظرائه..

و سنأتي على عدّ جمع ممن قيل في حقهم ذلك. و قد تعرض السيد الخوئي في معجمه: 75/1 الى رواية صفوان و اضرابه ممن قيل انهم لا يروون الا عن ثقة، و عليه فيؤخذ بمراسيلهم و مسانيدهم و ان كانت الواسطة مجهولة أو مهملة، و سنفصل البحث فيهم فيما بعد.

251 الثانية عشرة: قال المحقق الكاظمي في التكملة: 6/2-325 تحت عنوان: تذنيب:

يظهر من كلام بعض الفقهاء ان كل ثقة لا يرسل و لا يروي الا عن ثقة، كما يظهر من كلام الشهيد في الذكرى فيما ذكره في ترجمة ابن الجنيد، و من التنقيح فيما ذكره في ترجمة الشيخ و ابن أبي عقيل. و عند الاخبارية ان المحمدين الثلاثة لا يروون الا الخبر الصحيح على طريقة ابن أبي عمير و أضرابه.

ثم قال: و قد تكرر الرّد عليهم - اي الاخبارية - في ديباجة الكتاب و في غيرها.

252 الثالثة عشرة: قال ابن الصلاح في المقدمة: 6-135: اذا قيل في الاسناد: فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان.. أو نحو ذلك،

فالذي ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث انه لا يسمى مرسلا بل منقطعا، و هو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل.

253 الرابعة عشرة: مراسيل صغار التابعين - كالزهري و يحيى بن سعيد الانصاري.. و نظائرهما - لا يعدّ مرسلا عند قوم،

كما حكاه ابن عبد البر، بل منقطعا، لروايتهم

ص: 376

غالبا عن التابعين، كما قاله ابن الصلاح في المقدمة: 133، ثم قال: 134:

و المشهور التسوية بين التابعين في اسم الارسال.

254 الخامسة عشرة: قال في علوم الحديث: 170: المرسل اذا اسند عن ثقات يتقوى و تنكشف صحته، اذ يجمع حينئذ صورتين:

صورة الارسال و صورة الاسناد، فاذا عارضهما مسند آخر كانا ارجح منه لاعتضاد المرسل بالمسند المتصل الى منتهاه، و سبقه في قواعد التحديث: 125 و غيره.

255 السادسة عشرة: بعد ان عرف ابن الاثير في جامع الاصول: 4/1-62 المرسل - بقوله:

هو ان يروي الرجل حديثا عمّن لم يعاصره - قال: و له بين المحدثين انواع و اصطلاح في تسمية انواعه، فمنها: المرسل المطلق، و هو ان يقول التابعي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.. و منه قسم يسمى: المنقطع، قال الحاكم: و قلّما تجد من يفرق بينهما، ثم قال: و منه قسم يسمى: المعضل.

***

ص: 377

مستدرك رقم: (131) الجزء الاول: 375 أهمية علل الحديث و من الّف فيها:

طالما اهتم اعاظم العلماء بفن علل الحديث اهتماما كبيرا، مما حدا بهم الى جمع الطرق و لقاء الشيوخ و المذاكرة في الحديث و السماع و العرض و المقابلة لمعرفة القوي من الضعيف و المعلل من غيره، و قد تكلم في علل الحديث اكابر العلماء قديما و حديثا، و بينت علل الاحاديث و كيفية معرفتها - كما ذكره في نشأة علوم الحديث: 209 -.

و قال ابن الصلاح في المقدمة: 194: اعلم ان معرفة علل الحديث من اجلّ علوم الحديث و ادقّها و اشرفها، و انما يضطلع بذلك اهل الحفظ و الخبرة و الفهم الثاقب...

و في اوائل القرن الثالث بل في اواخر القرن الثاني افرد علم علل الحديث بالتصنيف تجميعا للنصوص، ثم بدئ التبويب سواء في الابواب أم المسانيد، و دخل علم الرجال في بيان العلة في الراوي و بيان حاله حفظا و ضبطا، و قوة و ضعفا. و قد حوى هذا العلم كثيرا من فنون الحديث من بيان المشترك و المشبّه و المشيخة و غيرها، و جاءت له اسماء عدة منها: الرجال و العلل، التاريخ و العلل و غير ذلك، كل من زاوية معينة. و هذه هي العلة باصطلاح القدماء.

و قد جمعت الاخبار المعلّلة كما في علل الشرائع للشيخ الصدوق، الناظر الى علل الاحكام - كما لا يخفى - المعبّر عنها اصطلاحا ب «الحكمة» للحديث.

كما و قد صنف في علل الحديث جماعة من الحفاظ و المحدثين من العامة

ص: 378

مصنفات مستقلة، و من اقدم ما وصلنا من هذه المصنفات - كما قاله في اصول الحديث: 296 - كتاب التاريخ و العلل ليحيى بن معين (158-233 ه)، و كتاب علل الحديث لاحمد بن حنبل (164-241 ه). و آخر لمسلم بن الحجاج القشيري المتوفى سنة 261 ه، و من اجمع ما وصلنا بعد ذلك كتاب علل الحديث لعبد الرحمن بن أبي هاشم الرازي (240-327 ه) و لعل اجمع منه هو كتاب: العلل الواردة في الاحاديث النبوية، رتّبه على المسانيد في اثني عشر مجلدا لابي الحسن علي بن عمر الدارقطني (306-385 ه) قال عنه في التدريب: اعجز من يريد ان يأتي بعده، جمعه البرقاني تلميذه. و لابي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحاكم النيشابوري المتوفى سنة 505 ه كتاب في العلل، ذكره و غيره في كشف الظنون:

2 /عمود 1160 و غيره.

و عن السيوطي: أجلّ كتاب عند العامة في الموضوع كتاب العلل لعلي بن المديني شيخ البخاري حكاه عن البلقيني.. و غير هؤلاء كثير كالبخاري و ابن أبي شيبة و الساجي و ابن الجوزي و ابن أبي حاتم و الترمذي.. و غيرهم.

لاحظ: معرفة علوم الحديث: 112، علل الحديث: 10، أصول الحديث:

292، اختصار علوم الحديث: 70، علوم الحديث: 181، تدريب الراوي: 254/1 و 258، فتح المغيث: 217/1، و غيرها.

***

ص: 379

مستدرك رقم: (132) الجزء الاول: 376 فوائد (حول المعلول):

256 الاولى: يستحب لمن روى الحديث معلولا ان يبين وجه علته، و إخفاؤها عمدا نوع من التدليس،

و لعله يحرم ان لزم منه تغيير الحكم و حقيقته.

257 الثانية: قولهم: هذا حديث معلول بفلان، قد يراد منه علة قادحة في الحديث من نوع المعلل المصطلح عليه،

و الغالب لا يقصد ذلك منها، بل يراد السبب الخفي الظاهر الجارح للراوي نفسه كضعف الحافظة أو التدليس أو الكذب و غيرها، و هذا غير السبب الخفي الغامض المشترط في المعلول.

و المعلول ليس هو المردود و لا يشمله، فالمنقطع مثلا ليس معلولا، و كذا ما روته المجاهيل أو المجروحون، و صيرورته معلولا فيما لو آل أمره الى ذلك.

258 الثالثة: فرّق في معرفة علوم الحديث: 113 بين المعلول و الشاذ،

بان المعلل ما يوقف على علّته انه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو، أو ارسله واحد فوصله و اهم و غيره.

259 الرابعة: طريق معرفة المعلل،

هو جمع طرق الحديث و الفحص عنها بتفرد الراوي و بمخالفة غيره له ممن هو احفظ و اضبط أو اكثر عددا مع قرائن اخر تضمّ الى

ص: 380

ذلك، و النظر في اختلاف رواته و ضبطهم و اتقانهم. قال في التدريب: 253/1 و كثر التعليل بالارسال للموصول بان يكون راويه اقوى ممن وصل. و لا شك في لزوم الحيطة هنا من عدم اللبس في جعل ما ليس بعلة علة.

قال في المقدمة: 5-194: و يستعان على إدراكها بتفرد الراوي و بمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم الى ذلك تنبّه العارف بهذا الشأن على ارسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم و اهم لغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه. ثم قال: و كل ذلك مانع في الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه. ثم حكى عن الحاكم قوله: السبيل الى معرفة علّة الحديث ان يجمع بين طرقه و ينظر في اختلاف رواته، و يعتبر بمكانهم من الحفظ و منزلتهم في الإتقان و الضبط.

260 الخامسة: لعل من المهم التنبيه هنا على ما وقع فيه غالب المصنفين في الدراية من اللبس بين العلة بمعنى المرض و العلة بمعنى السبب،

فما اعتبره العامة في حجية الخبر من سلامته عن العلة و الشذوذ، و فسرناها سابقا بما يقدح في الخبر من الامور الخفية انما هي العلة - بالكسر - بمعنى المرض، و قولهم: خبر معلل يراد منه العلة بهذا المعنى. و العلة بمعنى السبب فيقال التعليل اي تبيين علّة الشيء.

و هي في هذا الفن كثيرا ما تطلق و يراد بها هذا، كما في الاحاديث المعللة اي أنّ الحكم يرد مصحوبا بعلة تشريعه و بيان سببه، و دواعي التشريع من قبل المشرع، و مصالح الحكم و مفاسده النافية له من ان يكون عبثا أو لغوا و جزافا، سواء أثبت لنفس التشريع أم لمتعلقه - أي المكلف به -، و هذه تسمى ب: علل الاحكام - اي الاسباب الداعية اليه - و يقال لها: مناطات الاحكام - لاناطة الشارع حكمه بها، و تعليقه عليها -، و تعرف ب: ملاكات الاحكام - اذ ملاك الشيء قوامه - هذا بملاحظة مقام الثبوت و الواقع.

ص: 381

اما في مقام الاثبات فان الادلّة الشرعية وردت غالبا مجردة عن ذكر العلّة و الداعي للتشريع، و نادرا ما تأتي مقرونة بها، و عليه يبحث عن دليلية الدليل مجردة عن العلّة، و عنه مقرونا بها، و ترد هنا ابحاث العلّة المستنبطة و القياس و العلّة المنصوصة و غير ذلك من الابحاث الاصولية الاجنبية عن الدراية و ابحاثها، و ان تعرض لها تفصيلا في قواعد الحديث: 233-252، فلاحظ.

و الحاصل؛ ان التدبّر فيما ذكرنا يظهر بملاحظة ما وقع القوم فيه من الخلط بين المعنيين، كما ان الكتب المصنّفة و ان ادرجتهما هنا معا الا انها تنقسم الى هذين القسمين أيضا تصنيفا.

261 السادسة: قد يعلّ اهل الحديث الرواية بكل جارح ظاهر كفسق في راويه أو كذب أو غفلة أو نوع جرح فيه كسوء حفظ أو عدم ضبط أو كثرة سهو و نحو ذلك من الامور الوجودية

التي يأباها كون العلّة خفية، و قد صرّح غير واحد - كالحاكم - بامتناع الاعلال بالجرح و نحوه. فإن حديث المجروح ساقط واه و لا يعلّ الحديث الا بما ليس للجرح فيه مدخل.

قال الطيبي في الخلاصة: 70: و اعلم انه قد يطلق اسم العلة على غير ما قدمناه كالكذب و الغفلة و سوء الحفظ و نحوها ثم قال: و سمى الترمذي النسخ:

علة.

262 السابعة: يقال: معلول صحيح، أو معلول متفق على صحته - أي لا علة فيه -

و يختلف النظر فيها للاختلاف في استجماع شروطها، و هذا نظير قولهم: حديث صحيح شاذ، فان الاعلال كالشذوذ يقدح في الاحتجاج لا في التسمية، كما اشير له في محله و نبّه عليه في شرح الألفية: 218/1 و غيره.

أقول: صرح غير واحد بان بعضهم اطلق اسم العلّة على ما ليس بقادح

ص: 382

من وجوه الخلاف، اي مخالفة لا تقدح نحو ارسال من ارسل الحديث الذي اسنده الثقة الضابط، و من هنا جاء في اقسام الصحيح قولهم: صحيح معلول أو معلل، و قال آخر: من الصحيح ما هو صحيح شاذ.

و منهم - كالحاكم - جعل معرفة علل الحديث علما برأسه غير الصحيح و السقيم و الجرح و التعديل، و تبعه من جاء بعده غالبا.

263 الثامنة: قال المرحوم الدربندي في درايته: 12 - خطي -:..

و اما المثال لذلك من طريقتنا فهو ما ورد من مضمرة علي بن الحسين بن عبد ربه الدالّة على كراهة الاستنجاء و لو باليد اليسرى اذا كان فيها خاتم و الفص من حجر زمزم، فالصحيح - كما قاله الشهيد رحمه اللّه، و في نسخة من الكافي - ايراد هذه الرواية بلفظ: من حجارة زمرد، قال: و سمعناه مذاكرة. ثم قال: ثم ان من ضروب العلّة في المتن فقط كون الحديث مضطرب المتن دون الاسناد. و قال: ثم ان الندس النطس و الحاذق المتحدس المتتبع يجد العلّة في اخبار كتابي التهذيب و الاستبصار متنا و اسنادا غير نادرة.

***

ص: 383

مستدرك رقم: (133) الجزء الاول: 376 الاقسام الاخرى للتدليس:

اشارة

يظهر من مطاوي كلمات علماء الدراية ان هناك انواعا اخر من التدليس غير ما ذكره المصنف قدس سره، و اختلف في ان بعضها قسم لما مرّ أو قسيم له، نذكرها درجا مجملا.

الاول: تدليس القطع:

و هو ما لو أسقط اداة الرواية مثل «قال» أو «عن» أو «ان»، و سمى الشيخ فقط و نوى القطع، فقال: و فلان - اي حدث أو قال فلان - ثم يسكت و ينوي القطع، ثم يقول عن فلان، كذا يظهر من مطاوي كلام ابن حجر في شرح النخبة.

و عليه فهو ضربان كما صرح به السخاوي في شرح ألفية الحديث:

173/1.

الثاني: تدليس العطف:

زاد هذا شيخ الاسلام - كما ذكره السيوطي في تدريب الراوي: 226/1 - و مرادهم منه: هو أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، و يكون قد سمع من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الاول بالسماع و يعطف الثاني عليه، فيوهم انه حدث عنه بالسماع أيضا، و إنما حدث بالسماع عن الأول.

و بعبارة اخرى: ان يصرح بالتحديث من شيخ له و يعطف عليه شيخا

ص: 384

آخر له و لا يكون سمع ذلك المروي منه سواء اشتركا في الرواية عن شيخ واحد ام لا. و عليه فانه هنا لم يسمع من الثاني المعطوف، و المشهور تسمية هذا تدليسا، مع ان الحق كونه كذبا، كما في معرفة علوم الحديث: 173، و علوم الحديث: 176 و غيرهما، و قد خلط السيوطي بين هذا و الذي قبله، فراجع.

الثالث: تدليس السكوت:

كأن يقول سمعت أو حدثنا أو حدثني ثم يسكت ثم يقول فلان موهما انه قد سمع منه مع انه لم يصح له سماع منه.

أقول: لعله يرجع الى تدليس القطع، فتأمّل.

الرابع: تدليس البلاد:

و أوّل من اصطلحه ابن حجر - صفحة 115 من شرح النخبة - و ألحقه بتدليس الشيوخ، و عدّه السيد الداماد في الرواشح: 186 قسما ثالثا - الاسناد و الشيوخ و البلاد - فقال: ما يقع في مكان الرواية مثل سمع فلانا وراء النهر، و حدثنا بما وراء النهر موهما بانه يريد بالنهر جيحان أو جيحون و انما يريد بذلك نهرا آخر، و كذا قول المصري مثلا حدثني فلان في مسجد بغداد، و يريد به مسجدا في الشام.

و الحاصل، أنّ مرادهم به اطلاق لفظ متشابه يلوي به لسانه تعظيما لبلد مشترك بين مشهور و مغمور كي يوهم الرحلة في طلب الحديث له. و قد حكاه في علوم الحديث: 174 عن التوضيح: 372/1، و نظيره في فتح المغيث: 184/1.

قال في الرواشح: 8-187: و القسم الثالث من التدليس اخفّ ضررا من القسمين الاولين.

أقول: و ان صح ما قاله قدس سره في نفس الامر، الا انه قبيح لايهامه الكذب بالرحلة.

ص: 385

الخامس: تدليس التسوية:

اشارة

و يقال له: تدليس التجويد، أو التجويد، أو التسوية:

و هو ان يحمله على اسقاط شيخه أو غير شيخه لضعفه أو لصغر سنه، فيجعل الحديث مرويا عن الثقات فقط ليحكم عليه بالقبول و الصحة، و يأتي بلفظ يحتمل السماع. و خصّ جمع بعدم اسقاط الشيخ الذي حدثه و انما يسقط من بعده في الاسناد رجلا ضعيفا أو صغيرا.. الى آخره. و في الاصطلاح يقال هنا: يسوي السند بان يجعله يبدو متصلا بالثقات، و من هنا جاءت التسمية، و أوّل من قالها ابن قطان كما ذكره السيوطي في تدريب الراوي: 224/1.

قال الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن): و هذا شرّ انواع التدليس، و كذا قاله في علوم الحديث: 176، و الألفية و شرحها: 182/1 و غيرهم. و ذلك لما فيه من التغرير الشديد، و لذا ذمّ جدا لما فيه من الغش و التغطية.. بل قد يوصف باوصاف اعظم من واقعه و حقيقته كقوله حدثني الثقة الثبت.. و أشباه ذلك، و هو ليس كذلك.

ثم حيث كان المدلس يصرح بالاتصال عن شيخه لانه قد سمعه منه فلا يظهر في الاسناد ما يقتضي ردّه إلا لأهل النقد و التمحيص و المعرفة بالعلل.

و لابن حجر - كما في التدريب: 226/1 هنا تحقيق، قال: و التحقيق ان يقال: متى قيل تدليس التسوية فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الاسناد قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث، و ان قيل: تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج الى اجتماع أحد منهم بمن فوقه، كما فعل مالك، فانه لم يقع في التدليس أصلا و وقع في هذا، فانه يروي عن ثور عن ابن عباس، و ثور لم يلقه و إنما روى عن عكرمة عنه، فأسقط عكرمة لانه غير حجة عنده! و على هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون

ص: 386

ضعيفا، فهو منقطع خاص!.

أقول: انّا لا نثق بالتزامهم به اولا، و نعدّه عذرا أقبح من فعل ثانيا، و اصطلاح خاص منه لا شاهد عليه ثالثا، فتدبّر جيدا.

تنبيهان:

264 الاول: قد قيّد تدليس التسوية باللقاء،

و بهذا يخرج المرسل، و المشهور تقييد المحذوف بكونه ضعيفا، و عليه فهو اخص من المنقطع، مع ان بعضهم قد ادرج في تدليس التسوية ما كان المحذوف ثقة.

265 الثاني: سمى هذا القسم ابن قطان ب: التسوية، من دون لفظ التدليس،

فيقال سواه فلان و هذه تسوية. و القدماء يسمونه تجويدا، فيقولون جوّده فلان، اي ذكر من فيه من الاجواد و حذف غيرهم.

***

ص: 387

مستدرك رقم: (134) الجزء الاول: 377 اقسام تدليس الاسناد:

قسّم الحاكم - كما حكاه النووي في التقريب و السيوطي في التدريب:

227/1 و غيرهما - تدليس الاسناد الى خمسة اقسام:

1 - قوم لم يميزوا بين ما سمعوه و ما لم يسمعوه.

2 - قوم يدلّسون، فاذا وقع لهم من ينقر عنهم و يلح في سماعاتهم ذكروا له.

3 - قوم دلّسوا عن مجهولين لا يدرى من هم.

4 - قوم دلّسوا عن قوم سمعوا منهم كثيرا، و ربّما فاتهم الشيء عنهم فيدلّسونه.

5 - قوم رووا عن شيوخ لم يروهم، فيقولون قال فلان، فحمل ذلك عنهم على السماع و ليس عندهم سماع.

و ذكرها عن الحاكم البلقيني في محاسن الاصطلاح - هامش المقدمة -:

168 بتفاوت، الا انه عدّها ستة، سادسها: قوم دلّسوا احاديث رووها عن المجروحين فغيّروا انسابهم و كناهم لئلا يعرفوا.

الا اني بعد مراجعة معرفة علوم الحديث: 103-112 وجدت خبطا للسيوطي و خلطا، حيث انه في ذكر نوع: معرفة المدلسين، عرّفهم بأنهم لا يميز من كتب عنهم بين ما سمعوه و ما لم يسمعوه و قسمهم الى ستة:

الأول: من دلّس عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه الا انهم لم يخرجوا من عداد الذين يقبل اخبارهم.

ص: 388

الثاني: قوم يدلّسون الحديث فيقولون: قال فلان، فاذا وقع اليهم من ينقر عن سماعاتهم و يلح و يراجعهم ذكروا فيه سماعاتهم.

الثالث: قوم دلّسوا على اقوام مجهولين لا يدرى من هم و من أين هم.

الرابع: قوم دلّسوا احاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم و كناهم كي لا يعرفوا.

الخامس: قوم دلّسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير، و ربّما فاتهم الشيء عنهم فيدلّسونه.

السادس: قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط و لم يسمعوا منهم، و انما قالوا:

قال فلان، فحمل ذلك عنهم على السماع و ليس عندهم عنهم سماع عال و لا نازل.

و ذكر لذلك شواهد، و عدّ من عرف من أئمتهم بذلك، و لا اخاله ترك منهم احدا..!! حتى قال ابن عبد البر - كما في التدريب -:.. و على هذا فما سلم احد من التدليس، لا مالك و لا غيره!. و قال في علوم الحديث: 179: فما اقلّ الذين سلموا من التدليس حتى ابن عباس.. الى آخره.

قال شعبة: ما رأيت احدا من اصحاب الحديث الا يدلّس الا ابن عون و عمرو بن مرة الجملي - كما ذكره في تهذيب التهذيب: 103/8، و ميزان الاعتدال:

288/3 برقم: 6447 في ترجمته - بل ان البخاري و مسلم كانا من المدلّسين، انظر ترجمة عبد اللّه بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني المصري في ميزان الاعتدال:

440/2 ترجمة برقم: 4383 و تهذيب التهذيب نفس الترجمة: 61/5-256.

و يكفي ملاحظة كتاب تعريف اهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس المطبوع في مصر سنة 1322 ه صفحة 6 و ما بعدها.

و قد اعتذروا عن رواة الصحيحين المشاهير بالتدليس اعتذارا عاما بان تدليسهم ضرب من الابهام و ليس كذبا؟! و هنا كلام نجلّ القارئ من سماعه. و انظر

ص: 389

الفائدة الرابعة من فوائد البحث.

أقول: يمكن ارجاع الاقسام الستة التي ذكرها الحاكم الى القسمين الاولين، بأن يكون القسم الرابع و السادس تدليس الشيوخ، و الباقي تدليس الاسناد، فتدبّر.

و قد عدّ الدربندي في درايته: 14 - خطي - اقسام تدليس الاسناد ثلاثة.

***

ص: 390

مستدرك رقم: (135) الجزء الاول: 378 الفرق بين التدليس و الارسال الخفي:

لقد تداخل بحث الارسال و التدليس في كلمات القوم خصوصا المرسل الخفي، و يمكن عدّهما واحدا على بعض المباني، و متباينين على بعض التعاريف، و عامين من وجه على بعض القيود. و كل هذا يظهر بالتأمّل في كلام المصنّف رحمه اللّه و ما علّقنا عليه.

و من هنا قيل ان رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي و قيس بن أبي حازم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من قبيل الارسال لا من قبيل التدليس، فلو كان مجرد المعاصرة يكتفى بها عن التدليس لكان هؤلاء مرسلين لا مدلّسين، لانهم عاصروا النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قطعا، و لا يعرف عنهم لقاؤهم إيّاه صلوات اللّه عليه و آله جزما، كما صرح به في شرح الألفية: 169/1-170 و غيره.

و قد ناقش كل ذلك الدربندي في درايته: 15 - خطي - بقوله: قلت: انك اذا تأملت تجد هذا الكلام مشتملا على امور مدخولة، فان المخضرمين - على ما ذكره غير واحد من اهل العلم و الفضل - هم الذين ادركوا الجاهلية و زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اسلموا و لم يروه. ثم قال: و كيف كان فلا وجه لتردده في ذلك بقوله: و لكن لم يعرف هل لقوه ام لا؟ و من هنا بان عدم استقامة كلامه، و لو كان مجرد المعاصرة يكتفى بها في التدليس لكان هؤلاء مدلّسين.

و بيان ذلك: ان هذا انما يلزم لو اوهموا السماع و لم يتحقق هذا قطعا للجزم بعدم لقائهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ص: 391

فان قلت: ان هذا القدر من الكلام غير كاف في المقام: فما تقول في المرسل الخفي و المدلّس و ما الحيلة في دوران الامر بينهما؟.

قلت: بعد حمل المرسل هاهنا على مطلق الانقطاع نظرا الى ان المرسل المصطلح عند اكثر العامة هو ما سقط منه الصحابي، نقول: ان جملة من الاصول و ان عورض بمثلها في المقام، الا ان مقتضى قاعدة حمل فعل المسلم و قوله على الصحة تقضي بالحكم بالارسال الخفي دون التدليس، و بالجملة فان هذا يجري في مقام احتمال الامرين سواء أقلنا بدخول الارسال الخفي في هذا التدليس أم لا، فخذ الكلام بمجامعه و لا تغفل.

و على كل فيلزم منه كون التدليس متضمنا للارسال، و الارسال لا يتضمن التدليس، لانه لا يقتضي ايهام السماع ممّن لم يسمع منه، و لذا ذمّ من دلّس دون من أرسل.

و قد فرّق ابن حجر في شرح النخبة: 18 بين المدلّس و المرسل الخفي بما حاصله: ان التدليس يختص بمن روى عمّن عرف لقاؤه إيّاه، فاما ان عاصره و لم يعرف انه لقيه فهو المرسل الخفي. و قال: و من ادخل في تعريف التدليس المعاصرة و لو بغير لقاء لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه، و الصواب التفرقة بينهما، و ذكره الدربندي في درايته: 15 - خطي -.

ثم لو خصصنا جواز التدليس بما لو كان ذلك عن ثقة - كما حكي عن ابن عبد البر في التمهيد - و جعل الجائز منه ما كان كذلك و انه في غير الثقة مذموم قال: و لا يكون ذلك عندهم الا عن ثقة، فان دلّس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة اهل الحديث!.

و قد قيد التدليس ابن حجر بقسم اللقاء، و جعل قسم المعاصرة ارسالا خفيا، كما حكاه في التوضيح: 350/1، و علوم الحديث: 170، و قواعد التحديث:

132 و غيرها. قال الخطيب في الكفاية: 510:.. الا ان التدليس الذي ذكرناه

ص: 392

متضمن للارسال لا محالة من حيث كان المدلّس ممسكا عن ذكر من بينه و بين من دلّس عنه، و انما يفارق حاله حال المرسل بايهامه السماع ممّن لم يسمع منه فقط، و هو الموهن لأمره، فوجب كون هذا التدليس متضمنا للارسال، و الارسال لا يتضمن التدليس، لانه لا يقتضي ايهام السماع ممن لم يسمع منه.. و نظيره قاله في صفحة: 515.

قال الدربندي في درايته: 15 - خطي -: و ممن اشترط اللقاء في التدليس الشافعي و ابو بكر الرازي، و كلام الخطيب في الكفاية يقتضيه، ثم قال: و هو المعتمد.

فلا محالة من ان يكون التدليس أسوأ حالا من الارسال، و اخص منه مطلقا، فتدبّر.

***

ص: 393

مستدرك رقم: (136) الجزء الاول: 385 حجية المدلّس و الحديث المدلس:

ذكر المصنّف رحمه اللّه اقوالا ثلاثة في جرح من عرف بالتدليس، و انه هل ترد روايته التي لم يدلّس بها أيضا، و استجود المشهور القول بالتفصيل و انه دائر مدار اللفظة، فان صرح بما يقتضي الاتصال قبل و الا فلا. و استدلّوا لهذا القول بأنّ التدليس ليس كذبا، و انما هو تحسين لظاهر الاسناد و ضرب من الايهام بلفظ محتمل، فاذا صرح قبلوه و احتجوا به، و ردّوا ما اتى منه باللفظ المحتمل و جعلوا حكمه حكم المرسل و نحوه.

و هذا لم افهمه بعد، حيث لو كان يدلّس في متن الحديث و سنده و سوّغ لنفسه ذلك فليدلّس في الالفاظ و يأتي بالالفاظ التي تفيد الاتصال.

ان قلت: ان التدليس غير قادح في العدالة.

قلنا: هذا أوّل الكلام، و لو سلّمناه فنحن نشترط في الراوي الوثاقة و الاطمينان بصدور ما يحكيه، و لا ريب ان من عرف بذلك لا يبقى وثوق فيه حتى لو لم يكن ذاك جارحا له.

و هنا اقوال اخرى غير ما ذكرها المصنّف رحمه اللّه نذكرها درجا و هي:

الرابع: من يقول بالتدليس بالمعاريض لا يعدّ مثل هذا جرحا، لان قصده التوهيم - كما ذكره في التدريب: 229/1 - دون غيره، و حكاه بلفظ القيل الدربندي في درايته: 16 - خطي -.

الخامس: ما حكي عن الصيرفي في دلائله انه من ظهر تدليسه عن غير

ص: 394

الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني أو سمعت.. و هو تفصيل في التفصيل الثالث. و عزاه ابن عبد البر الى أكثر أئمة الحديث، و انه لو كان يدلّس عن الثقات كان عند اهله مقبولا و الا فلا.

السادس: ما ذكره الخطيب البغدادي في الكفاية: 515:.. اذا دلّس المحدث عمّن يسمع منه و لم يلقه، و كان ذلك الغالب على حديثه، لم تقبل رواياته، و اما اذا كان تدليسه عمّن لقيه و سمع منه فيدلّس عنه رواية ما لم يسمع منه فذلك مقبول بشرط ان يكون الذي يدلّس عنه ثقة.

السابع: ان كان وقوع التدليس منه نادرا قبلت عنعنته و نحوها و الا فلا، و هو ظاهر مختار ابن المديني كما قاله السخاوي في الفتح: 175/1.

الثامن: ما ذكره الدربندي في درايته: 16 - خطي - بقوله: و قيل: يفرق بين حدثني و اخبرني، فيجعل الاول كالسماع و الثاني مترددا بين المشافهة و الاجازة و الكتابة و الوجادة هنا. و سنتعرض له.

قال في حاشية المقدمة: 166: و اختلف أئمة الحديث في قبول من عرف بالتدليس اذا لم ينص على سماعه، فجمهورهم على قبول حديث من عرف منهم بانه لا يروي الا عن ثقة، كما قالوا في حديث من علم انه لا يرسل الا عن ثقة و على ترك حديث.. في الاخذ و ترك الحجة به حتى ينص على سماعه، و قد ذكر أبو عبد اللّه الحاكم الاختلاف في ذلك كما قدمناه.

أقول: بعض الاقوال ترجع الى الحديث المدلّس فيه، و بعضها الى غيره مما علم بعدم تدليسه فيه، و قد وقع خلط بينهما عند الأعلام، فراجع.

***

ص: 395

مستدرك رقم: (137) الجزء الاول: 385 فوائد (حول التدليس):

266 الأولى: هناك نوع من انواع علوم الحديث

عرف ب: معرفة المدلّسين، تعرض له جمع من علماء الدراية كالحاكم في معرفة علوم الحديث: 103 و غيره، و عدّه بعضهم نوعا من انواع علوم الحديث برأسه، و المراد ب: معرفة المدلسين: هم الرواة الذين لا يميز من كتب عنهم بين ما سمعوه و ما لم يسمعوه.

267 الثانية: قيل: ان من يدلّس عن الثقات كان تدليسه عند اهل العلم مقبولا،

بعد فرض وثاقته ان كان ثقة!.

و هو أمر دورى ان قلنا انه غير مسقط للعدالة، و الا فالامر واضح.

268 الثالثة: ذكر في الكفاية: 515-517 الفاظ تزيل الابهام عن التدليس

مثل قول:

سمعت فلانا يقول أو يحدث أو يخبر أو قال لي فلان أو ذكر لي.. و ما يجري مجراها مما لا يحتمل غير السماع و ما كان بسبيله، فراجع.

269 الرابعة: الطريف حقا ان العامة قالت:

ما اقلّ من سلم من التدليس - كما جاء في علوم الحديث: 176 و غيره -، بل غالب رواة صحاحهم - ان لم نقل كلّهم - اتهموا بالتدليس، و الغريب انهم اعتذروا عن هؤلاء بان تدليسهم ضرب من

ص: 396

الايهام و ليس كذبا! و الاغرب عدّهم هذا من المرسل الخفي، و قالوا اجدر ان يطلق عليه هذا من اسم التدليس! و فرّقوا بينهما بما لا حاصل فيه. لاحظ شرح النخبة: 18-19، معرفة علوم الحديث: 103، علوم الحديث: 176-179، شرح ألفية الحديث للسخاوي: 169/1 و غيرها. و قد استدركناه قريبا.

و من الطريف أيضا ما في قواعد التحديث: 132 من قوله:.. و ما كان في الصحيحين و شبههما عن المدلّسين ب (عن) فمحمول على ثبوت السماع من جهة اخرى، و ايثار صاحب الصحيح طريق العنعنة بكونها على شرطه دون تلك!؟ و هو تقوّل بما لا يرضى صاحبه، و تخرّص عرفناه من غيره.

و قلّما نجد من رواة احاديثنا من اتهم بالتدليس حتى من أعدائنا، و ان قذفنا بالكذب و الوضع و البدعة و غيرها، لعن اللّه من ابدع و غيّر سنّة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و نبذ الكتاب!.

270 الخامسة: التدليس فيه حالات ثلاث تقتضي ذم المدلّس و توهينه:

احداها: ايهامه السماع ممّن لم يسمع منه، و ذلك مقارب للاخبار بالسماع ممّن لم يسمع منه، و قد مرّ ذكره، و كونه توعيرا للطريق و تشكيكا في النصوص.

ثانيها: عدوله عن الكشف الى الاحتمال، و ذلك خلاف الورع و الامانة.

ثالثها: ان المدلس انما لم يبين من بينه و بين من روى عنه لعلمه بانه لو ذكره لم يكن مرضيا مقبولا عند اهل النقل فلذلك عدل عن ذكره، و هو هنا أيضا يتوخى توهيم علو الاسناد. قال في الكفاية: 510-511: و ذلك خلاف موجب العدالة و مقتضى الديانة من التواضع في طلب العلم، و ترك الحميّة في الاخبار بأخذ العلم عمّن اخذه. و المرسل المبين بريء من جميع ذلك.

و قال في الرواشح السماوية: 189: و يختلف الامر في الكراهية شدة و ضعفا بحسب الغرض الحاصل عليه،... و اهل الحديث مسامحون في هذه كلّها الا اذا

ص: 397

كان لاخفاء ضعفه، فانه كاد يكون من الغش في الحديث. و حكي عن الخطيب - كما في فتح المغيث: 181/1 - عن تدليس الشيوخ لو كان أصغر:.. و ذلك خلاف موجب العدالة و مقتضى الديانة من التواضع في طلب العلم و ترك الحمية في الاخبار بأخذ العلم عمّن اخذه.. الى آخره.

271 السادسة: قيل: المدلّسون خمس مراتب:

من لم يوصف به الا نادرا، و من كان تدليسه قليلا بالنسبة لما روى مع امانته و جلالته، و من اكثر منه غير متقيد بالثقات، و من كان اكثر تدليسه عن الضعفاء أو المجاهيل، و من انضمّ اليه ضعيف بامر آخر..

كذا قاله السخاوي في فتح المغيث: 184/1. و فيه ما لا يخفى.

272 السابعة: قال الذهبي - كما حكاه في شرح الألفية: 169/1 -: و هو - أي التدليس -

داخل في قوله عليه السّلام: من غشّنا فليس منّا، لانه يوهم السامعين ان حديثه متصل و فيه انقطاع، هذا اذا دلّس عن ثقة، فان كان ضعيفا فقد خان اللّه و رسوله، بل هو كما قال بعض الأئمة حرام اجماعا.

اقول: لا اعرف كيف يجمع بين كونه حراما اجماعا، و كون التدليس لا يكون الا عن عدل ثقة، و ما مرّ في الفائدة الرابعة.

273 الثامنة: لو ثبت التدليس للراوي مرة فقد سقط بالمرة،

كذا ذهب جمع و منهم الشافعي و عبارته هي: و من عرفناه دلّس مرة فقد ابان لنا عورته في روايته، و ليس تلك العورة تكذب فترد حديثه.. و حكاه البيهقي و قال: من عرف بالتدليس مرة لا يقبل منه ما يقبل من اهل النصيحة في الصدق حتى يقول حدثني أو سمعت كذلك. و صرّح به في اصول الحديث: 342، و علوم الحديث: 171 و غيرهما. و عدّه العراقي في التقريب: 228/1 من التدريب قادحا فيمن تعمّد فعله، و عن ابن

ص: 398

حجر انه جارح و ان وصف به فلان و فلان..!.

اقول: حيث دلّس مرة فلا شك ان جميع معنعناته تسقط عن الاعتبار، اما لو عرف بالتدليس ثم روى حديثا نعلم انه لم يدلّس فيه ففيه الخلاف الذي ذكره المصنّف قدس سره، و ليس الكلام في الاحاديث المدلّس فيها لعدم قبولها قطعا.

و هل تسقط مسموعاته و تحديثاته؟ لم أر من عنون المسألة، و هي فرع ثبوت الفسق بالتدليس و عدمه، و على الاول فتسقط كما هو الظاهر، و على الثاني ففيه تفصيل، كما ان ثبوت اللقاء مرة يوجب ظهور السماع من حاله بالمرة، الا ان تكثر روايته عمّن سمع منه و يشتهر بالوضع كما في أبي هريرة الدوسي و نظائره، انظر اضواء على السنة المحمدية و شيخ المضيرة و غيرهما.

و عليه فمن عرف بالكذب في حديثه مرة صار كذّابا، و هو الظاهر من حاله، الا ان يتوب أو يثبت الخلاف، و بذا يسقط العمل بجميع حديثه مع جواز كونه صادقا في بعضه.

قال الدربندي في درايته: 16 - خطي -: و الحق ان التدليس غير قادح في العدالة و لكن تحصل به الريبة في اسناده فلا يحكم باتصال سنده الا مع اتيانه بلفظ لا يحتمل التدليس بخلاف غير المدلّس، فانه يحكم لاسناده بالاتصال حيث لا معارض له.

274 التاسعة: قد ذكر الحلبي في كتابه:

التبيين لاسماء المدلسين جماعة من جهابذة علماء الجمهور تناهز المائة اقرّوا بالتدليس أو شهد لهم الثقات منهم بذلك، و لابن عساكر كتاب فيهم، و عدّ منهم الخطيب البغدادي في الكفاية: 518 جمعا كبيرا، و افرد لهم كتابا.

كما و قد تعرض لجمع منهم في محاسن الاصطلاح: 163 - ذيل المقدمة -

ص: 399

بعد نقله لعبارة القاضي عياض، فراجع.

قال في الكفاية: 514: و الثوري أمير المؤمنين في الحديث، و كان يدلّس!! بل كل أمراء المؤمنين في الحديث عندهم اتهموا بالتدليس!

275 العاشرة: قال الدربندي في درايته: 14 - خطي - و اطلاق المدلّس على الحديث على سبيل التجوز.

و هو على حق في ما قال رحمه اللّه، و هو نظير اطلاق الموضوع على الحديث.

276 الحادية عشرة: جميع ما تقدم من اقسام التدليس انما هو تدليس الاسناد، و اذا قيل حديث مدلّس فلا يراد منه الا هذا القسم من التدليس، و اما تدليس المتن

فلم يذكروه، و لعلهم استغنوا عنه بما ذكروه في المدرج، فراجع.

و لا شك ان تعمّد مثل هذا حرام بلا إشكال.

277 الثانية عشرة: قال الدربندي في درايته: 16 - خطي -:

ثم اعلم ان عدم اللقاء يوجب التدليس. ثم قال: و يعرف عدم الملاقاة باخبار المدلّس عن نفسه أو بجزم حاذق كامل من اهل الصناعة بذلك، و لا يكفي ان يقع في بعض الطرق زيادة راو بينهما لاحتمال ان يكون من المزيد، و لا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي لتعارض احتمال الاتصال و الانقطاع.

278 الثالثة عشرة: ذكر في حاشية مقدمة ابن الصلاح عنه: 167 فائدة للتدليس - بعد ذكره لجملة من مفاسده - قال:

فاما مصلحته، فامتحان الاذهان في استخراج التدليسات و القاء ذلك الى من يراد اختبار حفظه و معرفته بالرجال!!.

ص: 400

مستدرك رقم: (138) الجزء الاول: 390 هل المضطرب من الحديث الضعيف؟

ناقش السيد محمد أبو طالب الموسوي في كتابه الكفاية في علم الدراية - مخطوط برقم: 10212، المكتبة الرضوية - كلام الشهيد في المضطرب فقال:

ان الشهيد ذكر الحديث المضطرب في الاقسام المختصة بالضعيف، و ذكروا أيضا ان وصف الاضطراب انما يتحقق مع تساوي الروايتين المختلفتين في الصحة و غيرها بحيث لم يرجح احداهما على الأخرى، اما لو ترجحت إحداهما على الأخرى بوجه كأن يكون راويهما أحفظ و أضبط أو اكثر صحبة للمروي عنه.. فالحكم للراجح، فلا يكون مضطربا.

و هذا كما تراه كلام يناقض صدره عجزه، اذ ذلك اعتراف باتصاف المضطرب بالصحة فكيف يعدّ من الاوصاف المختصة. و اعتذر عنه في المنتقى باحتمال ارادة الصحة المنتهية الى محل الاضطراب، و لكنه كما ترى لا يعدّ من المرجحات، فان المدار في الصحة التي يرجح بها الخبر على معارضه هو الصحة في جميع السلسلة دون بعض، نعم الأفقهية و الاعدلية لا تعتبر بالنسبة الى الجميع، بل يكفي البعض كما هو ظاهر.

و يحتمل ان تكون الصحة غلطا في النسخة، و انه الصحبة دونها، و عليه فلا بحث، لكن القول به لا دليل عليه.

و التحقيق ان الاضطراب ان كان في المتن و تكون الرواية واحدة علما أو ظنا من راو واحد فهو، و ان كان موجبا لعدم الاعتماد بها و دخولها في المعلل

ص: 401

[كذا] المتن، الا انها غير مانعة من الصحة، اذ الجهة الداعية الى عدّ الاضطراب من موانع الصحة هو عدم الضبط، و هذا لا يؤثر الا اذا علم عدم ضبطه أو ظن، فردّ الرواية الصحيحة بمجرد اختلاف النقل لا دليل عليه، فعدّه في الاقسام المختصة غير صحيح، و ان كان في السند فكذلك أيضا، لان الراوي اذا انهى الرواية تارة الى الصدوق و اخرى الى من يماثله، فكيف يكون من اقسام الضعيف؟ و لا ينكشف الا بمثل ما يدعيه شبله مستشهدا بقول بعض العامة من الحكاية المشار اليها.

قال في المنتقى: و اما ما يقع على الوجه الذي ذكره والدي رحمه اللّه و خصوصا المصرّح به في بعض كتبه الفقهية فدعوى منعه من الصحة و القبول لا يساعد عليها اعتبار عقلي و لا دليل نقلي.

و قد احال معرفة وجه المانعية ما ذكره في الكتب الفقهية على ما تقرر في علم الدراية نعلم انه توهم، و ربما اعان عليه ما يتفق في كلام الشيخ من ردّ بعض الاخبار الضعيفة معللا باختلاف رواية الراوي له، ثم قال: و الشيخ مطالب بدليل ما ذكره...

و بالجملة، فعدّ هذين الشيخين الجليلين المضطرب من صفات الضعاف غير صحيح، بل الاولى - كما فعلنا - ذكره في المشتركات، و الا فما ادعاه في المنتقى ملزم لهم و لا يقولون به، ففي الترتيب و البيان تخالف، و الانصاف ان ما ذكره في المنتقى لا يخلو من قوة، و اللّه العالم.

***

ص: 402

مستدرك رقم: (139) الجزء الاول: 390 فوائد (حول المضطرب):

279 الاولى: ان بحثي الاعلال و الاضطراب متداخلان،

و كثيرا ما تتداخل امثلتهما في كتب الدراية، بل الاضطراب عندهم نوع من الاعلال. و قد حكى في علوم الحديث: 190 تعريف المضطرب عن العلاني و هو عين ما عرّف به ابن حجر المعلل.

280 الثانية: صرّح غير واحد - و سكت آخرون - بان وصف الاضطراب قد يدخل في الحديث الحسن و كذا الصحيح و ان قلّ ذلك،

كما لو كان الاختلاف في نسب الراوي أو اسم ابيه أو اسمه، و على جميع الوجوه هو ثقة مثل أحمد بن محمد بن خالد و أحمد بن محمد بن عيسى، و نظائره في كتبنا كثير، فلو صح اطلاق الاضطراب على مثل هذا فما وجه عدّه من اقسام الحديث المختصة بالضعيف!؟ فتدبّر.

الا ان يناقش في صحة اطلاق الاضطراب على هذا الترديد، فلاحظ.

و الحق ان وصف الاضطراب حيث وقع في سند أو متن اوجب الضعف، لاشعاره بعدم ضبط راويه أو رواته، و من هنا صح عدّه من الضعيف.

281 الثالثة: للشيخ حسن ولد الشهيد الثاني في منتقى الجمان: 8/1-11 تحقيق رشيق في باب المضطرب

ص: 403

في باب المضطرب قال في آخره:.. و قد علم بما حررناه ان الاضطراب دائر في كلام من ذكره بين معنيين، احدهما غير واقع في اخبارنا فلا حاجة لنا في تعريف الصحيح الى الاحتراز عنه، و الآخر غير مناف للصحة بوجه، فهو أجدر بعدم الاحتراز عنه، فراجع.

282 الرابعة: افرد الخطيب البغدادي في الكفاية: 540 بابا في من سمع حديثا من رجلين فحفظ عنهما و اختلط عليه لفظ احدهما بالآخر،

قال: انه لا يجوز له إفراد روايته عن احدهما و يستحب له ان يبين. و لابن حجر - كما قاله السيوطي في التدريب: 262/1 - كتاب في المضطرب سماه: المقترب.

283 الخامسة: قال في قواعد التحديث: 132: قد يجامع الاضطراب الصحة،

و ذلك بان يقع الاختلاف في اسم رجل واحد و ابيه و نسبته و نحو ذلك و يكون ثقة، فيحكم للحديث بالصحة، و لا يضر الاختلاف فيما ذكر مع تسميته مضطربا.. قال الزركشي: قد يدخل القلب و الشذوذ و الاضطراب في قسم الصحيح و الحسن.

284 السادسة: الاصل الاولي في الاضطراب

هو تضعيف الحديث و اسقاطه عن الحجية للاشعار بعدم التثبت و الضبط، بل هو قبيح عند اهل الفن، و لا يصدق الاضطراب الا بعد تساوي الحديثين المختلفين في الصحة أو الحسن أو الموثقية أو القوة أو الضعف أو غيرها، و لم يمكن ترجيح احد الحديثين بحفظ راويه أو وثاقته أو ضبطه أو.. غير ذلك. و كذا في درجة علوّ الاسناد أو التسلسل أو القبول أو الارسال أو القطع أو التعضيل و.. نحوها.

285 السابعة: قال الدربندي في درايته: 5 - خطي -

بعد تعريف المضطرب و التمثيل له

ص: 404

بالرواية: ثم ان الاضطراب في المتن قد يكون من راو واحد كما في تلك المرفوعة المضطربة، و قد يكون من رواة يروي كل واحد منهم على خلاف ما يرويه الآخر، ثم قال: و ذلك كثير في تضاعيف احاديثنا!.

286 الثامنة: قال الفيض في الوافي: 27/1: اعلم ان اضمار الحديث من الثقات المشهورين من اصحاب الأئمة عليهم السّلام ليس طعنا في الحديث.. الى أن قال:

و كذلك الرواية عن احد تارة بواسطة و أخرى بدونها لا توجب الاضطراب في الرواية - كما ظن - لجواز تعدد سماعه.

ثم قال: اما رواية الحديث تارة على وجه و أخرى على وجه مخالف له فهي توجب الاضطراب و عدم الاعتماد.

***

ص: 405

ص: 406

فهرس موضوعات الجزء الخامس مستدركات مقباس الهداية

المحتوى الصفحة

المدخل 7

مستدرك رقم (1) العلم، المعرفة، الدراية، الرواية الخبر هل هي الفاظ مترادفة؟ 9

مستدرك رقم (2) تعريف علم الحديث (الدراية) 14

مستدرك رقم (3) موضوع علم الحديث 16

مستدرك رقم (4) الغاية من علم الحديث و مسائله 17

مستدرك رقم (5) تعريف المتن 19

مستدرك رقم (6) فوائد حول المتن [1-5]20

مستدرك رقم (7) فوائد حول السند [6-8]23

مستدرك رقم (8) فوائد حول الحديث [9-14]25

مستدرك رقم (9) معنى المحدّث و المحدّث و التحديث 28

مستدرك رقم (10) معنى الاثر لغة و اصطلاحا، و فائدة [15] 34

مستدرك رقم (11) فائدة للشيخ البهائي [16] 35

مستدرك رقم (12) فوائد حول السنة [17-22]36

مستدرك رقم (13) الرواية لغة و اصطلاحا، و فائدتان [23-24]40

مستدرك رقم (14) اشكال و دفع 43

ص: 407

مستدرك رقم (15) الحديث القدسي، و فائدتان [25-26]45

مستدرك رقم (16) التقية.. موضوعا و حكما 50

مستدرك رقم (17) حصر الاخبار، و فائدة [27] 52

مستدرك رقم (18) انحصار الخبر في الصدق و الكذب 53

مستدرك رقم (19) تقسيم الخبر عند الاسترآبادي 54

مستدرك رقم (20) تقسيم الخبر عند العامة، و نسبة الخبر المتواتر و المتسامع و المتظافر 55

مستدرك رقم (21) مصادر البحث عن الحديث المتواتر 57

مستدرك رقم (22) التواتر اللفظي بين السلب و الايجاب 58

مستدرك رقم (23) فائدة العمل بالكتب المعتمدة [29] 61

مستدرك رقم (24) سندية حديث «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، و التأويلات التي ذكرت للحديث 62

مستدرك رقم (25) فوائد حول الحديث المتواتر [30-37]64

مستدرك رقم (26) الاقوال في حجية الخبر الواحد و صحة العمل به 67

مستدرك رقم (27) فوائد حول المستفيض [38-41]69

مستدرك رقم (28) الحديث العزيز المشهور 71

مستدرك رقم (29) فوائد حول الحديث العزيز و الغريب [42-46]72

مستدرك رقم (30) تنويع الخبر الواحد، و فائدة [47] 74

مستدرك رقم (31) تاريخ تنويع الخبر الواحد 78

مستدرك رقم (32) التنويع بين السلب و الايجاب 80

مستدرك رقم (33) البدعة.. لغة و اصطلاحا 86

مستدرك رقم (34) الصحيح عند القدماء، و فوائد [48-51]90

مستدرك رقم (35) السبب في اسقاط قيد الشذوذ و العلة من تعريف الصحيح 94

مستدرك رقم (36) ما اشترط في تعريف الصحيح غير ما ذكره المصنف رحمه اللّه 97

مستدرك رقم (37) تقسيم الصحيح عند العامة 99

مستدرك رقم (38) مناقشة صاحب المنتقى لوالده الشهيد الثاني 101

مستدرك رقم (39) مراتب الصحيح و اصح الاسانيد 103

ص: 408

مستدرك رقم (40) فوائد حول الحديث الصحيح [53-66]107

مستدرك رقم (41) كتب الصحاح عند العامة و الخاصة، و فائدة [67] 115

مستدرك رقم (42) الحسن عند العامة 119

مستدرك رقم (43) اقسام الحديث الحسن 122

مستدرك رقم (44) حجية الحديث الحسن عند العامة و الخاصة 124

مستدرك رقم (45) فوائد حول الحديث الحسن [68-82]126

مستدرك رقم (46) تعريف الحديث القوي، و فائدة [83] 133

مستدرك رقم (47) تعريف الحديث الصالح 137

مستدرك رقم (48) معاني الحديث الضعيف و اطلاقاته 139

مستدرك رقم (49) الغرض من التنويع 141

مستدرك رقم (50) ترتيب القسمة الاولية بحسب الاختلاف في الحجية 142

مستدرك رقم (51) قاعدة التسامح عند الاصوليين 144

مستدرك رقم (52) حكم العمل بالضعيف عند العامة 148

مستدرك رقم (53) حكم العمل بالضعيف عند الخاصة، و فوائد [84-86]151

مستدرك رقم (54) الفوائد الخمس عشرة في الحديث الضعيف [87-101]155

مستدرك رقم (55) خاتمة الفصل:

الحديث الجيد 160

الحديث القوي 161

الحديث المجوّد 161

الحديث الثابت 162

الحديث الصالح 162

الحديث المشبّه 162

الحديث المستحسن 162

الحديث المتظافر 163

الحديث المتسامع 163

الحديث المعمول به 163

الحديث المعتبر 165

ص: 409

الحديث المجمع عليه 165

الحديث المحفوظ 165

الحديث المعروف 166

الحديث المقبول 166

افراد الثقات 166

الحديث المتفق عليه 166

مستدرك رقم (56) انواع علوم الحديث 167

مستدرك رقم (57) الحديث المسند و الموصول و المتصل و فوائد [102-106]173

مستدرك رقم (58) المرفوع عند العامة و الخاصة 177

مستدرك رقم (59) اقسام المرفوع. و فائدة [107] 179

مستدرك رقم (60) تنبيهان حول المعنعن [117-118]185

مستدرك رقم (61) المؤنن، تعريفا و حكما، و فائدة 185

مستدرك رقم (62) الفرق بين المعلق و المنقطع و المرسل، و فائدتان [119-120]188

مستدرك رقم (63) تنبيهان حول المعلق [121-122]190

مستدرك رقم (64) الفرد النسبي و انواعه 191

مستدرك رقم (65) فوائد حول المفرد [123-127]193

مستدرك رقم (66) الفرق بين المفرد و الغريب 195

مستدرك رقم (67) معنى الاعتبار و المتابعة و الشاهد و الفرد 196

مستدرك رقم (68) طرق معرفة المدرج و انواعه 201

مستدرك رقم (69) حديث «انما الاعمال بالنيات» رواته من العامة و الخاصة 204

مستدرك رقم (70) حكم الشهرة و اقسامها 206

مستدرك رقم (71) معنى الشهرة عند المحدثين و غيرهم 208

مستدرك رقم (72) فوائد حول الحديث المشهور [128-134]209

مستدرك رقم (73) معاني الحديث الغريب 211

مستدرك رقم (74) فوائد حول الحديث الغريب [135-144]214

مستدرك رقم (75) تقسيم المصحف 218

مستدرك رقم (76) فوائد حول المصحف [145-147]219

ص: 410

مستدرك رقم (77) الحديث المحرف و تذييل [148] 223

مستدرك رقم (78) المصنفات في المحرف و المصحف 226

مستدرك رقم (79) اقسام علو الاسناد: العلو الحقيقي و العلو الاضافي 228

مستدرك رقم (80) معنى الموافقة و الابدال و المساواة و المصافحة 230

مستدرك رقم (81) علو الصفة 233

مستدرك رقم (82) فوائد حول الحديث العالي و النازل [149-156]235

مستدرك رقم (83) الحديث المردود 239

مستدرك رقم (84) تعريف الحديث الشاذ 241

مستدرك رقم (85) فوائد حول الحديث الشاذ [157-168]246

مستدرك رقم (86) تعريف المنكر 251

مستدرك رقم (87) فوائد عامة حول الحديث المنكر و غيره [169-179]253

مستدرك رقم (88) شروط المسلسل و اقسامه 258

مستدرك رقم (89) الحديث المسلسل 260

مستدرك رقم (90) معرفة زيادات الثقاة و حكمها 262

مستدرك رقم (91) فوائد حول الحديث المزيد [181-188]265

مستدرك رقم (92) فوائد حول الحديث المختلف [189-195]271

مستدرك رقم (93) الحديث المختلف من المزيد 275

مستدرك رقم (94) الحديث الناسخ و المنسوخ، اهميته، اقسامه، شروطه 281

مستدرك رقم (95) اسباب ورود الحديث، و فائدة [196] 285

مستدرك رقم (96) هل الحديث المقبول من الحديث الصحيح 288

مستدرك رقم (97) رواية عمر بن حنظلة 290

مستدرك رقم (98) اقسام المقبول 292

مستدرك رقم (99) مراتب الاعتبار 293

مستدرك رقم (100) المكاتبة 295

مستدرك رقم (101) المشافهة 296

مستدرك رقم (102) المتشابه و اقسامه 297

مستدرك رقم (103) المشتبه و فائدتان [197-198]299

ص: 411

مستدرك رقم (104) تلخيص المتشابه 300

مستدرك رقم (105) اقسام المتفق و المفترق، و فائدة [199] 302

مستدرك رقم (106) سبر كلمات ثاني الشهيدين في المسالك فيما يرويه عن محمد بن قيس 304

مستدرك رقم (107) المصنفات في المؤتلف و المختلف 306

مستدرك رقم (108) رواية الصحابة بعضهم عن بعض 308

مستدرك رقم (109) فوائد الباب [200-207]309

مستدرك رقم (110) رواية الاخوة و الاخوات 315

مستدرك رقم (111) فائدتان حول السابق و اللاحق [208-209]316

مستدرك رقم (112) حصيلة الاقسام الاخيرة 317

مستدرك رقم (113) الانواع التي لم يتعرض لها المصنف رحمه اللّه 319

مستدرك رقم (114) الفرق بين المرفوع و الاثر 328

مستدرك رقم (115) حجية الموقوف 329

مستدرك رقم (116) فوائد حول الموقوف [210-213]331

مستدرك رقم (117) تعارض الرفع و الوقف 333

مستدرك رقم (118) المنقطع و اقسامه 335

مستدرك رقم (119) المقطوع في الوقف 339

مستدرك رقم (120) فوائد حول المقطوع (المنقطع) [214-228]340

مستدرك رقم (121) الأقوال في حجية الحديث المضمر 345

مستدرك رقم (122) فائدتان حول الحديث المضمر [229-230]348

مستدرك رقم (123) الاضمار.. موضوعا و حكما 350

مستدرك رقم (124) فوائد حول الحديث المعضل [231-238]351

مستدرك رقم (125) تعريف المرسل 354

مستدرك رقم (126) حجية المرسل و فائدة [239] 357

مستدرك رقم (127) كلام الشيخ في العدة و مناقشته 364

مستدرك رقم (128) المراسيل الخفي إرسالها، و المزيد في متصل الاسانيد 366

مستدرك رقم (129) تعارض الوصل و الارسال 369

ص: 412

مستدرك رقم (130) فوائد حول المرسل [240-255]371

مستدرك رقم (131) اهمية علل الحديث و من ألف فيها 378

مستدرك رقم (132) فوائد حول المعلول [256-263]380

مستدرك رقم (133) الاقسام الاخر للتدليس 384

تدليس القطع 384

تدليس العطف 384

تدليس السكوت 385

تدليس البلاد 385

تدليس التسوية 386

تنبيهان [264-265]387

مستدرك رقم (134) اقسام تدليس الاسناد 388

مستدرك رقم (135) الفرق بين التدليس و الارسال الخفي 391

مستدرك رقم (136) حجية الحديث المدلس 394

مستدرك رقم (137) فوائد حول التدليس [266-278]396

مستدرك رقم (138) هل المضطرب من الحديث الضعيف؟ 401

مستدرك رقم (139) فوائد حول المضطرب [279-286]403

الفهرس 407

ص: 413

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.